اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح

شمس الدين البِرْماوي

مَوْسُوْعَةُ شُرُوْحِ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ المُشْرِفُ الْعَام نُوْرُ الدِّين طَالِب اللجنةُ العلميةُ الَّتِي شَارَكَتْ فِي تَحْقِيق هَذَا الْكتابِ مُحَمَّد خَلُّوف العَبْد الله عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد الكشك مُحَمَّد رشاد شمس ياسِيْن عَبد الله جمول مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الْخَطِيب

مقدمة التحقيق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمدُ للهِ مُنْزِلِ الشرائع والأحكام، وجاعل سُنَّة نبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مبيِّنةً للحلال والحرام، والهادي مَن اتَّبعَ رضوانَه سُبُل السَّلام. وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة تحقيقٍ على الدوام. وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَه رحمةً للأنام، وعلى آله وصحبِه الكرام. أمّا بعد: فإنَّ الأمةَ مجمعةٌ على أنَّ الأخبارَ التي اشتملَ عليها صحيحا الإمامين البخاريِّ ومسلمٍ مقطوع بصحَّةِ أصولها ومتُونها؛ إذ سَبَرَ هذانِ الإمامانِ مِنْ هذا الأمرِ ما لم يَسْبُرْ غيرُهما، واسْتَبْكَراه فَجَلَّيَا للنَّاس ما عَرَفَاهُ، وألغَيا ما استَنْكَراه، وليس لغيرِهما ما لهما مِنَ السَّبْقِ في ذلك، سَبَقَ إليه البخاريّ وصلَّى مسلمٌ، ومَنْ قال لك: إنَّ مثلِّثًا تلاهما فلا تصدِّقه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "جامع الصحيحين" لأبي نعيم الحداد (1/ 8).

ثم إنَّ جمهورَ الأمةِ على تقديمِ صحيحِ البخاريّ على مسلمٍ؛ فَقَدْ جَزَمَ الراوونَ بعذُوبةِ موارِدِهِ، وقَطَعَ الشارِحُونَ بصحَّةِ مطالبِهِ ومَقَاصِدِه، فكانَ كتابُه أصحَّ كتابٍ جَمَعَ فيه الوحيَ بعدَ القرآن فَأَوعى، وشادَ مَبَانيه فأجادَ فيه صُنْعا، فعَمَّ فضلُه الأمصارَ على توالي الأَعْصار، وَنَعتَهُ أعلامُ الدِّينِ بأنه بَحْرٌ لا يُدْرَكُ له قَرار. فلله درُّه مِنْ تأليف، ويا لَه مِنْ تصنيف، تَهفُو له قلوبُ المقتفينَ إذا تُليت أخبارُه وتخشع، فالمؤلَّف بَحْر، والمؤلِّف حَبْر، وللقارئ رِبْح. فمَنْ ظَفِرِ بهذا الصَّحيح سَجَدَ لله تعالى شُكْرًا على إيجاد مثلِ هذا الكتابِ لهذا الإمام؛ اعترافًا بفَضْلِهِ على أمَّةِ الإسلام. ومِنْ هُنا كَثُرت العنايةُ بهذا الكتاب العظيم، وتنوَّعت الشروحُ والتعليقاتُ عليه بَدْءًا من المئةِ الرَّابعة للهجرة حتى عَصْرِنا هذا، إذ ناهزتِ الكتبُ التي دارتْ حولَ أحاديثه الخمسَ مئةِ كتابٍ ما بين شارحٍ لمفرداتِه وغريِبه، ومُعْرِبًا لِمَا اعْتَاصَ من كلماته، وواصلًا لتعليقاتِه، ومُتَرْجِمًا لرجالاته، وموضحًا لمُبهماته، ومُبيِّنًا لتراجمه واستنباطاته إلى غيرِ ذلك من أنواع العناية به. وقد امتازَ كثيرٌ من الشُّروح بالفوائد والعوائد التي لا توجد في الشروح الأخرى، وقلَّ شرحٌ منها يخلو عَنْ فائدةٍ عزيزةٍ، أو تنبيهٍ مُهم، أو استنباطٍ مَليح، أو إرشادٍ بَليغ، إذ إنَّ هذا الكتاب -كما يقول المحقِّقون- لم يَسْتَصْبحْ أحدٌ سِراجَه، ولا استوضحَ سبيلَه ومنهاجَه، بل هو دُرَّةٌ لم تُثْقَب، ومُهْرَةٌ لم تُرْكَب.

ومِنْ هنا عُنينا بشروح هذا السِّفر الجليل عنايةً خاصةً في مشروعنا "موسوعة شروح السنَّة النبوية" التي نسأل اللهَ تعالى أنْ يكتبَ لها القَبولَ والتَّمام، وأنْ يوفِّقنا لإصدارها كما أرادَها مؤلِّفوها أنْ تَخْرُجَ لأهل الإسلام، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه. وقد تناولنا في تحقيِقنا جملةً من الشُّروح النَّفيسة التي لم تَر النورَ بعد، وأَلفينا فيها علومًا جَمَّة لا يستغني عنها مَنْ تَشَرَّب لِبانَ السنَّةِ النَّبويةِ وحَرَصَ على أخذها روايةً ودِرايةً. ومن بين تلكَ الشُّروحِ شرحُ الإمامِ المتفنِّنِ شمسِ الدِّينِ البِرْماويِّ الموسومِ بـ: "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" والذي يُطبع لأول مرة مقابَلًا على أربع نُسخ خطيَّة، معتمَدة في مُجْمَلها في الضَّبط والتوثيق. جمع فيه الإمامُ البِرْماويُّ بين شَرْحَي الإمامينِ الكبيرينِ الكَرْمَانيِّ والزَّرْكَشِيِّ على البخاريِّ باختصار. وحذف الكثير ممَّا وقعَ فيهما من التَّكْرار. ونبه على ما قد يظهرُ أنَّه وهمٌ أو خلافُ الراجحِ المُختار. مع ضَميمةِ فوائدَ وتنبيهاتٍ لا يُسْتغنى عنها؛ مِنْ وصلِ ما أَهْملا وصلَه من التَّعليقات، وتسميةِ ما أغْفَلاه من تفسيرِ المُبْهمات، والجوابِ عمَّا اعترضَ به الدَّارَقُطْنيُّ والإسماعيليُّ وغيرُهما في الأسانيد والمتون مما ليس من الواضحات، كما نقل فوائدَ تلقَّاها من شيخِ الإسلام أبي

حَفْصٍ البُلْقيني رحمه الله. فجاء شرحًا حافلًا بمادَّته العلميَّةِ من ضَبْطِ الألفاظِ، وبيانِ الغَريب، وإعرابِ المُشْكلات، مع ما وشَّحه من التَّنبيهات والفوائدِ بأخصرِ العبارات. ويكفي المرء احتفاءً أن يرى الإمامَ القَسْطلانيَّ في كتابه الحافل "إرشاد الساري" قد نَقل عنه جُملًا كثيرةً في غالب أحاديث الصحيح، وكذا شيخَ الإسلامِ زكريَّا الأنصاريَّ في شَرْحه على البخاري، وكذا الإمامَ عبدَ الله بنَ سالمٍ البصريَّ في كتابه "ضياء الساري"، وغيرَهم كثير. ولشُهرة هذا الشرح، وتقدُّم مؤلِّفه، صار يُشار بالنَّقل إليه في شروح البخاري بـ "في البِرماوي"، و"قال البِرماوي"، و"عن البِرماوي"، ونحو ذلك. بل إنَّ الإمام أبا ذرٍّ أحمدَ بنَ إبراهيم بن السِّبط الحَلبي المتوفى سنة (884 هـ) أقام كتابَه الموسوم بـ "التوضيح للأوهام الواقعة في الصحيح" على ثلاثة شُروح هي شرحُ الإمامِ البرماوي هذا، وشرحُ الإمامين الكرماني وابن حجر رحمهم الله أجمعين (¬1). هذا وقد تمَّ -بفضل الله وتوفيقه- تحقيقُ هذا الكتابِ على أربع نُسخ خطية، وهي معتمدةٌ في الضبط والتَّوثيق في مجملها بحمد الله تعالى. ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (1/ 198)، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة (1/ 553).

وتمَّ التقديمُ للكتابِ بترجمة الإمامِ شمس الدِّين البِرماوي، ثم تلاه دراسةٌ عامةٌ عن الكتاب. وتمَّ تذييلُ الكتاب بِفِهرس أطرافِ الأحاديث النَّبوية الشَّريفة التي شَرَحَها المؤلِّفُ، ثم بفِهرس عناوين الكتبِ والأبواب. اللهمَّ اجعلنا ممَّنْ يستنهجُ كتابَكَ وسنَّةَ نبِيكَ محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، واجعلْ نيَّتَنا خالصةً لوجهكَ الكريمِ في نشرِ السُّنَّة المُطَهَّرة، يدومُ الأجرُ فيها بعد الممات، ونبلُغُ بها منزلةً مرضيَّةً عندكَ، إنَّك وليُّ ذلك والقادرُ عليه، ولا حول ولا قوة إلا بك. وصلى الله على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والحمدُ لله ربِّ العالمين. حَرَّرُه نور الدين طالب شوال 1432 هـ

الفصل الأول ترجمة الإمام شمس الدين البرماوي

الفصل الأول ترجمة الإمام شمس الدين البِرْمَاوي (¬1) * أولًا: اسمه ونسبه وولادته: هو الإمام العلامة المتقن، أبو عبد الله، شمس الدين، محمد بن عبد الدائم (¬2) بن موسى (¬3) بن عبد الدائم بن فارس (¬4) بن محمد بن ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "إنباء الغمر" لابن حجر (3/ 414)، و"الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 280 - 282)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (4/ 131)، و"حسن المحاضرة" للسيوطي (1/ 439)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (15/ 152)، و"الأنس الجليل" للعُليمي (2/ 112)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 197)، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة (157، 547، 1881، 1923)، و"البدر الطالع" للشوكاني (2/ 181)، و"هدية العارفين" للبغدادي (2/ 186)، و" الأعلام" للزركلي (6/ 188)، و"معجم المؤلفين" لكحالة (10/ 132). (¬2) قال الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر" (3/ 414): وكان اسم والده فارسًا، فغيَّره البِرماويُّ. (¬3) قال السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 280): وسمى شيخنا -أي الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر" (3/ 414) - جدَّه (عيسى) سهوًا، انتهى. وتابع ابنَ حجر ابنُ العماد في "شذرات الذهب" (7/ 197). (¬4) وقيل بدل "فارس": "عبد الله"، كما ذكر السخاوي.

ثانيا: نشأته، وطلبه للعلم، وتدريسه

أحمد (¬1) بن إبراهيم، النُّعيمي (¬2)، البِرماوي (¬3)، العَسْقلاني الأصل، ثم المِصْري، الشافعي. ولد -رحمه الله- ليلة الخامس عشر من شهر ذي القعدة الحرام، سنة ثلاث وستين وسبع مئة. * * * * ثانيًا: نشأته، وطلبه للعلم، وتدريسه: كان أبوه يؤدِّب الأطفال، فنشأ ابنه طالبَ علم، فحفظ القرآن وكتبًا، واشتغل وهو شاب، وسمع الحديث على إبراهيم بن إسحاق الآمدي، وعبد الرحمن بن علي القاري، والبرهان بن جماعة، وابن الفصيح، والتَّنوخي، وابن الشيخة في آخرين. وأوَّل ما تخرَّج بقريبه المجدِ إسماعيل، ولازم البدرَ الزَّرْكشيَّ، وتمهَّر به، وحَرَّر بعض تصانيفه، وحضر دروس البُلْقيني، وقرأ عليه، وأخذ أيضًا عن الأبناسي، وابن الملقِّن، والعراقي، وغيرهم. وأمعن في الاشتغال مع ضيقِ الحال وكثرة الهمِّ بسبب ذلك، وصحب الجلال بن أبي البقاء وخَدَمَه، وناب في الحكم عن أبيه البدر، ثم عن ابن البُلقيني، ثم عن الأَخْنائي، ثم أعرض عن ذلك، ¬

_ (¬1) ذكر الشوكاني وتبعه كحالة: "رحمة" بدل "أحمد"، وهو خطأ. (¬2) نسبة إلى نُعيم المُجْمر مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، والذي كان يبخِّر مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) نسبة إلى (بِرمة) بكسر الباء الموحدة، قرية من قرى القاهرة.

وأقبل على الاشتغال، وكان للطلبةِ به نفعٌ، وفي كل سنة يقسِمُ كتابًا من المختصرات فيأتي على آخره، ويعملُ وليمة. ثم استدعاه النجم بن حِجِّي، وكان رافقه في الطَّلب عند الزَّركشي، فتوجه لدمشق في جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين، فأكرمه وأنزله عنده، وجلس فاستنابه في الحكم وفي الخَطابة. وولي إفتاءَ دارِ العدل عوضًا عن الشهاب الغَزِّي، ثم تدريس الرَّواحية ونظرها عوضًا عن البرهان بن خطيب عذراء، وتدريس الأمينية عوضًا عن العزِّ الحُسْباني، ودرَّس بها بخصوصها يومًا واحدًا. وعَكَف عليه الطلبة، وأَقْرأ "التنبيه" و "الحاوي" و"المنهاج" كلَّ ذلك في سنة، وغير ذلك، فاشتهرت فضيلتُه. وقُدِّر أن مات ولدُه محمد فجزع عليه، وكَرِه لذلك الإقامة بدمشق، فزوَّده ابنُ حِجِّي وكتب له إلى معارفه بالقاهرة، فوصلَها في رجب سنة ست وعشرين، وقد اتسعَ حالُه، وتصدَّى للإفتاء والتدريس والتصنيف، وانتفع به خلقٌ بحيث صار طلبتُه رؤوساءَ في حياته، وباشر وظائف الولي العراقيِّ نيابةً عن حفيده، ولبس لذلك تشريفًا، بل كان عُيِّن لتدريس الفقه بالمؤيدية عوضًا عن الحافظ بن حجر فلم يتم، وكذا كان استقرَّ في مشيخة الفخرية ابن أبي الفرج مِنْ واقِفِها، وفي التفسير بالمنصورية، ثم استنزله عنهما ابنُ حِجِّي. وحجَّ في سنة ثمان وعشرين، وجاور التي بعدها، ونشر العلمَ أيضًا هناك.

ثالثا: مشاهير شيوخه

ثم عاد في سنة ثلاثين، وقد عيِّن له بعناية ابنِ حِجِّي أيضًا تدريس الصلاحية ونَظرها بالقدس بعد موت الهَرَوي في آخر المحرم منها، فتوجه إليها وأقام بها قليلًا، وانتفع به أهلُ تلك الناحية أيضًا، ولم ينفصل عنها إلا بالموت (¬1). * * * * ثالثًا: مشاهير شيوخه: 1 - بدر الدين الزَّرْكشي، محمد بن عبد الله بن بَهادر المصري الشافعي، الإمام العلامة، لازم الشيخين جمال الدين الإسنوي وسراج الدين البُلقيني، وقد ترك إرثًا عظيمًا من المصنفات النافعة كـ "البحر المحيط" في أصول الفقه، و"البرهان في علوم القرآن"، و"التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح"، وغيرها. توفي سنة (794 هـ) (¬2). وكان الإمام البرماوي قد لازمه، وتمهر به، وحرر بعض تصانيفه، كما قال الحافظ السخاوي (¬3). 2 - سراج الدين البُلْقيني، عمر بن رسلان أبو حفص، الإمام شيخ الإسلام، أخذ عن أبي حيَّان والسُّبكي، وأجازه الحافظان المِزي والذهبي، وأخذ عنه العلماء طبقة بعد طبقة؛ فمن الأولى الزركشي، ¬

_ (¬1) نقلًا عن: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 281). (¬2) انظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (4/ 17)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (12/ 134)، و "شذرات الذهب" لابن العماد (5/ 339). (¬3) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 281).

ومن الثانية البرماوي. اشتهر صيته، وعلا ذكره، وانتشرت مؤلفاته المفيدة كـ "محاسن الاصطلاح"، و "تصحيح المنهاج"، وغيرهما، توفي سنة (805 هـ) (¬1). وقد كان الإمام البرماوي -رحمه الله- حضر دروس البلقيني، وقرأ عليه غالب دروسه (¬2)، وقد ذكره -رحمه الله- في ديباجة كتابه هذا، وأنه أودع فيه فوائد تلقاها من شيخه شيخ الإسلام البلقيني (¬3). 3 - ابن الملقِّن، سراج الدين، أبو حفص عمر بن علي الأنصاري، الإمام المتفنن، أخذ عن أبي حيان والسبكي ومُغُلْطاي، وقد أخذ عنه المؤلف -رحمه الله- والحافظ ابن حجر، وغيرهما، وقد درس وأفتى، وانتشرت مؤلفاته التي تدل على سعة علمه؛ كشرح البخاري المسمى بـ "التوضيح"، وشرح العمدة المسمى بـ "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"، و"شرح المنهاج للنووي"، وغيرها. توفي سنة (804 هـ) (¬4). 4 - أبو الفضل العراقي، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين، ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (6/ 85)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 51). (¬2) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (3/ 414)، قال الحافظ: وقد سمعت بقراءته على الشيخ "مختصر المزني". (¬3) انظر: (1/ 9). (¬4) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (6/ 100)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 44)، و"البدر الطالع" للشوكاني (1/ 508).

رابعا: مشاهير تلامذته

الإمام الحافظ المتقن، محدث الديار المصرية، أكثر من الرحلة في طلب العلم، وكان متواضعًا، لا يترك قيام الليل، اشتهرت مؤلفاته في الحديث وصارت عمدة أهل الحديث بعده؛ كألفيته في الحديث، و"التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح"، و"تخريج أحاديث الإحياء"، وغيرها. توفي سنة (806 هـ) (¬1). 5 - عز الدين بن جَمَاعة، محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز، الإمام المتفنن، أخذ عن سراج الدين البلقيني وغيره، له مؤلفات كثيرة تدل على سعة علمه وفضله ناهزت المئتين؛ منها شرحه على "جمع الجوامع". توفي سنة (819 هـ) بالطاعون (¬2). * * * * رابعًا: مشاهير تلامذته: 1 - جلال الدين المَحَلِّي، محمد بن أحمد، ولد سنة (791 هـ)، أخذ الفقه وأصوله والعربية عن الشمس البرماوي، وكان مقيمًا معه بالبيبرسية، فكثر انتفاعه به، وأخذ عن البلقيني وابن حجر وغيرهما، وكان إمامًا محققًا، مشهورًا بالذكاء، له مؤلفات عدة منها: "شرح جمع ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (4/ 171)، و "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 55). (¬2) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 171)، و "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 139).

خامسا: مؤلفاته

الجوامع"، و"شرح المنهاج للنووي". توفي سنة (864 هـ) (¬1). 2 - شرف الدين المُنَاوي، يحيى بن محمد أبو زكريا، ولد سنة (798 هـ)، وتفقه بالبرماوي، وأخذ عن ولي الدين العراقي وغيره، وله مؤلفات عدة منها: "الفتاوى"، و"شرح مختصر المزني"، توفي سنة (871 هـ) (¬2). وقد قال الحافظ السخاوي: وانتفع به خلق بحيث صار طلبته رؤوساء في حياته. وقال: وقد انتشرت تلامذته في الافاق ومنهم المحلي والعبادي والمناوي وطبقة قبلهم ثم طبقة تليهم، وحدث بالقاهرة ومكة ودمشق وبيت المقدس، سمع منه الأئمة كالزين رضوان بالقاهرة والتقي بن فهد بمكة، وابن ناصر الدين بدمشق، وروى عنه خلق رحمه الله وإيانا (¬3). * * * * خامسًا: مؤلفاته: 1 - " اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح"، وهو كتابنا هذا، وسيأتي الكلام عنه في الفصل الثاني من هذه المقدمة. ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 41)، و"البدر الطالع" للشوكاني (2/ 115). (¬2) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (10/ 254). و"شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 132). (¬3) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 282).

2 - "جمع العدة لفهم العمدة"، وهو شرح لكتاب "عمدة الأحكام" لعبد الغني المقدسي، وقد لخصه من شرحها لشيخه ابن الملقن من غير إفصاح بذلك مع زيادات يسيرة، كما قال السخاوي (¬1). 3 - "الزهر البسام فيما حوته عمدة الأحكام من الأنام"، وهو أرجوزة في نظم رجال "عمدة الأحكام" (¬2). 4 - "سرح النهر بشرح الزهر"، وهو شرح للأرجوزة المتقدمة (¬3). 5 - "النبذة الألفية في الأصول الفقهية"، قال الحافظ ابن الغرابيلي: لم يسبق إلى مثل وضعها (¬4). 6 - "الفوائد السنية في شرح الألفية"، وهو شرح "النبذة"، قال ابن الغرابيلي: شرحها شرحًا حافلًا نحو مجلدين، وكان يقول -أي البرماوي-: أكثرُ هذا الكتابِ هو جملة ما حصَّلت في عمري، قال ¬

_ (¬1) ذكره المؤلف في كتابه هذا "اللامع الصبيح"، وذكره له أيضًا: الحافظ ابن حجر والسخاوي وابن قاضي شهبة والعليمي وغيرهم. (¬2) ذكره له الحافظ ابن حجر والسخاوي وابن قاضي شهبة وابن العماد وغيرهم. (¬3) ذكره المؤلف في كتابه هذا "اللامع الصبيح"، وذكره له: الحافظ ابن حجر والسخاوي وغيرهما، وقد أكثر الإمام السفاريني الحنبلي من النقل عن هذه الكتب الثلاثة -أعني: شرح العمدة ونظم رجالها وشرحها- في كتابه المطبوع بتحقيقنا: "كشف اللثام في شرح عمدة الأحكام". (¬4) انظر "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 197). وقد ذكره له السخاوي وحاجي خليفة والبغدادي وغيرهم.

السخاوي: استمد فيه من "البحر" لشيخه الزركشي (¬1). 7 - "منهج الرائض بضوابط في الفرائض"، وهو منظومة في علم الفرائض (¬2). 8 - "شرح منهج الرائض بضوابط في الفرائض" (¬3). 9 - "نظم ثلاثيات البخاري" (¬4). 10 - "شرح منظومة ثلاثيات البخاري" (¬5). 11 - "مختصر السيرة النبوية" (¬6). 12 - "حاشية على مختصر السيرة النبوية" (¬7) المتقدم ذكره. 13 - "شرح لامية الأفعال لابن مالك" (¬8). ¬

_ (¬1) ذكره المؤلف في كتابه هذا "اللامع الصبيح"، وذكره السخاوي وابن العماد وابن قاضي شهبة وحاجي خليفة والبغدادي والزركلي. (¬2) ذكره السخاوي وابن قاضي شهبة وحاجي خليفة وغيرهم. (¬3) ذكره حاجي خليفة والبغدادي. (¬4) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (3/ 264) في ترجمة سليمان بن أبي السعود المغربي، وكذا ذكره العليمي والبغدادي. (¬5) ذكره الزركلي. (¬6) ذكره السخاوي وابن العماد وغيرهما. (¬7) ذكره السخاوي وغيره. (¬8) ذكره المؤلف في كتابه هذا "اللامع الصبيح" في مواضع كثيرة، وذكره له السخاوي، ونقل ابن العماد في "الشذرات" عن ابن الغرابيلي: أنه في غاية الجودة.

14 - "شرح الصدور بشرح زوائد الشذور" (¬1). 15 - "تلخيص المهمات على الروضة للإسنوي" (¬2). 16 - "تلخيص قوت القلوب" (¬3). 17 - "شرح خطبة المنهاج للنووي" في مجلد كبير (¬4). 18 - "البهجة الوردية" (¬5). 19 - "شرح اللمحة البدرية في علم العربية لأبي حيان" (¬6). 20 - "المقدمة الشافية في علمي العروض والقافية" (¬7). 21 - "تلخيص التوشيح لتاج الدين السبكي" (¬8). 22 - "ودائع التخالف في وقائع التحالف"، وهو في الحلف والمؤاخاة (¬9). هذا، وقد ذكر الحافظ ابن الغرابيلي: أن الإمام البرماوي كتب ¬

_ (¬1) كذا سماه الزركلي، وذكره السخاوي بقوله: "زوائد الشذور" فقط. (¬2) ذكره السخاوي وغيره. (¬3) ذكره البغدادي. (¬4) ذكره العليمي والبغدادي وكحالة. (¬5) ذكره السخاوي. (¬6) ذكره حاجي خليفة والبغدادي. (¬7) ذكره الزركلي. (¬8) ذكره ابن العماد في "الشذرات". (¬9) ذكره في كتابه هذا "اللامع الصبيح" فقط، ولم تشر إليه المصادر.

سادسا: صفاته وثناء العلماء عليه

الكثير، وحشَّى الحواشي المفيدة، وعلق التعاليق النفيسة، والفتاوى العجيبة (¬1). * * * * سادسًا: صفاته وثناء العلماء عليه: 1 - قال الحافظ ابن حجر: كان حسن الخط، كثير المحفوظ، قوي الهمة في شغل الطلبة، حسن التودد، لطيف الأخلاق (¬2). 2 - وقال الحافظ تاج الدين بن الغرابيلي الكَرْكي: هو أحد الأئمة الأجلاء، والبحر الذي لا تكدِّره الدِّلاء، فريد دهره، ووحيد عصره، ما رأيت أقعدَ منه بفنون العلوم، مع ما كان عليه من التواضع والخير (¬3). 3 - وقال الحافظ السخاوي: وكان إمامًا علامة في الفقه وأصوله والعربية وغيرها، مع حسن الخط والنظم والتودد ولطف الأخلاق، وكثرة المحفوظ والتلاوة، والوقار، والتواضع، وقلة الكلام، ذا شيبة نيِّرة، وهمة عالية في شغل الطلبة، وتفريغ نفسه لهم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 197). (¬2) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (3/ 414). (¬3) انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 197). (¬4) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 281).

سابعا: وفاته

* سابعًا: وفاته: لم يزل -رحمه الله- قائمًا بنشر العلم تصنيفًا وإقراء حتى توفي يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة (831 هـ) عن سبع وستين سنة، ودفن في القدس بتربة ماملا بجوار الشيخ أبي عبد الله القرشي. قال الحافظ ابن الغرابيلي: جاور بمكة سنة ثم قدم إلى القاهرة، فوافى موتَ شيخِنا شمس الدين بن عطاء الهروي، فولِّي الصلاحية، وقدم القدس، فأقام بها قريب سنة غالبها ضعيفٌ بالقَرحة (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 197).

الفصل الثاني دراسة الكتاب

الفصل الثاني دراسة الكتاب * أولًا: تحقيق اسم الكتاب: نصَّ المؤلف -رحمه الله- في مقدمة كتابه على اسم شرحه فقال: وقد سميته: "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" (¬1). وكذا جاء على طرة النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا المرموز لها بـ "ب"، وعلى طرة الجزء الثالث من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا المرموز لها بـ "ت". وجاء على غلاف النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا والمشار إليها بـ (الأصل): "اللامع الصبيح في شرح جامع الصحيح"، وجاء في آخرها بقلم الناسخ: "اللامع الصبيح في شرح الجامع الصحيح". وذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" فقال: "اللامع الصبيح" (¬2)، وسماه في موضع آخر بـ "اللامع الصبيح في شرح الجامع الصحيح" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: (1/ 7). (¬2) انظر: (1/ 517). (¬3) انظر: (2/ 1535).

ثانيا: إثبات صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف

وكذا سماه البغدادي في "هدية العارفين" (¬1). وسماه الزركلي في "الأعلام" (¬2) وكحالة في "معجم المؤلفين" (¬3): "اللامع الصبيح على الجامع الصحيح". * * * * ثانيًا: إثبات صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف: 1 - ما جاء على غلاف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق من نسبة هذا التأليف إلى الإمام البرماوي. 2 - خطبة الإمام البرماوي في مقدمة هذا الشرح، وما ذكر فيها من كتاب شيخه بدر الدين الزركشي: "التنقيح"، وما ذكره له أنَّ له على البخاري شرحًا مطولًا، وذَكَر شيخَه أبا حفصٍ عمرَ البلقينيَّ، وشيخه سراج الدين بن الملقن. 3 - ذكرُه لجملة من مؤلفاته في ثنايا هذا الشرح كـ "شرح الألفية في الأصول"، و"شرح لامية الأفعال لابن مالك"، و"شرح منظومة رجال العمدة" المسماة بـ "سرح النهر في شرح الزهر"، و"شرح عمدة الأحكام". 4 - نسبةُ جميع المترجمين للإمام البرماوي هذا التأليف له، ¬

_ (¬1) انظر: (2/ 186). (¬2) انظر: (6/ 188). (¬3) انظر: (10/ 132).

ثالثا: منهج المؤلف في الكتاب

وذِكْرُ بعضِهم أنه اختصر فيه شرحي الكرماني والزركشي، وجمع بينهما، وأخذ جملة من كلام الحافظ ابن حجر في كتابه "هدي الساري"، وهذا واضح لمطالع هذا الشرح. 5 - نقلُ جمع من الأئمة والشرَّاح جملًا كثيرة عن الشرح، كالقسطلاني في "إرشاد الساري"، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "تحفة الباري"، وعبد الله بن سالم البصري في "ضياء الساري". * * * * ثالثًا: منهج المؤلف في الكتاب: قدَّم المؤلف -رحمه الله- لكتابه هذا بمقدمة مبينة لمنهجه الذي قصده في شرحه، والسبب الباعث إلى تأليف هذا الكتاب، فذكر أن أهل زمانه في مصر وغيرها قد لهجوا بكتابين من كتب شروح صحيح الإمام البخاري، أولهما: شرح العلامة شمس الدين الكرماني، وثانيهما: كتاب الإمام الزركشي "التنقيح". * وقد ذكر المؤلف -رحمه الله- ما اشتمل كلُّ واحد منهما من المحاسن والمآخذ، فذكر أن الكرماني تتبع ألفاظ البخاري وأوضحها بالضبط والإعراب بأحسن اختصار، وشَحَنه بفوائد كثيرة ولطائف غزيرة. * ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- المآخذ على شرح الكرماني؛ فذكر أنه كرر فيه كثيرًا، لا سيما في التراجم والأسماء، وربما أغلق في بعض العبارة، وأطال بما يمكن أن يشار إليه بأخصر إشارة، وربَّما قدَّم

ما يحسُن تأخيره، وأخَّر ما يحسُن تقديمه، وربما غاير بين أقوال راجعةٍ في المعنى إلى واحد. أما كتاب "التنقيح" للزركشي، فإنه أفاد في ضبط الألفاظ، وبيان الغريب، وإعراب ما أشكل، والجواب عما لعلَّه يُستشكل، إلا أنه ربما وقع فيه تصحيف من النساخ، لاستغلاق خطِّ مصنفه الدقيق، وربما تعرَّض لبيان الواضح. * فأراد المؤلف -رحمه الله- أن يجمع بين هذين الكتابين باختصار، ويحذف منهما الكثير مما وقع من التكرار، وينبه على الأوهام وخلاف الراجح المختار، مع زيادة فوائد لا يُستغنى عنها. * هذا مع ضميمة وصل ما أهملا في شرحيهما من التعليقات، وتسمية ما أغفلاه من تفسير المبهمات، والجواب عما اعترض به الدارقطني والإسماعيلي وغيرها في الأسانيد والمتون، وغالب هذا الوصل والتفسير والجواب عن الاعتراضات من تصانيف الحافظ ابن حجر -والذي ذكره المؤلف بـ (بعض العصريين) - في "تغليق التعليق"، و"هدي الساري"، و"فتح الباري". * كما ذكر المؤلف -رحمه الله- بأنه بث في شرحه هذا فوائد تلقاها من شيخه شيخ الإسلام أبي حفص البلقيني رحمه الله، مع التزامه بعدم الإكثار منها خشية التطويل، وذلك منه لقصور الهمم في تلك الأزمان عن كتابة المطولات، ومطالعة الكثير من المبسوطات، ولأجل هذا المقصد قام المؤلف -رحمه الله- بتأخير تراجم الرواة إلى ما بعد

الفراغ من المتون مرتبة على حروف المعجم، لسهولة الكشف (¬1). * أما المبهمات فإنه يقوم بذكرها في مواضعها من الأبواب. * ولمَّا كان قصدُه -رحمه الله- الاختصار في هذا الشرح، قام بالرمز للشرَّاح الذين يُكْثِر من النقل منهم، فالكرماني (ك)، والزركشي (ش)، والقاضي عياض (ع)، وابن بطال (ط)، والخطابي (خ)، والنووي (ن). * وبيَّن المؤلف -رحمه الله- مصطلحه في ضبط الأسماء، فإنه يقول: (بمثناة) لما هو مثناة من فوق لمقابلة المثلثة. وبإطلاق الياء: لما هو منقوط باثنتين من تحت مقابلًا للباء الموحدة، فإنه يقول فيها: بموحَّدة. * وذكر -رحمه الله- أنه لا يُخِلُّ بشيء من تراجم البخاري أصلًا، ولا يشرحها إلا فصلًا فصلًا. * ثم إنه يعدِّد أحاديث الباب بقوله: الحديث الأول، الثاني، وهكذا. * ويذكر على كل واحد من الأحاديث منفردًا أو متعددًا في الباب رمزَ ما بقي من الكتب الستة على قاعدة المحدثين؛ فلمسلم (م)، وأبي داود (د)، والترمذي (ت)، والنسائي (س)، وابن ماجه (ق)، والأربعة غير مسلم (عو)، ولما وافق فيه الخمسةُ البخاريَّ (ع)، ¬

_ (¬1) على أنه لم يوجد ما وعد به المؤلف -رحمه الله- في شيء من النسخ الخطية التي بين أيدينا، فالله أعلم.

وللبخاري وحده (خ)، وذلك لزيادة إفادة من شارك البخاري من الخمسة أولًا، ومراده -رحمه الله- أصل الحديث، ولو خرج قطعة لطيفة منه. هذا ما انتهجه الشارح -رحمه الله- في هذا الشرح، وقد ظهر منه جليًّا أن مقصوده منه: الاختصار وعدم التطويل، والجمع بين شرحي الكرماني والزركشي بإيجاز، مع التنبيه على ما وقع فيهما من الأوهام، والقصور في ذكر بعض المهمات، وقد كان عزم -رحمه الله- أن يضم إليه فوائد كثيرة مما شرح به الحافظ قطب الدين الحلبي، والحافظ مُغُلْطاي وشيخه سراج الدين بن الملقن وغيرها، لكنه أحجم عن ذلك، لميله إلى الاختصار كما ذكرنا، ولقصور الهمم، وسهولة التحصيل. * ثم شرع -رحمه الله- بذكر جوامع التراجم، ببيان مناسباتها، وحكمة ترتيبها عند الإمام البخاري -رحمه الله- وذلك لسرعة كشفها، وإخراج الأحاديث منها. * ومما يلحظه مطالع هذا الشرح الحافل من الأمور التي لم يأت المؤلف على ذكرها في مقدمته. - ذكر الفروق بين نسخ صحيح البخاري، ورواياته، وما ينبني على تلك الفروق. - بيان مناسبات الأبواب، ووجه تعلق الباب بالكتاب الذي عقده الإمام البخاري.

رابعا: موارد المؤلف في الكتاب

- إظهار وجوه مطابقة الأحاديث لتراجمها. - التنبيه على لطائف الأسانيد. - إيضاح مذهب الإمام الشافعي عند الاحتياج إليه، كتعقبه لشارحٍ في نقل خطأ عن المذهب، أو تتميم، أو إزالة لبس، ونحو ذلك. - بيان وجوه الإعراب، والكلام عن مشكلاته، معتمدًا على كلام الأئمة كالزمخشري وابن مالك والسهيلي وأبي البقاء وغيرهم. * * * * رابعًا: موارد المؤلف في الكتاب: كما سلف القولُ، فإن هذا الكتاب هو اختصار وخلاصة ما جاء في شرحي الإمامين الكرماني والزركشي، إلا أن المؤلف -رحمه الله- جمع إليهما كلامًا كثيرًا نقله عن: 1 - "إكمال المعلم" للقاضي عياض. 2 - "مشارق الأنوار" للقاضي عياض، وقد أشار المؤلف للقاضي عياض بالرمز (ع)، فإن كان الكلام في "الإكمال" اكتفى بالرمز، وإلا عيَّنه إن كان في "المشارق". 3 - "شرح البخاري" لابن بطال، وقد أشار إليه المؤلف بالرمز (ط). 4 - "أعلام الحديث" للخطابي.

5 - "معالم السنن" للخطابي، وقد أشار المؤلف للخطابي بالرمز (خ)، فإن كان كلامه في "الأعلام" اكتفى بالرمز في الغالب، وإلا عيَّنه إن كان في "المعالم". 6 - "شرح مسلم" للنووي. 7 - "المجموع شرح المهذب" للنووي، وقد أشار المؤلف للنووي بالرمز (ن)، فإن كان كلامه في "شرح مسلم" اكتفى بالرمز فقط، وإلا عيَّنه إن كان في "المجموع". 8 - "فتح الباري" لابن حجر. 9 - "هدي الساري" لابن حجر. 10 - "تغليق التعليق" لابن حجر، وقد أكثر المؤلف -رحمه الله- من النقل عن هذه الكتب الثلاثة مع إغفال تعيينها في الغالب، وتارة يذكره بـ (قال بعض العصريين)، وأخرى بـ "بعض أصحابنا". 11 - "المفهم" للقرطبي. 12 - "الكشاف" للزمخشري. 13 - "المفصل" للزمخشري. 14 - "الصحاح" للجوهري. 15 - "مطالع الأنوار" لابن قُرْقُول. 16 - "شرح مصابيح السنة" للتُّورِبِشْتي. 17 - "شواهد التوضيح" لابن مالك.

خامسا: أهمية الكتاب

18 - "شرح التسهيل" لابن مالك. 19 - "أمالي السهيلي". 20 - "الإعراب" لأبي البقاء. 21 - "شرح تراجم الأبواب" لابن المنيِّر. * * * * خامسًا: أهمية الكتاب: امتاز هذا الشرح بجملة من المزايا التي تجعله في طليعة شروح صحيح الإمام البخاري، ومن ذلك: 1 - أن هذا الشرح متقدم في تاريخ التأليف على شروح البخاري الأخرى التي ذاع صيتُها في الآفاق؛ كشرح الدَّماميني، وابن حجر والعيني والقَسْطلاني وغيرهم. 2 - عناية هذا الشرح بجمع واختصار مادة أهم كتابين معتمدين لدى الأئمة والشراح المتأخرين وهما شرح الكرماني والزركشي رحمهما الله. 3 - سدُّ المؤلف ما اعترى شرحي الكرماني والزركشي من هفوات لا يخلو منها كتاب، وذلك في المسائل الحديثية والفقهية واللغوية، فجاء شرحًا زاخرًا مكتمل الجوانب في غالب مادته. 4 - اعتماد الشراح المتأخرين على شرح المؤلف هذا، بل لا تكاد تندُّ مسألة في شروح العيني والقسطلاني وغيرهما ليس فيها

سادسا: وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق

ذكر للإمام البرماوي وشرحه هذا، وما تابع فيه الكرمانيَّ أو خالفه، حتى إن الإمام أبا ذر أحمد بن إبراهيم بن السبط الحلبي المتوفى سنة (884 هـ) جعل في كتابه الموسوم بـ "التوضيح للأوهام الواقعة في الصحيح" كتابَ الإمام البرماوي هذا ركنًا أقام عليه شرحه. * * * سادسًا: وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق: تم الاعتماد في تحقيق هذا الشرح الحافل على أربع نسخ خطية، وهذا وصفٌ لكل واحدة منها: * النسخة الأولى: وهي من محفوظات مكتبة ملت ضمن مكتبة فيض الله بتركيا، تحت رقم (431)، وتتألف من (423) ورقة، في كل ورقة وجهان، وفي الوجه (23) سطرًا، وفي السطر (19) كلمة تقريبًا. جاء على غلافها: "كتاب اللامع الصبيح شرح الجامع الصحيح، تأليف العالم الفاضل الكامل شمس الدين محمد بن عبد الدائم البرماوي الشافعي". وعلى غلافها مكتوب: "جَمَعَ بين شرح الكرماني باختصار وشرح الزركشي بإيضاح رحمه الله تعالى". وجاء في آخرها اسم الناسخ: محمد بن أحمد القدسي الشافعي، وجاء تاريخ النسخ: يوم الإثنين، الرابع والعشرين من شهر رمضان من شهور سنة سبع وسبعين وثمان مئة (877 هـ).

وهذه النسخة تامة إلا أن الوجه الأيمن من الورقة تخللها خرم وطمس، وهي نسخة جيدة في مجملها، لوِّنت فيها الجمل المشروحة من الحديث والرموز التي ذكرها المؤلف، وكذا الكتب والأبواب بالحُمرة، وجاء على هوامشها بعض التعليقات لكنها قليلة جدًّا، ونَدَرَ منها السقط والتصحيف. وقد تمَّت الإشارة إلى هذه النسخة بـ (الأصل) * النسخة الثانية: وهي من محفوظات مكتبة فاتح باشا ضمن المكتبة السليمانية بتركيا، وتتألف من الجزأين الثاني والثالث: الجزء الثاني: وهو برقم (949)، ويقع في (215) ورقة، في كل ورقة وجهان، وفي كل وجه (29) سطرًا، وفي السطر (17) كلمة تقريبًا. يبدأ بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه توفيقي، (كتاب الحج) هو لغة: القصد، واصطلاحًا: قصد الكعبة بعبادة فيها وقوف بعرفة .. ". وينتهي عند نهاية كتاب المغازي، وجاء في آخره: "تم الجزء الثاني بحمد الله وعونه ... ، يتلوه في الجزء الثالث (كتاب التفسير) ... ، وكان الفراغ من كتابته في الحادي عشر جمادى الثاني، سنة سبع وثمانين وثمان مئة". أما الجزء الثالث: فهو برقم (929)، ويقع في (265) ورقة، في كل ورقة وجهان، وفي الوجه (29) سطرًا، وفي السطر (16) كلمة تقريبًا.

يبدأ بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، (كتاب التفسير): هو الكشف عن مدلولات نظم القرآن ... ". وآخره نهاية كتاب التوحيد، وجاء في آخره أيضًا: "وافق الفراغ من تكملة هذا الجزء المبارك الموافق للثامن عشر من شهر رجب الفرد الحرام سنة (889 هـ) على يد علي بن حسن بن علي ... ". وقد جاء على طرة كلٍّ من الجزء الأول والثاني اسم الكتاب واسم المؤلف، وختمت بختم واقفها محمد أفندي. ولونت فيها الجمل المشروحة من الحديث والرموز التي ذكرها المؤلف، وكذا أسماء الكتب والأبواب بالحمرة. وهذه النسخة جيدة، قليلة الأخطاء والأسقاط. وتمَّ الرمز لهذه النسخة بالرمز "ت" * النسخة الثالثة: وهي من محفوظات مكتبة فاتح باشا ضمن المكتبة السليمانية بتركيا، تحت رقم (935)، وتتألف من جزء واحد يقع في (282) ورقة، في الورقة وجهان، وفي الوجه (27) سطرًا، وفي السطر (15) كلمة تقريبًا. يبدأ بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رب يسر وأعن وتمم بخير، الحمد لله المرشد إلى الجامع الصحيح ... " وتنتهي عند نهاية (كتاب الحرث والمزارعة)، وجاء في آخرها: "يتلوه في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى (كتاب الشرب) بكسر الشين".

وقد لونت فيها الجمل المشروحة من الحديث وكذا الرموز والكتب والأبواب بالحمرة. وجاء على غلافها اسم الكتاب واسم المؤلف مع ختم واقفها محمد أفندي. وهذه النسخة جيدة في مجملها، قلَّت فيها الأخطاء والأسقاط. وتمَّ الرمز لهذه النسخة بالرمز "ب" * النسخة الرابعة: وهي من محفوظات مكتبة ملت ضمن مكتبة فيض الله بتركيا، وهي مؤلفة من جزأين برقم (432 - 433)، وتقع في (656) ورقة. الجزء الأول منها: يقع في (299) ورقة، في كل ورقة وجهان، وفي الوجه (32) سطرًا، وفي السطر (14) كلمة تقريبًا. يبدأ بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رب يسر بخير يا كريم، الحمد لله المرشد للجامع الصحيح ... ". وينتهي عند نهاية (كتاب الجنائز)، وجاء في آخره: "تم الجزء الأول من شرح البخاري، والحمد لله وحده، ويتلوه إن شاء الله تعالى في الجزء الثاني (كتاب الزكاة) هي لغة النماء والتطهير". أما الجزء الثاني: فإنه يقع في (307) ورقة، في كل ورقة وجهان، وفي الوجه (30) سطرًا، وفي السطر (14) كلمة تقريبًا. يبدأ بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رب يسر بخير يا كريم، (كتاب الزكاة) هي لغة النماء والتطهير، فالمال ... ".

سابعا: بيان منهج التحقيق

وينتهي عند نهاية (كتاب التفسير)، وجاء في آخره: "آخر الجزء الثاني من شرح البخاري للبرماوي، يتلوه إن شاء الله تعالى في الثالث (كتاب فضائل القرآن)، وصلى الله على سيدنا محمد وآله". وجاء على غلافي هذين الجزأين اسم الكتاب واسم المؤلف، مع ختم مالكها السيد فيض الله مفتي السلطنة العثمانية. وقد لونت الجمل المشروحة من الحديث والرموز، وكذا أسماء الكتب والأبواب بالحمرة. وهذه النسخة كتبت بخط لا بأس به إلا أنها كثيرة الأسقاط والأخطاء. وتمَّ الرمز لهذه النسخة بالرمز "ف" * * * * سابعًا: بيان منهج التحقيق: 1 - نسخ الأصل المخطوط بالاعتماد على النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة ملت ضمن مكتبة فيض الله بتركيا تحت رقم (431)، والمشار لها بـ "الأصل"، وذلك لاكتمال نصها، بحسب رسم وقواعد الإملاء الحديثة. 2 - معارضةُ المنسوخِ بالمخطوط للتأكُّد من صحة النص وسلامته. 3 - إثباتُ الفروقِ والأسقاط والزيادات بين النسخة الخطية

المشار لها بـ (الأصل)، وبين النسخ الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا تحت رقم (432 - 433) والمرموز لها بـ "ف"، والنسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا ذات الرقم (949 - 929) والمرموز لها بـ "ت"، والنسخة الخطية الأخرى لمكتبة فاتح باشا ذات الرقم (935) والمرموز لها بـ "ب"، وذلك بإثبات الصواب في النَّص، والإشارة إلى خلافه في حواشي الكتاب، وإهمالُ الفروق التي لا تؤثر على النص؛ كبعض الأخطاء والتصحيفات، وتكرير بعض الجمل والكلمات. 4 - إدراج نصوص أحاديث "صحيح البخاري" التي تكلَّم عنها المؤلفُ -رحمه الله- في هذا الشرح، وذلك بعد مقابلة النصوص مقابلةً تامة على (النسخة اليونينية) التي تُعدُّ من أصحِّ وأوثقِ نسخ "صحيح البخاري" المتداولة، وضُبطت بالشكل الكامل على ضبط ورسْمِ النسخة اليونينية المذكورة. 5 - ترقيمُ أحاديث المتن ترقيمًا تسلسليًّا، وكذا الكتب والأبواب. 6 - ضبطُ الأحاديث النبوية والأشعار بالشَّكْل شبه التام، وضبط ما أشكل من الألفاظ والكلمات الغريبة. 7 - عزو الآيات القرآنية الكريمة إلى مواضعها من الكتاب العزيز، وإدراجها برسم المصحف الشريف، وجَعْلُ العزو بين معكوفتين في صُلْب الكتاب بذكر اسم السورة ورقم الآية. 8 - التعليق الضَّروري على النص وعدم الإطالة فيه، كتعليقٍ على حديث أو حكاية مختلف فيها أو مسألةٍ خلافية، وتبيين ما عليه

الجمهور، أو التعريف بما يُخشى منه الالتباس على كثير من الناس، أو التنبيه على أمر سها فيه المؤلف رحمه الله، أو تصحيف وقع في النسخ الخطية ونحو ذلك. 9 - كتابةُ مقدمةِ للكتاب مشتملة على ترجمة المؤلف ودراسة الكتاب. 10 - تذييل الكتاب بفهرس لأطراف الأحاديث النبوية الشريفة، وفهرس للكتب والأبواب. والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات. * * *

صور المخطوطات

صورة غلاف النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمشار لها بـ "الأصل"

صورة اللوحة الأولى من النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمشار لها بـ "الأصل"

صورة اللوحة الأخيرة النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمشار لها بـ "الأصل"

صورة غلاف الجزء الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، والمرموز لها بـ "ت"

صورة اللوحة الثاني من الجزء الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، والمرموز لها بـ "ت"

صورة اللوحة الأخيرة من الجزء الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، والمرموز لها بـ "ت"

صورة غلاف الجزء الثالث من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، والمرموز لها بـ "ت"

صورة اللوحة الأولى من الجزء الثالث من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، والمرموز لها بـ "ت"

صورة اللوحة الأخيرة من الجزء الثالث من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، والمرموز لها بـ "ت"

صورة غلاف الجزء الأول من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا بتركيا، والمرموز لها بـ "ب"

صورة اللوحة الأولى من الجزء الأول من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا بتركيا، والمرموز لها بـ "ب"

صورة اللوحة الأخيرة من الجزء الأول من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا بتركيا، والمرموز لها بـ "ب"

صورة غلاف الجزء الأول من النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمرموز لها بـ "ف"

صورة اللوحة الأخيرة من الجزء الأول من النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمرموز لها بـ "ف"

صورة اللوحة الأولى من الجزء الأول من النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمرموز لها بـ "ف"

صورة غلاف الجزء الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمرموز لها بـ "ف"

صورة اللوحة الأولى من الجزء الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمرموز لها بـ "ف"

صورة اللوحة الأخيرة من الجزء الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فيض الله بتركيا، والمرموز لها بـ "ف"

مقدمة المصنف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ربِّ يسر وأَعِنْ وتَمِّمْ بخيرٍ الحمد لله المُرشد إلى الجامع الصَّحيح حديثِ المُصطفَى، والمُسعِد مَن هداه للتفقُّه فيه والعمَل به، فكان مِمَّن اصطفَى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، فهو حسبُنا وكفَى، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسلَه للعالمين رحمةً وزادَه شرَفًا، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه نُجوم الهُدى أُولي الفَضْل والوَفا، والتابعين لهم بإحسانٍ ما راقَ مَورِدُ اقتفائِهم وَصَفَا. وبعدُ: فلمَّا كان كتاب "الجامع الصَّحيح من حديث سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" من تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيلَ البُخاريِّ -رحمه الله- أصحَّ كتابٍ جُمع في الوَحْي بعد القُرآن، وأسنَدَ أسانيدَ باتفاق الحُفَّاظِ أهلِ الإتْقان، هذا مع ما وشَّحه به من استِنباط عُلومٍ وفوائد تَجِلُّ عن الانحصار، ومن مَقالات الصَّحابة فمَن بعدَهم من العُلماء، والإشارة إلى مَدَارِكها الغِزار، فعَمَّ فضْلُه وبركتُه الأَمصارَ والأَقْطارَ على تَوالي الأَزْمان وتَمالي الأَعصار، ووصفَه أعلامُ الإسلام

بأنَّه بَحْرٌ لا يُدرَك قَرارُه. = عُني بشرحه والكلام عليه متنًا وإسنادًا أئمةُ الأمّة، وخدَموه بعُلومهم الجمَّة أحسنَ خدمة، كلٌّ يَرُوم الظَّفَر بجواهر عُلومه، والتِقاطِ دُرَر مَنْطُوقه ومَفْهومه، ما بين مختصِرٍ ومُطوِّل، ومتوسِّطٍ فيما عليه يُعوِّل، كلٌّ منهم يَرى أنَّه سلَك طريق السَّوا، ولكلٍّ منهم أَجْرُ عمَله بقدْر ما نَوَى. وقد لَهِجَ أهل هذا الزَّمان في مِصْرَ ونحوها من البُلدان، بكتابين: أحدهما: شَرح العلاَّمة شَمْس الدِّين الكِرْمَاني نحوُ خَمسة أَسْفارٍ، تتبَّع فيها ألفاظَه، وأوضحَها بالضبط والإعراب بأحسَن اختصارٍ، وشحَنه بفوائدَ كثيرةٍ، ولطائفَ غَزيرةٍ، إلاَّ أنَّه كرَّرَ فيه كثيرًا، لا سيَّما في التَّراجم والأَسماء، فإنَّه زاد تَكريرًا، وربَّما أَغلَق في بعض العِبارة، وأطالَ بما يُمكن أنْ يُشار إليه بأخصرَ إشارةٍ، وربَّما قدَّم ما يحسُن تأخيرُه، وأخَّر ما يحسُن تقديمُه وتوفيرُه، وربَّما غايَرَ بين أقوالٍ راجعةٍ في المعنى إلى واحد، حتى كاد أنْ تَلتبس في ذلك المَقاصِد. والثاني: كتاب "التَّنقيح"، سِفرٌ كبيرٌ جمعه شيخُنا الإمام العلامة بدر الدِّين محمد بن الزَّرْكَشي في ضبْط ألفاظه، وبَيان غَريبها، وإعراب ما أَشكَل، والجواب عمَّا لعلَّه يُستَشكَل. فعمَّ نفْعُ هذين الكتابين ببركةِ قَصْدِهما الجَميل، وفضْلهما الجَزيل، لكنْ ربَّما وقَع فيهما بعضُ إيهامٍ، ولا سيَّما "التنقيح"، فربَّما

وقَع فيه تصحيفٌ من النُّسَّاخ؛ لاستِغلاق خَطِّ مُصنّفه الدَّقيق مع قُصور الأَفهام، وربَّما تعرَّض لبَيان الواضح؛ لقَصْده في الأصل نفْعَ المُبتدئ في قراءة "البخاري" قصدَ ناصحٍ، فقد أخبَرني أنَّهم سأَلوه في ذلك لقلَّة مَحصولِهم في المَسالك، وذكَر لي أنَّه كتَب عليه شَرْحًا مُطوَّلًا، ووعَد بأنَّه سيُبيِّضه؛ ليتضح ما ضمَّه من شُروحه مُفصَّلًا، لكني لم أَقفْ على شيءٍ منه في حياته، ولا ظَفِرتُ به عند أحدٍ بعد مَماته. فأَردتُ أن أجمعَ بين هذين الكتابين باختصارٍ، وأحذِفَ كثيرًا مما وقَع فيهما من التَّكرار، وأُنبِّه على ما قد أَظفَر به مما قد يَظهَر أنَّه وَهْمٌ أو خِلاف الرَّاجح المُختار، وربَّما أزيدُ عليهما -مع استيعابهما- فوائدَ كثيرةً لا يُستغنى عنها، وأمورًا يَظهر أنَّه لا بُدَّ منها، ومع ذلك أَرجُو من فَضْل الله -عز وجل- وعَونه أنْ لا يَزيد على نِصْفِ حَجْمهما. فمِمَّا أضمُّه إليهما: وصْلُ ما أَهملا وصلَه من التَّعليقات، وتَسميةُ ما أَغفلاه من تفسير المُبهَمات، والجوابُ عما اعتَرض به الدَّارَقُطني، والإِسْمَاعِيْلي، وغيرُهما في الأسانيد والمُتون مما ليس من الواضِحات، وذلك غالبًا من تصانيف بعض الحُفَّاظ العَصْريين، ومما فتَح الله بفضله المُبين. ومن ذلك فوائد تلقَّيتُها من شيخنا شيخ الإسلام أبي حَفْص عمر البُلْقِيْني رحمه الله، على أَنَّي لا أُكثِر من ذلك خشيةَ التَّطويل المُخالِف لقَصْدي في التَّأْصيل، وذلك لقُصور الهِمَم في هذه الأَزْمان عن كتابةِ المُطوَّلات، ومُطالَعة الكثير من المَبسوطات.

وقد أخَّرتُ لأجل ذلك تَراجِم الرُّواة إلى ما بعد الفَراغ من المُتون مرتبةً على حُروف المُعجَم؛ لأنَّه أسهَل في الكشْف والإحالة على ذكرِها فيما سبَق من الأَبواب، فإنَّه مع التَّكرار قد يُتعَب في استِخراجه، ويُحوِج على تَكرارٍ وتطويلٍ في إخْراجه، سِوَى ذِكْريَ المُبهماتِ، فإني أذكُرها في مواضعها من الأبواب؛ لأنَّه أسهَل في الإعراب. ولطلَب الاختصار -أيضًا- رمزتُ في ذِكْري: للكَرْمَاني بحرف (ك). وللزَّركَشي (ش). وللقاضي عِيَاض (ع). ولابن بَطَّال (ط). وللخَطَّابي (خ). وللنَّوَوي (ن). فهذه الستة تتكرَّر كثيرًا، وهذا كما تُشير النُّحاة إلى سِيْبَوَيْهِ بحرف (س)، وللكوفيين بحرف (كو)، وللبصريين (بصر)، وغير ذلك. ومُصطَلَحي في الضَّبْط أَنِّي أقول: بمُثنَّاة: لمَا هو مُثنَّاةٌ من فوقُ؛ لمُقابلة المُثلَّثة. وبإطلاق الياء: لمَا هو مَنْقُوطٌ باثنتَين من تحتُ مقابلًا للباء المُوحَّدة، فإني أقول فيها: بمُوحَّدةٍ، وأكتُب اللَّفظ المتكلَّم عليه بالحُمْرة، وغيرَه بالسَّواد؛ لسُرعة الوُصول إلى المَقصود، وكمال التَّمييز في المَدَى من المَوجود.

ولا أُخِلُّ بشيءٍ من تَراجِم البُخاريِّ أصلًا، ولا أَشرحُها إلا فَصْلًا فَصْلًا. وأُعدِّد أحاديثَ الباب إن تعدَّدت فأَقول: الأول، الثاني، الثالث. وأَرمِزُ على كلِّ واحدٍ من الأحاديث مُنْفرِدًا، أو متعدِّدًا في الباب رَمْزَ ما بقيَ من الكتُب الستَّة على قاعدة المُحدِّثين: فلمسلمٍ (م)، ولأبي داوُد (د)، وللتِّرْمِذي (ت)، وللنَّسائي (س)، ولابن ماجَهْ (ق)، وللأَربعة غير مسلم (عو)، ولمَا وافَق فيه الخمسةُ البخاريَّ (ع)، فإنْ لم يكُن إلا البخاري وحدَه رمزتُ (خ)، وذلك لزيادة إفادة مَن شارَكَ البُخاريَّ من الخمسة أَوْ لا، ومُرادي أَصْل الحديث، ولو خرَّج قطعةً لطيفةً منه، لا المُطابقة من كلِّ وَجْهٍ، وأنْ أُؤجَر عليه، وأُثابَ. والله تعالى هو المُعين، والكافي لمَن به يَستعين، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله العَزيز الحَكيم، عليه توكَّلتُ، وهو ربُّ العَرْش العظيم. وقد سَمَّيتُه: "اللامع الصَّحيح بِشَرح الجامع الصَّحيح" وقد كنتُ عزمتُ أوَّلًا على ضمِّ فوائدَ كثيرةٍ مما شرَح به الحافظ قُطْب الدِّين الحلَبي، والحافِظ مُغُلْطَاي، وشيخنا الشَّيخ سِراج الدِّين أبي الحسَن الشَّهير بابن المُلَقِّن، وغيرها، ثم أَحجمتُ عن ذلك؛ لمَا

ذكرتُه من قُصور الهِمَم، ومَيْلها إلى الاختِصار، ولسُهولة التَّحصيل على ذَوي الإقْتار، وإنْ فَسَح الله في الأجَل أجعَلُ لهذا الشَّرح من الشُّروح المَذكورة ذَيْلًا لتَتْميم الفائدة لمَنْ طلَب التَّطويلَ، ومَن كان على التَّبْسيط دائمَ التَّعويل. فأَبدأُ الآنَ بذِكْر جوامِع التَّراجِم؛ لسُرعة كَشْفها، وإخراجِ الأحاديث منها، فأَقولُ مستعينًا بالله تعالى: بدأَ البُخاريُّ -رحمه الله- كتابَه بـ (باب بَدْء الوحي)؛ لأنَّه يَنبُوع الشَّريعة، ثم بالإيمان؛ لأنَّه الأساسُ والذَّريعة، ثم بالعِلْم؛ لأنَّه قَبْل العمَل كما سيأْتي في كلامه، ثم بالطَّهارة؛ لأن الطُّهورَ شطْر الإيمان، وهي المقدِّمة للثَّاني من أَركان الإسلام التي بُني عليها، ثم بالصَّلاة؛ لأنَّها الرُّكن الثاني؛ فذُكرتْ بعدَ مقدِّمتِها، ثم بالزَّكاة، ثم بالصَّوم، ثم بالحجِّ، وفي بعض النُّسَخ أو أكثَرها تقديمُ الحَجِّ على الصَّوم؛ لأنَّ رواية الحديث جاءتْ بالأمرَين، ثم بالاعتِكاف؛ لأنَّه من مُتعلَّقات الصَّوم، لا سيَّما عند مَن يَراه شَرْطًا فيه، ثم بالمُعامَلات؛ لأنَّها قِوامٌ للأَبْدان لعِبادة المَلِك الدَّيَّان، ثم البَيع، ثم السَّلَم، ثم الشُّفْعة، ثم الإِجارة، ثم الحَوالَة، ثم الوَكالَة، ثم المُزارَعة، ثم الشُّرب، ثم الاستِقراض، ثم الدَّين، ثم الحَجْر، ثم الفَلَس، ثم اللُّقَطة، ثم المَظالِم، ثم الغَصْب، ثم الشِّرْكة، ثم الرَّهْن، ثم أنواع القُرَب كالعِتْق، ثم التَّدْبير، ثم الكِتابة، ثم الهِبَة، ثم الهديَّة، ثم ما تَحتاج إليه المُعاملات كالشَّهادة، ثم اليَمين، ثم الدَّعوى، ثم الصُّلْح، ثم الشُّروط، ثم الوَصيَّة، ثم الوَقْف، ثم انتقَل إلى

ما قام به الدِّين وهو الجِهاد، ثم ما يَستتبعُه من الغَنيمة، ثم الخُمُس، ثم توابع ذلك كالجِزْية، ثم المُوادَعة، ثم رجَع إلى التَّاريخ، فذكَر بَدْءَ الخَلْق، ثم الأَنْبياء، ثم دَلائل النُّبوَّة، ثم شأْن البَيت، ثم أيَّام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومَناقب الصَّحابة، والغَزَوات، ثم ذَكَر تفسير القُرآن، ثم فَضائل القُرآن، ثم رجَع إلى إكمال ما بقِيَ من فُروع الشَّريعة بعد إتمام الأركان، وما يَتوقَّف إقامتُها عليه وأدلة ذلك، فذكَر الأنكِحَة، ثم الطَّلاق، ثم النَّفَقات، ثم الأَطْعمة، ثم العَقيقة، ثم الصَّيد والذَّبائح، ثم الأَضاحي، ثم الأَشرِبة، ثم ذكَر ما قد يتسبَّب عن ذلك: وهو المَرضى، ثم الطِّبُّ، ثم اللِّباس، ثم الأَدَب، ثم البِرُّ والعَطيَّة، ثم الاستِئْذان، ثم الدَّعَوات، ثم الرِّقاق، ثم القدَر، ثم الأيمان والنُّذور، ثم الفَرائض، ثم الحُدود، ثم المُحارِبين، ثم الدِّيَات، ثم القَسَامة، ثم الإِكْراه، ثم الحِيَل، ثم التَّعبير، ثم الفِتَن، ثم أَخبار القِيامة، ثم الحَشْر، ثم الحِسَاب، ثم الشَّفاعة، ثم صِفَة الجنة والنار، ثم الأَحكام، ثم التَّمنِّي، ثم الاعتِصام بالكتاب والسنَّة، ثم خَتَمَ بالتَّوحيد، وهو رأْس مال العَبْد في دِينه. وظهَر بذلك كثيرٌ من المُناسَبات في هذا التَّرتيب، ومَن تأَمَّل حقَّ التأَمُّل ظهَر له المُناسَبة في الكُلِّ. وقد أفرَد بَيانَ المُناسبة في الكلِّ شيخُنا شيخ الإسلام أبو حَفْص عُمر البُلْقِيْني رحمه الله وغيرُه، لا نُطوِّل بذِكْرها؛ لمَا بيَّنا من ظُهورها بالتأَمُّل. * * *

1 - كتاب بدء الوحي

1 - كِتابُ بَدء الوحْي

باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقول الله جل ذكره: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} [النساء: 163]

1 - كِتابُ بَدْء الوحْي باب كيف كان بَدْءُ الوَحْي إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَقَوْلُ الله جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] (باب: كيف كان بدو الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (ش): ابتدأَ البخاريُّ بذلك لمَا أَشرتُ إليه من أنَّ الوحي هو مادَّة الشَّريعة؛ فإنَّ قَصْده جَمْعَ حديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو وَحْيٌ. ولفْظ: (باب) ساقطٌ في بعض النُّسَخ اكتفاءً بالتَّرجمة، وفي بعضها مذكورٌ، فهو مرفوعٌ خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هذا بابٌ، ويُقرأ بلا تنوينٍ على إضافته إلى ما بعدَه، لكنْ على تقديرِ مضافٍ، أي: هذا بابُ جَوابِ كيفَ كان، أو بَيانِ كيفَ كان؛ فإنَّ (باب) لا يُضاف لجُملةٍ، وأيضًا فلاستِقامة المَعنى المُراد، ويُقرأ أيضًا بالتنوين على أنَّ الجملة بعدَه استئنافٌ يُشعِر بما يُراد من التَّرجمة. قيل: وَيجوز فيه التَّسكين على جِهَة التعداد للأَبواب بصُورة الوَقْف. ولا يَخفى بُعدُه. (كَيْفَ) في محلِّ نصب خبر (كان) إنْ جُعلتْ ناقصةً، وحالًا إنْ

جُعلتْ تامةً، وتقديمها واجبٌ، لأنَّ الاستِفهام له الصَّدْر. قلتُ: والضَّابط في (كيف): أنَّها إنْ وقَعت قبْل ما لا يَستغني عنها فمحلُّها بحسَب الافتِقار إليها، ففي نحو: كيف أنت؟ رفْعٌ؛ لأنَّها خبر المُبتدأ، وكيف كُنتَ؟ نصبٌ إنْ قُدِّرت (كان) ناقصةً خبرًا لها، وكيف ظننت زيدًا؟ نصبٌ مفعولًا ثانيًا لـ (ظَنَّ)، وبعضُهم يُطلق في هذا النَّوع أنَّها خبَرٌ (¬1)، ومرادُه باعتبار الأصل قبْل دُخول النَّاسِخ. وإنْ وقعتْ قبل ما يَستغني عنها نحو: كيف جاءَ زيدٌ؟، وكيف كانَ زيدٌ؟ إنْ قُدرت (كان) تامةً بمعنى وُجِد أو نحو ذلك، فمحلُّها نصبٌ على الحال، وقد يَأْتي مفعولًا مُطلَقًا، نحو: {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1]؛ لاقتِضاء الكلام ذلك. (بَدْءُ) بالهمْز وسُكون الدَّال مصدرُ (بدَأَ)؛ بمعنى: البُدَاءة، وبضم أوَّله، وتشديد الواو بلا همزٍ: مصدرُ بَدَا يَبدُو، أي: ظَهَرَ، قيل: والأحسن الأوَّل؛ لجَمْعه المعنيَين، وقيل: بالعكس؛ لأنَّه الأظهَر في المَقصود، والظاهر أنَّ أحدهما لا يَستلزِم الآخَر. فإنْ قيل: إنما أَوردَ في الباب نفْس الوحي، وهو حديث النِّيَّة لا كيف بدأَهُ؛ قيل: قد ذكَر بعدَه حديث عائشة: أنَّ ابتداءَه كان رُؤيا منامٍ، وغير ذلك، ولا يَضُرُّ نقْص الترجمة عن المُترجَم؛ إنما يُعاب العكس. (الْوَحْيِ) مصدر وَحَى يَحِي، كَوَعَدَ يَعِدُ، ويقال: أَوحَى يُوحِي ¬

_ (¬1) "خبر" ليس في الأصل.

رُباعيًّا بمعناه، وإنْ كان الأكثَر في الاستعمال مصدرُ الثلاثي، وفعل الرُّباعي. ومعنى الوَحْي في اللُّغة: الإِعلام بخَفاءٍ، وقيل: بسُرعةٍ، ومنه: الوَحاءَ الوَحاءَ. وأما في عُرف الشارع فهو: إعلامُ اللهِ -تعالى- أَنبياءَه الشَّيءَ بكتابٍ، أو برسالةِ ملَكٍ، أو منامٍ، أو إلْهامٍ، أو نحو ذلك على ما سيأْتي. وربَّما جاءَ بمعنى: الأَمْر، نحو: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: 111]. وبمعنى التَّسخير، نحو: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]، أي: سخَّرَها لهذا الفعل، وهو اتخاذُها من الجبَل بُيوتًا ... إلى آخِره، فهو ضربٌ من التَّكوين، كما في قوله تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117]، وربَّما عُبِّر عن ذلك بإلْهامها لكن المُراد به هدايتُها لذلك، وإلا فالإلْهام حقيقةً إنما يكون لعاقلٍ. ويُطلق على الإشارة نحو: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11]. وربَّما أُطلق الوَحْي على المُوحَى كالقرآن والسنَّة من إطلاق المَصدر على المَفعول، قال الله تعالى: {إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]. (وَقَوْلُ اللَّهِ)، جوَّز (ع) رفعَه بالابتداء، وجرَّه عطْفًا على المُضاف

إليه على حَذْف مضافٍ آخَر، أي: وباب معنى قَول الله، أو: وباب ذِكْر قَولِ الله. قيل: ويجوز عَطْفه على اسمِ (كان)، وضُعِّفَ بأنَّ كلام الله لا يُكيَّف. قلتُ: يصحُّ على تقدير مضافٍ، أي: كيف نُزول قَولِ الله؟ أو: كيف فَهْم معنى قَولِ الله تعالى، أو نَحو ذلك، أو أنَّ المُرادَ بكلام الله تعالى المُنزَّل المَتلوُّ لا مَدلُولُه، وهو الصِّفَة القائمة بذاته تعالى. واعلَمْ أنَّ البُخاريَّ من عادته أنْ يَستدلَّ للتَّرجمة بما وقَع له من قرآنٍ، أو سنَّةٍ، أو غير ذلك، فذكَر الآيةَ لبَيان أنَّ الوَحْيَ سنَّةُ الله -تعالى- في أَنْبيائه. قال (ط): معنى الآية: أنَّه أُوحي إليه كما أُوحِي إلى الأَنْبياء وحْيَ إرسالٍ لا وحْيَ إلهامٍ. قلتُ: مُراده: لا وحي إلهام فقطْ، وإلا فلا يسَعُه نفي الإلهام للأنبياء. وقيل: أَفرَد نُوحًا بالذِّكْر مَبدوءًا به قبل تعميم الأَنْبياء؛ لأنَّه أوَّل مشرِّعٍ على قولٍ، وأوَّل رسولٍ عُوقِب قومُه بتكذيبهم إيَّاه. ففيه تهديدٌ لأُمة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يقَعوا في ذلك فيُعاقَبون. * * *

1 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ: أَنَّهُ سَمعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ". الحديث الأول (ع): حديث النِّيَّة، وصدَّر البخاريُّ به لأمورٍ: أحدها: مناسبتُه للآية المذكورة في التَّرجمة؛ لأنَّه أَوحى للكلِّ الأَمرَ بالنيَّة، قال الله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، والإخلاص: النيَّة. ثانيها: إنَّ أوَّل واجباتِ المُكلَّف القَصْد إلى النَّظَر المُوصِل؛ لمَعرفة الله تعالى، فالقَصْد سابقٌ دائمًا. ثالثها: بَيان أنَّ كلَّ أمرٍ ينبغي أن يكون بإخلاصٍ ونيةٍ حتى يكون مَقْبولًا مُنتفَعًا به، فلذلك لمَّا أَخلَص البخاريُّ النية وصفَّى الطَّويَّة نفَع الله بكتابه البَريَّة. رابعها: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا قَدِم المَدينة خطَب بهذا الحديث؛ لأنَّه مَبدأً لكمال ظُهوره ونَصره، فناسَب الابتداءَ بذِكْره في ابتداء الوَحْي إليه، وافتِتاح نبُوَّته ورسالته.

خامسها: أنَّه أَقامَه مُقام الخُطبة لكتابه؛ لأنَّ فيه إخلاصَ العمل لله تعالى؛ لأنَّه المستحِقُّ للمَحامد، ولهذا كان في الحديث الحثُّ على الإخلاص. قال ابن مَهْدِي: مَن أراد أن يُصنِّف كتابًا فلْيبدأ به. وهذا أحد الأَجوبة عن عدَم افتتاحهِ بالحمْد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ أَمر ذِي بالٍ لا يُبدَأُ فيه بحمْدِ اللهِ فهُو أَجْذَمُ". وجوابٌ ثانٍ: أنَّ هذا الحديث وإنْ كان صَحيحًا لكنَّه ليس على شَرْط البُخاري. وثالثٌ: أنَّه محمولٌ على ابتداء الخُطَب ونحوها لا مُطلَقًا حتى يكون شاملًا للمُصنَّفات. ورابعٌ: أنَّه منسوخٌ؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا صالَح في الحُدَيْبِيَة إنما بدأَ في الكتاب بـ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وخامسٌ: أنَّه اكتفَى بالابتداء بـ (بسم اللهِ) عن الحمْد، فقد جاء في روايةٍ بلفْظ: "لا يُبدَأُ فيه باسمِ اللهِ". وسادسٌ: أنَّه حَمِد الله بقَلْبه ولسانه وإنْ لم يكتُبه. وقيل في الجواب غير ذلك أيضًا. (حدثنا) ذكَره في ثلاثةٍ في الإسناد، وفي الرَّابع: (أخبَرني)، وفي الباقي: (سَمعتُ)، إشارةً إلى الفَرق بينهما، وهو قَول الجمهور، وإنْ سوَّى ابن عُيَيْنة بينها كما نقلَه البخاري في (كتاب العلم) عنه.

وفيه أيضًا: الرَّدُّ على من قال: إنَّ يَحيى لم يَسمع من التَّيْمِي، وعلى مَن قال: إنَّ التَّيْمِي لم يَسمَع من عَلْقَمة كما نقَل هاتين المقالتَين الواهيتَين ابنُ ماكُولا في أول "تَهذيب مُستَمرِّ الأَوهام". ومِن لطائف هذا الإسناد: ثلاثةٌ تابعيُّون يَروي بعضُهم عن بعضٍ: يحيى، ومحمد، وعَلْقَمة. ومنها: أنَّ أوَّله مكيَّان، والباقي مَدَنيُّون. [واعلم: أنَّ في (سمعتُ فلانًا) مُضافًا مَحذوفًا؛ أي: كلامَه، والجملة بعدَه حاليةٌ تُبين المَحذوف] (¬1). وقيل: (سَمع) يتعدى لمفعولَين ثانيهما الجُملة. واعتُرض بأنَّ ذلك لا يكون إلا في باب: ظَنَّ، وأُجيب: بمنْع الحصْر. وسيأْتي في آخر (الإيمان) في حديث النُّعمان فيه زيادةُ بيانٍ. (يَقُولُ) أتى به مضارعًا بعد سَماع الماضي إما حكايةً لحالِ وقْت السَّماع، أو لإحضار ذلك في ذِهْن السَّامعين. (الْمِنْبَرِ) -بكسر الميم- مِن النَّبْر، وهو الارتفاع؛ لأنَّه آلتُه، وسيأْتي فيه مَزيد بيانٍ، واللام فيه للعَهْد، أي: مِنْبَر مسجدِ النبي - صلى الله عليه وسلم -. (إنما الأعمال بالنيات) في روايةٍ: (بالنيَّة)، وروايةٍ: (العَمَل بالنِّيَّاتِ)، وروايةٍ: (العَمَل بالنِّيَّة). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

والتَّركيب في كلِّها يُفيد الحَصْر باتفاق المُحقِّقين، وهو مِن حصْر المُبتدأ في الخبَر، ويُعبِّر عنه البَيانيُّون بقَصْر المَوصوف على الصِّفَة، وربَّما قيل: قَصْر المُسنَد إليه على المُسنَد. ووجه الحَصْر فيما فيه (إنَّما) إمَّا مَفْهومًا، أو مَنْطوقًا على الخلاف في العربية والأُصول. وقيل: الحصْر من عُموم المُبتدأ باللام، وخُصوص خبَره على حدِّ: صَديقي زيدٌ؛ لعُموم المُضاف إلى المَعرفة، وخُصوص خبَره، ففي الرواية الأُخرى كما سبَق الجملة بدون (إنما)، والتقدير: كلُّ الأعمال بالنيَّة؛ إذ لو كان عملٌ بلا نيةٍ لم تصدُق هذه الكُليَّة، نعَمْ، خرَج من العُموم جُزئياتٌ بدليلٍ كما أوضحتُه في "شرح العُمدة"، وسيَأْتي الإشارةُ لطرَفٍ منه (¬1). والأعمال: جمع عَمَل، أعمُّ من عمَل اللِّسان والقَلْب، وسائر الجَوارح، لكنَّ المُراد في الحديث هو: الثالث؛ لأنَّ عمَل القَلْب من التوحيد، والإجلال، والخوف، والنية، ونحوِ ذلك لا يدخُل؛ لعدَم احتياجه للنيَّة (¬2) لصَراحة القَصْد به؛ ولأن النيَّة لو افتقَرت إلى نيةٍ ونيَّتُها إلى نيةٍ أُخرى لتَسلْسَل، وهو محالٌ، ومن القَلْبي أيضًا الكفُّ عن الأَفعال، فلا تحتاج التُّروك إلى نيَّةٍ؛ لأنَّها كفٌّ إلا أنْ تقترن بقَصْد تعبُّدٍ ¬

_ (¬1) "وسيأتي الإشارة لطرف منه" ليس في الأصل. (¬2) "للنية" ليس في الأصل.

فيَحتاج كقَصْد التارِك الثَّوابَ، أو لتمييزٍ عن عادةٍ ونحوها كالصوم، فيَحتاج إلى النيَّة، وأما عمَل اللِّسان وهو: القَول؛ فلا يحتاج إلى نيةٍ؛ لصَراحته أيضًا كالقراءة، والأذان، والذِّكْر إلا لغرَضِ الإِثابة على ذلك كما سبَق نحوه في التُّروك. قلتُ: وخُروج هذه الأُمور ونحوها عن اعتِبار النيَّة فيها إما لاستحالة دُخولها، وإما لخُروجها بدليلِ من باب تخصيص العُموم، فانحصرت النيَّة في أعمال الجوارح إلا أنْ يرجع إلى التُّروك كغَسل النَّجاسة؛ فلذلك قال الشَّافعيُّ وأحمد: إنَّ الحديث يدخُل فيه ثلُث العِلْم. قال البيهقي: إذْ كَسْب العبد إما بقلْبه، أو بلسانه، أو ببقية الجَوارح، وما بالقَلْب -كالنيَّة وما في معناها- أحد الثَّلاثة بل أَرجَحها؛ لأنَّها تكون عبادةً بانفرادها بخلاف غيرِها، وهذا أَحَد التَّأْويلات فيما رُوي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "نيَّة المُؤمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِه"، ولأنَّ القول والعمَل بالجَوارح يدخلُها الفَساد بالرِّياء بخلاف النيَّة. نعَمْ، حديث: "مَنْ هَمَّ بحسَنةٍ ولم يَعملْها كُتبتْ له واحدةً، ومَن عمِلَها كُتبتْ له عَشْرًا"، فربَّما يُوهم تعارُض الحديثَين من حيث إنَّ الأول يقتضي أنَّ النيَّة أرفَع من العمَل، والثاني يَقتضي أنَّها دُونه، وجوابه: إما أنَّ المُراد: أنَّ مَنْ همَّ بحسَنةٍ إذا لم يعملْها خلاف العامِل، والعامل لم يعمَل حتى همَّ، فوُجِد الأَمران. أما "نيَّة المرء خيرٌ مِن عمَله"؛ فباعتِبار أنَّ مُقتضاها تخليد

المؤمن في الجنَّة، والكافِر في النَّار؛ إذ المؤمن ناوٍ أنْ يُطيع الله لو بقِيَ أَبدًا، والكافر نيَّتُه أنْ يستمرَّ كافرًا لو بقِيَ أبدًا، فقُوبل التأْبيد بالتأْبيد، وإلا فالعمَل متناهٍ، فيُجازى إما بقَدْره أو بالإضْعاف الذي يَشاؤُه الله تعالى. وإما أَنَّ المراد: أنَّ النية خيرٌ من العمَل [بلا نيَّةٍ، وإلا لَزِم أنْ يكون الشيء خيرًا من نفْسه، أي: فأَفْعَل التَّفضيل ليس على بابهِ. وإما أنَّ المراد: أن الجزء من العبادة الذي هو النية خيرٌ من بقيَّة الأَجْزاء سِوى النيَّة؛ لاستِحالة الرِّياء في النيَّة. وإما أنَّ المُراد: خيرٌ من جُملة] الخَيرات، وتكون (مِن) للتَّبعيض؛ لأن النيَّة عمَلُ أشرفِ الأعضاءِ، وهو القَلْب. قلتُ: وهو قريبٌ مما قبلَه. وإما أنَّ القصد من الطاعات تنوير القَلْب، وتنويرُه بها أكثرُ؛ لأنَّها صفَتُه، وإما: أنَّ الضَّمير في (عمَله) لكافرٍ في واقعةٍ: وهي أن مُسلِمًا نوى بناءَ قنْطرةٍ، فسبَقَه الكافرُ فبناها. فإن قيل: هذا في الحسَنة، فما الحُكم في نيَّة السيِّئة؟ قيل: المَشهور أنَّه لا يُعاقَب على نيَّة السيئة بمجرَّدها بدليل: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286]؛ لأن اللام للخَير، فجِيءَ بالكسْب الذي لا يَحتاج إلى تصرُّفٍ، وعلى للشَّرِّ، فجِيءَ بالاكتِساب الذي فيه تصرُّفٌ ومُعالَجةٌ.

قال (ك): والحقُّ أنَّ النيَّة في السيِّئة (¬1) يُعاقَب عليها نفْسها لا على الفِعْل المَنْوِيِّ، حتى لو عزَم على تَرْك صلاةٍ بعد عشرين سنةً يأْثم في الحال وإنْ لم يَتحقَّق تَركٌ لذلك المَنْوِيِّ. فالفَرْق بينهما أنَّ ناوي الحسَنة يُثاب على تلك الحسنة بنيَّتها، وناوي السَّيِّئة لا يُعاقب عليها بل على نيَّتها. قلتُ: فيما قالَه نظرٌ. فإنْ قيل: مَن جاء بنيَّته الحسَنة، فقد جاء بالحسَنة؛ فيكون له عشْر أَمثالها، كمن جاءَ بالحسَنة المَنويَّة، فيَلزم أنْ لا فَرْقَ في ذلك بين نية الحسَنة وفعلِها؛ فالجواب: لا نُسلِّم أنَّ نيَّة الحسَنة إتيانُ الحسَنة وإنْ أَتى بحسنةٍ؛ إذ المُراد الإتْيان بالمَنويِّ لا بالنيَّة وحدَها. قلتُ: لأنَّها المُراد بالعمَل غالبًا -كما سبَق في: "الأَعمال بالنيَّات"- أنَّ المُراد أَفْعالُ الجَوارِح، وكما في: "نِيَّةُ المُؤمِنِ خَيْرٌ مِنْ عمَلِهِ"، فإنَّه قابلَ بينهما. والباء في النيَّات تحتمل السَّبَبيَّة، والمُصاحَبة. قلتُ: ويتخرَّج عليهما أنَّ النيَّة شرطٌ في العبادة، أو رُكْنٌ، وفيه نظَرٌ، بينَّاه في "شرح العُمدة". والنيَّة -بتشديد الياء- مِن نَوَى إذا قَصَد، وأصلُها: نِوْيَةٌ، فقُلبت الواو ياءً، وأُدغمت في الياء، وقد تُخفَّف مِن وَنِيَ: إذا فَتَرَ؛ لأنَّ ¬

_ (¬1) "في السيئة" ليس في الأصل.

مُوجَب النيَّة وتصحيحها يحتاجُ إلى نَطْو، أي: بُعدٍ، والنَّطْو: البُعد، يُقال: أرضٌ نطَيَّةٌ، ومكان نَطِيٌّ، ذكَره الجَوْهَري. وأَما جمْع النِّيَّة في روايةٍ، وإفرادها في أُخرى، فلأَنَّ المَصدَر لا يُجمَع إلا باعتِبار الأنْواع والأَفْراد على الأصل، والجمْع على قَصْد التَّنْويع، أو أَنَّها لمَّا قابلت الأَعمال في روايةِ الجمْع، وكان كلُّ عملٍ له نيَّةٌ جُمعت، وهو قريبٌ مما قبْلَه إنْ أُريد بالتَّنويع باعتبار أَعمال العاملِين، ومُغايرٌ له إنْ قُصد بالتَّنويع باعتبار قَصْد رِضَا اللهِ -عز وجل- وقصْد دُخول الجنَّة، ومراتب ذلك كما قرَّره الخوئي، أي: بالخاء المعجمة. قلت: وفيه نظَرٌ؛ فإنَّ التَّنْويع موجودٌ باعتبار تغايُر العامِلين، أو باعتبار مقاصِد النَّاوِي. واعلم أنَّ وجود العمل صُورةً يُمكن بلا نيَّةٍ، فلا بُدَّ من تقْدير محذوفٍ؛ ليصحَّ المعنى، وتقدير ذلك المَحذوف كونًا مُطلَقًا لا فائدةَ فيه، إنما هو باعتبار اقتضاء اللُّغة، وأيضًا فوُجود العمَل يُمكن بلا نيةٍ، والمقصود إنما هو بَيان الشَّرعي، فقدَّرَه قوم: إنَّما صِحَّة الأعمال؛ لأَنَّ الأَقْرب لنفْي حقيقة الشَّيء نفْي صِحَّته، فرُجِّح على غيره من المُقدَّرات، وإنْ كان الكُلُّ مَجازًا، وهذا قول الشَّافعية، وكَثيْرٌ. وقدَّره قوم: إنَّما كَمالُ، قالوا: لأنَّ نفْي الصِّحة يَستدعي نفْيَ الكمالِ وغيرِه، فيَكثُر المَجاز، بخلاف تقْدير: كمال، فإنَّه تقليلٌ للمَجاز. قلتُ: ضُعِّف؛ بأنَّ نفْي الكمال إنما هو بعد وُجود الصِّحَّة،

فليس في تقدير نفْي الصِّحة إلا مجازٌ واحدٌ. وقدَّره قومٌ: إنما اعتِبارُ، وهو يحتمل اعتِبارَه من حيث الصِّحة، ومن حيث الكَمال، فيُطلَب التَّرجيح من خارجٍ، ونحوه تقدير: إنما اجتلاب، وشِبْهه. وقال قومٌ -وهو الحقُّ-: لا حاجةَ للتَّقدير؛ لأنَّ المُراد نفْي الحقيقة الشَّرعية، وإذا فُقد شرطها أو رُكنها انتفتْ حقيقةً، والواقع صُورةً مختلًا ليس شرعيًّا. ويجري مثل ذلك في نحو: "لا صَلاةَ إلا بطُهُورٍ"، أو "إلاَّ بفاتِحَةِ الكِتَاب"، وحينئذٍ فيَخرُج ذلك عن دلالة الاقتِضاء بالكُلِّية. وسيأتي في أواخر (كتاب الإيمان)، في (باب ما جاءَ أنَّ الأَعمال بالنيَّة) مَباحثُ تتعلَّق بالحديث. (وإنما لكل امرئٍ ما نوى) الامْرِئ والمَرْء بمعنًى، و (ما) في قوله: (ما نَوَى) إما موصولٌ اسميٌّ، والعائدُ محذوفٌ، أي: الذي نَواهُ، أو حَرْفيٌّ، أي: نيَّتُه، فهو مُستغنٍ عن العائد؛ لأن الضَّمير لا يعُود على الحَرْف. والحَصْر في هذه الجُملة عكس ما قبلَها؛ لأنَّه حصرُ الخبَر في المبتدأ، أو يُقال: قَصْر الصِّفَة على الموصوف؛ لأنَّ المَقصُور عليه في (إنما) دائمًا المُؤخَّرُ، فإنْ قُلنا: إنَّ تقديم الخبر يُفيد الحَصْر؛ فالحصْر في التَّركيب من وجهين.

ثم المراد في هذه الجُملة غيرُ المراد في التي قبلَها، فإما: باعتبار أنَّ الأُولى نبَّهت على أنَّ الأَعمال لا تَصير حاملةً لثوابٍ أو عقابٍ إلا بالنيَّة، والثانية: على أنَّ العامِل يكون له من العمَل على قَدْر نيَّته، ولهذا أُخِّرت عن الأُولى لترتُّبها عليها، وإما لأنَّ الأُولى للصِّحة، والثانية لترتيب الثَّواب؛ إذْ لا يَلزم من الصِّحة الثَّواب على رأْي الأكثَر. قال (خ): أَفادت الثانية تعيين العمَل بالنيَّة؛ لأنَّه لو نَوى صلاةً إنْ كانت فائتةً، وإلا فهي تطوُّعٌ لم يُجزئْه عن فرْضه؛ لأنَّه لم يمحض النيَّة، ولم يُعيِّن بها شيئًا. (فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا) سقَط من رواية البخاري هنا ما في بقيَّة الروايات من قوله - صلى الله عليه وسلم - قبلَه: (فمَنْ كانتْ هِجْرتُه إلى اللهِ ورسوله؛ فهِجْرتُه إلى اللهِ ورسولهِ)، [ففيه الخَرم، وهو سُقوط بعض الحديث. فإنْ قيل: كان المُناسِب ذِكر الشِّقِّ الآخَر؛ لأنَّه الذي يتعلَّق بمَقْصُوده، وجوابه: يَنبغي أنْ تكون النيَّة لله ولرسوله. قيل: لعلَّ النَّظَر فيما ذُكر لكَونه الغالِبَ على النَّاس]. قال (خ): ولستُ أَدري كيف وقع هذا الإغفال؟ وقد ذكَره البخاري في غير موضعٍ لكنْ من غير طَريق الحُمَيدي عن سُفْيان، لكنَّها وقعتْ لنا برواية الأثْبات، انتهى. وممن أخرَجَها من هذه الطَّريق الإِسْمَاعِيْلي في "مُستخرَجه"، فلنَشْرح هذه الزيادة هنا تعجيلًا للفائدة: فالهجرة فِعْلَةً من الهَجْر (¬1)، ¬

_ (¬1) "من الهجر" ليس في الأصل.

وهو التَّرْك، والمُراد هنا تَرك الوطَن إلى غيره؛ لأنَّ المَقصود هِجْرة مَن هاجَر من مكة إلى المدينة، وقد وقَع قبْل هجرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كذلك هجرةُ بعض الصَّحابة للحبَشة مرَّتين، وبالجُملة فحُكم الهِجْرة من دار الكُفر إلى دار الإسلام مُستمِرٌّ على التَّفْصيل المذكور في الفقه. وقد تُطلق الهجرة كما في بعض الأحاديث على هجْر ما نهى الله ورسوله، وعلى هجْر المُسلم أَخاه، وهجْر المرأَة في المَضْجَع، وغير ذلك. ومُناسبة ذِكْر الهجرة هنا: أنَّها من قاعدة الأَعمال بالنيَّة، والحديث واردٌ على سبَبٍ، وهو هجرةٌ وقعتْ على غير ذلك. والفاء في: (فهجرته) داخلةٌ في جواب الشَّرط إنْ كانت (مَنْ) شرطيَّةٌ؛ لعدَم صلاحية الجواب للشرطية؛ لكونه جملةً اسميةً، فإن قُدِّرت مَن موصولة، وهي مبتدأ، فالفاء في خبره لتضمُّن المُبتدأ معنى الشَّرطِ، لكنْ المبتدأُ والخبر، والشَّرط والجزاء لا بُدَّ من تغايُرهما، وظاهرهما هنا الاتحاد، فلا بُدَّ مِن تأْويل التغايُر، فقيل تقديره: فمَن كانت هجْرتُه إلى اللهِ ورسولهِ نيَّةً وقَصْدًا، فهجرته إلى الله ورسوله حُكمًا وشَرعًا، وعلى هذا فنصب المقدَّر على التَّمييز على حدِّ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65]، أي: رجلًا أو نحوَه، وإنْ كان التَّمييز في الحديث تمييز نِسبةٍ، وفي الآية تمييزُ مُفردٍ لا على الحال؛ لأَنَّ الحال المبيِّنة لا تُحذَف، ولذلك منعَ الرَّنْدي في "شرح الجُمَل" تعلُّق الجارِّ في: (بسم الله) بحالٍ محذوفةٍ، أي: أَبتَدئُ

مُتبرِّكًا، وقيل: الخبر في الثاني محذوفٌ، والتقدير: فهجرته إلى الله ورسوله مقبولةٌ أو صحيحةٌ، وقيل المُراد: فله ثَوابُ مَن هاجَر إلى الله ورسوله، فاُقيم السبب مُقام المُسبَّب، وقيل: المراد في الثاني (¬1) ما عُهد في الذِّهن، وفي الأول المُشخَّص في الخارج مثل: أَنَا أَبُو النَّجْمِ وشِعْري شِعْري أي: شِعْري الذي سَمعتُموه هو شِعْري المستقِرُّ المَعهود في الأَذْهان، فلا حاجةَ لتقدير محذوفٍ، وإنما قال: إلى (الله ورسوله) ولم يقُل: (إليهما) وإنْ كان الأَصل الرَّبط بالضَّمير؛ لكَونه أخصَر؛ إما لأنَّ في الظاهِر استِلْذاذًا بذِكْره صريحًا، ولذلك لم يأْتِ مثله في الجُملة التي بعدَه إِعراضًا عن تكرار لفْظ الدُّنيا، وإما لئلا يُجمع بين اسم الله ورسوله في ضميرٍ بل يُفرَدان كما في حديث: "بِئْسَ الخَطِيْبُ أَنتَ، قلُ: ومَنْ يَعصِ اللهَ ورَسولَهُ"، على ما فيه من البَحْث المَشهور. و (إلى) في: (إلى دُنْيا) مُتعلِّقةٌ بـ (هجرة) إنْ قُدِّرت (كان) تامةً، وبمحذوفٍ إنْ قُدِّرت ناقصةً، ويكون هو خبرَها. (ودنيا) بضمِّ الدال: فُعْلَى مِن الدُّنُوِّ، وحكى ابن مالِك وغيرُه كسْرَها، وإنما قيل لها ذلك؛ لأنَّها سابقةٌ على الدار الآخِرة، وجمْعها: دُنَى، نحو: كُبْرى وكُبَر، ويُنسب إليها دُنيويٌّ ودينيٌّ ودُنياويٌّ، وأَلِفها مقْصورةٌ للتأْنيث، فلذلك منعت صَرْفه، فلا تنونَ، وقال التَّميمي: ¬

_ (¬1) في الأصل: "بالثاني".

منعت مع الوَصْف، وهو سَهوٌ؛ لأنَّ ألِف التأْنيث تمنعَ وحدَها. نعَمْ، حكى ابن جِنِّي في لُغةٍ نادرةٍ تَنوينها، وقد أَورد ابن مالك أنَّها إذا كانت أَفعل تفضيلٍ، فكيف أنث مع كونه نَكِرةً، والقياس (أَدْنىَ) مُفردًا مُذكَّرًا، كما لم يُقل: قُصْوَى في أَقْصَى، ثم أجاب بأنَّ ذلك لإجرائه (¬1) هنا مُجرى الأَسماء، فلمَّا خُلع الوَصْف عن الوصفيَّة صار كرُجْحَى، ومنه قوله: وإِنْ دَعوتِ إلى جُلَّى وَمَكْرُمةٍ ... يَومًا سَراةَ كِرَامِ النَّاسِ فادْعِيْنَا فإنَّ (جُلَّى) وإنْ كانت تأْنيث (أَجَلَّ) لكنَّه خُلع عن الوصفيَّة، وجُعل اسمًا للحادِثة العَظيمة. قال (ك): ويدلُّ له قلْبُ الواو ياءً، والقَلْب إنما هو لفُعْلَى وصفًا. قلتُ: هذا على طريقة البَصريِّين ومُختارِ ابن الحاجِب، أما على طريقة ابن مالك المَقصودة عنده، فتُبدل في الصِّفة لا في الاسم كما هو مقُرَّرٌ بشواهده في محلِّه. فإن قيل: إنْ أُريد بـ (كانتْ) ما وقَع من الهجْرة في الماضي؛ فلا يُعرف منه حُكم المستقبَل، أو في ما يأْتي في المُستقبَل؛ لأنَّ الشَّرط يخلص للاستِقبال، فلا يعلم حُكم الماضي. قيل: المُراد أَصل الكَون مُطلَقًا من غير تقييدٍ بزمانٍ، أو أنَّ أَحد الزَّمانيَن يُقاس على الآخَر، أو على أنَّ الإجماع قائمٌ على استِواء ¬

_ (¬1) في الأصل: "إجرائه".

الماضي والمُستقبَل؛ لاستِواء المُكلَّفين في ذلك ما لم يَعرِض عارِضٌ. (يُصِيبهَا) المراد: الحُصول، شُبِّه بإصابة السَّهم الغَرَضَ بجامعِ حُصول المقصود. (أَوْ امْرَأةً) خُصَّتْ بالذِّكر مع دُخولها في: (دنْيا) إما لأنَّ دُنيا نكرةٌ في إثباتٍ فلا تَعُمُّ. قلتُ: لكنَّ النَّكِرة في سِياق الشَّرط -كما هنا- تَعمُّ. وإما لأَنَّ المرأَة سببٌ ورَدَ عليه الحديث، وهو الرجل الذي هاجَر إلى امرأَةٍ هاجرتْ ليَنكِحَها، يُقال لها: أُمُّ قَيْس، وسماها ابن مَنْدَهْ: قَيْلَة، والرجل لا يُعرف اسمه، ولعلَّ إخفاء ذلك لقَصْد السَّتْر. وإما لأَنَّ المرأَة فِتْنةٌ عظيمةٌ، فنبَّه على التَّحذير منها، ففي الحديث: "ما تَركْتُ بَعْدِي فِتْنةً أَضَرَّ على الرِّجال مِن النِّسَاءِ"، فهو من عطْف الخاصِّ على العامِّ نحو: والملائكة وجبريل وميكائيل، و {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، نعَمْ، كون العطْف بـ: (أو) قد يستبعد. فإن قيل: ما وَجْه الذَّمِّ في طلَب الدُّنيا، أو تَزوُّج المرأَة مع إباحة ذلك؟ قيل: الذَّمُّ من حيث إنَّه خرَج في صُورة الطَّالب لفضْل الهجرة وباطنُه خلافُ ظاهره. (فهجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) فيه ما سبَق من اتحاد الجَواب مع الشَّرط، أو الخبَر مع المُبتدأ في الظَّاهر، وأجوبته السابقة.

واعلم أنَّ هذا الحديث أحدُ الأحاديث التي علَيها مَدار الإِسلام. قال أبو داوُد: يَكفي الإنسانَ لدِينه أربعةُ أحاديث: "الأعمال بالنيَّات". و"مِنْ حُسْن إسلامِ المَرء تَرْكُه ما لا يَعنيه". و"لا يَكُون المُؤمِن مُؤْمِنًا حتَّى يَرضَى لأَخيه ما يَرضَى لنفْسه". و"الحَلالُ بيِّنٌ، والحَرام بيِّنٌ". وعن غير أبي داوُد غيرُ ذلك. وقد ادعى تواتُر حديث النيَّة، وليس كذلك بل هو فَردٌ من عُمر إلى يَحيى، ثم تَواتَر من بعد يَحيى. وفيه من الفِقْه ما لا يَنحصر، وسبَق بعضُ ذلك في أثناء شَرْحه، وغالب الأَحكام مفصَّلةٌ في مواضعِها من الفقه. * * * 2 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ الْحَارِثَ ابْنَ هِشَامٍ - رضي الله عنه - سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحْيَانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ -وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ- فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ ما قَالَ، وَأَحْيَانًا يتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ". قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِل عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي

الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيتَفَصَّدُ عَرَقًا. الحديث الثاني (م، ت، س). إسناده كلُّهم مَدَنيُّون خلا عبدَ الله بن يُوسُف؛ أي: التِّنِّيسي، وليس في الكتُب بهذا الاسم غيرُه. (حدثنا) كذا في أوَّل السنَد، وفي الذي بعدَه: (أخبرنا)، وفي الثاني بلفظ: (عن)، وقد قال بعض العلماء في المُعنْعَن: إنه مُرسَلٌ، والصَّحيح عند الجُمهور: أنَّه متصِلٌ إذا أمكَن لِقاء الرَّاوي، ونقَل مسلمٌ عن بعض أَهل عصْره أنَّه لا بُدَّ من ثُبوت اللِّقاء، وضعَّفَه. ولكنْ قال (ن): إنَّ هذا هو الصَّحيح المُختار الذي عليه البُخاريُّ وغيرُه. وشرط القاضي: زيادةَ كونِه أدركَه إدراكًا بيِّنًا، وأبو المُظفَّر: زيادة طُول الصُّحبة بينهما، لكنْ حُجَّة الصَّحيح المُختار: أنَّ الظَّاهر ممن ليس بمُدلِّسٍ أنْ لا يُطلِق ذلك إلا على السَّماع، [والاستِقراءُ يدلُّ عليه؛ لأنَّ عادتَهم أنهم لا يُطلقون ذلك إلا فيما سَمعوه، فغلَب على الظنِّ مُستند السَّماع]، بخلاف ما إذا أَمكَن التَّلاقي ولم يَثبُت، فإنه لا يَغلِب على الظنِّ الاتصال، فلذلك كان هذا من مُرجِّحات "كتاب البخاري" على "كتاب مسلم". (أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَام) هو أخو أَبي جَهْل، والحارِث قد يُكتب بدون ألفٍ، مات في طاعُون عَمواس سنة ثمانَ عشرةَ من الهجرة.

(كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ) إسنادُ الإتْيان للوَحْي مَجازٌ، والأصل: كيف يأْتِيك حاملُ الوَحْي، فهو من المَجاز العقْلي؛ لتَحويل الإسناد عمَّن هو له إلى مَن ليس له، كذا قرَّره (ك)، وفيه نظَرٌ من وجهَين: إحداهما: إذا قُدِّر مضافٌ، وهو (حاملُ) كانَ مِنْ مجاز الحذْف. وثانيهما: يصير السُّؤال عن كيفيَّة إتْيان حامل الوحي لا عن كيفيَّة وُصول الوحي، ويحتمل أنَّ ذلك من باب الاستعارة بالكناية، شُبِّه الوحي برجلٍ مثلًا، وأُضيف إلى المشبَّه الإتْيان الذي هو من خواصِّ المشبَّه به، نعم، لعلَّ السُّؤال إنما هو عن كيفيَّة ابتداء الوحي، أو كيفيَّة ظُهوره؛ ليُوافِق ترجمة الباب. (أَحْيَانًا) جمع: حينٍ، وهو الزَّمان وإنْ قلَّ، ونصْبه على الظَّرفيَّة (¬1)، وعامله يأْتي المذكور بعدَه. (مِثْلَ صلصلة) منصوبٌ نعتًا لمصدرٍ محذوفٍ، أي: إتْيانًا مثْلَ، أو حالًا، أي: مُشابِهًا، ويُروى: (في مثْل)، ورجِّح بأنَّ الصَّلصلة حينئذٍ الوحْي بمنزلة القِراءة للقُرآن في فهم الخِطاب بخلاف رواية إسقاط (في)، فإنَّ معناها يَرجع للمذكور بعدَه، وهو تمثُّل الملَك له رجلًا فيكلِّمُه، فتكون القراءة تفسير القرآن. (صَلْصَلَةِ) (¬2) بفتح الصَّادَين (¬3) المهملتَين، وهو الصَّوت المُتدارِك ¬

_ (¬1) في الأصل: "الظرف". (¬2) "صلصلة" ليس في الأصل. (¬3) "الصادين" ليس في الأصل.

الذي يُسمَع ولا يَستبين عند أوَّل ما يَقرع السَّمع بل حتى يتفهَّمه السامع، ويَستبينَه، فيتلقَّنه. (الْجَرَسِ) بفتح الجيم والراء: معروفٌ، والعامة تقوله بالصَّاد، ولا يُعرف في اللُّغة اجتماعها مع جيمٍ في كلمةٍ إلا في: الصَّمْج، وهو القِنْديل، وأما الجِصُّ فمعرَّب. والمُراد: أنَّ الوحي يأْتي صَوتًا يَقرع سَمعه، ثم يَفهمُه من بعدُ، قيل: وفائدة صَوت الملَك أنَّه يشغَلُه بالوحي عن سائر إِحساسه. ثم قيل: إنما كان يَنزل بذلك فيما هو وعيدٌ وتهديدٌ. (فَيُفْصَمُ عَنِّي)؛ أي: يَنفصِل من الفَصْم، وهو القَطْع، قال تعالى: {لَا انْفِصَامَ لها} [البقرة: 256]. ويُروى بضم أوَّله، وفتح ثالثه، على البناء للمَفعول. قال (ك): ومفعولُ ما لم يُسمَّ فاعله: (عني)، فيكون من تتمَّة الشِّدة في قوله: (وهو أَشدُّه عليَّ)، أي: بحيث (¬1) يَنقطِع من بدَني شيءٌ. وفيه نظَرٌ؛ لأنَّ النائب ضميرٌ يَعود لمَا سبَق، بل وعلى تقديره يكون النائب شيءٌ، أو جزء، لا الجارُّ والمَجرور. وقيل: الفَصْم: الصَّدْع أو الشَّقُّ من غير إبانةٍ، بخلاف القَصْم ¬

_ (¬1) "هو" ليس في الأصل.

بالقاف؛ فإنَّه بإبانةٍ، وتكون الإشارةُ بما هو بالفاء والقاف (¬1) [إلى أنَّ الوَحْي يَعود فكأنَّه لا انفِصالَ له. قال (ك): والفَرْق بين الفَصْم-بالفاء]، والقاف- بما سبَق جارٍ على مَن يَعتبر مُناسبة اللَّفْظ للمَعنى، وهو بعض الاشتِقاقيِّين؛ لأنَّ القاف من الحُروف الشَّديدة، ومن المُقَلْقَلة بخلاف الفاء، فإنَّها من الرِّخوة، وفيه نظَرٌ. وفي (يفصم) روايةٌ ثالثةٌ: (يُفصِم) بضم أوله، وكسر ثالثهِ، مِن أَفصَم المطَر، أي: أقلَع، وهو قريبٌ من المعنى السابق. والمراد على كلِّ حالٍ: إما قطْع الوحْي بمفارقةِ الملَك، أو قطْع الشِّدَّة، أي: يتجلَّى عني ما يَغشَاني من الكَرْب والشِّدَّة. (وَعَيْتُ) بفتح العين، أي: فَهِمتُ، أو حَفِظتُ، وأصله مِن الوِعاء، ومنه: {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12]، شُبِّه بجمْع الشيء في الوِعاء، ويقال في المالِ والمتَاع: أَوعَيتُ، فأنا مُوعٍ. (يَتَمَثَّلُ لِيَ)؛ أي: يَتصوَّر من المِثال، فالتَّفعُّل فيه لتكلُّفه أنْ يكون مِثال ذلك. (الْمَلَكُ) اللام فيه للعَهْد، أي: جبريل عليه السَّلام. (رَجُلًا)؛ إما منصوبٌ على المَصْدريَّة، أي: تمثُّلَ رجلٍ، فحُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مُقامه، أو على المفعولية إنْ قدِّر تضمين ¬

_ (¬1) "والقاف" ليس في الأصل.

تمثَّلَ معنى: اتَّخَذَ، أي: اتخذَ (¬1) الملَك رجُلًا مِثالًا، وإما على الحاليَّة بتأْويل الجامد بمشتقٍّ، أي: مُشبِهًا رجلًا، وقال ابن السِّيْد: حالٌ موطِّئةٌ، أي: رجلًا مَرئيًّا أو مَحسُوسًا. وإنما صحَّ أنْ يكون حالًا وهو عند صُدور الفعل ليسَ كذلك؛ لأنَّه من الحال المقدَّرةِ. وإما على التَّمييز، وهذا التَّمثيل من جبريل -عليه السَّلام- على صُورة دِحْيَة أو غيره ليس معناه انقِلاب ذاتِ الملَك بل أنَّه ظهَر في تلك الصُّورة؛ لمَا جعَل الله فيه من قُوَّة يتطوَّر بها. قال المُتكلِّمون: الملائكة أجسامٌ عُلْويَّةٌ لطيفةٌ تتشكَّل بأيِّ شكلٍ شاءَتْ. ثم حِكْمة تمثُّله رجلًا تأْنيسُه - صلى الله عليه وسلم - بما يَعهَد من البشَر. (فَيُكَلِّمُنِي) رواه البَيْهقي عن القَعْنَبي، عن مالك: (فيُعلِّمُني) بالعين. (فَأَعِي) أتَى به مُضارِعًا، وفيما سبَق ماضيًا؛ لأنَّ الوَحْي في الأول حصَل قبْل الفَصْم، ولا يُتصوَّر بعدَه، وفي الثاني حالَ المُكالَمَة، ولا يُتصوَّر قبلَها، أو أنه في الأول عند غلَبة التلبُّس بالصِّفات الملَكيَّة، فلمَّا عاد للحال المعهودة أخبَر عن الماضي، وأما في الثاني فهو على حاله، أو أنْ أَعي للحال، وقد وعيتُ قرَّب الماضي باقترانه بـ (قد) للحال فتَساويا، وهذا لأن الثاني صريحٌ يُحفظ في الحال، والأول قريبٌ من أن يُحفظ؛ لاحتياجه إلى الاستِثبات. ¬

_ (¬1) "أي: اتخذ" ليس في الأصل.

وحاصل جوابه - صلى الله عليه وسلم - كيفيَّتان: إحداهما: هي أشدُّ عليه؛ لاشتمالها على ما يُخالف طبْع البشرية، فيحصل له من الشدَّة، والمشقَّة، وغشيان الكَرْب لثِقَل ما يُلقى إليه أمرٌ عظيمٌ، قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]. قال (خ): إنَّ ذلك لجمْعه في قلْبه، وحُسن حفْظه، أو أنه شِدَّة امتحانٍ له ليَبلُوَ صبْره، ويحسن تأْديبه، فيرتاضَ لاحتمال ما كُلِّف من أَعباء النُّبوة، أو أن ذلك لمَا يَستشعره من الخوف من وُقوع تقصيرٍ فيما أُمر به من حُسن ضبْطه، أو اعتراض ذلك دُونه، فلقد أُنذر بما تَرتاع (¬1) له النُّفوس، ويعظُم له (¬2) وجَلُ القُلوب، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} الآية [الحاقة: 44]. وقيل في الحِكْمة في ذلك أيضًا: أنْ يُفرَّغ سمعه لصوت الملَك حتى لا يكون فيه موضعٌ لغير صوته، ولا في قلْبه. والثانية: وهي أيسَر من الأُولى: أَنْ يأْتيه الملَك في صُورة بشَرٍ يأْنسَ به، ويُكلِّمه على المُعتاد. ووجه الاقتصار على الحالتَين: أنَّ سُنة الله -تعالى- لمَّا جرتْ أنه لا بُدَّ من مُناسبةٍ بين القائل والسَّامع حتى يقَع التَّعليم والتَّعلُّم؛ فتلك المُناسبة: إما باتصاف السامِع بوصْف القائل بغلَبة الرُّوحانيَّة ¬

_ (¬1) في الأصل: "ترع". (¬2) في الأصل: "به".

عليه، وهو النوع الأول، أو باتصاف القائلِ بوصْف السامع، وهو النَّوع الثاني، وقيل في الحصر أيضًا: إما يَتمثَّل القائلُ بشَرًا أوْ لا، وقيل أيضًا: إما أن يكون كلامُه ظاهرًا مفهومًا بلا مشقةٍ أوْ لا. فإنْ قيل: بقِيَ قسْمٌ ثالثٌ، وهو الرُّؤْيا، قيل: المُراد ما يختصُّ به، ويخفَى (¬1) ولا يُعرَف، والرُّؤيا معروفةٌ، ولا اختصاصَ فيها إلا أنَّها من الأنبياء وحيٌ، أو أنَّ الأمرَين كما يجريان في اليقَظة يكونان في المَنام، فلم يخرُج الحالُ عنها، أو أنَّ السُّؤال إنما وقَع عما يكون من الوحْي في اليقَظة، أو أنَّ رُؤيا المَنام إنما تكون (¬2) في ابتداء الأَمْر كما في الحديث الآخر: (أَوَّل ما بُدِئَ بهِ مِن الوَحْي الرُّؤْيا الصَّالِحَةِ في النَّومِ)، أو قال: (الصَّادِقَة). وقيل في مُدَّة ذلك: أنَّها كانت ستَّةَ أشهُرٍ، فالسُّؤال عن الوَحْي إنما كان بعد ذلك، أو أنَّ الأُمور الموجودة بعد إرسال الملَك مُنْغمِرة في الوحي، فلم تُحسَب. فإن قيل: ما وجه مُطابقَة الجَواب بالثَّاني عن كيفيَّة إتْيان الوَحْي المَسؤول عنها مع ظُهوره في كيفيَّة الحامِل للوَحْي؟ قيل: إنَّ في بَيان كيفيَّة الحامِل والغاية بَيانٌ لكيفيَّة نفْس الوحي بقوله: (فيُكلِّمُني)، قال التُّوْرِبِشْتِي في "شرح المَصابيح": كان - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في الأصل: "ولا يخفى". (¬2) في الأصل: "كان".

مُعتنيًا بالبَلاغَة كاشفًا بالعُلوم الغَيبيَّة، وكان يُوفِّر على الأُمَّة حصَّتَهم بقدْر الاستِعداد، فإذا أَراد أن يُنبئهم بما لا عَهْدَ لهم من تلك العُلوم؛ صاغَ لها أمثلةً من عالم الشَّهادة؛ ليعرفوا بما شاهدوه ما لم يُشاهدوه، فلمَّا سألَه الصَّحابة عن كيفيَّة الوَحْي، وهو من المَسائل الغامِضة ضرَبَ لها مثلًا مِن الشَّاهد بالصَّوت المُتدارِك الذي يُسمع ولا يُفهم منه شيءٌ تَنْبيهًا على أنَّ ذلك يَرِد على القَلْب في لِبْسة الجَلال، فتأْخذُه هيبةُ الخِطاب حين وُرودها مَجامع القَلْب، ويُلاقي من ثِقَل القول مما لا عِلْم له بالقَول مع وجود ذلك، فإذا كُشف عنه وجَدَ القول المنزَّل بيِّنًا، فيُلقى في الرُّوع واقِعًا مَوقِع المَسموع، وهذا معنى قوله: (فيَفصِمُ عَنِّي)، وهذا الصَّوت من الوَحْي شبيهٌ بما يُوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قَضَى اللهُ في السَّماءِ أَمْرًا ضَربَتِ الملائِكَةُ بأجْنحتِها خُضْعانًا لقَوله كأنَّها سِلْسِلةٌ على حَجَرٍ، {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] ". وقال (ع): ما جاء من مثل ذلك يُجرى على ظاهره وكيفيَّته مما لا يَعلَمه إلا الله. (قالت عائشة) جَوَّز فيه (ك) أن يكون تعليقًا غير داخلٍ في الإسناد المَذكور، ورُدَّ بأنَّه متصِلٌ في "مسلم"، وغيره. قلتُ: وفيه نظَرٌ؛ فكم من تعليقٍ للبُخاريِّ يكون كذلك. (يَنْزِل) بفتح أوله والزاي، ويُروى بضم أوله وتشديد الزاي مفتوحةً.

(لَيَتَفَصَّدُ)؛ أي: يَسيل كما يَسيل دَمُ الفَصْد، وهو قَطْع العِرْق لإِسالته، وهو مبالغةٌ في كثْرة العَرَق، ولهذا أتَى فيه بالتَّفعُّل. وصحَّفه ابن طاهِر بالقاف، وحكاه العَسْكَري في "كتاب التَّصحيف" عن بعض شُيوخه، وقال: إنْ صحَّ فهو من قولهم: تقَصَّد الشَّيءُ: تكَسَّرَ وتقَطَّع. (عَرَقًا) تمييزٌ، وهو الرُّطوبة التي تَرشَحُ مِن مَسامِّ البدَن، فُسِّر به الإبهام في نسبة يتفصَّد، والمراد شِدَّة الكَرْب مِن ثقَله كما سبق، ولهذا أَكَّدتْ ذلك بقولها: (في اليوم الشديد البرد). ثم قال الإِسْمَاعِيْلي في "المُستَخرَج": إنَّ هذا الحديث الذي صدَّر به البُخاري لا يَصلُح لترجمة: بَدْء الوَحْي، إنما يصلُح أن لو قال: باب: كيف يأْتي الوَحْي؟ نعَمْ، الحديث الذي بعدَه يُناسبُها. قلتُ: والأوَّل أيضًا مناسبٌ إذا كان ضبطُه: بُدُوِّ بالتشديد؛ إذ المراد حينئذٍ: أنَّه في ظُهوره لذلك، على أَنَّه قد سبَق أنَّ بعض (¬1) التَّرجمة إذا نقَصتْ عمَّا في الباب لا تضرُّ بخلاف العَكْس. * * * 3 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: ¬

_ (¬1) "بعض" ليس في الأصل.

أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْح، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: "مَا أَناَ بِقَارِئٍ"، قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَناَ بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} "، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُويلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ: "زَمِّلُوني زَمِّلُوني"، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لتصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ -وَكَانَ امْرَأً تنصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ- فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ! اسْمَعْ مِنَ ابْنِ

أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي! مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ "، قَالَ: نعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّي وَفترَ الوَحْيُ. الحديث الثالث (م، ت). قال (ن): هو من مَراسِيْل الصَّحابة؛ لعدَم إدراك عائشة ذلك، ولكنَّه حُجَّةٌ عند العُلماء سِوى ما انفَرد به أَبو إسْحاق الإسفراييني مِن كونه لا يُحتجُّ به. نعَمْ، قال الطِّيْبِي: الظَّاهر أنَّها سمعتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُحدِّث به؛ فإنَّ فيه: (قال: فأَخذَنِي فغَطَّنِي)، فيكون مثل قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: 12] الآيةَ، قُرئ بالتاء، وبالياء. (من) هنا للتَّبعيض، أو لبَيان الجِنْس. (الرُّؤْيَا) مصدرٌ كرُجْعَى، وتختصُّ بالمَنام كاختصاص الرَّأْي بالقَلْب، والرُّؤيةِ بالعَين. وفيه: أنَّ رُؤْيا النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وحيٌ، وهو باتفاقٍ. (الصَّالِحَةُ) رواه البخاري في (التفسير): (الصَّادِقة)، وهاهنا بمعنًى، والوَصْف بذلك للإيضاح؛ لأنَّ غيره يُسمَّى حُلُمًا كما ورد:

"الرُّؤْيا مِن اللهِ، والحُلُم من الشَّيْطَانِ"، وإنْ قيل: الرُّؤيا أَعمُّ، فيَكون الوصْف للتَّخْصيص، أي: لا السيَّئة، أو لا الكاذِبة المُسماة (¬1) بأَضْغاث أحلامٍ. وصلاحتها إما باعتبار صُورتها، أو تَعبيرها كما أَشار إليه (ع) وغيرُه، وذلك بأَنْ يُلقي الله تعالى في قلْب النائم الأَشياء كما يَخلُقُها في قلْب اليَقْظان، فتكونَ في اليقَظة كما رأَى في المَنام، أو تكون علامةً على أُمور أُخرى كالغَيم علامةٌ على المطَر. وسيأْتي فيه في (كتاب الرُّؤْيا) زيادةُ إيضاحٍ. (رُؤْيَا) بلا تنوينٍ كحُبْلَى. (مِثْلَ) نصب على الحال، أي: شِبْهَه. (فَلَقِ الصُّبْحِ) وكذا: (فَرَقه) بفتح أولهما وثانيهما بمعنى: ضِيَاؤه، وحكَى الزَّمَخْشَري في "المُستقصَى" تَسكين اللَّام. وإنَّما يقال ذلك لما كان واضحًا بيِّنًا، قيل: هو مصدرٌ كالانْفِلاق، والصَّحيح أنَّه بمعنى مَفْلُوق، وهو اسمٌ للصُّبْح، فأُضيفَ أحدُهما للآخَر؛ لاختِلاف اللَّفظَين. وقد جاء الفَلَق منفرِدًا عن الصُّبح كما في: {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، وقيل: لمَّا كان الفَلَق اسمًا للصُّبح ويُستعمَل في غيره أُضيفَ للصُّبْح للتخصيص، مِن إضافة العامِّ إلى الخاصِّ، كما ¬

_ (¬1) في الأصل: "المسمى ذلك".

يُقال: عَيْن الشَّيء ونفْسُه. قال العُلماء: إنما ابتُدِئَ - صلى الله عليه وسلم - بالرُّؤيا لئلَّا يَفجأَه الملَك ويأْتيَه بصَريح النُّبوَّة بغتةً، فلا تحتملُها القِوَى (¬1) البَشَرية، فبُدئ بأَوَّل خصائص النُّبوَّة، وتباشير الكَرامة من صِدْق الرُّؤيا، وحبِّ العُزلة، والعِبادة، والصَّبر عليها. (الْخَلاَءُ) بفتح أوله، والمدِّ: الخَلْوة، وإنما حُبِّبت إليه؛ لأنَّ معها فَراغ القَلْب المُعين على الفِكْر، فالإنسان لا يَنتقل عن سَجيَّته إلا بالرِّياضة، فلَطَف الله تعالى به في بَدْء أَمره - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وقطَعه عن مُخالطة البشَر ليَجِد الوحيُ منه مُتمكَّنًا كما قيل: أَتَانِي هَواهَا قَبْل أَنْ أَعرِفَ الهوَى ... فَصادَفَ قَلْبًا خَاليًا فتَمَكَّنا (بِغَارِ) هو النَّقْب في الجبَل، وجمعه: غِيْران، وهو قَريبٌ من معنى الكَهْف. (حِرَاء) بمهملتَين، والتَّخفيف: جبَلٌ على ثلاثةِ أميالٍ من مكة على يَسار السَّائر من مكَّة إلى مِنَى، مصروفٌ إنْ أُريد به المَكان، وممنوعُ الصَّرف إنْ أُريد به البُقعة كما في نظائره من أَعلام الأَمكنة. قال (خ) والتَّيْمِي: العَوامُّ تَلْحَن فيه في ثلاثة مَواضع: فتح الحاء، وقصر الأَلف، وهي ممدودةٌ، قال (خ): وكسر الراء، وهى ¬

_ (¬1) "القوى" ليس في الأصل.

مفتوحةٌ، والتَّيْمِيُّ: تَرْك صَرْفه، وهو مصروفٌ. فيَجتمع من كلامِهما أربعةٌ في كلِّ حرفٍ من الكلمة لَحْنةٌ، وفي الأَخير اثنتان، وذلك اتفاقٌ غريبٌ لكن ليس شيءٌ مما قالاه لَحنًا، فقد حُكِي في الحاء الفتْح، وحُكِي القَصْر، وكذا الصَّرف وتركه باعتِبار المكان والبُقعة كما سبق، وأما كسر الراء فعلى الإِمالة إذا قُصِر، كذا قاله (ك). وفيه نظَرٌ؛ لأنَّ سبْق الراء الألفَ مانعٌ منها كما لا يُمال: راشِد، ورافِع. (يَتَحَنَّثُ) بمُثلَّثة آخره، أي: يتعبَّد، ومعناه: إِلقاؤُه الحِنْث، وهو إِلقاء (¬1) الإثْم عن نفْسه بالتعبُّد؛ كتَحوَّبَ: أَلقَى الحُوبَ، وتأَثَّم: ألقَى الإثْم. قال (خ): وليس في الكلام بهذا المعنى غيرُ الثلاثة، وتَفعَّلَ فيما سواها إنما هو بمعنى تَكسَّبَ الشَّيءَ، وتَلبَّسَ به. لكن زاد غيره: تَحرَّجَ وتَنَجَّسَ: أَلقَى الحرَجَ والنَّجَسَ، وتَخَوَّن: أَلقَى الخِيَانة، وتَهجَّدَ: أَلقَى الهُجود، أي: النَّوم، وتَجزَّعَ: أَلقَى الجزَعَ، وغير ذلك، فلا يحسُن نفْيُ غيرِ الثَّلاثة. وقال التَّيْمِي: إنَّ (يتحنَّث) بهذا المعنى من المُشكِلات لا يَهتدي له إلا الحُذَّاق، وسُئل عنه ابن الأَعْرابي، فقال: لا أَعرفُه، [وسألتُ أبا ¬

_ (¬1) "إلقاء" ليس في الأصل.

عَمْرو الشَّيباني] فقال: لا أَعرفُه، إنما هو (يتحنَّف) مِن الحَنِيْفيَّة. قال (ش): ورُوي كذلك، أي: يَتبَع دِين الحَنِيْفيَّة، أي: دِين إبراهيم عليه السلام، وذلك على القِياس. قلتُ: قال ابن هشام في "السِّيرة": إنَّ يتحنَّف بالفاء أصلُه بالثَّاء، فأُبدلتْ كالجَدَث في جَدَف، وهو القَبْر، ونازعَه السُّهَيْلي، وقال: الفاء هي الأَصل، والثاء مُبدلةٌ منْها، وإنَّ القَبْر إنما أصلُه جَدَفٌ من الجَدْف، وهو القَطْع، فأُبدلت الفاء بمُثلَّثةٍ. (وَهُوَ التَّعَبُّدُ) الضَّمير راجعٌ للمَصدر الذي تضمَّنه (يتحنَّث) على حدِّ: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]. (اللَّيَالِيَ) ظرفٌ ليَتحنَّث لا للتَّعبُّد؛ لفَساد المعنى؛ لأنَّه لا يَتعبَّد بذلك، فهذا التَّفسير اعتراضٌ بين الظَّرف وعاملِه. قال الطِّيْبِي: يحتمل أنَّ هذا التفسير من قَول الزُّهري أَدرجَه على عادته. قال: واللَّيالي أُريد بها مَعَ الأَيَّام تغليبًا لليالي؛ لأنَّ اللَّيل أنسَب للخَلْوة. (ذَوَاتِ الْعَدَدِ) صِفَةٌ لليَالي منصوبٌ بالكسرة، قيل المراد: القِلَّة نحو: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20]. قال (ك): ويحتمل أنْ يُراد الكثرة؛ إذ الكثير يحتاج للعدَد، وهو المُناسِب للمَقام. قلتُ: وفي "سيرة ابن هشام"، عن ابن إسحاق: أنَّ ذلك كان في

كلِّ سنةٍ شَهْرًا، وأنَّ الشَّهر الذي جاءَه جبريل فيه كان رمَضان. وهذا التعبُّد يحتمل أن يكون بشَرْع الأَنْبياء قبلَه على القول بأنَّه قبل النُّبوَّة كان مُتعبَّدًا بشرع (¬1) إما إبراهيم، أو نوح، أو مُوسَى، أو عِيْسى، أو ما ثبَت أنَّه شرعٌ، على الخلاف المشهور فيه. ويحتمِل أنَّه بمقتضى العقْل عند مَن يقول بقاعدة الحُسْن العَقْلي. ويحتمل أنَّه بما شُرِع له بوَحْي الرُّؤيا بدليلِ قولها: (ثُمَّ حُبِّب إِليهِ الخَلاءُ)؛ فإنَّ (ثُمَّ) للتَّراخي. قال (ط): ولو حُمل على اجتِنابه ما كان تَرتكبُه الجاهليَّة لكان أَظهَر. وفيما قالَه نظَرٌ؛ لأنَّه دائمًا تاركٌ لذلك، فإنْ قصَد حُدوث نيَّة التَّرْك تعبُّدًا، فالتعبُّد لا بُدَّ له مِن استنادٍ لشَرْعٍ. (يَنْزِعَ) بكسْر الزَّاي، أي: يَرجع إلى أهله، يَحِنُّ إليهم وَيشتاقُهم، وفي رواية "مسلم" في تفسير {اقْرَأْ} [العلق: 1] بلفْظ: (يَرجِع). (وَيَتَزَوَّدُ) بالرَّفعْ عطْفًا على: (يَتحنَّث)، والزَّاد هو الطَّعام الذي يَستصحبُه المُسافِر، يُقال: زوَّدتُه فتَزوَّدَ. (لِذَلِكَ)؛ أي: للخَلاء، أو للتعبُّد. (خَدِيجَةَ)؛ أي: أُم المُؤمنين، وسيأْتي بَيان ترجمتها في (فَضائل أَزواجه - صلى الله عليه وسلم -). ¬

_ (¬1) "الأنبياء قبله" ليس في الأصل.

(لِمِثْلِهَا)؛ أي: لمثْل اللَّيالي. (جَاءَهُ الْحَقُّ)؛ أي: الأَمْر الحقُّ، وللبخاري في (كتاب تَعبير الرُّؤيا) ولمسلم: (فَجِئه) -بكسر الجيم- من الفُجاءة، والمراد: أنَّه جاءَه بَغْتةً؛ لأنَّه لم يكُن متوقِّعًا مَجيءُ الوَحْي. وقد فسَّره (ش)، وقال: فَجِئَه بالكسرة، يَفجَؤُه بالفتح، وبالفتح فيها، فأَوهَم أنَّ ذلك في رواية البخاري هنا، وليس كذلك. (فَجَاءَهُ الْمَلَكُ)؛ أي: جِبْريل، وإنما عطف بالفاء -وهي للتَّعقيب- مع مجيء الملَك والوَحْي معًا؛ لأنَّ الجُملة الثانية تفسيرٌ للأُولى، نحو: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] على بعض التَّفاسير، وتُسمَّى فاء التَّفسير، وفاء التَّفْصِيل؛ لمَا في مَصحُوبها من بَيان الإجمال فيها قبلها لا سيَّما على تفسير الطِّيْبِي (جاءَه الحَقُّ) بـ: جاءَهُ الوَحْي، أو رسول الحقِّ. (مَا أَناَ بِقَارِئ) الباء تأكيدٌ؛ لأنَّها في خبر (ما) النافية، ولو كانت استفهاميةً -كما زعم بعضهم- لمَا دخلت الفاءُ. قال (ن): ولا دلالةَ في قوله في رواية: (ما أَقرأُ) لجَواز أنْ تكون الأُخرى نافيةً. (فَغَطَّنِي) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ مشدَّدةٍ، أي: ضَغَطَني، وعَصَرني، وتُروى بتاءٍ موضعَ الطَّاء بمعناه، ويُروى: (سَأَبَنِي)، والسَّأب: الخَنْق. (الْجَهْدَ) -بفتح الجيم-: المَشَقَّة، مرفوعٌ على أنَّه فاعِل (بلَغَ)،

والمفعول محذوفٌ، أي: مَبْلَغًا عَظيمًا، وجوَّزوا الضمَّ على أنَّه لُغةٌ فيما سبق، أو منصوبٌ مفعول (بَلَغ)، والفاعل ضميرُ الملَك؛ لأنَّه بالضمِّ بمعنى: الطَّاقة، والمعنى: أنَّه بلَغ في غَطِّي جُهدَه. نعَمْ، استبعَده شِهَاب الدِّين التُّورِبِشْتِي بأنَ البِنْية البشَرية لا تَستدعي استِنفاذ القُوَّة الملَكية في الضَّغْط. وأجاب الطِّيْبِي بأنَّه لم يكُن على صُورته الحقيقيَّة التي تَجلَّى بها عند سِدْرة المُنْتَهى، وعندما رآه مُستويًا على الكُرسيِّ، فاستِفراغ الجُهد إنما هو بحسَب صُورته التي تجلَّى له فيها حينئذٍ، وإذا صحَّت الرِّواية اضْمحلَّ الاستِبعاد. (أَرْسَلَنِي)؛ أي: أَطلقَني. (فَغَطَّنِي الثَّالثة) الحِكْمة في الغَطِّ المبالغة في إحضار قلْبه، وتَكريرُه ثلاثًا زيادةٌ في ذلك. ففيه: أنَّ المعلِّم ينبغي له أن يَحتاط للمُتعلِّم في تنْبيهه، وإحضار مَجامع قَلْبه. (فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}) ليس في تَرْك البَسملة هنا دلالةٌ على أنَّها ليستْ من أَوائل السُّوَر؛ لأنَّها وإنْ لم تنزِل حينئذٍ فقد نزلتْ بعد ذلك كما نزَل بقيَّةُ القرآن. وقيل: باسمِ ربِّك: حالٌ، أي: اقْرأ مُفتتِحًا باسم ربِّك، أي: قُل: بِسْم اللهِ الرَّحمن الرَّحيم، ثم اقرأْ، ففيه دليلٌ على قراءتها في هذه السُّورة، وفي كلِّ قراءةٍ.

({الَّذِي خَلَقَ) صِفةٌ تُناسِب ما حصَل من الغَطِّ، وجعلَه توطئةً لقوله بعدُ: ({خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}) = إِيذانًا بأنَّ الإنسان أشرف المَخلُوقات، والعَلَق: جمع عَلَقة، وهي الدَّم المُنْعقِد. ({عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}) ذكَر نعمةَ الله على الإنْسان من بعدِ خَلْقه بأَجلِّ النِّعَم، وهي العِلْم. ({عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}) تنبيهٌ على أنَّه كما يحصُل التَّعلُّم بالقَلَم حصَل بتعليم الله تعالى بلا واسطةٍ؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يكُن يكتُب حتى يعلَّم بالقَلَم. وقولُه {مَا لَمْ يَعْلَمْ} إشارةٌ إلى العِلْم اللَّدنِّي، وقد عُلم بهذا أنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: (مَا أنَاَ بقَارئٍ) معناه: لا أُحسِنُ أنْ أَقرأَ بواسطة التَّعليم بالقَلَم. (رَجَعَ بِهَا)؛ أي: الآياتِ. (يَرْجُفُ فُؤَادُهُ)؛ أي: يَضطَرِبُ من تلْك الغَطَّة، وفُؤاده، أي: قَلْبه، وقيل: الفُؤاد غير القَلْب، وقيل: باطِن القَلْب، وسُمي القَلْب قَلْبًا لتقلُّبه. وأما عِلْم خَديجة برجَفان القَلْب، فالظاهر أنَّها رأَتْه حقيقةً، ويجوز أنَّها علِمتْه بالقَرائن. (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)، كذا الرِّواية مرَّتين، والتَّزْميل: التَّلْفيف، وهو: التَّدثير أَيضًا، وقد روى البخاريُّ في (سُورة المدَّثِّر): (دَثِّرُوني، وصَبُّوا عليَّ ماءً باردًا، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}).

(الرَّوْعُ) -بفتح الراء-: الفَزَع. (الْخَبَرَ)؛ أي: ما جرَى مِن مَجيء الملَك، والغَطُّ غير ذلك. (لَقَدْ خَشِيتُ) جوابُ قسَمٍ محذوفٍ، أي: واللهِ لَقَدْ، والمَجمُوع مَحكيٌّ بـ (قالَ)، ومعنَى خَشْيته على نفْسه -كما قال (ع) - مِن أَنْ لا يَقْوَى على مُقاومة هذا الأَمر، وأنْ لا يُطيق حَمْل أَعباء الوَحْي، فيُزهقَ نفْسه لشِدَّة ما لَقيَه أوَّلّا عند لِقاء الملَك، لا أنَّه خَشِي أن لا يكُون الّذي أَتاه من الله، فإنَّه لم يكُن عنده شكٌّ أنَّه مِن اللهِ. قال (ع): أو يكُون خبَرًا عن أوَّل ما رأَى من التَّباشير في النَّوم واليقَظة، وسَمع الصَّوت قبل لِقاء الملَك، وتحقُّقه رسالةَ ربِّه، فخافَ أن يكون ذلك من الشَّيطان، أمَّا بعدَه فلم يَخشَ من تَسليط الشَّيطان عليه. وضعَّف (ن) الثَّاني بأَنَّ صَريح الحديث أنَّ ذلك كان بعد غَطِّ الملَك وإتْيانه بـ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، إلا أن يكون أخبرها بما كان أوَّلًا، لا أنَّه خائفٌ في حال الإِخْبار. وجوابٌ ثالثٌ للطِّيْبِي: أنَّه لمَّا حصَل له من الغَطِّ انْفعالٌ خَشي أن يحصُل له أمرٌ توهم منه كما يحصُل للبشَر إذا دهَمَ الواحدَ أمرٌ لم يَعهدْه، ولذلك قال: (زَمِّلُونِي). قال (ك): ويحتمل وجهٌ رابعٌ: فإنَّه خاف شِبْهَ الجُنون على نفْسه، فقد روى صاحب "الغَريبَين" في (باب العين والدال والميم):

أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لخَدِيجة: "أَظُنُّ أنَّه عَرَضَ لي منهُ جُنونٌ"، انتهى. قلتُ: وفيما قالَه سُوءُ تعبيرٍ مع إمكان رُجوعه إلى ما سبَق، وإنّما عَلم - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الجائي له جبريل لا الشَّيطان؛ لأن الله -تعالى- قد نصَب له دَليلًا على ما يُميِّز بينهما كما نصَب لنا دَليلًا على أنَّ الرَّسول صادقٌ لا كاذبٌ، وهو المُعجِزة. قلتُ: قال الإِسْمَاعِيْلي: وخبَره لخديجة ومجيئُهما لوَرَقَة على صُورةِ الاستِثبات ليس للارتياب فيما حصَل له، بل لأنَّ الأُمور العظيمة الّتي يُراد انتِشار عِلْمِها يسبقُها مُقدِّماتٌ؛ لتَتمكَّن مِن قُلوب السَّامعين، فأَبدتْ خَديجة ما يعلمه الله تعالى من أَحواله الجَميلة الدَّالَّة على أنَّه لا يُصاب بضَيمٍ، وعرَّفت بذلك مَنْ له عِلْم بالشَّرائع وأَعلام النُّبوات، وقِراءة الكتُب مع وُفور عقْله وبَصيرته في الدِّين، وقَبول النَّاس ما يقُوله، وأيضًا فلحُصول التَّأْنيس له حيث ورَدَ عليه ما يُخالف عادتَه قبل النُّبوَّة، وما بلَغَ من نظْم القُرآن وتأْليفه وإعجازه وخُروجه عن حالِ كلام البشَر، انتهى مُلخَّصًا بالمعنى. (كلا) معناها هنا النَّفْي والرَّدع عن هذه الخَشْية، وأنَّه مُنزَّهٌ عن ذلك. (مَا يُخْزِيكَ)، الرِّواية: (ما يُخْزِيْكَ)، وفي نُسَخ الكِرْمَاني: (لا)، وهو وهمٌ، و (يُخزيك) بضم الياء، والخاء (¬1) المعجَمة، مِن ¬

_ (¬1) "والخاء" ليس في الأصل.

الخِزْي، وهو الفَضيحة والهَوان، ورواه مسلمٌ بالمهملة مِن الحُزْن، فيجوز فتح أوَّله وضم ثالثه، وضمُّ أوَّله وكسر ثالثه؛ لأنَّه يُقال: حَزَنَه وأَحزنَه لُغتان فَصيحتان بمعنًى، وقُرئ بهما في السَّبْع. (أَبَدًا) نصب على الظَّرف. (إِنَّكَ) بكسر الهمزة؛ لأنَّ الجملة ابتدائيةٌ، وهي استئنافيةٌ تُفيد التعليل. (لَتَصِلُ الرَّحِمَ)؛ أي: تُحسِن للأَقارِب، والإِحسان إمّا بالمال، أو بالزِّيارة، أو بالخِدْمة، أو بغير ذلك. (الْكَلَّ) بفتح الكاف، وتشديد اللَّام: الثِّقَل، وهو كلُّ ما يُتكلَّف، ومنه الكَلال، وهو الإِعْياء، ونحوُه: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل: 76]، أي: لا يَستقِلُّ بأَمْره، والمراد: أنَّه يُعين الضَّعيفَ، وَيرفع ما عليه من الثِّقَل. (وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ) بفتح أوَّله تَكْسِب على المشهورِ والأكثَرِ في الرِّواية، والأَفْصح كما قالَه (ع). ورُوي بضمِّ أوله بمعنى: تُكسِبُ غيرَك المالَ المَعدومَ، أي: تُعطيه إيَّاه، فحذف أوَّل مَفعولَيه، وقيل معناه: تُعطي النَّاسَ ما لا يَجدونَه عند غيرك من مَكارمِ الأَخلاق، والعُلومِ، وغير ذلك. وأمّا بالفتح ففيه خمسة أقوالٍ: فقيل: بمعنى المَضْموم؛ لأنَّه يُقال: كسَبْتُ الرَّجلَ مالًا وأَكسبتُه مالًا، وهو أَفْصح، بل أنكَر الفَرَّاء

تعديةَ (كَسَبَ) لاثنين، وفي "النِّهاية": يُقال: كَسَبْتُ مالًا، وكسَبْتُ زيدًا مالًا، وأكَسبتُه مالًا: أَعنتُه على كَسْبه، وجعلتُه يكسبُه. وقيل: إنَّ معنى المفتوح: تَكسِبُ المالَ المعدومَ، وتُصيب منه ما يَعجَزُ غيرُك عن تحصيله، والعرَب تَتمادحُ بمثْل ذلك لا سيَّما قُرَيش، يُقال: فُلانٌ يكسِبُ المعدومَ إذا كان مَجْدُودًا يَنالُ ما يُحرَم غيره، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - محظُوظًا في تجارته. وضعَّفه (ن) بأنَّه لا معنى لذلك هنا إلا أن يُضمَّ إليه زيادةُ أنَّه يَجُود به، ويُنفقه في المَكرُمات. وقيل: المَعدوم هو الرَّجُل المُحتَاج العاجِز عن الكَسْب؛ لأنَّه بذلك صارَ كالمَعدُوم الميِّت، والمعنى: أنَّ غيرَك يَستفيد المالَ، وأنت تَستفيدُ هذا الّذي كالمَعدُوم لعَجْزه، فتُعينُه؛ فإنَّ الكسْب هو الاستِفادة. وقال (خ): صوابه: (المُعدِم) بلا واوٍ؛ لأنَّ المَعدُوم لا يدخُل تحت الأفْعال، والمراد: أنَّكَ تُعطي الفقيرَ المعدومَ مالًا يُعينه على افتِقاره، ورَدَّ عليه التَّيْمِي في تَخطئَتِه ما صحَّ في الرِّواية واشتُهِرَ، فيكون هو الصَّواب. قال (ش): إنَّه بَناه على اختيار الأَفْصح، وهو فتح التاء، أنها على الضمِّ فالمراد به مَعدُومات الفَوائد، ومَكارم الأَخلاق، انتهى. ويظهر أنَّ البِناء بالعكْس، فتأَمَّلْه. وفي "تهذيب الأزهري" عن ابن الأَعرابي: رجُلٌ عَديمٌ لا عَقْلَ

له، ومُعدِمٌ لا مالَ له. (وتقرئ) بفتح أوَّله، يُقال: قَرَيتُ الضَّيفَ أَقْرِيْهِ قِرًى بكسر القاف، والقصر، وقَراءً بفتحها والمدِّ. (نَوَائِبِ الْحَقِّ) النَّائبَة: الحادِثَة من خيرٍ وشرٍّ، فبالإضافة إلى الحقِّ تخرُج نَوائبُ الباطِل، قال لَبِيْد: نَوائِبُ مِنْ خيرٍ وشَرٍّ كِلاهُما ... فَلا الخَيْرُ مَمدُودٌ ولا الشَّرُّ لازبُ وبالجُملة فمعنى قول خَديجة: إنَّك لا يُصيبُك مَكروهٌ؛ لمَا جعَلَ اللهُ فيكَ مِن مَكارِم الأَخْلاق، وجَميل الصِّفَات، وذَكرتْ شيئًا من ذلك، وهذه الأُمور سَبيلٌ للسَّلامة مِن السُّوء والمَكارِه. ففيه مَدْح الإنْسانِ في وَجْهه لمصلحةٍ، وأمَّا حديث: "احثُوا في وُجُوهِ المدَّاحِيْنَ"، فذاكَ في المَدْح في الباطِل. أو المؤدِّي إلى باطلٍ. وفيه التَّأْنيس لمَنْ حصَل له مَخافةُ شيءٍ، وذِكْر أَسباب السَّلامة له، وذلك أَبلَغ دليلٍ على كَمال خَديجة، وجَزَالةِ رأْيها، وقُوَّة نفْسها، وعَظيْم فِقْهها؛ إذْ جَمعتْ أَنواعَ أُصول المَكارِم؛ لأنَّ الإحسان إمّا للأَقارب، وإما للأَجانب، وإما بالبَدَن، وإما بالمالِ، وإما على ما يستقلُّ بأَمره، وإما على غيره. (فَانْطَلَقَتْ بِهِ) عَدَّاه بالباء؛ لأنَّها انطلقتْ معه، بخلاف ما لو عُدِّي اللَّازم بالهمز نحو: أَذهبْتُه، فإنَّه لا يَلزم مِن ذلك.

(وَرَقَةَ) بفتْح أَحرُفه. (نوفَلِ) بفتح النون والفاء. (الْعُزَّى) بضم العين: تأْنيث أَعَزَّ، والعُزَّى صنَمٌ. (ابْنَ عَمِّ) بنصْب (ابن) بدَلًا من (وَرَقَة)، فيُكتب بالأَلف، فخَديجة بنت خُوَيلِد بْن أَسَد بْن عبد العُزَّى، فجدُّهما واحدٌ. قال (ن): ولا يُجرُّ (ابن)، ولا يُكتَب بغير أَلفٍ؛ لأنَّه يَصير صِفةً لعبد العُزَّى، فيكون عبد العُزَّى هو ابن عَمِّ خَديجة، وهو باطلٌ. قال (ك): ليستْ عِلَّة كتْبه بالألف ما ذكَره، بل لأنَّه ليس بينَ علَمَين؛ لأن الّذي بعدَه (عمِّ) وليس بعَلَمٍ، وأيضًا فلا يتعيَّن البدَليَّة بل يجوز أن يكون صِفةً، أو بَيانًا، انتهى. (تَنَصَّرَ)؛ أي: صار نَصرانيًّا، وترَك عِبادة الأَوثان. (الْجَاهِلِيَّةِ) هي ما قَبْل نبُوَّة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِمَا كانُوا عليه من الجَهْل، وقيل: هي زمَن الفَتْرة مُطلَقًا. قلتُ: ويَظهَر أنَّه بمعنى ما قبلَه. وقيل: إنّما هو (تبَصَّر) -بالمُوحَّدة- مِن البَصيرة؛ لكَونه في زمَن الجاهليَّة كان مُتبَصِّرًا. (الْعِبْرَانِيَّ) رواية مسلم، وهي في "البخاريّ" في (التفسير): (العَرَبِيَّ)، فرجحَتْ لاتفاقهما عليها. (بِالْعِبْرَانِيَّةِ) هي على الرِّواية الأُولى، وأمّا على الثّانية فـ: (بالعَرَبيَّة).

قال (ن): حاصلُه أنَّه تمكَّن مِن دِين النَّصارى وكتابهم، وتصرَّف حتّى صار يكتُب الإِنْجيل إنْ شاء بالعرَبيَّة، وإنْ شاء بالعِبْرانيَّة على الرِّوايتين. قال (ك): ويُفهم منه أنَّ الإنْجيل ليس عِبْرانيًّا، لكنْ قال التَّيْمِي: إن العِبْرانيَّ أُنزل به جميعُ الكتُب مِن التَّوراة، والإِنْجيل، ونحوهما، فيكون الإنْجيل على هذا عِبرانيًّا. قلتُ: لا تَنافيَ بينهما، بل معنى كلام (ن): أنَّه عرَف العِبْرانيَّ حتّى صار يكتُب به الإنْجيلَ كما يكتُبه النَّصارى، نعَمْ، في "الصحاح": العِبْرانيُّ لُغة اليَهود. (الإنجيل) قلتُ: هو إِفْعِيْلٌ مِن النَّجْل؛ لأن الأَحكام مَنْجُولةٌ، أي: مُستخرَجةٌ، ومنه: أَنجَلَ فُلانٌ ذكَرًا، فسُمِّي بذلك لأنَّ الله أظهَره للنَّاس، وقيل: مِن التَّناجُل، وهو التَّنازُع؛ لأنَّهم اختلَفُوا فيه، وقرأَه الحسَن بفتح الهمزة، فيكون أَعجميًّا؛ إذْ ليس في العرَبية: أَفْعِيْل بالفتح، قالَه ابن الأَنْبارِي في "الزاهر". (يَا ابْنَ عَمِّ) يجوز فيه الأَوجُه المَشهورة في (ابنٍ) المُضافِ لأُمٍّ أو عَمٍّ المضافَين لياء المتكلِّم، وذلك حقيقةٌ، ورواه مسلمٌ: (أَيْ عَمِّ)، وهو مجازٌ، جعَلَتْه عَمًّا تَعظيمًا وتَوقيرًا كعادة العرَب في خِطَاب الصَّغير للكبير. (ابْنِ أَخِيكَ) هو أَيضًا مَجازٌ مِن تعظيمِ وَرَقَة واستِعطافه، أو

التَّقدير: ابنِ أَخِي جَدِّكَ؛ لأن جدَّ وَرَقَة الثّالث أَخو جَدِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّابع، ويكون تعبيرًا عن ابن الابن بالابن. (النَّامُوس) هو جِبْريل؛ لأنَّ الله -تعالى- خَصَّه بالغَيب، وأَصل النَّامُوس صاحِب سِرِّ الخَيْر، ضِدُّ الجَاسُوس، فإنَّه في الشَّرِّ، يُقال: نَمَسْتُ -بفتح الميم- أَنمِسُ -بكسرها- نَمْسًا: كتَمتُ، ونَامَستُه: سَارَرتُه. (عَلَى مُوسَى) إنّما لم يقُل: (على عِيْسى) مع أنَّ وَرَقَة تَنصَّر وكتَب الإنْجيل؛ لأن مُوسَى متفَقٌ عليه بين اليَهود والنَّصارى، وبعضُ اليَهود يُنكرون نبوَّة عِيْسَى، أو لأنَّ النَّصارى تَتْبع أَحكامَ التَّوراة وتَرجع إليها، على أنَّه قد رَواه الزُّبَير بْن بَكَّار: (نَامُوسُ عِيْسَى)، فيَزول الإشكال. (يَا لَيْتَنِي) إدخالُ (يا) على (ليت) إمّا على حذْف المُنادَى، أو على أنَّ (يا) حَرفُ تنْبيبهٍ كـ (أَلا) في نحو: أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيْتنَّ لَيلةً ورجَّح ابن مالك الثَّاني، قال: لأنَّه قد لا يكُون ثَمَّ مُخاطَبٌ نحو: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: 23]، ولأنَّه إنّما يُحذَف في موضعٍ يُعتاد ذِكْره كما خُرِّج عليه قِراءة الكِسَائيِّ: {أَلَّا يَسْجُدُوا} [النمل: 25]؛ لوُرود: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12]، فجاءَ بعدَه الأَمر، قال الشاعر: أَلا يَا اسْلَمِي يا دَارَ مَيَّ علَى البِلَى

لوُرود {يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الأعراف: 134]، فوقَع قبْل الدُّعاء. قلتُ: لم يقَع هنا أيضًا إلا قبْل الأَمر كالذي قبلَه، فلا يُمثَّل به للدُّعاء. (فِيهَا) أي: في الدولة، أو النُّبوَّة، أي: في زمَن النُّبوَّة. (جَذَعًا) بفتح الذال المعجمة، أي: قَويًّا للشَّباب، فاستَعمل فيه الجَذَع وإنْ كان أَصله في البَهائم استعارةً، أو أنَّ المُراد: فكَونَ أوَّل مَنْ يُجيبُكَ ويُؤمِنُ بكَ، كما أنَّ الجَذَعَ أوَّل الأَسنان. ونصب (جَذَعًا) إما بـ (لَيْتَ) على نصْبها الجُزْأَين نحو: يا لَيتْ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا وهو قَول الكِسائيِّ، وإما على أنَّه حالٌ، وفيها خبر (لَيْتَ)، قاله (ع)، وكذا قالَه السُّهَيْلي، وإنَّ العامِل في الحال ما يتعلَّق به الحال مِن معنى الاستِقرار. وقيل: الخبَر محذوفٌ، أي: يا لَيتَني فيها حَيٌّ أو موجودٌ في حال نُبوَّته، وهو كالذي قبلَه في أنَّ العامِل متعلَّق الحالِ (¬1)، إلا أنَّ هذا فُسِّر بكونِ خاصٍّ أو مُطلَقِ، وذاك اقتَصر على التَّفسير بكونٍ مُطلَقٍ. وقال الفَرَّاء: (ليتَ) بمعنى: أَتمنَّى، فنَصب الجُزْأَين، وهو راجعٌ للأول. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

وقال (خ): نُصب على أنَّه خبر (كان) مقدَّرة، أي: يا لَيتَني أكُون فيها جَذَعًا، يُؤيِّده قولُه بعدَه: (يا لَيتني أكَونُ حيًّا)، وهو راجع للكَون المُطلَق إنْ كان المقدَّر (كان) التامَّة، والنَّصب على الحال إنْ كانت ناقصةً، فحذْفها إنّما يَطَّرِدُ بعدَ: (أن)، و (لَوْ). ويُروى: (جَذَعٌ) بالرفع، وهو ظاهرٌ، والجارُّ حينئذٍ متعلِّقٌ بما فيه من معنى الفِعْل، كأنَّه قال: يا لَيتَني شابٌّ أو قَويٌّ. نعم، قال (ع): إنَّ الرَّفع روايةُ الأَصِيْلِي، وإنَّها خِلاف المَشهور. وقال ابن بَرِّي: المَشهور عند أهل اللُّغة والحديث كأبي عُبَيد وغيره: جَذَعْ بسُكون العين، قال: ومنهم مَنْ يرفعُه خبرًا لـ (لَيتَ)، ومنهم مَنْ يَنصبُه بفِعْلٍ محذوفٍ، أي: جُعلتُ فيها جَذَعًا، انتهى. فَيُضَمُّ هذا الأَخير لأَقوال المنصوب. (إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ) استُعملت (إذْ) هنا موضعَ (إذا) للاستِقبال كعكسه في نحو: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [الجمعة: 11]، ونُكتةُ الأَوَّل -كما قال أَهل البَيان- تَنْزيلُ المُستقبَل المَقطُوع بوُقوعه مَنْزِلة الماضي الواقِع، أو استِحضارُه في مُشاهدة السَّامع تعجُّبًا، أو تَعجيبًا، فلذلك قال: (أوَمُخْرِجِيَّ هم) تعجُّبًا واستِبْعادًا. (أوَمُخْرِجِيَّ) بفتح الواو، لأنَّها عاطفة، نعَمْ، قال ابن مالك: كانَ الأَصل تقديمها على الهمْز كسائر أَدوات الاستِفهام، لأنَّه جُزء الكلام المعطوف، نحو: {وَكَيْفَ تَكفُرُونَ} [آل عمران: 101]، و {فَأَيْنَ

تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26]، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: 95]، لكنْ اختُصَّت الهمزة بذلك لأنَّها أَصْل أَدواته، فنُبِّه بذلك على أَصالتها حيثُ رُجع بها إلى الأَصل في الاستِفهام، وهو التَّصوُّر. وزعَم الزَّمَخْشَريُّ أنَّ العطْف إنّما هو على جُملةٍ مقدَّرةٍ بعد الهمْزة، فيُقدَّر في نحو: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} [يوسف: 109]: أَمَكَثُوا، لكنْ تقديم بعض المَعطوف مُراعاةً لاستِحقاق تصدُّره أَولى من تقدير جُملةٍ قبْل العاطِف. قال (ك): إنَّ تقديم العاطِف في الحديث مُمتنِعٌ؛ لأنَّه جوابٌ واردٌ على قوله: (إِذْ يُخرِجُكَ)، استِبْعادًا وتعجُّبًا، فكيف يَستقيم العطْف؟، ولأنَّه إنشاءٌ وما سبَق خبرٌ، والحقُّ أنَّه لما أُريد الاستِبْعاد أُتي بالواو عطْفًا على مقدَّرٍ، تقديره: أَمُعَادِيَّ هم؟، ومُخْرِجِيَّ هُم؟، وإذا دعَت الحاجةُ لمثْل هذا التَّقدير فلا يُستَنكَر، لا سيَّما وقَرينة ذلك وُجود الواو العاطِفة مع تعذُّر العطْف على ما سبَق، انتهى بمعناه. قلتُ: وحاصلُه مُوافقة الزَّمَخْشَريِّ على العطْف على مقدَّرٍ وإنْ كان المقدَّر هنا على ما قدَّره مُفرَدًا، لكنْ ما قاله ابن مالِك هو قَول سِيْبَوَيْهِ والجُمهور، ولا تقديرَ فيه، فهو أَجْوَد من ادِّعاء تقديرٍ يصحُّ الكلام بدُونه؛ لأنَّ مِن لازِم: (إذْ يُخرِجُكَ قَومُكَ) أنَّه يَخرُج، فكأنَّ وَرَقَةَ قال: تَخرُجُ بإِخْراجِ قَومِكَ، فعُطف عليه: ومُخْرِجِيَّ هم، أي: أَأَخرُجُ، ومُخْرِجِيَّ قَومي. ومُخْرِجِيَّ جمع: مُخْرِجٍ جمعَ سلامةٍ بالواو والنُّون؛ فلمَّا أُضيف

إلى ياءِ المتكلِّم سقَطتْ نونُ الجمْع، واجتَمعت الواو الّتي هي عَلامة الرَّفعْ مع ياء المتكلِّم، والسابِقُ منْهما ساكنٌ، فقُلبت الواو ياءً، وأُدغمتْ في الياء الثَّانية، وجواز حينئذٍ الفتْح في الياء المُشدَّدة تخفيفًا لئلَّا تجتمع كسرتان وياءَان، وجاز الكَسْر على أَصْل التِقاء الساكنَين؛ لأن ياء المتكلم أصلُها السُّكون، وقد قُرئ بهما في قوله تعالى: {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22]. ثمّ قال ابن مالك: هو خبرٌ مقدَّمٌ، و (هم) مبتدأٌ مُؤخَّرٌ، ويمتَنِع العكْس؛ لأنَّه لا يخبر عن نكرة بمعرفة، لأن إضافة (مُخْرِجِيَّ) غير محضةٍ. ويجوز أن تكُون فاعلًا سدَّ مَسدَّ الخبَر، و (مُخْرِجِيَّ) مبتدأٌ، أي: لاعتِماده على استفهامٍ، لكنْ على جَواز تخريج الفَصِيح على لُغة: أَكَلُوني البَراغِيْث، وإنْ كانت قليلةً، كما خرَّجوا عليها قولَه تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3]، وحديثَ: "يَتعاقَبُون فيكُم مَلائِكَةٌ" كما هو مُختار ابن مالك، أما على المَنعْ فتُؤوَّل كما أُوِّلت الآيةُ والحديثُ. ثمّ قال ابن مالك: ولو رُوي بتخفيف الياءِ على أنَّه مفردٌ غيرُ مضافٍ لجازَ، ويكون (هم) فاعلًا به، ولا يَصحُّ جعْل (مُخْرِجِيَّ) خبرًا مقدَّمًا، و (هم) مبتدأً مؤخَّرًا؛ لئلا يكُون إخبارًا عن الجمْع بالمفرَد. قال السُّهَيْلي: ولا يصحُّ جعْل (هم) فاعلًا لـ (مُخْرِجِيَّ)؛ لأنَّه

ضميرٌ منفصلٌ كما لا تقول في قمتُ: قامَ أَنا. قلتُ: وفيه نظَرٌ؛ لأن ذاك في الأَفعال الّتي يتصِل بها الضَّمير المرفوع لفْظًا، واتصافُهم هنا مفصولٌ بضمير المَفعول، وهو ياء المتكلِّم. (عُودِيَ) مبنيٌّ للمفعول مِن المُعاداة. (يَوْمُكَ)؛ أي: يومُ انتِشار نبُوَّتكَ، أو: يوم يُخرجُك قَومُك، وهذه الرِّواية هي الوجْه بخلاف ما سبَق في "السِّيْرة": (إنْ أُدْرِكْ يَومَكَ)؛ لأنَّ المُدرِك -بالكسر- دائمًا بعدَ المُدرَك، ووَرَقَة سابقٌ، فـ (اليَوم) هو المدرِك له، لا أنَّه مُدرِكٌ لليَوم. (يَنْشَبْ) بفتْح الشِّين المعجَمة، أي: يَلبَث. (أَنْ تُوُفِي) بدَل اشتِمالٍ من (وَرَقَة)؛ أي: لم تَلبَثْ وَفاتُه. (وَفترَ الوَحْيُ)؛ أي: احتَبَسَ بعد تَتابُعه في النُّزول سنَتين ونِصْفًا، وقال ابن إسْحاق: ثلاثًا. وقال وَرَقَة في ذلك: فَإِنْ يَكُ حَقًّا يا خَديجَةُ فاعْلَمِيْ ... حَديثُكِ إِيَّانَا فأَحمَدُ مُرسَلُ وجِبْريلُ يَأْتِيهِ ومِيْكَالُ مَعْهُمَا ... مِنَ اللهِ وَحْيٌ يَشْرَح الصَّدْرَ مُنزَلُ

قلتُ: عُلِم مِن هذا أنَّ وَرَقَة آمَنَ؛ لتَصديقه رِسالةَ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -. قال شيخ الإسلام البُلْقِيْني: بل يكون بذلكَ أوَّل مَنْ أَسلَمَ مِن الرِّجال، انتهى. ومَن يمنعَ يَدَّعي أنَّه أَدرك نُبُوَّتَه - صلى الله عليه وسلم - لا رِسالتَه، لكنْ في السِّيَر: أنَّه قال له: أَبْشِرْ، فأَنَا أَشهَدُ أنَّك الّذي بَشَّرَ به ابنُ مَرْيَم، وإنَّكَ على مِثْل نامُوسِ مُوسَى، وإنَّك نبَيٌّ مُرسَلٌ، وإنَّك سَتُؤمَرُ بالجِهَادِ، وإنْ أَدركْتُ ذلك لأُجاهِدَنَّ معَكَ. فدلَّ على إيمانهِ به بعد رِسالته. وفي "مستدرك الحاكم": "لا تَسبُّوا وَرقَةَ؛ فإِنِّي رَأَيْتُ له جنَّةً أو جنَّتينِ". * * * 4 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ -وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ-: "بَيْنَا أَنًا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءَ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءَ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُوني، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} إِلَى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتتَابَعَ". تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ، وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ يُونسٌ وَمَعْمَرٌ: "بَوَادِرُهُ".

(قَالَ ابْنُ شِهَاب) هذا صُورة تعليقٍ، ولكنَّه متصِلٌ كما سنُبيِّنه. وقاعدة البخاريّ فيما سقَط أوَّل الإسناد فيه سُمِّي تعليقًا: إنْ كان صحيحًا عنده أن يأْتيَ به بصِيغة الجزْم كـ (قالَ)، أو ضعيفًا: أن يأْتي به بصِيغة المبنيِّ للمفعول كـ (قالَ) و (رُوي)، وذلك دليلُ زيادةِ جلالته وتحقيقه، فإنْ قامتْ قرينةٌ على بِنايةٍ على سنَدٍ متقدِّمٍ -كما هنا- فهو من المتصِل صَريحًا، فإنَّ التَّقدير هنا: حدَّثنا يحيى بْن بُكَير، حدّثنا اللَّيْث، عن عَقيل، عن ابن شِهَاب: أنَّه قال: (أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ)، فيكون الأَوَّل ممّا حدَّث به ابن شِهَاب عن عُروة، والثّاني ما حدَّث به عن أَبي سَلَمة، وإنْ لم تقُم قرينةٌ على البِناء على السَّابق؛ فهو ممّا حذَف البُخاريُّ سنَده فيه لغَرَضٍ؛ لكونه مَعروفًا عن الثِّقات، أو نحو ذلك، وربَّما وصلَه البخاريّ في مَواضع أُخَر. وسيأْتي بَيانُ ذلك في مَواضِعه. والواو في قول ابن شِهَاب: و (أَخبَرني) عاطفة له على ما رَواه أَولًا عن عروة، كأنَّه قال: أَخبَرني عُروة بكذا، وأخبرني أبو سَلَمة بكذا. (وَهُوَ يُحَدِّثُ) جملةٌ حاليةٌ من ضمير جابر، أي: قال جابر في حالةِ تحديثه عن فَتْرة الوَحْي. (بَيْنَا) أصلُه: بَيْنَ، فأُشبعت الفتْحة ألفًا، وهو ظرفُ زمانٍ لازمٍ للإضافة، أُضيف هنا للجُملة الاسمية، وهو يتضمَّن معنى الشَّرطية، فلذلك احتاج لجوابٍ، فإنْ لم يكنْ في جوابه مفاجأَةٌ، ويحتاج

للجَواب ليتمَّ فهو العامِل فيه، وإنْ كان فيه ذلك كما هُنا -وهو الأفْصح خلافًا للأَصمَعي- فالعامِل معنى المُفاجأة، ويَحتاج الجواب ليتمَّ به المعنى حينئذٍ. (إِذْ قلت) هي هنا للمُفاجَأَة تقَع بعد (بيَّنَّا) كما سبَق، وبعد (بَينما) كقوله: فَبَينَما العُسْرُ إِذْ دَارَتْ مَيَاسِيْرُ وهل هي ظرف زمانِ، أو مكانٍ، أو حرفٌ للمُفاجأة، أو حرفٌ زائدٌ مُؤكِّدٌ؟ أقوالٌ، وعلى الظَّرفيَّة قال ابن جِنِّي: عاملُها الفِعل الّذي بعدَها؛ لأنَّها غير مضافةٍ، وعامل بَينَما وبَينا محذوفٌ يُفسِّره الفِعل المذكُور. وقال السِّيْرافي: (إذْ) مضافةٌ للجُملة، فلا يَعمل فيها الفِعل بعدَها؛ لأنَّ المضاف إليه لا يَعمل في المُضاف، ولا في (بَينما) و (بَينا)؛ لأنَّ المضاف إليه لا يعمل فيما قبْل المُضاف بل عاملُها محذوفٌ يدلُّ عليه الكَلام، و (إذْ): بدَلٌ مِن (بَينما) و (بَينا). (جَالِسٌ) مرفوع خبرًا، ويجوز نصْبه حالًا، والخبر محذوفٌ، أي: حاضرٌ، أو نفْس (إذْ) إذا قُلنا في (إذا) الفُجائية ظرفُ مكانٍ، فقد أجازوا في (خَرجتُ فإذا زيدٌ جالسٌ) الرَّفعْ والنَّصب. (كُرْسِيٍّ) بضم الكاف، وقد يُكسَر، وجمعه: كَرَاسِي بتشديد الياء وتخفيفها، كما في نَظيره من عَوَارِي وسَرَارِي ممّا واحدُه مشدَّد الياء كما قاله ابن السِّكِّيت.

(فرعبتُ) قيَّده الأَصِيْلِي بفتْح الراء وضمّ العَين بمعنى: فَزِعتُ، وغيرُه بضمِّ الراء وكسر العَين على البِناء للمفعول. (زَمِّلُوني) في أكَثر الأُصول مُكرَّرٌ، وفي بعضها مرَّةً، ورواية مسلم: (دَثِّرُونِي)، وهو مُناسِبٌ لقَوله: (فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ})، وقد سبَق تفسيرُه، والجُمهور: أنَّ معناه: المُتَدَثِّر بثيابه، وعن عِكْرمة: المُدثِّر بالنُّبوَّة وأَعبائِها. ({فَأَنْذِرْ})؛ أي: حذِّرْ بالعَذاب مَنْ لم يُؤمن. ({فَكَبِّرْ})؛ أي: عظِّم ربَّك، ونزِّههُ عمَّا لا يَليقُ به. ({وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ})؛ أي: مِن النَّجاسة، وقيل: قَصِّر، وقيل: المُراد بالثّياب النَّفْس؛ أي: طَهِّرْها مِن كلِّ نقْصٍ. ({وَالرُّجْزَ}) بكسر أوَّله، وقَرأَ عاصمٌ بضمِّه، وفُسِّر هنا بالأَوثان؛ لأنَّ الرِّجْز لُغةً: العَذاب؛ فعِبادتُها سبَب العَذاب، وقيل: الرِّجْز الشِّرْك، وقيل: الذَّنْب، وقيل: الظُّلْم. (فَحَمِيَ) بكسر الميم، أي: كثُر نُزولُه، وازدادَ، كحَمِيَت الشَّمسُ: كثُرت حرارتُها. (وَتتابَعَ) تأْكيدٌ؛ لأنَّه بمعنى: حَمِيَ. قال (ن): قيل: أوَّل ما نَزل من القُرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، وقيل: الفاتحة، والصَّواب ما عليه الجُمهور: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، والقَولان الأَوَّلان باطِلان، ولا يُغترُّ بجلالَة مَنْ نُقلا عنه، ومع كَون الصَّحيح قَول الجُمهور دلائلُه ظاهرةٌ، وأَصرحُها حديث عائشة: (أَوَّلُ ما بُدِئَ

بهِ) إلى: (فقالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ})، و {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إنّما نَزلتْ بعدَ فتْرة الوَحْي كما في مَواضع من هذا الحديث، وهي قوله: (وهو يُحدِّثُ عَنْ فتْرة الوَحْي) إلى: (فَأنزَلَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، وقوله: (فَإِذَا الملَكُ الذِيْ جَاءَنِي بحِرَاء)، وقوله: (فَحَمِيَ الوَحْيُ)؛ أي: بعدَ فَتْرةٍ. (تَابَعَهُ عَبْدُ الله)؛ أي: تابعَ يحيَى بنَ بُكَير، ويحيى وعبد الله كلاهما شيخُ البُخاريِّ، وكثيرًا ما يذكُر البُخاريُّ في هذا "الجامع" المُتابَعات، وهذا أوَّل مَوضعٍ منها، والمراد أنَّه ثبَت عنده أنَّ عبد الله تابَع يحيَى في رواية هذا الحديث عن اللَّيْث، ولكنْ لم يَذكُر سنَد المتابع هنا، وقد وصَل ذلك عنه في (المُدَّثِّر) في (التفسير). وتُسمَّى هذه المُتابعة تامةً؛ لأنَّها من أوَّل الإسناد إلى آخِره، فإنْ وقعت المُتابَعة من الأوّل سُميت ناقصةً كما سيأتي أيضًا في هذا الحديث. وأيضًا فالمتابعة إمّا بدُون ذِكْر المتابَع عنه على الرِّواية كما هنا، فإنَّه لم يذكُر أنَّه تابعَه عن اللَّيْث، وتارةً يُذكر كما سيأتي أيضًا، فوقعت الأنواعُ كلُّها في هذا الحديث. (وَأبَو صَالِح) وهو عبد الله بن صالح كاتِب اللَّيْث، ومَن زعَم أنَّه عبد الغَفَّار الحَرَّاني فقولُه ليس بجيِّدٍ، فقد وصَل هذه المتابعةَ يَعقوبُ ابن سُفْيان (¬1) في "تاريخه"، وغيرُه من طريق عبد الله بن صالح. ¬

_ (¬1) في الأصل: "شيبان".

(وَتَابَعَهُ هِلَال)؛ أي: تابَع الرَّاويَ عن الزُّهري، وهو بالضَّرورة عَقِيْل الرَّاوي عنه بقرينة قوله: (عن الزُّهري)، فهذه المُتابعة سُمِّي فيها مَنْ تُوبع عنه، وهي أوَّل نوعَي المُتابَعة إلا أنَّها في بعض السَّنَد، فهي ناقصةٌ كما قرَّرناه. وقد قرَّره (ن) هنا كذلك، ولكنه لمَّا ذكر في مقدِّمة الكتاب أنه تارةً يقول: تابعَه مالكٌ عن أَيُّوب، وتارةً: تابعَه مالك ولا يَزيد، فلا يَعرف الثّانيةَ إلا مَنْ يعرف الطَّبَقات، وربما يُوهم المُخالفة من كلامه، لكنْ جوابه أنَّه هنا عُرفت الطَّبَقات بقَرينة المتابع عنده، وهو الزُّهري فلا تَنافيَ بينها. وبالجُملة فمُتابعة هلالٍ وصلَها محمّد بن يحيَى الذُّهْلِي في "الزُّهريات". (وقال يونس) وصلَه البخاريّ في (التفسير). (ومعمر) وصلَه في (تعبير الرُّؤيا)، وفي (التفسير)، ومسلم في (الإيمان). (بَوَادِرُهُ)؛ أي: روَياه عن الزُّهري بهذا اللَّفْظ، وهو جمع: بادِرَة، وهي اللَّحمة الّتي بين المنكِبَين والعُنُق، تَضطَرِب عند فَزَع الإنسان، أي: وهاتان -يعني: الرِّوايتين المتقدِّمتَين عن الزُّهري- متوافقتان إلا في هذه اللَّفْظة. نعَمْ، هذا يصلُح أن يكون متابعةً وأن يكون شاهدًا؛ لاختلاف

لفْظ الرِّوايتين، وتوافُقهما في المعنى، وهو الخَشْية على نفْسه. واعلم أنَّ فائدة المُتابَعة التَّقْوية، ولهذا تقَع بروايةِ مَنْ لا يُحتجُّ بحديثه مُنفرِدًا، والمُتابعة الثّانية إنّما لم تُجعل أصلًا؛ لأنَّ شَرْط البخاريّ كما قال الحاكم -وإنْ لم يُوافِقْه غيره على ذلك-: أنْ يكون عن الصَّحابي راويان، والمُتابَعة النَّاقصة تُشبه التَّعليق. * * * 5 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16]. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفتيْهِ -فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أحُرِّكهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكهُمَا -فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ- فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16، 17]. قَالَ: جَمْعُهُ لَهُ فِي صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]. قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصتْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19]. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أتاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَرَأَهُ.

الحديث الرّابع: (يُعَالِجُ)؛ أي: لعِظَم ما يَلقاهُ من الملَك، وهو القَول الثَّقيل كما سبق من قوله: (وهو أَشَدُّهُ عَليَّ)، فإنَّه يقتضي الشِّدَّةَ في الحالَين، وأَحدُهما أَشدُّ. (شِدَّةً) إمّا مفعولٌ به لـ: (يُعالِجُ)، أو مفعولٌ مُطلَقٌ، أي: مُعالَجةً شديدةً. (وَكَانَ مِمَّا يُحَرّكُ)؛ أي: وكان العِلاج ناشِئًا مِن تَحريك الشَّفَتين، أي: مَبدأ العِلاج منه، أو (ما) بمعنى (مَنْ) في كونها للعاقِل، أي: مِمَّنْ يُحرِّك. واعلم أنَّ لفْظ (كان) في مثْل هذا يُفيد التَّكرار والاستِمرار. وقال (ع): معناه الكثْرة، وقيل المَعنى: مِن شأْنه، ودَأْبه ذلك. (فَقَالَ ابْنُ عبَّاس): هو وما بعدَه اعتراضٌ إلى قوله: (فَأَنْزَلَ اللهُ)، عطْفًا على: (كان يُعالِجُ)، ونحوه في الجُملة المُعترضة قول الشَّاعر: فاعلَمْ وعِلْمُ المَرءِ يَنفَعُهُ ... أَنْ سَوفَ يَأْتِيْ كُلُّ مَا قُدِرَا (فَأَنا أُحَرِّكهُمَا) تقديمُ (أنا) على الفِعل يُشعِر بتقْوية الفِعْل، ووُقوعه لا مَحالةَ. (لك) في بعض النُّسَخ: (لكُم). (كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) لم يقُل فيه كما قال في الّذي بعدَه كما رأَيتَ؛ لأنَّ ابن عبَّاس لم يُدرِك ذلك، بل صحَّ عنده أنَّه - صلى الله عليه وسلم - فعَل ذلكَ؛

لأنَّه في أوَّل البِعْثة لم يكُن وُلد. (يُحَرِّكهُمَا) لا يُنافي هذا ما في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16]؛ لتَلازُم التَّحريكَين غالبًا، أو لأَنَّ تحريك الفَمِ وهو مشتمِلٌ على اللِّسان يصدُق على تحريك الشَّفَتين وتَحريك اللِّسان. وفيه أنَّه يُستحبُّ للمُعلِّم أن يُرِيَ المتعلِّمَ صُورةَ الفِعْل إذا كان فيه (¬1) زيادة بيانٍ على ذكْره بالقَول. وفيه ما يقُوله المُحدِّثون من التَّسلسُل، وهو هنا مُسَلْسَلٌ بالتَّحريك، لكن في طبقَات الصَّحابة والتابعِين لا فيمَن بعدَهم. (فَأَنْزَلَ اللهُ) عطْفٌ على (كانَ يُعالِجُ). (قال)؛ أي: ابن عبَّاس في تفسير جَمْعه الواقع في الآية: أنَّ المعنيَّ بذلك: (جَمْعُهُ لَك فِي صَدْرِكَ)، وهذه رواية أبي ذَرٍّ، بسُكون الميم في (جَمْع)، أي: إنَّ علَينا أن نجمَعَه لكَ. (ويقرأه)؛ أي: قالَه ابن عبَّاس أيضًا في تفسير: (وقُرآنَه)، فيكون المُراد بالقُرآن القِراءة لا المَقروء؛ فإنَّ القُرآن هو القَول المُنزَّل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للإِعجاز، ورواه الأَصِيْلِي: (جَمْعَه لكَ في صَدْرِكَ) بسُكون (جمْع) أيضًا مَصْدرًا، و (صَدرك) فاعلٌ به، ورواه غيره: (جَمَعَه) بفتح الجيم، والميم على أنَّه فِعْلٌ أيضًا، وصَدْرك فاعِلٌ به أَيضًا، ونِسْبة الجَمْع للصَّدر في هاتين الرِّوايتَين مَجازٌ عَلاقتُه الظَّرفيَّة؛ ¬

_ (¬1) "فيه" ليست في الأصل.

إِذ الصَّدْر ظَرفُ الجَمْع، فيكون مثلَ: أَنبَتَ الرَّبيعُ البَقْلَ. قال أبو الفُتوح: والمعنى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يُحرِّك شفَتَيه بما يَسمعُه من جِبْريل قبْل إتمامه استِعجالًا لحِفْظه، واعتِناءً بتلْقينه، فقيل له: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ}، أي: بالقُرآن {لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16، 17] في صَدْرِك، وبنحو ذلك فسَّره في "الكشاف"، وفي معناه قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114]. (فإذا قرأناه)؛ أي: فإذا فَرغ جِبْريل مِن قِراءته فاتَّبعْ قُرآنَه. (فاستمع) هو تفسيرُ (اتَّبعْ)؛ أي: لا يكُون قِراءتُك مع قراءته بل متَّاخِّرةً عنها، والاستِماع افْتِعالٌ يقتضي تصرُّفًا بخِلاف السَّماع نحو: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]؛ لأن الشَّرَّ لمَّا كان فيه سَعْيٌ أتَى بالافتِعال. قال (ك): ولذلك قال الفُقهاء: يُسنُّ سَجدةُ التِّلاوة للمُستمع لا للسَّامع. قلتُ: هذا وَجْهٌ جرَى عليه الرَّافعيُّ في "المُحرَّر"، وصاحِب "الحاوي الصَّغير"، لكنَّ الأَصحَّ المنصوص عليه في "البُوَيْطِي": يُسَنُّ للسَّامع أيضًا وإنْ كان للمُستَمع آكَدُ؛ لعُموم: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21]، وفي بعض الأَحاديث ما يَدلُّ للعُموم أيضًا. (وَأنصِتْ) بهمزةِ قطْعٍ مفتوحةٍ؛ مِن أَنصَتَ، وهو الأَكَثَر، وبهمزةِ

وصلٍ إذا ابتُدِئَ به، ويُحذَف في الدَّرْج، فإنَّ (نَصَتَ) لُغةٌ فيه أيضًا. (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نقرَأَهُ)؛ أي: مرةً بعد أُخرى، وقيل المُراد: عَلينا بَيانُ مُجمَله، وشَرْح مُشكِلِه. ففيه دليلٌ على الرَّاجِح في الأُصول في تَأْخير البَيان عن وَقْت الخِطاب لكنْ لا عنْ وقْت الحاجَة؛ لأن (ثُمَّ) للتَّراخي. (كَمَا قَرَأَهُ) الهاء للقُرآن، وضمير الفاعِل عائدٌ إلى جِبْريل، وفي بعض النُّسَخ: (قَرَأَ) بحذْف المفعول. ومُناسبة هذا الحديث للتَّرجمة ما فيه مِن بَيان حالهِ في ابتِداء الوَحْي. * * * 6 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونسٌ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيح الْمُرْسَلَةِ. الحديث الخامس (م، س): وفي سنَده تحديثُ ابن المُبارَك عن اثنَين كلاهما عن الزُّهري بخِلاف تحديث عَبْدَان، فإنَّ فيه ابن المُبارَك عن واحدٍ عن الزُّهري.

ويُوجَد في بعض النُّسَخ قبْل هذا صُورة (ح) -أَي: مُهملةٍ- إشارةً إلى ابتِداءِ إسناد آخَر، إمّا لأنَّها حاءُ التَّحويل، ويَنطِق بها القارئُّ حذَرًا مِن تَوهُّم تركيب الإسنادَين واحدًا، وإما لأنَّها حاءُ الإحالَة بين السَّنَدَين، وإما رَمْزٌ للحديث؛ فإنَّ أَهل المَغرِب إذا وَصَلُوا إليها يقُولون: الحديث، وإما لأنَّها حاء: صَحَّ، وكثيرٌ يُثبتون مَوضِعَها صَحَّ. قال (ن): وهذه الحاء كثيرةٌ في "مسلم"، وقَليلةٌ في البُخاري. (أَجْوَدَ النَّاس)؛ أي: أَسخَاهُم، فهو أكَمَل النَّاس شَرَفًا، ومِزَاجًا، وشَكْلًا، وخُلُقًا، وغير ذلك، فيكُون أحسنَهم فِعْلًا لا سِيَّما وهو مُستغْنٍ عن الفَانِيَات بالباقيات الصَّالحات. (وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ) الأَشهَر رفْع (أَجْوَد)، قال (ن): وأَصَحُّ، ويجوز النَّصب، فأَما الرَّفع فمِن وُجوهٍ: أحدها: أنَّ في اسم (كان) ضميرَ [النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، و (أَجوَد) مبتدأٌ مضافٌ للمَصدر المُؤوَّل المَسبُوك مِن (ما) المَصدريَّة والفِعْل، أي:] أَجوَدُ أكوانِه، و (في رمضان) خبَره، أي: حاصلٌ له، والجُملة: خبر (كانَ). ثانيها: كذلك إلا أنَّ خبَر المبتدأ محذوفٌ سدَّ الحالُ مَسدَّه، وهي: (في رمَضان)، أي: حاصِلٌ فيه، فهو على حدِّ: ["أَقْرَبُ ما يكُون العَبْد مِنْ ربِّه وهُو ساجِدٌ"] (¬1)، وأَخْطَبُ ما يكُون الأَميرُ قائِمًا. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

ثالثها، ورابعها: كالوجهَين السَّابقَين إلا أنَّ اسم (كانَ) ضميرُ الشَّأْن. خامسها: إنَّ الضَّمير للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو اسمُ (كان)، و (أَجوَد): بدَلُ اشتِمالٍ منه. سادسها: تُقدر في الكَلام (وقْت)، كما في نحو: جاءَكَ مَقدَمَ الحاجِّ، أي: وقْتَ قُدومه، والتَّقدير هنا: كانَ أَجوَدُ أَوقَاتِ أكوانه وقْتُ كَونهِ في رمَضان، وإسناد الجُوْد إلى أَوقاته على سَبيل المَجَاز للمُبالغة، كما في إِسنَاد نحو: نَهارُه صَائِمٌ. وأمّا النَّصب فعلى أنَّه خبَر (كانَ)، لكنْ لا بإِضافتها لمَا بعدَها بل تكُون: (ما) مَصدريَّةً وقْتيَّةً، أي: كانَ أَجوَدَ مُدَّةَ كَونه في رمَضان، أي: أَجود ممّا هو في غيره، وإنْ كان جُودُه دائمًا؛ لأنَّ رمضان مَوسِمُ الخَير، واللهُ تعالى يتفضَّل فيه على عِباده، فهو مُتابعٌ سُنَّةَ اللهِ في ذلك، أو لأنَّه يُلاقي البشَر بملاقاةِ أَمين الوَحْي، فيَشكُر الله بالإنْعام على عِباده، ويُحسِن إليهم كما أَحسَن إليه، ولأنَّه يُناجي 7 الرَّسُول، وهو جِبْريل، فيُقدِّم بين يدَي نَجْواه صدَقة، وهذا وإنْ كان نُسِخ فالنَّسخ للوُجوب لا يَلزَم منه نسخ الجَواز ولا الاستِحباب. (حِينَ يَلْقَاهُ) في مَوضع حالٍ، فإنْ جُعل ما قبلَه حالًا؛ فهو من تَداخُل الحالِ؛ لأن الثّانية مِن شيءٍ في الأُولى، فهي حالٌ من حالٍ. ثمّ يحتمل أنَّ الضَّمير البارِز لجِبْريل -عليه السّلام-، والمُستَتِر

-وهو الفاعل- للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل العَكْس. (فَيُدَارِسُهُ) مُتعدٍّ لمفعولَين ثانيهما القُرآن؛ لأن المُفاعَلة في المتعدِّي لواحدٍ تُصيِّرُه متعدِّيًا لاثنَين كجَاذَبْتُه الثَّوبَ، والمعنى: أنَّهما يَتساوَيان قِراءةَ القُرآن كما في عادَة القُرَّاء، هذا يَقرأُ، وهذا يَقرأُ. ويحتمل أنَّهما يَقرآن معًا، فيكُون دليلًا على مِثْله في القِراءة، والدَّرْس القِراءة بسُرعةٍ. وفائدة ذلك تَعليم جِبْريل للرَّسول - صلى الله عليه وسلم - تجويدَ اللَّفْظ، وتصحيحَ إخْراج الحُروف من مَخارجها، وتعليمهما للأُمة كيف يُقرِؤون التلامِذةَ. (فَلَرَسُولُ الله) بفتح اللام الأُولى؛ لأنَّها لام الابتِداء، تُزاد للتأْكيد، أو جَوابٌ لقسَمٍ مُقدَّرٍ. (بِالْخَيْرِ) عامٌّ في جميع أَنواعه، فقد كان يَجود على كلِّ حالٍ بما يحتاجه. (المرسلة) بفتح السين، لأنَّه أَجود منها في عُموم النَّفع، والإِسْراع فيها إمّا على الإِطْلاق، واللام فيها للجِنْس، أو بالرَّحمة فللعَهْد، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57]، وكذا: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، على بعض التَّفاسير، فالرِّيح مُنتشِرةٌ في سائر الأَقْطار لإحياء الأَرض، وجُودُه - صلى الله عليه وسلم - مُنتَشِرٌ في الخلْق لإحياء القُلوب. ثمّ في الحديث تخصيصاتٌ بالتَّرقِّي، فهو أَجوَدُ النَّاس مُطلَقًا، ثمّ

أَجوَدُ في رمَضان، ثمّ أَجوَد عند لِقَاء جِبْريل. قال (ن): وفي الحديث من الفَوائد الحَثُّ على الجُود، وزيادتُه في رمَضان، وعند الاجتِماع بالصَّالحين، وزِيارةُ أُولي الفَضْل ومُجالسَتُهم، وتَكريرُ ذلك إذا لم يَكره المَزُور ذلك، وكَثْرةُ تلاوة القُرآن في رمَضان، وغيرِه من العُلوم الشَّرعية، وأنَّه يُقال: (في رمَضان) من غير ذِكْر: (شَهْر)، وأنَّ القِراءة أفضَل من التَّسبيح وسائر الأَذْكار؛ إذ لو كان ذلك أفضَل من القِراءة أو مُساوِيًا لها لفَعَلاه، ولا يُقال: إن ذلك كان لتَجْويد الحِفْظ؛ لأنَّ الحِفْظ كان حاصِلًا، والزِّيادة فيه تحصُل ببعض هذه المَجالِس. * * * 7 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نافعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أخبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكبٍ مِنْ قُرَيْشٍ -وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّامِ- فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبَيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أُدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ

هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، فَوَاللهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ، قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ

كُنْتُمْ تَتَّهِمُونهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلتُكَ هَلْ يَغْدِرُ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ كُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، وَ {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ

اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ عَلَيَّ الإسْلَامَ، وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمن يَختَتِن مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إلا الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنهمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ، ثُمَّ كتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أتاهُ كتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّهُ نبَيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءَ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ!

هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُم فتبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإيمَانِ قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ. رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كيْسَانَ ويُونسٌ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. الحديث السادس (م د س ت): الإتْيان فيه أوَّلًا بلفْظ: (حدَّثنا)، وثانيًا: (أَخبَرنا)، وثالثًا: (عَنْ)، ورابعًا: (أخبَرني)؛ إمّا للفَرْق بينها، وإما لحكايةِ الواقع، وإما لأن الكلَّ جائزٌ إذا قُلنا: لا فَرْقَ. (هِرَقْل) بوَزْن (دِمَشْق) على المشهور، ويُقال: زِبْرِج، وهو غير منصرفٍ؛ لأنَّه علَمٌ أعجميٌّ اسمٌ لملِك الرُّوم يومئذٍ، ملَكَ إحدى وثلاثين سنةً، وفي زمَن مِلْكه مات النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ولقَبه: قَيْصَر. قال الشَّافعي - رضي الله عنه -: كما يُقال على أَمِيْر المُؤمنين، فكلُّ مَنْ ملَك الرُّوم يُلقَّب بذلك، نحو: كِسْرَى لمن ملَكَ فارِس، والنَّجَاشيُّ لمَن ملَك الحبَشة، وخَاقَان لمَنْ ملَك التُّرْك (¬1)، وفِرعَون لمَنْ ملَك القِبْط، والعَزِيْز لمن ملَكَ مِصْرَ، وتُبَّع لمن ملَكَ حِمْيَر، كذا قال (ك). وقال غيرُه: فِرْعَون لمن ملَكَ مِصْر والشَّام، فإنْ أُضيف إليهما ¬

_ (¬1) في الأصل: "الروم".

إِسكَنْدرَّية سُمي العَزِيْز، ويُقال: المُقَوْقِس. قلت: وهذا بناءً على أنَّ العَزيز في قِصَّة يوسف -عليه السَّلام- كان مَلِكَ مِصْر، أَمَّا إذا قُلنا: إنَّه كان الوزير، أو صاحب الخَزائن، واسمه: قطفير، وأنَّ الملِك الرَّيَّان بن الوَليْد مِن العَمالِقَة، أو أنَّ اسمه فِرْعَون، إمّا فِرْعَون مُوسَى، أو الّذي مِن نسله، فلا يُقال ذلك له. وبقِيَ عليه أيضًا بَطْلِيمُوس لمن ملَكَ اليُونان، والفِطيون لمن ملَكَ اليهود أو مَالِخ، والنُّمْرُود لمن ملَك الصَّابئة، والإِخْشِيْد لمن ملَك فَرْغانَة، والنُّعمان لمن ملَك العرَب مِن قِبَل العَجَم، وجَالُوت لمن ملَك البَربَر. (فِي رَكبٍ) جمع: راكِبٍ كتَجْر جمع: تَاجِر، وهم أَصحاب الإبِل العشَرة فما فوقَها، ومحلُّه النَّصب على الحال، أي: أَرسَل إليه كونَه في رَكْبٍ؛ لأنَّه أَميرُهم، وأرسلَ إليهم في شَأْن الرَّكْب وطلبَهم إليه. (قُرَيْشٍ) ولَد النَّضْر، وقيل: فِهْر، وقيل غير ذلك، سُمُّوا قُريشًا من القَرْش، وهو الكَسْب والجَمْع؛ لتكسُّبهم أو لتجمُّعهم بعد التَّفرُّق. وقيل: بدابَّة البحر تُسمَّى القِرْش تَأْكُل ولا تُؤكَل، وتَعلُو ولا تُعلى، والتَّصغير فيه للتَّعظيم، وهو منصرفٌ على الأصح الوارِد في القُرآن على إِرادة الحَيِّ، وقد يُمنَع على إرادة القَبيلة. (تُجَّارًا) بضمِّ أوله وتشديد ثانيه، وبكسْره وتَخفيفِ ثانيهِ: جمع: تاجِر، كعُذَّال وصُحَّاب جمع: عاذل وصاحِب.

(بِالشَّأمِ) متعلِّق بـ (تُجَّارًا)، أو بـ (كانوا)، أو هو صِفةٌ بعد صِفةٍ لـ (رَكْبٍ). والشَّأْم -بفتح الشِّين والهمْزة- كرَأْس، وتُخفَّف بتركها، ولغةٌ ثالثةٌ بفتح الشِّين والمدِّ، وهو مُذَكرٌ، وقال الجَوْهَري: يُذكَّر ويُؤنَّث، وهو اسْمٌ للإِقْليم المعروف مِن العَرِيْش إلى الفُرات، ومِن أَيْلَة إلى بحر الرُّوم، وهو دِيار الأَنْبياء، دخلَه نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - قبْل النُّبوَّة مرَّتين: مرةً مع عمِّه أبي طالب وهو ابن اثنتَي عشْرة سنةً حتّى بلَغَ بُصرَى، ولَقِيَه الرَّاهب، فالتَمَسَ من عمِّه أن يردَّه إلى مكَّة، ومرةً في تِجارةِ لخديجة إلى سُوق بُصرَى، وهو ابن خمسٍ وعشرين سنةَ، وبعد النُّبوَّة مرةً ليلةَ الإِسراء، ومرةً في غزوة تَبُوك. (مَادَّ) بتشديد الدال: فعلٌ ماضٍ من المُفاعَلة، وهو الاتِّفاق على مُدَّةٍ، مأْخوذةٌ من المَدِّ، أو من المُدَّة، والمراد صُلْحه بالحُدَيْبِيَة في السّادسةِ عشْرَ سنينَ، ثمّ نقضَ أهلُ مكَّة الصُّلْح بقِتالهم خُزَاعَة حُلَفائه - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك سبَبًا لفتْح مكّة. (وَكُفَّارَ) قال (ش): مفعولٌ معه، وفيه نظَرٌ؛ فالعطْف فيه ظاهرٌ من عطْف عامٍّ على خاصٍّ للتَّشارُك في العامِل. واعلم أنَّ مُناسَبة الحديث لترجمة (بَدْء الوَحْي): أنَّ أبا سُفْيان ذكَر مَنْ اتبعَه في بَدْء نُبُوَّته وهلُمَّ جَرًّا، وهذا كافٍ مع انضِمامه لمَا في الباب صَريحًا.

(فأتوه) الفاء فَصيحةٌ، وهي العاطفة على مقدَّرٍ، أي: أرسلَ إليه، فجاءَ الرَّسُول، فطَلَب أن يأْتُوه، فأَتَوه على حَدٍّ: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء: 63] الآيةَ، أي: فضَرَبَ فانفَجَرتْ. (إِيلِيَاءَ) بوَزْن: كِبْرِياء، وحَكى البَكْريُّ القَصْر، وحكَى في "المطالع" ثالثةً بحذْف الياء الأُولى بوَزْن: إِعْطاء، ومعناه: بيْت الله، والمُراد: بيْت المَقدِس. قلتُ: وفي "جامع الأُصول" رابعةٌ: إِيْليَّاء بتشديد الياء الثّانية. (فِي مَجْلِسِهِ)، المُراد: دَعاهم وهو في مَجلسه، أي: محلِّ حُكمه، وإلا فـ (دعا) يتعدَّى بـ (إلى) نحو: {يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}، أي: لم يَدعُهم في خَلْوةٍ ولا في الحرم ونحوه، فحُكي أنَّه دَعاهُم وهو في مَجلِس مُلْكه وعليه التَّاج. (حَوْلَهُ) نصب على الظَّرفيَّة، ويُقال فيه: حَوَالَيهِ، وحَولَيهِ، وحَوالَه، الكُلُّ بمعنًى. (الرُّومِ) اسمٌ للجِيْل المعروف، قال الجَوْهَري: هم ولَدُ الرُّوم بن عيصو، أي: فغلَب عليهم اسمُ أبيهم. (تَرْجُمَانه) بفتح التاء، وضم الجيم، وقد تُضمُّ التاء إتْباعًا لها، والتَّرجُمان هو المفسِّرُ لُغةً بلغةٍ، قيل: فالتاء حينئذٍ أَصليَّةٌ، مُعرَّبٌ، وقيل: عرَبيٌّ، مأْخوذٌ من تَرجيم الظَّنِّ، فوَزْنه: تَفْعُلان، أو مِن الرَّجْم بالحِجارة؛ لأنَّ الخِطاب يُرمى، أي: كما يُسمَّي النُّطْق لَفْظًا.

وحكى الجَوْهَري فتْح الجيم بوَزْن: زَعْفَران، وفي نُسخةٍ: (دَعَا بالتَّرجُمان)، فالباء حينئذٍ زائدةٌ للتَّوكيد كما في: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وإلا فـ (دَعا) مُتعدٍّ بنفْسه. قلتُ: ويجوز أن يكون على تَضْمين (دَعَا) معنى: استَعانَ. (فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ) الفاء أيضًا فَصِيحةٌ، أي: فقال للتَّرجُمان: قُل: أَيُّكُمْ أَقْرب، فقال التَّرجُمان ذلك. وصِلَة أَفْعل التفضيل محذوفةٌ؛ لأنَّه بلا إضافةٍ، ولا ألفٍ ولامٍ، والتقدير: أَيُّكُمْ أَقْرب إليه - صلى الله عليه وسلم - من غيره. ووَجْه سُؤاله ذلك أنَّ الأَقْرب أعلَمُ بحاله، وأَبعَدُ من الكَذِب في نسَبه (¬1)؛ لئلا يكون قد جاءَ في نسَب نفْسه. وأبو سُفْيان هو: ابن حَرْب بن أُميَّة بن عبْد شَمْس بن عبد مَنَاف جَدِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه ابن عبد الله بن عبد المطَّلِب بن هاشِم بن عبد مَنَاف. قال أبو سُفْيان: لم يكُن في الرَّكْب من بَني عبد مَناف غَيري. (عِنْدَ ظَهْرِهِ)؛ أي: ليَكُون أهوَنَ عليهم في تكْذيبه؛ لأنَّ مُقابلته بذلك في وجْهه صعبةٌ. (كَذَبَنِي) بتخفيف الذَّال، أي: نقَل إليَّ الكَذِب. قال التَّيْمِي: هو مُتعدٍّ لمفعولَين، تقول: كذَبتُه الحديثَ كما في ¬

_ (¬1) في الأصل: "نفسه" بدل "نسبه".

صَدَق، قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} [الفتح: 27]، وهو من الغَرائب أن يكون بالتخفيف مُتعدِّيًا لاثنين، وبالتَّشديد لواحدٍ. (يَأثِرُوا) بضم المُثلَّثة، وعليه اقتصَر (ع)، وبكسْرها، أي: يَرْوُوا. (عَلَيَّ)؛ أي: عنِّي؛ لأنَّ (أثَر) يتعدَّى بـ (عَنْ)، والمعنى: لولا الحياء من أنَّ رِفْقَتي يَروُون عني أني كذَبتُ -وهو قبيحٌ- فأُعابَ به، ولو كان على عَدُوٍّ؛ فإنَّه في الجاهلية قبيحٌ أيضًا، حتّى قيل بقُبحه عقلًا لكنْ لا دليلَ في هذا عليه؛ لاحتمال قُبْحه عُرفًا، أو من الشَّرع السَّابق. (لكذبت عنه)؛ أي: لأَخبرتُ عنه بكذِبٍ؛ لبُغضي إيَّاه ومحبَّتي نقْصَه، أو أنَّ (عن) بمعنى (على)، أي: لكذبتُ عليه، ويُروى بذلك. (أَوَّلَ) بالرفْع اسم (كان)، وخبره (أن قال)، ويجوز عكْسُه. (قَطُّ) بفتح القاف، وتشديد الطاء مضمومةً على الأَشهَر، وبضمِّهما، وبفتح القاف وتخفيف الطاء، وبضمِّ القاف مع التَّخفيف، ولا يُستعمَل إلا في ماضٍ منْفيٍّ، أو ما في معناه كالاستِفهام هنا. (قَبْلَهُ) في روايةٍ: (مِثْلَهُ)، فيكون نصبُه على البَدَل من هذا القَول. (مِنْ ملك) بفتح ميمِ (مَنْ) مَوصولًا، وصِلتُه جملة (ملَكَ) الّتي هي فعْلٌ ماضٍ، وفاعله مُستَتِرٌ، وبكسر (مِن) حرف جارٌّ لما بعدَها، و (مَلِكٌ) صفةٌ مشبَّهةٌ في الأصل.

(فَأَشْرَافُ النَّاسِ)؛ أي: كِبارُهم وأَهْل الأَحساب. (سَخْطَةً) بفتح السين، أي: كراهةً، ويُروى: (سُخْطًا) بضم السين، ونصبُه على أنَّه مفعولٌ لأَجْله. (إِيَّاهُ) فيه فَصْل الضَّمير مع إمكان وَصْله. (يَغْدِر) بكسر الدال، أي: يَنقُض العهدَ، ولا شكَّ أنَّ الغَدر مذمومٌ. (لَا نَدْرِي) إشارةٌ إلى عدَم الجزْم بغَدْره. (قَالَ)؛ أي: أبو سُفْيان. (ولم تمكني) بالتاء، أو الياء؛ لأنَّ تأنيث الكلمة مجازيٌّ. (كَلِمَةٌ) فيها ثلاث لُغاتٍ مشهورة، ثمّ هو من إِطْلاق الكلِمة على الجُملة، والمراد: لم تُمكِنِّي جُملةٌ أُدخل فيها شيئًا أنتقصُه به (غَيْرُ هَذ الْكَلِمَةِ)؛ أي: هذه الجُملة، فيجوز نصب (غير) صفةً لـ (شيئًا)، ورفعُه صفةً لـ (كلمة)، وإنّما جاز ذلك -وهما نكرتان، وغير مضافةٍ لمعرفةٍ- لأنَّها لا تتعرَّف بالإضافة إلا عند توسُّطها بين المتغايرَينِ. قلت: لكن هذا مذهب ابن السَّرَّاج، والجُمهور على خِلافه كنحو: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]، تُعرَب بدلًا من (الذين)، أو صِفةً له تَنْزيلًا للمَوصول مَنْزلة النَّكرة، فجازَ وصفُه بالنَّكَرة. (قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ) هو أَفْصح مِن (قِتَالِكُمُوهُ) بالاتصال. (سِجَالٌ) بكسر السِّين: جمع سَجْل، وهو الدَّلْو الكَبير؛ لأن

المُتحارِبين كالمُستَقِين، يَستقي هذا دلوًا، وهذا دلوًا. وسُوِّغ الإخبارَ به عن مُفردٍ -وهو الحرب- لأنَّ اللام في الحرب للجِنْس، أي: الحُروب بيننا وبينه يُشبه السِّجال، نَوبةٌ لنا، ونَوبةٌ له، كما قال: فيَومٌ عَلَيْنا وَيومٌ لَنَا ... وَيومٌ نُسَاءُ وَيومٌ نُسَرّ (ونَنَالُ)؛ أي: نُصيبُ. قلتُ: كان شيخنا البُلْقِيْني يقول: هذه الكلمة أيضًا فيها دَسِيْسةٌ؛ لأنَّهم لم يَنالُوا من النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قطُّ، وغايةُ ما في أُحُد أنَّ بعض المقاتلين قُتل، وكانت العِزَّة والنُّصرة للمؤمنين. (يَقُولُ: اعْبُدُوا اللهَ) إلى آخِر الأمور الثّلاثة، وهي بمعنًى لكنْ بالَغ فيها لأنَّها أَشدُّ الأشياء عليه، والإبْعاد منها أهمُّ عنده، أو أنَّه فَهِم أنَّ هِرَقْل من الذين يقُولون من النَّصارى بالإِشْراك، فَأَراد تَنْفيره من دِين التَّوحيد. (وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ)؛ أي: الّتي هي أُمُّ عِبادات البدَن مُفتَتحةٌ بالتَّكبير مُختَتمةٌ بالتَّسليم. (وَالصِّدْقِ) هو المُطابِق للواقِع. (وَالْعَفَافِ) بفتح العين: الكَفِّ عن المَحارِم، وخارِم المُروءَة. (وَالصِّلَةِ)؛ أي: صِلَة الرَّحِم، وكُلِّ ما أَمر الله عزَّ وجَلَّ به أن يُوصَل بالبِرِّ والإكرام والمُراعاة ولو بالسَّلام والترحم.

قيل: يَشمَل المَحرَم وغيره، وقيل: يختصُّ بالمَحرَم حتّى يَخرُج ولَد العَمِّ. وفيما ذكَر من الأَربعة: تمام مَكارم الأَخلاق؛ لأنَّ الفَضيلة إمّا قوليةٌ، وهي الصِّدْق، أو فِعْليَّةٌ مُتعلِّقةٌ بالله تعالى وهي الصّلاة، أو بنفْسه وهو العِفَّة، أو بغيره وهو الصِّلَة، وأيضًا ففي (لا تُشركوا)، و (اتركوا) التخلِّي من الرَّذائل، والأمر بالصلاة، وكذا التحلِّي بالفَضائل، فالحاصل أنَّه يَأْمر بالكَمالات، ويَنهى عن النَّقائص. (وكَذَلِكَ الرُّسُلُ)؛ أي: يكُونون أَفضَل القَوم وأشرفَهم؛ لأنَّ مَنْ شَرُف نسَبه كان أَبعَدَ من انتِحال الباطِل، وأقْربَ لانقياد النَّاس إليه. (يَأْتَسِي) بهمزةٍ بعد الياء، بوزْن: يَفْتَعِل، وفي روايةٍ: (يَتأَسَّى) يَتَفَعَّل، ومعنى كلٍّ منهما: يَقتدي، وَيتبَع. (أَتْبَاعُ الرُّسُلِ)؛ أي: لأنَّ الأَشراف يأْنَفون من تقدُّم مثْلهم عليهم، والضُّعَفاء لا يأْنَفُون، فيُسرعون إلى الانقِياد واتِّباع الحقِّ، وهذا بحسَب الغالب، وإلا فكان فيهم الأَشْراف كالصِّدِّيق - رضي الله عنه - وغيره، أما في الأَواخِر فلا يأْنف الأَشراف بل يَفتخِرون. (أَيَرْتَدُّ) حِكْمة هذا السُّؤال أنَّ مَنْ دخَل على بَصيرةٍ في أَمْرٍ محقَّقٍ لا يَرجع بخلاف مَنْ دخَل في باطلٍ، لا يُقال: فقد ارتَدَّ بعضُ مَنْ آمَنَ؛ لأنَّ وُقوع ذلك لمن لم يكُن في أَوائل الأمر، أو ليس لبُغْض الدِّين بل لمعنًى آخَر كحُبِّ الرِّياسة.

(بَشَاشَه)؛ أي: الإسلام، وهو بفتح الباء، والمعجمة بمعنى: انشِراحه ووُضُوحه، مصدر: بَشَّ إذا انشَرحَ، وسُرَّ. (الْقُلُوبَ) مفعولٌ، ويُروى: (بَشَاشةَ القُلوبِ) بالإضافة، فـ (بَشاشَة) مفعولٌ، والفاعل ضمير الإيمان، أي: يُخالطُ الإيمانُ انشِراحَ الصُّدور. (وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ) لطلَبهم الآخِرة، ومَن طلَبَها لا يَرتكب غَدْرًا ولا غيره من القَبائح بخلاف طالِب الدُّنيا، فإنَّه لا يُبالي بالغَدْر ونحوه ممّا يُتوصَّل به إليها. (بِمَا يَأْمُرُكُمْ) هو من القَليل في إِثْبات أَلِف (ما) الاستفهامية عند دُخول الجارِّ عليها. (فَذَكَرْتَ أنَّه يَأْمُرُكُمْ) لم يقُل هِرَقْل كما قال أبو سُفْيان، يقول: (اعبُدوا الله) إلى آخره؛ تعظيمًا للرَّسول وتأَدُّبًا، ولهذا قال أوَّلًا: (ماذا يأْمرُكم؟). (وَلَا تُشْرِكُوا) إنّما أَدخلَه في المَأْمُور وهو منْهيٌّ؛ لأنَّ ضِدَّه وهو التَّوحيد مأْمورٌ به في الشَّرع، والنهي عن الشيء أمرٌ بضِدِّه، والمَطلُوب في النَّهي الكَفُّ، وهو داخلٌ تحت القُدرة، فلا يُقال: كيف يُؤمَر بعَدَم الشِّرك، والعدَمُ غيرُ مقدورٍ؟ (وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ) إنّما تعرَّض له هِرَقْل لذلك، وإنْ لم يقَع في لفْظ أبي سُفْيان؛ لأنَّه من لازم قوله: (وَحْدَه)، ومِن (لا تشرِكوا

به)، ومِن: (واتركُوا ما يقُول آباؤكم)، والذي يقوله آباؤهم هو الأمر بعِبادة الأَوثان، وإنما ترَك الصِّلَة وهي موجودةٌ في كلام أبي سُفْيان؛ لدُخولها في العَفاف؛ لأنَّه الكَفُّ عن المَحارِم، وخَوارِم المُروءة. فإنْ قيل: لِمَ لم يراعِ هِرَقْلُ الترتيبَ السَّابقَ بل قدَّم سُؤال الاتهام على سُؤال الأَتْباع، والزِّيادة، والارتداد؛ قيل: لأنَّ الواو ليست للتَّرتيب، أو لشِدَّة اهتمامه بنَفْي الكَذِب على الله تعالى. فإنْ قيل: السُّؤال من أَحدَ عشَر وَجْهًا، والمُعاد في كلام هِرَقْل تسعةٌ، وأَسقط السُّؤال عن القِتال، وعن كيفيَّته. قيل: لأن مقصودَه بيانُ علامات النُّبوَّة، وأَمْر القِتال لا دَخلَ له فيها إلا بالنَّظَر للعاقِبَة، وهي إذْ ذاك مُغيَّبةٌ، أو أنَّ الرَّاوي اكتفَى بذلك هنا، وذكَره في حديثٍ آخَر كما رواه البخاريّ في (الجهاد)، في (باب دُعاء النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للإسلام)، وفيه: (وسألتُكَ هل قاتَلتُموهُ وقاتلَكُم؟ فَزعمتَ أن قد فعَل، وأنَّ حَرْبكم وحَرْبه تكُون دُوَلًا، وكذلك الرُّسُل تُبتلَى، وتكون لها العاقِبَة)؛ أي: وحِكْمة هذا الابتِلاء عِظَم أَجْرهم بكثْرة صبرهم، وبذْلهم وسَعْيهم في طاعته تعالى. (كُنْتُ أعلم) مَأْخذه إمّا من القَرائن العقليَّة، وإما مِن الأحوال العاديَّة، وإما من الكتُب القديمة. (أَخْلُصُ)؛ أي: أَصِلُ. (لَتَجَشَّمْتُ) بجيمٍ، ثمّ معجَمةٍ (¬1)، أي: تكلَّفْتُ لمَا فيه من ¬

_

مَشقَّةٍ، ورواه مسلم: (لأَحْبَبْتُ). قال (ع): والأوَّل أَوجَه؛ لأنَّ الحُبَّ للشيء لا يصُدُّ عنه؛ إذ لا يُطَّلع عليه، وإنّما يصُدُّ عن العمَل الّذي يظهَر، فلا يملك في كلِّ حينٍ، ومُراده: لو كُنتُ أتيقَّن الوُصولَ إليه لتكلَّفتُ ذلك لكني أَخافُ أن يَعُوقني عنه عائقٌ، فأَكونَ قد تركتُ مُلْكي، ولم أَصِلْ إلى خِدمته. واعلم أنَّه لا يُحكم بإيمان هِرَقْل بما ذُكر ولا بما يُذكر بعد ذلك؛ لأنَّه قد قال: (قلتُ مَقالتي آنفًا أختبرُ بها شِدَّتكم على دينكم)، فعُرف أنَّه لم يصدُر منه ذلك عن تصديقٍ قلبيٍّ، واعتقادٍ صحيحٍ بخلاف وَرَقَة. قال (ن): لا عُذْرَ له في قوله: (لتَجشَّمتُ)؛ لأنَّه عرَف صِدْق النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنّما شَحَّ بالمُلْك، ورغِب في الرِّئاسة، فآثرَها على الإسلام، وقد جاء ذلك مُصرَّحًا به في البخاريّ، فلو أَراد اللهُ هِدايتَه لوفَّقه كما وفَّق النَّجاشيَّ، وما زالتْ عنه الرِّئاسة. وقال (خ): إذا تَأمَّلتَ معانيَ كلامه، وما استَخرجَه بيَّنتَ حُسن ما استَوصَف من أَمره - صلى الله عليه وسلم -، وجَوامع شأنه، وللهِ دَرُّه من رجلٍ، ما كان أَعقلَه لو ساعَد مَعقولَه مقدورُه. وأمّا ابن عبد البَرِّ فزعَم أنَّه آمَن، وآمنَتْ بَطارقتُه، فالله أعلَم. (ثُمَّ دَعَا) هو مِن تتمَّة حِكاية أبي سُفْيان عنه، أي: دَعا النَّاسَ. (بِكِتَاب) هو مَدعُوٌّ به، فلهذا عُدِّي بالباء؛ إذ الباء زائدةٌ، أي:

دَعا له الكتاب على سَبيل المَجاز، أو ضمَّن فدَعَا معنى: اشتَغَلَ ونحوه. (بَعَثَ بِهِ)؛ أي: أَرسلَه، وفي معنى ذلك: بَعثَه وابتَعثَه. (مع) بفتح العين في الأَفْصح، وبه جاء القُرآن، وقد تُسكَّن، ومعناها الصُّحبة، قيل: إلا أنَّها بالسُّكون حرفٌ لا غيرُ، وبالفتح تكون اسمًا وحرفًا. (دِحْيَةُ) بفتح الدال على الأشهر، وبكسرها، إمّا مَنْقولٌ من الهِبَة، أو المَرَّة من الدَّحْيِ أو الدَّحْو، وهو البَسْط، قال الله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30]، وقيل: هو بالكسر: رئيس الجُنْد، ولعلَّ هذا هو الحِكْمة في أنَّ جِبْريل -عليه السَّلام- كان يَجيءُ على صُورته. ودِحْيَة: هو ابن خَلِيْفة بن فَرْوَة الكَلْبي، وكان من أَجمل النَّاسِ وَجْهًا، كان إذا قَدِم المدينةَ لم تَبْقَ مُخدَّرةٌ إلا خرجتْ تنظُر إليه، وكان جبريل يأتي على صُورته لجماله، أَسلَم قديمًا، وشَهِد المشاهِد بعد بَدْرٍ، وبقي إلى خلافة مُعاوية، وشَهِد اليرموك، وسكَن المِزَّةَ -بكسر الميم، وبالزاي: قَريةٌ بدمشق-، بعَث - صلى الله عليه وسلم - الكتابَ إلى عَظيم بُصرَى ليَدفعَه إلى هِرَقْل، وذلك في آخِر سنة ستٍّ. (بُصْرَى) بضم المُوحَّدة: مدينةٌ بحَوْران -بفتح الحاء والراء المهملتين-، مشهورةٌ ذات قَلْعةٍ قريبةٌ من طرَف العمارة والبَرِّيَّة الّتي

بين الشّام والحِجاز، ويُجاد فيها عمَل السُّيوف (¬1). (عَبْدِ اللهِ) فيه تعريضٌ ببُطْلان قول النَّصارى في المَسِيْح أنَّه ابنُ الله؛ فإنَّ الرُّسُل مُستوُون في أنَّهم عِبادُ الله، تَعالى أن يكون له ولدٌ. (وَرَسُولهِ) فيه التَّرقِّي من كونه عبدَ اللهِ إلى كونِه رسولَه، وفي رواية: (مِنْ محمَّد بن عبْدِ اللهِ رَسولِ اللهِ). (عَظِيم الرُّومِ) بالجرِّ بدَلٌ ممّا قبلَه، وقد يُقطَع بالرفْع والنَّصب، والمعنى: الّذي تُعظِّمُه الرُّوم وتُقدِّمه للرِّئاسة عليها. وإنّما لم يقل: ملِك الرُّوم؛ لأن في ذلك تسليمًا لملْكه واتصافه بما لا يَستحقُّ، وهو بحقِّ الدِّين مَعزولٌ، ومع ذلك لم يخْلُ من نَوع إكرامٍ في المُخاطَبة أَخْذًا بإِذْن الله تعالى في تَليين القَول لمن يَبتدئُه بالدَّعوة إلى الحق إذْ قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] الآية، فلذلك لم يقُل: إلى هِرَقْل. (سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) لم يقُل: عليكَ؛ لأن الكافِر لا يُسلَّم عليه بل هو مَخْزيٌّ في الدُّنيا بالحَرْب والقتْل والسَّبْي، وفي الآخِرة بالعَذاب الأَبَديِّ، فإنِ اتبَعَ الهُدى دخَل في السَّلام، وإلا فلا سلامةَ له. ففيه: أنَّ الكافر لا يُبدأُ بالسَّلام. (أَمَّا بَعْدُ) مَبنيٌّ على الضمِّ على نيَّة الإضافة، أي: بعد ما ذُكِرَ لك، وأَمَّا للتَّفصيل، فتقدِّر أنَّ ما قبلَه قَسيمُه، وتقديره: أَمَّا الابتداء ¬

_ (¬1) في الأصل: "السيف".

فـ: باسم الله، وأمّا المَكتُوب فـ: من محمَّدٍ أو نحو ذلك، وأَمَّا بعد ذلك فكَذا. (بِدِعَايَةِ) أي: بدَعوته، وهي كلمة الشَّهادة الّتي يُدعى بها الأُمَم للدُّخول فيه، فهي شِعاره، وهي مِن دَعَا يَدعُو دِعايةً، كشَكَى يَشكُو شِكَايةً، وهو مصدرٌ بمعنى: مَدْعُوٍّ، ويحتمل أنَّ المراد بالدَّعوة الّتي هي الإسلام كشجَرة الأَراك. والباء بمعنى: (إلى)؛ فإنَّ حُروف الجرِّ يقوم بعضُها مقام بعضٍ عند بعض النُّحاة. قال (ن): معناه: آمُرك بكلمة التَّوحيد، وفي رواية لمسلمٍ: (بدِعَايَةِ الإِسْلامِ)، أي: الكلمة الدَّاعية. ويحتمل أنَّها بمعنى: الدَّعوة نحو: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم: 58]، أي: كَشْفٌ. (أَسْلِمْ) بفتح الهمزة وكسر اللام، مِن الرُّباعي. (تَسْلَمْ) بفتح اللَّام، مِن سَلِمَ الثُّلاثي، وجزمه لكونه جوابَ الأَمْر، أي: إنْ أَسلمتَ سَلِمتَ، وهذا مِن جَوامع الكَلِم. (يُؤْتك) بالجزم إمّا جوابًا ثانيًا للأمر، أو بدَلًا ممّا قبلَه، أو بَيانًا للجواب الأوَّل. وفي بعض الرِّوايات: (أَسْلِمْ تَسْلَمْ، أَسْلِمْ يُؤتِيْكَ الله)، وإعرابه واضحٌ. (مَرَّتَيْنِ)؛ أي: مرَّة للإيمان بنبيِّهم، ومرةً بالإيمان بنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -.

(تَوَلَّيْتَ): أَعرضْتَ. (الإَرِيسِيِّينَ) مَرويٌّ على أوجهٍ: أحدها: بفتْح الهمزة، وكسر الراء، وسُكون المُثنَّاة تحت، ثمّ ياءٍ مشدَّدةٍ، ثمّ علامةِ جمع السَّلامة في المُذكَّر، وهي الياء والنُّون. الثّاني: مِثْلها لكنْ بإبدال الهمزة ياءً، والواحد فيها: أَريسيٌّ، أو يَرِيْسيٌّ نِسبة إلى أَريْس، أو يَرِيْس. الثّالث والرّابع: كالأوَّلَين بدُون ياء النَّسَب بل جمع: أَريْس، أو يَرِيْس على وَزْن فَعِيْل. الخامس: بكسر الهمزة، والراء المُشدَّدة، وياءٍ واحدة بعد السِّين. السّادس: بسُكون الراء، وفتح الياء الأُولى، وتشديد الثّانية. السابع: بتشديد الراء، وياءٍ واحدة بعد السِّين. والمعنى في الكُلِّ: المُزارِعين والأُجَراء، قاله ابن الخَشَّاب، وفسَّر ابن السَّكَن رواية: اليَرِيسيِّين باليهود والنَّصاري؛ أي: عليك إثْم رَعاياكَ وأَتباعِك ممّن صدَدتَه عن الإسلام، فاتَّبعَكَ على كُفركَ، فهو تنْبيهٌ على اتباع جميع الرَّعايا، فذكَر هؤلاء، وهو الأَغلَب. وقيل: هم -على رواية الهمْز- أَتباع عبد الله بن أَرِيْس الّذي وحَّد اللهَ عندما تفرَّقت النَّصارى. قلتُ: كذا نقَل (ش) تفسيرَ هذا القَول، والذي في "النِّهاية": وقيل: إنَّهم أتباع عبد الله بن أَرِيْس رجلٍ كان في الزَّمن الأوّل، قَتلُوا

نبيًّا بعثَه الله إليهم، انتهى. ونحوُه قولُ (ن) في "شرح مسلم": والثّاني -أي: من الأقوال في ذلك-: أنَّهم اليهود والنَّصارى، وهم أتباع عبد الله بن أَريس الّذي يَنتسِب إليه الأَروسيَّة من النَّصارى، ولهم مقالة في كُتُب المَقالات، ويُقال لهم: الأَروسِيُّون. وقال (ط) نقلًا عن الحَرْبي، عن بعض أهل اللُّغة: إن الأَرِيْس الأَمِيْر، والمُورس الّذي يستعمله الأَمير وقد أَرسَه، والأَصل رَأَسَه فقُلب، وغُيِّر في النَّسَب. وقال (ط): والصَّواب على هذا القول أن يُقال: الإِرِّيسين -بكسر الهمزة، وتشديد الرَّاء-. وقيل: الأَريسيُّون: الأكَّارون، والأَكَّار هو الزَّارع، ولهذا رُوي في غير الصَّحيح: (فإنَّ علَيكَ إِثْمَ الأَكَّارين). وقال (ك): إنَّ المَشهور: أَنَّ اليَريسين -بالياء- أَصلٌ لما بالهمزة، خِلافًا لقول التَّيْمِي: إِنَّ الأرِّيسين أَصلٌ لليَريسيين. وتقديم (عليك) يُفيد الحصْر، أي: ليس إثْمهم إلا عليك، ولا يُنافي ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]؛ لأنَّ المراد هنا إثْم إِضْلاله، فهو مِن فعله، فليس وِزْر أُخرى، وكذلك قال تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]، فما ذكرتُه هو الجمْع بين الآيتين.

وقال الجَوْهَري فيما نقله (ك): الأَريس على مِثال فعيل، والأَريس على مِثال فَسِيْق: الأكَّار، فالأول: جمعه أَريسُون، والثّاني: إِرسيُون، وأَرارِسة، وأَرارايس، والفعل منه: أَرَسَ يَأْرِس أَرْسًا، وقولهم للأَريْس أَريسيٌّ كقول العَجَّاج: والدَّهْرُ بالإِنْسانِ دَوَّارِيُّ أي: دَوَّار، وكان أَهل السَّواد ومَن هو على دِين كِسرى أَهلَ فِلاحةٍ، وكانت الرُّوم أهلَ أثاثٍ وضَيعةٍ، فأعلمَهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهم وإنْ كانوا أَهلَ كتابٍ فإنَّ عليهم إِثْم أُولئك. (ويا أهل الكتاب) عطْفٌ على (بسمِ الله)، أي: وفيهِ يا أَهلَ الكِتاب. (تعالوا) أصله: تعالَوُوا -بواوَين-، فأُبدلت الأُولى ياءً؛ لوُقوعها رابعةً، فصار: تَعالَيُوا، فقُلبت الياء أَلِفًا، فاجتمع ساكنان، فحُذفت الألف، وهو وإنْ كان لطلَب المَجيء للعُلوِّ لكنْ استُعمل في أعمَّ من ذلك. (سواء)؛ أي: مُستويةٌ. {أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ} [آل عمران: 64] الآية، تفسير الكلِمة. قال (ن): في هذه القِطْعة فوائدُ: جواز مُكاتبة الكفَّار ودُعائهم للإسلام قبْل المقاتَلة، وهو واجبٌ إذا لم تَبْلغهم دعوةُ الإسلام، وإلا فمُستحبٌّ حتّى لو قُوتلوا قبْل

دُعائهم وإنذارهم جاز، إلا أنَّه تَفُوت السنَّة والفَضيلة بخلاف الضَّرب الأول. ووُجوب العمَل بخبر الواحد، وإلا لمَا بعثَه مع دِحْيَة وحدَه، وذلك بإجماع مَنْ يُعتدُّ به. واستحبابُ تصدير الكتُب بالبَسملة ولو كان المبعوثُ إليه كافرًا. وبيانُ أنَّ المراد في حديث: "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبدَأُ فيهِ بحمْدِ اللهِ": أنَّ معناه: بذِكْر الله، وقد رُوي: "بذِكْرِ اللهِ". وجوازُ السَّفَر بآيةٍ من القُرآن ونحوها إلى بلاد العَدوِّ، فيُحمل النَّهي عن المُسافَرة بالقرآن على الكل، أو على كثيرٍ منه، أي: إذا خِيْف أن يقَع في يَدِ كافرٍ. وجوازُ مسِّ الجنُب أو الكافر ما فيه قرآنٌ وغيره، ولكنْ غيرُ القرآن أكثَر. وبَدْءُ الكتاب بنفْسه، فيقول: مِن فُلانٍ إلى فُلانٍ. قال الرَّبيع بن أنسَ: ما كان أحد أعظَم حُرمةً من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان الصَّحابة يَكتُبون إليه مُبتدئين بأنفُسهم، هذا على المذهب الصَّحيح، ورخَّص جمعٌ من العُلماء في الابتِداء بالمَكتُوب إليه، فكتَب زيدٌ إلى مُعاوية مُبتدِئًا باسم مُعاوية. وأنَّه لا يَنبغي لا الإفْراط ولا التَّفريط بل التوسُّط في المُكاتَبة حيث قال: (عَظيْمُ الرُّومِ)، والبَلاغة كما في: (أَسلِمْ تَسلَمْ)، فإنَّه

جمَع المعاني مع الجِناس البَديع. وأَنَّ مَن أدرك نبيَّين مُتبِعًا لهما فله أَجرهُ مرَّتين، وأنَّ مَن تسبَّب في ضلالةٍ أو منعَ هُدًى أَثِمَ. واستعمالُ (أَمَّا بعدُ) في المُكاتَبة والخُطَب. (فَلَمَّا قَالَ)؛ أي: هِرَقْل. (ما قال) من السُّؤال والجَواب. (الصَّخَبُ) بفتح الصاد والخاء المُعجَمة: اختِلاطُ الأَصوات، ويُقال: السَّخَب، ويُروي فيه: (النَّخَب) بمعناه أيضًا. (وَأُخْرِجْنَا) بضم أوَّله، أي: مِن مَجلِسه. (لَقَدْ أَمِرَ) جواب قسَمٍ محذوفٍ، أي: واللهِ لقد أَمِرَ، وأَمِرَ بفتح الهمزة، وكسر الميم: فعلٌ ماضٍ، أي: عَظُمَ، كأَمِرَ القَومُ، أي: كثُروا. (أَمْرُ) بسُكون الميم، أي: الشَّأْن، والحال، وهو فاعلُ: أَمِرَ. (ابْنِ أَبِي كَبْشَة) يُريد النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وذلك أنَ أبا كَبْشَة رجل من خُزَاعَة عَبَدَ الشِّعْرَى مخالفًا لقومه في عبادة الأوثان، فشبهوه به من حيثُ خالفَهم في الأَوثان، ونبيُّنا عَبَدَ اللهَ الملِكَ الدَّيَّانَ، فجعلوه ابنا له تَشبيها به. وقال (ط) نقلًا عن ابن قُتَيْبة: إنَّ هذا الذي عبَدَ الشِّعْرَى كان مِن بعض أَجداد أُمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقيل: أبو كَبْشَة جَدُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن قِبَل أُمه من الرَّضاعة، وهو الحارِث بن عبد العُزَّى السَّعدي. وقيل: لأنَّه عمُّ والِد حَلِيْمة السَّعدية. وقيل: بل هو من قِبَل أُمِّه آمنة؛ لأنَّها بنت وَهْب، وأُمُّ وَهْب قَيْلَة بنت أبي كَبْشَة، واعتمَد الدّمْيَاطِي هذا. وسمى (ط) هذا: جزء بن غَالِب، وزاد غيره: أنَّه من خُزَاعَة، وهو: عَمْرو بن زَيْد بن أسَد النَّجَّاري، أبو سَلْمى أُمِّ عبد المُطَّلِب. وقيل: أبو كَبْشَة جَدُّ عبد المطَّلِب لأُمِّه. قلت: وفي "الرَّوض" للسُّهَيْلي: أنَّها كُنية أبي أُمِّه وَهْب بن عبد مَنَاف. واعلم أنَّ صاحب "المُحكَم" قال: إنَّ العرَب تُكنى بأَبي كَبْشَة. قال ابن جِنِّي: وكَبْشَة مُرتَجلًا؛ لأنَّ كَبْشًا لا مؤنَّثَ له من لفْظه، وبالجُملة فذِكْره بذلك إما لمَا سبَق من التَّشبيه، أو لتغيير نسَبه بُغْضًا له وتَحقيرًا. (أنَّه) بكسر الهمزة: استِئنافٌ بَيانيٌّ، وجُوِّز فتحها على أنَّها مفعولٌ لأَجله، أو بَدَلٌ، أو بَيانٌ، لكنْ يُضعِّفه دخول اللام في خبرها. (بَنِي الأَصْفَرِ) سُمُّوا بذلك لأنَّ جَيْشًا من الحبَشة غلَب على بلادهم في وقْتٍ، فوَطِئَ نساءَهمِ، فولَدْنَ أولادًا صُفرًا لسَواد الحبَشة وبَياض الرُّوم، وقيل: نسبةً للأَصفر بن الرُّوم بن عيصو بن إسحاق عليه السَّلام.

قلت: وفي "تاريخ ابن خَلِّكان" في ترجمة ياقُوت الرُّومي: أنَّه بحثَ كثيرًا عن سبَب ذلك حتى رأَى في كتابٍ أنَّ ملِكهم انحرَق، فلم تبْقَ إلا امرأةٌ فاختلَفوا، ثم اتفَقوا على تزويج المرأَة بأوَّل قادِمٍ، فكان عبْدًا حبَشيًّا أبَقَ، فزوَّجها منه، فولَدتْ غُلامًا سَمَّوه الأَصْفَر، ثم جاء مَولى الغُلام فأَرضَوه. (النَّاطُورِ) بطاءٍ مهملةٍ، ومعجمةٍ: حافِظٌ. (صَاحِبُ) قال (ع): نصبٌ على الاختِصاص، أو الحال، لا خبرُ (كان)؛ لأنَّ خبَرها إما (أُسقفَّا) أو (يحدِّث). وجوَّز غيره أنْ يكون خبرًا ثانيًا لـ (كانَ)، ومنعَ (ش) رفْعَه صفةً لـ (ابن النَّاطُور)؛ لأنَّه معرفةٌ و (صاحب) لم يتعرَّفْ بالإضافة؛ لأنَّها في تقْدير الانفِصال، وجوَّزه (ك) لأنَّ الإضافة معنويَّة. قلتُ: وهو الظَّاهر. (وَهِرَقْل) مجرورٌ بالفتْحة عطْفًا على (إِيْليَاء)، أي: أنَّه صاحِب إِيْليَاء بمعنى: حاكِمها، وصاحب هِرَقْل، أي: صَديقه، فأُطلق صاحِب بمعنيَين: حقيقةِ ومَجازٍ، وقد جوَّزه الشافعيّ، وقالت الحنَفيَّة بمعنَى شاملٍ لهما، فهو من عُموم المَجاز. (سُقُفًّا) بضم السِّين، والقاف، وتشديد الفاء، منصوبٌ على الحال، أو مرفوعٌ خبر مبتدأ محذوفٍ، ومعناه: رئيس النَّصارى وقاضيهم، وفي بعض الأُصول: (أُسْقُفَّا) بوزْن: أُترُجٌّ، وجمعه أَساقِفَةٌ،

وأَساقيفٌ، وفي بعضها: (سُقْف) بوزْن: قُفْل، وفي بعضها: (سُقِّف) بضم السِّين، وتشديد القاف مكسورة، فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَفعول. قال: في "العُباب": سقَّفْتُه: جعلته أُسْقُفًّا. (النصارى) واحدُهم نَصْرانيٌّ، سُمُّوا بذلك لنُصرةِ بعضِهم بعضًا، أو لأنَّهم نَزلوا نَصْرانة، اسم مَوضع، أو نصرة أو ناصرة كذلك، أو لقوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52]. (خَبِيثَ النَّفْسِ)؛ أي: مَهمُومًا غير نشَيطٍ ولا مُتنشِّطٍ. (بَطَارِقَتِهِ) -بفتح الباء- جمع بِطْريق -بكسرها-، وهم قُوَّاد مُلْكه، وخواصُّ دَولته. (اسْتَنْكَرْنَا): أَنكَرنا. (هَيْئتَكَ) سَمْتَك وحالتَك، أي: رأَيناها مُخالفةً لسائر الأيام. (حَزَّاءً) بفتح المُهملة، وتشديد الزاي، والمدِّ، أي: كَهَّانًا. (يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ) تفسيرٌ له، ويحتمِل أنَّه ذكر النَّوع منه؛ لأنَّ الكَهانة أنواعٌ. (سَأَلُوهُ)؛ أي: عمَّا استَنكروه منه. (مَلِكَ) بضم الميم وسُكون اللام، وبفتحٍ ثم كسرٍ، والمراد: رُؤيته طائفةَ أهلِ الخِتَان، وهو قَطْع جِلْدة فَوق الحشَفة، وذلك لأنَّ النصارى لا يَختتِنون، فالمُلْك ينتقِل عنهم إلى أهل الخِتَان. (هَذهِ الأُمَّةِ)؛ أي: هذا العَصْر.

(يُهِمَّنَّكَ) بضم أوَّله، مِن الرُّباعي، وهو أَهمَّ بمعنى: أَقلَقَ، وأَحزَنَ، أي: هؤلاء أَحقَر مِن أنْ تهتمَّ لهم، أو تُبالي بهم. (المدائن) -بالهمز-: إنْ كان مُفرده مَدِيْنة فَعِيْلة مِن مَدَنَ، أي: أَقامَ، وبلا همزٍ: إنْ كان مَفْعَلَة مِن دَانَ، أي: ملَكَ، وكذا نقَلَه الجَوْهَري عن جَواب الفَسَوي له لمَّا سألَه عنه، والهمز أَفْصح، وهو الواقِع في القُرآن. (أتى) مبنيٌّ للمَفعول وقَع جَوابًا لـ (بَيْنا) مُجرَّدًا مِن (إِذْ) و (إذا) نحو: فبَيْنا نحنُ نرَقُبُه أَتانَا وهو العامِل في (بينا)؛ لأنَّه جَوابه. (غَسَّانَ) بفتح العين المعجَمة: مِن مُلوك اليمَن، سكَنُوا الشَّام. (اذْهَبُوا به)؛ أي: بالرَّجُل المُختتِن. (هَذَا مَلِكُ) قال (ع): عامة الرُّواة بضم الميم، وسُكون اللام، مصدرٌ، وعند القَابِسِي بفتحٍ ثم كسرٍ، صِفةٌ مشبَّهة، وعند أبي ذَرٍّ: (يَملِكُ) فِعلًا مُضارعًا، وأُراها بضم الميم اتصلَتْ بها فتصحَّفتْ. وكذا قال في "المَطالِع" أَظنُّه بفتحها لكنَّ (ك) نسبَها لأكَثر أُصول الشَّام، وإنَّ (ن) قال: إنَّه صحيحٌ، ومعناه هذا المذكور يملِكُ هذه الأُمَّة، وكذا وجَّهه السُّهَيْلي في "أَماليهِ" بأنَّ (هذا) مبتدأٌ، و (يملِك) خبَره، ويجوز أَيضًا أنْ تكون نَعْتًا؛ أي: هذا الرجل يملِكُ، فحُذف

المَنْعوتُ كما في قوله: لو قُلْتُ مَا في قَومِها لم تِيْثَمِ ... يفْضُلُها في حَسَبٍ ومَيْسَمِ أي: أخذ يفضلُها، لكنْ هذا في المُضارِع لا الماضِي، قالَه ابن السَّرَّاج، وحكاه عن الأَخْفَش. (قَدْ ظَهَرَ) جملة مُستأنفة لا صفةٌ ولا خبرٌ، قال السُّهَيْلي: لكنْ يجوز أَنْ تكون نَعْتًا بعد النَّعْت السابق. (حِمْصَ) مدينةٌ بالشَّام لا تَنصرف، قال (ك): لأنَّها أَعجميةٌ. قلتُ: فيه نظَرٌ، فإنَّ ساكِن الوسَط من ذلك يُصرَف حَتْمًا على الأَرجَح كنُوحٍ ولُوطٍ. وقيل: فيه الوَجْهان في هِنْد، وإنما المَنعْ للتأْنيث والعَلَميَّة، نعَمْ، قال بعضهم: أنَّه كهِنْد في جواز الوَجهَين، والمنعْ أَولى، ولكنَّه مَردودٌ؛ لأنَّ الوجهَين حيث لا يكُون أَعجميًّا وإلا فالمَنعْ مُتحتِّمٌ كجُوْر ومَاه علَمَي بلَدَين، فإنْ أراد (ك) ذلك فحَقٌّ، إلا أنَّه لم يُفصِح بالمراد. (فلم يَرِم) بفتح الياء، وكسر الراء، أي: لم يُفارِق، ولا يَكاد يُستعمل ذلك إلا في النَّفْي، يُقال: ما رامَ، ولا يَرِيمُ، ولم يَرِمْ. (مِنْ صَاحِبِهِ)؛ أي: الذي برُوميَة. (فِي دَسكَرَةٍ)؛ أي: في دُخولها، وهو بناءٌ كالقَصْر حولَه بُيوت للخَدَم والحشَم. (اطَّلَعَ)؛ أي: خرَجَ مِن حرَمه، وظهَر للنَّاس.

(مَعْشَرَ) هم الجمْع الذي شأْنُهم واحدٌ، فالإنْس مَعشَر، والجِنُّ مَعشَر، والأَنْبياء معشَرٌ. (الْفَلاَحِ): الفَوز والنَّجاة، يُقال: ليس شيءٌ أجمَع لخِصالِ الخَيْر من لفْظ الفَلاح. (وَالرُّشْدِ) بضم أوَّله، وسُكون ثانيهِ، وبفتحها: خِلاف الغَيِّ، فهو إِصابة الخَيْر. وقال الهَرَوي: هو الهُدَى، أي: الدَّلالة الموصِلة إلى البِغْية، والمراد: هل لكُم رغْبةٌ في ذلك. (فتبَايِعُوا) مَجزومٌ جَوابًا للاستِفهام، نحو: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} [الأعراف: 53]، وهو بضمِّ أوَّله، وبعدَه إما مُثنَّاةٌ من الإتْباع، أو موحَّدةٌ من البَيعة، روايتان بمعنًى، والذي في أكثَر الأُصول الثانية، وفي بعضها: (بايعُوا) بصيغة الأمر، و (نبُايع) بالنون. (فَحَاصُوا) -بمهملتين-: ففَرُّوا، وفي معنى ذلك جاضَ بجيمٍ، وضادٍ معجمةٍ، وقيل معناه: عَدَل. قال أبو زيد: معناه بالحاء: رجَع، وبالجيم: عَدَل، وقيل في حاصُوا: معناه: جالُوا. (وَأَيِسَ) يُروى: (يَئِسِ)، وهو الأصل فقُلب. (آنِفًا) بالمدِّ، وكسر النُّون، وقد تُقصر، ونَصْبه على الحال، أي: قَريبًا، أو هذه السَّاعة، والأُنُف: أول الشيء. (أَخْتَبِرُ): أَمتحِنُ.

(شِدَّتَكُمْ)؛ أي: رُسوخَكم. (آخِرَ) بالنَّصب على الأَرجح، أي: آخِر شأْنه في أَمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. (رَوَاهُ)؛ أي: تابَع هؤلاء الثلاثةُ شُعَيبًا في رواية هذا الحديث عن الزُّهري. وقد سبَق أنَّ مِثل هذا يُسمَّى متابعةً مقيَّدةً حيث ذكر فيها المتابَع عليه بخلاف المطلَقة، وأنَّ فائدتها التَّقويةُ والتأْكيدُ للترجيح بكثْرة الرِّواية. قال (ك): ثم يحتمل -وهو الظاهر- أنَّ سنَد البخاريِّ للثَّلاثة هو سنَده إلى شُعَيب، وأن سنَد الزُّهري إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في روايتهم هو سنَده في رواية شُعيب، ويحتمل أنَّ كلًّا من الأَمرَين بسنَدٍ آخَر، انتهى. (رواه صَالِحُ) وصلَه البخاري في (الجهاد). (وَيونسُ) وصلَه في (الجِزْية). (وَمَعْمَرٌ) وصلَه في (التفسير). * * *

2 - كتاب الإيمان

2 - كِتَابُ الإِيمَانِ

1 - باب الإيمان، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس"

2 - كِتَابُ الإِيمَانِ 1 - بابُ الإِيمَانِ، وقوْلِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإِسلاَمُ عَلَى خَمْسٍ" وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]. {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]. {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]. {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]. {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]. {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124]. وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]. وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ. وَكتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: إِنَّ لِلإيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتكْمَلَهَا اسْتكْمَلَ الإيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]. وَقَالَ مُعَاذٌ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْيَقِينُ الإيمَانُ كُلُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {شَرَعَ لَكُمْ} [الشورى: 13]: أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإيَّاهُ دِينًا واحِدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شِرْعَةً ومِنهَاجًا} [المائدة: 48]: سَبِيلًا وَسُنَّةً. * * * (كتاب الإيمان) وهو لغةً: مِن الأَمْن، وأَمنَه صدَّقَه؛ لأنَّه أمنَه التَّكذيب، ويُعدَّى بالباء مُضمَّنًا معنى: أَعتَرِف؛ لقوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3]، ويُعدَّى باللام نحو: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17]. وهو في الشَّرع: تصديقٌ خاصٌّ، وهو تَصديق الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - بما جاءَ به عن اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهل ذلك حقيقة شرعية اختَرعَها الشَّارع، أو مَجازٌ شرعيٌّ باعتِبار قَصْره على بعض مَعناه اللُّغَوي؟ فيه الخِلاف المَشهور. وقال التَّيْمِي: سُمي إيمانًا؛ لأنَّ العبد يَأْمَن من القَتْل والعَذاب. * * *

(بابُ الإيمَانِ، وقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: بُنِيَ الإسلاَمُ عَلَى خَمْسٍ) (وقول) في رفْعه وجرِّه ما سبَق في (باب بَدْء الوَحْي)، وفي بعض النُّسَخ هنا: (بابُ قَولِ)، وهو واضحٌ. (بُنِيَ الإسلاَمُ)؛ أي: إلى آخِر الحديث الآتي بتَمامه، فذِكْر بعضِ الحديث لغَرَضٍ جائزٌ. ومِن مَحاسِن ترتيب البخاري: أنَّه لمَّا ذكَر بَدْء الوَحْي فصَل ذلك الوَحْي بذِكْر أركان الإسلام على ترتيبِ حديث: (بُني الإسلام)، وقد سبَق بَيانُ ذلك في ترتيب الكِتاب، وسيأتي حِكْمة تَوسيط (كتاب العِلْم) بين (الإيمان) و (الصلاة). ومن محاسنه: أنَّه يُميِّز بين الأَجْناس بالكتُب كما أشرنا إليه أيضًا في تَرتيبه، وأَنْواع كلِّ جِنْسٍ في الأَبواب، وَيبدأُ كلَّ كتابٍ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ لحديث: "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبدأَ فيهِ ببِسْمِ اللهِ"؛ لأنَّ كلَّ جِنْسٍ الاهتمامُ به أَشَدُّ. قلتُ: أي: على بعض الاحتِمالات المذكورة أوَّلَ الكتاب. (وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيزِيدُ وَيَنْقُصُ) هو مِن كلام البخاري، والضَّمير للإيمان المبوَّب عليه لا للإِسْلام، فسيأْتي مُغايَرتُهما في حديثِ سُؤال جِبْريل عليه السلام عنهما. قال سُفْيان: الإِيمان يَزيدُ وَينقُص، فقال له أَخوه إبراهيم:

لا يَنقُص فغَضِبَ، وقال: اسكُت يا صبيُّ، بل ينقُص حتى لا يَبقَى منه شيءٌ. وقال (ك): هو راجِعٌ للإيمان أو للإسلامْ إنْ قلنا: إنَّهما بمعنًى، وإليه مَيْل البخاري. وإنما ذَكَر القَولَ والفِعلَ دُون الاعتقاد مع أنَّه الأَصل؛ لأنَّه مَحلُّ وِفاقٍ، والخِلاف في شُمول غيره، وأَيضًا فهو عمَل القَلْب، فدخَل في الفِعْل، لكنْ يُقال حينئذٍ: فالقَول أيضًا من الفِعْل، وقد صرَّح به. قال (ط): التَّصديق أوَّل مَنازِل الإيمان، فوجَب التَّصديق للدُّخول فيه دُون استِكمالِ مَنازله، فلذلك بوَّبَ البُخاريُّ على أُمور الإيمان، وعلى الجهاد، وغير ذلك مما سيأْتي، وإنما أَرادَ بما قالَه هنا الرَّدَّ على المُرجِئة في قولهم: الإِيْمان قَولٌ بلا عمَل. واعلم أنَّ زيادة الإيمان ونقْصه إما باعتِبار دُخول القَول والفِعل فيه، أو باعتِبار القُوَّة والضَّعف، أو باعتِبار الإجمال والتَّفْصيل، أو باعتِبار تفرُّد المُؤمِن به، أو غير ذلك مما سيأْتي. والآياتُ التي أَوردَها البخاريُّ للدَّلالة على قَصْده على عادته في الاستِدلال بالقُرآن، وبالسنَّة، وأَقوالِ الصَّحابة، والعُلماء، إنما دلَّتْ على الزِّيادة، ومقصودُه الزيادة والنَّقص لكنْ لمَّا كان كلُّ ما قبِل أَحدَهما قَبِلَ الآخَر؛ كان في ذلك دلالةٌ على النَّقص أيضًا. (هُدًى)؛ أي: دلالةً موصِلة للبِغْية، وهو مُتَعَدٍّ بخلاف الاهتداء، فإنَّه لازمٌ، وإسناد الزِّيادة إلى ما ذُكر في الآيات مجازٌ، والحقيقة نِسْبة

الزِّيادة إلى الله تعالى؛ لأنَّه المؤثِّر في الوُجود بالإرادة. (وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ) الحديث رواه البَيهقي مرفوعًا بلفْظ: "أَوثَقُ عُرَى الإِيمانِ أَنْ تُحبَّهُ في اللهِ، وأَنْ تُبغضَهُ في اللهِ"، ورواه أبو داود في "سننه" من حديث أبي أُمامَة البَاهِلِيِّ بلفْظ: "مَنْ أَحبَّ للهِ، وأَبغَضَ للهِ، وأَعطَى للهِ، ومَنَعَ للهِ؛ فقد استَكمَلَ الإيمانَ"، قال المُنْذِري: في سنَده القاسِم بن عبد الرَّحمن الشَّامي، وقد تكلَّم فيه غيرُ واحدٍ، انتهى. نعَمْ، في "الصحيحين" شاهدٌ للحديث، وهو حديث: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ وَجَدَ حَلاوةَ الإيمانِ: مَنْ كانَ اللهُ ورسولُه أَحبَّ إليه مما سِواهما، ومَنْ أَحبَّ عَبْدًا لا يُحبُّه إلا للهِ" الحديثَ. وجوَّز (ك) أنْ لا يكون البُخاريُّ ذكَره حديثًا مُعلَّقًا بل مِن كلام نفْسه كما في قوله: (وهو قَولٌ وفِعلٌ)، وهو بعيد. و (الحُبُّ) مبتدأٌ، و (مِن الإيمان) خبَره، والجُملة إما عطْفٌ على ما أُضيف إليه: (باب)، أي: وباب الحُبُّ في اللهِ مِن الإيمان، أو عطفٌ على ما استَدلَّ به لزِيادة الإيمان ونُقْصانه. (وَكتَبَ)، أَورده البخاريُّ بصِيْغة الجَزْم، فهو حُكمٌ منه بصِحَّته. وإنما أَورد البخاري ما كتَبَ به عُمر بن عبد العَزيز؛ لأنَّه مُجمَعٌ على جلالته وفَضْله، ووُفور عِلْمه وعَقْله، وأُمُّه أُمُّ عاصم بنت عاصِم ابن عُمر بن الخَطَّاب، وكان عُمر - رضي الله عنه - يقول: مِن ولَدي رجلٌ بوَجْهه شَجَّةٌ، يَملأ الأُفُق عَدْلًا، وقال سُفْيان الثَّوري: الخُلَفاء خمسةٌ:

الأربعة، وعُمر بن عبد العَزيز. (عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ) بفتح العين المهملة: السيِّد الجَليل أَبو فَرْوَة الكِنْدي، اختُلف في صُحبته، والصَّحيح أنَّه تابعيٌّ، وإنما يَروي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُرسَلًا، فَظُنَّ صَحابيًّا، وكان عامِلَ عُمر بن عبد العَزيز على الجَزيرة والمَوصِل. قال البخاري: عَدِيٌّ سيِّد أهل الحرَمين، وقال أحمد: عَدِيٌّ لا يُسأَل عن مِثْله، تُوفِّي سنة عشرين ومئةٍ. (فَرَائِضَ)؛ أي: أَعمالًا مَفْروضة. (وَشَرَائِعَ)؛ أي: عَقائد دِينيَّةٍ. (وَحُدُودًا)؛ أي: مَنهيَّات. (وَسُنَنًا)؛ أي: مَنْدُوبات، وإنما فسَّرناه بذلك حَذَرًا من التَّكرير، فيكونُ وِقاءً بالاعتقاد، وبالعمَل والترك واجبَين ومندوبَين. (اسْتكْمَلَهَا) هو مَوضع الشَّاهد من قَول عُمر بن عبد العَزيز بزيادة الإيمان ونُقصانه. لكنْ قد يُستَشكل كما قال (ك): بأنَّه قال: للإِيمان كذا وكذا، فالاستِشكال إنما هو لمَا للإيمان، لا للإيمان نفْسه الذي هو محلُّ الخِلاف. وجوابُه: أنَّه قال: (فقد استكمل الإيمانَ)، وقال بعدَه: (لم يستكمل الإيمانَ)، فسبَب الاستِكمال لنفْس الإيمان إثباتًا ونفيًا.

(فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبيِّنُهَا)؛ أي: أُوضحُها ليَفهمَها كلُّ أَحدٍ، ومُراده: أنَّه أَعلمَهم بالمقاصِد، ووعدَهم بالتَّفاصيل التي هي مفهومةٌ لمَنْ تأَمَّلَ، فليس في ذلك تأْخيرُ البَيانِ عن وقْت الحاجة؛ للاشتِغال عن التَّفْصيل لها بما هو أَهمُّ من ذلك. ({وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}) [البقرة: 260]، إنما لم يُورِد هذه الآيةَ مع الآيات؛ لأنَّ تلك بالتَّصريح، وهذه باللَّازِم؛ لأنَّ معناه: أنَّه إذا انضَمَّ عينُ اليَقين إلى عِلْم اليَقين كان أَقوى من انفِراد العِلْم. (اجْلِسْ) همزته وصلٌ. (نُؤْمِنْ) بالجزْم جوابًا للأَمر. ووجْه الشاهد فيه: أنَّه كان مُؤمِنًا، فوجَب حملهُ على زيادة ذلك، أو تَقْويته بكثْرة الأدلَّة على ما يجب الإيمان به. قال (ن): نتَذاكَرُ الخَيْرَ، وأَحكامَ الآخِرة، وأُمور الدّين؛ فإنَّ ذلك إيمانٌ. (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ) قال عبْد الحَقِّ في "الجمْع بين الصَّحيحين": أَسنَده محمد بن خالد المَخْزُومي، عن سُفْيان الثَّوري، عن زيد، عن أَبي وائِل، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ذكَره ابن صَخْر في "الفَوائد"، انتهى. (الْيَقِينُ: الإيمَانُ كُلُّهُ)؛ أي: فلو لم يكُن فيه زيادةٌ ونقصٌ لمَا قال: (كلُّه) التي هي لما لَه أَجزاءٌ.

(حَقِيقَةَ التَّقْوَى)؛ أي: الإيمانِ؛ لأنَّ التَّقوى وِقايةُ النَّفْس عن الشِّرك، وفي بعض الرِّوايات بدل (التَّقوى): (الإِيْمان). (حَتَّى يَدَع) منصوبٌ بـ (أَنْ) المقدَّرة. (حَاكَ) بتخفيف الكاف، أي: أثَّر وعَمِل، يُقال: ما يَحيكُ فيه المَلام، أي: ما يُؤثِّر فيه، فالمراد اضطِرابُ الصَّدر به، فلم ينشَرِح. وقال التَّيْمِي: حاكَ فيه: ثبَتَ فيه، وفي بعض نسُخ المَغارِبة: (حَكَّ) بتشديد الكاف، وفي بعض نسُخ العراق: (حاكَّ) -بالتشديد- أيضًا من المُحاكَّة. وقال (ن): حَاكَ -بالتخفيف-: ما وقع في القَلْب ولم يَنشرح له الصَّدرُ، وخافَ الإثمَ، وعلى كلِّ حالٍ فهو دليل على أنَّ بعض المؤمنين بلَغ كثيرَ الإيمانِ، وبعضُهم لم يبلُغْه (¬1)، فهو يَزيد وَينقُص. (أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ)؛ أي: نوحًا، أي: فهذا الذي تظاهرتْ عليه آياتُ الكتاب والسنَّة من زيادة الإيمان ونُقصانه هو شَرع الأنبياء كلِّهم؛ لقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} [الشورى: 13]. (سَبِيلًا وَسُنَّةً) هو تفسير ابن عبَّاس لقوله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنهَاجًا} [المائدة: 48]. قال الجَوْهَري: الشِّرْعة: الطَّريق الواضح، وكذا المِنْهاج، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]. ¬

_ (¬1) في الأصل: "يبلغهم".

2 - باب دعاؤكم إيمانكم (باب: دعاؤكم إيمانكم)

فدلَّت الآية الأُولى على اتحاد شِرْعة الأنبياء، وذلك في أُصول الدِّين، والآية الأُخرى على تفرُّق شرائعهم، وذلك في الفُروع. * * * 2 - بابٌ دُعَاؤكُمْ إِيمَانُكُمْ (باب: دعاؤكم إيمانكم) قال (ن): كذا في بعض النُّسَخ بذكر (باب)، وهو غلَطٌ فاحشٌ، وصوابه: ودُعاؤكم إيمانُكم، أي: وفسَّر ابن عبَّاس قولَه تعالى: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] الدّعاء بالإيمان، أي: لولا إيمانُكم، فدلَّ على أنَّه يَزيد وينقُص، أو أنَّه سمى الدّعاء إيمانًا، والدُّعاء عمَلٌ. وقال (ط): لولا دُعاؤكم الذي هو زيادةٌ في إيمانكم. قال (ن): ولا يَصحُّ إِدخال (بابٌ) هنا لوجوهٍ: منها أنَّه ليس له تعلُّقٌ بما نحن فيه، وأيضًا فترجمته أوَّلًا على بُني الإسلام، ولم يذكُره إلا بعدُ، فعُلم أنَّ: (دُعاؤكم إيمانُكم) مِن بقيَّة الترجمة، ولو كان هنا: (بابٌ) لم يكُن حديث: "بُني الإِسلامُ" مُطابِقًا للتَّرجمة. قال (ك): وعندنا نُسخةٌ مَسموعةٌ منْها على الفِرَبْرِي، وعليها خطُّه: (دُعاؤُكم إيمانُكم) بلا بابٍ، وبلا واوٍ. * تنبيه: مقصود الباب -كما قال (ن) -: أنَّ الإيمان هل يُطلَق

على الأَعمال كالصلاة والصيام، فيَزيدُ وينقصُ، أَوْ لا؟ مذهب السَّلَف الأوَّل فيُطلق على تصديقِ القَلْب، ونُطقِ اللِّسان، وعمَل الجَوارِح، فيَزيد بزيادتها، وينقُص بنقصانها، وقال بالثاني أكثَرُ المُتكلِّمين، وأَنكَروا زِيادتَه ونُقْصانه؛ لأنَّه متى قَبِلَ ذلك كان شَكًّا وكُفْرًا. وقال المُحقِّقون منهم: نفْس التَّصديق لا يَزيدُ ولا ينقُص، وإنما يَزيد بثَمَراته، وهي الأَعمال، وينقُص بنقْصها. قال (ن): ولكنَّ المُختار خِلافُه، وهو أنَّ نفْس التَّصديق يَزيد بكثْرة النَّظَر، وتظاهُر الأَدلَّة حتى لا يَتزلزل بعارِضٍ، فلا يشُكُّ عاقلٌ أنَّ تصديق أبي بكرٍ لا يُساويه تصديقُ آحادِ النَّاس. وأما إِطْلاق اسم الإيمان على الأَعمال فمُتفَقٌ عليه، وهذا المعنى أَراد البخاريُّ بتَبْويبه الآتي بجُزئيَّات أُمور الإيمان (باب: الصَّلاةُ من الإيمان)، (باب: الجِهاد من الإيمان)، والمراد الرَّدُّ على المُرجئَة في قولهم: الإِيمان قَولٌ بلا عمَلٍ. قال: واتفَقَ أهلُ السنَّة من المُحدِّثين والفُقهاء والمتكلِّمين على أنَّ المؤمن الذي يُحكم بأنَّه من أهل الإيمان، ولا يُخلَّد في النَّار لا يكون إلا مَن اعتقَد بقَلْبه دينَ الإسلام، ونطَق مع ذلك بالشَّهادتين، فإنِ اقتصَر على أحدهما لم يكُن من أهل القِبْلة، بل يُخلَّد في النَّار، إلا أنْ يعجَز عن النُّطْق لِخَلَلٍ في لسانه، أو لعدَم التمكُّن لمعالجة (¬1) ¬

_ (¬1) كذا، ولعل الصواب: "المعالجة".

المَنيَّة، أو لغيرها، فإنَّه حينئذٍ يكون مُؤمنًا، انتهى. قال (ك): الاتفاق ممنوعٌ فيما لو اقتصَر على الاعتِقاد مع القُدرة على النُّطْق إذا لم يَظهَر مُنافٍ، فإنَّه مُؤمنٌ عند الله تعالى، وقد لا يخلد في النار، نعَمْ، يُحكَم بكُفره. قلتُ: كلامُ (ن) في الذي يُحكَم بإيمانه، ولا يخلد في النار، ولا شك أنَّه بالاتفاق. وقال (ط): مذهب جميع أَهل السنَّة سلَفِ الأُمة وخلَفِها: أنَ الإيمان قَولٌ وعمَلٌ، وَيزيد وَينقُص، والمعنى الذي يستحقُّ به العبد المَدْحَ والمُوالاة من المؤمنين هو الثَّلاثة: التَّصديق، والإِقْرار، والعمَل، ولا خلافَ أنَّه لو أقرَّ، وعمِل بلا اعتقادٍ، أو اعتقَدَ وعمِل وجَحَد بلسانه لا يكُون مُؤمنًا، وكذا إذا أَقرَّ واعتقَدَ، ولم يعمَل الفرائض لا يُسمَّى مؤمنًا بالإطلاق. قال (ك): لعلَّ مُراده كمال الإيمان لا أَصل الإيمان؛ فإنَّ من أقَرَّ باللِّسان سَمَّاه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُؤمنًا على الإطلاق، فلا يخرج عن الإيمان بترْك الفرْض مع ذلك. وتحقيق المسألة يتوقَّف على تفسير الإيمان ما هو؟ فقال المتأَخّرون [وبعض المُعتزلة: هو تصديق الرَّسول صلى الله عليه وسلم بما عُلِم مجيئُه به ضرورةً، والحنفيّة: التَّصديقُ والإقرارُ، والكرَّاميَّة: الإِقْرار] (¬1)، وبعض المعتزلة: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

الأَعمال، والسَّلَف: التَّصديق بالجَنان، والإِقْرار باللِّسان، والعمَل بالأركان، فالأقوال خمسةٌ: ثلاثةٌ بسيطةٌ، وواحدٌ مُركَّبٌ من اثنين، وواحدٌ مُركَّبٌ من ثلاثةٍ. فالكلمة كافيةٌ في دُخول الإيمان اتفاقًا، والكمال لا بُدَّ فيه من الثَّلاث إجماعا، انتهى. * * * 8 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَناَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءَ الزكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". (م ت س). اعلم أنَّ مِن طُرَف إسناد الحديث هنا: أنَّ رُواته مَكيُّون قُرشيون إلا عُبيد الله فإنَّه كوفي. وقولُ البخاري مرةً: (حدَّثنا)، ومرةً: (أخبرنا) إما على القول بالمُغايرة، وهو المشهور، بأنَّ الأول إذا قرأَ الشَّيخُ، والثاني إذا قُرئ على الشَّيخ، وإما لأنَّهما سواءٌ كما سيأتي، وأما (عن) فللأعمِّ، لكنْ لا بُدَّ في المُعَنعَن من السَّماع عند البخاري. (بُنِيَ الإسْلاَمُ) قال (ن): أَدخَل البخاريُّ هذا الحديثَ في هذا

الباب؛ ليُبيِّن أنَّ الإسلام يُطلَق على الأفعال، وأنَّ الإسلام والإيمان قد يكونان بمعنًى واحدٍ. (عَلَى خَمْسٍ)؛ أي: دَعائِم، أو قَوائِم، وفي بعض الرِّوايات: (خَمْسَةٍ)، أي: أشياءَ، أو أَركان، على أَنَّ وُجوب تذكير العدَد في المؤنَّث، وتأْنيثه في المذكَّر إنما هو إذا كان المعدُود مَذْكورًا، أما إذا لم يُذكر فيجوز الأَمران كما صرَّحَ به النُّحاة، ونقلَه (ن) في "شرح مسلم" في حديث: "مَنْ صامَ رَمَضانَ وسِتًّا مِنْ شَوَّال". (شَهَادَةِ) هو وما عُطف عليه مجرورٌ على البدَل مِن (خَمْسٍ) بدَلَ كلٍّ من كلٍّ، أو مرفوعٌ خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هي شَهادةُ. (أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، (أنْ) فيه مُخفَّفةٌ من الثَّقيلة، ولهذا عُطف عليها. (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ)؛ قلتُ: قال الإِسْمَاعِيْلي في "مُستخرَجه": فيه التَّنبيه على جميع ما أُمِر بالإيمان به كالإيمان برسُل الله، ومَلائكته، وكُتُبه، والبَعْث، وغير ذلك، فاستغنَى بمُفتَتح الإيمان، كما تقُول: قَرأْتُ الحمدُ للهِ، والمرادُ: إلى آخِر السُّورة. (وَإِقَامِ) أصله: إِقْوام، فنُقلتْ فتحة الواو إلى السَّاكن قبْلَها، فحُذفت الواو، ويجب حينئذٍ أنْ يُعوَّض عنها، فيُقال: إِقامَةٌ، أو ذِكْر المُضاف إليه كما في قوله تعالى: {وَإقَامَ الصَّلَاةِ} [الأنبياء: 73]. (وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)؛ أي: إعطاؤُها، والإيْتاء يتعدَّى لاثنَين، أُضيف

إلى أحدهما، وحُذف الآخَر، أي: مُستحِقَّها. (وَصَوْمِ رَمَضَانَ) دليلٌ لمن جوَّز إطلاقَ رمَضان من غير إضافةِ (شَهْرٍ) إليه. واعلم أنَّ الإسلام مُشبهٌ بشيءٍ له دَعائِمُ، فذُكر المشبَّه، وأُسند إليه ما هو من خَواصِّ المُشبَّه به، وهو البِناء، ويُسمَّى ذلك استعارةً بالكِنَاية، كـ: أَنْبَتَ الرَّبيعُ البَقْلَ. ثم ظاهر الحديث أنَّ مَن تركَ شيئًا من الأَربعة الأَخيرة لا يكُون مُسلِمًا، ولكنْ صرَفَه عن ظاهره الإجماعُ على الدُّخول بالشَّهادة، فذِكْر الباقي معها تعظيمٌ لشأْنه. قال (ن): ذِكْر الصلاة ونحوها؛ لأنَّها أَظهَر شعائر الإسلام يتمُّ بها استِسلامُ الآتي بها، وتَرْكُها يُشعر بانحلالِ قيْدِ انقِياده، انتهى. فأجمعوا على أنَّه لا يَكْفُر بترك الصوم والصلاة، وأما قَول أحمد: يَكْفُر بترْك الصَّلاة؛ فلدليلٍ آخَر نحو: "مَنْ ترَكَ الصَّلاةَ مُتعمِّدًا فقد كَفَرَ". ثم وجْه الحصْر في الخمْسة: أنَّ العبادة إما قوليَّةٌ وهي الشَّهادتان، وإما غير قولٍ، وهو ترْكٌ، وذلك الصَّوم، وإما فعْلٌ بدَنيٌّ وهو الصَّلاة، أو ماليٌّ وهو الزكاة، أو مركَّبٌ وهو الحجُّ. ووجه الترتيب سبَق. فإنْ قيل: إذا كان الإسلام هو الخمْسة، فالمبني لا بُدَّ أن يكون غير المبنيِّ عليه؟

قيل: لأنَّ المَجموع غيرُ كلِّ من أركانه. فإنْ قيل: فالأَربعة لا تصحُّ إلا بالأول، فهي كالمبنيَّة، وهو المبنيُّ عليه؟ قيل: لا امتناعَ أن يكون شيءٌ مبنيًّا على شيءٍ، وغيرُ الشيئين يكون مبنيًّا عليهما من وجهٍ آخَر، وإنَّ معنى بِناء الأربعة من جهة صحَّتها، وذلك غيرُ معنى (بُني الإسلام على خمسٍ). وقال التَّيْمِي ما حاصله: أنَّ الخمسة وإنْ كان مُقتضى الظاهر أنْ تُبنى على الإسلام لمَا سبق من توقُّفها على الإسلام، ولهذا مَن أنكَر منها شيئًا كفَر؛ لبُطلان إسلامه لا أنَّ الإسلام مبنيٌّ عليها، لكنْ المراد في الحديث أنَّ الإسلام الكاملَ مبنيٌّ على الخمْس لا حقيقة الإسلام. قال (ك): وهو حسَنٌ، لكنْ قوله: إذا أنكر حُكمًا من هذه يُحكم ببُطلان إسلامه ليس من البَحْث؛ لأنَّ البَحْث في فِعْل هذه الأُمور وتركِها لا في إنكارها، وكيف وإنكار كلِّ حُكمٍ من أحكام الإِسلام مُوجِبٌ للكُفر، فلا معنى للتخصيص بهذه الأَربعة. قلتُ: أي: إذا كان مِن المُجمَع عليه المعلُوم من الدِّين بالضَّرورة. وقال الطَّيْبِي: ليس المراد هنا كأَعمِدة البَيت؛ فإنَّ تلْك أربعةٌ بل أَعمِدة الخِبَاء، ويُؤيِّده حديث مُعاذ: "وعَمُودُها الصَّلاة". فحاصِل التَّشبيه: أنَّ الشهادتَين قُطبها الذي تَدُور عليه الأركان، وبقيَّة شُعب الإيمان كالأَوتاد للخِبَاء.

3 - باب أمور الإيمان

رُوي: أنَّ الفَرَزْدَق حضَر جنازةً، فسألَه بعضُ الأئمَّة: يا فَرَزْدَق! ما أعددْتَ لهذه الحالةِ؟، فقال: شهادةُ أنْ لا إلهَ إلا الله، فقال: هذا العَمُود، فأَين الأَطْناب؟ ثم ذكر (ك): التَّرديد حينئذٍ في وجْه الاستِعارة، وأنواعَها مما لا يتعلَّق به حكمٌ، فحذَفناهُ. * * * 3 - بابُ أُمُورِ الإِيمَانِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الآية [البقرة: 177]، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، الآية [المؤمنون: 1]. (باب: أمور الإيمان) أي: الأمور التي هي الإيمان؛ لأنَّ عنده الأَعمال والأَقوال هي الإيمان، فالإضافة بيانيَّةٌ، أو الأمور التي للإيمان في تحقيق حقيقته، وتكميلِ ذاتِه، فالإضافة بمعنى اللام. (وَقَوْلِ الله) فيه الوَجْهان السَّابقان، والإشعارةُ بآية: {لَيْسَ الْبِرَّ}

إلى قوله فيها: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، أي: ولكنَّ البِرَّ بِرُّ مَن آمَنَ، أو: ولكنَّ ذا البِرِّ مَن آمَنَ، وقُرئ: {لَيْسَ الْبِرَّ} بالنَّصب على أنَّه خبرُ (ليس) قُدِّمَ. والشاهد في الآية: أنَّه حصَر المُتقِين في قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، أي: للشِّرْك على أَصحاب هذه الصِّفات والأعمال، فهُم المُوقنُون، أو المؤمنُون الكاملُون. وأما آية: {قَدْ أَفلَحَ}، أي: دخَل في الفَلاح، فحصر الإيمان الذي به الفلاح والنَّجاة في هذا الأعمال المذكورة. قال (ط): أوَّل منازِل الإيمان هو التَّصديق، والاستكمال إنما هو بهذه الأُمور، فبوَّب البخاري أبوابَه على الاستكمال بقوله: (باب أُمور الإيمان)، (باب الجهاد)، (باب الصلاة من الإيمان). * * * 9 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبَو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الإيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ". (م عو هـ). (بِضْعٌ) في أكثَر الأُصول: (بِضْعةٌ)، وأوَّلهما مكسورٌ، والفتح لغةٌ قليلةٌ، ومعناها: القِطْعة، ثم استُعملا في العدَد ما بين الثلاثة

والعشرة على الصحيح، وقيل: من ثلاثٍ لتسعٍ. (وَسِتُّونَ) في "مسلم": (وسَبْعُون)، وكذا في أبي داود، والتِّرمِذي، والنَّسائي بالجزْم، وصوَّبها (ع)، وإنْ رجَّح بعضهم (السِّتين) لأنَّها المتيقَّن. قال (ن): رواية: (سَبْعون) زيادةٌ من ثقةٍ، فتُقبَل. وردَّه (ك) بأنَّ زيادة الثِّقة أنْ يُزاد لفْظٌ في الرِّواية، وإنما هو اختلافُ روايتَين لا مُنافاةَ بينهما في المعنى؛ إذ ذِكْر الستِّين لا يَنفي أكثَر، أو أنَّه أخبَر بالستِّين، ولمَّا زيد أَخبَر بالسَّبعين، فكلاهما صوابٌ، وفي مسلم روايةٌ: (وسِتُّون، أو وسَبْعُون) على الشكِّ. (شُعْبَةً) هي غُصن الشَّجرة، وفرعُ كلِّ أصلٍ، فشُبِّه الإيمان بشجرةٍ ذات أغصانٍ وشُعبٍ كما شُبِّه في حديث: "بُنيَ الإسلامُ" بخِباءٍ ذاتِ عَمَدٍ. قال (خ): الإيمان يتشعَّب إلى أُمورٍ جِماعُها الطَّاعة، فلذلك تفاضَلَ الناسُ في درج الإيمان وإنْ استَوَوا في الأصل، فكان بَدْء الإيمان الشَّهادةُ دعاهُمُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إليها، وكان مَن أجابَه إليها مؤمنًا، ثم نزلت الفَرائضُ، فخاطبَهم عند طلَبها بنحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6]، وهذا الحُكم في اسم كلِّ أمرٍ ذي شُعَبٍ كالصلاة، فلو أنَّ رجلًا مرَّ بمسجدٍ فيه مَن افتتَح الصلاةَ، ومَن ركَع، ومَن سجَد، فإنَّه يقول: رأَيتُهم يُصلُّون مع اختلاف أَحوالهم، وتفاضُل أعمالهم.

ولذا قال التَّيْمِي: المراد أنَّ مَن وُجدتْ فيه هذه الخِصال، فهو مُؤمنٌ على سبيل الكمال، فإيمانُ كلِّ واحدٍ بقدْر ما يُوجد فيه منها. واعلم أنَّ تفاصيل هذه الشُّعَب وأسمائها لا تكليفَ فيه، ولا يَقدح في الإيمان الجهْلُ بذلك، فلذلك بيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أعلاها وأَدونَها، فعُلم أنَّ ما بينهما من الطَّاعات هو الباقي كما كلَّفَنا بالإيمان بملائكته وإنْ لم نعلَم أسماءَ الأكثَر، ولا أَعيانَهم. قال (ن): بيَّن أعلاها، وهو لا إله إلا الله، فتبيَّن أنَّ التوحيد واجبٌ على كل مكلَّفٍ، ولا يصحُّ شيءٌ من الشُّعب إلا بعد صِحَّتها، وبيَّن أَدناها، وهو ما يُدفع به ضررُ المسلمين، فما بينهما تمام العدَد نُؤمن به وإنْ لم نَعلم أَعيانَ أفراده، كما نُؤمن بالملائكة وإنْ لم نَعرف أعيانَهم وأَسماءَهم، انتهى. وخاضَ قومٌ مرَّةً في تَفاصيلها، فقال ابن حِبَّان: تتبَّعتُ معنى هذا الحديث مدةً، وعدَدتُ الطَّاعات، فإذا هي تَزيد على هذا العدد شيئًا كثيرًا، فرجعتُ إلى السنَّة فعددت كل طاعةٍ عدَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان، فإذا هي تنقُص، فضمَمتُ ما في الكتاب والسنَّة، فإذا هي تسعةٌ وسبعون، لا تَزيد ولا تَنقص، فعلمتُ أنَّه المراد. نعَمْ، قال البَيْضاوي: يحتمل أنَّ المراد بهذا العدد، وهو سبعٌ وسبعون التكثيرُ على حدٍّ: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80]، وذلك أنَّ لفْظ (السبْع والسَّبعين) يكون للتَّكثير كثيرًا؛ لاشتمال السَّبعة

على تقاسيم المُتَعَدِّد، فإنَّه ينقسم إلى فردٍ وزوج، وكلٌّ منهما أوَّلٌ ومركبٌ، وينقَسم إلى مُنطِقٍ وأَصَمَّ، والكلُّ في السَّبعة، فإذا أُريد المُبالغة جُعلت آحادها أعشارًا. لكنْ مدار الخصال على أصلٍ واحدٍ، وهو تكميل النَّفس على وجهٍ يُصلح مَعاشه، ويحسِّن مَعاده، وذلك بأن يعتقد الحقَّ، ويستقيم في العمَل، وإليه أَشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله لسُفْيان الثَّقَفي حين سأله قَولًا جامعا: "قُلْ آمنْتُ باللهِ، ثم استَقِمْ". وقال علي بن عِيْسى النَّحْوي: السَّبعة أكمَل الأعداد؛ لأن الستَّة أوَّلُ عددٍ تامٍّ، وهي مع الواحد سبعةٌ، فكانت كاملةً؛ إذ ليس بعد التَّمام سِوى الكمال، فلذلك سُمي الأَسَد سبُعًا لكمال قُوَّته، ثم السَّبعون غاية الغاية؛ إذِ الآحادُ غايتها العشَرات، وأما الستَّة، فلأنَّ العدد إما زائدٌ، وهو ما أَجزاؤه أكثَر منه كاثني عشَر، فإنَّ لها نِصْفًا، وثلثًا، وربعًا، وسدسًا، ونصف سدسٍ، ومجموعُ هذه الأجزاء أكثَر من اثني عشر، وإما ناقصٌ، وهو ما أَجزاؤه أقلُّ كالأربعة، لها نصفٌ وربعٌ، وإما تمامٌ، وهو ما أَجزاءه مثلُه كالستَّة، فإنَّ أجزاءَها نصفٌ، وثلثٌ، وسدسٌ. فذَكَر التَّمام بجعل آحاده عشراتٍ مبالغةً؛ إما لكون الإيمان هذا العدَد في الواقع، أو لقَصْد التكثير مبالغةً. وقال الطِّيْبِي: الأظهر أنَّ المعنى فيه التَّكثير، وأنَّ ذِكْر البِضْع للترقِّي؛ لأنَّ الشُّعَب لا نهايةَ لها لكثْرتها، إذ لو أُريد التعديد لم يُبهِم.

ثم ذكر (ك) تقْسيمًا لشُعب الإيمان نقْلًا عن غيره، وقال في آخِر الكلام: يمكِن تَعداد الشُّعب بأَضبَط مما ذكَروا، وأنقَح من التَّكرار بأَنْ يُقال: الشَّأْن لا يخلو من المَبدأ، والمَعاد، والمَعاش، وهي إما أن تتعلَّق بنفْس الرجل فقط، وتُسمَّى النَّفْسانيَّة، وإما بغيره من خاصَّته، وهم أَهل منزلته، وتُسمَّى المنزليَّة، وإما بغيره من عامة الناس، وتمسى بالبدَنيَّة، والنَّفسية إما باطنيَّةٌ، وإما ظاهريهةٌ، والظاهرية إما قوليَّةٌ، أو فِعليَّةٌ. فالبَدَنيَّة إما أنْ تتعلَّق بذات الله تعالى، وهي تسعةٌ: الإيمان بوُجود الصانع، والتوحيد الذي هو أَصْل صِفات الجَلال، والصّفات السَّبعة المُسمَّاة بصِفات الإكرام، وهي: الحياة، والعِلْم، والإرادة، والقُدْرة، والسَّمْع، والبصَر، والكلام، وإما بفِعْل الله تعالى وحُكمه، وهي أربعةٌ: الإيمان بملائكته، وكتُبه، ورسُله، وحُدوث العالم. والمَعاديَّة أُمهاتها ثمانيةٌ، وهي: البعث، والموقف، والحساب، والميزان، والصِّراط، والشَّفاعة، والجنة، والنار، وما يتعلَّق بهما. والمنزليَّة كذلك ثمانيةٌ: التعفُّف عن السِّفاح، وعقْد النكاح، والقِيام بحُقوقه، والبِرُّ بالوالدَين، وتربية الأَولاد، وصِلَة الرَّحِم، وطاعة السادات، والإحسان إلى المَماليك. والبدَنيَّة أُصولها أربعة عشَر: القِيام بالإِمارة، واتباع الجَماعة، ومُطاوعة أُولي الأَمر، والمُعاوَنة على البِرِّ، وإحياء مَعالم الدِّين، والأَمر بالمعروف، والنَّهي عن المُنكر، وحِفْظ الدِّين بالقتْل والقِتال،

وحفْظ النَّفْس بالكفِّ عن الجِنايات، وإِقامة حُدود الجِراح، وحفْظ العقْل بالنَّهي عن المُسكِرات والمجنِّنات، وحفْظ المال بطلَب الحقوق وأدائها، وحفْظ الأنساب بإقامة حُدود الزِّنا، وحفْظ الأَعراض بحدِّ القَذْف والتَّعزير، ودفْع الضَّرر عن المسلمين. والظَّاهريَّة القوليَّة خمسةٌ: التلفُّظ بالكلمة، وصِدْق اللَّهجة، وتلاوة القرآن، والتعلُّم، والتَّعليم للشَّرائع. والظاهريَّة الفِعلية ماليَّةٌ، أو بدَنيَّةٌ، أو مركبةٌ منهما، عشرةٌ: الطَّهارة، وستْر العورة، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والقيام بأمر الجنائز، والصِّيام، والحج، والوفاء بالنُّذور، وتعظيم الأَيمان، وأداء الكفَّارات. والباطنيَّة إما تخليةٌ عن الرَّذائل، وأُمهاتها ثمانيةٌ: حبُّ المال، وحبُّ الجاه، والحِقْد، والحسَد، والرياء، والنِّفاق، والعُجْب، وإما تحليةٌ بالفَضائل، وكُلِّياتها أحد عشر: التَّوبة، والخوف، والرجاء، والحياء، والشُّكر، والوَفاء، والصَّبر، والإخلاص، والمَحبَّة، والتوكُّل، والرِّضا بالقضاء. وعُلِم هذا بالاستِقراء، فمثْل هذا الحصْر لا يكون عقليًّا بل استقرائيٌّ لا يُفيد إلا ظنًّا، والله أعلم. (وَالْحَيَاءُ) -بالمَدِّ-: تغيُّر وانكِسارٌ يعتري الإنسانَ من خوفِ ما يُعاب به ويُذمُّ، وربما عُرِّف بأنَّه: انحصارُ النَّفْس خوفَ ارتكاب القَبائح، واشتقاقه من الحياة، يُقال: حَيِيَ الرجل: نقَصَتْ حياتُه، كنَسِيَ

الرجل: إذا اعتلَّ نسَاه، وهو عِرْقٌ في الفَخِذ، وحَشِيَ إذا اعتلَّ حَشاه، فكأنَّه لخَوفه المذمَّة تنتقصُ حياته وتضعُف، كذا قرَّره الزَّمَخْشَري. وعكَس الوَاحِديُّ ذلك، فقال: استَحيَى الرجل: قَويتْ حياتُه لشِدَّة عِلْمه بمواقع العَيب والذَّمِّ، قال: والحَياة مِن قُوَّة الحِسِّ. (شعبة مِنَ الإيمَانِ) لأنَّه يحجُز صاحبَه عن المعاصي؛ لأن الإيمان امتثالُ المأْمور، وترك ارتكاب المَنْهيِّ، وإنما أَفرده بالذّكر؛ لأنَّه كالدَّاعي لسائر الشُّعَب. قال (ن): وفي حديثِ في "الصحيح": "الحَياءُ مِنَ الإِيْمانِ"؛ أي: لأنَّه يكون تخلُّقًا واكتِسابًا، وقد يكُون غَريزةً لكن استعماله على قانون الشَّرع يحتاج لعلاجٍ ونيَّةِ، فكان من الإيمان، ولما سبق من كونه باعثًا على فعل الخير مانعًا من المعاصي، وفي رواية: (خير كله) فقد يستشكل بأن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق، فيترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن يجاب بأن ذلك ليس حياءً بل عجزًا، ومهانة وضعفًا، وتسميته حياءً مجاز مِن مَجاز المُشابَهة. قيل: هذا الحديث نصٌّ إطْلاق اسم الإيمان الشَّرعي على الأعمال. قال (ك): ليس نَصًّا؛ إذ معناه: شُعَب الإيمان بِضْعٌ، وكذا لأنَّ الإماطة غيرُ داخلةٍ في الإيمان والتَّصديق بل خارجةٌ عنه. * * *

4 - باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

4 - بابٌ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ (باب: من سلم المسلمون من لسانِه ويده) يحتمل تنوينَ الباب، وإضافتَه، وسُكونَه كالوقف. 10 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، وَإسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نهى اللَّهُ عَنْهُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ أبَو مُعَوِيَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ داوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (م د س). (الْمُسْلِمُ)؛ أي: الكامِل، وإلا لَزِمَ أنَّ من أتى بالأركان الخمسة، ولم يَسلَم المسلمون مِن لسانه ويده أنْ لا يكون مُسلِمًا، وقد نصَّ سِيْبَوَيْهِ في اسم الجنْس بأَل نحو: الرَّجل زيدٌ: بأنَّ المراد به الكامِل، وقال ابن جِنِّي: مِن عادة العرَب أن يُوقعوا على الشَّيء الذي يخصُّونَه بالمَدْح اسمَ الجِنْس، فلهذا سَمَّوا الكعبةَ البَيْتَ، أو يُقال: سلامة المسلمين خاصةٌ بالمسلم، ولا يَلزم من انتِفاء الخاصَّة انتفاءُ ما له

الخاصَّة، أو يقال: إنَّه كقولهم: النَّاس العرَب، قاله (خ). فإنْ قيل: يلزم أنَّ من سلِم المسلمون منه يكون مُسلما كاملًا وإنْ لم يأْتِ بالأركان؛ قيل: هذا إنما هو للمُبالغة في ترْك الإيذاء، فجُعل نفْس الإسلام ادعاءً. (مِنْ لِسَانه وَيَدهِ)؛ أي: مِن أَذى لسانه ويده، وخُصَّتا بذلك لأنَّه الغالب، وإلا فالأَذى قد يكون بغيرهما، أو أُطلق على الكلِّ عمَلَ اليدِ واللِّسان، فيُقال في كلِّ عمَلٍ: هذا مما عملتْه اليَدُ، وإنما قدَّم اللِّسان لأنَّ إيذاءه أكثَر وُقوعًا، وأسهل، وأشدُّ نِكايةً، كما قال - صلى الله عليه وسلم - لحسَّان: "اهْجُ المُشركين، فإنَّه أَشقُّ عليهم مِن رَشْقِ النَّبْل"، وقال الشَّاعر: جِراحاتُ السِّنانِ لها التِئَامٌ ... ولا يَلْتامُ ما جرَحَ اللِّسانُ واعلم أنَّه يُستثنى من الإيذاء ما كان بحق كإقامة الحُدود والتَّعازير، أو ذلك عند التَّحقيق ليس إيذاءً بل إصلاح وطلَب سلامةٍ، وهو في المآل. (وَالْمُهَاجِرُ) من الهَجْر، وهو التَّرْك، ومنه سُمي فاحشُ الكلام هُجْرًا، بضم الهاء؛ لأنَّه ينبغي أن يُهجَر، وغَلَب اسم المُهاجِر على مَن فارَقَ وطنَه وعشيرتَه، فأَعلمَهم - صلى الله عليه وسلم - بأنَّهم يجبُ أنْ يهجُروا ما نهى الله عنه لتَكمُل هِجْرتهم. ولفْظ رواية النَّسائي: (هَجَرَ ما حرَّمَ اللهُ عليهِ)، وكذا قال (خ):

إنَّه الذي جَمع إلى هَجْر وطنِه هَجْرَ ما نهى الله عنه، ولا يَتكلُوا على هِجْرة المدينة فقط. وقيل: لمَّا شَقَّ فَواتُ الهِجْرة على بعضهم قيل المُهاجرُ (مَنْ هَجَرَ مَا نهى اللَّهُ عَنْهُ). ويحتمل أنَّه قال ذلك بعد الفتْح، فإنَّه لا هجرةَ حينئذٍ إلا هجْرة المعاصي. واعلم أنَّ الإسلام قد يُطلق على الأعمال الظاهرة؛ كقوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، ويُطلق على اعتقاد القَلْب مع الأَعمال والإِخلاص لله تعالى في جميع ما قضَى وقدَّر، كما قال عن إبراهيم عليه السَّلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ} [البقرة: 131]، فيحتمل أنَّ المراد بالمُسلم هنا المُخلِص المُستسلِم لقضاء الله وقدَره، فكأنَّه قال: المُسلِم مَن أسلَم وجْهه لله، ورضِيَ بتقديره، لا يتعرَّض لأَحدٍ بإيذاءٍ. (وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة)؛ أي: الضَّرير محمَّد بن خازِم، بمعجمةٍ، وصلَه إسحاق بن راهَوَيْهِ في "مسنده" عنه، ووصلَه ابن حِبَّان في "صحيحه". (وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى) وصلَه عُثمان بن أبي شَيبة في "مسنده" عنه. وأَورد البُخاريُّ هذين التعليقَين للاستشهاد والمُتابعة لا للاستِدلال، وفيه دقيقةٌ: وهي أنَّ في طريق أَبي مُعاوية: (سمعتُ

5 - باب أي الإسلام أفضل؟

عبد الله)، وفي طريق عبد الأَعلى: (عن عبد الله) (¬1)، فأَشعَر ذلك بالفَرْق بينهما. * * * 5 - بابٌ أيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ (باب: أي الإسلام أفضل) أي: بالرَّفْع سواءٌ نوَّنت: (باب)، أو سكَّنته أو أضفته إلى ما بعده، والمراد: أي: خصال الإسلام؛ لأن (أي) لا تضاف إلا لمُتَعَدِّدٍ. وأيضًا فجَوابه يدلُّ على أنَّ السُّؤال عن خَصلةٍ منه لا عن نفْسه، وأَفْعل التَّفضيل هنا حُذفت صِلتُه، أي: أفْضل مِن غيره مِن الخِصال؛ إذ هو لا بُدَّ له من إضافةٍ، أو تعريفٍ باللام، أو صلةٍ بـ (مِنْ)، والمراد بالأَفْضل: الأَكثَر ثَوابًا. 11 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الإسْلاَمِ أفضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". (م ت س). ¬

_ (¬1) "عن عبد الله" ليس في الأصل.

6 - باب إطعام الطعام من الإسلام

(قَالُوا) لفْظ روايةِ مسلم: (قلتُ)، والنَّسائي: (قُلنا)، ولابن حِبَّان أنَّه السائِل، وللطَّبَراني عن عُبيد بن عُمير، عن أبيه: أنَّه سأَل عن ذلك. (أَيُّ الإسْلاَمِ) قال أبو البَقاء: تقديره: أيُّ ذَوي الإسلامِ؟ فقال: (مَنْ سَلِمَ)، أو التقدير: خَصْلَةُ مَن سَلِمَ؛ ليُطابق الجوابُ السُّؤال. وقال (ك): هو مُطابِقٌ وزيادةٌ من حيثُ المعنى؛ إذْ يُعلم منه أنَّ أفضليته باعتبار تلْك الخَصْلة كما في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ} [البقرة: 215] الآيةَ، أو أطلق الإسلامَ وأراد الصِّفَة، كما يُقال: العَدْل وُيراد: العادِل، كأنَّه قال: أيُّ المُسلمين خَيرٌ؟ كما جاءَ ذلك في روايةٍ. * * * 6 - باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلاَمِ (باب إطعام الطعام من الإسلام) برفْع (إطعام) مبتدأً، و (مِن الإسلام) خبَره؛ أي: مِن خِصال الإسلامِ. وفي بعض النُّسَخ: (مِنَ الإِيمان) بدَل (مِن الإسلام)، وهو دليلٌ على القول باتحادِهما. * * *

12 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الإسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". (م س). (أَنَّ رَجُلًا) قيل: هو أبو ذَرٍّ؛ إسناده كلُّهم مِصْريُّون، وهو عَزيزٌ، ويُزاد: أنَّهم كلَّهم أَجِلَّاء. (خَيْرٌ) هو للتَّفضيل مثْل: أَفْضل، لكنْ أفضل بمعنى: كثْرة الثَّواب، وخيرٌ بمعنى: النَّفْع في مُقابلة الشَّر، فالأول راجعٌ للكمِّية، والثاني للكيفيَّة. فإنْ قيل: لم لا قال في هذا كما في الباب قبلَه: (أَيُّ الإسلامِ أَفْضل)، ولا عبَّر هناك كما هنا؛ قيل: لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صرَّح هنا بأنَّ الإطْعام من الإسلام، ولم يُصرِّح هناك بأنَّ سلامة المسلمين منه من الإسلام، فلذلك احتيج هناك لتأويلٍ، وأيضًا فلو قال هناك: السَّلامة منه مِن الإسلام، لم تُعلَم الأفضليَّة، فخالَف بين التَّرجمتين لذلك. (تُطْعِمُ)؛ أي: إطعامٌ، على حَدِّ: تَسمَعُ بالمُعيديِّ، أي: سَماعُك. قلتُ: وفي "شرح التسهيل" لابن مالك: إنَّ سبْك الفعل مصدرًا لا يحتاج لحرفٍ مصدريٍّ قبلَه، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: 24]، أي: إِراءَتُكم، قال السُّهَيْلي: يحتمِل

إِطعام المجاويع، أو الضِّيافة، أو هما جميعا، وللضيافة في التحابُب والتآلُف أثرٌ عظيمٌ. (وَتَقْرَأُ) بفتح المُثنَّاة والراء، وبضم التاء وكسر الراء، أي: تسلم على كل أحد، ولا تخصَّ بعضًا دون بعض كما قد يقع ذلك تكبرًا أو تهاونًا، أو تسلم مصانعة، بل يكون السلام عامًّا مراعاة لأخوة الإسلام، وتعظيمًا لشعائر الشريعة، وإذا كان خالصًا فلا يخص بأحد، ولا يمنع منه عداوة، نعم الكافر خارج من العموم إجماعًا. فإن قيل: كيف جعل هنا الخير الإطعام، وإقراء السلام، وفي الحديث السابق الأفضل: السلامة من يده ولسانه، قيل: إن الجوابين في وقتين فكان الأفضل في كل منهما ما أجاب به إما باعتبار السامع أو بعض أهل المجلس، فقد يظهر من بعض قلة المراعاة ليده ولسانه وإيذاء المسلمين، ومن بعض إمساك عن الإطعام أو تكبر عن السلام، أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أن السائل الأول يسأل عن أفضل التروك، والثاني عن خير الأفعال، أو أن الأول يسأل عما يدفع المضار، والثاني عما يجلب المنافع، أو أنهما بالحقيقة متلازمان إذ الإطعام يستلزم سلامة اليد، والسلام يستلزم سلامة اللسان. وفي الحديث الحث على الجود والسخاء، ومكارم الأخلاق، وخفض الجناح للمسلمين والتواضع، وتآلف القلوب، ونحو ذلك، فاشتمل الحديث على نوعي المكارم؛ لأنَّها إما مالية، والإطعام إشارة إليها، وإما بدنية، والسلام إشارة إليها.

7 - باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

قال البَيْضاوي: الأُلفة إحدى فرائض الإسلام، وأركان الشَّريعة، ونظام شَمْل الدِّين. وقال (خ): دلَّ حرف الجواب عن جملةِ خِصال الإسلام وأَعماله إلى ما يجب من حُقوق الآدميِّين على أنَّ المسألة إنما عَرضتْ من السَّائل عن حُقوقهم الواجبة عليهم، فجعَل خيرَ أَفعالها في المَثوبة إطعام الطَّعام الذي به قِوام الأَبدان، ثم ما يكون به قَضاء حُقوقهم من الأَقوال، فجعَل خيرَها إِفْشاء السَّلام. * * * 7 - بابٌ مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبَّ لِنَفْسِهِ (باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه) يحتمِل تقديمَه (من الإيمان) على (أنْ يُحبَّ) بخلاف قوله: حُبُّ الرَّسول من الإيمان، وإِطعام الطَّعام من الإيمان، ونحو ذلك؛ إما للاهتمام بذِكْره، أو الحصْرِ كأنَّه قال: ليست المَحبَّة المذكورة إلا مِن الإيمان تعظيمًا لشأنها، وتحريضا عليها. وفاعل (يُحبَّ) مُضمرٌ في الفعلين، أو المكلَّف، أو المُؤمِن، أو الرَّجل. 13 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قتادَةَ،

عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّم، قَالَ: حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". (م ت س ق). (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ)؛ أي: إيمانًا كامِلًا، ولا يَلزم أنَّه يحصُل بذلك وإنْ لم يأْتِ بسائر الأركان؛ لأنَّه مبالغةٌ، كانَّ الركن الأَعظم منه هذه المَحبَّة نحو: "لا صَلاةَ إلا بطُهُورٍ"، أو هي مُستلزمةٌ لذلك، أو يَستلزم ذلك لصِدْقه في الجُملة، وهو عند حُصول سائر الأَركان؛ إذ لا عُموم للمَفهوم. واعلم أنَّ في بعض الرِّوايات: (لا يُؤمِنُ عبْدٌ)، وفي بعضِها: (أَحَدٌ). (حَتَّى يُحِبَّ) بالنَّصب بـ (أنْ) مضمرةٍ بعد (حتى)، وهي جارَّةٌ لا عاطفةٌ، ولا ابتدائيةٌ تدلُّ على مُخالفة ما بعدَها لما قبلَها. (لأَخِيهِ)؛ أي: في الإسلام، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. (مَا يُحِبُّ)؛ أي: في مثْل ما يُحبُّ؛ إذْ عينُه محالٌ؛ إذ لا يكون في مَحلَّين، والمراد: ما يحبُّ من الخَير كما جاء ذلك صَريحًا في روايةِ النَّسائي، وذلك الطَّاعات والمُباحات من الدُّنيا. واللَّفْظ وإنْ كان ظاهره المِثْليَّة لكن حقيقته أنْ يحبَّ أنْ يكون

أَخوه أفْضلَ منه؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ يحبُّ أنْ يكون أفْضل من غيره، فإذا أحبَّ لأخيه مثْلَ ذلك دخَلَ هو في جُملة المفضولين. ثم قال ابن الصَّلاح: إنَّ هذا يُعدُّ من الصَّعب المُمتنِع، ولكنْ لا يُعدُّ بأنْ يحبَّ أنْ يحصل لأَخيه من جهةٍ أُخرى مثل ذلك من جِهةٍ لا يُزاحمه، ولا ينتقصُ عنه، وذلك سَهْل على القَلْب السَّليم. واعلم أنَّ من الإيمان أيضًا أن يُبغض لأخيه ما يُبغض لنفْسه، ولكن تَركَه في الحديث إما اكتفاءً؛ لأنَّ حبَّ الشيء يَستلزم بُغْض نقيضه، أو لأنَّ الشَّخص لا يُبغض شيئًا لنفْسه، فلا يحتاج لذِكْره. والمَحبَّة عرَّفها أكثَر المتكلمين: بالإِرادة، فقيل: فهي إما اعتقاد النَّفع، أو النَّفع، أو مَيل يَتبع ذلك، أو صفةٌ مخصِّصةٌ لأحد الطَّرفين بالوُقوع. وقال (ن): أَصْل المحبة المَيْل إلى ما يُوافق المَحبوب، ثم الميْل قد يكون إلى ما يَستلذُّه بحواسِّه كحُسن الصُّورة، أو بعقْله كمحبه الفضْل والكمال، أو لإحسانه إليه، ودفْع المضارِّ. وقال التَّيْمِي: دلَّك رسول - صلى الله عليه وسلم - على مَعرفة الإيمان من نفْسك، فانظُر فإن اخترتَ لأَخيك في الإسلام ما تَختار لنَفْسك؛ فقد اتصفْتَ بصفة الإيمان، وإنْ فرَّقتَ بينك وبينه في إرادة الخير؛ فلستَ على حقيقة الإيمان، وإذا كان الإيمان مُشتقًّا مِن الأَمْن، فكأنَّه يُؤمِّن أَخاه من الضَّيم والشَّر، وإنما يصحُّ هذا إذا ساوى بينَه وبين نفْسه، فأمَّا إذا كان وُصول الشرِّ إلى أَخيه أَهون عليه من وُصوله إلى نفْسه، أو حصولُه

8 - باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

على الخير آثَرُ مِن حُصول أخيه عليه؛ فلم يُؤمِّنْه إيمانًا تامًّا. (وَعَنْ حُسَيْنٍ)، قال (ك): إما عطْفٌ على مَعمُول (حدَّثنا)، فيكون تعليقًا لذلك عن الحُسين -قلتُ: وفيه بُعدٌ-، وإما عطفٌ على (شُعبة)، فيكون من تحديث مُسدَّد، عن يحيى، عن حُسين، أي: المعلِّم، أوردَه للمُتابَعة لكن باتصالِ بأوَّل السنَد، وفيه تحويلٌ، وإنما أُشير إلى ذلك في نسخته بكتابةِ (ح) التَّحويل، أو الحائل، أو الحَديث، كما سبَق في أول السند، وإما عطْفه على (قَتادة)، فكأنَّه قال: عن شُعبة، عن حُسين، عن قَتادة. قلتُ: وهذا عجيبٌ؛ فإنَّه إذا عُطف على قَتادة يكون مُشاركًا له في أنَس، وكلامه آخِرًا يُناقض الأول، وبالجُملة فالصَّواب عطْفه على شُعبة. قال: ولا يجوز عطْفه على يحيى؛ لأنَّ مُسدَّدًا لم يَسمع من الحُسين. قلتُ: هذا ظاهرٌ لا يحتاج للتَّنْبيه عليه. * * * 8 - بابٌ حُبُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ (باب: حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان) اللام في (الرسول) للعَهْد، وهو نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنْ كان حُبُّ الرسُل كلِّهم من الإيمان؛ لقَرينة (حتى أَكونَ). * * *

14 - حَدَّثَنَا أَبَو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لاَ يُؤْمِنُ أَحَدكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ". الحديث الأول (س): (بِيَدِهِ) هو مِن المُتشابِه، والأُمة فيه بين مُفوِّض عِلْمَه لله، والوقْف عندهم في الآية على: {إِلا الله}، ومُؤوِّلٍ بما يَليق، {وَاَلرَّسِخُونَ} عندهم عطفٌ على فاعل: {يعلم} [آل عمران: 7]، والأول أَسلَم، والثاني أَحكَم. (أَحَبَّ) أَفْعل التَّفضيل بمعنى: المَفعول، وهو وإنْ كان كثيرًا على خِلاف القِياس. (إِلَيْهِ) فصَل به بين أَفْعل ومَعموله؛ لأنَّه يتوسَّع في الظَّرْف ما لا يُتوسَّع في غيره. (مِنْ وَالِدِهِ) يدخُل فيه الأُمُّ؛ لأنَّ الوالد مَن له ولَدٌ، أو ذُو ولَدٍ كـ (لابِنٌ) و (تامِرٌ). قلتُ: الظَّاهر اتحاد القَولين، أو أنَّ ذلك من باب الاكتِفاء بأحَد الضدَّين نحو: {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]، أي: والبَرْد، أو أنَّهما سواءٌ، فذِكْر أحدهما يُشعر بالآخَر. (وَوَلَدِهِ) إنما لم يَذكُر نفْسَه، وإنْ كانت نفْسه أحبَّ إليه من كلِّ

شيءٍ، واقتصَر في هذه الرِّواية على الوالد والولَد؛ لكونهما أعزَّ خلْق اللهِ على الإنسان غالبًا، وربَّما كانا عنْده أعزَّ من نفْسه، وقد عُلم أنَّه يكون أحبَّ إليه من غيرهما من الخُلُق من بابٍ أَولى، فذِكْرهما تنبيهٌ وتمثيلٌ، وقد جاءَ في الرِّواية الثانية التَّعميم. * * * 15 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ح وَحَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". الحديث الثاني (م س ق): يُوجد في بعض النُّسَخ فيه قبْل: (وَحَدَّثَنَا آدَمُ ح) للتَّحويل مِن إسنادٍ إلى إسنادٍ، وفي روايتي حديث أنسَ زيادةُ: (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، أي: في الحديث الثاني مِن ذكر العُموم بعد الخُصوص. فإنْ قيل: هل يدخُل في لفْظ (الناس) نفْسُه، أو يكون خارجًا للقَرينة العُرفيَّة؛ لأنَّ الذي يُطلق (الناس) إنما يُريد غيرَ نفْسه؛ قيل: نعَمْ، يدخُل، وما ذُكر ليس بمخصصًا لعُمومه. فإنْ قيل: المَحبَّة أمرٌ طبيعيٌّ لا يدخُل تحت الاختِيار، فالتكليف بتحصيله تكليفٌ بما لا يُطاق؛ قيل: المراد الحبُّ الاختِياري المُستنِد للإيمان حتى يُؤثِرَ رِضاهُ على هوَى الوالدَين، وإنْ كان فيه هلاكهما،

فمحبَّةِ الرسول إرادةُ أفعالِ طاعته، وتركُ مخالفته، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} [التوبة: 24] الآيةَ. قال (ط): المَحبَّة ثلاثةٌ: محبة إجلالٍ وإعظامٍ كمحبَّةِ الوالدَين، ومحبَّة شفَقةٍ ورحمةٍ كمحبة الأَولاد، ومحبَّة استحسانٍ واستلذاذٍ كمحبَّة سائر النَّاس، فجمَع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأصنافَ الثلاثة، فمن استكمَل الإيمان عَلِمَ أنَّ حقَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم آكدُ عليه من حقِّ والده، وولَده، والناس أجمعين؛ لأنَّ به يُستنقذ من النار، ويُهدى من الضلالة، أي: فالمعاني الثلاثة موجودةٌ فيه؛ لمَا جمَع بين جمال الظاهر والباطِن، وكمال أَنواع الفضائل، والإحسان لجميع المُسلمين بهدايتهم إلى الصِّراط المستقيم ودَوام النَّعيم. قال (ع): ومن محبَّته - صلى الله عليه وسلم - نصْر سُنَّته، والذَّبُّ عن شريعته، وتمنِّي حُضور حياته ببذْل ماله ونفْسه دُونه. وفيه أنَّ حقيقة الإيمان لا تتمُّ إلا بذلك، ولا تصلح إلا بتحقيق إِعلاء قدْره ومنزلته على كلِّ والدٍ وولدٍ ومُحسِنٍ ومفضِل، ومَن لم يعتقد هذا فليس بمؤمنٍ. قال (ن): فيه تلْميحٌ إلى قِصَّة النَّفْس الأَمَّارة بالسُّوء والمطمئنَّة، فإنَّ مَن رجَح جانب الأَمَّارة كان حُبُّ أهله وولده راجِحًا، ومن رجَح المطمئنَّة فبالعكس. قال (ك): حاصله أنَّه يجب تَرجيح مُقتضى القوَّة العقليَّة على الشَّهوانيَّة ونحوها. * * *

9 - باب حلاوة الإيمان

9 - بابُ حَلاَوَةِ الإِيمَانِ (باب: حلاوة الإيمان) مُراده: أنَّ الحلاوة أَمرٌ زائدٌ على أَصْل الإيمان، وهي ثَمرتُه، ولمَّا ذكَر قبله أنَّ حُبَّ الرسول من الإيمان أرَدفَه بما يُوجد من حلاوة ذلك الحاصِل. 16 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ". (م س). (ثَلاَثٌ) سوَّغ الابتداء به إضافتُه إلى ثلاث خِصالٍ، أو أنَّه صفةٌ لمحذوفٍ، أي: خِصالٌ ثلاثٌ كما مثَّل ابن مالك، وذلك في "شرح التسهيل" بقولهم: ضعيفٌ عاذَ بقرملةٍ، أي: إنسانٌ ضعيفٌ التَجأ إلى قَرملةٍ، أي: شجرة ضعيفةٍ. قال (ك): لكنَّ هذا يجوز أنْ يكون من باب: شَرٌّ أَهرَّ ذا نابٍ، وعلى هذين الخبرُ هو الجُملة بعدَها، وهي: (مَنْ كُنَّ فِيهِ) إلى آخره.

فـ (مَن) مبتدأٌ سواءٌ جعلت شرطيةً، أو موصولةً ضُمِّنتْ معنى الشَّرط، والخبر على الأوَّل مجموعُ الشَّرط والجزاء، أو الشَّرط فقط، على الخلاف في ذلك، وعلى الثاني: (وَجَدَ)؛ أي: أصابَ، (وكُنَّ) صِلَة الموصول، ويحتمل أن يكون ثلاثٌ موصوفَ الجملة بعدَه، والجواب: أَنْ يكونَ، وأمَّا على الأولين، فأَنْ يكون: بدَلٌ من (ثلاثٌ). (حَلاَوَةَ الإيمَانِ) قال التَّيْمِي: أي: حُسنه، يُقال: حَلا الشَّيء في الفَمِ صار حُلْوًا، فإنْ حسُن في العين والقَلْب قيل: حَلا بعَيني، أي: حسُن. (أَحَبَّ) إنما لم يقُل: أَحبَّا؛ لأنَّ أَفْعل التَّفضيل إذا وُصِل بـ (مِنْ) أُفرد دائمًا. (مِمَّا سوَاهُمَا) إنما لم يقُل (ممن) ليُعمِّم. وفيه دليلٌ على التَّثنية في مثْل ذلك، وأما قَول الخَطيب الذي قال: (ومَنْ يعصِهما)، [قال له النبي صلى الله عليه وسلم]: "بِئْسَ الخَطِيْبُ أَنتَ"، فلأَنَّ موضُوع الخُطَب الإيضاح، وأما هنا فالمُراد الإيجاز، ولهذا جاءَ في أبي داوُد: "ومَنْ يَعصِهِمَا فلا يَضُرُّ إلا نفْسَه"؛ لكونه في غير خُطبةٍ. (الْمَرْءَ) مفعولُ (يُحبَّ)، وفاعله الضمير المستتر. (لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ) جملةٌ حاليةٌ إما من الفاعل، أو من المفعول. قال (ك): أو كليهما، وفيه نظَرٌ.

(يَعُودَ فِي) القياس: يَعود إِلى، ولكنْ ضُمِّن معنى: الاستِقْرار، أي: يعُود مُستقِرًّا فيه. وذكر الحلاوة مع أنَّها مِن وصْف الطَّعم على التَّشبيه، ووجْه الشَّبه الالتِذاذ ومَيل القَلْب، فذكَر المشبَّه، وأُضيف إليه ما هو من خواصِّ المشبَّه به ولَوازمه، وهو الحَلاوة، على سبيل التَّمثيل، ويُسمَّى استعارةً بالكناية. وفي الحديث الإشارة إلى التَّحلِّي بأَنْواع الفَضائل من التَّعظيم لأمر الله تعالى، فيكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، ثم الشَّفَقة على خلْق الله بإِخلاص محبَّتهم، ثم التَّخلِّي عن الرَّذائل، وهو كَراهة الكُفر، وسائر النَّقائص. قال (ن): هذا حديثٌ عظيمٌ من أُصول الإسلام، ومعنى حلاوة الإيمان الاستِلذاذ بالطَّاعات، وتحمُّل المشاقِّ في الدِّين، وإيثار ذلك على أَغْراض الدُّنيا، ومحبَّة الله بفعل طاعته وتَرْك مُخالفته، وكذلك محبَّة الرَّسول. وقال (ع): لا تصحُّ هذه الثَّلاثة من العبْد إلا إنْ قوي بالإيمان يقينُه، واطمأنَّت به نفسه، وانشرح له صَدْرُه، وخالطَ لحمَه ودمَه، فبذلك يجدُ حَلاوة الإيمان. وقال مالكٌ: المَحبَّة في الله من آداب أَولياء الله. وقال يحيى بن مُعاذ الرَّازي: حقيقة المَحبَّة أنْ لا تزيد بالبِرِّ، ولا تنقُص بالجَفاء.

وقال البَيْضاوي: المراد بالحُبِّ هنا الحُبُّ العقْلي، وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه، ويَستدعي اختيارَه وإنْ كان على خِلاف الهوى، أَلا ترى أنَّ المريض يَعاف الدَّواء، ويَنفِر عنه طبعُه، ولكن يميلُ إليه باختياره، ويَهوى تناوُلَه بمقتضى عقْله؛ لمَا يعلم أنَّ صلاحه فيه، فالمرء لا يُؤمِن إلا إذا تيقَّن أنَّ الشَّارع لا يَأْمُر ولا يَنهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاصُ آجِل، والعقل يقتضي تَرجيحَ جانبه، وكمالَه بأنْ تتمرَّن نفسُه بحيث يصير هواه تبَعًا لعقْله، ويَلتذَّ به، والشَّارع - صلى الله عليه وسلم - عبَّر عن هذه الحالة بالحَلاوة؛ لأنَّها أَظهر اللَّذَّات المَحسوسة، وإنما جعَل هذه الأُمور الثلاثة عُنوانًا لكمال الإيمان المحصّل لتلك اللَّذَّة؛ لأنَّه لا يَتمُّ إيمان امرئٍ حتى يتمكَّن من نفْسه: أنَّ المنعِم باللَّذات هو الله، وما عَداه وسائطُ ليس لها ضرَرٌ ولا نفْعٌ، وأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو العَطُوف الساعي في إصلاح شأْن النَّاس، فلا يُحبُّ ما سِواه إلا لكونه واسطة بينه وبينه، وأنْ يتيقَّن أنَّ جميع ما وُعد وأُوعد حقٌّ كأنَّه وقَع، ويتخيَّل أنَّ ما لابَسَ ذلك من مَجالِس الذِّكْر رياض الجنَّة، وأنَّ أَكْل مال اليتيم أكلُ النَّار، والعَود في الكُفر إلقاءٌ في النار. ثم أجابَ عن جمعهما في ضمير: بأَنَّ المعتبَر هو المَجموع المركَّب من المحبَّتين لا كلُّ واحدة، فإنَّها وحدَها ضائعةٌ لاغيةٌ بخلاف أَمْر الخَطيب، فإنَّها إشعارٌ بأنَّ كلَّ واحدٍ من العِصيانيَن مستقلٌّ باستِلزام الغِواية؛ إذ العطْف في تقدير التَّكرار، والأَصل

10 - باب علامة الإيمان حب الأنصار

استِقلال كلٍّ من المعطوفين في الحُكم. قال (ك): وهذا أَحسَن جوابًا مما سَبَق. * * * 10 - بابٌ عَلاَمَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنصَارِ (باب: علامة الإيمان حب الأنصار) 17 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "آيَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ". (م ت س). (آيَةُ)؛ أي: علامة، فلذلك صرَّح به في الترجمة. (حُبُّ الأَنْصَارِ)؛ أي: إرادةُ الخير لهم، والأنْصار جمع: نَصيرٍ كشَريف وأَشراف، أو جمع: ناصِر كصاحِب وأَصحاب، واللام للعَهْد، أي: أنْصار رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: الذين ابتدؤوه بالبَيعة على إعلاء توحيد الله وشَريعته من أهل المدينة، غَلَب عليهم هذا الاسم عُرفًا، فلذلك كان حبُّهم علامةَ الإيمان وإنْ كانوا آلافًا، لكنْ استُعمل فيهم جمع القِلَّة، وهو إِفْعال؛ لأنَّ اللام للعُموم، والتَّفْرقة إنما هي في النَكِرات.

(وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ) هذا وإنْ فُهم مما قبلَه؛ لأنَّه تَقتضيه لكنْ قصَد التَّصريح به تأكيدًا؛ لأنَّ المَقام يقتضي ذلك. والنفاق إظهار الإيمان وإبْطان الكُفر، وإنما قابَل الإيمانَ بالنِّفاق، ولم يُقابله بالكُفر الذي هو ضِدُّه؛ لأنَّ الكلام في الذين ظاهرُهم الإيمان وباطنُهم الكُفر، فميَّزهم عن ذَوي الإيمان الحقيقي، فلم يقُل: وآية الكفر كذا؛ إذْ ليس هو بكافرٍ ظاهرًا. فإنْ قيل: هل يقتضي الحديث أنَّ مَن لم يُحبَّهم لا يكون مُؤمنًا؟ قيل: لا، إِذْ لا يَلزم من عدَم العَلامة عدَم ما هي له؛ إذ المراد: كمال الإيمان. فإنْ قيل: ظاهره أنَّ مَن أبغضَهم يكون مُنافقًا وإنْ كان مصدِّقًا بقلْبه؟ قيل: إذا كان بغضهم من حيث إنَّهم أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا يجتمع مع تصديق القَلْب. واعلم أن التركيبَين فيهما الحصْر؛ لأنَّ المبتدأ والخبر فيهما مَعرفتان، وذلك يُفيد الحصر كما صرَّح به البَيانيون، إما حصْر المبتدأ في الخبر أو بالعكس، نحو: الضَّاحِك الكاتِب، وهو مِن القَصْر الادِّعائي تعظيمًا لحُبِّ الأنصار، كأنه لا علامةَ للإيمان إلا حبُّهم، أو ليس حبُّهم إلا علامتَه، ويُؤيِّده ما في "مسلم": "آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأَنْصارِ، وحُبُّ الأَنْصارِ آيةُ الإيمانِ".

11 - باب

قال (ن): معناه: أنَّ مَن عرف مَرتبة الأنصار، وما كان منهم مِن نُصرة دين الإسلام، والسَّعي في إظْهاره، وإِيواء المُسلمين، وقِيامهم بمُهمَّات دِين الإسلام حقَّ القِيام، وحُبِّهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وحُبِّه إيَّاهم، ومعاداتهم سائرَ الناس؛ كان ذلك دليلَ صِحَّة إيمانه، وصِدقه في إسلامه؛ لسُروره بظهور الإسلام، ومَن أبغضَهم كان بضِدٍّ ذلك، فيُستدلُّ به على نفاقه، وفَساد سريرته. * * * 11 - بابٌ (باب) كذا بوَّب بالإطلاق، فيَحتمل أنْ يُريد مما تضمَّنه ما أورد فيه من الحديث: أنَّ المُبايعة ما تكون إلا على التوحيد؛ لأنَّه أساس الأصول الإيمانية، أو أنَّ تَرْك المنْهيَّات يدخُل في المُبايَعة التي هي شِعار الإيمان، أو القَصْد إلى بَيان أَحكام المؤمنين من الأَجْر والعِقاب، والعَفْو، أو لتعلُّقه بحبِّ الأنصار؛ لأنَّ النُّقباء كانوا منهم، ولمُبايعتهم أثَرٌ عظيمٌ في إعلاء كلمة الدِّين. 18 - حَدَّثَنَا أَبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رضي الله عنه -وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاء لَيْلَةَ الْعَقَبةِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ -وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ-: "بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ

شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ". فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. (م ت س). (شَهِدَ بَدْرًا) وكذا غيرُها من المَشاهد، وإنما ذَكر بَدْرًا لفَضْل غزوتها على سائر الغزَوات. (النُّقَبَاء) جمع: نَقِيْب، وهو الناظِر على القَوم، وضَمينُهم، وعَريفهم، والمراد هنا: نُقباء الأَنْصار الذين تقدَّموا لبَيعة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على نُصرته ليلة العقَبة بمنَى، أي: وكانوا اثني عشَر رجلًا. وذلك أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يَعرِض نفْسَه على قبائل العرَب كلَّ مَوسِم، فبينما هو عند العقَبَة إذ لَقِيَ رهْطًا من الخَزْرج، فدَعاهم إلى الله عز وجل، وعرَض عليهم الإِسلامَ، وكانوا يَسمعون من اليَهود أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد أَظَلَّ زَمانُه، فقال بعضُهم لبعضٍ: إنَّه لَذَاكَ، فلا تَسبقنَّكُم اليهودُ إليه، فبايِعُوه لِمَا دعاكُم إليه، فلمَّا انصرفوا إلى بلادهم، وذكَروا ذلك فَشَا أَمرُه، فأَتَى في العام المُقبِل اثنا عشَر رجُلًا إلى المَوسِم من الأنْصار أَحدُهم عُبادة، فبايَعُوه عند العقَبَة -وهي بيعة العقَبَة الأُولى- بَيعةَ النِّساء المشار إليها في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ اَلمُؤمِنَاتُ يبُايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] الآيةَ، ثم

انصَرفوا، وجاء في العام القابِل إلى الحجِّ سبْعون، فواعدَهم - صلى الله عليه وسلم - العقَبةَ أوسَط أيام التشريق. قال كعْب بن مالكٍ: فلمَّا استثقَل الناسُ في النَّوم تسلَّلنا من فُرُشنا، فاجتمَعنا بالعقَبة، فإذا معَه عمُّه العماس لا غيرُ، فقال العبَّاس: يا مَعشَر الخَزْرج! إنَّ محمَّدًا منَّا حيثُ علمْتُم، وهو في مَنَعَةٍ ونُصرةٍ من قَومه وعَشيرته، وقد أَبى إلا الانقِطاع إليكم، فإنْ كنتُم وافِيْنَ بما وعدتُموه فأنتُم وما تحمَّلتُم، وإلا فاتركُوه في قومه، فتكلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داعيا إلى الله عز وجل مُرَغِّبًا في الإسلام، تاليًا للقُرآن، فأَجبْناه بالإيمان، فقال: "إِنِّي أُبايعُكم على أنْ تَمنَعُوني مما منَعتُم به نساءكم وأَبناءكم"، فقُلنا: اُبسُطْ يدَك نبُايعْك عليه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَخرِجُوا إليَّ مِنْكُم اثني عشَر نَقِيْبًا"، فأَخرجْنا، وكان عُبادة نقَيب بني عَوفٍ، فبايعوه. وهذه بَيعة العقَبة الثانية، وبايَع - صلى الله عليه وسلم - بيعةً ثالثةً: بَيعة الرِّضوان في الحُدَيْبِيَة، وعُبادةُ فيها، فبايعَه في الثَّلاث. (وَحَوْلَهُ) بالنَّصب؛ لأنَّه ظرفٌ، وموضعه رفعٌ؛ لأنَّه خبر المبتدأ الذي بعدَه، ويُقال فيه أيضًا: حَوَالَيْه، بفتح اللام في الثلاث، أي: مُحيطون به. (عِصَابَةٌ) -بكسر العين-: ما بين العشَرة إلى الأَربعين، لا واحدَ لها من لفْظها، وجمعها: عَصائب، ومادَّتها إما: العَصْب، وهو الشدُّ؛ لأنَّهم يشُدُّ بعضهم بعضًا، ومنه عِصَابة الرَّأْس، والعَصَب؛ لأنَّه

يشدُّ الأعضاءَ، وإما العَصْب بمعنى: الإحاطة، يُقال: عصَبه: إذا أحاطَ به. والإشارة بذِكْر الرَّاوي ذلك إلى المُبالغة في ضبْط الحديث، وأنَّه عن تحقيقٍ وإتقانٍ، وكذا أنَّ الرَّاوي شَهِد بدرًا، وأنَّه أَحَد النُّقباء، كلُّه يُقوِّيه؛ فإنَّ الرواية تترجَّح عند المعارَضة بفضْل الراوي وشرَفه. (بَايِعُوني) المُبايَعة هي المُعاقَدة والمُعاهَدة، شُبِّهت بعقود المال، لأن كلًّا يُعطي ما عنده بما عندَ الآخَر، فمِنْ عنْدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الثواب والخير الكثير، ومِنْ عندهم التِزام الطاعة. وقد تُعرَّف بأنَّها عَقْدُ الإمامِ العَهْد بما يَأْمر الناس به. (عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا) قدَّم التوحيد لأنَّه أصل الإيمان، وأساس الإسلام، وعمَّم المنْع بقوله: (شيئًا)؛ لأنَّه نكرةٌ في سياق النَّهي، والنَّهي كالنَّفي. (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَكمْ) غير الأولاد وإنْ حرُم قتْلُه بغير حق، إلا أنَّ ذِكْر الأولاد هنا خَرَج مَخرَج الغالب، فلا مَفهومَ له؛ لأنَّهم كانوا يقتُلون أولادهم خشيةَ الإملاق، بل هذا مفهومُ لقَبٍ، فلا حُجَّةَ فيه مطلقًا. قال التَّيْمِي: ولأنَّ قتْل الأولاد كان أكثَر مِن قتْل غيرهم، وهو الوَأْد، وهو أشنَع القتْل، ولأنَّ قتْلهم فيه قَطيعة الرَّحِم أيضًا، فَصْرْفُ العِناية إليه أكثر. (ببُهْتَانٍ) هو الكَذِب الذي يَبْهَتُ سامعَه، أي: يُدهشُه لفَظاعته،

يُقال: بَهتَه كذَبَ عليه بما يَبهتُه من شِدَّة نُكْره. (يفْتَرُونه)؛ أي: تَختلقُونه. (بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ) ذكرتْ مع أنَّه لا مَدخَل لها في البَهْت؛ لأنَّ الجِنايات تُضاف إليها؛ لأنَّ بها المُباشَرة والسَّعي، وإنْ شاركَها بقية الأعضاء، أو أنَّ المعنى: لا تَبْهتوا الناسَ كِفاحًا يُشاهد بعضُكم بعضًا، كما يُقال: فعلتُ هذا بين يدَيه، أي: بحضْرته، قاله (خ). وقال التَّيْمِي: إنَّه غير صوابٍ؛ لأنَّ معنى الحضْرة إنما يُعبر به بين اليدين لا بين الرجلَين؛ لأنَّ العرَب لا تقول: فعلتُ هذا بين أَرجُلهم، بل بين أيدِيهم. وردَّه (ك) بأنَّ ذلك لو أَفرد الأَرجل، أما مع بين اليدَين فيجوز، ويكون تأْكيدًا. قلتُ: وفيه نظَرٌ؛ لأن التأْكيد بما لا يُعهد فيه هذا المعنى بعيدٌ. قال: ويحتمل ذِكْر ذلك معنى ثالثًا: وهو أنَّه كنَّى باليدَين والرجلين عن الذَّات؛ لأن مُعظَم الأفعال بهما، والمعنى: لا تأْتوا ببُهتانٍ من قِبَل أنفُسكم. قال: ولهذا يُقال في عِتاب شخصٍ على القول: ذلك بما كسَبتْ يداكَ. ورابعًا: وهو أنَّ البُهتان ناشئٌ عما يختلقُه القَلْب الذي هو بين الأَيدي والأَرجل، ثم يُبرزه بلسانه.

وبالجُملة فالمراد بذلك: قَذْف المُحصَن ونحوه مِن الكذِب على الناس، ورميهم بالعَظائم، وبما يَلحقهم به العارُ والفَضيحةُ، فكنَّى بذلك عن الوَقاحة، وخَرْق جِلْباب الحياء كدأْب السِّفْلة من الناس، ولذلك وقَع الإطْناب فيه بذِكْر البُهتان والافتراء مع أنَّهما بمعنًى واحدٍ، وذِكْرُ أنَّه بين الأَيدي والأرجل زيادةٌ في تقرير قُبحه وبشاعته. (فِي مَعْرُوفٍ)؛ أي: ما يَحسُن، وهو ما لم يَنْهَ الشارع عنه، أو باشتِهاره في الشرع. وقال الزَّجَّاج: هو المأْمور به، وقيل: الطَّاعة. قال في "النِّهاية": هو اسمٌ جامعٌ لكل ما عُرف من طاعة الله تعالى، والإحسان إلى الناس، وما نَدَب الشَّرع إليه من حَسَنٍ، ونهى عنه من قَبيحٍ. وقال (ن): يحتمِل: ولا تعصُوني ولا أَحدًا وَلِيَ عليكُم من أَتباعي إذا أَمركُم بالمعروف، فيكون التَّقييد بالمعروف عائدًا إلى الأتْباع، ولهذا قال: ولا تَعصُوا، ولم يقُل: تَعصُوني، ويحتمل أنَّه أراد نفْسَه فقط، ولكن قيَّده بالمعروف تَطْييبًا لنُفوسهم؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لا يأْمر إلا بالمعروف. وقال الزَّمَخْشَري: في الآية أنَّه - صلى الله عليه وسلم - وإنْ كان لا يأْمر إلا بالمعروف إلا أنَّه نبَّه على أنَّ طاعة المَخلُوق في معصيةِ الخالق جديرةٌ بغاية التَّوَقِّي والاجتِناب.

واعلم أنَّ في هذه المُبايَعة ذِكْر العَقائد، فإنَّ التوحيد أساسُها، والأَعمال ترْك المَعاصي، فتَشمَل مُخالفة الأوامر كما تشمل فِعْلَ المناهي، أو أنَّ ذلك في بَدْء الشَّرع، ولم تكُن جاءت الأَوامر. قلتُ: ولا يخفى فَساد هذا، أو يُقال: بدأَ بالمنهيَّات لأنَّ التخلِّي عن الرَّذائل مقدَّمٌ على التحلِّي بالفَضائل، وإنما لم يَستوعِب المنهيَّات كأَكْل مال اليَتيم ونحوه؛ لأنَّ ذلك لم يحرم حينئذٍ، أو ذكر البعضَ ليُقاس الباقي، أو للاهتمام بالمذكور. قلتُ: هذا أصلَح من الجوابَين. (وَفَى) بالتخفيف وبالتشديد؛ أي: ثبَتَ على ما بايَع عليه. (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) لا يُؤخَذ من لفْظ (الأَجْر)، ولفْظ (على) استِحقاقُ العبْد على عمَله أَجرًا، ولا أنَّه يجب له على الله شيءٌ -كما يقُول المعتزلة- بل الأَجْر من فضْل الله تعالى عليه، فسُمِّي أَجرًا باعتِبار المُماثلة صُورةً، فقد قامت الأَدلةُ عقْلًا ونقْلًا أنَّ العبد لا يجب له على الله شيءٌ، بل وآخِر هذا الحديث يدلُّ عليه، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فهُوَ إِلى اللهِ)، فإنَّه يدلُّ على أنَّه لا يجب عليه عِقاب العاصِي، ولا يجب عليه ثَواب المُطيع؛ إذْ لا قائلَ بالفَرْق. (مِنْ ذَلِكَ)، (مِن) فيه للتبعيض. (شَيْئًا) نكرةٌ في سِياق الشَّرط، فتعمُّ. وفي الحديث إشارةٌ إلى أنَّ الأجر إنما يُنال بالوَفاء بالجميع،

والعِقاب يُنال بأيِّ شيءٍ تُرك منه، وأما عُموم (مَن أصابَ) لمَا سبَق من الشِّرك وغيرِه؛ فمخصوصٌ بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، وبالإجماع، أو أن ذلك إشارةٌ إلى غير الشِّرك، فإنَّ العُقوبة لا تسقُط عنه في الآخِرة، ولو قُتل في الدُّنيا، ولا يقبل العفْو بدليل ما سبَق. ووجْه تخصيص الإشارة بغيره: أنَّ قَرينة (فسَتَره) تدلُّ عليه؛ لأنَّ الكُفر عمَلٌ قلبيٌّ مُقابلٌ للإيمان، وهو التَّصديق القَلْبي، فتعيَّن أنْ يكون هذا في الفِعْل الذي يُمكن إخفاؤُه وإظهاره. وقال الطِّيْبِي: قالوا: المراد منه المؤمنون خاصةً؛ لعطْفه على (فمَن وَفَى)، وهو خاصٌّ بهم لقوله: (منكم)، والتَّقدير في الثاني: ومَن أصابَ منكم أيُّها المؤمنون مِن ذلك شيئًا، فعُوقب في الدُّنيا -أي: أُقيمَ عليه الحدُّ- لا يُعاقب عليه في الآخِرة، وبأَنَّ الفاء في قوله: (فمَن) الثانية لترتيب ما بعدَها على ما قبلَها، والضمير في (منكم) للعِصابة المَعهودة، فكيف يخصَّص الشِّرك بالغير؟ فالصَّحيح أنَّ المراد بالشِّرك الرِّياء؛ لأنَّه الشِّركُ الخفِيِّ، قال تعالى: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، ويدلُّ عليه تنكير (شيئًا)؛ أي: شركًا أيًّا ما كان. قال (ك): عُرْفُ الشَّرعِ يقتضي أنَّ لفْظ (الشِّرك) عند الإطلاق يُطلق على مقابل التوحيد سيَّما في أوائل البِعْثة، وكثْرة عبَدة الأصنام. (فَهُوَ كفَّارَةٌ)؛ أي: فالعِقاب، أي: الحدُّ كفارةٌ له، يُسقِط عنه

12 - باب من الدين الفرار من الفتن

الإثم حتى لا يُعاقبه في الآخِرة، وقد ذهَب أكثَر الفُقهاء إلى أنَّ الحُدود كفَّارات؛ لظاهر هذا الحديث، ومنهم من توقَّف لحديث أبي هريرة: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أَدْرِي الحُدودُ كَفَّارةٌ أَم لا". والجواب: يحتمِل أنَّ ذلك قبْل حديث عُبادة، لم يكُن عَلِم، ثم عَلِم، قاله (ن) في "شرح مسلم". (إِلَى اللَّهِ)؛ أي: فمُفوَّضٌ إلى الله، إنْ شاء عفا عنه، وأدخله الجنة، وإنْ شاء عاقبَه، ثم أدخلَه النار. وفي ذلك رَدٌّ على المعتزلة في قولهم: إنَّ صاحب الكبيرة إذا ماتَ بغير توبةٍ لا يُعفَى عنه، وأنَّه إذا تاب يجب أنْ يُعفَى عنه. قال الطِّيْبِي: وفيه إشارةٌ أيضًا إلى أنَّه لا يجوز الشَّهادة بالجنة أو بالنار إلا بنصٍّ كالشَّهادة بالجنة للعشَرة ولغيرهم. واعلم أنَّ مُطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ؛ فإنَّ فيه التَّنبيه على المعنى المستحَقِّ به هذه المَنْزلة، وهو السَّبْق للإسلام، ولأوَّل مبايعةِ فيه. * * * 12 - بابٌ مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ (باب من الدين الفرار من الفتن) تعبيره بقوله: (الدِّين) مع أنَّ الكتاب معقودٌ للإيمان يُشعر بأنَّ معناهما واحدٌ.

قال الطِّيْبِي: كذا اصطَلحوا على ترادُف الإيمان والإسلام والدِّين، ولا مُشاحَّةَ في الاصطلاح. وفي إسناد حديث الباب لطيفةٌ، وهي: أنَّهم كلَّهم مَدَنيُّون. * * * 19 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِم غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْحِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينهِ مِنَ الْفِتَنِ". (د ت ق). (يُوشِكُ) بضم أوَّله وكسر المعجَمة، وفتحُها لُغةٌ رديَّةٌ، وماضيه: أَوشَكَ، ويجوز في خبره (أنْ) وتَركها، ويُقال أيضًا: أَوشَك أنْ يجيءَ زيدٌ. (يَتْبَعُ) بياءٍ مفتوحةٍ ومُثنَّاةٍ مشدَّدةٍ، وجاء تسكينُها. قال ابن مالك: يجوز في كلٍّ من: (خير) و (غنَم) أنْ يكون اسمَ (كان) وخبرَها، ويجوز رفعُهما على الابتداء والخبر، أي: ويكون اسمُ (كان) ضميرَ الشَّأْن. وقال (ك): نصبُ (خير) هو الأكثر، ولا يضرُّ كون (غنَم) نكرةً، فإنَّه موصوفٌ بجملةِ (يَتبَعُ). (شَعَفَ) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ مفتوحتَين: رُؤوس الجِبال وأَعاليها،

واحدُه: شَعَفَة، كأَكَمَة وأَكَم، ويُروى: (شَعَاف)، كآكام، قالَه ابن السِّيْد، ويُروى: (شُعَبَ) بضم أوَّله، ومُوحَّدةٍ في آخره، جمع: شُعبة، وهي: طرَف الجبَل، وفي بعض النُّسَخ: (يَتبَعُ بها) بزيادة (بها)، والضمير للغنَم. (وَمَوَاقعَ الْقَطْرِ)؛ يعني: الأَودية، والصَّحارى. وذكر الغنَم لمَا فيها من السَّكينة والبَركة، وقد رعاها الأَنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولأنَّهَا سَهْلة الانقِياد، وخَفيفة المؤونة، كثيرة النَّفع. وذكر هذه المواضع؛ لما فيها من الخَلْوة؛ لأنَّها أسلَم غالبًا من الكَدَر. (يَفِرُّ بِدِينِهِ)؛ أي: يكون ذلك لسَلامة الدِّين لا لأمرٍ دُنيويٍّ؛ لكثْرة العلَف، وقلَّة أطماع الناس فيه، ونحو ذلك. فلما كان فيه الجمْع بين الرِّفق والرِّبح، وصِيانة الدِّين كان خيرَ الأموال التي يعتني بها المسلم. وجملة (يَفِرُّ بدِينه) حالٌ إما مِن ضمير (يَتبَع)، أو من (المسلم)، وجاز مِن المضاف إليه تَنْزيلًا للمُضاف، وهو (مالِ)، بمنزلة جزئه، على حَدِّ قوله تعالى: (مِلَّةَ إبرَاهِيمَ حَنِيفًا} [البقرة: 135]. وفي الحديث: إخباره - صلى الله عليه وسلم - بهذا، وقد وَقَع، فهو من المُعجِزات، ومدْح العُزلة عند الفتْنة، وخَوفِ الوُقوع في المعصية من المُخالطة إلا أنْ يكون له قُدرةٌ على إزالة الفِتْنة، فيجب عَيْنًا أو كفايةً إزالتُها، وإنما

هذا عند عدَم ذلك، وربَّما كانت الخلْطة مطلوبةً شرعًا كالجمُعة، والجَماعات، والاجتِماع في وُقوف عرَفات، ونحو ذلك؛ ولهذا لا يُنقَل اللَّقيط من بلَدٍ إلى باديةٍ، أو قريةٍ بخلاف العَكْس فيهما، بل مذهب الشافعي والأكثَرين في هذه الحالة أنَّ الخلْطة أفضَل، واكتِساب الفَوائد، وشُهود شعائر الإسلام، وتكثير سَواد المسلمين، وإِيصال الخير لهم بعِيادة المرضَى، وتَشييع الجنائز، وإفْشاء السلام، والأَمر بالمعروف، والتعاوُن على البرِّ والتقوى، وإعانة المُحتاج وغير ذلك. وقيل: العُزْلة أفضَل؛ لما فيه من السَّلامة المُحقَّقة لكنْ يُشترط توفير ما يَلزمه من العبادات. قال (ن): المُختار تفضيل الخِلْطة لمن لا يَغلب على ظنِّه الوُقوع في معصيةٍ. قال (ك): المُختار في عَهْدنا تفضيل الانعِزال، فيندُر خلوُّ المَحافِل عن المعاصي. واعلم أنَّ (ن) قال: إنَّ في مُطابقة الحديث للترجمة نظَرًا؛ لأنَّ الحديث في صِيانة الدِّين، والترجمة كون ذلك مِن الدِّين. وأجاب (ك) بأنَّ (مِن) في قوله: (مِن الدِّين) ابتدائيةٌ، أي: الفِرار من الفِتن مَنشؤه الدِّين، والحديث يدلُّ عليه؛ لأن الباء للسَّببيَّة، ثم التقرير ظاهرٌ. * * *

13 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلمكم بالله"، وأن المعرفة فعل القلب؛ لقول الله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة: 225]

13 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ"، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] (باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم)، إضافة (باب) هنا متعيِّنةٌ. (أَناَ أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ) هو مَقول القَول. (وَأَنَّ) -بفتح الهمزة- عطْفًا على (قوله)، لا على الجُملة المَقولة، وإلا لكُسرتْ، وهو خلاف الرِّواية والدِّراية. (الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْب)، فيه أنَّ مَحلَّ العِلْم الحادِث القَلْب، وهو ما دلَّ عليه السَّمع، وإنْ جاز عند أهل السنَّة أنْ يخلُقه الله تعالى في أيِّ جوهرٍ أراد، كما قال تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46]، وغير ذلك. ({كسَبَت})؛ أي: عزَمتْ قُلوبكم؛ إذ كسب القَلْب عزْمه. ففيه حينئذٍ أنَّ المُؤاخذة بما يستقرُّ من فِعْل القَلْب، فيُحمل حديث: "إِنَّ الله تَجاوَزَ عن أُمَّتي ما حدَّثَتْ به أنفُسَها ما لم يَتكلَّموا أو يَعمَلُوا بهِ" على ما لم يَستقرَّ. ووجه تعلُّق هذه الترجمة بـ (كتاب الإيمان): أنَّ المعرفة بالله التَّصديق به، والإيمان إما التَّصديق، أو التصديق والعمَل، فالمقصود: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أشدُّ إيمانًا منهم، وأنَّ الإيمان هو أو بعضُه فِعْلُ القَلْب ردًّا على الكَرَّاميَّة في قولهم: إنَّ الإيمان قولٌ باللِّسان، ولا يُشترط عقْد القَلْب.

وقيل: أراد البخاريُّ بهذا بَيانَ تفاوُت الدَّرجات في العِلْم (¬1)، وأنَّ بعض الناس يكون فيه أفْضل من بعضٍ، ولسيِّدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَعلاها، وإنْ كان من العَقائد وأعمال القُلوب. * * * 20 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: "إِنَّ أتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا". (خ). (ابْنُ سَلاَمٍ) مخفَّف اللام على المشهور حتى قيل: التَّشديد لَحْنٌ. (إِذَا أَمَرَهُمْ)؛ أي: أمرَ النَّاسَ. (بِمَا يُطِيقُونَ)؛ أي: يُطيقون الدَّوام عليه كما دلَّ عليه السِّياق. والسِّر في ذلك أنَّ الكثْرة تُؤدِّي إلى القَطْع كما قال: "المُنبَتُّ لا أَرضًا قَطَعَ، ولا ظَهْرًا أَبْقَى"، فخير العمَل ما دام وإنْ قلَّ، ويصير مَن يقطَع في صورةِ ناقضِ العَهْد، واللائق بطالب الآخرة الترقِّي، فإنْ لم يكنُ؛ فالبَقاء على حاله. وأيضًا فمعتاد ما يَدوم يدخُل بنشاطٍ وانشراحِ، ولا يَلحقُه ملَلٌ ¬

_ (¬1) "في العلم" ليس في الأصل.

كما في حديث: "فإِنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا"؛ أي: لا يترُك ثوابَه حتى تقطَعوا عِبادتَه. (كَهَيْئَتِكَ)؛ أي: كحالتِك، فلا بُدَّ من تأْويلٍ في أَحد طرَفي المُشبَّه والمشبَّه به، أي: ليستْ هيئتُنا كهيئتك، أو لسْنا كمِثْلك، أي: كذاتِك، أو كنفْسك، وزِيْدَ لفْظ: الهيئة للتأْكيد نحو: مِثْلُك لا يَبخَل. واعلم أنَّ مُرادهم بهذا الكلام طلَب الإِذْن في الزِّيادة من العِبادة، والرَّغْبة في الخير، كأنَّهم يقولون: أنْتَ مَغفور لك، لا تحتاج إلى عملٍ، ومع ذلك أنْت مُواظِبٌ على الأَعمال، فكيف بنا وذُنوبنا كثيرةٌ؟ فردَّ عليهم، وقال: أَنا أَولى بالعمَل؛ لأَنِّي أَعلَمُكم، وأَخشاكُم لله. (قَدْ غَفَرَ اللَّهَ لَكَ)؛ أي: لقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]. ومعنى الغُفران له مع أنَّه معصومٌ: قال (ك): أي: للذَّنْب الذي قبْل النُّبوَّة المتقدِّم بعضُه على بعضٍ، أو تَرْك الأَولى، أو نسَب إليه ذَنْبَ قَومه. قلتُ: كلُّ هذه ضعيفةٌ، والصَّواب: أنَّ معنى الغُفران للأنبياء الإِحالة بين الأنبياء وبين الذُّنوب، فلا يصدُر منهم ذنبٌ؛ لأنَّ الغَفْر هو السَّتْر، فالسَّتْر إما بين العبْد والذَّنْب، وإما بين الذَّنْب وبين عُقوبته، فاللائق بالأنْبياء القسم الأول، واللائق بالأُمَم الثاني. (فغضب)، وفي بعضها: (فيَغضبُ) بالمضارع بمعنى الماضي؛

لأنَّه حكايةٌ عن الحال الواقعة. (حَتَّى يُعْرَفَ) بالنصب، ويجوز فيه الرفع. (ثُمَّ يَقُولُ) بالنَّصب والرفع أيضًا، فإنْ قُدِّر عطْفه على (فغَضِبَ) تعيَّن الرفع. (إِنَّ أتقَاكُمْ) إشارةٌ إلى كمال القُوَّة العمَلية. (وَأَعْلَمَكُمْ) إشارةٌ إلى كمال القُوَّة العِلْمية. والتَّقوى ثلاث مَراتب: وِقاية النَّفْس عن الكُفر، وهو للعُموم، وعن المعاصي، وهو للخاصَّة، وعمَّا سِوى الله، وهو لخواصِّ الخاصَّة. والعلم بالله: إما بصِفاته، وهو المسمى بأُصول الدين، وإما بأَحكامه، وهو فُروع الدين، وإما بكلامه، وهو عِلْم القرآن وما يتعلَّق به، وإما بأَفْعاله، وهو العِلْم بحقائق أشياء العالم. ولمَّا جمع - صلى الله عليه وسلم - أنواعَ التقوى وأقسامَ العُلوم كان أتقى وأَعلَم على الإطْلاق. وهذا كما يقولون البَيانيُّون: إنَّ حذْف المتعلَّق يُفيد العُموم، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمَع كمالَ العِلْم، وكمالَ العمَل. فإنْ قيل: ما وَجْه تعلُّق الحديث بالجُزء الثاني من الترجمة، وهو كون المعرفة فعل القَلْب؟ قيل: قال (ك): يمكن أنْ يُوجَّه وإنْ كان احتمالًا بعيدًا بأنَّه يدلُّ عليه بحسَب السِّياق، فيتجاذب طرَفا الكلامَين، لكنْ لمَّا أَرادوا أن

14 - باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان

يَزيدوا أعمالهم على عمَله؛ قال: لا يَتهيَّأ لكم؛ لأني أعلمُكم، والعِلْم من جملة الأفعال بل مِن أَشرفها؛ لأنَّه عمل القَلْب، وأنْ يُقال: غرَضه أن يتبيَّن الشِّقُّ الأول بالحديث، والثاني بالقرآن، انتهى. ثم قال: قاعدة البُخاري فيما يُترجمه كثيرًا ولا يَذكُر لذلك حديثًا: أنَّه ذكَر تراجِم ليذكُر فيها أحاديث، فكان يذكُر شيئًا فشيئًا، فمات قبل أنْ يذكُر الكلَّ. وقيل: قصد بذلك أنَّه لم يثبُت عنده حديثٌ يدلُّ عليه بشَرْطه، فيحتمل أنْ تكون هذه الترجمة منها. قال (ن): في الحديث: أنَّ الأَولى في العبادة القَصْد، ومُلازَمة ما يمكن الدَّوام عليه، وأنَّ الصالح لا يَنبغي له أن يَترك الاجتهاد اعتمادًا على صلاحه، وأنَّه يذكُر فضْلَه إذا دعت الحاجة لذِكْره، لكنْ يَنبغي أن يحرص على كتمانها خوفًا من إشاعتها زوالُها، وجوازُ الغضَب عند ردِّ أمر الشارع، فإنَّ الصحابة كانوا في الغاية من الرَّغبة في طاعة الله تعالى، والازدياد من أَنواع الخير. * * * 14 - بابٌ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ (باب: من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار) يجوز تنوين (باب)، وإضافته إلى ما بعده، والسكون كالوقف،

وعلى التقادير: (من) مبتدأ على حذف مضاف، أي: كراهة من كره، والخبر محذوفٌ دلَّ عليه السِّياق، أي: مِن الإيمان، ومعنى (يَعود): يَصير، وضُمِّن معنى الاستِقرار حتى عُدِّي بـ (في) كما في قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [إبراهيم: 13]. * * * 21 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإيمَانِ؛ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ". (م س). (ثَلاَثٌ)؛ أي: خصالٌ ثلاثٌ، أو ثلاثُ خصالٍ، وهو مبتدأٌ، وخبره إما الجُملة، ويكون: (مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ) بدلًا من المبتدأ، وإما أَنْ تكون الشَّرطية صفةٌ، والخبَر هو: (مَنْ كانَ)، لكنْ لا بُدَّ على التَّقديرين من تقدير محذوفٍ، أي: محبَّةُ مَن كان الله ورسوله أحبَّ، وكراهةُ مَن كَرِهَ، وذلك المَحذوف دلَّ عليه سِياق الجُملة. وقد سَبَق الحديث قَريبًا، وشَرْحه إلا أنَّ السابق رواتُه إلى أنس غير رُواته هنا، وهو بلفْظ المضارع في: (يكون)، و (يُحبُّ)، وهنا بلفْظ الماضي، وكذا هناك بلفظ: (يَكره)، وهنا: (كَرِه)، إلا في

15 - باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال

نُسخةٍ فإنَّ فيها هنا: (يكره)، وهناك: (يُحبَّ المَرءَ)، وهنا: (عَبْدًا)، وهنا زيادة: (بعدَ أَنْ أَنقذَهُ اللهُ منهُ)، وهنا: (يُلقى)، وهناك: (يُقذَف)، وأيضًا فهناك بيان أنَّ للإيمان حلاوةً، وهنا بيان أنَّ كراهة العَود في الكُفر من الإيمان، وبينهما فرقٌ. * * * 15 - بابُ تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ (باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال) (في) متعلِّقةٌ بـ (تفاضُل)، أو الجارُّ والمجرور صفةٌ له، فيتعلَّق بمحذوفٍ، أي: الحاصِل أو نحوه، وهي للسَّببيَّة على حَدِّ قوله صلى الله عليه وسلم: "في النَّفْس المُؤمنةِ مئةٌ من الإبِلِ". قال (ك): ويحتمل أنْ يُرفع (تفاضُل) على الابتداء، وفي الأعمال الخبَر، وباب مضافٌ إلى الجُملة. قلتُ: أي: على تقدير محذوفٍ، أي: بَيان ونحو ذلك؛ لأنَّ (باب) لا يُضاف للجُمل، فلا بُعدَ. فإنْ قيل: الحديث يدلُّ على تفاضُلهم في ثَواب العمَل لا في نفس العمَل من حيث إنَّ بعض المؤمنين يدخُل الجنة أولًا، وبعضهم يتأَخَّر دُخوله؟ فالجواب: إما لأن التفاوُت في الثَّواب بحسَب التفاوُت في

العمَل؛ لأن حبَّة الخَرْدل من الإيمان المراد بها أقلُّه الذي لا يُمكن أقلُّ منه، وما بعدَه إما زيادةٌ فيه، أو باعتبار العمَل إذا قُلنا: الإيمان التصديق والعمَل، وإما أنَّ تفاوُت الثواب يَستلزم تفاوُت العمَل شرعًا، وإما أنَّ المراد بقوله: (في الأَعمَال): في ثَواب الأَعمال، فحَذَف المضاف، أو عَبَّر بالسَّبب عن المُسبَّب. * * * 22 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نهرِ الْحَيَا -أَوِ الْحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ- فَينبُتُونَ كَمَا تنبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيةً". قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو: "الْحَيَاةِ"، وَقَالَ: "خَرْدلٍ مِنْ خَيْرٍ". الحديث الأول (م): سنَده مَدَنيُّون. (أَخْرِجُوا) بقطع الهمزة، فالخِطاب للمَلائكة، وجوَّز (ك) أنْ تكون من الخُروج، أي: ثُلاثيًّا، فالخِطاب لمن يُؤدي بما بعدَه، أي: يا مَنْ كان في قلْبه.

(من النار) كذا في بعض النُّسَخ، ولا يُوجَد في الكثير. (مِثْقَالُ) مِفْعالٌ مِن الثِّقَل، أي: مِقْدار، وربَّما يُراد به في غير هذا الموضع العظيم الثِّقَل، وأما المِثْقال مِن الذَّهب مثَلًا، فقَدْر مُعيَّنٌ، وهو اثنان وسبْعون شعيرةً. (حَبَّةٍ) -بفتح الحاء-: واحد الحَبِّ مِن الحنْطة ونحوها. (من خردل) صفةٌ لـ (حبَّة)، أي: حاصلةٍ أو كائنةٍ مِن خَرْدَل، وهو نباتٌ معروفٌ يُشبَّه به البالِغ في القِلَّة. والمراد: القَدْر الذي لا يكُون مُؤمِنًا بأقلَّ منه كما سبَق. (من إيمان) صفةٌ لـ (مِثْقال)، أي: كائنٍ من إيمانٍ، وإنما نكَّره تنبيهًا على أنَّ أقلَّ ما يكون به مُؤمنًا ذلك، فالقِلَّة باعتبار انتِفاء الزِّيادة على ما يكفِي، لا لأنَّ الإيمان ببعْضِ ما يجبُ الإيمانُ به كافٍ. قال (خ): إنَّه مثَلٌ، فيكون عِيَارًا في المعرفة لا في الوَزْن حقيقة؛ لأنَّ الإيمان ليس بجسمٍ فيُوزَنَ، ولكنْ ما يُشكل من المَعقول قد يُردُّ إلى المَحسوس ليُفهم، ويُشبَّه به ليُعلَم. قال (ن): قال العُلماء: المراد بحبَّة الخَرْدَل زيادةً على أصل التوحيد، ففي روايةٍ في "الصحيح": (أَخرِجُوا مَنْ قالَ: لا إِلَهَ إِلا الله، وعَمِلَ مِن خَيْرٍ ما يَزِنُ كَذا). ثم بعد هذا يُخرج منها من لم يعمَل خيرًا قطُّ، أي: غير التوحيد، ويَجعل الله لهم علاماتٍ يُعرفون بها كما يُعرفون أنَّهم من أهل التَّوحيد،

قال: ففيه أنَّ ما زادَ يُسمَّى إيمانًا؛ لأنَّه قال: (مِن إيمانٍ). (اسودوا)؛ أي: صاروا سُودًا كالحُمَم من تأْثير النار. (فيلقون) بفتح القاف. (الحيا) -بالفتح والقصر-: المَطَر، ووقع للأَصِيْلِي بالمَدِّ. ولا وجْهَ له. (أو الحياة)؛ أي: النَّهر الذي مَن غُمِسَ فيه حَيِيَ. (شك مالك)؛ أي: في أَيِّهما الرِّواية. (الحبة) بكسر الحاء: بِزْر العُشب، جمعه: حِبَب كقِرْبةٍ وقِرَب. قال الجَوْهَري: بِزْر الصحراء مما ليس بقُوت، وتُسمى: الرِّجلة -بكسر الراء، وبالجيم- وهي حبَّة الحَمْقاء؛ لأنَّها لا تنبُت إلا في السَّيل. وقال الكسائي: هي حبُّ الرَّياحين، أما الحَبَّة -بفتح الحاء- مما ليس كذلك من حبِّ الحنْطة ونحوها مما سبَقَ، وإنما شُبه بالأوَّل لسُرعة نبَاته، وخُروجه من الأرض. (في جانب السيل)، ويُروى: (في حَمِيْلِ السَّيْل)، أي: ما يحمله من طِينٍ ونحوه، قيل: فإذا اتفَق فيه الحِبَّة فاستقرَّتْ على شَطِّ مَجرى السَّيل نبتتْ في يومٍ وليلةٍ، والمراد: أنَّها إذا كثُر عليها السَّيل أينعتْ وطلعتْ، وغيرها من الحبوب لا ينبُت كذلك. (صفراء) ذكَر هذا اللَّون لأنَّه يسرُّ الناظِرين، ولهذا كان سيِّد

رياحين الجنَّة الحِنَّاء، وهو أصفَر. (ملتوية)؛ أي: مُنعطِفة مُنْثنيةً؛ لأنَّ ذلك أيضًا يزيد الرَّيحان حُسنًا باهتِزازه وتميُّله، فمن في قلْبه حبةٌ من إيمان يخرج نَضِرًا حسَنًا منبسِطًا متبختِرًا كخُروج هذه الرَّيحانة من جانب السَّيل، وهذا يؤيد أن اللام في الحبَّة للجِنْس لا للعَهْد للبَقْلة الحمْقاء؛ لأنَّها ليستْ صَفراء إلا أنْ يُريد الشَّبه في مُجرَّد الحُسْن والطَّراوة. قال (ن): الشَّبه وقَع من حيث الإِسْراع، وضعْف النَّبات، والطَّراوة، والحُسْن، فوجه الشَّبه مُتَعَدِّدٌ، ويُسمَّى هؤلاء عُتَقاء الله. وفي الحديث: الردُّ على المُرجئة الذين يقولون: لا يضرُّ مع الإيمان معصية، فلا يدخُل العاصي النَّارَ، وعلى المُعتزلة في قولهم بتخْليد أهل الكبائر. (وهيب)؛ أي: ابن أَبي خالِد البَاهِلي، علَّقه عنه لأنَّه لم يُدركه، والمراد: أنَّه جزَم في روايته بكونه: (الحياة) بالهاء، وهو بالجرِّ على الحِكاية، أي: لم يشكَّ كما شكَّ مالكٌ، وأيضًا فقال: بدَل (مِن الإيمان): (مِنْ خَير)؛ لأنَّ الإيمان هو الخير، وأصل كلِّ خيرٍ. وقد وصلَه مسلم بالإسناد، ولم يسُق لفْظه بل أحالَه على حديث مالكٍ، نعم، في "مسند ابن أبي شيبة" روايتُه موافِقًا للفْظ البخاري المعلَّق، ووصلَه البخاري من حديث وُهَيْب بلفْظ مالك. * * *

23 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أنا ناَئِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّه"، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ". الحديث الثاني (م ت س): سنده أيضًا مَدَنيُّون. (بينا) أصله: (بين)، أُشبعت الفتحة فصارتْ ألفًا، والجُملة بعده مضافٌ إليها؛ لأن الظُّروف تُضاف إلى الجُمل. (رأيت) يحتمل أنَّها حُلُميَّة من الرُّؤيا، وهو الأظهر، وأنَّها بصَريةٌ من الرُّؤية، وأنَّها عِلْمية من الرأْي، وكلام (ك) يُشعر بأنَّ مصدر هذه أيضًا رُؤيا، ولا يُعرَف، وإنما الخلاف هل هو مصدرٌ مقصورٌ على الحُلُمية كما زعمَه الحَريريُّ، أو يكون في البَصَريَّة أيضًا كما هو قول الجُمهور؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، فجَعْل (ك) الرُّؤية للحُلُمية، والرُّؤيا للبصَرية معكوسٌ. (يعرضون) في موضع نصب حالٌ إنْ جُعلت (رأَى) بصرية. قال (ك): أو حُلُميَّةً، وفيه نظَرٌ؛ فإنَّها تَنصب الجزأين كما في قوله:

أَراهُمْ رِفْقَتي حتى إِذا مَا ... تَجافَى اللَّيلُ وانْخَزَلَ انخِزَالا فتكون مفعولًا ثانيًا كما لو جُعلت (رأَى) عِلْمية. قال (ك): ويحتمل رفْع (النَّاس) كقوله: سَمعتُ النَّاسُ ينْتَجِعُون غَيْثًا وفيه نظَرٌ؛ لأن البيت ليس فيه (رأَى) حتى يُستشهد به على الرفْع بعدها، إنما هو (سمعتُ النَّاس) كما رواه الحسَن بن أَسَد وغيره، أي: سمعتُ هذا الكلامَ، أي: قَولَه، والقَول يُحذف كثيرًا كما في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106]، فيقال لهم: أكفرتُم. فإن أراد أنْ يكون ذلك من باب إلْغاء فعْل القَلْب مع تأَخُّر المفعولَين فممتنعٌ، أو يُؤوَّل إما على أن المفعول الأول ضمير الشَّأْن، أو أنَّه من تقدير لامٍ معلَّقةٍ عن العمل. (قمص) بضم القاف، وسُكون الميم أو ضمها. (الثدي) بضم المُثلَّثة أو كسرها، والدال مكسورةٌ فيهما: جمع ثَدْي. (ما دون ذلك)؛ أي: لم يَبلُغ إلى الثدي لقِلَّته. (أولت) التأويل: التَّفسير بما يَؤُول إليه الشيءُ، والمراد هنا تعبير الرُّؤيا، وأما التأْويل في الاصطِلاح الأُصولي: فهو حَمْل الشيء على احتِماله المَرجوح لدليلٍ يصير به راجِحًا.

(الدين) بالنَّصب مفعولُ (أَوَّلتَ)، ويجوز الرفْع مشاكلةً للمبتدأ، فالدِّين للإنسان كالقَميص يَستره، ويَقيه من المكروه، فلهذا فسَّره به. قال (ن): من فوائد الحديث: أنَّ العمل من الإيمان، وأنَّ الإيمان والدِّين بمعنًى، وتفاضُل أهل الإيمان، وعِظَم فضْل عُمر - رضي الله عنه -، وتعبيرُ الرُّؤيا، وسُؤال العالم بها عنها، وثَناء العالم على بعض أَصحابه حيث لا يخشى فِتْنةً بإعجابٍ أو نحوه، بل لِيُعْلِم بمنزلته، فيُعامَل بمقتضاها، ويُقتدى به، ويُتخلَّق بأخلاقه. قال أهل التَّعبير: القَميص في النَّوم: الدِّين، وجرُّه هو آثارُه الجميلة بعد وَفاته ليُقتدى بسُنَّته. واعلم أن البخاري قد أَعادَ هذا الحديث في (المناقِب) إلا أنَّ هناك: (عُرِضُوا) بدَل (يُعرَضُون)، و (اجتَرَّه) بدل (يَجُرُّه)، [وهناك: (ما يَبلُغ دُون ذلك)، وهنا: (ومنْها ما دُونَ)، وأعادَه في (التَّعبير) أيضًا بلفْظ: (يَجتَرُّه)]. ولا يُفهم من هذا الحديث: أنَّ عُمر أفْضل من أبي بكر باعتِبار أنَّ الفضْل بكثْرة الثَّواب، وكثْرة الثَّواب بكثْرة العمل؛ لأنَّه لم يحصر ذلك، ولو حصَره، فأَحاديث أفضليَّة أبي بكر متواترةٌ تواترًا معنويًّا، فلا يُعارضها آحادٌ، وأيضًا فالإجماع على أَفْضلية أبي بكر، وهو قطعيٌّ، فلا يُعارضه ظنيٌّ.

16 - باب الحياء من الإيمان

16 - بابٌ الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ (باب: الحياء من الإيمان) هما مبتدأٌ وخبرٌ، سواءٌ أُضيف (باب) أو لا. وسبَق معنى الحَياء واشتِقاقُه، وأنَّه بالمَدِّ. ووجْه كونه من الإيمان ما في حديث: "والحَيَاءُ شُعبةٌ مِن الإِيْمانِ". 24 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكُ بْنُ أنس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَياءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُ، فَإنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ". (د س). (مر)؛ أي: اجتازَ. (على رجل) يُقال أيضًا: مَرَّ به. (الأنصار) جمع: ناصِر أو نَصير، واللام للعَهْد في الذين آوَوْه ونَصرُوه من أهل المدينة. (يعظ) الوَعْظ: التَّذْكير بالعَواقب، والنُّصح، وقيل: التَّخويف والإنْذار، وقيل: التذكير بالخير فيما تَرِقُّ به القلوب. (أخاه) ظاهره: أنَّه في النَّسَب، ويحتمل في الإسلام، فيكون

مجازًا لغويًّا، أو حقيقةً عرفيةً. (في الحياء)؛ أي: في تَرْكه، والإِبْعاد عنه. (دعه)؛ أي: اترُكْ هذا الوَعْظَ، أو اترُك أَخاك من هذا الوعظ؛ لأنَّ الحياء خيرٌ كلُّه، ولم يُستعمَل لـ (دع) فِعل ماضٍ إلا قليلًا. (فإن الحياء من الإيمان)؛ لأنَّ به يُكفّ عن المَناهي. قال التَّيْمِي: الاستِحياء: تَرْك الشيء لدهشَةٍ. قال (ك): إنما هو دهشة يترك بها الشَّيء لا نفْس التَّرك. واعلم أنَّ التأْكيد بـ (إنْ) يكون الذي بعده إما مُنكِر أو كالمُنكِر، أو لدفْع إنكار غيره، أو أنَّه مما يهتمُّ به فأُكِّد وإنْ لم يكن ثَمَّ مُنكِرٌ. وإنما ذكر الحديث هنا ولم يكتفِ بالحديث السَّابق: "والحيَاءُ شُعبة مِن الإيمانِ"؛ لذكْره هناك تبَعًا وبعضًا، وهنا مُستقِلًا ومقْصودًا بالذَّات. فإن قيل: إذا كان مِن الإيمان كان مَنْ لم يكن فيه خارِجًا من الإيمان، فيكون كافِرًا؟ قيل: قد يُجاب بأن المراد هنا الإيمان الكامل. قلتُ: وأيضًا فانقِسام الإيمان إلى شُعبه من انقسام الكُلِّي إلى جُزئياته لا الكُلِّ إلى أجزائه كما سبَق في حديث شُعَب الإيمان. * * *

17 - باب {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5]

17 - بابٌ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] (باب: فإن تابوا) أي: عن الشِّرك؛ لقوله في الحديث: "حتى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلَهَ إلا الله". 25 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ". (م). (الحرمي) بفتح المهملتين، وتشديد آخِره: علَمٌ على الرَّاوي، وغَلِطَ (ك) فيجعلَه مَنْسوبًا. وسيأتي بيان ذلك في نوع الأسماء. (واقد) بالقاف. (سمعت أبي)؛ أي: محمَّد بن زَيْد بن عبد الله بن عُمر، أي: سَمعه يحدِّث عن جَدِّه ابن عُمر.

(أُمرت)؛ أي: أَمرَني اللهُ؛ لأنَّه الذي يَأْمُر خلْقَه، وإنما لم يذكر الفاعل لتعيُّنه كما في: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، فأحالَه على شهادةِ العقْل، ونحوه قَول الصَّحابي: (أُمِرْنا)، أي: أَمرَنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (أن أُقاتل)؛ أي: بأَنْ، فهي مما يطَّرِد حذْف حرف الجرِّ فيه. (الناس) قيل: المراد عبَدة الأَوثان؛ لأنَّ الذِّمِّيَّ يُقَرُّ بالجِزْية، ولا يُقاتَل بدليل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29]. وقال الطِّيْبِي: هو من العام الذي خُصَّ؛ إذ قَول: لا إله إلا الله هو المقصود؛ لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، كما إذا هُودِن عبَدة الأَوثان، فإنَّهم لا يقاتَلون، غايتُه يخصَّص لعارِضٍ، والتخصيص لا يُخرِجُ العامَّ عن عُمومه. قال: ويجوز أن يُراد بقوله: (حتى يشهدوا) إلى آخره إِعلاءَ كلمة الله، وإِذْعان المُخالفين: إما بالإسلام، وإلا بما يَسُوغ مِن بذْل الجِزْية، أو المُهادَنة. قال: ويحتمل أنَّ ضَرْبَ الجِزْية إنما كان بعدَ ذلك. قال (ك): أو أنَّ ضرْب الجِزْية سبَبٌ لاضطِرارهم إلى الإسلام، وسبَب السَّبَب سبَبٌ، فكأنَّه قال: حتى يُسلِموا، أو يُعطوا الجِزْية، فاكتفَى بما هو المقصود الأَصلي من الخَلْق، أو أنَّ القَصْد من المُقاتَلة هي أو ما يقُوم مَقامها، وهي الجِزْية أو المقاتَلة على الإسلام، أي: أو ما يقُوم مَقامه.

والغاية في: حتى إما للقِتال، أو للأَمر به. (وأن محمدًا رسول الله) التَّصديق به يتضمَّن التصديق بكلِّ ما جاءَ به حتى لو كذَّبه في شيءٍ مما جاء به كفَر وقُوتلَ، ولهذا في روايةٍ: (ويُؤمِنُوا بي، وبما جِئْتُ به). ويحتمل رواية عدَمِ التَّصريح بذلك أنَّه لم يذكُر؛ لتأَخُّره عن هذا الحديث. (ويقيموا الصلاة) إقامتها إما تعديلُ أركانها، وهيئتها المُعتبرة فيها؛ مِن أَقامَ العُودَ، وقوَّمَه، فهي عبادةٌ مفتتحةٌ بالتَّكبير مختتمةٌ بالتَّسليم، فيكون المراد بإقامتها أداؤها، وإما إدامتُها؛ مِن قامت السُّوق: إذا نفَقت، أو التجلُّد والتَّشمر في أدائها مِن قامت الحرْبُ على ساقِها (¬1). (ويؤتوا الزكاة) وهي القَدْر المُخرَج من النِّصاب للمستحِقِّ، فيُقاتَل مانعها كما فعَل الصدِّيق، ولا يختصُّ بالصلاة والزكاة بل سائر الواجبات كذلك، فالاقتِصار في الحديث عليهما لأنَّ العبادة إما بدَنيةٌ أو ماليةٌ، فلذلك تُسمى الصلاة عِماد الذين، والزكاة قَنْطرة الإسلام، نعَمْ، القِتال على الإسلام في الحال، وعلى ما بعدَه في وقْته. (فإذا فعلوا ذلك) المراد بالفعل الأَعمُّ من القَول؛ لأنَّه عمَل اللِّسان، أو من باب التَّغليب إلا أنَّهم إذا أقَرُّوا بالشَّهادتين أولًا حصلتْ ¬

_ (¬1) "على ساقها" ليس في الأصل.

لهم العِصْمة، ثم إذا فعَلوا الصلاة عصَموا أنفُسهم من القِتال (¬1) عليها، وكذا الزكاة وسائر الأَركان. (عصموا) حفِظوا، وحقَنوا. (دماءهم) جمع: دَمٍ، وأصله: دَمَوٌ؛ كحَمَلٍ وأَحْمال. (إلا بحق الإسلام) هو استثناءٌ مفرَّغٌ؛ لتضمُّن (عصَم) معنى النَّفي، أي: لا يهدر الله دماءهم بعد عِصْمتهم بالإسلام بسببٍ من الأسباب إلا بحقٍّ من حُقوق الإسلام مِن قتْل النفْس، أو ترْك الصَّلاة، أو منعْ الزكاة. فإن قيل: الصلاة والزكاة داخلان تحت: (بحقِّها)، فلِمَ أُفردا بالذِّكر؟ قيل: تعظيمًا لهما، واعتناءً بشأنهما، وإشعارًا بأنَّهما في حُكم الشهادتين، أو أنَّ المراد العِصْمة مُطلَقًا بحيث لا يتجدَّد مع ذلك إهدارٌ، وذلك إنما هو عند فِعْل المَجموع، وكذا فعل غيرهما من الأركان إلا أنَّهما أَعظَم كما سبَق، فنُزِّلا منزلتها في كونها غايةً للمُقاتَلة إيذانًا بأنَّهما أُمُّ العبادات، ويُؤيده إسقاطها في رواية أبي هريرة. وإضافة (حقٍّ) إلى الإسلام يحتمل معنى: اللام، ومِنْ، وفي، والحقُّ الذي يتعلَّق بالدَّم هو كالقِصاص، وبالمال هو كالضَّمان. ¬

_ (¬1) "من القتال" ليس في الأصل.

(وحسابهم على الله)؛ أي: يجب أن يقَع، لا أنَّه -تعالى- يجب عليه شيءٌ كما زعَمه المعتزلة عقْلًا، فهو من التَّشبيه له بالواجِب على العِباد في أنَّه لا بُدَّ من وُقوعه، والمراد: أنَّ سَرائرهم إلى الله، وأما نحن فنَحكُم بالظَّاهر، أي: بمقتضَى ظاهر أَقْوالهم وأَفعالهم، أو أنَّ المراد أنَّ هذا القتال باعتبار أحكام الدنيا المُتعلِّقة بنا، وأما الأُمور الأُخروية من الجنَّة والنَّار، والثَّواب والعقاب؛ فمُفوَّضٌ إلى لله تعالى. واعلم أنَّ تعلُّق هذا الباب بـ (كتاب الإيمان) دلالة على أنَّ من آمَن عُصم، أو أنَّ الصلاة والزكاة مِن الإيمان. قال (ن): وفي الحديث قِتال مانِع الزكاة وغيرها من واجبات الإسلام، وأنَّ تارك الصلاة عَمْدًا مع اعتقاده وُجوبها يُقتَل، وهو قول الجمهور، قيل: بعد ثلاثة أيامٍ، والأصحُّ على الفَور، وأنَّه يُقتَل بترك صلاةٍ واحدةٍ إذا خرَج وقتُ الضَّرورة لها، ويُقتل بالسَّيف حدًّا خلافًا لأحمد حيث قال: كُفْرًا، ولأبي حنيفة حيث قال: يُحبَس ولا يُقتَل، وأما الصَّوم فيُحبس ويُمنع الطَّعامَ والشَّراب، والزكاة تُؤخَذ منه قَهْرًا، وأنَّ مَن يُظهر الإسلام يُكفُّ عنه، وأنَّ الزِّنديق تُقبل توبته وإنْ تكرَّر ارتداده، وهو الصحيح من الخلاف الآتي، وأنَّ المعتبَر التلفُّظ بالشهادتين لا يُكَفُّ عن قتالهم إلا بذاك. * * *

18 - باب من قال: إن الإيمان هو العمل لقول الله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: 72]، وقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون} [الحجر: 92، 93]، عن قول: لا إله إلا الله، {لمثل هذا فليعمل العاملون} [الصافات: 61].

18 - بابٌ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]، وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، عَنْ قَوْلِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]. (باب من قال: أن الإيمان هو العمل) هو بإضافة (باب) إلى ما بعدَه، والمراد بالعمَل الأعمُّ من عمَل القَلْب واللِّسان والجوارح، وحينئذٍ فيُطابقه ما أورده من الآيات والحديث، فيرجع كلٌّ إلى ما يدلُّ عليه. (أورثتموها) ليس المراد الإرْث المعروف، وهو انتِقال المِلْك بالموت، بل إما أنَّ الكافر يُورث المؤمن ذلك الذي لولا كُفره لم يصِلْ للمُؤمن، ولكنْ بكفره ماتتْ رُوحه، وإما أنَّ الله تعالى هو المورِّث له، أي: أَعطاه مَجانًا، فأَشبَه أخْذ الوارِث من مورِّثه، أو أنَّه مجازٌ عن الإبْقاء على طريقة إطلاق الكُلِّ وإرادة الجُزْء. (بما كنتم تعملون)؛ أي: بعمَلكم، أو بالذي كنتم تعملونَه، أي: إما مصدريةٌ أو موصولةٌ. قال المفسِّرون: معنى (تعمَلون): تُؤمنون؛ فلذلك استدلَّ به البخاري.

ولا تنافيَ بين الآية وبين حديث: "لَنْ يَدخلَ أَحدُكم الجنَّةَ بعمَلهِ"، إما لأَنَّ الباء في الآية للمُلابَسة، أو لملابسةِ الثواب لأَعمالكم، أو للمُقابلة نحو: أَعطيتُ الشَّاةَ بدِرهمٍ، وإما لأنَّ دُخول الجنَّة برحمة الله لا بالعمَل، أو الدُّخول لجنَّةٍ عاليةٍ خاصةٍ بالعمَل، وقال (ن): ما معناه: الدُّخول بالعمل لا لذاته بل لأنَّه من تيسير الله ورحمته، وهو حسَنٌ خلافًا لما قالَه (ك). (عدة) بكسر العين، وتشديد الدَّال، أي: عددٌ قلَّ أو كثُر، وقد سَمَّى منهم: أنسَ، وابن عُمر، ومُجاهد، وغيرهم. (عن قول لا إله إلا الله) تفسيرٌ لقوله: {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134]، فيتعلَّق عن بـ (تسأل)، ولا تنافيَ بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 39]؛ لأنَّه إما باعتبار مَحلَّين؛ لأنَّ للقيامة مَواقف وأَزمنةٌ، أو أنَّ المعنى: لا يُسألون سُؤالَ استخبارٍ بل سُؤال توبيخٍ، أو لا يُسأل عن ذنْبه غيرُه من الإنْس والجانّ، كما قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. وقال (ن): الظاهر أنَّ المراد: لنَسألنَّهم عن أَعمالهم كلِّها، أي: الأعمال التي يتعلَّق بها التكليف لا عن: لا إله إلا الله فقط، ولا دليلَ على الاختِصاص. (لمثل هذا)؛ أي: الفَوز العظيم. (فليعمل العاملون)؛ أي: فليُؤمن الكافرُون، فأَطلق العمَل على الإيمان. * * *

26 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْجهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ". (م س). (أحمد بن يونسُ) هو أَحمد بن عبد الله بن يُونُس، سماه الإِمام أحمد: شَيْخ الإسلام، كما سيأْتي. (سئل) السائل: أبو ذَرٍّ كما في (كتاب العِتْق). (أفضل)؛ أي: أكثَر ثَوابا عند الله. (إيمان) خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هو إيمانٌ، أو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: أفْضل؛ لتخصيص المبتدأ بمتعلَّقه. (الجهاد)؛ أي: القِتال لإعلاء كلمة الله، وإنما كان أفْضل لأنَّه بذْل النَّفس كما قال: والجُودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الجُودِ ويجرى في إعراب (الجِهاد) الوجْهان في (إِيمان)، وكذا يجريان في: (حج مبرور)؛ أي: الذي لا يخالطه إثْمٌ، وقيل: المَقبول، وعلامة القَبول: أنْ تكون حالة الرجوع خيرًا مما قبلَه، وقيل: ما لا رياءَ فيه، وقيل: ما لا يَعقُبه معصيةٌ.

وأصل البِرِّ الطَّاعة والقَبول، يُقال: بَرَّ حَجُّك، بفتح الباء وضمها لازِمَين. قلتُ: دعوى (ك) لُزوم بُر -بضم الباء- فيها نظَرٌ؛ لأنَّ ضمَّ الباء إنْ قُدِّر لكونه مبنيًّا للمفعول، أي: بَرَّه الله؛ فهو مُتَعَدٍّ قَطْعًا، وإنْ قُدِّر ضمُّه على حَدِّ: لُبَّ الرجلُ، أي: صارَ لَبيبًا، فمِثْله نادرٌ يحتاج إلى نقْلٍ، ففي "الصَّحاح": أنَّ أصل: لُبٌّ الكسر، تقول: لببتَ يا رجلُ، تَلَبُّ، -أي: بالفتح- لُبابُه، أي: صِرْتَ ذا لُبٍّ، وحكى يونسُ: لُبِبت -بالضم-، وهو نادرٌ لا نظيرَ له في المضاعَف، انتهى. نعَمْ، فيه نظَرٌ؛ فإنَّ: حَبَّذا زيدٌ، أصلُه: حُبِّبْتُ -بالضم- كما قرَّره هو في موضعه، وغيرُه، وبَرَّ الله حَجَّك، أي: قَبِلَه، فيَكون مُتَعَدِّيًا. قال الجَوْهَري: وأَبرَّ اللهُ حَجَّكَ لُغةٌ فيه، أي: تعديتُه بهمزةٍ، وتعريف الجِهاد باللَّام دُون الإيمان والحجِّ؛ لأنَّ المعرَّف بلام الجِنْس كالنَّكِرة في المعنى، فلذلك تُعرَب الجُملة في نحو: ولَقَدْ أَمُرُّ علَى اللَّئيمِ يَسُبُّنِي صِفةً لا حالًا. قلتُ: وجوَّز كثيرٌ حاليَّتها باعتِبار صُورة التَّعريف باللَّام في (اللَّئيم) على أنَّ الحارِث بن أَبي أُسامة رواه في "مسنده": (جِهادًا) بالتَّنكير، وأما في المعنى فلأنَّ الإِيمان والحجَّ لا يتكرَّر وُجوبهما،

فنُوِّنا للإفراد، والجِهاد قد يتكرَّر، فعُرِّف، والتَّعريف للكَمال، وأما ذِكْر الجِهاد في هذا الحديث بعد الإِيمان، وفي حديث ابن مَسعُود: 7"والصَّلاةُ لمِيْقاتِها"، وفي حديث أبي ذَرٍّ لم يُذكر الحجُّ، وفي حديث: أَيُّ الإِسلام أَفضَل؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المُسلِمُون مِن لِسانِه وَيَدِهِ"، وفي آخَر: "أَنْ تُطعِمَ الطَّعامَ"، فقال (ن): قال العُلَماء: اختَلفت الأَجوبةُ لاختِلاف الأَحوال، فأجاب كلًّا بما تَدعُو حاجتُه إليه، أو بما لم يَعلمْه السَّائل، وأَهل المَجلِس، وتَرْك ما عَلمُوه، ولهذا سقَط ذِكْر الصَّلاة والصِّيام في حديث الباب مع تقدُّم الثَّلاث على الحجِّ والجِهاد. وقال القَفَّال: إنَّ الخَيريَّة تكون من بعض الوُجوه لا مُطلَقًا بل في شخْصٍ دون شخصٍ، وحالٍ دُون حالٍ. قلتُ: وهو يَرجع إلى مَا قبْله. وقيل: بل المُراد من خيرٍ، فحُذفت (مِن) كما يُقال: فلانٌ أعقَل النَّاس، أي: مِن أَعقَلهم، ومنه حديث: "خَيرُكم خيرُكم لأَهلهِ"، وليس المراد أنَّه خيرٌ مطلقًا. وأما تقديم الجِهاد على الحجِّ مع أنَّ الحجَّ من أَركان الإسلام، والجهاد فرضُ كفايةٍ، فلأنَّ الجهاد قد يَتعيَّن كسائر فُروض الكفاية، ولو لم يتعيَّن فلا يقَع إلا فَرْضًا، والحجُّ قد يقَع نفْلًا، فإذا قُوبل واجبُ الحجِّ بمتعيِّن الجِهاد كان الجهاد أَفضل؛ لهذا الحديث، ولأنَّ نفْع الجهاد مُتَعَدٍّ، وإنْ تَساويا في الفرَضيَّة؛ لأنَّه ذَبَّ عن بَيضة الإسلام، أو لأنَّ الجهاد كان الأَهمَّ في ابتداء الإسلام، أو أنَّ (ثُمَّ) هنا للترتيب

19 - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: 14]، فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19].

الذِّكْري نحو: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17]، أو أنَّ (ثُمَّ) لا تَقتضي الترتيب كما قال بعضهم، أو لأنَّ فرْض الكفاية أهمُّ من فرض العَين كما قاله إمام الحرمَين، أي: وجمع لإسْقاط الإثْم عن الأُمَّة. * * * 19 - بابٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلاَمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لِقَوْلهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، فَإذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]. (باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة) (إذا) هنا لمُجرَّد الوقْت لا للاستِقبال، أي: باب حينِ عدَمِ كَونِ، أو إنَّ (لم) لمَّا كانتْ لنفْي الكَون المَقلوب ماضيًا كانتْ إذا لاستِقبال ذلك النَّفي، فهي إما ظرفيَّةٌ فقط، أو شَرطيَّة، والجَزاء محذوفٌ تقديره: لا يُعتدُّ به، وحينئذٍ فليس البابُ مُضافًا لمَا بعدَه. (الاستسلام)؛ أي: الانقِياد ظاهِرًا فقط. (أسلمنا)؛ أي: دَخلْنا في السِّلْم وانْقَدْنا، لا بالحقيقة، ولذلك قال تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات: 14] الآيةَ، أي: الإيمان الشَّرعي؛

لأنَّ الإيمان والإسلام الشَّرعي واحدٌ كما يقول البُخاري، أو الإيمان شَرْطه كما يقُول غيرُه. (فهو على قوله)؛ أي: واردٌ على هذه الآية، أو الآيتَين لأنَّ المُراد بالإسلام فيهما على الحقيقة. * * * 27 - حَدَّثنا أبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فتركَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاه مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا"، فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، فَوَاللَّهِ إنِّي لأَرَاه مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا"، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "يَا سَعْدُ! إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ". وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (م د س). في سنَده ثلاثٌ زُهريُّون مَدَنيُّون. (رهطًا) هو جماعةٌ من الرِّجال ليس فيهم امرأةٌ، قيل: ما دُون العشَرة، وقيل: دون الأَربعين، وجمعه: أَرهُط، وأَرهَاط.

(أعطى)؛ أي: قال: أعطَى. (رجلًا) هو جُعَيْل -بضم الجيم على التَّصغير- ابن سُرَاقة، ذكَره الواقِدي. (هو أعجبهم)؛ أي: أَفْضلهم، وأَصلَحهم في اعتِقادي. (إلي) فيه التِفاتٌ؛ حيث لم يقُل: (إليه) كما قال أوَّلًا، وسعدٌ جالسٌ، ولم يقل: أُقابل، وفي قوله: (وسَعْدٌ) التِفاتٌ آخَر عند السَّكَّاكي؛ لأنَّه لا يشترط في الانتِقال من تكلُّمٍ أو خطابٍ أو غَيبةٍ أن يكون مُحقَّقًا بل يُكتفى بالتَّقدير، فمُقتضى المقام التكلُّم، فأَتى به بلفْظ الغَيبة.4 (مالك عن فلان)؛ أي: أيُّ شيءٍ حصَل لك أعرضْتَ به عن فُلانٍ فلا تُعطيْهِ، وفلانٌ كِنايةٌ عن اسمٍ يُسمَّى به المُحدَّث عنه الخاصُّ، وفي "مسلم": فقُمتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسارَرْتُه، فقلتُ: ما لكَ عن فُلانٍ؟. (لأراه)، قال (ن): بفتْح الهمزة، أي: أَعلمُه، ولا تُضمُّ على معنى: أَظنُّه؛ لأنَّه قال: (غلَبني ما أَعلَم)، ولأنَّه راجعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مِرارًا، فلو لم يكُن جازمًا لما كرَّرَ المُراجَعة. قال (ك): يُروى بالضم أيضًا، فيكون (ما أَعلَم) معناه: ما أَظنُّ، كما قال تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10]، والمُراجَعة لا تدلُّ على الجَزْم؛ لأنَّ الظَّنَّ يَلزم اتباعُه اتفاقًا.

قال (ش): قال القُرطُبي: الرِّواية بالضمِّ، وهو منه حَلِفٌ على ظنِّه، ولم يُنكر عليه. (أو مسلمًا) بإسكان الواو على الإضْراب عن قوله، والحُكمُ بالظَّاهر، كأنَّه قال: بل مُسلِمًا، ولا يُقطع بإيمانه، فإنَّ الباطن لا يَعلمُه إلا الله تعالى، فالأَولى أن يُعبَّر بالإسلام. قال صاحب "التحرير": إنَّ فيه الحكم بأنَّه غير مُؤمنٍ؛ وردَّه (ن) بأنَّه ليس فيه إنكارُ كونه مُؤمنًا، [بل النَّهي عن القَطْع بإيمانه لعدَم مُوجِب القَطْع، فتوهُّم الحكم بأنَّه غير مؤمنٍ غلَطٌ، بل في الحديث إشارةٌ إلى كونه مُؤمنًا] (¬1)، وهو قوله: "لأُعْطِي الرَّجُلَ وغيرُه أَحبُّ إِليَّ مِنْهُ". قال (ك): فعلى هذا التَّقدير لا يكون الحديث دالًّا على ما عُقد له البابُ، وأيضًا فلا يكون لرَدِّه - صلى الله عليه وسلم - على سَعْد فائدةٌ، ولئِنْ سُلِّم أنَّ فيه إشارةً إليه؛ فذلك حصَل بعد تَكرار سَعْدٍ إخباره بإيمانه، وجاز أنْ يُنكر أولًا ثم يُسلِّم آخِرًا؛ لحُصول أَمْرٍ يُفيد العِلْم. قلتُ: وفيه نظَرٌ؛ فإنَّ استدلال البخاري إنما هو بإطلاقِ لفْظ (الإسلام) مقابلة للحقيقي من غير تعرُّضٍ لحاله، والإنْكار على سَعْد إنما هو على جَزْمه سواءٌ كان في نفْس الأمر كذلك أو لا. (فعدت)؛ أي: رجعتُ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

(لمقالتي)؛ أي: لقَولي، والمَقال معناه أيضًا. (أعطي الرجل) مفعوله الثاني محذوفٌ. (وغيره أحب) مبتدأٌ وخبرٌ، والجملةُ حالٌ. (خشية) نصب بـ (أَعطَى) على المَفعول له سواءٌ أُضيف لمَا بعدَه، فيكون معرفةً، أو نُوِّن على تقدير مِنْ في: (أن يكبه)، وهو بضمِّ الكاف؛ أي: يُلقيه مَنْكوسًا، وهو من النَّوادر أنْ يكون الرُّباعي بالهمزة لازِمًا، والثلاثيُّ بدُونها مُتَعَدِّيًا، ونحوه: أَحجَمَ، وحَجَم. والضَّمير في (يَكُبُّه) للرجل، أي: أتأَلَّف قلْبَه بالإعطاء مخافةً من كُفْره ونحوِه] إذا لم يُعطَ، والمعنى: أَنا أُعطي مَن في إيمانه ضَعْفٌ؛ لأني أَخشَى عليه لو لم أُعطه أنْ يَعرِض له اعتِقادٌ يكفر به، فيَكبَّه الله في النَّار، كأنَّه أشار إلى المُؤلَّفة، أو إلى مَن إذا مُنع نسَب النبيَّ صلى الله عليه وسلم للبُخْل، وأما مَن قَوِيَ إيمانه فلا أَخشَى عليه، ولا يَلزم أنْ يكون ذلك الرجل ممن قَوِيَ إيمانه؛ لاحتِمال إرادةِ غيره، فيكون تَعريضًا بسَعْدٍ نفْسه ونحوه. واعلَمْ أنَّ هذا مِن نَوع الكِناية؛ لأنَّ الكَبَّ في النار لازِمٌ للكُفر، فأُطلِق اللازم وأُريد المَلْزوم، فالكناية وإنْ كان الشَّرط فيها مساواةُ اللازم للمَلزوم، والكَبُّ في النار قد يكون لمعصيةٍ غير الكُفر لكنَّ المُراد كَبٌّ خاصٌّ، وهو الكَبُّ للكُفر، فصارا مُتساوَيين، وليس مِن باب المَجاز، أي: من إطْلاق اللَّازِم على المَلْزوم؛ لأَنَّ الشَّرط فيه امتِناع اجتماع معنى الحقيقة والمَجاز بخلاف الكِناية، وهنا لا امتِناعَ

في اجتِماع الكُفر والكَبِّ، فيكون كنايةً لا مجازًا. قال (ن): في الحديث جواز الشَّفاعة إلى وُلاة الأُمور وغيرهم، ومرادُه الشَّفيع إذا لم يُؤدِّ إلى مَفسدةٍ، والأَمرُ بالتثبُّت وتَرْك القطْع بما لم يُعلم القطْع به، وأن الإمام يَصرِف الأَموال في مَصالح المسلمين الأَهمِّ فالأَهمِّ، وأنَّ المَشفُوع لا عتبَ عليه إذا ردَّ الشَّفاعة لمصلحةٍ، والاعتِذارُ للشَّافع، ويُبيِّن له العُذر، وأنَّه لا يُقطَع بالجنَّة لأحدٍ على التَّعيين إلا مَن ثبَت كالعشَرة، وأنَّ الإقرار باللِّسان لا يَنفع إلا باعتِقاد القَلْب. قيل: وفيه جواز قولِ: (أَنا مُؤمِنٌ) من غير أنْ يقول: إنْ شاء الله. وأما الفَرْق بين الإسلام والإيمان فقال (خ): يجتمِعان حيث استَوى الظَّاهر والباطِن، ويَفترقان إذا لم يَستويا، ويُقال له: مسلمٌ حينئذٍ بمعنى: مُستَسلِم كما في الآية، وفي هذا الحديث. (رواه يونسُ)؛ أي: إنَّ هذه الأَربعة تابَعوا شُعيبًا في رواية الحديث عن الزُّهري. قال (ن): لقَول البخاري مثْلَ هذا ثلاثُ فوائدَ: تقْويةُ الحديث ببَيان كثْرة طُرُقه، ومعرفةُ رواتهم؛ ليَتبع رواياتهم مَن يُريد جمْع الطُّرُق أو نحو ذلك، ودفْعُ توهُّم أنَّه لم يَروِه غيرُ المذكور في الإسناد، حتى لو رآه في كتابٍ آخَر عن غيره تَوهَّمه غلَطًا. قال (ك): ورابعةٌ، وهي الوَفاء بشَرطه صَريحًا؛ إذ شَرطه على ما قال بعضُهم: أنْ يكون لكلِّ حديثٍ راويان فأكثَر.

20 - باب إفشاء السلام من الإسلام

قلتُ: هذه مُفرَّعةٌ على ضعيفٍ لم يَصحَّ. وخامسةٌ: وهي أنْ يصير الحديث مُستفيضًا، فيكون حُجَّةً عند مَن يَشرطُه في تخصيص القُرآن بالحديث، ونحو ذلك أنْ يكون مَشهورًا، انتهى. ومتابعة يونسُ وصلَها عبد الرحمن بن عمْرو بن يَزيد الأَصبَهاني أَبو الحسَن الهَرَوي الملَقَّب: رَسْتَه في كتاب "الإيمان" له. (وصالح) وصلَها البخاري في (الزكاة)، وروايته عن الزُّهري من رِواية الأكَابِر عن الأَصاغِر؛ لأنَّه أسَنُّ من الزُّهري. (ومعمر) وصلَه عبْدُ بن حُمَيد، وابن أبي عُمَر العَدَني، والحُمَيدي، وغيرُهم في "مَسانيدهم". (وابن أخي الزُّهري) وهو محمَّد بن عبد الله بن مُسلِم، وصلَها مسلم كما سيأْتي في نَوع الأسماء. * * * 20 - بابٌ إِفْشَاء السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلاَمِ وَقَالَ عَمَّارٌ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإيمَانَ؛ الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإنْفَاقُ مِنَ الإقْتَارِ. (باب: إفشاء السلام): مبتدأٌ وخبرٌ. (ثلاث)؛ أي: خِصَالِ كما سبَق في حديث: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ

وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيْمانِ". (الإنصاف)؛ أي: العَدْل. (السلام) من السَّلامة، كأَنَّ المُسلم يقول: أنتَ سالمٌ مِنِّي، وأَنا سالمٌ منكَ، وأما السَّلام اسمًا لله تعالى فمَعناه: ذُو السَّلامة مما يَلحَق المَخلُوق من نقْصٍ، وسُميت الجنَّة دارَ السَّلام؛ لسَلامة مَن بها مِن الآفاتِ، والسِّلْم: الصُّلْح؛ لأنَّهم يَتسالَمون به، ويجوز: سلامٌ، والسَّلامُ عليكم. وأَمَّا في التشهُّد في الصَّلاة فاختارَ الشَّافعيُّ: سلامٌ؛ لحديث ابن عبَّاس، ورجَّحه على حديث ابن مَسْعود؛ لأنَّه من مُتأَخِّري الصَّحابة، ورجَّح جمعٌ: السَّلام؛ لمَا فيه من الزِّيادة، وقيل: هما سَواءٌ؛ لأنَّ التَّنوين يقُوم مَقام الأَلف واللام. (للعالم) بفتْح اللام، أي: لكلِّ الناس مَن عرَف، ومَن لم يَعرف. (والإنفاق من الإقتار) جَمَعَ عمَّار في كلِماته الخيرَ كلَّه؛ لأنكَ بالإنْصاف من نفْسك تبلُغ الغايةَ بينك وبين خالقك، وبينك وبين النَّاس، والأَمْرُ بالسَّلام على كل أَحدٍ حَضٌّ على مَكارم الأَخلاق، واستِئْلاف النُّفوس، والإنفاقُ من الإقْتار غايةُ الكرَم، قال تعالى: {وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الحشر: 9]، والإنْفاق شامِلٌ لما على العِيال والأَضْياف، وكلِّ نفقةٍ في طاعة الله تعالى. ففيه أنَّ نفَقة المعسِر على أهله أَعظَم أَجْرًا من نفَقة الموسِر.

قال (ك): جمعت خِصالَ الإيمان كلَّها؛ لأنَّها إما ماليةٌ أُشيرَ إليها بالإنْفاق المتضمِّن للوُثوق بالله تعالى، والزُّهدِ في الدُّنيا، وإما بدَنيةٌ، وهي إما مع الله تعظيمًا لأَمْره أُشير إليها بالإنْصاف، أو مع النَّاس بالشَّفَقة على خلْق الله تعالى أُشيرَ إليها ببَذْل السَّلام. * * * 28 - حدَّثَنَا قتيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الإسْلاَمِ خَيرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". (م د س ق). (أي الإسلام أفضل)؛ أي: أَيُّ خَصْلةٍ من خِصاله؟ (تطعم)؛ أي: أنْ تُطعمَ. وسبَقَ بيان ما في الحديث. وإنما كَرَّره باعتِبار تعدُّد ما اشتَمل عليه، وإنما لم يعقد للكُلِّ بابًا واحدًا؛ لاحتِمالِ أنْ يكون عمْرو بن خالِد الرَّاوي هناك ذكَره في مَعرِض بَيانِ أنَّ الإطعام من الإيمان، وقُتَيبة ذكَره في مَعرِض أنَّ السَّلام منه، فمَيَّزها البُخاريُّ بذِكْرهما في موضعَين بترجمتَين. * * *

21 - باب كفران العشير، وكفر بعد كفر فيه عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

21 - بابُ كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرِ بعد كُفْرِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: كفران العشير) الكُفْران مِن الكَفْر -بالفتح-، وهو السَّتْر، ولهذا يُقال للزَّارع كافِرٌ؛ لأنَّه يُغطِّي البِذْر، والكُفر الذي هو ضِدُّ الإِيمان من هذا لأنَّه سَتْرٌ على الحق، وهو توحيدُ الله تعالى، وما يجبُ له، وعلى نِعَمه؛ فإنَّ الكُفْر يُطلَق أيضًا على جَحْد النِّعمة ضِدُّ الشُّكر، إلا أنَّ الأكثَر في هذا كُفرانٌ، وفي مُقابِل الإيمان كُفْرٌ. والعَشِيْر المُعاشِر؛ كأَكِيْل بمعنى: مُؤَاكِل، والمُعاشَرة المُخالَطة، وقيل: المُلازَمة. (وكفر دون كفر) إشارةٌ إلى ما يُطلَق عليه اللَّفْظ من الأَنواع الآتية، وفي نُسخةِ: (وكُفْرٌ بَعدَ كُفْرٍ)؛ أي: بعدَه في المَرتَبة. (فيه عن أبي سعيد)؛ أي: في الباب روايةُ أبي سَعيد الخُدْري، وقد ذكَرها البخاري في (باب الحَيْض)، وهو حديث: "يَا مَعْشَر النِّسَاء! تَصدَّقْنَ"، وفي (باب الزكاة) أيضًا كذلك. وزعَم بعضهم أنَّه في (باب العِيدَين)، ولم أَرَه بهذا اللَّفْظ فيه، فلعلَّ مُرادَهم أَصْل الحديث. * * *

29 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ"، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ". (م د س). وإسناد الحديث المَذكُور عن ابن عبَّاس كلُّه مَدَنيُّون. (أُريت) بضمِّ الهمزة بمعنى: التَّبصِير، وتاء المتكلِّم أحَد مفعولَيه أُقيمَ مُقام الفاعِل. (النار) مَفعولُه الثَّاني، وبعدَه في نسخةٍ: (فَرأَيْتُ أَكثَرَ أَهلِها النِّسَاءَ)، وفي أُخرى: (فَإِذا أَكَثَرُ أَهلِها النِّساءُ)، وفي أُخرى -وعليها شرح (ك) - (النار التي أكثَر أهلِها النِّساء)، فقال: (التي) صفةٌ للنَّار مُوضِّحةٌ؛ لأنَّها لازِمةٌ. (أكثر أهلها النساء) جُملةٌ هي صِلَة الموصول، وفي نُسخةٍ بدُونِ (التي) مع نَصْب (أكثَر) و (النِّساء) مفعولَين ثانيًا وثالثا لـ (أُريتُ)، على أنْ تكون عِلْميَّةً، ورفعِهما على أنَّ الجُمَل حالٌ بدُون الواو على حَدِّ: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]، أو صِفةٌ؛ لأنَّ ما بعد المُحلَّى بلام الجِنْس فيه الوَجْهان، أو استئنافيةٌ، فهي جوابُ السُّؤال عن عِلَّةِ ذلك.

وفي رواية: (بكُفْرِهِنَّ)، والباء للسَّببيَّة مُتعلِّقةٌ بـ (أكثَر)، أو بفِعْل الرُّؤْية. (أيكفرن بالله) الاستِفسار دَليلٌ على أنَّه محتمِل؛ لاحتِماله الكُفْرَ بالله تعالى، وكُفْرانِ النِّعمة. (يكفرن العشير) لم يُعَدِّه بالباء كما عَدَّى الكُفْر بالله؛ لأنَّه ليس مُتضمِّنًا لمعنى الاعتِراف بخلافِه. والعَشِيْر هنا الزَّوْج بدلالة السِّياق، ويحتمِل العُمومَ، ويحتمل الجِنْسَ، بل هو الأَرجَح؛ لأنَّه الأَصْل في اللام. (ويكفرن الإحسان) كالبَيان لمَا سبَقَ؛ لأن المَقصودَ كُفْران إحسانِ العَشير لا كُفْر ذاتِه. (إن أحسنت)، في روايةٍ: (لَو أَحْسَنْتَ)، على أنَّ (لو) بمعنى: (إنْ) لا بمعناها الأَصليِّ، وهو الامتِناع لامتِناعٍ. ويحتمل أنْ يكون مِن قَبيل: (نِعْمَ العَبدُ صُهيبٌ، لو لَم يخَفِ اللهَ لم يَعصِهِ)، حتى يكون الحكمُ ثابتًا على النَّقيضَين؛ لكون الطَّرَف المَسكُوت عنه أَولى من المذكور. والخِطاب ليس خاصًّا بل كلُّ مَن يتألَّى أنْ يكون مُخاطَبًا حُكمه ذلك، فهو مجازٌ؛ لأنَّ الحقيقة أَنْ يكون المُخاطَب خاصًّا، فهو على حَدِّ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12]، على أنَّه قد اختُلف في نحو الضَّمير والإِشارة هل هو موضوعٌ لجزئيٍّ أو لكُليٍّ نظَرًا إلى أنَّه لا يكُون إلا لخاصٍّ في الاستِعمال، والوَضْع لمَا فيه يُستعمَل، أو أنَّه

لمَّا كان يُستعمل فيما تغشاه المتكلِّم لم يتعيَّن. قلتُ: ورجَّحَ كثيرٌ أنَّه كُلِّيٌّ وَضْعًا، جُزئيٌّ استِعمالًا، وهو حسَنٌ. (الدهر) نصبٌ على الظَّرفيَّة معناه: الأَبَد، والمراد هنا: دَهْر الرجل، أي: عمُره، أو الدَّهر مطلقًا بتقدير: لو بَقِيَ، فهو أبَدٌ بالفرَض مبالغةً في كفرانهنَّ، وسُوء مِزاجِهنَّ. (شيئًا) تنوينُه للتَّحقير، أو للتقليل، أو لهما فقط. (قط) بفتح القاف، وتشديد الطاء مضمومةً في الأفْصح: ظرف زمانٍ لاستِغراق ما مضَى. قال بعضهم: الكُفر أربعة أنواعٍ: إنْكارٌ، وجُحودٌ، ومُعاندةٌ، ونفاقٌ. فالإنكار ما بقلْبه ولسانه، فلا يَعرف ما يُذكر له من التوحيد، والجحود أنْ يَعرف بقلْبه، ولا يُقِرَّ بلسانه ككُفر إبليس، والمعانَدة أنْ يعرِف بقلْبه، ويُقِرَّ بلسانه، ويَأْبى أن يُظهره، ككُفر أبي طالِب، وكُفْر النِّفاق ظاهرًا، وأما كُفران النِّعَم فخارجٌ عن الأَربعة كما في هذا الحديث، وفي حديث: "لا تَرجِعُوا بَعدي كُفَّارًا يَضرِبُ بعضُكم رِقَابَ بعضٍ". وفي الحديث: وَعْظ الرَّئيس المَرؤُوس، وتحريضُه على الطاعة، ومُراجعة المتعلِّم العالمَ، والتابعِ المتبوعَ فيما لا يَظهر له معناه، وتَحريمُ كُفْران الحُقوق والنِّعم وإلا لَمَا دخَل النار، وأنَّ النار مَخلوقةٌ

22 - باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، وقول الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].

اليوم كما هو مذهب أهل السنَّة. وفيه أنَّ هذا كبيرةٌ عند مَن يَعرفها لما توعَّد عليه. قال (ط): كُفرُ نِعْمة الزَّوج هو كفرُ نِعْمة الله؛ لأنَّها من الله تعالى أَجراها على يَده، وفيه أنَّ المَعاصي تُنقص الإيمان؛ لأنَّه جعله كُفرًا، وأنَّ إيمانهنَّ يَزيد بشُكر نِعمة العَشير، فثبَت أنَّ الأعمال من الإيمان. * * * 22 - بابٌ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيةِ، وَلاَ يُكَفَّرُ صاحِبُهَا بارْتِكَابِهَا إِلَّا بالشِّرْك لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّة"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. (باب: المعاصي من أمر الجاهلية) المَعاصي جمع: مَعصيةٍ، وهي تَرْك واجبٍ، أو فِعْل حرامٍ كبيرة كانت أو صغيرةً، والجاهلية زمان الفَتْرة قبل الإسلام، سُمي بذلك لكثْرة الجَهالة فيه. (ولا يكفر صاحبها)؛ أي: خلافًا لقَول الخَوارج: إنَّه بالكبيرة يكفر، وقول المعتزلة: إنَّه بين منْزلتين، لا مؤمنٌ ولا كافرٌ.

(بارتكابها)؛ أي: الإتْيان بها، فعبَّر عنه بالارتكاب مجازًا. قال (ن): احِرازًا عن الاعتقاد، فإنَّه لو اعتقَد ما هو حرامٌ من المَعلوم من الدِّين بالضَّرورة حلالًا كُفرٌ بلا خِلافٍ. (جاهلية)؛ أي: شيءٌ من أَخلاق الجاهلية، ففي استِدلاله بالحديث والآيةِ على شِقَّي التَّرجمة لَفٌّ ونشرٌ. نعَمْ، وجْه الاستدلال بنفْي الغُفران على الكُفر كونُه يستلزمه إلا عند المُعتزلة القائلين: يخلد ولا يُكفر، وإلا فليس في الآية إلا نفْي الغُفران، وفي بعض النُّسَخ تعقيبُ آية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] بقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] الآيةَ، ثم بحديثِ الأَحْنَف بن قَيْس الآتي ذِكْره، وفي بعضها ذِكْرهما في ترجمةٍ أُخرى، وعليها شَرَح (ك)، فتَبعناه. * * * 30 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا ذَرٍّ! أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".

(م). (بالربذة) بحركاتٍ، ومُوحَّدة، ثم معجمةٍ: موضعٌ على ثلاث مَراحِل من المدينة. (حُلة) بضم المهملة: إِزارٌ ورِداءٌ، ولا تكون حُلَّةً حتى تكون ثَوبَين، وذلك إشارةٌ إلى تَساويهما في لُبْس الحِلَّة. (فسألته) سبَب السُّؤال أنَّ عادة العرَب وغيرهم أنْ تكون ثِياب المَملوك دُون ثيابِ سيِّده. (ساببت)؛ أي: شاتَمتُ، أو شتَمتُ. (رجلًا) هو عبدٌ بدليل السِّياق. (فعيرته بأمه)؛ أي: عِبْتُه، ونَسبتُه للعار، وهو معنى: سابَبتُه إلا أنَّ بينهما تغايرًا بحسَب المفهوم، فلذلك عطَف عليه بالفاء التَّفسيرية كقوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54]، ورواه البخاري في (الأدب): (كانَ بَيْني وبين رجلٍ كلامٌ، وكانتْ أُمُّه عجَميَّةً، فنِلْتُ منها) الحديثَ، ويُروى أنَّه قال لأَبي ذَرٍّ: "ارفَعْ رأْسَكَ، ما أَنْتَ أفْضَلَ ممَنْ تَرى مِن الأَحمرِ والأَسوَدِ إلا أنْ تَفضُلَ في دِيْنِ اللهِ"، ورُوي: أنَّ هذا الرَّجل الذي عَيَّرَه أَبو ذَر هو بِلالُ بن حَمَامَة، وبها اشتُهر، وكانتْ نُوبيَّةً، وفي روايةٍ: أَنَّه قال له: يا بنَ السَّوداءِ! ويُروى: أنَّه لمَّا شَكاهُ بِلالٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: "شَتَمتَ بِلالًا وعَيَّرتَه بسَوادِ أُمِّه"، قال: نعمْ، قال: "أَحسِب أنَّه بَقِيَ فيك شيءٌ من

كِبْر الجاهليَّة"، فأَلقَى أبو ذَرٍّ خَدَّه على التُّراب، ثم قال: لا أَرفَع خَدِّي منها حتى يَطَأَ بلالٌ خَدِّي بقَدَمه. (يا أبا ذر) وفي روايةٍ: (أَبا ذَرٍّ) بحذْف حرف النداء. (أعيرته) الاستِفهام فيه للإنْكار التَّوبيخي. (خولكم) بفتح المعجمة، والواو: الواحد خائِلٌ، وقد يُطلَق الخَوَل على الواحد، ومعنى الخَوَل: الحشَم من التَّخويل، وهو التَّمليك، وقيل: الخَوَل الخَدَم، وسُموا به لأنَّهم يَتخوَّلون الأُمور؛ أي: يُصلحونها. قال (ش): إِخوانُكم خوَلَكم -بالنَّصب-؛ أي: احفَظوا، ويجوز الرفْع على معنى: هم إِخوانُكم، قال: أبو البَقاء: والنَّصب أَجوَد، نعَمْ، رواه البخاري في (كتاب حُسْن الخُلُق): (هُمْ إِخوَانكمْ)، وهو يُرجِّح الرَفْع. فإنْ قيل: القَصْد الإِخبار عن الخَوَل بالأُخوَّة لا العَكْس؛ قيل: تَقديم إخوانكم إما للاهتِمام بشأْن الأُخوَّة، وإما لحصْر الخَوَل في الإِخْوان؛ لأنَّ تقديم الخبَر يُفيد الحصْر، أي: ليسُوا إلا إِخوانًا، وللحَصْر مُقتضَى آخَر؛ لأنَّ تعريف المبتدأ والخبر يُفيد ذلك، وإما أنَّه من باب القَلْب تَلْميحًا للكلام كقوله: نَمْ وإِنْ لَم أَنَمْ كَرايَ كَراكا ... شَاهِدِي الدَّمْعُ إِنَّ ذاك كَذَاكَا وقال التَّيْمِي: كأنَّه قال: هُم إِخوانكم، ثم أَراد إِظْهار هؤلاء

الإِخْوان، فقال: خَوَلَكم. قلتُ: لا يَخفَى ما في كلِّ ذلك [مِنْ نَظرٍ، وأُخوَّة الخَوَل للمَخول إما مجازٌ عن القُدرة، أو الملْك، أو المراد مُطلَق القَرابة؛ لأنَ الكلَّ] (¬1) من آدَم، أو أُخوَّة الإسلام، فالمماليك الكفَّار إما أنْ يُجعلوا في ذلك تبَعًا للمؤمنين، وإما أنْ يُقيَّد الخَوَل بالإيمان. (تحت يده) إمَّا مِن إطلاق اليَد على القُدرة، أو المُلْك مجازًا. (فليطعمه) وكذا ليُلبسه -بضم أَوَّلهما-، وإنما قال: مما يَأكل، ولم يقل مما يَطعَم كما في: (وليلبسه مما يلبس) بفتح أوَّل يَلبَس؛ لأنَّ الطَّعم الذَّوق كما في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249]، فلو قال: مما يَطعَم لتُوهِّم أنه تجب الإذاقةُ مما يذُوق، وذلك غير واجبٍ، والأمر في هذَين للاستحباب عند الأكثر وإنْ كان الأصل في الأَمر الوُجوب. (ولا تكلفوهم) نهيُ تحريمٍ. (ما يغلبهم)؛ أي: ما تَعجَز قدرتُهم عنه؛ لعظَمته، أو لصُعوبته. (كلفتموهم)؛ أي: ما يَغلبُهم، فحذف المفعول الثاني؛ لدلالةِ ما سبَقَ عليه. قال (ط): يُريد أنَّك في تعييره بأُمه على خلُقٍ من أخلاق الجاهلية؛ لأنَّهم كانوا يَتفاخرون بالأَنْساب، فجَهلتَ وعصَيتَ الله تعالى، ولم ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

22 / م- باب {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9]، فسماهم المؤمنين

تستحقَّ بهذا الفعل أنْ تكون كأهل الجاهلية في كُفْرهم بالله تعالى. أي: فهذا التَّقدير يُعلم منه الأَمران المذكوران في الترجمة. قال: والمُراد من التفرقة في الآية لمن ماتَ بلا توبةٍ، أَمَّا مَن تابَ فلا فَرْقَ. نعم، تعقَّب (ك) كَون ما أَورده البخاريُّ رادًّا على الخَوارج؛ لأنَّ خلافَهم في الكبيرة، والتَّعيير بالأُم صغيرةٌ. وفي الحديث النَّهي عن يسَبِّ العَبيد، وتَعييرهم بآبائهم، والحضُّ على الإحسان إليهم، وإلى مَن في معناهم مِن أَجيرٍ وخادمٍ، وفيه أنَّ الدوابَّ ينبغي أن يُحسَن إليها، ولا تُكلَّف من العمل ما لا تُطيق الدَّوام عليه، والنَّهي عن الترفُّع على المُسلم وإنْ كان عبدًا، والمُحافظة على الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المُنكر، وغير ذلك. * * * 22 / -م - بابٌ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ (باب: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) كذا في نُسخةٍ هذه الترجمة، وشَرَح عليها (ك)، وفي نسُخ إدخال الحديث الذي فيها في الباب السَّابق، وذكَر هذه الآيةَ في أوَّل الباب.

وأصل الطائفة القِطْعة من الشيء، ثم استُعمل مرةً في واحدٍ أو اثنين [من الناس نحو: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122]، وأقلُّ الفِرقة ثلاثةٌ، فالطائفة منهم إما واحدٌ أو اثنان، (¬1)، ولهذا يُحتجُّ به في قَبول خبر الواحد. وإنما جمع بعده الضَّمير في: {لِيَتَفَقَّهُواْ}، {وَلِيُنذِرُاْ} باعتبار مجموع الطَّوائف من كلِّ قريةٍ نحو: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102]، فالمراد ثلاثةٌ بدليل: {وَلْيَأْخُذُوا} [النساء: 102]، وربَّما جاء مُرادًا به أربعةً، وهو قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]؛ لأن ذلك نِصاب شُهود الزنا، أي: فيحضر قَدْر عددهم، وقال: {اقتَتَلُوا}، وقال بعده {بينَهُمَا} مُراعاةً لآحاد الطائفتين في الأوَّل، وللفْظ الطائفة في الثاني. (فسماهم مؤمنين)؛ أي: فلم يُخرج صاحب الكبيرةِ عن كونه مؤمنًا. * * * 31 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيْدٍ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ ويُونسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: "إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ". (م د س). سنَده بصريُّون، وفيه ثلاثةٌ تابعيُّون. (هذا الرجل)؛ يعني: عليًّا - رضي الله عنه -، وذلك في وَقْعة الجمَل، وقيل: يعني: عُثمان - رضي الله عنه -. (قلت: أنصر هذا الرجل): إلى مكانِ أنصُر؛ لأنَّ السؤال عن المكان، والجواب بالفِعْل، فيُؤوَّل بذلك. (فالقاتل والمقتول في النار)؛ أي: حيث لم يكُونا من الصَّحابة المُجتهدين، فإنَّ القاتل والمقتُول منهم إنما كانَ أَمرهما عن اجتهادٍ وظن للصَّلاح الدِّيني، فتقاتُلُ المتقاتلَينِ منهم إنما هو بهذا القَصْد، ومَن أصابَ في اجتهاده فله أَجْران، ومَن أَخطأَ فله أجرٌ. وإنما منعَ أبو بَكْرة الأَحنَفَ، وامتنعَ هو أيضًا؛ لأنَّه ممن اعتَزَل الفريقَين في ذلك؛ لأنَّ اجتهاده أدَّاه إلى ذلك. فإنْ قيل: ظاهر قوله: (في النار) يَشهد لقَول المُعتزلة بالتَّخليد لذَوي الكبائر؟ قيل: المَعنى: أنَّهما يستحقَّان، وقد يُعفى عنهما أو عن أحدٍ منهما، فلا يَدخُلان كما قال تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93]،

أي: هذا جزاؤُه، وليس بلازمٍ أن يُجازى. (هذا القاتل) مبتدأٌ وخبرٌ، أي: هذا يستحق النارَ؛ لأنَّه قاتلٌ، فالمَقتول كيف يستحقُّ ذلك؟ (كان حريصًا) لا يُنافي قولَه تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] حيثُ رتَّب في الخبَر على ما ليس فيه فِعْلٌ وعِلاجٌ بل يكون بمجرَّد النيَّة، وفي الشر بخلاف ذلك، فلا مَدخَل له في النيَّة، وأيضًا فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله تَجاوَز عن أمتي ما حدَّثتْ به أنفُسَها ما لم يَعمَلُوا أو يَتكلَّفوا به"، وحديث: "إِذَا هَمَّ عَبْدِي بسَيِّئةٍ؛ فلا تَكتبوها"؛ لأنَّ المراد هنا مَن وطَّنَ نفْسَه على أنْ يقتل، وصمَّم على المَعصية، وما سبَق فيما إذا لم يُوطِّنْ نفسَه، ولكنْ مرَّ ذلك بفِكْره من غير استقرارٍ، ويُعبَّر عن التَّصميم بالعَزْم تُكتب سيئةً، فإذا عمِل كان معصيةً ثانية. فإنْ قيل: كيف أَدخل الحِرْصَ على القتل وهو صغيرةٌ في سِلْك القتْل وهو كبيرةٌ؟ قيل: إنما أدخلَها في سِلْك الدُّخول للنار، وهو أَعمُّ. وقال (ن): فإن قيل: إنما سَمى الله تعالى في الآية الطائفتَين مؤمنتَين، وسماهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُسلمَين حالَ الالتقاء لا القِتال وبعدَه؛ قيل: قد قال تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، سمَّاهما أخوَين، وأمَر بالإصلاح بينهما، ولأنَّهما عاصيان قبْل القتال، وذلك

23 - باب ظلم دون ظلم

من حين سَعَيا إليه وقصَداه، والحديث محمولٌ على معنى الآية. * * * 23 - بابٌ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ (باب: ظلم دون ظلم) يحتمل أنْ يكون (دُون) بمعنى (غير)؛ إشارةً إلى أنَّ الظُّلْم أنواعٌ، ويحتمل أنْ يكون بمعنى (أَدنى)؛ أي: بعضُه أشدُّ من بعضٍ. وسبق قريبًا ذِكْره في ترجمةٍ فيها: (كُفْرٌ دُون كُفْرٍ). 32 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ح قَالَ: وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. (م س ت). في إسناده تحويلٌ يُبيِّن أنَّ له طريقَين. قلتُ: لكن الأُولى أعلى، والثانية فيها غُنْدَر، وهو أثْبت الناس في شُعبة، فقام ذلك مَقامَ العُلوِّ في الأُولى. (ولم يلبسوا)؛ أي: لم يخلِطوا، والمراد بذلك كما قال التَّيْمِي: لم

يُفسِدوا إيانهَم، ولم يُبطلوه بكُفْر، وإلا فالخلْط لا يُتصوَّر، ويحتمل أنَّ المراد: لم يُنافِقوا، لأنَّه جمع بينهما ظاهرًا وباطنًا وإنْ كانا لا يجتمعان. (أينا لم يظلم)، وفي نسخةٍ: (نَفْسَه)، والمراد أنَّهم لمَّا فَهموا من الآية مُطلَق الظُّلم؛ بيَّن تعالى أنَّ المُراد به ظُلمٌ خاصٌّ، وهو الشِّرك، وإنما فَهموا حَصْر الأَمْن فيمن لم يَلبِس إيمانَه، حتى ينتفي الأَمْن عمَّن التَبس مِن تقديم (لهم) على (الأَمْن)، وتقديم (هم) على (مهتدون) كما قال الزَّمَخْشَري في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100]: إنَّه للتَّخصيص، وإنما كان (بظُلْمٍ) مُرادًا به، أي: لفْظ (هم) في قوله: (وَهُم مُّهتَدُونَ): الظُّلْم العظيم؛ لأن التَّنكير للتَّعظيم، والظُّلْم العظيم هو الشِّرك، إذْ لا ظُلْمَ فوقَه، ولم يصِف الشارعُ غيرَه بذلك، فقصَر ذلك عليه. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرٌ. قال (ن): وروى البخاري الحديث في (التفسير) كذلك أيضًا، لكنْ رواية مسلم: (أَيُّنا لم يَظْلِمْ نفسَه)، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ هو كما تَظنُّون، إنما هُو كما قال لُقْمان لابنه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13])، ففيه تفسيرٌ لما في البخاري. ففيه دلالةٌ على أنَّ المعاصي لا تكون كُفرًا، وأنَّ الظُّلْم على ضربَين، وأنَّ تأْخير البَيان إلى وقْت الحاجة جائزٌ، وأصل الظُّلْم وَضْع الشيء في غير مَوضِعه.

24 - باب علامة المنافق

قال (ط): مقصود الباب: أنَّ تمام الإيمان بالعمَل، وأنَّ المعاصي ينقُص بها الإيمان، ولا تُخرج صاحبَها إلى الكُفر، والنَّاس مختلفون فيه على قَدْر صِغَر المعاصي وكبرها. وفيه من الفِقْه: أنَّ المفسَّر يَقضي على المُجمَل، وأن العمَل بالعامِّ حتى يأْتيَ مُخصِّصٌ. * * * 24 - بابُ عَلاَمَةِ المُنَافِقِ (باب: علامات المنافق) وأصله: مَن يُظهر ما يُبطِن خلافَه، لكنَّه غَلَب لمن يُظهر الإسلامَ ويُبطِن الكُفرَ، وأَخذه إما من النَّفَق، وهو: السَّرَب في الأَرض، يُدخَل منه ويُخرج من مكانٍ آخَر، فيُستتر به، وإما مِن جُحْر اليَربُوع، فإنَّه يدخُل فيه من القاصِعاء، وهو الظَّاهر الذي يقصَع فيه، فإذا أحسَّ بالصائد منه خَرَج من النَّافِقاء، وهو ما نَفَقه من مكانٍ آخَر بحيث إذا ضَرب رأْسه به انفَلَق، وخرَج منه، فشُبِّه المُنافق به من حيث إنَّه يُظهر القاصِعاء، ويُخفي النَّافِقاء؛ لكونه يَكتم الكُفر ويُظهِر الإيمانَ، أو يَدخُل في الشرع من بابٍ، وَيخرج من آخَر، أو أنَّ النَّافِقاء ظاهره تُرابٌ كالأرض، وباطنه حُفرةٌ. * * *

33 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ناَفِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ؛ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". الحديث الأول (م ت س): (عن أبيه)؛ أي: الذي هو جَدُّ الإمام مالك. (آية)؛ أي: علامةُ، ولهذا قيل لآية القُرآن ذلك؛ لأنها علامةُ انقطاعِ كلامٍ عن كلامٍ، وإنما أَخبر عن الآية بـ (ثلاث) باعتبار إِرادة الجنْس، أي: أنَّ كلَّ واحدةٍ منها آيةٌ، أو أنَّ مجموع الثلاث هو الآية. (إذا حدث) جعْلُه خبرًا بعد خبرٍ، أو بدلًا مما قبلَه يقتضي أنَّه محمولٌ عليه لكنْ على معنى كونِه عند تحديثه. (كذب)؛ أي: أخبر بخلاف الواقع. (وعد)؛ أي: أخبر بخبرٍ من المستقبَل. (أخلف)؛ أي: جعل الوَعْد خِلافًا، وذلك بأنْ لا يَفي به. (اؤتمن)؛ أي: جُعل أَمينًا، وفي روايةٍ: (اتُّمِنَ)، بتشديد التاء، وذلك بقلب الهمزة الثانية منه واوًا، وإبدال الواو تاءً، وإدغام التاء في التاء. (خان)؛ أي: تصرَّف على خلاف الشرع، فإنْ قيل: الوَعْد إخبارٌ؛ فلِمَ عُطف على الخبَر، وهو يقتضي التغايُر؟

قيل: لأن إخلاف الوعد قد يكون بالفعل، وهو غير الكَذِب الذي هو لازمُ التَّحديث، فتغايرا، أو جعل حقيقةً أُخرى خارجةً عن التحديث على وجْه الادِّعاء كما في عطْف جبريل على الملائكة -عليهم السَّلام- بادِّعاء أنَّه نوعٌ آخَر كزيادةِ شرَفه. قال: فإنْ تَفُقِ الأَنامَ وأَنْتَ مِنْهُمْ ... فإنَّ المِسْكَ بعضُ دَمِ الغَزَالِ وكذا كلُّ خاصٍّ يُعطف على عالم. وإنما خَصَّ هذه الثلاثة بالذّكر؛ لاشتمالها على المُخالفة التي هي مَبنى النِّفاق من مُخالفة السرِّ العلَنَ. واعلم أنَّه قد استُشكل في الحديث أنَّ هذه الخِصال قد تُوجد في المُسلم غير المُنافِق، فقال (ن): لا إِشكالَ؛ لأنَّ معناه أنَّ هذه خصال نفاقٌ، وصاحبها شبيهٌ بالمنافِق المطلَق إلا أنَّ هذا نفاقه خاصٌّ في حقِّ مَن حدَّثه، ووعدَه، وائتمنَه، لا نفاقٌ في الإسلام بإبطان الكُفر. وقيل: هذا فيمَن كانتْ هذه الخصال غالبةً عليه، فمَن ندَر ذلك فيه لا يدخُل. وقال الطِّيْبِي: الشرطيَّة في (إذا) المُشعِرة بتحقُّق الوُقوع يدلُّ على أنَّ هذه عادتَهم. وقال (خ): (إذا) تقتضي تكرار الفِعل. قال (ك): وفيه نظَرٌ، والأَولى أن يُقال: حذْف المفعول مِن

(حدَّث) ونحوه يدلُّ على العُموم أو الإطلاق، فكأنَّه قال: إذا حدَّث في كلِّ شيءٍ كذَب فيه، أو: إذا وُجد ماهية التَّحديث كذَب، ولا شكَّ أن مثْله منافقٌ في الدِّين. قلتُ: العموم موجودٌ دائما هنا من جهة الشَّرطية، فأين موضع الإطلاق؟ وأيضًا فإذا كان مطلقا لا يحصُل به المقصود من الجواب. ومنهم من أجاب بأن المراد به المنافقون الذين كانوا زمنه - صلى الله عليه وسلم -، فحدَّثوا بإيمانهم فكذَبوا، ووعدوا في نصْر الدِّين فأخلَفوا، وائتُمنوا في دينهم فخانوا. وقيل: المراد منافقٌ خاصٌّ، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لا يُواجه أحدًا بل يُشير إليه إشارةً، فيقول: "مَا بَالُ أَقْوامٍ يَفعَلُونَ كذا". وقال (خ): المراد بذلك نفاقٌ دون نفاقٍ. قال (ك): ولدفْع الإشكال خمسة أَوجهٍ؛ لأنَّ اللام إما للجنْس، فهو إما على سبيل التَّشبيه، أو أن المراد الاعتِقاد، أو الإنْذار، وإما للعَهْد، وذلك في مُنافقي زمانه عُمومًا، أو منافقٍ خاصٍّ، وسادسٌ: يخرَّج من كلام (خ) آخِرًا: أنَّ المراد النِّفاق العمَلي لا النِّفاق الإيماني، وسابعٌ، وهو الأَحسن: أنَّ النِّفاق شرعيٌّ، وهو إبطان الكُفر وإظهار الإسلام، وعُرفيٌّ، وهو كون سرِّه خلافَ عَلانيته، وهو المراد هنا. ويُحكى أنَّ رجلًا قدِم مكَّة من البَصرة، فقال لعَطاء: سمعتُ الحسَن يقول: مَن كان فيه ثلاث خِصالٍ لم أتحرَّج أنْ أقول: إنَّه

منافقٌ، فقال له: إذا رجعتَ إلى الحسَن فقل له: إنَّ عَطاءً يقرأُ عليك السَّلام، ويقول لك: ما تقُول في بني يَعقُوب إِخوة يوسُف؛ إذ حدَّثوا فكذَبوا، ووعَدوا فأَخلَفوا، وائتُمنوا فخانُوا؟، أوَ كانوا مُنافقين؟ فلمَّا قال للحسَن ذلك سُرَّ به، وقال: جَزاكَ الله خيرًا، ثم قال لأصحابه: إذا سمعتُم مني حديثًا؛ فاصنَعوا مثْلَ ما صنعَ أخوكم، حدِّثوا به العُلماءَ، فما كان منه صَوابًا فحسنٌ، وإنْ كان غير ذلك رُدُّوا عليَّ جوابَه. وعن مُقاتِل: أنَّه سأَل سعيد بن جُبير عن هذا الحديث، فقال -أي: مُقاتِل-: هذه مسألةٌ قد أَفسدتْ عليَّ مَعيشتي؛ لأني أظنُّ أنْ لا أَسلَم من هذه الثَّلاث أو من بعضِها، فضَحِكَ سعيدٌ، فقال: أَهمَّني ما أَهمَّك، فأتيتُ ابنَ عُمر، وابن عبَّاس فقَصصتُ عليهما، فضَحِكا، فقالا: أَهمَّنا -واللهِ- يا ابن أَخي ذلك، فسألْنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فضَحِك، فقال: "ما لكم ولهنَّ، أما قَولي: إذا حدَّث كذَب؛ فذلك فيما أَنزَل الله عليَّ: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1]، وأمَّا إذا وعَد أخلَف؛ فذلك في قوله: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 77] الآية، وأما إذا اؤتُمِنَ خانَ فذلك فيما أنزل الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأحزاب: 72]، وأنتم بُرآءُ من ذلك". * * * 34 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو:

أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ". تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ. الحديث الثاني (م د س ت): (قبيصة) قالوا: سَمع من سُفْيان الثَّوري صغيرًا، فلم يَضبط منه كما هو حقُّه، فهو حُجة إلا فيما روى عن سُفْيان. قال (ن): ويكفي في جلالته احتِجاج البخاريِّ به في مواضع غيرِ هذا، وأما هنا فإنما ذكَره متابعةً. ونازعَه (ك) في كون هذا متابعةً؛ لمخالفة هذا الحديث ما تقدَّم لفْظًا ومعنًى من جهاتٍ كالاختلاف في: (ثلاثٌ) و (أربعٌ)، وكزيادة لفْظة: (خالِصًا). قلتُ: إنما أراد (ن) هنا بالمُتابعة الشَّاهد، فإنَّ المُحدِّثين يُطلقون كلًّا منهما على الآخَر، فلا يقدَح الاختلاف الذي ذكَروه على أنَّ محمد ابن عبد الله بن نُمير لمَّا قيل له: إنَّ قَبِيْصة كان صغيرًا حين سمع من سُفْيان: لو حدَّثنا قَبِيْصة عن النَّخَعي لقَبِلْنا منه. قال الفَضْل بن سُهيل: كان قَبِيْصة يحدِّث بحديث سُفْيان على الولاء دَرْسًا دَرْسًا حفظًا، فقول أحمد: إنَّه ثقةٌ لا بأْسَ به لكنَّه كثير الغَلَط، مُعارَضٌ بقول أبي حاتِم: لم أَرَ من المُحدِّثين من يحفَظ، ويأْتي

بالحديث على لفْظٍ واحدٍ لا يُغيِّره سِوى قَبِيْصةَ، وأَبي نُعيم في حديث الثَّوري، وكان قَبِيْصة لا يحفَظ، ثم حَفِظ. واعلم أنَّ الإسناد كلُّه كوفيُّون إلا ابن عمرو بن العاص. وفيه ثلاثةٌ تابعيُّون بعضُهم عن بعضٍ: الأَعمَش، وابن مُرَّة، ومَسرُوق. (أربع) مبتدأٌ سوَّغ الابتداءَ به مع أنَّه نَكِرةٌ تقديرُ إضافته، أي: أَربع خِصالٍ، والجُملة الشَّرطية عَقِبه خبَره، ويحتمل أن يكون صفةً له، والخبر: (إذا اؤتُمن خانَ ...) إلى آخره. وسبق في الحديث توجيه المعنى فيه، ولذلك سبَق أجوبةُ الإشكال فيه، نعم، قوله هنا: (خالِصًا) يُؤيِّد السادسَ والسابعَ؛ إذ الخُلوص بالمعنى المذكور فيهما لا يستلزم كُفرًا، وأما الخالِصة فمنْ حيث إنَّ الخصال التي تتم بها المُخالفة بين السرِّ والعلَن، لا يَزيد عليه. وقال (ط): معناه: خالصًا في هذه الخِلال المذكورة فقط. قال (ن): شديد الشَّبَه بالمنافقين بسبَب هذه الخِصال، قال: ولا مُنافاةَ بين أربع هنا، وثلاث فيما سبَق؛ لأنَّ الشيء الواحد قد يكون له علاماتٌ كلُّ واحدةٍ منها تحصل بها صِفَته، ثم قد تكون تلْك العلامة شيئًا واحدًا، وقد تكون أشياء. وقال الطِّيْبِي: العلامات مرَّةً يُذكر بعضها، ومرةً جميعًا، أو أكثرها.

وقال (ك): الأَولى أن يُقال: التَّخصيص بالعدد لا يدلُّ على الزَّائد والناقِص. قلتُ: تكرَّر هذا من (ك) كثيرًا في هذا الكتاب، وهو مُفرَّعٌ على أنَّ مفهوم العدَد ليس بحُجَّةٍ، ولكنَّ المرجَّح خلافه كما بينَّاه في "شرح الأَلفيَّة في الأُصول". (خصلة)؛ أي: خَلَّة، بفتح أولها. (عاهد)؛ أي: حالَفَ. (غدر)؛ أي: تَرَك الوَفاءَ. (فجر)؛ أي: مالَ عن الحقِّ، وقال الباطِل، أو: شقَّ سِتْر الديانة. قال (ن): حصَل من الحديثين خمسُ خِصالٍ، وقال في "شرح مسلم": (إِذا عاهَدَ غَدَرَ) داخلٌ في: (إذا اؤتمن خانَ). قال (ك): إذا اعتَبرنا ذلك رَجَعَتْ إلى الثلاث، لكنَّ الحقَّ أنَّها خمسةٌ باعتبار تغايُرها عُرفًا، أو تغايُر أوصافها ولَوازمها. ووجْه الحصْر: أنَّ إِظْهار خلاف الباطِن في المالِ: (إذا اؤتُمن خانَ)، وفي غيره في حال كُدورةٍ فهو: (إذا خاصَمَ)، وفي الصَّفاء إنْ أَكَّده باليمين فهو: (عاهد)، أو لا فبالنظر للمُستقبل: (إذا وعدَ)، وللحال: (إذا حدَّث). وقال (خ): النِّفاق الآن رِدَّةٌ؛ لأنَّه أحدثه بعد التوالُد على الإيمان

25 - باب قيام ليلة القدر من الإيمان

بخلاف زمَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّهم لم يكونوا قبل ذلك أَسلموا، بل المنافِق حينئذٍ مُقيمٌ على كُفره. أما مُناسبة الحديث لـ (كتاب الإيمان)؛ فهي أنَّ هذا علامة عدَم الإيمان، أو أنَّ بعض النِّفاق كُفرٌ. وقال (ن): ومُراد البخاري بهذا الحديث أنَّ المعاصي تنقُص الإيمان كما أنَّ الطاعة تزيده. (تابعه) سبَق معنى المُتابعة، وهي هنا مُقيَّدةٌ حيث قال: (عن الأَعمَش)، وناقصةٌ حيث ذكَرها في وسَط الإسناد لا مِن أوَّله. (شعبة) وصلَها في (كتاب المَظالم). * * * 25 - بابٌ قِيَامُ لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ (باب: قيام ليلة القدر من الإيمان) (قيام) مبتدأٌ، (من الإيمان) خبره، وسُميت ليلة القَدْر؛ لمَا تكتُب فيها الملائكةُ من الأَقْدار والأَرْزاق والآجال في تلك السنَة، أي: يُظهرهم الله على ذلك، فيَفعلُ كلٌّ وظيفتَه، وقيل: لعِظَم قدْرها، أو: مَن أتى فيها بالطاعات له قدْرٌ، أو: أنَّ نفْس الطاعات فيها له قدْرٌ زائدٌ على غيرها. قال (ن): واختُلف في وقْتها، فقيل: تنتقل في السنَة، وبذلك

يجمع بين الأحاديث الدالَّة على اختلاف أوقاتها، وبه قال مالك، وأحمد، وقيل: إنما تنتقِل في العشر الأخير من رمضان، وقيل: في كلِّه، وقيل: مُعيَّنةٌ لا تنتقِل، وقيل: هي في السنَة كلِّها، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه، وقيل: في رمضان، وهو قول ابن عُمر، وقيل: في العشْر الأَوسط والآخِر، وقيل: في الآخِر فقط، وقيل: في أَوتاره، وقيل: في أَشْفاعه، وقيل: في ثلاثٍ وعشرينَ، وقيل: فيه أو في أربعٍ وعشرين، وبه قال ابن عبَّاس، وقيل: في إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، وقيل: ليلة أربعٍ وعشرين، وتُحكى عن بلال، وابن عبَّاس، وقيل: في سبعٍ وعشْرين، وقيل: ليلة سبْع عشَرةَ، وقيل: تسع عَشْرة، وقيل: آخِر ليلةٍ، وشذَّ مَن قال: رُفعت لحديث: "فتَلاحَى رجُلانِ؛ فرُفِعتْ"، ورُدَّ بأنَّه عقَّبه بقوله: "التمِسُوها في السَّبعْ أو التِّسْع"، فالمراد برفْعها: رفْع العِلْم بها، انتهى. وقال الرافعي: مالَ الشَّافعيُّ إلى أنَّها ليلة الحادي، أو الثالث والعِشْرين، ومذهب أبي حنفية خلافًا لصاحبيه أنَّها دائرةٌ في الشَّهر. قال صاحب المَنْظومة: وليلةُ القَدْرِ بكُلِّ الشَّهْرِ ... دائِرةٌ وعيَّناها فادْرِ قال (ك): فهو مخالفٌ لما سبَق مِن نقْل (ن) عنه. قال (ن): أجمع مَن يُعتدُّ به على وجودها ودَوامها إلى آخِر الدَّهر، يَراها، ويحقِّقها مَن شاء الله تعالى في رمضان كلَّ سنةٍ، وأخبارُ

الصَّالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أنْ تُحصر، فقول المُهَلَّب: لا يُمكن رؤيتُها حقيقةً = غلطٌ. وفي "الكشَّاف ": لعلَّ الدَّاعي إلى إخفائها أن يُحيي الذي يُريدها اللَّياليَ الكثيرةَ طلَبًا لموافقتها، وأنْ لا يتكِلَ مَن يراها، فيُفرِّط في غيرها. * * * 35 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (م). قيل في سنَده: إنَّه أصحُّ أسانيد أبي هُريرة، وهو: أَبو الزِّناد، عن الأَعرَج، عنه. (من يقم) إلى آخِره، فيه مَجيء فِعْل الشَّرط مُضارِعًا، وجوابُه ماضيًا، وهو قليلٌ، وقد استُنبط من قوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ} [الشعراء: 4]؛ لأنَّ تابع الجواب جوابٌ، فإنَّ مجيئه ماضيًا محقَّق الوُقوع، وإنما قال هنا: (يَقُمْ)، وفي الحديث الآتي: (مَن قَامَ رمَضانَ)؛ لأنَّ ذلك مُحقَّق الوُقوع، وقيام ليلة القَدْر ليس متيقَّنًا. ثم المراد بقيام اللَّيالي، أي: الطَّاعة في قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ

قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فهو حقيقةُ القِيام شرعًا يُكتفى فيه بما يُسمَّى قياما لإتمام اللَّيلة حتى قيل: إنَّ مَن أدَّى العِشاء فقد قام، لكنْ في العُرف لا يصدُق القيام إلا بقيام الكُلِّ أو الأَكثَر. (إيمانًا واحتسابًا)؛ أي: تصديقًا بأنَّه حقٌّ وطاعة، وإرادةَ وجْه الله تعالى بذلك لا للرِّياء أو الخوف أو نحو ذلك. ففيه الحثُّ على القِيام والإخلاص. والاحتِساب حُسبة الأَجْر عند الله تعالى، قال التَّيْمِي: إنَّه بعد تحقُّقها يقومها، أو أنَّه يقوم اللَّيالي الغالب أنَّ ليلة القَدْر فيها مؤُمنًا؛ بأن صلاته فيها سبَب المغفرة مُحتسبًا بفعل ذلك أجرًا، فجعل المؤمن به أنَّه سببٌ للمغفرة. ونصبهما على المفعول له، أو التَّمييز، وجوَّز أبو البَقاء مع وجه التَّمييز أن يكون حالًا مصدرًا بمعنى الوَصْف، أي: مؤمِنًا محتسِبًا كما في قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13]. قال (ك): على الحاليَّة لا يُطابق الحديثُ الترجمةَ؛ لأنَّه لا يبقى فيه إلا القيام في حال الإيمان إلا أنْ يُقال: كونه في حال الإيمان، وفي زمانه مشعرٌ بأنَّه من جُملته ولكنه بتكلُّفٍ. لا يُقال: فالتَّمييز والمفعول له لا يدلَّانِ أيضًا على أنَّه مِن الإيمان؛ لأنا نقول: (مِن) في: (مِن الإيمان) إما للابتداء، أي: مَنْشأ القيام الإيمان، أو مِن جهة الإيمان.

26 - باب الجهاد من الإيمان

فإن قيل: شَرْط التمييز أن يقَع فاعلًا نحو: طاب زيدٌ نفْسًا؛ قيل: ممنوعٌ، ولو سُلم فالمراد أنْ يكون فاعلًا بالفِعْل أو بالقُوَّة كما في نحو: طارَ عمرٌو فَرَحًا، أي: طيَّره الفَرَح، فيكون المعنى هنا: أقامَه الإيمانُ. (من دينه) متعلِّقٌ بـ (غُفِر)، فهو في محلِّ رفع مفعولٌ لما لم يُسمَّ فاعله، وأصله منصوب المَحلِّ على المفعولية. قلتُ: الظاهر تعلُّقه بـ (تقدَّم)، ونائب الفعل (ما)؛ لأنَّه اللائق بالمعنى والصِّناعة. واعلم أنَّه يُستثنى من الذَّنْب إجماعًا ما كان لآدميٍّ؛ لما قام الدليل عليه أنَّ حقَّ العباد لا يَسقُط إلا برضاهم. قال (ط): هذا الحديث حُجةٌ على أنَّ الأعمال إيمانٌ؛ لأنَّه جعَل القيام إيمانًا. * * * 26 - بابٌ الجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ (باب: الجهاد من الإيمان) ما بعد (باب) مبتدأٌ وخبرٌ كما سبق نظيره، والجهاد: قتال الكفَّار لإعلاء كلمة الله تعالى. وتوسُّط هذا الباب بين (قِيام ليلة القَدْر)، و (قيام رمَضان وصيامه)

مُناسبته: أنَّ الكلَّ من الإيمان، وأنَّ النظَر مقطوعٌ بتوسُّطه عن غير هذه المُناسبة. * * * 36 - حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "انتُدبَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أقتَلُ". (م س ق). (انتدب)؛ أي: أجابَ لما نُدب، أي: طُلب منه، وفي روايةٍ حكاها (ع): بهمزةٍ صورتها ياءٌ من المَأْدُبة (¬1)، ولمسلم: (تَضمَّنَ)، وروايةٍ أُخرى: (تَكفَّلَ)، ومعناه: أَوجَبَ تفضُّلًا وحكَم أن يُنجِز له ذلك، وهو مُوافِقٌ لقوله تعالى: {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]. (في سبيله)؛ أي: سَبيل الله، وجوَّز ابن مالك عَوْد الهاء إلى (مَن) الموصولة في قوله: (لمَنْ)، أي: سبيله المَرضيَّة. ¬

_ (¬1) أي: ائتدب.

قلت: لكنْ يبعُد حينئذٍ عن الترجمة. (الإيمان بي) استثناءٌ مفرَّغٌ، ورُوي بالتنكير والتعريف، وبالرفع فاعل (يُخرج)، وبالنصب، وهي رواية مسلم. قال (ن): على أنَّه مفعولٌ له تقديره: لا يُخرجه المخرج إلا للإيمانِ والتَّصديق. قلتُ: لكنْ شرطه اتحاد فاعِل المعلِّل والمعلَّل به، وهما هنا غيران. قال ابن مالك: وإنما عدَل عن (به) الذي هو الأَصل إلى (في)؛ للالتفات من الغَيبة إلى التكلُّم، أو أنَّه حكايةٌ لقولٍ محذوفٍ، أي: قائلًا: لا يُخرجه إلا إيمانٌ بي، وردَّه ابن المُرَحِّل: بأَنَّ حذْف الحال لا يجوز. (أو تصديق) في نُسخةٍ: بالواو، وهو ظاهر؛ إذ لا بُدَّ من الأَمرين، فإما أنَّ (أو) بمعنى الواو، وإما أنَّ المُراد: لا يَخلُو عن أَحدهما، وكلٌّ منهما يَستلزم الآخَر. (أرجعه) بفتح الهمزة، أي: أَردَّه إلى مَوضِعه بدليلِ: {فإِن رَّجَعَكَ} [التوبة: 83]، فـ (رجَع) تأْتي لازمًا ومُتَعَدِّيًا، وحكى فيه ثَعْلب: (أُرجِع) كأنَّه تعدية للازم بالهمز. (نال)؛ أي: أصابَ، وجاء بلفْظ الماضي؛ لتحقُّق وعد الله تعالى. (أو غنيمة)؛ أي: مع الأَجْر، والتَّقدير: معَ أَجْرٍ فقَطْ إنْ لم يَغنَموا، أو أَجرٍ مع غَنيمةٍ إن غَنِموا، أو أنَّ (أو) بمعنى الواو، وقد رواه أبو داود بالواو.

(أو أدخله) بالنصب عطْفًا على (أَرجعَه)، فهو قَسيمُ (أَرجعَه)، أي: أنَّ المجاهد يَنال خيرًا بكلِّ حالٍ، فإما أنْ يَرجع سالمًا بأَجْرٍ فقط، أو مع غَنيمةٍ، وإما أَنْ يُستشهَد، فيدخُلَ الجنَّةَ، كذا قرَّره (ن)، ونازَعه (ك) بأنَّ اللفْظ لا يدلُّ على تقديره. قلتُ: بل يدلُّ، وهو ظاهرٌ لمن تأمَّلَ. فإنْ قيل: الجنَّة من الأجر، فكيف يكون قَسيمًا لها؟ قيل: هي أجرٌ أَعلى، فتَغايرا، أو أنَّ القسيمين الرَّجْع والإدخال، لا الأَجر والجنَّة، والمعنى في وعده بذلك مع أنَّ المؤمنين كلَّهم يدخل الجنة: أنَّ دُخول الشَّهيد إما عند موته كما قال تعالى: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، أو أنَّ المراد دُخوله مع السابقِين والمُقرَّبين بلا حسابٍ ولا مُؤاخذةٍ بذُنوبٍ بل تُكفِّرها الشهادة. (ولولا) هي الامتناعية، أي: أمتنعَ القُعود؛ لامتناع المشقَّة، أي: خوفَها. (أشق)؛ أي: أَجعلُ شِقاقًا. (سرية): قطعةً من الجيش، أي: لا أتخلَّفُ عنها بل أَخرجُ معها بنفْسي لعِظَم أَجرها، وما لها من رفْع الدَّرجات، ونَيْل السَّعادات. (ولوددت) اللام جوابُ (لولا)، وقد تُحذف كما في: (مَا قَعدْتُ). ووجْه المَشقَّة في وِداد الرسول صلى الله عليه وسلم على الأُمة: أنَّ قُرَّة أعينهم في بَقائه، أو أنَّه ربَّما جرَّ إلى وُقوع مَودوده، فيَصير سببًا للمشقَّة، أو اللام

جواب لقسَمٍ محذوفٍ، أي: واللهِ لودِدْتُ. (أقتل) بضم أوَّلها في الكلِّ، وإنما ختَم بقوله: (ثُم أُقتَل)، والقَرار إنما هو الحياة؛ لأنَّ المراد الشَّهادة، فختَم الحال عليها، أو الإِحياء للجَزاء من المعلوم، فلا حاجةَ إلى ودادَته. و (ثُمَّ) للتَّراخي في الرُّتْبة أحسَن من عمَلها على تَراخي الزَّمان؛ لأنَّ المتمنَّى حُصول مرتبةٍ بعد مرتبةٍ إلى الانتِهاء للفِرْدَوس الأَعلى. قال (ن): في الحديث فَضْل الجِهاد والشَّهادة، والحثُّ على حُسْن النيَّة، وشِدَّة شفَقته - صلى الله عليه وسلم - على أُمته، واستِحبابُ طلَب القتْل في سَبيل الله، وجَوازُ قَول الإنسان: (وَدِدْتُ) في الخير، وتقديمُ أَهمِّ المَصلحتَين، فتُقدَّم الرَّاجحةُ على المَرجوحة، أو يترك ما يُخاف فيها مفسدةٌ من وجهٍ آخَر، ويُلحق بمن قُتل في جِهاد الكُفَّار مَن قُتل في قتال البُغاة، وفي إِزالة المُنكَر، ونحوه. وفيه أنَّ الجهاد فرْض كفايةٍ، وتمنِّي الشَّهادة، وتمنِّي ما لا يُمكن في العادة من الخَيرات، والسَّعي في زَوال المكروه، والمَشقَّة عن المسلمين. قلتُ: استُشكل تمنِّيهِ قتْلَ قاتلٍ له؛ لأنَّ قتْله كُفرٌ، وتمنِّي وُقوع الكُفر ممتنعٌ. وجوابه أنَّ له جِهتَين: حُصول ثَواب الشَّهادة، ووُقوع قتْله، والمتمنَّى الأوَّل. قال (ط): وفيه حُجةٌ أنَّ الأعمال إيمانٌ؛ لأنَّ المخرج إذا كان

27 - باب تطوع قيام رمضان من الإيمان

للإيمان، فالخُروج نفْسه إيمانٌ، والعرَب تُسمي الشيء باسم ما يكون من سبَبه، وتُسمي المطَر سماءً؛ لأنَّه ينزل من السماء. * * * 27 - بابٌ تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ (باب: تطوع قيام رمضان)، وفي نسخةٍ: (شهر رمضان)، والتطوُّع: التكلُّف بالطَّاعة، والمراد التبرع بها، وهو في الاصطلاح: الاستِحباب. 37 - حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (م). إسناده مَدَنيُّون. (قام)؛ أي: بالطاعة في ليالي رمضان للعُرف في مِثْله، وحملَه العُلماء على التَّراويح، ولكن لا ينحصِر فيها، بل هو من مُحصِّلات ذلك، قاله (ن). (إيمانًا واحتسابًا) سبَق إِعرابُه وبَيان معناه، ومُناسبته للترجمة. (من ذنبه)؛ أي: الصَّغائر كما في نظائره من غُفران الذُّنوب في أحاديث؛ لمَا جاء من التَّقييد في بعضها بـ: "ما اجتُنِبت الكَبائِرُ".

28 - باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان

قال (ن): وفي التَّخصيص نظَرٌ، لكنْ أجمعوا أنَّ الكبائر لا تَسقُط إلا بالتوبة، أو الحَدِّ. فإن قيل: جاء الغُفران في قيام رمضان وفي صَومه، وفي صَوم عَرَفة كفارةُ سنتَين، ورمضان إلى رمضان، والعُمرة إلى العُمرة، ومُوافقة تأْمينه تأْمينَ الإمام، وغير ذلك، فإذا كفِّرتْ بواحدةٍ؛ فما الذي يُكفِّره الآخَر؟ فجوابه: أنَّ كلًّا يُكفِّر الصغائر، فإذا لم تُوجد صغيرةٌ بأنْ لم تُفعل، أو تابَ، أو نحو ذلك رُفع له بذلك درجاتٌ، وكُتب له حسَناتٌ، قيل: فيُرجى أنْ يُخفَّف بعضُ الكبائر عنه بذلك. قلتُ: لا امتناعَ في تعدُّد العِلَل الشرعية؛ لأنَّها أَماراتٌ. وفي الحديث جواز قَول (رمضان) مِن غير لفْظ (شَهْر)، قال أصحابُنا: يُكره قيام اللَّيل كلِّه؛ أي: المُداومة على ذلك لا ليلةٌ أو عشرةٌ، ولهذا اتفقُوا على استِحبابه ليلةَ العِيْد، وغيره. * * * 28 - بابٌ صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ (باب: صوم رمضان احتسابًا)، نَصْب (احتِسابًا) سبَق بيانُه، واقتِصاره في التَّرجمة عليه مع أنَّ في الحديث: (إيمانا واحتِسابا)، إما

لاختصاره، وإما لاستِلزامه الإيمانَ كما سيأْتي. * * * 38 - حدثنا ابنُ سَلاَمٍ قال: أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيد، عنْ أبِي سَلَمَةَ، عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صامَ رمضانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (م). (رمضان)؛ أي: في رمضان، وذلك وإنْ صدَق بصومِ البعض لكنَّ العُرف والسِّياق يقتضي الكلَّ، نعَمْ، المعذور بالفِطْر كالصائم في ذلك كالمَريض يُصلِّي قاعدًا، فإن له ثَواب القائم. (إيمانًا واحتسابًا) سبَق بَيانُ نصبه ومعناه، وجمعَ بينهما -مع أنَّ المُؤمن لا يكون إلا محتسِبًا، والمحتسِب لا يكون إلا مُؤمنًا- إما تأكيدًا، أو أنَّهما قد يَفترقان، فالمصدِّق قد لا يُخلِص، والمحتسِب قد لا يكون مُصدِّقًا بثوابه، وبكونه طاعةً سببًا للمغفرة. قلتُ: وفيه نظَرٌ. وقال (خ): معنى (إيمانًا واحتِسابًا): نيَّةً وعزيمةً، فيَصير مصدِّقًا راغبًا في ثَوابه طيّبَ النَّفْس به غير مُستثقِلٍ له، ولا مُستطيلٍ لأيامه. * * *

29 - باب الدين يسر وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة".

29 - بابٌ الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ". (باب الدين يسر)، مبتدأٌ وخبرٌ، و (يُسْر) بضم السين وإسكانها: ضِدُّ العُسر، أي: ذُو يُسرٍ، أو وصفٌ بالمصدر مبالغةً، صار لشدَّته كأنَّه هو، ومحلُّ الجُملة جرٌّ بإضافة: (باب)، أي: بابُ قَولِ ذلك. (وقول النبي صلى الله عليه وسلم) بالجرِّ عطْف على المضاف إليه. والحديث المذكور قال (ش): أسنَده أبو بكر بن أبي شَيبة، وقال غيره: إنَّ البُخاري وصلَه في كتاب "الأَدَب المفرَد"، وأحمد في "مُسنده" من حديث عِكْرمة، عن ابن عبَّاس، وله شاهد مرسلٌ في "طبقات ابن سَعْد"، وفي الباب عن أُبَيٍّ، وجابِر، وابن عُمر، وأبي أُمامة، وأَبي هُريرة، وغيرهم. (أحب) مبتدأٌ، (الحنيفية) خبره على تقدير موصوفٍ، أي: الملَّة الحَنيفية، أي: المائلة عن الباطل إلى الحقِّ. (السمحة)؛ أي: السَّهلة؛ إذ المُسامحة المُساهَلة، فالمراد أنَّه لا حَرَج فيها، ولا تَضييق، وذلك ملَّة الإسلام، ويحتمل أن تكون اللام للعَهْد إشارةً إلى مِلَّة إبراهيم كما في الآية؛ إذ الحَنيف عند العرَب من كان على مِلَّة إبراهيم عليه السَّلام؛ لأنَّه مالَ عن عِبادة الأَوثان، ويُسمَّى مَن اختَتن، وحجَّ البَيت كذلك، ومِلَّة إبراهيم -عليه

السلام- سمحةٌ؛ لمُخالفتها ما كان في بني إسرائيل، وتكلُّف أَحبارهم ورهبانهم من الشَّدائد. و (أحبُّ) بمعنى محبوب، لا بمعنى مُحِبٍّ، وإنما أَخبر عنه -وهو مذكَّرٌ- بمؤنَّثٍ وهو الحنيفية؛ لغلَبة الاسميَّة عليها؛ لأنَّها علَمٌ على الدِّين، أو لأنَّ أَفْعل التفضيل المضاف يجوز إفراده ومُطابقته، فلا منْعَ من أنَّ الملَّة والدِّين واحدٌ وإن كان بعضُهم غايَرَ بينهما. فإن قيل: أَفْعل التفضيل تقتضي المُشاركة، فيَلزم أنْ يكون كلُّ دِينٍ محبوبًا لله تعالى، وليس الدّين الباطِل من ذلك قطعًا؟ قيل: هو موقوفٌ على تفسير المَحبَّة، وسبَق، وسيأتي أنَّ المراد بالدِّين الطاعة، أي: أحبُّ الطاعات السَّمحة. ووجْهُ إِيرادِ هذا الحديث هنا: أنَّ في السَّماحة تيسيرَ الأمر على العِباد، وقصْد الترجمة أنَّ الذي يتصِف باليُسر والعُسر الأعمال دون التَّصديق، ولذلك قال في الحديث الآتي: "وشَيءٍ مِنَ الدُّلْجةِ"؛ لأنَّ سَيرَ الليلِ كلَّه يشُقُّ على الإنسان. * * * 39 - حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ مُطَهَّرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدّينَ أَحَد إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ".

(س). (يشاد)؛ أي: يُغالب من الشِّدَّة. (الدين) رواه الجُمهور هكذا من غير لفْظ: (أَحَدٌ)، وأثبتَها ابن السَّكَن، فعلى هذا (الدِّين) نصبٌ بالمفعولية، وعلى الأوَّل فضبَطه كثيرٌ بالنَّصب أيضًا على إِضْمار الفاعِل في (يُشادَّ) للعِلْم به، أي: مثْل: {حَتَّى تَوَارَت بِاَلحجَابِ} [ص: 32]، أي: الشَّمس، وصاحِب "المَطالِع"، وهو الأكثَر بالرفْع علي بناء يُشادُّ للمفعول. قال (ن): الأكثَر في بلادنا بالنَّصب، والمعنى: إنَّ الدِّين يَغلب مَن غالبَه، انتهى. أي: لا يتَعمَّق أحدٌ في الدِّين، ويَترك الرِّفق إلا غلَب الدِّين عليه، وعجَز عن ذلك التَّعمُّق، وانقطَع عن عمَله كلِّه أو بعضِه. ومُراد البخاري بذلك أنَّ الدِّين يقَع على الأعمال؛ إذ هي التي تُوصف باليُسر والعُسر، فالدِّين والإيمان والإسلام بمعنَى واحدٍ. (فسددوا) -بالمهملة-: مِن السَّداد، وهو الصَّواب، أي: وُفِّقوا له. (وقاربوا) يحتمِل في العِبادة، فإنَّكم إذا باعدتُم فيها لم تَبلغوا، ويحتمل أنْ يكون معنى (قاربوا): سَاعِدوا، وقاربتُ فلانًا: ساعدتُه، أي: ليُساعدْ بعضُكم بعضًا في الأُمور، لكن الأول أَليَق بالترجمة. (وابشروا) بقطع الهمزة، ويجوز لغةً: (ابشُروا) بضم الشِّين من

البُشرى بمعنى: الابتشار، أي: أبشِروا بالثَّواب على العمَل وإِنْ قلَّ. (بالغدوة والروحة) بفتح أوَّلهما. قال الجَوْهَري: الغَدْوة: ما بين صلاة الغَداة وطُلوع الشمس، والرَّواح: من الزَّوال إلى الليل. (الدلجة) هي لغةً بفتح الدال وضمها: اسمٌ من الإدْلاج -بسُكون الدال-، لكنَّ الرِّواية بالضم، وهو سَير آخِر الليل، أما بالفتح: فسَير أوَّله، وهو كقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]، كأنَّه عليه الصلاة والسلام خاطَبَ مُسافرًا يقطَع طريقَه إلى مَقصده، فنبَّهه على أَوقات نشاطه التي تَركَ فيها عملَه؛ لأنَّ هذه الأَوقات أفْضل أوقات المُسافر؛ لأنَّ الدُّنيا حقيقة دار نُقلةٍ، وطريقٌ إلى الآخرة، فنبه الأُمة على اغتِنام أَوقات فرْضهم، أي: فإنَّ الدَّوام لا تُطيقونه، فاستَعينوا على تحصيله بذلك كما في السَّفَر، كما سبق. والحاصل: الأمر بالاقتِصاد، وترْك المُبالغة المؤدِّية إلى الانقِطاع بل تكونون متوسِّطين في الأَعمال. واعلم أنَّ مُناسبةَ هذا الحديث للشِّقِّ الثاني من الترجمة -وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم - أنَّ المَحبَّةَ من الله إما أن تكون مجازًا عن الاستِحسان، فالمعنى: أحسَن الأَديان عند الله الذي لا يَغلب الشَّخص ويَقهرُه بل يكون سَهلًا عليه، وإما أن يكون المراد بالمَحبَّة إيصال الثَّواب، فالمراد الذي فيه الثواب، وهو الواجب والمندوب لا غيرهما. * * *

30 - باب الصلاة من الإيمان وقول الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143]؛ يعني: صلاتكم عند البيت.

30 - بابٌ الصَّلاَةُ مِنَ الإِيمَانِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ يَعْنِي: صَلاَتَكُمْ عِنْدَ البَيْتِ. (باب: الصلاة من الإيمان)، مبتدأٌ وخبرٌ، فأُضيف (باب) للجُملة، أو (باب) منوَّنٌ كما سبَق نظائره. (وقول الله عز وجل) مجرورٌ عطفًا على المضاف إليه إنْ أُضيف (باب)، ورفعٌ إنْ لم يُضف. (عند البيت) المراد: إلى بَيت المقدِس. قال (ن): فيُتأوَّل بذلك، أو أنَّ المراد: صلاتَكم بمكة عند البَيت إلى بيت المقدِس. 40 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ نزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ -أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ- مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلتهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجدٍ وَهُمْ رَاكعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا

هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وَكَانَتِ اليَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ أنكَرُوا ذَلِكَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءَ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]. (م ت س). (عمرو بن خالد) كذا رأيتُه في نُسخٍ، وفي بعضها: (عَمْرو) فقط، فقال (ك): عَمْرو هنا هو أبو الحسَن بن خالد بن فَرُّوخ -بالمعجمة- الحَرَّاني ساكِنُ مِصر، مات بها سنة تسعٍ وعشرين ومئتين، قال الغَسَّاني في "تقييد المُهمَل": ليس في شُيوخ البخاري عُمر بن خالد، بل كلُّ ما في الكتاب عَمْرو بن خالد -بالواو-. (أول) نصبٌ على الظَّرفيَّة، ووهِمَ (ش)، فقال: خبَر (كان). (ما قدم)؛ أي: في الهجرة من مكَّة، و (ما) مصدريةٌ. (المدينة) مِنْ مَدَنَ بالمكان: إذا أقامَ به، فهو فَعِيْلةٌ، وجمعها: مَدائِن بالهمز، أو: مِن دانَ؛ أي: أَطاعَ، أو: مِن ديَن؛ أي: ملَكَ، فلا يُهمز الجمع كمَعايش، ولها أسماءٌ كثيرةٌ: يَثْرب، وطَيْبة -بفتح المهملة، وسُكون الياء-، وطَابَة، والدَّار، والطَّيِّبة بخُلوصها من الشرْك، أو لطيبها لساكنها للأَمْن، أو طِيْب العيش فيها. (أو قال: أخواله) الشكُّ من أبي إِسحاق، وكلاهما صحيح،

والجُدودة والخُؤولة هنا من جِهة الأُمومة من قِبَل جدِّه هاشِم بن عبْد مَنَافٍ؛ فإنَّه تزوَّج من الأنصار. (قِبَل) بكسر القاف، وفتح المُوحَّدة، أي: نَحوه وجِهته. (المقدس) بفتح الميم، وسُكون القاف، وكسر الدال، فهو مصدرٌ كالمَرجِع، أو مكانُ القُدس، وهو الطُّهر، أي: المكان الذي يَطهُر به العابد من الذُّنوب، أو يطهر العبادة من الأَصنام، ويُقال أيضًا بضم الميم، وفتح القاف، وتشديد الدال مفتوحةً، اسم مفعولٍ من القُدس، ويُقال: (البَيْت المُقدَّس) على الصِّفة، لكن الأشهر بالإِضافة كمَسجِد الجامع. (أو سبعة عشر) الشكُّ من البَراء، وفي "مسلم" الجزْم بالأوَّل. (شهرًا) سُمي بذلك لشُهرته بين الناس لمَحلِّ الحاجة له. (يعجبه)؛ أي: يحبُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تكون قِبْلته جِهة الكعبة كما قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] الآيةَ. (وأنَّه أول)؛ أي: صلَّى أوَّلَ فحُذف الفِعل، وربَّما ذُكر في بعض الروايات. (صلاها)؛ أي: للكعْبة، فحُذف للعِلْم به، وقال (ش): الضمير في صلاها للقِبْلة، أي: صلَّى إليها. (صلاة العصر) بالنَّصب بدَلٌ من المفعول، وهو (أوَّل)، كذا قال (ك)، وقال (ش): هو بالرفْع عن ابن مالك.

(رجل) هو عَبَّاد -بفتح العين- بن نَهِيْك -بفتح النون- الخَطمي الأَنصاري، كذا سَمَّاه ابن عبد البَرِّ، وقيل: عَبَّاد بن بِشْر بن قَيْظي الأَشْهَلي، وهو أرجح، رواه ابن أبي خيثمة، وغيره. (على مسجد) وفي روايةٍ: (أَهلِ مَسجِد)، وهذا يحتمل أنْ يكون مَسجِد قُباء كما سيأْتي حديثُه: (بَينَما النَّاسُ في صلاة الصُّبح ...)، إلى آخره، لكنْ يُبعده الفاء في (فمَرَّ)؛ لاقتِضائها التعاقُب، ويحتمل أنْ يكون غيرَ مَسجِد قُباء، وتكون الصلاة هي صلاة العصر. (راكعون) يحتمل أن يكون في ركوعهم، ويحتمل إرادة أَصل الصَّلاة، فإنَّها تُسمى ركوعا من إطْلاق الجُزء على الكلِّ. (أشهد)؛ أي: أَحلِفُ. (قبل مكة)؛ أي: قِبَل البيت الذي بها، يُوضِّحه قوله: (فداروا كما هم)، و (ما) فيه موصولة، وهم مبتدأ، والخبر محذوفٌ، أي: عليه، أو نحو ذلك، أي: دَارُوا مُشبَّهين بالحال الذي كان متقدِّمًا على حال دورانهم، أو دارُوا على الحال التي هم كانُوا عليها، وتُسمَّى هذه كافَ المُقارَبة. (أعجبهم إذ كان يصلي) يحتمِل أنَّ فاعل (أَعجبَ) ضميرُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، و (إذْ) بدَل اشتمالٍ منه، ويحتمل أنَّ (إِذْ) فاعل (أَعجَب) على أنَّ المراد بها مُطلَق الزَّمان، أي: زمانُ كانَ يُصلِّي لبيت المقدِس؛ لأنه كان قِبْلتهم، فيُعجبهم موافقةُ قِبْلتهم.

(وأهل الكتاب) يحتمِل العُموم، فعطْفُه على النصارى مِن عطْف العامِّ على الخاصِّ، ويحتمل أن المُراد به النَّصارى فقط؛ لأنَّ إِعجابهم ذلك ليس لكونه قِبْلتهم بل تَبَعًا لليهود، ويحتمِل أنَّ الواو بمعنى (مع)، أي: مَعَ أَهل الكتاب، وهذا أَظهر إنْ صحَّت روايته بالنصب. (أنكروا) قال تعالى عنهم: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 142] الآيةَ. (قال زهير)، قال (ك): يحتمِل أنَّه علَّقه عنه، ويحتمِل أنَّه من جُملة الحديث السابق، لا سِيَّما إذ قدَّرنا: وقال -بالواو-، وحُذف العاطِف إنْ جوَّزنا حذْفَه. قلتُ: الظاهر الاتصال، ويُؤيِّده رواية البخاري في (التفسير)، في (البقرة) الحديثَ عن أبي نعيم، عن زُهير، عن أَبي إِسحاق. (مات على القبلة)؛ أي: المَنْسوخة. (رجال)؛ أي: كالبَراء بن مَعْرُور، وأَسعَد بن زُرَارة. (وقتلوا) يحتمل أنَّه تبيين لكيفية موتهم إشعارًا لشرَفهم، واستِبعادًا لضَياع طاعتهم، ويحتمل أن الواو بمعنى: أو، فيكون شكًّا في العِبارة، لكنَّ القتْل فيه نظَرٌ، فإنَّ تحويل القِبْلة كان قبل نُزول القتال، فإنْ قيل: إنما جاء ذلك من تقْييد المعطوف بقَيد المعطوف عليه، وهو قبْل أَن تُحوَّل، وليس بلازمٍ، ولذلك قال الأصوليون: عطْفُ المُطلَق على المقيَّد، أو العامِّ على الخاصِّ ليس مُقيِّدًا ولا مُخصِّصًا؛ قيل: السِّياق هو المقتضي للتَّقييد، وأيضًا فالمطلَق يُحمل على المقيَّد.

فإنْ قيل: الضمير الراجع لنَكرةٍ هل يقتضي المُغايَرة كإِعادة لفْظ النَّكرة؟ قيل: ليسَ مثْله بل يحتمِل المُغايَرة والاتحاد. (فلم ندر)؛ أي: هل ضاعتْ طاعتُهم أَوْ لا؟ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} هو أبلَغ مِن: وما يُضيعُ؛ لأن في الأول نفْي إِمكان الإِضاعة كما أشار إليه الزَّمَخْشَري. فإنْ قيل: سِياق حديث البَراء يقتضي أنْ يجيء في الآية إيمانهم بلفْظ الغَيبة؟ قيل: لما أُريد تعميم الحُكم للحَيِّ والميِّت، والغائب والحاضِر أُتي بضمير الخِطاب تغليبا على غيرهم. قال (ن): ومن فوائد الحديث: نَدْب إكرام القادِم على أَقاربه بالنُّزول عليهم، والانتِقال من حال الطاعةِ إلى أكمَل، ولا يكون قادِحًا في السَّابق، والنَّسْخ، وأنَّه لا يَثبت في حقِّ أحدٍ حتى يبلُغه، وجواز الصَّلاة إلى جِهَتين حتى لو صلَّى باجتهادٍ فتغيَّر اجتهاده تَحوَّل ولو أَربعَ ركعاتٍ إلى أربع جِهاتٍ. قيل: وفيه العمَل بخبر الواحد، وفيه نظَرٌ؛ فإنَّ هذا احتَفَّ به قَرائن، وهو انتِظار نَسْخ القِبْلة، وقُرب المخبر عنه، وغير ذلك، فيُفيد القطْع، وإنما الخِلاف عند التجرُّد، وحينئذٍ فلا يُقال: إنَّه من نسخ المقطوع بالمَظْنون، نعَمْ، اختُلف في استقبال بيت المقدِس، فأكثر

31 - باب حسن إسلام المرء

أنَّه بالسنَّة، وقيل: كان بالقُرآن، فعلى الأول يكون فيه نسخ السنَّة بالقرآن. قال (ط): الآية المذكورة أَقطَع لحُجَج الجهميَّة والمُرجئَة في قولهم: الأَعمال لا تُسمَّى إيمانًا. * * * 31 - بابُ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ (باب: حسن إسلام المرء)؛ أي: باب ما فيه حُسنه. 41 - قَالَ مَالِكٌ: أَخْبَرَني زيدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا أَسْلَمَ العَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ يُكَفِّرُ اللهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ القِصَاصُ، الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئة بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهَا". (قال مالك) هو تعليقٌ بالجَزْم، فله حُكم الصِّحة خلافًا لقَول ابن حَزْم أنَّ انقِطاعه قادِحٌ في صِحته، لكنْ جوابه: أنَّ الحكم تضمَّنه للجزْم وإنْ كان مُنقطِعًا صُورةً؛ لما عُلم من عادة البخاري في جَزْمه، نعَمْ، الساقط فيه يحتمل أن يتعدَّد، فيكون مُعضَلًا أيضًا، ولا يُسمى مُرسَلًا إلا عند من يُفسِّره بمعنى المُنقطِع بخلاف من يُخصِّصه بالساقط

بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والراوي. وفي السنَد كونه مُسلسَلًا بـ (أَخبَر) بالإفراد على طريقةِ مَن يُفرِّق في ذلك. قال (ط): أسقَط البخاري بعضَ هذا الإسناد، وقال: وهو مشهورٌ في غيرِ المُوطَّأ: (إذا أسلَم الكافرُ، فحسُن إسلامه كتَب الله تعالى له كلَّ حسنةٍ كان زَلَفها، ومَحا عنه كلَّ سيِّئةٍ كان زلَفَها، وكان عمَلُه بعدُ الحسَنة بعشْر أَمثالها إلى سبْع مئةِ ضِعْفٍ، والسيئة بمثلها إلا أنْ يتجاوز الله عنْها)، ورواه الدَّارَقُطْني في "غرائب مالك" من تِسعِ طُرُقٍ، وفيها كلِّها: (يُكتَبُ له كلُّ حسَنةٍ عَمِلَها في الكُفر). قال (ش): إنَّ هذا التعليق أسنده البَزَّار بلفْظ: (يُكتب لَه في الإِسلام بكُلِّ حسنةٍ عمِلَها في الشِّرْك)، وإنما اختصَره البخاريُّ؛ لأنَّ قاعدة الشرع أنَّ المُسلم لا يُثاب على عمل لم يَنوِ به القُربة. قال: ثم وَجْه مطابقته أنَّه لمَّا وصف الإسلام بالحُسن، وحُسن الشيء زائدٌ على ماهيَّته؛ تعيَّن أنْ يكون ذلك هو الأَعمال؛ لقَبولها الزِّيادة والنَّقص بخلاف العَقائد، انتهى. وقال بعض العَصْريين: إنَّ أبا ذَرٍّ الهرَوي وصلَه في روايته، والنَّسائي في "السنن"، والحسَن بن سُفْيان في "مسنده"، والإِسْمَاعِيْلي عنه، والدَّارَقُطْني، وسَمُّويه في "فوائده"، انتهى. قال (ط): لله تعالى أنْ يتفضَّل على عباده بما شاء كما قال عليه

الصلاة والسلام لحَكِيْم بن حِزَام: "أَسلَمْتَ على مَا سَلَفَ مِن خيرٍ"، فالحديث على ظاهره، فإنَّ الكافر إذا تقرَّب بصدَقةٍ، وصِلَة رَحِمٍ، وعِتْقٍ، ونحوه، ثم أَسلَم يُكتب له كلُّ ذلك، ويُثاب عليه إذا مات مُسلمًا. قال (ن): وحديث أبي سعيد وحكيم دليلٌ عليه، انتهى. وقال المَاوَرْدي: الجارِي على القاعِدة أنَّ الكافِر لا يتقرَّب وإنْ أطاعَ، والثَّواب إنما هو على التَّقريب، فيُؤوَّل حديث حَكِيْم ونحوه بأنَّه اكتسَب أَخلاقًا جميلةً، فيَنتفع بها في الإسلام، أو أنَّه حصَل له بها جميلٌ، وهو باقٍ في الإسلام، أو أنَّه يُزاد في حسَناته التي يفعلُها في الإسلام بسبَب ذلك. وقال (ع): أنَّه بتركه ما فعلَه هداه الله للإسلام، فإنَّ ظُهور الخير فيه دليلٌ على سَعادة العُقبى، انتهى. وما سبَق عن (ط) و (ن) هو الأَظْهر؛ لأنَّ العقْل لا يَتخيَّله، والشَّرع وردَ به، فورود قَبوله ودَعوى مُخالفته الأصل غير ظاهرةٍ. وأما قول الفقهاء: لا تصحُّ العبادة من الكافر، ولو أَسلَم لم يُعتدَّ بها، والمراد: لا يُعتدُّ بها في أَحكام الدنيا، ولا تعرُّض له في الثواب في الآخرة، بل قد يُعتدُّ ببعض ذلك في الدُّنيا كتكفير الكافر في الظِّهار ونحوه، ويُجزئه ذلك، وإذا اغتَسَل في كُفره عن جَنابةِ ونحوها لا يُعيد في وجهٍ بل يُصلِّي بذلك. (يقول) إنما لم يقُل: (قال) موافقةً لـ (سَمعَ) لكون كليهما في

الماضي؛ لغَرَض الاستِحضار كأنَّه يقول: إلا أَنْ يُريد اطلاع الحاضِرين على ذلك مُبالغةً في تحقُّق وُقوعه مثل: {كَمَثَلِ آدَم} [آل عمران: 59] الآيةَ، حيث قال: فيكون، ولم يقُل: فكان، كذا قال (ك). وقد سبَق في حديث النيَّة في مثْل ذلك أنَّ (يقول) إما حالٌ، أو مفعولٌ ثانٍ لـ (سمع)، فالمضارع للحال حيثُما قُدِّر، أي: لحكاية الحال. (فحسن) عطفٌ على أَسلَم، وجواب الشرط: (يكفر) بالرفْع، كذا الرِّواية على حدّ قوله: وإِنْ أَتاهُ خليلٌ يَومَ مَسألةٍ ... يقُول لا غائبٌ مالي ولا حرَمُ ويجوز الجَزْم فتكسر الراء حينئذٍ؛ لالتقاء الساكنين، ومعنى حُسن الإسلام: الدخول فيه ظاهرًا وباطنًا. وقال (ط): ومعناه كما في حديث جِبْريل: "أَنْ تَعبُدَ اللهَ كأَنَّكَ تَراهُ"، فهو لمبالغة الإخلاص بالمراقبة. وقال (ن): يُسلم إسلاما محقَّقًا بَريئا من الشُّكوك، وأما معنى: التكفير فهو التَّغطية، فهو في المَعصية كالإحباط في الطاعة. قال الزَّمَخْشَري: هو إماطة المستحَقِّ من العِقاب بثوابٍ أَزَيد، أو بتوبةٍ. (زلَّفها) بتشديد اللام، وبالفاء، أي: أسلَفَها وقدَّمَها، يُقال: زَلَّف تَزليفًا، وأَزلَف إِزْلافًا، وأَصل الزَّلْفة التَّوبة.

قال (ك): وفي بعض نُسخ المغاربة: (زَلَفَها) بتخفيف اللام، ويُؤيِّده حديث: "الإسلام يَجُبُّ ما قَبْلَه"، وحكى (ش) التَّشديد عن رواية الأَصِيْلِي بعد أنْ صدَّر بالتخفيف. (بعد ذلك)؛ أي: حسن الإسلام. (القصاص) المقابلة في الخير والشر، فرفعه اسم (كان) إنْ قُدِّرت ناقصةً، أو فاعل إنْ قُدرت تامة، وأُتي بها ماضيًا والسِّياق يقتضي المضارع لتَحقُّق الوُقوع كما في نحو: {وَنَادَىَ أَصْحَابُ الجنَّةِ} [الأعراف: 44]. (الحسنة) مبتدأٌ (بعشر) خبره، والجُملة استئنافيةٌ، قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] الآيةَ. (إلى سبعمئة) مُتعلِّقٌ بمقدَّرٍ، أي: مُنتهيًا إلى ذلك، فهي حالٌ، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] الآيةَ، فقوله: (والله يُضاعف لمن يَشاء)، أي: هذه المضاعفة إلى السَّبعمئة، ويحتمل أنَّ الله تعالى يُضاعف المضاعَفة إلى سبعمئةٍ إلى ما يشاءُ، أو يَزيده، ففضْله واسِعٌ. (ضعف)؛ أي: مِثْل. قال الجَوْهَري: ضِعْف الشيء مِثْله، وضِعْفاه مِثْلاه، وفي الفقه في الوصيَّة بضِعْف نصيبِ ابنِه مِثْلاه، وبضعفيه ثلاثة أمثاله عملًا بالعُرف في الوصايا، وكذا في الأَقارير نحو: له عليَّ ضِعْف درهمٍ فيَلزمه دِرْهمان؛ لأن العمل باللُّغة، أو يُقال: الضِّعف الشيء ومثْله

لا لمَجرَّد المثْل، فضِعْف العشرة عِشْرون بلا خلافِ؛ لأنَّه أول مَراتب تضعيفها. (بمثلها)؛ أي: بلا زيادةٍ، وذلك فضْل الله تعالى يُؤتيه من يشاء، ومن سَعة رحمته كما قال تعالى: {فَلَا يُجْزَى إلا مِثْلَهَا} [الأنعام: 160]. (يتجاوز)؛ أي: يَغفر. وفيه ردٌّ على مَن يقطع لأهل الكبائر بالنار كالمعتزلة. قال (ن): لا يُشترط في تكفير سيِّئَات زمَن الكفر، وكتْب حسَناته أنْ يُكثر من الطاعات في الإسلام، ويُلازم الإخلاص في الأفعال. * * * 42 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلاَمَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا". (م). (أحدكم) الخِطاب عامٌّ للحاضرين وغيرِهم؛ لحديث: "حُكْمِي على الواحِدِ حُكْمي على الجَماعة" (¬1)، ويدخُل فيه النساء أيضًا، والعَبِيْد، نعَمْ، النِّزاع في كيفية التناوُل؛ أهي حقيقةٌ عرفيةٌ، أو شرعيةٌ، أو مجازٌ، أو غير ذلك. ¬

_ (¬1) قال العراقي: لا أصل له. انظر: "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص: 314).

32 - باب أحب الدين إلى الله أدومه

(فكل حسنة) أَتَى هنا بـ (كُل)، وهي أَصرح في العُموم من اللام في الحديث السابق. (يعملها) تقييدٌ للإطلاق في الحديث السابق؛ إذ لا بُدَّ من العمَل في العَشْر والإضعاف، وأما السيِّئة فلا يُكتب له مثْلها إلا بالعمَل، وصرَّح هنا بالفِعْل، وهو: تكتُب المقدَّر في الحديث السابق؛ إذ الجارُّ والمَجرور لا بُدَّ له من متعلَّقٍ. قال بعض العُلماء: لما وَصَف الإسلام بالحُسن، وحسن الشيء زايدٌ على ماهيَّته تعين أن يكون المُراد هنا الأعمال. * * * 32 - بابٌ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ (باب: أحب الدين إلى الله أدومه) مُناسبته لـ (كتاب الإيمان) أنَّ الدِّين والإسلام والإيمان واحدٌ. وأَدوَمُه: أَفْعل التفضيل من الدَّوام، وهو شُمول الأزمنة، والشُّمول وإنْ كان لا تفاوُت فيه، لكن أُطلق عُرفًا على المواظَبة في الأَزْمنة، وهي تقبَل التفاوُت. 43 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأةٌ،

قَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ "، قَالَتْ: فُلاَنةٌ تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَالَ: "مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ لاَ يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا"، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. (م). (امرأة) هي كما في "مسلم": الحَوْلاء -بمهملةٍ تأْنيث أَحْوَل- بنت تُوَيْت -بمُثنَّاةٍ أوَّله وآخِره، على التَّصغير- من بني أسَد. (قال من هذه) في روايةٍ: (فقال)، عطف على (دخَل)، وأما على حذْفها؛ فهو جواب سؤالٍ، وكأنه قيل: فإذا قال. (فلانة) لا يَنصرف للتأْنيث والعلَمية؛ لأنَّه كنايةٌ عن كل علَم عاقل. (تذكر) بفتح المُثنَّاة، و (يُرى) بضم الياء على البناء للمفعول. (من صلاتها) قال (ك): مفعولٌ له، وفيه نظرٌ؛ إذ يحتمل تذكُر كثيرًا من صلاتها. (مه) بالسُّكون اسم فِعْلِ للزَّجر بمعنى: انكَفِفْ، فإنْ وصلت نوَّنتَ، فقلتَ: مَهِ مَه، وقال التَّيْمِي: إنْ نكَّرته نوَّنتَ، وهو تنوين التنكير الفارِق بين المعرفة والنَّكِرة. (عليكم) اسم فعلٍ بمعنى: الزَمُوا، وعمم في المؤنَّث تغليبًا لعُموم الحُكم في الأُمة، وإِلا فالخِطاب للنّساء. (من الأعمال)؛ أي: مِن دَوامها، دليله السِّياق.

(لا يمل) بفتح الياء والضم. (حتى تملوا) بتاء الخِطاب، والمَلال على الله تعالى مُحالٌ، وفيه خمسة تأْويلاتٍ: فقال (خ): معناه: لا يترك الثواب على العمل ما لم تتركوا العمَل تعبيرًا عن التَّرك بالمَلال مِن إطلاق السبَب على المُسبَّب. قال ابن قُتَيْبة: معناه: لا يملُّ إذا ملِلْتم كـ: فُلانٌ البليغ لا ينقطِع حتى تنقطِع خُصومه؛ إذ لو كان معناه ينقطِعُ إذا انقطعتْ خُصومه لم يكن له فضْلٌ على غيره. وقيل: معناه: لا يَتناهى حثُّه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جُهدكم، فلا تتكلَّفوا ما لا تُطيقون، فكنَّى عن التناهي بالمَلال؛ لأنَّ مَن تناهتْ قوَّته مَلَّ. وقال التَّيْمِي: قالوا: معناه: لا يملُّ أبدًا مَللتُم أو لا، مثْل: لا أُكلِّمُك حتى يَشيب الغُراب، أي: وهو لا يَشيبُ، وضعف التشبيه لمُحاليَّة شيْب الغُراب بخلاف ملال العِباد، وأجاب عنه (ك): بأنَّ المؤمن مِن شأنَّه أنْ لا يملَّ، فإنَّ مَلاله محالٌ، وفيه نظَرٌ. وقال ابن الأنباري: إطلاقه على الله تعالى من مَجاز المُقابَلة نحو: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} [الشورى: 40]، فالتأْويل إما في يملُّ، وهو ثلاثةٌ، أوفي: حتى، أو في تَملُّوا. (أحب الدين)؛ أي: أحبُّ الطاعة كما في حديث: "مِنَ الدِّيْنِ"،

أي: من طاعة الأئمة، ويحتمل أنَّ المراد: أحبُّ أعمال الدِّين، فحُذف المضاف. وأما (يَمرُقون من الدِّين)، فالمعنى: من الإيمان بدليل رواية: (يمرُقُونَ مِنَ الإِسلامِ)، وأجاب التَّيْمِي: بأن الخوارج إنما خرجوا من الطاعة، ولم يخرجوا من دائرة الإسلام اتفاقًا، ثم المراد من الدِّين دين الإسلام لا كلُّ دينٍ ولو كان باطلًا حتى يكون الدَّوام عليه أحبَّ إلى الله، فاللام فيه للعهد. (إليه)؛ أي: إلى الله تعالى. قال (ط): القصد من الباب تسمية الأعمال دِيْنًا بخلاف قول المرجئة، وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك خشيةَ مَلالِ الأُمة بالمبالغة في العبادة كما قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد: 27] الآيةَ، فذمَّهم الله تعالى على مثْل ذلك، وقد نَدِم ابن عَمْرو لمَّا ضعُف عن العهد، وقال: ليتَني قبلتُ رُخصة النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قال (ن): من فوائد الحديث: تسمية الأَعمال دِيْنًا، واستعمال المَجاز في إطْلاق الملَل على الله تعالى، وجواز الحلِف بلا استحلافٍ تفخيمًا للأمر، أو للحثِّ على الطاعة، أو التَّنفير عن مَحذورٍ ونحوه، وقصْد المُداومة حيث لا مَشقَّةَ لمَا فيه من النَّشاط، فإنَّه مع المشقَّة قد يترك الكلَّ أو البعض. * * *

33 - باب زيادة الإيمان ونقصانه وقول الله تعالى: {وزدناهم هدى} [الكهف: 13]، {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} [المدثر: 31]، وقال: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3]، فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص.

33 - بابُ زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ. (باب: زيادة الإيمان ونقصانه) (هدى)؛ أي: دلالةً موصولةً للبِغية، وقيل: الهدى: الدلالة مطلقًا. ووجه دلالة هذه الآية على التَّرجمة: أنَّ زيادة الهُدى تَستلزم زيادةَ الإيمان. (وقال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، إنما لم يقُل: وقوله كما في الآية قبلَها؛ لأن تلك صريحةٌ في المراد منه، وهو الزيادة، وهذه ليست صريحةً في القصد، وهو النُّقصان بل يَستلزمه؛ لأن الشيء إذا قَبِلَ أَحَد الضِّدَّين قَبِلَ الضِّدَّ الآخَر، فلهذا قال: (فإذا ترك شيئًا) إلى آخره. وقال (ط): في هذه الآية حُجةٌ في زيادة الإيمان ونقصانه. قال (ش): نازَعه الإِسْمَاعِيْليُّ في إدخالها التَّرجمة؛ إذْ لا شكَّ أنَّ الكمال يَستلزم النُّقصان قبْله، والتوحيد كان كاملًا قبْل نُزول هذه الآية، وإنما تجدَّد الحجُّ، وهو عملٌ محضٌ، وحديث أنس وابن عُمر

في وصف الإِيمان بالشَّعيرة والبُرَّة والذُّرة. قلتُ: صوابه: (وعُمر)، مع أنَّ الوصْف بذلك إنما هو في حديث أنَس فقط، وأيضًا فما قالَه الإِسْمَاعِيْلي مُتَعَدٍّ إلى إيراد حديث عُمر في الباب، ولكن جوابه أنَّ المُراد شُمول المؤمن للكُلِّ، فساغ إدخاله في الترجمة. (فهو ناقص)؛ أي: وصف الإيمان بمثْل ذلك، وهو وصفٌ للجِسْم تشبيها للمعنى به، ويُسمَّى مثْله استعارة بالكناية. * * * 44 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ إِيمَانٍ" مَكَانَ: "مِنْ خَيْرٍ". الحديث الأول (م ت): إسناده بصريُّون إلا أنسًا آخِر من مات بالبَصرة. (يخرج) بفتح الياء: مِن الخُروج، وبضمها: مِن الإِخراج.

(من خير)؛ أي: (من إيمانٍ) كما في الرواية الأُخرى، ولأنَّ الخير ما يُقرِّب العبد إلى الله تعالى، وما ذاك إلا الإيمان، وإنما نُكِّر إيمانٌ، وخيرٌ بمعناه مع أنَّه لا بُدَّ فيه من الإيمان بجميع ما جاءتْ به الرسُل؛ لأنَّه لا يصدُق الإيمان إلا بذلك؛ لقَصْد التَّيسير والتقليل بأقلِّ ما يصدُق عليه، وإنْ كان الزائد على ذلك قد يُسمَّى إيمانًا، فالآتي به مع الأَصْل يَخرج من النار من بابٍ أَولى. وقد سبقت الإشارة إلى ذلك أول (كتاب الإيمان). (من قال) إلى آخره، قد يَستدِلُّ بذلك مَن لا يكتفي في الإيمان بمجرَّد التصديق، وأنَّه لا بُدَّ من القَول والفِعْل، وعليه البخاري، ولكنَّ الجمهور على الاكتفاء به. قلتُ: فيُجاب بأنَّ قول: لا إله إلا الله لا بُدَّ معه من تصديق القَلْب، فإنْ قُلنا: نفْس التصديق يَتفاوت؛ فالمراتب إشارةٌ إلى تفاوُته، فالاحتراز عن المنافقين الذين يقولون بألسنتِهم ما ليس في قُلوبهم، وسيأْتي فيه مَزيد بيانٍ. وأما التلفُّظ بلا إله إلا الله فلإِجْراء الأحكام عليه، فيُؤوَّل على أنَّا لا نجزم بأنَّه يخرج من النار إلا إذا تلفَّظ، وأما عند الله فهو يُخرجه وإنْ لم يتلفَّظ، وإنما لم يذكر: محمد رسول الله، وإنْ كان لا بُدَّ منه في الإيمان حُكمًا؛ لاستلزام حقيقةِ: لا إله إلا الله ذلك، أو للاكتفاء بالجُزء الأول كما تقول قَرأْتُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}؛ إِذ المراد: إلى آخِر السورة، فصار الجُزء دالًّا على الكُلِّ.

قال (ك): أو أنَّ هذا كان قبْل مَشروعية ضمِّها إليه، وفيه نظَرٌ. (برة) بضم المُوحَّدة، وتشديد الراء. (ذرة) بفتح المعجمة، وتشديد الراء، وهي أَصغَر النَّمْل، وصحَّفها شُعبة بضم الذال، وتخفيف الراء، توهَّم ذلك من ذِكْر الشَّعير والبُرَّة قبلَه. ثم المراد الترقِّي من الأكبر إلى الأصغر، والأخير هو المُعتبَر الذي لا يجوز النَّقْص منه ولا الزيادة عليه، فما ذكر من الشعيرة والبرة إنما هو من الأعمال لا زيادةٌ في التصديق، لكنْ قوله: (في قَلْبه) يُشعر بأنَّ الزيادة من التَّصديق، ويُجاب بأنَّ الزائد من الأعمال لا بُدَّ فيه من نيةٍ وهي قلبيةٌ، فكانت الزيادة بما في القَلْب، قاله المُهَلَّب. ويحتمل أن الزيادة من نفْس التصديق عند من يقول: إنَّه يزيد وينقص في ذاته باعتبار زيادة العِلْم لا غايته كما قال تعالى: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124]، أو باعتبار زيادة المُعايَنة كما في قوله تعالى: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: 7]، حيث جعل له مزيَّةً على عِلْم اليقين. قلتُ: وفيه إذا صحَّ يُقوي ما سبَق قريبًا، وقال التَّيْمِي: إن البخاري استدلَّ بذلك على نُقصان الإيمان للترقِّي في النُّقصان من الشَّعيرة إلى البُرَّة والذَّرَّة. قال (ك): بل ويدلُّ على الزيادة أيضًا.

قال (ن): وفيه غير ما سبَق دُخول طائفةٍ من عُصاة الموحِّدين النارَ، وأن الكبيرة لا يكفر مَن عمِلَها، ولا يخلَّد في النار. (قال أبان) وعلَّقه البخاري لعدَم تلاقيهما، وذكره متابعةً إما لضَعْفه، أو ضَعْف شيخه عنه؛ لأنَّه مدلسٌ لا يُحتجُّ به إذا عنْعن، وإنْ روى له مسلمٌ في الأُصول، وأيضًا ففيه تغيير بعض اللفْظ، وفيه أيضًا: (من إيمان) مكان (من خير)، وفيه: (حدَّثَنا) بدل (عَنْ). قال (ك): والساقط بين البخاري وأَبَان يحتمل أنْ يكون مُسلِم بن إبراهيم، وأنْ يكون غيرَه. قلتُ: وصلَه الحاكم في "الأربعين" له، والبيهقي في "كتاب الاعتقاد". * * * 45 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، سَمعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، أَخْبَرَناَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونهَا، لَوْ عَلَيْنَا -مَعْشَرَ اليَهُودِ- نزَلَتْ لاَتَّخَذْناَ ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.

الحديث الثاني (م ت س): سنَده كوفيُّون سِوى أوَّله وآخِره، وفيه اختلاف عبارتهم في: حدَّث وسَمع وعَنْ؛ مُراعاةً للاصطلاح. (أن رجلا) هو كعْب الأَحبار قبْل أن يُسلم، كذا في "مسنَد مُسدَّد" بإسنادٍ حسَنٍ، وفي أوَّل "تاريخ دمشق" لابن عساكر من طَريقه، وفي "الأوسط" للطَّبَراني من هذا الوجْه، وفي روايةٍ في "الصَّحيح": (أنَّ اليهود قالوا)، ولعلَّه لما سأل كان في جماعةٍ منهم فنُسب القول للكل. واليهود: عَلَمٌ على قوم موسى عليه الصلاة والسلام، وهو معرفةٌ دخل عليها لام التعريف، واشتقاقه من مادة: هادَ، أي: مالَ؛ لأنَّهم مالوا عن عبادة العِجْل، أو عن دين موسى، أو مِن هاد: إذا رجع من خيرٍ إلى شرٍّ، وعكسه لكثْرة انتقالاتهم، وقيل: لأنَّهم يهودون، أي: يتحركون عند قراءة التوراة، وقيل: يَعرب بن يَهوذا بن يعقوب -بالمعجمة-، ثم نُسب إليه، فقيل: يهودي، ثم حذفت الياء في الجمع، فقيل: يهود، وكلُّ جمعٍ يُنسب إلى جنس يفرق بينهما بالياء كرومي ورومية. (آية) مبتدأٌ وإن كان نكرةً؛ لوصفه بما بعده، والخبر: (لو علينا) إلى آخره، أي: لو نزل علينا؛ لاختصاص (لو) بالفعل فسَّره (نزلت) المذكورة نحو: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100]، أو المسوغ للابتداء بنكرةٍ وصفٌ مقدَّرٌ، أي: آيةٌ عظيمةٌ، و (في كتابكم تقرؤونها) خبرٌ ثم خبرٌ، ويحتمل أن الخبر محذوفٌ مقدَّمٌ على المبتدأ، أي: في كتابكم آيةٌ، يدل عليه قوله بعده: (في كتابكم).

(معشر) نصب على الاختصاص بـ: أعني أو نحوه، والمعشر الجماعة شأنهم واحدٌ. (لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا)؛ أي: لعظَّمناه وجعلناه عيدًا لنا في كل سنةٍ؛ لعِظَم ما حصل فيه من كمال الدين، والعِيْد مأْخوذ من العَود؛ لأنَّه يعود كل عامٍ، وقيل: السرور العائد، أي: يكون لنا سرورًا وفرحًا؛ قاله الزَّمَخْشَري. وقال: ومعنى: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ} [المائدة: 3]، أي: ما تحتاجون إليه في تكليفكم، {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]، أي: نعمائي، أو الدِّين؛ إذ لا نعمةَ أتم من ذلك، {وَرَضيتُ}، أي: اخترتُ. (أي آية) وإنما لم يقُل: وما تلْك الآية؛ لأن السؤال بـ (أيُّ) عن تعيين المشارك، والمطلوب تعيين تلك الآية، وما يُسأل بها عن الحقيقة. (قد عرفنا)؛ أي: ما أهملناه ولا خفى علينا زمانُ نزولها، ولا مكانه بل ضبَطنا جميع ما يتعلق بها، وأشار بالجمُعة لزمان النُّزول، وبعرفة وإنْ كان للزمان لكن أُريد زمَن الوقوف به، فتضمَّن معرفة المكان أيضًا، أو أنَّه من إطلاق المشترك على معنيَيه، فدلَّ على الزمان والمكان، أو أنَّه قال: عرفنا المكان، ولم يتعرض لتعيينه. (بعرفة) متعلِّقٌ بـ (قائم)، أو بـ (نزلت). (يوم جمعة) في روايةٍ: (يوم الجمُعة)، وهي بضم الميم وإسكانها وبفتحها، والفرْق بين المسكَّن والمفتوح: أن الأول للمفعول كضُحْكة

34 - باب الزكاة من الإسلام وقوله: ({وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5].

بمعنى: مضحوك عليه، والثاني للفاعل كضُحَكة بمعنى: ضاحك، وهُمْزة، ولمُزْة، فالمعنى: إما مجموعٌ فيه الناس، أو جامعٌ لهم. فإن قيل: عرفة غير منصرفٍ للعلمية والتأنيث، فلم لا كانت جمعة كذلك؟ قيل: لأن جمعة ليس علمًا بل صفةً أو غيرها. ووجه مطابقة جواب عمر - رضي الله عنه -: - (قد عرَفناه ...) إلى آخره: أنَّ النزول إذا كان بعرفة فقد يعقُبه عيدٌ، وإنما لم يجعل نفس عرفة عيدًا؛ لأنَّها نزلت بعد العصر ففات العِيْد، فلذلك قال الفُقهاء: رؤية الهلال بالنهار للَّيلة المستقبَلة. قال (ن): أو إنا ما تركنا تعظيم زمان النُّزول، ولا مكانه، أما المكان فعرفات مكان مُعظم الحج، وأما الزمان فيوم الجمعة يوم عرفة، وقد اجتمع فيه فَضيلتان وشرَفان، ومعلومٌ تعظيمنا لكل منهما، فإذا اجتمعا زاد التعظيم فقد اتخذنا ذلك اليوم عيدًا وعظمنا مكانه. قلتُ: المعنى: أنَّ الله تعالى قد فعَل ذلك كذلك، وإن كان سابقًا على نُزول الآية. * * * 34 - بابٌ الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلاَمِ وَقَوْلُهُ: ({وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

(باب الزكاة من الإسلام)، هما مبتدأٌ وخبرٌ، وما أورد فيه من الحديث، وإنْ كان فيه أن الصلاة والصيام كذلك لكن سبَق ما يدلُّ عليهما، وهذا هو الذي ورد فيه الزكاة؛ كما قاله التَّيْمِي. (وقوله) يجوز رفعه كما سبق في نظيره. (ألا ليعبدوا الله) استثناءٌ من مفعولٍ لأجله عامٍّ، أي: ما أُمروا لأجل شيءٍ إلا للعبادة. (حنفاء) جمع حَنِيْف، وهو المائل عن الضلال إلى الهدى. (ويقيموا) عطف خاصٍّ على عامِّ. وفيه أن الصلاة والزكاة أفضل من سائر العبادات البدَنية والمالية. (القيمة)؛ أي: المستقيمة؛ مثل: {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ}؛ أي: مستقيمة؛ قاله الزَّمَخْشَري. * * * 46 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتهِ، وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْألُ عَنِ الإسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَصِيَامُ رَمَضَانَ"، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: "لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"، قَالَ: وَذَكَرَ

لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ"، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ! لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أنقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أفلَحَ إِنْ صَدَقَ". (م د س). وسنده مَدَنيُّون، وهو مسلسلٌ بالأقارب، فإنَّ إسماعيل هو ابن أبي أُويس، وهو ابن أخت مالك، وأبو سُهيل عمُّ مالك، وأبوه حَليف طلحة بن عبد الله. (حدثني)؛ أي: حدَّثه وحدَه بخلاف قوله قبْله: (حدثنا). (رجل)، قال (ط): هو ضِمام -بكسر المعجمة- ابن ثَعلبة من بني سعد بن بكْر، وتبِعه (ع)، وابن العرَبي، وابن المُنذِر، وابن باطِيْش، وآخرون. قال (ن) في "شرح المهذب": وفيه نظرٌ. وقال القُرطُبي في "المفهم"، ثم شيخُنا شيخ الإسلام البُلْقِيْني: الظاهر أنَّه غيرُه؛ لاختلاف السِّياقين. (نجد) هو ما ارتفع من الأرض من تِهامة إلى العراق، وهو مذكَّرٌ. (ثائر الرأس)؛ أي: مُنتفِش شعره منتشره، فالإسناد للرأْس إما لإطلاقه على الشَّعر؛ لأنَّه أصله كإطلاق السماء على المطر، أو للمبالغة بجعل الرأس كأنَّها المنتفِشة، أو على حذف مضافٍ، أي: شعر الرأْس

للقرينة العقلية، وهو بالرفع صفةٌ لـ (رجل)، وقيل: نصب على الحال، ولا تضرُّ إضافته؛ لأنَّها لفظيةٌ. (نسمع) بنونٍ مفتوحةٍ، وكذا (نَفقَه) على الأشهر الأكثر فيهما، ويُروى بضم المُثنَّاة تحت على البناء للمفعول. (دوي) بفتح الدال، وحكي ضمها: شدَّة الصوت وبُعده في الهواء، أي: شديدٌ لا يُفهم منه شيءٌ كدوي النَّحل. (عن الإسلام)؛ أي: عن فرائضه بعد التوحيد، وتصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك لم يذكر له الشهادتين لعلمه صلى الله عليه وسلم أنَّه لا يَسأل، ويحتمل أنَّه ذكرهما ولم يَسمع طلْحة لبُعده، أو لم ينقل ذلك لشهرته. (إلا أن تطوع) بتشديد الطاء والواو، وأصله تتطوَّع بتاءين، فأُدغم، قيل: ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحدى التاءين، وينبغي أن يكون المحذوف هو الأصلية؛ لأنَّ الزائدة جاءت بمعنًى. وقد اختلف في هذا الاستثناء، فقال الشافعي - رضي الله عنه - وغيره: منقطعٌ، فلا يلزم إتمام التطوُّع، والتقدير: فالتطوع خيرٌ لك، وقدَّره الطَّيْبِي، وقال: إنَّه مثل: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]، أي: لا يجب شيءٌ إلا أن تطوَّع، وقد علم أن التطوع ليس بموجَبٍ، فلا يجب شيءٌ آخَر أصلًا، ومَن أوجَب إتمامَ تطوع الصوم والصلاة قال: متصلٌ، أي: إلا إذا تطوَّعت، فالتطوُّع عليك يَلزمك إتمامُه؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، وبالقياس على الحج المتفَق على لزوم إتمامه، فعلى الأول يكون دليلًا

أن التهجد لا يلزم الأُمة بل نُسخ عنهم، وكذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على المرجَّح، وعدَم وجوب الوتر والعيدين خلافًا لأبي حنيفة، وخلافًا لقول الإِصْطَخْري من أصحابنا: أنَّ صلاة العيدين فرض كفايةٍ. (قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) كأن الراوي نسِي تلك، أو التبسَ فاستدركَه. ففيه: التحرِّي في مُراعاة المروي. (أفلح)؛ أي: فازَ، أو ظفِرَ، قيل: الفوز أربعة: بقاءٌ بلا فناءٍ، وغنًى بلا فقرٍ، وعزٌّ بلا ذلٍّ، وعلم بلا جهلٍ، فلا كلمةَ أجمع منها. قال (ن): قيل: فلاحه راجعٌ إلى قوله: (ولا أنقُص)، والمختار رجوعه له ولقوله: (ولا أزيد)؛ إذ ليس فيه أنَّه إذا أتى بزائدٍ لا يُفلح، يُعلم ذلك بالضرورة، لأنَّه إذا أفلح بالواجِب فلأَنْ يُفلح بزيادة الندب عليه أَولى. قال (ك): أو يحمل على أنَّه حلَف على أنْ لا يزيد في الإبلاغ على ما سَمع، ولا ينقُص منه، أو: أنَّه مبالغة في التصديق والقَبول، أي: قلتُ ما قلته لا أزيد عليه من جهة السؤال ولا أنقُص منه من طريق القبول، أو أن هذا كان قبْل مشروعية شيءٍ آخر، أو: (لا أزيد عليه) تتغيَّر صفته؛ كأنَّه قال: لا أُصلي الظُّهر خمسًا، أو أن المراد: نحافظ على الفرائض وإنْ لم نفعل النوافل، أو: لا أزيد على شرائع الإسلام، وسيأتي في (الصيام) في حديثٍ ما يوضح المراد، فإنَّ فيه: (وأخبَره - صلى الله عليه وسلم -

بشَرائع الإسلام)، فهذه ثمانية أجوبةٍ دفعتْ مفهوم الشَّرط في أنَّه إذا زادَ لا يُفلح. ولقد حلَف وأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قد أَنكَر على من حلَف: أنْ لا يفعل خيرًا، وأنَّه كيف قال: لا أزيد، وهو لم يذكر جميع الواجبات، ولا المنهيات، ولا المندوبات، ولم ينكره صلى الله عليه وسلم؟، بل قال: إنَّه أَفلَح. واعلم أنَّه إنما لم يذكر الحج؛ لأنَّه لم يكن فُرض، أو أن الرجل سأله عن حاله، وهو ممن لم يجب الحجُّ عليه، أو أن هذا لتفاوُت الرواة حفْظًا أو نحوه، فإنَّ بعضهم لم يذكر الصوم، وبعضٌ الزّكاة، وبعضٌ ذكر صِلَة الرحم، وبعضٌ أداء الخمُس، وبالجملة فالقاعدة أن الزيادة يجب العمَل بها إلا أنْ تُغيِّر الباقي، فيقَع التعارُض. (وأبيه) لا يُعارضه حديث: "إنَّ الله يَنهاكُم أنْ تحلِفُوا بآبائكم"، إما لأنَّه هنا ليس حلِفًا بل كلمةً جرتْ عادة العرب تحسينُ الكلام بها، وذاك من الحَلِف حقيقةً. قال (ن): وفي الحديث أنَّه يُقال: (رمضان) من غير ذكْر (شهر)، فإنَّ المال ليس فيه حقٌّ سِوى الزّكاة. قال (ط): وفيه أن الفرائض تُسمى إسلامًا، وفي قوله: (إنْ صدَق): أنَّه إن لم يصدُق في التزامها فليس بمفلحٍ، وهو خلاف قول المُرجئة. * * *

35 - باب اتباع الجنائز من الإيمان

35 - بابٌ اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ (باب اتباع الجنائز من الإيمان)، بتشديد اتّباع، والجنائز جمع -جِنازة- بجيم تكسر في الأفْصح، مِنْ جَنَز، أي: سَتَر، ويُقال: إنَّه بالفتح: الميِّت، وبالكسر: النَّعش عليه الميت، وقيل: بالعكس، وقال الجَوْهَري: بالكسر، والعامة تفتحه، قال: وهو الميِّت على السَّرير، وإلا فهو سَريرٌ ونعشٌ. 47 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَنْجُوفيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِم إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ". تَابَعَهُ عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْث، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ. (م ت س ق). سنَده بصريون إلا أبا هريرة، نعَمْ، قيل: الحسَن لم يسمع من أبي هريرة، فيكون: (عن أبي هريرة) راجعًا إلى (محمد) فقط، أو هو من حديث الحسَن مُرسَلًا.

(تبع) في رواية: (اتبَعَ)، وهو الموافق للترجمة، وظاهره يقتضي المشيَ وراءَ الجنازة، وهو قول أبي حنيفة، وقال الأئمة غيرُه: قُدَّامَها؛ للعُرف في معنى الاتباع؛ إذ المراد عُرفًا أن يُنسب إليها ويُعدَّ من شِيْعتها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والشيخين كانوا يمشون أمامَها، وأيضًا فالشَّفيع إنما يكون قُدَّام المشفوع له، وهم شُفعاء بدليلِ: "وقد جئْناكَ شُفعاءَ له"، وقال الثوري: الكلُّ سواءٌ. (إيمانًا) مرَّ بيانه في الأحاديث المُتعلِّقة برمضان. ووجه دخوله في الترجمة سبَق نظيره. (معه)؛ أي: مع المسلم، أو صاحب الجنازة، وفي بعضها: (معها)، أي: الجنازة. (يصلي عليها ويفرغ) الأحسَن في الفعلين البناء للفاعل، ويجوز البِناء على المفعول، والجارُّ والمجرور فيهما هو النائب عن الفاعل، ومع ذلك يُقيَّد بأنْ يُصلِّي هو عليها، ويتبعَها إلى أن يُفرغ من دفنها جمعًا بين الرِّوايتين بحمل المطلَق على المقيَّد، فإنْ صلَّى فقط فليس له القِيراطان، وكذا لو صلَّى وذهب إلى القبر، ومكَث حتى جاءتْ، وحضر الدَّفن، أو حضَر الدَّفْن ولم يُصلِّ، أو تَبِعَها ولم يُصلِّ. (يرجع) من الرُّجوع لا من الرَّجع. (بقيراطين) القِيْراط لغةً: نِصْف دانقٍ، وأصله قِرَّاط -بتشديد الراء- بدليل جمعه على قَراريط، فأُبدل من أحد حرْفي تضعيفه ياء كما في دِيْنار، والمقصود من القِيْراط هنا الحِصَّة.

قلتُ: فهو إشارةٌ إلى أَجْرٍ معلومٍ عند الله، ونحو ذلك حديث: "مَنْ يَعمَل لي على قِيْراطٍ"، فلعلَّ العُرف كان في ذلك العهد عليه. وقال الطِّيْبِي: هو جزءٌ من الدِّينار نِصْف عُشره في أكثر البلاد، وجزء من أربعةٍ وعشرين في الشام، وقد يُطلق على بعضِ الشيء. (كل قيراط مثل أُحد) تفسيرٌ للمقصود من الكلام لا للفْظ القِيْراط، والمعنى: يَرجع بحصَّتين من الأَجْر، فبيَّن الجنسَ بقوله: (مِنَ الأَجْر)، والمقدارَ بقوله: (بمِثْل أُحُدٍ)، وكلاهما صفةٌ لقيراطين، لكن الأُولى قُدِّمت فصار حالًا. (ثم رجع) يدلُّ على أنَّه كان معه ومُتبِعَه؛ لأن الرُّجوع يقتضي ذهابًا حتى لا يحصل القيراطان على الصلاة فقط. (تابعه) سبَق بيان المتابعة أول الكتاب، والضَّمير لـ (رَوْح)؛ لأنَّ عُثمان في مَرتبته لا لأحمد، وإنْ كان البخاري قد يَروي عن عثمان بلا واسطةٍ، وربَّما روى عن محمَّد، أي: الذُّهْلي عنه. (عن محمد)؛ أي: ابن سِيْرين، أي: ولم يَروه عن الحسَن. فإنْ قيل: هل قول البخاري: (تابعه)، يَجزم بأنَّه سمعَه منه كما إذا قال: (عن فُلانٍ) حيث أمكَن السَّماعُ؟ قيل: قياس المُتابعة على العَنْعنة تقتضي ذلك، لكنْ صرَّحوا به في المُعَنعن، ولم يُصرِّحوا به فيها. وهذه المتابعة وصلَها أبو نُعيم في "المُستخرَج".

36 - باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر

(نحوه) بالنصب، والظاهر أنْ يكون بمعنى ما سبَق لا بلفْظه. قال (ن): واعلم أنَّ الصلاة يحصل بها قيراطٌ، فإذا انضمَّ إليها الاتباع إلى الفَراغ حصل القِيْراط الثاني بالإتيان مع الأول كما هو ظاهر بعض الروايات -أي: في "مسلم"- لكنْ هذا الحديث بيَّن المراد كما في قوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] الآيةَ. قال: ثم المراد بالدَّفن على الصَّحيح تسوية القبْر بالتَّمام، وقيل: نصب اللَّبِن عليه وإن لم يُهَل الترابُ. * * * 36 - بابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أكُونَ مُكَذِّبًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْركتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ. وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الإصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالعِصْيانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ؛ لِقَوْلِ

اللهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]. (باب خوف المؤمن أن يحبط عمله)؛ أي: يَبطُل، ومراده أن يَحبَط بكُفرٍ أو نحوه لا بمطلَق المعصية، فإنَّ ذلك من قول المعتزلة، وقال (ن): الحبط نقصُ الإيمان؛ إذ الكُفر إما باعتقاد أو فعل ما يَقتضيه عالمًا، ونازعَه (ك): بأنَّه قد يكفُر بكلمة الكُفر، وبالفعل الموجِب للكُفر وإنْ لم يَعلم أنَّه كفرٌ، وفيه نظَرٌ؛ فإنَّه أراد بالفعل الأعمَّ من القول، فيَشمل كلمة الكُفر وغيرها، وأما إذا لم يعلم أنَّ ذلك الفعل كفرٌ؛ فلا يكفر به. (وهو لا يشعر) جملةٌ حاليةٌ، وهو مثل معنى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]. ومُناسبة تعقيب هذا الباب بما سبَق: أنَّ اتباع الجنائز إيمانًا واحتسابا فيه حثٌّ على الإخلاص، فإنَّها مظِنَّة أنْ يُراعي أهلَها، أو يترك أهلها هذا القَصْد، وربَّما وقع ذلك وهو لا يشعُر، فيقَع إحباط عمَله. (مكذبًا) بكسر الذال المُشدَّدة؛ لأنَّه خافَ التقصير في العمَل، وكأنَّه لم يُصدِّق؛ إذ لم يَجرِ على مُقتضَى التصديق، أو إني أَقول: إني مؤمنٌ، ولا أعمل عمَلهم. وقال (ن): معناه أنَّ الله تعالى ذمَّ من أمَر بالمعروف ونهى عن المُنكَر وقصَّر في العمل، فقال: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا

لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، فخَشِيَ أنْ يكون مكذِّبًا؛ إذ لم يبلُغ غايةَ العمل، وضبَطه بعضهم بفتح الذال، أي: خشيتُ أنْ يُكذِّبني مَن يرى عمَلي مُخالفًا لقولي. (أدركت ثلاثين) ذكَر في "تهذيب الكمال" وغيره غالبَهم. (يخاف)؛ أي: يخشَى حُصوله في الخاتمة؛ لأن الخوف يرجع للمُستقبَل. (ما منهم أحد ...) إلى آخره، أي: يَجزِم بعدَم حُضور النِّفاق كما هو جازمٌ بذلك في إيمان جِبْريل ومِيْكائيل، ويحتمل أنَّهم كانوا يقولون بزيادة الإيمان ونقْصه، فاستفاد هذه المسألةَ من أحوالهم. (ويذكر) إنما لم يَجزم به كالذي قبْلَه؛ لأنَّه لم يثبُت عنده ثُبوت ذلك، فأتى بصيغة التَّمريض، كذا قال (ك)، وفيه نظَرٌ؛ فإنَّ الأثَر ثابتٌ لا ضعفَ فيه، وإنما المؤلِّف اختصره، وهذه عادته كما أفاد شيخُنا العِراقيُّ: أنَّه إذا اختصر حديثًا أو أثرًا أتى فيه بصيغة التمريض، وهذه فائدةٌ مهمةٌ تنفع في هذا الكتاب. (ما خافه)؛ أي: من الله، فحذف الجارَّ. (وما يحذر) بالبناء للمفعول عطْفٌ على (خوف) في الترجمة، أي: وباب ما يُحذر، ويحتمل أنَّه عطفٌ على (يقول) الذي قبْله على البناء على الفاعل، و (ما) نافيةٌ، أي: ما منهم من أحدٍ ما يحذَر، وهو ردٌّ على المرجئة حيث قالوا: لا حذَرَ من المعاصي عند حُصول الإيمان،

فعَقَد الباب لأمرين: الخَوْف من نحوِ عُروض الكُفر، فإنَّه كالإجماع السُّكوتي بما نقل عن التابعين الثلاثة، والخوف من الإِصْرار على المعاصي بالآيةِ. (على التقاتل) في بعضها: (على النِّفاق)، ولكن الأُولى هي المناسبة لقوله: (وقِتالُه كُفرٌ)، والثانية لما تقدَّم. (ولم يصروا)؛ أي: لم يُقيموا ولم يُداوموا، بل استغفروا لذنوبهم، فمفهومه أنَّ عند عدَم ذلك يكون الحذَر. قال (ك): مُراد البخاري الردُّ على المرجئة في قولهم: إنَّ الله لا يُعذِّب مَن قال: لا إله إلا الله على معصيةٍ، ولا يُحبط شيئًا من عمَله بذنْبٍ، وإنَّ إيمان المطيع والعاصي سواءٌ، فصدَّر بقول أئمة التابعين وما نقَلوه عن الصَّحابة إشارةً إلى أنَّه لا خِلافَ بينهم فيه، وأنَّهم مع اجتهادهم خافُوا أن لا يَنجُوا، وبذلك استدلَّ أبو وائل كما سيأتي، ولما سُئل: المرجئةُ أَمصيبُون أم مُخطئون في قولهم: سِباب المُسلم وقِتاله ونحو ذلك لا يضرُّ إيمانَهم = فروى الحديث ردًّا عليهم. وقول ابن أبي مُلَيكة معناه: أنَّهم خافُوا أن يكونوا ممن داهَنَ ونافَق، فقوله: (ما منْهم أحدٌ يقول: إنَّه على إيمان جبريل) بناءً على أنَّ الإيمان يَزيد ويَنقُص، وأنَّ إيمان جبريل أكمَل من إيمان آحاد الناسِ خلافًا لقول المُرجئة: إيمانُ أفسَق الفُسَّاق وإيمانُ جبريل سواءٌ. قال (ط): إنما خافوا لأنَّهم طالتْ أعمارهم حتى رأَوا من التغيير

ما لم يَعهدوه، ولم يَقدِروا على إنكاره، فخافوا أن يكونوا داهنوا ونافقوا، وقال: إنما يَحبط عمَل المؤمن وهو لا يَشعُر إذا عدَّ الذَّنب يسيرًا، وكان عند الله عظيمًا، فالحبَط نُقصانٌ لا كُفرٌ، وأما حديث: "الشِّرْك أَخْفَى فيكم مِن دَبِيْب النَّمْل"، فالمراد به أنَّ الرياء في عقْد الإيمان الشِّرك الأكبر، وهو كفرٌ؛ لأن الرياء في الأعمال، وهو الشِّرك الأصغر مع سلامة عقد الإيمان، فإنَّه لا يخرج من الإيمان. * * * 48 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ: سَاَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ المُرْجِئَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كفْرٌ". الحديث الأول (م ت س ق): (المرجئة) بالهمزة بوزْن: مُرجِعَة، أي: الفِرقة الملقَّبة بذلك؛ لأنَّهم يُرجئون العمَل، أي: يُؤخِّرونه، ويُقال فيه: المُرجية؛ بلا همزٍ أيضًا، قلبت تخفيفًا، أو أنَّه من الرَّجاء من حيث قولهم: لا يضرُّ مع الإيمان معصية كما لا ينفَع مع الكُفر طاعةٌ. قال الجَوْهَري: ويقال فيهم: مُرجئيَّة، أي: بالهمز وتشديد الياء، جمع مُرجئيٍّ بياء النَّسب، وحكى غيره: مُرجيَة بلا همزٍ مع تخفيف الياء، فصارتْ ثلاثة أوجهٍ. (سباب) يحتمل أنْ يكون على بابه في المُفاعلة، وأن يكون

بمعنى: السبِّ، أي: الشَّتْم، وهو التكلُّم في عِرض الإنسان بما يَعيبه، وفسَّره الرَّاغِب بالشَّتْم الوَجيع. وقال (ش): إنَّه مصدرٌ لـ (سبَّ)، يقول: سبَّ يسُبُّ سَبًّا وسِبابًا، انتهى. وهو مضافٌ للمفعول. (فسوق) وهو الخُروج عن الطاعة. (وقتاله) يحتمِل حقيقة المقاتَلة، ويحتمل المُشاتَمة والمُخاصَمة، فإنَّ العرَب تُسمي المُخاصَمة: مُقاتلةً. (كفر)، قال (ط): ليس المراد بالكُفر الخُروج عن المِلَّة؛ أي: لانعِقاد إجماع أَهل السنَّة على أنَّه لا يكفر بذلك، بل المراد كُفران حقِّ المسلمين؛ لأنَّ الله تعالى جعلَهم إخوةً، وأمَر بالإصلاح بينهم، ونهاهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم عن التقاطُع والمُقاتَلة، وأخبر بأنَّ مَن فعل ذلك كفَر حقَّ أخيه المسلم، أو المراد: أنَّه يَؤُول إلى الكُفر لشُؤْمه، أو: أنَّه كفِعل الكُفَّار. قال (خ): أو المُراد المُستحِلُّ له بلا تأْويلٍ، ووجْه إبَطال قول المرجئة بالحديث أنَّهم لا يُفسِّقون مُرتكب الكبيرة. وفي الحديث جعْل السِّباب فُسوقًا، والقِتال كُفرًا، أي: بالمعنى السابق، وإنما عبر في الثاني بذلك مع استوائهما في أنَّهما فسقٌ؛ لأنَّه أغلَظ، وبأخلاق الكفَّار أشبَه. * * *

49 - أَخْبَرَناَ قُتيْبَة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيلَةِ القَدْرِ، فتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: "إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبع وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ". الحديث الثاني (خ): وهو من رواية صحابيٍّ عن صحابيٍّ. (خرج)؛ أي: من الحُجْرة. (يخبر) إما استئنافٌ أو حالٌ مقدَّرةٌ؛ لأن الخبَر بعد الخُروج نحو: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73]. (فتلاحى)؛ أي: تَنازَعَ (رجلان) هما عبد الله بن أبي حَدْرَد -بمهملةٍ وتكرير الدال المهملة أيضًا- وكَعْب بن مالِك، كانَ له على عبد الله دَينٌ فطلبَه، فتنازعا، وارتفَع صوتُهما في المَسجِد. قال الإِسْمَاعِيْلي: إنَّ البخاري أورد هذا الحديث في الباب تَنْبيهًا على أنَّ التلاحي غير المُشاتَمة؛ لأنَّ التلاحي مُحاورةٌ، فليس بفُسوقٍ. (أخبركم) الإخبار يتعدَّى لثلاثةٍ، فالأخيران محذوفان، أي: أُخبركم ليلةَ القَدْر كذا، أو أنَّ بليلة القَدْر نُزِّل منزلة المفعولين؛ إذ المراد: أنَّ ليلة القَدْر كذا، ولا يصحُّ أن يكون هو الثاني، ويكون الثالث محذوفًا؛ لأنَّ الثاني والثالث مِن مفاعيله كمفعولَي عَلِمتُ.

(فرفعت)؛ أي: رُفع بيانُها، أو عِلْمها، وإلا فهي باقيةٌ إلى يوم القيامة، وغلِط من قال: رُفعتْ بالكلِّية؛ لأنَّ قوله آخِر الحديث: (فالتمِسُوها) يَردُّ عليه. فإنْ قيل: كيف يُؤمر بطلَب ما رُفع عِلْمه؟ قيل: المُراد بطلَب التعبُّد في مظانِّها، وربَّما يقع العمَل مُصادِفًا لها لا أنَّه مأمورٌ بطلب العِلْم بعينها. والأوجه أن يُقال: رُفعت من قلْبي، أي: نسيتُها. (أن يكون)؛ أي: الرفع. (خيرًا)؛ أي: ليَزيدوا في الاجتهاد، وَيقوموا في اللَّيالي لطلَبها؛ إذ لو كانتْ معيَّنةً لاقتصرتُم عليها، لكنْ إذا كان خيرًا فلا مذمةَ ولا حبط العمل، فيُؤوَّل (خيرًا) بأنَّه ليس للتَّفضيل بل المراد: يكون فيه خيرًا، أو إنْ كان في عدَم الرفع خيرٌ أكثَر منه، أو للتعليل بالنسبة إلى أمرٍ آخَر، وهو كونه سببًا لزيادة العمَل والاجتهاد المُستلزِم لزيادة الثواب. (في السبع)؛ أي: السبع والعشرين من رمضان، والتسع والعشرين منه، والخمس والعشرين منه، ودليل هذا التقدير بقيَّةُ الأحاديث التي فيها ذكر العشرين مع السبْع، أو التسع، أو نحو ذلك، وفي بعض النُّسَخ: تقديم التسع على السبع. ووجْه مُناسبة الحديث للترجمة: ذَمُّ التَّلاحي، وأن صاحبَه ناقصٌ؛ لاشتغاله عن كثيرٍ من الخير بسببه لا سيَّما إذا كان في المسجد

37 - باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة وبيان النبي صلى الله عليه وسلم له، ثم قال: "جاء جبريل -عليه السلام- يعلمكم دينكم"، فجعل ذلك كله دينا، وما بين النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس من الإيمان، وقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85].

عند جَهْر الصوت بحضْرة النبي صلى الله عليه وسلم، بل ربَّما جرَّ إلى بُطلان العمَل وهو لا يشعر، قال تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [الحجرات: 2] الآيةَ. فإنْ قلنا: للترجمة جُزءان فدلالته على الجزء الأول أَظهر كالحديث الأول على الجزء الثاني = فهو لفٌّ ونشرٌ، بخلاف ما إذا قُلنا: الترجمة أمرٌ واحدٌ. * * * 37 - بابُ سؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلاَمِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ وَبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ، ثُمَّ قَالَ: "جَاءَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإيمَانِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]. (باب سؤال جبريل)، من إضافة المصدر إلى الفاعل. (النبي صلى الله عليه وسلم) بالنصب مفعولًا. (وعلم الساعة)؛ أي: القيامة، سُميت بذلك لوقوعها بغتةً، أو لسُرعة حسابها، أو على العكس لطُولها كما يُقال: للأَسوَد كافُور تَلْميحًا، أو أنَّها عند الله على طُولها كساعةٍ عند الخلْق، والتقدير: عِلْم

وقْت الساعة؛ لأنَّ السُّؤال لم يقَع عن نفْس الساعة بل عن وقْتها؛ إذ السؤال بـ (متى). (وبيان) عطفٌ على سؤال، وإنما جعلَه بيانًا؛ لأنَّ فيه بيان أكثر المسؤول عنه، وإنْ لم يقع فيه بَيان وقْت الساعة، أو أنَّ قوله: لا يعلمُها إلا الله بَيانٌ للحكم. (ثم قال) إنما عطَف الجملة الفعلية على الاسم أو على جملةٍ اسميةٍ؛ لأنَّ المقصود من هذا كيفية الاستدلال به على جعْل كلِّ ذلك دِيْنًا، فغيَّر الأُسلوب الأول الذي هو بيانُ الترجمة بأسلوبٍ آخر. (فجعل)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (كله) دخلَ فيه عِلْم وقْت الساعة؛ لأنَّه متضمنٌ للإيمان بها، وإنْ كان عِلْم وقتها ليس من الدِّين، وقصَد بالكلِّ الأكثر. (وما بين) يحتمل أن محلَّه جرٌّ عطْفًا على شؤال، لكن الأَجود أنَّ الواو بمعنى (مع)؛ لأنَّه لم يذكر في الباب ما بيَّنه لعبْد القَيْس حتى تَرجَم عليه، وكذا القول في قوله بعده: (وقَولِ الله) كما سيأْتي. (لوفد) هم الجماعة المُختارة من القوم ليتقدَّموهم للِقاء العُظماء، واحدهم: وافِدٌ. (عبد القيس) قَبيلةٌ عظيمةٌ من العرب. (وقول الله) بالجرِّ عطفٌ على الموصول بأُسلوبٍ آخَر في (وما بيَّن)؛ لأنه لم يذكر معنى الآية، والتقدير: جعَل ذلك دِينًا مع كونه بيَّن

للوفْد أن الإيمان هو الإسلام حيث فسَّر في قصَّتهم الإيمان بما فسَّر به الإسلام هنا، ومع أنَّ الآية دلَّتْ على أنَّ الإسلام هو الدِّين، فعُلم أن الإسلام والإيمان والدِّين بمعنًى واحدٍ، وهو مراد البخاري. ويحتمل أن محلَّ (ما بيَّن) رفعٌ، و (قولُ) عطفٌ عليه على أنَّه مبتدأٌ حُذف خبره، والتقدير: ما بيَّنه - صلى الله عليه وسلم - في الآية يدلان على ما ذكَره، أما الحديث، فلتفسيره هناك الإيمانَ بما فسَّر به هنا الإسلامَ، وأما الآية فمِن حيث أفادتْ أنَّ الإسلام هو الدِّين، وإنما ضمَّ ذلك إلى الترجمة لأنَّها لا تدلُّ على أن الإيمان هو الإسلام بل على أن الكلَّ هو الدِّين، فاستظهَر بذلك في تعميم مراده. * * * 50 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ؛، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الإيمَانُ؟ قَالَ: "الإيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالبَعْثِ"، قَالَ: مَا الإسْلاَمُ؟ قَالَ: "الإسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ"، قَالَ: مَا الإحْسَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "مَا المَسْؤلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وإذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ، فِي

خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا الله"، ثُمَّ تَلاَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآيَةَ، ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ: "رُدُّوهُ"، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ". قَالَ أبو عَبْدِ اللهِ: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإيمَانِ. الحديث الأول (م د س): (إسماعيل) هو ابن عُلَيَّة كما عبَّر عنه بذلك في (باب حُب الرسول من الإيمان)، وذكره هنا بالاسم، وذلك دليلٌ على كمال ضبْط البخاري، وأمانتِه في نقْل لفْظ الشيوخ بعينه. (أبو حيان) -بالياء تحت- ابن سَعيد بن حَيَّان. (بارزا)؛ أي: ظاهرًا جالسًا مع الناس. (رجل)؛ أي: شخصٌ في صورة رجل. (أن تؤمن) إنما فسَّر الإيمان بذلك؛ لأن المَحدود الشرعي، والتفسير المراد به اللُّغوي حتى لا يَلزم تفسير الشيء بنفْسه، أو أن المراد بالتفسير المتضمِّن للاعتراف، ولهذا عُدِّي بالباء، أي: تُصدِّق مُعترفًا بكذا. (بالله)؛ أي: بوجوده وبصفاته الواجبة للإله سبحانه وتعالى. (وملائكته) جمع (مَلَك) نظرًا إلى أصله الذي هو مَلاك مَفْعَل من الألُوكة بمعنى: الرِّسالة، فزيدتْ فيه التاء؛ لتأكيد معنى الجمع، أو لتأْنيث الجمع، والملائكة: أجسامٌ عُلويةٌ نورانيةٌ تتشكَّل بما شاءتْ.

(وبلقائه)، قيل: هو الانتقال إلى دار الجَزاء، ويكون قوله: (بالبَعْث)، أي: عند قيام الساعة، وقيل: اللِّقاء ما يكون بعد البَعْث عند الحِساب. قال (ن): وليس المراد باللِّقاء رُؤية الله تعالى، فإنَّ أحدًا لا يقطَع بها لنفْسه، فإنَّه لا يدري بما يُختم له، والرُّؤية مختصةٌ بالمؤمن. قال (ك): وفيه نظَرٌ؛ إذ لا دَخْل لقطْعه بذلك لنفسه، بل يقطع بأنَّه حقٌّ في نفْس الأمر، نعم، إذا قيل: الرؤية من المسائل المختلف فيها لا من ضَروريات الدِّين التي يجب الإيمان بها؛ صحَّ ذلك، انتهى. قال (خ): المراد باللِّقاء الإيمان برُؤية الله تعالى في الآخرة. (ورسله)، جمع رسول، وهو النبيُّ المنزَّل عليه كتابٌ، والنبيُّ أعمُّ منه، وإنما أخَّره عن الملائكة لأنَّهم خُلقوا أولًا؛ ولأنَّهم يَسبقون بالمَجيء إلى الرسُل لا لكونهم أفْضل كما يقوله المعتزلة، وإنما لم يَذكُر الإيمان بالكتُب؛ لاستلزام الإيمان بالرسُل له لأنَّها منزلةٌ عليهم. (وتؤمن بالبعث) إنما أَعاد (تُؤمن) لأنَّه إيمانٌ بما سيُوجد، وما سبَق إيمانٌ بالموجود في الحال، فهما نوعان، والمراد بالبَعث: بَعْث الموتى من القُبور، وما بعدَه من حسابٍ وصراطٍ وجنةٍ ونارٍ، وقيل: المراد بِعْثة الأنبياء. (أن تعبد الله) العبادة الطاعة بخُضوعٍ، فإنْ حُملت على معرفة

الله تعالى كان عطْف الصلاة والزكاة والصَّوم عليها للتغايُر، والكلُّ إسلامٌ، واقتصَر على الثلاث؛ لأنَّها أركانه، وأظْهَرُ شعائرِه، وتَرَك الحج إما لأنَّه لم يكن فُرض، وإما لأن بعض الرواة شكَّ فيه فأسقطَه، وإنْ بقيت الطاعة على عُمومها، فعطف الثلاثة عطف خاصٍّ على عالم تنْبيهًا على شرَفه ومَرتبته كما في: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة: 98]. (ولا تشرك) ذكَره بعد (أنْ تعبُد الله)؛ لأنَّ الكفَّار يزعمون عبادتَه تعالى، ويعبدون معه أوثانًا يزعمونها شركًا. (ويقيم الصلاة) سبَق بَيان الكلِّ، ومعنى الإقامة، والمراد بالصلاة المكتوبة كما في "مسلم"، فإن النافلة وإنْ كانت من الإسلام لكن ليستْ من أركانه، فيُحمل المطلَق هنا على المقيَّد هناك. (الزكاة المفروضة) قيل: احترازٌ من المُعجَّلة، وقيل: تأْكيدٌ، وقيل: لأن العرَب كانت تدع المال للسَّخاء والجُود، فنبَّه بالفرض على رفْض نيَّة ما كانوا عليه، وقيل: احترازٌ من التطوُّع، فإنَّها زكاة لغويةٌ. واعلم أن هذا الحديث يقتضي تغايُر الإيمان والإسلام، وسبَق مِرارًا أن البخاري يَرى أنَّهما والدِّين عباراتٌ عن واحدٍ، والمتضح أنَّ محلَّ الخلاف إذا أُفرد لفظٌ، فإنْ اجتمعتْ تغايرتْ كما هنا، على أنَّ في ذلك اضطِرابًا عظيمًا للعلماء. قال (خ): إنَّ الصحيح أنَّ المسلم قد يكون مؤمنًا، وقد لا يكون، والمؤمن مسلمٌ دائمًا، فهو أخصُّ، قال: وإذ تقرَّر هذا استقامَ تأْويل

الآيات والأحاديث، واعتدل القَول فيها، وذلك أن أَصل الإسلام الاستسلام، فقد يكون المرء مُنقادًا في الظاهر دون الباطِن، وقد يكون صادقًا في الباطن غير منقادٍ في الظاهر. وقال البَغَوي: جعَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الإسلامَ اسمًا لما ظهَر من الأعمال، والإيمان اسمًا لما بطَن من الاعتقاد، وليس ذلك لكون الأعمال ليستْ من الإيمان، أو التصديق بالقَلْب ليس من الإسلام بل ذلك تفصيلٌ لجملةٍ هي كلُّها لمسمًى واحدٍ، وجِماعها الدِّين، ولهذا قال: (يُعلِّمُكم دِينَكُم)، فالتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعًا. وقال ابن الصَّلاح: ما في الحديث بَيانٌ لأصل الإيمان، وهو: التصديق الباطِن، ولأصل الإسلام، وهو: الاستِسلام والانقياد الظاهِر، فإنَّ اسم الإيمان يتناول ما فُسِّر به الإسلام، وهو سائر الطاعات؛ لكونها ثمرات التَّصديق الباطِن الذي هو أَصْل الإيمان، وبهذا فسَّر الإيمان في حديث الوفْد بما هو الإسلام هنا، واسم الإسلام يتناول أيضًا ما هو أصل الإيمان، وهو التَّصديق الباطِن، ويتناول الطاعات، فإنَّ الكلَّ استسلامٌ، فتحقَّق بذلك أنَّهما يجتمعان ويفترقان. (الإحسان) هو الإخلاص، قال الطِّيْبِي: يُقال على وجهين: الإنْعام على شخصٍ، وتحسين الفِعْل، فالحديث يحتمل الأول؛ لأنَّ المُرائي يُبطل عمَل نفْسه، فقيل له: أحسِنْ إلى نفْسك، واعبُد الله كأنَّك تراه، ومن المعنى الثاني قوله تعالى: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36]،

أي: المُجيدين المتقين في تعبير الرُّؤيا، فكأنَّه يسأل: ما الإجادة والإتقان في حقيقة الإيمان والإسلام؟ فأجابَه بما يُنبئ عن الإخلاص. (كأنك تراه) في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل، أي: تَعبُد الله متشبِّهًا بمن يَراه. (فإنَّه يراك) ليس هو نفْس جواب الشرط؛ لأنَّه ليس مُتسبِّبًا عنه بل الجواب مقدَّرٌ، أي: فإنْ لم تكن تراه فاعبُدِ الله، أو اعبد فإنَّه يَراك، كما يُقال: إنْ أكرمتني فقد أكرمتُك أمسِ، أي: إنْ تعتدَّ بإكرامك فاعتدَّ وإكرامي، ويحتمل: فإنْ لم تكن تَراه فلا تغفُل؛ فإنَّه يراك، فإنَّ رؤيته مستلزمةٌ لأنْ لا تغفُل عنه، فالجزاء لازمُه، وهذا قول البَياني، والأول قول النَّحوي. قال (ن): هذا أصلٌ عظيمٌ من الدِّين، وقاعدةٌ مهمة من قواعد المسلمين، وهو عمدةُ الصدِّيقين، وبُغْية السالكين، وكنز العارفين. وتلخيص معناه: أنْ تعبُد الله عبادةَ من يَرى الله، وَيراه، فإنَّه لا يستبقي شيئًا من الخُضوع والإخلاص، وحفْظ القَلْب والجوارح، ومُراعاة الآداب ما دام في عبادته، والمعنى: إنك إنما تُراعي الآداب إذا رأَيتَه ورآك، لكونه يَراك، لا لكونكَ تراه، وهذا المعنى موجود وإنْ لم تَرَه؛ لأنَّه يراك. وحاصله: الحثُّ على الإخلاص، ورعاية المُراقبة، وهو من جَوامع الكَلِم التي أُوتيَها صلى الله عليه وسلم، وقد ندب أهل الحقائق إلى مُجالسة

الصالحين، فيَمتنع من مُلابسة شيءٍ من النقائص احتراما واستحياءًا، فكيف لمَن لا يَزال الله مطَّلِعا عليه في سِرِّه وعلانيته. وقال (ع): اشتمل الحديث على شرح جميع وظائف العبادة الظاهرة والباطنة من العقائد، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفُّظ من آفات الأعمال، فعُلوم الشريعة راجعةٌ إليه، متشعِّبةٌ منه. وقال (خ): اختلاف هذه الأسماء الثلاثة يُوهم افتراقًا في أحكامها، وليس كذلك، إنما هو اختلاف ترتُّب وتفضيل لما تضمنه اسم الإيمان من قولٍ وفعلٍ وإخلاصٍ، فأشار في الإحسان إلى الإخلاص، ولم يكن خارجًا عن الجوابَين الأولين، ولهذا في قصَّة الوفْد جعَل الكلَّ إيمانا. قال (ك): وعُلم منه أن الرُّؤية لا يُشترط فيها خُروج الشعاع ولا انطِباع صورة المرئيِّ في الحدَقة، ولا مُواجهةٌ، ولا مقابلةٌ، ولا رفْع الحجُب، فيجوز أنَّ الله تعالى يُرى يوم القيامة بحالةٍ يخلقها في الحاسَّة؛ إذ هذه الأمور إنما هي في الرُّؤية العادية، ولهذا جوَّز الأشاعرة أنْ يَرى أعمى في الصّين قُبَّةَ الأندلس. (بأعلم) الباء زائدةٌ لتأْكيد معنى النَّفي، والمراد نفْي علمِ وقْتها؛ إذ الوجود مقطوعٌ به، نعَمْ، الأعلمية لا يَلزم منه نفْي عِلْمها، فيحتمل أنَّهما يعلمان ذلك سواءً، والقصد إنما هو نفْي عِلْم كلٍّ منهما وقتَها، فيُؤوَّل على أنَّهما مستويان في عِلْم وُجودها، أو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - نفَى أن يكون صالحًا لأنْ يُسأل عن ذلك لما عُرف أنَّ المسؤول في الجُملة ينبغي أنْ

يكون أعلَم من السائل. (أشراطها)؛ أي: علاماتها، وقيل: مقدِّماتها، وقيل: صِغار أُمورها، وهو جمع: شَرَطٍ -بفتح الراء-، والمراد أَشراطها السَّابقة لا المقارِنة المضايِقة لها كطُلوع الشَّمس من مَغربها، وخُروج الدابَّة ونحوها. (إذا ولدت) أتَى بـ (إذا) لأنَّها لمَا يتحقَّق بخلاف (إنْ)، حتى لو قال شخصٌ: إنْ قامت القيامةُ، أشعَرَ بالشكِّ الذي يكفر به، وجواب الشرط محذوفٌ، أي: فالوِلادة شرَطٌ -بفتح الراء- معدودٌ من الأشراط، وجملة الشَّرْط متضمِّنةٌ له كما في قوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، التقدير: وأَمْن مَن دخلَه. واعلم أنَّه عُدَّ من الأَشراط اثنين، والجمْع يقتضي ثلاثةً، فهو حجةٌ لمن قال: أقلُّ الجمْع اثنان، أو أنَّه اكتفَى باثنين لحُصول المقصود كما في الآية المذكورة، وإنما أتى به جمْعَ قِلَّةٍ، والعلامات أكثَر من عشَرةٍ؛ لأنَّ جمع القِلَّة قد يقُوم مَقام الكثْرة، وبالعكس، أو لفَقْد جمع الكثْرة لشرط، أو أنَّ الفَرْق بين القِلَّة والكثرة إنما هو في النَّكِرات لا في المعارِف. (ربها)؛ أي: مالكَها وسيِّدَها. قال الأكثر: إنَّه إشار إلى كثْرة السَّراري وأولادهنَّ، فإن ولدَها مِن سيِّدِها سيِّدُها؛ لمصير مآلِ الإنسان لولَده غالبًا، وقد يتصرَّف فيه في حياته بإِذْنِ أو قرينةِ حالٍ أو عُرفٍ.

وقيل: معناه: أن الإماء يَلِدْن الملوك، فتكون أمةً من جُملة الرَّعية، فهو سيِّدها وسيِّد غيرها. وقيل: تفسُد الأحوال فيكثُر بيع أُمَّهات الأَولاد، ويكثُر تردادها حتى يشتريَها ابنُها ولا يدري، وعلى هذا القول لا تختصُّ بأُمهات الأولاد بل قد تَلِدُ الأمة حُرًّا من غير سيِّدها بوطئ شُبهةٍ، أو يكون رقيقًا لكونه من نكاحٍ أو زنا، فيعتق، ثم يَشتري أُمَّه ولا يَدري. ولا مُنافاةَ بين إطلاق الربِّ هنا على غير الله تعالى، وحديثِ: "لا يَقُلْ أَحدُكُم: رَبِّي، وليَقُل: سَيِّدي ومَولايَ"؛ لأنَّ هذا من باب التشديد والمُبالغة، أو الرسول مخصوصٌ منه. (رعاة) بضم الراء: جمع راعٍ كقُضاةٍ وقاضٍ، وفي بعضها: رِعَاء بكسر الراء، والهمز، جمع أيضًا كتاجِر وتجَار. (البهم) بضم الباء: جمع أَبْهم، وهو الذي لا شِبْهَ له، ورُوي بجرِّ الميم وضمِّها، فمَن جرَّ جعلَه صفةً للإبل، أي: رعاة الإبل السُّود، قالوا: وهي شرُّها وأَدونُها؛ لأنَّ الكِرام منها البِيْض والصُّفر، ومن رفَع جعلَه صفةً للرِّعاء، أي: المَجهولون الذين لا يُعرفون، جمع البَهيم، ومنه أُبهم الأمر، فهو مُبهَمٌ، وهو بضم المُوحَّدة، وسُكون الهاء، قاله (ع)، وغيره. وقال ابن الأَثِيْر: بضمِّها، ويُروى بفتح الباء، ولا وَجْهَ له بعد ذِكْر الإبِل، فإنَّ البَهْم ليس من صفات الإبل، وإنما هو من صفات ولَد الضَّأْن والمَعْز.

وبالجُملة فمعنى الحديث: اتساع الإسلام بهم حتى يَتطاولون في البُنيان والمَساكِن بعد أنْ كانوا أَصحابَ بَوَادٍ لا يَستقرُّ لهم قَرارٌ، بل يَنتجِعون مواقِعَ الغَيث، فبُسطت لهم الدُّنيا بعد أن كانوا أهل فاقةٍ، حتى صاروا يَتباهَون في إِطالة البُنيان، أو أنَّ العرَب تستولي على الناس وبلادهم، وَيزيدون في بُنيانهم، فهو إشارةٌ إلى اتساع دِيْن الإسلام، كما أنَّ العلامة الأُولى أيضًا فيها اتساع الإسلام، واستيلاء أهله على بلاد الكُفر، وسَبْي ذراريهم. قال البَيْضاوي: لأنَّ بُلوغ الأمر الغايةَ مُنْذرٌ بالتَّراجع المُؤذن بأنَّ القيامة ستَقوم، لامتناع شرعٍ آخَر بعدَه، وهو تعالى لا يَترك عِباده سُدًى. وقال (ط): معناه: أنَّ ارتفاع الأَسافِل من العَبيد والسِّفْلة الجمَّالين وغيرهم من علامات القِيامة، وهذا معنى قول الطِّيْبِي: المَقصود انقِلاب الأحوال. (في البنيان)؛ أي: يَتفاخَروا في طُول البُنيان، وتتكثَّر به. (في خمس) خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: عِلْم وقْت الساعة في جُملة خمسةٍ، أو متعلِّق بـ (أَعلم). ووجْه الحصْر في الآية حتى يُوافق الحصْر في الحديث تقديم: (عنْده)، والحصْر في الباقي ظاهر للعارف بالقواعد، وهذه الخمْس تحتمل أن الحصْر فيها لكونها المسؤول عنها، وإلا فالأُمور التي لا يعلمُها إلا الله لا حَصْرَ لها، أو يُقال: إنَّ غير الخمس عائدٌ إليها.

قلتُ: الحصر أنَّها لا يَعلمها إلا الله، لا أنَّ الله لا يَعلم إلا إيَّاها. (الآية) نصب بفِعْل محذوفٍ، أي: أَعني، أو اقرأ الآيةَ، أو بالرفْع لأنَّه مبتدأٌ وخبره محذوفٌ، أي: الآية مقروءةٌ، أو بالجرِّ، أي: إلى الآية، أي: مَقطعها وتمامها. ووجه سُؤال الساعة -وجبريل يعلَم أنَّ وقتَها غير معلومِ لخلْق الله- التَّنبيه على أنَّه لا يطمع أحدٌ في الاطِّلاع عليه، والفَصْل بين ما يُمكن معرفته وما لا يُمكن. (ثم أدبر)؛ أي: الرجل السائل. (فلم يروا شيئًا) مبالغةٌ حيث لم يقُل: لم يَروه، أو لو يَروا أحدًا، أي: لم يَروا عينَه ولا أثَره. (هذا جبريل)، فيه أنَّ الملَك يتمثَّل لغير النبيِّ، وأن يراه غيره قائلًا سامعًا. (يعلم)؛ أي: بسبب سُؤاله؛ ليعلموا من الجواب، وإن كان نفس السؤال ليس تعليمًا، وأيضًا فسؤاله لغرَض التَّعليم. (جعل ذلك كله من الإيمان)، وفي الأول: (جعَلَهُ كلَّهُ دِيْنا)، وهو ظاهرٌ، وأما هنا فـ (مِنْ) تبعيضيةٌ، والمراد بالإيمان هو الكامل، فيكون الكل داخلًا فيه، وإما ابتدائية، فمَبْدأ الإسلام والإحسان منه، وهذه القصَّة قبْل حَجَّة الوَداع. وفي الحديث: أنَّ العالم إِذا سُئل عما لا يَعلَم يُصرِّح بأنَّه لا يَعلمه، ولا ينقُص ذلك من جلالته بل يدلُّ على ورَعه وتقْواه، وأنَّه

38 - باب

يَسأل العالم ليَعلم السامعون، وغير ذلك. * * * 38 - باب (باب) 51 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبَو سُفْيَانَ: أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلتكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أنَّهمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلتكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ، لاَ يَسْخَطُهُ أَحَد. الحديث الثاني (م): وربَّما يُوجد في بعض النُّسَخ قبْله: (بابٌ)، وصوَّبه (ن)، وقال: إنَّه أكثر أُصول بلادنا، قال: لأنَّ ترجمة الباب الأول لا يَدخُل فيها هذا الحديث. وقال (ك): بل يتعلَّق بالترجمة؛ لأن المراد بها جعْل الإيمان دِيْنًا، وهذا يدلُّ عليه. قال (ن): في الاستدلال به إشكالٌ من حيث إنَّ هِرَقْل كافرٌ فلا يُستدلُّ بقوله.

قلتُ: وكذا ذكره الإِسْمَاعِيْلي، وقد يُقال: هذا الحديث رواه الصَّحابة ولم يُنكروه بل استَحسنوه. قال (ك): لا إشكالَ؛ لأنَّ في إيمان هِرَقْل اختلافًا، وبتقدير عدَم إيمانه فليس هذا أمرًا شرعيًّا بل مُحاورةٌ، ومحاورتهم كانت على العُرف الصحيح المعتبَر الجاري على القَوانين، فيُستدلُّ به، وأيضًا فهو من أهل الكتاب، وفي شرعهم كان الإيمان دِيْنًا، وشرْعُ مَن قبْلَنا حُجَّةٌ، وتداولتْه الصحابة كما قالَه كثيرٌ. والإسناد مَدَنيُّون، وفيه ثلاثة تابعيون. وسبق كثير من شرح الحديث أوائل الكتاب. (هل يزيدون) إنْ قيل: القياس: أَيزيدون؟ كما رواه هناك؛ لأن أَم المتصلة إنما تكون بعد الهمزة؛ قيل: هي منقطعةٌ، تقديره: بل أَينقُصون؟ حتى يكون إِضْرابًا عن سؤال الزِّيادة، واستفهامًا عن النُّقصان، على أنَّ صاحب "المفصَّل" أطلق أنَّها لا تقع إلا بعد الاستفهام، فهو أَعمُّ، نعَمْ، المُتصِلة لا تقَع إلا بين اسمين أو فعلَين، وفاعلهما واحدٌ كما هنا. فإنْ قيل: الاتصال يقتضي الاستفهامَ عن تعيين أحد الأَمرَين، وهل لطلَب الوُجود؛ قيل: يجب حمل مُطلَق (هل) على أعمَّ منه تصحيحًا للمَعنى، وتطبيقًا بينه وبين الرِّواية السابقة. (فزعمت) سبَق في تلك الرواية: (فذكرت). (الإيمان)؛ أي: أَمْر الإيمان.

39 - باب فضل من استبرأ لدينه

(هل يرتد) هناك: (أَيَرتَدُّ؟). (سخطة) مما زيد هنا، وفي إسناد السابق بين البخاري والزُّهري اثنان، وهنا ثلاثةٌ، وأيضًا فهناك أتمُّ من هذا. وقد اختُلف في حذْف بعض الحديث، ويُسمى الخَرم، فمُنع مطلقًا، وجُوِّز مطلقًا؛ والصَّحيح يجوز إذا كان ما يَتركه غير متعلِّقٍ بما رواه بحيث لا تختلف الدلالة، والظاهر أن هذا الخرم من الزُّهري لا من البخاري؛ لاختلاف شُيوخ الإسنادَين بالنِّسبة إلى البخاري، ولعلَّ شيخه ابن حمزة لم يَذكُر في الاستدلال على أنَّ الإيمان دِينٌ إلا هذا القَدْرَ، وإنما يقَع الخَرْم لاختلاف المقامات والسِّياقات، فهناك بيانُ كيفيَّة الوحي يقتضي ذِكْر الكُلِّ، ومقام الاستدلال يقتضي الاختصار. * * * 39 - بابُ فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ (باب فضل من استبرأ لدينه) 52 - حَدَّثَنَا أبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الحَلاَلُ بيِّنٌ وَالحَرَامُ بيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعي يَرْعَى

حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإنَّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إنَّ حِمَى اللهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ". (ع). (زكريا) هو ابن أبي زائِدة. (وعامر) هو الشَّعبي، والإسناد كلُّه كوفيون، فإنَّ النُّعمان وَليَها. (سمعت) يُشعر بسماع النُّعمان من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ففيه رَدٌّ على مَن قال: لم يَسمع. والحديث أجمع العُلماء على عظيم مَوقعه، وأنَّه أحد الأحاديث التي عليها مَدار الإسلام، قيل: هو ثلُث الإسلام؛ لأنَّه يَدور عليه، وعلى: "الأَعمال بالنيَّة"، و"مِنْ حُسْنِ إِسلامِ المَرءِ"، وقد سبَق في حديث النيَّة: أنَّ أبا داود قال: يَدور على أربعةٍ، والرابع: "لا يُؤمِنُ أَحدُكم حتى يُحبَّ لأَخيهِ ما يُحبُّ لنَفْسِهِ"، وسبَب عَظيمِ مَوقع هذا الحديث أنَّه نبَّه فيه على صلاح المَطْعم والمَشْرَب والمَلبَس والمَنكَح وغيرها، وأنَّه يكون حلالًا، وأَرشدَ إلى الحلال، وأنَّه ينبغي أن يترك الشُّبُهات، وأَوضحه بضَرْب المثَل بالحِمَى. (بين)؛ أي: ظاهرٌ واضحُ الأدلَّة. (مشبهات)؛ أي: التي يَتجاذبها دليلان بحيث يَعسُر الترجيح. قال (ن): الحلال البيِّن كالخُبْز، والفواكه، والكلام، والمشي،

وغير ذلك، والحرام البيِّن كالخمر، والميتة، والدم، والزِّنا، والكذب، وغير ذلك، والمُشتَبِه ما ليس بواضحِ الحِلِّ والحُرمة لا يَعرفها كثيرٌ من الناس، بل يعرفُها العُلماء بنصٍّ، أو قياسٍ، أو استصحابٍ، أو غير ذلك، فإذا رُدِّد الشيء بين ذلك اجتَهد فيه المجتهدُ، وألحقَه بأَحدهما بالدليل الشَّرعي، وإذا كان الدليل غير خالٍ من احتمالٍ؛ فالوَرع تَرْكه، وما لم يَظهر للمُجتهد فيه شيءٌ فهو مُشتبهٌ، فهل يُؤخذ فيه بالحِلِّ، أو بالحُرمة، أو توقُّفٍ؟ ثلاثة مذاهب. وضُبِطَ (مُشبِهات) بكسر المُوحَّدة، أي: مُتشبهات أنفُسها بالحَلال، وبالفتح، أي: شُبِّهت بالحلال، والوجهان أيضًا مُشبِهات بلا تشديدٍ اسم فاعل الاشتباه، أو مفعوله، أو مُشتبِهات بالكسر من الافتِعال. (اتقى)؛ أي: احتَذَرَ، وأحذر. (استبرأ) بالهمز، أي: حصَّل البَراءةَ لدِينه من الذَّمِّ الشَّرعي، وصانَ عِرْضَه عن كلام الناس. (لعرضه) إشارةٌ لما يتعلَّق بالناس. (ودينه) إشارةٌ إلى ما يتعلَّق بالله تعالى، أو الأول للمُروءة، والثاني للشَّرع. (ومن وقع) يحتمل أن تكون (مَنْ) شرطيةً، وموصولةً، والخبر جواب الشرط. (كراع)؛ أي: كانَ كراع، وفي نُسخةٍ: (فقَدْ وَقَعَ في الحَرَامِ

كراع)، فيكون هو الخبر، أو جواب الشَّرط، ويحتمل أن: (يُوشك) هو الخبر، أو الجواب، وما قبلَه حالٌ. (الحمى) بكسر الحاء، وفتح الميم، أي: الموضع الذي حماه الإمام لأمرٍ، ومنعَ الناسَ منه، فمَن دخله عاقبَه، ومن اجتَنبَه سَلِم، وحَمَيتُه دفعتُ عنه، فهو حِمَى، أي: محظورٌ. (يوشك) من أفعال المقاربة، بكسر الشين، أي: يَقرُب، وفي لغةٍ رديئةٍ بالفتح، وهو صفةٌ، أو استئنافٌ، أو خبرٌ، أو جوابٌ كما سبق. (أن يواقعه)؛ أي: الحَرامَ بكثْرة تَعاطيه للشُّبُهات، وإنْ لم يتعمَّد، فيأْثم بذلك إذا قصَّر، وقال (خ): لأنَّه يَعتاد التَّساهُل، فيَجسُر على شيءٍ، ثم على أغلَظ منه، حتى يقَع في الحرام المحقَّق كما قال بعض السلف: المعاصي بَريد الكُفر، أي: تَسوق إليه. (ألا) بالتخفيف: حرف تنبيهٍ يُبتدأ بها، ويدلُّ على صِحَّة ما بعدها، وتكريرها دليلُ تفخيمِ شأْن مَدخولها وعِظَمه. (محارمه)؛ أي: المعاصي التي حرَّمها الله كالقتل والسرقة. واعلم أن في نُسخةٍ ذكر الواو في الأول والثالث دُون الثاني إشعارًا بأن بين الجُملتين المعطوفة إحداهما على الأُخرى مناسبةً؛ إذ هو بالحقيقة مُشبِّه للحرام بالحِمى المشتبِه بما حوله، وبينهما مشاركةٌ، وترك الواو في الثاني إشعارًا بكمال الانقطاع، وبالبَون البعيد بين حمى الملوك وحمى الله تعالى؛ إذ لا ملك حقيقةً إلا لله تعالى، أو

إشعارًا بكمال الاتحاد، إذ لما كان لكلِّ ملِكٍ حِمى كان لله تعالى حِمى؛ لأنَّه ملك الملوك، وهو الملِك الحقيقيُّ، فذكره مع ذِكْر فائدةٍ زائدةٍ، وهي أنَّ حِمَى الله تعالى مَحارمه، وكذا بين الأُولى والثانية مُناسبة؛ لأن الأصل الاتقاء، والوُقوع ما كان بالقَلْب؛ لأنَّه عِماد الأمر ومِلاكه، والمناسبة بينهما بالضِّدِّية، أي: كما أنَّ حِفْظ الأصل بحفْظ الفَرع كذلك حفْظ الفرع بحفْظ الأصل، فلا بُدَّ من رعاية الأَصل والفَرع حتى تتمَّ البراءة الكاملة بتعاضدهما. (مضغة)؛ أي: قِطْعة من اللَّحم؛ لأنَّها تُمضَغ في الفم لصِغَرها، فالمراد تصغير القَلْب بالنسبة إلى باقي الجسد مع أنَّ صلاحه وفساده به. (صلحت) بفتح اللام على الأفصح، وقد تُضمُّ، وإنما عبَّر بـ (إذا) وهي للتَّحقق دون (إِنْ) التي للشكِّ؛ لأنَّها قد تَحلُّ محلَّها. (القَلْب) سُمي بذلك لتقلُّبه، أو لأنَّه خالص البدَن، وخالص كلِّ شيءٍ قَلْبه، وهو سُلطان البدَن، وفي الطِّبِّ أنَّه أوَّل نُقطةٍ تكون في النُّطفة، وبه تظهَر القُوى، وتنْبعث الأَرواح، ويَنشأُ الإدراك، ويَبتدئ التعقُّل. قيل: في الحديث حجةٌ على أنَّ العقل في القَلْب، ولهذا قال تعالى: {لهم قلوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46]، وهو قول أصحابنا، وجمهور المتكلمين. وقال (ن): لا دلالة في ذلك.

40 - باب أداء الخمس من الإيمان

وقال أبو حنيفة: العقل في الدِّماغ، وحُكي الأول أيضًا عن الفَلاسفة، والثاني عن الأطبَّاء احتجاجًا بأنَّه إذا فسَد الدماغ فسَد العقل، ورُدَّ بأنَّ الدِّماغ آلةٌ عندهم، وأنَّ فَساد الآلة يقتضي فسادَه، وعلى قاعدتنا أنَّ الله تعالى أَجرى العادةَ بذلك. قال (ط): هذا الحديث أصلٌ لحماية الذَّرائع. وقال (ن): فيه دلالةٌ على أنَّ مَن حلَف: لا يأْكُلُ لحمًا فأَكلَ قَلْبًا حَنِثَ، ومَن منعَ قال: في العُرف لا يُسمَّى لحمًا. * فائدة: قال الغَزالي: السَّلاطين في زماننا ظلَمةٌ، قلَّما يأْخذون شيئًا على وجْهه بحقِّه، فلا تحلُّ مُعاملتهم، ولا من يتعلَّق بهم حتى القُضاة، ولا التجَّار في الأَسواق التي يعمرها بغير حقٍّ، واستِبراء الدِّين والورع اجتِناب الرُّبُط والمَدارس والقَناطر التي أَنشؤوها بالأموال التي لا يُعلم مالكُها، عافانا الله منها. * * * 40 - بابٌ أَدَاءُ الخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ (باب أداء الخمس من الإيمان) رُوي بفتح الخاء وضمِّها، ففي الحديث شاهدٌ لهما، فإنَّ فيه ذِكْر تأْدية خُمس الغَنيمة، وذِكْر قواعد الإسلام الخَمْسة، نعَمْ، في نُسخةٍ: (أَداء الخمُس)، وهو يُرجِّح الأول.

53 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجعدِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعبَةُ، عَنْ أَبِي جَمرَةَ قَالَ: كنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: أَقِم عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَأقمتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أتوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ القَوْمُ؟ أَوْ مَنِ الوَفْد؟ "، قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ: "مرحَبًا بِالقَوْمِ -أَوْ بِالوَفْدِ- غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأتِيكَ إلا فِي شَهْرِ الحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هذَا الحَيُّ مِنْ كفَّارِ مُضَرَ، فَمُرنَا بِأمر فَضل، نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَناَ، وَندخُلْ بِهِ الجَنَّةَ، وَسَألوهُ عَنِ الأَشرِبَةِ، فَأَمَرَهُم بِأربَعٍ، وَنهاهُم عَنْ أربَعٍ، أَمَرَهُم بِالإيمَانِ بِاللهِ وَحدَهُ، قَالَ: "أترُونَ مَا الإيمَانُ بِاللهِ وَحدَه؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَالَ: "شَهادَةُ أَنْ لاَ إِلَه إلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تعطُوا مِنَ المَغْنَم الخُمُسَ"، وَنهاهُم عَنْ أَربَعٍ؛ عَنِ الحَنْتَمِ وَالدُّبَّاء وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ، وَرُبَّمَا قَالَ: المُقَيَّرِ، وَقَالَ: "احفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءكم". (م ت د س). (عن أبي جمرة) بالجيم، وإنْ كان شُعبة يَروي عن سبعةٍ بالحاء المهملة عن ابن عبَّاس، ولكن لا يُطلق إلا هذا، والكلُّ مقيَّدون بما يدلُّ عليهم. (أقعد) أتى به مضارعًا؛ لحكاية الحال الماضية استحضارًا لتلك الصورة للحاضرين.

(فيجلسني)؛ أي: يَرفعني بعد أن أَقعُد، فلذلك عطفَه على (أَقعُد) بالفاء؛ لأن الجُلوس على السَّرير قد يكون بعد القُعود في غيره. (سريره) جمعه: أَسِرَّةٌ وسُرُرٌ -بضمتين-، وجاء فتح الراء، قيل: هو من السُّرور؛ لأنَّه مجلس السُّرور. وفي ذلك استحباب إكرام العالم ورفْعه. (أقم عندي)؛ أي: تَوطَّن لتُساعدني بالتَّرجمة عن الأَعجمي وله، أو لتبليغ مَن لم يسمع لزَحمةٍ أو نحوها، وقيل: قال له ذلك لرُؤيا تأْتي إنْ شاء الله تعالى في (باب التمتُّع). (سهمًا)؛ أي: نَصيبًا، وجمعه: سُهْمان -بالضم-. (فأقمت معه)؛ أي: عنده بمكة، عبَّر بالمعيَّة المشعِرة بالمصاحبة مبالغةً. (وفد)؛ أي: وَرَد، فهو وافدٌ، والجمع وَفْدٌ، وجمع الوَفْد: أَو فادٌ ووُفودٌ، والمراد جمعٌ يتقدَّمون للقاء العُظماء. قلتُ: كذا شَرح (ك)؛ لكن لفْظ الحديث: (أنَّ وَفْد عبْد القَيْس لمَّا أتوا). (عبد القيس) أبو قَبيلةٍ، وهو ابن أَفْصَى بفتح الهمزة، وسكون الفاء، وبصادٍ مهملةٍ، ابن دُعْمِي بضمِّ الدال، وسكون العين المهملتين، وياء النَّسَب، بن جَدِيْلَة بفتح الجيم، بن أسَد بن ربيعة بن نِزار، وكان

الوفْد أربعة عشَر رجلًا بالأَشجِّ كما سيأتي، ويُروى: أنَّهم كانوا أربعين، فإما أنْ تكون لهم وِفادتان، وإما أنَّ الأَشراف أربعةَ عشرَ، والباقي تبَعٌ، ومنهم مَن سَمَّى الأربعين. (أو من الوفد) شكٌّ من الرَّاوي، والظاهر أنَّه من ابن عبَّاس. (ربيعة)؛ أي: ابن نِزَار بن مَعَدِّ بن عدنان؛ لأن عبْد القَيس من ولده. (مرحبًا) نصبٌ على المصدر بعاملٍ محذوفٍ وجوبًا، أي: صادفتَ سَعَةً، فاستأْنِس ولا تَستوحش. (غيرَ) نصبٌ على الحال على المَعروف كما قال (ن)، ويُروى بالجرِّ صفةً للقوم، وإنْ كان بأل؛ لأن مثْله قريبٌ من النكرة. (خزايا) بفتح المعجمة، والزاي، جمع: خَزْيَان كسكران، وهو المُستَحِي، وقيل: الذَّليل، وقيل: المفتضح. (ندامى) جمع: نَدمان، أي: نادِم، وقيل: جمع: نادم وإنْ كان ندمان في الغالب من المنادَمة، وكان قياسه: نادِمين، ولكنه جُمع على نَدَاما؛ لمناسبةِ خَزايا تحسينًا، كما في: "لا دريتَ ولا تَليتَ"، والقياس: لا تلَوت، والغَدايا والعَشايا، والقياس: غُدوات. والمراد: أنَّه لم يقع منكم سوءٌ، ولا أصابكم قتالٌ ولا سبيٌ ونحو ذلك فتستحيوا منه وتَذلُّوا، ورواه مسلم: (ولا النَّدامى) باللام، ورُوي أيضًا: (الخَزايا والنَّدامى)، ولا يُشكل ذلك على النصب على

الحال؛ لأن (غير) إضافتُها غير محضةٍ إما لتوغُّلها في الإبهام، أو أن الشرط في تعريفها أن تقَع بين ضِدَّين، أو غير ذلك. (الشهر) سمي بذلك لشُهرته، أو المراد الجنس، فيشمل الأربعة الحرم. (الحرام) لحُرمة القتال فيه ونحوه، ويُروى: (شَهْرُ الحَرام)؛ أي: شهر الوقْت الحرام، كذا عند البصريين؛ لأنَّهم يمنعون إضافة الموصوف إلى صِفَته، وأما الكوفيُّون فيُجيزونه. وإنما تمكَّنوا في هذه الأَشهر؛ لأنَّ العرَب لا تُقاتل فيها. (الحي) أصله: مَنْزِل القوم، سُموا به توسُّعًا، لأنَّ بعضهم يَحيَى ببعضٍ. (مضر) بفتح الميم، وفتح المعجمة، غير منصرفٍ، هو: ابن نزار بن مَعدِّ بن عدنان، ويُقال له مُضَر الحَمْراء، ولأخيه رَبيعة الفَرَس، لأنَّهما لما اقتسَما مِيراثًا أُعطي مُضَر الذَّهب، وربيعة الخَيْل، وكُفَّار مُضَر كانوا في رَبيعة والمَدينة، ولا يُمكنُهم الوصول إلى المدينة إلا عليهم. (بأمر فصل) بلفْظ الصِّفة لا بالإضافة، والأمر يحتمِل أنَّه واحدُ الأوامر ضِدِّ النَّواهي، وواحدُ الأُمور، وهو الشَّأْن، ومعنى الفَصل: الفاصِل، كعدل بمعنى: عادِل، أي: يَفصِل بين الحقِّ والباطِل، وإما بمعنى: المفصَّل، أي: واضحٌ يتضح به المُراد. (من وراءنا)؛ أي: من البِلاد البَعيدة، أو من الأَزمنة المستقبَلة،

أي: أولادنا وأَخلافنا لكنَّ الظاهر أنَّه أَراد قَومَهم، ويُروى بكسر ميم مِنْ جارَّةً لـ (وراءنا). (وندخل) كذا الرِّواية، ويُروى أيضًا بحذف الواو، وقال القُرطُبي: قيَّدنا على من يُوثَق به برفْع (يدخُل) و (نُخبِرُ) على أنَّهما صفةٌ لأمرٍ، وبالجزم فيهما على جواب الأمر. (أمرهم بالإيمان) إنما ذكَره بعد أَمرهم بأربع؛ لاشتمال الإيمان على الأربعة الأركان الآتية. (شهادة) إما بدلٌ فتُجرُّ، أو خبر مبتدأ، أي: هو كذا، فيُرفع، وهو دليلٌ على أن الإسلام والإيمان بمعنًى واحدٍ؛ لأنَّه فسَّر الإسلام فيما مضى بما فسَّر به الإيمان ها هنا، ولم يَذكُر الحج؛ لأنَّه لم يُفرض إلا في سنة تسعٍ، ووِفادتهم في سنة ثمانٍ، أي: على أحد الأَقْوال في وقْت فَرضه، ولكنَّ الأرجح سنة خمسٍ على اضطِرابِ في التَّرجيح لأصحابنا مبيَّنٍ في الفقه، أو لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - عَلِم أنَّهم لا يستطيعون الحجَّ إما بسبب كُفَّار مُضَر، أو لغيره. (وأن تؤدوا) إنما أتى بالمَصدر مُؤوَّلًا لا صَريحًا؛ للإشعار بالتجدُّد بخلاف بقيَّة الأركان، فإنَّها كانت ثابتةً. (من المغنم)؛ أي: من الغَنيمة؛ لأنَّ خمُسها يُخمَّس، وأربعة أخماسها للغانمين. قال (ن): استُشكل عدُّ أربعةٍ مع ذِكْر خمسة، والأصحُّ في الجواب كما أجابَ به (ط): أنَّه عدَّ الأربع التي وعدَهم بها، ثم زادَهم

خامسةً، وهي أداء الخُمُس؛ لأنَّهم كانوا مُجاوِرين لكفَّار مُضَر، فهم أهل جهادٍ وغنائم. وقال ابن الصَّلاح: أنَّه عطْفٌ على أربع، أي: وبأَنْ تُؤدُّوا. قال (ك): ليس الصَّحيح ذلك هنا؛ لأنَّ البخاري عقد الباب على أَنَّ أَداء الخمُس من الإيمان، فلا بُدَّ أنْ يكون داخلًا تحت أَجْزاء الإيمان؛ لأنَّ أَحرف العطْف تقتضي ذلك، بل الصَّحيح ما قيل: إنَّه لم يجعل الشَّهادة بالتوحيد والرِّسالة من الأربع؛ لعِلْمهم بذلك، وإنما أَمرَهم بأربعٍ لم يكُن في عِلْمهم أنَّها دعائم الإيمان. ونحوه قَول الطِّيْبِي: مِن عادة البُلَغاء إذا أمضَت الكلام لغرَضٍ وُجِّه الكلام له دُون غيره، والشَّهادتان كانوا مُقرِّين بهما بدليلِ قوله: إنَّ الله ورسوله أَعلم، وكانوا يُظنُّون أنَّ الإيمان مقصورٌ عليهما كافيتان لهم، وكان الأَمر أوَّل الإسلام كذلك، ووجه إِعطاء الخمُس منها؛ لأنَّهم أصحاب غَزْو. وقال البَيْضاوي: الظَّاهر أنَّ الأُمور الخمسة تفسيرٌ للإيمان، وهو أحد الأُمور الأَربعة المأْمور بها، فالثلاثة إما حذَفها الرَّاوي نِسيانًا أو اختصارًا، أو يحتمِل أنَّ قوله: (أمرهم بالإيمان) ليس تفْسيرًا لقوله: (أمرهم بأربعٍ) بل مُستأنَفٌ، وتفصيله الأربعة بعد الشَّهادة، فإقامة خبر مبتدأ محذوفٍ، وفي الكلام تقديمٌ وتأْخير، أي: أمرَهم بالإيمان إلى آخره، ثم أمرَهم عقِبَه بأربعٍ، ونهاهم عن

أربعٍ، والمأْمور إنْ أقام ... إلى آخره، فهذه أجوبةٌ خمسةٌ. (عن أربع)؛ أي: عن ظُروف الأَشربة، أو عن الأَشربة التي في أَوانٍ مختلفةٍ، أو عن الانتباذ فيها بأنْ يُلقَى في الماء تمراتٌ. (الخمس) بضم الميم وسُكونها، وكذا في أَخواتها من الثَّلاث إلى العشْر. (الحنتم) بفتح المهملة، وسُكون النون، وفتح المُثنَّاة، وقال أبو هريرة: الجِرَار الخُضْر، وابن عُمر: الجِرَار كلُّها، وأنسَ: جِرارٌ يُؤتى بها من مِضر مُقيَّرات الأَجْواف، أي: مَطليةٌ بما يَسدٌّ مَسام الخزَف، ولها تأْثيرٌ في النَّبيذ، وعائشة: جِرارٌ حمراء عِنَاقها من جُنوبها يُجلَب فيها الخمْر من الطَّائف، وكان ناسٌ يَنتبذون فيها، وقال عَطاءٌ: جِرارٌ تُعمل من طِينٍ وأَدمٍ وشَعرٍ. (الدباء) بضم الدال، وتشديد المُوحَّدة، والمدِّ: القرْع، أي: وِعاء اليَقْطين اليابِس. (النقر) بفتح النون، وكسر القاف، فسَّره مسلم بأنَّه جِذْعٌ يَنقُرون وسطَه، ويَنبذون فيه. (المزفت) بتشديد الفاء، أي: المطليِّ بالزِّفْت، وربَّما قال ابن عبَّاس: (المُقيَّر) بدَل (المزفَّت)، والمراد بالكل الأَوعية، والنَّهي عما فيها، فهو من إطلاق المَحلِّ على الحالِّ. قال (ح) وغيرُه: والمعنى الانتِباذ فيها، فهو المنهيُّ عنه؛ لأنَّ

الشَّراب فيها يُسرع إليه التَّخمير، فيَصير مُسكِرًا وهو لا يَشعر. قال (ن): كان ذلك في أوَّل الأمر، ثم نسُخ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْتُ نهيتُكُم عنِ الانتِباذِ إلا في الأَسقِيَة، فانتَبِذُوا في كلِّ وِعاءٍ، ولا تَشربُوا مُسكِرًا"، وقال مالك وأحمد: التحريم باقٍ. قال: وكأنَّ ابن عبَّاس لم يَبلغه هذا النَّهي حين استُفتي فيه، وإنما أُخرجت الأسقية لأنَّها إذا حصل التَّخمير فيها تشقَّقت، فيَعلم صاحبُها بذلك، فيَجتنبُه. (من ورائكم) بفتح ميمِ (مَنْ) في رواية البخاري، وبكسرها في رواية ابن أبي شَيبة. قال (ن): في الحديث أنواعٌ من العِلْم: وِفادةُ الرُّؤساء إلى الأئمة عند الأُمور المُهمة، واستِعانةُ العالم في تفهيم الحاضِرين، والفَهْم عنه، واستِحبابُ قول: مَرحبًا للزوَّار، وحثُّ الناس على تبليغ العِلْم، وأنَّ الترجمة في الفَتوى والخبَر يُكتفى فيها بواحدٍ، ووُجوب تخميس الغَنيمة. قال: وأما القِصَّة فسبَب وِفادتهم: أنَّ مُنْقِذ -بكسر القاف- بن حَيَّان -بفتح المُهملة، والمُوحَّدة- كان مَتْجَره إلى يثرب، فبينا هو قاعدٌ إذ مرَّ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فنهض إليه، فقال له: كيف قَومُك؟، ثم سأله عن أشرافهم رجُلًا رجُلًا، فأَسلَم مُنْقِذ، وتعلَّم الفاتحة، و (اقرأ باسم ربِّك)، ثم رحَلَ إلى هجَر، فكتب معه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى جماعة عبْد القَيس كتابًا، فذهب، وكتمَه أيامًا، ثم اطَّلعتْ عليه امرأتُه، وهي بنت

41 - باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى

المُنْذِر بن عائِذ -بالمعجمة-، وكان مُنْقِذ يُصلِّي ويَقرأُ، فأَنكرت امرأته ذلك، وذكرتْ لأبيها أنَّه قد جاء من يثْرب يَغْسل أطرافَه، ويَستقبل الكعبة، ويَحني ظَهْرَه مرَّةً، ويضَع جبْهتَه على الأرض أُخرى، فتلاقَيا، فوقَع الإسلامُ في قلْب المُنذِر، وذَهب بالكتاب إلى عُصُر -بضم المهملتين-، فقرأ عليهم، فوقَع الإسلامُ في قلْبهم، فأَجمعوا على السَّير إليه - صلى الله عليه وسلم -، فتوجَّه منهم أربعةَ عشَرَ راكبًا، ورئيسُهم المُنذِر العُصُري، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَتاكم وَفْدُ عبْد القَيْسِ مِن أَهلِ الشَّرقِ، وفيهم الأَشَجُّ)، وهو المنذر؛ لأنَّه كان في وجْهه، إلى آخر القِصَّة في الحديث. * * * 41 - بابُ مَا جَاء أَنَّ الأَعمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى فَدَخَلَ فِيهِ الإيمَانُ وَالوُضُوءُ وَالصَّلاَةُ وَالزَّكاةُ وَالحَجُّ وَالصَّوْمُ وَالأَحكَامُ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُل كُلٌّ يعَمَلُ عَلى شَاكِلَته} [الإسراء: 84]: عَلَى نيَّتِهِ، "نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحتَسِبُها صَدَقَةٌ"، وَقَالَ: "وَلَكِنْ جِهادٌ وَنيَّة". (باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة)، بحاءٍ مكسورةٍ، أي: الاحتِساب والإخلاص. قال الجَوْهري: يُقال: احتسَب بكذا أَجرًا عند الله، والاسم

الحُسْبة، وهي الأَجْر. (فدخل) هو من كلام البخاري، ولهذا في بعض النُّسَخ: (قال أبو عبد الله). (من الأحكام)؛ أي: من المُعاملات، والمُناكَحات، والجِراحات؛ إذ يُشترط في كلِّها القَصد، فلو سبَق لسانُه إلى بِعْتُ أو وهبتُ أو نكحت أو طلَّقتُ لَغَا، وأما ترتُّب الضَّمان على العاقِد أو على الجاني آخرًا في الخطأ؛ فمِن قَبيل ربْط الحُكم بالسَّبب كما في ضَمان إِتْلاف الطفل في ماله، وكالدُّلوك (¬1)، ونحوه من الأَحكام الوضعيَّة. (وقال) الجُملة حاليةٌ على الظاهر لا معطوفةٌ على ما سبَق، أي: أنَّ هذه الآية أَيضًا تدلُّ على أنَّ جميع الأَعمال على حسَب النية، فهو تقويةٌ لمَا قال، فدَخَل فيه كذا وكذا. (على نيته) تفسيرٌ لقوله: على شَاكِلَته، وفي بعضٍ: (أَي: على شَاكِلَتِه) بذكْر حرف التَّفسير، وفي بعضها، وعليه شَرَح (ك): (ونفَقَة الرَّجُلِ على أَهلِه يحتَسِبُها صَدَقةً)، فـ (يَحتَسِبُها) حالٌ متوسِّطةٌ بين المبتدأ والخبر. (ولكن جهاد ونية) قالَه - صلى الله عليه وسلم - يومَ فتْح مكَّة كما سيأْتي في محلِّه من البخاري. * * * ¬

_ (¬1) أي: دلوك الشمس.

54 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحيىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الأعمَالُ بِالنية، وَلكُلِّ امرِئِ مَا نوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُها، أَوِ امرَأَةٍ يتَزَوَّجُها، فَهِجْرتُهُ إِلَى مَا هاجَرَ إِلَيْهِ". الحديث الأول (ع): (الأعمال بالنية) سبَق شرحه، وبَيان الحَصْر من هذه الصِّيغة، وأنَّها كروايةِ (إِنَّما) في ذلك، ولا يَرِد على دَعوى الحصْر نحو: صامَ رمضان بنيَّة قضاءٍ أو نذْرٍ حيث لم يقَع له ما نَوى؛ لعدَم قابليَّة المَحلِّ، والصَّرورة في الحجِّ يَنويه للمُستأجِر، فلا يقَع إلا للنَّاوي؛ لأنَّ نفْس الحج وَقَع، ولو كان لغير المَنويِّ له، والفَرْق بينه وبين نيَّة القَضاء أو النَّذْر في رمضان حيث لا يصحُّ أصلًا؛ لأن التعيين ليس بشرط في الحجِّ، فيُحرِم مطلقا، ثم يَصرِفُه إلى ما يَشاء، وكذا لو أَحرم بنفْله وعليه فرضه انصرَف للفرض لشِدَّة التشبُّث واللُّزوم، فإذا لم يَقبل ما أَحرم به انصرَف إلى القابِل، نعَم، لو أَحرم بالحجِّ قبْل وقْته انعقَد عُمرةً على المرجَّح؛ لانصِرافه إلى ما يَقبل، وهذا خلافُ ما لو أَحرم بالصلاة قبْل وقْتها لا تَنعقد على الأَظهر لقُوَّة الإحرام، ولهذا يَنعقدُ مع المُفسِد كمَن أَحرَم مُجامِعًا. قلتُ: الأَرجح لا ينعقد أصلًا، وقيل: يَنعقد فاسدًا، وقيل: صَحيحًا.

قال (ك): ولأنَّه عبادةٌ فيها مشقَّةٌ عظيمةٌ، فأَرادوا حفْظه من طُرق سُرعة الإحباط فيه، وأما إِزالة النَّجاسة حيث لا تفتقر إلى نيَّةٍ، فلأنَّها من التُّروك، نعَمْ، تفتقر لحُصول الثَّواب كتارك الزِّنا إنما يُثاب بقصد أنَّه ترك امتثالًا للشَّرع، وقيل: لأنَّ النَّجاسة أَسهل، فيُعفى عن قَليلها، ويُقتصر على محلِّها بخلاف الحدَث، فلم يحتَج لنيَّةٍ، وأما سُقوط العِدَّة عن المرأة بمضيِّ زمانها بلا نية، فلأنَّه لا فعلَ منها بل مضيُّ مدَّة، وأما صِحَّة الوُقوف بعرَفة بعدَم القصد حتى في النائم والمُغمَى عليه لاستِصحاب نيّة الإحرام فيه، وبالجُملة فهذه الصُّور فيها اختلاف، فمن منع فواضحٌ، ومَن جوَّز فعنده أنَّها خُصَّت من العُموم بالدليل. (إلى دنيا) يُروى: (لدُنْيا)، وسبق أنَّ رواية البخاري هناك فيها خرمٌ، فإنْ كان من شيخه، فعلى حسَب ما رَوى، وإنْ كان منه، فلأنَّ القصد الاستدلال بما ذكَر دون المَحذوف. قال (ط): غرَض البخاري هنا الردُّ على مَن زعم من المُرجئة أنَّ الإيمان قولٌ باللِّسان دون عقد القَلْب، فبيَّن أنَّ الإيمان لا بُدَّ له من نيةٍ واعتقاد قلْبٍ. * * * 55 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنهالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أنفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهُا فَهُو لَهُ صَدَقَةٌ".

الحديث الثاني (م ت س): (أنفق) حُذف مفعوله ليعمَّ القليلَ والكثيرَ. (على أهله)؛ أي: زَوجته وولَده، أي: ونفقتُهما واجبةٌ، فهي هنا صدقةٌ من بابٍ أَولى. (يحتسبها) حالٌ من الفاعل، أو من المفعول المَحذوف. (فهو)؛ أي: الإنْفاق. (صدقة)؛ أي: كالصَّدقة في الثَّواب لا حقيقةً، وإلا لحرُمتْ على هاشميٍّ ومُطَّلبي، والصارف له عن الحقيقة الإجماع، ولا يضرُّ المشابهةَ كونُ هذا واجبًا والصدقة غالبًا تطوُّعٌ، وبه يجاب عن كون المشبَّه به دون المشبَّه، فكيفَ شبَّه الواجب بالتطوُّع؟ فيُقال: الشَّبه في أصل الثواب لا من كل وجهٍ على أنَّ كل شبَهٍ لا يُشترط فيه كون المشبَّه دون المشبَّه به كما قُرر في محلَّه من علم البَيان. قال (ن): في الحديث الحثُّ على الإخلاص وإحضار النيَّة في الأعمال، والردُّ على المُرجئة في قولهم: الإيمان إقرارٌ باللسان فقط، وفي قوله: (يحتسِبُها) دليلٌ على أنَّها لا تكون طاعةً إلا بذلك، أي: يَنوي بها وجْه الله تعالى. * * * 56 - حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ نافعٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيب، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعدٍ، عَنْ سَعدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بها وَجْه اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ

عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ". الحديث الثالث (ع): (لن) لتأْكيد النَّفي، فيه الأقوال المشهورة أنَّه حرفٌ برأْسه، أو أصله (لا)، فأُبدل من ألفه نونٌ، أو أصله (لا أَنْ) فخُفِّفت الهمزة، وسقَطت الألف لالتقاء الساكنين. (تنفق نفقة) عامٌّ في القليل والكثير؛ لأنَّه نكرةٌ في النَّفي، والخِطاب للعموم لا لسعدٍ فقط مثل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12]، والصارِف قَرينهُ عدَم اختصاصه، ويحتمل أنَّه لسَعد والباقي بالقياس، أو أن العُموم من حديث: "حُكْمِي على الواحِدِ"، ونحوه. (تبتغي): تطلُب. (وجه)؛ أي: جِهةَ. والحديث من المُتشابه، ففيه مذهبا التأْويل والتَّفويض. (إلا أجرت) بضم الهمزة، وتقدير الاستِثناء هنا: لن تُنفق في حالٍ من الأحوال إلا وأنت في حالِ مأْجُوريتك عليها، أو تقديره: وإلا فقد أُجرتَ بها، فالمُستثنى اسمٌ لا فعلٌ، والاستثناء متصِلٌ. (عليها) في نُسخةٍ بدله: (فيها). (حتى) عاطفةٌ لا جارَّةٌ، وما بعدها منصوب المَحل. (ما) موصولٌ، والعائد محذوفٌ. (في في)، قال (ع): رُوي: (في فَمِ)، ولكنَّه لغةٌ قليلةٌ.

42 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الذين النصيحة، لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" وقوله تعالى: {إذا نصحوا لله ورسوله} [التوبة: 91].

(امرأتك)؛ أي: فتُؤجر على ذلك؛ لأنَّ قيد المعطوف عليه قيدُ المعطوف، أو يجعل (حتى) ابتدائيةً، و (ما) مبتدأٌ، وخبره محذوفٌ، أي: فأنت مأْجورٌ، ويَخرج من مفهومه أنَّ المرائي بعمل الواجب لا يُؤجر وإنْ سقَط عقابه بفِعْله. قال (ن): فيه قاعدةٌ مهمةٌ، وهي أنَّ ما أُريد به وجْه الله يثبُت فيه الأَجر، وإنْ حصَل لفاعله في ضمنه حظُّ نفْسٍ من لذَّةٍ أو غيرها، كوضْع اللُّقمة في فمِ الزوجة، وهو غالبًا لحظِّ النفْس والشَّهوة، فإذا كان هذا فيه الأَجر، فالأَجر فيما يُراد به وجه الله فقط أَولى. ثم هذا في الزَّوجة غير المضطَرَّة للُقمةٍ، فكيف اللُّقمة لمحتاجٍ؟ والكسوة، أو الرغيف، أو كل فعلٍ مما في معنى ذلك ما مشقَّته فوق مشقَّة ثمن اللُّقمة التي في الحقارة بالمحل الأدنى. 42 - بابُ قَوْلِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "الذين النَّصِيحَةُ، لِلهِ وَلِرَسولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]. (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الدين النصيحة) علَّقه البخاري؛ لأنَّ رواته في أشهر الطُّرُق عن تميم الدَّاري:

سُهيل بن أبي صالح، وليس مِن شرطه، ورواه مسلم بزيادةِ: (ولكِتَابهِ)، وليس فيه: عن تميم غيرُه، ولا رَوى البخاري عن تميم شيئًا في "صحيحه". والحديث عظيم الشَّأْن، وعليه مَدار الإسلام. قال (ح): النَّصيحة كلمةٌ جامعةٌ معناها حيازة الحظِّ للمَنْصوح له، وهو من بَليغ الكلام، قيل: ليس في كلام العرَب مُفردٌ يُوفي معنى هذه الكلمة كالفَلاح، ولا أَجمع لخيري الدُّنيا والآخِرة منه، والنَّصيحة مِنْ نَصَحَ الرجل ثوبَه: إذا خاطَه؛ لأنَّ فيه عِلاجه وسدَّ خَلله، وقيل: من نَصحتُ العسَل: صفَّيته من الشَّمع، ووجهه تخليص قول الناصح من الغِشِّ، يُقال: نصحَه نُصحًا، ونَصاحه، ونصحتُ له، وهو أفْصح، والاسم النَّصيحة. قال الأصمعي: الناصح الخالِص مِن كلِّ شيءٍ، ونصحتُه صدَقتُه. ومعنى الحديث: قِوام الدِّين وتعظيمه النَّصيحة كـ: "الحجُّ عرَفة". (لله) بأنْ يُؤمن به، ويعتقد نفْي الشِّركِ عنه، والإلحادِ في صفاته، ويعتقد وُجوب الجلال والكمال، وتنزهه عن النقائص، ويقوم بطاعته، ويجتنب معاصيَه، ويوالي أولياءه، ويُعادي أعداءه، ويعترف بنعمه، ويشكره عليها، ويُخلص له، وحقيقةُ ذلك يرجع إلى نُصْح العبد بذلك نفْسَه؛ فإنَّ الله غنيٌّ عن نصحه، وعن العالمين.

وأما النَّصيحة لكتابه: فالإيمان بأنَّه كلامه - عز وجل -، لا يُشبه كلامَ الخلْق، ولا يقدر أحدٌ منهم عليه، وتعظيمُه، وتلاوته حقَّ تلاوته، والتصديق بما فيه، وبفهم علومه، والعمَل بما فيه، والبحث عن ناسخه ومَنْسوخه، وعامِّه وخاصِّه، وسائر وجوه علومه. قلتُ: قد صنَّف شيخنا (ش) كتابًا حافلًا في تفْصيل عُلوم القرآن سماه: "البُرهان". والنصح لكتابه والدُّعاء إلى كتاب الله ليَحكم بينهم. (ولرسوله) بتصديقه على رسالته، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أوامره ونواهيه، ونُصرته حيًّا وميتًا، وإعظام حقِّه، وإحياء سنَّته، والتخلُّق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه، ومحبَّة أهل بيته وأصحابه. (ولأئمة المسلمين)؛ أي: بمعاونتهم على الحقِّ، وطاعتهم فيه، ويذكرهم برفقٍ، وترك الخُروج عليهم، والجهاد معهم، والصلاة خلفَهم، وأداء الصدقات إليهم، وهذا كلُّه على المشهور في تفسيرهم بالحُكَّام، فإنْ أُوِّل بعُلماء الدِّين؛ فبقَبول ما روَوه، وتقليدهم في الأحكام، وحُسن الظنّ بهم. (وعامتهم) إنما لم يُعد اللام فيهم؛ لأنَّهم كأَتْباع الأئمة لا مُستقلُّون، والنُّصح لهم إرشادُهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكفُّ الأذى عنهم، وتعليمهم ما جهلوه، وإعانتهم على البرِّ والتقوى، وستر عوراتهم، والنَّفقة عليهم، وأنْ يُحبَّ لهم ما يحبُّ لنفْسه من الخير.

وعضَد البخاري الاستدلالَ بالحديث بآيةِ: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]. 57 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَايعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكاةِ، وَالنُّضح لِكُلِّ مُسْلِم. الحديث الأول (م س): من اللَّطيف في سنَده أنَّ فيه ثلاثةً بَجَليِّين كوفيِّين كُنية كلٍّ: أبو عبد الله؛ وهم إسماعيل، وقَيْس، وجَرير. (بايعت)، أي: عاقدتُ. (إقام) أصله: إقامة، فحُذفت التاء تعويضًا عنها بالمضاف إليه. وسبق بيان معنى الإقامه، واكتفَى هنا من الأركان بذِكْر الصلاة والزكاة؛ لأنَّ العباده بدَنيةٌ أو ماليةٌ. فإنْ قيل: الترجمه عامةٌ، والحديثُ بعضها؟. قيل: لاستلزام الكلِّ؛ لأنَّ النُّصح للمُسلم كوصف الإسلام، وهو فَرع الإيمان بالله وبرسوله وكتُبه. قال (خ): جعَل - صلى الله عليه وسلم - نُصح المسلمين شرطًا في الدِّين حيث بايَع عليه، فنزَّله منزلتَه، فلذلك قرنها بذِكْر الصلاة والزكاة.

قال (ط): في الحديث تسمية النَّصيحة دِينًا وإسلامًا، فإنَّ الدِّين يقَع على العمل كما يقع على القَول، قال: وهي فرض كفايةٍ مَن قام به سقَط الفرض عن غيره، وهي لازمةٌ قدْر الطَّاقة إذا عَلم الناصح أنَّه يقبل نُصحه، ويُطاع أمرُه، وأَمِنَ على نفْسه، وإلا فهو في سَعةٍ، وقيل: لا يكون النُّصح لله ولرسوله حتى يَبدأَ الناصِح بنفْسه، ويجتهد في طلَب العِلْم ليَعرف ما يجبُ عليه. وسبَب تحديث جَريرٍ بذلك فيما روى الطَّبراني: أنَّ مولاه اشترى له فَرَسًا بثلاث مئةٍ، وجاء لصاحبها لينقدُه الثَّمن، فقال جَريرٌ للبائع: فَرسُك خيرٌ من ثلاث مئةٍ، أتبيعُه بأربع مئةٍ، ثم لم يَزَل يقول له: فَرسُك خيرٌ من كذا حتى بلغ ثمان مئةٍ، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعتُ ... ، الحديثَ، وكان إذا قوَّم السِّلعة يُعرِّف المشتري عُيوبَها، ثم خيَّره، فقيل له: إذا فعلتَ ذلك لم ينعقد لك بيعٌ، فقال: إنا بايَعنا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على النُّصح لكلِّ مُسلمٍ. * * * 58 - حَدَّثَنَا أبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَهُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَيْكُم بِاتِّقَاءَ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ حَتَّى يَأتِيَكُم أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لأَمِيرِكُم، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أتيْتُ

النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإسْلاَمِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ: "وَالنُّضح لِكُلِّ مُسْلِم"، فَبَايَعتُهُ عَلَى هذَا، وَرَبِّ هذَا المَسْجدِ! إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُم، ثُمَّ استَغْفَرَ وَنزَلَ. الحديث الثاني (م س): (سمعت جريرًا)؛ أي: سمعتُ كلامه؛ لأنَّ الذات لا تُسمع. (قام) ليس في خبر (سَمِع)؛ إذ لا دخل له فيه، وإنما التقدير سمعتُ جَريرًا حمِدَ الله، فحُذف، ثم فسَّر ذلك بقوله: (قامَ ...) إلى آخره، ولا محلَّ لـ (قام)؛ لأنَّه استئنافٌ. قال الزَّمَخْشَري في: {سَمِعْنَا مُنَادِيًا} [آل عمران: 193]: تقُول: سمعتُ رجلًا يتكلَّم، فتُوقِع الفعل على الرجل، وتحذِف المَسموعَ؛ لأنَّك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالًا عنه، فأَغناك عن ذِكْره، ولولا الوَصف أو الحال لم يكُن منه بُدٌّ من أنْ تقول: سمعتُ كلامَه. (فحمد الله وأثنى عليه) الأُولى بالجَميل، والثاني بالخَير، أو الأوَّل بإثْبات الكمال، والثاني بنفْي النَّقائص، فالأول إشارةٌ إلى الصِّفات الوُجوديَّة، والثاني إلى الصِّفات العدَميَّة، أي: التَّنْزيهات. (عليكم) اسم فعلٍ بمعنى: الزموا. (وحده) حالٌ بتأويله بنكرةٍ، أي: واحدًا، أو أنَّه مصدر وَحَد يَحِد كوَعَدَ يَعِدُ. (والوقار) بفتح الواو: الحِكْمة والرَّزانة.

(والسكينة) السُّكون والدَّعة، فأَشار بالوَقار إلى مَصالح الدِّين، وبالسَّكينة إلى مصالح الدُّنيا؛ لأن الاتقاء مِلاك الأمر، والسُّكون لازمٌ عن وِقاية الأمر المؤدِّي غالبًا إلى الفِتْنة والاضطِراب والهرْج والمَرْج. (حتى يأتيكم أمير)؛ أي: بدَلَ هذا الذي ماتَ، ولا يُؤخذ من مفهومِ (حتى) أنَّ بعد مجيء الأَمير لا يكون اتقاءً ووقارًا؛ لأنَّ (حتى) مخالفة ما بعدها لما قبلها، إما لمنع أنَّ ما بعدها مُخالفٌ لما قبلها، وإما أنَّه غايةُ الأمر بالاتقاء للأُمور الثلاثة، أو غاية الوَقار والسُّكون لا للاتقاء، وغاية الثلاث، ولكنْ بعد مجيء الأَمير يَلزم ذلك بالأَولى؛ لأنَّ في الأُصول: شرطُ مفهومِ المُخالفة فقْدُ الموافقة. (يأتيكم)؛ أي: الأَمير. (الآن) يحتمل حقيقةً، فيكون الأمير جَريرًا نفْسه؛ لما رُوي أنَّ المُغيرة استَخلف جَريرًا على الكُوفة عند مَوته، وقيل: ابنه عُروة بن المُغيرة، ويحتمل أنَّ المراد قُرب المُدَّة من الحال، فيكون الأمير زيادًا؛ إذ ولاه مُعاوية بعد وفاته الكوفة. (استغفروا)، في روايةٍ: (استَعْفُوا)، أي: اسأَلوا له العَفْوَ، فإنَّه كان يُحبُّ العفوَ عن ذُنوب الناس كما في المثَل السائر: كما تَدينُ تُدانُ. قال (ط): جعَل الوسيلةَ إلى عَفْو الله الدُّعاء بأَغلب خِلال الخير عليه، فلذلك يُجزى كلُّ أَحدٍ يومَ القيامة بأحسَن أَخلاقه وأَعماله.

(قلت: أُبايعك) تَركَ حرف العطْف؛ لأنَّه بدَلٌ من (أَتيتُ)، أو استئنافٌ. (فشرط علي) بتشديد الياء على أصحِّ الرِّوايات. (والنصح) بالخفْض عطْفٌ على الإسلام، ومثْله يُسمى العطْف التَّلْقيني، أي: لقِّنْه أن يعطف: والنُّصح، ومثله: {قَالَ وَمِن ذُرِّيتيِ} [البقرة: 124]، وفي روايةٍ: (والنُّصحَ) بالنصب عطْفًا على مقدَّرٍ، أي: شرَط الإسلامَ والنُّصحَ. وفي الحديث: استحبابُ البَيعة، وكمال شفَقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أُمته. (على هذا)؛ أي: على المَذكور من الإسلام والنُّصح. (المسجد)؛ أي: مَسجد الكُوفة، نبَّه به على شرَفه مكانُ القسَم، وموضع النَّصيحة ليَكون أقْربَ إلى القَبول. (إني لناصح) إشارةٌ لا إلى وفائه بما بايعَ به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ كلامه صادقٌ خالصٌ من الأغراض الفاسدة. (ونزل)؛ أي: من المِنْبَر، أو معناه: قَعَد؛ لأنَّه مقابِلٌ لـ (قَامَ)، والله أعلم.

3 - كتاب العلم

3 - كتاب العلم

1 - باب فضل العلم وقول الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} [المجادلة: 11]، وقوله - عز وجل -: {رب زدني علما} [طه: 114].

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 3 - كتاب العلم أخَّره عن الإيمان؛ لأنَّه أول واجبٍ، أو لأنَّه أفضَل على الإطلاق؛ لأنَّه مبدأُ الخير عِلْمًا وعمَلًا. وقدَّم العِلْم على كل ما يأْتي بعده؛ لأنَّ مَدارها عليه. 1 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وَقولهِ - عز وجل -: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]. (باب فضل العلم) لم يَذكر في هذه الترجمة حديثًا لِما سبَق من أنَّه إما لكونه ذاكرًا لترجمةٍ، وكان يُلحق بها الأحاديثَ، ولم يتفِق له أنْ يُلحق ببعضها شيئًا، أو لأنَّه لم يثبُتْ عنده في تلك الترجمة شيءٌ، أو أنَّه قصَد ترك إيراد حديثٍ للتَّنبيه على أنَّه لم يَصحَّ في ذلك شيءٌ، أو نحو ذلك.

2 - باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل

وسيأْتي ترجمةٌ نحوَ هذه فيها حديثٌ، وأنَّ جواب ذلك: أنَّ الفضل هناك بمعنى الفَضيلة لا من الفَضْل. {دَرَجَاتٍ} مفعولُ (يرفع)، والرفْع: كثْرة الثَّواب ونحوه. {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}؛ أي: فالذي يُطلب زيادتَه دليلٌ على فضله. * * * 2 - بابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الحَدِيثَ ثم أَجَابَ السَّائِلَ (باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه) سُئل بضم السين، وجملة: (وهو مشتِغلٌ) حاليةٌ من نائب الفاعل. (فأتم) عطَفه بالفاء لأنَّه عَقِبه. (ثم أجاب): عطفَه بـ: (ثم)؛ لتراخيه. 59 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيحٌ، ح وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ، فَقَالَ بعضُ القَوْمِ: سَمعَ

مَا قَالَ، فَكَرِه مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُم: بَلْ لَم يَسْمَع، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: "أَيْنَ -أُرَاهُ- السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ "، قَالَ: ها أَناَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانة فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُها؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". (وحدثنا) وفي بعضها: (وحدَّثني)، وسبَق الفرقُ بينهما، وبالجملة فهو إسنادٌ آخَر، وربَّما يُكتب قبلَه صُورة (ح) للتَّحويل، وسبق بيانها. (بينما) أصله: (بين) زيدت عليها (ما)، وهو ظرف زمانٍ بمعنى المُفاجأة، والأفْصح أن يُجاب بـ (إذ) أو بـ (إذا)، وكان الأَصمعي لا يَستفصِح إلا تَركَهما، وقيل: يتضمن بمعنى الشرط، فلذلك اقتضى جوابًا، وعاملُه الجواب (إذا) كان مجرَدًا منهما، وإلا فمعنى المُفاجأَة، وقد سبق. (يحدث) خبر المبتدأ، ومفعولاه الأَخيران حُذفا. (القوم) الرجال، قال تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11]، الآيةَ، وقال الشاعر: أَقَومٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساءُ وقد يدخُل النِّساء في قومٍ تبَعًا، فإنَّ قوم كلِّ نبيٍّ شاملٌ للرجال والنِّساء، وجمعه: أَقوامٌ، وجمع الجمع: أَقاوِم. (أعرابي) واحدُ الأعراب، وهم سُكان البَوادي لا واحدَ له،

وليس الأعراب جمع: العرَب، والنَّسب للعرَب عرَبيٌّ، ولم يُسمِّ هذا الأعرابي إلا أبو العالية، فإنَّه سماه: رفيعًا. (يحدث)؛ أي: يحدِّث القَوم، ورُوي (بحديثه) بحرف الجرِّ. (فقال بعض ...) إلى آخره، جملةٌ اعتراضيةٌ بين (فمضى)، وبين (حتى إذا قضى حديثه)، وعطْف: (بل لم يسمع) على ما قبْلَه لا يقدَح فيه تغايُر المتكلِّمين، فقد يكون الإضراب بين كلامَي متكلِّمَين، ولو سُلِّم منْعه؛ فلم لا يكون الكلُّ من كلام البعض الأوَّل على طريقة عطْف التَّلْقين، كأنَّه قال البعض الآخَر للبعض الأوَّل: بل لم يَسمَع، أو من كلام البعض الآخَر بأنْ تُقدِّر قبلَه: سَمعَ، أي: سمع بل لم يَسمع، كذا قال (ك)، وفيه نظَرٌ. (أين هذا السائل) وفي نُسخةٍ: (أَيْنَ أُراهُ السَّائِلُ؟)، وهو بضم الهمزة بمعنى: أَظنُّ؛ أي: قال الرَّاوي: أظُنُّ أنَّه قال: أَين السائلُ؟. (ها) حرف تنبيهٍ. (أنا): مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: السائل. قال الجَوْهري: (ها) يكون جواب النِّداء تُمدُّ وتُقصر، وتكون مقصورةً للتَّقريب إذا قيل: أَين أنتَ؟، فتقول: ها ها أَنا ذا. واعلم أنَّ العطف قد ترك في: قال سُؤالًا وجوابًا؛ لأنَّ المُقاوَلة تقتضي سؤالَ سائلٍ عما قال كلٌّ، نعَمْ، في بعض النُّسَخ: (فقالَ: كَيْفَ إِضاعَتها؟)؛ ليُفرغه عمَّا قبْله، فعقب بالفاء. (وُسِّدَ) بالتشديد؛ أي: جعل له غيرُ أَهله وِسادةً، مِن وسَّدتُه

الشيءَ، فتوسَّدَه، أي: فُوِّض الأَمر، فـ (إلى)، بمعنى اللام، أو لتضمُّنه مع الإسناد، ورَواه القابِسي: (أُوْسِدَ) بهمزةٍ، ورواه البخاري في (باب رفْع الأَمانة): (أُسْنِدَ). (الأمر)؛ أي: جنْس الأُمور المُتعلِّقة بالدِّين؛ مِن خلافةٍ وقضاءٍ وإفتاءٍ ونحوه، بخلاف البَواقي، وإنما أخَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جوابَ السائل؛ لأنَّه سأَل عما لا يجبُ تعلُّمه، أو لأنَّ غيره أهمُّ منه، أو أَخَّره انتظارًا للوحي أو لِيُتِمَّ حديثه، حتى لا يختلط على السامعين، أو أراد التَّنبيه على فوائد: منها: تقديم القاضي، والمفتي، والمدرِّس الأسبَق، وأنَّ الأدب أنْ لا يُسأل مَن هو مُشتغلٌ بحديثٍ أو غيره، والرِّفْق بالمتعلِّم، وإنْ جَفا في سُؤاله أو جَهِل؛ إذ لم يُوبِّخه - صلى الله عليه وسلم -، ومُراجعة العالم فيما لم يُفهم كقوله: (كَيْفَ إِضاعتُها؟)، وإنما أجابَ بزوال الإضاعة، والسُّؤال عن الكيفيَّة؛ لتضمُّنه إياه؛ لأنَّ كيفيَّتها بالتوَسُّد المذكور. والظاهر أنَّ (إذا) هنا ليست شرطيةً. (فانتظر) للتفريع عما قبْله، أو جواب شرطٍ محذوفٍ. قال (ط): معنى الحديث أنَّ الأئمة ائتَمنهم الله على عباده، وفرَض عليهم النُّصح، فإذا قلَّدوا الأمر غير أهل الدِّين، فقد ضيَّعوا الأَمانة، وفي الحديث: "إِنَّ السَّاعةَ لا تَقُومُ حتَّى يُؤتَمنَ الخائِنُ"، وهذا إنما يكون إذا غلبت الجُهَّال، وضَعُف أهل الحقِّ عن القيام به ونُصرته. * * *

3 - باب من رفع صوته بالعلم

3 - بابُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالعِلْمِ 60 - حَدَّثَنَا أبَو النُّعمَانِ عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثنَا أبو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفْرَةٍ سَافَرناَها، فَأَدركَنَا وَقَد أَرهقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمسَحُ عَلَى أَرجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعلَى صَوْتهِ: "ويلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ"، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. (باب من رفع صوته بالعلم) (م د س ق). (في سفرة) في "مسلم": أنَّ ذلك مَقفَلهم من مكَّة إلى المدينة. (سافرناها) الضمير مفعولٌ مطلَقٌ نحو: ظننتُه زيدًا منطلِقًا؛ أي: ظننت الظنَّ. (فأدركنا)؛ أي: لحِقَ بنا. (أرهقتنا الصلاة) برفع (الصلاة) فاعل: أَرهقَ، أي: غشِيتْنا، أو حملتْنا على أدائها. قال أبو زيد: رهقَتْنا إذا حانَتْ. وقال ابن الأَعرابي: رَهِقَ، وأرهق بمعنى: دنا، وهي بكسر الهاء، أَرهق بالفتح، قال الله تعالى: {ولَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} [يونس: 26].

وفي روايةٍ: (أرهقَنَا) من غير تاءٍ، ورفْع (الصلاة)؛ لأن تأنيثها غير حقيقيٍّ. وفي رواية: (أَرهقْنا) بسكون القاف، ونصب (الصلاة)، أي: أخَّرنا الصلاة حتى يدنُوَ وقْت الأُخرى. قال (ش): وهو الأظهر. قال صاحب "الأَفعال": أَرهقْتُ الصلاةَ أخَّرتها، وأَرهقتُه أدركتُه. وهذه الصلاة كانت العَصْر، كذا في "مسلم"، وفي رواية البخاري في (العلم)، وفي (الوُضوء). (فجعلنا) مِن أفعال المُقارَبة تُستعمل كـ (كادَ). (أرجلنا) جمع رِجْل لمُقابلة الجمْع، وإلا فليس لكل إلا رِجْلان، ولا يُقال: يلزم أنْ يكون لكلِّ واحدٍ رِجلٌ واحدةٌ، لأنَّا نقول المراد به جنْس الرِّجل سواءٌ كانت واحدة أو ثنتين. قال (ك): المَسْح على القدَم، فأُطلقت الرِّجل على بعضها، وهو عجيبٌ، فلا امتناعَ أنْ يكونوا مسحوا الرِّجل كلَّها، فأنكر عليهم عدَم الغَسل؛ إذ ليس المراد هنا مسْح الخُفِّ، فإنْ أراد أن الرِّجل تُطلق إلى الرُّكبة، فذاك فيه بحثٌ مذكورٌ في: (إلى) كما في (اليَد إِلى المرفَق). (للأعقاب) جمع: عَقِب بكسر القاف، وهو مُؤخَّر القدَم، وإنما

أتى باللام؛ للاختصاص نحو: {وَإِن أَسَأتُم فلها} [الإسراء: 7]، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 10]، وإنْ كانت على أكثر ما يُستعمل في النَّشر نحو: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] أي: ويلٌ لأَصحاب الأَعقاب المقصِّرين في غَسلها، نحو: {وسئلِ القَريَةَ} [يوسف: 82]، وقيل: العقِب هي المخصوصة بالعُقوبة. وبالجُملة فهو دليلٌ لغَسل الرِّجلين، وهو الإِسباغ لا اللَّمس بالماء، وأما قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6]، وإنْ كان ظاهرها عطفٌ على المَمسوح لكنَّ تأْويله: أنَّ الجرَّ على المُجاورة، أو نحوه؛ ليُوافق قراءة النَّصب أجود مِن تأويل النَّصب: بأنَّه عطفٌ على محلِّ الجارِّ والمَجرور؛ لما دلَّ عليه هذا الحديث ونحوِه من وُجوب الغَسل، وأيضًا فكلُّ مَن وصَف وضوء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَوى غَسلَه إياهما. قلتُ: وأيضًا في حديث عَمرو بن عَبَسة في "صحيح ابن خُزَيمة": (ثُمَّ يَغسِلُ قدَمَيْهِ إلى الكَعْبَين كمَا أَمرَه اللهُ تعالى). (أو ثلاثًا) شكٌّ من ابن عُمر. وقال (ك): إنما تَركوا الصلاة في الوقْت الفاضِل طمَعًا في إِتْيان النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فيُصلُّون معه، فلما ضاق الوقْت خشُوا فَوته، فتوضَّؤوا مُستعجِلين، ولم يُبالغوا، فأَدركهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فزجَرهم، وأنكَر عليهم. واحتجَّ مَن اكتفى بالمَسح بأنَّ حُكم الوَجْه واليدَين في الوُضوء الغَسل، وفي التيمُّم المَسْح، والرأْس والرِّجلان ساقطان في التيمم،

4 - باب قول المحدث: (حدثنا) أو (أخبرنا) و (أنبأنا)

فوجَب أنَّ واجبَهما المسح؛ لأنَّ الرِّجل بالرأْس أشبَه، ولا يخفى ضَعفه. وفي الحديث: التغليظ في الإنكار، والتكرار للمُبالغة، ورفع الصَّوت في المُناظرة بالعِلم. قال ابن أبي شَيبة: مرَرتُ بأبي حنيفة هو وأَصحابه وقد ارتفَعتْ أصواتُهم بالعِلْم. * * * 4 - بابُ قَوْلِ المُحَدِّثِ: (حَدَّثَنَا) أوْ (أَخْبَرَنَا) و (أَنبأَنَا) وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ: (حَدَّثَنَا) وَ (أَخْبَرَناَ) وَ (أَنْبَأَناَ) وَ (سَمِعتُ) وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصِّادِقُ المَصدُوقُ. وَقَالَ شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كلِمَةً. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَروِي عَنْ رَبِّهِ. وَقَالَ أَنسٌ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يروِيه عَنْ رَبِّهِ - عز وجل -.

وَقَالَ أبَو هُرَيرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ - عز وجل -. (باب قول المحدث: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا) المراد بالمُحدِّث الرَّاوي لا الاصطِلاحي، وهو العالم بحديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (قال لنا)، وفي نسخةٍ: (قال الحُمَيْدي) من غير ذِكْر لفْظ (لنا)، وكلاهما يحتمل روايته عنه بواسطةٍ بخلاف (حدَّثنا)، ولو قال: قالَ لي كان أيضًا دون (حدَّثنا)؛ لاحتمال أنَّه سُئل على سَبيل المُذاكَرة. قال جَعفر بن حَمدان النَّيْسابُوري: كلُّ ما في البخاري: قالَ في فلانٌ، فهو عَرض ومُناوَلةٌ. (واحدًا)؛ أي: الثلاثة بمعنًى واحدٍ، وتقرير البخاري ذلك من غير حكايةِ ما يُخالفه دليل على اختياره. وقال مسلم: (حدَّثنا) لا يجوز إطلاقُه إلا على ما سمعه من الشيخ خاصةً، و (أخبرنا) لمَا قُرئ عليه، فالأول أَعلا، وهذا مذهب الشَّافعي، وجمهور أهل المشرق، قيل: وأكثر أصحاب الحديث الشَّائع الغالب عليهم، والقول الأوَّل نقلَه (ن) عن مالكٍ والبُخاري، ومُعظَم الحجازيين والكوفيين، ونُقل عن طائفةٍ أنَّهما لا يُطلَقان في القراءة على الشَّيخ، وهو قول أحمد، والمشهور عن النَّسائي، انتهى. أما (أنبأنا) فيكون في الإجازة، فهي أَدنى من (أخبرنا).

وأما (سمعت) فلِمَا سمعه من الشيخ، ولو كان مع غيره، فهو دُون: (حدَّثنا). وقال الخَطيب: الأرفَع: سمعت، ثم حدثني، ثم أخبرني، ثم أنبأني. ونقَل (ط) عن طائفةٍ: أنَّ (حدثنا) لا يكون إلا مُشافهةً، و (أخبرنا) يكون مُشافهةً وكتابًا وتبْليغًا، يقول: أخبَرنا اللهُ تعالى في كتابه، ورسولُه - صلى الله عليه وسلم - بكذا. وقال الطَّحَاوي: لم نجن بين الحديث والخبر فَرْقًا في كتابٍ ولا سنةٍ، قال تعالى: {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4]، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أخبرني تميمٌ الدَّارِيُّ". (قال ابن مسعود) وصلَه فى (بدء الخلق)، و (الغسل)، وغيرهما. (الصادق) في نفْس الأمر. (المصدوق)؛ أي: بالنِّسبة إلى الله تعالى، وإلى النَّاس، أو الذي يُخبره صادقٌ، وهو جبريل - عليه السلام -. (وقال سُفْيان) وصلَه في (الجنائز)، و (التوحيد) وغيرهما. (وقال حذيفة) وصلَه في (التوحيد)، وغيره، وقال (ك): في (كتاب الرقائق). (وقال أبو العالية) وصلَه في (التوحيد) أيضًا، وأوَّله: (لكُلّ عمَلٍ كفَّارةٌ). واعلم أنَّ من بعد قوله: (أنبأنا) ليس من الترجمة، نعَمْ، فيه ذكْر

ما لا تعلُّق له بالترجمة، كما أن في الترجمة ما لم يذكُره، وهو: (أنبأنا)، لكنْ لفْظ الرواية لمَّا كان شاملًا للجميع صار كأنَّ الترجمة للكلّ. * * * 61 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَة لاَ يَسْقُطُ وَرَقُها، وإنها مَثَلُ المُسْلم، فَحَدِّثُوني مَا هِي؟ "، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنّها النَّخْلَةُ، فَاسْتَحيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ". (م ت س). (الشجر)؛ أي: جنْسها، واحدُه: شجَرة كثَمَر وثَمَرة. (مَثَل) بفتح الميم، والمُثلَّثة في الرِّواية، ويُقال فيه بكسر الميم وسُكون ما بعدَها، كشَبَهٍ وشِبْهٍ لفْظًا ومعنى، والمَثَل بالتحريك: واحدُ الأمثال. ووجْه الشَّبَه بينها وبين المسلم: كثْرة خيرها، ودوام ظلِّها، وطيب ثمرتها، ووجوده على الدوام، فيُؤكل من حين يطلُع إلى ما بعد يُبسه، ويُستعمل خشَبها جِذْعًا، وحَطَبًا، وعِصيًّا، ومَخاصِر، وورقها حُصُرًا، وأواني، وحبالًا، وآخرها النَّوى يُعلف به الإبل، هذا مع جمال نبَاتها، وحُسن بيئة ثمرها، والمؤمن خيرٌ كلُّه من كثرة طاعته،

ومَكارم أخلاقه، ومُواظبة صلَواته، وصيامه، وقراءته، وذكره، والصدقة، والصلة، وسائر الطاعات، ودوام ذلك كدوام ورق النخلة. قال السُّهيْلي في "التعريف": زاد فيه الحارث بن أبي أُسامة في متْنه زيادةً تُساوي رِحلةً: عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "هيَ النَّخلة لا تَسقُط لها أَنْمُلةٌ، وكَذا المؤمِنُ لا يسقُطُ له دَعوةٌ)، انتهى. وقيل: في وجْه الشَّبَه أيضًا إذا قُطع رأْسها ماتتْ، وأنَّها لا تحمِل حتى تلقَّح، وتموت إذا غرقَتْ، أو يفسد ما هو كالقَلْب لها، وإنَّ لطَلْعها رائحة المَنيِّ، أو لأنَّها تعشق كالإنسان، لكن هذه الأُمور كلَّها لا تختصُّ بالمسلم، فلا وجْه لتفسير الشبَه ها هنا. (ما هي) مبتدأٌ وخبرٌ في موضع الثاني من مفعولي (حدَّث). (فوقع الناس)؛ أي: فسر كل واحدٍ بنوعٍ، وفي رواية: (البَوادِ) بحذف الياء، وهو لغةٌ. (فاستحيت)؛ أي: أنْ أتكلَّمَ وعنده - صلى الله عليه وسلم - الكبار هيبةً منه، وتوقيرًا لهم. (حدِّثنا) طلَبٌ؛ إذْ لا عُلوَّ ولا استعلاءَ ولا تَساوي. ففي الحديث أن سماع الشيخ والسماع منه يُطلق فيهما التحديث لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (حدثوني)، وقولهم: (حدِّثْنا)، ولا يخفى ما فيه من نظَرٍ؛ فإنَّ قوله: (حدِّثُوني) مساوٍ لـ (حدِّثْنا)؛ لتنزيله إياهم منزلة الشيخ. وفيه: إلقاء العالم المسألةَ على أصحابه ليَختبر أفْهامَهم،

5 - باب طرح الإمام المسئلة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم

ويُرغَبهم في العِلْم كما سيترجِم له عَقِبَ ذلك. وفيه: ضرب الأمثال بالشجرة وغيره، وتوقير الكبار، وترك التكلم عندهم، وفضْل النخل؛ قيل فيها: إنَّها خُلقتْ من بَقيَّة طِينة آدم، وهي كالعمَّة للأَناسيِّ. * * * 5 - بابُ طرح الإِمَامِ المَسْئَلَةَ عَلَى أصحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ (باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر)؛ أي: ليمتَحِنَ. (من العلم)، (مِنْ) للبيان. 62 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُها، وَإِنَّها مَثَلُ المُسلم، حَدِّثُوني مَا هِيَ؟ "، قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّها النَّخْلَةُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ". (حدِّثوني) في الرواية السابقة: (فحدِّثُوني) على تأْويلٍ، كأنَّه قال: إنْ عرفتُموها فحدِّثُوني، فحُذف الشَّرط، فعدَمها هو الأصل؛ إذ لا جِهةَ جامعةً تقتضي العطْف، وإنما أَعاد البخاري الحديثَ- ولا تفاوُتَ

6 - باب ما جاء في العلم، وقوله تعالى: {وقل رب زدني علما} القراءة والعرض على المحدث

إلا بزيادةِ الفاء- لاستفادة الحُكم المترجَم عليه، ولاختِلاف السَّنَد، وفائدة ذلك التَّنبيه على أنَّ كلًّا من شيخَيه حدَّثنا في مَقام، فقُتيبة في مَقام التَّحديث، وخالد في مقام طَرح المسألة، هذا مع فائدة التأْكيد وغيره. 6 - بابُ مَا جَاء فِي العِلْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} القِرَاءَةُ وَالعَرضُ عَلَى المُحَدِّثِ وَرَأَى الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالكٌ القِراءَةَ جَائِزَةً، وَاحتَجَّ بَعضُهُم فِي القِرَاءَةِ عَلَى العَالِم بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعلَبَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ؟ قَالَ: "نعم"، قَالَ: فَهذِهِ قِرَاءَة عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَ ضِمَامٌ قَوْمَهُ بِذَلِكَ فَأَجَازُوهُ، وَاحتَجَّ مَالكٌ بِالصَّكِّ يُقْرَأُ عَلَى القَوْمِ فَيَقُولُونَ: أَشهدَناَ فُلاَن، وَيُقْرَأُ ذَلِكَ قِراءَةً عَلَيْهِم، وَيُقْرَأُ عَلَى المُقْرِئ فَيَقُولُ القَارِئُ: أَقْرَأَنِي فُلاَنٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِالقِرَاءَةِ عَلَى العَالِم. وَأَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: إِذَا قُرِئَ

عَلَى المُحَدِّثِ فَلاَ بَأسَ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي، قَالَ: وَسَمِعتُ أَبَا عَاصمٍ يَقُولُ، عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ: القِرَاءَةُ عَلَى العَالِم وَقِراءَتُهُ سَوَاء. (باب القراءة والعرض على المحدث) (على) مُتعلقةٌ بهما، وهو من التنازع، والمراد بالعرض هنا عرْض القراءة؛ بدليلِ ما ذكر في الباب لا عرْض المناولة، وهو أنْ يأتي إلى الشيخ يعرِض عليه أنَّه هل هو من روايته، فيتأمَّلُه الشيخ، ويقول: وقفْتُ على ما فيه، وهو حديثي، فأجزتُ لك أن تَرويه عني، وعلى الأوَّل فالعطْف للبَيان أنَّ له اسمين فهما وإن اتحدا ذاتًا لكنْ تغايَرا مفهومًا، ويُسمَّى مثْله العطف التَّفسيري. (ورأى ...) إلى آخره، هذه الأُمور خارجةٌ عن الترجمة مستأنفةٌ، ويحتمل أن تكون منها بتأْويلِ مصدرٍ؛ أي: وباب رأْي الحسَن ... إلى آخره، ثم ذكَر بعد ذلك سنَده إلى الحسَن، وإلى الثَّوري، ومالك، فيما قالُوه، ثم أسنَد حديث ضِمام الذي قال فيه: (احتجَّ بعضُهم)، وذلك البعض هو الحُمَيدي شيخ البخاري، لكن قوله: (أخبر ضِمام قومه) وصلَه أبو داود عن ابن عبَّاس بلفْظ: أنَّ ضِمامًا قال لقومه عندما رجَع إليهم: إنَّ الله قد بعثَه رسولًا، الحديثَ. وضِمام -بكسر المعجمة- بن ثَعلَبة -بمُثلَّثة مفتوحةٍ، ثم مُوحَّدة-: أخو بني سَعد بن بكْر السَّعدي، قَدِم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، بعثَه إليه بنو سَعْد

يَسألُه عن الإسلام، رجَع إليهم، فأخبرهم بذلك، فأَسلَموا. قال ابن عبَّاس: ما سمعنا بوافدٍ قطُّ أفضَل من ضِمام. (آلله أمرك) الأول مرفوعٌ، والجملة خبرٌ، وفي الكلام استفهامٌ. (أن تصلي) وفي بعضها: (بأن)، وفي بعضها؛ (نُصَلِّي) بالنون، أي: بأنْ تأْمُرنا بالصلاة. (قال)؛ أي: البعض المُحتجُّ، وهو الحسَن، والثَّوريُّ، وغيرهما. (قرأه على النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي نسخةٍ: (قِراءَة النبيِّ)؛ أي: القِراءة عليه أو له. (فأجازه)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، أو أجازه قومُه؛ أي: بعد إسلامهم، أو كان فيهم يومئذٍ مُسلمون. وفائدة ذِكْره الإشعار بـ (قَرأَه) باعتبار القِراءة على المُحدّث، وجواز العمَل بذلك، ومجرَّد القراءة على الشيخ يدلُّ على هذا المقصود. (بالصكِّ) بتشديد الكاف: الكِتاب. قال الجَوْهري: فارسيٌّ معرَّبٌ، والجمع صِكَاك وصُكوك. (يقرأ) بالضم مبنيٌّ للمفعول. (فلان) منوَّنٌ منصرِفٌ، وفي بعضها بعد ذلك: (وإنما ذلك قِراءةٌ عليهم). قال (ط): هذه حُجةٌ قاطعةٌ؛ لأنَّ الإشهاد أَقوى حالًا من الإخبار.

(المقرئ)؛ أي: مُعلِّم القرآن. (القارئ)؛ أي: المتعلِّم سواءٌ الذي قرأَ على المُقرئ أو غيره. (محمد بن الحسن الواسطي) ليس في البخاري عنه إلا هذا الأثَر. (قال: وسمعت أبا عاصم)؛ أي: قال البخاري ذلك، وليس فيه إشعارٌ بأنَّه حدَّثه؛ لجواز أنَّه كان قاصِدًا إسماعَ غيره، فسمعَه، ولهذا قال بعضهم: (سمعت) أحطُّ رتبةً من (حدثني)، و (أخبرني). (سواء)؛ أي: في صِحَّة النَّقل وجواز الرِّواية، إلا أنَّ مالكًا استحبَّ القراءة على العالم، فذكَر الدَّارَقُطْني: أنَّ مالكًا لما قَدِم هارون المدينةَ سأَلوه أنْ يُسمع الأَمينَ والمأمونَ، وبعثُوا إليه، فلم يحضُر، فبعَث إليه أمير المؤمنين، فقال: العِلْم يُؤتَى أهلُه، ويُوقَّر، فقال: صَدَق، سِيْروا إليه، فساروا إليه، فسأَلوه أنْ يقرأَ هو عليهم، فأَبى، وقال: إنَّ عُلماء هذا البلد قالوا: إنما يُقرأ على العالم مثل ما يُقرأ القرآن على المعلِّم. ورُوي عنه أيضًا أنَّه قال: العَرْض خيرٌ من السَّماع. * * * 63 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيد -هُوَ الْمَقْبُرِيُّ-، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ: أَنَّهُ سَمعَ أَنسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجدِ، دَخَلَ

رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَناَخَهُ فِي المَسْجدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُم: أيَّكُمْ مُحَمَّد؟ وَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانيهِم، فَقُلْنَا: هذا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ المُتَّكِئُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "قدْ أَجَبْتُكَ"، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّد عَلَيْكَ فِي المَسْألَةِ، فَلاَ تَجدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ، فَقَالَ: "سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ"، فَقَالَ أَسألكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كلِّهمْ؟ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ نعم"، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ نعمْ"، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ نعم"، قَالَ: أنشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تأخُذَ هذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فتقْسِمها عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ نعم"، فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأنا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَناَ ضِمَامُ بْنُ ثَعلَبةَ أَخُو بني سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. رَوَاهُ مُوسَى وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذَا. (بينما) أصله: (بين)، فزيد عليه (ما)، كما سبق. (نحن جلوس) مبتدأٌ وخبرٌ، وهو جمع جالِس كشُهود، وشاهِد، ومحلُّ الجُملة جرٌّ بإضافة الظَّرف. (في المسجد)؛ أي: مَسجِده - صلى الله عليه وسلم -، فاللام للعهد. (عقَله) مفتوح الوسط يَعقِلُه عَقْلًا: إذا ثَنى وظِيْف البعير في

ذِراعه، فشدَّهما جميعًا في وسط الذِّراع، والوَظِيْف مُستدِقُّ السَّاق، والذراع في الإبل. (ظَهرانيَهم) بفتح الظاء، والنون، يُقال: أقام بين أَظهُرهم وظَهرانيهم؛ أي: بينهم، وإقحام لفْظ (الظهر) للدلالة على أن إقامته فيهم للاستِظهار بهم والاستِناد إليهم، وهو مما أُريد بلفْظ التثنية فيه معنى الجمع. وقال (ك): وكأن معنى التثنية لأنَ ظهرًا منهم قُدَّامه وآخَر وراءه، وهو مكتوفٌ من جانبَيه، وكثُر حتى استُعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا وإنْ لم يكن مكتوفًا، وزيادة الألف والنون تأكيدٌ كما تُزاد في النِّسبة إلى النفس، فيقال: نَفْساني. (الأبيض) لا يُعارضه ما يأْتي في صِفَة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه ليس بأبيض، ولا آدَم؛ لأن النفي هناك بَياض الجِصِّ، وكُره المنْظر، والمثبت هنا بياضٌ نيِّرٌ أزهرٌ. (الرجل)؛ أي: الداخل، فاللام للعهد. (بن عبد المطلب) بفتح الهمزة للنداء، و (بن) منصوبٌ؛ لأنَّه مضافٌ، ولأبي داود: (يا ابن). (قد أجبتك) إما بمعنى: (سمعتُ)؛ لأنَّه لم يسبِق جوابٌ يُخبِر به، أو هذا إنشاءٌ للإجابة، وإنما أجابَه - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ لأنَّه أخلَّ بما يجب من رعاية غاية التعظيم، والأدَب بإدخاله الجَمَل في المسجد، وخِطابه

بـ: (أيُّكم) محمد، ويا بن عبد المطَّلب. (فلا تجد عليَّ) مِن المَوجِدة؛ أي: لا تغضَب، بخلاف وجَدَ المطلُوبَ وُجُودًا، ووَجَدَ ضالَّته وِجْدانا، ووَجَد وَجْدًا حَزِن، وفي المال جِدَةً؛ أي: استغنى. (عما بدا)؛ أي: ظَهر. (آلله) بالمد؛ لأن فيه حرف استفهامٍ، وهو مرفوعٌ على الابتداء. (اللهم) الميم بدلٌ من حرف النداء؛ أي: يا الله، وذُكر للتبرك، و (نعم) هو الجواب، وكأنَّه استَشهد بالله في ذلك تأكيدًا لصدقه. (أَنشُدك) بفتح الهمزة وضم الشين؛ أي: أسألُك بالله. قال الجَوْهري: نَشَدْتُ فلانًا أنْشَدُهُ نشدًا، إذا قلت له: نشدتُكَ الله؛ أي سألتك بالله، كأنَّكَ ذكَّرتَهُ إيَّاه فنَشَدَ؛ أي: تذكَّر. (أن نصلي) بالنون عند الأَصِيْلِي. قال (ع): وهو أوجه، وعند غيره بالتاء. (الصلوات) في بعضها: (الصلاة)؛ فوصفها بالخمس لإرادة الجنْس. (هذا الشهر)؛ أي: رمضان، فالإشارة بنوعه لا لعَينه. (فتقسمها) بفتح التاء. (فقرائنا)؛ أي: نصرف الزكاة، وإنْ لم ينحصر فيهم لكنَّهم الأغلب، أو من تغليب الاسم للكل لمقابَلة الأغنياء.

(آمنت) ليس هذا مبتدأَ إيمانِه؛ لأنَّ ما وقع بينهما ليس فيه إلا إيمانٌ يُفيد التأْكيد لا معجزة قد وجدت بسببها أُنشأَ الإيمان، فوجب أن يُقال: إنما أتى مُؤمنًا عارفا بنبوَّته عالمًا بمعجزته، ولهذا لم يسأل إلا عن تعميم الرِّسالة، وعن شرائع الإسلام لا عن أَصله، ولكنه لم يذكر الحجَّ إما لأنَّه قبل وقته، وإما لأن الرجل غير مُستطيعٍ، أو لأنَّه كان معلومًا عندهم من شريعة إبراهيم - عليه السلام - أو نحو ذلك. وكونه جاء مُسلمًا هو ظاهر إيراد البخاري حديثَه في الترجمة، فجاء يعرِض ما سمعه عنه بواسطةٍ، نعم، ابن إسحاق ساق الحديث مَبْسوطًا بزياداتٍ: منها: أنَّه لما فَرغ من أسئلته قال: أَشهدُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا عبده ورسولَه، وظاهره أنَّه، إنما أسلَم حينئذٍ، ولهذا بوَّب عليه أبو داود: (باب المُشرك يدخُل المسجد). وقال (ع): الظاهر أنَّ إسلامه كان بعد أن أتى، ولهذا في "مسلم": (وزَعَمَ رَسُولُكَ)، وفي حديث ابن عبَّاس: (فلمَّا فَرَغَ تَشهَّدَ). قلتُ: الظاهر الأول، وما ذكر كلُّه يمكن تأْويله جمعًا بين الروايات. وزعم (ك) أنَّ (ع) قال: إنَّ هذا الرجل لم يأتِ إلا مُسلمًا، وأنَّه جاء مستَثْبِتًا ومُشافِهًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو خلف ما ذَكَر. (مَنْ ورائي) بفتح الميم.

(مِنْ قومي) بكسرها. وجوز (ك) تنوينَ رسول، وكسر ميم (من ورائي)، وأنَّ (من قومي) تأْكيدٌ له. (وأنا ضمام) قال ذلك لِما حصل له من الشَّرف بالإيمان، وإيمانِ قومه بسبَبه، وإنْ قُلنا جاء مؤمنًا؛ فلتحقيق قواعد الإسلام، وتعريف قَومه إياها. (أخو بني سعد) زيادةُ بيانٍ في الشَّرف؛ أي: سعد بن بَكْر بن هوازن، وهم أَظآر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويُقال لهم: سَعد بَكْر، وإنْ كان في العرب سُعودٌ أُخَر كسعد تميم، وسعد هُذيل، وسعد قَيْس، وفي المثَل: في كلِّ وادٍ بنو سَعْد. قال ابن الصلاح: في الحديث دليلٌ لما قاله العلماء: إن العوام المقلِّدين مؤمنون يُكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحقِّ جزْمًا خلافًا للمعتزلة؛ لتقريره - صلى الله عليه وسلم - ضِمامًا، ولم يقُل له: يجب عليك النظر في مُعجزتي والاستدلال. قال (ط): وفيه قَبول خبر الواحد لقَبول قومه خبرَه من غير توقُّفٍ على خبرٍ آخر، وطهارةُ بول الإبِل وأَرواثها، وتسميةُ الأَدنى للأعلى باسمه دون كُنيته إلا أنَّه نُسخ في حقه - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ} [النور: 63] الآيةَ، وجواز الاتكاء بين الناس في المَجلِس، وتعريف الرَّجل بصفةٍ من بياضٍ وغيره، والاستِحلاف على

7 - باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان

الخبَر لليَقين، وصِدْق ضِمام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معروفًا عند الخَلْق بالصِّدق كما في حديث هِرَقْل: "لم يكُن يَذَر الكذِبَ على النَّاس، ويكذِبَ على الله". وتعقَّبه (ك) في بَول الإبِل؛ لأنَّه مجردُ احتمالٍ، وفي الاتكاء على القُعود؛ لأنَّ ذلك خاصٌّ بسيّد القوم. قلتُ: بل إذا حُمل الاتكاء على التمكُّن في القُعود، كما في حديث: "كانَ لا يأْكُل مُتكِئًا" لا يبقى فيه دلالة على ما قالا أصلًا. (رواه موسى)؛ أي: التَّبُوذَكي، وهذا يحتمل أنَّه بواسطةٍ، فيكون تعليقا، وفائدته تقوية ما سبَق. والسَّنَد كله بصريون. * * * 7 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي المُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ العِلْمِ بالعِلْمِ إِلَى البُلْدَانِ وَقَالَ أَنسٌ: نَسَخَ عُثْمَانُ المَصَاحِفَ، فَبَعَثَ بها إِلَى الآفَاقِ، وَرَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ويَحيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَالكٌ ذَلِكَ جَائِزًا، وَاحتَجَّ بَعضُ أَهْلِ الحِجَازِ فِي المُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ كتَبَ لأَمِير السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ: "لاَ تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا"، فَلَمَّا بَلَغَ

ذَلِكَ المَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُم بِأمرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب ما يذكر في المناولة)؛ أي: المقرونة بالإجازة بأَنْ يأتي الشيخ بأصل سماعه فيُناوله للطالب، ويقول له: هذا سماعي، أَجزتُ لك روايتَه عني، وهي حالَّةٌ محلَّ السَّماع عند مالك، والزُّهري، ويحيى بن سعيد الأَنْصاري، فيَجوز فيها: حدثنا، وأخبرنا، لكنَّها مُنْحطَّةٌ على الصَّحيح عن السماع عند أكثر الأئمة، لا المُناوَلة المُجرَّدة عن قوله: أَجزْتُ لك، ولا يجوز له الرّواية بهذه على الصَّحيح. (وكان) عطفٌ على (ما)، أو على (المُناوَلة). (إلى البلدان)؛ أي: إلى أَهلها، وهو مِثالٌ، فالقُرى والصَّحارى وغيرها كذلك، والجارُّ متعلِّقٌ بـ (كتاب)؛ فإنَّه مصدرٌ. ثم المكاتَبة إما مع إجازةٍ فكالمناولة معها، وإما مُجرَّدةٌ، فالصَّحيح المشهور فيها جواز الرِّواية بها بأَنْ يقول: كتَب إِليَّ فُلانٌ، وجوَّز بعضهم أنْ يُقال فيها: حدَّثنا، وأنبأنا. (وقال أنس) وصلَه في (فضائل القرآن)، وغيره. قلتُ: قال أبو عَمرو الدَّاني: أجمعوا أنَّ عُثمان كتَب أربع نُسخٍ: واحدةٌ عنده، والثلاثة للبَصرة، والكُوفة، والشام. وقال أبو حاتم السِّجِسْتاني: سبعةً، والثلاثة الأُخرى بمكة، واليمَن، والبحرين. (وعبد الله بن عمر)؛ أي: ابن عاصِم بن عُمر بن الخطَّاب، قال:

كنتُ أَرى الزُّهري يأْتيه الرجل بالكتاب لم يَقرأْه عليه، ولم يُقرأْ عليه، فيقول: أَرويه عنكَ؟، فيقول: نعَم، وقال: ما أَخذْنا نحن ولا مالكٌ عن الزُّهريِّ عرْضًا. (ذلك)؛ أي: المُناوَلة والكتابة على حَدِّ: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]. (بعض أهل) هو الحُمَيْدي. (الحجاز) هي مكة، والمدينة، واليَمامة، ومَخاليفها؛ أي: قُراها كخَيْبر للمدينة، والطائف لمكة، سُميت بذلك لأنَّها حَجَزتْ بين نَجْدِ والغَور. (حيث كتب)؛ أي: أمَر بالكتابة، فهو مجازٌ بقَرينة كونه أُميًّا؛ إذ الأُميُّ مَن لا يُحسن الكتابةَ لا من يَعرفها، وقد نقُل أنَّه كتَب بيَديه، وسيَجيء في (الجهاد)، أو يقال: إنَّه من خَرْق العادة. (لأمير السرية) هو عبد الله بن جَحْش كما في "سيرة ابن إسحاق" مُرسلًا بسندٍ ثقاتٍ، وفي "الطبراني الكبير" من حديث جُنْدُب بسندٍ حسنٍ. قلتُ: وكانتْ في رجب في السنَة الثانية مع ثمانيةٍ من المهاجرين. قال (ش): وخَدَش البيهقيُّ في هذا الاحتِجاج بأنَّ التبديل فيه كان غير مُتوهَّم لعدالة الصحابة، وهو بعد ذلك عند تغيُّر الناس مُتوهَّمٌ، وقال: إنَّ الشافعي أشار إلى ذلك في باب القَضاء. * * *

64 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ البَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُمَزَّقُوا كلَّ مُمَزَّقٍ. (بكتابه)؛ أي: مُلتبسًا به مُصاحبًا له. (رجلًا) هو عبد الله بن حُذافة السَّهمي كما سيأْتي في (المغازي)، وغيرها. (البحرين) بلفْظ التَّثنية عَلَمٌ على بلدٍ قريبٍ من جَيْرُون وقَيْس، وإنما لم يقُل: إلى مَلِك البحرين؛ لأنَّه لا مُلكَ ولا سَلْطنة للكفَّار. (فدفعه) عطفٌ على مقدَّرٍ، أي: فذهبَ إلى عَظيم البَحرين، فدفعه إليه، ثم دفعَه ذلك العظيم إلى كِسْرى، وتُسمى الفاءَ الفَصِيحة. (كسرى) بفتح الكاف وكسرها، قال الجَوالِيْقي: وهو أفْصح، وهو لقَبٌ لمن مَلَكَ الفُرس، كما سبق بيان ذلك في حديث هِرَقْل. (قرأه)؛ أي: قرأَ كسرى الكتابَ. (مزَّقه)؛ أي: خَرَّقه وفَرَّقه، والفاعل لذلك منهم: أَبرويز بن هُرمُز أَنُوشُرْوان. (فحسبت)؛ أي: ظننتُ.

(ممزَّق) -بفتح الزاي- مصدرٌ كالتَّمزيق، والمعنى: كلَّ نوعٍ من التَّفريق. وفي التاريخ: أنَّ ابنه شِيْرويهِ قَتلَه بأنْ مزَّق بطنَه، ثم لم يَلبَثْ بعده إلا ستة أشهرٍ، ويُقال: إنَّه لما أحسَّ بالهلاك كتَب على حِقَّة السُّمِّ من حِقاق الأَدوية: الدَّواء النَّافع للجِماع، وكان ابنُه مُولَعًا بذلك، فاحتالَ في هلاكِ ابنه، فلمَّا فتح الخِزَانة ورأَى الحِقَّة تَناوَلَ منها، فماتَ في ذلك الشَّهر، ولم يقُم لهم بعد الدُّعاء أمرٌ حتى انقَرضُوا عن آخِرهم في خلافة عُمر - رضي الله عنه - حين توجيهه سعدًا للعراق. واعلم أنَّ هذا الحديث دالٌّ على الجُزء الثاني من الترجمة، أما الأول فدلَّ عليه الكتاب الذي ناولَه له أمير السَّريَّة. وفي الحديث: جواز مُكاتبة الكفَّار ودُعائهم إلى الإسلام، والعمَل بالكتابة، وخبَر الواحد، وجواز الدُّعاء عليهم حين أَساؤُوا الأَدَب وأَهانُوا الدِّين، وأنَّ الواحد يُجزئ في حمل كتاب الحاكم للحاكم، ولا يُشترط شاهدان، وإنما استقرَّ الحُكم باعتبارهما احتياطًا لمَا دخَل من الفَساد. قلتُ: هذا حُكمه ودليله عُموم: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]. * * * 65 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كتَبَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابًا

-أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ- فَقِيلَ لَهُ: إِنهم لاَ يَقْرَءُونَ كتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ: مُحَمَّد رَسُولُ اللهِ، كأنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدهِ، فَقُلْتُ لِقتادَةَ: مَنْ قَالَ نَقْشُهُ مُحَمَّد رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: أَنسٌ. (كتابًا)؛ أي: إلى العجَم، أو إلى الرُّوم، ففي (كتاب اللِّباس) روايتان صريحتان بذلك. (أو أراد) شكٌّ من أنَس. (وأنَّهم)؛ أي: الرُّوم، أو العجَم على الرِّوايتين، فكانُوا لا يَقرؤُون] إلا المَختُوم خَوفًا من كشْف أسرارهم. (خاتم) فيه لُغاتٌ، المشهورةُ منها أربعة: فتح التاء، وكسرها، وخَاتام، وخِيْتَام؛ أي: وخِتَام، وخَتْم. (نقشه) مبتدأٌ، والجملة بعده خبرٌ، وليس فيها عائد؛ لأنَّها عين المبتدأ كأنَّه قيل: نقْشُه هذا المَذكور. وفي الحديث: ختْم الكتُب، واتخاذ الخاتَم من فِضَّة للرِّجال، ونقشه، ونقش اسم صاحبه، ونقش اسم الله تعالى فيه، وجوازُ الكتابة، بل يُندب ذلك كله. (في يده) حالٌ من (البياض)، أو من المضاف إليه؛ أي: كأَني أنظُر إلى بَياض الخاتَم حالةَ كونه في يَدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى كونه في اليَدِ: في الأصبَع، فأُطلق الكلُّ على الجُزء. ثم إنَّه من باب القَلْب؛ إذ الأصل الأصبَع في الخاتم لا الخاتم

8 - باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها

في الأصبع، كـ: عَرضْتُ النَّاقةَ على الحَوْض. * * * 8 - بابُ مَنْ قَعَدَ حَيْث ينتهي بِهِ المَجْلِسُ، وَمَنْ رَأَى فُرجَةً فِي الحلْقَةِ فَجَلسَ فِيها (باب من قعد حيث ينتهي به المجلس) أي: حُكم مَن قَعد، وهو الجَواز، أو الأَدب، أو نحوه. (فُرجة) بضم الفاء: فُعلَةٌ بمعنى: المَفعول، كقُبْضة، وبفتحها كذلك. (الحلْقة) بسكون اللام على المشهور. قال العَسْكَري: هي كلُّ مُستديرٍ خالي الوَسَط، والجمْع: حَلَق بفتح الحاء واللام. قال: وحُكي فتح اللام في الواحد، وهو قليلٌ، وإنما عبَّر بالحَلْقة دون المَجلِس؛ لأنَّه لفْظ الحديث، وعبَّر في الأول بالمَجلِس؛ لأن الحُكم واحدٌ. 66 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ،

عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُم، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأدبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؛ أَمَّا أَحَدُهُم فآوَى إِلَى اللهِ، فآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحيَا، فَاسْتَحيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ". (أبي واقد) بقافٍ، ومهملةٍ: الحارث، ليس له في البخاري غير هذا الحديث، حتى إنَّ المَقدِسيَّ في "الكمال" وَهِمَ بقوله: روى له الجماعة إلا البخاري. (أقبل ثلاثة نفر) جملةٌ أُضيف إليها الظَّرف. قال (ك): (جالسٌ) خبر مبتدأ محذوفٍ، وفي بعض الروايات: (هو جالِسٌ)، أي: بذِكْر (هو). (نفَرٌ) بالتحريك: عدَّة رجالٍ من الثلاثة إلى العشَرة، فهو اسم جمعٍ تمييزٌ للثلاثة، أي: هم ثلاثةٌ، لا أنَّه نوَّع الثلاثة على عدد أنفارٍ فيكون تسعةً، وهذا كما يُقال: ثلاثة رجالٍ، ليس المراد ثلاثةُ جموعِ رجلٍ، ونظير وُقوع اسم الجمع تمييزًا كالجمع: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48]. (فأقبل اثنان) ذكره بعد: (فأقبل ثلاثة)؛ إما لأن التقدير: فأقبل

اثنان منهم، وإما لأنَّ إقبال الثلاثة إقبالٌ إلى المجلس، أو إلى جِهتهم، وإقبالُ الاثنين إقبالٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ذاهبًا)؛ أي: لم يرجع بل استمرَّ في إِدباره، وإلا فأدبر مُغْنٍ عن (ذاهبًا). (فلما فرغ)؛ أي: مما كان فيه من الخُطْبة، أو تعليم العِلْم، أو الذِّكر. (ألا) حرف تنبيهٍ، ويحتمل أن الهمزة للاستفهام، ولا نفْيَ، فثَمَّ في الكلام طَيٌّ كأنَّهم قالوا: أَخبرنا عنهم، فقال: كذا. (فأوى) بالقصر؛ أي: رجَع. (فآواه) بالمد. قال (ع): هذا [الأمر يحتمل أنْ] كان في اللُّغة في كلٍّ منهما القَصر والمدُّ، وفصدر المقصور: أَوْيًا على فَعُول، ومصدر الممدود: إِيْواءً، ونسبة الإيواء في: (إلى الله تعالى)، وكذا الاستِحياء، والإِعْراض مجازٌ؛ لاستحالتها في حقِّه تعالى؛ فالمراد لَوازمها: وهي إرادة إِيصال الخير، وترك العِقاب والإذلال، أو نحو ذلك. وهذه قاعدةُ كل ما لا يُطلق على الله يكون المراد غايتَه ولازِمَه، وقَرينة الصَّرْف عن الحقيقة العقْل، وفائدته: بَيان الشيء بطريق عقْليٍّ، وزيادةُ توضيحٍ، وتحسين اللَّفْظ، ويُسمَّى مثْل هذا المَجاز مَجازَ المُشاكَلة، والمقابَلة. واعلم أنَّ إِدخال هذا الباب في (كتاب العلم) إما لأنَّ الحلْقة كانت للعِلْم، فيكون من السُّنَّة الجلوس على وَضْع الحلقة، ويجلس

9 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رب مبلغ أوعى من سامع"

الدَّاخل حيث ينتهي إليه المَجلس، ولا يُزاحم إنْ لم يجد فُرجةً، وأنَّ الإعراض عن مجلِس العلم مذمومٌ؛ أي: إذا ذهب لا لعُذْرٍ. وفيه: أن مَن جلس في حلْقة علمٍ فهو في كنَفِ الله تعالى، فعلى العالِم أَنْ يُؤوي المتعلِّم؛ لأنَّ الله تعالى آواه، واستِحياء مَن لم يُزاحم محمودٌ، فلذلك لا يعذبه الله، وإنما المذموم فيه الحياء الباعِث على ترك العِلْم، ومَن أعرَضَ فقد تعرَّض لسخَط الله تعالى، فإنَّه أخبر بأنَّ الله أعرَض عنه. وفي قوله الأخير رَدٌّ على مَن زعم أنَّه لا يُستعمل إلا في الأخير؛ فإنَّه قد استُعمل هنا في الوسَط. * * * 9 - بابُ قَوْلِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُبَّ مُبَلغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ" (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: رب مبلغ أوعى من سامع) علَّق هذا الحديث؛ إما لكونه في معنى الحديث المذكور بالسنَد، أو ثبَت عنده بلفْظه من طريقٍ آخَر. و (رُبَّ) للتكثير كثيرًا غالبًا في العُرف، وللتَّقليل قليلًا، وإنْ كان هو الأصل لغةً، ومِن خصائصها: أنَّها لا تدخُل إلا على نكرةٍ ظاهرةٍ أو مضمرةٍ، وأنْ تكون موصوفةً بمفردٍ أو جملةٍ، وأنَّ الفعل الذي سلَّطته على الاسم يجب تأخيره عنها؛ لأنَّها للإنْشاء، ولها صَدر

الكلام، وفِعْله يُحذف في الأكثَر، وأنَّ فِعلها يجب أنْ يكون ماضيًا، وهنا الفعل محذوفٌ نحو: كان، أو علمت، أو وجد، أو لقيت. وفيها لغاتٌ عشرٌ: براءٍ مضمومةٍ ومُوحَّدةٍ مشددةٍ، أو مخففةٍ مفتوحةٍ، أو مضمومةٍ، أو مسكنةٍ، وبراء مفتوحةٍ، وباءٍ مشدَّدةٍ، أو مخفَّفةٍ، ورُبَّتَ بتاءٍ بعد الباء المُشدَّدة، أو المخفَّفة. قلتُ: والأخيرتان إما مع ضم الراء أو فتحها، والأربعة إما مع فتح الباء التي زِيدتْ أو تسكينها، صارتْ ستَّ عشرة لُغةً. وهي حرفٌ عند البصريين، واسمٌ عند الكوفيين، أي: فيكون مرفوعًا بالابتداء. قلتُ: ونحو: ورُبَّ قتْلٍ عارُ ومُنع بأن (عارٌ) صفةٌ لـ (قتْلٍ)؛ لأنَّه مبتدأٌ مرفوع قبل دخول: رُبَّ، أو (عارٌ) خبر مبتدأ محذوفٍ، والجُملة صفةٌ لـ (قتل)، أو خبر عنه، وأما متعلَّق ربَّ بمحذوفٍ على قول البصريين، فكذا قال (ش): إنَّ ربَّ تتعلَّق بمحذوفٍ تقديره: يُوجد، أو يُصاب، ولكنه مُفرَّعٌ على أنَّ (رُبَّ) تدخل لتعدية عامل، وبه قال الجمهور. وقال الرُّمَّاني، وابن طاهِر، ورجَّحه بعض المتأخرين: لا تتعلق ربَّ بشيءٍ؛ لاستغنائها عن تقديرٍ، فإنَّها لم تدخل لتعديةٍ بل لإفادة تكثيرٍ، أو تقليلٍ.

و (مُبلَّغٍ) بفتح اللام، وغَلط من كسرها. و (أَوعَى): أفعل تفضيلٍ من الوَغي، وهو الحِفْظ، وهو صفةٌ لـ (مبلَّغ)، و (مِن سامعٍ) صلتُه، والمراد: سامعٍ مني؛ لأنَّ ذلك هو المقصود. * * * 67 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ ذَكَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ -أَوْ بِزِمَامِهِ- قَالَ: "أَيُّ يَوْمٍ هذَا؟ "، فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ، قَالَ: "أليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هذَا؟ "، فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَننَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمه، فَقَالَ: "أليْسَ بِذِي الحِجَّةِ"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءكم وَأَموَالَكُم وَأَغرَاضَكُم بَيْنَكُم حَرَامٌ كَحُرمَةِ يَوْمِكُم هذَا، فِي شَهْرِكُم هذَا، فِي بَلَدِكُم هذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ". (على بعيره) كان ذلك بمنى يوم النَّحر في حَجَّة الوداع. (أو زمامها) شكٌّ من الراوي. والزِّمام قال الجَوْهري: الخِطَام الذي يُشدُّ فيه البَرَّة، ثم يُشدُّ في طرفه المِقوَد، وقد يسمى المِقوَد زِمامًا، وزممتُ البعير: خطَمته.

قال: والبَرَّة حلْقةٌ من صفرٍ تُجعل في لحم أنْف البعير. وقال الأصمعي: تجعل في أحد جانبَي المِنْخَرين. (سيسميه) فيه إشارةٌ إلى تفويض الأمور إلى الشارع، والانعزال عما عُرف من المتعارف المشهور. (أعراضكم) جمع عِرْض بكسر المهملة، وسُكون الراء، وبضادٍ معجمةٍ: موضع المَدح والذمِّ من النكاح سواءٌ في نفسه أو سلَفه، فالمَدح: نِسبةٌ إلى الأخلاق الحميدة، والذم عكسه. وقيل: العِرض: الخُلُق؛ من إطلاق اللازم على المَلْزوم. وقيل: الحَسَب؛ أي: لا يجوز القَدْح في العِرْض كالغِيبة، وذلك كالقتْل في الدِّماء، والغَصب من الأموال. واعلم أنَّ قوله: (فإنَّ دِماءكم) هو وما بعده على تقدير مُضافاتٍ، أي: سَفْك دمائكم، وأخْذ أموالكم، وثلْب أعراضكم؛ إذ الذَّوات لا تُحرَّم، فيُقدَّر في كل شيءٍ ما يُناسبه. (كحرمة يومكم هذا) إلى آخره، شبَّهه بهذه الأُمور؛ لاشتِهار الحُرمة فيها عندهم، وإلا فالمشبَّه إنما يكون دون المشبَّه به، ولهذا قدَّم السؤال عنها مع شُهرتها؛ لتقرير الحرمة المطلوبة في نفُوسهم وتشديدها. قال (ن): فيه ضرْب الأمثال، وإِلْحاق النَّظير بالنَّظير. (ليبلغِ) أمرٌ، فالغين تكسر لالتقاء الساكنين. (الشاهد)؛ أي: الحاضِر في المَجلِس، وظاهر الأَمر الوجوب،

والمراد إما يُبلِّغ تحريمَ ما ذُكر، وإما جميع الأحكام. (الغائب) مفعول: (يُبلِّغ)، والظاهر أنَّه بتقدير (إلى). (منه) صلةٌ لأفعل التفضيل، وفُصل بينهما للتوسُّع في الظَّرف كالفَضل بين المضاف والمضاف إليه، كقول الشاعر: كنَاحتٍ يَومًا صَخْرةً بعسيلٍ وقد أُجيز الفصل بينهما بغير الظَّرف أيضًا إذا لم يكن أجنبيًّا من كلِّ وجهٍ. قال (ط) عن المُهَلَّب: فيه من الفِقْه تبليغ العِلْم، وتبيينه لمن لا يَفهم، وهو الميثاق الذي أخذه الله تعالى في قوله: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]. وفيه: أن المتأخِّر قد يكون له علْمٌ ليس لمن تقدَّمه، إلا أنَّه قليلٌ لأجل قرينةِ؛ لأنَّ (رُبَّ) للتقليل، أي: هنا للقَرينة. وعسى للإطماع لا لتحقيق الشيء، وأنَّ حامِلَ الحديثِ يُؤخذ منه ولو كان جاهلًا بمعناه، وهو مأجورٌ في تبْليغه محسوبٌ في زُمرة العُلماء، وأن ما كان حرامًا يجب على العالم أن يؤكِّد حرمته، ويغلِّظه بأبْلَغ ما يجد، وجواز القُعود على ظهر الدَّوابِّ إذا احتيج إلى ذلك، وإنما خطَب على البعير ليُسمع الناس، وإنما أَمسَك إنسانٌ بخطامه ليتفرَّغ للحديث ولا يَشتغِل بإمساكه.

10 - باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19].

10 - بابٌ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19]. فَبَدَأَ بِالعِلْم، وَأَنَّ العُلَمَاءَ هُم وَرثةُ الأَنْبِيَاء، وَرَّثُوا العِلْمَ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَقَالَ جَلَّ ذِكرهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]. {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]. وَقَالَ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْه)، (وإِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّم). وَقَالَ أبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعتُمُ الصَّمصَامَةَ عَلَى هذه -وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ- ثُمَّ ظَنَنْتُ أنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعتُها مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ تُجيزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتها. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَهِّمْهُ، وَإِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّم"، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعتُمُ الصَّمصَامَةَ عَلَى هذه -وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ- ثُمَّ ظَنَنْتُ أنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعتها مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ تُجيزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُها، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79]: حُلمَاء فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْم قَبْلَ كبَارِهِ. (باب العلم قبل القول والعمل)؛ أي: لأن الشيء يُعلَم ثم يُعمَل به، فهو مقدَّمٌ بالذَّات، وأيضًا فأَشرف؛ لأنَّه عمل القَلْب الذي هو

أشرف الأعضاء. وقال (ط): العمل لا يكون إلا مقصودًا به معنًى متقدِّم، وذلك المعنى هو عِلْم ما وعَد الله عليه من الثواب. وأراد البخاري بالترجمة بيانَ مكانة العِلْم؛ لئلا يسبِق إلى الذهن أن العلم لا ينفع إلا بالعمَل، فبيَّن أنَّه شرطٌ في القول والعمل، متقدِّمٌ عليهما لا يعتبران إلا به. (لقول الله) سبَقه بهذا الاستدلال سُفْيان بن عُيَينة، وبقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28]، ثم قال: {فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14]. (فأعلم) الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد غيرُه، أو الأمر للدَّوام والثَّبات، أو أن المعنى: فإذا جاءت الساعةُ فاعلم ذلك، وأنَّه لا مِلْك لأحدٍ إلا له، والاستغفار إشارةٌ إلى القول والعمل. ففي الآية: وُجوب العِلْم بالتوحيد فلا تقليدَ فيه، وقد ذهب أكثر المتكلمين إلى منع صحة إيمان المقلِّد. قال البَغَوي: يجب على كلِّ مكلَّفٍ معرفة أُصول الدِّين، ولا يسَع فيه التقليد؛ لظُهور دلائله. قلتُ: سبَق في حديث ضِمام خلافُ ذلك. (وأن) بفتح الهمزة، ورُوي بالكسر، أي: وباب هذه الجُملة، أو أنَّه على سبيل الحكاية.

(ورثوا) بفتح الواو، وتشديد الراء وتخفيفها. (أخذ بحظ وافر)؛ أي: أخذ من مِيراث النُّبوَّة بنصيبٍ كاملٍ. وهذا الحديث رواه الترمذي مُطولًا أوَّله: (مَنْ سَلَكَ طَريقًا يَطلُبُ فيهِ عِلْمًا)، ثم قال: إنَّ إسناده ليس بمتصِلٍ. وقال الدَّارَقُطْني في "علله": إنَّه ليس بمحفوظٍ. ورواه البَغَوي في "شرح السنَّة" عن أبي الدَّرداء، وقال: غريبٌ لا يُعرف إلا من حديث عاصم بن رَجاء بن أَبي حَيْوَة، وقال ابن مَعِيْن فيه: إنَّه صُويلح. وكذلك رواه ابن حِبَّان في "صحيحه"، وقال في "كتاب الضُّعَفاء": إن أسانيد حديث: (العُلَماءُ وَرثة الأَنْبياء) صحيحةٌ. وقال الحاكم: صحيحٌ. (ومن سلك) إلى آخره، رواه مسلم، وإنما نكَّر (علمًا)؛ ليشمل القليل والكثير من العُلوم الدِّينية، ومعنى: (سَهَّل)؛ أي: في الآخِرة، أو وفَّق للعمَل الصالح الموصِل للجنة، أو سهَّل عليه ما يَزيد به عمَله؛ لأنَّه من طُرُق الجنة، بل أقربها. (أو يعقل)؛ أي: يعلَم، وحُذف مفعوله؛ لأنَّه جعل كالفعل اللازم؛ أي: لو كنَّا من أهل العِلْم لَمَا كنَّا من أهل النار. (ومن يرد الله به خيرًا) علَّقه هنا، ورواه قَريبا مُسنَدًا. (يفقهه)؛ أي: يُفهِّمه، فهو لفْظ بعضِ الروايات، ويحتمل أنْ

يُريد الفقه في الاصطلاح، وهو عِلْم الحُكم الشَّرعي من دليله التَّفْصيلي. (بالتعلم) بضم اللام على الصواب، ويُروى: (بالتَّعليم). قال (ك): وهذا يحتمل أن يكون من كلام البخاري لكنْ قد رواه أبو نعيم في كتابه "رِياضَة المُتعلِّمين" عن أَبي الدَّرْداء مرفوعًا بزيادةِ: (وإِنَّما الحِلْم بالتَّحلُّم، ومَن يتحرَّى الخَيْرَ يُعْطَه). قلتُ: ورواه- أيضًا- الخطيب في كتاب: "الفقيه والمتفقِّه" عن مَكْحُول، عن مُعاوية، ولكن لم يَسمع منه، فهو منقطعٌ. والمراد: إنما العلْم المعتبر المأْخوذ عن الأنبياء، وورثَتهم على سَبيل التعلُّم والتعليم، فيُفهم منه أن العِلْم لا يُطلق إلا على الشَّرع حتى لو أَوصى للعُلماء أُعطي أصحاب الحديث، والتفسير، والفقه. (وقال أبو ذر) رواه الحافظ عبد الكريم الحَلَبي، عن الحافظ عبد المؤمن الدِّمْيَاطِي، بسنَده إلى أبي مرْثَد: جلَسْتُ إلى أبي ذَرٍّ، فوقَفَ عليه رجلٌ، فقال: ألم يَنهَكَ أميرُ المؤمنين عن الفَتْوَى، فقال: لَو وضَعتُم الصَّمصَامةَ على هذه وأَشارَ إلى حَلْقه -على أَنْ أَترك كلمةً سمعتُها من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لأَنفَذْتُها قبْلَ أنْ يكونَ ذلك. (الصمصامة) بفتح الصادين المهملتين، ويُقال: الصَّمصَام، أي: السَّيف الصَّارِم. (قفاه) مقصورٌ يذكر ويؤنث.

(أنفذ) بضم الهمزة، وسُكون النون، وبذالٍ معجمةٍ؛ أي: ظنَنتُ أني أَقدِر على إنْفاذ كلمةٍ؛ أي: تبليغها. (تجيزوا) بضم أوله، وكسر الجيم، وبزاي، أي: الصَّمصامة. (عَليَّ)؛ أي: على قفايَ، أي: تقتلوني، وتُنفذوا فِيَّ أمركم. فإنْ قيل: لو، لامتناع الثاني لامتناع الأوَّل على المشهور، فيَنتفي الإنْفاذ لانتِفاء الوضْع، وليس المعنى عليه. قيل: هو مثل: "لَو لم يَخَفِ الله لم يَعْصِه" حتى يكون الحكم ثابتًا في النَّقيض بطريق الأَولى، أو أنَّ: (لو) هنا لمُجرَّد الشرط كـ (إِنْ). قال (ط): فيه أنَّه يجوز للعالم في الأمر بالمعروف الشِّدةُ، ويحتسِب ما يُصيبه في ذلك عند الله تعالى. (وقال ابن عبَّاس) هذا التَّعليق رواه الخَطِيب في كتاب "الفقيه والمتفقِّه" بإسنادٍ صحيحٍ، وابن أبي عاصم في كتاب "العلم". (ربانيين) نسبةٌ إلى الرَّبِّ، وأصله: رُبِّيُّون، زِيدت الألف والنون للتأكيد، ووجْه الشَّبه إِخلاصُهم للرَّبِّ تعالى، أو أنَّهم يَربُّون المتعلِّم؛ أي: يقومون به؛ مِنْ رَبَّه يَرُبُّه: إذا قام بمصالحه. وفيه: أقوالٌ كثيرةٌ منها: أنْ لا يكون ربَّانيًّا حتى يعمل بما عَلِم، قاله ابن الأَعرابي. (حكماء) جمع: حكيم، والحكمة: صِحَّة القول والعقل والفعل.

11 - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا

وقيل الحكمة: الفِقْه في الدِّين. وقيل: معرفة الأَشياء على ما هي عليه. وفي بعض النُّسَخ باللام، والحِلْم: الطُّمأْنينة عند الغضَب، فهو من ذِكْر الخاصِّ بعد العام، والظاهر أنَّ ذلك تفسير للربانيين. (علماء)؛ أي: بجزئيات العلم قبل كُلِّياته، أو بفُروعه قبل أُصوله، أو بمقدِّماته قبل مَقاصده. واعلم أنَّه لم يَذكر في الترجمة حديثًا بسندٍ؛ إما لأنَّه أراد أنْ يُلحق ذلك فلم يتفِق له، أو إشعارٌ بأنَّه لم يثبُت عنده فيها شيءٌ على شَرطه كما في نظائره كما بينَّاه قريبًا، وإما أنَّه اكتفَى بما أورده؛ لأنَّ القصد هو فَضْل العِلْم حصَل به لا سيَّما وسُكوت الصحابة على مَن قال ذلك، وهو إجماعٌ سكوتي، فلم يحتَجْ لزيادةٍ. 11 - بابُ مَا كانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُهم بِالمَوْعِظَةِ وَالعِلْمِ كَيْ لاَ يَنْفِرُوا (باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة) ينبغي أنْ يكون (ما) موصولًا حرفيًّا، أي: كَون؛ لأنَّه القصْد لإتْيان الذي كان - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم به.

والتخوُّل -بالمعجمة-: التعهُّد، وسيأْتي في لفْظ الحديث فيه زيادة بيانٍ، والموعظة: النُّصح والتذكير بالعواقب. (والعلم) مِن عطْف العامِّ على الخاصِّ. (ينفروا)؛ أي: يَتباعدوا منه. * * * 68 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيانُ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ، كَراهةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. (يتخولنا)؛ أي: يتعهَّدنا؛ أي: يُراعي الأوقات في وعْظنا، ولا يفعلُه كلَّ يومٍ. وقال ابن السِّكِّيت: معناه: يُصلحنا ويقوم علينا. وكان أبو عمرو يقول: إنما هو بالنون، والتَّخوُّن: التَّعهُّد، ويردُّ على الأعمش روايته باللام، وكان الأَصمعيُّ يقول: ظلَمَه؛ فإنَّه يُروى باللام والنون. وقال التَّيْمِي: تخوَّن فُلانًا: تَعهده وحفِظَه؛ كأنَّه اجتَنبَ منه الخيانة المُخلَّة بالحفظ. وصوَّب بعضهم أنَّه بالحاء المهملة؛ أي: يتفقَّد أحوالهم التي ينشَطُون فيها للمَوعظة، فيعظِهُم فيها، ولا يُكْثِر عليهم فيَملَّوا.

قيل: وهي روايةٌ، لكن الرِّواية الصحيحة بالإعجام، والإتيانُ بالفعل مضارعًا بعد (كان) الماضي؛ لقَصْد الاستمرار، نحو: كانَ حاتِمٌ يُكرِمُ الضَّيْف، وسبق نحوه مراتٍ. (السآمة) كمَلالَة لفظًا ومعنًى، وسئِمَ تتعدَّى بـ (مِنْ) فحُذفتْ هنا، أي: السآمة من المَوعِظة، ثم المراد سآمتهم لا سآمَة النبي - صلى الله عليه وسلم -، يدلُّ عليه السِّياق. (علينا) متعلِّقٌ بـ (السآمة) على تضمين معنى: المشقَّة، أو بوصفٍ، أو حالٍ محذوفٍ؛ أي: السآمة الطارئة، أو طارئةٍ، أو بشفَقَة محذوفًا؛ إذ المراد شفَقته عليهم ورِفْقه بهم - صلى الله عليه وسلم -. * * * 69 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحيىَ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا". سنده بصريون. (يسروا) مِن اليُسر، (ولا تعسروا) ذُكر تأكْيدًا، وإلا فالأمر بالشيء نهيٌ عن ضِدِّه، وقال (ن): لأنَّه قد يفعلهما في وقتَين فلا يُفهم من (يسِّروا) النَّهي عن ضِدِّه في وقتٍ آخر، انتهى. (وبشروا) بمُوحَّدةٍ فمعجمةٍ، والبِشارة: الخبَر بالخير.

12 - باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة

(ولا تنفروا) إنما قُوبل به (بَشِّروا) مع أن ضِدَّ البِشارة الإنْذار؛ لأن القصد من الإنذار التنفير، فصرح به. والحديث من جوامع الكلم لاشتماله على خير الدنيا والآخرة. وفيه: طلَب التَّبشير بذكر فَضْل الله وسعة رحمته، والتحذير من التنفير بالمَخُوفات مع عدم ذكر التبشير، وتأليف مَن قَرُب إسلامه، وترك التَّشديد عليه، والتلطُّف بمن تابَ عن المَعاصي وتدريجه في أنواع الطاعات شيئًا فشيئًا كما جاءتْ أُمور الإسلام؛ لعدم التَّنفير لرجاء حمله. 12 - بابُ مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ العِلْمِ أَيَّامًا مَعلُومَةً (باب من جعل لأهل العلم أيامًا)، وفي نسخةٍ: (يَومًا مَعلومًا). 70 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبةَ، قَالَ: حَدَّثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَن! لَوَدِدتُ أَنَّكَ ذَكَّرتنا كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أنِّي أكرَهُ أَنْ أُمِلَّكُم، وَإِنِّي أتخَوَّلُكُم بِالمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يتَخَوَّلُنَا بها، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. (يا أبا عبد الرحمن) حذْف الألف من الأَب جائز تخفيفًا.

13 - باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

(لوددت) جواب قسمٍ محذوفٍ. (أما) بالتخفيف: حرف تنبيهٍ. (أنَّه) الضمير للشأْن. (إني أكره) فاعل: يمنع؛ أي: كراهةَ. (أُملكم) بضم الهمزة؛ أي: أوقعكم في الملَل. (فإني أتخولكم) بكسر (إنَّ). (علينا) يحتمل تعلُّقه بالـ (مَخافة)، أي: خَوفًا علينا. قال (ط): فيه ما كان عليه الصحابة من الاقتداء بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والمُحافظةِ على سُنته، وتجنّب مخالفته. * * * 13 - بابٌ مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقّهْهُ فِي الدِّينِ (باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) سمى بعضهُم مثل ذلك مرسلًا، والحقُّ قَول الأكثَر: أنَّه إذا وُصل سنَده بعد ذلك يصير مسندًا. 71 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحمَنِ: سَمِعتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا

يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وإنَّمَا أَناَ قَاسِمٌ وَاللهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هذه الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمرِ اللهِ لاَ يَضُرُّهُم مَنْ خَالَفَهُم حَتَّى يَأتِيَ أَمْرُ اللهِ". (خطيبًا) حالٌ من المفعول؛ لأنَّه أقرَب، ولأن الخطبة تليق بالولاة، لا من الفاعِل. (يُرِد) من الإرادة، وهي: تخصيص أحد طرَفي الجائز بالوقوع. وقيل: غير ذلك. (خيرًا)؛ أي: منفعةً في الدنيا والآخرة، ويُكره التعميم؛ لأنَّه في سِياق الشَّرط، فيعمُّ جميع الخيرات، أو للتعظيم لاقتضاء المقام ذلك كما في قوله: لَهُ حاجِبٌ في كُلِّ أَمرٍ يشِينُهُ (يفقهه) من الفقه، وهو في اللُّغة الفهم، وحَملُه عليه أحسَن؛ ليشمل جميع العلوم الدينية، ويحتمل الاصطلاحي على بُعد. وقال الحسن البصري: الفقيه: هو الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دِيْنه، المداوم على عبادة ربّه. (قاسم)؛ أي: أقسِمُ بينكم، فأُوصل كلَّ أحدٍ بما يَليق به، والله يُوفِّق من يشاء لفهمه، والتفكُّر في معناه. قال التُّورِبِشْتِي: إنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يفضِّل أحدًا على أحد بل عدل في القسمة وسوَّى في البلاغ، وتفاوتهم فيما منح الله من الفهم، فبعض الصحابة كان لا يفهم من الخطاب إلا الظاهر، وبعضهم يستنبط منه

كثيرًا و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54]، انتهى. ووجه الحصر بـ (إنما) مع أنَّه - صلى الله عليه وسلم - له صفاتٌ غير كونه قاسِمًا، وهو كونه بشيرًا ونذيرًا؛ إما رَدٌّ على من اعتقد فيه أنَّه يُعطي ويَقسم، فالقصر فيه قصْر إفرادٍ، أو يُعطي ولا يَقسِم، فالقصر فيه قَصْر قَلْب، وكلاهما ليس حقيقيًّا. (والله يعطي) التقديم عند السَّكَّاكي في مثْله للتَّقْوية. وقال الزَّمَخْشَري: يحتمل الاختصاص، أي: الله يُعطي لا غيرُه، ثم الجُملة يحتمل أنْ تكون حاليةً، والمعنى: ما أنا قاسمٌ حالَ إِعطاء اللهِ لا في حالٍ غيره، وأما حذْف مفعول أعطى؛ فلجَعْله كاللازم حتى يكون الغَرَض إيجاد الحقيقة لا بَيان المفعول. (ولن تزال) فعلٌ ناقصٌ ملازِمٌ للنَّفْي، أو معناه بخلاف زالَ يَزول بمعنى: ذهبَ؛ أي: وزَال يزيل بمعنى: مَيَّز. (على أمر الله)؛ أي: على الدِّين الحقِّ. (حتى يأتي أمر الله)؛ أي: القيامة، فإنَّه لا تكاليفَ فيها حينئذٍ؛ لأنَّ المراد أنَّهم حينئذٍ على غير أمر الله من حيث مُخالفة الغاية لما قبلَها، أو أن الغاية هنا لتأكيد التأبيد لا لمخالفة ما بعدَها لما قبلَها كما في: {دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: 107]، ويحتمل أن يكون غايةً لقوله: (لا يضرهم)؛ لأنَّه أَقْرب، ويكون المعنى: حتى يأتيَ بلاءُ الله فيضرُّهم، أو أنَّه لتأكيد عدم المضرة، كأنَّه قال: لا يضرُّهم مَن خالفَهم لهذا، أو هو مثل: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]؛

أي: فلا مَضرةَ يوم القيامة كما لا موتَ، أما الضرُّ بمجيء الدجَّال، فإنْ فسَّروا أمر الله بالبلاء؛ فظاهرٌ، أو بيوم القيامة؛ ففعل الدجال منفعةٌ في الآخرة، فإنَّ الشهادة لا تضره فيها بل من أعظم المنافع. واعلم أنَّ في (حتى) يأْتيَ تنازُع فعلين. قلتُ: لو قال: عاملَين كان أجود؛ لأن أحدهما اسمٌ، وهو قائمةً، وأما الغاية في (حتى)، فالفرق بينها وبين (إلى): أن مجرور (حتى) يجب أن يكون آخر جزءٍ من الشيء أو ما يُلاقي آخر جزءٍ منه، وإليه أَشار في "الكشاف" في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ} [الحجرات: 5]. وفي الحديث حُجة الإجماع. قيل: ويدل على امتِناع خُلوِّ العصر عن المُجتهد. قال (ط): وعلى فَضْل العُلماء على سائر الناس؛ أي: ولهذا قال البخاريُّ في موضع: إنَّ الطائفة المذكورة هم أَهل العِلْم، وقال أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أَدري مَن هم؟. قال القاضي: أراد أحمد أهلَ السنَّة والجماعة. قال (ن): إنَّهم مفرَّقون في المؤمنين، منهم فُقهاء، ومنهم مُحدِّثون، ومنهم زُهَّاد إلى غير ذلك. وفيه: فضل الفقه على سائر العُلوم، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يستأثر عليهم في مال الله، وقد قال: (ما لي مما أَفاء الله عليكم إلا الخمُس، والخمُس مردودٌ فيكُم)، وطيَّب قلوبهم بقوله: (إنما أنا قاسم)، وعلى

14 - باب الفهم في العلم

أن أُمته خير الأمم، وأن عليها تقوم الساعة. وأما حديث: "لا تقُومُ السَّاعة إلا علَى شِرار الخَلْق"، وحديث: "حتى لا يقُولَ أَحدٌ: اللهَ الله"، فجواب ذلك: أن العُمومات في مثله أُريد بها خُصوصٌ من حيث إنَّ أهل الحقِّ مُنحازين في موضعٍ، ولهذا جاءتْ روايةٌ في حديث "لا تزال طائفة": قيل: وأين هم، يا رسول الله؟، قيل: ببيْت المقدِس، أو أَكناف بيت المقدِس. قال (ن): أو أن المراد مِن أمر الله: الريح اللَّيّنة التي تأْتي قرب القيامة، فتأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة، والحديثان المتقدمان على ظاهرهما، أو ذاك عند القيامة. 14 - بابُ الفَهْمِ فِي العِلْمِ (باب الفهم في العلم) بمعنى المعلوم؛ أي: إدراك المعلومات، وإلا فالفهم نفس العلم كما فسَّر به الجَوْهري. 72 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ لِي ابنُ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابنَ عُمَرَ إِلَى المَدِينَةِ فَلَم أَسْمَعهُ يُحَدِّثُ عَن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَال: كنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ

فَقَالَ: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كمَثَلِ المُسْلِم"، فَأَردتُ أَنْ أقولَ هِيَ النَّخْلَةُ، فَإذَا أَناَ أَصغَرُ القَوْمِ، فَسَكَتُّ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ النَّخْلَةُ". (علي)، قال (ك): في نُسخةٍ: (هو ابن عبْدِ الله)؛ أي: ابن المَدِيْني، والظاهر أنَّ ذلك من قول الفِرَبْرِي، أو راوٍ آخَر من رُواة الصَّحيح. واعلم أن ما رواه البخاري من العَنْعنة في السَّنَد محمولٌ على أنَّه ثبَت السَّماع؛ لأنَّه لا يكتفي بإِمكانه كما يكتفي به مسلم. وأما (قال): فإنما تُذكر عند المُذاكرة كما سبَق أن البخاري قال: كلُّ ما قلتُ: قال لي فلانٌ؛ فهو عرْضٌ ومُناولةٌ، فما رُوي عن سُفْيان من قوله: (قال لي ابن أَبي نَجيح) يحتمل أنْ يكون عَرْضًا لسُفْيان أيضًا. (إلى المدينة)؛ أي: طَيْبة، فاللام للعهد، والظاهر أنَّ مَبْدأ صُحبته إياه كان من مكة. (إلا حديثًا واحدًا) يريد به الحديث الذي بعدَه متصلًا به؛ وذلك لأن ابن عُمر كان متوقِّيًا الحديثَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان عَلِمَ قول أبيه: أَقِلُّوا الحديثَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَنا شَريكُكم. قلت: كذا قال (ط). ورد عليه بأن ابن عمر كان من المكثرين، وإنما ذلك لعدم سؤاله

أو لعدم نشاطه أو نحو ذلك. (فأُتي) بضم الهمزة، (بجمار) بضم الجيم، وتشديد الميم: قَلْب النَّخلة وشَحْمتُها. (مثلها) بفتح الميم، والثاء: صِفَتها؛ أي: العَجيبة؛ لأنَّه لا يُستعمل إلا كذلك، وإنْ كان لغةً للأعمِّ. ووجْه الشَّبه سبَق في: (باب قول المحدِّث: حدَّثنا وأخبرَنا). (أن أقول)؛ أي: في جواب ذلك. (فسكتُّ) بضم التاء للمتكلم؛ أي: حياءً وتعظيمًا للأكابر كما سبق. قال (ط): لا يتمُّ العلم إلا بالفَهم. وكذا قال علي - رضي الله عنه -: ما عِنْدنا إلا كتابُ الله أو فَهمٌ أُعطيَه رجلٌ مؤمنٌ، أي: لأنَّ بالفَهْم تتبيَّن معاني كتاب الله وأحكامه، ولهذا قال عليه الصلاة السلام: "رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لا فقه لَهُ"، وقال [مالك]: ليس العِلْم بكثْرة الرواية، إنما هو نورٌ يضعه الله في القُلوب؛ أي: فهو فهم المعاني؛ فمن أراد الفهم فليُحضِر خاطرَه، ويفرِّغ ذهنه، وينظُر إلى بِسَاط الكلام، وينظر اتصاله بما قبله، وانفصاله، ويسأل ربه أن يُرشده إلى إصابة المعنى، ولا يتمُّ ذلك إلا لمن عرف كلام العرب، ووقف على أَغْراضها في مخاطبتها؛ ألا ترى أن ابن عُمر فَهِم من بِساط الحديث، ونفْس القصة: أنَّ الشجرة هي النخلة بقرينة إتيانه بالجُمَّار،

15 - باب الاغتباط في العلم والحكمة

وقوَّى ذلك عنده قوله تعالى: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24]. * * * 15 - بابُ الاِغْتِبَاطِ فِي العِلْمِ وَالحكمَةِ وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا. (باب الاغتباط في العلم والحكمة) الاغتباط افتعالٌ من الغِبْطة، وهو تمنِّي مِثْل ما للمَغبوط من غير زوالٍ عنه بخلاف الحسَد، فإنَّه مع تمني الزَّوال عنه، والافتِعال يدلُّ على التصرُّف والسَّعي. والمراد بالحِكْمة معرفة الشَّيء على ما هو عليه، فهو بمعنى العِلْم، وعَطْفُه عليه عطف تفسيريٌّ، إلا أنْ يُفسَّر العلم بالمعنى الأعم من اليقين، أو تفسير الحكمة بما يتناول سَداد الأمر. (وقال عمر)، قلتُ: أخرجه البيهقي في "المدخل" بسنده، وابنُ أبي شَيبة، وابن عبد البَرِّ، وليس هو من تمام الترجمة إلا أنْ يُقال: الاغتباط في الحكمة على القَضاء لا يكون إلا قبل كَون الغابِط قاضيًا، ويؤوَّل حينئذٍ بمصدرٍ؛ أي: وقولِ: (تفقهوا) في نسخةٍ: (تَفهَّمُوا). (تُسوَّدوا) بضم التاء وتشديد الواو؛ أي: تعظُموا، وتصيروا سادةً، مِن سَادَ قومَه يسودُهم سيادةً، والمراد: تعلموا العلم صغارًا

قبل أن تصيروا رُؤساءَ منظورًا إليكم، فإنكم حينئذٍ تأْبَوا، فتبقُوا جُهَّالًا، فتحتاجوا أنْ تأْخذوا من الأَصاغر، فيُزْري ذلك بكم، وهو شَبيهٌ بقول ابن المُبارَك: لا يَزال الناس بخيرٍ ما أَخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أَتاهم من أَصاغرهم فقد هلَكُوا. قال ابن مَعِيْن: مَن عاجل الرئاسة فاتَه عِلْمٌ كثيرٌ. وقيل: المراد أن السيادة تحصُل بالعلم، وكلَّما زاد العلم زادت السِّيادة، فقصَد عُمر الحثَّ على الزيادة منه قبل السيادة لتعظُم السيادة به. قال (ك): قال أبو عبد الله؛ أي: البخاري: وبعدَ أنْ تَسُودوا، وقد تعلَّم أصحابُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في كِبَر سِنهم. وأقول: ولا بُدَّ من مقدَّرٍ يتعلق به لفظ: (وبعدَ)، والمناسب أن يقدَّر لفْظ: وتفهَّموا، بمعنى الماضي، فيكون لفظ: (وتسودوا) بفتح التاء ماضيًا كما أنَّه يحتمل أن تكون: تَسودُّوا من التَّسويد الذي هو من السَّواد؛ أي: بعد أنْ تَسْوَدَّ لِحيتُهم مثلًا؛ أي: في كبَرهم، أو بعد زوال السَّواد بالشَّيب، والله أعلم، انتهى. وكأَنَّ هذه الزيادة وقعتْ له في نسخةٍ، ولا يخلو ما قالَه فيها من نظَرٍ. * * * 73 - حدثنا الحُمَيْدِيُّ قالَ: حدَّثنا سُفْيانُ قالَ: حدّثنِي إِسْمَاعيلُ

ابنُ أبِي خالِدٍ عَلَى غَيْرِ ما حَدَّثَنَاهُ الزُّهرِيُّ قالَ: سَمعتُ قَيْسَ بنَ أَبِي حازِمٍ قالَ: سَمعتُ عبدَ الله بن مسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِي بِها وَيُعَلِّمُها". (على غير ما حدثناه الزُّهري)؛ أي: أنّه سمع ذلك من إسماعيل على وجْهٍ غير الذي حدَّث به الزُّهري، إما لمُغايرته متْنًا أو سنَدًا، وفائدته التَّقوية بكثْرة الطُّرُق سنَدًا. قلتُ: وقائل ذلك هو سُفْيان. قال (ع): إنَّ البخاري أخرجه في (كتاب التوحيد). (لا حسد) يحتمل أن المراد: لا غِبْطةَ كما أشار إليه بالترجمة. قلت: ويُؤيده ما رواه البخاري في (باب اغتباط صاحب القرآن) في حديث: "وسَمِعَه جارٌ لَهُ فقال: لَيْتَني أُوتيتُ مِثْلَ ما أُوتيَ". ويحتمل أنَّ الحسد على حقيقته، ويكون المستثنى مُخرَجًا من الحسَد الحرام كما رُخِّص في نوعٍ من الكذب، فالاستثناء على الأول من غير الجنس، وعلى الثاني منه. وقال (خ): معنى الحسد هنا شِدة الحِرْص والرغبة، كنَّى بالحسد عنها؛ لأنَّه سبَبه والداعي إليه. ومعنى الحديث الترغيب في التصدُّق بالمال، وتعليم العِلْم. وقال عبد الله بن أحمد: أنَّه وجدَه في "المسنَد" بخطِّ أبيه بلفْظ:

(لا تَنافُسَ بَينَكُم إلا في اثنتَينِ)، وعلى هذا فالمراد بـ (لا حسَدَ) نفْي مَشروعيته، أو النَّهي عنه إلا في الخَصلتين المذكورتين، وإلا فقد يُوجد الحسد، فكيف يُنفَى؟ قال (ك): ويحتمل أن يكون ذلك من قَبيل: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]، كأنَّه قيل: لا حسَد إلا في هذين، والذي فيها غِبْطة، فلا حسدَ أَصلًا. (إلا في اثنتين)، قال (ن): فإنْ قيل: الحسَد قد يكون في غيرهما فما وجْه الحَصر؟ قيل: إما لأنَّ القصد: لا حسَدَ جائزٌ في شيءٍ إلا في اثنتين، أو لا رُخصةَ في الحسَد إلا فيهما، أو نحو ذلك. (رجل) بالجرِّ بدَلٌ من (اثنتين) على حذْف مضافٍ؛ أي: خصلةِ رجلٍ، وبالنَّصب بإضمار: أعني، وبالرفْع بإضمارِ مبتدأ، أي: إحداهما. (هلكته) بفتح اللام؛ أي: هلاكِه، ففيه مُبالغتان: التَّعبير بالتَّسليط المقتضِي للقِلَّة، وبالهلَكة المشعِر بفَناء الكلِّ. (في حق) لإخراج التَّبذير، وهو صرف المال فيما لا ينبغي. (الحكمة) قيل: القرآن، وسيأْتي في (فضائل القرآن): (عَلَّمَه اللهُ القُرآنَ، وهُو يتْلُوهُ آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ). قلتُ: وربَّما يُطلق على السنَّة كما قاله الشافعي في "الرسالة" في مواضِعَ في نحو قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: 113].

16 - باب ما ذكر في ذهاب موسى صلى الله عليه في البحر إلى الخضر وقوله تعالى: {هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} [الكهف: 66]

وإنما نكَّر (مالًا)، وعرَّف: (الحِكْمة)؛ لأنَّ المراد بها معهودٌ، وهو ما جاء الشَّرع به، فهو كمالٌ عِلميٌّ يُفضي إلى الكمال العَمَلي بخلاف المال، فإنَّ المراد العُموم حتى يدخل مَن أنفق أَيَّ قدرٍ كان. وفي إِيْراد الحكمة أيضًا مبالغة؛ لأنَّها العلْم الدَّقيق، ومبالغةٌ أخرى في قوله: (يَقْضِي بها)، فإنَّ القضاء بين الناس، وتعليمهم من أخلاَق النُّبوَّة. قال (خ): ففي الحديث: التَّرغيب في التصدُّق، وتعلُّم العِلم. وقال (ط): وفيه أنَّ الغنيَّ إذا قام بشُروط المال، وفعَل فيه ما يُرضي ربَّه كان أفضَل من الفَقير العاجز عن ذلك. * * * 16 - بابُ مَا ذُكرَ فِي ذَهابِ مُوسَى صَلى اللهُ عَلَيهِ فِي البحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] (باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر)، بفتح الخاء، وكسر الضاد، وقد تُسكَّن، وقد تُكسر الخاء مع ذلك كما في نظائره، وهو لقَبٌ له؛ لأنَّه جلَس على فَروةٍ بيضاءَ؛ أي: وجْه الأَرض اليابِس، فاهتزَّتْ من خَلْفه خضراءَ كما سيأتي ذلك في (كتاب الأنبياء) مرفوعًا، أو أنَّه كان إذا صلَّى اخضرَّ ما حولَه.

وكُنيته أبو العبَّاس، وفي اسمه أقوالٌ، أشهرها: بَلْيَا بمُوحَّدةٍ مفتوحةٍ، ولامٍ ساكنةٍ، وياءٍ، ابن مَلْكان بفتح الميم، وسُكون اللام، وبالكاف. قلتُ: وقيل: إِلْيَاس، واليَسَع، وعامِر، وأحمد فيما حكاه القُشَيري، ووهَّاه ابن دِحْية بأنَّه لم يُسمَّ قبل نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - أحدٌ بأحمد، وقيل غير ذلك. واختُلف أيضًا في نبوَّته. قيل: نبيٌّ، وجزم به جمعٌ؛ لقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82]، ولكونه أعلَم من موسى، والوليُّ لا يكون أعلَم من النبيِّ. وأجيبَ: بأنَّه يجوز أنْ يكون قد أَوحى الله إلى نبيِّ ذلك العصر أنْ يأتي الخَضِرَ بذلك. وفي "الكشاف": كان الخَضِرُ في أيامِ أَفْريدُون قبل مُوسى، وكان على مُقدِّمة ذِي القَرنين الأكبر، وبقِيَ إلى أيام موسى. قال: والمراد بالرَّحمة في قوله تعالى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} [الكهف: 65] هي الوَحْي. وقيل: نبيٌّ مرسَل، وقيل: مَلَكٌ، وقيل: وليٌّ. واختُلف في حياته، فقال ابن الصلاح: جمهور العلماء والصالحين على أنَّه حيٌّ، والعامة معهم في ذلك. وكذا قال (ن): أَنَّ الأكثر عليه، واتفاق الصُّوفية، وإجماع كثيرٍ

من الصالحين عليه. وذكر الثَّعلَبي ثلاثةَ أقوالٍ في أنَّه هل كانَ في زمَن إبراهيم -عليه السلام- أم بعدَه بقليلٍ أم بكثيرٍ؟، وقال: إنَّه نبيٌّ معمَّرٌ على جميع الأقوال محجوبٌ عن الأبصار. وقيل: لا يموت إلا في آخِر الزمان حين يُرفع القرآن، وفي أَواخر "مسلم" في حديث الدَّجَّال: "أنَّه يَقتُل رجُلًا ثم يُحييهِ"، قال إبراهيم بن سُفْيان صاحبُ مسلم: إنَّه الخَضِر. ولا إشكالَ في اقتِباس موسى منه؛ لأنَّه إما نبيٌّ مثلُه، فلا امتناعَ من ذلك، وإما بإرادة الله فلا نقْصَ. (الآية) فيه النصب والرفع والجر. * * * 74 - حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ حَدَّثَ: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاس: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَاريتُ أَناَ وَصَاحِبِي هذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ شَأنهُ؟ قَالَ: نعم، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَمَا مُوسَى فِي ملإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَهُ

رَجُلٌ فَقَالَ: هلْ تَعلَمُ أَحَدًا أَعلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لاَ، فَأوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُناَ خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقدتَ الحُوتَ فَارجع، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، وَكَانَ يتَّبعُ أثَرَ الحُوتِ فِي البَحرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوينَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نبغِي، فَارتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ". سنَده كله مَدَنيُّون. (تمارى)؛ أي: تجادلَ واختلَف. (هو والحر بن قيس) لابن عبَّاسٍ في القصَّة مما رآه مع اثنين مع هذا. (في صاحب موسى)؛ أي: الذي ذهب إليه، ومع نَوْف البِكالي في موسى: أَهُو ابن عِمْران أو غيرُه؟ (فدعاه) قال السَّفَاقُسي، أي: قامَ إليه؛ فإن ابن عبَّاس: آدب من أنْ يدعو أُبَيَّ بن كعب مع جلالته إليه، وقيل: المراد نادَاه، وهو واضحٌ. قلتُ: في روايةٍ: (فمَرَّ بهما أُبَيُّ بن كَعْب، فدَعاه ابن عبَّاسٍ، فقال: يا أَبا الطُّفَيْل، هلُمَّ إلينا، فإِنِّي تماريتُ أَناَ وصاحِبي هذا) الحديثَ، وليس في دُعائه أن يجلِسَ عندهما لفَضل الخُصومة ما يُخل بالأَدب.

(لقيه) بضم اللام، وكسر القاف، وتشديد الياء مصدرٌ، يُقال: لقيَه لقاءً، ولُقِيًّا بالتشديد، ولُقًى بوزْن: هُدًى -بالقصر والمد أيضًا-. (ملأ) -بالقصر-: الجَماعة. (بني إسرائيل)؛ أي: أولاد يعقوب. (عبدنا) الأصل أنْ يُقال: عبد الله، ولكنْ هذا على سبيل الحِكاية عن قوله تعالى. (خضر) وفي بعضها: (الخَضِر). قال (ك): دخلتْ عليه اللام مع أنَّه عَلَمٌ؛ تنْزيلًا له مَنْزلة الجنْس كفرَس، فتأْويله بواحدٍ من الأمة، فتدخلُه اللام والإضافة. قلتُ: إنما يُعدل لمثْله إذا حسُن التَّكبير كقوله: علا زَيدُنا يومَ النقاءِ رأْسَ زَيدِكُم والأحسن أنْ يُقال: دخلت اللام هنا لِلَمْح الأصل كالعبَّاس، وإنما لم يُعطف على كلام موسى؛ لأنَّه من متكلمٍ غير الأول. (قال موسى)؛ أي: قال: فادلُلْني عليه. (فجعل الله له الحوت آية)؛ أي: علامةً، وقال له: اطلُبْه على السَّاحل عند الصَّخْرة، قال: كيفَ لي به؟ قال: تأْخُذ حُوتا في مِكْتَل، فحيثُ فقدتَه فهو هنالك. قيل: فأَخَذ سمكةً مملُوحةً، فقال لفَتاه: إذا فَقدتَ الحوتَ فأخبِرني، فاضطَرب الحوتُ ووقَع في البحر، وقيل: نزل على شاطئ

عينٍ من عين الحياة، فلمَّا أَصابَ السَّمكةَ رَوح الماء وبَرده عاشتْ. وقيل: توضَّأَ يُوشَع من تلْك العَين، فانتضَح الماءَ على الحُوت، فعاشَ، ووقَع في الماء. (فتاه)؛ أي: صاحبه يُوشَع، بضم الياء وفتح المعجمة، والعين المهملة، ابن نون، وهو مصروفٌ كنوح، وإنما قيل فتاه؛ لأنَّه كان يخدمه ويتبعه، أو يأخذ العلم عنه. (نسيت)؛ أي: نسيتُ تفقُّد أمره مما جُعل أمارةً. (قال ذلك)؛ أي: قال موسى: فُقدان الحوت هو القصْد والبِغْية. (نبغي)؛ أي: نطلُب، و (نَبْغِ) حُذفت ياؤه تخفيفًا نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4]، وكان ذلك بمَجْمَع البحرين: فارِس والرُّوم مما يلي الشَّرق. (فارتدا)؛ أي: رجعا. (قصصًا)؛ أي: يقُصَّان قَصَصًا؛ أي: يتبَعان آثارهما اتباعًا. (من شأنهما)؛ أي: الخَضِر وموسى، والإشارة إلى قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى} [الكهف: 66] إلى آخر القصة. قال (ط): في الحديث: جواز التَّماري في العِلْم إذا كان كلٌّ يطلب الحق لا التَّعنُّت، والرُّجوعُ إلى قول أَهل العلم عند التَّنازع، والرغْبة في المزيد من العِلْم، والحِرْص عليه، ولا يقنع بما عنده كما

17 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم علمه الكتاب"

لم يَكتفِ موسى بعلمه. وفيه: وجوب التواضُع، فإن الله عاتبَه حين لم يردَّ العلم إليه، وأراه مَنْ هو أعلم منه، وحملُ الزَّاد وإعداده في السَّفَر بخلاف قول الصوفية، وأنَّه لا بأْس على العالم أن يخدمه المفضُول ويقضي حاجتَه، وأنَّه ليس مِن أَخْذ العِوَض على التعليم بل من المروءة وحُسن العشرة. * * * 17 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُمَّ عَلِّمْهُ الكتَابَ" (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم علمه الكتاب) اختُلف في نحوه مما صرِّح في الباب بسنَده هل هو تعليقٌ؟ 75 - حَدَّثَنَا أَبو مَعمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمهُ الكِتَابَ". رجالُ سنَده أو أكثرُهم بصريُّون. (ضمني)؛ أي: إلى نفْسه. (اللهم) ميمه عِوضٌ من حرف النداء، ولا يجتمعان إلا شُذوذًا، وذلك من خصائص هذا الاسم الشريف ليتميز نداؤُه عن نداء غيره، وإنما كانت ميمًا لقُربهما من حروف العِلَّة كالنون في الآخِر، وشُدِّدت

18 - باب متى يصح سماع الصغير

لأنَّها خلَفٌ من حرفين، واختيار سِيْبَوَيْهِ أن لا يوصَف؛ لأن وُقوعَ خَلَفِ حرفٍ بين الموصوف والصفة كوُقوع حرف النداء فيهما. وقال الكوفيُّون: يا اللهُ أُمَّ، أي: اقصُد بخيرٍ. (الكتاب)؛ أي: القُرآن إما للعُرف فيه، أو اللام للعهد، أو لأن الجنْس المطلَق يُحمل على الكامِل، والمراد تعليم لفظه باعتبار دلالته على مَعانيه، أي: أحكام الدِّين، وفي: (عَلِّمْه) حذْف المفعول الثاني والثالث؛ لدَلالة السِّياق عليه، ودَعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان ابن عبَّاس بَحْر العِلْم وحَبْر الأُمة. وفي الحديث الحثُّ على تعليم القرآن، والدُّعاء إلى الله تعالى في ذلك، ورواه البخاري في (فضائل الصحابة) بلفْظ: (عَلِّمه الحِكْمَةَ)، وفي (الوضوء): (اللَّهمَّ فَقِّهْهُ في الدِّين). وتأوَّلوا الحِكْمة بالقُرآن في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269]، وبالسنَّة في قوله تعالى: {ويُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 48]، والكلُّ صحيح، فلقد كان عالمًا بالقرآن والسنَّة. 18 - بابٌ مَتَى يَصح سَمَاعُ الصَّغيِر (باب متى يصح سماع الصغير) وفي بعضها: (الصَّبيِّ الصَّغير)، ومعنى صِحَّته: أنَّه إذا رواه بعد

البُلوغ يُعمَل به. * * * 76 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُويسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أتانٍ، وَأَناَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ناَهزْتُ الاِحتِلاَمَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْن يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ وَأرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرتعُ، فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَم يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ. (أتان) بالمُثنَّاة؛ أي: أنثى الحمير، ولا يُقال: أَتانَةٌ بخلاف حِمارة، وهو بالجرِّ بدَلٌ من حمار، أو وصفٌ على معنى: أُنثى، وقيل: على معنى: صُلْبٌ قويٌّ، لأن الأتان يُطلق على الحجَر الصُّلب، ويُروى بإضافة (حمارٍ) إلى (أتان)، أي: حمار هذا النوع، وهو الأَتان، وإنما لم يقُل حمارة، ويكتفي عن تعميم حمار، ثم تخصيصه؛ لأن التاء تحتمل الوَحْدة، كذا قال (ك)، وفيه نظَرٌ؛ فإن حمار مفردٌ لا اسم جنْس جمعيٍّ كتَمر. (ناهزت) بالزاي، أي: قاربتُ. (الاحتلام)؛ أي: البُلوغ لا خُصوص الحكم، وهو ما يَراه النائم من الماء. قيل: وفيه دليلٌ للواقدي وغيره: أنَّه حين وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان

عمُره ثلاثة عشر سنةً، أو خمسةَ عشرَ كما صوَّبه أحمد، لا عشرة كما هو قول ثالث. قلتُ: مُناهَزة الاحتلام تصدُق من تَمام التِّسعة، فلا يُرَدُّ بذلك على من قال: عشرة. (بمنى) بالصَّرف وتركه باعتبار كونه علَم البُقعة، أو المَكان، وظاهر كلام الجَوْهري أنَّه مذكَّر، فيكون مصروفًا فقط. قال (ك): والأجود صَرْفه، وكتابته بالأَلِف لا بالياء، سُمي مِنَى لما يُمنَى فيه من الدماء، أي: يُراق. (إلى غير جدار)؛ أي: غير سُترة بالكلِّية، وإنْ كان لا يلزم من كونه إلى غير ذلك أنْ لا يكون سُترةٌ أُخرى، لأن مع السُّترة ليس مَظِنَّة الإنكار، وهو يُريد أنْ يذكر أنَّه لم يُنكروا عليه لصِغَره مع وجود مَظِنَّة الإنكار، وأنَّ المصلِّي إذا لم يجعل سُترةً يجوز المرور بين يدَيه، فقصد ابن عبَّاس الاستدلال على ذلك لعدَم الإنكار عليه. (بين يدي)؛ أي: قُدَّام. (بعض الصف) يحتمل الجنْس، أي: بعض الصُّفوف، ويحتمل بعض صفٍّ ولو كان واحدًا. (ترتع) بضم العين؛ أي: تُسرع في المشي، وقيل: تأكل، مِن رتعت الإبلُ: إذا رَعَتْ، وقيل: تأكُل ما تشاء، وقيل: إنَّه بكسر العين من الرعي.

قال (ش): وصوَّب الأولَ روايةُ البخاري في (الحج): (ثم نَزلْتُ عنها، فرتَعتْ)، وفيه نظَرٌ؛ لجواز وُقوع الأمرَين، فرُوي كلٌّ منهما. (تنكر) بكسر الكاف، أي: لم يُنكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبالفتح على البناء للمفعول، أي: لم يُنكره لا هو ولا غيره. وإنما أدخل البخاري هذا الحديث في ترجمة (سماع الصبي)، وليس فيه سماعٌ لتَنْزيل عدَم الإنكار بمنزلة قوله: إنَّه جائرٌ، سمعه منه، ومراده في الترجمة بالصِّغر من هو قبْل البلوغ حتى يشمل مناهزة البُلوغ. ففي الحديث صحة صلاة الصبي، وأنَّ مُرور الحمار لا يقطَع الصلاة، وجواز تلقِّي الصغير وتأديبه بعد البُلوغ، وكذا شهادته فيما تحمَّله قبل البلوغ، والاحتجاج بعدَم إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على جواز النقل والركوب إلى صلاة الجماعة، وأنَّ الامام يُصلي إلى غير سُترةٍ. * * * 77 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبَو مُسْهِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحمُودِ ابْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّها فِي وَجْهِي وَأَناَ ابْنُ خَمسِ سِنِينَ مِنْ دَلْو. (عقلت)؛ أي: عرَفْتُ. (مجَّها)؛ أي: رمَى، أي: مع نفخ، وقيل: لا يكوم مَجًّا حتى

يُباعِدَ به، والضمير فيه نصبٌ على أنَّه مفعولٌ مطلقٌ، ويحتمل أنَّه مفعول به. (من دلو)؛ أي: من ماءِ دَلْوٍ، وذلك كان في بئرٍ من دارهم. (وأنا ابن) جملةٌ حاليةٌ من التاء في (عقَلْتُ)، أو من الياء في (وَجْهي). وقد تعقَّب ابنُ أبي صُفْرة على البخاري ذِكْرَ حديث محمود في الترجمة، وإِغْفال حديث ابن الزُّبير: أنَّه رأَى أباه يختلِفُ إلى بني قُريظَة يوم الخنْدق وعمُره أربع سنين. وأُجيب بأنَّه ليس في ذلك سماع علْمٍ من النبي - صلى الله عليه وسلم - بل مجرَّد تردُّد أبيه بخلاف ابن عبَّاس فإنَّه نقَل عنه سُنَّةً في المرور، ومحمود نقَل مُعجزةً بالمَجَّة التي أفادتْه التَّزكية، وأيضًا فحديث ابن الزُّبير قد لا يكون على شرْط البخاري، وأما قَدح الجواب بأنَّه قال لأبيه: رأَيتُك تختلِفُ، فقال له: يا بُنيَّ، إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرني أنْ آتيَه بخبرهم، ففيه نظَرٌ؛ لأنَّه لم يَنقُل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل عن أبيه، وأيضًا فيحتمل أنَّ ذلك عن أبيه كان بعد البُلوغ. وفي الحديث إباحة مَجِّ الرِّيق على الوجْه لمصلحةٍ، وطهارتُه، وغير ذلك، وثُبوت صحبته بذلك؛ لأنه مسلم رأَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وفيه جواز مُداعَبة الصبيِّ. قلت: إلا أنْ يكون المَجُّ لمعنًى آخَر. * * *

19 - باب الخروج في طلب العلم

19 - بابٌ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنيسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ. (باب الخروج في طلب العلم) قال (ك): أخرج فيه حديث موسى والخَضِر، وليس فيه إلا الخُروج إلى البَحْر، والسَّفَر فيه مع كونه خَطِرًا، فالسَّفَر في البَرِّ أَولى، وفيه نظَرٌ، فالخروج أعمُّ. (في حديث واحد) قال (ط): هو حديث السَّتْر على المُسلم. قلت: لكنْ ردَّ ذلك بأنَّ ذاك إنما رحَل فيه أبو أيُّوب الأنصاري إلى عُقْبة بن عامِر، أخرج الحاكم أنَّه أَتى إلى عُقبة، فقال: ما جاءَ بكَ؟ فقال: حديثٌ لم يَبْقَ أحدٌ سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غَيري وغَيرُك في سَتْر المُؤمِن، فقال عُقبة: نعَمْ، سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ سَتَر مُؤْمنًا في الدُّنيا سَتَره اللهُ يَومَ القِيامةِ"، وإنما الحديث الذي رحَل فيه جابِر في المظالم والقِصاص، وقد أشار البخاري إليه في "كتاب الرَّد على الجَهْميَّة" في (باب ولا تنْفع الشَّفاعة عنده إلا لمن أَذِنَ له)، فقال: ويُذكر عن جابر عن عبد الله بن أُنَيْس: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يَحشُرُ اللهُ العِبَادَ" الحديثَ، إلا أنَّه هناك بصيغة التَّمريض، وجزَم هنا به.

وفيه رَدٌّ على مَن قال: إنَّ قاعدة البُخاري في التعليق ضَعْف ما هو بصِيغة التَّمريض، وصِحَّة ما هو بالجزم. قلت: قد يُجاب بأنَّ الذي جزم به الرِّحلة لا الحديث، وقد أَخرج هذا الحديثَ الحارِث بن أبي أُسامة في "مسنده"، وأنَّه سمعه من ابن أُنيسٍ بالشام، والخَطيبُ في كتاب "الرِّحلة"، وأحمد، والطَّبَراني، وأَخرج البخاري في "كتاب الأَدب" عن همَّام، وذكَر جماعةً رحَل كلٌّ في حديثٍ واحدٍ لا نُطوِّل بذِكْرهم. * * * 78 - حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسم خَالِدُ بْنُ خَلِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: أخبَرَناَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كعبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَاريتُ أَناَ وَصَاحِبِي هذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هلْ سَمِعتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكرُ شَأْنهُ؟ فَقَالَ أُبَيٌّ: نعم، سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ شَأْنه يَقُولُ: "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسرَائِيلَ، إِذْ جَاءَهُ رَجل فَقَالَ: أتعلَمُ أَحَدًا أَعلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لاَ، فَأَوْحَى اللهُ - عز وجل - إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُناَ خَضِرٌ، فَسَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدتَ الحُوتَ فَارْجِع، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ يَتَّبِعُ أثَرَ

20 - باب فضل من علم وعلم

الحُوتِ فِي البَحرِ، فَقَالَ فتى مُوسَى لِمُوسَى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوينَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كنَّا نبغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ". (تمارى والحر) فيه العطْف على الضَّمير المرفوع المتصِل بلا فَصلٍ، والحُرُّ بضم المهملة وتشديد الراء. (حصن) بكسر المهملة، وسُكون الصاد المهملة. (الفزاري) بفتح الفاء، وتخفيف الزَّاي، وبعد الأَلف راءٌ، ووقَع بين ما هنا والحديث السابق تفاوُتٌ يسيرٌ سَهْلٌ. * * * 20 - بابُ فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلّمَ (باب فضل من علم وعلم) 79 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَء، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلم كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْها نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ وَالعُشْبَ الكَثيرَ، وَكَانَتْ مِنها أَجَادِبُ أَمسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِها النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا

وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنها طَائِفَةً أُخْرَى، إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمسِكُ مَاءً، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لم يَرْفَع بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَم يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ". قَالَ أبَو عَبْدِ اللهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: "وَكَانَ مِنْها طَائِفَةٌ قَيَّلَتِ المَاءَ": قَاعٌ يَعلُوهُ المَاءُ، وَالصَّفْصَفُ: المُسْتَوِي مِنَ الأرضِ. إسناده كوفيون، وفيه لطيفةٌ: وهي رواية بُريد عن جده، وجده عن أبيه. (مثل) بفتح المُثلَّثة، أي: الصفة التي تكون عجيبةً كما ذُكر مرارًا. (الهدى) هو الدلالة المُوصِلة للقَصْد. (والعلم) هو صفةٌ توجِب تمييزًا لا يحتمِل النَّقيضَ، وعطف على (الهدى) إما لأن العِلْم راجعٌ لنفسه، والهدى راجعٌ للغير، وإما أنَّ الهدى الدلالة، والعلم المدلول، والمراد الطريقة والعمَل. (الغيث) عبَّر به دُون غيره من أسماء المطر لاضطِرار الخلق كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28] فالعِلْم يُحيي القُلوب -لا سيَّما وقد كانتْ ماتتْ قبل المَبْعَث- كما أنَّ الغَيث يُحيي الأرضَ. (نقية) بنونٍ مفتوحةٍ، وقافٍ، أي: طيِّبةٌ كما عبَّر به في رواية

مسلم، ويُروى: (نفْعة)، وحكى السَّفَاقُسي عن (خ): (ثَغْبَة) بفتح المُثلَّثة، وبغين معجمةٍ ساكنة أو مفتوحة، وهو مُستنقَع الماء في الجبال والصُّخور. قال في "المطالع": وذلك غلَطٌ من الناقل، وتصحيفٌ، وإحالةٌ للمعنى؛ لأن الطائفة الأُولى جُعلت لما يُنبت، والثَّغبة لا تُنبت. (قبلت) من القَبول، وفي بعض النُّسَخ: بياء مشددةٍ، أي: أمسَكتْ. قلت: وهو ما نقلَه البخاري آخرًا عن إسحاق في رواية الأَصِيْلِي. قال (ع): ورواه غيره بالمُوحَّدة في الموضعَين، ثم رواية الأَصِيْلِي قيل: تصحيفٌ من إسحاق، وقيل: صحيحة، ومعناه شَرِبَتْ من القَيْل، وهو شُرب نصف النَّهار، قال في "الجمهرة": قيَّلَ الماءُ في المكان: إذا اجتَمعَ فيه. (الكلأ) -بالهمز- رطبًا أو يابسًا. (والعشب) هو الرَّطْب، فهو من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام به وشرَفه، ومثله الخَلا -بالقصر-؛ بخلاف الحَشيش فإنَّه اليابس. (أجادب) بالجيم والدال المهملة. قال (خ): الأرض التي تُمسِك الماءَ فلا يُسرع إليها النُّضوب،

أي: لا تُنبت لصلابتها، جمع جَدب على غير قياسٍ، وإنما القياس جمع جَدَب، أو أَجْدَب كما جمعوا حسَنًا على مَحاسِن، وهو قياس مُحسِن، وهو من الجَدْب بمعنى: القَحْط، أي: لقِلَّة المطر ونحوه. قال: وقال بعضهم: (أَحارِب) بمهملة وراء، وبعضهم بهما والدال، وليس بشيءٍ، وبعضهم (أَجارِد) بجيمٍ، وراءٍ، ودالٍ مهملةٍ، وهو صحيح المعنى إنْ ساعدَتْه الروايةُ، والأَجارِد ما لا يُنبت الكلأَ، معناه: أنَّها جُردٌ لا يَستُرها نباتٌ. وبعضهم: (إخاذَات) بمعجمتين، وألفٍ بينهما جمع: إِخَاذَة بكسر الهمزة، وهي الغَدير الذي يمسِك الماء، وصوَّبه عبد الغافر الفارِسي، ورُوي: (أَجاذِب) بجيمٍ، ومعجمةٍ، وهي صِلاب الأرض التي تمسِك الماءَ. قال في "المطالع": وكلُّها مرويةٌ منقولةٌ. (قيعان) وهو المستوي الواسِع في وِطاءٍ من الأرض. قلت: وقيل الأرض المَلْساء، وقيل: الأرض التي لا نباتَ فيها، وتُجمع أيضًا على قُوع وقِيْعة. (سقوا) فيه لُغةٌ: أَسقَى، وقيل: سَقاه: ناوَلَه، وأَسقاه: جعل له سُقْيا. (وزرعوا) في "مسلم": (ورَعَوا) من الرَّعي، قال (ع): وهو الوجه، (وَزَرعُوا) تصحيفٌ، ورُدَّ بأن المراد: زرعوا به تلك الأرض، فلا إشكال.

(فقه) بضم القاف في الأجود؛ لأنَّه يُراد به الفقه الشَّرعي الذي يصير به سجيَّةً، وروي بالكسر. (لم يرفع بذلك رأسًا)؛ أي: تكبَّر فلم يَلتفت إليه لتكبُّره. (هدى الله) اكتفَى به عن ذكر العِلْم كما في مُقابله لاستلزامه إياه. * تنبيه: لا يخفَى ما اشتمل عليه هذا الحديث من بديع التَّقسيم، وحُسن تشبيه كلِّ قسمٍ من الناس في إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقسمٍ من أقسام المطَر إذا نزل بها الغَيث لا أن المصرَّح به في الأرض ثلاثةٌ، وفي الناس قسمان: مَن تحمَّل العلم وتفقَّه فيه شبيهٌ بالأرض الطيِّبة تُنبت، فانتفعت، وانتفع بنباتها الناس، ومَن حملَه ولم يتفقَّه فيه لعدم الأَذْهان الثاقبة، والرُّسوخ في العلْم المؤدي إلى استنباط الأحكام؛ فهذا قد ينفَعُ الناس، فأشبَه الأرض الصُّلبة لم تُنبت، ولكن تمسِك، فيأخذُه الناس وينتفعون به، وهذا القِسْم من الناس هو المتروك في الحديث، وهو في الأرض، مذكورٌ، ومن لم يحمل ولم يتفقَّه فيه كالقِيْعان التي لا تُنبت ولا تُمسِك الماء بل هي سِباخٌ، فالأول لمن نفَع وانتفَع، والثاني لمن نفَع ولم ينتفِع، والثالث لا نَفَعَ ولا انتفَعَ، أو يُقال: ضرَب المثَل في الأول للعُلماء، والثاني للنَّقَلة، والثالث لمن لا عِلْم له ولا نقْلَ. قال (ن): ولا يخفَى أن دلالة اللفظ على كون الناس ثلاثة أنواعٍ غير ظاهرةٍ. قال (ح): هذا مثَلٌ ضُرب لمن قبِلَ الهدى، فحصل في أن

المثل ضربٌ لمن قبِل الهدى، فعلم وعلَّم، ولمن لم يقبل الهدى، فلم ينتفع ولم ينفَع، فقصَره على نوعين. وقال الطِّيْبِي: إن القسمة الثنائية هي المقصودة، وذلك لأنَّ (أصاب منها طائفةً) عطفٌ على (أصابتْ أرضًا)، وكانت الثانية معطوفة على (كانتْ) لا على (أصاب)، ولكن الأُولى قِسمان: نقيَّة وأجادب، والثانية على عكسها، فضمت الواو في (من كانت) وترًا إلى وترٍ، وفي (أصاب) شفعًا إلى شفعٍ كما في: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] الآية، عطفَ الإناثَ على الذُّكور، ثم عطف الإناثَ على القِسمين. والحاصل أنَّه ذكر في الناس من الطرَفين العالي في الاهتِداء، والعالي في الضلال، وأسقَطَ الوسَط، وهو قسمان: مَن انتفع بالعِلْم في نفسه فحسبُ، أي: وهذا ليس له مشبةٌ في الأرض، وإنْ كان التقسيم العقلي يقتضيه، وهو موجودٌ في الناس، والثاني عكسه أنَّه لم ينتفع بنفْسه ولكن نفَع الغيرَ. وقرر المُظْهِري "في شرح المصابيح" الحديثَ على أن الأرض فيها ثلاثة أقسامٍ، والناس قسمان؛ لأن القسم الأول والثاني من الأرض كقسمٍ واحدٍ؛ لاشتراكهما في الانتفاع، ومقابله قسمٌ واحدٌ، وهو عدم الانتفاع.

قلت: وهو آيلٌ إلى بعض التَّقارير السابقة. وقرَّر (ك): أن الناس في الحديث ثلاثة كالأرض باعتبار أن تكون (مَنْ) الموصولة محذوفة قبل لفظة: (نفعه)، والتقدير: ومن نفعه ما بعثني الله به بقرينة سبقها في (من فقه) على حد قول الشاعر: فمَنْ يَهجو رسولَ الله منكُمْ ... ويمدَحُه وينصُره سَواءُ أي: ومن يمدحه، فيكون النافع في مقابلة الفقيه والنَّقية، أي: مَن حمل الفقه لا من تفقَّه فيه في مُقابلة الأجادِب على طريق اللف والنشر غير المرتَّب، ومَن لم يرفع به رأْسًا في مقابلة القِيْعان. قال: وإنما حُذفت (مَن) لأنَّه مع ما قبله كالشيء الواحد كما جعل للنَّقية والأَجادب حكمًا واحدًا حيث لم يُعِد لفْظ: (أصابه) في (الأجادب)، وأعادها في: (قِيْعان)، وكذا أَعاد لفْظ (مثَل) فيه، انتهى. قلت: حَمْلُ (من فقه) على نَقَلَ ولم يتفقَّه فيهِ = في غاية البُعد، وخلاف اللُّغة والعُرف، ثم هذا التشبيه من تشبيه معقولٍ في محسوسٍ، وفي الثاني محسوسٌ بمحسوسٍ، ويحتمل أن يكون تشبيهًا واحدًا من باب التَّمثيل شبَّه صفة الواصِل للناس من حيث اعتبار النَّفع وعدَمه بالمطَر المصيب أنواعَ الأرض.

وقوله: (فذلك مثَلُ من فقُه) هو تشبيهٌ آخر قرَّر به الأول وبيَّن به القصْد. (قال أبو عبد الله)؛ أي: البخاري: (قال إسحاق) الأشبه أنَّه ابن راهويه، أي: أنَّه روى عن حمَّاد بن أسامة: (طائفة) بدل (نقيَّة)، ولهذا في بعض النُّسَخ: إسحاق عن أبي أُسامة، وهو حماد بن أُسامة، ويحتمل أنَّه أراد به إسحاق بن راهوَيْهِ، ويحتمل إسحاق بن منْصور؛ لأن البخاري روى عن الثلاثة، ولكن يُؤيد أنَّه ابن راهويه أنَّه رواه في "مسنده" عن أبي أُسامة، وكذا في كتاب "الاتصال" للرَّامَهُرمُزي. قال الغَسَّاني في "تقييد المهمل": إذا قال البخاري: (حدَّثنا إِسحاق) احتمَل أحد الثَّلاثة، وسبَق أنَّ (قال) أَدْوَنُ مِن حدَّث وأخبر؛ لاحتمال أنَّها عند المذاكرة، على أنَّه يحتمِل التَّعليق أيضًا بأنْ يكون بينه وبينه واسطةٌ، ويقع في بعض النُّسَخ: (ابن إِسحاق)، ولكنَّ هذا لا يُعرف من حديثه. وفي الحديث جواز ضرب الأَمثال، وفضل العِلم والتَّعليم، والحثُّ عليهما، وعدَم الإِعراض عنهما.

21 - باب رفع العلم، وظهور الجهل

21 - بابُ رَفْعِ العِلْمِ، وَظُهُورِ الجَهْلِ وَقَالَ رَبِيعَةُ: لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيءٌ مِنَ العِلْم أَنْ يُضَيِّعَ نفسَهُ. (باب رفع العلم وظهور الجهل) قوله: (وقال ربيعة) هو تعليقٌ بصيغة الجزْم، فهو صحيحٌ. (يضيع) وفي بعضها: (أنْ يَضَعَ) بأنْ لا يُفيد الناس. قال التَّيْمِي: ولذلك قال الفُقهاء: إنَّ القَضاء يُندب لمن في البلَد إذا كان إذا ولي القَضاءَ زال خُمولُه، وانتشَر عِلْمه. وقال (ط): مَن كان له قَبول العلم وفَهمه يَلزمه من طلَب العلم ما لا يَلزم غيرَه، فينبغي له أن يجتهد، ولا يُضيِّعَ نفْسَه حتى لا يرتفع العِلْم، ولا يَظهَر الجهل، أو أنَّ المراد أنْ لا يأتي بعِلْمه أهلَ الدُّنيا، ويَتواضَع لهم. * * * 80 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّناَ". (أشراط)؛ أي: علامات، واحدها شرَط -بالتحريك-.

(أن يرفع) في محلِّ نصب اسم (إِنَّ)، والمراد بموت العُلماء لا بنزْعه من الصُّدور كما في الحديث الآخر. (ويثبت) من الثُّبوت. قال (ن): وفي بعض نُسخ مسلم: (ويُبَثَّ) من البَثِّ، أي: الانتِشار. وقال (ك): إنَّه في بعض نُسَخ البخاري أيضًا، قال: وفي بعضها: (يَنْبُتَ) من النَّبات. (ويشرب)؛ أي يفشُوَ شُربه، وإلا فقد كان يُشرب في الأَزْمان، وحذَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شُربه، أو أنَّ مجموع ما ذُكر هو العَلامة. ويَظهَر، أي: يَفشُو، ويَنتَشِر. * * * 81 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأةً القَيِّمُ الوَاحِدُ". (يحيى) هو القَطَّان.

(لأحدثنكم) بفتح اللام جوابُ قسَمٍ محذوفٍ، أي: واللهِ، ولهذا أُكِّد بالنون. (حدثنا) قائمٌ مَقام المفعول الثاني، والثالث يحدث. (لا يحدثكم أحد بعدي) إما لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أعلَم بذلك، أو لم يَبْقَ من الصَّحابة حينئذٍ غيرُه، أو قالَه على ظنِّه لماَ رأَى من التَّغيير، ونقص العلم، وغيره، فحثَّهم بذلك على طلَب العِلْم. (سمعت) بيانٌ أو بدلٌ لقوله: (لأحدثنَّكم). (يقل) بكسر القاف، ولا تَنافيَ بينه وبين ما سبَق من الرفع بالكُلِّيَّة، إما لأنَّ القِلَّة فيه يعبَّر بها عن العدَم، وذلك باعتبار ما بين مَبدأ الأَشراط وانتهائها، ولذلك قال هناك: (ويَثبُتَ الجَهْلُ)، وهنا: (ويَظهَر). (وتكثر النساء)؛ أي: بسبب تلاحُم الفِتَن، وقَتْل الرجال فيها. (ويقل الرجال) ففي ذلك قلَّة العِلْم، وظهور الجهل، والزِّنا؛ لأنَّهنَّ حبائل الشيطان. (بخمسين) يحتمل إرادةَ حقيقةِ هذا العدَد، ويحتمل أنَّه مجازٌ عن الكثْرة، ووجْه الخمسين أن الأربعة هي كمال نِصاب الزَّوجات، فلما زِيدَ عليه لأجل الزيادة على الكمال مبالغةً في الكثْرة صار خمسةٌ لكل واحدٍ من ذلك عشرٌ؛ لأنَّها مركَّبةٌ من واحدٍ واثنين وثلاثةٍ وأربعةٍ،

22 - باب فضل العلم

ومن العشَرات تتركَّب المئات، ومن المئات الأُلوف، وأنَّ كلَّ واحدٍ اعتبر بعشرةِ أمثاله تأْكيدًا للكثْرة ومبالغةً كما ذُكر نحو من ذلك في: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]. (القيم)؛ أي: من يقوم بأمرهنَّ، واللام فيه للعهد في كون الرجال قوَّامين على النساء. واعلم أنَّ للتخصيص بهذه الأمور نُكتةً: وذلك لأنَّها مُشعرةٌ باختلال الضروريات الخمس الواجب رعايتها في جميع الأديان، وبحفْظها صلاحُ المَعاش والمَعاد، فرفع العِلْم مُخِلٌّ بالدِّين، وشُرب الخمر مخلُّ بالعقْل وبالمال أيضًا، وقتْل الرجال مُخلُّ بالنفْس، وظُهور الزنا [مُخِلٌّ] بالنَّسَب. وإنما كانت هذه الأمور علامةً؛ لأن الخلائق لا يُتركون سُدًى، ولا نبيَّ بعد هذا الزمان، فتعيَّن خَراب العالم، وقُرب القيامة. * * * 22 - بابُ فَضْلِ العِلْمِ (باب فضل العلم) 82 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنا أَنَا ناَئِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ"، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (العِلْمَ). (فشربت)؛ أي: من ذلك اللَّبَن. (حتى إني) بكسر (إِنَّ) لوُقوعها بعد (حتى) الابتدائية. قال (ك): وبالفتْح على تقديرها جارَّةً. (لأرى) بفتح الهمزة، وذكر بلفظ المضارع؛ لاستحضاره هذه الرُّؤية للسامعين. (الري) بفتح الراء وكسرها، قالَه الجَوْهَري، وقال غيره: بالكسر الفِعْل، وبالفتح المَصْدر، وجعله مَرئيًّا تنْزيلًا له مَنزلةَ الجِسْم. (يخرج) الضَّمير إما للَّبَن، وإما للرِّي تجوُّزًا، وهو حالٌ إنْ كانت الرؤية بصريةً، أو مفعولٌ ثانٍ إنْ كانت عِلْميةً. (من أظفاري)؛ أي: المَبدأُ منها، وفي بعضها: (في أَظْفارِي)، والظُّفُر ظرفٌ. (ما أولته)؛ أي: عبَّرتَه؛ لأنَّه لغةً التفسير لما يَؤُول إليه الشيء. (العلم) بالنَّصب، أي: أوَّلتُه العِلْمَ، وبالرفع، أي: المؤوَّل به العِلْمُ. ووجه ذكر الحديث في الترجمة: أنَّ فَضْلة اللَّبن الذي شَرِبَه - صلى الله عليه وسلم - بمعظمه، ولهذا قال ابن عبَّاس: لا أوثِرُ بنَصيبي منك أحدًا، وكان

23 - باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها

زِحام الصَّحابة على وَضوئه، وقد فسَّره بالعِلْم فدلَّ على فَضْله. واعلم أَنَّ رُؤيا الأنبياء حقٌّ، فالظاهر أنَّ هذا الشُّرب كان حقيقةً على وجْه التَّخييل، والله على كلِّ شيءٍ قديرٌ. ووجْه تأْويله بالعِلْم اشتراكهما في كثْرةِ النَّفْع، وسبَبِ الصَّلاح: ذاك في الأَبدان، وهذا في الأَرواح، والعِلْمُ فيه صلاح الدُّنيا والآخرة. قلتُ: وقد سبَق حديث رُؤيا القَميص، وتأْويل ذلك بالدِّين؛ لأنَّ العِلْم باطن، والدِّين ظاهرٌ، ولازمه الباطن. وفي الحديث منقبةٌ لعمر، وجواز تعبير الرُّؤيا، ورِعاية المُناسَبة بين التَّعبير والمعبَّر عنه. قال (ك): ولا تغفُل عن الفَرْق بين فَضلة العِلْم وفضيلته؛ إذ الحديث دلَّ على الفَضْلة لا على فَضيلته لكنْ يُقال: فَضْلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - متضمِّنةٌ لفَضيلته وشرَفه. * * * 23 - بابُ الفُتيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا (باب الفتيا) -بضم الفاء-: اسمٌ مِن استَفتاه فأَفتاه، ويُقال فيه: فَتْوَى -بفتح الفاء-. (وهو واقف) جملةٌ حاليةٌ.

(على الدابة) وفي بعضها: (علَى ظَهْر الدَّابَّة)، وهي لغةً: الماشيَة على الأَرض، وعُرفًا: الخيل، والبِغال، والحمير، وليس المراد: أنَّه كان واقِفًا على الدَّابَّة، بل المراد الركُوب. * * * 83 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَداعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ"، فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ"، فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ". (حجة) بفتْح الحاء وكسرها، والمعروف رواية الفتْح، وقال الجَوْهَري: إنَّه بالكسر المرَّة، وذلك شاذُّ، فإنما قياسه الفتح. (الوداع) -بالفتح-: اسمٌ مِنْ وَدَّعَ. قال (ك): ويجوز الكسر مصدرًا للمُفاعَلة. (بمنى) بالصَّرْف وتركه. (يسألونه) إما حالٌ من فاعل (وقَف)، أو (من النَّاس)، وإما استئنافٌ بيانًا لعِلَّة الوقْف. (لم أشعر) بضم العين، أي: لم أَفطَنْ.

(لا حرج)؛ أي: لا إثْمَ، وخبَر (لا) محذوفٌ، أي: لا حرجَ عليكم. (ذبحت) وفي نسخةٍ: (نَحرتُ)، والذَّبح في الحلْق، والنَّحر في اللَّبَّة بفتح اللام والمُوحَّدة، وهي موضع القِلادة من الصَّدر، والفاء في (فحلقْتُ)، وفي (نحرتُ) سببيةٌ لتسبُّب كلٍّ عن عدَم الشُّعور، وحُذفتْ مفاعيل هذه الأَفعال لقَرينة المَقام. (عن شيء)؛ أي: مِن أَعمال يوم العِيْد الرَّمي، والنَّحر، والحَلْق، والطَّواف. (قدم) فيه لا محذوفةٌ، أي: لا قُدِّم ولا أُخِّر؛ لأنَّها لا تكون في الماضي إلا مكرَّرةً على الفَصيح، وحسن ذلك هنا أنَّه في سِياق النَّفي نحو: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9]، ورواية مسلم: (مَا سُئِلَ عنْ شيءٍ قُدِّم أو أُخِّر). وترتيب هذه الأربعة سُنَّةٌ عند الشافعي، وأحمد. وقال أبو حنيفة، ومالك: واجبٌ يجبر بالدم، وجعلوا: (لا حرجَ)؛ أي: لا إِثْمَ، وأما الفِدْية فثابتةٌ، ولكنَّ المفهوم الظاهر مِنْ (لا حرجَ): لا شَيءَ عليكم مطلَقًا، وقد صرَّح في بعض الروايات بتقديم الحلْق على الرَّمي. وفي الحديث: جواز سؤال العالم راكبًا وماشيًا وواقفًا، وأنَّ الجلوس على الدابَّة جائزٌ للضَّرورة أو للحاجة؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - فعَل ذلك

24 - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس

ليُشرف على الناس، ولا يخفَى عليهم كلامُه. * * * 24 - بابُ مَنْ أَجَابَ الفُتيَا بِإِشَارَةِ اليَدِ وَالرَّأْسِ (باب من أجاب الفتيا بإشارة) 84 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ: "وَلاَ حَرَجَ"، قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: "وَلاَ حَرَجَ". سنَده بصريون. (قال: لا حرج) هو بيانٌ لقوله: (أَوْمَأَ) تنْزيلًا للإشارة منزلة القَول، ولهذا لم يذكُره بحرف عطْفٍ، ويحتمل أنَّه حالٌ. قلت: فيه نظَرٌ، وفي نُسخٍ: (فقال: وقالَ حلقتُ)؛ أي: قال سائلٌ آخَر ذلك، ويحتمل أنَّه الأوَّل كأنَّه يقول: لو فعلت كذا، وفي نسخة: (فأَومأَ بيَدِه أنْ لا حَرَجَ)، فتكون تفسيريةً؛ لتقدُّم معنى القول دون حروفه، والمراد أنَّ تلْك الإشارة أَفهمتْ نفيَ الحرَج، وفي نسخةٍ: (ولا حَرَج)، كأنَّه قيل: صَحَّ فعْلُك ولا حرَج، أي: قائلًا: ولا حرَجَ، أو أنَّ ذلك من قول رائي الإشارة، أي: علم بذلك

لما فهم مِن الإشارة. * * * 85 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُقْبَضُ العِلْمُ، وَيَظْهَرُ الجَهْلُ وَالفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الهَرْجُ؟ فَقَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ، فَحَرَّفَهَا، كَأنَّهُ يُرِيدُ القَتْلَ. (يقبض) بالبناء للمفعول. (الهرج) بفتح الهاء، وسُكون الراء، وبالجيم: الفِتْنة والاختِلاط، وأصله كثْرة الشرِّ. (فحرفها) تفسيرٌ لقوله: (فقال هكذا)، وتُسمَّى هذه الفاء تفسيريةً، نحو: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] على أحد التفاسير. (يريد القتل) لأنَّه مِن لازم الهَرْج، فهو مجازٌ، ويحتمل أنَّه لغةً اسمٌ للقتْل، فيكون حقيقةً. * * * 86 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءَ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسهَا، أَيْ نعمْ، فَقُمْتُ

حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللهَ - عز وجل - النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأثنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْ شَيءٍ لَم أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيتُهُ فِي مَقَامِي حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ، مِثْلَ، أَوْ قَرِيبَ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ -مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ -أَوِ المُوقِنُ لاَ أَدْرِي بأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، جَاءَناَ بِالبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ، ثَلاَثًا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ، وَأَمَّا المُنَافِقُ -أَوِ المُرْتَابُ لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُه". (فاطمة)؛ أي: بنْت المُنْذِر بن الزُّبير. (ما شأن الناس)؛ أي: في قيامهم، واضطِرابهم، وفَزَعهم. (إلى السماء)؛ أي: إلى أنَّ الشمس في السَّماء انكسَفت، والناس يصلُّون لذلك. (قيام) جمع: قائِم. (سبحان) علَم على التَّسبيح، أي: التَّنزيه، ولكنه نُكِّر، فأُضيفَ. قال ابن الحاجِب: إنما هو عَلَمٌ حيث لم يُضَف، ونصبَه على المفعول المطلَق الذي التزم إِضمارَ فِعْله. (آية) مقدَّرٌ فيه همزة الاستفهام، وهو خبر مبتدأ، أي: أَهيَ آيةٌ؟ أي: علامةٌ لعذاب الناس مقدِّمةٌ له، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا

تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، أي: علامةً على قُرب الساعة، أو على أنَّ الشَّمس مخلوقةٌ داخلةٌ تحت النَّقْص لا تقدِر على الدَّفْع عن نفْسها، فكيف تتصرَّف في غيرها؟ فأما قول أهل الهيئة: إنَّ سبَب الكُسوف حَيلُولة القمَر بينها وبين الأرض، فلا يُرى حينئذٍ إلا لَون القمَر، وهو كَمِدٌ لا نُورَ له، وذلك إنما هو آخِر الشَّهر في إحدى عُقْدتي الرأْس والذنَب، وله آثارٌ في الأرض = ممنوعٌ كلُّه، إلا أنْ يُقال: إن الله أَجرى سنَّته في مثل ذلك، فيكون كإحراق الحطَب بالنَّار، أما أنَّه واجبٌ عقلًا، وله تأْثيرٌ = فباطلٌ، بل لا يُؤثِّر إلا الله، وجميع الحوادث بمشيئته. (أن نعم)، (أنْ) تفسيريَّةٌ لسَبْق ما هو بمعنى القَول دُون حُروفه. (قمت)؛ أي: للصلاة. (عَلاَني) في بعضها: (تَجَلَّاني). (الغشي) بمعجمتين، إما بكسر الشِّين، وتشديد الياء، وإما بسُكون الشين، وتخفيف الياء، روايتان بمعنى: الغِشاوة، وهي الغِطاء، وأصله مرَضٌ معروفٌ يحصُل بطول القِيام في الحرِّ ونحوه، وفي الطِّبِّ أنَّه يُعطِّل القِوى المُحركة والحسَّاسة؛ لضعف القَلْب، واجتماع الرُّوح كلِّه إليه، فإنْ صحَّ ذلك؛ فصبُّها الماء لكونها أطلقَت الغَشْي للحالة القَريبة منه مجازًا، والصَّبُّ بعد الإفاقة منه، أما روايته بعينٍ مهملة؛ فقال (ع): ليس بشيءٍ. (أُريته) بضم الهمزة، إما رؤية عينٍ بأَنْ كشَف الله له عن ذلك، فلا

حِجابَ يمنعَ مثْل ما كشَفه عن المسجد الأَقصى حتى وصفَه للناس، فالرُّؤية أمرٌ يخلقُه الله في الرَّائي لا بشَرْط مقابلةٍ، ولا مُواجهةٍ، ولا خُروج شُعاعٍ؛ لأنَّ هذه شُروطٌ عاديَّةٌ يمكن انفِكاكها عقلًا، وإما رُؤية عِلم ووحي بإِطْلاعه وتعريفه مِن أُمورها تفصيلًا بما لم يكُن يعرفُه قبل ذلك. (ألا أُريته) الاستثناء متصلٌ؛ لأنَّه مفرَّغٌ، قال النُّحاة: وكلُّ مُفرَّغٍ متصِلٌ، والتفريغ من الحال، أي: لم أكُن أُريتُه كائنًا في حالةٍ من الأحوال إلا حالَ رُؤيتي إيَّاه، ولذلك جاز استثناء الفعل بهذا التَّأْويل، نعَمْ، العُموم في قوله: ما مِنْ شيءٍ، وشيءٌ أعمُّ العامِّ، ووقَع في نفيٍ، وبعض الأشياء لا تصحُّ رُؤيته؛ لأنَّه قد خُصَّ؛ إذ ما مِن عامٍّ إلا وخُصَّ إلا في نحو: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، والمخصص يكون عقليًّا وعُرفيًّا، فهذا خصَّصه العقْل بما يصحُّ، أو الحسُّ كما في: {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16]، أو العُرف بما يَليق إبصارُها به مما يتعلَّق بأَمْرِ الدِّين والجَزاء ونحوهما، نعَمْ، يَدخُل في العُموم أنَّه رأَى الله تعالى. (مقامي) يحتمل المصدر، والمكان، والزمان. (حتى الجنة) إن كانت عاطفةً فما بعدها منصوبٌ عطْفًا على المفعول في (رأَيته)، أو ابتدائيةً فمرفوعٌ، أو جارَّةً فمخفوضٌ؛ نحو: أَكلْتُ السَّمَكَةَ حتَّى رأْسِها. (يفتنون)؛ أي: يُمتَحنون.

(مثل أو قريب، لا أدري أي ذلك قالت أسماء) لا تنوينَ في (مثْل) أو (قَريب)؛ لإضافتهما إلى (فتْنة) لا على أنَّهما أُضيفتا معًا له بل أَحدُهما، والمضاف إليه في الآخَر محذوفٌ دلَّ عليه المضاف الآخَر كما في قوله: بَينَ ذِراعَي وجَبهةِ الأَسَد ولا يضرُّ الفَصْل بينهما بجملةِ (لا أَدري)؛ لأنَّها معترضةٌ مؤكِّدةٌ بمعنى الشكِّ المُستَفاد مِن (أو) لا أجنبيةٌ محضةٌ، فكان ذلك كما في نحو: يا تَيْمَ تَيْمَ عَدِيٍّ و (أيُّ): مرفوع على الأشهر بالابتداء، والخبرُ: (قالت) لأنَّها استفهامية، علقت (لا أدري) عن العمل، ومفعول (قالت) محذوف، أي: قالته. قال (ك): (أيُّ): مبنيٌ على الضم على تقدير أنَّها موصولةٌ حُذف صَدْر صِلَتها، والتقدير: أيُّ ذلك هو قالتْه. قلتُ: لا يخفَى بُعد ذلك. ويُروى بالنَّصب على أنَّه مفعول (أَدْرِي) إنْ جُعلت موصولةً، أو (قالت) إذا كانت استفهاميةً. قال: أو يُقال: فإنَّه من شريطة التفسير بأنْ تَشتغل (قالَ) بضميره المَحذوف، وهو عجيبٌ، فالاشتغال شَرْطه بُروز الضمير الذي اشتغَل

به، وفي بعض النُّسَخ: (مِنْ فتْنة) بزيادة (من)، ولا يخرج بذلك عن الإضافة، لأنَّ الحرف المقدَّر في الإضافة قد يَبْرز مثل: لا أَبا لَكَ، أو يُقال: الإضافة إلى محذوفٍ دلَّ عليه المذكور، لا أنَّه مضافٌ إلى المَذكور، ويُروى: (قَريْبًا)، واستَحسنه (ع)، وقال ابن مالك: إنَّه المشهور، ووجَّهه بما سبَق، لكنْ أبو البَقاء قال: إنَّ (قَريبًا) نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: إتيانًا قَريبًا، ولذلك قال: أو مِثْل، فأضافَه إلى الفتْنة، فيُجعل (مِن) متعلقةً به، و (مثْل) مضافٌ لمحذوفٍ كما قرَّرنا، ويُروى: (مِثْلًا، أو قَريبًا) بتنوينهما. (المسيح) سُمي بذلك لأنَّه يمسَح الأرضَ، أو مَمسُوح العَين. (الدجال) -بالتشديد-: مِن الدَّجَل، وهو الكَذِب والتَّمْويه، وخَلْط الحقِّ بالباطِل، ووُصِف بالمَسيح أيضًا عيْسى بن مَريم على معنى أنَّه مَسِيْحٌ في الخَير، وفيه أقوالٌ مشهورةٌ. ووجْه الشَّبه بين فِتْنة القبر والدجَّال الشّدَّة، والهَوْل، والغَمُّ، ولكنْ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]. (فيقال) هو بيانٌ لـ (يُفتَنون)، ولهذا لم يُعطف. (ما علمك) الخطاب للمَفتُون، وأفرد بعد أنْ قال: (في قُبُوركم) بالجمع؛ لأنَّه تفصيلٌ لهم، أي: كلُّ واحدٍ يُقال له ذلك؛ لأنَّ السُّؤال عن العِلْم يكون لكلِّ واحدٍ، وكذا الجَواب بخلاف الفتنة. وسمى بعض البيانيين الانتقالَ من جمعٍ لمفردٍ وعكسُه التفاتًا حيث عمَّم الانتقال من صنْفٍ من الضَّمائر إلى صنفٍ من ذلك النَّوع،

كما قال المرزوقي في "شرح الحماسة" في قوله: أَحْيَا أَبا كُنَّ يا لَيْلَى الأَمادِيْحُ أنَّه التفاتٌ، وكما في نحو: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ} [البقرة: 231] ونحوه، ولكنَّ الجمهور على خلافه. (بهذا الرجل)؛ أي: النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما لم يقُل: بي؛ لأنَّه حكايةُ قول الملَك، ولم يقُل: رسول الله؛ لأنَّه تلقينٌ لحجَّته. (أو الموقن) شكٌّ من فاطمة، ومعناه: المصدِّق بنُبوَّته. (بالبينات)؛ أي: المعجزات الدالَّة على نبوَّته. (والهدى)؛ أي: الدلالة الموصلة إلى البِغْية، أي: قبلنا مُعتقدِين مُصدِّقين. (واتبعناه)؛ أي: فيما جاء به، أو الإجابة تتعلَّق بالعِلْم، والاتباع بالعمَل. (ثلاثًا)؛ أي: يقول: هو محمدٌ ثلاثًا، مرتين بلفْظ: محمد، وثالثةٌ بصفة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يَلزم أنْ يقول مجموعَ ذلك ثلاثًا حتى يَلزم أنْ يكون قوله: (ذلك محمَّد) تسعَ مراتٍ؛ لأنَّ ثلاثًا إنما ذُكر للتوكيد، فلا يكون القَول إلا ثلاث مراتٍ. (صالحًا)؛ أي: منتفعًا بأعمالك وأحوالك؛ إذ الصلاح كون الشيء في حدِّ الانتفاع. (إن كنت)، (إن) هي المخفَّفة من الثَّقيلة، أي: إنَّ الشأْن.

(لموقنًا) اللام فيه للفَرْق بين المخفَّفة وبين النافية، وحكَى السَّفَاقُسي فتْح (أَن) مصدرَيَّةً، أي: كونَكَ، وردَّه بدُخول اللام، ثم قيل: المعنى: إنك مُوقنٌ كما في: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]؛ أي: أنتم. قال (ع): والأظهر أنَّها على بابها، أي: أنَّك كنتَ مُوقنًا في دار التكليف. (المنافق)؛ أي: غير المصدِّق بقلْبه بنبوَّته، وهو مقابِلٌ للمُوقِن. (أو المرتاب)؛ أي: الشاكُّ، وهو مقابِلُ المؤقِن. (فقلته)؛ أي: قُلتُ ما كان الناس يقولونه، وفي بعض النُّسَخ عقب ذلك: (وذكَرَ الحديثَ إلى آخِرهِ) إشارةً إلى ما في الرِّوايات: (يُقال له: لا دَرَيْت، ولا تلَيْتَ، ويُضرَبُ بمطَارِقَ مِنْ حديدٍ ضَرْبةً، فيَصيحُ صَيْحةً يَسمعُها مَن يَليهِ غيرَ الثَّقلَين). وفي الحديث: أنَّ الجنَّة والنار مَخلُوقتَانِ اليَومَ، وإثْبات عَذابِ القَبْر، وسُؤال مُنكَر ونكَير، وخُروج الدَّجَّال، وأنَّ الرُّؤية لا تُشترط فيها ما يُشترط عُرفًا كما سبَق وُقوع رُؤيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للهِ - عزَّ وجل -، وكُفر مَن ارتابَ في صِدْق الرَّسول، وتعدُّد المرتابين، ووُجود حرفٍ لمعنى الإضافة كما سبَق، وسُنِّية صلاة الكُسوف، وتطويل القِيام فيها، واستحبابُ فعْلها في المَسجد بالجماعة خلافًا للعراقيِّين، ومَشروعيتها للنِّساء، وحُضورُهنَّ وراءَ الرِّجال في الجَماعات، والسُّؤال من المصلِّي، وامتِناع الكلام في الصلاة، وجواز الإشارة فيها بلا كراهةٍ إذا كانت لحاجةٍ، وجواز التَّسبيح للنساء في الصلاة،

25 - باب تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وراءهم

وقولهم: إن التَّصفيح لهنَّ، أي: حين يَسمع الرجال، والقَضيَّة إنما جرَتْ بين الأُختين، أو أنَّ ذاك أَولى، وهذا جائزٌ، والخُطْبة بعد الكُسوف، وأنَّ أوَّل الخُطْبة تحميدٌ وثَناءٌ. قال (ط): وأن الإشارة المفهِمة جائزةٌ، فيكون حجةَ لمالكٍ في لِعان المرأَة الصَّمَّاء البَكْماء، ومُبايعتها، ونكاحها. قال (ن): وأنَّ الغَشْي لا ينقض الوضوء ما دام العقل باقيًا، وهو محمولٌ على أنَّه لم تكثُر أفعالها مُتواليةً، وإلا بطلتْ. قال (ك): وإنما جُعل الغَشْي والصَّوت كالأَنين في الصلاة؛ لأنَّها قبْل الخُطْبة، وهي تعقُب الصلاة بدليلِ الفاء في (فحَمِد). واعلم أن الحديثين الأولين دالَّان لبعض الترجمة، وهي الإشارة باليَد، وهو دالٌّ للباقي، وهو الإشارة بالرأس؛ إذ لا يُشترط أنْ يدلَّ كلُّ حديثٍ على كلِّ الترجمة. * * * 25 - بابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإِيمَانَ وَالعِلْمَ ويُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءهُمْ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الحُوَيرِثِ: قَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُوهُمْ". (باب تحريض النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وفد عبد القيس)؛ أي: حَثِّهم، وفي

معناه: التَّحريص -بالصاد المهملة-، وحديث عبد القَيْس سبَق في (الإيمان). (وقال مالك بن الحويرث) وصلَه في (باب خبَر الواحِد) بتَمامه. (ارجعوا)؛ أي: أَقام عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَيامًا ثم أَذِنَ له في الرجوع إلى أهله. (أهليكم) جمع: أَهْل، وجمع أيضًا تكسيرًا على: أهالي، وتصحيحًا على: أهلات. (فعلموهم) وفي بعض النُّسَخ: (فعِظُوهُم). * * * 87 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أتوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَنِ الوَفْدُ، أَوْ مَنِ القَوْمُ؟ "، قَالُوا: رَبِيعَةُ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِالقَوْمِ -أَوْ بِالوَفْدِ- غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى"، قَالُوا: إِنَّا نأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَلاَ نستَطِيعُ أَنْ نأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْناَ بِأَمْرٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَناَ، نَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ؛ أَمَرَهُمْ بِالإيمَانِ بِاللهِ - عز وجل - وَحْدَهُ، قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الإيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا

اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ"، وَنهاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ وَالمُزَفَّتِ، قَالَ شُعْبَةُ: رُبَّمَا قَالَ: "النَّقِيرِ"، وَرُبَّمَا قَالَ: "المُقَيَّرِ"، قَالَ: "احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ". سنَده بصريُّون، وقد سبَق شرحه في (باب أداء الخمُس من الإيمان). (من ربيعة)؛ لأنَّ عبد القَيْس مِن أولاده، ووَهِمَ التَّيْمِي في قوله: إنَّ رَبيعة بطْنٌ من عبد القَيْس. (ندخل) بالجزم جواب الأَمر، أو بالرفْع، والجملة حالٌ، أي: مقدَّرةٌ؛ لأنَّه بمعنى: مقدِّرين دُخول الجنَّة، أو هو بدَلٌ مما قبلَه، أو صِفةٌ بعد صِفةٌ. وقد سبَق ذلك في الباب رِوايته، و (ندخُل) بالعطف. (وتعطوا) نُصب بـ (أَنْ) مقدَّرة، لأنَّه عطفٌ على المصدر نحو: ولُبْسُ عَباءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي وكأنَّه عطف مصدرٍ مقدَّرٍ على صريحٍ. قال (ش): كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ} [البقرة: 245] على قراءة النَّصب، وأَراد مثلَه في نصْبه بمقدَّرٍ لا العطْف على مصدرٍ؛ لأنَّ ذلك جواب الاستفهام.

26 - باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله

(وربَّما قال)؛ أي: أبو جمرة. (المقير)؛ أي: المَطْلي بالقار، أي: مع ذِكْره أوَّلًا: (المزفَّت)، ففيه تكرارٌ في الظاهر، قال (ك): حيث قالوا: المزفَّت تجوُّزًا؛ إذ الزِّفْت شيءٌ يُشبه القار، فقد [قال] الجَوْهَري: الزِّفت كالقير. قال (ط): في الحديث أنَّ من عَلِم عِلْمًا يَلزمه تبليغُه لمن لا يعلمُه فرضَ عينٍ، وهو اليوم فرض كفايةٍ؛ لظُهور الإسلام، وفيه تعليم أَهله الفرائضَ؛ لعُموم: (مَن وراءَهم). * * * 26 - بابُ الرِّحْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ (باب الرحلة) -بكسر الراء-: الارتحال، أما بالضمِّ فهو المرحول إليه، والفَرْق بين هذه الترجمة وترجمة (الخُروج لطلَب العِلْم): أنَّ هناك لمُطلَقه، وهنا لمسألةٍ خاصةٍ. 88 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أبي حُسَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلاَ أَخْبَرْتِنِي، فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ

فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ"، فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ، وَنكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ. (عن عقبة) زعَم ابن عبد البَرِّ أنَّ ابن أبي مُلَيْكة لم يَسمع منه، وأنَّ بينهما عُبَيد بن أبي مَرْيم، ورُدَّ عليه بما سيأتي في (النكاح)، في (باب شهادة المرضِعة): أنَّه قال: سمعتُه من عُقْبَة، ولكني لحديث عُبَيد أَحفَظ. (ابنة) قال (ك): كُنيتها أُم يَحيى، ولا نَعلَم اسمها، وقال غيره: اسمها غنيَّة، والرجل الذي نكحتْه هو طريف بن الحارِث. (إِهاب) بكسر الهمزة، وبمُوحَّدة. (عزيز) بفتح العين المهملة، وتكرير الزاي، وفي روايةٍ بضم العين، وزايٍ مفتوحةٍ، وبعد الياء راءٌ. (أرضعتني)، وكذا: (أَخبرتني) في بعضها بإشباع كسرةِ التاء ياءً، وعطف: (ولا أخبرتني) على لم أَعلَمْ، وأتَى بـ (أَعلَم) مُضارعًا؛ لأنَّ نفْي العِلْم حاصلٌ في الحال، وبـ (أَخبرتني) ماضيًا؛ لأنَّ نفْيَه باعتبار المُضيِّ. (بالمدينة) حالٌ، أي: كائنًا بها لا مُتعلِّقٌ بـ (ركبَ). (فسأله)؛ أي: عن حكم هذه النازلة. (كيف) ظَرفٌ يُسأل به عن الحال، وقيل: إنَّه حالٌ، وهما نقَيضان عاملًا، أي: كيف تُباشِرُها وقَد قِيْل: إنكَ أَخُوها، فذلك بعيدٌ مِن المروءة.

ففي ذلك اجتنابُ مَواقِف التُّهَم، وإنْ كانت السَّاحة بريئةً كما قال: قَدْ قِيْلَ ذَاكَ إِنْ صِدْقًا وإِنْ كَذِبًا ... فَمَا اعتِذَارُكَ مِنْ قَولٍ إِذا قِيْلا نعَمْ، عَمِل بظاهر الحديث مالكٌ، فقال: الرَّضاع يثبُت بشَهادة المرضِعة وحدَها؛ لتحقُّقها، لكن الأكثَر حَمَلُوه على الاحتياط والورعَ لا الحُكم بثُبوت الرَّضاع، وفَساد النكاح؛ إِذْ لم يَجرِ ترافُعٌ، ولا أَداء شهادةٍ بل مُجرَّد إخبارٍ واستفسارٍ، لكنَّه مما يَشهد فيه النِّساء الخُلَّص أربعٌ عند الشَّافعي، وثنتان عند مالك. قال التَّيْمِي: معنى الحديث الوَثيقَة في الفُروج، وليس قول المرأة الواحدة شهادةً يجوز بها الحُكم في أصلٍ من الأُصول، وليس في الحديث تعرُّضٌ لاعتبار عدَدٍ في الرَّضَعات، ولا نفيُه، فالشَّافعي وأحمد قيَّداه بخمسٍ؛ لحديث عائشة: "كانَ فيمَا أُنزِلَ [عشْرُ] رضَعاتٍ يُحرِّمْنَ"، فنُسِختْ بخمسٍ، وقال مالك وأبو حنيفة: يُحرِّم قليلُ الرَّضاع وكثيرُه، وقال داوُد وأَبو ثَورٍ: أقلُّه ثلاث رضَعاتٍ. (ففارقها)؛ أي: صُورةً، أو طلِّقْها احتياطًا، وإنْ كان الرضاع ليس حقيقةً، فذلك لتَحِلَّ لغيره. قال (ط): وفي الحديث حِرْصهم على العِلم، وإِيثارهم ما يُقرِّب إلى الله تعالى.

27 - باب التناوب في العلم

قال الشَّعبي: لو سافرَ رجلٌ من أقْصى الشام إلى أقْصى اليمَن لحفْظ كلمةٍ تنفعُه فيما بقِيَ من عُمره لم أَرَ سفَره يَضيعُ. * * * 27 - بابُ التَّنَاوُبِ فِي العِلْمِ (باب التناوب في العلم)؛ أي: يَأْخُذ العِلْم هذا مرةً، وَيذكُر لهذا، والآخَر مرةً، ويذكُر له. 89 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَناَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهْيَ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ، وَكُنَّا نتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نزَلْتُ جِئتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وإذَا نزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: أثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: طَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ وَأَناَ قَائِمٌ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: (لاَ)، فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ.

(وقال ابن وهب) تحويل الإسناد قبل تمامه، وربَّما يُكتب قبله: (ح). (ابن شِهَاب) عبَّر عن الزُّهري بذلك ثانيًا محافظةً على ألفاظ الرُّواة وَرَعًا. (وجار لي) بالرفع، ويجوز النَّصب، وهو أَوْس بن خَوْلِيٍّ كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - آخَى بينه وبين عُمر. (الأنصار) جمع: ناصر أو نَصير، سبق مراتٍ. (في بني أمية)؛ أي: في موضع هذه القَبيلة. (عوالي المدينة) قُرى بقُرب المدينة، واحدُها: عالية، أَقْربها على مِيْلَين، أو ثلاثةٍ، أو أربعةٍ، وأبعدُها ثمانية. (فإذا نزل) يحتمل الشرطيةَ، والعامل جاءَ مِن: (جئته)، أو (نزَلت) والظَّرفيةَ، فالعامل (جاءَ). (الأنصاري) نسَبٌ للجمع، والقياس للمُفرد؛ لأنَّه صار علَمًا لهم كالمُفرَد. (يوم نوبته)؛ أي: يومًا من أيام نَوبتِه. (فضرب) عطفٌ على مقدَّرِ، أي: فسَمِع اعتزالَ الرَّسول -عليه السَّلام- زَوجاتِه، ورجَع إلى العَوالي، فجاء إلى بابي فضرَبَه، وتُسمى الفاء الفَصِيحة. (ففزعت) بكسر الزاي، أي: خِفْتُ لكَون الضَّرب على خِلاف العادة.

وسيأْتي الحديث في (التفسير) مَبْسوطًا. وقول عُمر: كُنَّا نتَخوَّف بعضَ مُلوك غَسَّان؛ لأنَّه كان يُريد أنْ يَسيرَ إلينا. (أمر عظيم)؛ أي: اعتِزاله أَزواجَه؛ لكَونه مَظِنَّة الطَّلاق، وهو عظيمٌ لا سيَّما على عُمر؛ لأنَّ بنتَه من زوجاته - صلى الله عليه وسلم -. (فدخلت) أي: قال عُمر: فجِئْتُ من العَوالي للمَدينة، فدخلْتُ، فالفاء فَصِيحةٌ أيضًا، وفي نسخةٍ بلا فاءٍ. (أطلقكن) وفي بعضها: (طلَّقَكُنَّ) بلا همزٍ. (الله اكبر) وجه التعجُّب هنا بذلك ظُهور الأمر على خِلاف ما ظنَّ الأَنْصاري من أنَّ الاعتزال طلاقٌ حتى أخبَره، أو بإِشاعته، فلذلك سأَل عُمر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الطَّلاق. قال (ط): فيه الحِرْص على طلَب العِلْم، وقَبول خبر الواحد، وإخبار الصَّحابة بعضَهم بعضًا بما يَسمع من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبقولٍ قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ كلُّهم عدولٌ. قال (ك): وضرْب الباب ودقُّه، ودُخول الأب على البنْت بلا إذْن الزَّوج، والتَّفتيش عن الأحوال لا سيَّما متعلَّق المزاوَجة، والسُّؤال قائمًا. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [2]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

28 - باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأي ما يكره

تَابِع (3) كِتابُ العِلمِ 28 - بابُ الغَضَبِ فِي المَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَي مَا يَكْرَهُ (باب الغضب في الموعظة)؛ أي: مِنَ الواعِظ أو المعلِّم. (يكره)؛ أي: يكرهه، قيل: أراد بذلك الفَرْق بين قَضاء القاضي، وهو غَضْبان، وتعليم العِلْم، وتذكير الواعِظ، فإنَّه بالغضَب أَجدَر. 90 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! لاَ أَكَادُ أُدْركُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بنَا فُلاَنٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ فَقَالَ: "ياأَيُّهَا النَّاسُ! إِنَكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الحاجَةِ". كلُّ واحدٍ من سنَده يُكنى أبا عبد الله، وهو من اللَّطائف. (لا أكاد أدرك) قال الجَوْهَريُّ، وجمعٌ: إِنَّ كادَ يكُودُ كَودًا بمعنى: قارَبَ؛ إنْ تجرَّد دلَّ على نفْي الفعل، أو قُرن بالنَّفي كان

للإثْبات، وقال ابن الحاجِب: إذا دخَل النَّفي عليه كان كالأَفعال على الأَصحِّ، وقيل: في المستقبَل، وأما في الماضي فللإثبات. ثم قال (ش): كذا في الأُصول، ولا يَنتظِم، فإِنَّ التطويل يقتضي الإِدْراك لا عدَمَه، وقد رواه الفِرْيَابي: (إِنِّي لأَتأَخَّرُ عن الصَّلاةِ في الفَجْر مما يُطَوِّل بِنَا فُلان)، ولعلَّ الأَول فيه تغييرٌ، ولعلَّه: لا أَكاد أترك، فزيدَ بعد لا ألفٌ، وفُصلت التاءُ من الرَّاء، فجُعلت دالًا. لكن قال (ط): إنَّ تأويله أنَّه كان ضَعيفًا، فإذا طوَّل به في القِيام ازداد ضَعْفًا يمتنع به عن إِدْراك الركوع والسجود، فغضَبُه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأَجْل التطويل، وهو - صلى الله عليه وسلم - وإنْ كان يُطوِّل أحيانًا، وَيقرأُ مرةً بـ (يُوسُف) ونحوها من الطِّوال؛ لأنَّه يُصلِّي بجِلَّة أصحابه، وأكبرُ همِّهم طلَب القِيام والصلاة. قال (ك): ولهذا كان يُخفِّف أحيانًا كما إذا سَمِعَ بُكاء الصَّبي ونحوه. قال: ثم (لا أَكادُ أُدرِكُ) يحتمل التأَخُّر عن الصلاة في الجَماعة، وهو الأَظْهر بدليل الرِّواية الآتية في (كتاب الصلاة): (إِنِّي لأَتأَخَّر عن الصَّلاة)، والتأَخُّر عن الركْن واللُّحوق بالإمام. (يطول) في بعضها: (يُطِيْل)، وفي بعضها: (بنا). (فلان) كنايةٌ عن العلَم المسمَّى به. قال (ك): ويُقال في غير الآدميِّ: الفُلان معرفًا باللام. (أشد غضبًا) نصب غَضَبًا على التَّمييز، وفي بعضها: (منه من يومئذٍ)، و (من) صِلَة (أَشَدَّ)، والمفضَّل والمفضَّل عليه وإنْ كانا واحدًا لكنْ باعتبارَين: ذلك اليوم، وغيرُه من الأيام.

(من يومئذ)؛ أي: مِن غضَبه يومئذٍ. (منفرون)؛ أي: عن الجَماعات، والأُمورِ الإسلامية، وفي مُخاطبة الكلِّ ولم يُعيِّن مَن يُطوِّل من التلطُّف، وهذه عادتُه - صلى الله عليه وسلم -؛ لنفي الخجَل ونحوه عن الفاعِل. (بالناس)؛ أي: صلَّى ملتبسًا بهم. (المريض والضعيف وذو الحاجة) ذكر الثَّلاثة؛ لأنَّها تجمَع الأنواع الموجِبة للتخفيف، فإنَّ المقتَضي إما في نفْسه بحسَب ذاته، وهو الضَّعيف، أو العارِض، وهو المرَض، ولا في نفْسه، وهو ذو الحاجة، وفي روايةٍ: (وذو الحاجَة) بالرفع، إما بالعطْف على موضع خبرِ: (إِنَّ) قبْل دُخولها، أو على الضمير الذي في الخبر المقدَّر. قال (ن): فيه جواز التأخُّر عن الجماعة إذا عُلم من عادة الإمام أنَّه يُطوِّل كثيرًا، وجواز ذِكْر الإنسان بفُلانٍ في مَعرِض الشَّكوى والغضَب بما يُنكر من أُمور الدِّين، وإنكار المنْهي عنه تَنْزيهًا، والتَّعزير على إطالة الصلاة إذا لم يَرضَ المأْمومون، والاكتفاء فيه بالكلام، والأَمر بتخفيف الصَّلاة. * * * 91 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ الْمَدِينيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "اعْرِفْ وِكَاءَهَا -أَوْ قَالَ: وِعَاءَهَا- وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ ربُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ"،

قَالَ: فَضَالَّةُ الإبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احمَرَّتْ وَجْنتَاهُ -أَوْ قَالَ: احْمَرَّ وَجْهُهُ- فَقَالَ: "وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ، وَتَرعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا"، قَالَ: فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: "لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ". (المديني) يَنبغي أن يكون المدَني؛ لأنَّه نسبةٌ لمدينة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يُقال: المَدِيْنِي في النسبة لمدينةِ المنْصور، ومَدائِني لمدائِن كِسْرى كما قاله الجَوْهَري، نعم، قال البخاري: المديني هو مَن أقام بمدينة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يُفارقها، والمدني مَن كان بالمدينة وتحوَّل عنها. (اللقطة) بفتح القاف في المشهور، قال الأَزْهَري: أَجمع عليه الرُّواة، ورُدَّ بأنَّه حُكي الإسكان، قال الخَليل: بالفتح اللَّاقِط، وبالسُّكون المَلقُوط، قال الأَزْهَري: هو القِياس كالضُّحْكة، وقال ابن مالك: فيها أربع لغاتٍ: هذان، ولُقاطةٌ، ولَقَطةٌ -بفتح اللام والقاف-. قال الفُقهاء: هي ما ضاعَ بسُقوطٍ أو غَفْلةٍ، فيجده شخصٌ. (أعرف) مِن المعرفة. (وكاءها) -بالكسر، والمدِّ-: ما يُسدُّ به رأْس الصُّرَّة والكِيْس ونحوهما. (أو قال) الشكُّ من يَزيد. (وعاءها) الظَّرف، وهو بالكسر أيضًا، وقد يُضم كما قرأَ به الحسَن في: {وِعَاءِ أَخِيهِ} [يوسف: 76].

(وعفاصها) بكسر المهملة، والفاء: ما فيه النَّفَقة من خِرْقةٍ، أو جِلْدٍ، أو نحوهما، وقال الجَوْهَري: هو الجلد الذي يُلبَسه رأْس القارورة، وأما ما يُدخل في فمِه، فهو الصمام -بالمهملة-. (ثم عرفها) أي: للنَّاس بذِكْر بعض صِفاتها سنَةً مُتصلةً كلَّ يومٍ مرتين، ثم مرةً في كل أُسبوعٍ، ثم مرةً في كل شهرٍ في بلد اللُّقَطة، [وأحكام اللقطة] مفصلةٌ في الفقه. نعَمْ، رجَّح (ن): أنَّه يَكفي سنةٌ مُتفرِّقةٌ. (ربها)؛ أي: مالكُها، ولا يُطلَق الربُّ على غيرِ الله تعالى إلا مُضافًا مقيَّدًا. (فضالة الإبل) خبَره محذوفٌ، أي: حُكمها كذا، وهو من إِضافةِ الصِّفة للموصوف، وسُميت ضالَّةً؛ لأنَّها ضلَّتْ عن المَحجَّة في سَيرها، لكنَّها لا تعدَم أسباب القُدرة على العَود. (وجنتاه) مثلَّث الواوِ، ولغة رابعةٌ: (أُجنة) -بهمزةٍ مضمومةٍ-: وهي ما ارتفَع عن الخَدِّ. (ما لك ولها) استفهامٌ، أي: لمَ تأْخُذْها، أو نحو ذلك، وفي بعضها: (وما لَكَ؟) بواوٍ، وفي بعضها: (فَمَا لَكَ؟) بفاءٍ. (سقاؤها) بكسر المهملة، والمدِّ، أي: جَوفُها، وأَصله للَّبَن، وجمعه: أَسقيةٌ، وفي الكثرة: أَساقٍ، كما يقال: الوَطَب: للَّبن، والنَّحي: للسَّمن، والقِرْبة: للماء. (وحذاؤها) بكسر المهملة، والمدِّ أيضًا: خُفُّ البَعير، وحافِر

الفرَس، ويُقال للنَّعل أيضًا حِذاء، أي: فيَستقلُّ بذلك في العَيْش، فهي إذا وردت الماءَ شَربتْ ما يَكفيها مُدةً، فإنَّها أَطول البَهائم ظَمأً، وتَقْوى بخفِّها على السَّير، فهو تشبيهٌ بمن معه حِذاءٌ وسِقاءٌ في سفَره، وهي آمنةٌ من سبُعٍ ونحوه، فلا حاجةَ لالتِقاطها. ووجه غضبِه - صلى الله عليه وسلم - ما رأَى من استِقْصار عِلم السائل حيث لم يتنبَّه لذلك، فقاسَ الشيء على غير نظيره، فإنَّ اللُّقَطة ليست كذلك، وكذلك الغَنَم لضَعْفها فهي كاللُّقطة، وفُهم من المعنى في ذلك أنَّ ذلك في الصَّحراء، فأَما في القُرى والأَمصار فمُعرَّضةٌ للتَّلَف مَطمَحةٌ للأَطماع فتُلتقَط. (لك)؛ أي: إنْ عرَّفتَها ولم يَظهر صاحبُها وتملَّكتها. (أو لأخيك)؛ أي: لمالكها إنْ ظهَر، أو لمُلتقطٍ آخَر إنْ لم تلتقطها. (أو للذئب)؛ أي: لئِنْ تركتَها، ولم يجدْها صاحبُها ولا التقَطَها غيرُك، فيأْكلُها الذِّئْب غالبًا، أو نبَّه بذلك على جواز التملُّك للمُلتقط، وعلى علَّته وهي أنَّها عُرضةٌ للضَّياع. ففي الحديث: أنَّ له التملُّك إذا عرَّف ولم يظهر مالكُها غَنيًّا كان المُلتقِط أو فقيرًا، ووافقَنا فيه الحَنابلة إلا أنَّهم قالوا: إنْ كانتْ نقْدًا تملَّكَها، وإلا فلا. وقالت الحنفيَّة: لا يتملَّك الغنيُّ، وجوَّزوا التِقاط الإبِل، والحديثُ عليهم فيه أيضًا.

وحيث عرَّف بشَرْطه هل يَملِك بغير اختياره، أو لا بُدَّ من اختِياره، مُرجَّح المَذْهبِ هو الثَّاني، ثم إذا ادَّعاها، وذكَر عِفَاصَها، ووِكاءَها دُفعتْ إليه عند مالك، وأحمد بلا بيِّنةٍ؛ لأنَّه المقصود مِن معرفة العِفَاص والوِكَاء، أي: وما أَشبَه ذلك من الصِّفات المميِّزة، وقيَّد ذلك الشافعيُّ والحنفيَّة بما إذا وقَع في نفْسه صِدقُه، فله أن يُعطيَه، وإلا فلا بُدَّ من بيِّنةٍ، وإنَّ فائدة مَعرفة العِفاص والوِكاء أنْ لا تختلِط بماله، فلا يُمكنه التَّمييز إذا جاء مالكُها. قال (خ): فإذا جاء صاحبُها ردَّها إليه إنْ كانتْ باقيةً، أو قيمتَها إنْ كانتْ تالفةً، فإنْ ضاعَتْ في سنَة التَّعريف فلا شيءَ، أو بعدَها صارتْ دَينًا. * * * 92 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: "سَلُونِي عَمَّا شِئْتُم"، قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أبي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ"، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ"، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللهِ - عز وجل -. سنَدُه كوفيُّون. (عما) في نسُخةٍ: (عَمَّ) بلا ألفٍ، قال بعض العلماء: هذا محمولٌ

على أنَّه أُوحي إليه به؛ إذ لا يعلم ما يُسأل عنه من المغيَّبات إلا بإعلام الله تعالى. قال (ع): وظاهره أنَّه قال ذلك غضَبًا. (حذافة) بضم المهملة، وبذال معجمةٍ، وفاءٍ. (قال رجل) هو سَعد بن سالم مَولى شَيبة بن رَبيعة، ذكَره ابن عبد البَرِّ في "التَّمهيد"، فهو صَحابيٌّ وإنْ لم يتعرَّضوا لذِكْره في الصَّحابة. (شيبة) بفتح الشين المعجَمة، وسُكون الياء، وبمُوحَّدةٍ. (ما في وجهه)؛ أي: مِن الغضَب. (نتوب)؛ أي: مِن الأَسئلة المكروه له - صلى الله عليه وسلم -. * فائدةٌ: قال الإِسْمَاعِيْلي: الغضَب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجهين: بَيان الكَراهية، وغِلَظ الكراهة على قَدْر الغضَب غِلَظًا وخِفَّةً، وربَّما كان الغضَب في مثل هذه الحالة أبلَغ في الزَّجر عن ارتكاب ما له غضِبَ من تجريد النَّهي عنه، وهذا مما لا يقُوم أحدٌ مقامه فيه، والثاني غضَب البشَرية كما رُوي: "إِنَّما أَناَ بَشَرٌ، أَغضَبُ كمَا يَغضَبُ البَشَر"، فالناس مَزْجُورون عن القَضاء في الغضَب، وهو مَعصومٌ مأْمونٌ فيه المَيْل عن الحقِّ في الغضَب، فلذلك حكَم على الأَنْصاري للزُّبَير باستيفاءِ حقِّه نظَرًا واصطِلاحًا لا حُكمًا في غضَبٍ حيثُ قال: "أَنْ كانَ ابنَ عمَّتِكَ". * * *

29 - باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث

29 - بابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ (باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث) بَرَك -بتخفيف الرَّاء- استعارةٌ مِن بَرَك البَعير بُروكًا: استَناخَ، وكلُّ شيءٍ ثبَت وقامَ فقد بَرَك، ويُسمَّى هذا المَجاز غير مُقيَّدٍ، وهو أنْ يكون في حقيقته مقيَّدًا، فيُستعمل في الأَعمِّ بلا قَيْدٍ كالمِشْفَر، وهو شَفَة البَعير، فيُستعمل في مُطلَق الشَّفَة، فيُقال: زيدٌ غَليظ المِشْفَر. 93 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ"، ثُمَّ أَكثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي"، فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبَيًّا، فَسَكَتَ. (فقام عبد الله) إلى آخره، سبب سُؤاله أنَّ بعض الناس كان يَطعَنُ في نسَبه على عادة الجاهليَّة في الطَّعن في الأَنساب، وفي "مسلم": (كانَ يدعى بغَيرِ أَبيهِ، ولما سمعتْ أُمُّه سُؤاله قالتْ: ما سمعتُ بابنٍ أعقَّ منْكَ، أَأَمِنْتَ أنْ تكونَ أُمُّكَ قَارفَتْ ما يُقارِف نِساءُ الجاهليَّة؛ فتَفْضَحها على أَعيُن النَّاس، فقال: واللهِ لَو أَلحقَني بعَبْدٍ أَسوَد للَحِقْتُ بهِ). وأما معرفة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه ابنُه فالظاهر أنَّه بوحيٍ، ويحتمل بالفِراسة، أو بالاستِلْحاق.

30 - باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه

(رضينا)؛ أي: بما عندنا من كتاب الله، وسنَّة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، واكتفينا به أَبلَغ كِفايةٍ، وبُروكه كان أدبًا وإكرامًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وشفَقةً على المسلمين لئلا يُؤذوه، فيدخلوا في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 57] الآية. وسيأْتي في (التفسير): أنَّ في ذلك نزلتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] الآيةَ، وعن ابن عبَّاس: أَنَّ ناَسًا كانوا يَسأَلون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - استهزاءً، فيقول الرجل: مَنْ أَبي؟، ويقول الآخَر: ضلَّتْ ناقتُه، أَين ناقَتي؟ فنزلتْ. (فسكت) في نُسخةٍ قبْل ذلك لفْظ: (ثلاثًا)، أي: فقاله ثلاث مرات، وإنما قال ذلك في الحديثَين وهو غَضْبان ونحوه غضَبه في حُكمه للزُّبير، والقاضي وإنْ كان لا يَقضي وهو غَضْبان كما في الحديث الآخَر، لكنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - معصوم بخلاف سائر القُضاة، فلا يجوز عليه غلَطٌ في الحُكم. قال (ط): وفيه فَهْم عُمر، وفضل عِلْمه، أي: كما بينَّاه، ووُجوب التواضُع للعالم، وأنَّه لا يَسأَل إلا فيما يحتاج إليه. * * * 30 - بابُ مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثَلاَثًا لِيُفْهَمَ عَنْهُ فَقَالَ: "أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ"، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ بَلَّغْتُ"، ثَلاَثًا.

(باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه) هو بضم الياء مِن (يفهم) مع كسر الهاء وفتْحها، وخَصَّ (ك) الفتْح بروايةِ زيادة عنه. (ألا وقول الزور) سيأْتي في (الشَّهادات) في حديث أبي بَكْرة: (أَلا أُنبِئكم بأَكبَرِ الكَبائِرِ؟) ثلاثًا، إلى قوله: (أَلا وَقَولُ الزُّورِ)، فما زالَ يُكرِّرها حتى قُلنا: ليتَهُ سكَتَ. و (أَلا): حرف تنبيهٍ يدلُّ على تحقيق ما بعدَه وتأْكيده، ورفعُه بالعطف على ما قبلَه، والزُّور بضم الزاي: الكذِب والمَيْل عن الحقِّ، وقوله: فما زال يُكرِّرها، أي: الجُملة، أو الشَّهادة، أو الثَّلاثة، أو الثَّالثة، والمراد في مَجلِسه لا في مُدَّة عمُره. وقد وصَل الحديثَ أيضًا في (الدِّيَات). (وقال بن عمر ...) إلى آخره، قاله في حَجَّة الوَادع، وهو موصولٌ في (الحدود). (ثلاثًا)؛ أي: ثلاثَ مراتٍ. * * * 94 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا. (كان) قال الأُصوليون: قيل: ذلك ليُشعِر بالاستِمرار. (بكلمة)؛ أي: بجُملةٍ مُفيدةٍ.

(سلم) جوابُ (إذا)، وأَما قوله قبلَه: فسلَّم هو من تتمَّة الشَّرط، وإعادة الكلام ثلاثًا. قال (خ): إما لأَنَّ بحضرته مَن يَقصُر فَهمه، وقد أَمر بالبَيان والتَّبليغ، أو يكون الكلام فيه نوعُ إشكالٍ، فيَرفعُه ويُزيل الشُّبهة منه. قال: وأما تسليمه ثلاثًا فيُشبه أن يكون عند الاستئذان، فقد روى سَعْدٌ: (أنَّه - صلى الله عليه وسلم - وهُو في بَيته، فلم يُجبْه، ثم ثانيًا، ثم ثالثًا، فانصرَفَ، فتَبِعَهُ سعدٌ، فقال: يا رسولَ الله! بأُذُني تَسليمُكَ، ولكنْ أَردتُ أَنْ أستَكثِرَ مِن بركَةِ تَسليمِكَ)، وقال في حديثٍ آخَر: (إِذا استَأْذَنَ أَحدُكُم فلم يُؤذَن لَه فليَرجِعْ)، قيل: وفيه نظَرٌ؛ لأنَّ تسليمةَ الاستئذان لا تُثنَّى إذا حصَل الإِذْن بالأُولى، ولا تُثلَّث إذا حصَل الإذْن بالثانية، ثم إنَّه ذكَره بحرف (إذا) المُقتضِية لتَكرار الفِعْل كَرَّةً بعد أُخرى، وتسليمُه ثلاثًا على بابِ سَعْد أَمرٌ نادرٌ، والوَجْه: أنَّ معناه: كان - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَتى على قومٍ سلَّمَ تَسليمَ الاستِئْذان، فإذا حصَلَ سلَّم تَسليمَ التَّحيَّة، فإذا قامَ مِن المَجلِس سلَّم تسليمَ الوَداع، والثَّلاثة مسنونةٌ. وقال (ك): (إذا) لا تقتضي تكرارًا، وإنما الذي تقتضيه (كلَّما)، نعم، التركيب يُفيد الاستِمرار. ثم ادَّعى أنَّ قِصَّة سَعْد أمرٌ نادرٌ لم يُذكر في غيره = ممنوعٌ، فقد صحَّ حديث: "إِذا استَأْذَنَ أَحدكم". وقال (ط): إنما كان يُكِّرر الكلام والسَّلام إذا خَشِيَ أنْ لا يُفهم

31 - باب تعليم الرجل أمته وأهله

عنه، أو لا يُسمع سلامه، أو أَراد الإِبلاغ في التعليم، أو الزَّجر في المَوعِظة. وفيه أنَّ الثلاث غايةُ ما يقَع به البَيان والإعذار. * * * 96 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ سَافَرْناَهُ فَأَدْركَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الصَّلاَةَ -صَلاَةَ الْعَصْرِ- وَنَحْنُ نتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتهِ: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ"، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. (فأدركنا) بفتح الكاف. (أرهقنا) بسكون القاف، وفي بعض النُّسَخ: (أَرهقَتْنا). وشرح باقي الحديث سبَق في (باب مَن رفَع صوتَه بالعِلْم). * * * 31 - بابُ تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ (باب تعليم الرجل أمته وأهله) الأَمَة خِلاف الحُرَّة، وأَصلها: أَمَوَة -بالتَّحريك-، وعطْف الأَهل عطْفُ عامٍّ على خاصٍّ. 97 - أَخْبَرَناَ مُحَمَّد -هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ-، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ:

حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ؛ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا، فَأَحْسَنَ تأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فتزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ"، ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ: أَعْطَيْنَاكهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونها إِلَى الْمَدِينَةِ. (ثلاثة)؛ أي: ثلاثةُ رجالٍ، أو نحو ذلك، وهو مبتدأٌ خبره الجُملة بعده، وهي: (لهم أجران)، فقوله بعدَه: (رجل) ليس ذلك قَيْدًا، بل المرأَة كذلك؛ لشُمول الحكم للنِّساء، أو رجلٌ، بدَلٌ من (ثلاث) بدلَ تفصِيلٍ، أو يُقال: (رجلٌ) بدَل بعضٍ، وهو وما عُطف عليه مَجموعُه بدَلُ كلٍّ، أو خبر مبتدأ، أي: هي رجلٌ، إلى آخره، أو جملة: (لهم أَجْران) صِفةٌ لـ (ثلاث)، و (رجلٌ) وما عُطف عليه خبَره. (الكتاب) المراد به في عُرف الشَّرع التَّوراة والإنجيل، وإنْ كان بحسَب العُرف أعمَّ، ولعلَّ غير اليهود والنصارى لم يُوجد حين بِعْثة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك تخصص، نعَمْ، كون اليهود من ذلك فيه إشكالٌ؛ لأنَّ شَرعَهم نُسخ بعيسى - عليه السلام -، والمَنْسوخ لا أَجْرَ في العمل به، فيختصُّ الأَجران بالنَّصارى. وجوابه: إما منعْ نَسْخه به، وإنما نَسْخ كليهما بشَرعنا، ولا يَنبغي

حَمْله على العُموم، ولو قُلنا بنسخه بعيسى من حيثُ إنَ طرَيان الإيمان يكون سبَبًا لقَبول تلك الأعمال وإنْ كانت منسوخةً، كما جاء في الحديث: "إنَّ حسَناتِ الكُفَّار مقبولةٌ بعد إِسلامِهم"؛ لأَنَّا نقول: فلا يكون ذلك مختصًّا بأهل الكتاب بل هو في مُطلَق الكافر؛ إذْ لفْظ الكفَّار في الحديث يتناول الحَرْبيَّ، وليس له أَجْران قطْعًا، نعَمْ، جاء في "الصحيح" بدَل (آمَن بنبيِّه): (آمَنَ بعِيْسَى). وبالجُملة فاللام في الكتاب للعهد، إما للتوراة والإنجيل، أو للإِنجيل فقط، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52]، ثم قال: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: 54]. (آمن بنبيه) تنبيهٌ على أنَّ هذا سبَب أحَد الأَجرَين، وإلا فلا يكون من أهل الكتاب، وعُلم من استئنافه منه أنَّ إيمانه كان قبْل البِعثة؛ لأنَّ بعد البِعْثة لا نبيَّ له إلا محمد - صلى الله عليه وسلم -. (المملوك) قيدٌ للعبد؛ لأن كل الناس عباد الله، وإنما عرِّف (العبد)، ونُكِّر (رجلٌ) في الموضِعَين الآخَرين؛ لأنَّ المعرَّف بلام الجِنْس كالنَّكرة في المعنى، وكذا الإتْيان في العبْد بـ (إذا) دون القِسْم الأول؛ لأنَّها ظرفٌ، وآمَن حالٌ، وهي في حُكم الظَّرف؛ لأنَّ معنى جاء زيدٌ راكبًا: جاءَ في حالَة رُكوبٍ، أو يُقال: في وجه المُخالفة الإشعار بفائدةٍ عظيمةٍ، وهي أن الإيمان بنبيِّه لا يُفيد الاستِقبال للأجرين، بل لا بُدَّ من الإيمان في عهده حتى يستحقَّ أجرَين، بخلاف

العبْد فإنَّه في زمان الاستقبال مستحِقٌّ للأَجرَين أيضًا، فأتى بـ (إذا) التي للاستقبال. (حق الله)؛ أي: من صلاةٍ وصومٍ ونحو ذلك. (وحق مواليه)؛ أي: خدَمتهم، والمَوالي جمع: مَولَى، وجمَعه لأنَّ المراد بالعبد جنس العبد، حتى يُوزِّع لكلِّ عبدٍ مولى، وأيضًا فلدُخول ما لو كان العبد مُشتركًا بين موالي، ويُطلق المولى أيضًا على المعتِق، والعَتيق، وابن العَمِّ، والناصِر، والجار، والحَلِيْف، ومَن ولي أَمر أحدٍ كالسيِّد، وهو المراد هنا؛ لأنَّه مَولى أَمْرِ العبد، وقَرينته لفظ: العبد، ولهذا لم يُعمم في الكلِّ حملًا للمُشترك على معانيه، كما هو مَذْهب الشَّافعي؛ لأن ذاك حيثُ لا قَرينةَ تخصِّص البعض، وتَوقُّفه على القَرينة لا يُخرجه عن كونه حقيقةً فيه؛ لأنَّ هذه القرينة تُخرج غيرَه بخلاف قَرينة المَجاز فإنَّها المخصِّصة له. فإن قيل: يكون للعبْد ضِعْف أَجْر السيِّد؛ قيل: قد يُلتزم ذلك، أو يكون ضِعفه من هذه الجِهَة، وللسيِّد أَضعافُ ذلك من جِهاتٍ أُخرى، والمراد إنما هو تَرجيح العبْد المؤدِّي للحقَّين على العبد المؤدِّي لأَحدهما. فإن قيل: فالصَّحابي الذي كان كِتابيًّا يَلزم أنْ يَزيد أَجره على أكَابِر الصَّحابة. قيل: خَرجوا بالإِجماع، ويلتزم ذلك في كلِّ صحابيٍّ لا يدلُّ دليلٌ على زيادةِ أَجره على مَن كان كِتابيًّا.

(يطؤها)؛ أي: يتمكَّن من وطئِها شَرعًا وإنْ لم يَطَأْ. (فأدبها) الأدب: حُسن الأَحوال والأَخلاق. (فأحسن) أي أَدَّبها من غير عُنْفٍ وضربٍ، بل بالرِّفْق، وإنما غايَر بينه وبين التَّعليم وهو داخلٌ فيه؛ لتعلُّقه بالمُروءات، والتعليم بالشَّرعيات، أي: الأول عُرفيٌّ، والثاني شَرعيٌّ، أو الأول دُنيويٌّ، والثاني دِينيٌّ، وعطْفهُ (أعتقَ) بـ (ثم) والباقي بالفاء؛ لأنَّ التأْديب والتعليم يَنفعان في الوطء، بل لا بُدَّ منهما فيه وقبله، والعِتْق نقْلٌ من صِنْفٍ إلى صِنْفٍ، ولا يخفى ما بين الصِّنْفين من البُعد، بل من الضِدِّية في الأحكام، والمُنافاة في الأَحوال. (فله أجران) الظاهر أنَّ الضمير للرجل، ويحتمل أنْ يُعاد إلى كلٍّ من الثلاثة. واعلم أنَّه إنما خصَّ الثلاثة وإنْ كان مَنْ صامَ وصلَّى له أَجران، والولد إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ والده له أَجران؛ لأن كلًّا من الثلاثة فاعلٌ لضِدَّين. فإنْ قيل: فلِمَ لا كان للأَخير أربعةُ أُجورٍ: التَّأْديب، والتَّعليم، والإِعْتاق، والتَّزويج، بل سبعةٌ؛ لأنَّ المراد أنَّه لأجل ذلك جمَع بين مُتنافيَين، الأَجْران وما زادَ على ذلك. قيل: قال (ط): أي إنَّ أحد الأجرَين على العِتْق والتَّزويج، والآخر على التأْديب والتعليم، وإنما كرَّر: له أَجران؛ للاهتمام والتوكيد، كما

قال الحَماسي: وإنْ أَرادتْ مواثيق عهد ... على مِثْلِ هذا إنَّه لكريم وأجاب المُظهري بأنَّ الأجرَين بالإعتاق والتَّزويج، لأنَّ الأجر فيهما أكمَل. (أعطيناكها) الخِطاب لصالح، والضمير في (ها) للمسأَلة، أو المقابلة. (بلا شيء)؛ أي: من أَجْره ونحوها، وإلا فالأَجر في الآخِرة على ذلك موجودٌ. (قَدْ) في بعض النُّسَخ: (فقَدْ). (تركب)؛ أي: ترحل. (المدينة) اللام للعهد، أي: طَيْبة. واعلم أنَّ الترجمة فيها (الأهل)، وليستْ في الحديث، إلا أن تكون بالقياس، أو أراد أن يُورد فيه حديثًا غير ذلك فلم يتفق له. قال (ن): وفي قول الشَّعبي جواز ذلك قول العالِم مثلَه للمُتعلِّم؛ للتَّحريض على العِلْم. وفيه: ما كان السَّلَف عليه من الرِّحلة البَعيدة في المسأَلة الواحدة. قال (ط): وفيه قصْدُ المدينة؛ لأنَّها مَعدِن العِلْم، وكان يُرحَل إليها في طلَبه. * * *

32 - باب عظة الإمام النساء وتعليمهن

32 - بابُ عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاء وَتَعْلِيمِهِنَّ (باب عظة الإمام للنساء)، العِظَة: الوَعْظ، وهو التَّذكير بالعَواقب. 98 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أيَّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -أَوْ قَالَ عَطَاءٌ أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَظَنَّ أنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ، فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأةُ تُلْقِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ، وَبلالٌ يَأْخُذُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (اشهد) قال الجَوْهَري: الشَّهادة خبرٌ قاطعٌ، تقول: أشهدُ على كذا، ووجْه التَّعبير به هنا التأْكيد والتَّحقيق لوُقوعه، أو التأْكيد بقوله: (على) للاستعلاء بالعلم على أنَّه - صلى الله عليه وسلم -. (خرج)؛ أي: من صُفوف الرجال إلى صِفِّ النِّساء. (ومعه بلال) جملةٌ حاليةٌ، وكذا على ما في نُسخةٍ: (مَعَه)، بدون واوٍ، كقوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]. (وأنَّه لم يسمع) حلَّت (أنَّ) واسمها وخبرها محلَّ مفعولَي (ظَنَّ)، وفي نُسخةٍ: (لم يُسمِعِ النِّساءَ)، بزيادة: (النِّساء).

(بالصدقة) الظاهر أنَّ اللام للعَهْد في التطوُّع لا للأَعمِّ من الفرض والتطوُّع، وجاء -كما سيأتي- تعليل أَمرهنَّ بذلك؛ بأنَّه رأَى النِّساءَ أكثرَ أهل النار، وقيل: إنما أمرهنَّ؛ لأنَّه كان وقْتَ حاجةِ المُواساة، والصَّدقة كانت يومئذٍ أفضل. (فجعلت) هي من أَخوات (كادَ). (القرط) بضم القاف، وسُكون الراء: ما يُعلَّق في شَحْمة الأُذُن، أما الخُرْص -بضم المعجمة-: فحَلْقةٌ صغيرةٌ. (الخاتم) لُغاته سِتٌّ كما سبَق. وأخْذُه - صلى الله عليه وسلم - الصَّدقة ليَصرفها في مَصارفها؛ لأنَّه تحرُم عليه الصَّدقة. (وقال إسماعيل) يحتمل أنَّه تعليقٌ ذكَره متابعةً، أو استشهادًا لتقوية ما تقدَّم؛ لأنَّه لم يُدركْه؛ لأنَّه مات سنةَ وُلِد البُخاري، وذلك سنة أربعٍ وتسعين ومئةٍ، ويحتمِل أنَّه عطَفه على حديث شُعبة، كأنَّه قال: وحدَّثنا سُليمان، قال: حدثنا إِسْماعيل، فيَخرج عن التعليق. (عن عطاء)؛ أي: رواه بلفْظ: (عن)، لا بلفْظ: (سمعت)، كما رواه شُعبة. (وقال ابن عبَّاس) هو مَقول (قال إسماعيل)، والفرض أنَّه رواه مُطلقًا، لا بلفْظ (سمعت)، وأنَّه جزم بالشهادة على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من غير شكٍّ في المَشهود عليه، وفي بعضها: قال ابن عبَّاس، بلا واوٍ، فيكون المقول أَمرًا واحدًا، وهو المَجموع، لا أمرَين.

قال (ط): في الحديث أنَّه يجب على الإمام افتِقاد رَعيَّته، وتعليمُهم، ووعظُهم رجالًا ونساءً، وأن الصَّدقة تُنجي من النار. قال البَغَوي: وأنَّه يجوز للمَرأة العطية بلا إذْن الزَّوج، وحديث النَّهي عن ذلك محمولٌ على غير الرَّشيدة، أو من مال زَوجها. قال (ن): واستحباب وعْظ النِّساء، وتذكيرهنَّ الآخِرة، وأَحكام الإسلام، وحثُّهن على الصدقة، وذلك حيث لا يترتَّب مَفسدةٌ على الواعِظ، أو فِتْنةٌ على المَوعوظة. وعُزلة النِّساء عن الرجال في الصلاة. وأنَّ صدقة التطوُّع لا تحتاج لإيجابٍ وقبولٍ. وأنَّ الصَّدقات العامة إنما يَصرِفها في مصارفها الإمامُ. وصَدَقة المرأَة من مالها بلا إِذْن زوجها، أي: كما سبَق، ولا يتوقَّف على ثُلُث مالها، خلافًا لمالكٍ في منع الزِّيادة على الثلُث إلا برضاه، لتَرْك استِفصاله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. واستِحباب إخراج النِّساء غيرِ ذَوات الجَمال في العِيْدَين. قال (ك): وأن الأصل في الناس العقْل، وفي التصرفات الصِّحة؛ لعدَم سُؤاله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وأعلَن أنَّ الحديث وإنْ دلَّ صريحًا على الوعظ، فدلالته على التعليم الداخِل في الترجمة؛ لاستِلزام الأَمْر بالصَّدقة ذلكَ. * * *

33 - باب الحرص على الحديث

33 - بابُ الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ (باب الحرص على الحديث) الحديث ضِدُّ القَديم، ثم أُطلق عرفًا على الكلام، وفي عُرف الشَّرع: ما كان عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كأنَّه لُوحِظ فيه مُقابلته للقُرآن الذي هو قديم. 99 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ". (قال رسول الله) في بعضها: (قالَ: قِيْل: يا رسولَ اللهِ). قلتُ: لكنْ هذا لا يُناسب قوله بعدُ: (لقَدْ ظَننتُ)، إلى آخره. (من أسعد الناس) يَشمَل العُصاةَ من الأُمة خلافًا للمُعتزلة في قولهم: الشَّفاعة للمُطيع، ولزيادة الثَّواب، لا للعاصي، ولا لإِسقاط العِقاب، ولا يُخرج (الناسُ) الجنَّ والملائكةَ؛ لأن مفهوم اللَّقَب غير حُجةٍ على المشهور.

(بشفاعتك) من الشَّفع، وهو ضمُّ الشيء إلى مِثْله، كأنَّ المشفوع له كان فَرْدًا، فصار شَفْعًا بالشَّافِع، وأكثر ما يُستعمل في انضمام الأَعلى إلى الأَدنى. (لقد ظننت) اللام جواب قسَمٍ محذوفٍ. (يا أبا هريرة) في رواية: (يَا بَا هُريرة) بحذْف الهمزة تخفيفًا. (يسألني) بالرفع، والنَّصب؛ لوُقوع (أنَّ) بعد الظنِّ، فيكون فيه الوجهان. (أول) إما بالرفع على الصِّفة، أو البدَل، قال الشيخ أبو محمَّد الحلَبي: إنَّه رِوايتنا. أو بالنَّصب، قال السَّفاقُسي: وهي روايتنا على الظَّرفيَّة، وقال أبو البَقاء: على الحال، أي: لا يَسألني أحدٌ سابقًا لك، وجاءتْ: (من) نكرةً؛ لأنَّها في نفيٍ نحو: ما كانَ أَحَدٌ مِثْلَكَ. وقال (ع): على المفعول الثاني لـ (ظننتُ). واختُلف في وزْن: أوَّل، فقيل: فَوْعَل، والصَّحيح: أَفْعَل، بدليل وُقوع: مَن بعدَه، وبالجُملة فمعناه: قَبْلَك، وقال سِيْبَوَيْهِ: أقْدَم منك. قال السِّيْرافي: فإذا حذفوا (مِن) بعدَه قالوا: الأوَّل؛ لأن الألف واللام تُعاقب (مِن). (لما رأيت)؛ أي: رأَيتُه، فحُذف عائد الموصول. (منك)، (مِن) بيانيةٌ، أو مُعدِّيةٌ.

(من حرصك)، (مِن) تبعيضيةٌ. (من قال لا إله إلا الله)؛ أي: لا الكافر. (خالصًا)؛ أي لا المُنافِق، ولكن هما لا سعادةَ لهما، فليس أَفْعل التفضيل على بابه من المشارَكة، بل السَّعيد نحو: الناقِص والأَشَجُّ أَعدَلا (¬1) بني مَروان. أو هو على بابه من اقتضاء المُشاركة لكنْ معناه: أسعد ممن لم يكُن في هذه المَرتبة من الإخلاص المؤكَّد البالغ غايتَه، بدليل تأكيده بذِكْر القَلْب؛ لأنَّه مَعدِن الإخلاص، كما في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]، قال الزَّمَخْشَري: لأنَّ كِتْمان الشهادة من عمَل القَلْب، فأُسند إليه؛ لأنَّ إِسناد الفِعل إلى الجارحة التي يعمل بها أَبلَغ، نحو: أَبصرتْه عَينايَ، وسمعتْه أُذنايَ، أو يُقال: عدَم السعادة للكافر والمنافق عُلِم بأدلَّته الخارجيَّة، وإنما اقتَصر على: لا إله إلا الله، ولم يذكر: محمدٌ رسول الله اكتفاءً بها؛ لإشعارها، وإنْ كان المُراد المَجموع. نعَم، إذا صدَّق بقلبه، ولم يَلفظْ؛ دخل في هذا الحُكم، لكنَّا لا نحكم بدُخوله إلا أنْ يَلفظ، فهو للحُكم باستحقاق الشَّفاعة، لا لنفْس الاستِحقاق، أو أنَّ المراد بالقول النَّفْساني، سواءٌ معه لسانٌ أو لا. (خالصًا) في بعض النُّسَخ بذِكْر: (مُخلِصًا). ¬

_ (¬1) أي عادلًا.

(من قلبه) يحتمل تعلُّقه بـ (خالصًا)، أو بحالٍ من ضمير (قال)، وهذا أَرجح، أي: ناشئًا من قلبه، ومحلُّ الإعراب حينئذٍ للمُتعلِّق، لا لنفس الجار والمجرور. (أو نفسه) شكٌّ من أبي هُريرة. قال (ع): الشَّفاعات خمسةٌ: أولها: الإِراحة من هَول المَوقِف، وهي من خصائص النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثانيها: إدخال قومٍ الجنَّةَ بغير حسابٍ. ثالثها: لقومٍ استوجبوا النارَ، ولا تختصُّ به، بل يَشفع فيهم أيضًا من شاءَ الرَّحمن. رابعها: إخراج بعض المُذنِبين من النار، وجاء أنَّ الملائكة تشفَع في ذلك أيضًا، وإخوانهم من المؤمنين. خامسها: الشَّفاعة في زيادةِ الدَّرجات، وهذه لا تُنكرها المعتزلةُ كما تُنكر الأُولى. قال (ن): الأُولى وهي العُظمى، فُسِّر بها المَقام المَحمود، وهي والأَخيرة مختصَّتان به - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز أن تكون الثالثة، والخامسة أيضًا. قلتُ: ولنبينا - صلى الله عليه وسلم - شفاعاتٌ أُخرى كثيرة، ذكرتُ منها طائفة في "شرح العُمدة" في حديث: "أُعطِيْتُ خَمْسًا". قال (ط): في الحديث أن المعلِّم يتفرَّس في متعلِّمه، فيظنُّ في كل مقدارَ تقدُّمه، وتنبيهُه على تفرُّسه، فيبعثُه على الاجتهاد في العِلْم. وأن العالم يسكُت حتى يُسأَل، ولا يكون بذلك كاتمًا، بل على

34 - باب كيف يقبض العلم

الطالب أنْ يَسأل؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43]، فإنْ لم يُبين بعد أن يُسأَل فقد كتَم، إلا أن يكون لعُذْرٍ. وأن الشَّفاعة إنما هي في أهل الإخلاص. قال (ك): وفيه فضل أبي هُريرة، وجواز القسَم للتأْكيد، والخِطاب بالكُنية. * * * 34 - بابُ كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ (باب: كيف يقبض العلم)؛ أي: الكيفيَّة التي يُرفع بها العِلْم. وَكتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاكتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلاَ تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ، وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ لاَ يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا. حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ بِذَلِكَ؛ يَعْنِي: حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى قَوْلهِ: ذَهَابَ الْعُلَمَاءِ. (إلى أبي بكر بن حزم) هو أبو بكر بن محمَّد بن عَمْرو بن حَزْم. (ما كان من حديث)، (كان) فيه تامةٌ، ويُروى: (عنْدَكَ مِن حديثٍ)، فتكون (كان) ناقصةً، و (عندك) الخبَر.

(ولا تقبل) نهيٌ، وفي بعضها برفع (تَقبَلُ) على أنَّ (لا) نافيةٌ. (ولتفشوا) بصيغة الأمر، وفي روايةٍ بتسكين اللام كما هو لغةٌ فيها، والإفْشاء: الإشاعة. (ولتجلسوا) من الجلوس، بفتح أوله. (حتى يعلم) بتشديد اللام، والبناء للمفعول. (من لا يعلم) بفتح أوله، على البناء للفاعل. (لهلك) بكسر اللام في الأشهر. قال (ك): قوله: (بذلك)، يعني: بجميع ما ذُكر. قال: وفي بعض النُّسَخ بعده: (بمعنى حديث عُمر بن عبد العزيز إلى قوله: ذَهاب العُلماء)، والمقصود منه أن العَلاء رَوى كلامَ عُمر إلى قوله: (ذَهاب العُلماء) فقط. ثم قال: فإنْ قلت: لم أَخَّر إسناد كلام عُمر، والعادة تقديم الإسناد؟ قلتُ: للفَرْق بين إسناد الخبر وبين الأَثر، وأما على رواية العلاء فظاهرٌ؛ إذ غرضه أنَّه ما روى إلا بعضَه. قال (ط): فيه أمر عُمر بكتابة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصةً، وأنَّه لا يُقبل غيره الحضُّ على اتباع السُّنن وضبطها، إذ هي الحُجَّة عند الاختلاف. وفيه أنَّه ينبغي للعالم نشْر العِلْم وإذاعته. * * *

100 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنتزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْم، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا". قَالَ الْفِرَبْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، نَحْوَهُ. (انتزاعًا) مفعولٌ مطلقٌ لـ (يقبض)، على حدِّ: رَجَع القَهْقَرى، أي: برفعه من بينهم إلى السَّماء، أو بمحوه من صُدورهم، بل بقَبْضه؛ بقبْض أرواح العُلماء، وموتِ حَمَلته. (حتى) ابتدائيةٌ، فما بعدها جملةٌ. (إذا) ظرفٌ، والعامل فيها الخبر، ويحتمل أنَّه الشرط. (يبق) بضم الباء رباعيًّا. (عالمًا) مفعوله، أو (يبق) بفتح أوله، ورفْع (عالمٌ) على الفاعلية، فإنْ قيل: لم يَبْقَ للمُضي، فكيف وقع بعد (إِذا) وهي للاستقبال؟؛ قيل: لأنَّ (لم) جعَلَتْ البقاءَ ماضيًا، و (إذا) جَعَلَتْ البقاء مُستقبَلًا، أو يُقال: تعارَضَا فتسَاقَطا، فيبقى على أَصْله، وهو المضارع، أو تعادَلا، فيُفيد الاستمرار، نعم، الشرط يقتضي أنَّ اتخاذ رُؤوسٍ جُهَّالٍ إنما هو حيث: لم يَبق عالمٌ؛ لأنَّه يلزم من انتفاء الشرط انتفاء المَشروط، لكنْ يجوز أن

يقَع اتخاذ الجُهَّال مع وُجود العلماء، فأجاب (ك): بأن الانتفاء بانتفاء الشرط إنما هو في الشُّروط العقلية. قلتُ: وهو عجيبٌ، فإن الشرط اللغوي، وهو تعليق شيءٍ بشيءٍ يجعل المعلَّق عنه سببًا، فينتفي المشروط عند انتفاء الشَّرط. قال (ك): ثم ذلك الاستلزام إنما هو في موضعٍ لم يكن للشرط بدلٌ، فقد يكون لمشروطٍ واحدٍ شروطٌ متعاقبةٌ، كصحة الصلاة بدون الوُضوء عند التيمم. قلتُ: هذا ليس من الشَّرط اللُّغوي الذي يصير الشرط سببًا للمشروط. قال: أو المراد الناس جميعهم، فلا يصحُّ أنَّ الكلَّ اتخذوا رُؤساء جهالًا إلا عند عدَم العلماء، وذلك ظاهرٌ. قلتُ: هذا أصلَح من الجوابَين قبله، والأحسن في الجواب أن يُقال: إنَّ ذلك جرَى مَجرى الغالِب، فلا يُعمل بمفهومه. (اتخذ) أصله: ائتَخَذَ، فقلبت الهمزة الثانية تاءً، وأُدغمت في التاء بعدها. (رؤوسًا) بوَزْن فُعول جمعُ: رأْس، وتُروى: (رُؤَساءَ) بفتح الهمزة، والمدِّ: جمع رئيس. (جهالًا) أعمُّ من الجهْل البَسيط؛ وهو انتِفاء العِلْم، أو المركَّب؛ وهو انتفاؤُه مع اعتقاد خِلاف الواقع. (فسئلوا) بضم السين.

35 - باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم

(فضلوا) من الضلال مُقابِل الهداية، وهي الدَّلالة الموصِلة للبِغْية، ويدخل فيه القاضي أيضًا، لأن القضاء إفتاءٌ وزيادةٌ، وإنما لم يقُل: فضَلُّوا فأَفْتَوا فأَضَلُّوا، قصدًا لترتيب المَجموعِ على السُّؤال، أو يُقال: الضلال الذي بعد الإِفْتاء غير الضَّلال الذي قبلَه. واعلم أنَّه لا تَنافيَ بين هذا وبين حديث: "ولَنْ تَزالَ هذه الأُمةُ قائمةً على أَمْرِ اللهِ حتى يأْتيَ أَمْرُ اللهِ"، وأمثالِ ذلك؛ لأن الذي هنا بعد إتيان أمر الله، إنْ لم يُفسَّر أمر الله بالقيامة، أو عدَم بقاء العِلْم إنما هو في بعض المواضع كفي غيرِ بيت المقدِس أيضًا إنْ لم نُفسِّره به جمْعًا بين الأدلة. وفي الحديث: التحذير من اتخاذ الجُهَّال رُؤوسًا، وأنَّ آخِر الزمان يخلُو عن المُجتهد كما قاله الجمهور خلافًا للحنابلة. قال (ط): المعنى: لا يَهب الله تعالى العِلْم لخَلْقه ثم يَنْزِعه، تعالى الله أنْ يسترجع ما وَهَب من علْمه الذي يُؤدِّي إلى معرفته والإيمان به، وإنما يكون قبْض العِلْم بتضييع العِلْم، فلا يُوجد فيمَن يبقَى مَن يخلُف مَن مضَى، وقد أَنذَر - صلى الله عليه وسلم - بقبْض الخير كلِّه، ولا يَنطِق عن الهوى. * * * 35 - بابٌ هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمٌ عَلَى حِدَةِ فِي الْعِلْمِ (باب هل يجعل للنساء يومًا على حدة في العلم) رُوي (يجعل)

بالبناء للفاعل، فـ (يومًا) منصوبٌ، وعلى البناء للمفعول، فـ (يومٌ) مرفوعٌ. والحِدَة: الانفراد، والهاء عِوضٌ عن الواو، كعِدَةٍ. * * * 101 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لنا يَوْمًا مِنْ نفسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: "مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ"، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتيْنِ؟ فَقَالَ: "وَاثْنَتيْنِ". (ابن الأصبهاني) لم يُسمِّه هنا، وسماه في السنَد الثاني محافظةً على لفْظ الشيوخ. (قال النساء) وفي بعضها: (قالتْ)، لجواز الوجهين في فعل اسم الجمْع. (اجعل)؛ أي: صَيِّر، وإنْ كان لـ (جعل) وُجوهٌ، والمراد لازم التَّصيير، وهو التَّعيين. (يومًا) مفعولٌ به، لا مفعولٌ فيه. (من) ابتدائية مُتعلِّقةٌ بـ (اجعل)، أي: مَنْشأ الجعل اختيارك لا

اختيارنا، ويحتمل أن المراد: من وقْت نفسِك، فحُذف المضاف، ومحلُّه حينئذٍ نصبٌ صفةً لـ (يومًا)، أي: مُستقرًّا من نفْسك. (لقيهن فيه) صفة ليومًا. (فوعظهن) عطف على محذوفٍ، أي: فوفَّى فوعَدهنَّ، ولقيَهنَّ فوعظهنَّ، فهي الفاء الفصيحة. (وأمرهن) لم يُذكر له مفعولٌ، إما لإرادة اتحاد حقيقة الأَمر، فتكون كالفعل اللازم، وإما لإرادة عُموم المأمور به، ويحتمل أنَّ (أمرهن) من تتمَّة صفة اليوم، والفاء في: (فكان) فَصِيحةٌ، ويحتمل أن يكون (لقيهنَّ) استئنافًا. (منكن) حالٌ مقدمة. (امرأة) وفي بعضها: (من امرأَةٍ) بزيادة (مِن) توكيدًا. (تقدم) صفةٌ لامرأة. (إلا كان) خبر (امرأة)؛ لأن الاستثناء مفرَّغٌ، على تأْويل: كان باسمٍ، أي: كائن، وفيه ضميرٌ مذكرٌ، أي: كان ذلك الأَمر؛ لأن الولَد يكون ذكرًا، ويعود على مُطلَق الولد الشامل للنوعَين. (لها) تأنيث الضمير مع تقدُّم جمعٍ على معنى النَّسمة، أو النفس، وفي (كتاب الجنائز): (كُنَّ لها)، وهو ظاهرٌ. (حجابًا) خبر (كان)، ويُروى: (حجابٌ) على أنَّها تامةٌ، فيكون فاعلًا.

(قالت امرأة) هي أم مُبشِّر بتشديد المعجمة، كما هو عند البخاري، ويقال: أُم سُلَيم، كما عند أحمد، والطَّبَراني، وغيرهما، ويُقال: أم أَيمن، كما في "الأوسط" للطبراني. (فاثنين) وفي بعضها: (واثنتين)، وهو عطفٌ على ثلاثة، ويُسمى العطف التَّلْقيني على حَدِّ: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124]، أو عطفٌ على مقدَّرٍ دلَّ عليه السِّياق، أي: قالت: ومَن قدَّم اثنين، قال: ومن قدَّم اثنين. * * * 102 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "ثَلاَثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ". وإنما قدَّم الأول عليه لعُلوِّ سنده؛ إذ بين البخاري وشُعبة فيه واحدٌ، وفي الثاني اثنان. (عبد الرحمن) سماه هنا، وأَطلق في الأول، (ابن الأصبهاني) محافظةً على ألفاظ الشيوخ. (وعن عبد الرحمن) يحتمل أن يكون تعليقًا عنه، وبه جزم (ك)، ويحتمل أن يكون من مَروي شُعبة عن ابن الأَصبَهاني، فيكون متصلًا. (لم يبلغوا الحنث)؛ أي: زمَنَ يُخاف الحِنْث، بكسر المهملة،

36 - باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه

أي: الإثْم، ومن مات قبل البُلوغ لم يُكتب عليه إثم، وخص الصغار بذلك؛ لأن الوالدَين على الصغير أَرحَم، وموتُه عليهما أشقُّ، والكبير مَظِنَّة المُخالفة والعُقوق، فإنْ كان أبو هريرة رفعَه بزيادةِ: (لم يَبلُغوا الحِنْث)، فهو المقصود من سِياقه، ولكنه يحتمل أن يكون موقوفًا على أبي هريرة. قال (ط): وفي الحديث سؤال النِّساء عن أمر دينهنَّ، وجوازُ كلامهنَّ مع الرجال في ذلك، وقد أُخذ العلم عن نساء السَّلَف. قال (ك): وفيه جواز الوَعْد، وبيان الأَجر للثَّكلى، وإنما ذكر النِّساء في هذا الحكم مع أنَّ الرجال كذلك؛ لأنَّ الخِطاب كان لهنَّ، والتكليف شاملٌ للكلِّ، ما لم يدلَّ دليلٌ على تخصيص. * * * 36 - بابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا فَرَاجَعَ حَتَّى يَعْرِفَهُ (باب: من سمع شيئًا فراجعه حتى يعرفه)، وفي نُسخةٍ: (فرَاجَع فيهِ)، وفي أُخرى: (فَراجَع). 103 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ناَفِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -

قَالَ: "مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَوَ لَيْسَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ قَالَتْ: فَقَالَ: "إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ". هو ما استدركه الدَّارَقُطْني على البخاري ومسلم من حيث اختلاف الرِّواية فيه عن ابن أبي مُلَيكة، فرُوي عن عائشة، ورُوي عن القاسم عن عائشة. قال (ك): وهو استدراكٌ ضعيفٌ؛ لأنَّه محمولٌ على أنَّه سمعه عنها بواسطةٍ، وبدونها. (كانت لا تسمع) لا تَنافيَ بين (كان) الماضي، و (تسمع) المضارع؛ لأنَّ (كان) لثُبوت خبرها دائمًا، والمضارع للاستِمرار، أو أَتى بالمضارع حكايةً، لاستحضار الصورة الماضية. (إلا راجعت) استثناءٌ متصلٌ، و (راجعتُ) صفةٌ لمحذوفٍ، أي: لا تسمع شيئًا مجهولًا موصوفًا بصفة إلا موصوفًا بأنَّه مرجوع فيه. (وإن النبي - صلى الله عليه وسلم -) عطفٌ على (أنَّ عائشة)، وهذا القَدْر من كلام ابن أبي مُلَيكة مُرسلٌ، ولم يُسنده إلى صحابيٍّ. (أوَ ليس) عطفٌ على مقدَّرٍ بعد الهمزة، أي: أكان ذلك وليس بقول الله. قلتُ: وهذه طريقة الزَّمَخْشَري، و (ك) يُكرره كثيرًا، وقد سبق أن غيره يخالفه.

(يقول) هو خبر (ليس)، واسمها ضمير الشأْن، أو: أنَّ (ليس) بمعنى: لا، فكأنَّه قيل: أَوَلا يقول؟. (يسيرًا)؛ أي: سهلًا هيِّنًا ليس فيه مناقشةٌ كما في أَصحاب الشِّمال. ووجه استشكالها: أنَّ الحديث عامٌّ في تعذيب كل مَن حُوسب، والآية تدلُّ على عدم تعذيب بعضهم، وهم أصحاب اليَمين، وجوابه: أنَّ المراد بالحِساب في الآية العَرْض، أي: الإبْراز والإظْهار، وعن عائشة فيه أنَّه يُعَرَّف ذُنوبَه، ثم يُتجاوَز عنه. (ذلك) بكسر الكاف. (نوقش) المناقشة: الاستِقصاء في الحساب. (يهلك) بكسر اللام في الأَشهر، وهو مرويٌّ بالرفع والجَزْم؛ لأنَّ الشرط ماضٍ، ففيه الوجهان، والفعل لازمٌ، وتميمٌ تُعدِّيه فتقول: هلَكَه، بمعنى: أَهلكَه، ولكنَّ المعنى هنا على اللُزوم، ولو قيل بالتعدِّي لم يبعُد. قال (ن): مَن نُوقش الحساب عُذِّب، له معنيان: أحدهما: أن نفْس المناقشة هو التعذيب؛ لما فيه من التَّوبيخ. والثاني: أنَّه يُفضي إلى التعذيب بالنار؛ ويُؤيده رواية: (يَهلك)، والمراد أن التقصير غالبٌ على العباد، فمن استُقصي عليه ولم يُسامح هلك وأُدخل النار، لكن الله يعفو ويغفر ما دُون الشِّرك لمن يشاء، انتهى. وفي الحديث بيان فضل عائشة، وحرصها على التعليم والتحقيق، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يضجر من المراجعة.

37 - باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب

وفيه إثبات الحساب، والعرض، والعذاب، والتناوب فيه، وجواز المناظرة، ومقابلة السنة بالكتاب. * * * 37 - بابُ لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب)، (العلم) مفعولٌ ثانٍ (ليُبلِّغ) قُدم على الفاعل. (قاله ابن عبَّاس) كذا علَّقه هنا، ووصلَه في (الحج)، بدون لفْظ: (العلم)، فقصد هنا المعنى. * * * 104 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ -وَهْوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ-: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْح، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، حَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -

فِيهَا فَقُولُوا: إِنَّ الله قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نهارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ"، فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَناَ أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ. الحديث الأول: (لعمرو بن سعيد)؛ أي ابن العاصي القُرشي الأُموي، أبي عُثمان المدَني. (الأمير) الملقب بالأَشدق، خرج على عبد الملك، فخَدعه، وأَمَّنه، ثم قتله صبرًا سنة سبعين. (البعوث) بضم المُوحَّدة، جمع بعث، بمعنى: مَبعُوث، وهو الجند المرسَل لموضعٍ، فكان بيعتهم لقتال ابن الزبير بمكة. (قام به) صفةٌ لـ (قولًا)، أو معناه: قال به. (الغد)؛ أي: ثاني يوم الفتح. (سمعته أذناي) إلى آخره، للتأْكيد والمُبالغة في حفْظه وتيقُّنه. (حين) ظرفٌ لـ (قام)، وما بعده. (حمد الله) إلى آخره، بيان لقوله: (تكلم به)، أي: بالقول. واعلم أن تأنيث الفعل في (سمعت) و (أبصرت)؛ لأن ما في الإنسان من الأعضاء اثنين، فهو مؤنثٌ بخلاف القَلْب والأنف ونحو ذلك.

(حرمها الله) يحتمل كل محرم فيها، أو سفك الدماء، وعضد الشجر؛ لأنَّها المذكورة بعده، وأما حديث: "إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حرَّم مكَّة" فمعناه: أنَّه بلَّغ تحريم الله وأظهره بعد أنْ كان لمَّا رُفع البيت المعمور إلى السماء وقت الطُّوفان، واندرس، ونُسي، وإلا فهي محرمةٌ من يوم خلق الله السماوات. (ولم يحرمها الناس)؛ أي: أنَّه بوحي لا باصطلاح الناس. (لامرئ) عينه تابعةٌ للامه في الإعراب، وهو من النوادر، كما سبق. (يؤمن بالله واليوم الآخر)؛ أي: القيامة، إشارةٌ إلى المبدأ والمَعَاد، وكلُّ ما يجب الإيمان به لا يخرج عنهما، وليس في ذلك أن الكفار غير مخاطبين بفُروع الشريعة؛ لأنَّه من باب التَّهييج، وأن الذي ينقاد للأحكام وينْزجر هو المؤمن، أو الإيمان هو العِلَّة في عدَم مخالفة أمر الله. (يسفك) بكسر الفاء في المشهور، وحكي الضم، فروي بهما، والإشارة به إلى القتل. (ولا يعضد) بالكسر، أي: يُقطَع، قال (ك): إنَّه مثل يسفك، أي: فيكون فيه الضم أيضًا، و (لا) زيدت توكيدًا، وهذا يشمل ما يستنبته الآدمي وغيره، والثاني وفاقٌ، وفي الأول اختلافٌ. (فإن أحد) مرفوعٌ بفعلٍ محذوف مفسَّر بما بعده، ونحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6]، والحذف واجب؛ لئلا يجمع بين المفسِّر والمفسَّر.

(ترخص) الرخصة: ما غير من الحكم تخفيفًا لعذر، مع قيام الموجب للأول لولا العذر. (لقتال) تعلَّق به مَن قال: فُتحت مكة عنوةً، أي: قهرًا، وجوابه عند القائل: فُتحت صُلْحًا: أن المعنى ترخَّص بحل القتال؛ لأنَّه أُحلَّ له ساعة، ولا يلزم من حل الشيء وقوعه، نعم، هو - صلى الله عليه وسلم - دخلها متأَهبًا لو احتاج للقتال لقاتَل، ولا يعرف أنَّه - صلى الله عليه وسلم - نصب لهم حَرْبًا، فطعَن برُمحٍ، أو رمى بسهمٍ، أو ضرب بسيفٍ، ونحو ذلك، وأما قتْل مَنِ استحق القَتْلَ خارجَ الحرم في الحرم، فليس من معنى القتال في شيءٍ. (أذن) مبنيٌّ للمفعول، ويروى أيضًا بالبناء للفاعل. (لي) ليس عذر له عن قوله له من الالتفات؛ لأنَّه حكايةٌ لقول المترخص، وهذا جوابه، وقضية الالتفات اتحاد السياق، إلا أن تقدر، فإن ترخص أحدٌ بقتالٍ فوضع لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيحتمل أن يجعل التفاتًا. (ساعة)؛ أي: مقدارٌ من الزمن في يوم الفتح. قلتُ: وفي كتاب "الأموال" لأبي عُبيد: أن المعنى هذه الساعة من الغَداة إلى العصر، نعم، حِلُّ عَضْد الشجر، لا يُعرف في ذلك اليوم. (حرمتها)؛ أي: تحريمها المقابل للإذن. (اليوم) الظاهر المراد به الزمان الحاضر، سوى اليوم المعهود، وهو من الطلوع إلى الغروب، أو أكثر منه، ويكون الأمس ما قبل

ذلك، ويحتمل أن يُراد اليوم المعروف، يعني: يوم الفتح؛ لأن العود كان فيه لا في غيره، فاللام للعهد، وكذا العهد في الأمس. (ما قال لعمرو)؛ أي: في جوابك. (لا يعيذ)؛ أي: لا يعصم، وأوله مُثنَّاة إن عاد الضمير لمكة، وياء إن عاد للحرم. (عاصيًا) أي: كالظالم. (فارًّا بدم)؛ أي: ملتجئًا بالحرم أن لا يقتص منه. (بخربة) بفتح الخاء المعجمة، وسكون الراء، وبمُوحَّدةٍ على المشهور، ويُقال بضم المعجمة، وبكسرها: السَّرِقة، وأصلها سَرِقة الإبل، وتُطلق عَلى كل خيانةٍ، وقال الخَليل: الفَساد، قال الشاعر: والخارِبُ اللِّصُّ يُحبُّ الخارِبَا وفي بعض الروايات -بعد: بخربة- (يعني: السرقة)، وفي بعضها: (خيانة، وبلية)، وفي بعضها: (يجزيه)، بالجيم المكسورة، والزاي، وبياء. قال (ط): من روى بالضم أراد الفساد، وبالفتح أراد السرقة، وقال: اختلفا في تأْويل الحديث، فأبو شريح حمله على العموم لظاهر الحديث، ونهى عمرًا عن إرسال الخيل إلى مكة، وابن الزبير أولى بالخلافة من يزيد بن عبد الملك؛ لأنَّه بُويع قبله، وهو صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحمل عمرو الحديث على الخُصوص، بدليل أنَّ من أصاب حدًّا ثم لجأ إلى الحرم لا يُعصم، ولكن ليس هذا موضع

خلاف أَبي شُريح، إنما مراده: بعث الخيل، ونصب القتال، والحرب عليها، فحادَ عمْرو عن هذا، وجاوبَه على غير سؤاله، وقد اختُلف في العمل بتأويل الصحابي ما رواه؛ لأنَّه أعلم بمخرجه وسببه، أو لأنَّه هو وغيره سواءٌ في الاجتهاد فيه. قال: وفي الحديث وجوب إنكار العالم على الأمير إذا غير شيئًا من الدين، وإن لم يسأل عنه. وقال الطِّيْبِي: قول عمرو: أنا أعلم منك، أي: بموقع الحديث وإنْ كان سماعُك وضبْطه صحيحٌ في معنى المقاتلة، ولكن الذي أنا بصدَده إنما هو قتْل من استحقَّ، والتَجأَ إلى الحرَم، فصح جوابه له، على خلاف ما سبق عن (ط). وقال (خ): ظاهر الحديث تحريم الدماء كلها، بحق وبغير حق، ويؤكده: (وإنما أُذِنَ لي ساعةً)، أو ليس المراد أنَّه أُبيح له دم كان حرامًا عليه، لا في ذلك اليوم ولا غيره، وقد التزم قوم ذلك في الجاني إذا فرَّ إلى الحرم لا يُقتص منه حتى يخرج، نعم، إن كان ما جناه في الحرَم اقتُصَّ منه. وفي "الأحكام السلطانية" للماوردي عن بعض العلماء: أن البُغاة إذا كانوا في الحرم لا يُقاتَلون فيه، بل يُضيَّق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة، وقال الجمهور: يُقاتلون حتى يُردُّوا عن بغيهم؛ لأنَّه حق الله تعالى فلا يضيع، فحفظها في الحرَم أَولى من إضاعتها. وقد نص الشافعي في "اختلاف الحديث" من "الأم" على جواز

قتالهم، وقال القَفَّال في "شرح التلخيص" -أول النكاح-: لا يجوز القتال بمكة، حتى لو تحصن بها كفارٌ لا يُقاتلهم، قال (ك): وهو بعيدٌ. قال: وفي الحديث أيضًا رعاية الرفق على الأمير، فإنَّه استأذن في الحديث، وذكر توكيداتٍ في كلامه، وتقديم الحمد، وشرَف مكة، وإثبات القيامة، واختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجواز القياس على الرسول لولا العلم بخصوصيته، وجواز الفَسْخ، أو نَسْخ الإباحة للرسول بالحرمة، وجواز المجادلة، ومخالفة التابعي للصحابي بالاجتهاد. * * * 105 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ذُكِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "فَإِنَّ دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ"، وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ ذَلِكَ: "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ"، مَرَّتَيْنِ. الحديث الثاني: (عن أبي بكرة) يريد أن عبد الرحمن بن أبي بكرة نُفيع يروي ذلك عن أبيه، قال الغساني في كتاب "تقييد المهمل": وفي بعض

النُّسَخ: (عن محمد، عن أبي بكرة)، وفي بعضها: (محمد بن أبي بكرة، عن أبي بكرة)، وكلاهما وهمٌ فاحشٌ. (ذكر)؛ أي: ما يأتي، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الذِّكر الذي يكون بعد النِّسيان. (إن دماءكم) عطف على ما سبق من الحديث بطوله في (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: رب مبلغ): أي يوم هذا؟ فسكتنا، إلى أن قال: "فإن دماءكم"، ويسمى هذا الخرم كما سبق، وسببه هنا الاقتصار على المقصود، وهو بيان التبليغ. (قال محمد)؛ أي: ابن سيرين. (وأحسبه)؛ أي: أظن ابن أبي بكرة زاد في الرواية. (وأعراضكم) فهو عطف على (دماءكم)، والجملة معترضة بين اسم (إن) وخبرها، وظنه ذلك في رواية أيوب عنه، وجزمه هنا في رواية ابن عون عنه، إما لأن الظن متقدم، ثم حصل الجزم، وإما لأن الجزم متقدم، ثم حصل تردد وظن. (عليكم) معناه مالُ بعضٍ حرام على بعضٍ، لا أنَّ مال الشخص حرامٌ عليه، يدلُّ على ذلك العقل، ويؤيده رواية: (بينكم) بدل (عليكم)، والمراد بالعِرْض الحسَب، وهو وإن كان يُطلق على النفْس لكن ليس مرادًا هنا؛ لئلا يلزم تكرار الأَعراض مع الدماء، كما قاله البَغَوي.

وقال الطِّيْبِي: الظاهر من الأعراض الأخلاق النفسانية. (كان ذلك) بيانٌ لقوله: (صدق)، لكن الإشارة إن كانت لقوله: (ليبلِّغ)، فهو أمر، والتصديق إنما يكون للخبر، إلا أن تكون الرواية: (ليبلَّغ) بفتح اللام، والرفع، فيبقى خبرًا، أو أن الأمر معناه الخبر، وأن المراد الإخبار بأنَّه سيقَع التبليغ، فتصح الإشارة إليه، ويحتمل أن الإشارة إلى ما في آخر الحديث من قوله: (عَسَى أنْ يُبلِّغ مَن هو أَوْعَى منه)، أو إلى قوله: (ألا هل بلغت)، أي: وقع التبليغ كما في قوله: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]. (ألا هل بلغت) بالتخفيف في (ألا)، أي: ألا يا قوم، هل بلَّغتُ؟ أي: امتثلت قوله تعالى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67]. (مرتين) متعلِّقٌ بـ (قال) مقدَّرةٍ، أي: قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك مرتين، وإنما لم يجعل تتمة (قال) المذكورة، ويكون: (وكان محمد ...) إلى آخره، جملةً معترضةً = لئلا يلزم أنْ يكون مجموع هذا الكلام مقولًا مرتين، ولم يثبت ذلك. وفي الحديث بيان حرمة القتل، والغَصْب، ونحوه، والغِيبة، وفيه تكرار الكلام للتوكيد. وسبق بيان أمورٍ أُخرى في الحديث في الباب المذكور. قال (ط): لما أخذ الله تعالى الميثاق على أنبيائه بتبليغ دينه لأُممهم، وجعل العلماء ورثة الأنبياء، وجب عليهم التبليغ والنَّشر، حتى يظهر الدِّين على جميع الأديان، وكان في زمنه فرض عين،

38 - باب إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -

والآن فرض كفايةٍ لحصول الانتشار. * * * 38 - بابُ إِثمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -) 106 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِج النَّارَ". (لا تكذبوا عليَّ) الكذِب عدَم مطابقة الخبر للواقع، سواءٌ طابَق الاعتقاد أو لا، وقيل: عدَم مطابقة الاعتقاد، طابق الواقع أو لا، وقيل: عدم مطابقتهما، كما أنَّ الصِّدق مطابقتهما، فبينهما واسطةٌ، ومعنى: (عليَّ) نسَب الخبر إليَّ كاذبًا، لا أنَّ بين: (كذَب عليه)، و (كذَب لَه) فَرقًا، ويدخل الكذب على الله في الكذب على رسوله؛ لأن خبره عن الدين خبر الله. واعلم أن الكذب من حيث هو معصيةٌ، سواءٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو على غيره، والعاصي في النار، ففائدة الوعيد على الكذب عليه أنَّ عذابه أشدُّ من عذاب مَن كذب على غيره، لكونه مقتضيًا شرعًا عامًّا إلى يوم القيامة، ففيه من المفسدة ما لا ينحصِر، أو أنَّ الكذب عليه كبيرةٌ، وعلى

غيره صغيرةٌ، والصغائر تكفَّر عند اجتناب الكبائر، أو أن المراد من قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23]: عصيانه بالكبيرة. (فيلج النار) وجه تسبب الجزاء هنا على الشرط: أن المُسبَّب هو لازم الأمر بالوُلوج، وهو الإلزام به، إلا أنْ يكون الكذِب سببًا للأمر به؛ لأنَّه إنما هو سبَب الوُلوج نفسه. قال (ن): في الحديث أن هذا جزاؤه، وقد يجازى، وقد يعفو الله عنه، فلا نقطع بدخوله النار، وكذا كل وعيدٍ لكبيرةٍ غير الكفر، وإنْ جُوزي بدخول النار، فلا يخلَّد في النار بل لا بُدَّ من خروجه بفضل الله ورحمته. * * * (باب) كذا في نسخةٍ شرَح عليها (ك)، وفي كثيرٍ لفظ: (باب) هنا ساقطٌ، فعلى الثبوت: 107 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لاَ أَسمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ

مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (لا أسمعك)، وفي بعضها: (إني لأَسمعُك). (تحدث) حذفت مفاعيله الثلاثة. (أما) بتخفيف الميم، حرف تنبيهٍ. (لا أفارقه) المراد نفي المفارقة العُرفية، أي: الملازمة حضَرًا وسفَرًا، على عادة مُلازمة الملوك، وهو وإنْ هاجر للحبشَة لكن ذلك قبل ظُهور شوكة الإسلام، أو أن المراد: في أكثر الأحوال. (لكني) في بعضها: (لكنَّني)؛ لأن نون الوقاية مع (لكن) تُحذف وتُذكر، ووجه الاستدراك هنا: أن من لازِم عدَم المفارقة السماع، ولازِم السماع الحديث، ولازِم ما رواه من ذلك أن لا يحدث، فبين اللازمين مُنافاةٌ. (يقول) سبق مراتٍ وجْهُ الجمع بينه وبين (سمعت) بلفْظ المضيِّ: أنَّه إما استحضاره للسامعين، أو حكاية الحال. (فليتبوأ) بسكون اللام في المشهور، وإنْ كان الأصل كسرها، والتَبَوُّؤ: اتخاذ المَبَاءَة، أي: المنْزِل، يُقال: تبوَّأ المكان: اتخذه موضعًا لمقامه. وقال الجَوْهَري: تبوَّأْتُ منْزلًا، أي: نزلته، وهذا ظاهر الأمر، ومعناه الخبر، أي: إن الله يُبوِّئه مقعدَه من النار. قال (خ): إنما خاف الزبير من ذلك أن يزلَّ أو يُخطئ، فيكون كذبًا، حيث لم يتيقَّن أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قالَه، لا أنَّه خاف أن يتعمد الكذب عليه.

ففي الحديث أنَّه لا يجوز التحديث عنه بالشك وغالب الظن، حتى يتيقن سماعه. وقال (ط): الأمر بالتبوُّؤ إن كان للكاذب فله إلى تركه سبيل، أو لله تعالى، فأمر العبد بما لا سبيل إليه غير جائز، وأجيب بأنَّه بمعنى الدُّعاء، أي: بوأه الله. ثم هذا الوعيد هل يعم كلَّ كاذبٍ عليه، أو خاصٌّ بمن كذب في الدِّين، فيُنسب إليه تحريم حلالٍ، أو تحليل حرامٍ، فيه خلافٌ، والأرجح العموم. وقيل: إنما كان هذا في رجلٍ بعينه كذَب عليه، فادعى عند قومٍ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - بعثَه إليهم للحُكم فيهم. وقال الطِّيْبِي: الأمر بالتبوُّؤ تهكُّمٌ وتغليظٌ، إذ لو قيل: كان مقعده في النار لم يكُن فيه هذا التغليظ، وأيضًا ففيه معنى أنَّه يقصد في جزاء الذَّنب، كما قصَد في نفْس الذَّنب حيث تعمَّد. قلت: لكن المَحفوظ في حديث الزبير أنَّه ليس فيه: متعمِّدًا، وقد رُوي عن الزُّبير أنَّه قال: واللهِ ما قال: مُتعمِّدًا، وأنتم تقولون: متعمِّدًا، قاله المنذِري في "مختصر السنن". قال (ك): ويحتمل أنَّه على حقيقته، وأنَّه يلزم بالتبوُّؤ أنْ لو قصد الكذب، ولكن لم يكن في الواقع كذب، فإنَّه يأْثم بقصد المعصية، لا بها نفسها؛ لأنَّها لم تقَع. واعلم أن هذا الحديث في نهاية الصحة، وقيل: إنَّه متواترٌ، قال

الصَّيْرفي في "شرح رسالة الشافعي": رُوي عن أكثر من ستِّين صحابيًّا، منهم العشرة، قال: ولا يُعرف في غيره. قلتُ: قد اجتمع العشرة في حديث رفْع اليدين، والمسح على الخفين، وقال بعضهم في حديثِ: "من كذَبَ عليَّ"، رواه مئتان من الصحابة. قال ابن الصلاح: ثم لم يزل عدده في ازدياد على الاستمرار، وليس في الأحاديث ما في مرتبته من التواتر، ولا للمتواتر مثالٌ إلا هو. وقال (ك): تواتره معنويٌّ. قال (ن): ومن فوائده: أن الكذب: الخبر عن الشيء بخلاف ما هو أعم من العمد والشهود، كما هو قاعدة أهل السنة، وتحريم الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم -، وأن الكذب فاحشةٌ عظيمةٌ، لكن لا يَكْفُر به إلا من يستحلُّه خلافًا لقول الشيخ أبي محمَّد الجُوَيني: يكَفْرُ ويُراق دمه، ومن كذب عليه ثم تابَ وحسُنت توبته تُقبل روايته بعد ذلك، جريًا على القواعد، خلافًا لقول أحمد، وجماعةٍ من أصحابنا: لا تُقبل روايته أبدًا، ثم يحتم جرحه. وقد أجمعوا على قبول الكافر إذا أسلم، ولا فرق في تحريم الكذب عليه بين الأحكام، والكذب في الترغيب والترهيب، خلافًا لتجويز الكرَّامية وَضْعَ الحديث فيما لا حكمَ له، فالزبير إنما خاف الغلَط، أو النِّسيان، وإنْ كان لا إثمَ عليه، فقد يُنسب لتفريطٍ بتساهلٍ،

أو نحوه، بل الناسي قد يؤاخذ بغرامة المتلَفات، وانتقاض الطهارات، ونحو ذلك. * * * 108 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (أن أحدثكم) هو المفعول الثاني لـ (يمنع)، وفاعله: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم -) إلى آخره، ومعنى قوله: (حديثًا كثيرًا)، أي: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه إذا أُطلق الحديث فالمراد به ذلك. وعبارة (ك) في إعراب ذلك فاسدةٌ يحتمل أنَّها من الناسخ. ومعنى كون هذا الحديث يمنعه من الحديث الكثير وإنْ كان لا يمنع الصادق: أنَّه يجرُّ إلى الوقوع في كَذِب، "فإنَّ مَنْ حامَ حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يقَعَ فيهِ" وإنْ لم يكن بالقصد. (كذبًا) نكرةٌ في سياق الشَّرط، فيعمُّ كما في سِياق النفي. * * * 109 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أقلْ فَلْيتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

(ما لم أقل) حذف مفعوله، أي: أقله، وهذا الحكم لا يختص بالقول، فمن نسب إليه فعل لم يفعله كان كذلك، إذ لا فرق. (من النار) يحتمل أن تكون (من) بيانيةً، وأن تكون ابتدائيةً. واعلم أن هذا الحديث من ثلاثيات البخاري، أي: بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ثلاثةٌ، وهذا أعلى ما له. وفي الحديث كما قبله من تعظيم أمر الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - ما لا نهايةَ له، فلقد كان كثيرٌ من الصحابة والتابعين يمتنع من إكثار التحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خوفًا من الزيادة والنقصان والغلَط، حتى إنَّ من التابعين من كان يُهمل رفع المرفوع، فيوقفه على الصحابة، ويقول: الكذب عليه أهون من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودار بين الزُّهري وربيعة مُعاتبةٌ، فقال ربيعة للزُّهري: إنما أنا أُخبر الناس برأيي، وأنت تُخبرهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانظر ما تخبرهم به. * * * 110 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أبي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتي، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (تسموا) تفعَّلوا، إما على حقيقته، أو بمعنى: سمُّوا. (تكنوا) من الكنية، كأبي زيد، وهو تَفعُّل، وفي نسخةٍ من الفِعْل،

وفي نُسخةٍ من الافتِعال، والكلُّ صحيحٌ. قال الجَوْهَري: أن تتكلم بشيء وتريد غيره، يقال: كنَيتُ، وكَنَوت بكذا، وعن كذا، والكنية والكِناية بالضم والكسر، وكُنِّي فلانٌ بكذا، وكنَّيتُه أبا زيد، وبأبي زيد، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمه: محمد، وكنيته: أبو القاسم، ولقبه: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسيد المرسلين. قلت: هذا مثالٌ، وإلا فله غير هذا الاسم والكنية واللَّقب. وفي التكني بكنيته خلاف، فمنع أهل الظاهر التكنية بأبي القاسم مطلقًا؛ لظاهر هذا النهي ونحوه. وجوَّزه مالك مطلقًا؛ لأنَّ هذا إنما كان في زمنه للالتباس، فرُوي أن رجلًا نادى: يا أبا القاسم، فالتفت له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لم أَعْنِكَ، بل عَنَيتُ فُلانًا، ثم نُسخ فلم يبق التباسٌ. وقال جُرير: النهي للتنزيه، لا للتحريم. وقال جمعٌ من السلَف: النهي مختصٌّ اسمه محمد، أو أحمد؛ لحديث: "نَهى أَنْ يُجمَع بين اسمِهِ وكُنْيتِه"، وزاد بعض مَن منع مطلقًا أن يُسمى ولده بقاسِم، بل منَع بعضهم التسمية بمحمدٍ، سواءٌ كان له كُنيةٌ، أو لا؛ لحديث: "تُسمُّون أَولاكُم محمَّدًا، ثم تَلْعَنونَهم". قلت: تُعارضه أحاديث: "تَسَمَّوا باسمِي"، "خيرُ الأسماء ما حُمِّد"، ونحو ذلك. (فقد رآني) مغايرتُه للشرط حتى يصحَّ وقوعه جوابًا، إما على

تقدير محذوفٍ، أي: فليَستبشر بأنَّه قد رآني، أو أن الثاني مرادٌ به بُلوغ غاية الكمال، كما في: "فمَنْ كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِه"، كما سبق. ثم قال القاضي أبو بكر الباقِلَّاني: إن معنى الرؤية هنا أنَّها رؤيةٌ صحيحةٌ، لا أضغاث أحلامٍ، ولا من تشبيهات الشيطان، وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة، كمن يراه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمنٍ واحدٍ، أحدهما في المشرق، والآخر في المغرب، يراه كلٌّ في مكانه. وقال قومٌ: الحديث على ظاهره، ولا مانع من حقيقته؛ فإن العقل لا يُحيله حتى يؤوَّل، وأما قوله: قد يُرى على خلاف صفته، أو في مكانين، فذلك لأن التغيير في صفاته لا في ذاته، فتكون ذاته مرئيةً، وصفاته متخيلةً، والرؤية أمرٌ يخلقه الله تعالى في الحي، لا بمواجهةٍ، ولا تحديق بصرٍ، ولا كون المرئي ظاهرًا، بل الشرط كونه موجودًا فقط، حتى تجوز رؤية أعمى الصين من في قبة الأندلس، ولم يقم دليل على فَناء جسمه - صلى الله عليه وسلم -، بل الحديث يقتضي بقاءه. وقال الغزالي: ليس معناه أنَّه رأى جسمي وبدني، بل رأى مثالًا يتأدَّى به المعنى الذي في نفسي إليه، بل البدن في اليقظة أيضًا ليس إلا آلة النفس، فالحقُّ أن ما يَراه مثالُ حقيقةِ روحه المقدَّسة، التي هي محل النُّبوَّة، لا نفس روحه، ولا شخصه.

39 - باب كتابة العلم

قال (ك): الأوسط من الثلاثة أرجح، فخير الأمور أوسطها. قال (ع): خُصَّ - صلى الله عليه وسلم - بأن رؤيته صحيحةٌ، لا يتصور الشيطان في صورته؛ لئلا يكذب على لسانه في النوم، فخرق الله العادة للأنبياء بالمعجزة. قال البَغَوي: رؤياه حقٌّ، وكذا جميع الأنبياء والملائكة، نعم، مَن رآه في المنام لا يصدُق عليه صحابي؛ لأن المراد من الصحابي: أن يَراه الرؤية المعهودة في حياته في الدنيا؛ لأنَّه مخبرٌ عن الله، وما كان مخبرًا عنه إلا في الدنيا، لا في القبر، ولهذه مدَّته ثلاث وعشرون سنةً على أنَّه لو التزم إطلاق الصحابي له لجاز، قاله (ك)، ولا يُستدلُّ بما يرويه عنه الرائي له في المنام؛ لأن شرط الراوي أن يكون ضابطًا عند السماع، والنوم ليس حالة ضبطٍ. * * * 39 - بابُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ (باب كتابة العلم) 111 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لاَ، إِلَّا كِتَابُ اللهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ،

وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. (م د ت). (سُفْيان) يجوز أن يُريد به الثَّوري، وأن يُريد به ابن عُيَينة؛ لأنَّ وكيعًا يروي عنهما، وهما يرويان عن مُطرِّف، ومثل هذا الالتباس لا يَقدح؛ لأن كلًّا منهما إمامٌ حافظٌ على شرط البخاري، وهو يروي عنهما كثيرًا. نعم، قال الغَسَّاني في "تقييد المهمل": إن هذا الحديث محفوظٌ عن ابن عُيينة، وقال أبو مسعود الدمشقي: إن هذا ابن عُيينة، ولم يُنبِه عليه البخاري. قال: وقد رواه يَزيد العَدَني -أي: بفتح المهملتين والنون-، عن الثَّوري أيضًا. (عندكم) إما خاطب به عليًّا بالجمع تعظيمًا، أو إرادة مع سائر أهل البيت، أو للالتفات من خطاب المفرد للجمع، إذ مثله التفاتٌ نحو: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: 1]، ولا فرقَ بين الانتقال حقيقةً، أو تقديرًا عند الجمهور. (كتاب)؛ أي: مكتوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ووجه السؤال أنَّ الشِّيعة كانوا يزعُمون أنَّه - صلى الله عليه وسلم - خصَّ أهل البيت -لا سيَّما عليًّا - بأسرار من الوحي، أو لأنَّه كان يرى منه علمًا وتحقيقًا لا يجده عند غيره، فسأله.

(إلا كتاب الله) بالرفع. (فهم)؛ أي: فهم من فحوى الكلام، ويدرك من بواطن المعاني بالاستنباط، والناس يتفاوتون فيه، وهو من بقية الاستثناء المتصل؛ لأنَّه من توابع الكتاب. (أعطيته) بالبناء للمفعول، ومفعوله الأول هو نائب الفاعل، والثاني هو الضمير. (الصحيفة)؛ أي: الكتاب، وكانت معلقةً بقبضة سيفه، إما احتياطًا، واستحضارًا، أو لانفراده بسَماعها، أو للإشعار بأن مصالح الدُّنيا ليست بالسيف وحده، بل إما بالقتل، أو الدِّيَة، أو العَفو، فلا يوضع السَّيف في موضع النَّدى، بل يوضع كلٌّ في موضعه. (فما) في بعضها: و (ما) -بالواو- وهي استفهامية، بخلاف (ما) السابقة. (العقل)؛ أي: الدِّيَة؛ لأن إبلها تعقل بفناء دار المستحِقِّ، والمراد بيان أحكام ذلك. (وفكاك) -بكسر الفاء-: ما يفتك به، أي: يخلص، يقال: فكَّه، أو افتكَّه بمعنىً، قال القَزَّاز: إنَّه بالفتح أفصح. (الأسير) فعيلٌ بمعنى: مأسور، من أَسَره: شدَّه بالإسار، وهو القِدُّ، بكسر القاف والمهملة؛ لأنَّهم كانوا يشدُّون الأسير به، ثم سُمي كل مأْخوذٍ أسيرًا، وإن لم يشدَّ به، والمراد أن فيها حكمه، والترغيب في تخليصه، وأنَّه من البر الذي يهتم به.

(وإن لا يقتل) في بعضها: (ولا يُقتَل)، وعطف الجملة حينئذٍ على مفرد بالتأْويل، أي: وفيها حُكم حرمة قصاص المسلم بالكافر، ونحوه: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]. ففيه دليلٌ على منع قتل المسلم بالذِّمي، وعليه الشافعي، ومالك، وأحمد، خلافًا لأبي حنيفة، تعلُّقًا بما رَوى عبد الرحمن البَيْلَماني: أنَّ رجُلًا مِن المُسلمين قتَلَ ذِمِّيًّا، فأَمر به - صلى الله عليه وسلم - فقُتل. قال البَيْضاوي: هو منقطعٌ لا يحتجُّ به، وأيضًا زعموا أن القاتِل كان عمرو بن أُميَّة، وهو قد عاش بعد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سنين، وأيضًا فمتروكٌ بالإجماع؛ لأنَّه روي أن الكافر كان رسولًا، فيكون مستأْمنًا، وهو لا يُقتل به المسلم اتفاقًا، وإن صحَّ فمنسوخٌ؛ لأنَّه رُوي أن ذلك كان قبل الفتح، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح في خُطبته على درج البَيت: "ولا يُقتَلُ مُؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذُو عَهدٍ في عَهْدِهِ". قال: ومعنى كلام علي - رضي الله عنه - أنَّه ليس عندي سوى القرآن، وأنَّه لم يخصَّ بالتبليغ والإرشاد قومًا دون قومٍ، وإنما التفاوُت في الفهم، واستعداد الاستنباط، واستثنى ما في الصَّحيفة احتياطًا؛ لاحتمال أن يكون فيها ما لا يكون عند غيره، وقيل: كان فيها من الأحكام غير ما ذكر، ولكنه اقتصر على ذكر المقصود حينئذٍ، أو ذكره ولكن لم يحفظه الراوي. قال (ط): وفيه ما يقطَع بدعة المتشيِّعة أن عليًّا - رضي الله عنه - وصيٌ، ومخصوصٌ بعلمٍ لا يعرفه غيره، ققال: ما عندي إلا ما عند الناس، ثم

أَحالَ على تفاوُت درجاتهم في الفهم. قال (ك): وفيه إرشادٌ إلى أن العالم له أن يستخرج بفهمه من القرآن ما لم يكن منقولًا عن المفسرين بشرط موافقة الأصول الشرعية، وإباحةُ كتابة الأحكام وتفسيرها، وجواب السؤال عن الإمام فيما يتعلق بخاصته. * * * 112 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ خُزَاعَةَ قتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَخَطَبَ فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ -أَوِ الْفِيلَ شَكَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ- وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، ولم تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نهَارٍ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ؛ إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ"، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اكتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: "اكْتُبُوا لأَبِي فُلاَنٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلَّا الإذْخِرَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتنَا وَقُبُورِناَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إلَّا الإذْخِرَ، إلَّا الإذْخِر". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يُقَالُ: يُقَادُ بِالْقَافِ، فَقِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: أَيُّ

شَيْءٍ كتَبَ لَهُ؟ قَالَ: كتَبَ لَهُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ. (خُزَاعَة) بضم المعجمة، وبالزاي: حيٌّ من الأَزْد، سميت بذلك؛ لأن الأزْد لمَّا خرجوا من مكة وتفرَّقوا خزعَتْ، أي: تخلَّفتْ، وأقامت بمكة. (رجلًا) سماه ابن هشام: جُنَيْدِب بن الأَكْوَع. (بقتيل) سماه ابن إسحاق: منبه الخُزاعي. (فأخبر) بالبناء للمفعول. (راحلته) هي الناقة التي تصلُح أن ترحل، ويقال: المركوب من الإبل، ذكرًا كان أم أنثى. (الفتك) بالفاء: سفك الدم على غفلةٍ، وفي بعضها: (القتل) بالقاف واللام. (أو الفيل)؛ أي: الذي أرسل الله تعالى على أصحابه طير الأَبابيل، تَرميهم بحجارةٍ من سجِّيلٍ حين قربوا من مكة. (واجعلوا) يحتمل أنَّه من قول أبي نُعَيم للسامعين، أي: اجعلوا هذا اللفظ على الشك، وفي نسخة: (قال أبو عبد الله -أي: البخاري-: اجعلوا)، فيكون من مقوله، أي: أما عن أبي نُعَيم فجازمٌ بأنَّه الفِيْل، بالفاء واللام، وصوَّبه بعضهم، والمراد أنَّه جنس أصحاب الفيل، أو جنس الفيل نفسه، كما هو معروفٌ في قصته. (سلط) بالبناء للفاعل، أو للمفعول.

(عليها)؛ أي: مكة، وفي نسخة: (عليهم)، أي: أهلها. (والمؤمنون) بالواو، فإن بُني (سُلِّط) للمفعول؛ فهو عطفٌ على نائب الفاعل، وإلا فمبتدأٌ، أي: والمؤمنون كذلك. (ألا) حرف تنبيهٍ. (وإن) عطفٌ على مقدَّرٍ، أي: ألا إنَّ الله حبَس، وأنَّها لم تحلَّ، وإلا فترك العطف هو الأصل، كما في: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: 12]، والمراد بحِلِّ مكة حِلُّ القِتال فيها. (ولا تحل لأحد بعدي) في بعض النُّسَخ: (ولم تحلَّ)، وهو مشكلٌ لأنَّ: (لم) تَقلب إلى الماضي، فهو ينافي: (بَعْدِي)، إلا أنْ يُؤوَّل بأنَّه لم يحكم الله في الماضي أن تحلَّ في المستقبل. (ساعتي) سبق بيانها قريبًا. (حرام) إخبارٌ عن مكة، وهي مؤنَّثٌ؛ لأنَّه وإن كان صفةً مشبهةً في الأصل لكنْ غلبت الاسمية عليه، فتساوى في الإخبار به المذكر والمؤنث، أو أنَّه مصدرٌ يخبر به عن الكل بلفظٍ واحدٍ. (يُختلى)؛ أي: يُجزُّ ويُقطع. (شوكها)؛ أي: فالشجر من باب أولى. (يعضد)؛ أي: يقطع. (ساقطتها)؛ أي ما سقط بغفلة المالك، أي: اللقطة. (لمنشد)؛ أي: معرّفٍ، أما طالبها فناشدٌ.

قال البغوي: الحديث مخصوصٌ بغير المؤذي من الشوك، كالعَوسَج، فإنَّه لا بأس بقطعه، كالحيوان المؤذي، واليابس، كما في الصيد الميت، من باب التخصيص بالقياس، وأما اللُّقطة فهو دليل لأصح قولي الشافعي: أنَّه ليس لواجدها غير التعريف، ولا يملكها. قال: وخالف مالك والأكثرون فسوَّوا بينها وبين لُقطة غير الحرم في جواز التعريف والتملك، وقالوا معنى: (إلا لمنشِد): أنَّه يُعرِّفها كما يعرفها في سائر البقاع حولًا كاملًا؛ لئلا يتوهم أنَّه إذا عرفها في الموسم فلم يظهر مالكها يتملك من غير اعتبار حولٍ، لكن المقام بيان فضل مكة، وحينئذٍ فلا يبقى لها خصوصيةٌ. ويجوز رعي البهائم في كلأ الحرم، خلافًا لأحمد وأبي حنيفة. (فمن قتل ...) إلى آخره، هو بالبناء للمفعول، وليس المراد أن القتيل يخير، بل على تقدير محذوف، أي: فالمستحق لدمه مخير، وإنما نسب الحكم للقتيل؛ لأنَّه السبب، وقال (خ): التقدير فمن قُتل له قتيلٌ. (يعقل)؛ أي: يعطى العقل، وهو الدية. (يقاد) بالبناء للمفعول، والقود: القصاص، يقال: أقدت القاتل بالمقتول: اقتصصته منه، فالنائب عن الفاعل ضمير يعود للمقتول، أي: يُؤخذ له القوَد، والمراد بالقتل هنا الذي يوجب القصاص، وهو العمد المحض العدوان، وفي بعض النُّسَخ: (يفاد) بالفاء؛ من أفدت المال، أي: أعطيته، وفي بعضها: (يفادي) من إعطاء الفِداء، نعم،

يلزم منه التكرار مع قوله: (يعقل) إلا أن يُراد بالعقل دفع العاقلة، وبالفداء نفس الجاني. (أهل) بالرفع. قال (ك): وفيه تنازع الفعلين: يعقل، ويقاد. واعلم أنَّه ليس في الحديث نفي أخذ القصاص في الحرم، فهو حجةٌ للشافعي، وحينئذٍ فإنكاره - صلى الله عليه وسلم - على خُزَاعَة ليس لأجل كون القصاص في الحرم، بل لأنَّه لعلهم قتلوا غير القاتل، على عادة الجاهلية، لكن إذا كان ذلك جائزًا في الحرم، وإن كل قتل وقتال بحق يجوز فيه، حتى لو تحصن كفار -والعياذ بالله- بالحرم قوتلوا. فما الذي أُحل له - صلى الله عليه وسلم - ساعةً، ولا يحل لأحد بعده؟ وجوابه: أن المراد -كما قال الشافعي- نصب القتال على مكة بما يعم، كالمنجنيق وغيره، إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك، بخلاف غير مكة، فإنَّه يجوز قتالهم بكل شيءٍ. وفي الحديث على تقدير: أن يُقاد، -بالقاف- حجةٌ للشافعي في تخيير الولي بين القصاص والدية، وأن له إجبار الجاني على أي الأمرين شاء. وقال مالك: ليس له إلا القتل أو العفو، وليس له الدِّية إلا برضا الجاني. وقال أهل العراق: ليس له إلا القصاص، فإن ترك حقَّه لم يكن له أخذ الدية. وفيه دليلٌ لأحد قولي الشافعي أن الواجب أحد الأمرين:

القِصاص، أو الدِّية، ولكن الأرجح أنَّه القصاص عيْنًا، والدِّية بدلٌ. قلت: فالمراد في الحديث حينئذٍ أن الولي مخيرٌ بين أن يأخذ حقه بعينه، أو بين أن يعفو على الدية إذا لم يرد القصاص، أو يعفو مطلقًا، وهذا لا يلزم منه أن الواجب أحدهما. (لأبي شاه) بمعجمةٍ، وهاءٍ وقفًا ودَرْجًا، لا يعرف له اسم، وهو يَمنيٌّ بَجَليٌّ، قيل للبخاري: أي شيء كتب له؟ قال: هذه الخُطبة. (رجل من قريش)؛ أي: العبَّاس. (الإذخر) بكسر الهمزة، وسكون المعجمة، ثم معجمة مكسورةٍ: نبتٌ معروفٌ، طيب الرائحة. (في بيوتنا)؛ أي: يسقف به فوق الخشب. (وقبورنا)؛ أي تسد به فُرج اللحد المتخللة بين اللَّبِنات، وهذا الاستثناء في كلام العبَّاس ليس في شيءٍ من كلامه، بل تلقينٌ، كانَّه قيل: قل يا رسولَ الله، إلا الإذخر، أما استثناء الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو من كلامه السابق، ولا يضره الفصل؛ لأنَّه يسيرٌ، ولأن العبَّاس كان يرى رأْي ابنه من جواز الفصل، أو يقدَّر تكرار لفظ: (لا يُختلى شوكها)، فيكون استثناءً من المُعاد الأول، وفي بعضها: (إلا الإذخر)، مرتين]، فالثاني تأكيدٌ للأول. وليس في الحديث حجةٌ لإفتائه باجتهاده - صلى الله عليه وسلم -، أو تجويز التفويض إليه؛ لاحتمال أنَّه أُوحي إليه في الحال، باستثناء الإذْخر، وتخصيصه من

العموم، أو: أُوحي إليه مِنْ قَبل: أنَّ مَنْ طَلَبَ استثناءَ شيءٍ فاستثنه، أو لما علم الضرورة استثنى؛ لأنَّها تبيح المحظور. قال (ط): وفيه كتابة العلم خلافًا لمن كرهه، وكتابة المُصحَف، فقد كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - كُتَّابٌ يكتبون الوحي. قال الشَّعبي: إذا سمعت شيئًا اكتُبْه، ولو في الحائط. قال (ك): محلُّ الخلاف في غير المُصحَف، ففي "مسلم": "لا تَكتُبُوا عنِّي غيرَ القُرآن، ومَن كتَبَ غيرَ القُرآن فليَمحُه"، وكان في ذلك خلافٌ، ثم أجمعوا على الجواز بل الاستحباب، وحملوا النهي على أنَّه في حق من يوثق بحفظه، ويخاف اتكاله على الكتابة، ويحمل حديث أبي شاه على من لا يوثق بحفظه، أو كان النهي عند الخوف من الاختلاط بالقرآن، وقد أمن ذلك، أو النهي على كتابة القرآن والحديث في صحيفةٍ واحدةٍ؛ لئلا يختلط فيشتبه على القارى، أو بأنَّه نهي تنزيه، أو منسوخٌ. * * * 113 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِهٍ، عَنْ أَخِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا مِنْ أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أكثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكتُبُ، تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

(عن أخيه)؛ أي: هَمَّام بن مُنبِه. (أكثر) بالنصب، ويحتمل الرفع، وهو أفعل تفضيل، وفصل بينه وبين لفظ (من)؛ لأنَّها ليست أجنبية. (من عبد الله بن عمرو)؛ أي: ابن العاص، وإنما قلَّت الرواية عنه مع كثرة ما حمل: لأنَّه سكن مصر، وكان الواردون إليها قليلًا، بخلاف أبي هريرة، فإنَّه استوطن المدينة، وهي مقصد المسلمين من كل جهةٍ. والاستثناء هنا يحتمل الانقطاع، أي: لكن الذي كان من عبد الله، أي: الكتابة لم تكن مني، والخبر محذوفٌ، بقرينة باقي الكلام، سواءٌ يلزم منه أن يكون أكثر حديثًا؛ لأن الملازمة تقتضي الكثرة في العادة، ويحتمل الاتصال نظرًا إلى المعنى، أو حديثًا، وقع تمييزًا، والتمييز كالمحكوم عليه، وكأنَّه قال: حديثه أكثر من حديثي، إلا ابن عمرو، كان يكتب ولا أكتب. والاستدلال على جواز الكتابة بفعل الصحابة إما لأنَّه حجةٌ، وإما بتقريره - صلى الله عليه وسلم - على ذلك. (تابعه معمر) وهي هنا ناقصةٌ؛ لذكره فيها المتابَعَ عليه، ثم يحتمل أن يكون بين البخاري ومعمر مَن سبَق، ويحتمل غيرَهم، فيكون تعليقًا، نعم، وصلها أبو بكر المَرْوَزي في "كتاب العلم" له، والبَغَوي في "شرح السنَّة". * * *

114 - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ قَالَ: "ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ"، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَناَ كِتَابُ اللهِ حَسْبُنَا، فَاخْتَلَفُوا وَكثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ: "قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ"، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِّيةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ كِتَابِهِ. (ائتوني بكتاب) على حذف مضاف، أي: بأداة كتاب، من قلمٍ ودواةٍ، والمراد بالكتاب: الكتابة، فهُما بمعنى، أو أراد بالكتاب: ما من شأْنه أن يُكتب فيه، كالكاغِد والكَتف. (اكتب) بالجزم جوابًا للأمر، ويُرفع استئنافًا، ومعنى ذلك مع كونه أميًّا إما لأن الأمي من لا يُحسن الكتابة، لا مَن لا يقدر، وقد ثبت في "الصحيح" أنَّه كتَبَ بيدِه، أو هو من المَجاز، بمعنى: أمر بالكتابة، نحو: كسَا الخليفة الكعبة، أي: أمَرَ. (لن تضلوا) في بعضها: (لا تَضِلُّوا) بحذف النون، لأنَّه بدلٌ من جواب الأمر، وجوَّز بعضهم تعدُّد جواب الأمر من غير عاطفٍ، وهو بكسر الضاد: من الضلال، ضد الرشاد، والماضي: ضللت، بالفتح، هذا الفصيح، وأهل العالِيَة يكسرون الماضي، ويفتحون المضارع، وجاء: تضِل، بالكسر، بمعنى: ضاع، وهلك. (حسبنا)؛ أي: كافينا، وهو خبر مبتدأ محذوفٍ.

(اللغط) بفتح اللام، والمعجمة، هو الصَّوت والجَلَبة. (عني)، ويروى: عندي؛ أي: مبتعدين عني، بخلاف قوموا لي، نحو: {وَقُومُوا لِلَّهِ} [البقرة: 238]، لا في نحو: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6]، وقمت بكذا. (الرزية)؛ أي: المصيبة، يقال: رزأَتْه، أي: أصابتْه، ويجوز تشديد الباء بإدغام، نحو: بَريَّة. (حال)؛ أي: حجَزَ. قال (خ): هذا يُتأوَّل بوجهين: أحدهما: أنَّه أراد كتابة اسم الخليفة بعده، حتى لا يتنازعوا، فيؤدي إلى الضلال. والثاني: أنَّه همَّ بأن يكتب كتابًا يرتفع به الاختلاف بعده، شفقةً على أُمته، وتخفيفًا عنهم، فلما رأى اختلافهم، قال: (قُومُوا عَنِّي). ووجْهُ ما قال عمر: أنَّه لو زال الاختلاف بالنصِّ على كلِّ شي لعدم الاجتهاد في طلب الحق، ولاستوى الناس، وبطلت فضيلة العلماء على غيرهم، وعمر لم يتوهم قط أنَّه - صلى الله عليه وسلم - يقع له غلطٌ فيما يفعل بوجه من الوجوه، بل إنَّه لمَّا أكمل الله له الدين، وتمت شريعته، وقد أظلته الوفاة، وهو بعدُ يعتريه في المرض ما يعتري البشر، أشفق أن يكون ذلك القول من نوع ما يتكلم به المريض، مما لا عزيمة فيه، فيجد به المنافقون سبيلًا إلى تلبيس في الدين. وأيضًا فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يرى الصواب في الأمر فيراجعه أصحابه إلى أن

يعزم الله له على شيء، كما راجعوه في الحُدَيْبِيَة فيما كتب بينه وبين قريش، أما إذا كان أمرَ بشيءٍ، أو عزَم، فلا يُراجع فيه، ولا يخالف. وجوَّزوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي، ولا يخطئ اجتهاده أبدًا. وفيه: المريض غير مكلف، وقد سها النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته حتى يشرع لأُمته، فكذا في مرضه يجوز أن يقع منه شيء، ثم يراجع عنه. قال (ط): وفيه ما يبطل دعوى الشيعة أنَّه أوصى بما قبله منه عليٌّ؛ ويردُّه أنَّه لو كان عنده ذلك لأحال عليه - رضي الله عنه -. وفيه: من فقه عمر: أنَّه خشي من أن يكتب - صلى الله عليه وسلم - أمورًا ربما عَجَزوا عنها، فاستحقوا العقوبة عليها؛ لأنَّها منصوصة، لا مجال للاجتهاد فيها، وقوله: حسْبُنا كتابُ الله، أي: لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، فقنع به، وأراد الترفيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاشتداد مرضه، فعُمَرُ أفقهُ من ابن عبَّاس، حيث اكتفى بالقرآن، ولم يكتف به. وفيه: أنَّ الإمام له أن يُوصي عند موته، وفي تركه الكتاب إباحةُ الاجتهاد؛ لأنَّه وَكَلَهم إلى اجتهادهم، وإنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب؛ لأن القرينة قد تَصْرِف الأمر من الإيجاب إلى الندب، فأدى اجتهادهم إلى أنَّه غير واجبٍ، وخاف عُمر أن المنافقين يتطرَّقون إلى القَدْح فيما اشتُهر من قواعد الدِّين بكتابٍ يُكتب في خلوةٍ من آحادٍ، فيُضيفون إليه ما يشبِهون على الذين في قلوبهم مرضٌ، فلهذا قال: القرآن حسبنا.

40 - باب العلم والعظة بالليل

قال (ن): هو - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ، لكن [لا]، من الأمراض والأسقام العارضة للجسم، فيما لا نقصَ فيه، ولا فسادَ في شرعه. فقول عمر: حسبنا كتاب الله، ردٌّ على مَنْ نازعه، لا على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان ظهَر له - صلى الله عليه وسلم - حين هَمَّ بالكتاب أنَّه مصلحةٌ، أو أوحي إليه بذلك، ثم ظهر، أو أوحي إليه أن المصلحةَ تَرْكُه، والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال. * * * 40 - بابُ الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ (باب العلم والعظة بالليل)، في نسخةٍ بدَل (العِظَة): (اليَقَظة). 115 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَناَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَمْرٍو، وَيَحْيىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ". (وعمرو ويحيى) عطفٌ على (معمر)، أي: وروى ابن عُيينة عنهما أيضًا، عن الزُّهري، وفي بعض النُّسَخ قبل ذلك جاء التحويل. قال (ك): وفي بعضها برفع (عمرو)، أي: قال عمرو، ويحتمل

أن يكون تعليقًا من البخاري، والظاهر الأصح الأول. (عن امرأة) كذا في نسخةٍ، أي: هند السابقة، واغتُفر ذلك؛ لأنَّه متابعةٌ، وفي كثيرٍ من النسخ: (عن هند)، وكذا بقية روايات البخاري في: (صلاة الليل)، و (اللباس)، و (علامات النُّبوَّة)، و (الأدب)، و (الفتن). (استيقظ)؛ أي: تيقَّظ، أي: انتبه من النوم. (ذات ليلة)؛ أي: في ليلة، و (ذات)، مقحمةٌ للتأكيد. وقال الزَّمَخْشَري: من باب إضافة المسمَّى إلى اسمه. وقال الجَوْهَري: قولهم: ذات مرةٍ، وذو صباحٍ، من ظروف الزمان التي لا تتمكَّن، تقول: لقيته ذات يومٍ، وذات ليلةٍ. (سبحان) نصب على المصدر، بمعنى التنزيه، والعرب تقوله في مقام التعجُّب. قال بعض النحاة: إنَّه من ألفاظ التعجب. (ما) استفهامية ضُمِّنت معنى التعجب والتعظيم. (الليلة) ظرف للإنزال. (الفتن)؛ أي: العذاب؛ لأنَّها سببه. (الخزائن)؛ أي: الرحمة، قال تعالى: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100]. والمراد: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - رأى في المنام أنَّه سيقع بعده فتنٌ، وتفتح لهم الخزائن، أو أوحي إليه ذلك قبل النوم، أو بعده، وهو من معجزاته،

فقد وقع بعده الفتن، وفتحت الخزائن من فارس والروم وغيرهما. (أيقظوا) -بفتح الهمزة- أي: نبِّهوا. (صواحب) مفعولُه، وهو جمع صاحبة، والمراد أزواجه، ويجوز كسر همزة: (أيقظوا)، أو نصب: صواحب على النداء لو رُوي كذلك، كذا قال (ك)، وفيه نظرٌ؛ لأن النِّسوة لا يُخاطبن إلا بالنون. (رب) للتكثير، وإن كان أصلها للتقليل، وهي مُتعلِّقةٌ وجوبًا بفعل ماضٍ متأخرٍ، أي: عرفتها، أو نحو ذلك. (عارية) قال (ع): أكثر الروايات بخفضه صفة لمجرور (ربَّ). وقال غيره: الأَولى رفعه خبر مبتدأ مضمر، أي: هي عاريةٌ. وقال السُّهَيْلي: الأحسن عند سِيْبَوَيْهِ الخفض؛ لأن (ربَّ) عنده حرف جرٍّ لها الصدر، ويجوز الرفع، وتكون الجملة نعتًا لمجرور (ربَّ). قال: واختيارُ الكسائيِّ أن (ربَّ) اسمٌ مبتدأٌ، والمرفوع خبرها، وإليه كان يذهب شيخنا ابن الطَّرَاوة، والمراد: لابساتٌ رقيق الثياب التي لا تمنع لون البشرة، معاقَباتٌ في الآخرة بفضيحة التعرِّي، وأنَّ لابسات الثياب النفيسة في الدنيا عاريةٌ في الآخرة، أو أن لابستها في غير بيتها، أو لغير زوجها عاريةٌ في الآخرة من الثواب، أو غير ذلك، فندبهنَّ بذلك إلى الصدقة، وترك السَّرَف، وأخذ أقلِّ الكفاية، والتصدُّق بما سواه. وقال الطِّيْبِي: هذا بيان موجب الاستيقاظ، أي: لا ينبغي لهن

41 - باب السمر في العلم

أن يتغافلن، ويعتمدن على كونهن أهلًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]. * * * 41 - بابُ السَّمَرِ في الْعِلْمِ (باب السمر في العلم)، في نسخةٍ: (باب: في العلم والسَّمَر)، والسَّمر: هو الحديث بالليل. 116 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: "أَرَأَيْتكُمْ لَيْلَتكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". (صلى بنا) في بعضها: (لنا)، أي: إمامًا لنا. (العشاء)؛ أي: صلاة العشاء، وإن كان الوقت من الغُروب يسمى عِشاءً، وقيل: من الزوال إلى الفجر عِشاء. (أرَأيتكم) بهمزة الاستفهام، وفتح الراء، والخطاب والرؤية هنا بصرية، ولفظ: (كم) حرف خطابٍ بمنزلة تنوينٍ، أو تأنيثٍ، لا محل له من الإعراب، إذ لو كان ضميرًا لقال: أرأيتموكم؛ لأن الخطاب لجمع.

(فإن رأس) في بعضها: (على رأس). قال (ن): كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعدها أكثر من مئة سنةٍ، وفيه احترازٌ عن الملائكة. وقد تعلَّق بهذا من يَرى موت الخَضِر، وجواب الجمهور: أنَّه على السُّحُب، لا على الأرض، أما عيسى - عليه السلام - ففي السماء، وأما إبليس ففي الهواء، أو في النار، أو أن المراد عن الإنس. قال (ط): إنما أراد اخترام الجِيْل الذي هم فيه، فوعظهم لقِصَر أعمارهم، وأن أعمارهم ليست كأعمار مَنْ تقدم؛ ليجتهدوا في العبادة. * * * 117 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ ركَعَاتٍ، ثُمَّ ناَمَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ: "ناَمَ الْغُلَيِّمُ"، أَوْ كلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ ركَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ ناَمَ حَتَّى سَمِعْتُ عَطِيطَهُ -أَوْ خَطِيطَهُ- ثمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلاَةِ. (خالتي) لأنَّها أخت أُمِّ لُبابَة الكُبرى بنت الحارث. (في ليلتها)؛ أي: المختصة بها من القَسْم في الزوجات.

(فصلى) ليس هو وما بعده مرتبًا على تمام المبيت، بل للبيان، والتَّفْصيل للإجمال الذي تضمنه، كما قاله الزَّمَخْشَري في: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]. (ثم جاء)؛ أي: من المنزل إلى بيته. (نام الغليم)؛ أي: أنام، فحذفت الهمزة؛ لقرينة المقام، ويحتمل أنَّه إخبار لميمونة بنومه، والغليم، التصغير فيه للشفَقة، نحو: يا بني، والمراد به عبد الله. (أو كلمة)؛ أي: شكَّ ابن عبَّاس في ذلك، ونصبها بـ (قال) مع أنَّه يحكى به الجملة؛ إما لتسمية الكلام كلمةً، نحو: كلمة الشهادة، وقرينته لفظ: يشبهها، ولم يُعلم أصلَّى بعد هذا القيام شيئًا أم لا؟ (ثم صلى ركعتين) إفراد ذلك، ولم يقل صلَّى سبع ركعات؛ إما لأن الخمسة بسلامٍ، وركعتين بسلامٍ، وإما لاقتداء ابن عبَّاس به في الخمس فقط. (غطيطه)؛ أي: نخيره، أي: صوت أنفه، وقيل: هو أعلا من النخير. (أو خطيطه) بفتح المعجمة، أي: الممدود من صوته، وقيل: هما بمعنًى، وهو صوت يسمع من تردُّد النفَس، أو النفخ عند الخفقة؛ قالَه الدَّاوُدي.

وقال (ط): إنَّه لم يجده النحاة بالخاء في اللُّغة. وقال (ع): إنَّه لا معنى له هنا. واعلم أن مناسبة هذا الحديث للترجمة: أن الغالب أن الأقارب والأضياف إذا اجتمعوا تجري بينهم مؤانسةٌ وإكرامٌ، وحديثه - صلى الله عليه وسلم - كلُّه علمٌ، فكان سمرًا بالعلم؛ إذ يبعدُ أن يجد ابن عبَّاس ولا يسأَله، ولا يكلِّمه أصلًا، وأيضًا فقوله: نامَ الغُلَيم خطابٌ له، أو لأهله، وأيًّا ما كان هو حديث فيه علمٌ. قلتُ: قال بعضهم: ارتقاب ابن عبَّاس لأفعاله - صلى الله عليه وسلم - سَمَرٌ في العلم، وإن كان من سَمَر ابن عبَّاس، لكن الإِسْمَاعِيْلي قال: إنَّ هذا سَهَر لا سَمَر، إذ السَّمَر لا بُدَّ فيه من حديثٍ، وإدارته ابن عبَّاس من الشمال إلى اليمين عِلْمٌ لكن لا حديث فيه. وللحافظ عبد الكريم جوابٌ آخر، وهو: أن من عادة البخاري أن يذكر في الحديث حكمًا ليس هو فيما أورده بل في باقي الحديث، وإن لم يكن قد أَوردَه. وقد جاء في بعض طرق الحديث: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يحدِّث أهله وابن عبَّاس حاضرٌ، وحديثه لا يخلو من علم. وفي الحديث من حِذْق ابن عبَّاس على صِغر سنه، ومن فضله حيث رصَد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طُول ليلته، وقيل: إن أباه أوصاه بذلك؛ ليطلع على عمله. وقال شيخنا شيخ الإسلام البُلْقِيْني: إنما جاء يتقاضَى وعدًا كان

42 - باب حفظ العلم

النبي - صلى الله عليه وسلم - وعده للعبَّاس. (ثم خرج) هذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنَّه لا ينتقض وُضوءه بالنوم مضطجعًا، أو على تقدير: ثم توضأ، ثم خرج، أو أن الغطيط ليس من النوم الناقض. قال البَغَوي: في الحديث جواز الجماعة في النافلة، والعمل اليسير في الصلاة، والصلاة خلف من لم ينو الإمامة. قلت: نيتها قد تقع في الأثناء، بل قيل: إنَّه لا يتصور إلا كذلك، كما أشار إليه صاحب "البيان" من أصحابنا وغيره، انتهى. وفيه: أن صلاة الليل أحد عشرة ركعة، ورواية الشك مع التنبيه على الشك. * * * 42 - بابُ حِفْظِ الْعِلْمِ (باب حفظ العلم) 118 - حدثنا عَبْدَ العَزيزِ بنُ عبدِ اللهِ قالَ: حدَّثني مالكٌ، عن ابنِ شهابٍ، عنِ الأَعْرجِ، عن أبِي هُرَيْرَةَ قال: إنَّ النَّاسَ يقولونَ أَكثَرَ أَبو هُريرةَ، ولولا آيتانِ في كتابِ اللهِ ما حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يتْلُو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 159 - 160]، إنَّ

إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ. (م ت). (أَكثر)؛ أي: من رواية الحديث، وهو حكاية كلام الناس، وإلا لقال: أكثرت. (ولولا) إلى آخره، هو بقية كلام أبي هريرة. (ما حدثت) حذف اللام من جواب (لولا) جائزٌ. (ثم يتلو) هو بقية كلام الأَعرج، وذكر المضارع استحضارًا لصورة التلاوة، وفي بعضها: (ثم تَلا)، والمراد: لولا أن الله ذمَّ كاتم العِلْم لَمَا حدثتكم، فإن كتمان العلم حرام، فلذلك ذكرت ما عندي وإنْ كان كثيرًا. (إن) ترك العاطف؛ لأنَّه جملة استئنافية، كالتعليل للإكثار، جوابًا للسؤال عنه. (إخواننا) إنما لم يقل: إخوانه، قصدًا للالتفات، وجمعه ولم يقل: إخواني، قصدًا لإدخال نفسه وغيره، والمراد هنا إخوة الإسلام. (يشغلهم) بفتح أوله وثالثه، وحُكي ضم الأول، وهو غريبٌ. (الصفق) كُنِّي به عن التبايُع؛ لأنَّهم كانوا يضربون فيه يدًا بيد للمعاقدة.

(بالأسواق)؛ أي: في الأسواق، والسوق يذكر ويؤنث، سمي بذلك لقيام الناس فيه على سوقهم. (العمل في الأموال)؛ أي: الزراعة. (لشبع) في نسخة: (بشبع) بالباء، ومراده أنَّه يقتَنع بالقُوت، لا يتجِر ولا يزرع، فيلازم الحضور، فيحفظ ما لا يحفظون. (ويحضر) إشارةٌ إلى المشاهدات. (ويحفظ) إشارةٌ إلى المسموعات، فالفعلان إما بالنصب عطفًا على (لشبع)، أو بالرفع عطفًا على (يلزم)، أو حالٌ. واعلم أن هذا لا ينافي قوله أولًا: (ما أحدٌ أكثَر حديثًا من ابن عمرو)؛ لأن المراد أنَّه كان أكثر تحملًا، وأبا هريرة أكثَر روايةً، وإنما كان ابن عمرو أكثر تحمُّلًا، وهو داخلٌ في المهاجرين؛ لأنَّه كان يكتب، فكثُر باعتبار كثرة كتابته. قال (ك): فيه حفظ العلم، والمواظبة على طلبه، وفضل أبي هريرة، وفضل التقلُّل من الدنيا، وإيثار طلب العلم على طلَب المال، والإخبار بفضل نفسه للضرورة. قال (ك): وجواز إكثار الحديث، والتجارة، والعمل، والاقتصار على الشِّبَع، وربَّما وجب، أو نُدب باعتبار بعض الأحوال. * * * 119 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي

هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أنسَاهُ، قَالَ: "ابْسُطْ رِداءَكَ" فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "ضُمُّهُ"، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نسَيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ. حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا، أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ. (أحمد بن أبي بكرة) في بعض النُّسَخ: (هو أبو مُصعَب)، فهو كنية أحمد. (يا رسول الله)، في بعضها: (لرسول الله). (ابسط) كأنَّه تمثيلٌ للمعنى بعالم الحس. (ضمه) مثلث الميم، وقيل: لا يجوز إلا ضمها؛ لأجل الهاء المضمومة بعده، فجعل كالشيء الذي يغرف منه، وجعل الضم إشارة إلى ضبطه. (أنساه) صفةٌ ثانيةٌ لـ (حديثًا)، والنسيان زوال علمٍ سابقٍ، أي: مع طول أمدٍ، بخلاف السهو، فإنَّه مع قِصَر. قال (ك): النسيان: زوال عن الحافِظة والمُدرِكة، والسهو زوالٌ عن الحافظة فقط، والفرق بين السهو والخطأ: أنَّ السهو ما يُنبه صاحبه بأدنى تنبيهٍ. (ضم) وفي نسخةٍ: (ضمَّه). (شيئًا) عام في كل شيء؛ لأنَّه نكرة في نفي، ولا يختص في

الحديث، إلا أن يكون السياق يقتضي ذلك، ولهذا في بعض الروايات: (فمَا نسَيتُ مِن مقَالتِهِ شَيئًا). (بعده)؛ أي: بعد الضم، وفي نسخةٍ: (بعدُ)، بلا إضافة، بل مبني على الضم لنيتها، وإنما لم ينس بعد ذلك، مع أنَّه من لوازم الإنسان، حتى إنَّه قيل: إنَّه مشتق من النسيان = ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو معجزةٌ ظاهرةٌ. ولا ينافي هذا ما سبق من أن ابن عمرو كان أكثر حديثًا؛ لضبطه بالكتابة؛ لاحتمال أن ذلك كان قبل هذه القصة، أو الاستثناء منقطع، أي: لكن عبد الله كان أكثر بالكتابة، وإنْ كنتُ أنا أكثر من حيث عدَم النِّسيان. واعلم أنَّه يوجد في بعض النُّسَخ هنا: (حدثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا ابن أبي فديك بهذا، وقال: يحذف بيده فيه)، أي: زاد هذا القدر، والمعنى أنه حدثه بهذا الحديث، والظاهر أن ابن أبي فديك يرويه أيضًا عن ابن أبي ذِئْب، فيتفق معه إلى آخِر الإسناد الأول، مع احتمال روايته عن غيره. * * * 120 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثُتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثُتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ.

(أخي) هو عبد الحميد بن أبي أُوَيْس الأَصْبَحي. (وعاءين) تثنية: وِعاء، بالكسر، والمدِّ، وهو الظرف الذي يُحفظ فيه الشيء، وأطلق المَحلَّ على الحالِّ، إذ المراد نوعان من العلوم، أو أنَّه لو كتب لكان في وعاء. (بثثته)؛ أي: نشَرته، والمضارع: أَبثُّه -بالضم-. (البلعوم) بضم المُوحَّدة: مَجرى الطعام، وهو المريء، وفوقه الحلقوم، وهو مجرى النفس. وقال (ط): البُلْعوم: الحُلْقوم، وهو مجرى النفس إلى الرئة، والمريء: مجرى الطعام والشراب إلى المعدة. قال: والمراد من الوعاء الثاني: أحاديث أشراط الساعة، وما يتعلق بفساد الدين، وتغير الأحوال، وتضييع حقوق الله تعالى، كحديث: "يكُون فيهِ فَسادُ هذا الدِّين على يَدي أُغَيْلِمةٍ سُفَهاءَ مِن قُرَيش"، وكان أبو هريرة يقول: (لو شئتُ أَنْ أُسميَهم بأسمائهم)، فخَشي على نفْسه، فلم يُصرِّح، وكذا ينبغي لمن يأمر بالمعروف إذا خاف في التصريح يُعرِّض، ولو كان ما لم يحدِّث به يتعلق بالحلال والحرام لمَا وَسِعَه كتْمُه للآية. وقيل: الوِعاء الثاني هو ما يتعلَّق بالفتن، وتعيين المنافقين، والمرتدين، ونحو ذلك. قال (ك): إن مدار استدلال الصوفية على هذا الحديث، فإنَّهم يقولون: أبو هريرة عريف أهل الصُّفَّة، الذين هم شُيوخنا في الطريقة،

43 - باب الإنصات للعلماء

عالِمٌ بذلك، قائلٌ به، قالوا: فالوِعاء الأول علم الأحكام والأخلاق، والثاني علم الأسرار المصون عن الأغيار، المختصُّ بأهل العِرفان. قال قائلهم: يا رُبَّ جَوهرِ علْمٍ لو أَبوحُ بهِ ... لقِيْل لي أنتَ ممن يَعبُدُ الوَثَنا ولاستَحلَّ رِجالٌ مُسلِمون دَمِي ... يَرَون أقبَحَ ما يأْتُونَه حسَنَا وقال بعضهم: العِلْم المكنون، والسرُّ المصُون عِلْمنا، وهو نتيجة الخدمة، وثمرة الحِكْمة لا يظفر بها إلا الغوَّاصون في بحار المُجاهدات، ولا يسعد بها إلا المصطفون بأنوار المشاهدات، إذ هي أسرارٌ متمكنةٌ في القلوب، لا تظهر إلا بالرياضة، وأنوار ملمعة في الغيوب، لا تنكشف إلا للمرتاضة. قال (ك): نِعْمَ ما قال، لكنْ بشرط أن لا تدفعه القواعد الإسلامية، ولا تنفيه القوانين الإيمانية؛ إذ ما بعد الحق إلا الضلال، ثم نقل (ك) كلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى المبيَّن في الفرْق بين هؤلاء ومتصوفة الزمان بطُوله، وحذفتُه لخروجه عن شرح الحديث الذي هو المقصود. * * * 43 - بابُ الإِنصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ (باب الإنصات للعلماء)، أي: السكوت لأجلهم. 121 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أخبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ

مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَداعِ: "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ"، فَقَالَ: "لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". (الوداع) بفتح الواو، على المشهور؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - ودع الناس فيها. (استنصت) استفعال، من: أَنصَتَ، الرباعي، وهو قليلٌ، والإنصات لازمٌ ومتعدٍّ، يقال: أنصته، وأنصت له. (بعدي)؛ أي: بعد موتي، أو بعد موقفي هذا، أو المراد: خِلافي. (لا ترجعوا) إلى آخره، أي: لا تتشبهوا بالكفار في قتل بعضهم بعضًا. قال موسى بن هارون: هؤلاء أهل الردة الذين قتلهم الصدِّيق، وقيل المعنى: لا تصيروا. قال ابن مالك: رجع، بمعنى: صار، وقيل: المعنى: اثبتوا على التقوى المناسبة للإيمان، ولا تحاربوا المسلمين، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل. وحكى (ن) ستة أقوالٍ أُخرى: أحدها: أنَّه المستحِلُّ بغير حق. ثانيها: كفر النعمة، وحق الإسلام. ثالثها: ما يقرب من الكفر، ويؤدي إليه. رابعها: أنَّه على بابه، والمراد: دُوموا على الإسلام. خامسها: المراد التكفير بالسلاح، وهو نصبه، والتستُّر به، فيقال

44 - باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم، فيكل العلم إلى الله

للابس السلاح: كافرٌ. سادسها: لا يُكفر بعضهم بعضًا، فيستحلوا قتال بعضهم بعضًا، انتهى. قال (ط): فيه أن الإنصات للعلماء وتوقيرهم واجب، قال تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2]، ويجب الإنصات عند قراءة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما يجب له. (يضرب) قال (ع): الرواية بالرفع، ومن سكَّن أحال المعنى؛ فإنَّ الجملة مستأنفةٌ، مبينةٌ لقوله: (لا تَرجعوا)، وجوَّز أبو البَقاء وابن مالك الجزم، بتقدير شرطٍ، أي: فإِنْ تَرجعوا. * * * 44 - بابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ، فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللهِ (باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم، فيكل العلم إلى الله) يحتمل أنَّ (إذا) شرطيةٌ، والفاء في جوابها، أي: فهو يَكِلُ، والجملة بيانٌ لما يستحب على حَدِّ: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، ويحتمل ظرفيتها؛ لقوله: يستحب، والفاء تفسيريةٌ، على تقدير المضارع مصدرًا، أي: الوكول. 122 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ:

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نوفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ، فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ أيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَناَ أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ: يَا رَبِ! وَكَيْفَ بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَحَمَلاَ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، حَتَّى كَاناَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُؤُوسَهُمَا وَناَمَا، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وَكَانَ لِمُوسَى وَفتاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيوْمِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفتاهُ: آتِنَا غَدَاءَناَ لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِناَ هَذَا نصَبًا، وَلَمْ يَجدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ فتاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَلَمَّا انْتهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ -أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ- فَسَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنّي بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ فَقَالَ: أَناَ مُوسَى، فَقَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: هَلْ أَتَبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا، قَالَ: إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، يَا مُوسَى! إنِّي عَلَى عِلْمٍ من عِلْمِ اللهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ، قَالَ: سَتَجدُنِي إِنْ

شَاءَ اللهُ صَابِرًا، وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِيتةٌ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِيتةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الْخَضِرُ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى! مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إلا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ، فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ ألْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُوناَ بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نسَيتُ، فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، فَانْطَلَقَا، فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نفسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا -قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَوْكَدُ- فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأقامَهُ، قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ"، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوَدِدْناَ لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا". (أن نوفًا) بفتح النون، وإسكان الواو، وبالفاء، منصرفٌ على الأفصح، وقيل بمنعه، فيُكتب بلا ألف، هو ابن فَضَالة، أبو رشيد، وهو ابن امرأة كَعْب الأحبار، وقيل: ابن أخيه، كان من علماء التابعين. (البكالي) بكسر المُوحَّدة، وتخفيف الكاف على الأجود، وقيل:

بفتحها، وتخفيف الكاف، وبِكال بطنٌ من حِمْير، ووهم صاحب "الأَحوذي" فقال: بطن من دَرَّان. (موسى)؛ أي صاحب الخَضِر، الذي قص الله قصتهما. (ليس موسى بني إسرائيل) موسى ممنوعٌ من الصرف؛ للعلمية والعُجْمة، وإنما أُضيف مع كونه علمًا؛ لقصد تنكيره، أي: تأْويله بواحدٍ من الأمة المسماة بذلك، وهو موسى بن عمران. (موسى آخر)؛ أي: ابن ميشا ابن يوسف، وإنما وصف بالنكرة لقصد تنكير العَلَم، كما سبق في إضافته، ولهذا يُنوَّن هنا. قال ابن مالك: قد ينكَّر العَلم تحقيقًا، أو تقديرًا، فيجري مجرى نكرة، ومثل بهذا للتحقيقي، وفي تقديره بحثٌ. (فقال: كذب عدو الله) خارجٌ مخرج التنفير، لا القدْح في القائل، فإن ابن عبَّاس إنما قاله في حال غضَبه، فيكون زَجْرًا عن قوله، لا اعتقادًا فيه أنَّه عدو الله. (أُبي) بضم الهمزة، أُبَيُّ بن كَعْب، سيد الأنصار. (أنا أعلم)؛ أي: بحسب اعتقاده، وهو أبلغ مما في الرواية السابقة في (باب الخروج في طلب العلم): (هَلْ تعلَمُ أنَّ أَحَدًا أَعلَمُ منْكَ، قال: لا)، فإنَّه إنما نفى هناك علمه، وهنا على البَتِّ. (فعتب الله عليهم)؛ أي: لم يرض به شرعًا لأن حقيقة العتب -وهو المَوْجِدة- وتغيُّر النفس على الله تعالى = محالٌ.

(لم يرد) يقرأ بالفتح، والضم، والكسر. (إلى الله تعالى) في نسخةٍ: (إليه)، أي: كان حقه أن يقول: الله أعلم، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ} [المدثر: 31]. (أن عبدًا)؛ أي: الخَضِر. (بمجمع البحرين)؛ أي: ملتقى بحري فارس والروم، مما يلي الشرق. (فكيف به)؛ أي: كيف الالتقاء، والالتباس به؟ أي: كيف الطريق إلى لقائه؟ (حوتًا) قيل: كان سمكةً مملوحةً. (مكتل) بكسر الميم، وفتح المُثنَّاة، أي: زنْبيل، وهو: القُفَّة. (فهو ثم)؛ أي: العبد الأعلم هناك. (معه بفتاه) تصريحٌ بالمَعِيَّة، وإلا فالباء تدل عليها. (يوشع) بضم الياء، وفتح المعجمة، وبعينٍ مهملةٍ. (ابن نون) بضم النون الأولى، منصرفٌ على اللُّغة الفصحى. قال أبو عبد الله: ويقال بالسين المهملة أيضًا. (عند الصخرة)؛ أي: عند ساحل البحر، يقال: وهناك عينٌ تسمى عين الحياة، لمَّا أصاب ماؤها الحوت حيِي وانسلَّ من المكتل. (سربًا)؛ أي: ذهابًا، يقال: سرَبَ سَرَبًا، أي: ذهب ذهابًا، قيل: وأمسَك الله جَرْيةَ الماءِ على الحُوت، فصار عليه مثْل الطَّاق،

وحصل منه في مثْل السَّرَب -وهو ضد النَّفَق- معجزةً. (ويومهما) بالجر، عطفًا على المضاف إليه، وبالنصب، على المضاف، على أن السير في جميعه. قلتُ: كذا هذه الرواية، لكن رواه البخاري في (التفسير)، ومسلم: (بقيَّة يَومهما وليلَتهما)، وهي الصواب؛ لقوله: (فلما أصبح)، وفي روايةٍ: (حتى إذا كان مِن الغَدِ). (غداءنا) بفتح العين المعجمة والمد: الطعام الذي يؤكل أول النهار. (نَصَبًا)؛ أي: تعبًا، لحقه ذلك ليذكر به نسيان الحوت، ولهذا لم يمسَّه النَّصَب قبل ذلك. (نسيت) لا يقال: كيف نسي، وقد جعل ذلك أمارةً على المطلوب؟ وفيه معجزة حياة السمكة المملوحة المأكول منها، وانصباب الماء مثل الطَّاق، وتفردها في مثل السَّرَب؛ لأن الشيطان لما شغله بوسواسه نسي، ولذلك قال: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إلا الشَّيْطَانُ}. (ذلك)؛ أي: فقدان الحوت، هو الذي كنَّا نَبْغيه، أي: نطلبه. (فارتدا)؛ أي: رجعا. (على آثارهما) يقُصَّان (قصصًا)؛ أي: يتبعان إتباعًا. (مسجى)؛ أي: مغطًّى، كما يُغطَّى الميت، كما جاء في روايةٍ، وهو صفةٌ لـ (رجل)، أو خبرٌ له.

وسبق بيان الخَضِر، وكثيرٌ من القصة في الباب السابق. (وأنى) استفهام، أي: من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف بها ذلك؟ قالوا: (أنى) تأتي بمعنى: (من أين)، نحو: {أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ} [آل عمران: 37]، وبمعنى: (متى)، و (حيث)، و (كيف). قال (ش): كلمة تعجب، وفيها مسامحةٌ؛ لأن التعجب في الاستفهام، لا لها بخصوصها، ولهذا في رواية تأتي في (التفسير) في الإسراء: (هل بأرضكَ من سلامٍ). (بأرضك) قال أبو البقاء: حال، أي: كائنًا بأرضك، وقد سأل في "الكشاف": كيف يكون أرشد منه، والنبي لا بد أن يكون أعلم أهل زمانه؟ وأجاب بأنَّه لا نقص في أخذ نبي من نبي مثله. قال (ك): لكن لا يتم الجواب على تقدير ولاية الخضر، بل إنَّه لم يسأل عن شيء من أمر الدين، والأنبياء لا يجهلون ما يتعلق بدينهم، وإنما سأله عن غير ذلك. (موسى بني إسرائيل) خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت موسى؟. (حملوهما) ثنَّى الضمير؛ لأن يوشع تابع، وإلا فهم جمع، ولذلك قال: (فكلموهم)، ومثله قوله تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117]، فثنى ثم أفرد لما ذكرناه. (قوم)؛ أي: هؤلاء قوم، أو هم قوم، فحذف المبتدأ. (نول) بفتح النون، وإسكان الواو، أي: أجر، ويقال فيه: نوال أيضًا.

(عصفور) بضم العين، ذكر بعضهم أنَّه الصُّرَد. (نقص) يكون متعديًا كما هنا، ولازمًا. فإن قيل: نسبة النقرة إلى البحر، نسبة المتناهي إلى المتناهي، ونسبة علمهما إلى علم الله، نسبة متناه إلى غير متناه؟ قيل: ليس المراد بالنسبة أن فيه نقصًا، بل هو تقريب إلى الأفهام، وقيل: بل: نقص بمعنى: أخذ؛ لأن النقص أخذ خاص، وقيل: (إلا) بمعنى: (ولا)، أي: ما نقص علمي وعلمك، ولا ما أخذ هذا العصفور شيئًا من علم الله، أي: أن علم الله لا يدخله النقص، أو أن المراد بالنقص التفويت الذي له تأثير محسوس، ونقص العصفور لا تأثير له، فكأنَّه لم يأخذ شيئًا، كما قال: ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ ... بهنَّ فُلولٌ من قِراع الكتائب أي: ليس فيهم عيب؛ قاله الإِسْمَاعِيْلي. وقيل: العلم هنا بمعنى: المعلوم، كما في: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255]، ولولا ذلك لما صح التنقيص؛ لأن الصفة القديمة لا يدخلها تنقيص. (فعمد) بفتح الميم. (وكانت الأولى)؛ أي: المسألة من موسى. (نسيانًا) في بعضها: (نسيانٌ)، على أن في (كان) ضمير القصَّة، وما بعده مبتدأٌ وخبرًا، و (كان) تامةٌ، أو زائدةٌ.

(زكية)؛ أي: طاهرة من الذنوب؛ لعدم بلوغ الحنث؛ لأنَّه صفة الغلام، وقيل: كان بالغًا، بدليل قوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74]، أي: ممن يجب عليه القصاص، وإلا فالصبي لا قصاص عليه، وجوابه: أنَّه نبه بذلك على أنَّه قتل بغير حق، وأن شرعهم كان بإيجاب القصاص على الصبي، كما يؤاخذ في شرعنا بغرم المتلفات. (وهذا أوكد)؛ أي: لزيادة (لك) في هذه المرة، ولهذا قال الزَّمَخْشَري: إنَّها زيدت للمكافحة بالعتاب على رفض الوصية، والوَسْم بقلة الصبر عند الكَرَّة الثانية. (حتى أتيا) في نسخةٍ: (إذا أتيا)، وهي الموافقة للآية. (قرية) هي أنطاكية، وقيل: أُبُلَّة، وهي أبعد أرض الله من السماء. (يريد) إسناد الإرادة للجدار مجاز، والمراد المشارَفة، وقد استُدلَّ بذلك على وقوع المجاز في القرآن. (ينقض)؛ أي: يسرع سقوطه. (قال الخَضِر بيده) قيل: معجزةً، فيكون نبيًّا، وأجيب بجواز الكرامة من الولي. (لو شئت) إنما قال موسى ذلك؛ لأنَّه محل اضطرار للتطعم، فاقتضى أن يكتسب لذلك بأخذ الأُجرة. (برأسه) يحتمل زيادة الباء، أو الأصالة، على معنى أنَّه جرَّه إليه برأسه، ثم اقتلعه، إذ لو كانت زائدةً لم يكن لقوله: (اقتلعَه) معنى زائدًا

على (أخذه)، وفي التفاسير قولٌ: أنَّه أضجعَه، ثم ذبحه بالسكِّين. (هذا فراق) الإشارة إلى الفراق الذي تصوره عند حلول ميعاده، إذ قال: (فلا تصاحبني)، أو إلى السؤال الثالث، أي: أنَّه سبب الفراق. (لوددنا) اللام فيه جواب قسمٍ محذوفٍ. (لو صبر) مؤول بمصدر، أي: صبره حتى نرى الأعاجيب. (يُقَصُ) مبنيٌّ للمفعول، ونائب الفاعل. (من أمرهما) قال (ن): فيه استحباب الرحلة للعلم، وفضل طلبه، والتردُّد للسَّفَر، والأدب مع العالم، وحُرمة المشايخ، وترك الاعتراض عليهم، وتأْويل ما لم يُفهم ظاهره من أقوالهم وأفعالهم، والوفاء بعُهودهم، والاعتذار عند المخالفة، وإثبات كرامات الأولياء، وجواز سُؤال الطعام عند الحاجة، والإجارة، وركوب السفينة ونحوها بلا أجرةٍ برضا صاحبها، والحُكم بالظاهر حتى يتبين خلافُه، وأن الكذب: الخبر بخلاف الواقع ولو سهوًا، خلافًا للمعتزلة، ودفع أعظم المفسدتين بأخفهما عند التعارُض، وتسليم ما جاء في الشرع وإنْ لم يعرف حِكَمه، وإن كان ظاهره مما يُنكر؛ لقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82]، وهذا أصلٌ عظيمٌ. وفيه أنواع أُخرى من الأُصول والفُروع سبق بعضُها في (باب ما ذكر في ذهاب موسى). قال (ط): وفيه أن ما تعبَّد الله به حُجةٌ على العقول، لا أن

45 - باب من سأل وهو قائم عالما جالسا

العقول حجةٌ عليه، فإن ما ظهر لموسى كان حرامًا في ظاهر العُقول، ثم تبيَّن أن ما فعله الخضر هو الصواب، وفيه أن ذلك كله كان بوحيٍ، فليس لأحد أن يقتُل نفسًا لما يتوقعه منها، ولا يقتضى قبل البلوغ بشيء؛ لأنَّه إخبارٌ عن الغَيب، وكذا القول في باقي ما وقع من الخَضِر، وفيه حجةٌ لمن قال: إنه نبيٌّ. * * * 45 - بابُ مَنْ سَأَلَ وَهْوَ قَائِمٌ عَالِمًا جَالِسًا (باب من سأل وهو قائم)، الجملة الأخيرة حاليةٌ. (جالسًا) صفةٌ لمحذوفٍ، أي: عالمًا جالسًا، والقصد أنَّ هذا ليس من باب: (مَنْ تمثَّلَ له الناسُ قِيامًا)، بل هو جائزٌ إذا سَلِمت النفْسُ من الإعجاب. 123 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَناَ جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّ أَحَدَناَ يُقَاتِلُ غَضَبًا، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً؟ فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ -قَالَ: وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا- فَقَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ - عز وجل -". (إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: انتهى إليه مجيئه إليه، وإلا فـ (جاء) متعدٍّ بنفسه.

(غضبًا) هو ما يحصل عند غَلَيان دم القَلْب؛ لإرادة الانتقام. (حمية) هو المحافظة على الحرَم، وقيل: الأَنَفة والغَيرة، فأُشير بالأول إلى مقتضى القوة الغضَبية، والثاني إلى مقتضى القوة الشَّهوانية، أو الأول لدفع المضرَّة، والثاني لطلب المنفعة. (إلا أنَّه) استثناءٌ مفرَّغٌ، أي: لم يرفع إليه الأمر إلا لقيام الرجل. (من قاتل) أجاب بالمقاتل، مع أن السؤال عن ماهية القتال؛ إما لأنَّه يتضمنه، ففيه الجواب وزيادةٌ، أو أن القتال في السؤال بمعنى: المقاتِل؛ لقرينة قوله: (فإنَّ أحدنا)، ويكون قد عبر عن المقاتل، لأنَّا إنْ قلنا: إنَّها له ولغيره فظاهرٌ، وإن قلنا: مختصٌّ بغيره؛ فذاك إذا لم يعتبر معنى الوصفية، فإن اعتبر فلا فرق في استعمالها في العالم، وفي غيره، كما قرره الزَّمَخْشَري في قوله تعالى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} [البقرة: 116]، أنَّه مثل: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا} [الزخرف: 13]، أو يقال: ضميرٌ، فهو راجعٌ للقتال الذي في ضِمْن: قاتَل، أي: قتاله قتالٌ في سبيل الله. (كلمة الله)؛ أي: دعوته إلى الإسلام. (هي) ضميرُ فصلٍ، أو مبتدأٌ، والقصد التأكيد لفضل كلمته، وأنَّها المختصة به. (فهو في سبيل الله) يدخل فيه مَنْ قاتل لطلب ثواب الآخرة، أو رضا الله؛ لأنَّهما إعلاء كلمة الله، وهذه هي القوة العقلية، ليخرج

46 - باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار

الغضبية والشهوانية، والانحصار في الثلاث مبيَّنٌ في موضعه. قال (ط): هذا الجواب من النبي - صلى الله عليه وسلم - من جوامع الكَلِم؛ لأن الغضَب والحكمة قد يكون لله، فأَجابه بالمعنى، لا باللفظ الذي سأله؛ خشيةَ التباس الجواب عليه لو قسَّم له وجوه الغضَب والحميَّة. قال (ن): وفيه أن الأعمال إنما تُحسب بالنيات الصالحة، وَأَنَّ الْفَضْل الوارد فِي الْمُجَاهِدِ يَخْتَصُّ بِمَنْ قَاتَلَ لإعلاء كَلِمَة الله، وإقبال المتكلم على المخاطب. * * * 46 - بابُ السُّؤَالِ وَالْفُتيَا عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ (باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار) السؤال من جانب المستفتي، والفُتيا من المفتي، والجِمار جمع: جمرة. 124 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَهُوَ يُسْئَلُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ". قَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، قَالَ: "انْحَرْ وَلاَ حَرَجَ". فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ".

47 - باب قول الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]

(الجمرة) تحتمل لامه العَهْد، أي: جمرة العَقَبة؛ لأنَّها المراد عند الإطلاق، ويحتمل الجنس، أي: واحدةٍ من الثلاث. (نحرت) هو الذَّبح في اللَّبَّة من الإبل كما سبق. وسبق كثيرٌ من شرح ألفاظ الحديث في (باب الفُتيا). قال (ط): معنى هذا الحديث: يُسأل عن علمٍ وهو مشغولٌ في طاعة الله، فيُجيب؛ لأنَّه انتقالٌ لطاعةٍ أُخرى. قيل: لكن ليس في الحديث أنَّه في الرمي، بل أنَّه عند جَمْرة العَقَبة، فأين معنى الترجمة؟ وأجيب: بأن كونه عند الجمرة قرينةٌ أنَّه كان يَرمي، أو في الذِّكر المقول عندها. * * * 47 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] (باب قول الله تعالى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]) 125 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ

بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ لاَ يَجيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْألَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِم! مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ، فقَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا}، قَالَ الأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا. (خرب) بفتح المعجمة، وكسر الراء، والباء المُوحَّدة، وفى بعضها: بكسرٍ، ثم فتح، والخَراب ضِدُّ العمارة، يُقال: خَرِبَ المَوضع -بالكسر- فهو خَرِبٌ. قال (ع): ورواه البخاري في غير هذا الموضع بمهملةٍ، ومُثلَّثة. (عسيب) بفتح، ثم كسر المهملتين: السَّعَف ما لم ينبُت عليه خُوصٌ، أو بعد أن كُشط عنه خُوصه. (بنفر) بالتحريك: عدَّةُ رجالٍ. (اليهود) أصله يهوديون، فحُذفت ياء النسب منه، كما قالوا في زنجي: زنج؛ للفرق بين المفرد والجمع، فلفظ اليهود معرفةٌ باللام، وبدونها. واعلم أن قوله: (فمرَّ بنفَرٍ): إذا كان جواب (بينا) أشكل العاملُ فيه، إذ الفاء الجزائية تمنع عملَ ما بعدها فيما قبلَها، فلا تعمل (مر) في (بينا)، فقال (ك): لا نُسلم أن (بينا) جوابه صريحًا، بل فيه رائحةٌ منها، سلَّمنا، ولكن لا نُسلِّم أنَّ ما بعد فاء الجزاء لايعمل فيما قبلها، فقد قالوا

في: أما زيدًا فأنا ضاربٌ: أنَّ (ضاربٌ) عاملٌ في (زيدًا)، سلَّمنا ولكن الظرف يُتوسع فيه، سلمنا، ولكن العامل: (مرَّ) مقدرًا دلَّ عليه: (مرَّ) المذكور؛ لأنَّها مفسِّرةٌ له، على أنَّ بين: (إذا) و (الفاء) أُخوةً، فيجاب بينا بالفاء كالجواب بـ (إذا)، كقوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]. على أن السؤال وارد لو أُجيب: (بينا) بـ (إذ)، أو (إذا)؛ لأنَّهما مضافان لما بعدها، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، فلا يعمل في ما قبله من بابٍ أَولى، وإذا كان مُشترَك الإلزام، فما كان جوابًا لهذا كان جوابًا لهذا. (لا يجيء) قال السُّهَيْلي: النصب فيه بعيد؛ لأنَّه على معنى (أن)، ويجوز الجزم على جواب النهي، نحو: لا تَدْنُ من الأَسَد تَسْلَم، أي: لا تدنُ، وجوَّز ابن الأَبرش الرفع على القطع، أي: لا يجيء فيه شيءٌ تكرهونه. قلت: إذا قدَّر في النصب أنَّ (لا) زائدةٌ، والأصل: (لا تسألوه) إرادة أن يجيء ساغ على رأي الكوفيين. (لنسألنه) جواب قسم محذوف. (يا با القاسم) حذف الهمزة من الأب تخفيفًا. (فَقُمْتُ)؛ أي: حتى لا يتشوَّش مني. (وانجلى)؛ أي: انكشف الوحي، أي: أمره عنه، أو انجلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أثره. (الروح) الأكثر أن المراد به رُوح الحيوان، سألوه عن حقيقته،

48 - باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه منه

فأخبر أنَّه من أمر الله تعالى، أي: أنَّه تعالى استأثَر بعلمه. وقيل: هو خَلْق عظيمٌ روحانيٌّ أعظم من الملَك. وقيل: خَلْقٌ كهيئة الناس، وقيل: جبريل، وقيل: القرآن. (من أمر ربي)؛ أي: من وحيه كلامه لا من كلام البشَر. (أرأيتكم) الخطاب عامٌّ، وقيل: لليهود. (وما أوتوا) هو بصيغة الغائب، وإن كانت القراءة المشهورة: (أُوتيتُم). (إلا قليلًا) استثناءٌ من العلم؛ أي: إلا عِلْمًا قليلًا، أو من الإيتاء، إلا إيتاءً قليلًا، أو من الضمير، أي: إلا قليلًا منكم. قال (ط): فيه أن من العِلْم أشياء لن يُطلع الله عليها نبيًّا ولا غيره. * * * 48 - بابُ مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الاِخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَقَعُوا فِي أَشَدَّ مِنْهُ مِنْهُ (باب من ترك بعض الاختيار)؛ أي: المُختار. (في أشد منه)؛ أي: مِن تَرْك المختار، وفي بعضها: (أشَرَّ) بالراء، وفي بعضها: (من شَر). * * *

126 - حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، عَنْ إسْرَائيلَ، عَنْ أَبِي إسْحاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ قالَ: قالَ لي ابنُ الزُّبَيْرِ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُسِرُّ إِلَيْكَ كثِيرًا فَمَا حَدَّثتكَ فِي الْكَعْبَةِ؟ قُلْتُ: قَالَتْ لِي: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "يَا عَائِشَةُ! لَوْلاَ قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ -قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِكُفْرٍ- لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ؛ بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ، وَبَابٌ يَخْرُجُونَ"، فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. (عن أبي إسحاق)؛ أي: السَّبِيْعي، جد إِسرائيل الراوي عنه؛ لأنَّه ابن يونسُ، بن أبي إسحاق. (تسر إليك) أتى به مضارعًا بعد (كان)، وهو ماض؛ لإفادة الاستمرار، أو إحضاره للسامع، كما سبق مرات. (في الكعبة)؛ أي: في شأنها، وسُميت بذلك من الكُعوب، وهو النُّشوز؛ لأنَّها ناشزةٌ في الأرض، أو من التَّربيع؛ لأنَّها مُربَّعةٌ. (حديث) منوَّنٌ خبرًا عن (قومك) الذي هو مبتدأٌ، وحذف الخبر بعد (لولا) وإنْ كان واجبًا، فمحلُّه إذا كان كونًا عامًّا، أما الخاصُّ فيُذكر كما هنا، وكما في نحو: ولولا الشِّعرُ بالعُلَماءِ يُزْرِي ... لكُنتُ اليومَ أَشعَرَ مِنْ لَبيدِ (عهدهم) فاعل لـ (حديث)، الذي هو صفة مشبهةٌ، وفي بعضها: (ولَولا أَنَّ قَومَكِ)، فيكون الخبر كونًا عامًّا، فحُذف.

(قال ابن الزبير)؛ أي: زاد في روايته هذه اللفظة، فالجملة معترضةٌ، أو هو تنبيهٌ منه على أن للكلام بقيةً، نعم، ظاهر كلام ابن الزبير أنَّه موقوفٌ عليه؛ إذ لم يُسنده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكنَّ السِّياق والروايات تدلُّ على رفْعه، فيكون الحديث مَرويًّا بعضه من صحابيٍّ، وبعضه من صحابي آخَر. (بابًا) بالنصب، بدلٌ، أو بيانٌ لبابين، وفي بعضها: (بابٌ) -بالرفع- خبرٌ، أي: أحدهما بابٌ، وضمير المفعول محذوفٌ من (يدخل)؛ أي: منه، أو هو مِن تنازع (منه) (¬1) المذكور تَنازعه الفعلان: يدخل، ويخرج. (ففعله)؛ أي: المذكور من النَّقض، وجَعْل البابين، وهذه رابعةٌ من بُنيان البيت: بَنتْه الملائكة، ثم إبراهيم - عليه السلام -، ثم قريشٌ في الجاهلية، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ ابن خمسٍ وثلاثين سنةً، ولمَّا تَنازعوا في وَضْع الحجَر الأسود حكَّموه - صلى الله عليه وسلم -، فأمرهم برفْعه في ثوبٍ، كلُّ قبيلةٍ يحملون طرَفًا، ثم قام ووضعه - صلى الله عليه وسلم - بيده الكريمة، ثم بنيَّة ابن الزُّبير هذه، ثم الخامسة بنيَّة الحجَّاج، واستمرَّ، وقيل: بُني بنيتين أُخريين، ولما أراد الرَّشيد هدمَها وبناءها علي بناء ابن الزُّبير سأَل مالكًا فقال: نشدتُك الله يا أمير المؤمنين، أنْ تجعلوا هذا البيت مَلْعبةً للمُلوك، لا يشاء أحدٌ إلا نقضه وبناه، فتذهب هيبتُه من صُدور الناس. ¬

_ (¬1) على ما جاء في رواية.

49 - باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا

قال (ن): فيه دليلٌ لقواعد، منها: إذا تعارَض مصلحةٌ ومفسدةٌ بُدئ بالأهم من فعل المصلحة وترك المفسدة؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - ترَك مفسدةَ خوف الفِتْنة من بعض مَنْ أسلَم قريبًا، ومنها فِكْر وليِّ الأمر في المصالح، واجتناب ما فيه ضرَرٌ عليهم في دينِ أو دنيا إلا الأمور الشرعية كأَخذ الزكاة، وإقامة الحُدود. ومنها تألُّف قلوبهم، وحُسن حياطتهم، وأنْ لا يُنفَّروا، ولا يُتعرَّض لِمَا يُخاف نفرتُهم بسبَبه ما لم يكن فيه ترك أمرٍ شرعيٍّ. * * * 49 - بابُ مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا (باب من خص بالعلم قومًا دون قوم)؛ أي: خلافَهم. (كراهية) مفعولٌ لأجله مضافٌ لما بعدَه. 127 - وقالَ عليٌّ: حَدِّثُوا النّاسَ بما يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أن يُكَذَّبَ اللهُ ورسولُهُ. حدثنا عبيدُ الله بنُ موسَى، عَن معرُوفٍ بنُ خَرَّبُوذٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ.

(حدثوا الناس)؛ أي: كلِّموهم على قَدْر ما يَعرفون ويُدركون بعُقولهم. (يكذب) بفتح الذال؛ لأن السامع لمَا لا يَفهم ويَعتقد استحالتَه جهلًا لا يُصدِّقه، فيلزم التكذيب. (عن معروف) هو ابن خَرَّبُوذ، بفتح المعجمة، وقد تضم، وتشديد الراء، وضم المُوحَّدة، وبذال معجمة، ضعَّفه ابن مَعِيْن. (عن أبي الطُّفيل) بضم الطاء المهملة، وفتح الفاء: عامِر بن واثِلَة، وإنما أخَّر البخاري السنَد إلى عليٍّ فَرْقًا بين سنَد الحديث، وسنَد الأثَر، أو أن الأثَر تتمة ترجمةِ الباب، أو لضعْف السنَد بسبب ابن خَرَّبُوذ، أو للتفنُّن، أو لأن الأمرين جائزان، ولهذا يقَع في بعض النُّسَخ مقدَّمًا على المتن. * * * 128 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ! "، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: "يَا مُعَاذُ! "، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلاَثًا، قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: "إِذًا يَتَّكِلُوا"، وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتهِ تَأَثُّمًا.

(ومعاذ رديفه) جملةٌ حاليةٌ. (على الرحل) متعلق برديفه، أي: راكبٌ خلفَه، والرَّحْل للبعير أصغر من القَتَب، ويحتمل أنَّه حالٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: قال في "مَجمَع الغَرائب": ردفتُه: ركبتُ خلْفَه، وأَردفتُه: أركبتُه خلفي، وقد جمع ابن مَنْدَهْ مَن أردفَهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في جزءٍ نحو نَيِّفٍ وثلاثين. (يا معاذ بن) بنصب (ابن) وضم (معاذ)؛ لأنَّه مُنادى مفردٌ، ونصبه؛ لأنَّه مع صفته كشيءٍ واحدٍ مضافٍ لما بعده. قال (ك): إنَّه المختار، أي: كما اختاره ابن الحاجب؛ لكن مختار ابن مالك الضم. (لبيك وسعديك) من المصادر المحذوف فعلُها وجوبًا، وثُنِّيا للتأكيد والتكثير، أي: إقامةً على طاعتك بعد إقامةٍ، وإسعادًا بعد إسعادٍ، أي: لنفْسي بإجابتك إلى ما لا يتناهى. (ثلاثًا) راجعٌ لقول معاذ، ويحتمل أنَّه لقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا، فيكون من التنازع. (صدقًا) لإخراج شهادة المنافق. (من قلبه) يحتمل تعلُّقه بـ (صدقًا)؛ فالشهادة لفظيةٌ، ويتشهد، فالشهادة قلبيةٌ، ويوصف الفعل بالصدق، كالقول، باعتبار تحري كماله، قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33]، أي: حقَّق ما أوردَه قولًا بما تحرَّاه فِعْلًا.

(إلا حرمه)؛ أي: منَعه، كما في: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} [الأنبياء: 95]، الآية، وفي معناه: حرَّم الله النارَ عليه؛ لتلازُمهما، وإن اختلفا مفهومًا، وحكم ما في القرآن من قوله تعالى: {حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّة} [المائدة: 72]،: أن الجنة متصرَّفٌ فيها، بخلاف النار، فإنَّها متصرِّفةٌ، والتحريم على المتصرِّف أنسب، فرُوعيَ المناسبة في الموضعين، والاستثناء من أعم عام الصفات، أي: ما أحدٌ يشهد كائنًا بصفةٍ إلا بصفة التحريم. (أفلا أخبر) العطف على مقدَّرٍ بعد الهمزة، أي: أقلتَ ذلك؟، فلا أخبر به، وسبق الخلاف في مثل ذلك. (فيستبشروا) جواب الاستفهام، أو النفي، أو العرض، فلذلك حذفت النون كما في: يا ابنَ الكرامِ ألا تدنو فتبْصرَ ما وعند أبي الهيثم: (فيستبشرون)، بالنون، كأنَّه قصد مجرد العطف، كما في: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36]، والبشارة هي الخبر الأول السَّارُّ الصادق؛ لظهور أثر السرور فيه على البشَرة. (إذن) جوابٌ وجزاءٌ، أي: إن أخبرتهم. (يتكلوا)؛ أي: على مجرَّد الشهادة من غير أن يعملوا الصالحات، وأصل الاتكال: اوْتِكَال، فقُلبت الواو تاءً، وأُدغمت في تاء الافتعال، ورواية الكُشْمِيْهَني: (يُنكِّلوا) من النَّكال.

(موته)؛ أي: موت معاذ، أي: قبل ذلك، أو موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: بعده. (تأثمًا)؛ أي: تجنُّبًا للإثم، أي: إثم كِتمان ما أَمر اللهُ تبليغه، قال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُونَه} [آل عمران: 187]، وهذا مما أورد أنس في الرواية؛ فإنَّ الحديث منسوبٌ لرواية أنس، إلا أنَّه إذا كان المراد أنَّه أخبر بذلك أنَسًا، فيصير الحديث من رواية معاذٍ، فبالجُملة فهو جوابٌ لمقدَّر، أي: لم خالَفَ مُعاذٌ نهيه - صلى الله عليه وسلم -، وأخبَر، فأجاب بالخوف من الكتْمان الإثمَ، وليس فيه مُخالفةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن نهيه مقيَّدٌ بالاتكال؛ إذ كانوا حَديثي عهد بالإسلام، فلما زال القيْدُ، وثبتوا، وصاروا حريصين على العبادة؛ لم يبقَ نهيٌ، أو أن النهي لم يكُن للتحريم، أو أنَّه كان قبل وُرود الأمر بالتبليغ، والوَعيد على الكِتْمان، أو المراد أنَّه لا يُخبر بها العوام؛ لأنَّه من الأسرار الإلهية التي لا يجوز كشفها إلا للخواصِّ، ولهذا أخبر به - صلى الله عليه وسلم - من يَأْمَن عليه الاتكالَ، فَسَلَكَ معاذٌ ذلك، ولم يُخبر به إلا مَن رآه أهلًا لذلك، ولا يبعُد أن نداءه معاذًا ثلاث مراتٍ كان للتوقُّف في إفشاء هذا السرِّ عليه أيضًا. واعلم أنَّه ليس في الحديث عُلْقةٌ لا للمُرجئة، ولا لغيرهم في التجاسُر على المُحرَّمات من إراقة الدماء، ونهب الأموال، أو نحو ذلك؛ لأن هذا قبْل نُزول الفرائض، فمن أتى به أتى بما وجب عليه، وقيل: الشَّهادة مِن صدق القَلْب إنما هي بأَداء حُقوقها، أو أنَّ الكافر

إذا تشهَّد بذلك، ومات قبل أن يتمكن من العمَل، حرَّمه الله على النار، أو هو لمن قالَها توبةً وندَمًا، ومات عليها، أو أنَّ ذلك معارَضٌ بنُصوص عذاب العصاة. وقال (ط): معناه: حرَّم الله خُلوده في النار؛ لحديث: "أَخرِجُوا من النَّار مَن في قَلْبه مِثْقالُ حَبَّةٍ من إيمانٍ". وفيه جواز تخصيص ذي الضبط والفهم بالمعنى اللَّطيف من العِلم دون من يُخاف عليه لقُصور فهمه. قال (ك): وفيه جواز ركوب اثنين على دابةٍ، وبيان منزلة مُعاذ، وتكرار الكلام، والاستِفسار من الإمام. واعلم أن هذا يدلُّ على تخصيص واحدٍ، فكيف يُطابق الترجمة مطابقة؟ وجوابه: أنَّه في المعنى لا فرقَ؛ إذ إنَّ أنَسًا سمع أيضًا، والطائفة تكون من اثنين، أو أنَّ مُعاذًا نُزِّل مَنْزلة طائفةٍ، كما في: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120]، وقد قال ابن مَسعود في قولهم: كان مُعاذ أمةً قانِتًا، كنَّا نشُبِهه بإبراهيم - عليه السلام -. * * * 129 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذٍ: "مَنْ لَقِيَ اللهَ

لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قَالَ: أَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: "لاَ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا". وبالسند إلى المؤلف: (سمعت أبي)؛ أي: سُليمان بن المعتمِر. (ذكر لي) لا يقدح في صِحَّة الحديث ذلك؛ لأن المتْن ثابتٌ من طريقٍ آخر، وأيضًا فأنَسٌ لا يروي إلا عن عدلٍ، صحابيٍّ أو غيره، فلا تضرُّ الجهالة هنا، وأيضًا فيُغتفَر في المتابعة ما لا يُحتمَل في الأُصول، نعم، يحتمِل أن معاذًا صاحب القصَّة. (لا يشرك) إنما لم يقل: لم يشرك، حتى يعتبر ذلك في الدنيا؛ لأن الإشراك لا يُتصور في القيامة؛ لمَحلِّ الاستصحاب؛ لعدم إشراكه في الدُّنيا، أو المراد: بلقاء الله الموت، أي: لا يُشرك عند موته. وإنما لم يذكر: محمدٌ رسول الله؛ لأنَّه مِن لازم عدَم الإشراك، فهو نحو: مَن توضَّأ صحَّت صلاتُه، أي: عند وُجود سائر الشُّروط، فالمراد: من لقِيَ الله موحِّدًا بسائر ما يجب الإيمان به، أو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - علم أنَّ من الناس من يعتقد أن المُشرِك يدخُل الجنة، فردَّ اعتقادَه بذلك. (دخل الجنة)؛ أي: وإن لم يعمل صالحًا، إما قبل دخول النار، أو بعده بفضل الله وعفوه. (لا)؛ أي: لا تبشِّر، ثم استأنف فقال: (أخاف) فلم يُدخل (لا) على (أخاف). * * *

50 - باب الحياء في العلم

50 - بابُ الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لاَ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلاَ مُسْتكْبِرٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ. (باب الحياء): هو ممدودٌ بمعنى: الاستحياء، وسبق بيان معناه في (باب من قعد حيث ينتهي به المجلس). (في العلم)؛ أي: في تعلُّمه، وتلقِّيه. (مستحيي) بياءَين، من استَحيَا، يَستحيي، فإذا نوَّنته قلتَ: مُستحي، على وزْن مستَفِع. (متكبر)؛ أي: متعظِّم، ومثله الاستكبار، أي: التعظُّم. (وقالت) عطف على (قال مجاهد)، كما هو الظاهر، ويحتمل أن يكون على (لا يتعلم)، فيكون مقول مجاهد أيضًا؛ لأن الصَّحيح أنَّه سَمع منها. (نساء الأنصار)؛ أي: مؤمنات أهل المدينة. * * * 130 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:

جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ"، فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ -تَعْنِي وَجْهَهَا- وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: "نعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟! ". (ع). (بنت أم سلمة) نُسبت إلى أمها تشريفًا، إذ يعلم منه أنَّها ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّها روت عن أمها أم سلمة هند، وروى البخاري لزينب حديثًا واحدًا. (أم سُليم) بضم المهملة، اسمها: سَهْلة، أو رميثة، أو غير ذلك، كما سيأْتي في (الأسماء). (لا يستحيي)؛ أي: لا يمتنع من بَيان الحقِّ، فأنا لا أمتنعُ من سُؤالي عما أحتاجه مما تستحيي النِّساء في العادة من السؤال عنه؛ لأنَّ نُزول المنيِّ منهنَّ يدلُّ على قوة شهوتهنَّ للرجال. (من غسل) بضم الغين، اسمٌ للفعل المشهور، وبالفتح، مصدرٌ، أما بالكسر، فما يُغسل به، و (من) زائدةٌ. (احتلمت) من الحُلُم، بالضم، وهو ما يَراه النائم، تقول: حلَم -بفتح اللام- واحتَلَم. (إذا رأت)؛ أي: وقْت رؤيته عند انتباهها، ويحتمل أنَّها شرطيةٌ،

أي: إذا رأَتْ وجب عليها الغُسل، أما من رأَى أنَّه يُجامع، أو رأتْ أنَّها تُجامَع، ولم يَريا ماءً فلا غُسل. (فغطت) الظاهر أنَّه من كلام زَينب، فالحديث مُلفَّقٌ من رواية صحابيَّتين، ويحتمل أن يكون من كلام أُم سلَمة على وجه الالتفات، كأنَّها جرَّدت من نفسها شخصًا فأسندَتْ إليه التغطية، والأصل: فغطيتُ وجهي وقلتُ. (تعني وجهها) إدراجٌ من عُروة، ويحتمل أن يكون من راوٍ آخر، فتكون إدراجًا في إدراجٍ. (أوَتحتلم) العطف على مقدَّر، أي: القول، أو ترى، أو نحوه وتحتلم. قلت: كثيرًا يُكرر (ك) ذلك، وبيَّنا أنَّه طريقةٌ، ورجَّح المحققون خلافَها. (تربت) بكسر الراء، وأصل المعنى فيه: افتقَرت، لكن كثُر استعماله للتَّحسين في الكلام لا على حقيقته، فيُقال: تَرِبَتْ يدُه، أو يداه، أو يمينُه، كما يُقال: قاتَلَ اللهُ فلانًا ما أَشجَعه، ولا أَبَا له، وما أشبهه، فيُقال مثل ذلك إنكار الشَّيء، أو الزَّجر عنه، أو الذم عليه، أو الحث، أو الإعجاب به، وقيل: ليس دعاءً، بل خبرٌ لا يُراد حقيقةً. (فَبِمَ) أصله (فبما)، حُذفت الألف، أي: أنَّه لا يُشبه أُمه إلا إنْ غلب ماؤها ماء الرجل عند الجماع، ومَنْ أنكر نُزول مائها عند الجماع أنكر نُزوله عند الاحتلام.

قال (ط): الحياء المانع من العِلْم مذمومٌ، لا الذي على جهة التَّوقير والإجلال، فإنَّه حسنٌ كما غطَّتْ أُمُّ سلَمة وجهَها. وفيه أن المرأة تحتلم لكن نادرًا، وفيه أن الرجل في ذلك مثلها؛ لأن حكمه عامٌّ. * * * 131 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِم، حَدِّثُوني مَا هِيَ؟ "، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَوقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْناَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ النَّخْلَةُ"، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا. سبَق شرحه في (باب أُمور الإيمان) إلا أنَّ هنا: (فحدثت أبي ...) إلى آخره. (تكون) أتى به مُضارعًا مع قوله بعده: (قُلت)، وهو ماضٍ، وحقُّه: لأَنْ كُنت قُلتَ؛ لأنَّ المعنى لا يكون في الحال موصوفًا بهذا القول الصادر في الماضي. (كذا وكذا)؛ أي: مِن حُمر النَّعَم وغيرها، فـ (كذا) كِنايةٌ عن العدَد.

51 - باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال

قال (ط): وفيه حِرْصُ الرجل على ظُهور ابنه في العِلْم على الشُّيوخ، وسُروره بذلك. وقيل: إنما تمنَّى ذلك رجاءَ أَنْ يُسرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بإصابته، فيَدعو له. وفيه: أنَّ الابن الموفَّق أفضَل مَكاسِب الدُّنيا. * * * 51 - بابُ مَنِ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ (باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال) 132 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "فِيهِ الْوُضُوءُ". في سنَده تابعيَّان يَروِيان عن غير تابعيٍّ، والأَوَّلان بَصْريَّان، والأَوسَطان كُوفيَّان، والأَخيران هاشِميَّان حِجازيَّان. (مَذَّاءً) مُبالغةٌ من المَذْي، وهو ماءٌ رقيقٌ لَزِجٌ، يَخرج عند المُلاعَبة لا بشَهوةٍ، ولا تدفُّقٍ، وربَّما لا يُحسُّ بخُروجه، وهو في النِّساء أكثَر منه في الرِّجال. وفيه لُغاتٌ: سُكون الذَّال، وكسرها مع تشديد الياء، وتخفيفها، والأَوَّلَتان مَشهورتان، وأُولاهما أفصَح وأشهَر، يُقال: مذَى الرَّجل

وأَمذَى، ومذَّى -بالتشديد- كأَمْنَى ومَنَى ومَنَّى. أما الوَذْي: فهو ما يخرج بعد البَول، ويكون من البُرودة، وحكَى الأُمويُّ تشديد يائِه. (فأمرت المقداد) قال (ك): ليس للوُجوب؛ لأنَّ ذلك صيغة: افْعَلْ، وأيضًا فيُعدَل عن الأصل بقرينةٍ. وهو كلامٌ عجيبٌ، إنما ذلك في الأَمْر المُسنَد إلى الله، أو إلى رسوله. (فسأله)؛ أي: عن حُكم المَذْي، يُقال: سألَه الشَّيءَ، وسأَلتُه عن الشَّيء، وقد يُعدَّى إلى الثاني بنفْسه، والى الأَوَّل بـ (عن)، وقد تُخفَّف همزتُه، فيُقال: سَالَه. (فيه الوضوء) يحتمل كونه مبتدأً، أو خبرًا، ويحتمل أن يكون مبتدأً، أو فاعلًا وخبرُه أو فعلُه محذوفٌ، أي: واجبًا أو يَجبُ، ولفظة (في) متعلِّقةٌ بـ (قال). ثم على ذلك هل هو من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيث لم يقُل فيه: قال المِقْداد: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، أو مِن المِقْداد؟، الظَّاهر الأوَّل، ولئِنْ سُلِّم؛ فمُرسَل صَحابيٍّ. وهذا الحياء إنما منَعه أنْ يَسأَل بنفسه، فبعَث مَن يقُوم مَقامه جمعًا بين السُّؤال وعدَمه للحَياء. وفيه قَبُول [خبر] الواحِد، وجوازُ الاستِنابة في الاستِفتاء، والاعتِماد على الخبَر المَظْنون مع القُدرة على القطْع؛ لأنَّه مُتمكِّنٌ من

52 - باب ذكر العلم والفتيا في المسجد

سُؤاله بنفسه، نعَمْ، يحتمل أنَّه كان حاضِرَ الجَوابِ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وفيه استِحباب حُسن العِشْرة مع الأَصْهار، وأنَّ الزَّوج لا يَذكُر ما يتعلَّق بالاستِمتاع بالنِّساء بحُضور أَقاربها. * * * 52 - بابُ ذِكْرِ الْعِلْمِ وَالْفُتيَا فِي الْمَسْجِدِ (باب ذكر العلم والفتيا في المسجد) عطْف الفُتيا إما على (العِلْم)، أو على (ذِكْر). 133 - حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ناَفِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُناَ أَنْ نُهِلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، ويُهِلُّ أَهْلُ الشَّأمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ"، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ أفقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (في المسجد)؛ أي: مَسجِد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (نهل) بضم النُّون، وكسر الهاء، مِن الإهْلال: وهو رفع الصَّوت بالتَّلْبية.

والسُّؤال عن مَوضع الإحرام، وهو المِيْقات المَكاني. (الحليفة) بمهملةٍ مضمومةٍ، ولامٍ مفتوحةٍ، تَصغير: حَلَفة بلامٍ مفتوحةٍ، جمعها: حَلْفاء، وهي نبتٌ في الماء، والموضع على عشْر مراحِل من مكة، وستَّة أميالٍ من المدينة خلافًا لقول الرَّافعي: مِيْل. (ويهل) بضم الياء؛ أي: يُحرم. (الشام) من العَريش إلى الفُرات، ومن أَيْلَة إلى بحر الرُّوم، وقد سبَق بيانُه في قصَّة هِرَقْل. (الجحفة) بضم الجيم، وسُكون الحاء المهملة. قال (ك): يُحاذي ذِي الحُلَيفة، وكان اسمها: مَهْيَعة بفتح الميم، وسُكون الهاء، وفتح الياء، فأَجْحَف السَّيْلُ أهلَها، أي: أذهبَه، وهي على سبعْ مَراحِل، أو ستِّ من مكة. قال (ن): على ثلاث مَراحِل قَريبةٌ من البحر، وكانت قريةً كبيرةً. (نجد): ما ارتَفع من أَرض تِهامة إلى أَرض العِراق سبَق في (باب الزكاة من الإسلام). (قرن) بفتح القاف، وسُكون الرَّاء: جبَلٌ مُدوَّرٌ أَملَس كأنَّه بَيضةٌ، مُطِلٌ على عرَفاتٍ، وغَلِطَ الجَوْهَري في قوله: إنَّه بفتح الراء، وأَنَّ أُوَيْسًا القَرَني منسوبٌ إليه، فإنَّه إنما يُنسب إلى بني قَرَن، قَبيلةٌ، وهو على نحو مَرحلتَين من مكة، وهو أقْرب مِيقاتٍ إليها، قاله (ن) في "شرح مسلم" في: (وقَّتَ - صلى الله عليه وسلم - لأهل نَجْدٍ قَرنًا).

و (¬1) يُوجد في بعض النُّسَخ: (قَرن) بلا ألفٍ، وهو على رأْي مَن يَكتُب المنصوبَ المنوَّن كذلك نحو: رأَيتُ أنَس، ويحتمل أنَّه اسمٌ للبُقْعة، فيُمنعَ الصَّرف. (وقال ابن عمر) عطْفٌ على (قال) مقدَّرةٍ كأنَّه قال: عن ابن عمر أنَّ رجلًا، وقال: ويَزعُمون. ويحتمل على بُعدٍ أنْ تكون من تعليق البُخاري، وكذا القَول في قوله بعدُ: وكان ابن عُمر. (ويزعمون) عطْفٌ على مقدَّرٍ، وهو: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، والزَّعْم يُراد به القَول المُحقَّق، أو المعنى المَشْهور، وهذه الزِّيادة من طريق ابن عبَّاس. (يلملم) بفتح الياء، واللامَين، ويُقال فيه: ألَمْلَم بالهمز: جبَلٌ من جِبال تِهَامة على مَرحلتين من مكَّة، وهو مُنصرِفٌ إنْ أُريد به الجبَل، وممنوعٌ إنْ أُريد به البُقعة. (لم أفقه)؛ أي: لم أَفْهم، ولم أَعْرف هذه المَقالَة. قال الرافعي: كلٌّ من اليمَن والحِجاز مشتمِلٌ على نَجْدٍ وتِهَامَة، وإذا أُطلِق نجْدٌ فهو نَجْدُ الحِجاز، ولكنَّ مِيْقات النَّجْدين: قَرْن، وإذا قُلنا: مِيْقات اليمَن يَلَمْلَم، فإنَّما نُريد تهامتَها لا كلَّ اليمَن. ومَنْ جاوَز المِيْقات مُريدًا للنُّسُك ولم يُحرِم عصَى، ولَزِمَه دمٌ، ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "أنه" بدل "و"، ولعل الصواب المثبت.

53 - باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله

ولكنَّ نُسُكه صحيحٌ. * * * 53 - بابُ مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثرَ مِمَّا سَأَلَهُ (باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله) 134 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: "لاَ يَلْبَسِ الْقَمِيصَ وَلاَ الْعِمَامَةَ وَلاَ السَّرَاوِيلَ وَلاَ الْبُرْنُسَ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُوناَ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ". (والزُّهري) يقَع قبلَه في بعض النُّسَخ: (ح) للتَّحويل. قال (ك): إنَّه بالجرِّ عطفٌ على (نافِع)، لأنَّه من رواية ابن أبي ذِئْب عنه كما روى عن نافع، لا بالرفع عطفًا على (ابن أبي ذِئْب) حتى تكون من رواية آدمَ عنه أيضًا، فابنُ أبي ذِئْب يَروي عن الزُّهري لا عن سالم، وآدَم يَروي عن ابن أبي ذِئْب لا عن الزُّهري. قال أحمد: أصحُّ الأسانيد: الزُّهري، عن سالم، عن أبيه. (ما يلبس) بفتح الأول والثالث، مضارعُ: لَبِسَ بكسر المُوحَّدة،

والمَصدر لُبْسٌ بالضم عكس لَبَستُ عليه الأمرَ، فإنَّه بالفتْح في الماضي، والكسر في المُضارع، و (ما): مفعولٌ ثانٍ لـ (سأَله)؛ أي: سأله (¬1) عن ذلك إما موصولةٌ، أو موصوفةٌ، أو استفهاميةٌ. (المحرم)؛ أي: ناوي الحجِّ والعُمرة أو كليهما، وأَصلُه الدَّاخِل في الحُرمة، لأنَّه يَحرُم عليه ما كان يَحِلُّ له من صيدٍ ونحوه. (لا يلبس) بضم السين: خبَرٌ بمعنى النَّهي، وبكسرها نهيٌ. (العمامة) بكسر العين. (السراويل) أعجميٌّ عُرِّب، غير مُنصرِفٍ على الأكثَر، جاء بلفْظ الجمع وهو مُفرَدٌ، يُذكَّر ويؤنَّث، ولم يَعرِف الأَصْمَعيُّ فيه إلا التأْنيثَ، وجمْعه: سَراوِيْلات، وقيل: سَراوِيْل جمع سِرْوالَة، قال: عَلَيهِ مِنَ اللُّؤمِ سِرْوالَةٌ ... فَلَيْسَ يَرِقُّ لمُستَضعَفِ (البرنس) بضم المُوحَّدة، وسُكون الراء، وضمِّ النُّون: ثَوبٌ رأْسُه مُلتزِقٌ فيه، وقيل: قَلَنْسُوةٌ طَويلةٌ كان النَّاسُ يَلبَسونها في صَدْر الإسلام. (ولا ثوبًا) في بعضها: (ثَوبٌ) بالرفع على مُقدَّر فِعْلٍ مبنيٍّ للمفعول، أي: ولا يُلبَس ثَوبٌ، وإنما أُخرج عن طريق إخوانه؛ لأنَّ الطِّيْب حرامٌ على الرجل والمَرأَة بخلاف الثِّياب، فإنَّها على الرجل فقط، ولكنْ لا يُعلم ذلك من الحديث بل من أدلَّةٍ خارجةٍ، بل على ¬

_ (¬1) "أي سأله" ليس في الأصل.

تقدير رفعْ (ثوبٌ) يكون فيه الإيماء للعُموم كما ذكرناه. (الورس) بفتح الواو، وسُكون الرَّاء، وبمهملةٍ: نبتٌ أصفَر باليمَن يُصبَغ به، ويُتخذُ منه غمرة (¬1) الوَجْه. (الزعفران) بفتح الزاي، والفاء، جمعه: زَعافِر. (النعل) الحذَاء مؤنثةٌ، تثنيتها: نَعْلان. (فليلبس الخفين) ليس طلَبًا، بل إذْنٌ في ذلك، حتى لا يجب على مَن فقَد النَّعْلَ لُبسُ الخُفِّ المَقطُوع. (وليقطعها) هو زيادةٌ على رِواية ابن عبَّاس: (فليلبس خفين)، ولم يذكر قطعًا، والعمل بالزيادة واجبٌ. فتمسَّك أحمدٌ بحديث ابن عبَّاس في أنَّه لا يجب القَطْع لإطلاقه، وتَرك زيادة الثِّقة، وربَّما قال أصحابه: إنَّ حديث ابن عُمر الذي فيه القَطْع مَنْسوخٌ، وأيضًا فالقَطْع إضاعة مالٍ، ورُدَّ بأن ذلك إنما هو من تقييد المُطلَق، وأما الإضاعة فحيث لم يَأْمُر الشَّرع بها، ولكنَّ الشَّرع قد أَمَر، فلا إضاعةَ. * تنبيه: إنما أَجاب - صلى الله عليه وسلم - بما لا يَلبس المُحرِم، والسُّؤالُ كان عمَّا يَلبس؛ لأنَّه تضمَّن جوابَه بالمَفهوم، فكأنَّه قال: ويَلبس ما سِوى ذلك. وهذا وجه مُطابقته لترجمة الباب؛ لأنَّه فيه الجواب وزيادةٌ، وأيضًا فالتَّفْصيل في السَّراويل زيادةٌ على الجواب. ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ.

وإنَّما عدَل عن التَّصريح في الجواب؛ لأنَّه أقلُّ وأضبَط؛ إذْ لو قال: فلْيَلْبَس كذا؛ لكان يُعتقَد أنَّه من المَناسِك، أو للتَّنبيه على أنَّ السائل كان يَنبغي له أن يَسأل عمَّا لا يَلبَس؛ لأنَّ ما يَلبس شائعٌ بالاستِصحاب، فلا يُسأَل إلا عمَّا حدَث فيه التَّحريم. ثم في عطف البَرانِس على العِمامة: الإشارةُ إلى أنَّ المُحرِم لا يُغطِّي رأْسَه بمعتادٍ ولا غيره. ونبَّه بالقَميص والسَّراويل على جميع المَخِيْطات، وبالوَرْس والزَّعْفَران على سائر أَنواع الطِّيْب. والحكمة في تحريم اللِّباس المَذكور: بُعْدُ المُحرِم عن الترفُّه، واتصافه بصِفَة الخاشِع الذَّليل، ولِيتذكَّرَ به الموتَ، ولُبْسَ الأكفان، والبعْثَ يوم القيامة حُفاةً عُراةً: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [القمر: 8]، وتَرْكُ الطِّيْب للبُعد من زينة الدُّنيا، ولأنَّه داعٍ إلى الجِماع، وأيضًا فيُنافي كونَ الحاجِّ أشعثَ أغبَرَ، والحاصل أنْ يُحصِّل بذلك همَّةً لإرادة الآخرة. قال (ط): نقلًا عن المُهَلَّب: إنَّ في الحديث أنَّ للعالِم أنْ يُجيب بخلاف ما سُئل عنه إذا كان فيه بَيانُ ما سُئل عنه. ومِن الزِّيادة أيضًا: حُكم الخُفِّ؛ لعِلْمه مشقَّة السفَر، والضَّرر الحاصل من الحَفاء وغير ذلك، فالعالِم يجب عليه أن يُنبِه الناس على ما يَنتفعون به. * * *

4 - كتاب الوضوء

4 - كِتابُ الوُضُوءِ

1 - باب ما جاء في الوضوء

بِسْمِ اللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ 4 - كِتابُ الوُضُوءِ (كتاب الوضوء)، في بعض النُّسَخ: (الطَّهارة)، وسبقت الإشارةُ أولَ الكتاب إلى المناسبة بأنَّ المصالِحَ دينيةٌ، وهي العبادة؛ لأنَّها سببُ خَلقِ العِباد {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وإنَّ أهمَّ العباداتِ الصلاةُ، فبدأ بِها؛ لأنهَّا أفضلُ، وتتكرر كلَّ يوم خمسَ مرات، وهي مُتوقِّفةٌ على الوُضوء. وهو بضمِّ الواو: الفعلُ الذي هو المصدر، وبفتحها: الماءُ الذي يُتَوضأُ به، وقال الخليل بالفتح فيهما، وحكى في (المَطالع) الضمَّ فيهما. واشتقاقُه من (الوَضَاءَة) وهي: الحُسنُ والنَّظافة؛ لما فيه من تنظيفِ المُتَوضِّئ وتحسينِه، وأوردَ فيه البخاريُّ أبوابًا. 1 - بابُ مَا جَاءَ فِي الوُضُوءِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى

الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وبَيَّنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ فَرْضَ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ، وَكَرِهَ أَهْلُ العِلْم الإسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب ما جاء في الوضوء)، وربَّما لا توجد هذه التَّرجمةُ في بعض النُّسخ؛ للاستغناء عنه بالسَّابق. (قال أبو عبد الله) إلى آخرِه، أي: البخاريُّ ذَكرَ ذلك بلا سندٍ. فأمَّا قوله: (مرَّة مرَّةً)؛ فوصلَه بعدَ ذلك من حديث ابنِ عبَّاس. (مرَّتين مرَّتين) وصلَه من حديث عبد اللهُ بنِ زيد. (وثلاثًا ثلاثًا) وصلَه من حديث عثمانَ، وإنَّما أوردَ البخاريُّ ذلك هنا؛ لتقريرِ أنَّ الأمرَ في الآية بالوُضوء لإيجادِ حقيقته، من غيرِ أن يقتَضِيَ مرَّةً أو أكثرَ، وإنَّما أوردَ البخاري ذلك هنا لاقتِصاره - صلى الله عليه وسلم - في بعضِ أحيانه عليه، وأنَّ الزِّيادةَ على الثَّلاث فعلَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فتكونُ مستحبَّةً، ثم بيَّنَ حكمَ الزَّائد بعد ذلك. قلتُ: على أنَّ بعضَهم شذَّ فأوجبَ الثَّلاث، حكاه الشَّيخ أبو حامدٍ وغيرُه، وحكاه في "الإِبانة" عن ابنِ أبي ليلى وغيرِه، ويردُّه الإجماعُ والنُّصوصُ. واعلم أن قولَه: (مرَّة مرَّة) مرفوعٌ خبرُ (أنَّ)، ويقعُ في بعض الأحوالِ بالنَّصبِ على نصب (أنَّ) الخبَرَين، أو على الحالِ السَّادَةِ مسدَّ الخبر، أي: يفعلُ مرَّةً، كقراءة {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8] بالنَّصب،

وقال (ك): مفعولٌ مطلقٌ، أي: فرضُ الوُضوءِ غَسلُ الأعضاء واحدةً، أو ظَرفٌ، أي: فرضُ الوُضوء ثابتٌ في الزَّمان المُسمَّى بالمرَّة. قلت: ولا يخفَى ما فيه من نَظَر. قال: وتكريرُ (مرَّة) إمَّا للتأكيد، أو بحسَب الأعضَاء، فهو تفصيلٌ لأجزاء الوُضوء بحسَب تعدُّد الوُضوء، أو هو تفصيلٌ لجزئياتِ الوُضوء. قلت: الأوَّل من التفصيلين هو الأرجَحُ، والثَّاني وجهٌ ضعيفٌ. (ولم يزد على ثلاث) أي: ثلاث مرَّات. قال (ش): إن الثَّابتَ (ثلاثة) بالهاء، وكان الأصلُ (ثلاث) لو ذُكِّر المعدود، كما يقالُ: عندي ثلاثُ نِسوةٍ. (وكره أهل العلم)؛ أي: كراهةَ تنزيهٍ، وهي اقتضاءُ التَّركِ مع عدمِ المَنع من الفعلِ، إذ المكروهُ: ما يُمدح تاركُه، ولا يُذمُّ فاعلُه. والمرادُ بأهل العلم: المُجتهدون، وفيه إشارةٌ للإجماع. قلتُ: وسنَدُه ما روى ابنُ خزيمةَ في "صحيحه"، وأبو داودَ، عن عمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه في جوابِ سؤالِ الأعرابي عن الوُضوء، فأَراهُ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: "فمَن زادَ فقد أساءَ، أو تعدَّى وظَلَم"، ورواه أحمدُ، والنَّسائيُّ، بلفظِ: "أو نَقَصَ، فقد أساءَ وظَلَم". (الإسراف) هو: الصَّرف فيما لا ينبغي. (وأن يجاوزوا): هو من عطفِ التَّفسير، إذ الإسرافُ: المُجاوَزةُ عن فعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو الثَّلاث.

2 - باب لا تقبل صلاة بغير طهور

نعم، اختُلف في الزِّيادة عليها، فقيلَ: حرامٌ، وقيلَ: مكروهٌ، وقيل: خلافُ الأَولى، وشذَّ بعضُهم فقال: تُبطِلُ الوضوءَ. ولفظُ الشَّافعي في "الأمِّ ": لا أحبُّ الزِّيادةَ على الثَّلاث، فإنْ زادَ لم أكرهْهُ إن شاء الله تعالى. فقال بعضُ أصحابه: أرادَ: لم أُحرِّمه، بل الكَراهية تتعيَّن به. * * * 2 - بابُ لاَ تُقْبَلُ صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورِ (باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور): بضمِّ الطَّاء: الفِعلُ الذي هو مصدر، أمَّا بالفتح: فالماءُ الذي يُتطهَّر به. قلتُ: والإشارة به إلى ما رواه مسلم، ولكنَّه من حديث سِمَاكِ ابن حَرْبٍ، وليسَ على شَرطِه، وإنْ أَخرجَ له تعليقًا. 135 - حَدَّثَنَا إِسحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)، قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الحَدَثُ يَا أبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُراطٌ. (م د ت): (لا تُقبل) مبنيٌّ للمفعول، وفي بعضِها: (لا يَقبلُ الله).

(حتى يتوضأ)؛ أي: أو ما يقومُ مُقامه، كالتَّيمم، أو أنَّه يسمَّى أيضًا وُضوءًا، كما جاء في بعض الأحاديث، والضَّمير فيه يعودُ على: (مَن أحدَث)، باعتبارِ حالِه قبل الوُضوء نحو {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]. (حضرموت) -بفتح المُهملة وسكون المُعجمة-: بلدٌ باليمَن، وقبيلة أيضًا، وهما اسمان جُعلا واحدًا، والجُزء الأوَّل مبنيٌّ على الفتح، والثاني مُعرَب، وقيل: مبنيَّان، وقيل: مُعربان إعرابَ (¬1) مُتَضَايفَين. قال الزَّمَخشَرِيُّ: فيه وجهان: منعُ الصَّرف للتَّركيب، وإضافَةُ الأوَّل، فيجوزُ معها صَرفُ الثاني وتركُه. (فساء): بضمِّ الفاء والمَدِّ. (ضراط): بضمِّ المُعجمةِ، وآخرُه مُهمَلة مُشالَة، والحَدَثُ وإنْ لم ينحصر فيهما؛ لكنْ فسَّره بِهما؛ لأنَّه جوابُ من سألَ عن المُصلِّي يُحدِث في صلاته بما يَغلِبُ، والغائطُ ونحوُه لا يقعُ في الصَّلاة غالبًا، أو أرادَ: أنَّ الباقيَ يُفهَم من الأمر المُشترَك، وهو خروجُ خارجٍ، فيُفهَم من الأخَفِّ الأغلظُ مَن كان أولى، أو أنَّ المُجمعَ عليه ما كان خارِجًا من فَرجه أو مظنةً له كالنَّوم، وغيرُه مختَلفٌ فيه، أو أنَّ السَّائلَ يعلمُ الأحداثَ إلا هذين، فإنَّه يجهلُ أنَّهما حَدَثٌ، وأبو هريرة يعلمُ منهُ ¬

_ (¬1) "إعراب" ليس في الأصل.

3 - باب فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء

ذلك، وإذا تبيَّن أن العُمومَ مرادٌ من الحديثِ طابَقَ ترجَمة الباب. وفي الحديث افتقارُ الصَّلوات كلِّها للطَّهارة، ولو جنازةً وعيدًا، وربَّما دخل الطَّوافُ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ، إلا أنَّه أُبيحَ فيه الكَلامُ". وقد اختُلِفَ في المُوجِب للوُضوء، فقيل: الحَدَثُ، وقيل: إرادةُ القيام للصَّلاة، وقيل: الأمران، وهو الرَّاجح، ولا يَخفى أنَّ آخرَ الحديث: (حتى يتوضَّأ)، وأنَّ ما بعدَه مُدرجٌ، والظَّاهر أنَّه من هَمَّام. * * * 3 - بابُ فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالغُرُّ المُحَجَّلونَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ (باب فضلِ الوُضُوءِ والغُرِّ المُحجَّلين) قال (ك): في بعضِها: (المُحَجَّلون) بالرَّفع، ووجهُه: أنَّ (الغرُّ) مبتدأٌ، والخبرُ محذوفٌ؛ أي: مُفضَّلونَ على غيرهم، أو نحوُه، أو أنَّ (من آثَارِ الوُضُوء) خَبرُه؛ أي: مَنشَؤُهم آثارُ، والبابُ مضافٌ للجُملة، أي: وبابُ هذه الجُملة، أو رفعُه على الحكاية؛ لورودِ: "أمَّتي الغرُّ المُحجَّلون من آثارِ الوُضُوء"، انتهى. وفي ذلك بعضُ رِكَّةٍ ونَظَر! وقال (ش): إن الرِّواية: (المُحجَّلون) بالواو، وإنَّه إنَّما قطَعَه عمَّا قبله؛ لأنَّه ليس من جُملةِ التَّرجَمة.

قلتُ: وفيه نَظَر! إذ هو عينُ التَّرجمة، بدليلِ الحديث الذي أوردَه صريحًا فيه، وفضلُ الوُضُوء إنَّما يُفهم من الحديث بطريق اللُّزوم، وبالجملة: فوجهُ الرَّفع على النُّسخة التي فيها سُقوطُ (باب) ظاهرٌ، وعلى النُّسخة التي فيها (باب) (¬1) يكونُ (والغُرُّ) عطفًا على (باب)، وهو على تقديرِ: (بابٌ فيه)، كأنَّه قيلَ: (وبابُ الغُرِّ المُحجَّلين)، فأُقيمَ المُضافُ إليه مُقامَ (باب) المَحذوف. * * * 136 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجدِ، فتَوَضَّأ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (إِن أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ). (م). (خالد) هو ابنُ يزيدَ الإسكَندَرانِيُّ، أحدُ الفُقَهاء الثِّقاتِ. (نعيم المجمر) صريحٌ في وَصف نُعَيْمٍ بذلك، وقد قالَ (ن): إنَّه صفَةُ لأبيه عبدِ الله، ويُوصَف به نُعَيمٌ مَجازًا. ورُدَّ باحتمالِ أن كلًّا منهما كان يُجَمِّر، أي: يُبَخِّر، وسيأتي في ¬

_ (¬1) "باب" ليس في الأصل.

نوع الأسماء فيه زيادةُ بَيان (¬1). (رقيت) بكسر القاف، أي: صَعَدتُ، وفي "المَطالِع" حكايةُ فتحِها بِهمزٍ ودونَه. (المسجد) أي: مسجدِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (توضأ، قال)؛ أي: فتوضَّأ وقَالَ، وكلٌّ منهما جوابُ سؤالٍ، كأنَّه قيلَ: ماذا فَعل؟ قال: توضَّأَ، قيلَ: وما قال؟ فقيلَ: قال: كذا وكذا، ولهذا لم يذكر واوَ العطفِ فيهما، وفي بعضِها: (فتوضَّأ). (يقول) مجيئُه مضارِعًا بعد: (سمعتُ)، وهو ماضٍ؛ سبَقَ جوابُه مراتٍ، فإنه استِحضَارٌ للصُّورة الماضية، أو حكايةٌ عنها. (أُمتي) المراد: أمَّةُ الإجابة، وهي: مَن آمَنَ به، لا أمَّةُ الدَّعوة، وهي: كلُّ من بُعِثَ إليهم، وأصلُ الأُمَّة: المُجتمِعَةُ على مَقصِد واحد، والمُراد: المُتوضِّئونَ منهم. قلت: مَن جعله لكلِّ الأمَّة، مَن توضَّأ ومَن لم يتوضَّأ، يصيرُ مثلَ أهلِ القِبلة، لمن صلَّى ومَن لم يُصلِّ، حكاه الرُّمَّانيُّ في "شرح الرسالة"، وهو غريبٌ مُخالفٌ لظاهرِ الحديث. (غُرًّا) جمع (أغَرّ)، والغُرَّةُ: -بالضم-: بياضٌ في جبهةِ الفَرس فوقَ الدِّرهم، شَبَّه به ما يكونُ لهم من النُّور في الآخرة، ويقالُ للأبيَضِ أيضًا: أغَرّ، وللشَّريف، وفلانٌ غُرَّةُ قَومِه؛ أي: سيِّدُهم. ¬

_ (¬1) "بيان" ليس في الأصل.

(محجلين)، التَّحْجيلُ: بَياضٌ في قَوائمِ الفَرس، أو في ثلاثٍ منها، أو في رِجلَيه، قَلَّ أو كَثُر، بعدَ أن يُجاوِزَ الأرساغَ، ولا يتجاوزُ الرُّكبَتين والعُرْقُوبَين، فيقالُ: مُحجَّلُ الأربعِ أو الرِّجلَين أو اليُمنى أو اليُسرى كيفما قُدِّر، ولا يُسمَّى ما كانَ بيدٍ أو يدَين تَحجيلًا؛ ما لم يكُن معه تحجيلٌ في رِجل أو رِجلَين. وانتصابُ (غُرًّا محجَّلين) على الحال، أي: يُدعَون إلى يومِ القيامَة وهم بِهذه الصِّفة، فيكونُ متعدِّيًا بـ (إلى) نحو {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} [آل عمران: 23]، أو مَفعولًا ثانيًا لِـ (يُدعَونَ)؛ بمعنى: يُنادَون على رُؤوس الأشهادِ بذلك، أو بمعنى: يُسمَّونَ بذلك. ففي الحديثِ استِحبابُ تطويلِ الغُرَّةِ بغَسلِ شيءٍ من مُقَدَّم الرَّأس، وما يجاوزُ الوَجهَ زائدًا على الواجِبِ. والتَّحجيلُ: غَسلُ ما فَوق المِرفَقَين والكَعبَين، ولا تحديدَ في قَدرِه على الرَّاجح، وفي وَجهٍ: إلى نِصفِ العَضُدِ والسَّاق، وفي ثالثٍ: إلى المَنكِبِ والرُّكبَة. وأمَّا قولُ (ط): إنَّه لا يستحَبُّ لحديث: "مَن زادَ على هذا أو نَقَص"؟ فمَردودٌ بأنَّ ذلك في عددِ الغَسْل. قيلَ: وفيه دليلٌ على اختصاصِ الوُضوء بِهذه الأُمَّة، ورُدَّ بحديث: "وُضُوئي ووُضُوءُ الأنبياءِ قَبلِي"، ولا خُصوصِيَّةَ لهذه الأُمَّة إلا بالغُرَّة والتَّحجيلِ فيه، لكنَّ الحديثَ ضعيفٌ، ولو صَحَّ احتَملَ أنَّ المرادَ الأنبياءُ دونَ أمَّتهم، لكنَّ حديثَ جُرَيجٍ الآتي: (أنَّه توضَّأ)؛ صريحٌ أنَّه

4 - باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن

عامٌّ في الأُمَم أيضًا مع أنبيائِهم. (فمن استطاع) إلى آخره، قيل: مُدرجٌ من قَول أبي هريرة، واستُبعِدَ. نعم، في "مسند أحمد": أنَّ نُعَيمًا قال: لا أَدري هَل هو من قَولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو مِن قَولِ أبي هريرة. (أن يطيل غرته)، إنَّما لم يقُل: (وتَحجيلَه)؛ لشُمولِ الغُرَّةِ تغليبًا، أو من الاكتِفاء نحو: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]؛ أي: والبَردَ. وحَمَلَ (ط) (يطيل) على معنى (يُديم)؛ أي: يُواظِبُ على الوُضُوء لكلِّ صَلاة، وهو تَعَسُّفٌ. وقد نقَل الرَّافِعِيُّ عَدمَ التَّحجيلِ عن أكثَرِهم، ونُقلَ عن أبي الزِّناَدِ أنَّه كنَّى بالغُرَّة عن الحجلة، لأنَّ أبا هُرَيرة كانَ يتوضَّأ إلى نصفِ ساقِه. قال (ط): وفيه الوُضُوء على ظَهرِ المَسجد، وهو جائزٌ عندَ الأكثَر، وكَرِهَه قومٌ، وقال ابنُ المُنذِر: إنْ بلَّه وتأَذَّى النَّاسُ به كُرِه، وإنْ فَحَصَ عن الحَصى ورَدَّه فلا. * * * 4 - باب لاَ يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ (باب لا يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ): الشَّكُّ: التَّردُّدُ على

السَّواء، فإِنْ رَجَح طَرفٌ فهو ظَنٌّ، ومقابِلُه: وَهْمٌ، أمَّا في اللُّغة فلا فَرقَ. * * * 137 - حَدَّثنا عليُّ قالَ: حدَّثنا سُفْيانُ قالَ: حدّثنا الزُّهرِيُّ، عنْ سَعيدِ بنِ المسيَّب، عن عَبَّادِ بنِ تميمٍ، عن عَمِّه: أَنَّهُ شَكا إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجلُ الذّي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجدُ الشَّيءَ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: (لاَ يَنْفَتِلْ -أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجدَ رِيحًا). (م د س). (علي): هو ابنُ المَدينِيِّ. (عن عمه)؛ أي: عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ بنِ عاصمٍ المَازنِيِّ؛ لأنَّ عبَّادًا هو ابنُ تميمِ بنِ زيدٍ، وهذا يتعلَّق بكلٍّ من: ابنِ المُسَيِّب، وعبَّاد؛ لأنَّ ابنَ المُسيِّب يَروي عن عبَّاد كثيرًا، وإن احتُمِل أنَّه من مُرسلِ سعيدٍ؛ لكنَّ الظاهرَ خِلافُه، كذا قرَّره (ك). وفيه نظَر! لأنَّ ابنَ المُسَيِّب لا روايةَ له عن عبَّادٍ أصلًا، فعلى هذا يُحتَمَلُ أن يكونَ شيخُه عمَّ عبَّاد، وكأَنَّه قال: كلاهُما عن عمِّه، أي: عمِّ الثَّاني، وهو عبَّاد، وعليه جَرى الِمزِّي في "الأَطراف". أو يكونَ محذوفًا، فيكون مُرسَلًا، ويُؤيِّده أنَّ ابنَ ماجه أخرجَه من طريق الزُّهرِيِّ، عن ابن المُسَيِّب، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ. (أنه شكا) هو بالفَتح على البناءِ للفَاعل، كذا الرِّوايةُ هنا، وجوَّز (ن) الضَّمَّ.

(الرجل) بالرَّفع أو النَّصب على تقديرَي بناءِ (شَكا) للفَاعل أو المَفعول؛ كذا نقَلَه (ش). لكنَّ (ن) إنَّما قاله في لفظِ رواية مُسلمٍ، فقال: ولم يُسمَّ الشَّاكي هُنا، وقد سُمِّي في رواية البُخاري أنَّه: عبدُ اللهُ بنُ زيدٍ، قال: ولا ينبَغي أن يُتَوهَّمَ من هذا أنَّ (شكا) بفتح الشين والكاف؛ ويكونَ الشَّاكي عمَّه المَذكور، فإنَّ هذا التَّوهُّمَ غَلَطٌ، انتهى. وضُعِّفَ بأنَّه لا يَمتَنِعُ ما نفَاه. وقال (ك): إنَّ (الرَّجل) فاعلُ (شكا). (الذي يُخيل): صِفةٌ له، (أنه يجد) هو مفعولُ ما لم يُسمَّ فاعلُه، أي: لَيُخيَّلُ، وهو من الخَيال، بمعنَى: يُشبَّه له. قال: وفي بعضِها: (شُكِيَ) بصيغة المَجهول، وفي بعضِها: بدونِ لفظِ (الذي). قلت: فظَهر مِن هذا أنَّه لا دِلالَة في رواية البخَاريّ على تعيين الشَّاكي أنَّه عبدُ اللهُ بنُ زيدٍ، نعَم، وقَع في "صحيحِ ابنِ خُزيمَة" التَّصريحُ بأنَّه الشَّاكي، ولفظُه: عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، قال: سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرَّجل. (ينفتل) أي: ينصَرِف، وهو بالفاء واللَّام مَقلوبٌ، قلتُ: ورُوِيَ بالرَّفع على أنَّه خبرٌ، وبالجَزمِ على أنَّه نهَيٌ. (أو لا ينصرف) الظَّاهرُ أنَّ الشَّكَّ من عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، قاله (ك). وفيه نَظَر! بل الظَّاهرُ أنه من شيخِ البخَاريّ؛ لأنَّ الرُّواةَ غيرَه

5 - باب التخفيف في الوضوء

روَوْه عن سُفيانَ بلا شكٍّ. (صوتًا)؛ أي: وهو من الدُّبُر، (أو ريحًا) أي: ولو من القُبُل، وذِكرُ الصَّوتِ والرِّيحِ ليس لقَصرِ الحُكمِ عليهما، فكلُّ حَدَثٍ كذلك، إلا أنَّه وقَع جوابًا لسؤالٍ، ثمَّ المُرادُ بِـ (يَسمع) (ويَجد): التَّحقيقُ، حتَّى لو كانَ أَخشَمَ لا يشُمُّ؛ أو أصَمَّ لا يسمَعُ؛ كان الحكمُ كذلك، لأنَّ المعنَى مفهومٌ، وقد جاء في روايةٍ: "إذا وَجَدَ أحدُكم في بطنِه شيئًا فأشكَلَ عليه ... " إلخ. وهذا الحديثُ أصلٌ في قاعدة: اليقينُ لا يُزالُ بحدوثِ الشَّكِّ، كمن تيقَّن النِّكاحَ، وشكَّ في الطَّلاق ونحوِ ذلك؛ نعم، مالكٌ يُخالفُ فيهما، فيُروى عنه: أنَّ من شكَّ في الحَدَث بعدَ تيقُّن الطَّهارة فعليه الوُضُوء، قال: لأنَّا تُعُبِّدنا باليقين؛ والشَّكُّ يبطِلُه، كالمُتوضِّئ ينامُ مضطجعًا، فإنَّ النومَ نفسَه ليسَ حدثًا؛ بل هو شكَّ أَخَرجَ منه شيءٌ أم لا؟ ومع ذلك ينتقضُ الوُضُوء به. قلتُ: لمَّا كانَ مظنةً لأمرٍ غيرِ مُنضَبطٍ؛ جُعلت المظنَّة حَدثًا، بخلاف مَسألتِنا. * * * 5 - بابُ التَّخْفِيفِ فِي الوُضُوءِ (باب: التَّخْفِيفِ فِي الوُضُوءِ) 138 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو

قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى -وَرُبَّمَا قَالَ: اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ- ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونة لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فتَوَضَّأ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو ويُقَلِّلُهُ - وَقَامَ يُصَلِّي فتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ شِمَالِهِ- فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ المُنَادِي فآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يتَوَضَّأْ، قُلْنَا لِعَمْرٍو: إنَّ ناَسًا يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]. (ع) وإسنادُه مكِّيون سوى عليٍّ، وقد أقامَ بِها، وهو روايةُ تابعيٍّ عن تابعيٍّ. (نفخ) بفاءٍ ومُعجَمَة، أي: من خَيشُومِه، وهو المُسمَّى: (غَطيطًا) كما سبَق في (باب السَّمَرِ في العِلم).

(وربما) أصلُ (رُبَّ) للتَّقليل، وتستَعمَلُ للتَّكثير، وهما محتَمَلان هنا. (اضطجع)؛ أي: قالَها بدلَ (نام)، وزادَ لفظَ (قامَ). (ثم حدثنا) هو من قولِ ابنِ المَدينِيِّ. (خالتي) لأنَّ أمَّه لُبابةُ، أختُ ميمونةَ كما سبقَ بيانُه. (فلما) إلى آخره، هو من عَطفِ مُفصَّل على مُجملٍ، حتَّى يتغَايرا. (كان) الضميرُ فيه للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، اسمُها إنْ كانت ناقصةً، وفاعلُها إن كانت تامَّةً على رِوايةِ (في بعضِ الليلِ)، أمَّا على رواية (مِن)، فتكونُ زائدةً، و (بعضُ) هو الفاعلُ بِـ (كان). (شَنٌ) بفتح المُعجَمة: قِربةٌ خَلَقٌ، (معلق) بالتَّذكير على معنَى الجِلدِ أو السِّقاءِ أو الوِعاءِ، ويروى: (معلَّقة) -بالتأنيث-؛ أي: القِربَة. (يخففه عمرو) أي: ابنُ دينار، وهو: مُدرَجٌ من ابنِ عُيينةَ، (ويقلله) من باب الكَمِّ، بخلافِ (يخفِّفُه)؛ فإنَّه من بابِ الكَيف، فهذا الفرقُ بينَهُما. قال (ط): يريدُ بالتَّخفيف: تَمامَ غَسلِ الأعضاء دونَ التَّكثير، وإمرارِ اليدِ عليها، وذلك أدنَى ما تُجزئُ الصلاةُ به، وإنَّما خفَّفه الرَّاوي؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضَّأ ثلاثًا ثلاثًا، فالواحدةُ بالنِّسبة إلى الثَّلاث تخفيفٌ.

(نحوًا)، هي دونَ (مِثل)، لأنَّه لا يقدِرُ على مثلِه، قاله: (ك). وسيأتي بعدَ أبوابٍ: (فقُمتُ فصَنعتُ مثلَ ما صنعَ)، ولا يلزمُ من إطلاقِ المثليَّةَ المُساواةُ من كل جِهَة. (وربَّما ...) إلخ، هو إدراجٌ من ابنِ المَدينِيِّ. (بشماله) ضِدُّ اليمين، بخلافِ الشَّمَال بفتح الشِّين، فإنَّه الرِّيحُ التي تَهُبُّ من ناحِيَة القُطبِ خلافِ الجَنوبِ. (فآذنه) بالمدِّ، أي: أعْلَمَه، وفي بعضِها: (يُآذِنُه)، بلفظِ المُضارعِ بلا فَاء. (معه)؛ أي: مع المُنادي، أو مع الإيذانِ. (قلنا ...) إلخ، وهو من قَولِ سفيانَ. (عبيد) هو: أبو عاصِمٍ المَكِّيُّ، قيلَ: رأى النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلِيَ قضاءَ مكَّةَ، وماتَ قبل ابنِ عمرَ. (رؤيا) مصدرٌ كـ (رُجْعَى)، وتختصُّ بالمَنامِ كما اختصَّ الرَّأيُ بالقَلبِ، والرُّؤيةُ بالعَين. قلت: هذا صوابٌ، خلافًا لما قالَه (ك) في حديث: (أولُ ما بُدِئَ به منَ الوَحي)، وسبَقَ بيانُه. ووجهُ الاستدلالِ بالآية: أنَّ الرُّؤيا لو لَم تكن وحيًا؛ لما جَازَ لإبراهيمَ - عليه السَّلامُ - الإقدامُ على ذبحِ ولدِه، فإنَّ ذلكَ حرامٌ.

6 - باب إسباغ الوضوء

وفيه: أنَّ (¬1) موقفَ المأمومِ الواحِد عن يَمينِ الإمَام، وأنَّ الفعلَ القليلَ لا يُبطِل الصَّلاة، وصحَّةُ صلاةِ الصَّبيِّ، وإتيانُ المؤذن الإمامَ ليخرُج للصَّلاة، وندبيَّةُ صلاةِ اللَّيل، والجماعةُ في النَّفل، وأنَّ نومَه - صلى الله عليه وسلم - لا ينقُضُ وضوءَه؛ فهو من خَصائِصِه، وروايةُ: (أنَّه توضَّأ بعدَ النوم)؛ للاحتياطِ، أو نحو ذلك. قال (خ): وإنَّما مُنِعَ النومُ قلبَه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه يوحَى إليه في مَنامِه، وفيه أنَّ النَّوم مَظِنَّةُ الحدَث لا عينُه، حتى لا ينتقِضَ الجالسُ المُمَكِّنُ مَقعَدَه. * * * 6 - بابُ إِسْبَاغِ الوُضُوءِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِسْبَاغُ الوُضُوءِ الإنْقَاءُ. (باب إسباغ الوضوء)؛ أي: إتمامُه، وقولُ ابنِ عمرَ في تفسيره: (الإنقاء) لاستِلزامِه الإتمامَ له عادةً. * * * 139 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُ ¬

_ (¬1) "أن" ليس في الأصل.

يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبغِ الوُضُوءَ، فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: (الصَّلاَةُ أَمَامَكَ)، فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ المُزْدلِفَةَ نزَلَ فتَوَضَّأ، فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى المَغْرِبَ، ثُمَّ أناَخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ العِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا. (م د س). وإسنادُه مَدَنيُّون، وهو أيضًا روايةُ تابعيٍّ عن تابعيٍّ. (دفع)؛ أي: أفاضَ من وقوفِ عرَفةَ، أو من مكانِ الوقوفِ؛ لأنَّ (عرفةَ) أو (عرفاتٍ) اسمٌ له، والأوَّل أولى؛ لأنَّه المُرادُ والجاري على عُرف الشَّرع، وقيل: (عرفاتٌ) اسمٌ بلفظِ الجمع. قال الفرَّاء: ولا واحدَ له بصِحَّةٍ. (بالشعب) هو الطَّريق في الجبلِ، واللامُ للعَهد، أي: الشّعبُ المَعهودُ للحُجَّاج. (الصلاة) نُصِبَ بفعلٍ مقدَّر، أي: أتؤدِّي الصَّلاةَ؟ أو صَلِّ الصَّلاةَ. (أمامك)؛ أي: قُدَّامَك، وهو نصبٌ على الظَّرفيَّة. (المزدلفة) هي جَمعٌ، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ آدمَ اجتَمَع بِها مع حواءَ وازدَلَفَ إليها، أي: دناَ منها، وقيل: لأَنَّها يُجمَعُ فيها بين الصَّلاتين، ويُحتَمل أنَّ أهلَها يزدَلِفون إلى الله تعالى، أي: يتقرَّبون إليهِ فيها.

(العشاء) بكَسر العَين والمَدّ، أي: صلاةُ العِشَاء، وإنْ كانَ أصلُ العِشَاء الوقتَ من الغروبِ للعَتَمَة، أو منَ الزَّوالِ إلى الطُّلوعِ. قال (خ): أرادَ بِـ (الصَّلاةُ أمَامَك) أنَّ ذلك بالمُزدَلِفة، وهي أمَامَك، وهي تخصيصٌ لعمومِ الأوقَات للصَّلوات الخَمس ببَيان فعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ففيه دليلٌ على أنَّ الحاجَّ إذا أفاضَ من عرفةَ لا يصلي حتَّى يبلُغَ مزدَلفةَ جَمعًا بينَ المَغرب والعِشاء. قال (ك): لا دليلَ فيه على الوجوبِ، بل فِعلُه - صلى الله عليه وسلم - يدلُّ على النَّدبِ، والتَّأخير إنَّما هو لبيَانِ الجَوازِ. (ولم يصل بينهما) دليلٌ على أنْ لا يصليَ بينَهما، ولا يؤذِّنَ، بل الإقامةُ فقَط لكلٍّ منهُما. وفي الحديث أيضًا: أنَّ يسيرَ العمَل لا يُبطِلُ الموالاةَ؛ لقوله: (ثمَّ أناخَ ...) إلى آخره، ولكنْ لا يتكلَّم؛ كذا قال: (خ)، ونازَعَه (ك): بأنَّه إنَّما يدلُّ على عدم القَطع مُطلقًا، يسيرًا كانَ أو كثيرًا، لا على مَنعِ التَّكلُّم؛ لأنَّ جمعَ التَّأخيرِ هذا حكمُه، وأمَّا الأذانُ فقد ثبَتَ في حديثِ جابرٍ الطَّويل: (أنَّه جَمَعَ بالمُزدلفَة المَغربَين بأذانٍ واحدٍ وإقامَتين)، وزيادةُ الثِّقةِ مقبولةٌ. قال (¬1) (خ): وأما وُضُوؤُه وتركُه الإِسباغَ؛ فإنَّما هو ليكونَ ¬

_ (¬1) في الأصل: "قاله"، والمثبت من "ف" و"ب".

مستَصحِبًا للطَّهارةِ في مسيرِه إلى أن يبلُغَ جَمعًا، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُناجي ربَّه في غالبِ أحواله، فأَحَبَّ أن يكونَ على طُهرٍ، وإنَّما لم يُسبِغْها؛ لأنَّه لم يفعَل ذلك ليصلِّيَ بِها، ولهذا أسبَغَها حينَ أرادَ أن يُصليَ، وفي وُضوئِه لغير الصَّلاة دليلٌ على أنَّ الوُضوءَ نفسَه عبادةٌ وقُربةٌ، ونحوُه طهارتُه إذا أَوى إلى فِراشِه. قلت: قد يُنازَعُ في ذلك بأنَّ الوضوءَ يُندَب لأمورٍ كثيرةٍ، فلا ينحصرُ في الصَّلاة، فالوُضُوء لأجلِها لا لذَاتِه. قال (ط): ولم يُسبغ الوضوءَ؛ أي: توضَّأ مرَّةً مرَّةً، لأنَّه أعجَلَه دفعُ الحُجَّاجِ إلى المُزدلفة، وذلك يبيحُ الصَّلاة، وأمَّا تفسيرُه بالاستِنجاء فقط؛ فمردودٌ بقولِ أسامةَ: (الصَّلاةَ يا رسولَ الله)؛ إذ من المُحالِ أن يقولَ له ذلك وهو لم يتوَضَّأ وضُوءَه للصَّلاة. قال (ك): يُحتمَل أنَّ المُراد: تُريدُ الصَّلاة؛ فَلِمَ لا تتوضَّأُ وُضوءَها؟ فأجابَه - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ الصَّلاة أمامَك، فلا أحتاجُ الوُضوءَ في هذه الحَالة، وإنَّما الجوابُ: أنَّ اللَّفظَ يُحمَل على معناه الشَّرعيِّ، فلا يُحمَل الوُضوءُ على الاستِنجاء، فأجابَ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ السُّنة التأخيرُ، فلمَّا جاءَ المُزدلفة أسبغَ الوُضوءَ أخْذًا بالأفضَلِ والأكَمَل على عادَتِه. وفيه: أنَّ الأدونَ يذكِّرُ الأَعلى؛ فخشِيَ أسامةُ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قد ينسى لِمَا كانَ فيه من الشُّغل، فأجَابه: بأنَّ مَحلَّ الصَّلاة تلكَ اللَّيلة هناك بطريقِ الجَمعِ.

7 - باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة

قيل: وفيه حُجَّةٌ لمَن لا يَتنفَّلُ في السَّفر، ومُنِعَ بأنَّ الذي فيه: تركُ الشُّغل بينهما لا مُطلقًا، وفيه اشتِراكُ وقتِ المَغرب مع العِشاء. * * * 7 - بابُ غَسْلِ الوَجْهِ بِاليَدَيْنِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ (باب غسْلِ الوَجهِ بِاليَدَينِ مِن غَرفَةٍ وَاحِدَةٍ): الغَرفَةُ: -بالفَتح- بمعنى المَصدَر، وبالضَّم: المَعروفُ، وهوَ مِلءُ الكَفِّ، والفتحُ قراءةُ أبي عَمرو في (إِلا مَنْ اغتَرفَ غَرفةً). ويُحكى أنَّ الحجَّاجَ طلَب منه شاهِدًا على قراءته بذلك فهَرب، فإذا هو براكبٍ يُنشد قولَ أُميةَ بنِ أبي الصَّلت: ربَّما تكرَهُ النُّفوسُ منَ الأَمـ ... ـر له فُرجَةٌ كحَلِّ العِقَالِ فقلتُ له: ما الخبرُ؟ قال: ماتَ الحجَّاجُ، قال: فلا أدري بأي الأمرَين كانَ فرَحي أكثرَ، بمَوتِ الحَجَّاج أو بقوله: (فُرجَة)، فإنَّها بمعنَى: المُنفَرَج، كالغُرفَة بمعنَى المَغروفِ. 140 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أخبَرَناَ ابْنُ بِلاَلٍ -يَعْنِي سُلَيْمَانَ-، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ

فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمِّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ -يَعْنِي اليُسْرَى- ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ. (د). (يعني سليمان) يُحتَمَل أن يكونَ من كلامِ عبدِ الرَّحيم المُلقَّب: صَاعقَة، وأن يكونَ ذلك من كلامِ البُخارِيّ. (فغسل) عَطفُ مفصَّل على مُجمَل. (أخذ غرفة) لم يعطِفْه؛ لأنَّه استئنافٌ بيانِيٌّ. (فتمضمض واستنشق) ذكَرَهَما في غَسلِ الوَجه، وليسا منه؛ لكونِهما في الوَجه، فأُعطِيا حُكمَه. والمضمَضةُ: تحريكُ الماء في الفَم، والاستِنشاقُ: إدخالُ الماء وغيرِه في الأنفِ، لكنَّ الإدارَة في الفَمِ لا تُشترط شَرعًا عندَ الجُمهور. وكمَالُ الاستنشاقِ بجَذبِ الماء بالنَّفَسِ إلى أقصَاه، وفي كيفيَّتهما خمسةُ أوجهٍ مشهورةٍ، أرجحُها عندَ الرَّافعي الفَصلُ بغَرفتين، وعند النَّووي الجَمعُ بثلاث غَرفات، وتقديمُ المَضمَضة مستحَقٌّ لا مستحَبٌّ فقَط.

أمَّا حكمُهما، فقال مالكٌ والشَّافعيّ: سنَّتان في الوُضوء والغُسل، وأوجَبَهما أحمدُ فيهما، وأبو حنيفةَ في الغُسل فقط، وداودُ الاستنشاقَ فيهما، وقال: المضمضةُ سُنَّةٌ فيهما. حجةُ الأوَّل كما قال (ط): أنه لا فرضَ إلا ما ذَكَرَ اللهُ تعالى، أو أوجبَه الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم -، أو الإجماعُ، والكلُّ مُنتَفٍ، وأيضًا الوَجهُ: ما ظَهَر لا ما بَطَن. وكذا لا يجبُ غَسلُ باطنِ العَين، وحُجَّةُ الكوفيين حديثُ: "تحتَ كلِّ شعرةٍ جنابةٌ، فبُلُّوا الشَّعر، وأَنقُوا البَشَرة"، وفي الأَنفِ شَعرٌ، ولا يوصَل إلى غَسل الأَسنان والشَّفتين إلا بالمَضمَضة. وحجَّةُ مَن أوجَب فيهما {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، وفي الوضوء {فاغسلوا} [المائدة: 6]، فمَا وجَبَ في أحدِهما وجَب في الآخَر، وحجَّة الفَارق: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ المضمضة، ولم يأمر بِها، وفعلَ الاستنشاقَ وأمرَ به؛ فكانَ أقوى. (أضافها) بيانٌ لقَوله: (هكذا). (بها)؛ أي: بالغَرفَة، وفي بعضِها: (بِهما)، أي: باليَدين. (ثم مسح)؛ أي: ثمَّ بَلَّ يدَه فمَسحَ؛ لأنَّ المَسحَ بِبَلَلِ غَسلِ اليَدين لا يَكفي. (فرش) لا ينافي قولَه بعدَ ذلك: (فَغَسَلَ)؛ لأنَّ الرَّشَّ القويَّ يكونُ معه الإسالةُ، وإنَّما عبَّر به؛ لأنَّه مَظِنَّةُ الإسرافِ.

8 - باب التسمية على كل حال، وعند الوقاع

(يعني رجله) هو فيما يَظهَرُ من كلامِ زيدٍ، لا من كلامِ عطَاءٍ، وفي بعض النُّسَخ: (بل رِجلَه -يعني- اليُسرى). قال (ط): فيه الوُضوءُ مرَّةً، وأنَّ الماءَ المستَعملَ طَهورٌ، وهو قَول مالكٍ، لأنَّ الماءَ إذا لاقى أولَ جُزءٍ من أجزاءِ البَدَن صار مستَعملًا، مع أنَّه يُجزِئُ فيما بقِيَ من العُضوِ، فلو لم يجُز الوُضوءُ بالمُستعمَل لَمَا أجزأَ الوُضوءُ مرَّةً مرَّةً. ورُدَّ بأنَّ الماءَ ما دامَ متَّصلًا فلا يُحكَم بالاستعمال حتى ينفصل، ولو سُلِّم فقد أجمَعُوا على جَوازه، ويصيرُ الحُكم في غيره على أصلِه، وهوَ الاستعمالُ. قلت: لا يُعارِضُ ذلك كونُه مَقيسًا عليه، بل يُقال: الفَرقُ الانفصالُ وعدمُه. * * * 8 - بابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعِنْدَ الوِقَاعِ (باب التَّسميةِ على كلِّ حالٍ وعندَ الوِقاع)؛ أي: الجِمَاع. وإنَّما لم يذكُره قبلَ ابتداءِ الوُضوء الذي هو مَحَلُّه؛ لأنَّه لا يُقصدُ في مثلِ ذلك مناسَبةٌ، ولِهذا ذَكَرَ بعدَه ما يقولُ عندَ الخَلاء، وحقُّه أن يكونَ قبلَ الكُلِّ، وأَورَدَ في الباب التَّسميةَ في الجِماعِ فقط؛ لأنَّه يُستَنبَطُ منها أنَّه على كلِّ حالٍ، لأنَّ الذِّكرَ في حالتِها أبعدُ؛ فغيرُها أولى. * * *

141 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَبْلُغُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْم اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ). (ق م ت س). وفيه ثلاثةٌ من التَّابعين. (يبلغ به) بضمِّ أوَّله وفَتحِ ثالثِه؛ أي: يوصِلُه، ولو احتَمَل أنَّه بواسِطَة صحابيٍّ آخرَ، لا أنَّه موقوفٌ علَيه. (لو أن)؛ أي: لو ثبتَ أنَّ. (أتى أهله) كنايةٌ عن الجِمَاع. (الشيطان) فَيْعَال، من (شَطَنَ)، أو فَعلان، من (شَاطَ). (ما رزقتنا) مفعولٌ ثانٍ لِـ (جَنِّبْ)، والمُراد: الوَلَد، وإن كانَ اللَّفظُ أعمَّ، ففيه أنَّ الوَلَدَ من الرِّزقِ، واستعمَل (ما) بمعنَى شيء، فيَصدُقُ على العاقِلِ كما هنا، أو لإِبهامِه كما في قوله تعالى {وَاللَّهُ أَعْلَمُ} [آل عمران: 36]، وعائدُ الموصولِ محذوفٌ. (فيقضى) للقَضَاء معَانٍ؛ المُناسِبُ هنا: حُكِمَ، نحو: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، أو قدر نحو: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]. قلت: ذكَرَ العسكَرِيُّ مما وردَ منها في القُرآن اثنا عَشَر، وإن كانَ

في بعضِها إمكانُ التَّداخُل، والمُناسِبُ منها معنَى: قُدِّرَ أنَّه يقَعُ، كما في قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: 39]، أما {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]، فبِمعنَى: خَلَقهُنَّ، أو أتَمَّهُنَّ. وأمَّا معنى القَضاء، فإن أُريدَ به التَّقدير؛ فهو الثَّاني، أو الحُكمُ؛ فلا منَاسبَة فيه. وتمثيلُه بِـ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، خلافُ ما مثَّلَ به الأكثرُ لِمَجيءِ قَضَى؛ بمعنى: أَمَرَ. (بينهما) في بعضِها: (بينهُم). قال (ك): بناءً على أنَّ أقلَّ الجمع اثنان. قلت: الخلافُ في صِيغَ الجَمعِ لا في الضَّمائر، وإنَّما هذا باعتبارِ الجِنسِ. (لم يضرَّه) جوابُ (لو)، وهو بضمِّ الرَّاء على الأفصَح، والضميرُ للوَلَدِ. قال (ط): في الحديثِ ردٌّ لقولِ مَن منَعَ ذِكرَ الله على غير طهارةٍ، أو كَرِهَه على الخَلاء، أو الوِقَاعِ. واستحبابُ التَّسميةِ عندَ ابتداءِ كل عَملٍ تبرُّكًا، واستحضَارُ أنَّ الله هو الذي يسَّر ذلك الفعلَ له، وأوجَبَ بعضُهم التَّسميةَ في الوُضوء لحديثِ: "لا وُضوءَ لِمن لم يذكُر اسمَ الله". ورُدَّ بأنَّه لا يصحُّ في ذلك حديثٌ، كما قالَه أحمدُ، والمعنى:

9 - باب ما يقول عند الخلاء

لا وضوءَ كاملًا، نحو: "لا صلاةَ لجار المَسجد إلا في المَسجد"، وأيضًا فلا تَجبُ في الغُسلِ اتفاقًا، فكذا في الوُضوء، وحَمَلَ بعضُهم الحديثَ على النيَّة؛ لأنَّها ذِكرُ القَلب؛ أنَّه يتَوَضأ لله تعالى، وَيمتَثلُ أمرَه، ولفظ (اسم): صلة، والمعنَى: لِمَن لم يذكُر الله. * * * 9 - بابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ الخَلاَءِ (باب ما يقولُ عندَ الخلاء): بالمدِّ؛ لأنَّ الإنسانَ يخلو فيه. 142 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ). تَابَعَهُ ابْنُ عَرْعَرَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ غُنْدَرٌ: عَنْ شُعْبَةَ: إِذَا أَتَى الخَلاَءَ، وَقَالَ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ: إِذَا دَخَلَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زيدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ. (ع). (كان): يقتضي التَّكرارَ في مثل ذلك، وأنَّه عادةٌ. (دخل)؛ أي: أرادَ الدُّخولَ؛ لأنَّ بعدَ الدُّخول لا تسميةَ، ولتوافِقَ الرِّوايةَ الآتيةَ.

(الخبث) بضمِّ الخاء والباء؛ جَمع: خَبيث. (والخبائث) جَمع خبيثة، أي: ذُكرانُ الشياطينِ وإناثُهم. قال (خ): روايةُ أصحابِ الحديث بسكون البَاء، وهو غَلَطٌ. ورُدَّ بأنَّه لا يَمتَنع التَّخفيفُ في مثلِه، إلا أنْ يُرادَ أنَّه يلتبِسُ بالمَصدر، وأصلُ الخُبْثِ في كلامهم: المَكروهُ، والخبيثُ من القَول: الشَّتمُ، ومن المِلَلِ: الكُفرُ، ومن الطَّعام: الحرامُ والضَّارُّ. ومناسبةُ الاستِعاذَة من ذلك: أنَّ الشَّياطين تحضُر في الأَخلِية؛ لأنَّها مواضعُ مهجورٌ فيها ذكرُ الله تعالى، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ هذه الحُشوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فإذا دخلَ أحدُكم الخَلاء فَليتَعوَّذْ". وقيلَ: الخُبْثُ: الكفرُ، والخَبائثُ: الشَّياطين. وقيلَ: الخُبث: الشَّرُّ، والخبائثُ: الشَّياطين، والخُبْثُ بالسّكون: مصدرُ خَبُثَ. قال (ط): وفي الحديث جوازُ ذِكرِ الله على الخَلاء، وقال عِكرِمَةُ: يذكرُ بقَلبه لا بلِسانِه. (تابعه ابن عرعرة) بفتح المُهمَلتَين والرَّاء المُكرَّرة، واسمُه: محمَّد، والضميرُ في (تابَعَه): راجعٌ إلى (آدم)، وقد وَصَلَ هذه المُتابَعة في (كتاب الدَّعوات). (وقال غندر) وَصَله البزَّارُ بِهذا اللَّفظ، وأحمدُ بلفظِ: (إذا دَخَل). (وقال موسى)؛ أي: ابنُ إسماعيلُ التَّبوذَكِيُّ: وصَلَه البيهقيُّ.

10 - باب وضع الماء عند الخلاء

(وقال سعيد) هو ابنُ زيدٍ أخو حمَّادِ بنِ زيدٍ: وصَلَه البخاريُّ في كتاب "الأدب المُفرد"، ولم يروِ لسعيدٍ في الصَّحيح إلا استِشهادًا، وعلَّق عنه؛ لأنَّه لم يلحَقْه. والحاصلُ أنَّ الأولَ: مُتابعَةٌ تامَّة، والثَّانيَ: استِشهادٌ يتَّفقُ مع الإسناد الأوَّل في الرَّاوي، والثالثَ: متابعةٌ ناقصَةٌ، والرابعَ: استشهادٌ يتَّفِقُ مع الأوَّل في الرَّاوي الثَّالثِ. وأمَّا اختلافُ ألفاظِ الرُّواةِ، فالمَعنى فيها مُتقارِبٌ، لكنَّ قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98]، المَعنى: إذا أردتَ القراءةَ، فالاستعاذَةُ متَّصلةٌ بالقِراءة، وأمَّا الاستعاذةُ هنا فلا منعَ من إتمامِها في الخَلاء، وتُقدَّمَ روايةُ: (كانَ يقولُ ذلك)، على روايَة: (إذا أرادَ أن يدخُلَ)؛ لأنَّها زيادةُ ثقةٍ في المَعنى، والأخذُ بالزِّيادةِ أَولى؛ كذا قالَ (ك)، وفيه نَظَر! * * * 10 - بابُ وَضْعِ المَاءِ عِنْدَ الخَلاَءِ (باب وضع الماءِ عندَ الخَلاء) 143 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ: (مَنْ وَضَعَ هَذَا؟)،

فَأُخْبِرَ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ). (م س). (وضوءًا) بالفَتح؛ أي: ما يُتَوضَّأُ به. (قال)؛ أي: بعدَ الخُروجِ. (فأخبر) بالبناءِ للمَفعولِ. (اللهم فقِّهه) دعَا له (¬1) سُرورًا بانتِباهِه إلى وَضعِ المَاء، وهو من أُمور الدِّين، ففيه المُكافَأَة بالدُّعاءِ لمن أحسَنَ. وقال (ط): فيه الرَّدُّ على من قالَ: الاستنجاءُ بالمَاء للنِّساء، والرِّجالُ يتمَسَّحون بالحجَارة؛ من حيثُ إنَّ وضْعَ الماءِ عندَ الخلاء إنَّما هو للاستنجاءِ به، وفيه خدمةُ العالِمِ. قال (خ): وأنَّ حَملَ الماء للمُغتَسِل غيرُ مكروه، وأنَّ الأدبَ أنَّ يَلِيَه الأصَاغرُ، وأنَّ استِحبابَ الاستنجاءِ بالمَاء، خلافًا لمَن كرِهه، لأنَّه نوعٌ من الكُلفة، وكان بعضُهم يكرهُ الوضوءَ من مشَارعِ المياه، بل في رَكوَةٍ ونحوِها؛ لأنَّ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يتوضَّأ على نَهرٍ أو مَشْرَعٍ في ماءٍ جارٍ، ورُدَّ بأنَّه لم تكنْ بِحَضرته المياهُ الجاريةُ والأنَّهار، ولم يُنقَل أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وجَدَها فعَدَل عنها. قال (ن): الجمعُ بينَ الحجَر والماء أفضلُ، وإذا اقتَصر على أحدِهما، فالمَاءُ؛ لأنَّه يُزيلُ العينَ والأَثَر، فهو طهارةٌ حقيقيةٌ، والحجر ¬

_ (¬1) "دعا له" ليس في الأصل.

11 - باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول، إلا عند البناء؛ جدار أو نحوه

يُخفِّف فقَط، ولكنْ يُعفى عن أثَره في الصَّلاة، وربَّما أوهَمَ كلامُ بعضِهم أنَّ الماءَ لا يُجزِئُ. وقال ابن حَبيبٍ المالكيُّ: لا يُجزِئُ الحَجَر إلا لِمن عَدِمَ الماءَ. * * * 11 - بابُ لاَ تُسْتَقْبَلُ القِبْلَةُ بغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، إِلَّا عِنْدَ البِنَاءِ؛ جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ (باب لا تُستقبل القبلةُ بغائطٍ أو بولٍ): في بعضِها: (ولا بَولٍ). قال الجوهري: أصلُ الغائطِ: المُطْمَئِنُّ من (¬1) الأرضِ الواسعُ، كان يُقصَدُ لقضاءِ الحاجةِ فيه، ثم كُنِّيَ به عن العَذِرَةِ. قال (خ): لكراهَةِ ذكرِه بخاصِّ اسمِه، فإنَّ عادةَ العربِ استعمالُ الكناياتِ تعفُّفًا في ألفاظِها عمَّا تُصانُ عنه الأبصارُ والأسماعُ. (جدار) بدلٌ من (بِناء)، (أو نحوه) في بعضِها: (أو غيرِه)، أي: كالحجَارةِ الكِبار وشبهِهَا. 144 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ ¬

_ (¬1) في الأصل: "في"، والمثبت من "ف" و"ب".

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلاَ يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا). (ع). (فلا يستقبل) نَهيٌ، وكذا (لا يولها)، وقد يُرفعُ على أنَّه نفيٌ بمعنَى النَّهي. (شرقوا) الأخذُ في ناحيةِ المَشرقِ. (غربوا) الأخذُ في ناحيةِ المَغربِ، يقالُ: شتَّانَ بينَ مُشَرِّقٍ ومُغَرِّبٍ. وفيه: الالتفاتُ من الغَيبة إلى الخِطاب، وهذا الخِطابُ لأهلِ المَدينة، ومَن كانت قبلتُه على سَمْتِهم، أمَّا مَن قبلتُه إلى المَغرب أو المَشرق؛ فإنه يَنحَرِفُ إلى الجَنوب أو الشِّمال. قال (ط): إن ترجَمتَه بقوله: (إلا عندَ البِناء) لا تؤخذُ من هذا الحديث، لكنَّه لمَّا عُلِمَ من حديثِ ابن عمرَ استثناؤُه البيوت؛ بَوَّبَ به، لأنَّ حديثَه - صلى الله عليه وسلم - كلَّه كالشَّيءِ الوَاحد، كما أنَّ القُرآن كالآيةِ الواحدةِ. قال (ك): قد يُؤخذُ من هذا الحديث من حيثُ إنَّ الانخِفَاضَ والارتفاعَ غالبًا في الصَّحراء لا في الأَبنيةِ. قال المُهَلَّبُ: إنَّما نَهى عن الاستقبالِ والاستِدبارِ في الصَّحاري؛ من أجلِ من يُصلِّي فيها من المَلائكة، فيُؤذيهم بظُهُور عَورتِه مُستقبِلًا أو مُستَدبِرًا، بخلافِ البُيوت.

12 - باب من تبرز على لبنتين

وقيلَ في الفَرق أيضًا: إنَّ الأماكِنَ قد تضيقُ في البُنيانِ عن تَحريفِ الكَنيفِ، أو أنَّها مأوى الشَّياطين لا الملائكة، كذا قال (ك)، وفيه نَظَر! وقال (خ): الفَضَاء: موضِعُ الصَّلاة، ومُتَعَبَّدُ المَلائكَة، والإنسِ، والجنِّ، فالقاعدُ مُستقبلًا أو مُستدبرًا مُستهدَفٌ للأَبصار، بخلافِ الأبنيةِ السَّاترةِ للأبصَار. قلتُ: فيه نَظَر! لأنَّ الملائكةَ لا تُحجَبُ بجُدُر. قال: أو أنَّ استبناءَها مُعَدُّ للصَّلاة وللدُّعاء، فلا يَتوجَّه إليها عندَ الحَدَث، وإذا ولاها ظهرَه تكونُ عورتُه أيضًا بإزائِها، وكان أبو أيوبَ يُعمِّمُ النَّهيَ في الصَّحراء والبُنيانِ، وهو مذهبُ أحمدَ في روايةٍ، وأبي ثَور. وابنُ عمرَ يُخصِّص بالصَّحراء، وهو مذهبُ الشَّافعي، ومالكٍ، لأنَّ فيه الجمعَ بين الأحاديث. وقال داودُ: يحرمُ فيها جميعًا. وقيلَ: يجوزُ الاستدبارُ لا الاستقبالُ، وهي رواية عن أبي حنيفةَ، وأحمدَ. * * * 12 - بابُ مَنْ تَبَرَّزَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ (باب من تبرَّزَ على لبنتين): التبرُّزُ كنايةٌ عن قَضاء الحاجَة في البَرَاز بفتح الباء، وهو الواسِعُ من الأَرض، واللَّبنةُ فيها الأوجُه الثَّلاثة

في نحو (كَتِف)، فلو كان ثانيهِ حَلْقيًّا جازَ فيه رابعةٌ، وهي: إتباعُ الفاءِ للعَين. * * * 145 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ ناَسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ، فَلاَ تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلاَ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى لَبِنتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ، وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ، فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي وَاللهِ، قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي الَّذِي يُصَلِّي وَلاَ يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ، يَسْجُدُ وَهُوَ لاَصِقٌ بِالأَرْضِ. (ع). في سنده ثلاثةٌ تابعيُّون يروِي بعضُهم عن بعضٍ. (أنَّه كان يقول: إن ناسًا ...) إلى آخره، أو أنَّ واسِعًا قالَ ذلك، وجَعلَه (ط) من قَولِ ابنِ عمرَ، ولكنَّ السِّياقَ لا يُساعدُه؛ قاله (ك). وليس بشيءٍ، بل الصَّوابُ أنَّه من قَول ابنِ عمرَ كما صرَّح به مسلمٌ في روايته. قال (ط): وقد رواه عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعْقِلٌ الأسديُّ: (أنَّه نَهى أن

تُستقبلَ القِبلتانِ بغائطٍ أو بَولٍ). نعم قال أحمدُ: إنَّ حديثَ ابنِ عمرَ ناسخٌ للنَّهي عن استقبالِ بيتِ المَقدسِ، واستدبارِه. (المقدس) فيه فتحُ الميمِ وسكونُ القافِ وكسرُ الدَّال مُخفَّفةً، وضمُّ الميمِ وفتحُ القاف وتشديد الدَّال مفتوحةً، لغَتان مشهورتان، الأُولى على إرادةِ المَصدرِ أو المَكان، أي: بيتُ المَكان الذي جُعِلَ فيه الطَّهارةُ، أو بيتُ مكانِ الطَّهارة، والثَّانية بمعنَى: المُطَهَّر، وذلك إخلاؤُه من الأصنَام، وإنقاذُه منها، أو من الذُّنوب، ثم إنَّه من باب إضَافةِ المَوصوفِ إلى صفتِه، كمَسجِدِ الجَامعِ. (لقد): جوابٌ لقَسَم محذوف، (ارتقيت)؛ أي: صَعِدتُ، (على لبنتين): حالٌ من مفعولِ (رأى)، (مستقبلًا): حالٌ كذلك، أو من ضميرِ الحال الأولى، فتكونُ مُداخَلَة، أي: رأى ذلك من غيرِ قَصدٍ، وإنَّما كانت مِنه التِفاتةٌ، كمَا لا يَتعمَّدُ شُهودُ الزِّنا رؤيتَه، ولكنْ لمَّا وقعَ بصرُهم عليه شَهِدوا به، أو أنَّه قصَد رؤيةَ ما يجوزُ، فرأى رأسَه فقط، لكنْ دلَّه ذلك على كيفيَّه قُعودِه. (وقال) أي: ابنُ عمرَ يخاطِبُ واسِعًا. (على أوراكهم) جمع (وَرِك)، وكنَّى بذلك عن الجَاهلين؛ لأنَّ السُّنة في السُّجودِ التخوية -أي: لا يُلصقُ الوَرِكَ بالأَرض- فمَن فعَلَ ذلك فهو جَاهلٌ بالسُّنة، ولو لم يكنْ من هؤلاءِ لعَرَفَ جوازَ استقبالِ بيتِ المَقدِس، ولم يلتَفِت إلى قَولِهم.

13 - باب خروج النساء إلى البراز

(لا أدري)؛ أي: أنا منهم، أو لا أدري السُّنةَ في استقبالِ بيت المَقدسِ. واعلم أنَّه قيلَ للشَّعبِيِّ: إنَّ أبا هريرةَ يقولُ: (لا تَستقبِلوا القبلةَ ولا تستَدبروها)، وابنَ عمرَ يقولُ: (كانت منِّي التفاتةٌ، فرأيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في كنيفِه مستقبلَ القبلةَ)، وفي روايةٍ (مستقبلَ بيتِ المَقدس)، فقالَ: صَدَقَ ابنُ عمرَ؛ ذاك في الكُنُفِ، وصدَقَ أبو هريرة ذاك في البَرِّيَّةِ. قال: وحديثُ أبي أيوبَ مُخصِّصٌ لحديثِ ابنِ عمرَ لا منسوخٌ به. وفي الحديث: أنَّ الصَّحابة كانوا يختلفون بِحسَب ما بَلَغَهم من العُموم وغيره. * * * 13 - بابُ خرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى البَرَازِ (باب خروج النساء إلى البراز)، وهو بفتح الباء: الفَضَاءُ، ويُكنَّى به عن الحَاجَةِ. قال (خ): ومن كَسَرَ فقد غَلِطَ (¬1)؛ ذاك بمعنَى المُبارَزة. * * * ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "وقال الجوهري بخلافه".

146 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى المَنَاصِعِ -وَهُوَ صَعِيدٍ أَفْيَحُ- فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلاَ قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الحِجَابِ. الحديث الأول: (أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: ومنهم عائشةُ راوِيةُ الحديث، بناءً على المُرجَّحِ في الأصول: أنَّ المُتكلِّمَ داخلٌ في عمومِ كلامِه أمرًا أو نَهيًا أو خبَرًا. (المناصع): بميمٍ مفتوحَة ونونٍ وصادٍ وعَينٍ مُهملتَين: مواضعُ خارجَ المدينةِ، واحدُها (مَنْصَع)، مَفعَل من: النُّصوعِ، وهو: الخُلُوصِ. (صعيد): ترابٌ، أو وجهُ الأرضِ، (أفيح) بفاءٍ ومهمَلة، أي: واسعٌ، والدَّار فَيحاء، أي: واسِعة. (عشاء) بكسر العَين والمدِّ: ما بين المَغرِبِ والعَتَمَة. (حرصًا): مفعولٌ لأجلِه، وعاملُه: (نادى). (الحجاب)؛ أي: حُكمُ الحِجَابِ بينَ النِّساء والرِّجال.

(آية الحجاب) يحتملُ الجنسَ، فيشملُ الآياتِ الثلاثَ {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} [الأحزاب: 59]، إلى آخرِها و {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا} [الأحزاب: 53]، إلى آخرِها، و {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، إلى آخرِها. ويحتملُ إرادةُ العَهد لواحدةٍ من الثَّلاث. وقال التَّيمِيُّ: المُرادُ بالحِجَاب أوَّلًا: سترُهنَّ بالثِّياب، حتى لا يُرى منهنَّ شيءٌ عند خروجِهنَّ، وبالحِجَاب الثَّاني: إرخاءُ الحِجَابِ بينَهنَّ وبين النَّاس. قال (ط): في الحديث مراجعةُ الأدوَنِ للأعلى في الذي لا يتبيَّنُ له، وفضلُ المُراجَعة إذا لم يقصِد التَّعنُّت، وفضلُ عمرَ، وموافقتُه ربَّه - عز وجل - في هذه وغيرها، وكلامُ الرِّجال مع النساء في الطُّرُق لمَصلَحَةٍ دينيَّة، والإغلاظُ؛ لأنَّه قال: (قد عرفناكِ يا سودَةُ)، ووعظُ الرَّجلِ أمَّه؛ لأنَّها من أمَّهات المُؤمنين، وتصرفُ النِّساء فيما يحتَجْنَ إليه قياسًا على الإذنِ في خروجِهنَّ إلى البَرازِ بعد الحِجَاب كما في الحديث الآتي، وقد أمرَهُنَّ - صلى الله عليه وسلم - بالخُروج للعيدين، وجوازُ النَّصيحةِ لله ولرسولهِ لقوله: (اُحجُبْ نساءَك). * * * 147 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (قَدْ أُذِن أَنْ

14 - باب التبرز في البيوت

تَخْرُجْنَ فِي حَاجَتِكُنَّ)، قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِي البَرَازَ. الحديث الثَّاني: (أذن) بالبناء للمفعول، وفي بعضِها: (أَذِنَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -)، وفي بعضِها: (قد أذن)، بزيادة (قد). (قال هشام) إمَّا تعليقٌ من البخاري، أو من مقولِ أبي أسامةَ. (تعني)؛ أي: عائشة. * * * 14 - بابُ التَّبَرُّزِ فِي البُيُوتِ (باب التَّبَرُّزِ فِي البُيُوتِ) 148 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأمِ. الحديث الأول (ع) (¬1): (فوق)، في بعضِها بدله: (ظَهْرَ). ¬

_ (¬1) "ع" ليس في الأصل و"ف".

(حفصة)؛ أي: أختُه بنتُ أمير المؤمنين عمرَ. (مستدبرَ) نصبٌ على الحال، لأنَّ إضافتَه لفظيةٌ، فلم يتعرَّف بِها، وفائدةُ ذكرِ ذلك للتَّأكيد والتَّصريح، وإلا فمُستقبِلُ الشَّام في المَدينةِ مستدبرُ القِبلة قَطعًا. * * * 149 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ: أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ: لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدًا عَلَى لَبِنتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ المَقْدِسِ. الحديث الثَّاني: (ذات يوم) من إضافَةِ المُسمَّى إلى اسمِه، أي: زمانٌ هو مسمَّى لفظِ اليَوم وصاحبِه، ويحتمل أنَّه من إضَافة العامِّ للخاصِّ، أي: نفسَ اليوم، فهو من التَّأكيد على كلِّ حال. (بيتنا) أو بيتًا لنا؛ أي: بيتُ حفصةَ، وسبق شرح الحديثين في (باب مَن تبَرَّز على لبِنتَين). * * *

15 - باب الاستنجاء بالماء

15 - بابُ الاِسْتِنْجَاءِ بِالمَاءِ (باب الاستنجاء بالماء)؛ أي: غَسلُ موضعِ النَّجْوِ، وهو ما يخرجُ من البَطنِ، يُقال: أَنْجَا, أي: أحدَثَ، واستَنجا؛ أي: مَسحَ موضِعَه أو غَسَله. فإن قيل: الاستفعالُ طلبُ الفعلِ، وهو هنا ليس من طلَبِ النَّجْوِ؛ فقيلَ: قد يكون لطَلب الإنْجَاء، أي: سَلبِ النَّجْو، فالهمزةُ للسَّلب، ومثله: الاستِعتابُ، فإنَّه لطلَبِ الإِعتاب لا العَتَب. وقال (خ): الاستنجَاء: الذهابُ إلى النَّجْو، وهو المُرتَفَع من الأَرض ليستَتِر به في قضَاء الحاجة، وقيل: نَزْعُ الشَّيءِ من مَوضعه وتَخليصُه، واستَجنيتُ الرُّطَبَ: جنيتُه، لكنَّ هذا بتقديم الجيم، إلا أن يُدَّعى القلبُ. 150 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ، وَاسْمُه عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَناَ وَغُلاَمٌ مَعَنَا إِدَاوَاةٌ مِنْ مَاءٍ، يَعْنِي يَسْتَنْجي بِهِ. (م د س)، وإسنادُه بَصريُّون. (كان) يُشعرُ بالتَّكرار والاستمرَار.

(وغلام) مرفوعٌ، ويحتمل نصبُه مفعولًا معه، وهو: اسمٌ للصَّبي من وِلادته إلى بُلُوغه. ولا يُعرَف اسمُه، وقال بعض العَصريين: يحتمل أنَّه أبو هُريرة، فقد وُجِدَ لذلك شاهدٌ، وتسميتُه أنصاريًّا مجازٌ. قلت: لكنْ يُبعدُه أنَّ إسلامَ أبي هريرة بعدَ بلوغِ أنس، وأبو هريرة كبير؛ فكيف يقولُ أنسُ: (غلامٌ نَحوي)؟ وكيفَ يقولُ في رواية أُخرى: (غلامٌ منّا)؟ على أنَّ الإسماعيليَّ قال: ورُوي: (فاتبعتُه وأنا غلامٌ)، والصَّحيحُ: (أنا وغلامٌ). (معنا إداوة) بكسر الهمزة: المَطهرة، والجملةُ: حالٌ، وإن لم يكن فيها واوٌ على حدِّ: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]، وعينُ (مع) يجوزُ تسكينُها؛ ففي "المحكم": إنَّها اسمٌ بمعنى الصُّحبة متحركةُ العَين، تكون اسمًا وحرفًا، وساكنةً حرفٌ لا غير، وإذا وُصِلَت مع ألف وصل، فتحتَ أو كَسرتَ. (يعني)؛ أي: أنس. (يستنجي)؛ أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -، والظَّاهرُ أنَّ هذا من كلام عطاء. وقال (ط): في كونِ الاستنجاءِ بالماء ليس في الحديث صريحًا؛ لأنَّ قوله: (يعنِي) من قولِ أبي الوليدِ الطَّيالِسِيّ. وقال (ش): قال الإسماعيليُّ: إنَّه من قولِ أبي الوليد شيخِ البخاري، وقد قَدَح بذلك في تبويبِ البخاري. وقال: وقد رواه سليمانُ

16 - باب من حمل معه الماء لطهوره

ابنُ حَربٍ عن شُعبةَ، ولم يذكُره، أي: لرواية البخاري الثَّانية، فيحتملُ أن يكونَ الماءُ لطَهوره أو لوُضوئه، كذا قاله (ش). قال الإسماعيلي: وهو تصحيفٌ، وإنَّما هو الأَصيليّ، وتلقَّاه مِن الأصيلي: (ط)، وأقرَّ (ك)، وليس بشيءٍ، فقد رواه الإسماعيليّ من طريقِ عمرو بن مرزوقٍ عن شُعبةَ، (فانطلقتُ أنا وغلامٌ من الأنصارِ، ومعنا إِداوَةٌ فيها ماءٌ يستَنجي منها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -). ولمُسلمٍ من طريق خالدٍ الحذَّاء، عن عطاءٍ، عن أنسٍ: (فخَرَج علينا، وقد استنجَى بالمَاء). واحتجَّ الطَّحاويُّ للاستنجاء بالمَاء بقَوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108]، الآية. قال الشَّعبيُّ: لمَّا نزلت قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أهلَ قُباء ما هذا الثَّناءُ الذي أثنى الله عليكم"؟ قالوا: ما منَّا أحدٌ إلا يستنجِي بالمَاء. 16 - بابُ مَنْ حُمِلَ مَعَهُ المَاء لِطُهُورِهِ وَقَالَ أبُو الدَّرْداء: أليْسَ فِيكُمْ صاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالطَّهُورِ وَالوِسَادِ. (باب من حمل الماء معه لطهوره): في بعضٍ: (لطُهُورٍ) بلا هاء، وهو هنا بالضَّم: الفعلُ على الأكثَر، وأمَّا بالفتح: فالمَاء كما

سبق، وأصلُ معناه: النَّزاهة. (وقال أبو الدرداء) موصولٌ في (المَناقب) وغيرِه. (صاحب النعلين)؛ أي: ابنُ مسعودٍ؛ لأنَّه كانَ يُلبِسُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَعليه إذا قام، فإذا قَعَد أدخلَهما في ذِراعه. (والطهور) بفتح الطَّاء؛ أي: المَاء الذي يتطَّهر به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (والوِساد) أي: المِخَدَّة، ويقالُ: الوِسادَة أيضًا، وسيأتي في (المَناقب) أنَّه صاحبُ السَّواد، بتقديم السِّين على الواو، إما بمعنَى الوِسَاد، وكأنَّه من القَلب، أو أنَّه صاحبُ السِّرار، يقال: ساوَدَه سَوَادًا أي: سارَرَه، وأصلُه: إدناءُ سوادِه من سوادِه، أي: الشَّخص. وإنَّما قال أبو الدرداء ذلك؛ لأنَّه كانَ يسكُن الشَّام، فيقولُ لأهل العراق حين يسألونه مسائِلَ: لِمَ لا تسألون عبدَ الله؟ وهو بينكم في العراق، لا تحتاجون تسألونني ولا غَيري من أهلِ الشَّام. قال (ط): وفيه خدمةُ العالِمِ، وحملُ ما يَحتاجُ إليه (¬1) من المَاءِ وغيره، وأنَّ ذلك شرَفٌ للمُتعلم؛ لأنَّ أبا الدرداءِ أثنَى على ابنِ مسعودٍ بذلك. * * * 151 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) "إليه" ليس في الأصل.

17 - باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء

مُعَاذٍ -هُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونة- قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَناَ وَغُلاَمٌ مِنَّا مَعَنَا إِداوَاةٌ مِنْ مَاءً. (إذا): ظرفٌ، فلا منافاةَ بينها وبين (خَرَجَ) الذي للمُضِيِّ، بخلافِ ما إذا كانت شرطيَّةً، فإنَّها للاستقبال، إلا أن تكونَ حكايةً للحالِ الماضية. (منا)؛ أي: من قومِنا، أو من خواصِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من المسلمين. 17 - بابُ حَملِ العَنزة مَعَ المَاءِ فِي الاِسْتِنْجَاءِ (باب حمل العنزة): بفتح النُّون، أطولُ من العَصا وأقصرُ من الرمح، وفي طَرَفِها زُجُّ، أي: سِنانٌ من حديد كالرُّمحِ. 152 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ عَطَاء بْنِ أَبِي مَيْمُونة، سمعَ أَنسَ بْنَ مَالِكٍ يقول: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنخُلُ الخَلاَءَ، فَأحمِلُ أَناَ وَغُلاَم إِداوَاةً مِنْ ماءٍ، وَعَنَزَةً، يَسْتَنْجي بِالمَاءَ. تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ. العَنَزَةُ: عَصًا عَلَيْهِ زُجّ.

18 - باب النهي عن الاستنجاء باليمين

(سمع أنسًا) هو معنَى قوله فيما سبَقَ: (سمعتُ أنسًا). (يستنجي به): استئنافٌ، وكأنَّ سائلًا قال: ما كانَ يصنعُ به؟ فقَال: يستَنجي. (وَعَنَزة) الغَرضُ من حَملِها أنَّه كان إذا استَنجى توَضَّأ، وإذا توضَّأ صلَّى، فيستَتِرُ بِها في صلاتِه، أو كانَ يَبعُدُ عن النَّاس، فيدفعُ بِها الضَّرر، أو ليَنبُشَ الأرضَ الصُّلبةَ بِها لئلا يرتَدَّ البولُ ونحوُه. (تابعه النضر)؛ أي: ابنُ شُمَيل، وصَلَها النَّسائيُّ، (وشاذان) بمُعجمَتَين؛ أي: الأسودُ بنُ عامر، وصَلَها البخاريّ في (كتابِ الصَّلاة). * * * 18 - بابُ النَّهَي عَنْ الاِسْتِنْجَاء بِاليَمِينِ (باب النهي عن الاستنجاء باليمين) 153 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ -هُوَ الدَّسْتَوَائيُّ-، عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُم فَلاَ يتنفَّسْ فِي الإناَءِ، وَإِذَا أتَى الخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينهِ، وَلاَ يتمَسَّحْ بِيَمِينهِ). (م ت د س ق). (فلا يتنفس) هو والأفعالُ بعدَه بالجَزمِ على النَّهي، وفي روايةٍ

بالرَّفع على أنَّه نفيٌ بمعنى النَّهي، وحكمتُه في التَّنفُّس: أنه لا يأمنُ ريقًا يخرجُ من فيه، فيخالطُ الماءَ، فيَعافُه الشَّاربُ، وربَّما تَروحُ منه إذا كانت فاسدةً؛ لِلُطف الماء، فتُسرِعُ إليه الرَّائحة، وأيضًا فذلك من فِعل الدَّواب، وإنَّما السُّنة أن يشربَ ثلاثةَ أنفاسٍ، كلُّ نَفَسٍ يُنحِّي الماء عن فَمِه، وأن يكونَ شُربُه مَصًّا غيرَ عبٍّ. (فلا يمس ذكره بيمينه)؛ أي: تَشريفًا لليُمنى عن مُمَاسَّة ما فيه الأَذى والحدَث، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يجعلُ يُمناه لطَعامِه وشَرابِه، ويُسراه لِخِدمَةِ أسافِل بدَنه، وإماطةِ ما يكونُ بِها من قَذَر. (ولا يتمسح)؛ أي: لا يستَنجِ باليُمنَى؛ لشَرفها كما تقَدَّم، حتى قال بعضُهم: إذا استَنجى بِها لا تُجزِئُه، قالوا: وإذا احتاجَ البائِلُ لذلك بأن لا يجدَ إلا حجَرًا ضَخْمًا لا يزولُ من مَكانِه، فإنَّه إنْ أمسَكَ ذَكَرَه بشِمَاله احتَاجَ أن يستنجِيَ باليمين، وإن أمسَكَه بيمينه لم يتمكَّنْ من الاستِنجاء بالشِّمال، فطَريقُه للتَّخلُّصِ عن النَّهيَين؛ أن يُلصِقَ مقعَده بالأرض، ويُمسِكَ المَمسوحَ بين عَقِبيه، ويتناولَ عُضوَه بشِماله، فيمسحَه به. وحضَر ابنُ أبي هريرة مجلسَ المَحَامِلِيّ، وقد حضَر شيخٌ من أصبَهانَ -أيامَ المَوسم- نبيلُ الهيئَة، فأقبلتُ عليه وسألتُه عن الطَّهارة، فقالَ: مِثلي يُسأَلُ عنها! فقلتُ: لا والله إنْ سألتُك إلا عن الاستِنجاء نفسِه، فألقَيتُ عليه هذه المَسألة، فبقيَ مُتحيِّرًا لا يُحسِنُ الخروجَ منها إلى أن فهَّمتُه.

19 - باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال

وقال الطِّيبِيُّ: النَّهيُ بِمَسح اليمين مُختصٌّ الدُّبُر، ونهيُ المسِّ مُختصٌّ بالقُبُل، فعُلِمَ منه أنَّه إذا أخَذَ الحجرَ باليُمنى ومسحَ ذكَرَه بالشِّمال لم يُكره، فلا إشكالَ. 19 - بابٌ لاَ يُمسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ (باب لا يُمسِك ذكره بيمينه) 154 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعيُّ، عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِذَا بَالَ أَحَدُكُم فَلاَ يَأخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينهِ، وَلاَ يَسْتَنْجي بِيَمِينهِ، وَلاَ يتنَفَّسْ فِي الإناَءِ). (فلا يأخذن) فيه زيادةٌ لا على الرِّواية السَّابقة؛ التَّوكيدُ بالنّون، وهناك: (إذا دَخَل الخَلاء)، وهنا: (إذا بالَ). (ولا يتنفس) قضيَّةُ عطفِه على المُقيَّد بوقتِ البَول أن يكونَ التنفُّسُ كذلك، وهو مَنهِيٌّ عنه مُطلقًا، فيتعيَّنُ عطفُه على مَجموعِ جُملتي الشَّرط والجَزاء، ولهذا لم يؤكِّده بالنّون. نعم، مذهبُ السَّكَّاكيِّ: أنَّ الجملة الجزائيَّة خبرية مقيَّدةٌ لا بالشَّرط، ولا يلزمُ من تقييدِ المَعطوفِ عليه تقييدُ المعطوفِ؛ على ما عليه أكثرُ

20 - باب الاستنجاء بالحجارة

النُّحاة، وأمَّا الاستنجاءُ باليمين؛ فهو كان عُطِفَ عليه؛ قد يَختصُّ بالقُبُل، بل يَعُمُّ الدُّبر، ففيه ردٌّ على من قيَّد: (لا يتَمسَّح)؛ بأنَّه للدُّبر. * * * 20 - بابُ الاِسْتِنْجَاء بِالحجَارَةِ (باب الاستنجاء بالحِجَارة) 155 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ يَحيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمرٍو الْمَكِّيُّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لاَ يَلْتَفِتُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ: (ابْغِنِي أحجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِها -أَوْ نَحْوَهُ- وَلاَ تأتنِي بِعَظْمٍ وَلاَ رَوْثٍ)، فَأَتَيْتُهُ بأَحجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي، فَوَضَعتها إِلَى جَنْبِهِ وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَضَى أَتبَعَهُ بِهِنَّ. (خ). (أحمدُ بنُ محمَّدٍ المَكِّيّ) هو أبو الوليدِ الأَزرَقِيُّ، جَدُّ صاحِبِ "تاريخ مكَّة"، وفي طبقته: أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ عوفٍ، أبو محمَّد المكِّيُّ يُعرَفُ بالقَوَّاس، لم يروِ عنه البخاري، وقد وَهِمَ (ك) حيثُ جعَلَهما واحدًا. (أتبعت) قلتُ: بقَطعِ الهمزةِ رُباعيًّا؛ أي: لَحِقتُه، قال تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60].

وجوَّز ابنُ التِّينِ معَ ذلك أن يكونَ بالتَّشديد وهمزةِ الوَصل خُمَاسيًّا، أي: مَشَيتُ خلفه، وتبعَه على تجوّز الوجهين الحافظُ عبدُ الكريم في "شرحه"، وفي "المُحكَم": تَبعَ وأتْبَعَ واتَّبَعَ؛ بمعنى. قال: وفي التَّنزيل: {أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 89]، أي: تَبعَ. (وخرج) جملةٌ حاليَّةٌ بتقدير: قَد. (ابغني) بهمزة وَصلٍ ثلاثيًّا؛ أي: اطلُب لي، نحو: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47]؛ أي: يطلُبونها لكم، أمَّا (أبغَيتُك) الرُّباعي؛ فمعناه: أعنتُكَ على طَلَبِه. وقال (ك): الوَجهان جائِزَان مروِيَّان. قال: وفي بعضِها: (ابغِ لي). (أحجارًا) في بعضِها: (حجارَة). (أستنفض) بالرَّفع صفةٌ، وقال (ك): استئنافٌ، وبالجَزم جوابُ الأمرِ، وهو (استفعالٌ) من النَّفضِ، وهو: هزُّ الشَّيء ليطيرَ غُبارُه وغيرُه، والمرادُ هنا: أستَنظِفُ بِها، أي: أُنظِّفُ نفسِي بِها من الحدَث، فكَنَّى به عن الاستِنجاء، أو عن الاستِجمار. قال (ش): كذا رُوي، وقال المُطَرِّزِيُّ: مَن رواه بالقَاف والصَّاد المُهملة فقَد صَحَّفَ. (أو نحوه) بالنَّصب، أي: أو قالَ نحوَ هذا القَول، ففيه جوازُ الرواية بالمَعنى.

(ولا تأتني)، في بعضِها: (ولا تأتِ لي). (بعظم) قيل في معناه: أنَّه لَزِجٌ فلا يتَماسكُ لقَلعِ النَّجاسَة به. وقيلَ: لأنَّه لا يَعرَى غَالبًا من بقيَّة دَسَمٍ يعلَقُ به، فيكونُ مأكولًا للنَّاس، ولأنَّ الزَّجرَ عنه؛ لأنَّه يُمَشمَشُ في الرَّفاهية، والصُّلبُ يُدَقُّ ويُستَفّ. وقيلَ: لأنَّه طعامُ الجِنّ. (ولا روثة) لأنَّه نجِسٌ، فيَزيدُ ولا يُزيل. وقيل: لأنه طُعْمُ دوابِّ الجِنِّ، ففي "دلائل النبوة" لأبي نُعيم: أنَّهم سألوه - صلى الله عليه وسلم - هديَّة؛ فأعطَاهم العَظم لهم، والرَّوثَ لدوابِّهم، بل قيلَ: إنَّه طعامٌ لنفسِ الجِن. ففي "الدَّلائل" للحاكِم: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - "قال لابنِ مسعود ليلةَ جِن نَصيبِين: أنَّهم سألوه الزَّادَ، فمتَّعهم بالعَظم والرَّوث، فقال له: وما يُغنِي عنهم؟ قال: "إنَّهم لا يجدونَ عظمًا إلا وجَدوا عليه لحمَه الذي كانَ عليه يومَ أُخذ، ولا يجدونَ رَوثًا إلا وجَدوا فيه حبَّه الذي كان فيه يومَ أُكِلَ، فلا يستنجِ أحدُكم: لا بعظمٍ، ولا برَوثٍ". وفي "أبي داود": أنَّهم قالوا: (يا محمَّدُ، اِنْهَ أُمَّتك لا يستَنجوا بعَظمٍ أو رَوثٍ، فإنَ الله جعلَ لنا فيه رِزقًا، فنهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنه). وفي الحديث: أنَّ ما في معنى الحجَر من كلِّ طاهرٍ قالعٍ غيرِ مُحترم يُستَنجى به؛ لأنَّ بإخراجِهما عُلِمَ أنَّه لا خصوصيَّة للحِجارة،

وإلا لمَا كان لذلك فائدةٌ؛ لأنَّها غيرُ الحِجارة. وعُلِمَ أنَّ ذِكر الحِجارة إنَّما هو لأنَّها الغالبُ في الوِجدان، فبَطَلَ قولُ أهلِ الظَّاهر أنَّ الحَجَر متعيِّنٌ، فلا يجوزُ غيرُه، ولا ينبغي أن يُمنعَ كلُّ ما ليس بحَجَر قياسًا على مَا مُنِعَ منه، وهو العَظم والرَّوثُ، لعَدَمِ المَعنى الذي فيهما فِي غيرِهِما، وليسَ فيه أيضًا تنبيهٌ على مَنعِ غيرهما؛ لأنَّ غيرَهما ليس بالمَنع أولى، حتَّى يكونَ مثل: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، فعم أصلَ الاستِنجاء. قال (ط): إن مذهبَ مالك والكوفيين أنَّه سنَّةٌ، لأنَّ الحجَر لا يُنقِّي كالماء، فلمَّا جازَ الحَجَر مع بقاءِ الأَثر النَّجِس عُلِمَ أنَّ الاستِنجاء سُنَّةٌ، والشَّافعيُّ وأحمدُ قالا: فَرضٌ؛ لأمرِه - صلى الله عليه وسلم - بالاستِنجاء بثَلاثة أحجارٍ، وكلُّ ما فيه تعدُّدٌ يكونُ واجبًا، كوُلوغِ الكَلب. قلت: ينتقِضُ بغَسل الكفَّين قبلَ أن يغمِسهُما ثلاثًا عندَ الشَّك في نجاسَتِهما. (بطرف)؛ أي: في طَرف (ثيابي)، المُرادُ جنسُها، لا الكلّ. قلت: قد رواه الإسمَاعيليُّ في "مُستَخرجه": (طرف مُلاءَتي). وفي الحديثِ جوازُ اتَّباعِ السَّاداتِ بغير إذنِهم، واستخدامُ المَتبوعِ إيَّاهم، وندبُ الإعراضِ عن قاضي الحَاجة، وإعدادُ النُّبَلِ للاستِنجاء به قبلَ القعود؛ لئَلا يتلوَّثَ إذا قامَ بعد الفَراغ لطلَبِها.

21 - باب لا يستنجى بروث

21 - باب لا يُستنْجَى بِرَوْث (باب لا يستنجى بروث): في بعضِها إسقاطُ الباب، وذُكر الحديثِ مع حديث أبي هريرةَ الذي قبلَه. 156 - حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زهيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَيْسَ أَبو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ: أنَّهُ سَمعَ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: أتى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الغَائِطَ، فَأَمَرَني أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحجَارٍ، فَوَجَدتُ حَجَرَيْنِ، وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَم أَجِدهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأَتَيْتُهُ بِها، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَألقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: (هذَا رِكْسٌ). (س ق). (زهير) هو ابنُ معاويةَ الجُعْفِيُّ، (عن أبي إسحاق) هو السَّبيعِيُّ، قال أحمدُ: إنَّ في روايتَه عنهُ لِيْنٌ، لكونه ما سَمع منه إلا بأخَرَةٍ، فلعلَّه بعدَ اختِلاطِه. والإسنادُ كلُّه كوفيُّون، وفيه ثلاثةٌ من التَّابعين. (قال: ليس أبو عبيدة ذكره)؛ يعنِي: أبا عبيدة عامرَ بنَ عبد الله بنِ مسعود، وسيأتي في الأسماء أنَّه قيلَ: إنَّ اسمَه كنيتُه، وإنَّ الكثير سَمَّوه بذلك، وهو: أخو عبدِ الرَّحمن. قال أحمدُ: وكانَ يُفَضَّلُ عليه.

وذكره أبو داودَ عن شعبةَ: أنَّ أباه ماتَ وعمرُه سبعَ سنين، لكنْ قال ابن التِّين: خمس، وأنَّه لم يَسمع من أبيه شيئًا، ولكنَّ الطبرانيَّ في حديثٍ قال: إنَّه سَمع منه، فأرادَ أبو إسحاقَ بِهذا أنَّه ما حدَّثه به، وإنَّما حدثَه عبدُ الرحمن بنُ الأسود، عن أبيه، عن ابنِ مسعود، فيصيرُ السَّند هكذا: أبو إسحاق عن عبدِ الرَّحمن ... إلى آخره؛ على أنَّ الترمذيّ أخرجَه عن إسرائيلَ عن أبي إسحاقَ عن أبي عُبيدَة عن عبد الله، وكذا رواه قيسُ بنُ الرَّبيع عن أبي إسحاقَ عن أبي عُبيدَة، وذَكَر رواياتٍ، ثم قالَ: والحديثُ فيه اضطِرابٌ. قال: وسألتُ البخاريَّ: أيُّ الرَّواياتِ في هذا عن أبي إسحاق أصحُّ؟ فلم يقضِ فيه بشيءٍ، فكأنَّه رأى حديثَ زهيرٍ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ الرَّحمن بنِ الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبهَ، ووَضَعه في "الجامع". قال: وأصحُّ شيءٍ عندي حديثُ إسرائيلَ، أي: السَّابق؛ لأنَّ إسرائيلَ أثبتُ وأحفظُ لحديثِ أبي إسحاقَ من هؤلاءِ، وزهيرٌ فيه ليس بذاك، لأنَّه سَمعَه بأَخَرَةٍ، وأبو عبيدةَ لم يسمع من أبيه، انتهى. قال (ك): كيفَ يقولُ ذلك مع قوله في حديثِ إسرائيلَ: إنَّه أصحُّ؛ مع أنَّه عن أبي عبيدة عن أبيه؟ فتعيَّن أنَّ الأصحَّ ما في البخاريّ، وأمَّا كونُ زهيرٍ سمع من أبي إسحاق بأَخَرَةٍ، فلا يقدَحُ فيه لثُبوتِ سَماعه منه هذا الحديثَ قبلَ الاختِلاطِ بطُرُقٍ متعدِّدة. قلت: وبعضُهم حَمَل قولَ أبي إسحاق على معنَى: أنَّه لم يسمعْه

منه وحدَه؛ بل سمعه من غيرِه أيضًا، وهو حَسَنٌ؛ لِمَا سبق من الرواياتِ في الترمذيّ عنه عن أبي عُبيدةَ عن أبيه. وكذا رواه الطَّبرانيُّ عن يونسَ بنِ أبي إسحاقَ عنه، وغيرُه، حتَّى قال أبو زُرْعَةَ: الصَّحيحُ عندي حديثُ أبي عُبيدةَ عن أبيه، وبذلك يَندفعُ من جَعَل هذا من أبي إسحاقَ تَدليسًا خَفِيًّا، حيث قال: (لم يحدثني أبو عُبيدَة، ولكنْ عبدُ الرَّحمن)، ولم يقُلْ: (حدَّثني عبدُ الرَّحمن)، وهو عجيبٌ! فإنَّ قولَه: (ولكنْ عبدُ الرَّحمن)، أي: ولكنْ حدَّثني، وهذا ظاهرٌ لا خَفاءَ به، بل صرَّح بأنه حدَّثه في حديثِ البخاري السَّابق عن إبراهيمَ بنِ يوسفَ عن أبيه عن أبي إسحاقَ عنه. وإنَّما أطَلتُ في (¬1) هذا، وإنْ لم يكُن في (ك) و (ش)؛ لمَحلِّ الحَاجَة. (الغائط)؛ أي: المَكانَ المُطمئِنَّ لقَضاء الحَاجة كما سبَق. (أن آتيه)، (أَنْ): مَصدرَّية، بخلافِ: (أن اِفعلْ) بالأمر؛ فإنَّه يحتَمِل التَّفسيريَّة أيضًا. قلتُ: بل أبو حيَّانَ يَمنع (أن) تُوصلَ أن المصدرَّيةُ بفِعل الأَمر، وَيرُدُّ ما وَرَد من ذلك إلى (أَنْ) التَّفسيريَّة، ويؤوِّلُ كلامَ سيبويهِ في حكايتِه: (كتبتُ إليه بأَن قُم)؛ على أنَّ الباءَ زائدةٌ. (بثلاثةِ أحجار) دليلٌ على اعتبارِ الثَّلاثة، وإلا لَمَا طلَبها، وصرَّح ¬

_ (¬1) "في" ليس في الأصل.

به في حديثِ سلمان (¬1) في مسلم: (نهانا أَنْ نستَنجِيَ بأقلَّ من ثلاثةِ أحجَارٍ)، وكذا حديثِ أبي هريرة: (ولا يَستنجِ بدونِ ثلاثةِ أحجَارٍ). (فأتيته بِها)، أي: بالثَّلاثة. (هذه)؛ أي: الرَّوثَة، وفي بعضِها: (هذا)، لأَجل أنَّ الخبَر يذكَّر كما في {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76]. قال التَّيمِيُّ: الرَّوثة إنَّما تكونُ للخَيل والبِغَال والحَميرِ. (ركس) بكسر الرَّاء: الرَّجيعُ، لكونه يَرجِعُ من حالِ الطَّهارة إلى حالِ النَّجاسة، ويُروى: (رجس)، بمعنى: نَجِس، أو نحو ذلك، وقال النّسائي في "سننه الكبرى": (الرَّجيع): طَعامُ الجِنّ. وقال (ط): (الرِّكس): يُمكِنُ أن يُرادَ به الرِّجس، ولم أجدْ لأهلِ النَّحو شرحَ هذه الكلِمَة. قال: وذهبَ مالكٌ، وأبو حنيفة إلى أنَّ دونَ ثلاثةِ أحجار (¬2) كافٍ في الاستِنجاء حيثُ وُجِدَ الإِنقاءُ، فالمَدارُ عليه لا على عَدد. قال الطَّحَاوِيّ: يدلُّ عليه أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قعَدَ في مَوضعٍ لا أحجارَ فيه، بدليلِ طلبِ ثلاثةِ أحجار، فلمَّا أُتِيَ بحجَرين وأخذَهُما دلَّ على الاكتِفاء بِهما، وإلا لَطَلب ثالثًا، وأُجيبَ باحتِمال حضور ثالثٍ، ولكنْ لم يَعلم، فطَلَبَ الثَّلاث، فلمَّا عَلِمَ اكتَفى بالحَجَرين معه. ¬

_ (¬1) في الأصل: "سليمان" والمثبت من "ف" و"ب". (¬2) "أحجار" ليس في الأصل.

وقال ابنُ القَصَّار: وردَ في بعضِ الآثارِ التي لا تصِحُّ (أنَّه أتاه بثالث)، قالَ: وعلى كلا الأَمرين هوَ دليلٌ لنا، لأنَّه اقتصَر للمَوضِعَين: القُبُل والدُّبُر على ثلاثة، فيحصُلُ لكل منهما أقلُّ من ثلاثة. قال: ويُحتَمَل أنه أرادَ بذكرِ الثَّلاث أنَّ الغالِبَ وجودُ الإنقاءِ بِها، أو الثَّلاثةُ استحسانٌ فيه أيضًا، فالاستِنجاء مَسحٌ، والمَسحُ لا يوجِبُ تَكرارًا، بدليلِ مسحِ الرَّأس والخُفِّ أيضًا، فهي نَجاسَةٌ عُفيَ عن أثَرِها؛ فوَجَب أن لا يجبَ تكرارُ المَسح بِها. قال (ك): في بعض الأحاديثِ: أنَّه أمر عبدَ الله بإحضار ثالثٍ، فلم يكتَفِ بالاثنين، أو أنَّه اكتَفى في طلب الثَّالث بالأمرِ الأوَّل بإحضَار الثَّلاث، أو اكتَفى في المَسْحَات الثَّلاث بأطرافِ الحَجرين عن ثالثٍ، وأما احتمالُ مَسْحِ المَوضِعَين؛ فقد يُمنعُ باحتِمال أنَّ الحاجَة في أحدِهما فقط، أو أنَّ مَسحَ الأرضِ يكفي في القُبُل، فالثَّلاثةُ للدُّبُر، وأمَّا القياسُ على المَسح للرَّأسِ والخُفِّ؛ فقولٌ بالرَّأيِ مع وجودِ النَّص، ومثلُه يُسمَّى في الأصولِ: فسادَ الاعتِبارِ. (وقال إبراهيم بن يوسف) هي متابعة ناقصةٌ، ذَكَرها تعليقًا على أنَّ إبراهيمَ هذا مُتَكَلَّمٌ فيه كما سيأتي في قِسمِ الأسماء، وأنَّ يحيى قال: إنَّه ليس بشيءٍ، والنَّسائي: إنَّه ليس بالقويّ، لكنْ يُغتَفَرُ مثلُه في المُتابعةِ، ولم يوجد في كثيرٍ من النُّسخِ ذكرُ هذه المُتابعةِ، وقال بعضُ العَصريين: إنَّه لم يجِدها في روايةٍ. * * *

22 - باب الوضوء مرة مرة

22 - بابُ الوُضوء مَرَّةً مَرَّةً (باب الوُضوء مرَّةً مرَّة) 157 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زيدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً مَرَّةً. (د ت س ق). (محمد بن يوسف) يحتمل أنه البِيْكَنْدِيُّ، وأنَّه الفريابِيُّ، فعلى الأولِ يكونُ: (سفيان) هو ابنُ عُيينةَ؛ لأنَّ الغالبَ روايتُه عنه، وعلى الثَّاني: الثَّوري؛ لأنَّه الغالبُ، وليس مثلُ ذلك تَدليسًا، ولا قَدحًا، لأنّ كلًّا عَدلٌ ضابطٌ على شَرطه، كذا قال (ك)، ولا حاجةَ لهذا الاحتِمال، فإنه الفِرْيابِيّ، وسُفيان هو الثَّوريّ. (مرة مرة)، قال (ك): منصوبٌ على الظَّرف، أي: توضَّأ في زمانٍ واحدٍ، فلو كان ثَمَّةَ غَسلتانِ أو غَسلاتٌ لكلِّ عضوٍ من أعضاء الوضوء؛ لكان التَّوضؤُ زمانين أو أزمِنةً؛ إذ لا بدَّ لكلِّ غَسلةٍ من زمانٍ غيرِ زمان الغَسلة الأخرى، أو منصوبٌ على المصدر، أي: توضَّأَ مرّةً من التَّوضُّيء أي: غَسلُ الأعضاءِ غَسلةً واحدةً، وكذا حُكم المسح.

23 - باب الوضوء مرتين مرتين

فإن قلتَ: فعلى هذا التقدير يلزمُ أن يكونَ معناه: توضَّأ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع عُمُره مرَّةً واحدةً، وهو ظاهرُ البُطلان. قلت: لا يلزمُ، بل تكرار لفظِ: (مرةً) يقتضي التَّفصيلَ والتَّكثيرَ، أو تقول: المرادُ أنَّه غَسل في كلِّ وُضوءٍ كلَّ عُضوٍ مرَّةً، لأنَّ تكرارَ وُضوئه معلومٌ بالضَّرورة، انتهى. قلت: هذا الثَّالثُ واضحٌ، أي: توضَّأ فغَسل كلَّ عُضوٍ مرّةً، فكرَّر (مرَّة) لأجلِ ذلك، فنصبُه على المفعولِ المُطلق المبيِّنِ للكمِّية. والوجهانِ الأوَّلان لا يَخفَى بُعدُهُما، والتَّعسُّف فيهما. * * * 23 - بابُ الوُضُوء مَرَّتَينِ مَرَّتَيْنِ (باب الوضوء مرتين مرتين) 158 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونسٌ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. الحديث: (أبي بكر بن محمد بن عمرو): سقط في بعضِ النُّسخ: (محمد).

24 - باب الوضوء ثلاثا ثلاثا

(توضأ مرتين مرتين): في إعرابه ما سبق، بل فيه ما يؤيِّد الوجهَ الثَّالث ويضعِّف الآخرين. 24 - بابُ الوُضُوء ثَلاَثًا ثَلاَثًا (باب الوضوء ثلاثًا ثلاثا)؛ أي: لكلِّ عضوٍ. 159 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعدٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِناَءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدخَلَ يَمِينَهُ فِي الإناَءَ فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، (ثُمَّ) مَسَحَ بِرَأْسهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئي هذَا، ثُمَّ صَلَّى ركعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). (م د س). وإسنادُه مدنيُّون، وفيه ثلاثةٌ من التَّابعينَ: ابنُ شهابٍ فَمَن فوقَه. (بإناء)؛ أي: فيه الماء. (فأفرغ)؛ أي: صَبَّ، أما (فَرِغَ) بالكسر، فمعناه: انصَبَّ.

(مرات) في بعضِها: (مِرَارًا). (فمضمض) الفاء فيه تُسمَّى الفَصيحةُ، لأنَّها عاطفةٌ على محذوف، أي: أخذَ الماء منه، وأدخلَه في فيه فمَضمَضَ. (واستنثر) في بعضِها: (واستنشَقَ). والاستِنثارُ: إخراجُ الماء من الأنف بعدَ الاستِنشَاقِ؛ خلافًا لقول ابنِ قُتَيبَةَ: إنه الاستِنشَاقُ في روايةِ الجَمع بينهما، وهو مأخوذٌ من النَّثْرَةِ، وهي: الأنفُ، أو طرفُ الأنفِ، أو الفُرجَةُ بين الشَّاربين على الخِلاف، وتقديمُ المَضمضَة على الاستِنشاقِ مُستحَقٌّ؛ لاختلافِ العُضوين، وقيل: مستحبٌّ كتقديم اليُمنى، ففي الحديث: أنَّه يأخذُ الماءَ لهما بيمينه، وأنَّهما بغَرفَةٍ واحدة، وهو أحدُ الأوجُه الخَمسة. قال (ن): أجمعَ العلماءُ على أنَّ الواجبَ في غَسل الأعضاء مرَّةٌ، وأنَّ الثَّلاثَ سنةٌ، وقد جاءت الأحاديثُ بالغَسل مرَّةً ومرَّتين وثلاثًا، وبعضُ الأعضاء ثلاثًا، وبعضُها مرتين، وبعضُها مرَّةً، واختلافُها دليلُ جوازِ الكُلّ، والثلاثُ هي الكمالُ، أو يُحملُ الاختلافُ على أنَّ بعضَ الرُّواة حفِظَه، فيُؤخَذ بما زادَه الثِّقةُ، وتثليثُ مسحِ الرَّأس قال به الشافعيُّ، وقال الثَّلاثة: المَسحُ مرَّة. واحتجَّ الشافعي بما في أبي داودَ: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - مسحَ رأسَه ثلاثًا، وبالقياسِ على باقي الأعضاء، وأنَّ روايةَ المَسح مرَّةً إنَّما هي لبيان الجواز، وجَرَيانُ الماء عند الجُمهور كافٍ، وأوجب مالكٌ الدَّلكَ.

(نحو وضوئي)، قال (ن): إنَّما لم يقُل: (مثلَ)؛ لأنَّ حقيقةَ مُماثلتِه لا يقدِرُ عليها غيرُه، كذا قال، وقد ثبت التَّعبيرُ عند المصنِّف كما سيأتي في (الرّقاق)، وكذا عند مسلم. (لا يحدث)؛ أي: بشيءٍ من أمور الدُّنيا، فلو عَرَضَ له فأعرَضَ عنه عُفِيَ عنه، وحَصَل له هذا القصدُ؛ إذ ليس من فعله، وقد عُفيَ عن الأمَّة الخواطرُ التي لا تستَقِرُّ. قال (ع): في قوله: أي (لا يُحدِّثُ نفسَه)؛ الإشارةُ إلى أنَّ المنفيَّ ما يَجتلِبُه ويكتَسِبُه، لا ما يقعُ في المخاطر غالبًا. قال بعضهم: لكنَّه دونَ مَن سَلِمَ من الكُلِّ؛ لأنَّ الشارع إنَّما ضَمِنَ الغُفرانَ ليُراعيَ ذلك مجاهدةَ نفسِه من خَطَرات الشَّيطان، ونفيها عنه، ويُفرِّغَ قلبَه، ويُحتَمل أنَّ المرادَ الإخلاصُ، لا لطالبِ جاهٍ، أو تركُ العُجْبِ، بأنْ لا يرى لنفسِه منزلةً رفيعةً بأدائِها. * * * 160 - وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: قَالَ ابْنُ شِهابٍ: وَلَكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ، فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُم حَدِيثًا لَوْلاَ آيَةٌ مَا حَدَّثتكُمُوهُ، سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (لاَ يتَوَضَّأُ رجلٌ يُحسِنُ وُضُوءَهُ، ويُصَلِّي الصَّلاَةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ حَتَّى يُصَلِّيها). قَالَ عُروَةُ: الآيَة {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}.

(وعن إبراهيم)، أي: ابنِ سعدٍ، وهو تعليقٌ بصيغةِ تَمريضٍ. وقد اجتمع في هذا السَّند ستةٌ مدنيّون، وأربعةٌ تابعيّون، وفيه روايةُ الأكابِر عن الأصَاغر، فإنَّ صالحَ بنَ كَيسَانَ أكبرُ سِنًّا من الزُهرِي، قاله (ك). وفيه نظرٌ من وَجهين: الأولُ في قوله: (إنَّ هذا تعليقٌ) وإنَّما هو معطوفٌ على قولِ: (حدثني إبراهيمُ بنُ سعدٍ)، والدليلُ على ذلك ما أخرجَه مسلمٌ من طريقِ يعقوبِ بنِ إبراهيمَ بنِ سعدٍ عن أبيه بالإسنادين معًا. والثَّاني: في قوله: (روايةُ الأكابر عن الأصَاغر)، بل هُما قرينان. (لأحدثنكم) جوابُ قَسَم محذوف، وفيه جوازُ الحَلِفِ من غير ضَرورةٍ. (لولا آية)، أي: ثابتةٌ في القرآن، أو نحوُ ذلك، فخبَرُ المبتدأ يُحذَف بعدَ (لولا) وجوبًا، والمرادُ بالآية: {الَّذِينَ يَكتُمُونَ} [البقرة: 159]، كما سيأتي، هكذا رواية البخاريّ وأكثرُ رُواةِ مسلم، ولبعضِهم: (لولا أنَّه)، بالنون، أي: الذي أُحدِّثُكم به، واكتفى بذلك عن أن يقولَ في كتاب الله، أي: معناه أو نحو ذلك، وكذا قال مالكٌ في "المُوطَّأ": أراه يريدُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]، الآية، وجوابُ (لولا) على الرِّوايتَين: (ما حدثتكموه)، أي: ما كنتُ حَريصًا على تَحديثِكم به.

(فيحسن)؛ أي: يأتِي به بكمالِ آدابِه وسُننِه، والعطفُ بالفاء هنا لبيانِ الرُّتبةِ، كما لو أتى بِـ (ثُمَّ)؛ أي: إنَّ الإحسان في الوُضُوءِ بالمُحافظةِ على سُننِه وآدابه أفضلُ وأكملُ من المُقتَصَرِ فيه على الواجب، ففيه الحثُّ على الاعتناءِ بِمعرفَةِ الآداب والسُّنن، والإتيانُ بما يختلفُ فيه العلماءُ للخروجِ من خلافِهم كالنِّية، والتَّرتيب، ومسحِ جميعِ الرَّأس، ومسحِ الأذُن، والولاءِ ونحوِ ذلك. (إلا غفر)؛ أي: إلا رجلٌ غُفِرَ، فيكونُ الاستثناءُ من (رجلٌ) المَرفوع، أو من أعَمِّ عامِّ الأحوال، أي: في حالِ إلا في حالِ المَغفِرَة. (حتى) الغايةُ فيه: لِـ (حَصَل) المُقدَّر العاملِ في الظَّرف؛ إذ الغُفرانُ لا غايةَ له. (يصليها) فائدتُه مع قوله قبلَه (وبينَ الصَّلاة) دفعُ احتِمال (وبينَ الشُّروع فيها)، فبيَّن هنا أنَّ المرادَ الفراغُ منها؛ حتى يشملَ النَّظرة المُحرَّمة الواقعةَ في نفسِ الصَّلاة. (قال عروة) هو تعليقٌ، ويُحتَمل أنه من مقولِ ابنِ شهابٍ، لكنْ سبق أنَّ في "الموطّأ" قال مالك: أراه يريدُ آية: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114]. وقال (ط): فَرضٌ على العَالِمِ تبليغُ العلم؛ لأنَّ الله تعالى توعَّدَ الذين يكتُمونه باللَّعنة، فإنَّها كان نزلَت في أهلِ الكِتاب، لكنَّها عامَّةٌ لكلِّ من عَلِمَ عِلمًا تعبَّدَ اللهُ العبادَ بمعرفتِه، وقال غيرُه: الإشارةُ إلى قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ

25 - باب الاستنثار في الوضوء

مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]. * * * 25 - بابُ الاِسْتِنْثَارِ فِي الوُضُوء ذَكَرَهُ عُثْمَانُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ، وَابنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب الاستنثار في الوضوء): سبقَ بيانُ معناه. * * * 161 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني أبَو إِدرِيس: أَنه سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: (مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ). (م). (فليستنثر)؛ أي: لإخراجِ ما في أنفِه من أذى، ولما فيه من تَنقِيَة مَجرى النَّفَس الذي فيه التِّلاوة، وإصلاحِ مَجاري الحُروف، وجاء في روايةٍ: (فإنَّ الشَّيطانَ يبيتُ على خَياشيمِه)، وهذا الأمرُ للنَّدبِ باتِّفاقٍ، فلا عُلْقَةَ به لمَن يَرى وجوبَ الاستنشاق؛ كذا قاله (ن). لكنْ قالَ (ط): إنَّ بعضَهم أوجَب الاستنثار، فيلزمُ منه وجوبُ الاستنشاق؛ إذ لا يكونُ إلا منه، لكنَّ دليلَ المانعِ أنَّ غَسل باطِن الوَجه

26 - باب الاستجمار وترا

غيرُ مأخوذٍ علينا في الوُضوء. (استجمر): مسحَ محلَّ النَّجْوِ بالجِمَار، وهي الأحجارُ الصِّغارُ، كالاستِطابةِ والاستنجاء، إلا أنَّهما أعمُّ من الماء والحجَر. (فليوتر)؛ أي: بثلاثٍ أو خَمسٍ أو غيرِ ذلك، وقد سبق أنَّ الواجبَ عندنا ثلاثٌ، فإن لم يُنَقِّ وجبَ زيادةٌ، واستُحِبَّ الإيتارُ إن حصلَ الإنقاءُ بشَفعٍ، وأوجب بعضُ أصحابنا الإيتارَ مطلقًا لظاهرِ هذا الأمرِ، وجوابُه أنَّ في روايةٍ: (مَن فَعَلَ فقد أحسَنَ، ومن لا، فلا حَرَجَ)، فهذا الحديثُ إمَّا محمولٌ على الثَّلاث، أو على النَّدب فيما زاد. قلت: وعليه فهو استعمالُ الأمرِ في حقيقَته ومَجازِه مَعًا. قال (خ): فيه دليلٌ على وجوبِ الثَّلاث؛ لأنَّ أصلَ الاستِجمار إذا حصلَ بواحدٍ، فلا يكونُ الأمر إلا لوتر بعدَه، وأدناه الثَّلاثُ. قلتُ: إلا أن يُقدَّر: ومَن أرادَ أن يستَجمِرَ فليوتِر. * * * 26 - بابُ الاِسْتِجْمَارِ وِتْرًا (باب الاستجمارُ وِترًا) 162 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِذَا

تَوَضَّأَ أَحَدُكُم فَلْيَجْعَلْ فِي أنفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُم مِنْ نومِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَها فِي وَضُوئه، فَإِنَّ أَحَدكُم لاَ يَدرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ). (م د ت س). سندُه أبو الزِّنادِ عن الأعرَجِ، عند البخاريَّ أصحُّ الأسانيد. (في أنفه)؛ أي: ماءً، فحُذِفَ المفعولُ لدِلالةِ الكلام عليه، أي: يستَنشِقُ. (ثم يستنثر) قد سبقَ معناهُما في تقديرِ الأمر بِهما، وذِكرُ هذا البابِ متخلِّلًا لأبوابِ الوُضوء لعدمِ اكتِراث البخاريِّ بالمُناسبة في مثله، بل لإيرادِ صحيحِ الأحاديث، فإنَّ التزيين بالمُناسبات سَهلٌ. (استيقظ)؛ أي: تيَقَّظَ، فالفعلُ لازمٌ. (في الإناء)؛ أي: الذي فيه ماءُ الوُضوء، وفي بعضِها: (في وَضوئه)، أي: بفتح الواو. (فإن أحدكم) في بعضِها: (إذا نامَ لا يدري). قال (خ): الأمرُ فيه للاستحبابِ لتعلُّقِه بالشَّك، وما هو كذلك لا يكونُ واجبًا، لأنَّ الأصلَ الطَّهارةُ في المَاء والبَدَن، والمُراد: ما اعتِيدَ الطَّهارةُ فيه من الأَواني الصَّغار، كالمِخضَب ونحوِه دون الحِياض، والمصَانعِ الواسعة؛ لأنَّ هذا المَعنى لا يوجدُ عند كَثرة الماء، وأوجبَ

الظَّاهريَّة غَسلَ اليد قبل الإدخَال في الإناء؛ حتَّى لا يَفسدَ الماء إذا أدخَل قبلَ الغَسل. وفرَّق أحمدُ بينَ نومِ اللَّيل ونومِ النَّهار؛ لأنَّ الحديثَ في نوم اللَّيل؛ بدليل (باتَت)، والمَبيتُ إنَّما يكون ليلًا، ولأنَّ نوم النَّهار لا يَتكشَّف فيه حتى تطوفَ يدُه، بخلافِ اللَّيل، فإنَّها تطوفُ، فقد يقعُ على محلِّ النَّجْوِ، وكانوا يستَنجون بالحِجارة، فتَعلَقُ يده بالأَثر، فيَفسُد الماءُ القليلُ بملاقاةِ النَّجاسة له، وأُجيب بأنَّ الأصلَ عدمُ ذلك، وإنَّما هذا احتياطٌ، فلا وجوبَ. قال: وفيه دليلٌ أنَّ قليل النَّجاسة يُنجسُ ما وردَ عليه من الماء القليلِ، وأنَّ وُرودَ الماء على النَّجاسةِ يُطهِّرها، ولا يَنجُسُ بِها، لأنَّ الماءَ الذي أمره - صلى الله عليه وسلم - بصبِّه من الماءِ على يدهِ أقلُّ من الماءِ الذي أبقاهُ في الإناء، وحَكَمَ بطَهارته وتَطهيرِه، فَفَرقٌ بينَ وُرودِ النَّجَسِ على المَاء، ووُرودِ الماء عليه. وفيه: أنَّ ما دونَ السَّبع منَ العَدد كافٍ للنَّجاسات سوى ما وردَ فيه الأمرُ بالتَّسبيع، وأنَّ موضوعَ الرُّخصة في أثرِ الاستنجاء بالحَجَر للصَّلاة فقط، وأنَّ الاحتياطَ في العباداتِ أَولى. قال (ن): والتَّعليلُ بأنَّه لا يدري؛ إشارةٌ لا إلى أنَّ المَدار على الشَّكِّ حيثُ وقعَ، ولو كانَ نُقطةً. قال: وفيه أنَّ النَّجاسةَ المُتَوَهَّمَةَ يستحبُّ فيها الغَسل، ولا يؤثِّرُ

27 - باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين

الرَّشُّ، وفيه استعمالُ الكِناياتِ تَحاشِيًا من التَّصريح بأنَّه لم يقُل: (تقعُ يدُه على دُبُره)؛ بل قال: (لا يدري)، هذا إذا كانَ السَّامع يَفهمُ منه القصدَ، وإلا يُصرِّحُ به. 27 - بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ (باب غسل الرجلين) 163 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْناَها، فَأَدركَنَا وَقَد أَرْهقْنَا العَصْرَ، فَجَعَلْنَا نتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتهِ: (ويلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. (م س). سبق سندُه في (باب من أعادَ الحديثَ ثلاثًا) إلا الرَّاوي الأوَّل، فإنَّه هناكَ: أبو النُّعمان. (أرهقنا) بسكون القَاف، أي: أخَّرْنا العصرَ حتى دنَا وقتُ الأُخرى، وفي بعضِها بفتح القاف، ورفعِ العصر، أي: دنا وقتُه، وفي بعضِها: (أرهقَتْنا). * * *

28 - باب المضمضة في الوضوء

28 - بابُ المَضْمَضَةِ فِي الوُضُوءِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب المضمضة في الوضوء) (قاله ابن عباس) وهو تعليقٌ من البُخاريّ، وكذا قوله: (وعبد الله ابن زيد)، لكنَّه أسندَ حديثَ ابنِ عباس في (باب غَسل الوَجه)، وحديثَ عبدِ الله بن زيدٍ فيما يأتي من (باب تَمَضمَضَ واستَنشَقَ). وسبقَ شرحُ الحديثِ في (باب الوُضوء ثلاثًا)، إلا أنَّ هنا لفظَ: (واستنشَقَ)، و (رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضَّأُ نحوَ وُضوئي هذا). * * * 164 - حَدَّثَنَا أبَو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حُمرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مَرَّات، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْههُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ إِلَى المِرفَقَيْنِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأُ نَحوَ وُضُوئي هذَا وَقَالَ: (مَنْ تَوَضَّأَ نَخوَ وُضوئي هذَا ثُمَّ صَلَّى ركْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نفسَهُ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).

29 - باب غسل الأعقاب

(كل رجليه) في بعضِها: (كلَّ رِجلٍ)، وفي بعضٍ: (كلَّ رَجلِه)، وفي بعضٍ: (كِلْتا رِجلَيه). * * * 29 - بابُ غَسْلِ الأعْقَابِ وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَغْسِلُ مَوْضعَ الخَاتَم إِذَا تَوَضّأَ. (باب غسل الأعقاب) 165 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يتوَضَّؤونَ مِنَ المِطْهرَةِ- قَالَ: أَسْبِغُوا الوُضُوءَ، فَإِنَّ أَبَا الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (ويلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ). (إذا توضأ) إنْ جُعِلَت (إذا) ظَرفًا أو شَرطًا؛ فالعاملُ (كان) أو (يغسلُ)، وما سبقَ هو جوابُ الشَّرطِ إن جُعِلَت شَرطيَّةً، وأتى (يغسلُ) مضارِعًا مع (إنْ كانَ) ماضيًا للاستِحضار، أو لحِكاية حالِ المَاضي، كما سبق مرَّاتٍ في مثلِه، وأمَّا مناسبةُ ذِكرِه مع غَسل الأعقابِ، فلِدُخولهما تحتَ إسباغِ الوُضوء. (وكان) فيه إشعارٌ بالتَّكريرِ، والجُملةُ حال من مفعولِ (سَمعتُ). (والناس يتوضؤون) الجملَةُ حالٌ من فاعلِ (كانَ)، فهي متداخِلةٌ،

ويُحتمل أن يكونا مُتَرادفين. (المطهرة) بكسرِ الميم أو بفَتحها -وهو الأجودُ- الإِداوَة. (قال: أسبغوا)، حالٌ من أبي هريرة، وفي بعضِها: (فقال)، وبالجُملة فهو تفسير لـ (سمِعتُ أبا هريرة)، فإنَّ الذَّاتَ لا تُسمع، فإنَّ المرادَ: سمعتُ قولَ أبي هريرة، و (أَسبغوا): بفتح الهمزَةِ، والإِسبَاغُ لغةً: الإتمَامُ، وقال ابنُ عمرَ: هو الإنْقَاءُ، وقيلَ: الزِّيادةُ على المَرَّة، وقد سبقَ ذلك في (بابِ إسباغِ الوُضوء). (أبا القاسم) هو كُنيةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. (ويل) سوَّغَ الابتداءَ به مع كونه نكرة؛ أنَّه دعاءٌ. (للأعقاب) جَمعُ (عَقِب) بكسر القاف، وهو مُؤَخَّرُ القَدَم. قلت: وفيه الأوجُه المُشهورةُ في (فَعِل)، والعَقِبُ: مؤَنَّثةٌ. قال الصَّاغانيُّ: وهوَ على حذفِ مضاف؛ أي: أصحابِ الأعقابِ المُقصِّرين في غَسلها. (من النار) صفةٌ لِـ (ويل) فُصِلَت بخبر المبتدأ، وهو (للأعقَاب)، فيكونُ مسوغًا آخرَ للابتداءِ بالنَّكرة، ومنَعَ أبو البقاء وغيرُه تعلُّقه بِـ (ويل) من أجلِ الفَصل بينهما بالخبر، وقد سبق بقيَّةُ المباحِث في (باب من رَفَعَ صَوتَه بالعِلم). * * *

30 - باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين

30 - بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعلَيْنِ، وَلاَ يمسَحُ عَلَى النَّعلَيْنِ (باب غسل الرجلين في النعلين) 166 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّه قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحمَنِ! رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَربَعًا لَم أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصحَابِكَ يَصنَعُها، قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَركَانِ إِلَّا اليَمَانِيَّيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الهِلاَلَ وَلم تُهِلَّ أنتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّروِيَةِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَمَّا الأركَانُ فَإِنِّي لَم أَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمَسُّ إِلَّا اليَمَانِيَّيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلْبَسُ النَّعلَ الَّتِي لَيْسَ فِيها شَعَرٌ وَيتَوَضَّأُ فِيها، فَأَناَ أُحِبُّ أَنْ ألبَسَها، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصبُغُ بِها، فَاَناَ أُحِبُّ أَنْ أَصبُغَ بِها، وَأَمَّا الإهْلاَلُ فَإِنِّي لَم أَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ حَتَّى تنبَعِثَ بِهِ رَاحِلته. (م د س). (رأيتك) يَحتمِلُ البَصَريَّة والعِلمِيَّة. (أربعام) أي: أربعَ خِصال. (من أصحابك)؛ أي: الصَّحابة، ثم يُحتملُ أنَّ كلًّا منهما لم يرَ

منهم من يفعلُه غيرَه (¬1)، أو المُرادُ الأكثرُ منهم، أو أنَّ المَجموعَ لم يرَ من يفعلُه غيرَه. (اليمانيَين) بتَخفيف الياء على الفَصيح المَشهور، والتَّشديدُ: لغة قليلةٌ، ففِي الفصيحةِ أبدَلوا من إِحدى ياءي النَّسب ألِفًا. فلو قال: (اليَمَانيّ) بالتشديد؛ لزِمَ الجمعُ بين البَدل والمُبدلِ منه، والذين شدَّدوا قالوا: الألِفُ زائدةٌ، وقد تُزادُ في النَّسب كزيادةِ النّون في (صَنعَانِيٍّ)، والزَّاي في (رَازِيّ)، والمُرادُ بِهما: الرُّكنُ الأسودُ الذي فيه الحَجَر الأسودُ، ويقالُ فيه: العِراقِي؛ لأنَّه من جهة العِراق، والرُّكنُ اليَمانِيّ الذي قَبله مِن جِهة اليمَن، فقيلَ لهما: اليَمانيَّان تغليبًا، وهُما الباقيانِ على قواعِد إبراهيمَ عليه الصَّلاة والسَّلام. قال (ع): واتفقُوا على عدَمِ تقبيلِ الرُّكنين الشَّاميين اللذَينِ يُقابلان اليَمانيين، وكانَ فيه خلافٌ في الصَّحابة والتَّابعين، ثمَّ زالَ. (تلبس) بفتحِ المُوحَّدَة. (السبتية) بكسر السِّين وسكونِ المُوحَّدةِ: ما لا شَعر فيه، كما أشارَ إليه ابنُ عمرَ، أي: من السَّبْتِ، وهو: الحَلقُ والإزالَةُ. وقيل: لأنَّها مَنسوبةٌ إلى سوقِ السَّبت. وقيل: انسَبَتَتْ بالدباغ، أي: لانَت، وزَعم قُطربٌ أنَّه بضمِّ السّين، وهو: نبتٌ، وإنَّما اعتُرِضَ على ابنِ عمرَ في ذلك؛ لأنَّه لباسُ ¬

_ (¬1) "غيره" ليس في الأصل.

أهل النِّعمَة، وإنَّما كانوا يلبسونَ النِّعال بالشَّعر غيرَ مدبوغةِ، وكانت المدبوغةُ تُعمَل بالطَّائف وغيرِه. (تصبغ) بفَتحِ أوَّله، وفي ثالثِه الفتحُ والكسرُ. قلت: والضَّم أيضًا، والكَسرُ هو ما نُقِل عن اللِّحيانِيِّ، ثم المُراد صَبغُ الثِّياب؛ لأنَّه لم يُنقَل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه صَبَغَ الشَّعر، وقيلَ: المرادُ صبغُ الشَّعر؛ لِمَا وَردَ: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صفَّرَ لِحيتَه بالوَرْسِ والزَّعفَران، رواه أبو داود. (إذا كنت): يُحتَمل أنَّها ناقصةٌ وتامَّةٌ. (بمكة): ظرفٌ لِـ (استقرَّ) أو (مُستقِرٌّ)، و (إذا) هنا، وفي (إذا رأَوا) تحتَمل الشَّرطيَّة والظَّرفيَّة، أو إحداهُما شرطِيَّةٌ والأُخرى ظَرفيَّةٌ. (أهل): إمَّا حالٌ، وإمَّا جزاءٌ للأولِ أو للثَّاني على قَولِ الكوفيين: أنه يجُوز تقديمُه على الشَّرط، أو تفسيرٌ لجزاءِ الثَّاني على قَول البَصريين. (الهلال)؛ أي: هلالُ ذي الحِجَّةِ، وسمَّي هلالًا؛ لأنَّه يرتفعُ البَصَرُ عند رُؤيته، والإهلالُ: رَفعُ الصَّوت، والمرادُ بِها: رفع الصَّوت بالتلبِية للإحرامِ بالنُّسُكِ. (يوم التروية) هو ثامِنُ ذي الحِجَّة؛ لأنَّهم يتَروَّونَ فيه من الماء ليستعمِلوه في عَرفَاتِ شُربًا وغيرَه. وقيل: لرُؤية إبراهيمَ - عليه السلام - رُؤْيا ذَبحِ ولدِه في ليلتِه.

وقيل: إنَّه تفكَّر في رُؤياه التي رَآها. و (يوم): إمَّا مرفوعٌ فاعلُ (كانَ) التَّامة، أو منصوبٌ خبرُ (كان) النَّاقِصَة، واسمُها الزَّمان الدَّالّ عليه السِّياق، ولا يَخفى رُجحَانُ الرَّاجِحِ من ذلك. واعلم أنَّه كانَ قياسُ ما ذُكر في الأمور المَذكورة من بقيَّة الأربعةِ أن يقولَ: رأيتُك لَم تُهِلَّ حتَّى كان يومُ التَّروية، فيُقال: إنَّه محذوفٌ، والمذكورُ دليلٌ عليه، أو تُجعلُ الشَّرطيَّة قائمةٌ مُقامَ (يتوضأ)؛ أي: في حالِ كونِ الرِّجلِ في النَّعل، وهذا موضعُ استدلالِ البُخاريّ، لكنْ قالَ الإسماعيلِي: فيه نَظَر!. وقال (ن): معناه أنَّه يتوضَّأ ويلبَسُها ورِجلاه رَطبَتان. وقال (ك): إنَّ دِلالته على التَّرجَمة من حيثُ إنَّ الرِّجلَ تُغسَلُ في الوُضوءِ ولا تُمسحُ، لأنَّ الغَسلَ ظاهرُ القُرآن، وهو الأصلُ. (تنبعث) هو كنايةٌ عن ابتِداءِ السَّير في أفعالِ الحجِّ، وانبعاثُها: هو استواؤُها قائمةَ. قال المَاوَرْدِيُّ: أجابَه ابنُ عمرَ من القياس، حيث لم يتَمكَّن منَ الاستِدلال بنفسِ فعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ووجهُ القياسِ: أنَّه إنَّما أحرمَ عند الشُّروعِ في أفعال الحجِّ، والذَّهابِ إليه، فأخَّرَ ابنُ عمرَ الإحرامَ إلى حينِ شروعِه في الحَجِّ، وتوجُّهِه إليه، وهو يومُ التَّروية، وهذا قولُ الشَّافعي، وقال آخرونَ: الأفضَلُ أن يُحرِمَ من أوَّل يومٍ من ذي الحِجَّة.

31 - باب التيمن في الوضوء والغسل

(راحلته) هي المَركبُ من الإبِلِ ذَكَرًا كانَ أو أُنثَى. * * * 31 - بابُ التَّيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ وَالغَسْلِ (باب التيمن في الوضوء والغسل): بضمِّ الغين: اسمٌ للفِعل، أو بفَتحِها: المَصدرُ على المَشهور فيهِما، وقال (ن) في "شَرحِ مسلمٍ": بالضَّم: الماءُ، والوَجهان في المَصدر، وقيل: المَصدر بالفَتح، والاغتِسالُ كغُسلِ الجُمُعَةِ بالضَّم، أمَّا بالكَسر: فما يُغسَل به كخِطْمِيٍّ ونحوِه. 167 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّة قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُنَّ فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ: (ابْدَأْنَ بِمَيامِنها وَمَوَاضعِ الوُضُوءَ مِنْها). الحديث الأول: (ع)، وإسنادُه بَصريّون. (إسماعيل) هو ابنُ عُلَيَّةَ. (خالد) هو الحَذَّاء. (لهن)؛ أي: لأمِّ عطيَّةَ ومَن معَها. (ابنته) هي بنتُ زينبَ كما في "مسلم". وقال (ك): إنَّه في "تَهذيب النووي"، وهو قُصُور.

(ابدأن) بسكون الهمزة، خطابٌ لجَمعِ إناثٍ، من البَداءَة. (بميامنها) جمع مَيمَنَة، وهي: الجِهةُ اليُمنَى. (ومواضع) إنْ جُوِّزَ العَطفُ على الضَّميرِ المَجرورِ؛ فهو دليلُ التَّيامُن في مواضع الوُضوء كما ترجَم، وإلا فيُؤخذُ من عُموم مَيامِنِها. * * * 168 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَني أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعتُ أَبِي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْحِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تنعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِه فِي شَأنِهِ كُلِّه. الحديث الثاني (م). (أبي) هو سُلَيمُ بنُ أسودَ المُحارِبِيّ، تابعِيٌّ كوفِيٌّ كشيخِه. (يعجبه) بضمِّ أوَّله؛ أي: لِحُسنِه. (في تنعله)؛ أي: لُبسِه النَّعلَ. (وترجله)؛ أي: تَمشيطِ الشَّعر. (وطهوره) قال (ن): بالضَّم، لأنَّ المُراد تطهُّرُه. (في شأنه) في بعضِها: (وفي)، وهو واضحٌ؛ لأنَّه عَطفُ عامٍّ على خاصٍّ، أمَّا على عدم الواو؛ فإعرابُه مُشكِلٌ لاقتِضَاء أن يكونَ بدَلًا ممَّا قبله، وبدلُ المطابقَة يستوي فيه البدلُ والمُبدلُ منه، والشَّأنُ أعمُّ من الثَّلاثة، وبدلُ البَعض يكونُ بعضًا مما قبلَه، والاشتمالُ أن

لا يكونَ بينهُما كلِّيةٌ وبَعضية بلا مُلابَسة، والغَلطُ لا يقعُ في الفَصيح، إلا أن يُقال: إن اشتِراط نفيِ الكليَّة والبَعضيَّة في بدلِ الاشتِمال؛ إنَّما هو أن لا يكونَ الثاني مُطابِقًا للأوَّل، ولا بعضَه، وهنا الشَّأنُ لا مطابقٌ ولا بَعضٌ، فلا يَمتنعُ أن يكونَ اشتِمالًا. وأمَّا الغَلطُ فقد يُقال: إنه يقعُ في الفَصيح، لكنْ قليلًا، فلا ينافي البلاغَةَ، أو يقال: هو بدل كلٍّ من كل؛ إذ الطُّهور مِفتاح أبوابِ العبادات كلِّها، والتَّرجُّل يتعلَّق بالرأس، والتنعُّل بالرِّجل، فكأنَّه شَمل جميعَ الأعضاء، أو يقالُ: هو قِسمٌ خامسٌ: أن يكون بدلَ كلٍّ من بعضٍ، كما قاله بعضُ النّحاة، نحو قوله: نَضَّر الله أَعظُمًا دَفَنوها ... بِسِجِستَانَ طَلحَةَ الطَّلَحَاتِ أو يُقدَّر لفظةُ: يعجِبُه التَّيمُّن قبلُ في شأنه؛ فتكونُ الجملةُ بدلًا من الجملة، أو أنَّ واوَ العطفِ منه محذوفةٌ، فقد جوَّزوه إذا دلَّت قرينةٌ، أو هو متعلقٌ بِـ (يُعجبُه) لا بالتيمُّن، أي: يعجبُه في كلّ شأنه التيمُّن في هذه الثلاثة، أي: لا يترك التيمُّنَ في الثلاثة في سَفَره وحَضَره وفَراغِه واشتِغاله وغيرِ ذلك. (كله)؛ أي: إلا ما خُصَّ بدليلٍ، مِن نحوِ دخولِ الخلاء، وخروجِ المسجد، ونحو مسحِ الأُذنيَن، إذ ما من عامٍّ إلا خُصَّ، إلا في نحو: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، وأنَّ ما استُحبَّ فيه التياسرُ تُرُوكٌ، لا مِنَ الفعلِ المَقصود، أو يقال: السؤَالُ ساقطٌ على تقدير ما سبقَ من الجوابِ السَّابع.

32 - باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة

قال (ن): ما كان من التَّكريم والتَّشريف كدخولِ المَسجد والأكلِ يكونُ باليمين تكريمًا لليمين، وغيرُه يستحبُّ فيه التَّياسرُ كالخروجِ من المَسجد والاستِنجاءِ والامتِخاطِ. قال (ك): ولهذا جَاء: "لا يبصُقْ أحدٌ في المَسجد قِبَلَ يَمينه". * * * 32 - بابُ التِمَاسِ الوَضُوء إِذَا حَانَتِ الصَّلاَةُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَضَرَتِ الصُّبْحُ، فَالتُمِسَ المَاء، فَلَم يُوجَد، فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ. (باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة): بفتح واوِ الوَضوء، لكنَّه على المشهور: الماءُ، و (حانت)؛ أي: قَرُبَت. (وقالت عائشة) هذا التَّعليق قد وَصَله من حديثِ العِقدِ المُطوَّل في (كتَابِ التَّفسير). (حضرت) أنَّثَ، لأنَّ المُراد صلاةُ الصُّبح، وهي مؤنثة. (فالتمس) مبنيٌّ للمَفعول، وفي بعضِها بالبناءِ للفَاعل. (التيمم)؛ أي: آيةُ التَّيمُّم.

169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَانَتْ صَلاَةُ العَصْرِ، فَالتَمَسَ النَّاسُ الوَضُوءَ فَلَم يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ الإناَء يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يتَوَضَّؤا مِنْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّؤا مِنْ عِنْدِ آخِرِهمْ. (م س ت). (رأيت)؛ أي: أبصَرتُ. (وحانت) الجملةُ حاليَّة. (يجدوا) من الوِجدان، أي: الإصابَة، وفي بعضِها: (يجدوه) بالتَّصريحِ بالمَفعول. (فأتي) بالبناءِ للمَفعول. (ذلك)؛ أي: الإناء، دلَّ عليه الوَضوء؛ إذ لا بُدَّ له من إناءٍ. قلت: وفي بعضِها: (ذلك الإناء). (منه)؛ أي: من المَاء الذي فيه يدُه المُبارَكة. (ينبع) مُثلَّث الباء. (من تحت أصابعه)؛ أكثرُ العُلماء أنَّه كان يَخرُج من نفسِ أصابِعه. قال المُزنِيُّ: وهو أبلغُ من نبعِ الماء من الحَجَر لمُوسى؛ لأن

الحِجَارة يُعهدُ أن يتفجَّر منها الماء، وقيل: كثَّرَ الله الماءَ بنفسِه، فصار يفورُ من بين أصابعِه لا من نفسِها، وكلاهُما معجِزَةٌ ظاهرةٌ، والإِصبَع فيه لغاتٌ مشهورة. (حتى توضؤوا)؛ أي: بتدريج، بدليلِ ما بعده، وأنسٌ منهم؛ إذا قُلنا: يدخُلُ المتكلِّم في عُمومِ كلامِه إنشاءً أو خَبَرًا. (من عند آخرهم) (من): للبيانِ فيما أفادته (حتى) من التَّدريج، أي: حتى توضَّأ الذين هم عندَ آخرهم، وهو كنايةٌ عن الجميع، والسِّياقُ يقتضي أن الآخِرَ أيضًا توضَّأ؛ لأن المرادَ العمومُ والمبالغةُ بجَعلِ (عندَ) لمُطلق الظَّرفية، بمعنى (ق) لا لظَرفيَّةٍ خاصَّة، فكأنَّه قالَ: الذين هم في آخِرِهم. وقال (ن): (مِن) بمعنَى (إلى). قال (ك) و (ع): ذلك شاذٌّ، وأيضًا فـ (إلى) لا تدخُل على (عندَ)، وأيضًا مُقتضى حينئذٍ الغاية أن يَخرجَ عنها، وهو: من عندِ آخرِهم، وفيه نَظَر! لأنَّ الشُّذوذَ لا يُنافي فَصاحتَه استِعمالًا، و (إلى) نفسُها لم تدخلْ على (عند) بل (من)، والتَّضمينُ لا يضرُّ، وقرينةُ إرادةِ العموم لا تُنافي دخولَ ما بعدَ الغايةِ. وقال التَّيمِيُّ: معناه: توضَّؤوا كلُّهم، حتى وَصَلت النَّوبةُ إلى الآخِر. وفي الحديث: أنَّ المُواساة تلزمُ من كان في مائِهِ فضلٌ عن حاجتِه عندَ احتياجِ غيره، وأنَّ الوضوءَ لا يجبُ إلا بدخولِ الوقت،

33 - باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان

فحينئذٍ يجبُ التماسُ الماءِ لوُضوء المُحدِث، والوُضوءُ قبلَه حَسَنٌ بخلاف التيمُّم، فإنه مُمتَنعٌ قبلَ الوقتِ عندَ أهل الحجازِ، خلافًا لأهل العِراق، لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يُنكر عليهم تأخيرَ طلبِ الماء إلى حينِ وقتِ الصَّلاة؛ فدلَّ على جوازِه. * * * 33 - بابُ المَاء الّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعرُ الإِنسَانِ وَكَانَ عَطَاءٌ لاَ يَرَى بِهِ بَأسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْها الخُيُوطُ وَالحِبَالُ، وَسُؤْرِ الكِلاَبِ وَمَمَرِّها فِي المَسْجدِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا وَلَغَ فِي إِناَءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُه يتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: هذَا الفِقْهُ بِعَينيهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، وَهذَا مَاءٌ، وَفِي النَّفْس مِنْهُ شَيْءٌ، يتَوَضَّأُ بِهِ وَيتَيَمَّمُ. (باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان) (عطاء) الظَّاهر أنَّه ابنُ أبي رَباحٍ. (أن يتخذ) بدلٌ من الضَّمير المَجرور في (به)، وفي بعضِها إسقاطُ (به)، وهو ظَاهر. (الخيوط والحبال) يفترِقان بالرِّقَّةِ والغِلَظ.

(وسؤر) بالجرِّ عطفًا على (الماء)؛ أي: وبابُ سؤْرِ الكِلاب، وهو بسكون الهمزة: ما بقي من الماءِ المَشروبِ فيه، وفي بعضِها: (وأكلِها)، أي: أكلِ الكلاب، وهو من المَصدر المُضاف للفاعل. (ولغ)؛ أي: الكلبُ، يدلُّ عليه السِّياق، وفي بعضِها: التصريحُ به. (وضوء) -بالفتح- (غيره)؛ أي: غير ما وَلغَ فيه، وهو بالرَّفع أو النَّصب، وربَّما تكونُ ساقطةً من بعض النسخ، والجملةُ المنفيَّةُ حالٌ، (يتوضأ) هو جوابُ (إذا)، (به) في بعضِها: (بِها)؛ أي: بالمَطهرة، أي: بالماء الذي فيها. (سفيان)؛ أي: الثَّوري، كذا رواه ابنُ عبدِ البَر في "التمهيد" بسنده إليه. (هذا)؛ أي: الحكمُ بأنه يتوضَّأ (الفقه)؛ أي: المُستفادُ من القرآن. (فلم تجدوا) في نسخة: (فإن لم تجِدوا)، وهو خلاف التِّلاوة. (وفي النفس) هو من تتمة كلامِ سُفيان. (يتوضأ به ويتيمم)؛ أي: للاحتياط الجَمعُ، لأنَّ الماءَ المشكوكَ كالعَدَم، ولا يخفى أن الواو بمعنى (ثمَّ)؛ لأنَّ التيمم بعدَه قطعًا، وإنما قال: (في النَّفس شيء)، مع أنه في القرآن؛ لعدمِ ظُهور الدِّلالة، أو لوجودِ مُعارِضٍ من القرآن أو غيره. * * *

170 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: عِنْدَناَ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنسٍ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنسٍ فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها. الحديث الأول، (خ): (عاصم) هو ابنُ سليمان. (لعبيدة) -بفتح العين المهملة-، هو السَّلْمَانِيُّ. (عندنا من شعر)؛ أي: شيءٌ من شَعَر، أو شيءٌ أصبناه، فالمبتدأُ مُقدّر حلَّت صفتُه مَحلَّه، و (عندنا) الخبَر، ويحتمل أنَّ (من) قامت مَقامَ (بعض)، فهي المبتدأ، وقرَّر في "الكشَّاف" مثلَه في مواضع. (قبل) -بكسر القاف وفَتح الموحَّدة- أي: جِهةَ. (أو) الشَّكُّ من ابن سيرين ظاهرًا. (أحب) خبرُ لِـ (أن أكونَ)، من الكَون، وهو يحتملُ من النَّاقصة أو التَّامة. ووجهُ دلالته على ما في التَّرجمة أنَّه لو لم يكنِ الشَّعر طاهِرًا لَمَا حفِظَه أنس، ولَمَا كانَ عند عَبِيْدَةَ أحبَّ من الدُّنيا وما فيها، وإذا كان طاهِرًا، فالمَاءُ الذي يُغسَلُ به طاهر، قيل: إنَّه من البخاري ردٌّ على مَن

33 / م- باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعا

زَعَم أنَّ شعرَ الإنسان المتَّصلَ به نجِس، ويُنَجِّسُ ما وَقَع فيه من الماء. * * * 171 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم قَالَ: أَخْبَرَناَ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أبَو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرهِ. الحديث الثاني، (خ): (أول من أخذ من شعره) هو محلُّ دليل التَّرجمة؛ لأنه لو لم يكن طاهِرًا، أو لا يُنجِّس الماءَ لَمَا أخذَه أبو طلحةَ، وأقرَّه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ الأصلَ عمومُ الأحكام، حتى تثبتَ الخُصُوصية بدليلٍ. * * * 33 / -م - بابٌ إذا شَرِب الكلبُ في إناء أحَدكم، فَلْيَغْسِلْه سبعًا (باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا)، كذا في روايةِ ابنِ عساكر خلافًا للأكثر. 172 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِناَءِ أَحَدِكُم فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا).

الحديث الأول، (ق م د س): (في إناء) عُدِّيَ (شَرِب) بِـ (في) لتضمينه معنى: (وَلَغَ)، فيقالُ: وَلَغَ بشرابنا، وفي شرابِنا. وفي الحديث دِلالةٌ لقَول الشَّافعي بنجاسَةِ الكلب؛ لأنَّ الطَّهارة إمَّا عن حَدَث؛ وهو مُنتَفٍ، أو عن نَجَس؛ وهو المُدَّعى. وإذا كان لسانُه الذي يتناولُ به المَاء نجسًا، فكلُّ أجزائِه كذلك، ففيه دليلٌ أنَّ الماء ينجُسُ، فيجب تطهيرُ الإناءِ منه، وأنَّه لا يجوز بَيعُ الكلب لنَجاستِه، ولا يقال: المُراد في الحديث الطَّهارة اللُّغوية، لأنَّ الحملَ على الحقيقة الشَّرعية مُقدَّمٌ. وفيه: أنَّه لا فرقَ في الكلب بين المَأذونِ في اقتنائه وغيره، ولا بين البَدويّ والحَضَريّ؛ لعمومِ اللَّفظ، وهما قولان للمالكيَّة، وثالثُها: طاهرٌ مطلقًا، ورابعُها: نَجِسٌ مطلقًا. وقالَ أبو حنيفَةَ: يكفي غَسلُه ثلاثًا، ولا فرقَ عندنا بين وُلوغِه وغيرِه من بوله وروثه ودَمِه وعَرَقِه. وخَصَّ مالكٌ الغَسل بالوُلوغ، لأنه طاهرٌ عندَه، والغَسل من الوُلوغ عنده تعبُّد. فلو وَلَغَ كلبٌ مرَّاب أو كلابٌ، فأصحُّ الأوجه: يكفي سبعًا، وثانيها: لكلٍّ سبعٌ، وثالثُها: لِوَلَغَاتِ الواحد سبعٌ، ولكلِّ واحدٍ من الكلاب سبعٌ، وكلَّما تزولُ عينُ النجاسة من العدَدِ يكونُ واحدًا

ويكمِّلُ عليها ستًّا أخرى؛ هذا إذا كانَ الإناءُ صَغيرًا، أمَّا إذا كانَ يسَعُ قُلَّتين ولا تغيُّرَ فلا ينجُسُ بالوُلوغِ. والحديثُ محمولٌ على المعهود في أَوانيهم لا على هذا، وهذا الحديثُ وإن لم يتعرَّضْ فيه للتَّتْريب؛ ففي رواية أُخرى، فيُعملُ بِها؛ لأنَّها زيادة ثقة. قال (ك): أو مِن حَمل المُطلَق على المُقيَّد. قلت: هذا ممنوعٌ، لأنهُ خبرٌ آخر، لا وَصفٌ، كما لا يُجزِئٌ في كفَّارةِ القتل إطعامٌ حَملًا للمُطلَقِ على المُقيَّد. * * * 173 - حَدَّثَنا إسْحَاقُ، أخبرناَ عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عبدُ الرَّحمنِ ابنُ عَبْدِ اللهِ بنِ دِينَارٍ، سَمِعتُ أَبي، عَنْ أَبي صَالح، عَنْ أبي هُريرةَ، عَن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (أَنَّ رَجُلًا رَأَى كلْبًا يَأكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ، فَاَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَهُ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَروَاهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَأدخَلَهُ الجَنَّةَ). الحديث الثاني (ح): (إسحاق) هو ابنُ منصور الكَوْسَجُ. وهو من رِواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ. (الثرى): بوزن (عَصَا)، وبمُثلَّثة: التُّراب النَّديُّ، والجُملَةُ حالٌ لا مفعولٌ لِـ (رأى)، لأنَّها بَصرِيّة.

(أرواه)؛ أي: جعلَه ريَّانًا. (فشكر) هو هنا بمعنى: أثنَى أو جازى، وأصلُ الشّكر: مجازاةُ المُحسن لِمَا أولى من المَعروف بثناء اللِّسان، أو فعلِ الجَارحةِ أو القَلب، يقال: شكَرتُه وشكَرتُ له. (وأدخله الجنة) من عَطفِ الخاصِّ على العامِّ، أو الفاءُ تفسيريَّة، نحو: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54]، على تفسِير التَّوبة بقَتْلِ نفسِه، وقيلَ: المُرادُ قبلَ عَمَلِه، وعمَّم التَّيمِيّ حديثَ: "في كلِّ كبدٍ حَرَّى أجرٌ" ما أُمِرَ بقَتلِه وغَيرَه، وكذا الحُكم في أَسارى الكفَّار. لكن قال (ن): في "شرح مسلم": إنَّ المُحترمَ يحصُل الثَّوابُ بالإحسانِ إليه لا غير المُحترم؛ كالحَربِيِّ، والكلبِ العَقور، فيمتثِلُ أمرَ الشَّارع. قال التَّيمِيّ: قال بعضُ المالكيَّة: أرادَ البخاريُّ بإيراد هذا الحديثِ في هذه التَّرجمة أنَّه سقاه في خُفِّهِ، واستَباح لُبسَه في الصَّلاة دونَ غَسلٍ؛ إذ لم يُذكَر في الحَديث غَسلٌ. وقال (ك): يُحتمَل أنَّ ذلك قبلَ البِعثة، أو بعدَها قبلَ ثُبوتِ حكمِ سُؤرِ الكلاب، أو أنَّه لم يلبَسه بعدَ ذلك، أو أنَّه غَسَله. * * * 174 - وَقَالَ أَحمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ

الكِلاَبُ تبولُ وَتُقْبِلُ وَتُدبِرُ فِي المَسْجدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلم يَرُشُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. الحديث الثالث (د): وقد وصَلَه أبو نُعيم، والبيهقي وغيرُهما. (كانت الكلاب) يُشعِر بالاستمرار. (في المسجد)؛ أي: مسجدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (في زمان) عامٌّ بإضافتِه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فلم يكونوا يرشون) فيه من المُبالَغة ما ليس في (فلم يرشّوا) كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} [الأنفال: 33]، ولم يقل: (وما يعذبُهم)، ونفيُ الرَّشّ أبلغُ من نفيِ الغَسل الذي فيه السَيَلان، لأنه دونَه. (شيئًا) نكرةٌ منفيَّةٌ تعمُّ، فهو أيضًا من المُبالغة في طَهارةِ سُؤرِه، إذ في مثل هذه الصُّورة أنَّ الغالبَ أنَّ لعابَه يَصِلُ إلى بعضِ أجزاءِ المَسجد، فإذا أقرَّه - صلى الله عليه وسلم - عُلِمَ أنه طاهرٌ. قال (ك): يحتملُ أنَّ ذلك لأنَّ طهارةَ المَسجد مُتيقَّنة، فلا تُرفعُ بالشَّك، وأيضًا: فلا يُعارض هذا مَنطوقَ قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فلْيَغسِلْهُ سَبعًا). وأيضًا فالغالبُ أيضًا أنَّه يبولُ، ويُقبِلُ ويُدبِرُ، ولا قائلَ بطهارة بَوله، فهو متروكُ الظَّاهر، إمَّا لأنه كان في أوَّل الإسلام قبلَ ثُبوت الحُكم بالنَّجاسة، وإمَّا لأنَّهم كانوا يُقَلبونَ وجة الأرضِ النَّجِسِ إلى الوجهِ الآخَر، أو هو منسوخ، أو نحو ذلك، فالظَّاهرُ أنَّ الغرضَ من

إيرادِ البخاري هذا الحديث بيانُ جوازِ مَرِّ الكِلاب في المَسجد فقط، وأنَّ النَّجاسةَ إذا كانت يابسةً لا تُنَجِّسُ المكانَ، وأيضًا فقد أوردَه البخاري بلفظ: (قال)، وهو أَنزَلُ من (حدَّثنِي). * * * 175 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: (إِذَا أَرسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلا تأكلْ، فَإِنَّمَا أَمسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ)، قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قَالَ: (فَلا تأكلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَم تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ). الحديث الرابع (ع): (ابن أبي السفر) هو عبدُ الله. (سألت)؛ أي: عن حُكمِ الصيد، يدلُّ عليه الجَواب. (المُعَلم) هو الذي ينْزَجِرُ بالزَّجر، ويسترسِلُ بالإرسال، ولا يَأكلُ منه، ولا بدَّ أن يكونَ هذا التَّادُّب مِرارًا. قلت: كذا عبَّر في "الحاوي" فتبعَه (ك)، لكنَّ الأصحَّ: ما يغلبُ على الظَّن تأدُّب الجَارحة، ويُرجَع في ذلك لأهل الخِبرة، وقيل: لا بدَّ من ثلاث، وهذا الحديثُ بإطلاقِه دليلٌ على أحمدَ؛ حيث منعَ صيد الكَلب الأسود؛ لأنَّه شَيطان.

(فقتل) أخرجَ ما فيه حياةٌ مستقرّةٌ، فلا بدَّ من ذَكاتِه إجماعًا، ويفهِمُ تقييدُه بأن لا يكونَ أكلَ من مقابلته بأنَّه أكل، وهو مفهومٌ أيضًا من قوله تعالى: {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم} [المائدة: 4]، لأنَّ الذي يأكلُ إنَّما أمسَك على نفسِه كما صرَّح به في الحديث. (سميت)؛ أي: ذكرتَ اسم الله على كلبِك عند إرساله، وإنَّما حذَفَ حرفَ العطفِ من السُّؤال والجَواب؛ لأنَّه وَرد على طريقِ المُقاولة، كما في آية مُقاولة موسى وهارون، وفيه ارتباطُ الحديثِ بالتَّرجمة. والخلافُ في التَّسميَة مشهورٌ؛ فقال الشَّافعي: سنَّةٌ، حتى لو تَركها سَهوًا حَلَّ. وقال أهلُ الظَّاهر: واجبَةٌ، حتى لو تَرَكها سَهوًا أو عَمدًا لا يحِلُّ. وقال أبو حنيفة: يحِلُّ إن تركها سَهوًا لا عَمدًا. واحتجَّ المُوجِبُ بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، فأجابَ أصحابُنا بانَّ المراد: ما ذُبحَ للأَصنام كما في الآية الأخرى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه} [البقرة: 173]، وأنه قالَ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، والإجماعُ أنَّ من أكلَ متروكَ التَّسميةِ ليسَ بفاسِقٍ، فوَجَب حَملُها عليها جَمعا بين الأدلَّة. وقيل: الواوُ في: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، غيرُ عاطفَةٍ؛ لأنَّ الجملةَ الأولى اسميَّةٌ خبَريّةٌ، والثانيةَ فعليَّةٌ إنشائيةٌ، فتكونُ حالًا مقيِّدةً للنَّهي بأن يكونَ فِسقًا، وهو {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173]، فيكونُ دليلًا لنا

34 - باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر

لا علينا، وهذا نوعٌ من القَلب. واحتجُّوا أيضًا بنحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] الآية، فاستَثنَى التَّذكيَةَ من غير اشتراطِ تسميةٍ، لأنَّها لغة كذلك، والتَّسمية فيها إنَّما هُو أمرٌ شرعيٌّ، وبقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، وهم لا يُسمُّون، ولحديثِ عائشةَ: إنَّ قَومًا حديثوا عهدٍ بجاهليَّة يأتوننَا بلَحمٍ، لا نَدري أذَكَروا اسمَ الله عليه أم لا، أفنأكلُ منه؟ فقالَ: "سَمُّوا وكُلوا". 34 - بابُ مَنْ لَم يَرَ الوضُوء إلا مِنَ المَخْرَجَيْنِ مِنَ القُبلِ وَالدبرِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43]. وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ أَوْ مِنْ ذَكَرِه نَحوُ القَمْلَةِ: يُعِيدُ الوُضُوءَ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ، وَلَم يُعِدِ الوُضُوءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِه أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلاَ وُضُوء عَلَيْهِ. وَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ: لاَ وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ

رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ، وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا زَالَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهم. وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الحِجَازِ: لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ. وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْها الدَّمُ، وَلَم يتَوَضَّأْ. وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ يَحتَجمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ. (باب من لم يرَ الوضوء إلا من المخرجين): بفتح المِيم، والقَصرُ فيه من قَصرِ الإفرادِ، وهو مُفرَّغٌ، كأنَّه يقولُ: من مَخرَجٍ إلا منَ الفَرجَين، لا منَ البَدَن غيرِهِما، لا بفَصدٍ ولا حِجامة ونحوِهِما، لا مِنَ الحَصرِ المُطلق، لأنَّ للوُضوء نواقضَ أُخرى غيرَ الخارجِ من السَّبيلَين. (الغائط)، أي: مُطمئِنِّ الأرضِ، مَا خَرجَ من قُبُله أو دبره فيه، لأنَّه كنايةٌ عن قَضاء الحَاجَة. (وقال عطاء) وفي الباب السَّابق: (وكانَ عطاء)، وذلك من التَّفنّنِ في العبارة، أو ذلك نقْلٌ عن اجتِهاده، وهذا نقلٌ عن فَتواه. (القملة) بفتح القاف وسكون الميم، واحِدُ القَملِ. وقال مالكٌ: الخارجُ نادِرًا لِمَرَضٍ لا ينقُضُ كالاستِحاضَة، وسَلسِ

البَول، والمَذي، والحَجَر، والدَّم، والدُّودَة من الدُّبر، والقَملَة من الذَّكَر؛ إلا أن يَخرجَ مع ذلك شيءٌ من حدَثٍ، قاله (ط). (ضحك)، قال (ك): شَرَط فيه الشَّافعي أن تُيَسَّرَ القِراءةُ بدونه، ولم يَغلِبه. قلت: وهذا عجيبٌ، فإنَّ ذلك في التَّنحنُحِ، وأما الضَّحِكُ؛ فالمَدارُ فيه وفي غيره على ظُهور حَرفين، ومُراد البخاري أنَّ مُطلقَ الضَّحِك لا ينقُض الوُضوء كما قاله جَابرٌ، خلافًا لقولِ أبي حنيفةَ: إذا كانَ بقَهقَهةٍ، أي: صَوتٍ يسمعُه جيرانُه؛ نَقَضَ، وإلا فلا، سواءٌ أكانَ بصَوتٍ لا يُسمعُ أو بتبسُّمٍ، وهو: ظُهورُ الأسنانِ فقَط. (من شعره وأظفاره)؛ أي: خلافًا لقول مُجَاهد وحمَّاد: أنه يوجِبُ الوُضُوء. (أو خلع نعليه)؛ أي: بعد المَسح عليهما، فإنَّما يوجِبُ غَسلَ الرِّجلين فَقَط، خلافًا لقَول أحمدَ: يُعيدُ الوُضوء. قلت: وهو قولٌ للشَّافعي ضعيفٌ، وقال الحسنُ: يُصلي كما هو؛ ولا شيءَ عليه، وهو عندَنا وجهٌ قوَّاه في "شرحِ المُهذَّب". (وقال أبو هريرة)، ليس قصرُه على أبي هريرة بمقصودٍ؛ لأنَّه قولُ كلِّ الأمَّة؛ لأنَّه فَسَّرَ الحديثَ بما يَخرُج من السَّبيلين، كما سَبق في الأحاديث. (حدث) هو أمرٌ مُقدَّرٌ على الأعضاءِ يَمنعُ من الصَّلاة ونحوِها؛ كذا قال (ك)، وهو مفرَّعٌ على أنَّه لا يعُمُّ البَدَنَ، والأصَحُّ خلافُه.

(ويذكر): هو تعليقٌ بصيغَةِ تَمريض، ولكنه بعضُ حديثٍ طويل رواه أبو يعلى في "مسنده"، وابنُ خُزيمة في "صحيحه"، وأبو داودَ وغيرُهم. (الرقاع) بكسرِ الرَّاء، قيل شجَرَةٌ سُمِّيت بِها الغَزوَة، وقيلَ: رِقاعٌ كانت في ألوِيَتِهم، وقيلَ -وهو الصحيح-: نَقِبَت أقدامُهم؛ فلَفُّوا عليها الخِرَق. (رجل) هو عبَّادُ بنُ بِشرٍ، رواه الوَاقِدِيُّ. (فنزف) بفتحِ الفَاء والزَّاي، أي: خرجَ منه دمٌ كثيرٌ، والمُخالفُ فيه أبو حنيفة، فقال: الدَّم ينقُضُ الوُضوء إذا سالَ، فيَستدِلُّ عليه بِهذا الحديث، لكنَّ مُضِيَّه في صلاتِه مع تنَجُّسِ بدَنِه، وربَّما أصابَ ثوبَه؛ مُشكلٌ، لأنَّ الطَّهارة من الخَبَث شَرطٌ، وأُجيبَ: إمَّا بأنَّ قليلَ دمِ الجُرح عفوٌ، أو أزالهُ في الحَال. قال (خ): أو يقال: كان يجرِي من الجُرح على سبيلِ الدَّفْقِ، فلا يُصيبُ ظَاهِرَ البَدَن. (جراحاتهم) بكسرِ الجِيم. (ومحمد بن علي) الظاهرُ أنه ابنُ الحسَين بنِ عليّ بنِ أبي طالبٍ، الملقَّبُ بالبَاقِرِ، ويُحتملُ أن يُرادَ: 7 محمدُ بنُ علي، المشهورُ بابنِ الحنَفِية، كذا قال (ك)؛ وهو الأوَّلُ قَطعًا. (أهل الحجاز)؛ أي: مالكٌ، والشَّافعيُّ ونحوُهما، ونقلَه أبو الزِّناد عن كلِّ مَن أدرَكَه منَ الفُقَهاءِ. (وبزق) يُقال: بَصَقَ بالصَّاد أيضًا.

(إلا غسل محاجمه) هذا الصَّحيحُ، ويقَعُ في بعضِ النُّسخ إسقاطُ (إلا)، والمَحاجِمُ: جَمع (مِحجَم)، وهو هنا مكانُ الحِجامَة لا قارورَتُها، وأوجبَ الحنفيَّةُ الوُضوء من الحِجَامة، وقالَ اللَّيثُ: يُجزِئُه أن يَمسَحَه ويصلِّيَ، ولا يَغسِلُه. * * * 176 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: (لاَ يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي المَسْجدِ يَنتظِرُ الصَّلاَةَ، مَا لَم يُحدِثْ)، فَقَالَ رَجُلٌ أَعجَمِي: مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: الصَّوْتُ؛ يَعْنِي: الضَّرْطَةَ. الحديث الأول: وإسنادُه مدنيُّون إلا آدمَ، وقد وصَلَها. (وابن أبي ذئب) محمدُ بنُ عبدِ الرَّحمن. (في صلاة): خبَرُ (¬1) (يزال)، وتنكيرُ (صلاة) للتَّنويع، أي: تلكَ الصَّلاةُ التي ينتَظِرها، فإذا انتظر الظُّهر كان فيها، وهلُمَّ جَرًّا، والمُراد أنه في ثوابِها لا حقيقةً، حتى يتكلَّم، ولا يقعُ عليه طلاقٌ علَّقه بصلاتِه، ونحو ذلك، والقرينةُ الانتظارُ. ¬

_ (¬1) "خبر" ليس في الأصل.

(ما كان): (ما) مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ، وفي بعضِها: (ما دامَ). (ينتظر) خبَرُ (كان) أو حالٌ، و (في المسجدِ) الخبَرُ. (أعجمي) هو مَن لا يُفصِحُ ولا يُبِينُ كلامَه، ولو كانَ من العَرَب، فلا يُنافي ما سبَق أنَّه من حَضْرَمَوتَ، أما العَجَمِيُّ: فنسبةً للعَجَمِ، وهو خلافُ العَرَب، وسبقَ أنَّ هذا إدراج من الرَّاوي، وهو سعيدٌ، وأنَّ تفسير الحديثِ بذلك لكونه الغالبَ على مَن في صلاةٍ، أو ينتَظِرُ الصَّلاة، وإلا فأسبابُ الحَدَث كثيرةٌ، أو أن المُجمَعَ عليه ذلك، والباقي مَظِنَّةٌ، أو مُختَلَفٌ فيه، أو لأنَّ السؤالَ إنَّما هو عن حَدَثٍ خاصٍّ، وهو ما يقعُ مثلُه في المساجدِ، لا مُطلَقُ الحَدَث. * * * 177 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيم، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجدَ رِيحًا). الحديث الثاني: سبق شرحه في (باب لا يتوضأُ من الشَّكّ). * * * 178 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَاستحيَيتُ أَنْ أَسأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمرتُ الْمِقْدَادَ

ابْنَ الأَسْوَدِ فَسَألهُ فَقَالَ: (فِيهِ الوُضُوءُ). وَرَوَاهُ شُعبةُ، عَنِ الأَعمَشِ. الثالث: سبق شرحُه أيضًا في آخِرِ (كتاب العِلم). قال (ط) (¬1): حديثُ المِقدادِ مُجمَعٌ عليه أنَّ فيه الوُضوءَ؛ إلا أنَّ ما سَلِسَ منه عند مالكٍ مَرَضٌ لا وُضوءَ فيه. (رواه شعبة عن الأعمش) الظَّاهرُ أنه يريدُ الأعمشَ عن منذرٍ عن ابنِ الحنفية، وإنْ احتُمِل أنْ يُروى عن غيرِ المُنذِرِ، وهذا التَّعليقُ من البُخاريِّ الذي ذكرَه متابعةً وصَلَه مسلمٌ. * * * 179 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ: أَنْ زيدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رضي الله عنه - قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يتَوَضَّأُ كَمَا يتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ، قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعبٍ - رضي الله عنهم -، فَأمَرُوهُ بِذَلِكَ. الحديث الرابع: (قلت: أرأيت) إنَّما لم يقُلْ: (قال)؛ حتى يكون على أُسلوب ¬

_ (¬1) "ط" ليس في الأصل.

الأوَّل، لقَصد حكايةِ لفظِه بعَينه كما قال: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ولو قال: سَمَّتهُ أمُّه؛ لجَازَ باعتبار الغَيبَة، والأوَّلُ باعتبار التَّكلُّم، والاعتباران جائزان، والتَّاءُ من (أرأيتَ) مفتوحةٌ، ومفعولُه مَحذوفٌ، أي: أرأيتَ أنَّه يتَوضَّأُ؟ (يمنى) بضَمِّ الأوَّلِ وسكون المِيم، وهو الرِّواية، واللُغةُ الفَصيحَةُ، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58]، وفيه لغة: بفتح أوَّله، ولغة ثالثة: بضَمّ أوَّله وفتحِ الميمِ وتشديدِ النُّونِ، فإنه يقال: (أَمنَى ومَنَى ومَنَّى) بِمعنى. (وغسل ذكره)؛ أي: لأنَّ الغالبَ على المُجَامعِ خروجُ المَذْيِ منه، وإن لم يشعُر به، والمُرادُ غَسلُ ما يتنجَّس من الذَّكر بالمَذْيِ، كما قالَ الشَّافعيُّ. وقال مالك: يغسِلُ كلَّ الذَّكر، ولا فرقَ أن يغسِلَ الذَّكر قبلَ الوُضوءِ أو بعدَه على وَجهٍ لا يَنتقِضُ به، لأنَّه قد عَطَفَ بالواو، وهي لمُطلَقِ الجَمع. واعلم أنَّ عدمَ الغُسل في الجِماع إذا لم يُنْزِلْ كما هو في هذا الحديثِ: مَنسوخٌ، والإجماعُ انعقَد على وجوبِ الغُسل بعد أن كانَ في الصَّحابة مَن لا يوجِبُ الغُسل إلا بالإنزَالِ. (سمعته)؛ أي: المَذكورَ كلَّه.

(فسألت) هو من مَقولِ زَيدٍ. (فأمروه)؛ أي: أمَروا المُجَامعَ المذكورَ في قوله: (جَامَعَ). (بذلك)؛ أي: بأنَّه يتوضَّاُ، ويغسِلُ ذَكَره، ووجهُ ارتباطِ هذا بالتَّرجمة؛ أنَّه يدلُّ على أوَّل جُزأَيها، وهو وُجوبُ الوُضوءِ منَ الخَارج المُعتادِ لا عن الجُزءِ الأخير، وهو عَدمُ الوُجوب في غيره، وفي هذا كفاية. قال (ط): أقلُّ أحوالِ حديثِ عثمانَ حُصولُ المَذْيِ لمَن جَامَعَ ولم يُمنِ، فهو في معنَى حديثِ المِقدادِ أنَّ فيه الوُضوءَ، إلا أنَّ أئمَّةَ الفَتوى مُجمِعونَ على الغُسل من محاذِي الخِتَانِ، لأمرِه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وهو زيادةُ بيانٍ على ما في هذا الحديث، فيجبُ الأخذُ بِها، إذ الأغلبُ سبقُ الماءِ للمُولجِ، وهو لا يشعرُ لمَغيبِ العُضوِ إذ ذاك بَدءَ اللَّذَّة، وأولَ العُسَيلَةِ، فالتَزمَ المُسلمون الغُسل من مَغيبِ الحَشَفَة بالسُّنَّة. * * * 180 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ النَّضْرُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعْبةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالح، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (لَعَلَّنَا أَعجَلْنَاكَ)، فَقَالَ: نعَم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا أُعْجلْتَ أَوْ قُحِطْتَ، فَعَلَيْكَ الوُضُوءُ). تَابَعَهُ وَهبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ أبو عَبْدِ اللهِ: وَلَم يَقُلْ غُنْدَرٌ

وَيحيَى: عَنْ شُعبة: الوُضُوءُ. الحديث الخامس، (م د): (يقطر)؛ أي: ينزِلُ الماءُ منه قَطرَةً قَطرَةً، وإسنادُ القَطرِ للرَّأس مَجَاز، مثلُ: سالَ الوادي. (لعلنا)، لعلَّ هذه لإفادةِ التَّحقيق لا للتَّراخي، وإلا لمَا احتَاجَ لجَوابٍ. (أعجلناك) بفتح الهمزة وسكون العين، يقال: أعجَله وعجَّله تعجيلًا: استحثه. (أعجلت أو قحطت) بضَمِّ أوَّلِهما، والإقحَاطُ: عدمُ الإنزالِ، استعارةٌ من قُحوطِ المَطَر؛ وهو انحِباسُه، وقُحوطِ الأرضِ؛ وهو عدمُ إخراجِها النَّباتَ، ويقالُ: قُحِطَ القَومُ وأُقحِطُوا: أصابَهم القَحطُ، وأُقحِطَ: أيضًا على ما لم يُسمَّ فاعلُه. قال التَّيمِيُّ: وقَع في البخاريّ: (قُحِطتَ)، والمشهور (أُقحِطْتَ) بالألف، فقال: ذلك لمَن أُعجِلَ عن الإنزالِ في الجِماعِ، أو جامَعَ فلم يأتِه المَاءُ. قال (ك): فيَبقَى من عَطفِ العامِّ على الخاصِّ، وهذا التَّرديدُ؛ الظَّاهرُ أنَّه من النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لبيانِ أنَّ عدمَ الإنزالِ هذا حُكمُه، سواءٌ كانَ من خارجٍ عن ذاتِ الشَّخصِ أو من ذاتِه، فهو للتَّفريع. ويُحتَملُ أنَّه شطٌّ من الرَّاوي، وفي بعضِها: (أَعُجِّلْتَ) بِهمزة

35 - باب الرجل يوضيء صاحبه

الاستفهام وضمِّ العين وكسرِ الجيم المُشدَّدة، وفي بعضِها بفَتح العينِ وكسرِ الجيم، وفي بعضِها بفتحِ قافِ (قَحَطت) وحائِها، وفي بعضِها بكسر الحاء، وفي بعضِها بالهمزة مفتوحةً مضمومةً على البناء للفَاعل أو المَفعول. (فعليك الوضوء) مبتدأٌ وخبرٌ مُقدَّمٌ، أو بنصبِ (الوُضوء) على الإغراءِ، أو مفعولُ (عليكَ)؛ لأنه اسمُ فعلٍ بمعنى: اِلزَم. (تابعه)؛ أي: تابع النَّضرَ (وهب) تعليقٌ، لأنَّ البخاريَّ عند وفاته كان ابنَ اثنتَي عَشرة سنةً، وإسنادُ شعبةَ على ما هو عليه، وقد وصَلَه، أي: أبو العبَّاس السَّرَّاجُ في "مسنده". (ولم يقل)؛ أي: ولم يذكُرا في رِوايتِهما عن شعبةَ لفظَ (الوُضوء)؛ أي: بل قالا: (فعَليكَ) فقط بحذف المبتدأ، وجازَ ذلك لوُجود القَرينَةِ، ورواية غُنْدَرٍ وصَلَها أحمدُ ومسلم، وروايةُ يحيى بنِ القَّطَّانِ وصَلَها أحمدُ. * * * 35 - باب الرَّجُلُ يُوَضِّيءُ صَاحِبَهُ (باب الرجل يوضئ صاحبه) هو بكسر الضَّاد المُشدَّدة، والهمزِ. 181 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ يَحيَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبة، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ

أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أفاضَ مِنْ عَرَفَةَ عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أتصَلِّي؟؟ فَقَالَ: (المُصَلَّى أَمَامَكَ). الحديث الأول: سبق في (باب إسبَاغِ الوُضُوء). (أفاض)؛ أي: دفع (من عرفة)؛ أي: من وُقوفِ عَرَفةَ، لأنَّ (عرفةَ) اسم اليوم، و (عرفات) اسمٌ للمَكان، إلا أنَّ (عَرَفة) أُطلِقَ على المكان. قال الجوهري: قولُ النَّاس: نزَلنا عَرَفَةَ؛ شبيهٌ بِمُوَلَّدِ، وليس بعرَبيٍّ مَحض. (الشعب): الطَّريقُ في الجَبل. (أصب) بضَمِّ الصَّاد، ومفعولُه محذوفٌ. (ويتوضأ): الجملةُ حاليَّةٌ، وإن كانَ فيه واحدٌ، كإجازة الزَّمخشريّ في: {وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وفي: {وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا} [المائدة: 84]. (المصلى)؛ أي: مكانُ الصَّلاة. (أمامك)؛ أي: قُدَّامَك، وقد سبقَ مَباحِثُ أُخرى. قال (ط): وَجهُ دِلالتِه على أنَّ الرَّجلَ يُوضئُه غيرُه: أنَّ أُسامَةَ كانَ يغتَرِفُ له من الإناءِ ويصُبُّ عليه، وذلك بعض أعمالِ الوُضوء، فجازَ سائرُ أعمَالِه، وهو مِنَ القُرَب التي يعمَلُها الرَّجلُ

عن غيرِه، بخلافِ الصَّلاة؛ لأنَّ الإجماعَ أنَّ المريضَ يُوضِّئُه غيرُه، ويُيَمِّمُهُ غيرُه إذا لم يستَطِع، ولا يُصَلِّي عنه إذا لم يَستَطِع، فحَصَل الفَرقُ بينَهما، وهذا يَرِدُ على مَن قَالَ: نكرَه أن يُشرِكَنا في الوُضوءِ أحَدٌ. قال (ن): وفي الحديثِ جوازُ الاستِعانَة في الوُضوء، لكنْ إنْ كانَ بإِحضَار الماء فلا كراهةَ، أو بِغَسل الأعضاء فَمَكروهٌ إنْ لم تكنْ حاجةٌ، أو بالصَّبِّ؛ فالأولى تَركُه، وهل يُسمَّى مَكروهًا؟ وَجهان. قال (ك): وفيه جوازُه؛ لأنَّ ما فَعَلَه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يُقالُ فيه: الأَولى تَركُه، وكيفَ يتردَّدُ فيما الأَولى تركُه؟ وكيفَ ينفِي كراهتَه وليسَ المكروهُ إلا ذلك؟ قلتُ: فَعَلَه - صلى الله عليه وسلم - وإنْ كانَ في غيرِه خلافُ الأولى؛ لدَليلٍ خَصَّه، لكنْ هو في حقِّه أولى، بل واجبٌ من حيثُ إنَّه أحدُ طُرُقِ التَّبليغِ، وأمَّا الفَرقُ بين خلافِ الأولى والمكروه، فمَشهورٌ في كلامِ أصحابنا إمَامِ الحَرَمين وغيرِه: إنْ كان بنَهيٍ مقصُودٍ فمَكروهٌ، أو بنهيٍ تضَمَّنَه أمرٌ بفعلٍ فخِلافُ الأَولى. * * * 182 - حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ عَليٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعتُ يَحيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ ناَفِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ سَمعَ عروَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ يُحَدِّثُ عَنِ

الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبةَ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، وَأَنَّهُ ذهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ، وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ المَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يتوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْههُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ. الحديث الثاني: (جعل يصب) هذا من تأدِيَة عُروَةَ معنَى كلامِ المُغيرة، إذ لو ذَكَر لفظَ المُغيرة، لقالَ: (جَعَلتُ أَصُبُّ). (فغسل) عطفُ مفَصَّلٍ على مُجمَلٍ؛ لأنَّه غيرُ مُغايرِ للمَعطُوفِ عليه، وهو (يتَوضَّأ) بل هو عينُ الوُضوءِ كما قرَّره الرمخشريُّ في: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] إلى آخر الآيتين، حيثُ عُطِفَ على: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226]، وأتَى بِـ (غَسَلَ) ماضيًا؛ لأنَّه الأصلُ، وتعبيرُه بالمُضارعِ في (يتَوضَّأ) إنَّما هو لحِكَايةِ الحالِ المَاضيَة. (ومسح على الخفين) فيه بيانُ المَسحِ على الخُفَّين، وأنَّه لا يجوزُ أن يَمسَحَ واحدةً ويغسِلَ أُخرى، وعُدِّيَ (مسَحَ) بِـ (على) دونَ حَرفِ الإلصاقِ؛ نَظرًا إلى معنَى الاستعلاء، كما لو قال: مَسحَ إلى الكَعبين؛ كانَ نَظَرًا إلى الانتِهاء، وبِحَسَب المَعاني تختَلفُ صِلاتُ الأفعال، وإنَّما أعادَ بلفظِ (ومَسَحَ) ولم يُعِدْ لفظَ (غَسَلَ) في قوله (ويدَيه)؛ لأنَّ المُراد في الحديثِ بيانُ تأسيسِ قاعدَةِ: المَسحِ بخِلافِ الغَسل، فإنَّه تكريرٌ للسَّابقِ. * * *

36 - باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره

36 - بابُ قِرَاءةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحدَثِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لاَ بَأْسَ بِالقِرَاءَةِ فِي الحَمَّامِ، وَبِكَتْبِ الرِّسَالَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ عَلَيْهم إِزَارٌ فَسَلِّم، وَاِلَّا فَلاَ تُسَلِّم. (باب قِرَاءَةِ القرآنِ بَعدَ الحَدَثِ وَغَيرِه)؛ أي: وغيرِ القُرآنِ من سَلامٍ وذكرٍ. (منصور)؛ أي: ابنُ المُعتَمِر. (إبراهيم)؛ أي: النخْعِي. (في الحمام)؛ أي: والغالبُ أن يكونَ القارِئُ فيهِ مُحدِثًا، وكَرِهَ الحسَنُ وطائفةٌ القِراءَةَ فيهِ. (بكتب الرسالة)؛ أي: معَ كَونِ الغَالبِ أن في الرَّسائلِ القرآنَ والذِّكرَ، وفي بعضِ النُّسخ: (يُكتَبُ) بالفِعلِ المُضارعِ المَبنِيِّ للمَفعولِ. (على): مُتَعَلِّقةٌ بـ (كَتَبَ) لا بالقراءَةِ. (عليهم)؛ أي: على أهلِ الحمَّام. (إزار) هو ما يُلبَسُ في النِّصف الأسفَل، بخلافِ الثَّوبِ؛ فإنَّه

الذي في النِّصفِ الأَعلى. * * * 183 - حَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ قالَ: حَدّثنِي مَالِكٌ، عن مَخْرمَةَ بنِ سُليمانَ، عن كُريبٍ مَوْلَى ابنِ عبّاسٍ: أن عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ أخبرهُ: أنَّه باتَ ليلةً عندَ ميمونةَ زوجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ خَالتهُ، فَاضْطَجَعتُ فِي عَرضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِي طُولها، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا انتصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسَ يَمسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآَيَاتِ الخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فتوَضَّأَ مِنْها فأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذهبْتُ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمنَى عَلَى رَأْسي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي اليُمْنَى، يَفْتِلُها، فَصَلَّى ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، حَتَّى أتاهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ، فَصَلَّى ركعَتَيْنِ خَفِيفتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. (د م س ق). (فاضطَجَعت)؛ أي: وضعتُ جَنبِي، وكانَ الظَّاهرُ أن يقولَ: (اضطجع) مناسبةً لِـ (بات)، أو يقولَ: (بِتُّ) مناسبةً لِـ (اضطَّجَعتُ)، إلا أنَّه تفنَّنَ في الكلام، أو يقَدَّرُ: قال: فاضطَّجَعتُ.

(عرض) بفتح العَين، أي: ضِدُّ (الطُّول)، نقَله في "المَطالع" عن الأكثَر، وفي بعضِها: بالضَّم بمعنَى النَّاحيَةِ، وأنكَرَه أبو الوليدِ، وابنُ التِّينِ، ونازَعَ الإسماعيلِيُّ البخاريَّ في الاستدلالِ بالحَديثِ على أنَّ الوُضوءَ للحَدَثِ، فإنَّ نومَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينقُضُ وُضوءَه. (الوِسَادَة) المِخَدَّة. (قبله) ظَرفٌ لـ (استَيقَظَ) إن قُلنا: (إذا) ظرفيَّة، أي: [أَستيقِظُ في] وَقتِ الانتِصَافِ أو قَبلَه، فإن قُلنا: شَرطيَّة؛ فمتعلِّق بفعلٍ مُقدَّرٍ، أي: أو كانَ قبلَه، و (استيقَظَ) جوابُ الشَّرط. (فجلس) في بعضِها: فجَعَلَ. (العشر الآيات) من إضَافةِ الصِّفةِ للمَوصوف، واللام تدخلُ في العدَدِ المُضافِ نحو (الثَّلاثة الأثواب). (الخواتم) جَمع خاتِمة؛ أي: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ} [آل عمران: 190] إلى آخر السُّورة. (شن) بفتح المُعجمة؛ وِعاءُ المَاء منَ الأَدَمِ إذا خَلِق، والجمع شِنَانٌ -بكَسرِها-. (معلقة) أُنِّثَت باعتِبار معنَى القِربَة، وذكَّره في الحَدَث في (بابِ التخفيفِ في الوُضوء) باعتبارِ الأَدَمِ أو الجِلدِ. (فأحسن وضوءه)؛ أي: أتَمَّه، وأتَى بمندوباتِه، ولا يُعارِضُ هذا قولَه هناكَ: (وُضوءًا خفيفًا)، لأنَّه لا يُنافي التَّخفيفَ، أو كانَ ذا في

وقتٍ وذا في وقتٍ. (مثل ما صنع)؛ أي: مثلَ وُضُوئه، لكنْ قالَ هناكَ: (نحوًا)، وهو راجِعٌ إلى الكَيفيَّة، والمِثلِيَّةُ هنا راجِعةٌ لأصلِ الوُضوءِ، ويَحتمِلُ التَّعميمَ في الوُضوء، ومسحَ النَّومِ عن الوَجهِ، وقراءةَ الآياتِ، وغيرَ ذلك. (بأذني) بضَمِّ الذَّال وسُكونها. (يفتلها)؛ أي: يَدلُكُها، وذلك إمَّا تنبيهٌ عن الغَفلَة، أو إظهارُ مَحبَّته. (فصلى ...) إلى آخره، مجموعُه اثنا عَشَر ورَكعةُ الوِترِ، فهو دليلٌ لمَن قالَ: صلاةُ اللَّيل ثلاثَ عشرةَ ركعةً (¬1)، وهو تقييدٌ للمُطلقِ هنا؛ إذ قال: (فصلى ما شاء الله)، وفيه أنَّ السُّنة في النَّوافلِ مَثْنَى لا رُباعُ. (وخرج)؛ أي: من الحُجرَةِ إلى المَسجد. (فصلى الصبح)؛ أي: بالجِماعَة. قال (ط): فيه ردٌّ على مَن كَرِة قِراءةَ القرآنِ للمُحدِثِ غيرِ الجُنُب. قال (ك): إذا كانَ لا ينامُ قلبُه - صلى الله عليه وسلم - فلا حُجَّةَ في قراءَته الآياتِ على ذلك. وفيه الاضطَّجاعُ عندَ المَحرَمِ وزوجُها عندَها، وتخفيف الرَّكعَتَين ¬

_ (¬1) "ركعة" ليس في الأصل.

37 - باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل

قبلَ الصُّبحِ، وغيرُ ذلك ممَّا سبق. * * * 37 - بابُ مَنْ لَم يَتَوضَّأْ إلا مِنَ الغَشْي المُثْقِلِ (باب مَنْ لَم يتَوَضَّأْ إِلَّا مِنَ الغَشْي المُثْقِلِ) بكسر القَاف، صفة لِـ (الغَشْي) بفتح الغَين وسكونِ الشِّين المُعجَمتَين، ورُوي بكسر الشِّين وتشديدِ الياء، يُقالُ: غُشِيَ عليه غَشْيًا، وغَشيَةً وغَشَيانًا. ووجهُ الحَصرِ بأنَّ للوُضوءِ أسبابًا أُخَر لأنَّ الاستِثنَاء مُفرَّغٌ، والتَّقديرُ: مَن لم يتَوضَّأ مِن غَشْيٍ إلا مِنَ المُثْقِلِ الذي هو إغماءٌ لا مِنَ الخَفيفِ، أو يقالُ على طَريقَةِ البيَانيِّين: إنَّه قَصرُ إفرادٍ؛ ردًّا على مَن زَعمَ أنَّ نوعَي الغَشيِ ينقُضَان الوُضوءَ. قال (ط): الغَشْيُ: مَرَضٌ يعرِضُ من طُولِ التَّعَبِ والوُقوفِ، وهو إغماءٌ خفيفٌ، فلا ينقُضُ الوضوءَ، ولا الصَّلاةَ، وإنَّما صبَّت أسمَاءُ المَاء على رأسِها دَفعًا له، لا أنَّه كثيرٌ، فإنَّ ذلكَ ينقُضُ إِجمَاعًا. 184 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُروَةَ، عَنِ امرَأَتِهِ فَاطِمَةَ، عَنْ جَدَّتِها أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّها قَالَتْ: أديْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خَسَفَتِ الشَّمسُ، فَإِذَا النَّاسُ

قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأشَارَتْ بِيَدِها نَحوَ السَّمَاءَ، وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ: أَيْ نعم، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوقَ رَأْسي مَاءً، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (مَا مِنْ شَيْءٍ كنْتُ لَم أَرَهُ إِلَّا قَد رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هذَا حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أنكم تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ -لاَ أَدرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- يُؤْتَى أَحَدكم فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهذَا الرَّجُلِ؟ فَأمَّا المُؤْمِنُ -أَوِ المُوقِنُ لاَ أَدرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، جَاءَناَ بِالبيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبعنَا، فَيُقَالُ: نم صَالِحًا، فَقَد عَلِمنَا إِنْ كنْتَ لَمُؤْمِنًا، وَأَمَّا المُنَافِقُ -أَوِ المُرتَابُ لاَ أَدرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيقُولُ: لاَ أَدرِي، سَمِعتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ). (فاطمة) هي بِنتُ المُنذِر بنِ الزُّبَيرِ. (جدتها)؛ أي: أسماءُ بنتُ الصّدِّيق، وفي بعضِها: (جدَّته)، وهو صحيحٌ لأنَّ أسماءَ جدَّةُ هِشامٍ أيضًا، لأنَّها أُمُّ أبيهِ عُروَةَ، كما أنَّها أُمُّ المُنذِرِ أبِي فَاطِمَة. (خسفت) يقالُ أيضًا: كَسَفَت، ويقالانِ في القَمَر، وهو: ذَهابُ ضَوئهِمَا سواءٌ كلُّه أو بعضُه، وقيل: الخُسُوفُ في الكُلِّ، والكُسوفُ في البَعضِ، وقيلَ: الخُسوفُ: ذَهابُ لَونهِما، والكُسوفُ: تغيُّرُه.

38 - باب مسح الرأس كله

(أن نعم) في بعضِها: (أي)، وكلاهُما حرفُ تفسيرِ. (انصرف)؛ أي: مِنَ المَسجدِ، ومَبَاحثُ الحديثِ سَبقَت في (باب من أجابَ الفُتْيا ماشِيا). * * * 38 - بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كلِّهِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: المَرْأةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمسَحُ عَلى رَأْسِها، وَسُئِلَ مَالِكٌ أيَجْزِئُ أَنْ يَمسَحَ بَعضَ الرَّأْس؟ فَاحتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ. (باب مَسْح الرَّأْسِ كُلِّهِ) قَصدُه وُجوبُ الكُلِّ، لكنْ مَن أَوجَب البَعضَ أجابَ عمَّا استُدِلَّ به. (بمنزلة الرجل)؛ أي: في مَسحِ جَميعِ رَأسها، ويحتملُ في أصلِ المَسحِ. (وسئل مالك ...) إلى آخره، وصَلَه ابنُ خُزَيْمَةَ، وأنَّ السائلَ له: إسحاقُ بنُ عيسى الصَّباغُ. (أيجزئ) بفَتحِ الياءِ، أي: أيَكفِي؟ وفي بعضِها بالضَّمِّ من الإِجزَاء، وهو الأَداءُ الكافِي لسُقوطِ التَّعبُّد. (بعض) في بعضِها: (ببَعضِ)، وفي بعضِها: (الرَّأس).

(فاحتج)؛ أي: على أنَّه لا يُجزِئُ (بحديث عبد الله بن زيدٍ المازِنيِّ) وسيَأتي. * * * 185 - حَدَّثَنا عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ قالَ: أَخْبَرَناَ مالك، عَنْ عَمرِو ابنِ يَحيَى المَازِنيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ زبدٍ وَهُوَ جَدُّ عَمرِو بْنِ يحيَى-: أتسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَني كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ: نعم، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْههُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، حَتَّى ذَهبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. (عن أبيه)؛ أي: يَحيَى بنِ عُمَارَةَ. (وهو جد عمرو) مخالفٌ لِما سيَأتي في البابِ بعدَه أنَّ السَّائلَ: عمرُو بنُ أبي حَسَنٍ، أي: أخُو عُمَارَةَ بنِ أبي حَسَنِ، وسيأتي الجَمعُ بينَهما. (على يده) في بعضِها: (يدَيه). (واستنثر)؛ أي: بعدَ الاستِنشَاقِ، وسبق في (باب الوُضوءِ ثلاثًا) الفَرقُ بينَهُما، وفي بعضِها هُنا بدل (استنثر): (استَنشَقَ).

(المرفق) بفتحِ الميمِ وكسر الفاء، وبالعكس، هو: مِفصَلُ الذِّراعِ والعَضُد، ولا يُؤخذُ من هذا عَدمُ غَسل المِرفَق؛ من حيثُ إنَّ الغايةَ لم تدخلْ، إمَّا لمنع إفادةِ الغايةِ المُخالفة، أو يجب احتِياطًا، أو غير ذلك. (بدأ ...) إلى آخره هو بيانٌ لِـ (أقبلَ وأدبَرَ). واعلَم أنَّ في الاستدلالِ بذلك على مَسحِ الجَميع نَظَر؛ إذ ليسَ كلّ ما ذُكِرَ واجبًا كالمَضمَضَةِ والاستِنشَاق، ومَن أوجَبَهما مَحجُوجٌ بأمورٍ بعضُها سبَقَ، وبعضُها يأتي. وأيضًا التَّثليثُ والتَّثنيةُ في البَعضِ مَذكوران؛ ولا يَجبان اتِّفاقا، ولا يُقالُ: هو بيانٌ لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، وهو واجبٌ فبيانُه واجبٌ؛ لأنَّا نقولُ: وكانَ يجبُ الرَّدُّ إلى المَكان الذي بَدأ منه، ولا يَجبُ اتَّفاقًا، ويلزَمُ أن يكونَ التَّثليثُ والتَّثنيَةُ واجبَتَين؛ لأنَّهما بيانٌ أيضًا، فمَسحَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ناصيته، فلو وَجَب الكُلّ لما اقتَصَر عليه، فالحقُّ أن الأمرَ تحقيقُه المَسحُ، وهو صَادقٌ بالكُلّ والبَعضِ. وهذا الحديثُ وردَ بكَمالِه، ولا نِزاعَ فيه؛ بدليلِ أنَّ الإقبالَ والإدبارَ لم يُذكرا في غيرِ هذا الحَديثِ، وربَّما يُستَدلّ على البَعضِ بالباء المُقتَضِيَة للتَّجزِئَة، ففَرقٌ بينَ: (مَسحتُ المِنديلَ) و (بالمِنديلِ). قيل: فيلزمُ في: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] مثلُه،

فلا يثبُتُ في الباء تجزئةٌ، وجوابُه: مَنَعَ من ذلك مانِعٌ، وإيجابُ الحنفيَّة الرُّبعَ احتِجاجًا بمَسحِه - صلى الله عليه وسلم - بناصِيته، فهو بيانٌ للإِجمال في الآية؛ لأنَّ الناصِيةَ رُبعٌ، وما في حديثِ عبدِ الله المَازِنيِّ، فإنَّما هوَ لأَنَّه أفضلُ، فيُجمَعُ بذلك جوابُه أنَّه لا يكونُ بيانًا إلا إذا كان أولُ مسحِه لذلك بعد الآية. وأيضًا فقوله: (بناصِيته) يَحتَمِلُ بعضَها، وأيضَا يحتَمِلُ أنَّ الواجبَ الكُلُّ، ولكنْ قَصَرَ على النَّاصية في وقتٍ لعُذرٍ، وأيضًا فذاك في حديثِ المغيرةِ أنَّه مَسَحَ بناصِيته، وعلى عِمَامَتِه، فاقتِرانُه بالعِمَامَة يَنفِي التَّحديدَ بالرُّبع، وأنَّه لا يُقتَصَرُ عليها، وإنَّ ذلك كانَ لعُذرٍ. ولنا أيضًا القياسُ على المَسحِ في الخُفِّ، وهو للبَعضِ، وهو أرجَحُ من قياسهم على مَسحِ الوَجه في التَّيمُّم، لأنَّ المَسحَ في الوُضوء أقربُ منَ المَسح في التَّيمُّم. وأيضًا فمَسحُ الوَجه في التَّيمُّم بدلٌ عن غَسلِ جَميعِه، ومسحُ الرَّأسِ أصلٌ برَأسِه. قال (ط): أجمَعوا أنَّ مَن (¬1) مَسَحَ الكُلَّ أدَّى الفَرضَ، واختَلفوا فيمَن مَسحَ البَعض، فيجِبُ اليقينُ بمَسحِ الكُل، وعُورِضَ بأنَّ مسحَ البَعض واجبٌ اتَّفاقا؛ لأنَّ مَن قالَ بالكُلِّ أو بالناصية أو أقلَّ؛ يقولُ به، والزَّائدُ الأصلُ براءةُ الذِّمة منه). ¬

_ (¬1) "من" ليس في الأصل.

39 - باب غسل الرجلين إلى الكعبين

(ثلاثًا) ذُكرَ في بعضِ الأعضاء، وفي بعضِها مرَّتين، للإشعار بجَوازِ ذلك كلِّه، وإن كانَ الأكملُ الثَّلاثَ في الكلِّ، ففِعلُه بيانٌ للجواز، فهو أفضَلُ في حقِّه، والبيانُ وإن لم يكنْ بالقَول؛ لكنَّ الفعلَ أوقعُ في النُّفوس، وأبعَدُ منَ التَّاويلِ. قال (ط): و (ثُمَّ) في الحديث بمعنَى الواو، أي: لا للمُهلَة، ولا للتَّرتيب. * * * 39 - بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الكعبَيْنِ (باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الكَعبَيْنِ) 186 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عَنْ عَمرٍو، عَنْ أَبِيهِ: شَهِدْتُ عَمرَو بْنَ أَبِي حَسَن سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زيدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فتوَضَّأَ لَهُم وُضُوءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأكفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْههُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأدبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الكَعْبَيْنِ. (شهدت)؛ أي: حَضَرتُ (عمرو بن أبي حسن) هو أبو عُمارَةَ،

جدُّ عمرِو بنِ يحيَى، فيكونُ أخا جدِّه: والجَمعُ بينَه وبينَ ما سبق أنَّه جدُّه؛ أن يكونَ جَدًّا له من جِهةِ الأم، عمًّا لأبيه، أو جُعِلَ جَدًّا لأنه عمُّ أبيه، والعمُّ صِنوُ الأبِ. ووَقَع في "الأمّ" للشَّافعِيِّ من هذه الطَّريقِ: أنَّ يحيَى والدَ عمرٍو هو السَّائلُ، لا عمارةُ بنُ أبِي حَسَنٍ، ولا عمرُو بنُ أبِي حَسَنٍ، فيجوزُ أنَّ كليهِما سَأَلَ. (بتور) بالمُثنَّاة فوق وسكونِ الواو، وهو: إناءٌ يُشرَب فيه، أو هو من صُفْرٍ أو حَجَر كالإِجَّانةِ. (لهم)؛ أي: للسَّائل وأصحابِه، فـ (اللام) بمعنَى: مِن أجلِ. (فأكفأه) هو لغةٌ في (كفأتُه) بمعنَى: قَلَبتُه، فهو مَكفوءٌ، حكاهُما ابنُ الأعرابيِّ، وقالَ الكِسَائيُّ: كَفَأتُه: قلَبتُه، وأكفَأتُه: أمَلتُه. (واستنثر) عَطْفُه على (استَنشَقَ) دليلٌ على تغايُرِهِما. (ثلاثًا) يَحتَمِل لكلٍّ ثلاث، ويَحتَمِل أنَّ الثلاثَ لهما، وهو الظَّاهر، وسبقَ أنَّ في الكيفيَّة خَمسَةُ أوجُهٍ. (فغسل يديه مرتين)؛ أي: لكُلِّ يدٍ مرَّتين، لا أنَّهما لهما، كلُّ يدٍ مرَّة مرَّة. وفي الحديثِ جوازُ طلَبِ إحضارِ الماء للمُتوضِّئ، والاستعانةُ بذلك بلا كرَاهةٍ، وأنَّه لا يُدخِلُ اليَدَ في الإناءِ قبلَ الغَسلِ، وجوازُ ذلكَ

بعدَه في أثناءِ الاستِعمَال، ونَدبيَّةُ الثَّلاث في المَضمَضَة والاستِنشاقِ، وأنَّ مسحَ الرَّأس مَرَّةٌ، ووُجوبُ غَسلِ الرّجل. قال الزَّمَخشَرِيُّ: (إلى) تقتَضي معنَى الغايَة، فأمَّا دخولُها في الحُكم وعدمُه فدائرٌ على الدَّليل، ففي: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} [البقرة: 187] خارِجَةٌ، وإلا لوَجَب الوِصالُ، وتقولُ: حفِظتُ القُرآنَ من أوَّله إلى آخره، فهي داخِلَةٌ، لأنَّ الكلامَ مَسوقٌ لحِفظِ الكُلِّ؛ فـ (إلى المِرفَقَين)، و (إلى الكَعبَين) لا دليلَ فيه على أحَدِ الأَمرَين، فأخَذَ كافَّة العلماءِ بالاحتياطِ، فحَكموا بدخولِ ذلك في الغَسلِ، وأخَذَ زُفَرُ بالمُتيَقَّن، فلم يُدخِلْهُ، وقيل: (إلى الكعبين) جيءَ بالغايةِ فيه لدَفعِ توَهُّمِ المَسح؛ لأنَّ المَسحَ لم يُضرَب له غايةٌ في الشَّرعِ. قال (ط): احتجُّوا في الدُّخول بأنَّ (إلى) بِمعنَى (مع)، نحو: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]، ورُدَّ بأنه كانَ يلزمُ الغَسل إلى الكتِفَين، لكنَّ الغايةَ داخِلَةٌ، فيجبُ غَسلُ المِرفقَين، بخلافِ (إلى اللَّيل)؛ فإنَّه ليسَ مِنَ النَّهار. وقيلَ: الاستثناءُ من المَتروكِ، أي: واترُكوا منَ المَناكِبِ إلى المَرافِق، فتكونُ المَرافقُ داخلةً في المَغسولِ، والكَعبانِ في ذلك كالمِرفَقِ. وقال مالكٌ: الكَعبُ: هو المُلتَصِقُ بالسَّاق المُحاذِي للعَقِب، وقالَ أبو حنيفة: هو الشَّاخِصُ في ظَهرِ القَدَم.

40 - باب استعمال فضل وضوء الناس

وقالَ الأصمَعِيُّ: هُما العَظمانِ النَّاتِئان من جانِبِ القَدَم، دليلُه في حديثِ: (أقيموا صفُوفَكم)، (ورأيتُ الرَّجُل يُلصِقُ كعبَه بكَعبِ صاحِبِه). * * * 40 - بابُ اسْتِعمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ الناسِ وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَهْلَهُ أَنْ تتَوَضَّؤا بِفَضْلِ سِوَاكِهِ. (باب اسْتِعمَالِ فَضْلِ وَضُوءَ النَّاسِ) بفَتح الوَاو على المَشهور، وفَضلُه: ما يَبقَى في الإناءِ بعدَ الوُضوءِ، أو أنَّ المُرادَ ما يتَطايرُ عن المُتوَضِّيء فيُجمَع، والسِّياقُ ظاهرٌ في هذا المعنَى، وبِهذا التَّفسيرِ هو المَاء المُستعمَل، فمالكٌ يقولُ: إنه طَهورٌ، والشَّافعيُّ يقول: طاهرٌ لا طَهورٌ، وأبو حنيفَة يقولُ: إنَّه نَجِسٌ، ثُمَّ المُرادُ بالاستعمال رفعُ حَدَثٍ أو إزالةُ نَجَسٍ على ما فُصِّلَ في الفِقه. (بفضل سِواكه)؛ أي: العُود الذي يتَسَوَّكُ به في الأشهر، فهو مُذَكَّرٌ. قالَ في "المُحكَم": ويُؤثَّث أيضًا، وجَمعُه: (سُوُك) كـ (كتاب) و (كُتُب). والمرادُ بفَضلَةِ الماء: الذي يُنقَعُ فيه ليترطَّبَ، ويُطلق السِّواكُ

أيضًا (¬1) على الفِعل، أي: الاستِيَاك، وليسَ مُرادًا هنا. * * * 187 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالهاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فتوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئهِ فَيتمَسَّحُونَ بِهِ، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ ركعَتَيْنِ وَالعَصرَ ركعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. الحديث الأول: (بالهاجرة) هو وسطُ النَّهار، وعندَ شدَّة الحرِّ، وهذا كانَ في سَفَرِ القَصرِ، ولهذا صلَّى الظُّهرَين رَكعتَين رَكعتَين. (العنزة) بفَتحات: أطولُ من العَصا، وفيها زجٌّ كالرُّمحِ. * * * 188 - وقَالَ أبَو مُوسى: دعَا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدحٍ فيهِ ماءٌ، فغسلَ يديهِ ووجههُ فيهِ ومجَّ فيهِ ثُمَّ قالَ لَهُمَا: (اشْرَبَا مِنْهُ، وَأفرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا). (وقال أبو موسى) وصَلَه في (المغازي) في (غزوة الطَّائف). ¬

_ (¬1) "أيضًا" ليس في الأصل.

(ثم قال لهما)؛ أي: لأبِي الرَّاوي ولبِلالٍ، فإنّه كانَ معه كما ذُكِرَ هناكَ. (اشربا) بهمزةِ وَصلٍ من (شَربَ). (وأفرغا) بالقَطع، لأنَّه رُباعيٌّ، وفي الحديث هناك: فنَادتهُما أمُّ سَلَمةَ (¬1) من وَراءِ السِّتر أَفضِلا، فأفضَلا لها. ويحتَمل أنَّ الأمرَ بالشُّرب والإِفراغِ لِمَرَضٍ أو شيءٍ أصابَهما، فلذلك قالَ الإسمَاعيلِيُّ: ليسَ هذا منَ الوُضوءِ في شيءٍ، أي: وقصدَ البخاريُّ الرَّدَّ بذلك على من زعمَ نجاسةَ المَاء المُستَعمَل، وليسَ فيه إلا مسحٌ وشُربٌ للتَّبرُّك، ولا يُختَلَفُ في جوازِه. (نحوركما): جمعُ (نَحر)، وهو موضعُ القِلادَة من الصَّدر. وفي الحَديثِ قصرُ الرُّباعيَّة في السَّفر، ونَدبُ نَصبِ العَنَزَة، وجوازُ مجِّ الرِّيقِ في المَاء. وقال (ط): إنَّ قَضدَ البخَاريُّ أنَّ المُستعملَ لم يتغيَّرْ بذلك؛ فيجوزُ الوُضوءُ به، ولهذا ذَكَرَ فضلَ السِّواك، واحتِجاجُ أبِي حنيفةَ على نَجَاستِه بأنَّه ماءُ الذنوبِ، وأُجيبَ بأنَّه مثَلٌ ضَرَبه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أي: كما يَنغَسِلُ الدَّرَنُ من الثَّوبِ تتَحاتُّ الذُّنوبُ بالغَسل، ثُم يُعارَضُ بأنَّه صارَ بذلك مُبارَكًا؛ لأنَّ الله تعالى كفَّر به الذُّنوبَ، فلا يكون نَجِسًا، والإجماعُ على عَدَمِ المُؤاخذة بما تَرشَّشَ منه، ولو كانَ نَجِسًا لوَجَبَ ¬

_ (¬1) في الأصل "أم سُلَيم" وهو خطأ.

التَّحرُّزُ منه، ولأنَّه لم يتغيَّر، وهو طاهرٌ لاقى جِسما طاهِرًا، فجاز أن يَسقُط الوُضوءُ به مرَّةً أُخرى. قال (ك): لا نُسَلِّمُ أنَّه لم يتأثَّر بذلك؛ لأنَّه حَصَل له من الكَلالِ والضَّعف ما اقتَضَى أنَّه لا يُزالُ به فرضٌ آخر، وأيضًا فالصَّحابةُ ومَن بعدَهم لم يَجمَعوا الماءَ (¬1) المُستعمَلَ للاستِعمَال ثانيًا، فلو كانَ طَهورًا لفَعلوا. قال (ط): وفي الحَديثِ أنَّ لُعابَ البشرِ ليسَ بنجِسٍ، ولا يضُرُّ شُربُه، وأنَّ نَهيَه - صلى الله عليه وسلم - عن النَّفخِ في الطَّعام لِخَوف التَّقَذُّر، فهو تأديبٌ، بل كانت نُخَامتُه - صلى الله عليه وسلم - أطيبَ عندَ المُسلمين مِنَ المِسك، لأنَّهم كانوا يتَدَافعون عليها، ويَدلُكون بِها وُجوههم لبَرَكَتِها، ومُخَالَفتِها لأفواهِ البَشَرِ لمُناجاة الملائِكَة؛ فطيَّبَ الله لَهم نكَهتَه - صلى الله عليه وسلم -، وحديثُ أبي موسى إمَّا لِمَرَضٍ أو شيءٍ أصابَهما، انتهى. وقد تبين أنَّه للبَرَكة. * * * 189 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني مَحمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ -وَهُوَ الَّذِي مَجَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجْهِهِ وَهْوَ غُلاَمٌ مِنْ بِئْرِهم-، وَقَالَ عُروَةُ عَنِ الْمِسْوَرِ وَغَيْرِه يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ: وَوإذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئهِ. ¬

_ (¬1) "الماء" ليس في الأصل.

الحديث الثاني (ع) (¬1): (مج)؛ أي: رمَى من الفَمِ، والمُجَاجُ: هو الرِّيقُ المَمجُوجُ من الفَمِ. [(وهو غلام): الجملةُ حاليَّة] (¬2). (من) متعلّقةٌ بِـ (مَجَّ). (بئرهم)؛ أي: محمودٌ وقَومُه. (وقال عروة) وصَلَه في (كتاب الشُّروط). (وغيره) بالجرِّ عطفٌ على (المِسْوَر)، ولا يضرُّ الإبهامُ في نَحوه، لأنَّ الغالبَ أنَّ عُروةَ لا يروي إلا عن عَدلِ، وأيضًا فذُكِر تبعًا فيُغتَفَر، وهذا عطفٌ على مقولِ ابنِ شِهابٍ، أي: قالَ ابنُ شِهاب: أخبَرني محمودٌ، وقالَ عروةُ. (منهما)؛ أي: من محمودِ والمِسْوَرِ. (بصدق) هو كلامُ ابنُ شهابٍ أيضًا، وهُمَا صَحابيَّان صغيرانِ سِنًّا، كبيرَان قَدرًا. (إذا توضأ) هذا هو اللَّفظُ الذي رواهُ محمودٌ، والجُمَلُ بينهُما اعتِراضٌ. (كانوا)؛ أي: الصَّحابة، وفي بعضِها: (كادوا)، والمُراد المُبالَغةُ في تنافُسِهم لا وقوعُ المُقاتَلَة. ¬

_ (¬1) "ع" ليس في الأصل. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

41 - باب

(باب) هو من توابعِ التَّرجَمَة السَّابقة، وفي بعضِها ساقِطٌ. * * * 41 - بابٌ 190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْجَعدِ قَالَ: سَمِعتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ ذَهبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئهِ، ثمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرتُ إِلَى خَاتَم النُّبُوَّةِ بَيْنَ كتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الحَجَلَةِ. (م ت س). (ذهبت بي) معناه الاستِصحابُ والمُضِيُّ مع الذَّاهبِ، بِخلاف (أذهبَه)، فإنَّه بمعنَى: أزالَه وجَعلَه ذاهِبًا. (وقع) بلفظِ المَاضي، وفي بعضِها: بكَسر القاف والتَّنوين، وفي بعضِها: (رجَعَ). قال (ط): بفتح القافِ والعَينِ على المَعروفِ، معناه: وقَعَ في المَرَض، ويُروى بكَسر القافِ، والمعنَى: اشتَكى لَحمَ قَدَمِه مِن غِلَظِ الأرضِ والحِجَارَة. (خاتم) بكسرِ التَّاء، أي: خَتْمٌ، وبفَتحها بِمعنَى الطَّابَع، أي: الدَّال على أنَّه لا نبيَّ بعدَه.

قال البَيضَاوِيُّ: خاتِمُ النُّبوَّة أثرٌ بينَ كَتِفيه، نُعِتَ به في الكُتُب المُتقَدِّمة، فهو علامةُ أنَّه المَدعوُّ به. (زر) بكسر الزَّاي وتشديد الرَّاء، واحِدُ الأَزرَارِ. (الحجلة) بفتح المهملة والجيم: واحدُ حِجَالِ العَروس، وهو بيتٌ كالقُبَّة تُزَيَّنُ بالثِّيابِ الفاخِرَة (¬1)، والأَسِرَّة بالسُّتور، ولها أزرارٌ كِبارٌ وعُرَى، وهذا قَولُ الجُمهور. وقيل: المُرادُ بيضَةُ الطَّائرِ المَعروفِ، وسيأتي في (بابِ خَتْمِ النُّبوَّة) أنَّ محمدَ بنَ عبد الله شيخَ البخاريِّ قال: الحَجَلةُ من حَجَلِ الفَرَس الذي بينَ عينَيه، وفي بعضِ نُسخِ المَغارِبة: (الحُجْلَةُ) بضَمِّ المُهمَلة وسكونِ الجيم. قال (ع): رويَ أنَّه كبَيضَة الحَمامَة، وأنكَرَ على مَن قالَ إنَّه بَيضَةُ حَجَلةِ الطَّير، أي: أُنثاه، وأنَّ الذَّكر يُسمَّى: يعقوب. قال: وهذا لا أَحُقُّه، ويُروَى بتَقدِيم الرَّاء على الزَّاي، يعني: البَيضَ، من قَولهم: (أرَزَّت الجَرادةُ) بفتح الرَّاء وتشديد الزَّاي: إذا كبَسَتْ ذَنبَها في الأرضِ فباضَتْ. قال (ع): وهذا الخاتِمُ هو أثَرُ شقِّ المَلَك بَين كتِفَيه. وردَّه (ن) بأنَّ شقَّهُما إنَّما كانَ في صَدرِه الكرِيم - صلى الله عليه وسلم -. * * * ¬

_ (¬1) "الفاخرة" ليس في الأصل.

42 - باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة

42 - بابُ مَنْ مَضْمَضَ وَاستنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ واحِدَةٍ (باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة) 191 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ يحيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ: أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنَ الإناَءَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ أَوْ مَضْمَضَ، وَاستَنْشَقَ مِنْ كفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (ثم غسل)؛ أي: غَسَل فَمَه، ويحتَمل: غَسَل وجهه. (أو مضمض) الظَّاهرُ أنَّ الشَّكَّ من يَحيَى. (من كفه) قال (ط): من حَفنَةً واحدَة، فاشتَقَّ لهذا المعنى من لَفظِ (الكَفِّ)، إذ لا يُعرفُ إلحاقُ هاء التَّأنيث في الكفِّ، انتهى. وكذا في بعضِها: من (كَفَأَهُ) بالهمز. (ففعل ذلك ثلاثًا)؛ أي: المَضمَضَةَ والاستِنشاقَ، وذلك إِحدى الكيفِيَّاتِ الخَمسَة، وإنَّما لم يَذكُر غَسلَ الوَجه في الحديث؛ إما لكَونهِ مفعولَ (غَسَل) كما سبق، وإمَّا لأنَّه مَعلومٌ، وإمَّا للاقتِصارِ على المَقصودِ

43 - باب مسح الرأس مرة

من التَّرجَمة ممَّا فيه الاختلافُ، كتَثليثِ المضمَضَةِ والاستِنشاقِ، وإدخالِ المِرفَقَين، وتثنيَةِ غَسلِ اليدِ، ومسحِ ما أدبَر وما أقبَلَ، وانتهاءِ الرِّجلِ إلى الكَعبِ، ويكونُ التَّشبيهُ قولَه: (هذا)، أي: في هذه الأمورِ، لا أنَّه من جَميع الوُجوه. * * * 43 - بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً (باب مسح الرأس مرة) في بعضِها: (مَسحَةً). 192 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهيبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ يَحيَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهدتُ عَمرَو بْنَ أَبِي حَسَن سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زيدٍ، عَنْ وُضُوء النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فتوَضّأَ لَهُم، (فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثًا، ثُمِّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِناَءَ)، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا بِثَلاَثِ غرَفَاتٍ مِنْ مَاءَ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإناَءَ، فَغَسَلَ وَجْههُ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإناَءَ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِناَءَ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدبَرَ بِهِمَا، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي الإِناَءَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. وَحَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهيبٌ قَالَ: مَسَحَ رأسَهُ مَرَّة. (بماء) في بعضِها: (بتَورٍ من مَاء).

(فكفأ) يروى: (فَأَكفأَ)، وهما بِمعنَى على الرَّاجحِ كما سبق. (ثلاثًا) ظاهرُه أنَّ كلَّ غَرفَةٍ يُمَضمِضُ منها ويَستَنشِقُ. وتفاوتُ هذا الحديثِ معَ المذكورِ في (باب غَسلِ الرِّجلَين) تكرير لفظِ: (مرَّتين)، وهو نَصٌّ في غَسل كلِّ يدٍ مرَّتين، بخِلاف ما هُناك، فإنَّه ظاهرٌ، وزيادةُ (البَاقي برَأسِهِ)، ولفظُ: (ثمَّ أدخلَ يدَه في الإِناء)، ونقصُ لفظِ (مرَّةً واحدةً)، ولفظِ: (إلى الكَعبَين). ووَجهُ دِلالة الحديثِ على التَّرجَمَةِ: أنَّه أطلَق مسحَ الرَّأس، وأقلُّ ذلك مرَّةٌ، نَعم، الحديثُ هناكَ أصرَحُ من هذا، فإنَّه قالَ: (مرَّةً واحِدةً)، فأشارَ إليه البخاريُّ هنا لكنَّه لم يقُل (واحِدَة). وقولُ (ك): إنَّ موسى لعلَّه ما ساقَ الحديثَ لبيانِ أنَّ المَسح مرّةٌ، وسليمانَ ساقَه لهذا الغَرَض؛ فيه نظر! (حدثنا موسى، حدثنا وهيب)؛ أي: وتمامُ الإسنادِ كما ذُكِرَ أوَّلًا. قال (ط): حديثُ عثمانَ وابنِ عبَّاسٍ ليس فيه (مرَّتين) ولا (ثلاثًا)؛ دليل على أنَّ المرَّة الواحدةَ تَكفي، وإنَّما اختَلَفَ فعلُه ليُرِيَ أمَّتَه التيسيرَ فيه، أمَّا كونُ المَسحِ مرَّة، فهو قولُ الجُمهورِ، فقولُ الشَّافعي: ثلاثٌ؛ يحتاجُ لدَليل، ولا حُجَّةَ له في حديثِ عثمانَ: (ثلاثًا ثلاثًا)، لأنَّ فيه بَدَأ بالمُقدَّم، ثُمَّ رَدَّ إلى حيثُ بدأ، وكذا قالَ مالكٌ: ردُّ اليدينِ من مُؤخَّرِ الرَّأس إلى مُقدَّمه مَسنون، ولو بدَأ منَ المُؤخَّرِ سُنَّ أن يردَّ إلى المُؤخَّر.

44 - باب وضوء الرجل مع امرأته، وفضل وضوء المرأة

وقال (ك) (¬1): يدلُّ لما قال الشَّافعي من التَّثليثِ حديثُ أبي داودَ: (أنَّه مَسحَ ثلاثًا)، وبالقياسِ على سائر الأَعضاء. * * * 44 - بابُ وُضُوء الرَّجُلِ مَعَ امرَأتِهِ، وَفَضْلِ وَضوء المرأَةِ وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالحَمِيم مِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ. (باب وضوء الرجل مع امرأته) في بعضِها: (معَ المَرأَة). (وفضل وضوء) بفتح الوَاو، بخِلاف الأؤَل، فإنَّه بالضَّم كمَا سبقَ أنَّه المَشهورُ. (بالحميم)؛ أي: السَّخين، فَعِيل بمعنَى مَفعُولٍ بِه، وبه سُمِّي الحَمَّامُ لاستِخَانِه، والمَحمُومُ لِسُخونَةِ جَسَدِه. وذِكرُ البُخاريّ لأثرِ عُمرَ تعليقًا؛ ليسَ لتعلُّقِه بتَرجَمة الباب؛ لأنَّ قصدَه الإفادةُ بذِكرِ فقهٍ من آثارِ الصَّحابة، وفَتاوى العُلماء، وبيانِ لُغاتٍ وغيرِ ذلك، ففيه أنَّه لا كَرَاهةَ في المُسَخَّن، كما قالَه أهلُ العراقِ والحجازِ خِلافًا لمُجاهدٍ، ولا في سُؤرِ النَّصرانِيّة؛ لأنَّه طَاهرٌ خِلافًا لأحمَدَ وإسحاقَ، نعم، الأخيرُ من فِعلِ عُمَرَ مُناسبٌ للتَّرجَمة، فيجوزُ أن يكونَ ذكرُه للأوَّل تكثيرًا للفائِدَة، لا لاشتِراكِهِما في أنَّهما من فِعل ¬

_ (¬1) "ك" ليس في الأصل.

عُمَر، ويَحتَمِل أنه قِصَّةٌ واحِدَةٌ، توضَّأ بالحَميمِ من بيتِ نَصرانية، فسَاقَه لبيانِ الواقعِ. * * * 193 - حدثنا عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ قال: أخبرنا مالك، عن نافعٍ، عن عبدِ الله بنِ عُمَرَ أنه قال: كان الرجال وَالنِّسَاءُ يتَوَضَّؤنَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمِيعًا. (د م س ق). (أخبرنا مالك ...) إلى آخره، هو أصَحُّ الأسانيدِ عندَ البُخاريِّ. (الرجال والنساء) اللامُ فيهما للجِنس لا للاستِغراقِ؛ لقرينةٍ، وهي تعذُّرُ العُمومِ في مِثلِه، وعلى هذا فالاحتِجَاجُ بتَقريره - صلى الله عليه وسلم - لما تقرَّرَ نحو: (كانوا يفعَلونَ في زَمنِه أو حياتِه) حجَّةٌ، ولا يكونُ من بابِ الإجماعِ، لأنَّ شرطَه أن يكونَ بعدَ وفاتِه. (جميعًا)؛ أي: مُجتَمِعين لا مُتفَرِّقين. قال الجَوهريُ: الجميعُ ضِدُّ المُتفَرق، ودلالةُ الحديثِ على التَّرجمة على جُزأيها، الأول صَريحًا، والثاني التزَاما، والمخالِفُ في المسألة أحمدُ؛ فمَنَعَ الوُضوءَ من فَضلِ وُضوءِ المَرأة، وغُسلِها منفرِدَةً، ووافَقَ على الجوازِ فيما استَعملاه جَميعًا، وهذا الحديثُ عليه، لأنَّهم إذا توضَّؤوا من إِناءٍ واحدٍ يكونُ الرَّجُل مستَعمِلًا لفَضلِ المَرأة لا مَحَالةَ.

45 - باب صب النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءه على المغمى عليه

وأما حديثُ النَّهي أن يتَوضَّأَ الرَّجلُ بفَضلِ المَرأة؛ فحديثُ الإباحَةِ أصحُّ منه، لأنَّه وإنْ كانَ صَريحًا في استعمالِهما جَميعًا، ومَحلُّ النِّزاعِ عندَ انفرادِها أو لا، فمِن حيثُ إنَّه لَو تنَجَّسَ الماءُ بِها لامتَنعَ تقَدُّم، أو كانَ معَه؛ إذ لا فرقَ في وُقوعِ النَّجاسةِ منَ القبليَّة والمعِيَّة. قال (ن): حديثُ النَّهي ضَعيفٌ، ضعَّفَه البخاريُّ وغيرُه، أو أنَّ المُرَادَ المُتسَاقِطُ عنها، أو أنّه تنزيهٌ لا تحريمٌ. 45 - بابُ صَبِّ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَضوءهُ عَلَى المُغْمَى عَلَيْهِ (باب صَبِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءَهُ عَلَى المُغْمَى عَلَيْهِ) هو من (أُغمِيَ) بضَمِّ الهمزة، ويُقالُ فيه أيضًا: (غُمِيَ) بضَمِّ الغَين وتَخفيفِ الميم، والإغماءُ والغَشْيُ بِمعنًى، كما سبق في (باب من أجَابَ الفُتْيَا بالإشَارَة)، وهو: اِنْغِمارُ العَقلِ، بخِلاف الجُنون؛ فإنَّه زوالُه، والنَّومِ؛ فإنَّه استِتارُه. 194 - حَدَّثَنَا أبَو الْوليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شعبةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعتُ جَابِرًا يَقُولُ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي، وَأَناَ مَرِيضٌ لاَ أَعقِلُ، فتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئهِ، فَعَقَلْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لمَنِ المِيرَاثُ، إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلاَلةٌ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرَائِضِ.

(م د س). (أعقل): بمعنَى أفهم، وحُذِفَ مَفعوله للتَّعميم، أي: شيئًا، أو لِجَعلِه كاللازم. (عقلت) من جَعلِه كاللازم قَطعًا. (الميراث)؛ أي: ميراثي، فاللام للعَهدِ. (كلالة) من كَلَّ الرَّجُلُ يَكِلُّ كَلالَةً، أي: لا وَلَدَ له ولا والِدَ. قال الزَّمَخشرِيُّ: ويُطلَقُ أيضًا على مَن ليسَ بوَلَدٍ ولا والدٍ منَ المُخلَّفين، وعلى القَرَابةِ من جِهةَ الوَلَدِ والوالِدِ. قال التَّيمِيّ: الكلالَة: الوارِثُ، وهو الأخَوَان هنا، واللَّفظُ يقَعُ على الوَارِثِ والمُوَرِّثِ. (آية الفرائض) هي: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]، إلى آخرها، والفَرائِضُ: النُّصُبُ المُقدَّرة، جمعُ فَريضَة. قال (ط): فيه دليلٌ على طهارَةِ المَاء الذي تَوضَّأَ به، وإلا لم يَصُبَّ علَيه. قال (ك): يحتَملُ أنَّه صَبَّ من المَاء الباقِي في الإِناء، فلا دليل، وفيه رُقْيَةُ الصَّالحينَ للمَاء رَجَاءَ بَركَتِه، فَبِبَرَكَتِه - صلى الله عليه وسلم - تزولُ كلُّ عِلَّة، وعيادَةُ الأكابِر الأَصاغِرَ، وإنْ كانَ المَريضُ لا يَدرِي ذلك.

46 - باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة

46 - بابُ الغُسْلِ وَالوُضُوء فِي المِخْضَبِ وَالقَدَح وَالخَشَبِ وَالحِجَارَةِ (باب الغُسْلِ وَالوُضُوءَ من المِخْضَبِ) بكسرِ الميم: القَدحُ، أي: الإِجَّانةُ التي تُغسَلُ فيها الثيابُ. (الخشب): بفَتحِ الخَاء وضَمِّها. 195 - حَدَّثَنَا وعَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَقَامَ مَنْ كانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ، وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَصَغُرَ المِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فتَوَضَّأَ القَوْمُ كلُّهُمْ، قُلْنَا: كَم كُنتم؟ قَالَ: ثَمَانِينَ وَزِيَادَةً. الحديث الأول (خ): (إلى أهله) متعلقٌ بِـ (قامَ)؛ أي: ليُحَصِّلَ المَاء للوُضوء. (وبقي قوم)؛ أي: في مَجلِسِه - صلى الله عليه وسلم -. (فأُتي) بضَمِّ الهمزَة. (فصغر)؛ أي: لم يَسَع بَسطَ الكَفِّ فيه. (كلهم)؛ أي: من ذلكَ المِخضَب، وهم ثَمانُون، معجزةٌ له - صلى الله عليه وسلم -. (قلنا) في بعضِها: (فقلنا)، وهو من قَولِ حُمَيد.

(كم)؛ أي: كم نَفْسًا، فحُذِفَ التَّمييزُ. (ثمانين) خبرُ (كان) المُقدَّرة في الجَواب، أي: كنَّا ثَمانينَ، والخَبَرُ محذوفٌ أيضًا، فأفَادَ الحديثُ أنَّ الأوانِيَ كلَّها مِن جواهِرِ الأَرض ونباتِها طاهرةٌ إذا لم تكُن نَجاسةٌ. * * * 196 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي برْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - دَعَا بِقَدحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْههُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيه. الحديث الثاني (م): (دعا)؛ أي: طَلَبَ. (فغسل يديه ووجهه) لا دليلَ فيه على وُضوءٍ منهُ، ولا على غُسلٍ -بضَمِّ الغَين-. * * * 197 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ يَحيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ قَالَ: أتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْههُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ.

الحديث الثالث: في سنَدِه لَطيفَةٌ، وهي: أنَّ أحمدَ وعبدَ العزيزِ كلُّ منهما أبوه عبدُ الله؛ حُذِفَ ونُسِبَا إلى جَدَّهِما. (تور) بِمُثنَّاةٍ فوقُ مَفتوحةٍ: إناءٌ يُشرَبُ فيه. (صفر) بضَمِّ الصَّاد. ومباحِثُ الحديثِ تقَدَّمت، نعَم، ليس في التَّرجَمَةِ ذِكرُ التَّورِ، فكانَ المُناسِبُ ذِكرَ هذا الحديثِ في التَّرجَمة التي بعدَها، ولكنْ لما كانَ هذا التَّورُ على شَكلِ القَدَحِ، أو أنَّه حَجَرٌ؛ لأنَّ الصُّفْرَ من أنواعِ الحِجارةِ = ذكَرَه في هذا الباب. * * * 198 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرضِ بَينَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آَخَرَ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أتدرِي مَنِ الرَّجُلُ الآَخَرُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: هُوَ عَلِي، وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَعدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ: (هرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبع قِرَبٍ، لَم تُحلَلْ أَوْكيتهُنَّ، لَعَلِّي أَعهدُ إِلَى النَّاسِ)، وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إلَيْنَا: أَنْ قَد فَعَلْتُنَّ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى النَّاسِ.

الحديث الرابع: (يمرض) بضَمِّ أوَّله وفتحِ الرَّاء مُشدَّدَةَ، وهو القِيامُ على المَريضِ، كأنَّه من باب الإزالَةِ والسَّلبِ، كجَلَدْتُ البَعيرِ: أَزَلتُ جِلدَه. (فأذِنَّ) بتَشديدِ النُّونِ، أي: أَذِنَ فِي ذلك أزواجُه - صلى الله عليه وسلم -. (تَخُطُّ) بضَمِّ الخاء، أي: تُؤَثِّرُ في الأَرضِ، كأنَّه يَخُطُّ خَطًّا، وفي بعضِها: (تُخَطُّ) مَبنيًّا للمَفعُول. (عباس)، أي: عمِّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويقالُ فيه: (العَّباس) بلامِ لَمحِ الصّفة. (قال عبيد الله)؛ أي: المَذكورُ في السَّند، وهذا مُدرَجٌ من كلامِ الزُّهريِّ الرَّاوي عنهُ. (فأخبرت عبد الله)؛ أي: تَقولُ عائشَةُ. (وكانت عائشة) هو من مَقولِ عبيد الله، لا عبدِ الله بنِ عبَّاس، لكنْ يحتمَلُ أنَّه مِمَّا سَمِعَه منها، فيكونُ مُسنَدًا، أو يكونُ تعليقًا. (بيته) في بعضِها: (بيتَها)، لأنَّها تَسكُنُه، فإضافتُه إليها مَجازٌ. (أهريقوا) بفتحِ الهمزة وسُكونِ الهاء، أي: صُبُّوا، وفي بَعضِها: (أَريقوا)، وأصلُ (هرقّ): أَراقَ، وأَصلُ (يُريقُ): يُؤريقُ، وأصلُ (أُهريق): أُأريق، فلمَّا استَثقَلوا الهمزتَين أبدَلوا، وفي الكلمة لُغات بسطتُها في "شَرحِ العُمدَة"، و"شرحِ لامية ابنِ مالك". (القربة): ما يُستَقَى به، وجَمعُه قِلَّةً (قِرَبات) بسكون الراء

وفتحها وكسرها، وكثرةً: قِرَب. (أوكيتهن): جمع وِكاء، وهو ما يُشدُّ به رأسُ القِرْبة. (أعهد) بفتح الهاء؛ أي: أُوصِي. (فأجلس) بضَمِّ الهمزة، وفي بعضِها: (وأُجلِسَ). (طفقنا)؛ أي: جَعلنا نُواصِلُه، وإنَّما طَلَب ذلك؛ لأنَّ الماءَ البَارِدَ في بعض الأفراضِ تُرَدُّ به القُوَّة، والتَّقييدُ بِعَدمِ حلِّ الأَوكِية؛ لأنَّه أبلغُ في طَهارته وصَفائِه، لعدمِ مُخالطَةِ الأيدِي، وأمَّا عددُ السَّبعِ؛ ففيه بَرَكةٌ. وله شأنٌ لوقُوعِها في كثيرٍ من أعدادِ تعاظُمِ الخَليقَة، وبعضِ الأمورِ الشَّرعيَّة، والقِرَبُ إنَّما تُوكَأُ وتُحَلُّ على ذِكر الله تَعالى، فاشتِراطُ كونِها لم تُحلَلْ؛ لأنَّها تَجمَعُ بَركَةَ الذِّكر في شَدِّها وحَلِّها. قال المُهلَّبُ: أمَرَه بالصَّبِّ عليه على وَجهِ التَّداوي، كَما صَبَّ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءَه على المُغمَى عليه، وغَلِطَ من قالَ: إنَّه صَبَّ للاغتِسالِ مِن إغمَائِهِ. (تلك)؛ أي: القِرَبَ السَّبعةَ. (فعلتن)؛ أي: ما أمَرتُكُنَّ به، ووَجهُ دُخولِ التَّرجمة بالخَشَبِ في هذه الأحاديث: أن القَدَحَ لعَلَّه كانَ من خَشَبٍ. قال (ط): رُوِي أنَّ ابنَ عمرَ كَرِه الوُضوءَ في الصُّفْرِ؛ لأنَّه جَوهرٌ يُستَخرَجُ من مَعادِنِ الأرضِ يُشبِهُ الذَّهب والفِضَّة.

47 - باب الوضوء من التور

وفي الحديثِ: أنَّ القَسْمَ كان واجِبًا علَيه - صلى الله عليه وسلم -، وإلا لَما احتَاجَ إلى استِئذَانٍ. قلت: يحتَملُ أنَّه كانَ لتَطييبِ خَواطِرِهِنَّ، وتَفَضُّلِه عليهِنَّ، وفيه أنَّ لبَعضِ الضَّرائرِ أن تَةبَ وقتَها (¬1) لأُخرى، ونَدبُ الوَصِية، والإجلاسُ في المِخضَب ونحوِه، والصَّبُّ على المريضِ بنيَّة التَّداوي، وقَصدِ الشِّفاءِ. * * * 47 - بابُ الوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ (باب الوضوء من التور) 199 - حدَّثنا خالدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمرُو بْنُ يحيَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنَ الوُضُوءِ، قَالَ: لِعَبْدِ اللهِ بنِ زَيدٍ: أَخْبِرني كَيْفَ رَأَيتَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاء، فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بِها فَغَسَلَ وَجْههُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأدبَرَ بِه وَأَقْبَلَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ: هكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأُ. ¬

_ (¬1) في "ب": "نوبتها".

الحديث الأول: (كان عمي) سَبقَ في (بابِ المَسحِ على الرَّأسِ) الجَمعُ بينَه وبينَ رِوايةِ أنَّ المُستَخبِرَ جَدُّه: أنَّه جَدّ مِن جِهةِ عَم للأب. (ثلاث مرات) أقامَ (مرَّات) مُقامَ جَمعِ الكَثرَةِ، وهو (مِرَار)، فإنَّ حقَّ العَدَد من ثلاثَة إلى عَشْرة ذلك لتَعارُضِهما كـ (ثَلاثةِ قُرُوءٍ). (واستنثر) اقتَصَر عليه لتضَمُّنِه الاستِنشَاقَ، وكونُه معَ المَضمَضَةِ بغَرفَةٍ دليلٍ لأحَدِ الأَوجهِ الخَمسَة. (ثلاثًا) تنازَعَه الفِعلانِ السَّابقان: (اغتَرَفَ) و (غَسَلَ)؛ لأنَّ الغَسلَ ثلاثًا لا يُمكِنُ أن يكونَ باغتِرافٍ واحِد. (فأدبر بيديه وأقبل) أخَذَ بظاهِرِ الإِدبارِ الحسنُ بنُ حَيٍّ وغيرُه، وجَوابُه: أنَّ الواوَ لا تفيدُ التَّرتيبَ، وقد سبَقت روايةُ تقديم الإِقبَال، أو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - يفعلُ كلًّا من المُختَلِفَين لبَيانِ الجَوازِ والتَّيسيرِ. * * * 200 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَعَا بإناءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحرَاحٍ فِيهِ شَيءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَنسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ.

الحديث الثاني، (م): سنده بَصريون. (فأُتي) بضَم الهمزة. (رحراح) بِرَاءٍ مَفتوحَةٍ ثُمَّ مُهمَلةٍ ساكنةٍ ثم راءٍ مُهمَلةٍ، أي: واسعٌ، ويقالُ فيه أيضًا: (رَحرَحٌ) بلا ألف. قال (خ): الوَاسعُ الصَّحنِ القَريبُ القَعرِ، ومثلُه لا يَسَعُ كثيرًا، ففيه مُعجزةٌ من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، وهو أبلَغُ من نبَعِ المَاء من حَجَرِ موسى -عليه السلام-؛ لأنَّ النَّبعَ من الحِجارَة مَعهودٌ. (شيء)؛ أي: قليلٌ، لأنَّ تنوينَه للتَّقليلِ. (من) تَبعيضِيَّة. (ينبع) مثلَّثُ الباء. (فحزرت) بتقديم الزَّاي منَ الحَزْرِ، وهو: الخَرْصُ، وإنَّما دَخَلَ الحديثُ في ترجَمة التَّورِ؛ لأنَّ الجَوهرِيَّ قال: هو الإناءُ الذي يُشرَبُ فيه. فهو صادقٌ على القَدَحِ الرَّحرَاحِ. (ما بين السبعين إلى الثمانين) سبقَت روايةُ الجَزم بثَمانين، وسيأتِي في (بابِ علامَاتِ النُّبُوَّة) روايةُ (سَبعين)، ورواية (زُهاءَ ثلاثِ مئة)، وفي حديثِ جابرٍ (خمسَ عَشرةَ مئةً)، ووَجْهُ الجَمعِ: أنَّها قَضايا مُتعَدِّدةٌ في مَواطِنَ مُختلِفَةٍ، وسبَقَت مباحثُ في الحديث في (بابِ التِماس الوَضُوء). * * *

48 - باب الوضوء بالمد

48 - بابُ الْوضُوء بِالمُدِّ (باب الوضوء بالمُدِّ) هو: مِكيَالٌ يَسَعُ قَدرَ رِطلٍ وثُلُثٍ عندَ أهلِ الحِجَاز، ورِطلَين عندَ أهلِ العِراقِ. 201 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْم، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعتُ أَنسًا يَقُولُ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ -أَوْ كانَ يَغْتَسِلُ- بِالصَّاعِ إِلَى خَمسَةِ أمدَادٍ، وَيتوَضَّأُ بِالمُدِّ. (م د ت س). (أنسًا) في بعض النُّسخ: (أَنس)، بلا ألفٍ؛ لأنَّها قد تُكتَبُ كذلكَ تَخفيفًا، أو على لُغةِ من يَقِفُ بلا ألف. (أو كان): الشَّكُّ من ابن جَبْرٍ في أنَّه كان يَغسِلُ أو يَغتَسِلُ، لأنَّ الفَرقَ بينهما كالفَرقِ بين كَسَبَ واكتَسَبَ، وقيل: ذَكَرَ لَفظَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أوَّلًا. (بالصاع) هو أربعةُ أَمدادٍ، قال الجَوهرِيُّ: إلى خَمسَةٍ. وهو بيان لغايَتِه. قال (ط): ذهبَ أهلُ العِراقِ إلى أنَّه ثَمانيَةُ أَرطال، والمُدُّ: رِطَلَين؛ احتجُّوا بروايةِ (أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كانَ يتوضَّأُ بِرِطلَين، وَيغتَسِلُ بالصَّاعِ)، وذهبَ أبو يوسفَ إلى الأوَّل، وهو أنَّ المُدَّ رِطل وثُلُثٌ، والصَّاعَ

49 - باب المسح على الخفين

خَمسةُ أَرطالٍ وثُلُثٌ؛ حينَ نازَعَه مالكٌ في ذلك، وأتاه بِمُدِّ أبناء المُهاجِرينَ والأَنصار، ورُواتُه عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بالمَدينة، ثمَّ ذهبَ قومٌ إلى أنَّه لا يجوزُ الوُضوء بأقلَّ من مُدٍّ، ولا الغُسلُ بأقلَّ من صاعٍ؛ للحديث، والأكثرُ على أنَّ هذا ليسَ بِحدٍّ بل خبَرٌ عن القَدر الذي كان يَكفيه - صلى الله عليه وسلم - لقَصدِ التَّنبيهِ على فَضلِ الاقتِصاد، وتَركِ السَّرَفِ، ويُستَحَبُّ أن لا يُزادَ عليه. قال (ن): أجْمَعَ المُسلمون أنَّ ماءَ الوُضُوء والغُسلِ غيرُ مُقَدَّرٍ، بل يَكفي القَليلُ والكثيرُ؛ إذا وُجِدَ الوُضوء والغُسلُ بشَرطِهِما، وهو الجَرَيانُ على الأعضاءِ، فالمُستَحَبُّ أن لا يُنقَصَ منه. قلت: هذا في المُعتَدِل، أمَّا الضَّخمُ، أو مَن دُونَ المُعتَدِل؛ فيُعتَبَر بالنِّسبة نَقصًا وزِيادَةً. * * * 49 - بابُ المَسْح عَلَى الخُفّيْنِ (باب المسح على الخفين) 202 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصرِيُّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: 7 حَدَّثَنِي عَمرٌو، حَدَّثَنِي أبو النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:

نعم، إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبةَ: أَخْبَرَني أبَو النَّضْرِ: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ سَعدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللهِ، نَحوَهُ. الحديث الأول (س): (وأن عبد الله) الظَّاهرُ أنَّ هذا من كلامِ أبي سَلَمَةَ، ويُحتَملُ أنَّه تعليقٌ من البُخاريِّ. (عن ذلك)؛ أي: عن مَسحِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - على الخُفَّين. (شيئًا) نكرةٌ في شرط فتعمُّ كالنَّفي، وفي كلام عمرَ مدحٌ عظيمٌ لسَعدٍ، ودليلٌ على العمَل بخبَرِ الواحدِ لكنْ يفيدُ الظَّنَّ، ونَهيُه عن السُّؤالِ فيما حدَّث به سعدٌ مع أنَّ السُّؤالَ يؤكِّدُ الظَّنَّ، فلا نهيَ عنه = مَحمولٌ على أنَّ خبَرَ سعدٍ احتَفَّ به منَ القرائِنِ ما يفيدُ القَطعَ؛ إذ خبِرُ الواحدِ يفيد اليقينَ باحتفافِ القرائن، أو أنَّه إذا صَدَّقه فكيفَ يَسألُ عن ذلك. قال (ط): اتَّفقَ العلماءُ على جوازِ المَسحِ على الخُفَّين خلافًا لمَنع الخَوارج لأنَّ القرآنَ لَم يَرِد به، وللشِّيعةِ لأنَّ عليًّا امتَنعَ منه، ويُرَدُّ عليهم صِحَّةُ ذلك عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بروايةِ الصَّحابة الذين لا يُفارقونَه سَفَرًا ولا حَضَرًا، حتَّى قال الحَسَن: حدَّثني سبعون من الصَّحابة، وكان ذلك كالمُتَواتر، وأيضًا فحديثُ المغيرةَ في غزوةِ تبوك، وهي آخرُ غزاةٍ، والمائدةُ نزلَت قبلَها، فأُمِنَ النَّسخُ للمَسحِ، وأبلغُ منه رواية جريرٍ (مَسْحَه - صلى الله عليه وسلم - على الخُفِّ)؛ وإسلامُه إنَّما كان بعدَ نزول المائدة؛

ولهذا كان يُعجُبهم حديثُ جرير، لا سيَّما وهو في الحَضَر، وحديثُ المُغيرةَ في السَّفر. قال (خ): وفيه أنَّهم يرَونَ نسخَ السُّنة للقُرآنِ. لكنْ قالَ (ن): إنَّما حديثُ جَريرٍ لتأخُّرِه بيَّنَ أنَّ المرادَ في آيةِ المائدةِ: غيرُ لابسٍ الخُفَّ، فهو تَخصيصٌ لا نسخٌ. (وقال موسى) وصَله الإسمَاعيليُّ عنِ الحَسَن بنِ سُفيان. وجوَّزَ (ك) أن لا يكونَ تعليقًا، وأنَّه من كلامِ ابن وَهْبٍ، فهو عطفٌ على (حدَّثنِي عَمرٌو). (أن سعدًا) خبَرُه محذوفٌ دلَّ عليه السِّياقُ، وتقديرُه: أنَّ سَعدًا أخبَرَه أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَسحَ على الخُفَّين. (فقال): عطفٌ على ذلك المُقدَّر. (ونحوه): نصبٌ بالقَول؛ لأنَّ معناه جُملةٌ. * * * 203 - حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ خَالدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سعدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ناَفِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عرْوَةَ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بإدَوَاةٍ فِيها مَاءٌ، فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فتوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الخُفَّيْن.

الحديث الثاني: (فاتبعه) بالقَطعِ من الأَفعال. (بإداوة) بكسرِ الهمزَة وفتحها: المِطهرَة. (فتوضأ ومسح)؛ أي تَوضَّأ إلا رِجلَيه، وإلا فَمَعَ الوُضوء الكامِل لا مَسحَ، بقَرينَةِ عطفِه عليه؛ إذ الإجماعُ على عَدَمِ وجوبُ الجَمع. (على الخفين) في (على) دلالةٌ أنَّه مسحَ أعلى الخُفِّ لا أسفَلَه فقط. وفي الحديث: خِدمةُ السَّادةِ بلا إذنِهم، والاستعانة، وقد سبق بيانُها. * * * 204 - حدّثنا أبُو نعيمٍ قالَ: حَدَّثنا شَيْبَانُ، عَنْ يَحيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَعفَرِ بنَ عَمرِو بنُ أُميَّةَ الضَّمرِيِّ: أنَّ أَباهُ أَخبَرهُ: أنُّه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يَمسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ. وَتَابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّاد وَأَبَانُ، عَنْ يَحيَى. الحديث الثالث: (وتابعه)؛ أي: تابعَ شَيبانَ. (حرب) وصَلَها النَّسائيُّ. (وأبان) وصَلَها أحمَدُ، والطَّبَرانِيُّ.

(على عمامته) احتجَّ أحمدُ على جوازِ الاقتصار في مَسحِ الرَّأس على العِمامة؛ لكنْ بشَرط أن يعتَمَّ على طَهارةِ كمَسحِ الخف. وحُجَّةُ الجُمهورِ الآيةُ، والعِمامةُ ليست برَأسٍ، والإجماعُ على منعِ مسح الوجه في التَّيمُّم بِحائلٍ، فكذا الرَّأسُ في الوُضوء، ومن قاسَه على الخُفِّ فقد أبعَدَ؛ لأنَّ الخفَّ يشُقُّ نَزعُه بخلاف العِمامَة. قال (ط): ذكرُ العِمامَة من خَطأ الأَوزاعِيِّ؛ لأنَّ شَيبانَ، وتابَعه حَربٌ وأبَانُ؛ لم يذكُروا العِمامَة، والجَمعُ مُقدَّمٌ على الواحد. (تابعه معمر)؛ أي: تابَع الأَوْزاعِيَّ، وهي مُتابَعَةٌ ناقِصَة كما سبق، نعم، وصَلَها البَيهقِيُّ. قال (ط) بعدَ كلامِه السَّابق: إنَّ هذه المُتابَعَةَ مُرسَلَةٌ، وأيضًا فليسَ فيها ذِكرُ العِمامَة، فقَد رواه عبدُ الرَّزاق عن مَعْمَرٍ عن يَحيَى عن أبي سَلَمَة عن عَمرو: أنَّه رآه - صلى الله عليه وسلم - مسحَ على خُفَّيه. قال: وأبو سَلَمة لم يَسمع من عَمرو، وإنما سَمع من أبيه جَعفَر، فلا حُجَّةَ فيه؛ لكنَّ كلامَ البخاريّ يدلُّ على أنَّه سَمعه منهما كما ترى. * * * 205 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ الأَوْزَاعيُّ، عَنْ يَحيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَعفَرِ بْنِ عَمرٍو، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَمسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيهِ.

50 - باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان

(رأيت النَّبي - صلى الله عليه وسلم -) اكتفاءٌ بما سَبق، أي: رأيتُه يمسحُ على عِمامَتِه وخُفَّيه، وسبقَت مُنازَعةُ (ط) في المُتابعَةِ على العِمامَة. * * * 50 - بابٌ إِذَا أَدخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ (باب إِذَا أَدخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ)؛ أي: عن الحَدَث. 206 - حَدَّثَنَا أبو نعيْم، قَالَ: حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُروَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأهْويتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: (دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدخَلْتُهُمَا طَاهِرتيْنِ)، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. (فأهويت) بفَتحِ الهمزَة، أي: أشَرتُ إليه، وقيلَ: قَعَدتُ، أو قَصدتُ الهوِيَّ من القيامِ للقُعودِ، وقيل: أمَلتُ. (دعهما)؛ أي: اُترُكهُما، والضَّميرُ للخُفَّين، وهو من الأفعال التي أماتوا ماضِيَها. (أدخلتهما)؛ أي: الرِّجلَين. (طاهرتين) نصبٌ على الحال، ورواه أبو الهيثَمِ: (وهُما طاهِرتانِ)؛ وبينَهُما فَرقٌ. قلت: بيَّنتُ في "شَرح العُمدة" أنْ لا فَرقَ عندَ التَّحقيق.

51 - باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

قال (ط): في الحديثِ خدمةُ العالِمِ، وقصدُ الخادمِ إلى ما لا يعرفُ من حَدِيثه، وفيه الفهمُ عن الإشارة، وردُّ الجوابِ عمَّا نشأ من فَهم الإشارة، وأنَّ مَن ليسَ على طُهر لا يَمسحُ، حتى يتَوَضَّأ كاملًا، ثم يلبَسُ، فلو غَسلَ رِجلَيه وأدخَلَهما الخُفَّ، ثم أكمَلَ الوُضوءَ لا يمسحُ عليهما، وجوَّزَ ذلك أبو حنيفةَ، أي: بناءً على عَدَم التَّرتيب، وإلا فغَسلُهُما لَغوٌ، والحديثُ يردُّه، حيثُ جعلَ العلَّة اللُّبسَ على طَهارةٍ. قلت: إذا كان مُفرَّعًا على عَدَمِ التَّرتيب نهضَ استدلالُه. قال (ط): وفيه المسحُ في السَّفر بغيرِ توقيتٍ، وعَمَّم ذلك مالكٌ في السَّفر والحَضَر، وقال الثَّلاثة: يَمسحُ المُقيمُ يَومًا وليلةً، والمُسافرُ ثلاثةَ أيامٍ بلَياليها. * * * 51 - بابُ مَنْ لَم يَتَوَضَّأْ مِنْ لحمِ الشَّاةِ وَالسَّويقِ وَأكَلَ أبَو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - رضي الله عنهم - فَلَم تتَوَضَّؤُا. (باب مَنْ لَم يَتَوَضَّأ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ)، قوله: (فلم يتوضؤوا) إشارةٌ إلى أنَّه إِجماعٌ سُكوتيٌّ. * * *

207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بنِ يَسَار، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاس: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ كتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَم يتَوَضَّأ. الحديث الأول (م د): (أكل كتف)؛ أي: لحمَ كتِفٍ، وأمَّا دلالته على السَّويق؛ فبِطَريقِ الأَولى، لأنَّه إذا كانَ مع دُسومَتِه لا يتَوَضَّأ، فالسَّويقُ أولى بذلك (¬1)، وأيضًا فسيأتي في البابِ عَقِبَه صَريحًا، فاكتَفَى به. * * * 208 - حَدَّثَنَا يَحيى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهاب، قَالَ: أَخْبَرَني جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَزُّ مِنْ كتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَألْقَى السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلم يتَوَضَّأ. الحديث الثاني: (يحتز)؛ أي: يقطَع. (السكين) تُذكَّر وتؤنَّث، وحَكَى السَّكَّاكِيُّ: (سِكِّينَة)، ولعلَّه سُمِّيَ بذلك لأنَّه يُسَكِّنُ حَركَة المَذبوح. ¬

_ (¬1) "بذلك" ليس في الأصل.

52 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ

وفي الحديث الاستِعجالُ للصَّلاة، وأنَّ الشَّهادةَ على النَّفيِ تُقبَل إذا كانَ مَحصورًا، وفيه قَطعُ اللَّحم بالسِّكِّين. * * * 52 - بابُ مَنْ مَضْمَضَ مِن السَّوِيقَ وَلَم يَتَوَضَّأْ (باب من مضمض من السويق) 209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ يَحيَى 7 ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلى بَنِي حَارِثَةَ: أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعمَانِ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ -وَهِيَ أَدنَى خَيْبَرَ- فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ، فَلم يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأكَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأكلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَم يتَوَضّأ. الحديث الأول (س ق): (سويد بن النعمان) ليسَ له في البخاري غيرُ هذا الحديثِ، بل ولا في الكتَابَين الآخرين. (عام خيبر)؛ أي: غَزوَتَها سَنةَ سَبعٍ، وهي على أربعِ مَراحلَ من المَدينةِ، غيرُ مُنصَرفٍ للعَلَميَّة والتَّأنيثِ.

(بالصهباء): بالمُوحَّدة والمَدِّ. (أدنى خيبر)؛ أي: أسفَلَها. (فصلى) عَطفٌ على (كُنَّا). (بالأزواد) جَمعُ (زاد)، وهو: ما يُطَعَمُ في السَّفَر. (فثري) بالبِناء للمَفعول، أي: بُلَّ، ومنه الثَّرى النَّدِيِّ، والضَّميرُ في (ثُرِّيَ) للسَّويق، وهو ما يُجرَشُ من الشَّعير والحِنطَةِ وغيرِهما للزَّاد. قال القرطبي: قيدناه بتَشديد الرَّاء وتَخفيفِها. (ثم قام ...) إلى آخره، أي: فلَم يَجعلْ ذلك ناقِضًا للوُضوء. قال (خ) في "الأعلام": وهو يدُلُّ على أنَّ الوُضوء مِمَّا مَسَّت النَّارُ منسوخٌ؛ لأنَّه مُتَقَدِّمٌ على خيبَرَ؛ لأنَّ اللَّحم ينضُجُ بالنَّار، والسَّويقُ شُبِّه بالنَّار أيضًا. وقال في "المعالم": إنَّ الأمرَ بالوُضُوءِ مِمَّا مسَّت النَّار أمرُ استِحبَابٍ، لا أمرُ إيجابٍ. وقال بعضُهم: المُرادُ بالوُضوءِ: اللُّغوِيُّ، وهو: غَسلُ اليَد، لكنْ سيأتي خلاف السَّلَفِ فيه، وكأنَّه لم يبلُغْ من قالَ ذلك. * * * 210 - وَحَدَّثَنَا أَصبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرني عَمرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ عِنْدَها

كتِفًا، ثُمَّ صَلَّى وَلم يتَوَضَّأْ. الحديث الثاني: وهو وإنْ لَم يُطابق التَّرجَمةَ؛ لكن المَدارُ على ترجَمة البابِ الذي قَبلَه، ولمَّا كانَ في الحديث حكمٌ آخرُ سوى عَدم التَّوضُّؤ، وهو المَضمَضة أَدرَجَ بين أحاديثه بابًا آخرَ مُترجَمًا بذلك الحُكمِ تنبيهًا على الفائِدَةِ التي في ذلك الحَديث الزَّائدةِ على الأصلِ، أو هو من قَلَمِ النُّسَّاخ، إذ الذي عليها خَطُّ الفِرَبْرِيِّ؛ هذا الحديثُ منها في البابِ الأوَّل. قال (ط): الوُضوء ممَّا غيَّرت النَّار قولُ عائشةَ وأبي هُريرة عَملًا بحديثه، وقال أبو بكرٍ، وعُمَرُ، وعثمانُ، وعليّ: لا؛ لِهذا الحَديث. قال مالك: إذا عَمِلَ الشَّيخانِ بأحَدِ حديثَين؛ فالحقُّ ما عَمِلا به، وقد كان مَكحُولٌ يقولُ بالوُضُوءِ، فلمَّا بَلَغَهُ أنَّ أبا بكرٍ أكَلَ كَتِفًا وصَلَّى ولَم يتَوضَّأ تَرَكَه، فقيلَ له: كيفَ تركتَ؟ قال: لأَن يقَعَ أبو بَكرٍ منَ السَّماءِ إلى الأَرضِ أحبُّ إليه مِن أن يُخالِفَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وقالَ جابرٌ: كان آخرُ الأَمرَين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تَركَ الوُضوء ممَّا مسَّت النَّار، والذَّهابُ إلى أنَّه إنَّما عنَى - صلى الله عليه وسلم - بالوُضوء قولَه: (توضَّؤوا ممَّا غيَّرت النَّار): غَسلَ اليَد؛ مِن جَهلِ بعضِهم. وقال الطَّحاوِيُّ: كانَ قبلَ مسِّ النَّار لا وُضوءَ منه، فكذا بعدَه

53 - باب هل يمضمض من اللبن

كالمَاء المُسخَّن، وفرَّقَ أحمدُ بين لحمِ الجَزورِ؛ فيجبُ الوُضوء منه نيَئًا أو مَطبوخًا، وبَين غيرِه؛ فلا، لحَديثِ: أنتَوضَّأ من لحمِ الإبِل؟ فقَالَ: "نعَم"، فقيلَ: ومن لَحمِ الغَنَم؟ فقالَ: "لا"، وعلى هذا لو صحَّ كانَ مَنسوخًا لما سَبق من آخرِ الأَمرَين، أو يُحملُ على الاستِحبابِ للنَّظافَةِ، إذ أكلُ المَيتَةِ لا ينقُضُ الوُضوء، فالطَّاهرُ أَولى! قال: ومَعنَى المَضمَضَةِ من السَّويقِ؛ وإنْ كانَ لا دَسَمَ له أنَّه تُحبَسُ بقاياه بينَ الأَسنانِ، ونَواحِي الفَم، فيَشتَغِلُ بتَنقِيعِه باللِّسان المُصَلِّي في صَلاتِه. وفي الحديث: إباحةُ الزَّادِ في السَّفر رَدًّا على من قالَ من الصُّوفية: لا يدَّخِرُ شيئًا لغَدٍ، وفيه تفَقُّدُ الإمامِ العَسكَرَ عندَ قِلَّةِ الأَزوادِ، وجَمعُها ليَقوتَ مَن لا زادَ له، وفيه تواسِي الرُّفَقَاء بالثَّمَنِ أو بدونِه، وفيه أنَّه يأخذُ المُحتكرين بإخرَاجِ الطَّعام للأَسواقِ لتُباعَ لأهلِ الحاجَة. * * * 53 - بابٌ هلْ يُمَضْمِضُ مِنَ اللبَنِ (باب هل يُمَضْمِضُ) بالبناء للمَفعول، وفي بعضِها (يَتَمَضمَضُ منَ اللَّبَن). 211 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَقتيبةُ قَالا: حَدَّثنَا اللَّيْثُ، عَنْ

54 - باب الوضوء من النوم، ومن لم ير من النعسة والنعستين أو الخفقة وضوأ

عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ: أَنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَنًا، فَمَضْمَضَ وَقَالَ: (إِنَّ لَهُ دَسَمًا). تَابَعَهُ يُونسٌ وَصَالح بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (ع). (إن له دسمًا): قال المهلب: تبيينٌ لعِلَّة الأمر بالوُضوء ممَّا مَسَّت النَّارُ في أوَّل الإسلام، لِما كانوا عليه أوَلًا من قِلَّةِ التَّنظُّفِ استِصحابًا لِما كانَ في الجاهليَّة، فلمَّا تقرَّرت النظافةُ، وشاعَت في الإسلامِ نُسِخَ الوُضوءُ تيسيرًا على المُسلِمينَ. (تابعه) هو من مَقول البخاريِّ، والضَّمير فيه راجعٌ إلى (عُقَيل). (يونس) وصَلَه مُسلمٌ، (وصالح) وصَلَه أبو العبَّاس السَّرَّاجُ. وفي الحديثِ: أنَّ المَضمَضَة عندَ أكلِ الطَّعامِ من الآداب. قال (خ): يُستحَبُّ في كلِّ ما له دُسومَةٌ، أو يَبقَى في الفَمِ منه بقيَّةٌ. * * * 54 - بابُ الوُضوء مِنَ النَّوْمِ، وَمَنْ لَم يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ أَوِ الخَفْقَةِ وُضُوأً (باب الوضوء من النوم، ومن لم ير من النعسة) هي فُتورٌ في الحَواسِّ، ويُسمَّى: الوَسَن، ونَعَسَ بالفتح نعاسًا، والواحدَةُ: نَعْسَةٌ.

(الخفقة) من (خَفَقَ) بالفَتح يَخفِقُ خَفقَةً، أي: حوَّلَ رأسَه، وهو ناعِسٌ، وهو في "الغَريبين" أنَّ معنَى (تَخفِقُ رُؤوسُهم)؛ أي: تَسقُطُ أَذقانُهُم على صُدورِهم، وكأنَّ البُخاريَّ يقولُ: النُّعاسُ لا ينقُضُ، والنَّومُ المُستَغرِقُ ينقُضُ، وستأتي المَذاهبُ فيه. * * * 212 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِذَا نعسَ أَحَدُكُم وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحدكم إِذَا صَلَى وَهُوَ ناَعِسٌ لاَ يَدرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نفسَهُ). الحديث الأول (ع): (فليرقد)؛ أي: بعدَ أن يُتِمَّ؛ بدليلِ الحديثِ الآتي، فإنَّ فيه: (فَلْيُتِمَّ)، أي: يَتَحَرَّى في صَلاته ويُتِمُّها، لا أنَّه يقطَعُ الصَّلاةَ بِمُجرَّد النُّعاسِ. قال (ط): وَجهُ دُخوله في التَّرجَمَةِ أنَّه أَمَرَه بالرُّقودِ، فلولا أنَّه بَطَلت صَلاتُه ما أمَرَه بالرُّقودِ، فدَلَّ على أنَّ النَّومَ ناقِضٌ. قال: لأنَّه علَّلَ بأنَّه يَختَلِطُ، فلا يدري الاستِغفارَ مِنَ السَّبِّ، وذلك إنَّما هو في النَّوم المُزيلِ للعَقلِ، فيكونُ بِمنزِلةِ مَن سَكِرَ، وقد قالَ تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43].

(إذا صلى وهو ناعس) إنَّما غيَّر أسلوبَ الأوَّل، وهو (نعَسَ) الذي هو فِعلٌ، وتَقَيَّدَ بِخبَرِ الحال فِعلًا، وهنا اسمًا، وأيضًا فَقَيَّدَ هُناك النُّعاسَ بالصَّلاة، وهنا الصَّلاةَ بالنُّعاس، لقَصدِ التَّقييدِ هنا بالقَوِيِّ الذي يُفضي إلى أنَّه لا يَدري ما يقول، فيكونُ سبَبًا للحُكمِ المَذكورِ أوَّلًا، وهو مُطلَقُ النُّعاس في الصَّلاة بِخِلافِ ما هناكَ. وحاصِلُه: أنَّ القَصدَ من الكلامِ ما له القَيد، ففي الأوَّل: النُّعاسُ علَّةٌ للأمرِ، وفي الثَّاني الصَّلاةُ علةٌ للاستِغفار، والفَرقُ بينَ التَّركيبَين هو الفَرقُ بين: (ضَرَبَ قائِمًا) و (قامَ ضارِبًا)، لأنَّ الأوَّلَ يحتَملُ: قيامٌ بلا ضَربٍ، والثَّانيَ: ضَربٌ بلا قِيامٍ. (لا يدري) جزاءٌ إنْ جُعِلت (إذا) شرطيَّةً، وإلا فهو خَبَر للكلِمة المُحقَّقَة. (لعله يستغفر)؛ أي: يريدُ أن يَستَغفِرَ. (فيسب) يحتملُ رفعه من عَطفِ فعلٍ على فعلٍ، ونصبه جوابَ (لعلَّ)، لأنَّها مثلُ (ليتَ)؛ قاله ابنُ مالك. وفي بعضِها: (يَسُبُّ)، بلا فاءٍ على أنَّه حالٌ من التَّرجِّي في (لعلَّ) عائدٌ إلى المُصلِّي لا للمُتكلِّم، أي: لا يدري أمُستَغفِرٌ أم سابٌّ متَرجِّيًا للاستِغفار، وهو في الواقِع قَصَدَ ذلك، أو استُعمل بِمعنى التَّمكُّن من الاستِغفار والسَّب، كما أنَّ التَّرجيَ بين حصول الوُضوء وعدمِه، أي: لا يدري أيَستَغفِر أم يسُبُّ، وهو متمكِّنٌ منهما على السَّويَّة.

213 - حَدَّثَنَا أبَو مَعمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِذَا نعسَ أَحَدكم فِي الصَّلاَةِ فَلْيَنَم حَتَّى يَعلَمَ مَا يَقْرَأُ). الحديث الثاني: سنده بصريون. (إذا نعس)؛ أي: أحدُكم، والقرينة ظاهِرةٌ، وفي بعضها مَذكورٌ. (في الصلاة): في بعضِها ساقِطٌ. (ما يقرأ) موصولٌ وصِلتُه، والعائدُ مَحذوفٌ، أي: يقرأه، ويحتَملُ كونُها استفهاميَّةً. قال (ط): وفي الحديث أنَّه لا ينبَغي للمصَلِّي أن يقرِنَ الصَّلاة مع شاغلٍ عنها، أو حائلٍ بينَه وبينَها لتكونَ هي همَّه، وهذا يدلُّ على أنَّ النَّومَ القليلَ بِخِلافِ ذلك. قال: وخَرقَ المُزَنِيُّ الإجماعَ بقوله: إنَّ قليلَ النَّوم ناقضٌ. قال (ك): ليسَ خارقًا، فقد حَكى (ن) مذاهبَ: أحدها: ناقِضٌ بكلِّ حالٍ؛ قاله الحَسنُ، والمُزَنِيُّ، وابنُ راهويه، وابنُ المُنذِرِ، ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاس، وأبي هُريرَة. قال: وهو قولٌ للشَّافِعيِّ غريبٌ. ثانيها: لا ينقُضُ مُطلَقًا، وعليه أبو موسى الأشعريُّ، وابنُ المُسَيِّبِ.

55 - باب الوضوء من غير حدث

ثالثها: ينقُضُ كثيرُه دونَ قليلِه، وبه قالَ مالكٌ. رابعها: لا ينقُضُ إذا كانَ على هيئَةِ المُصلِّي من ركوعٍ وسجودٍ، وقيامٍ وقعودٍ سواءٌ أكانَ في الصَّلاة أو لا، وهوَ قولُ أبِي حنيفة. خامسها: لا ينتقضُ إلا نومُ الرَّاكع والسَّاجدِ، ورُوي عن أحمدَ. سادسها: لا ينتقضُ إلا نومُ السَّاجدِ، ورُوي عنه أيضًا. سابعها: لا ينقضُ النَّومُ في الصَّلاة بكلِّ حالٍ، وينقضُ خارجَها، وهو قولٌ للشَّافعيِّ ضعيفٌ. ثامنها: وهو مذهبُه: ينقضُ إلا نومَ المُمَكِّنِ مَقعَده من الأرضِ، قلَّ أو كَثُر، في الصَّلاة أو خارِجَها، وليسَ عندَه نفسُ النَّوم حَدَثًا بل دليلٌ عليه، فغيرُ المُمَكِّنِ يغلبُ خروجُ شيءٍ منه بخلاف المُمَكِّنِ. * * * 55 - بابُ الوُضُوء مِنْ غَيْرِ حَدث (باب الوُضُوء مِن غيرِ حَدَثٍ)؛ أي: استِحبابُ تجديدِ الوُضوء، بأَن يكونَ على وُضوءٍ، ثمَّ يتوضَّأَ بلا تَخَلُّل حَدَث، لا وجوبُه لما اقتَضاه الحديثانِ من الباب. 214 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمرِو ابْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا (ح) قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا

يَحيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عمرُو بْنُ عَامِر، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ، قُلْتُ: كيْفَ كنتم تَصنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدُناَ الوُضُوءُ مَا لَم يُحدِثْ. الأول: (سفيان)؛ أي: الثَّورِيُّ. (سمعت أنسًا)؛ أي: يقولُ الحديثَ الآتي، ولكنْ حوَّلَ الإسنادَ، فأحالَ على المُحوَّل إليه، ولهذا في بعض النُّسخَ حاءُ التَّحويلِ. (يحيى)؛ أي: القَطَّان، ففي هذا السَّنَد قبلَ سفيانَ اثنان، وفائدةُ هذا الإسنادِ أنَّ سفيانَ يُدلِّسُ، وعنعَنةُ المُدَلِّس لا يُحتَجُّ بِها إلا أن يثبُتَ سَماعُه بطريقٍ آخر، ففي الثَّاني أنَّ سفيان قال: حدَّثنِي عمرٌو. (لكل صلاة)؛ أي: فريضةٍ، كما هو الظَّاهر، ويَحتَملُ شمولَ النَّفلِ أيضًا، وفي (كانَ) دلالةٌ على أنَّ ذلك عادةٌ له. (يجزي) بضمِّ أوَّله، أي: يكفي، فَفِعلُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ على جهةِ الأفضليَّة؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الوجوب، والآيةُ تقتضي تكرارَ الوضوء، وإنْ لم يُحدِثْ؛ لأنَّ الأمرَ فيها مُعلَّق بالقيامِ إلى الصَّلاة، لكنْ أجابَ الزَّمَخشَرِيُّ بأنَّه يَحتمِلُ أنَّ الخِطابَ للمُحدِثين، أو أنَّ الأمرَ للنَّدبِ، ومنَعَ أن يُحملَ عليهما مَعًا على قاعدتِهم في عدمِ حَملِ المُشتركِ على معنيَيه، لكنْ مذهبُنا أنَّه يُحمَلُ.

قال: أو كان ذلك أولَ ما فُرِضَ الوُضوء، ثم نُسِخَ، ويشتَرطُ لتجديدِ الوُضوء عندنا على المُرجَّح أن يكونَ قد صلَّى بالأوَّل فريضةً أو نافلةً، وقيل: لا يستحبُّ إلا لمن صلَّى فريضةً. وقيل: يستحبُّ لمن فَعلَ ما يتوَقَّفُ على الوضُوء، كمَسِّ المُصحَفِ. وقيل: يُشتَرطُ أن يتَخلَّلَ زَمنٌ، وإنْ لم يفعَل بالأوَّل شيئًا. وفي الحديث أيضًا سؤالُ الأدنىَ من الأَعلى. * * * 215 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرني بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَني سُويدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءَ، صلَّى لنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العَصرَ، فَلَمَّا صَلَّى دَعَا بِالأَطْعِمَةِ، فَلَم يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَغْرِبِ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى لنا المَغْرِبَ وَلَم يتَوَضَّأْ. الحديث الثاني: (سليمان) هو ابنُ بلالٍ، وسبَق في (باب مَن مَضمَضَ بالسَّويق) مباحثُ في الحديث، لكنْ هنا زيادَةٌ. (وشربنا) وهو يَحتملُ شُربَ السَّويق؛ لأنَّه إذا بُلَّ صار مائعًا،

56 - باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله

ويَحتمِلُ شُربَ المَاء. والجمعُ بين الحديثَين بِما أشَرنا إليه أوَّلَ الباب: أنَّ فِعلَه - صلى الله عليه وسلم - ذلك غالبًا لكَونه الأفضلَ، وفعلَه الثَّاني بيان لأمَّته أنَّه يَجوزُ، ولا يُقال: إنَّ ذلك من تَعارضِ النَّفي والإثباتِ، فقد تَمَّ الإثباتُ لكَونه زيادةَ علمٍ؛ لأنَّ ذلك إنَّما هو في النَّفي المَحصورِ، وهنا غيرُ مَحصورٍ، بل تَقدَّم النَّفيُ هنا؛ لأنَّه خاصٌّ، والإثباتُ عامٌّ، فيُقَدَّمُ الخَاصٌّ على العَامِّ، أي: يُخصَّصُ به، فقد قالَ أصحابُنا: إذا تَعارَضَ خاصٌّ وعام كانَ مُخَصِّصًا له، عُلمَ تأخُّره أو لا، خلافًا لقَولِ أبي حنيفَةَ أنَّ العامَّ المُتأخِّر يَنسَخُ. * * * 56 - بابٌ مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ لاَ يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ (باب مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ لاَ يَسْتَترَ مِنْ بَوْلهِ) واحدُ الكبائر: (كبيرة)، وفي ضَبطِها (¬1) خلافٌ مَشهورٌ. 216 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانينِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) يعني: حدّها.

(يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ)، ثُمَّ قَالَ: (بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمشِي بِالنَّمِيمَةِ)، ثمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرها كِسْرتيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ فَعَلْتَ هذَا؟ قَالَ: (لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَم تَيبسَا، أَوْ إِلَى أَنْ يَيبسَا). (عثمان)؛ أي: ابنُ أبي شَيبة. (جرير)؛ أي: ابنُ عبدِ الحميدِ. (منصور)؛ أي: ابنُ المُعتَمِر. (قال)؛ أي: ابنُ عبَّاس، وهو وإنْ كان عند الهِجرة ابنَ ثلاثِ سنين، لكنْ يُحتَملُ أنَّ ذلك بعد رُجوعه - صلى الله عليه وسلم - للمدينة سنةَ الفَتح، أو سنةَ الحجِّ، أو أنه سَمعه من النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مرسَلُ صحابيٍّ. (المدينة): اللامُ فيه للعهد، وصارت عَلَمًا لها بِخلاف مكَّة، فإنَّها لا تدخلُها اللام؛ لأنَّها عَلَم بدونها. (في قبورها): جَمَعَه مثل: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]. قال ابن مالك: عُلِمَ من إضافة الصَّوت إلى إنسانيَن جوازُ إفرادِ المثنَّى معنًى إذا كانَ جُزءَ ما أُضيفَ إليه، نحو: أكلتُ رأسَ شاتَين، وجَمعُه أجودُ كما في: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}، والتَّثنية مع أنَّها الأصلُ قليلةُ الاستعمال، فإن لم يكن المضافُ جُزأَه، فالأكثرُ التَّثنيةُ كـ (سَلَّ الزَّيدان سيفَيهما)، وإنْ أُمِنَ اللَّبسُ جاز بلفظِ الجَمع، فـ (في قبورهِما) شاهدٌ عليه.

(بلى) هي إيجابٌ للنَّفي؛ أي: بلى يُعذَّبان في كبير، والجمعُ بينَهما باعتبارَين، كما قالَ (ط)؛ أي: ما هو كبير عندَكم، ولكنَّه كبيرٌ عند الله كما في: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]. قال: وقد اختُلف في عدَد الكبائر، فقيل: سَبعٌ، وقيل: تسعٌ، وقيل: كلُّ معصيةٍ، وقيل: كلُّ ذنبٍ خَتَمه الله بنارٍ أو لَعنةٍ أو عذابٍ أو غَضبٍ. وقيل لابن عبَّاس: الكبائرُ سبعٌ، فقال: هي إلى السَّبع مئة أقربُ، لأنَّه لا كبيرةَ مع الاستغفار، ولا صغيرةَ مع الإِصرار. والحديثُ حجَّةٌ لهذا، لأنَّ تَركَ التَّحرُّزِ من البَول لم يتقدَّم فيه وعيدٌ. قال: وفيه أنَّ عذابَ القبر حقٌّ يجبُ الإيمانُ به، انتهى. وقال (خ): معناه: لا يُعذَّبان في أمرٍ كان يكبُر ويشقُّ عليهما الاحترازُ منه؛ إذ لا مشقَّة في الاحترازِ عنهما، لا أنَّ المرادَ غيرُ كبيرٍ في أمر الدِّين. قال: وفيه وجوبُ الاستِتار عندَ قضاءِ الحاجَةِ عن أَعيُنِ النَّاس، وأنَّه يُستحَبُّ قراءةُ القرآنِ عند القُبور، لأنَّها أعظمُ بركةً وثوابًا، وعلى رواية (يستَنزِه) -بالزَّاي- فيه وجوبُ الاحتراز عن الأبو الِ لكوبها نَجسةً. وقال (ن) بعد ذِكر التأويلَين: إنَّ سببَ كونهما كبيرَين أنَّ عدمَ التَّنزُّه من البَول يلزمُ منه بطلانُ الصَّلاة، وتركُها كبيرةٌ، والمشيُ

بالنَّميمةِ من أقبحِ القبائحِ، لا سيَّما مع قوله: (كان)، وهي تُشعِرُ بالغَلَبة. قال (ك): لا يصحُّ هذا على قاعدةِ الفقهاء، فإنَّ الكبيرةَ ما أَوجبَ حدًّا، ولا حدَّ في المَشي بالنَّميمة، إلا أنْ يُقالَ: الاستمرارُ إصرارٌ على صغيرة، فيكونُ كالكبيرة، وليس المُرادُ بالكبيرةِ معناها الاصطلاحي. قلتُ: إذا قلنا بتعريفِ إمامِ الحرمَين الذي يَظهر من كلامِ الرَّافعيِّ والنَّوويِّ ترجيحُه؛ كانَ كلُّ ذلك كبيرةً. ومن طُرِق الجَمع أيضًا: أنَّ النَّفيَ كان قبلَ الوَحيِ بأنَّه كبيرةٌ، أو أنَّ: (في كبير) متعلقٌ بقَوله: (ليعذبان)، وجُملَةُ: (وما يُعذَّبان)؛ مُعترِضةٌ على أنَّ (ما) استفهاميَّةٌ للتَّعظيمِ، وتأكيدٌ للتَّعذيب. (لا يستتر): قال (ط): أي: لا يستُرُ جسدَه ولا ثيابَه من مماسَّته، فلمَّا عُذِّبَ على عَدَم التَّحرُّز منه دلَّ على أنَّ مَن تركَ البولَ في مَخرَجِه؛ ولم يغسِله؛ أنَّه حقيقٌ بالعذاب، وقد رواه البخاريُّ في مَوضعٍ: (لا يستبرِئُ)، أي: لا يستَفرِغُ جُهدَه بعد فراغِه منه. وقد اختُلِف في إزالة النَّجاسة، فأوجَبَها الشَّافعيُّ مُطلقًا، والحديثُ من حُجَجِه، فإنَّه عُذِّب في القبر، وهو وعيدٌ. وقال مالكٌ: لا، وأبو حنيفَة: يجبُ إزالةُ ما زادَ على قَدرِ الدِّرهم، وحَمَلَ مالكٌ الحديثَ على أنَّه عُذِّب لتَركه البَولَ يسيلُ،

فيصلِّي بغيرِ طُهرٍ؛ لأنَّ الوضوء لا يصحُّ مع وجودِه، أو لأنَّه يفعلُه عَمدًا بغير عذر. (بالنميمة) هي نقلُ كلامِ بعضِ النَّاس لبعضٍ بقَصدِ الإفساد. (جريدة)؛ أي: سعَفَةٌ جُرِّدَ خُوصُها. (لعله أن) شبَّه (لعلَّ) بِـ (عسى) فقرنَها بِـ (أنْ). (عنهما) قال ابنُ مالك: يُروى (عنها) بالإفراد، وجازَ إعادةُ الضَّمير في (لعلَّه) و (عنها) إلى الميِّتِ باعتبارِ كَونِه نَفْسًا وإنسانًا، ويجوزُ كونُ الهاءِ في (لعلَّه) ضميرَ الشَّأن، وفُسِّر بِـ (أنْ) وصلتِها، لأنَّه كجملةٍ، لاشتِماله على مسنَدٍ ومسندٍ إليه، أو تكونُ (أن) زائدةً مع كونها ناصبةً، كما زيدت الباءُ مع كونِها جارَّةً. قال (ك): أو يكونُ الضَّمير مُبهمًا يُفسِّره ما بعدَه، لا ضميرُ الشَّأن، كما في قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الأنعام: 29]. (تيبسا) بمُثنَّاةٍ فوقَ أوَّله في أكثر الرِّوايات، وفي بعضِها من تحت، وبفَتحِ الموحَّدة وكسرِها لغة، والضَّميرُ للكِسْرَتَين. قال العلماء: هو مَحمولٌ على أنَّه سألَ الشَّفاعةَ لَهما، فأُجيبَت شفاعتُه بأن يُخفَّفَ عنهما إلى أنْ ييبَسا. ويحتملُ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - يدعو لَهما تلك المُدَّة. ويحتملُ أنَّهما يسبِّحان ما داما رَطبين، وليسَ لليابسِ تسبيحٌ، فإنَّ قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ} [الإسراء: 44]: أي شيءٍ حيٍّ،

57 - باب ما جاء في غسل البول

وحياةُ كلِّ شيءٍ بِحَسَبِه، فالخَشَبُ ما لم يَيبَس، والحجَرُ ما لم يُقطَع. والجمهورُ على أنَّه على عمومِه إما حقيقةً، وهو قولُ المُحقِّقينَ؛ إذ العَقل لا يُحيله، أو بلسانِ الحالِ باعتِبارِ دلالته على الصَّانع، وأنَّه مُنزَّهٌ. وقال (خ): بعد التَّحقيقِ للتَّبرُّك بأثَر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ودُعائِه، وكأنَّه جعلَ حدَّه دوامَ النَّداوة، لأنَّ في (الرَّطب) معنى (ليسَ في اليابس)، والعامَّةُ تفرِشُ الخُوصَ في القُبور، وليسَ له وجهٌ البتَّة. * * * 57 - بابُ مَا جَاء في غَسْلِ البَوْلِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِصَاحِبِ القَبْرِ: (كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلهِ)، وَلَم يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ. (باب ما جاء في غسل البول، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -) هو تعليقٌ، وأسنَدَه في الباب قبلَه. (لصاحب)؛ أي: لأجلِ صاحِبِ. (ولم يذكر سوى بول الناس) أخَذَ ذلك من إضافةِ البولِ إليه،

وتكونُ روايةُ: (لا يستَتِر من البَولِ)، محمولةً على هذا من حَملِ المُطلَقِ على المُقيَّد، والقَصد أنَّ القَولَ بنجاسةِ البَول خاصٌّ ببَولِ النَّاس لا بولِ سائرِ الحيَوان. * * * 217 - حدَّثنا يعقوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ قالَ: حدَّثنا إِسْماعيلُ بنُ إِبراهِيمُ قالَ: حَدَّثنِي رَوْحُ بنُ الْقَاسم قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ. (م س د). (إسماعيل بن إبراهيم)؛ أي: ابن عُليَّة. (روح) بفتحِ الرَّاء وضمِّها. (تبرز)؛ أي: خرجَ إلى البَرَاز -بفَتح المُوحَّدة-؛ أي: الفَضَاء الواسِع (¬1)، أو دخلَ المَبرَزَ، أي: مكانَ البِرَازِ -بكسرها-؛ أي: الغائِط. (فيغسل) أي: ذَكَرَه، فحُذِف لظُهوره، وللحَياء من ذِكْرِه، كما قالت عائشةُ رضي الله عنها: ما رأيتُ منه ولا رأى منِّي، أي: العَورة، وفي بعضِها: (فيغتَسِل)، والافتِعالُ هو العَمَلُ بنَفسِه، كـ (استوى) ¬

_ (¬1) "الواسع" ليس في الأصل.

58 - باب

أي: لنَفسِه، و (سوَّى) بالإطلاق، و (اكتَسَبَ) لنَفسِه، و (كسَب) لأهلِه وعيالِه. * * * 58 - بابٌ (باب) هو في بعضِ النُّسخِ مَتروكٌ. 218 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: (إِنَّهمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَة رَطْبَةً، فَشَقَّها نِضفَيْنِ، فَغَرزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ فَعَلْتَ هذَا؟ قَالَ: (لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لم يَيْبَسَا). قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعمَشُ قَالَ: سَمِعتُ مُجَاهِدًا، مِثْلَهُ: (يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلهِ). (ع). (خازم) بالمُعجَمة والزَّاي. (الأعمش): سليمان.

(طاوس) زادَه في هذا دونَ السَّند المُتقَدِّم، لأنَ مُجاهدًا سَمعه منه عن ابنِ عبَّاسٍ، وسَمعه من ابنِ عبَّاس بلا واسطة. (وما يعذبان في كبير) سبق التَّوفيقُ بينه وبينَ: (بلى إنَّه كبيرٌ) من وُجوه. قال (ك) هنا: أو إنَّه اختصارٌ للحديثِ بتَرك ما ليسَ مقصودًا في الباب. قال: وروى هنَّادٌ: (بل) بدلَ (بلى)، فتكونُ للإضرابِ، وحينئذٍ فلا مُنافاة. قلت: فيه نظَر!. (قال ابن المثنى ...) إلى آخره، الغَرَضُ منه أنًّ الأعمشَ صرَّحَ في هذا السَّند بِـ (سَمعتُ)، والمُدلسُ عَنعَنته لا يُعمل بِها إلا إذا ثبتَ السَّماعُ من طريقٍ آخر، وعبَّر هنا بِـ (قالَ) رعايةً للفَرق بينه وبينَ (حدَّثنِي)، فإنَّ (قالَ) أحطُّ درجةً، كما راعى الفَرقَ بين (حدَّثنا) و (حدَّثني)، ثم الظَّاهر أنَّه إنَّما يرويه هنا عن طاوسٍ عن ابنِ عبَّاسٍ، لا عن ابنِ عبَّاسٍ؛ لأنَّ المتابعةَ تقتضي ذلك. (مثله) إشعارًا بأنَّه ما نَقَل لفظَ الحديث بعَينه. * * *

59 - باب ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد

59 - بابُ تَركِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسِ الأَعرَابِيّ حَتَّى فَرَغ مِنْ بَوْلِهِ فِي المَسْجِدِ (باب ترك النَّبي - صلى الله عليه وسلم - والناسِ) بِجَرِّ (النَّاس) عَطفًا على لفظِ (النَّبي) - صلى الله عليه وسلم -، وبالرَّفع عَطفًا على محله. (الأعرابي) واحدُ الأعراب، وهم سكَّان الباديةِ، والنِّسبة إلى العَرب: عَرَبِيٌّ. 219 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا همَّامٌ، أَخْبَرَناَ إِسْحَاقُ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى أَعرَابِيًّا يَبُولُ فِي المَسْجدِ فَقَالَ: "دَعُوه"، حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ. (خ). (رأى)؛ أي: أبصَرَ. (أعرابيًّا) قيل: هو ذو الخُوَيْصِرَةِ اليَمَانِيُّ، رواه أبو موسى في "ذيلِ كتاب الصَّحابة"، وذَكَر أبو بكرِ التَّاريخيُّ عن عبد الله بن نافعٍ: أنَّه الأقرَعُ بنُ حابسِ التَّميمِيُّ. (يبول) صفةٌ أو حالٌ. (دعوه)؛ أي: اترُكوه. (حتى) من كلامِ أنسٍ، وهي ابتدائيَّة، (إذا) شرطيَّة.

60 - باب صب الماء على البول في المسجد

(فصبه) في بعضِها: (فَصَبَّ). وفي الحديث: تنزيهُ المَسجد من الأقذار، وتطهيرُ الأرض بالصَّبِّ، كان لم تُحفَر؛ كما قاله الجمهورُ، خلافا لأبي حنيفةَ حيث قالَ: لا تطهُرُ إلا بحَفرِها، وأنَّ غُسالةَ النَّجاسة طاهرةٌ إذا طَهُر المَحلُّ في وَجهٍ مُطلقا، وفي وَجهٍ نجسةٌ، هذا إذا لم تتغيَّر، فإنْ تغيَّرت فنجِسَةٌ بالإجماع، وفيه الرِّفقُ بالجاهلِ وتعليمُه ما يلزمُه من غير تَعنيفٍ ولا إيذاءٍ؛ إذا لم يُظهر استِخفافَه أو عِنادَه، ودفعُ أعظمِ الضَّررَين بأخفِّهما، فالأمرُ بتَركه لئلا يتَضَرَّرَ، والتَّنجُّسُ قد حصلَ، فاحتمالُ زيادتِه أولى من إيقاعِ الضَّرر به، ولأنَّه لو قامَ في أثناءِ البَول لتنجَّست ثيابُه وبدنُه، ومواضعُ كثيرةٌ من المَسجدِ. قال (ط): فعلَه استِئلافًا للأعرابِيِّ، وتَحقيقًا لقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. * * * 60 - بابُ صَبِّ المَاء عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ (باب صب الماء على البول في المسجد) 220 - حَدَّثَنَا أبَو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ

قَالَ: قَامَ أَعرابِي فَبَالَ فِي المَسْجدِ فتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (دَعُوهُ وَهرِيقُوا عَلَى بَوْلهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءِ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرِينَ، وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ). الحديث الأول: (فتناوله)؛ أي: وقَعوا فيه يُؤذونَه. (وهريقوا) أصلُه: أَريقوا، فأُبدِلت الهمزةُ هاءً، وسبق بيانُه في (باب الغُسل والوُضوء في المِخضَب). (سجلًا) بفتحِ السِّين: الدَّلوُ فيه الماءُ، قَلَّ أو كَثُرَ، وهو مُذكَّرٌ. (أو ذنوبًا) بفتح الذال: الدَّلو المَلآن، فالفارغُ لا سَجْلٌ ولا ذَنوبٌ، ويحتملُ ذلك أن يكونَ من كلامِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكونُ تخييرًا، أو من كلامِ الرَّاوي؛ فيكونُ تَرديدًا. (بعثتم) غلَب على الصَّحابة تبعًا للنَّبي المبعوثِ - صلى الله عليه وسلم -، لكونهم مُقتدينَ به ومُهتدين بِهديه. (ميسرين) حالٌ، ثم أُكِّدَ ذلك بنفيِ ضِدِّه. * * * 221 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يحيَى ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمعتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الثاني (م س): (عبدان) هو عبد الله العَتَكِيُّ.

61 - باب يهريق الماء على البول

(عبد الله) هو ابنُ المُبارَك. * * * 61 - بابٌ يُهرِيقُ المَاء عَلَى البَوْلِ 221 / -م - حَدَّثَنَا خَالدٌ، قَالَ: وحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ أَعرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ المَسْجدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ. (سليمان) هو ابنُ بلال. (طائفة)؛ أي: قطعةٍ من أرضِ المَسجد. قال (خ): في الحديث أنَّ الماءَ الواردَ على المُتنَجِّس بغَلَبته يُطَهِّرُه، وأنَّ غُسالةَ النَّجاسة مع استهلاكِ عين النَّجاسة بأوصافِها طاهرةٌ، وإلا لكان الصَّبُّ على البول زيادةً في التَّنجيس؛ لأنَّه أكثرُ من البول، وأمَّا ما رُوي من حَفرِ المكان، ونقلِ التُّراب عن ابنِ مُغَفَّلٍ؛ فإسنادُه غيرُ متَّصلٍ؛ لأنَّه لم يدرك النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ولو وَجبَ ذلك لزال معنَى التَّيسير، وصاروا مُعَسِّرين. قال سفيان الثوري: لم نَجد في أمرِ الماء إلا السَّعَةَ. قال الربيع: وسُئل الشَّافعيُّ عن الذُّبابة تقعُ في النَّتْنِ، ثمَّ تطير فتقعُ على الثَّوب؟ فقال: يجوزُ أن يكونَ في طيرانها ما يُيَبِّسُ

62 - باب بول الصبيان

ما برِجلها، فإن كانَ كذلك، وإلا فالشَّيءُ إذا ضاق اتَّسع. وذكر (ط) عن ابنِ القَصَّار تضعيفَ قولِ الشَّافعيَّة أنَّ ما دونَ القُلَّتين إذا وردَ على النَّجِسِ طَهُر، وإذا وردَ النَّجِسُ نَجَّسَ الماء، فإنه لا معنَى له إلا أن يُناطَ الأمرُ بالتَّغيير وعدمِه. قال (ك): لكنَّ الفَرقَ أنَّ الواردَ له قوَّةٌ؛ لأنَّه عاملٌ، فلذلك مَنع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المُستيقِظَ من النَّوم أن يغمِس يدَه، حتى يَغسلَها ثلاثًا، ففَرقٌ بين وُرودِ الماء، وورودِ المَشكوكِ في نَجاسته. وفي الحديث: أنَّ الأرضَ المُتنَجِّسةَ لا يطهِّرُها إلا الماء لا الشَّمس، كما يقولُ أبو حنيفة: إنَّها إذا أذهبَت الأثر تطهرُ، وقال الثَّوري: إذا جَفَّت فلا بأسَ بالصَّلاة عليها، وقال الحسَن: تطهُرُ. (فأهريق) قيَّده ابنُ الأثير بفتح الهاء. قال: ويَجوزُ إسكانُها من: أَهْراقَ يُهْريقُ إهْراقًا. * * * 62 - باب بَوْلِ الصِّبْيَانِ (باب بول الصبيان) بكسر الصَّاد، وحُكِي ضمُّها، جَمعُ (صَبِي)، والجاريةُ: صبيَّةٌ، وجَمعُها (صبايا). 222 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ

هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ: أَنَّها قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاء فَاَتْبَعَهُ إِيَّاهُ. الحديث الأول (م س ق): (بصبي) أخرجَ الدَّارقُطنِيُّ عن الحجَّاجِ بنِ أَرْطَأَةَ عن هشامٍ بهذا الإسناد (أنَّها أتتْ بعبدِ الله بنِ الزُّبير)، ورَوى الحاكمُ وقوعَ ذلك من الحسينِ بنِ عليٍّ، وروى ابنُ مَندَه وقوعَه لسليمانَ بن هاشمِ بن عُتبةَ بنِ أبي وقَّاص، وقيلَ: الصَّبِيُّ: الحسنُ بنُ عليٍّ. (فأتبعه) بفتحِ الهمزة. * * * 223 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَن: أنها أتَتْ بِابْنٍ لَها صَغِيرٍ لَم يَأكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حِجْرِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَم يَغْسِلْهُ. الحديث الثاني (م د ت ق): (أُم قيس) اسمُها: آمِنةُ، وقيل: حُذامَةُ، وأمَّا ابنُها فلم يُسمَّ. (لم يأكل الطعام)؛ أي: الذي يُؤكَلُ، وإلا فاللَّبنُ مَطعومٌ إلا أنَّه يُشرب، والمرادُ أنَّه لا يستقلُّ بأكلِ الطَّعام، أو لا يتغذَّى به، ونحو

ذلك، وإلا فأوَّلُ ما يولدُ يلعقُ عَسلًا، ويُحنَّكُ بتَمرٍ. (حجرة) بفتحِ الحاء وكسرِها والجيمُ ساكنةٌ فيهما. (فنضحه) بفتح الضَّاد (ينضِحُه) بالكَسر، أي: رشَّه من غير جَرَيانٍ، فإنَّه مع الجريان يُسمَّى غَسلًا، فلذلك عقَّبه بقوله: (ولم يغسله)، نعم، قال: (خ): في الغَسل أنَّه معَ العَصر. قلت: لكن المُرجَّح في المذهبِ أنَّ العَصرَ لا يُشترطُ. قال: وفيه أنَّ إزالةَ أعيان النَّجاسات تُعتَبَرُ بقَدرِ غِلَظِ النَّجاسة وخِفَّتها، فالنَّضْحُ في الغلامِ لخِفَّة النَّجاسة، لا لأنَّ بولَه طاهرٌ، كما نقله (ط) عن الشَّافعي، وأحمدَ، وإسحاقَ. وأخذَ قومٌ بقوله، (ولم يغسله)، فقَد غَلَّطَ (ن): (ط) في حِكايةِ ذلك عن الشَّافعي، وأحمدَ، فإنَّ مذهبَهما إنَّما هو خِفَّةُ النَّجاسة، فهو كمَذهب أبي حنيفة، ومالكٍ في القَول بنجاستِه، إلا أنَّهما قالا: لا يَغسِلُه مطلقا سواءٌ أكلَ الطَّعام أم لا، واستُدِلَّ لهما بأنَّه نَضَحه، والنَّضحُ: الغَسلُ، لحديث: "وانضَح فَرجَك"، ولحديثِ أسماءَ في غَسل الدَّم: "وانضَحيه". قال المهلَّبُ: ولأنَّ الجَمَل الذي يَستَخرِجُ الماء يسمَّى: ناضِحًا، وأنَّ الذي في الحديث (لم يأكل الطعام) إنَّما هو حكايةٌ للقصَّة لا للفَرق، وأيضًا فالإجماعُ على عدمِ الفَرق بينَ بَولِ الرَّجلِ والمَرأة، فكذلك الصَّبيُّ والصَّبيَّةُ.

وادَّعى الأَصيلِيُّ كما قاله (ط): إنَّ (ولم يغسله) من قولِ ابنِ شهابِ، وإنَّ معمرًا رواه عن ابن شهابِ، فقالَ: (فَنَضَحَه) ولم يزد، وابنُ عُيينَةَ عنه أنَّه قالَ: (فرَشَّهُ) ولم يزِد. قال (ك): في مسلم -بل وهذا "الصَّحيحُ"- ما يدلُّ على أنه ليسَ من قولِ الزُّهريِّ بل من قَول عائشةَ المُشاهِدَةِ لذلك، وأما النَّضحُ فليسَ الغَسلُ كما دلَّ عليه كتبُ اللغة، وإتباعُ الماء أعمُّ من الغَسل والرَّش. ولا نُسلِّم أنه في حديث المِقداد وأسماء بِمعنَى الغَسل، ولو سُلِّم فبدليلٍ خارجِيٍّ، وأمَّا تَسميةُ الجمَل ناضِحًا؛ فهو كنايةٌ؛ لأنَّه يحملُ قليلًا لا جاريًا كثيرًا كالقَنَوَات والأَودِية، وأمَّا القياسُ على الرَّجل والمَرأة، فذلك لِغِلَظِ بولهما، وأمَّا الطِّفلان فخفيفان، لكنَّ أحَدَهُما أخفُّ فعُفِيَ عنه، أو أنَّ بَول الجارية غليظٌ كالكبير. وقيل: بولُها بسببِ استيلاء الرُّطوبَة والبُرودةِ على مِزَاجِها أغلظُ وأنتَنُ. وقيل: فيه لُزُوجَةٌ، فيلصَقُ بالمَحَلِّ. وقيل: لانتِشارِ بَوله وتفرُّقه بخلاف بَولها، فإنه يجتَمعُ فيظهرُ أثره في المَحلِّ، على أنَّه قد جاءَ التَّصريحُ في الحديث بالفَرق، وهو قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "يُغسَلُ من بولِ الجَارية، ويُنضَحُ من بولِ الغلام"، أخرجه أبو داود، والترمذي، وزاد أبو داود: "ما لم يَطعَم". وفي الحديثِ استحبابُ حَمل الطِّفلِ لأهلِ الفَضل للتَّبرُّك سواءٌ حالَ

63 - باب البول قائما وقاعدا

ولادته وبعدَها، وفيه حُسنُ المُعاشَرةِ والتَّواضعُ والرِّفقُ بالصِّغار وغيرهم. * * * 63 - بابُ البَوْلِ قَائِمًا وَقَاعِدًا (باب البول قائمًا وقاعدًا) 224 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أتى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَجئتُهُ بِمَاءٍ فتوَضَّأَ. (ع). (عن أبي وائل) شَقيقٍ. (سباطة) بضَمِّ المهمَلة وخِفَّة المُوحَّدة: مَلقى تُراب الكُناسَة وشبهُه، ويُقال لها أيضًا: المَزْبَلَة، وتكونُ غالبًا بفِنَاء الدَّار، وفي بعضِ الطُّرقِ أنَّها لقومٍ من الأنصار. (فبال قائمًا)؛ أي: لبيانِ الجواز، وإنْ كانَ مَكروهًا في حقِّ غيره كراهةَ تنزيهٍ، وقيل: لا، مُطلقًا. وقال مالكٌ: إن كانَ في مَوضعٍ لا يتطايرُ منه شيءٌ عليه كالسُّباطَةِ فلا بأسَ به، وإلا كُرِهَ، وأنَّ محلَّ الكراهة حيثُ لا عذرَ، وفعلُه - صلى الله عليه وسلم - ذلك إمَّا لأنَّه لم يَجد للقُعودِ مكانًا، فاضطرَّ للقيام؛ إذ كانَ ما يليه من

طَرفِ السُّباطَةِ عاليًا، أو كانَ برِجلِه جُرحٌ لم يتمكَّن من القُعود معه. وقد رُوي (أنَّه فعلَه لجُرحٍ بِمأبِضِه) بِهمزة ساكنة وموحدة مكسورة وضاد معجمة: باطِنُ الرُّكبة، وعن الشَّافعيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ العربَ كانت تستشفي بالبَول قائمًا لوجَعِ الصُّلبِ، فلعلَّه كانَ به - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ، أو أنَّ البَول قائمًا أحصنُ للدُّبر كما حُكِيَ عن عمرَ ذلك، فخَشيَ من البول قاعدًا مع قُربه من النَّاس أن يَخرجَ منه صوتٌ بخلافِ القُعود. وإنما خالفَ عادته في التَّباعدِ، وبالَ في السُّباطَةِ التي بقربِ الدُّور من غيرِ أن يبتَعِد عن النَّاس، ولا أبعدَهم، بل أَمرَ حُذيفَة بالتَّقرُّبِ منه؛ لشُغلِه بأمورِ المسلمين، والنَّظَرِ في مصالِحِهم، فلعلَّه طالَ عليه المَجلسُ حتى لم يُمكِنْه التَّباعدُ خشيةَ التَّضرُّرِ، وأمَّا كونُ السُّباطةِ لقَومٍ، فإمَّا لأنَّها ليست مُختصَّةً بِهم؛ إنَّما هي بِفناءِ دُورِهم للنَّاس كلِّهم، فأُضيفَت إليهم لقُربِها منهم، أو أذِنوا لِمَن أرادَ ذلك صَريحًا أو بالمعنَى. قال (ن): وأظهرُ الوجوه أنَّهم كانوا يُؤثِرون ذلك ولا يكرهونه، بل يفرحون، ومَن هذا حالُه يجوزُ البَولُ في أرضِه، والأكلُ من طَعامه، وفي التَّرجَمة: والبولُ قاعدًا، ووجهُ أخذِه من الحديث أنَّه إذا جازَ قائِمًا فقاعدًا أجوَزُ؛ لأنَّه أمكَنُ. وفي الحديث أيضًا خِدمةُ المَفضولِ للفاضِلِ، والاستعانةُ بإحضارِ ماء الوُضوء. * * *

64 - باب البول عند صاحبه، والتستر بالحائط

64 - بابُ البَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَالتَّسَتُّرِ بالحائِطِ (باب البول عند صاحبه)؛ أي: صاحبِ البائِلِ، فعاد الضَّمير على مدلولٍ عليه بالبَول، أو اللامُ في (البَول) بدلٌ من المُضافِ إليه، أي: بولِ الرَجلِ. 225 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبِي شَيْبةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُنِي أناَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَتَمَاشَى، فَأتى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كمَا يَقُومُ أَحَدكم فَبَالَ، فَانتبذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فجئتهُ، فَقُمتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فرَغَ. (رأيتني) بضَمِّ التَّاء والياء، مفعولٌ، وجاز كونُ الفاعلِ والمفعولِ واحدًا، لأنَّ أفعالَ القلوب يجوز فيها ذلك. (والنبي - صلى الله عليه وسلم -) بالنَّصبِ عطفًا على مفعولِ (رأى)، وهو الرِّواية، ويجوزُ الضَّم لصِحَّته في المعنَى؛ أي: فيكونُ عطفًا على (أنا). (فانتبذت) بنون ثم مثنَّاة ثم موحَّدةِ ثم ذالٍ مُعجمة؛ أي: ذهبتُ ناحيةً، و (جَلَس فلانٌ نبذة) بفتح النُّون وضمّها؛ أي: ناحيةً. (فأشار إلي) دليلٌ على أنه لم يَبعُد منه بحيث لا يراه، لأنَّه كان يَحرُسُه. قال (خ): والمعنَى في إدنائِه إيَّاه مع استِحباب الإبعادِ في الحاجةِ

65 - باب البول عند سباطة قوم

أن يكونَ سِترًا بينه وبين النَّاس، إذ السُّباطة إنَّما تكونُ في الأفنيةِ المَسكونةِ أو قريبًا منها، فلا تكادُ تخلو عن مارٍّ. قال (ط): السُّنَّةُ للبائلِ قائمًا أن يقرِّبَ إذا أمِنَ أن تُرى له عورةٌ، وللبائل قاعدًا أن يُبعِد، وإنَّما انتَبَذَ حُذيفةُ لئلا يسمعَ شيئًا مِمَّا يقعُ في الحَدَث، فلمَّا بالَ قائمًا وأمِنَ منه ذلك أمرَه بالقُربِ منه. وفي الحديثِ التَّواري عن النَّاس لقضاءِ الحاجَة بِما يَستُرُ من حائطٍ ونحوِه، وطلبُ البائلِ القربَ من صاحبه ليستُرَه. * * * 65 - بابُ البَوْلِ عِنْدَ سُبَاطةِ قَوْمٍ (باب البول عند سباطة قوم) 226 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ أَبو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ يُشَدِّدُ فِي البَوْلِ وَيَقُولُ: إِنَّ بني إِسْرائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَيْتَهُ أَمسَكَ، أتى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. (يشدد)؛ أي: يحتاطُ عظيمًا في الاحترازِ عن الرَّشاشِ، حتى كان يبولُ في القارُورَة. (بنو إسرائيل)؛ أي: بنو يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ صلواتُ الله

66 - باب غسل الدم

وسلامُه عليهم، فإِسرائيلُ: لقبُ يعقوبَ. (كان) مرفوعُه ضميرُ الشَّأن، وإلا لقالَ: (كانوا)، والجملةُ الشَّرطيَّةُ: خبرُه. (أصاب)؛ أي: البولُ، فالفاعلُ ضميرٌ يعودُ عليه. (قرضه) بالمُعجَمَة؛ أي: قطَعَه، ومنه المِقراضُ. (ليته أمسك)؛ أي: ليتَ أبا موسى أمسكَ نفسَه عن هذا التَّشديدِ، أو لسانَه عن المقولِ، أو كِلَيهما عن كِلَيهما، وقَصدُه: أنَّ التَّشديدَ خلاف السُّنةِ لبَوله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا مع أنَّ القائمَ مُعرَّض للرَّش. قال (ط): فيه حُجَّةٌ لِمن رخَّص في يسير البَول، لأنَّ المعهود فيمن بالَ قائمًا أن يَتَطاير إليه مثلُ رؤوسِ الإِبَر، وفيه اليُسرُ والسَّماحةُ على هذه الأمَّة حيثُ لم يجب عليهم القَرْضُ كبني إسرائيلَ، ثمَّ قالَ مالكٌ في مثلِ رؤوسِ الإِبَر بغَسلِها استِحسانًا وتنزُّهًا، وقالَ الشَّافعيُّ وُجوبًا. وقال (ن): كانوا يُرخِّصون في القَليل من البَول. * * * 66 - بابُ غَسْلِ الدَّم (باب غسل الدم) 227 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيَى، عَنْ هِشَامٍ

قَالَ: حَدَّثتنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأةٌ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَاناَ تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصنَعُ؟ قَالَ: (تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالمَاءِ، وَتنضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ). الحديث الأول (ع): (يحيى)؛ أي: القَطَّان. (هشام)؛ أي: ابنُ عُرْوَةَ. (فاطمة)؛ أي: بنتُ المُنذِر بنِ الزُّبَير. (أسماء)؛ أي: بنتُ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه -، وهي جَدَّةُ فاطِمة، كما سبق في (باب من أجابَ الفُتيا بالإشارة). (امرأة) في كلام (ط) إشعارٌ بأنَّها أسماء، أي: راوِيةُ الحديث. قال (ك): وليسَ كذلك، إلا أنْ يُقالَ: المُرادُ أسماءُ بنتُ شَكَل، بفتح الشين والكاف، أو أسماءُ بنتُ يزيدَ، فإنَّها السائلةُ على ما قال بعضُ أصحابِ الحديث، انتهى. وفيه نظر، ففي "مسنَد الشَّافعيِّ": أنَّها أسماءُ بنتُ أبي بكر - رضي الله عنها - ولا يَبعُد أن تُبهِمَ نفسَها. وقولُ (ن): إنَّه ضعيفٌ؛ وهمٌ منه، فإنَّ الحديثَ إسنادُه على شرط الشَّيخين. (أرأيت) بفتح التَّاء؛ أي: أخبِرْنِي.

قال الزَّمخشريُّ: وفيه تَجَوُّزان، إطلاقُ الرُّؤيةِ، وإرادةُ الإخبار، لأنَّ الرُّؤيةَ سببُه، وجعلُ الاستفهامِ بِمعنَى الأمرِ بِجامعِ الطَّلَب. (في الثوب)؛ أي: يصلُ دمُ الحيضِ إليه فيصيرُ فيه. (تصنع) متعلقٌ بالاستِخبار. (تحته) بضَمِّ الحاءِ المُهمَلة؛ أي: تَحُكُّه. (تقرُصُه) بضَمِّ الرَّاء وبالصَّاد المُهملة، أي: تقلَعُه بالظُّفُرِ، أو بالأَصابعِ. قال في "النهاية": مع صبِّ الماء، حتى يذهبَ أثرُه. وفي بعضِها بتشديد الرَّاء المكسورة، والتَّقريصُ: التَّقطيعُ. (وتنضحه) بكسرِ الضَّاد وفَتحِها: هو الرَّشُّ، والمُراد هنا تصبُّه شيئًا فشيئًا. وقال (ح): تَحُتُّ المُستَجْسِدَ من الدَّم لتزولَ عينُه، ثم تقرُصُه بأن تقبِضَ عليه بأصبَعِها، ثمَّ تغمِزُه غَمزًا جيِّدًا وتدلُكُه، حتَّى ينحَلَّ ما تشرَّبه من الدَّم، ثم تنضَحُه، أي: تصبُّ عليه، والنَّضحُ هنا: الغَسلُ حتَّى يزولَ الأَثر. ففي الحديث أنَّ النَّجاسة لا تزولُ إلا بالماءِ، لا بمائعٍ آخر؛ لاستِواء الدَّم وغيرِه إجمَاعًا. وقال (ط): هذا الحديثُ محمولٌ على كثيرِ الدَّم؛ لأنه تعالى إنَّما نَجَّس المَسفوحَ، أي: الكثير، وقد قالَ مالكٌ: يُعفَى عن قليلِ الدَّم،

ويُغسَلُ قليلُ غيره من النَّجاسات، وروى عنه ابنُ وَهْبٍ: أنَّ قليلَ الحيض ككثيرِه، فلا يُعفى عنه كسائرِ النَّجاساتِ بِخلاف سائرِ الدِّماء. وقال الكوفيُّونَ: يُعفى عمَّا دونَ الدِّرهمِ من الدَّم وغيره من النَّجاسات. وفي الحديثِ: حُجَّةٌ على أنَّ قليلَ الحيض لا يُعفى عنه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمرَ بالغَسل مُطلقًا من غيرِ تفصيلٍ. قال: وحجَّةُ الرِّواية الأُخرى عن مالكٍ أن قليلَه موضعَ ضرورةٍ، لأنَّ الإنسانَ لا يخلو غالبًا عن بَثْرةٍ أو دُمَّلٍ أو بَرغوثٍ، ولم يُحرِّم الله تعالى إلا المسفوحَ، فدلَّ على أنَّ غيرَه ليس بمحرَّمٍ. قال: وعندَ الشَّافعي يغسِلُ يسيرَ الدَّم إلا في دمِ البَرغوثِ؛ لأنَّه لا يمكنُ التَّحرُّزُ منه. قال (ك): لا ينحَصِرُ عندَه فيه، بل قليلُ دمِ القَرْحِ والقَملِ والفَصدِ ونحوِه كذلك. * * * 228 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي امرَأةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أفأدع الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لاَ، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرق، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وإِذَا أَدبَرَتْ فَاغْسِلِي

عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي)، قَالَ: وَقَالَ أَبِي: (ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ، حَتَّى يَجيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ). الثاني: (محمد) في بعضِها: (ابنُ سَلام). (أبو معاوية): هو محمَّدُ بن خازِمٍ -بالمُعجمة- ذكره هنا بالكُنية رِعايةً للفظِ الشُّيوخ. (حُبيش) بضَمِّ المهملة وفتحِ الموحَّدة وسكون الياء وبالشِّين المُعجمَة. (إني أُستحاض) بضَمِّ الهمزة. قال الجوهري: أي: يستمرُّ بِها الدَّمُ بعدَ أيَّامها، فهي مُستحاضَة، والاستحاضَةُ: دمٌ يَخرُج من عِرقٍ يقالُ له: العاذِلُ -بعَين مهمَلةٍ وذالٍ مُعجَمَةٍ مكسورةٍ- بخلاف الحَيض، فإنَّه يخرُجُ من قعر الرَّحِمِ، وتأكيدها بيانٌ لتَحقيق القضيَّةِ لنُدورِ وقوعِها، لا لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُتردِّدٌ أو مُنكِرٌ. (أفأدع)؛ أي: أترُكُ، والعَطفُ على مقدَّر بعدَ الهمزة، لأنَّ لها الصَّدرَ، أي: أيكونُ لي حكمُ الحائضِ فأدَعُ؟ قلتُ: وهي طَريقةٌ كما سبقَ مرَّاتٍ، أو أنَّ الاستفهامَ ليس باقيًا بل للتَّقريرِ، فزَالت صدريَّتُها. (لا)؛ أي: لا تَدَعي. (ذلك)؛ -بكسرِ الكاف- (عرق) بكسرِ العَين.

قال البَيضاوِيُّ: أي: دمُ عِرْقٍ انبَثَق، والحيضُ دمٌ تميزه القوَّةُ المُوَلِّدةُ هيَّأه الله - عز وجل - لأَجلِ الجَنين فيَجري للرَّحِمِ في مجارٍ مَخصوصَةٍ، فيجتَمِع من قولهم: استَحوَضَ الماء: اجتَمَع وكَثُر، فإذا لم يكن جَنينٌ أو كانَ أكثرَ ممَّا يَحتمِلُه انصبَّ، انتهى. (حيضتك): قال (ش): بكسر الحاء، وكذا في قوله: (أقبَلَت حِيضَتُكِ)، وتَبِعَ في ذلك (خ)، فإنَّه غَلِطَ مَن فَتَحَهما؛ لكنْ جوَّز (ع) وغيرُه الفَتح. وقال (ن): إنه الأظهرُ، بل هو هُنا متعيِّنٌ أو قريبٌ من المُتعيِّن، فإنَّ المعنَى يقتَضيه؛ لأنَّ المُرادَ إثباتُ الاستحاضَةِ ونفيُ الحَيض. وفي الحديثِ النَّهيُ عن الصَّلاة حالَ الحيض، وهو للتَّحريم، يُفسِدُ الصَّلاة بالإجماعِ. (أدبرت)؛ أي: انقَطَع الحيضُ فلا يَخرجُ دَمٌ، لفَقدِ شَرطِه، فيجبُ أن تَغتَسِل في الحال لأوَّلِ صلاةٍ تُدركُها. وقال مالكٌ في روايةٍ: تستظهر بالإمساكِ عن الصَّلاة ونحوِها ثلاثة أيَّام بعد عادتِها. (فاغسلي عنك الدم)؛ أي: واغتَسلي لانقِطاع الحيضِ لدليلٍ خارجٍ عن هذا، وفي المسألة تفاصيلُ في كتبِ الفِقه. وفي الحديث: الأمرُ بغَسل النَّجاسة، وأنَّ الدم نَجِس، وأنَّ الغُسلَ يجب بمجرَّدِ انقطاعِ الحيضِ، وأنَّ إزالةَ النَّجاسة لا يُشترَطُ فيها

العَدَدُ بل الإنقاءُ. قال (خ): واحتجَّ به بعضُ فُقَهاءِ العِراق على الوُضوء بالدَّم الخارج من غيرِ السَّبيلَين، من حيثُ إنه - صلى الله عليه وسلم - علَّل بعضَ الطَّهارة بخروجِ الدَّم من العِرْق، وكلُّ دمٍ بَرَزَ من البَدَن فإنَّما يَخرُجُ من عرْقٍ. قال: لكنْ ليس المعنَى ما ذَهب إليه، ولا مرادُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وإنَّما العلَّة بصَدْعِ العِرْقِ، وتصَدُّعُ العِرقِ علَّةٌ معروفةٌ عند الأطبَّاء يَحدُث من غَلَبة الدَّم، فتَنصَدِع العُروقُ إذا امتَلأت الأَوعيَةُ، وقَصدُه بذلك الفَرقُ بينَه وبينَ الحَيض؛ لأنَّ الحيضَ خروجُه مُصِحٌّ للبدَن بمنزلة خُروجِ الثِّقَل، نحو البولِ والغائطِ الذي تستغني عنه الطَّبيعة، فيخِفُّ البَدَن، والاستِحاضَةُ مَسقَمَةٌ؛ لأنَّها علَّةٌ يُخافُ منها الهلاك، وفيه أنَّها كانت تُميِّزُ بينَ الحيضِ والاستحاضَةِ، فلذلك وكَلَ الأمرَ في مَعرِفَة ذلك. (قال: وقال أبي)؛ أي: قالَ هشامُ بنُ عُروَة: وقالَ عُروةُ. (توضئي) بصيغةِ الأَمر. (ذلك الوقت)؛ أي: وقتَ إقبالِ الحيض، والسِّياقُ يقتضي أنَّ قوله: (وتوضئي ...) إلى آخره؛ مرفوعٌ لا موقوفٌ. * * *

67 - باب غسل المني وفركه، وغسل ما يصيب من المرأة

67 - بابُ غَسْلِ المَنِيِّ وَفركِهِ، وغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنَ المرْأَةِ (باب غسل المني وفركه): أي: دلكُه حتَّى يذهبَ أثرُه. 229 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَمرُو ابْنُ مَيْمُونٍ الْجَزَرِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وإِنَّ بُقَعَ المَاءَ فِي ثَوْبِهِ. الحديث الأول: (عبد الله) وفي بعضِها: هو (ابنُ المَبارَك)، وأشارَ إلى أنَّ ذلك من لفظِه لا من قَولِ شَيخِه. (الجزري) بفتح الجيمِ والزَّايِ، نسبةٌ للجزيرَة. (والجنابة)؛ أي: أثَرَها، أو موجِبَها، أو عبَّرَ بِها عن ذلك مَجازًا، لأنَّ الجَنابَةَ معنى فلا تُغسَلُ. (بقع) بضَمِّ المُوحَّدة وفتحِ القَاف، والعَينُ مُهمَلةٌ جَمع (بُقعَة)؛ أي: موضعٌ يُخالِفُ لونُه ما يليه، ومنه: غُرابٌ أبقَع، وفي بعضِها بتَسكينِ القَاف جَمع (بَقْعَة) كتَمرٍ وتَمرَة، ممَّا يُفرَّق بينَ اسم الجِنسِ ووَاحِده بالتَّاء. قال التَّيمِيّ: البقعةُ: الأثر، والحديث دالٌّ على أنَّ الفَركَ لا يكفي،

فمُطابقَتُه للتَّرجمة [أنَّ المُرادَ بِها] (¬1) بابُ حكمِ غَسلِ المَنِيِّ وفَركِه، أي: أيهما الكافي منهما. وعُلِمَ منه أيضًا غَسلُ رُطوبَةِ فَرجِ المَرأة؛ لأنَّ المنِيَّ يختَلِطُ بِها عندَ الجِماع، أو أنَّ التَّرجمةَ لِما جاء في هذا الباب، فاكتَفى بذِكرِ بعضِه كما يَفعلُ ذلك كثيرًا، أو كانَ قصدُه أن يُضيفَ حديثًا يتعلَّق به، فلم يتَّفِق له، أو لم يَجِد روايةً بشَرطِهِ. ولا دلالةَ في الحديثِ على نَجاسةِ المنِيِّ؛ لكونِها كانت تَغسلُه، لاحتمال أنه لنجاسةِ المَمَرِّ أو اختلاطِه برطوبةِ الفَرجِ، على أنَّه قد جاءَ في الصِّحاحِ: لقد رأيتُنِي أفرُكُه من ثوبِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرْكًا، فيصلِّي فيه. وفي روايةٍ أخرَجَها ابنُ خُزيمة، وابنُ حِبَّان في "صحيحَيهما": وهو في الصَّلاة، فهو دليلٌ لطهارةِ المنِيِّ، وجاء: أنَّه كانَ يَغسِلُ ما أصابه من المَرأةِ، وهو دليلُ نجاسةِ رُطوبةِ فَرجِها، ومن قال بطهارةِ المنِيِّ ورُطوبةِ فَرجِها قال: الغَسلُ للاستِحباب واختيارِ النَّظافة. قال (ط): إنَّما جاءَ الفَركُ في ثيابٍ ينامُ فيها، ولا نِزَاعَ في جوازِ النَّوم في الثَّوب النَّجِس، ولئِنْ سُلِّمَ أنه في الثَّوب الذي يُصلِّي فيه، فيحتملُ أنَّ المنِيَّ نَجِسٌ، لكنَّ الفَركَ مُطهِّرٌ له، كما في دَلكِ النَّعلِ من الأذى بالتُّرابِ، وليس دليلًا على طَهارِة الأذى. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

قال (ن): منِيُّ الآدميِّ، قال أبو حنيفة ومالكٌ: نَجِسٌ، إلا أنَّ أبا حنيفَة يكتَفي في تطهيرِ اليابِسِ منه بالفَركِ، ومالكٌ يوجبُ غَسله رَطبًا ويابسًا، وقال الشَّافعيُّ وأحمدُ: طاهرٌ. ومنِيُّ الكَلبِ والخَنزيرِ نَجِسٌ بلا خلاف، وفيما عَدَاهُما منَ الحيوانِ ثلاثةُ أوجُهٍ: أصحُّها: طهارتُه من مأكولِ وغيرِه، ثالثُها: منِيُّ المَأكولِ طاهِرٌ، وغيرُه نَجِسٌ. وعلَّل ابنُ القَصَّار نجاسةَ منِيِّ الآدمي بأنَّه خارجٌ من مَجرى البَول، فكان كالمَذيِ، وأمَّا كونُه خُلِقَ منه حَيَوان طاهِرٌ، فلا يدلُّ على طهارته، فإنَّ اللَّبَنَ طاهر، وهو متولِّدٌ من الدَّم النَّجس. فإنْ قيلَ: خُلِقَ منهُ الأنبيَاء -عليهم الصَّلاةُ السَّلامُ-، فلا يكونُ نَجِسًا؟ فيقال: وخُلِقَ منه الفَراعنة، فيكونُ نَجِسًا. * * * 230 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عمرٌو، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعتُ عَائِشَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عمرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَتْ: كنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأثَرُ الغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ المَاءِ. الثاني: (سمعت يزيد) بفتح الياء.

(زريع) بضَمِّ الزَّاي على التَّصغير، ويقَعُ في بعضِ النُّسخ: (يزيد) فقط، ولهذا ردَّدَ (ك) بينَه وبينَ أن يكونَ المُراد ابنَ هارونَ الوَاسطِيَّ، ونُقِلَ عن الغَسَّانِيِّ في كتاب "تقييد المهمل": أنَّ ابنَ السَّكَنِ قال: ابنُ زُرَيعٍ، وعن الكَلاَبَاذِيِّ عن أبي مَسعودٍ الدِّمَشقيِّ: أنّه قالَ: إنَّه ابنُ هارونَ. قلت: وكذا رجَّحهُ القُطبُ الحلبِيُّ. قال (ك): لا قَدحَ في الحديث بِهذا الإِلباسِ؛ لأنَّ كلَيهِما ثقةٌ على شَرطِ البُخارِيِّ. (سمعت)؛ أي: ما يأتِي بعدَ الإسنادِ المُحوَّلِ، وفي بعض النُّسخ: (ح) إشارةً إلى التَّحويلِ. (عبد الواحد) هو ابنُ زِياد، بكسر الزَّايِ ثم ياءٌ. (عن المني)؛ أي: عن حُكمِ المَنِيِّ، غَسْلًا أو فَركًا. (فيخرُجُ)؛ أي: من الحُجرَةِ إلى المسجد للصَّلاة. (بقع الماء)؛ أي: آثارُه، وهو بالنَّصب على الاختصاصِ، أي: أعنِي، وفي بعضِها بالرَّفع، جوابُ سؤالٍ مُقدَّرٍ؛ أي: هو بُقَع. وفي الحديث جوازُ سؤالِ النِّساء عمَّا يتعلَّق بأمورِ الجِماع لتعلُّمِ الأَحكام، وخدمةُ الزَّوجاتِ للأَزواج. * * *

68 - باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

68 - بابٌ إِذَا غَسَلَ الجَنَابَةَ أَوْ غَيْرها فَلَم يَذْهبْ أثَرُهُ (باب إذا غسل الجنابة أو غيرها): قوله: (فلم يذهبْ) الفاء للعَطفِ، وجوابُ الشَّرطِ مُقدَّرٌ؛ أي: 7 صحَّت صلاتُه أو نحوُه. (أثره)؛ أي: أثرُ الغَسلِ، وفي بعضِها: (أثرُها)؛ أي: أثرُ الجنَابةِ. 231 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فِي الثَّوْبِ تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأثَرُ الغَسْلِ فِيهِ بُقَعُ المَاءِ. الحديث الأول: (أغسله) الضميرُ للأثر، وإلا فالجَنابةُ مؤنَّثٌ. (وأثر الغسل فيه): قال (ط): يحتملُ ماءَ الغَسل الذي غُسِلَ به، فالضَّميرُ عائدٌ لأثر الماء، ويحتملُ أثرَ الجنابَةِ المَغسولةِ بالماء، فالضَّميرُ عائدٌ له، لكنْ قوله في الحديث الآتي: (ثُمَّ أراه) يدلُّ على الثَّاني، لأنَّ الضَّمير يعودُ إلى أقربِ مذكورٍ، والمنِيُّ أقرَبُ. قال (ك): جعَلَ (بقع الماء) على وجهين: خَبَرًا لقوله: (وأثرُ الغَسل)، لكن يحتملُ أن يُقالَ: جعلَه مبتدأً وفيه خبرُه، والجملةُ خبرُ (الأثر) لا سيَّما حيثُ حُصِرَ؛ لأنَّه لا طريقَ للحَصر إلا التَّقديمُ على

المبتدأ، ثم لا نُسلِّمُ أنَّ قولَها: (ثمَّ أراه) يدلُّ على الثَّاني؛ إذ أقربُ المذكورِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فالضَّمير يعود عليه، أي: ثُم أَرى النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في ثَوبه بُقعَةٌ أو بُقَعٌ، والأقرَبُ: الثَّوبُ، أي: ثوبُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 232 - حَدَّثَنَا عمرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ مَيْمُونٍ بنِ مهْرَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّها كَانَتْ تَغْسِلُ المَنِي مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا. الثاني: (عمرو) بالواو، فليس في شيوخِ البخاريِّ عُمَرُ بنُ خالدٍ بدون واوٍ. (أراه)؛ أي: أبصرَه، والضَّميرُ للثَّوب، وفي بعضها: (أرى) بلا ضمير، وهذا من قَولِ عائشةَ - رضي الله عنها -، والتقديرُ: قالت: ثُمَّ أراه، أو يقدَّر: (قالت) قبل (أنَّها كانت)، ويكونُ أوَّلُ الكلامِ نقلًا بالمعنى عن عائشةَ، إذ أصلُه: إنِّي كنتُ أغتَسِلُ، وآخِرُه نقلًا للَفظِها بعَينه. (أو بقعًا) الظَّاهر أنَّه من قولِ عائشةَ، ويحتملُ أنَّه شكٌّ من سُليمانَ، ووَجهُ أخذِ باقي التَّرجَمةِ، وهو غَسلُ غيرِ الجنابَةِ من الحديثِ؛ القياس على الجنابةِ. واعلَم أنَّ على نسخةِ قولِه في التَّرجَمة (أثرُها): يكونُ المرادُ به أنَّه لا بدَّ من زَوالِ صفاتِ النَّجاسة إذا كانت سهلةَ الزَّوال، فلو كانت

69 - باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

عَسِرَةَ عُفِيَ عن اللَّونِ أو الرِّيح. * * * 69 - بابُ أَبْوَالِ الإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالغَنَمِ وَمَرَابِضِها وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دارِ البَرِيدِ وَالسِّرقِينِ وَالبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: ها هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ. (باب أَبْوَالِ الإبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالغَنَم وَمَرَابِضِها): المرادُ: الدَّوابُّ بالمعنَى العُرفيِّ، وهو ذواتُ الحوافِرِ من فَرسٍ وبَغلٍ وحِمارٍ، لا بالمعنَى اللُّغوي، وهو ما دبَّ على الأرضِ، فإنَّ عطفَها على الإبلِ، وعطفَ الغَنَم عليها اقتضَى مغايرتَها، إلا أن يُجعَلَ من عَطفِ عامٍّ على خاصٍّ، ثم عَطفِ خاصٍّ على عامٍّ. (ومرابضها) جمع (مربِض) بكسر المُوحَّدة والضَّاد المعجمة، وهي للغَنَمِ كالمعاطِنِ للإبل، ورُبُوضِ الغَنَم مثلُ بُروكِ الإِبل، ويقال: مِربَضُ الغَنَم: مَأواها. (البريد) بفتحِ المُوحَّدة، قال الجوهري: هو المُرَتَّبُ، والرَّسولُ، واثنا عشَر ميلًا، أي: يُطلَق على كلٍّ منها، ودارُ البَريدِ: منزلُ مَن يأتي برسالةِ السُّلطانِ ونحو ذلك. قال (ش): البَريدُ المُرتَّب في الرِّبَاط، ثم سُمِّي به الرَّسولُ

المَحمولُ عليها، ثم سُمِّيت المسافَة به، والجَمع (بُرُد) بضَمَّتَين؛ قاله المُطَرِّزيُّ، والمُراد هنا في الحديثِ: الأَوَّل. (والسرقين) بكَسرِ السِّين وفَتحِها، ويقالُ له: السِّرجِين بالجيم: رَوثُ الدَّوابِّ، وهو مُعَرَّبٌ، لأنَّه ليسَ في الكلامِ (فَعيل) بالفَتح، وهو عُطِفَ على (البَريد) أو على (دار)، ويُروى بالرَّفع أيضًا. (والبرية إلى جنبه) جُملةٌ حاليَّةٌ، والبَرِّيةُ: بفتحِ المُوحَّدة وتشديدِ الرَّاء؛ قال في "المُحكَم": هي خلافُ الرِّيفيَّة، فهي الصَّحراءُ نسبةً إلى البَرِّ، خلاف البَحر. (هاهنا وثم سواء)؛ أي: ذلك والبَرِّيَّة مُستَويان في جواز الصَّلاة فيه، أي: لأنَّ ما فيها من الأَرواثِ والبَولِ طاهِرٌ، فلا فَرقَ بينها وبينَ البَرِّيَّة، وقَصَدَ البخاريُّ من هذا الاستدلالَ على طَهارة بَول ما يُؤكلُ؛ لكنَّه لا حُجَّةَ فيه لاحتِمالِ أنَّه بَسَطَ ثَوبًا، بل ولا في الحديثِ لِما سنَذكُرُه. * * * 233 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَربٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: قَدِمَ أُناَسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْربُوا مِنْ أَبْوَالِها وَألبَانها، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا قتلُوا رَاعيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النهارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهم، فَلَمَّا ارْتَفَعَ

النَّهارُ جِيءَ بِهم، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرجُلَهُم، وَسُمِرَتْ أَعيُنُهُم، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَونَ، قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: فَهؤُلاَءَ سَرَقُوا وَقتَلُوا وَكَفَرُوا بَعدَ إِيمَانِهم، وَحَاربوا الله وَرَسُولَهُ. الحديث الأول (م د س): (قدم ناس)، وفي رواية: (أُناسٌ). (من عُكْل) بضَمِّ المُهمَلة وسكونِ الكاف. (أو عُرَينة) بضَمِّ المُهمَلَة والرَّاء المَفتوحةِ وسكونِ الياء، قبيلتان معروفتان، والشَّكُّ من الرَّاوي، وهو أنسٌ - رضي الله عنه -. قال السَّفاقُسِيُّ: و (عُكْل) هم (عُرَينة)، وسيأتي في البخاريّ أنَّ عِدَّتَهم ثَمانية، أي: قَدِما إلى النبِي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى المَدينة، ويحتملُ أنَّ (قَدِمَ) متعلقٌ بلفظِ (المَدينة)، كما أنَّ: (فاجتَوَوا) كذلك، فهو من التَّنازُع. (فاجتووا) بالجيم؛ أي: كَرِهوا، يقالُ: اجتوى البلدَ؛ كَرِة المُقامَ بِها، وإن وافَقَت بدَنَه، بخلاف استَوبَأَها؛ فإنَّه إذا لم تُوافِق بدَنَه وإن أحبَّها، والمرادُ أنَّهم استَوخَموها. (بلقاح) بلامٍ مكسورةٍ جَمع (لَقُوحٍ)، وهي: الحَلُوبُ كـ (قُلُوصٍ وقِلاصٍ). قال أبو عمرو: وهي لَقوحُ شهرَين أو ثلاثة، ثمَّ هي لَبونٌ. قال ابن سعد: كانت عِدَّتُها خَمسةَ عشرَ. (وأن يشربوا) في محلِّ جَرٍّ عطفٌ على (لِقَاح).

وردَّد (ك) بينَ أن تكونَ مُلكَه - صلى الله عليه وسلم -، أو لبيتِ المالِ، أو مُشتَرَكَةً بينهما، وعلى هذين إذنُه لَهم في ألبانِها، لأنَّ ألبانَ الصَّدَقَةِ للمُحتاجين من المُسلمينَ، وهؤلاءِ منهم. (صحوا)؛ أي: من مَرَضِهم. (راعي النبي - صلى الله عليه وسلم -) اسمُه: يسارُ النوبِيُّ. (واستاقوا)؛ أي: ساقُوا. (النعم) بفتحِ النُّون واحدُ الأَنعام، وهي الأموالُ الرَّاعيةُ، وأكثرُ ما تقعُ على الإبل. (فبعث)؛ أي: سَريَّةً، وكانوا عشرين، وأميرُهم: كُرْزُ بنُ جَابرٍ، وقال موسى بنُ عُقبَةَ: أميرُهم سعيدُ بنُ زَيدٍ، وروى الطَّبَرِيُّ: أنَّه جريرٌ، ولا يصحُّ. (فأمر): قال (ك): هي الفاءُ الفَصيحةُ، أي: المقتضيةُ للعَطف على مَحذوفٍ، أي: فأخَذوا وجاؤوا بِهم فَأَمَر، وهو عجيبٌ فإنَّه صَريحٌ في الحديث، وهو قوله: (فجيء بِهم فأمر)، وفي بعضِها: (فأمَر فقَطعَ)؛ أي: أمَرَ بالقَطعِ، فقَطَع. (أيديهم)؛ أي: يدَ كلِّ واحدٍ منهم بناءً على أنَّ أقلَّ الجمع اثنان، أو من توزيعِ الجَمع على جَمع، أي: من كلّ واحدٍ يدًا واحدةً. (وسمرت): قال (ن): ضَبطوه في البخاريِّ بتشديدِ الميم، أي: كَحَلَ أعيُنَهم بمساميرَ مَحْمِيَّةٍ.

وقال المُنذِريُّ: هو بتخفيف الميم، أي: كَحَّلَها بالمَساميرِ، وشدَّدَها بعضُهم، والأوَّل أشهرُ وأوجَهُ، وقيل: سُمِّرَت: فُقِئَت، أي: مثلَ ما رُوِي: (سُمِلَ) باللام مبنيًّا للمفعول، أي: فُقِئَت أعينُهم، فيكونُ السَّمرُ بمعنَى السَّملِ، لقُربِ مَخرجِ الرَّاء واللام. (الحرة) بفتحِ المُهملةِ وتشديدِ الرَّاء: أرضٌ ذاتُ حجارَةٍ سودٍ، كأنَّها أُحرقت بالنَّار، ويحتملُ إرادةُ حرارةِ الشَّمس. (فلا يسقون) المَنع من ذلك مع كونِ الإجماع على سَقيِ مَن وَجَبَ قتلُه إذا استَسقَى، إمَّا لأنَّه ليس بأمرِه - صلى الله عليه وسلم -، أو أنَّه نَهيٌ عن سقيِهم لارتدادِهم، ففي مسلِمٍ والتِّرمذِي: أنَّهم ارتدُّوا عن الإسلام، وحينَئِذٍ فلا حُرمَةَ لَهم كالكلبِ العَقورِ، وكذا في قولِ البخاري، (قال أبو قتادة ...) إلى آخره، إذا جُعِلَ من قَولِ أيُّوبَ، حتى يكونَ مُسندًا لا تعليقًا من البخاريّ. وأما سَمْرُ أعينِهم، فإمَّا أن يكونَ قبل نزولِ الحدودِ وآيةِ المُحارَبة والنهيِ عن المُثلَةِ، فيكونُ منسوخًا، وإمَّا أنَّ ذلك قِصاصٌ، ففي "مسلم": أنَّهم فَعَلوا بالرَّاعي ذلك، وإمَّا أنَّ النَّهيَ عن المُثلَةِ نَهيُ تنزيهٍ لا تحريمٍ. والحديثُ إن جَعَله البُخاريُّ حجَّةً لطهارَةِ الرَّوثِ والبَولِ مُطلقًا -كما هو قَولُ الظَّاهريَّة ولم يستَثنوا إلا بولَ الآدمِيِّ فقط- فالقَضيَّةُ في أبوالِ المأكولِ لا عامَّة، ولا يَسوغُ قياسُ غيرِ المأكولِ على المأكولِ

لظُهورِ الفَرق، وكذا إن وَافق مالكًا في أنَّ بولَ ما يُؤكَلُ طاهرٌ دونَ غيره؛ لأنَّه للتَّداوي من أمراضِهم، لكنَّ مالكًا يَمنَعُ التَّداوِيَ بالنَّجِسِ، كما نقَله (ط). وأمَّا أبو حنيفةَ، والشَّافعيُّ وغيرُهما من القائلينَ بنجاسةِ البَولِ مُطلقًا، فلا يَمنعونَ المُداواةَ بالنَّجِس، ويحمِلونَ الحديث على ذلك. وقال ابن القَصَّار: إنَّ مالكًا يقيسُ ما يُؤكَلُ على ريقِهِ وعَرَقه، لأنَّ كلًّا مائعٌ مستحيلٌ من حَيَوانٍ مأكولٍ ليسَ بدَمٍ ولا قَيحٍ، وجوابُه أنَّ ذلك لا يَجتمِعُ ولا يَستحيل في باطِنٍ، بخلافِ البَول، فإنَّه أشبهُ بالدَّمِ والقَيح، وأيضًا فيلزَمُه ذلك في بَولِ ما لا يُؤكَلُ. * * * 234 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبَةُ قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُبْنَى المَسْجدُ فِي مَرَابِضِ الغَنَم. الثاني: قوله: (أبو التياح) بفتحِ المُثنَّاة وتشديدِ الياءِ والحاءِ المُهمَلة، اسمه: يزيدُ. (المسجد) اللام للعَهد؛ أي: مَسجِدِ المَدينة.

70 - باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء

(الغنم) جنسٌ يَشملُ الذُّكور والإناث، وهو مؤَنَّث، فلذلك يُصغَّر على (غُنَيمَة)، وكلُّ واحدٍ من أسماء الجُموعِ التي لا واحدَ لَها من لفظِها غيرِ الآدَمِي تأنيثُها لازمٌ. * * * 70 - بابُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي السمنِ وَالمَاءِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ بَأسَ بِالمَاء مَا لَم يُغَيِّرْهُ طَعمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ. وَقَالَ حَمَّادٌ: لاَ بَأسَ بِرِيشِ المَيْتَةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ المَوْتَى نَحْوَ الفِيلِ وَغَيْرِهِ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ العُلَمَاءَ يَمْتَشِطُونَ بِها، وَيَدَّهِنُونَ فِيها، لاَ يَرَوْنَ بِهِ بَأسًا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وإبْرَاهِيمُ: وَلاَ بَأسَ بِتِجَارَةِ العَاجِ. (باب مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالمَاءِ) قولُ الزُّهريِّ (ما لم يغيره طعم أو لون أو ريح) يحتملُ أنَّ الضَّميرَ في (يغيِّره) للماءِ وطَعمٍ وريحٍ ولونٍ، أي: ما يقعُ فيه، أي: فتَغَيَّر طعمُ الماء بطعمِ الوَاقعِ، أو لونُه بلَونِه، أو ريحُه بريحِه، ويحتملُ ما لم يتغير الواقعُ في الماءِ بطَعمِ الماءِ أو ريحِه أو لونِه، وإذا غيَّره؛ فبالضرورة يكونُ الماءُ قد تغيَّرَ بِما وَقَعَ فيه، ثمَّ ذلك الواقعُ إنْ كان نَجِسًا نَجُسَ الماءُ بتغيُّرِه به، وإلا فيَسلُبُه الطَّهورِيَّة.

قلت: هذا بعيدٌ لفظًا ومعنًى، والأوَّلُ هو الظَّاهر. (حماد) هو ابنُ أبِي سُلَيمانَ الكوفيُّ، شيخُ أبِي حنيفةَ. (لا بأسَ بريشِ الميتة)؛ أي: إمَّا لأنَّه عندَه طاهرٌ، ولو كانَ غيرَ مَأكولٍ، وإمَّا لكونه لا يغيِّر ما يقعُ فيه، فيُستَشهدُ به على أنَّ ما لا يغيِّرُ لا بأسَ به، وهذا هو الظَّاهرُ اللائِقُ بقَصد البخارِيِّ؛ إذ ليسَ قصدُه وقوعَ طاهرٍ لا يغيِّر. (نحو الفيل وغيره)؛ أي: ما لا تُؤثِّرُ الذَّكاةُ فيه، غيرُ المَأكولِ، ويحتملُ إرادةُ الأعمِّ من ذلك. (ناسًا)؛ أي: كثيرًا، فتنوينُه للتكثير، إذ المَقام يقتضيه، نحو: إنَّ لنا مالًا. (ويدهنون) بالتَّشديد، افتِعَالٌ من الدَّهن، أُبدِلَ من تائِهِ دالٌ وأُدغِمَت. (بأسًا)؛ أي: حَرَجًا، أي: ولو كانَ نَجِسًا لما امتَشطُوا به، وادَّهنوا، وعُلِمَ أنَّ عَظمَ الفَيل إذا وَقع في الماء فلا بأسَ به، فإمَّا بناءً على طَهارته كقولِ أبي حنيفة؛ لأنَّه لا تَحُلُّه الحياة عندَه، أو لأنَّه نَجسٌ مُطلقًا كقول الشَّافعي، أو إذا لم يُذَكَّ كقول مالكٍ، لكنَّ وقوعَه في الماء لا يغيِّر، كما سبق مثلُه في الرَّش، وإنَّ الظَّاهرَ الثاني. (ابن سيرين)؛ أي: محمَّد الإمام. (العاج) بتخفيف الجيم: عَظْمُ الفَيل، أي: ولو كانَ نَجِسًا لَمَا صَحَّ بيعُه، وإيرادُ ذلك كلِّه من البُخاريِّ يدلُّ على أنَّ عندَه أنَّ الماءَ

قليلًا كان أو كثيرًا لا يَنجُسُ إلا بالتَّغيُّرِ كما هو مذهبُ مالكٍ، وذَكَر من الحديثِ ما يَشهدُ؛ لأنَّ التَّغيُّرَ هو المؤثِّرُ، ولكنْ سيأتي جَوابه. * * * 235 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيمُونة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ فَأرةٍ سَقَطَتْ فِي سَمنٍ فَقَالَ: (ألقُوها وَمَا حَوْلَها فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ). الحديث الأول (م س): (وما حولها) دليلٌ على أنَّ السَّمنَ كان جامدًا؛ إذ المائعُ لا حولَ له، أو الحولُ كلُّه فيُلقى، وقد صرَّح به في بعضِ الرِّوايات؛ لأن الجامدَ لا يسري بعضُه إلى بَعضٍ. * * * 236 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: (خُذُوها وَمَا حَوْلَها فَاطْرَحُوهُ). قَالَ مَعْنٌ: حَدَّثَنَا مَالكٌ مَا لاَ أُحصِيهِ يَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة.

الثاني: (علي)؛ أي: ابنُ المَدينيّ. (معن) بفتحِ الميمِ وسُكونِ المُهمَلة، هو ابنُ عيسى أبو يَحيى القَزَّازُ. (فاطرحوه)؛ أي: ذلك المَأخوذَ، ففيه أنَّه نجسٌ وإنْ لم يتغيَّر بِخلافِ المَاء، والمُرادُ بطَرحِه: أن لا تأكُلوه، أما الاستِصباحُ فلا بأسَ، فهو من إطلاق اللازمِ وإرادَة المَلزوم، يدلُّ علَيه قولُه في الحديث الآخر: "وكُلوا سَمنَكم". (قال معن) هو من كلامِ ابنِ المَدينيِّ، داخلٌ تحتَ الإسناد، ويحتملُ على بُعدٍ أن يكونَ تعليقًا منَ البخارِيّ. (ما لا أحصيه)؛ أي: مِرارًا كثيرةً لا أضبِطُها، والقَصدُ أنَّه من مسانيدِ ميمونةَ برواية ابنِ عبَّاسٍ عنها، لا ما تتَوهَّمُه بعضُهم أنه من مسانيد ابنِ عبَّاس عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 237 - حَدَّثَنَا أحمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَعْمرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللهِ يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كهيْئَتِها إِذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالعرفُ عَرْفُ المِسْكِ).

الثالث: (أحمد بن محمد)؛ أي: المعروفُ بِمَرْدُوْيه، بفتح الميم وسكون الراء وضم المُهمَلة والواو السَّاكنة ثم ياء. (كلم) بفتح الكافِ وسكون اللام، أي: جُرْح؛ رواه القَابِسِيُّ، كَلْمَة؛ أي: جِراحَة. (يكلمه) بضَمِّ الياء وسكون الكاف وفتح اللام، أي: يُكلَمُ به، فحُذِفَ الجارُّ وأُضيفَ توسُّعًا. (المسلم) هو نائبُ الفاِعِل. (كهيئتها)؛ أي: هيئَةِ الكلمة، وأُنِّثَ لتأويله بالجِراحة. (إذ طعنت) المَطعونُ هو المُسلم، وهو مذكَّر، لكنْ لمَّا أُريدَ: طُعِنَ بِها؛ حُذِفَ الجارُّ، ثم أوصل الضَّميرَ المَجرورَ بالفعل، وصار المُنفَصِلُ متَّصلًا، كذا قاله (ك)، وفيه نَظَر! لأنَّ التَّاء علامةٌ لا ضميرٌ، فإنْ أرادَ المُستترَ فتسميتُه متَّصلًا طريقةٌ، والأجودُ أنَّ الاتِّصالَ والانفِصالَ وصفٌ للبارز. وفي بعض النُّسَخ كما هو في "مسلم": (إذا طعنت)، فتكونُ (إذا) لِمُجرَّد الظَّرفية؛ لأنَّها شرطًا تكونُ للاستِقبال، وليس المعنَى عليه؛ إذ هو بِمعنى (إذ)؛ لأنَّهما قد يتقارَضان، أو لاستِحضارِ صورَة الطَّعن؛ لأنَّ الاستِحضار كما يكونُ بصريحِ لفظِ المُضارع نحو: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [فاطر: 9]، يكونُ بِما في معنى المُضارع كما فيما نَحنُ فيه.

(تفجر) بضَمِّ الجيم من الثلاثيِّ، وبفَتحها مُشدَّدَةً من التَّفَعُّلِ، وحُذِفَ إحدى التَّاءين. (واللون) في بعضِها بلا واو. (والعرف) بفتحِ العَين المُهملة وسكونِ الرَّاء، أي: الرِّيح، قيل: ومنه أصحابُ الأعراف؛ لأنَّهم يَجدون عَرْفَ الجنَّة. (المسك) فارسيٌّ مُعرَّبٌ، وفي بعضِها تنكيرُ (مسك) و (دم)، والحكمةُ في ذلك أنْ يأتيَ يومَ القيامةِ وشاهدُ فضلِه وبذلِه نفسَه في سبيل الله ظاهرٌ علَيه. ووَجه دُخولِ الحديث في البابِ: أنَّ المِسكَ طاهرٌ لثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - علَيه (¬1)، وأصلُه نجسٌ، فلمَّا تغيَّر خرجَ عن حُكمِه، فكذا المَاء إذا تغيَّر خرجَ عن حُكمِه، وأنَّ دمَ الشَّهيد لما انتقلَ بطيبِ الرَّائحة من النَّجاسة إلى الطَّهارة حين حُكِمَ له في الآخرة بحُكمِ المِسك الطَّاهر؛ وجبَ أن ينتقلَ الماءُ الطَّاهر بخبيث الرَّائحة إذا حلَّت فيه نجاسةٌ من حُكمِ الطَّهارة إلى النَّجاسة. ولمَّا لم يجد البخاريُّ في التنجيسِ بالتَّغيُّرِ حديثًا صحيحَ السَّند ذَكَر قِصَّةَ الدَّم ليقيسَ عليه الماء؛ لأنَّ كلًّا مائعٌ تأثَّر بالتغيُّر من حُكْمٍ إلى حُكْمٍ، ولكنَّ جوابَ ما ذكره أنَّه لا يلزمُ من وجودِ الشَّيءِ عند ¬

_ (¬1) "عليه" ليس في الأصل.

71 - باب الماء الدائم

الشَّيءِ أن لا يوجدَ عند عَدَمهِ، لجوازِ نقيض آخر، ولا يلزمُ من كونه خرجَ بالتَّغيُّر إلى النَّجاسة أن لا يخرُج إلا به، لاحتِمالِ وصفٍ آخر يخرجُ به عن الطَّهارة بِمجرَّد المُلاقاة، وهو كونُه قليلًا كما قال به الشَّافعيُّ عَمَلًا بحديثِ القُلَّتَين. * * * 71 - بابُ الماء الدَّائِمِ (باب لا تبولوا في الماء الدائم): في بعضِها: (بابُ الماء الدَّائم)، وفي بعضِها: (البولِ في الماءِ الدَّائم). 238 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبو الزِّناَدِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ). (ع). (أبو الزِّناد) عبدُ الله بنُ ذَكْوانَ. (الآخرون) بكسر الخاء جَمعُ (آخِر) مقابلُ (أوَّل)، أمَّا (آخَر) بالفتح: فأفعلُ تفضيلٍ بمعنَى مُغايِر، فهو أعمُّ من الآخِر بالكسر، والمعنَى: نحنُ المُتأخِّرون في الدُّنيا المتَقَدِّمون يومَ القيامة. * * *

239 - وَبِإِسنَادِهِ قَالَ: (لاَ يَبُولَنَّ أَحَدكم فِي المَاءِ الدَّائِم الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ). (وبإسناده) أي: إسنادِ الحديث السَّابق، وهو أبو اليَمَان إلى آخره. (ثم يغتسل) قال ابنُ مالك: يجوزُ جَزمُه عَطفًا على (يبولَنَّ)، المَجزوم مَحلًّا بـ (لا) النَّاهية، ولكنَّه فُتِحَ بناءً لتوكيدِه بالنُّون، والرَّفعُ أي: ثم هو يغتَسلُ، والنَّصبُ على إضمارِ (أَنْ) إعطاءً لـ (ثُمَّ) حكمَ واو الجَمعِ، كما جَرت الأَوجُه في {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء: 100]، وقُرِئ شاذًّا بالنَّصبِ والرَّفع، ومنعَ القُرطُبِيُّ النَّصب، وكذا قال (ن): إنه لا يجوزُ، لأنَّه يقتَضي أنَّ النَّهي للجَمع بينَهما دونَ إفرادِ أحدِهِما، ولم يقلْه أحَدٌ، بل البولُ منهيٌّ أرادَ الغُسلَ منه أو لا. قال (ك): لتشبيهِ (ثمَّ) بالواو في النَّصب لا في الجَمع، وإنْ سُلِّمَ؛ فمَنعُ الإفرادِ بدليلٍ آخر مثل: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: 42] على تقديرِ النَّصب. فإن قيلَ: ما دخلُ (نحن الآخِرون السَّابقون) في الترجمة؟ وما مُناسبَةُ الحديث لآخِرِه؟ قيل: أجابَ (ط) عن الأوَّل بأنَّ أبا هُريرة يُمكن أن يكون سَمِعهما جَميعًا فأدَّاهُما كذلك، فرواه البخاريُّ جُملَةً، كان كان الدَّليلُ في الآخر

فقط، وقد ذَكَر مثلَه في (الجهاد) وغيرِه، أو أنَّ همَّامًا يسَمِعه من أبي هريرة كذلك، فرواه، فيجعلُ (نحنُ السابقون) في أوَّل الصَّحيفة التي يرويها، ثم يذكرُ الحديثَ بعدَه، ووافقه على الجوابَين غيرُه. وأما الثَّاني: فنَقل (ك) عن بعضِ علماءِ عَصره بأنَّ الوَجه أنَّ هذه الأمَّة لما كانت آخرَ من يُدفَنُ وأوَّلَ من يَخرجُ؛ لأنَّ الأرضَ وعاءٌ، والوِعاءُ آخرُ ما يُوضَعُ فيه أوَّلُ ما يُخرَجُ منه، فكذا الماءُ الرَّاكدُ آخرُ ما يقعُ فيه من البَول أوَّلُ ما يُصادِفُ أعضاءَ المُتطَهِّر منه، فينبَغي أن يُجتَنَب. قال: وكَلَفُ الكُلْفَةِ فِي وجهِه لا يَخفَى عليك. (الذي لا يجري) صفةٌ للدَّائم، وهو مِنْ دامَ الشَّيءُ: إذا سَكَن، ومفهومُ الحديثِ أنَّ الجاريَ مخالفٌ لحكمِ الرَّاكدِ، والمعنى في الفَرق: أنَّ الجاريَ إذا خالطَه نَجِسٌ دفعَه الجزءُ الثَّاني الذي يليه، فيغلِبُه، فيصيرُ كالمُستَهلَك، ويَخلُفُه الطَّاهرُ الذي لَم يُخالطْه نَجِسٌ، والرَّاكدُ ليس فيه شيءٌ يدفَعُ بل يداخِلُه، فكلُّ ما يستعملُ منه النجِسُ فيه قائمٌ، والماءُ في حدِّ القُلَّة، فكانَ نحوَ ما قاله (خ). قال (ك): وفي الحديث تحريمُ الوُضوء والغُسل بالماء النَّجس، والتأديبُ بالتَّنزه عن البَول، والنَّهيُ عن البولِ في الماء، لأنَّه إمَّا يُنجِّسُه إن كان قليلًا فيحرُم، وإمَّا يقَذِّرُه إن كان كثيرًا، فالنَّهي للتنزيه؛ لأنَّ طهارتَه باقيةٌ، حتَّى يتغيَّر. وقال داود: النَّهيُ مُختصٌّ ببول البائِل، حتى يجوز لغيرِه أن

72 - باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته

يتوضَّأَ منه، وللبائلِ أيضًا إذا بالَ في إناءٍ ثم صَبَّه، أو بقُربِ الماء فجرى إليه، وهذا أقبحُ ما نُقِلَ عنه في الجُمود على الظَّاهر. * * * 72 - بابٌ إِذَا أُلْقِيَ عَلَى ظَهْرِ المُصَلِّي قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَم تَفْسُد عَلَيْهِ صَلاَتُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ يُصَلِّي وَضَعَهُ وَمَضَى فِي صلاَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ: إِذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَوْ لِغَيْرِ القِبْلَةِ أَوْ تَيَمَّمَ، صَلَّى ثُمَّ أَدرَكَ المَاءَ فِي وَقْتِهِ: لاَ يُعِيدُ. (باب إِذَا ألقِيَ عَلَى ظَهْرِ المُصَلِّي قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ، لَم تَفْسُد عَلَيْهِ صلاَتُهُ): أُلقِيَ: مبنيٌّ للمفعول، وقَذَرٌ: نائبُ الفاعل، وهو بفتح المُعجمة، والجيفَةُ: جُثَّةُ المَيتَة. (إذا صلى)؛ أي: المُصَلِّي، هذا على رواية: (وقالَ ابنُ المُسَيِّب)، أمَّا على روايةِ: (وكانَ ابنُ المُسَيِّب)؛ فالضَّمير في (صلَّى) عائدٌ إليه. (جنابة)؛ أي: أثرُها. (أو لغير القبلة)؛ أي: باجتهادٍ.

(في وقته)؛ أي: وقت التيمُّم، إذ لو كانَ الإدراكُ بعدَ وقتِه لا يعيد. (لا يعيد) جوابَ الشَّرط في (إذا). * * * 240 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ (ح) قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ ابْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمرُو بْنُ مَيْمُونٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبو جَهْلٍ وَأَصْحَاب لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعضُهُم لِبَعْضٍ: أيُّكُم يَجيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كتِفَيْهِ وَأَناَ أَنْظُرُ، لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ)، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِم إِذْ دَعَا عَلَيْهِم -قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ- ثُمَّ سَمَّى: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبةَ، وَأُمَيَّة بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبةَ ابْنِ أَبِي مُعَيْطٍ)، وَعَدَّ السَّابعَ فَلَم يَحْفَظْهُ قَالَ: فَوَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ،

لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَرعَى فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدر. (م س). (عبدان) هو عبدُ الله بنُ عثمانَ بنِ جَبَلَة. (أبي)؛ أي: عثمانُ. (عن [أبي] إسحاق) هو السَّبيعيُّ. (بينا) أصلُه (بَينَ) أُشبِعَتْ فتحةُ النُّونِ ألفًا، وعاملُه (قالَ) في قوله بعدَ ذلك: (إذ قال بعضهم لبعض). (وحدثني) تحويلُ الإسناد. (حدثني عمرو) تصريحٌ بالتَّحديثِ لما قال فيه أوَّلًا: عن عمرِو. (عن عبد الله) في بعضِها: (أنَّ)، قال الجمهورُ: هي كـ (عن) محمولةٌ على السَّماع إذا كانَ المُعَنعِنُ غيرَ مُدلِّسِ وثبَتَ اللّقاءُ بينَهما، وقالَ أحمدُ: هو منقطع حتى يتبينَ السَّماع، لكنْ قال هنا: (حدثه) فصرَّح بالسَّماع، فلا يأتي قولُ أحمدَ. (عند البيت)؛ أي: الكعبَةِ. (أبو جهل) هو عمرُو بنُ هِشَامِ المَخزومِيُّ، عدوُّ الله، فِرعَونُ هذه الأمَّة، وكان كنيتُه أبا الحَكَم فكنَّاه - صلى الله عليه وسلم - أبا جهلٍ. (جلوس) خبرٌ عن المبتدأ -وهو أبو جَهل-، وما عُطِفَ عليه. وجَوَّز فيه (ك) أنَّه خبرُ (أصحاب)، وخبرُ (أبو جهل) محذوفٌ على حدِّ:

نحنَ بِما عندَنَا وأنتَ بِمَا ... عندَكَ راضٍ والرَّأي مُختَلِف بل قَدَّمَ هذا الوَجه إشعارًا بأنه أرجحُ. وفيه نَظَر! لأنَ البيتَ تَعذَّر فيه أن يكونَ (راضٍ) خبرًا عن الكُلِّ لإفرادِه. (بسلا) بفتح السِّين وخِفَّة اللام مقصورٌ، وهو: الوِعاءُ الذي يَخرُجُ من الجنينِ إذا وُلِد، ويسمَّى في الآدميِّ (المَشِيمَة). (جزور) بفتح الجيم بمعنَى المَجزور من الإبل؛ أي: المَنحورِ. (فانبعث)؛ أي: بَعثَتْه نفسُه الخبيثةُ من دونِهم، فانبَعَثَ، وانبَعَثَ في السَّير؛ أي: أسرَعَ. (أشقى القوم) هو عُقبَةُ بنُ أبي مُعَيطٍ، وفي بعضها: (أشقَى قَومٍ). قال: لكنَّ الأصلَ في (أفعل) التَّفضيل إذا لم يكنْ معَه (مِن) أن يُعرَّفَ باللام، أو يضافَ، وأنَّ الفَرقَ بين المُضاف لِمعرفةٍ ونكرةٍ أنَّه يكونُ في الأوَّل معرفةً، وأيضًا ففي الثاني المَعنى (أشقى)؛ أي: قوم من أقوامِ الدُّنيا، ففيهِ مُبالَغةٌ ليست في المَعرِفَة. قلت: في جَميعِ ما قاله نَظَرٌ ظاهر!. (وأنا أنظر) هو من قَول عبدِ الله. (لا أُغنِي)؛ أي: لا أنفعُ في دَفعِه، وفي بعضها (لا أُغيِّر)، والأولى رواية النَّسَفِيّ، والحَمُّوِيّ. قال (ع): وهو أَوجَهُ، أي؛ لو كانَ معي مَن يَمنعُنِي لأَغنَيتُ

وكَفَيتُ شَرَّهم، أو غَيَّرت فِعلَهم. (مَنَعة) بفتحات، وقد تُسكَّنُ النُّون، أي: قوَّةً، أو جَمع (مانع)، نحو كَتَبَة وكاتِب. (يحيل) بالحاء؛ أي: ينسُبُ، من: أَحَلتُ الغريمَ، أو من: حالَ على ظَهرِ دابَته وأَحالَ؛ أي: وَثَبَ، كما في حديث: (إنَّ أهلَ خيبَرَ حالوا إلى الحِصنِ)، أي: وَثَبوا إليه، وروايةُ مسلمٍ: (يَميلُ) بالميم؛ أي: يَميلُ بعضُهم على بَعضٍ من كَثرَةِ الضَّحِكِ. (فاطمة)؛ أي: بنتُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ورضيَ الله عنها. (بقريش)؛ أي: بإهلاكِ قُريشٍ، وليس المُرادُ كلَّهم، إذ لا عموم، ولئِنْ سلَّمنا؛ فالمُرادُ الكفَّارُ منهم، بل بعضُهم وهم المَذكورون. (ثلاث مرات) فيه استحبابُ التَّثليث في الدُّعاء وغيرِه. (يُرون) بضَمِّ أوَّله على المَشهور، وبفَتحِها. (مستجابة)؛ أي: مُجابة، قال: وداعٍ دعَاناَ مَن يُجِيبُ إلَى النَّدى ... فلَم يستَجِبْه عندَ ذاك مُجِيبُ أي: لم يُجِبْه، والمُرادُ: أنَّهم ما اعتَقَدوا الإِجابةَ إلا من جِهةِ المَكان، لا من خُصوصِ دَعوته - صلى الله عليه وسلم -. (ثم سمى)؛ أي: عيَّنَ في دُعائه وبيَّن ما أجمَل أولًا. (عتبة) بضَمِّ المُهمَلة وسُكونِ المُثنَّاة ثم موَحَّدة. (ربيعة) بفتح الرَّاء.

(شيبة) بفتح المُعجمَة. (الوليد) بفتحِ الواو وكَسر اللام. (عتبة) بالمُثنَّاة بعد العين، وفي مسلم: (عُقبة) بالقاف، واتَّفقوا على أنَّه غلط. (أُمية) بضَمِّ الهمزة وفتحِ الميم وتشديد الياء. (عقبة) بسكون القاف. (معيط) بضَمِّ الميم وفتحِ المهملة وسكون الياء. (وعَدَّ)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أو عبدُ الله (السابع) مفعولُ (عدَّ)، وهو عُمارَة -بضَمِّ العين وتخفيف الميم- ابنُ الوَليد -بفتح الواوِ وكسرِ اللام-، وجاءَ مُصرَّحًا به في رواية؛ نعم، قيل: إنَّه كان عند النَّجاشي، فاتُّهِمَ في حَرَمِهِ، وكانَ جَميلًا، فنَفَخَ في إحليلِه سِحرًا فهامَ مع الوَحشِ في جزائِرِ الحَبَشة، حتَّى هلَك هناك. (فلم نحفظه)؛ أي: عبدُ الله أو عمرُو بنُ ميمونةَ، وفي بعضِها: (فلم أحفَظْه)، ولفظ روايته في (الجهاد): وقال أبو إسحاق: ونسَيتُ السَّابع. (قال: فوالذي ...) إلى آخره؛ أي: قالَ عبدُ الله. (بيده) في بعضِها: (في يده). (الذين عد)؛ أي: عدَّهم، فحُذِفَ العائدُ، وفي بعضها (الذي) بالإفراد، على حدِّ: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69].

(صرعى) جَمع (صَريع) بِمعنَى (مَصروع). (قليب) بفتح القاف وكسر اللام، هو البِئرُ التي لم تُطوَ، يذكَّرُ ويؤَنَّث، وهو بالجر بدلٌ مما قبلَه، وإنَّما أُلقوا في القَليبِ تَحقيرًا لأَمرِهم، ولئَلا يتأذَّى الناسُ برائِحَتِهم، لا أنَّه دفنٌ، فإنَّ الحربِيَّ لا يَجِبُ دفنُه. (بدر) موضعُ الغَزوَة المَشهورة، على أربعِ مَراحل من المَدينة، يذكَّر ويؤَنَّث، قيلَ: إنَّها بئرٌ لرجُل يسمَّى بَدرًا. والقاتلُ لأبي جَهلٍ ابنا عَفراء، أو ابنُ مَسعودٍ، ولعُتبَةَ عُبَيدةُ -بضَمِّ العَين- ابنُ الحارِثِ أو حَمزةُ، ولِشَيبَةَ حَمزةُ أو علِيٌّ. ثم إنْ قلنا: إنَّ عُمَارَةَ لم يُقتَل ببَدرٍ، فالمُراد بأنَّه رآهم صَرعى، أي: رأى أكثَرَهم، بدليلِ أنَّ ابنَ أبي مُعَيطٍ لم يُقتَل ببَدرٍ، بل حُمِلَ أسيرًا فقَتَله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ انصِرافه على ثلاثةِ أميالٍ من المَدينة. وقد نُوزِعَ البخاريُّ في الاستِدلالِ على التَّرجَمة بأنَّه استَمَرَّ في صلاته؛ والنَّجاسةُ على ظَهرِه، بأنَّه لم يكن إذ ذاكَ حكمٌ بنجاستِه كالخَمرِ، كذا أجابَ به (خ)، وغيرُه قالَ: فإنَّهم كانوا يُلاقون بثيابِهم وأبدانِهم الخَمرَ قبلَ نزول التَّحريم. قال (ع): بل الفَرثُ طاهرٌ، ورُطوبَةُ البَدن كذلك، فالسَّلا طاهرٌ. قال (ن): وهذا ضعيفٌ، لأن رَوث ما يُؤكلُ نَجِسٌ عندنا، ثم إنَّه يتضمَّنُ النَّجاسة؛ إذ لا ينفَكُّ عن دمٍ في العادة، ولأنَّه ذبيحةُ عَبَدَةِ

73 - باب البزاق والمخاط ونحوه في الثوب

الأوثان، فالجوابُ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يعلَم ما وُضعَ على ظهره فاستمرَّ مُستَصحِبًا للطَّهارة، وما ندري هل كانَت الصَّلاةُ واجبةً، حتَّى تُعادَ على الصَّحيح، أو لا، فلا تُعاد، ولو وَجبت الإعادةُ فالوقتُ موَسَّعٌ. قال (ط): لا شكَّ أنَّها نزلت بعد قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]؛ لأنَّها أولُ ما نزل عليه قبلَ كلِّ صلاةٍ، اللهم إلا أن يُرادَ تطهيرُ القَلب، ونزاهةُ النَّفس عن الدَّنايا. وفيه: أنَّ غَسل النَّجاسة في الصَّلاة سنَّةٌ كما يقولُه مالكٌ، وأنَّ من صلَّى بثَوبٍ نَجِسٍ وأمكنَ طرحُه يَتَمادَى في صلاتِه ولا يقطَعُ، وأنَّ من أُوذِيَ له أن يدعوَ على مَن آذاه، وقد يُقالُ: إنْ كانَ كافِرًا، فإنْ كانَ مُسلِمًا فالأحسَنُ أن لا يدعوَ علَيه. * * * 73 - بابُ البُزَاقِ وَالمُخَاطِ وَنَحوِهِ فِي الثَّوْبِ قَالَ عُرْوَةُ: عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ حُدَيْبِية فَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَمَا تنخَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُم، فَدَلَكَ بِها وَجْههُ وَجِلْدَهُ. (باب البصاق والمخاط ونحو ذلك في الثوب): هما بوزن (فُعال) بضَمِّ الفاء، ويقالُ في البُصاق: بُساقٌ وبُزاقٌ أيضًا.

(ومروان)؛ أي: ابنُ الحَكَم -بفتح الحاء والكاف- الأُمَوِيُّ، وُلِدَ على عَهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسمَع منه؛ لأنَّه خَرجَ طِفلًا معَ أبيه الحَكَمِ إلى الطَّائف حين نَفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، لأنَّه كان يُفشِي سِرَّه، فكان مَعَه حتَّى استُخلِفَ عثمانُ فردَّه إلى المدينة، وكان إسلامُ الحَكَمِ يومَ الفتح، فعلى ما تقدَّم يكونُ حديثُ مروانَ هذا مرسلُ صحابي، وهو حجَّةٌ، لا سيَّما وهو معَ رواية مِسوَرٍ تقويةً لها وتأكيدًا. (الحديبية) بضَمِّ المُهمَلَة وفَتحِ الدَّال وتَخفيفِ الياء عند الشَّافعيَّ، وشَدَّدَها أكثرُ المُحدِّثين. وقال ابن المَدينيّ: يثقِّلُها أهلُ المدينة، ويخففها أهلُ العراق، وهي قَرْيةٌ سُميت ببئرٍ هناك، وقيل: شجَرة، وتحتَها كانت بيعةُ الرِّضوانِ، وهي على مَرحلَةٍ من مكَّةَ. (الحديث)؛ أي: حديثُ قِصةُ الحُديبية، وسيأتي في (الغَزَواتِ) مُسنَدًا، وإن علَّقَه هنا، وفيه: خَرَج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الحديبية في بضعَ عَشْرَةَ مئةً، فلمَّا كان بذي الحُلَيفةِ قلَّدَ الهَديَ وأشعَر وأحرَمَ ... إلى آخره. (وما تنخم)؛ أي: رمَى بنُخامةِ، وهي: النُّخاعَةُ -بضَمَ النون فيهما-. قال بعض الفقهاء: هي الخارجُ من الصَّدر، والبلغَمُ: النَازِلُ من الدِّماغ، وقيل بالعكسِ، وهو عطفٌ على (خَرَجَ) أو على (الحديث)، ثم المُرادُ: ما تنَخَّم مُطلقًا، أو زَمَنَ الحُديبية، وهو أظهرُ.

(إلا وقعت)؛ أي: ما تنخَّم في حالٍ من الأحوالِ إلا حالَ وقوعِها في الكفِّ. واعلم أنَّ مناسبةَ دخولِ هذا الباب في (كتاب الوُضوء): أنَّه إذا تبيَّن طَهارةُ النُّخامَةِ؛ عُلِمَ أنَّها إذا وقَعت في الماءِ لا تُنجِّسُه، ويُتَوضَّأُ به، أو أنَّ المُرادَ بكتاب الوُضوء كتابُ الطَّهارة عن الحَدَث، ويتبعُها الطَّهارةُ عن الخَبَث، والفَحصُ عن نفسِ الحَدَث والخبَثِ، ويُجابُ بِهذا عن مثلِ ذلك من الأبوابِ، ولِهذا في بعضِ النُّسخ بدل (كتاب الوُضوء) (كتابُ الطَّهارة)، وسبق. وأمَّا وجهُ ذكرُ حديثِ الحُديبية هنا؛ فهو إمَّا لأنَّ التَّنخُّمَ كان في الحُديبية، أو أنَّ الرَّاويَ ساقَ الحديثين معًا كما تقدَّمَ في حديث: "نحنُ الآخِرون السَّابقون". * * * 241 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: بَزَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَوْبِهِ. طَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يحيَى بْنُ أيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (خ). (في ثوبه)؛ أي ثوبِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - هذا هو الظَّاهر، ويحتملُ

74 - باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر

على بُعدٍ عَودُ الضَّمير على أَنسٍ. (قال أبو عبد الله)؛ أي: البخاريُّ. (طوله)؛ أي: ذَكَر الحديثَ بطُوله، وفيه فائدةٌ، وهي: أنَّ ما رَوى حُمَيدٌ بـ (عن) في السَّند السَّابق مَروِيٌّ هنا بلَفظِ (سمعتُ)، ومفعولُه محذوفٌ للعِلم به مِمَّا سبق. وهذه متابعةٌ ناقصةٌ، ففي إيرادِ البخاريِّ إيَّاه: التَّعليقُ، وإدخالُ كلامِ المُسند والمُرسل في سِلكٍ واحدٍ، والإجمال في ذكرِ الحديثِ، والإشارةُ إلى التَّطويل، والاختصارُ، والمتابعةُ، وسَماعُ المعَنعن. وفي الباب طهارةُ النُّخامة، والبُزاقِ، والتَّبرُّك بالفَضَلات منه - صلى الله عليه وسلم -، وتعظيمُه غايةَ التَّعظيم. * * * 74 - بابٌ لاَ يَجُوزُ الوضوءُ بِالنَّبِيذِ وَلاَ المُسْكِرِ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَأبو الْعَالِية. وَقَالَ عَطَاءٌ: التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ. (باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ): (فعيل) بِمعنَى (مفعول)؛ أي: مَطروح، والمُراد: المَطروحُ فيه التَّمر أو الزَّبيب من الماء، سواء اشتَدَّ وأسكَرَ أم لا.

(ولا المسكر) عُطِفَ عليه لكونهِ أعمَّ منه من وَجهٍ وأخصَّ من وجهٍ لشموله نحو: اللَّبن إذا حَمِضَ وأسكَر، وإنِّما أُفرِدَ النَّبيذ؛ لأنَّه محل الخلافِ في التَّوضُّئ به كما سيأتي. (وأبو العالية) هو ربيعٌ الرِّياحِيُّ. * * * 242 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ). (ع). (علي) هو ابنُ المَدينيِّ. (سفيان) هو ابنُ عُيَينة. (أبو سلمة) عبدُ الله بنُ عبدِ الرَّحمن. (أسكر)؛ أي: من شَأنِه أن يُسكِرَ، ولو بكثيره، بأيِّ جنسٍ كان، وبأيِّ صَنعةٍ صُنِع، فقد عُدَّ هذا من جوامعِ الكَلِم. (حرام)؛ أي: فبذلك خَرَج عن اسمِ الماء لغةً وشرعًا، فلا يُتَوَضَّأُ به، هذا وجهُ استدلالِ البخاريِّ على المَنع مُطلقًا، وهو قولُ مالك، والشَّافعيِّ، وأحمدَ، سواء كان نيًّا أو مَطبوخًا، تَمرًا كان أو غيرَه، مع وجودِ الماء أو عدمِه، فإن اشتدَّ حَرُمَ شُربه أيضًا، وصار

نَجِسًا، وجوَّز أبو حنيفة الوُضوءَ بِمطبوخِ التَّمر خاصَّةً عند فَقد الماء. وجوَّزه الحسنُ بالنَّبيذِ، والأوزاعيُّ بسائرِ الأنبِذَة، واحتجُّوا بحديث ابن مَسعودٍ ليلةَ الجنِّ إذ قال له - صلى الله عليه وسلم -: "أمَعَكَ ماءٌ"؟ فقال: معي نبيذٌ، فقال: "اُصبُبْ شرابٌ وطَهور"، أو قال: "ثَمَرَة طيِّبةٌ وماءٌ طَهور". وأُجيبَ بأنَّ ابنَ مسعود لم يشهد ليلةَ الجِنِّ كما ثبت عنه من طُرق، وإن صحَّ كان منسوخًا؛ لأنَّ ليلةَ الجنِّ بمكة، وآية: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43]، نزلت بالمدينة عند فَقدِ عائشةَ - رضي الله عنها - العِقْد. قال أبو عبيدة: شرَط الله تعالى الطَّهور بالماء والتراب، والنَّبيذُ ثالثٌ غيرُهما، وكونُه فيهما لا يصدُق عليه ماء، كالخلِّ لا يُسمَّى ماءً، وإن كان فيه ماء. قال البَغَوِيُّ: أو أنَّه لم يكنْ متغَيِّرًا، بل ماءٌ نُبِذَ فيه تَمرٌ ليَجتَذِبَ مُلوحَتَه من أجلِ الشُّربِ، وأيضًا فيرد ذلك من القياس على نبيذِ الزَّبيب في امتِناعه، وبأنَّه لما كان خارجًا من حُكمِ المياه حالَ وجودِ الماء كانَ خارجًا عندَ عَدَم الماء. * * *

75 - باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه

75 - بابُ غَسْلِ المَرْأَةِ أَبَاها الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ أبو الْعَاليةِ: امسَحُوا عَلَى رِجْلِي فَإِنَّها مَرِيضَةٌ. (باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه): (الدَّم) بدلٌ من (أباها) بدلُ اشتمال، أي: منه، حتى يرتبط. قال (ك): أو بدلُ بَعض. وفيه بُعدٌ. قال: أو منصوبٌ بالاختصاصِ، أي: أعني، وفي بعضِها: (باب غسلِ المرأةِ الدَّمَ عن وجهِ أبيها). * * * 243 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعدٍ السَّاعِدِيِّ، وَسَأَلَهُ النَّاسُ وَمَا بَيْني وَبَيْنَهُ أَحَدٌ بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَ عَلِيٌّ يَجيءُ بِتُرْسِهِ فِيهِ مَاء، وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ. (م ت ق). (محمد) هو ابنُ سلام، كما هو في روايةِ ابنِ عساكر، وجَزَمَ به أبو نعيم، والجَيَّانِيّ. (أبو حازم) بحاءٍ مهملة.

(وسأله الناس) جملة حاليَّة، وفي نسخة: (وسألوه) على لغةِ: (أكلوني البَراغيثُ)، وفي بعضِها: (مسألة) بدونِ واوٍ. (وما بيني وبينه أحد) حاليَّة أيضًا؛ إمَّا من مفعولِ (سأل) فهما متداخلتان، وإمَّا من مفعولِ (سمع)، فمترادفتان، أو الجملةُ مُعترِضةٌ لا محلَّ لها. (دووي) مبنيٌّ للمَفعول، فواوُه الأولى ساكنة والثَّانيةُ مكسورَة، وربَّما كُتِب في نسخة بواوٍ واحدةٍ، فيكون كـ (داود)، وهذا الجُرحُ كانَ في غزوةِ أُحُد لما شُجَّ رأسُه وجُرِح وجهُه. (أعلم) صفة (أَحَد)، ويجوزُ نصبُه على الحال، ثمَّ التَّركيبُ وإن اقتضى أنَّ غيرَه ليس بأعلَمَ، ويصدُقُ بأمرين: أن يكونَ هو أعلمَ من الناس، أو مُساوٍ في العلمِ، لكنَّ القَصدَ هو الأولُ، وشاهدُه استعمالُ العُرف ذلك فيه. (فحشي) مبنيٌّ للمفعول، وكذا (أُخِذَ وأُحرِقَ)، أي: حُشِيَ برَماد الحصير؛ لأنَّ فيه استمساكَ الدَّم. وإدخالُ هذا الباب في (كتابِ الوضوء) إمَّا على أن التَّرجمة هناك (كتاب الطَّهارة)، أو على أنَّ المرادَ من الوضوء معناه اللُّغويُّ، أي: الوَضاءة، وهو الحُسنُ، فرفع الخَبَث من ذلك، أو أنَّ رفعَ الخَبَث تابعٌ لرَفعِ الحَدَث؛ لأنَّ كلًّا شرطٌ للصَّلاة، أو نحو ذلك كما سبق في مثله.

76 - باب السواك

قال (ط): فيه مباشرةُ المَرأةِ أباها ومَحارمَها، ومداواتِهم، ومنه قولُ أبي العالية لأهله: امسَحوا على رِجلَيَّ، فعمَّهم، وفيه إباحةُ التَّداوي. قال (ن): وفيه ابتلاءُ الأنبياء -عليهم الصلاة السلام- لينالوا جزيلَ الأجرِ، وتتأَسَّى بِهم أمَّتُهم، وليُعلمَ أنَّهم بشرٌ تُصيبُهم مِحَنُ الدُّنيا في أجسامهم؛ لأنَّهم مخلوقون مَربوبون، ولا يُفتتَنُ بما يظهرُ على أيديهم من المعجزات كما افتتَنَ النَّصارى، وأنَّ المُداواةَ لا تَقدَح في التَّوكُّل. * * * 76 - بابُ السِّوَاكِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَنَّ. (باب السواك): بكسر السِّين، يُطلَق على الفعل، وعلى العود الذي يُتَسَوَّك به، يقول: سوَّك فاهُ تسويكًا، واستَاكَ وتَسوَّك؛ لازِمَان، وهو سُنَّةٌ مطلقًا، ويتأكد في مواضعَ، كالوُضوء ونحوِه، وكمالُه أن يُمِرَّ السِّواك على أطرافِ أسنانِه، وكراسي أضراسِه، وسقفِ حَلقِه إمرارًا لطيفًا. * * * 244 - حَدَّثَنَا أبو النُّعمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ غيْلاَنَ ابْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي برْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أتيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدتُهُ يَسْتَنُّ

بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ: (أُعْ أُعْ)، وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ، كَأنَّه يتهوَّعُ. الحديث الأول (م د س): (أبو النعمان)؛ أي: عارِمٌ. (غيلان) بفتح المُعجمة. (ابن جرير) بالجيم. (أبي بردة)؛ أي: عامرِ بنِ أبي موسى الأَشعريِّ. (يستن): يفتَعِلُ، من السِّن -بكسر السين-؛ لأنه دلكُ الأسنان، وقيل: من السَّن -بالفتح-، تقول: سَنَنتُ الحديدَ: حكَكتُه بالحَجَر، حتى يتحدَّد، والمِسَنُّ -بكسر الميم-: الحجرُ. (أعْ أعْ) بفتح الهمزةِ وسكونِ العين المُهملة، وعن أبي ذر ضمُّها. قال القَابِسِيُّ: وذكرَ غيره بضَمِّ الهمزة وسكونِ العين، وفي أصل الحافظ ابن عساكر: بغَين مُعجَمة، والضَّمير في (يقول): للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويحتملُ أن يكونَ للسِّواك، فهو مَجازٌ. (يتهوع)؛ أي: يتقيَّأ، يُقال: هاعَ يَهُوعُ: إذا قاءَ بلا تكلُّفٍ. * * * 245 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.

77 - باب دفع السواك إلى الأكبر

الثاني (م د س ق): (جرير) بالجيم؛ أي: ابن عبدِ الحميد. (منصور)؛ أي: ابن المُعتَمِر. (عن أبي وائل)؛ أي: شَقيق، والسَّنَدُ كوفيٌّ إلا أبا حُذَيفَةَ فعِراقِيٌّ. (يشوص) بفتح الياء وضم المعجمة والصَّادُ مهملة، أي: يدلُكُ الأسنانَ بالسِّواك عَرْضًا، وقال أبو عبيد: يُنظِّفُ، وقيل: معناه: يَغسِلُ، وقيل: هو الاستياكُ من السُّفْلِ إلى العُلوِّ؛ وداءُ الشَّوصَةِ: ريحٌ يرفَعُ القَلب عن موضعه، سُمِّي به لذلك، وقيل: ريحٌ يعتَقِبُ في الأضلاع من داخلٍ. ووجهُ مناسبةِ الباب: أنَّه مِن سُنن الوضوء، أو أنَّه نظافة، والسِّواكُ مَطهرَةٌ للفَمِ مَرضاةٌ للرَّبّ. * * * 77 - بابُ دَفْعِ السِّوَاكِ إِلَى الأكبَرِ (باب دفع السواك للأكبر) 246 - وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُويرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أَرَانِي أتَسَوَّكُ بِسِوَاك، فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا

أكبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأكبَرِ مِنْهُمَا). قَالَ أبو عَبْدِ اللهِ: اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قوله: (وقال عفان) بفتح المهملة وتشديد الفاء، يُصرَف ويُمنَع، هو ابنُ مُسلمٍ، ومعلَّقُه وصَلَه أبو عَوانة، وأبو نعيم، والبيهقِيُّ. (أراني) بفتح الهمزة، والفَاعل والمَفعول: المُتكلِّمُ، وذلك من خصائص أفعالِ القلوب، وفي بعضِها: بضَمِّ الهمزة، بِمعنَى: أظنُّ نفسي، وحَذَفَ المُستَملي الهمزةَ، وهو خطأ، لأنَّه إنَّما أخبَرَ عمَّا رآه في النَّوم. (فناولت)؛ أي: أعطيتُ، ولهذا عُدِّيَ لمَفعولَين. (كبر)؛ أي: قَدَّمَ الأكبَرَ سِنًّا. (قال أبو عبد الله)؛ أي: البخاريُّ. (اختصره)؛ أي: ذكرَ المُحصَّلَ من الحديث، وحَذَف الزَّائدَ. (نعيم)؛ أي: ابنُ حَمَّاد. (أُسامة) هو ابنُ زيدٍ اللَّيثيُّ، وهو وإنْ تُكُلِّمَ فيه؛ فإنَّما ذكره البخاريُّ استشهادًا. قال (ط): فيه تقديم ذي السِّن في الطَّعام والشَّراب والمَشيِ، كما قُدِّمَ في السِّواك، فهو من آداب الإسلام.

78 - باب فضل من بات على الوضوء

قال المُهلَّبُ: يُقدَّم ذو السِّنِّ في كلِّ شيءٍ ما لم يتَرتَّبوا في الجلوسِ، فيُقدَّمُ الأيمنُ. قال التَّيمِيُّ: وفيه أنَّه لا يكرَه استِعمالُ سِواكِ الغَير، إلا أنَّ المستحَبَّ تقدُّمُ غَسلِه. ورواية نُعَيم وَصَلها الطَّبَرانيُّ في "الأوسط"، ووقَعت في "الغَيلانيات" مُختَصَرةً، وروى الحديثَ جَماعةٌ عن ابنِ المُبارَكِ بغير اختصارٍ، أخرَجهُ أحمدُ، والإسماعيليُّ، والبيهقيُّ عنهم. * * * 78 - بابُ فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الوُضوءِ (باب فضل من بات على الوضوء) 247 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فتَوَضَّأ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ، وَألجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغبةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تتكَلَّمُ بِهِ)، قَالَ: فَرَدَّدتها عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا

بَلَغْتُ: (اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ)، قُلْتُ: وَرَسُولكَ، قَالَ: (لاَ، وَنبَيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ). (ق م ت س). (سفيان) يحتملُ ابنَ عُيَينَةَ، والثَّورِيَّ، لأنَّ عبدَ الله يروِي عنهُما، وهُما عن مَنصورٍ، ولكنَّ الثَّورِيَّ أثبتُ النَّاسِ في مَنصورٍ، فتُرجَّحُ إرادَتُه. (عبيدة) بضَمّ العين. (أتيت)؛ أي: أردتَ أن تأتيَ، مثل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98]. (مضجعك) بفتح الجيم، وفي بعضها: (مُضطَّجَعَك). (أسلَمت)؛ أي: جَعلتُ نَفسي مُنقادةً لك طائعةً لحُكمِك، والإسلامُ: الاستسلامُ بمعنًى. (وجهي)؛ أي: ذاتِي. (وألجأت ظهري)؛ أي: أسندتُه، والمُرادُ: توكَّلتُ علَيك واعتَمَدتُ كمَا يعتَمِدُ الإنسانُ بظَهرِه إلى ما يُسنِدُه إليه. (رغبة)؛ أي: طَمَعًا في ثَوابِك. (ورهبة)؛ أي: خوفًا من عِقابِك. (إليك) متعلِّقٌ بـ (رَغبَةً)، وإن تعدَّى بِـ (من)، لكنْ أُجرِيَ هنا مُجرى (رَغِبَ) تغليبًا، كما في قوله: ورَأَيتُ بَعلَكَ في الوَرى ... مُتَقَلِّدًا سَيفًا ورُمْحًا

والرُّمح لا يُتقَلَّد، ونحو: علفتُها تبنًا وماءً باردًا (ملجأ) بالهمز، وربَّما خُفِّفَ". (منجى) مقصورٌ، كعَمَى، ويجوزُ هنا تنوينُه إن قُدِّر مَنصوبًا؛ لأنَّ هذا التَّركيبَ مثلُ (لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله)، حتى يجري فيه خَمسةُ أوجهٍ. (منك) إن قُدِّر (ملجأ) و (مَنجى) مَصدَرين فيتنازعان فيه، وإن كانا مَكانيَن فلا. (إلا إليك)؛ أي: لا مَلجأَ إلى أحدٍ إلا إليك، ولا مَنجَى إلا إليك. (بكتابك)؛ أي: القرآن، فالمَقام يقتَضيه، وأيضًا فالإيمانُ به يتَضمَّنُ الإيمانَ بجميعِ كتب الله تعالى المُنزلة، ويحتملُ أن يعمَّ الكُلَّ، لإضافته إلى الضَّمير إن قلنا عام، فإنَّ فيه خلافًا على أنَّ المضافَ كالمُحلَّى بأل في احتماله الاستغراقَ والجنسَ والعَهدَ، بل يَجري ذلك في سائرِ المَعارف، كما يُعرَف ذلك من "الكشَّاف" في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} [طه: 56]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 6] في أول البقرة. (على الفطرة)؛ أي: دينِ الإسلام، ورُبَّما أُطلِقَت على الخِلقَةِ نحو: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، وعلى السُّنَّة نحو: "خَمسٌ مِنَ الفِطرَةِ".

(تتكلَّم بِها)، وفي بعضِها: (تكلَّم) بحذفِ إحدى التَّاءَين، وذلك كلامٌ باعتِبار اللُّغة، وإن كانَ الفُقهاءُ لا يعدُّون نحوَ الذِّكر كلامًا كما في باب الأَيمانِ؛ لأنَّها مبنيَّةٌ على العُرفِ. (فرددتها) بالتَّشديد، أي: ردَّدتُ هذه الكلماتِ لأحفَظَهُنَّ. (فلما بلغت: آمنت بكتابك الذي أنزلت)، أي: بلغتُ آخرَ هذا حين يعقُبُه: (ونبيِّك)، قلتُ بدَلَها: (ورَسولك)؛ ردَّ عليَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقَوله: قُل: (وبنبيِّك) فقد يتعلَّق به مَن مَنَعَ الرِّوايةَ بالمَعنى كابن سيرينَ، وكذا أبو العَبَّاسِ النَّحويُّ، قال: إذ ما من كَلِمتَين متَناظِرَتَين إلا وبينهما فَرقٌ، وإنْ دَقَّ ولَطُفَ، نحو: بَلى ونعَم. قال (ح): والفَرقُ بين النَّبيِّ والرَّسولِ: أنَّ النبيَّ هو المُنبَّأُ، فعيل بمعنَى مفعول، والرَّسولُ: هو المأمورُ بتبليغِ ما أُنبئ به وأُخبِرَ عنه؛ فكلُّ رسولٍ نبيٌّ، وليس كلُّ نبيٍّ رسولًا. قال (ك): أو (فعيل) بمعنَى (فاعل)، أي: المخبِرُ عن الله تعالى. ورُدَّ بأنَّ المَعنَى يختلفُ، فإنَّه لا يلزمُ من الرِّسالة النُّبوة، وعكسُه كما قاله (ن)؛ فلا خلافَ في المَنعِ إذا اختَلَفَ المَعنَى، وهنا كذلك. وأجابَ (ك): بأنَّه إذا قال: (ورسولك) يكونُ تكرارًا مع قوله: (أرسَلتَ)، فلمَّا كانَ نبَيًّا قبلَ أن يُرسَلَ صَرَّح بالنُّبوَّة للجَمعِ له بينها وبينَ الرِّسالة له مع ما فيه من تَعديدِ النِّعَم، وتعظيمِ المِنَّةِ في الحالَين.

وقالَ المُهلَّبُ: إنَّما لم يُبدِّلْ ألفاظَه - صلى الله عليه وسلم - لأنَها ينابيعُ الحكمَةِ، وجوامعُ الكلم، فلو غُيِّرت سقَطَت فائدةُ النِّهاية في البلاغةِ التي أُعطيَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. وقيلَ في وجهُ الإنكار: إنَّه تخليصٌ من اللَّبسِ؛ إذ الرَّسولُ يدخلُ فيه جبريلُ -عليه الصلاة والسلام- وغيرُه من الملائكة، لقوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75]. والمقصودُ التَّصريحُ برسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، كان الإيمان بالكلِّ واجبًا كما في: وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله؛ فهي شهادةُ الإخلاص التي مَنْ مات عليها دخل الجنَّة، واختيارُ المَازَرِي في سبب الإنكار: أنَّه ذِكرٌ ودعاءٌ، فقد يتعلَّق الجزاء بحروفِه بعَينها بوَحيٍ من الله تعالى، فتعيَّنَ أداؤُها بحروفها. وفي الحديث كما قال (ن): ثلاثُ سُنن: أحدها: الوُضوء عند النَّوم إذا لم يكن متوضئًا مخافةَ أن يموتَ في ليلتِه، فيكونُ على طهارةٍ، وليكونَ أصدقَ لرؤياهُ، وأبعدَ من تلاعب الشَّيطان به في مَنامه. ثانيها: النَّوم على الشِّق الأيمن لحُبِّه - صلى الله عليه وسلم - التَّيامُن، ولأنَّه أسرعُ للانتباه. قال (ك): وإلى انحدارِ الطَّعام كما في الطب. ثالثها: خَتمُ عملِه بذكر الله تعالى. قال (ك): وهذا الذكرُ مشتملٌ على الإيمان بكلِّ ما يجب الإيمانُ

به إجمالًا، من الكتُب والرُّسل، من الإلهيَّات والنُّبوَّات، وعلى إسنادِ الذَّوات إليه، من قوله: (وجَّهت وجهي إليك)، والصِّفات، من قوله: (أمري)، والأفعال، من قوله: (وألجَأتُ ظهري)، مع ما فيه من التَّوكُّل على الله تعالى والرِّضا بقضائه، وهذا بحسَب المَعاش، وعلى الاعترافِ بالثَّواب والعقاب خيرًا وشرًّا، وهذا بحسَب المَعاد.

5 - كتاب الغسل

5 - كتاب الغُسْل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 5 - كتاب الغسل وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]، وَقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43]. (كتاب الغسل) -بضَمِّ الغين-؛ أي: الاغتِسال، وهو: غَسل البَشرة والشَّعر، وهو المُراد هنا، وقد يُطلقُ على الماء الذي يُغسَل به، وقد يكونُ جمعَ (غَسول) بالفتح، وهو: ما يُغسَل به الثَّوب من أشنَانٍ ونحوِه، وأمَّا (الغَسل) بالفتح فمَصدرُ (غَسَل)، وأما بالكسر: فما يُغسَل به الرَّأسُ من سِدرٍ ونحوِه.

1 - باب الوضوء قبل الغسل

وقال (ن) (¬1) في المَصدر الفتح والضم، وقد سبق ذلك، وأنَّ مالِكًا يشترِطُ في الغُسل الدَّلكَ، وأنَّ عائشة - رضي الله عنها - لمَّا وصفت غُسلَه - صلى الله عليه وسلم - لم تذكر دَلكًا، وعن المُزَنِيِّ موافقةُ مالكٍ محتجًّا بقياسه على الوُضوء. قال (ط): هو لازمٌ. قال (ك): ليس بلازمٍ، لأنَّه لا نُسلِّم وجوبَ الدَّلك في الوُضوء أيضًا. (فاطهروا)، أي: عن الحَدَث للجمعِ بين (فاطَّهروا) و (المؤمن لا ينجس)، إذ التَّطهير أعمُّ من الحَدَث والخَبَث، ووجوبُ الغُسل مُستفاد من هاتين الآيتين، ويوجد هنا في بعض النُسخ: (باب الوضوءِ قبلَ الغُسل). * * * 1 - بابُ الوُضُوءِ قَبْلَ الغُسْلِ (باب الوضوء قبل الغسل) 248 - حدّثَنا عبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ قالَ: أَخْبَرَنا مالكٌ، عنْ هِشَامٍ، ¬

_ (¬1) "ن" ليس في الأصل.

عنْ أَبيهِ، عَن عَائِشةَ زوجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يدخِلُ أَصابِعَهُ فِي المَاءَ، فَيُخَلِّلُ بِها أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ. الحديث الأول: (بدأ) أتى به ماضيًا، وبالأفعال بعدَه مُضارِعةً إشعارًا بالفَرقِ بين ما هو خارجٌ من أفعال الغُسل، وما هو داخلٌ، هذا إذا جُعِلَت شرطيَّةً، فإن كانت ظَرفيَّةً، فما جاءَ ماضِيًا فعلى أصلِه، وما جَاء مُضارعًا فلاستِحضار صُورته للسَّامعين. (الشعر) في بعضِها: (شَعره)، والمعنَى في هذا تليينُ الشَّعر وترطيبُه ليَسهُل مُرورُ الماء عليه. (غرف) جَمع -غُرفَة- بالضَّم، وهي مِلءُ الكفِّ من الماء، وفي بعضِها: (غَرَفَات)، وهو الأصلُ في مميِّزِ الثَّلاثة؛ لأنَّه جَمعُ قلَّة، فعُرف حينئذٍ من إقامَة جَمعِ الكَثرة موضعَ القلَّة، أو أنَّه جَمعُ قلَّة، كما يقولُ الكوفيون: كعَشر سُورٍ، وثَماني حِجَجٍ. (يفيض)؛ أي: يُسيلُ، ففي الحديثِ: استِحبابُ غَسل اليدَين قبل الغُسل، وتثليثُ الصَّبِّ، وتخليلُ الشَّعر، وجوازُ إدخالِ الأصابعِ في المَاء. * * *

249 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ، وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأَذَى، ثُمَّ أفاضَ عَلَيْهِ المَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا. هَذِهِ غُسْلُهُ مِنَ الجَنَابَةِ. الثاني (ع): (سفيان)؛ أي: ابن عُيينة. (غير رجليه) هذا الاستثناءُ زائدٌ على حديث عائشةَ - رضي الله عنها - فيُعملُ به، ويُحمَلُ إطلاقُها: (توضَّأَ) على فعلِ أكثرِ الوُضوء حَملًا للمُطلقِ على المقيَّد، فيكونُ هو الأفضل، وهو أحدُ قولي الشَّافعي، لكن الأرجح كمالُ الوضوء، وتأخيرُ رجلَيه - صلى الله عليه وسلم - في حديث مَيمونة - رضي الله عنها - إنَّما كان لإزالة الطِّين ونحوِه، أو أنَّه (¬1) فعَلَهما في وقتَين لبيانِ الجَواز. قلت: بل حديثُ عائشةَ - رضي الله عنها - هو الذي فيه زيادةُ الثِّقة، لاقتِضائه غَسلَ رِجلَيه، وليس هذا من المُطلَق والمُقيَّد؛ لأنَّ ذلك في الصِّفات، لا في غَسلِ جُزءٍ وتَركِه، وكذا ليس في التيمُّم مسحُ رأسٍ ورِجلٍ، ولا في كفَّارة القتلِ إطعامٌ على المُرجَّح. ¬

_ (¬1) في الأصل: "أنهما"، والمثبت من "ف" و"ب".

2 - باب غسل الرجل مع امرأته

(وغسل فرجه) فيه إطلاقُ الفَرجِ على الذَّكَر، وإنَّما أخَّره عن التَّوضُّؤ إمَّا لعدمِ وجوبِ التَّقديمِ، أو لأن الواوَ لا تقتَضي التَّرتيبَ، أو أنَّه للحال. (الأذى) الظَّاهرُ أنَّ المُرادَ به المستقذَرُ الطَّاهر. (هذه)؛ أي: الأفعال المذكورة، وفي بعضِها: (هذا)، أي: المَذكور. (غسله) بضَمِّ الغَين. قال (ط): أجمعوا على استِحبابِ الوضوء قبلَ الغُسل، كأنَّ ذلك لفَضلِ أعضاء الوُضوء، وما رُوِي عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّه كان يتوضَّأ بعدَ الغُسل؛ لو ثَبَت فإنَّما فعَله لانتِقاضِ وضوئِه، أو شكِّه فيه. * * * 2 - بابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَع امْرَأَتِهِ (باب غسل الرَّجل مع امرأته) 250 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كنْتُ أَغْتَسِلُ أنا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ: الفَرَقُ.

(م). (ابن أبي ذئب) بكسر المعجمة، هو محمدُ بنُ عبدِ الرَّحمن القُرَشِيُّ. (والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نصبٌ على أنَّه مفعولٌ معه، أو رفعٌ بالعَطفِ على (أنا)، وإن لم يصحَّ أن يكونَ (اغتَسل) عاملًا فيه، إمَّا لتغليب المُتكلِّم على الغائب، كتغليبِ المُخاطَب على الغائب في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، فيُقدَّر عامل كما قُدِّر هناك: وليَسكُنْ زَوجُك، وذاك وإنْ غُلِّبَ لكونِ آدم - عليه السلام - أصلًا في سُكنَى الجَنَّة، فغُلِّبَ هنا؛ لأنَّ النِّساء كالأصل في هذا الباب؛ لكونِهنَّ محلَّ الشَّهوات وحاملاتٍ على الاغتسال. (من قدح) الأَولى أن يُجعلَ بدلًا من قوله قبلَه: (من إناء)، بإعادة الجارِّ، وقيل: (مِنْ) الأُولى ابتدائيَّة، والثَّانية بيانيَّة. (الفرق) الأشهرُ فتحُ رائِه، وإسكانُها لغةٌ، حكاها أبو زَيدٍ الأَنْصاريُّ، وهو ما يَسَعُ ثلاثةَ آصُعٍ، ستَّةَ عَشر رَطلًا؛ حكاه مُسلم عن سفيان. وفي الحديث استعمالُ فضلِ وضوءِ المَرأة، وهو إن احتملَ أنَّه يغتَسلُ - صلى الله عليه وسلم -أوَّلًا، ويترُك لها ما بقي؛ لكنَّه خلافُ الطاهر، لا سيَّما إذا نُصب (النَّبِيّ) - صلى الله عليه وسلم - مفعولًا معه، وقد سبق في (باب وضوءِ الرَّجل مع امرأته) ذكرُ المَذاهبِ في المسألة.

3 - باب الغسل بالصاع ونحوه

قال (ح): أهلُ المَعرفة بالحديث لم يرفعوا طُرُق أسانيد حديث: نَهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَغتسل الرَّجل بفَضلِ المرأة، والمرأة بفضلِ الرَّجل، ولو ثَبَت فهو مَنسوخٌ. * * * 3 - بابُ الغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ (باب الغسل بالصاع): وفيه لغةٌ ثانية: (صَوَع)، بفتح الصاد والواو، وثالثة: (صُواع)، بضَمِّ الصاد، وهو يذكَّر ويؤنَّث. 251 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَألهَا أَخُوهَا عَنْ غَسل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَتْ بِإنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ، فَاغْتَسَلَتْ وَأفاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَبَهْزٌ وَالْجُدِّيُّ، عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ صَاعٍ. الحديث الأول (م): (عبد الله بن مُحَمَّد)، أي: المُسنَديُّ.

(أبو بكر) اسمه: عبدُ الله. (أَبا سلمة) أي: عبدَ الله بنَ عبدِ الرَّحمن، وهو ابنُ أختِ عائشةَ - رضي الله عنها - من الرَّضاعة؛ أرضَعته أُمُّ كُلْثُومٍ بنتُ الصِّديق - رضي الله عنهم -. (وأخو عائشة)؛ أي: من الرَّضاع، وهو عبدُ الله بنُ يزيدَ -بفتح الياء وبالزاي- كما في "مسلم"، وقال الدَّاودِيُّ: إنَّه عبدُ الرَّحمن ابنُ أبي بكرٍ - رضي الله عنهما -. (نحو) بالجر صفةٌ لـ (إناء)، ويُروى بالنَّصب؛ لأنَّ الباء زائدةٌ في المفعولِ المعطوفِ عليه على حدِّ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: 25]، وإنَّما أصله: دَعَت إناءً؛ أي: طلبَته. (وقال يزيد ...) إلى آخره، وصَلَه أبو عَوانة، وأبو نُعيمٍ في "مُستخرجَيهما". (وبهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالزاي، هو ابنُ أَسدٍ، وصَلَه الإسماعيلِيُّ. (والجُدِّي) بضَمِّ الجيم وتشديد الدال، عبدُ الملِكِ بنُ إبراهيمَ، نسبةً إلى جُدَّة بساحِلِ البَحر من ناحية مَكَّة، وأصلُه منها، لكنه سَكَن البَصرة. (قدر صاع) أي: بدلًا من قوله في الأول: (نحو صاع)، وبينهما فَرقٌ، والصَّاعُ خمسةُ أرطالٍ وثُلُث على مذهب الحجازيين احتجاجًا بحديث الفَرَقِ، فإنَّ تفسيرَه ثلاثةُ آصُعٍ.

وأمَّا احتجاجُ العِراقيينَ بأنَّ الصَّاع ثَمانيةُ أرطالٍ؛ لحديثِ مُجاهدٍ: دخلْنا على عائشةَ - رضي الله عنها - فأُتِيَ بِعُسٍّ، أي: قَدَحٍ عظيمٍ، فقالت عائشة: كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَغتسل بِمثلِه. قال مجاهدٌ: فحَزَرتُه ثَمانيةَ أرطالٍ إلى تسعةٍ إلى عَشَرةٍ. فلا يقابلُ ما اشتهر بالمدينة وتداولوه في مَعاشهم، توارثوا ذلك خَلَفًا عن سَلَف، كما أخرجه مالكٌ لأبي يوسف حين قَدِمَ المَدينة، وقال له: هذا صاعُ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فوجدَه أبو يوسف خَمسةَ أرطالٍ وثُلثًا، فرجَعَ إلى قَول مالكٍ، فلا يُترك نقلُ هؤلاء الذينَ لا يجوز تواطؤُهم على الكذبِ إلى خبرِ واحدٍ يحتمِلُ التَّأويل؛ لأنَّه حَزْرٌ، والحَزرُ لا يُؤمَن فيه الغَلَط. وأيضًا فليس فيه بيانُ مقدارِ الماء الذي كان في العُسِّ، فجازَ أن يكونَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اغتَسل بِملئِه، وبدونِ ملئِه، وقد سبق بيانُ ذلك قريبًا. قال (ع): ظاهرُ هذا الحديث أنَّهما رأَيا عَمَلها - رضي الله عنها - في رَأسِها وأعالي جَسدِها مِمَّا يَحِلُّ للمَحْرم نَظَرُه، ولولا شاهدا ذلك لم يكنْ لاستِدعائِها الماءَ وطهارتها بحضرَتِهما معنًى، وإنَّما ستَرت أسافِلَ البَدَن، وما لا يحِلُّ للمَحْرَمِ نظرُه، ففي ذلك استحبابُ التَّعليمِ بالفِعل، فإنَّه أوقَعُ في النفس من الوَصفِ بالقَول، وأدلُّ على المَقصودِ. * * *

252 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ هُوَ وَأَبَوهُ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ، فَسَأَلوهُ عَنِ الغسْلِ، فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِيني، فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا، وَخَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ. الثاني: (يحيى) قال الغَسَّانِيُّ: في بعض النُّسخ ساقِطٌ، وهو خطأ؛ إذ لا يتَّصل الإسناد إلَّا به. (أبي إسحاق)؛ أي: السَّبيعِيِّ. (أبو جعفر)؛ أي: محمَّدُ بنُ عليِّ بنِ الحُسينِ بن عليّ، الملقَّبُ بالبَاقِرِ. (عن الغسل)، أي: عن مِقدارِ ماءِ الغُسلِ. (يكفيك) بفتح أوَّله، وأُفردَ مع أنَّ السُّؤالَ من القَوم؛ إمَّا لأنَّ السَّائل واحدٌ منهم، ولكن نُسِبَ إليهم لأنَّه منهم، كما يُقال: النُّبوة في قُريشٍ، وإنْ كانَ النبيُّ واحدًا منهم، أو أريدَ بخِطاب الواحدِ العمومُ كما في: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} [السجدة: 12]، وفي نحو: "بشِّر المشَّائين في ظُلَمِ الليالي إلى المساجد بالنُّور التَّامِّ"؛ أي: يكفي لكلِّ مَن يصحُّ الخِطابُ له صاعٌ. (رجل) هو الحسنُ بنُ محمدِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، أبوه ابنُ الحَنَفيَّة.

(شعرًا) نصب على التَّمييز. (أو خيرًا) رُوِيَ بالنَّصب عَطفًا على الموصول الذي أُريدَ به النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويُروى: (خيرٌ)، بالرَّفع عطفًا على (أوفى)، لأنه بمعنى أكثر. (ثم أمنا) إمَّا من قَول جابرٍ عطفًا على (كان يكفي)، فيكونُ الإمامُ هو النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وإمَّا من مَقول أبي جعفر عَطفًا على: (فقال جابرٌ)، فالإمام: جابرٌ. وفي الحديث أنَّه يُندَبُ أن لا يُنقصَ ماءُ الغُسل عن صاعٍ، ويجوزُ بأكثرَ إذا لم يُسرِفْ. * * * 253 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلَانِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ. وقالَ يزيدٌ بنُ هارونَ وبهزٌ والجُدِّيُّ، عَنْ شُعْبةَ: قدرِ صاعٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ أَخِيرًا: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة؛ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ. الثالث (م): (أبو نُعيم) هو الفَضلُ بنُ دُكَينٍ. (عمرو) هو ابنُ دينارٍ.

4 - باب من أفاض على رأسه ثلاثا

(من إناء واحد) تعلُّقُ هذا الحديث بالباب؛ إمَّا لأنَّ المُرادَ بالإناء الفَرَقُ المذكورُ أو لكونِه مَعروفًا عندَهم [لم يحتَجْ إلى التَّعريف، أو أنَّ الإناءَ كان مَعهودًا عندَهم] (¬1) أنَّه الذي يَسعُ صاعين أو أكثر، أو أنَّ في الحديثِ اختصارًا، وكانَ في تَمامِه ما يدلُّ عليه، كما في حديثِ عائشةَ رضي الله عنها. (كان ابن عُيينة)؛ أي: أنَّه مُستمرٌّ على ذلك إلى آخر عُمره، أي: فيكونُ عندَه من مُسنَد ميمونة، لكنَّ المُصحَّحَ عند البخاريِّ ما ذكرَه أوَّلًا، وهو أن يكونَ من مُسند ابنِ عبَّاس، وقد وَصَل رواية ابنِ عُيينَة مالكٌ، والشَّافعيُّ، وأبو بكرِ بنُ أبي شَيبَة، والحُمَيدِيُّ وغيرُهم في مَسانيدِهم. * * * 4 - بابُ مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثلَاثًا (باب من أفاض على رأسه ثلاثًا) 254 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَمَّا أنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا)، وَأَشَارَ بِيَدَيهِ كلْتَيْهِمَا. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

الحديث الأول (د م س ق): سبق بيانُ رُواته قريبًا. (أما أنا) لم تعادَل بـ (أمَّا) أُخرى بعدَها؛ لأنَّ ذاك ليس بلازم، والمعنَى مَهما يكنْ من شيء فأنا أُفيضُ، أي: بضَمِّ الهمزة، أو أنَّ السِّياقَ دلَّ على مقابله، ففي "مسلمٍ": أنَّ الصَّحابةَ - رضي الله عنهم - تَمارَوا في صِفَةِ الغُسلِ عندَه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (أمَّا أنا فأُفيضُ)؛ أي: وأمَّا غيري فلا يُفيضُ، أو لا أعلَمُ حالَه، ففيه أنَّه ما كان يُفيضُ من الإناءِ إلَّا ثلاثًا. (كلتيهما) في بعضِها (كلتاهُما)، وهو على لغةِ لزومِ الألف عند إضافتِها للضَّمير كما في الظَّاهر. وقال (ش): على لغةِ من يُلزِم المثنَّى الألفَ، وفيه نظر! وفي الحديثِ: أنَّ الإفاضَة ثلاثًا باليَدَين على الرَّأس، ويقاسُ عليه سائرُ البدَن، وعلى الوضوء، بل هو أولى بالتَّثليث لبناءِ الوُضوء على التَّخفيف. * * * 255 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبهُ، عَنْ مِخْوَلِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يُفْرِغُ عَلَى رَأْسهِ ثَلَاثًا.

الثاني (س): (بشار) بموحَّدة فمعجمة، وقال (ش): إنه بياءٍ ثم مُهملة، وأنَّ الأوَّل نسخة. (غُنْدَر) بضَمِّ المُعجمة وسكونِ النُّون وفتح الدَّال المهملة على الأصح: محمَّد بنُ جَعفر. (مخول) بضَمِّ الميم وفتح المعجمة وتشديد الواو مكسورةً. (كان): يُشعر باستمراره عادةً. * * * 256 - حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ لِي جَابِرٌ: وأَتَانِي ابْنُ عَمِّكَ يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ بنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كيْفَ الغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ؟ فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أكُفٍّ ويُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، فَقَالَ لِي الْحَسَنُ: إِنِّي رَجُلٌ كَثيرُ الشَّعَرِ، فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَكثَرَ مِنْكَ شَعَرًا. الثالث (خ): (معمر) بفتح الميمين وسكون المهملة بينهما، وعند القَابِسِيِّ: بضَمِّ الميم الأولى وتشديد الثَّانية مفتوحةً، وكذا قيَّدُه الحاكم، وجوَّز الغَسَّانِيُّ الوجهَين.

(ابن عمك)؛ أي: ابنُ عمِّ أبيك، ففيه تَجوُّزٌ. (يعرض) هو خلافُ التَّصريح، وهو اصطِلاحًا كنايةٌ سبَقَت لمَوصوفٍ غيرِ مذكورِ، وفي "الكشَّاف": أن تَذكرَ شيئًا تدلُّ به على شيءٍ لم تذكرْه. (الحسن بن مُحَمَّد)؛ أي: ابنُ عليّ بنِ أبي طالب، وأمّ محمَّدِ هي الحَنَفِيَّة. قال ابن عُيينة: ما كان الزُّهْرِيّ إلَّا من غلمان الحسن بن مُحَمَّد، مات سنة مئة. (ثلاثة أكف) إنَّما أتى بالتَّاء مع أنَّ الكَفَّ مؤنَّثةٌ؛ لأنَّ المُراد قدرُ كفٍّ، ثم ليس المُرادُ أنَّ كلَّ مرَّةٍ كفٌّ واحدٌ؛ بل ثلاثُ غَرَفاتٍ بالكفَّين معًا بدليل ما سبق: (وأشار بيدَيه)، فيُحملُ هذا على ذاك. (على رأسه) في بعضِها بإسقاط (على). (ثم يفيض) مفعوله محذوف؛ أي: الماء، ولا يُعاد إلى ما سبق في المَعطوفِ عليه، وهو (ثلاثة أكفٍّ)، ويكونُ قرينتُه العطفَ، لأنَّ البدنَ لا يكفيه ذلك غالبًا. (كثير الشعر)؛ أي: فلا يكفيني هذا العدد، فردُّه عليه بأنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ أكثرَ شعرًا منك ويكفيه، وفي الحديث ندبيَّةُ تقديمِ الإفاضَةِ على الرَّأس. * * *

5 - باب الغسل مرة واحدة

5 - بابُ الغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً (باب الغسل مرة واحدة) 257 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونة: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَاءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أفاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. (ع). (أو ثلاثًا) شكٌّ من ميمونَةَ. (مذاكيره) جَمع (ذَكَر) على غيرِ قياسٍ، فَرقًا بينَه وبينَ جَمع (الذَّكر) خلافِ (الأُنثَى). وقال الأَخفش: إنَّه جمعٌ لا واحدَ له من لفظهِ كـ (أبابيل)، وإنَّما أتى بصيغةِ الجَمع وهو واحدٌ؛ إشارةً إلى غَسل الأُنثَيينِ، وحوالَيهِما معه، كأَنَّه قيلَ: كلُّ جزءٍ من هذا المَجموع كذَكَرٍ في حُكمِ الغَسل، أو (مذاكير) جمعُ (مِذكار)، لكنْ أُهمِلَ المفردُ فاستُعمِل الجَمعُ. وفي الحديثِ استحبابُ غَسلِ اليد أوَّلًا، وتثليثُ غَسلِها، والاستنجاءُ

6 - باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل

قبلَ الغُسل وبالشِّمال، ودَلكُ اليدِ بالأرض، والمَضمَضَةُ والاستِنشَاقُ. ووَجهُ الاستدلالِ به على التَّرجَمة كما قال (ط): إنَّه لم يذكر في الإفاضةِ كمِّيةً، فحُمِلَ على أقلِّ ما يُمكِنُ وهو واحدٌ، والإجماعُ على وجوبِ التَّعميم والإسباغِ لا العدد. قال (ن): ينبغي للمُغتَسل من نحوِ إبريقٍ أن يتَفَطَّن لدقيقةٍ، وهو أنَّه إذا استَنجى يُعيدُ غَسلَ محلَّ الاستنجاء بنيَّةِ غُسلِ الجنابة؛ لأنَّه إذا لم يُغسَل الآن ربَّما غَفَل عنه بعد ذلك، فلا يصحُّ غُسلُه لتَركِه بعضَ البَدَن، وإن تذَكَّر احتاجَ لِمَسِّ فَرجه، فينتقضُ وضوؤُه، أو يحتاجُ إلى كُلفَةِ لفِّ خِرقةٍ على يده. * * * 6 - بابُ مَنْ بَدَأَ بِالحِلَابِ أَوِ الطِّيبِ عِنْدَ الغُسْلِ (باب من بدأ بالحلاب): هو بكسر الحاء المُهمَلة، (أو الطيب عند الغسل): وظاهرُه أنَّه ظنَّ أنَّ (¬1) الحلاب الآتي في الحديث طِيبًا، وليسَ كذلك. قال (ح): إنَّما هو إناءٌ يَسعُ قَدرَ حَلْبِ ناقةٍ، لا المِحْلَبُ الذي يُستَعمَلُ في غَسل الأيدي. ¬

_ (¬1) "أن" ليس في الأصل.

وقال (ط): أما المَحْلَبُ -بالفتح- فهو الحبُّ الطيِّبُ الرِّيح. قال: فإنْ ظنَّ البُخَارِيّ أنَّه ضَربٌ من الطِّيبِ، فقد وَهِمَ، إنَّما هو الحِلابُ الذي كانَ فيه طِيبُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يستعملُه عند الغُسل، ففي الحديثِ: الحضُّ على استعمالِ الطِّيبِ عندَ الغُسل تأسِّيًا به - صلى الله عليه وسلم -. قال (ش): ويُروَى خارجَ الصَّحيحِ: بجيمٍ مضمومَةٍ ولامٍ مُشدَّدةٍ، وفُسِّر بِماء الوَرد. قال في "النهاية": ويحتملُ أنَّ البخارِيَّ إنَّما قاله كذلك، ولهذا عَطَف عليه (الطِّيب)، ولكنَّ الذي يُروى في كتابه إنَّما هو بالحَاء، وهو بِها أشبَهُ؛ لأنَّ الطِّيبَ أليقُ بعدَ الغُسل لا قبلَه؛ لأنه إذا بدأَ به أذهبَه الغُسل. قال (ك): لم يتوهَّم البخاريُّ ذلك، وإنَّما أراد الإناء، والمعنَى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يبتدِئُ عندَ الغُسل بطَلَبِ ظَرفٍ للماء، وإنَّما لم يَذكر الطِّيبَ في الباب لأنَّه عَقَد التَّرجمة لإباحة الأمرَين، بدليلِ (أو) المُنفصلَة، فوفَّى بذكرِ أحدِهِما، وأيضًا فالبخاريُّ كثيرًا ما يترجِمُ ثُم لا يذكرُ في بعضِه حديثًا؛ لأمورٍ سبق بيانُها. وأيضًا فإذا كانَ المُراد من المِحلَبِ الذي يُستعمَلُ في غَسل الأيدي كان ذلك مُشتَرَكَ الإلزامِ؛ لأنه ليس فيه ذكرُ الطِّيب. قال: وأمَّا مناسبةُ اقتِرانِ الطِّيب في التَّرجمة بالظَّرف؛ فمن حيثُ إنَّ كلًّا منهما يُبتدَأُ به في الغُسل، ويحتملُ أنَّه أَرادَ بالحِلاب الإناءَ الذي

فيه الطِّيبُ، يعنِي: أنَّه يبدأُ تارةً بطلَبِ ظَرفِ الطِّيبِ، وتارةً بطلَب نفسِ الطِّيب؛ سلَّمنا أنَّه يوهِمُ ما يستعملُ في غَسل الأيدي، لكنَّ غَرضَه منه أنَّه ليس بطيبٍ؛ فإنَّه جعل الطِّيبَ قسيمَه؛ أي: إنَّ رفعَ الأذى بأحدِ أمرين؛ المزيلِ للأذى، أو تحصيلِ الطِّيب الذي هو ضدُّه، انتهى مُلخَّصًا، وهو مع تكلُّفه لا حاصلَ له في الجواب. * * * 258 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ دَعَا بِشَيءٍ نَحْوَ الحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ. الحديث (م د س): (أبو عاصم) هو الضَّحَّاكُ بن مَخْلَد. (حنظلة)؛ أي: ابنُ أبي سفيان القُرَشيُّ. (وقال بهما)؛ أي: بالكفَّين، وأجَرى (قال) مجرى (فَعَل)، وهو من إطلاقِ القَول على الفِعل مَجازًا. (وسط) بتحريك السين، حاقُّ الوَسَط، أي: مركزُه، وبالتَّسكين أعمُّ منه. وقال الجوهري: بالسكون ظَرفٌ، وبالحَرَكة اسمٌ، وكلُّ مَوضِعٍ صلح فيه (بَينَ) سُكِّنَ وإلا حُرِّكَ. * * *

7 - باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة

7 - بابُ المَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاق فِي الجَنَابَةِ (باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة)؛ أي: في غُسلِ الجَنابة. 259 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثتنَا مَيْمُونةُ قَالَتْ: صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلًا، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا. (أبي)؛ أي: حفصُ بنُ غياثٍ. (غسلًا) بضَمِّ الغين، أي: ماءً، بدليل ما سبَق: (وضَعتُ له ماءً). (فرجه) فيه إطلاقُ الفَرْجِ على الذَّكر. (ثم قال بيده) أقامَ (القولَ) مَقام (الفعل)، كما سبق في رواية: (فقالَ بِهما). قال (ط): كما أقامَ الفعل مَقام القَول في حديث: "لا حَسَد إلا في اثنتين"، ثم قال في الذي يتلو القرآن: "لو أوتيتُ مثلَ ما أوتِيَ هذا

لفعلتُ مثلَ ما فَعل". قال: وفيه أنَّ الإشارة باليد تُسمَّى قولًا، تقولُ العربُ: قل لِي برأسك، أي: أمِلْهُ. قال (ش): وفي رواية أبي داودَ: (ثمَّ ضَرَب بيده الأرضَ). (ثم تنحى)؛ أي: بَعُد، وسبَقَ بيانُ حكمِ ذلك، وحكمتُه والخلافُ فيه، ففي الحديث غَسلُ اليدينِ، والفَرجِ، ودلكُ اليد بالأرضِ، والمَضمَضةُ والاستِنشاق قبلَ الغُسل، وسبق بيانُ الحكمة في وجوبِهما أو نَدبِهما. (بمنديل) مأخوذٌ من النَّدْل، وهو الوَسَخُ؛ لأنَّه يُندَلُ به، يقال: تندَّلْتُ بالمِندِيل. قال الجوهري: ويقالُ: تَمَندَلتُ به، وأنكَرَهُما الكِسائِيُّ. (فلم ينفض بِها) أنَّثَ على معنَى (الخِرقة) كما في حديث عائشةَ: (كانت له خِرقةٌ يتنشَّف بِها)، وإلا فالمِنديلُ مُذَكَّرٌ، ورواية مسلم: (فَرَدَّه). (قال أبو عبد الله)؛ أي: البخاريُّ: إنَّ المعنَى في: (لم يَنفُض بِها)؛ لم يَتمسَّح بِها. وفي التَّنشيفِ في الوُضوء والغُسل خَمسةُ أوجُهٍ عندنا كما قال (ن): يندبُ تَركُه، مكروهٌ، مباحٌ، مستحبٌّ؛ لما فيه من الاحترازِ عن الأَوساخِ، يُكرَه في الصَّيف دون الشِّتاء. قال (ط): أجمعوا على عدمِ وجوبِ الوضوء في غُسل الجنابة،

8 - باب مسح اليد بالتراب ليكون أنقى

والمَضمضةُ والاستنشاقُ سُنَّتان في الوُضوء؛ فسقَطتَا لسُقوطِ الوضوء، فدَلَّ أنَّهما في حديثِ مَيمونةَ سُنَّتان، قال: وتركُهُ المِنديلَ لإبقاءِ بَرَكة المَاءِ. وقال التَّيمِيُّ: ما أُتِيَ بالمِنديلِ إلَّا أنَّه كان يَتَنَشَّفُ، ورَدُّه؛ لعلَّه كانَ وَسِخًا أو نحوَه. * * * 8 - بابُ مَسْحِ اليَدِ بالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى (باب مَسْحِ اليَدِ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى): حَذَف (مِن) الملازمةَ لأفعَل التَّفضيل المُنَكَّر، أي: أنقى من غير المَمسوحَة. قال (ك): إنَّه حينئذٍ يكونُ مفردًا مذكَّرًا، فلذلك لم يطابِقْ اسمَ (كان). قلت: إن عَنَى أنَّ اسمها ضميرُ اليدِ صَحَّ ما قاله، والظَّاهرُ أنَّ اسمَها يعودُ على المَسح أو نحوِه، فالمُطابقة حاصلةٌ. 260 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة: أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الحَائِطَ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.

9 - باب هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة؟

(سفيان)؛ أي: ابنُ عُيينة. (الأعمش)؛ أي: سليمان، وفي السَّند ثلاثةٌ تابعيُّون، وصَحابيَّانِ. (فغسل) من عَطفِ المُفصَّل على المُجمَل؛ لأنَّه تفسيرٌ لِـ (اغتسل)، وإلا فغَسلُ الفَرج والدَّلكُ ليس بعد الغُسلِ. وهذا الحديثُ وإن عُلِم حكمُه من الباب قبلَه؛ فليس بتكرار؛ لأنَّ غرضَ البخاريِّ بِمِثلِها خلافُ استِخراجات الشُّيوخ، مثلًا عمرُو بنُ حَفصٍ رَوَى الحديثَ في مَعرِضِ المَضمَضة والاستِنشاق في الجَنابة، والحُمَيدِيُّ في مَعرِضِ مَسحِ اليَد بالتُّراب، هذا مع إفادَة التَّقوِيةِ والتَّأكيدِ. * * * 9 - بابٌ هَلْ يُدْخِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا إِذا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ غَيْرُ الجَنَابَةِ؟ وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ، وَلَمْ يَغْسِلْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأْسًا بِمَا يَنْتَضحُ مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ. (باب هل يدخل الجنب يده في الإناء ...) إلى آخره.

(قذر) ضِدُّ النَّظافة، من قَذِرْتُ الشَّيءَ -بالكَسرِ-: كَرِهتُه. (يده)؛ أي: أَدخَل كلٌّ منهما يدَه، وفي بعضِ النُّسخ: (يدَيهما ولم يغسلاهُما، ثم تَوضَّأا)، بالتثنية في الكل. (في الطهور) بالفَتح على المَشهور. (ينتضح)؛ أي، يتَرَشرَشُ. قال الحسن: ومن يَملك انتشارَ الماء؟ إنَّا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسَعُ. * * * 261 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أفلَحُ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ. الحديث الأول (م): (أفلح) هو ابنُ حُمَيدٍ الأنصاريُّ، والسَّنَدُ كلُّه مدني. (والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالرَّفع والنَّصب سبق توجيههما. (تختلف)؛ أي: إدخالًا وإخراجًا. * * * 262 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ.

الحديث الثاني (د): (حماد) هو ابنُ زيد. (غسل يده)؛ أي قبل إدخالِها في الماء، وليس فيما أوردَه البخاريُّ في الباب غَسلُ اليدِ إلَّا في هذا الحديث، وحُمِل غَسلُها قبلَ إدخالِها على ما إذا خَشِيَ أن يكونَ عَلِقَ بِها شيءٌ من أذى الجنابة أو غيرِها، فاستُعمِل في اختلاف الأحاديث ما جُمعَ فيه بين معانيها وانتفاءِ التَّعارضِ عنها. وقد أشار إلى ذلك (ط) قال: لأنَّ يدَه إذا كانت طاهرةً من النَّجاسة وهو جُنُب، جاز أن يُدخِلَها قبل أن يَغسلَها، لأنَّ الجنابة لم تُنَجِّس شيئًا منه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمنُ لا ينجُسُ"، انتهى. وقال بعضهم: وجهُ مُطابقته للتَّرجَمة أنَّه لمَّا جازَ إدخالُ اليدِ في أثناء الغُسل قبل تَمامِ الطُّهر جاز في ابتدائه، وأمَّا التَّوفيقُ بينَه وبين حديثِ ميمونةَ: أنَّه إذا اغتسل من الجنابةِ غَسَل يده، فلأنَّ ذلك نَدبٌ، وهذا جوازٌ. قال (ك): أو أنَّ هذا مُطلَقٌ وذلك مقيَّدٌ، فيُحمَل عليه، فيكونُ مَندوبًا. * * * 263 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ.

263 / -م - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَهُ. الثالث (س): (أبو الوليد) هو هِشَامُ الطيالِسِيُّ. (من إناء واحد من جنابة): (من) الأولى للابتِداء، والثَّانية: سببيةٌ، أي: من أجلِ الجنابةِ، وذلك جائزٌ، ولو تعلَّقا بفعلٍ واحدٍ. أو يقال: متعلِّقةٌ بمحذوفٍ، أي: آخذَينِ أو مُستَعملَين الماءَ من إناءٍ واحدٍ، فهي ظَرفٌ مستقرٌّ، والثانيةُ: لَغوٌ. (وعن عبد الرَّحْمَن) عطفٌ على (أبي بكر)؛ أي: حدَّثَ أبو الوليدِ عن شُعبَةَ عنهما، فيكونُ متَّصلًا لا تَعليقًا. (عن أَبيه) أي: القاسِمِ بنِ محمَّدِ بنِ أبي بكرٍ الصِّديقِ يَروي (¬1) عن عمَّته عائِشَةَ. (مثله): منصوبٌ، ويجوزُ رَفعُه، وفي بعضِها: (بِمثلِه) -بالمُوحَّدة-. * * * 264 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "الصديق يروي" ليس في الأصل.

10 - باب تفريق الغسل والوضوء

وَالمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. زَادَ مُسْلِمٌ وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ: مِنَ الجَنَابَةِ. الرابع (م): (عبد الله بن عبد الله) مكبَّران. (والمرأة) اللامُ للجنس. (زاد مسلم)؛ أي: ابنُ إبراهيمَ. (ووهب)؛ أي: ابنُ جَريرٍ. (عن شعبة)؛ أي: عمَّن في السَّند السَّابق، وهو عن عبد الله: سمعتُ أنسًا. ثمَّ ظاهرُ هذا أنَّه تعليقٌ من البُخاريِّ، لأنَّه حين وفاةِ وَهْبٍ كانَ ابنَ اثنتَي عشرةَ سنةً، ويحتملُ أنَّه سمعَه منه، وإدخالُه في مَسلَكِ مسلمٍ يدلُّ علَيه. قلت: وهو على كل حالٍ: زيادةُ وهْب وصَلَها الإسماعيلِيُّ، وزيادةُ مُسلمٍ؛ قال بعضُ العَصريينَ: لم أجِدْها. * * * 10 - بابُ تَفْرِيقِ الغُسْلِ وَالوُضُوءِ وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ. (باب تفريق الغسل والوضوء): يحتملُ أنَّه يريدُ بذلك تركَ

المُوالاة، وأن يريدَ الغُسل لا يكفي عن الوُضوءِ لِمَن عليه الحَدَثان، لكنَّ الأوَّل أظهرُ، بدليلِ أثرِ ابنِ عمرَ. (ويذكر عن ابن عمر) تعليقٌ بتَمريضٍ، وهو في "الأمِّ" عن مالكٍ عن نافعٍ، عنه، لكنْ فيه أنَّه توضَّأ في السُّوقِ دونَ رِجلَيه، ثم رَجَع إلى المَسجدِ، فمسحَ على خُفَّيه، ثم صلَّى، والإسنادُ صحيحٌ، فلعلَّ البخاريَّ إنَّما لم يَجزِمْ به لكَونه ذَكرَه بالمعنَى. (وضوؤه) بالفَتح، أي: الماءُ الذي يَتوضَّأ به. * * * 265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أفرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وغَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. (محبوب) بمُهمَلةٍ فمُوحَّدة مكرَّرةٍ، قيل: وهذا لَقَبٌ، وإنَّما اسمُه الحسَنُ، وأكثرُ مباحثِ الحديثِ سبَقت. (ثلاثًا) الظَّاهرُ عَودُه لجميعِ الأفعال السَّابقة، ويحتملُ عودَه للأخيرِ فقط، وهو يناسبُ قولَ الحنفيَّة: إنَّ القَيدَ المُتَعقِّبَ (¬1) لجُملٍ ¬

_ (¬1) "المتعقب" ليس في الأصل.

11 - باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل

يعودُ للأخير، والشَّافعيَّةُ قالوا: للكلِّ. (مقامه) -بفَتح الميم- اسمُ المكان، وهو إن كانَ مِنْ: قامَ يقومُ، فلا يُستَدلُّ به على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - اغتَسَلَ قائمًا؛ لأنَّ العُرفَ يُطلِقُه على المَكانِ سواءٌ كانَ قائِمًا فيه أو قاعِدًا، ففي الحديثِ جوازُ تأخيرِ غَسلِ بعضٍ قبلَ جَفافِ الأوَّلِ، وأصحُّ قولَي الشَّافعي: أنَّ الموالاة سُنَّةٌ لهذا الحديث؛ ولأنَّ الله تعالى إنَّما أوجَبَ غَسلَ الأعضاء، فمَن أتى به امتَثَلَ مُواصِلًا أو مُفَرِّقًا، وأوجبَها مالكٌ إلَّا إنْ كانَ ناسيًا، أو كانَ التَّفريقُ يسيرًا؛ نعم، نَقَلَ عنه ابنُ وَهْبٍ أنَّها مُستَحبَّة. وقال الطَّحاويُّ: إنَّ تنَحِّيَه - صلى الله عليه وسلم - ظاهرُه القُربُ، يُشعِرُ به لفظُ (التَّنَحِّي)، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يترك المُوالاة، وتواطأَ بعدَه السَّلفُ عليه، أي: فاليسيرُ لا يضُرُّ، ولا ينبغي أن يُقاس عليه الكثير كما في الحجِّ، فإنَّ اليسيرَ في الصَّلاة لا يُبطِلُ، والكثيرَ يُبطِلُ، وقياسُه بِها أولَى مِنَ الحجِّ، لأنَّ الطَّهارة تُرادُ للصَّلاة. * * * 11 - بابُ مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ (باب من أفرغ بيمينه على شماله) 266 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ

عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلًا وَسَتَرْتُهُ، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ -قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لا- ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوْ بِالحَائِطِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا. (غسلًا) -بضَمِّ الغَين-: الماءُ، وتقدَّم أنَّه بفَتحِها: الفِعلُ، وبكَسرِها: ما يُغسَل به من سِدْرٍ ونحوِه. (وسترته)؛ أي: غطَّت رأسَه. (فصب) عطفٌ على مَحذوفٍ، أي: فأرادَ الغُسلَ، فكَشَف رأسَه فأخذَه فصبَّ على يدِه، والمُرادُ باليدِ الجنسُ، فيصِحُّ إرادةُ كلتَيهما. (سليمان) هو الأعمشُ، وهذا من قَول أبي عَوانَةَ. (وذكر)؛ أي: سالِمٌ. (فقال بيده)؛ أي: أشارَ أنَّه لا يتناوَلُها. (ولم يردها) من الإرادَةِ، وقد سبقَ حكايةُ (ن) الأوجهَ الخَمسةَ في التَّنشيفِ، ونَزيدُ هنا: أنَّ للصَّحابةِ ثلاثةُ مذاهبَ؛ فقال أنسٌ: لا بَأَسَ به في الوُضوء والغُسل. وقال ابن عمَرَ: مكروهٌ فيهما. وقال ابنُ عبَّاس: يُكرَه في الوضوءِ دونَ الغُسل.

12 - باب إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه في غسل واحد

وفي الحديث خدمةُ الزَّوجاتِ للأزواج، وتغطيَةُ الماء، والصبُّ على اليَدِ دونَ إدخالِها. قال (ط): والحديثُ مَحمولٌ عند البُخاريِّ على أنَّه كانَ في يده أو في فَرجِه أذى، فلذلك دَلَك يدَه بالأرض وغَسَلها قبلَ إدخالِها. قال (ح): صبُّ الماء باليمينِ على الشِّمالِ واضحٌ، وغَسلُ الأطرافِ إن كانَ الإناءُ واسِعًا، فيضَعُه عن يمينِه، ويأخذُ منه بيُمناه، أو ضيِّقًا فعَن يسارِه، ويصبُّ منه على يمينِه، وردُّه الخِرقَةَ ليس لأنَّه غيرُ مباحٍ، فقد رُوِيَ عن قيسِ بنِ سَعدٍ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اغتسَلَ، فأتيناهُ بِمِلْحَفَةٍ فالتَحَفَ بِها. وفيه: أنَّ تقديمَ الاستنجاء أولى، وإن جازَ تأخُّرُه؛ لأنَّهما طهارتانِ مختلفتان، فلا ترتيبَ بينَهُما، وفيه الوُضوءُ قبلَ الغُسل، وأوجبَه داودُ مُطلَقًا، وقومٌ إن كانَ مُحدِثًا، ومذهبُ الشَّافعيِّ دخولُ الوضوء في الغُسل، وفيه التَّباعدُ في غَسلِ الرِّجلَين، وسبقَ بيانُه. * * * 12 - بابٌ إِذَا جَامَعَ ثمَّ عَادَ، وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحدٍ (باب إذا جامع ثم عاد): في بعضِها: (عاوَدَ). 267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ،

وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا. الحديث الأول (م): (بشار) بالموحَّدة وشينٍ مُعجَمة مشدَّدة، أي: بُنْدارٌ. (ابن أبي عدي) محمدُ بنُ إبراهيمَ، فأبو عَدِيٍّ كنيةُ إبراهيمَ. (ذكرته) أي: ذكرتُ ما يأتي به، وهو قول ابنِ عمَرَ: ما أحِبُّ ... ، إلى آخره. (أَبا عبد الرَّحْمَن) هو كنيةُ ابنِ عمرَ، وترحُّمُها له. فيه إشعار بأنَّه سَها فيما قاله في شأنِ النَّضْحِ، وغَفَلَ عن حالِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. (ينضخ) بالخاء المُعجَمةِ، وفي بعضِها: بالمُهمَلة، قيل بمعنًى، وهو الرَّشّ، وقيل بالمُعجمَة أوسعُ وأكثرُ. * * * 268 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قتادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى

عَشْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَنسٍ: أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كنَّا نتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قتَادَةَ: إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ: تِسْعُ نِسْوَةٍ. الحديث الثاني: (أبي)؛ يعني: هشامَ بنَ أبي عبدِ الله. (من الليل والنهار) الواو بمعنَى (أو). (وهن إحدى عشرة) الإطلاقُ في الحديثِ السَّابقِ محمولٌ على هذا، حتَّى يكونَ للأوَّلِ دَخْلٌ في التَّرجَمة؛ لأنَّ النِّساء أوَّلًا لو كُنَّ قليلًا ما كان يتَعذَّر الغُسلُ من وَطءِ كلِّ واحدةٍ بخلافِ الأحدَ عشَرَ، إذ يتَعَذَّر في ساعةٍ واحدةٍ في العادة المُباشرةُ والغُسل إحدى عشرةَ مرَّةً. واعلم أنَّه لا تعارضَ بين هذا والحديثِ الآخر (تسعُ نِسوَةٍ) لاختلافِ الأَوقاتِ، أو أنَّه أَرادَ ما سِوى سَراريه: ماريَةَ، ورَيحانةَ، أو المُراد: زَينَبُ بنتُ خُزَيْمَةَ أيضًا ورَيحانةُ أيضًا. قلت: فيه نظر!، وفي الحديثِ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يُباحُ له نكاحُ أكثرَ من تِسعَةٍ، وهو الأصحُّ عندَ الشَّافعيَّة. قلت: في ذلك نَظَر؛ لما سبَقَ في الجَمعِ بينه وبين حديث (تسعة). (قال)؛ أي: قتادةُ. (أو كان) الهمزةُ للاستِفهام، والعَطفُ على مُقدَّرٍ، أي: أثَبَتَ ذلك؟ على طريقةِ من يَلتزِمُ ذلك، وسبَق مرَّاتٍ.

(ثلاثين) مُميِّزُه محذوفٌ، أي: ثلاثين رجلًا. (وقال سعيد) هو ابنُ أبي عَرُوبَةَ بفتحِ المُهمَلة وضَمِّ الرَّاء المُوحَّدة، والظَّاهرُ أنَّه تعليقٌ، ووصَله البخاريُّ في (باب الجُنُب يَخرُجُ وَيمشي في الأسواق)، ويحتملُ أنَّه من كلامِ ابن عَدِيٍّ، ويحيى القَطَّان، لأنَّهما يروِيان عنه، وأن يكونَ من كلامِ معاذٍ إن صحَّت روايته عن ابن أبي عَروبَةَ. (تسع) بالرفعِ، لأنَّه بدلٌ من العَدَدِ السَّابق، وذلك خبَرُ مبتدأ، وهو: (وهُنَّ)، أي: عائشةُ، وحفصَةُ، وأمُّ سلَمَةَ، وزينبُ بنتُ جَحشٍ، وأمُّ حبيبةَ، وجُوَيرِيَة، وميمونةُ، وصَفِيَّةُ، وسَودَةُ. قال (ط): اختلفوا فيمَن وطِيءَ نسوةً؛ هل يتوضَّأ عندَ وَطْءِ كلِّ واحدةٍ وُضوءَه للصَّلاة؟ ولم يختلفوا في أنَّ الغُسل لهنَّ واحدٌ، وأمَّا وطؤُه الكُلَّ في ساعةٍ، فقيل: لأنَّ القَسم لم يكنْ واجبًا عليه، كما هو وجهٌ لأصحابنا، أو أنَّه لمَّا رَجَعَ من سفرٍ وأرادَ القَسم ولا واحدةَ أَولى من الأُخرى بالبِدايةِ بِها، فَوَطِيءَ الكُلَّ، أو كانَ ذلك باستِطابتِهِنَّ كما استَأذَنَ أنْ يُمَرَّضَ في بيت عائشةَ، أو الدَّورانُ كان يومَ القُرعَةِ للقِسمَة قبلَ أن يَقْرَعَ بينَهنَّ. قال: وفي الحديث عَدُّ السَّراري من النِّساء، قال: لأنَّه لا يحلُّ له إلَّا تسعةٌ، أي: على مذهَبِه، وفيه أنَّه لا يَجِبُ التَّدلُّكُ في الغُسل، إذ الغُسلُ لا يُبقي أثرَ الطِّيبِ، وقال الطَّحاويُّ: يجوزُ أن يكونَ ذلك، وقد

13 - باب غسل المذي والوضوء منه

غَسَله، وهكذا الطِّيبُ إذا كانَ كثيرًا. * * * 13 - بابُ غَسْلِ المَذْي وَالوُضُوءِ مِنْهُ (باب غسل المذي): سبق بيانُه ولُغاتُه. 269 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ رَجُلًا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَسَأَلَ فَقَالَ: (تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ). (أبو الوليد) هشامٌ. (زائدة)؛ أي: ابنُ قُدامَةَ. (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصَّاد المُهملتَين، عثمانُ بنُ عاصِمٍ. (عن أبي عبد الرَّحْمَن)؛ أي: عبدِ الله بنِ حبيبٍ. (رجلًا) هو المقدادُ. (ابنته)؛ أي: فاطمةُ - رضي الله عنها -، فاستحيَا أن يسألَ بنَفسِه (¬1) عمَّا يتعلَّقُ بشَهوَةِ النِّساءِ لذلك. ¬

_ (¬1) في الأصل: "لنفسه"، والمثبت من "ف" و"ب".

14 - باب من تطيب ثم اغتسل، ولقي أثر الطيب

(ذكرك) في رواية عن مالكٍ، وأحمدَ: الكُلُّ، لظاهِرِ إطلاقِ ذلك، ولأنَّ المعنَى أنْ تتقَلَّصَ عُروقُه فينقطِعَ، والواجبُ عند الشَّافعيِّ والجماهيرِ غَسلُ ما أصابَه قياسًا على البَول، ولأنَّهم لم يكونوا مُتَحرِّزينَ عن المَذيِ تَحَرُّزَهم عن البَول، فأَمَرَ بغَسل الكُلِّ. والظَّاهرُ أنَّ المرادَ غَسلُ ما أصابه المَذيُ منه لا الكلِّ كما في البَول، ويُؤيِّدُه قولُه في رواية: (اغسله)، والضَّميرُ للمَذيِ، ورواية: (فليَغسِل فَرجَه)، والفَرجُ: المَخرَجُ. وفي الحديث جوازُ تأخيرِ الاستنجاءِ عن التَّوضُّؤ، وغيرُ ذلك ممَّا سبَق في (باب من استَحيا فأمَرَ غيرَه بالسُّؤالِ) آخر (كتاب العلم). * * * 14 - بابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ، وَلَقِيَ أَثرُ الطِّيبِ (باب من تطيب ثم اغتسل، وبقي أثر الطِّيب) 270 - حَدَّثَنَا أَبَو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَذَكرْتُ لَهَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.

الحديث الأول: (أبو النُّعمان) بضَمِّ النُّون: مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ. (سألت عائشة)؛ أي: عن التَّطَيُّبِ قبلَ الإحرام. (وأنضخ) بمهمَلةٍ ومعجَمَةٍ، روايتان. (طاف) كنايةٌ عنِ الجِماعِ. (أصبح محرمًا)؛ أي: ناضِخًا طِيبًا، حتَّى يحصلَ الرَّدُّ بذلك على ابنِ عمرَ، وبه طابقَ ترجمةَ الباب، ففي الحديث ندبُ الطِّيبِ قبلَ الإحرام، وجوازُ ردِّ بعضِ الصَّحَابَة على بعضٍ، وخدمةُ الأزواج. * * * 271 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أنظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُحْرِمٌ. الحديث الثاني: (وبيص) بفتح الواو وكسرِ الموَحَّدة وصادٍ مهمَلة: بريقُ اللَّون، ويقالُ فيه أَيضًا: بَصَّ بَصيصًا بمعنًى، وبَصَّ وَبيصًا. (مفرق) بفتح الميمِ وكسرِ الرَّاء وفتحِها، ووجه الدَّليل من نظَرِها بعدَ الإحرامِ أنَّ الطِّيبَ إنَّما كانَ بعد الغُسل؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لا يترك غُسلَ الإحرام، فلو كانَ الطِّيبُ قبلَ الغُسل لزالَ به، فهو دليلٌ على مالكٍ في

15 - باب تخليل الشعر، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه

قوله: إنَّ الطِّيبَ إنَّما كان لمُباشَرَة نسائِه لا للإحرام، وأنَّ نظَرَ عائشةَ إنَّما هو لأثَرِ الطِّيب لا لجِرْمِهِ، ولنا حديثُها: كنتُ أُطَيِّبُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لحَرَمِه وحِلِّه، فصرَّحت بأنَّه للإحرامِ لا للنِّساء، وتأويلُه برؤيةِ الأثرِ لا ضرورةَ إليه. وجعَلَه (ط) من خصائِصِه - صلى الله عليه وسلم -، فغيرُه لا يُسنُّ له الطِّيبُ للإحرام. قال: لأنَّه من دَواعي الجِماع، والجِماعُ مُفسِدٌ للحجِّ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان أملكَ لإِرْبِهِ من الأمَّة، فلذلك لا يتَجَنَّبُ الطِّيبَ في الإحرام، ونحن لضَعفِنا نهَانا عنه. * * * 15 - بابُ تَخْلِيلِ الشَّعَرِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ (باب تخليل الشعر) 272 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّه قَدْ أَرْوَى بَشَرتَهُ، أفاضَ عَلَيْهِ المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ.

273 - وَقَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا. (أروى)؛ أي: جعَلَه ريَّانًا. (إذا اغتسل)؛ أي: أَرادَ الاغتِسالَ. (ثم اغتسل)؛ أي: أَخَذَ في أفعالِ الغُسلِ. (أن قد)؛ أي: أنَّه قَد، فهي المخفَّفة من الثَّقيلة، واسمُها ضميرُ الشَّأنِ حُذِفَ وُجوبًا، وفي بعضِها: (أنَّه)، فالضَّميرُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (عليه)؛ أي: على شعرِ رأسِه، وقيل: المرادُ بالشَّعر: الكُلُّ. (نغرف): حالٌ أو استِئنَافٌ. (جميعًا) حالٌ أَيضًا، خلافًا لِما يوهِمُه قولُ (ك): إنَّه لفظٌ يُؤَكَّدُ به، يقالُ: جاؤوا جميعًا، أي: كلُّهم، والجميعُ: ضِدُّ التَّفريق، ويحتملُ هنا أنْ يرادَ: جَميعُ المَغروفِ، أو جَميعُ الغَارفِين. قال (ط): تخليلُ شعر الرَّأس إجماعٌ، وأمَّا شعرُ اللِّحية؛ فرَوَى ابنُ القاسِمِ عن مالكٍ: أنَّه لا يجبُ تخليلُه لا في غُسلٍ ولا في وُضوءٍ، ورَوَى ابن وَهْبٍ عنه وجوبَه مُطلَقًا، وبه قال المُزَنِيُّ، فقالَ: تخليلُها واجبٌ في الوُضوءِ والغُسلِ، واشتُهِرَ عنه الوجوبُ في الغُسل دونَ الوضوء؛ لأنَّ عبد الله بنَ زيدٍ لم يذكرْه في صِفَةِ وُضوئِه - صلى الله عليه وسلم -، وبه قالَ أبو حنيفةَ، وأحمدُ. وقال الشَّافعيُّ: التَّخليلُ كلُّه مسنونٌ، وإيصالُ الماءِ إلى البَشَرةِ

16 - باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده ولم يعد غسل مواضع الوضوء مرة أخرى

واجبٌ في الجنابةِ، أي: وفي الوضوء في شَعرِ الوَجهِ الخَفيفِ، والكثيفِ إذا كانت كثافتُه نادرةً لا غالبَةً. قال: وحجَةُ مَن لَم يوجِبْه في الجنابة أنَّ داخِلَ العَين لا يجب غَسلُه لعلِّةِ أنَّ دونَه ساترًا خَلقِيًّا، فكذا هنا، وأيضًا الأمرَدُ كانَ يجب غَسلُ بَشَرَة ذَقنِه، فلما استتر باللِّحيةِ سقَطَ في الوضوءِ، فيسقُطُ في الجنابة. * * * 16 - بابُ مَنْ تَوَضَّأَ فِي الجَنَابَةِ ثمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الوُضُوء مَرَّةً أُخْرَى (باب من توضأ في الجنابة ...) إلى آخره. 274 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: وَضعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءًا لِجَنَابَةٍ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ -أَوِ الحَائِطِ- مَرَّتينِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ المَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تنحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ بِيَدِهِ.

(وضوء الجنابة) بفتحِ الواو، وفي رواية: (وضوءًا) بالتَّنوين (لِجَنَابةٍ) بلام الجرِّ، وإنَّما أُضيفَ أو أعِدَّ للجنابة مع أنَّ الوَضوءَ هو الماءُ المُعَدُّ للوُضوءِ؛ لأنَّه صارَ اسمًا له، ولو استُعمِل في غير الوُضوء. قال (ك): ومثلُه يُسمَّى بالمَجازِ غيرِ المقيَّد، كإطلاق المَرْسِنِ على أنفِ الإنسانِ، ونحوِه ممَّا أُطلِقَ المُقيَّدُ وأُريدَ به المُطلَقُ. (فأكفأ) بالهَمزِ، أي: قَلَبَ. (على يساره) في بعضِها: (على شِمالِه). (يده بالأرض) في بعضِها (بيدِه الأرضَ)، والمعنَى واحدٌ. (ذراعيه)؛ أي: ساعدَيه إلى المِرفق، يذكَّرُ ويؤَنَّثُ. (أفاض)؛ أي: أفرَغَ. (فلم يردها) من الإرادةِ، وعندَ ابنِ السَّكَنِ بالتَّشديدِ مِنَ الرَّدِّ. قال في "المطالع": وهو وَهْم، أي: وتدُلُّ له الرِّاويةُ الآتية: (فلم يأخُذْها). (ينفض) فيه أنَّه لا بأسَ بنَفْضِ اليَدِ بعد الوُضوء أو الغُسل، أي: مباحٌ، وهو أظهرُ الأوجُهِ عندنا، كما قاله (ن)، وأنَّه المُختارُ إذ لم يثبتْ في النَّهي شيءٌ. قال: وأشهرُها أنَّ المستَحَبَّ تركُه، وثالثها: مَكروهٌ. قال (ط): وكأنَّ الحديثَ السَّابق الذي فيه: (ثُمَّ غَسَلَ سائر

جَسَده) أولى بالتَّرجمة من هذا الحديث؛ لأنَّه بوَّبَ هنا: (ثُمَّ غَسَلَ سائر جَسَده)، وهو تفسيرٌ لرواية: (ثُمَّ أفاضَ على جَسَده الماءَ)، فإنَّ المُرادَ الغَسلُ لما بقيَ من الجسَدِ دونَ إعادةِ أعضاءِ الوُضوء. قال: وأجمعوا أنَّ الوُضوء ليسَ بواجبٍ في غُسل الجنابة، فلمَّا نابَ غَسلُ مواضعِ الوُضوء وهو سنَّةٌ في الجنابة عن غَسلِها وهو فريضَةٌ؛ صحَّ بذلك ما رُوِيَ عن مالكٍ: أنَّ غُسلَ الجُمعةِ يُجزِيءُ عن غُسل الجنابة، وحجَّةٌ أَيضًا لقَولِ مالكٍ فيمن جَدَّدَ الوُضوءَ للعَصر بعد ما صلَّى الظُّهرَ بوُضوءٍ، ثُمَّ تذكَّر (¬1) أنَّ الوُضوءَ الأوَّل انتَقَضَ أنَّ صلاتَه تُجزِئُه؛ لأنَّ الوُضوءَ للسُّنة يجزِيءُ به عن الفَرض. قال (ك): ليس في الحديثِ أن السُّنَّة نَابَتْ عن الفَريضَةِ؛ إذ ليسَ فيه أنَّ غَسلَه للوَجه والذِّراعَين كان للوُضوءِ أو للسُّنة، بل كانَ للجَنابة، فلا يدلُّ لِمَالكٍ على ما سبَقَ، بل ليسَ فيهِ أنَّه لم يُعِدْ غَسلَ مواضعِ الوُضوء، بل قولُه: (ثُمَّ غَسَلَ سائر جَسَده) شاملٌ لتمامِ البَدَن، أعضاءِ الوُضوءِ وغيرِها، وكذا الحديثُ الآخر: (سائرَ جَسَدِه)، أي: باقي البَدَنِ غيرَ الرَّأس لا غيرَ أعضاءِ الوُضوء. * * * ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "أي: بعد صلاة العصر".

17 - باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم

17 - بابٌ إِذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ (باب إذا ذكر في المسجد أنَّه جنب يخرج كما هو): (ما) موصولةٌ أو مَوصوفةٌ، وهي مبتدأٌ، والخبَرُ محذوفٌ، أي: كالأمرِ الذي هو عليه، أو كحالةٍ هو علَيها، وتُسمَّى هذه الكافُ كافَ المُقارنة، أي: مقارِنًا للأمرِ أو الحالةِ التي هو عليها، أي: الجنابة. 275 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لنا: (مَكَانَكُمْ)، ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. (م). (عثمان بن عمر) بلا واوٍ. (وعدلت)، أي: سوِّيت، من عَدَّلتُه فاعتَدَل، أي: قَوَّمتُه فاستَقامَ. (قيامًا) جمع (قائم) كتُجَّار جَمعُ (تاجِرٍ)، أو أنَّه مصدرٌ بمعنَى

(فاعل)، فنصبُه على الحالِ، أو على حقيقَتِه؛ ونصبُه على التَّمييز. (مكانكم)؛ أي: اِلزمُوا مكانكَم، فهو مفعولٌ به، أو أنَّه للأَمرِ، اسمُ فعلٍ بمعنَى: اِلزَمْ، ففَتحتُه بناءٌ. (ذكر أنَّه جنب) وإنَّما فَهِمَ أبو هريرة ذلك بالقرائِنِ، لأنَّ الذِّكْرَ باطِنِيٌّ لا يُطَّلعُ عليه. (فكبر) ظاهرُ تعقيبِه بالفاءِ: أنَّ الإقامَةَ لَم تُعَدْ، وهو حُجَّةٌ لقَولِ الجُمهورِ بأنَّ الفَصلَ جائزٌ بينَها وبين الصَّلاة بالكلام مُطلقًا، وبالفعلِ إذا كانَ لمَصلَحَةِ الصَّلاة، وقيلَ يَمتَنِعُ، ويؤوَّل: (فكبَّر)، أي: مع رِعايَةِ ما هو وظيفةٌ للصَّلاة كالإقامة، أو يؤوَّلُ قولُه أوَّلًا (أُقيمَت) بغَير الإقامة الاصطِلاحيَّةِ. (تابعه عبد الأعلى) الضميرُ لعثمانَ، أي: تابعَهَ عبدُ الأَعلى السَّامِيُّ -بالسين المهملة- عن مَعْمَرٍ، وهي مُتابَعَةٌ ناقِصَةٌ، لكنْ وصَلَها أحمدُ في "مسنده". (ورواه الأَوْزَاعِيّ) تعليقٌ أَيضًا، وصَلَه البخاريُّ في (كتاب الصَّلاة)، وقولُه هنا: (ورواه)، وفي عبد الأعلى: (تابَعه)؛ يحتملُ أنَّ ذلك بلَفظِه؛ لأنَّ المُتابَعَةَ تكون بِمثلِه، وهنا بِمعنَاه؛ لأنَّ الرِّواية تَصدُق على ذلك، وإمَّا أنَّه لدَفعِ توهُّمِ أن يكونَ تابَعَ عثمانَ مع أنَّه إنَّما رواه عن الزُّهريِّ بلا واسطَةٍ، أو للتَّفنُّنِ في الكلامِ، أو غيرِ ذلك. قال (ط): في الحديث ردٌّ على مَن قالَ من التَّابعين: إنَّ الجُنُبَ

18 - باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة

إذا نَسِيَ فدخل المَسجِدَ فذكرَ أنَّه جُنبٌ يتيمَّمُ وَيخرُجُ، وعلى أبي حنيفةَ في قَوله في الجُنُبِ المُسافِرِ يَمرُّ على مسجِدٍ فيه عينُ ماءٍ: يتيمَّمُ ويدخُلُ المسجدَ، فيستقي ثمَّ يُخرِجُ الماءَ من المسجد؛ لأنَّه لم يحتَجْ للتَّيمُّمِ لخُروجِه، فلا يحتاجُ إليه المارُّ للضَّرورَة. وقد قالَ الشَّافعيُّ: يُباحُ المرور في المسجد لقوله تعالى: {إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] فإنَّ العُبورَ قرينةُ أنَّ المُرادَ بِـ {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 43] مكانَ الصَّلاة، وهو المَسجد، فسمَّاه باسمِها كما في: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40]. وقال أحمدُ: يجلِسُ الجُنُبُ في المَسجد، وَيمُرُّ إذا توضَّأَ، ومنعَ مالكٌ والكوفيون الدُّخولَ فيه ولو عابرَ سبيلٍ؛ إذ حَمْلُ الصَّلاة على مكانِها مَجازٌ، أو يُحملُ على عُمومِه؛ أي: لا تقربوا الصَّلاةَ، ولا مكانَها إلَّا أن تكونوا مُسافرين، فتيمَّموا واقرَبوا. قال (ك): القرينةُ دلَّت على إرادة المَجازِ، والحَمْلُ على العموم مُمتَنِعٌ؛ إذ يلزَمُ إرادةُ الحقيقةِ والمَجازِ بلفظٍ واحدٍ، وهو مُمتَنِعٌ عندَهم. * * * 18 - بابُ نَفْضِ اليَدَيْنِ مِنَ الغُسْلِ عَنِ الجَنَابَةِ (باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة): في بعضِها: (من

الجنابة)، فتكونُ (مِن) الأولى متعلِّقةً بالنَّفضِ، والثانية: بالغُسل، وفي بعضِها: (غُسل الجنابة) بالإضافة. * * * 276 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلًا، فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا فَمَضْمَض واستنشق وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَأفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تنحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَانْطَلَقَ وَهْوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ. (أبو حمزة) -بالمهملة والزاي- مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ السُّكَّرِيُّ. وفي الحديث: أنَّ تَركَ التَّنشيفِ سنَّةٌ إبقاءً لأثَرِ العبادة، ولا يُكرَه لِما ثَبَتَ مِن فعله، وقد سبَقَ الخلافُ فيه وفي النَّفض وسائرُ المَباحِثِ. وقال (ط): إنَّ ابنَ عبَّاس كَرِهَ المَسح بالمِنديل بعد الطَّهارة في الوُضوء دونَ الغُسلِ من الجنابة، وتركُه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - له تَواضُعًا، أو لشيءٍ في المِنديل من حَريرٍ أو وَسَخٍ، أو لاستِعجالٍ، أو نحوِه. * * *

19 - باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل

19 - بابُ مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ فِي الغُسْلِ (باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل) 277 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ، أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلَاثًا فَوْقَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ. (خ). (كنا) أكثرُ الأصوليِّين على أنَّ قولَ الصَّحابِيِّ: (كنَّا نفعَلُ) أو (كانوا يفعلون) حُجَّةٌ؛ لأنَّ الغالبَ اطلاعُه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وتقريرُه، لكنَّ لفظَ: (أَحَد) لا عمومَ فيه إلَّا عند بعضِهم، فإنَّه قال: مُفرَدٌ مُضافٌ، فيعُمُّ، ولو كانَ إثباتًا، ولا يَخفَى ما فيه، على أنَّ الاستدلالَ ليس لكَونِ الفاعلِ جَمعًا؛ بل لظُهورِ اطِّلاعه - صلى الله عليه وسلم - وتقريرِه كما سبق. (أصاب) في بعضها: (أصابت). (بيديها) في بعضِها: (يديها) بدونِ الجارِّ، فيُنصَبُ على نزعِ الخافضِ، أو يُجرُّ بتقديرِ مضافٍ؛ أي: مِلءَ يدَيها. (فوق) ظرفٌ لمَحذوفٍ، أي: صَابَّةً، أو تَصبُّ فوقَ، لا ظَرفٌ لِـ (أخَذَت) لفَسادِه.

20 - باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة، ومن تستر فالتستر أفضل

(وبيدها)؛ أي: وتأخذُ بيدِها الأُخرى صَابَّةً على شِقِّها، نعم، المفهومُ من ظاهره أنَّ الصَّبَّ بكلِّ يدٍ على شِقٍّ في حالةٍ واحدةٍ، لكنَّ العادةَ إنَّما هي الصَّبُّ باليدَين معًا، فتُحمَلُ اليدُ على الجِنسِ الصَّادق عليهما، وعلى هذا فالمُغايرَةُ بين الأمرين بحسَبِ الصِّفة، وهو أخذُ الماءِ أوَّلًا، وأخذُه ثانيًا، والواوُ إنْ لم تدُلَّ على الترتيب؛ فلفظ (أُخرى) يدلُّ على سَبْق أولى، وهي: اليمين، والمرادُ الشِّقُّ الأيمنُ والأيسرُ من الرَّأس، لا الأيمنُ من الشَّخص، فللَّه دَرُّ البُخَارِيِّ وحُسنُ استِنباطاته. * * * 20 - بابُ مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَة، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ وَقَالَ بَهْزٌ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ). (باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة)؛ أي: عنِ النَّاس، وهو تأكيدٌ لقوله: (وحدَه)، لتلازُمِهما في المعنَى، وكشفُ العَورَةِ في الخَلوةِ جائزٌ للحاجةِ، وأمَّا لغيرها؛ قيل: يُكرَه، والأصحُّ عندَ الشَّافعيَّة تحريمُه. (وقال بهز) -بفتح المُوحَّدة وسكونِ الهاءِ وبالزَّاي- هو ابنُ

حَكِيمٍ -بفتح المُهملَة وكسرِ الكاف- ابنُ مُعاوِيَةَ بنِ حَيْدَة -بفتح الحاء وسكون المثنَّاة تحت ودالٍ مهمَلةٍ-. (عن أَبيه)؛ أي: حَكِيم، وهو تابعيٌّ ثِقَةٌ. (عن جده)؛ أي: معاوِيَةَ، قال في "الكمال": إنَّه صَحابِيٌّ، وأيضًا: لفظُ البخاريِّ يُشعِرُ به. وهذا التَّعليقُ وصَلَه أَحْمد والأربعةُ، وإنْ لم يكنْ بتَوفِيَةِ إيرادِ لفظِ البُخاريِّ؛ نعم، البَيهَقِيُّ أخرَجَه عن عبدِ الوارِثِ عن بَهْزٍ بهذا اللَّفظ المَذكورِ. قال الحاكم: إنَّما لم يَروِ البخاريُّ هذه النُّسخة؛ لأنَّها شاذَّةٌ لا مُتابعَ له فيها. * * * 278 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلا أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْس، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا)، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ إِنَّهُ لندَبٌ بِالحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ

سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالحَجَرِ. (م). (منْ النَّاس) مُتعلِّق بِـ (أحق). (أن يستحيا) في نسخة بدله: (أن يستَتِر). (إسحاق بن نصر) هو إبراهيمُ بنُ نَصْرٍ، نُسِبَ إلى جَدِّه، وربَّما قالَ البُخارِيُّ فيه: إسحاقُ بنُ إبراهيمَ على الحقيقة. (كانت) التأنيثُ فيه إمَّا على رَأيِ مَن يُؤنِّثُ الجُموعَ مُطلقًا، ولو كان سالمًا لمُذَكَّرِ كما هنا، وإنَّ (بنِي) جمعُ سلامةِ، لكنْ على خلافِ القياس [لغيرِ مُفرَدِه، وأمَّا مَن خَصَّصَ بغيرِ السَّالم المُذكَّر فإمَّا لتَأويلِه بالقبيلِة، أو أنَّ ذلك خاصٌّ على خلافِ القياسِ] (¬1). (ينظر بعضهم) إمَّا لكَونه كان جائزًا في شَرعهم، وموسى -عليه الصلاة والسلام- يختارُ الخَلوَةَ تنزيهًا واستِحبابًا وحَياءً ومُروءَةً، أو كان حَرامًا عندَهم، ولكنْ كانوا يَتَساهلون في ذلك. (إلا أنَّه آدر) -بمَدِّ الهمزة وفتحِ المُهمَلة-؛ أي: عظيمُ الخِصيَتَينِ مُنتَفِخُهما، والاستثناءُ مُفرَّغٌ. قال (ك): والمُستَثنَى منه مُقدَّرٌ؛ أي: على قَولٍ، لكنَّه ضعيفٌ. (فخرج موسى) في بعضِها: (فَجَمَحَ)، وهو بجيمٍ وميمٍ مفتوحةٍ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

وحاءٍ مهمَلةٍ، أي: أَسرَعَ وجَرى أشدَّ الجَرْيِ. (إثره) بكسرِ الهمزة وسُكونِ المثلَّثة، وفي بعضِها بفَتحِها. (ثوبي) مفعولٌ بفعلٍ محذوفٍ؛ أي: رُدَّ، أو أَعْطِ. (يَا حجر) ناداه كنِداءِ عاقلٍ؛ لفعلِه فِعلَ مَن يعقِلُ، أو المُتحرِّكُ يُمكِنُ أن يَسمعَ ويُجيبَ. (من بأس) اسم (ما)، و (مِنْ) فيه زائدةٌ. (فطفق) بكسرِ الفاء وفتحِها. (الحجر) نُصِبَ بِمقَدَّرٍ، أي: يَضرِبُ الحجرَ ضَربًا، وفي بعضِها: (بالحجَرِ) بزيادة الباء، أي: جُعِلَ مُلتزمًا بذلك يَضرِبُه ضَربًا. (قال أبو هريرة) هو تعليقٌ من البُخاريِّ، أو تتمة مقولِ هَمَّامٍ، فيكونُ مُسندًا. (لندب) بفتحِ النُّونِ والدَّال المُهملة، أي: أَثَرٌ. (ستة) أي ستَّةُ آثارٍ، وهو مرفوعٌ بالبَدَليَّةِ، أو منصوبٌ على التَّمييزِ. (ضربًا): تَمييزٌ، وستأتي القِصَّة في (كتاب الأنبياء). قال (ن): يجوزُ أنَّ موسى أَرادَ بضَربِ الحجَر إظهارَ المُعجزةِ لقَومِه بأثر الضَّرب بالحجر (¬1)، أو أنَّه أوحِيَ إليه بذلك. ومَشيُ الحَجَرِ بالثَّوبِ مُعجِزَةٌ أُخرى. ¬

_ (¬1) "بالحجر" ليس في الأصل.

وفيه ما ابتُلِيَ به الأنبياءُ من أذى الجُهَّالِ، وصبرُهم عليهم، ونزاهتُهم عن نقصِ الخَلْق والخُلُق. * * * 279 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثي في ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ! أَلَمْ أَكَنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ). وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا). (وعن أبي هريرة) هو تعليق أيضًا، إلَّا أنَّه بصيغَةِ التَّمريض، بخلافِ قَوله في الذي قَبلَه. (بينا) أصلُه (بينَ) أُشبِعت فتحته ألفًا، والعاملُ فيه قوله بعدَ ذلك (خَرَّ)، ولا يضُرُّ وقوعُه بعدَ الفاء؛ لأنَ الظَّرفَ يُتوسَّع فيه، أو يقال: العاملُ (خَرَّ) مُقدَّرة دلَّ عليها المَذكور. (أَيُّوب)؛ أي: النبيُّ المُبتَلى مِن ولد رُوم -بضَمِّ الرَّاء- ابنِ العِيصِ -بكسر العين المهملة والصَّاد المهملة- ابنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ - صلى الله عليه وسلم -، وكان عمرُه ثلاثًا وستين سنةً، ومدَّةُ بلائه سبعُ سنينَ، وهو مبتدأ.

(يغتسل) خبَرُه، والجملةُ أُضيفَ إليها الظَّرفُ وهو (بينا)، وإنَّما لم يُؤتَ في جوابِ (بينا) بِـ (إذ) و (إذا) الفُجائية؛ لأنَّ الفاءَ تقومُ مَقامَها، كعكسِه في قوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]. (جراد) واحدُه: (جَرَادة) كتَمرَةٍ وتَمرٍ، وفي رواية: (رِجلُ جَرَادٍ)، تأتي في (كتاب الأنبياء). (يحتثي) يفتَعِلُ مِن (حثَا) بالمهملة والمثلَّثة، أي: يَرمي، ويُروى: (يَحتَثِنُ) بالنون. (بلى)؛ أي أغنيتني، ولو قيل: (نعم) لم يَجُزْ؛ لأنَّه كُفرٌ، وإنَّما لم يُفرِّق الفقهاءُ بينهما في الإقرار؛ لأنَّه مبنيٌّ على العُرفِ. (لا غنى) يجوزُ أن لا يُنوَّن، وهو مبنيٌّ، والجملةُ نصبٌ على أن تكونَ عاملةً عملَ (إِنَّ)، وأن يُنوَّنَ على أنَّه مرفوعٌ على أنَّ (لا) عاملةٌ عَمَل (ليس)، لكنَّ الأوَّلَ نصٌّ في الاستِغراقِ، والثانيةَ ظاهرةٌ فيه، كما أشارَ إليه الزَّمخشريُّ في {لَا رَيْبَ} [البقرة: 2] أولَ البقرة، وخبَرُ (لا) يحتملُ أن يكونَ (بِي) أو (عن بَرَكتِكَ)، فالمعنَى صحيحٌ على التَّقديرَين. (إبراهيم) الظَّاهر أنَّه: ابنُ طَهْمَانَ -بفتح الطَّاء المُهمَلة-. (بينا أَيُّوب) المُرادُ إلى آخر الحديث، وهو بَدَلٌ من ضميرِ المَفعولِ في: (ورواه إبراهيمُ)، وفي بعضِها: (قال: بينا)، بزيادةِ (قالَ). فإن قيلَ: لم أخَّر الإسنادَ عن المَتن؛ وإن كانَ يقَعُ من المُحدِّثين كثيرًا لكنَّ الغالبَ العكسُ؟

21 - باب التستر في الغسل عند الناس

قيل: لعلَّ له طريقًا آخرَ غيرَ هذا، وتركَه وذَكَر الحديث تعليقًا لغَرَضٍ من أغراضِ التَّعليقاتِ، ثم قال: (ورواه إبراهيمُ)، إشعارًا بهذا الطَّريق الآخَر، وهو تعليقٌ أيضًا؛ لأنَّ البخاريَّ لم يُدركْ إبراهيمَ لكنَّه نوعٌ آخر، فلا يكونُ فيه تأخيرُ الإسنادِ، وكذا لو قلنا: إنَّ (وعن أبي هريرةَ) من تَتمَّةِ كلامِ هَمَّامٍ، فلا يكونُ تأخيرٌ أيضًا؛ بل يكونُ تقوِيةً وتأكيدًا، وقد وَصَل روايةَ إبراهيمَ المذكورةَ النَّسانيُّ. 21 - باب التَّسَتُّرِ فِي الغُسْلِ عِنْدَ النَّاسِ (باب التستر في الغسل عند الناس): في بعضِها: (من النَّاس). 280 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْح، فَوَجَدتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرهُ فَقَالَ: (مَنْ هَذِه؟)، فَقُلْتُ: أَناَ أُمُّ هَانِئٍ. الحديث الأول (م ت س ق): (عن أبي النضر) هو بفتحِ النُّونِ وسكونِ المُعجَمَة. (مولى أم هاني) سبق في (بابِ مَن قَعَدَ حيثُ ينتَهي به المَجلسُ)

أنَّه مولَى عقيلٍ، وسبقَ الجَمعُ بين الأَمرَين. (عامَ الفتح)؛ أي: فَتحِ مَكَّةَ. (وفاطمة)؛ أي بنتُه - صلى الله عليه وسلم -، ففيه جوازُ الغُسلِ بحَضرَةِ المَحرَمِ؛ إذا حالَ بينهما ساتِرٌ من ثَوب أو غيرِه. * * * 281 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ قَالَ: أخبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ سَالم بْنِ أَبِي الْجعدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونةَ قَالَتْ: سَتَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فرجَهُ، وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلى الحائط أو الأرضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، غَيْرَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أفاضَ عَلَى جَسَدِهِ المَاءَ، ثُمَّ تنحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. تَابَعَهُ أبو عَوَانة وَابْنُ فُضَيْلٍ فِي السَّتْرِ. الحديث الثاني: (سفيان) الظَّاهرُ أنَّه الثَّورِيُّ، ولا يقدَحُ ذلك في الحديث؛ لأنَّ كلًّا على شَرطِه. (وما أصابه)؛ أي: مِن رُطوبَةِ فرجِ المَرأة، والبَولِ، وغيرِهِما. (تابعه)؛ أي: سفيان (أبو عَوانة) -بخفَّة الواو- واسمُه: الوَضَّاحُ، (وابن فضيل) -بالمُعجَمَةِ- هو محمَّدُ بنُ فُضَيلٍ.

22 - باب إذا احتلمت المرأة

(في الستر)؛ أي في لفظِ (ستَرتُ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) لا في بقيَّة الحديثِ، وروايةُ أبي عَوَانة وصَلَها البُخاريُّ في مَوضعٍ آخرَ من (الغُسل)، وابنُ فُضَيلٍ وصَلَها أبو عَوَانَة في "صحيحِه". قال (ط): أجمَعوا على وجوبِ سَترِ العَورَةِ عن أعين النَّاظرين، فمن دخَلَ الحمَّامَ بغيرِ مِئْزَرٍ سقَطَت شهادتُه. واختَلَفوا فيما لو نزَعَ مِئْزَرَه ودخَلَ الحَوضَ، وبَدَت عَورتُه عندَ دُخوله، فقال مالكٌ، والشَّافعيُّ: تَسقُطُ. وقال أبو حنيفةَ: لا؛ للعُذْرِ، إذ لا يُمكِنُ التَّحرُّزُ منه، واتَّفقوا على أنَّ الرجلَ يرى عورَةَ أهلِه، وهي عَورتَه. قلت: إلا حَلْقَةَ الدُّبُرِ، كما قاله الدَّارِمِيُّ من أصحابِنا. * * * 22 - باب إذا احتَلَمَتِ المَرأَةُ (باب إذا احتلمت المرأة): سبقَ بيانُ الحديثِ المَذكورِ فيه في (باب الحياء في العلم). 282 - حدَّثنا عَبدُ اللهِ بنُ يُوسفَ، قَالَ: أَخْبَرناَ مَالكٌ، عَنْ هِشَامِ ابنِ عُروةَ، عَنْ أبْيهِ، عنْ زينبِ بنت أبِي سَلَمَة، عَن أُمِّ سَلَمَة أمِّ المُؤمنينَ: أنَّها قَالتْ: جَاءتْ أُمُّ سليمٍ امرأةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

23 - باب عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتحيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المرأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احتَلَمَت؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (نعم، إِذَا رَأَتِ المَاء). (بنت أبي سلمة) لفظُه هناك: بنتُ أمِّ سَلَمَةَ، وكلاهُما صحيحٌ. قال (ط): لا خلافَ أنَّها كالرَّجلِ في وجوبِ الغُسلِ إذا رأت الماء، وفيه دليلٌ على أنَّه ليسَ كلُّ النِّساء يَحتَلِمنَ، ففي غيرِ هذه الرِّواية أنَّ أمَّ سُلَيمٍ غَطَّت وجهَها وقالت: (أتَحتَلِمُ المَرأةُ)؟ وفيه أنَّ مَن جَهِلَ شيئًا من دينه يلزمُه أن يَسألَ عنه العالِمَ به، ولا حياءَ في ذلك، وإنَّما الحياءُ فيما منه بُدٌّ، وإنَّما اعتَذَرت لمُشافَهتِه - صلى الله عليه وسلم - بِمثلِه. * * * 23 - بابُ عَرَقِ الجُنُبِ، وَأَنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ (باب عرق الجنب، وأنَّ المسلمَ لا ينجس): بضَمِّ الجيم وفتحِها بناءً على ضمِّها في الماضي وكَسرِها. 283 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: (أَيْنَ كنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَة؟)، قَالَ: كنْتُ جُنُبًا،

فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَناَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ). (ع). (علي)؛ أي: ابنُ المَدينيِّ. (يحيى)؛ أي: القَطَّانُ. (حُميد) -بالضمِّ-؛ أي: الطَّويلُ. (بكر)؛ أي: ابنُ عبدِ الله المُزنيُّ. (عن أبي رافع) وهو نُفَيعٌ بالتصغير، الصَّائِغُ بالغَين المعجمَة. (جنب) هو ممَّا يستَوي فيه المُفرَدُ وغيرُه قال تعالى: {وَإِن كُنْتُمْ جُنُبًا فَاَطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. والجنابةُ: البُعد، فسُمِّي جُنُبًا؛ للنَّهي عن أن يَقرَب الصَّلاة ما لم يتطَّهر. (فانبجست)؛ أي: قالَ أبو هريرةَ ذلك، وهو بالنَّون والمُوَحَّدة، أي؛ انفَجَرتُ وجَرَيتُ، وهي رِوايةُ ابنِ السَّكَنَ، فوزنُ الفعلِ: اِنْفَعَلَ، ويروى: (اِنْخَنَسْتُ) بالخاء المُعجمة والنُّون. قال (ط): وهي الأكثرُ، أي: تأخَّرتُ وانقبَضتُ، ومنه وُصِفَ الشَّيطانُ بالخَنَّاس، ومنه قوله تعالى: {فَلَاَ أُقسمُ بالخُنَّس} [التكوير: 15]، وانْخِنَاسُها: رُجوعُها وتواريها تحتَ ضَوءِ الشَّمس. وقيل: اختِفاؤُها بالنَّهار، وفي بعضِها: (انتَحَست) اِفتِعَالٌ من

النَّحْسِ، أي: اعتَقَدتُ نَفسي نَحِسًا. (فذهبت فاغتسلت) هو المناسِبُ لما قبله، وفي بعضِها: (فذهَبَ فاغتَسلَ)، وهو من النَّقل من الرَّاوي عنه بالمعنَى، ويجوزُ أن يُجعَلَ من قَول أبي هريرة، بأن يكونَ قد جعلَ نفسَه غائبًا، ومثلُه يُسمَّى بالتَّجريد، يعني جَرَّدَ من نفسِه شخصًا وأخبَرَ عنه، فيكونُ ذلك من لفظِه بعينه. (يا أبا هريرة!) يجوز أن تُحذفَ همزةُ (أبا) تخفيفًا. (سبحان الله) منصوبٌ بفعلٍ لازمِ الحذف، وأتى به هنا للتَّعجبِ والاستِعظام، أي: كيف يَخفى مثلُ هذا الظَّاهرِ علَيك. قال (خ): وفي الحديث دليلٌ على جواز تأخيرِ الاغتِسال عن أوَّلِ وقتِ وُجوبه. قال (ط): وعلى أنَّ النجاسةَ في الآدميِّ ليست في ذاته؛ بل لِمَا يعتَريه من تَرك التحفُّظِ من النَّجاسات والأقذار، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]؛ أي: لنَجاسَةِ أفعالِهم، والبعدِ عمَّا قدَّسه الله من بُقعةٍ أو كتاب، حتَّى إنَّ عَرَقه طاهرٌ [لإباحتِه، قال تعالى: {ياأَهْلِ الْكِتَابِ} ولم يسلَم من ضاجَعَهُنَّ من عَرَقٍ، ولا خلافَ في عَرَقِ الجنُب أنَّه طاهرٌ] (¬1)، فدلَّ على أنَّ نَجاسةَ الآدميِّ لا في ذاته؛ بل لِما يَعرِضُ له، فلذلك قال هنا: (إنَّ المُؤمِنَ لا ينجُس)، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

24 - باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره

أي: لِسلامَتِه من ذلك. قال (ن): فالحديثُ أصلٌ عظيمٌ في طهارةِ المُسلم؛ أما في حياته فواضحٌ، وأمَّا في مَوته فهو أصحُّ قولَي الشَّافعيِّ، وحكمُ الكافر في ذلك كالمُسلم، وأمَّا الآيةُ فالمُراد بِها نجاسةُ اعتقادِهم. وفي الحديث أيضًا احترامُ أهلِ الفَضل وتوقيرُهم بكونِ جليسِهم يكونُ على أكملِ الحالات، ولذلك استَحبَّ العلماء لطالبِ العلم أن يكونَ عند مُجالسَةِ شيخِه مُتطهِّرًا مُتنَظِّفًا بإزالةِ شَعرٍ طُلِبَ إزالتُه وظُفُرٍ، وريحٍ كريهٍ ونحوِ ذلك. وفيه من الآداب أنَّ العالِم إذا رأى من تابعه ما يَخافُ أن يكونَ غيرَ صوابٍ سأله عنه، وذكر له صَوابه. وقال البَيضَاوِيُّ: يُمكِنُ أن يُحتَجَّ به على من قال: الحدَثُ نَجاسةٌ، وإنَّ من وَجَبَ عليه وضوءٌ أو غُسلٌ يكون نَجِسًا حُكمًا. * * * 24 - بابٌ الجُنُبُ يخرجُ وَيمشِي فِي السُّوقِ وغَيْرِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ: يحتَجِمُ الجُنُبُ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَإِنْ لَم يتَوَضَّأ. (باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره)؛ أي: وفي غير

السُّوق، ويجوز الرَّفعُ على أنَّه مبتدأ، أي: وغيرُه ونحوه، أي: فينامُ ويأكُلُ كما يخرجُ، فهو عَطفٌ عليه من جهةِ المعنَى، كذا قال (ك)، وفيه تكلُّفٌ بلا ضرورة. * * * 284 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ: أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُم: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. الحديث الأول: (ثنا سعيد) قال الغَسَّانِيُّ: في نسخة الأَصِيلِيِّ بدَلَه: (شُعبَةُ)، أي: ابنُ الحجَّاجِ، وليسَ صَوابًا. (يومئذ)؛ أي: حينَئذٍ، إذ لا يومَ لذلك مُعيَّنٌ، ولفظَةُ (كان) تدلُّ على التكرار والاستمرار. ووجه دلالة الحديث على التَّرجمة أنَّه كان يَخرُج من الحجرة قبلَ الغُسل، وسبقَ بيانُ مباحِثِه في (باب إذا جامَعَ ثمَّ عاد). * * * 285 - حَدَّثَنَا عَيَّاش، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ

الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهْوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: (أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟) فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا هِرٍّ! إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُس). الحديث الثاني: (عياش) بالمثنَّاة تحت والشِّين المعجمة؛ أي: ابنُ الوَليد. (عبد الأعلى)؛ أي: ابنُ عبدِ الأعلى. (بيدي) في بعضها: (بيَميني). (فانسللت)؛ أي: خرجت، وقيل: الانسلال: الذهاب في خفية. (الرحل) بفتحِ الرَّاء وبالحاء المُهملة: المَسكَنُ وما يُستَصحبُ من الأثاث. (أين): خبرُ (كان) إن كانت ناقصةً، وإن كانت تامَّة، فـ (أين) ظَرفٌ لَغوٌ. (يا أبا هريرة) في بعضِها: (يا أبا هر)، بالتَّكبير. (فقلت له)؛ أي: ما فَعلتُ من المَجيءِ للرَّحل والاغتِسال. وفي الحديث مُصافَحَةُ الجنُب ومُخالطتُه. قال (ط): وأنه يتصرَّف في أموره قبلَ الغُسلِ، خلافًا لمَن أَوجَب عليه الوُضوءَ، وفيه أخذُ العالِمِ بيدِ تلميذِه ومشيُه معه معتَمِدًا عليه، ومُرتَفِقًا به، وأنَّ من الأدبِ أن لا ينصَرفَ عنه حتَّى يعلمَه؛ لِقَوله: أينَ كنتَ؟ ودلَّ أنه أحبَّ أن لا يُفارقه. * * *

25 - باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل

25 - بابُ كيْنُونةِ الجُنُبِ فِي البَيْتِ إِذَا تَوضأَ قَبْل أَنْ يَغْتَسِلَ (باب كينونة الجنب): وهو مصدرُ (كان يكونُ) شبَّهوه بالحَيدودَةِ والدَّيمومَةِ، وأصلُه: (كيِّنونةٌ) بتشديد الياء مكسورةً، ثم خُفِّفت كـ (هَيِّنٍ). قلت: وفيه بحثٌ لطيف أوردته في (باب المصادر) من "شرح لاميَّة ابن مالك". 286 - حَدَّثَنَا أبَو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَام وَشَيْبَانُ، عَنْ يحيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: أكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يرقُدُ وَهْوَ جُنُب؟ قَالَتْ: نعم ويتَوَضَّأُ. الحديث الأول: (ويتوضأ) عُطِفَ على ما سَدَّ (نعم) مَسَدَّه، وهو: كانَ يرقُدُ. قلت: أو مقدَّم من تأخير، أي: يتوضَّأ وَيرقُدُ، لأنَّ الواوَ لا ترتيبَ فيها. * * *

26 - باب نوم الجنب

26 - بابُ نَوْمِ الجُنُبِ (باب نوم الجنب) 287 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أيرقُدُ أَحَدُناَ وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: (نعم، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدكم فَلْيَرقد وَهُوَ جُنُبٌ). الحديث الثاني: (أيرقد)؛ أي: أيجوزُ الرُّقود؟ لأنَّ السؤالَ إنَّما هو عن الحُكمِ. (فليرقد) هو لإباحة الرُّقود قبل الغُسل، لقرينة الإجماعِ على عَدَم وجوبِ الرقود ونَدبِه. قلت: أو كونُه جوابًا للاستِئذان عند من يراه صارفًا عن الوجوب، و (يرقدُ) عاملٌ في (إذا) سواء قيل: ظَرفٌ محضٌ، أو مُضمَّنةٌ معنى الشَّرط، ثمَّ السَّببيَّةُ هنا في الوضوء تَحتَمِلُ أن يكون سببُها الرُّقودَ، أو الأمرَ به، كما سبقَ في نظائِره. * * * 27 - باب الجُنُبِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَنَامُ (باب الجنب يتوضأ ثم ينام) 288 - حَدَّثَنَا يحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ

ابْنِ أَبِي جَعفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرحمَنِ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهْوَ جُنُبٌ، غَسَلَ فرجَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ. الحديث الأول: (وتوضأ للصلاة)، أي: وُضوءًا شَرعيًّا كما يتوضَّأ للصَّلاة، لا أنَّ المرادَ: ليُصلِّي به؛ لأنَّ الصَّلاة تَمتنِعُ قبل الغُسل، أو يُقدَّر فيه: وضوءَه للصَّلاة، ولهذا فى رواية: (توضَّأ وضوءَه للصَّلاة)، أي: ليَنفِيَ إرادةَ اللُّغوِيّ. * * * 289 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيَنَامُ أَحَدُناَ وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: (نعم، إِذَا تَوَضَّأَ). الحديث الثاني: (جويرية)؛ أي: ابنُ أسماء. (عبد الله بن دينار) قال الغَسَّانِيُّ: في بعضِ النُّسخ: (نافع) بدَله، وكلاهُما صوابٌ، لأنَّ مالكًا يروي هذا الحديثَ عنهما، لكنَّه براوية عبد الله أشهرُ. وفي الحديث ندبُ غَسلِ ذَكَرِ الجنُب عندَ النَّوم، وأنَّ له تأخيرَه عن الوُضوء.

28 - باب إذا التقى الختانان

قال (ن): نَصَّ أصحابُنا على كراهة النَّوم قبل الوُضوء، فإنه لا يجبُ قَطعًا، وإن أوجَبَه بعضُ المالكيَّة، وداود، ومما يُروى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان ينامُ وهو جنُبٌ ولا يَمَسُّ ماءً، فقيل: وهمٌ من بعضِ الرُّواة، وإن صحَّ فالمُراد: لا يَمسُّ ماءً للغُسل أو فعلَ ذلك في وقتٍ لبيانِ الجواز. ثم اختُلف في حِكْمَةِ هذا الوُضوء، فقيلَ: يُخَفِّفُ الحَدَثَ؛ لأنَّه يرفَعُ الحَدَثَ عن أعضاءِ الوضوء، أو ليبيتَ على إحدى الطَّهارتَين خَشية أن يَموتَ في منامه، أو أنَّ الماء إذا نال أعضاءه يُنشِّطُه للغُسل. وفي الحديث: أنَّ غُسلَ الجنابة ليسَ على الفَور؛ بل إنَّما يتَضَيَّقُ عند القيام للصَّلاة، ولهذا اختُلِف في المُوجب لغُسل الجنابة، هل هو للجنابة؟ أو للقيامِ للصَّلاة؟ أو المَجموع؟ * * * 28 - بابٌ إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ (باب إذا التقى الختانان): من الخَتْنِ، وهو القَطعُ؛ فالخِتانُ: بالكسر اسمُ المصدر من (خَتَنَ)، والمُرادُ هنا موضعُ القَطع من الذَّكَر يلتقي مع موضِعه من الأُنثَى. 291 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ (خ) وَحَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ قتادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أبِي رَافعٍ، عنْ

أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأربَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقد وَجَبَ الغَسْل). تَابَعَهُ عَمرُو بْنُ مَرزُوقٍ، عَنْ شُعبةَ، مِثْلَهُ، وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ: أَخْبَرَناَ الْحَسَنُ، مِثْلَهُ. الحديث (م د س ق): (وحدثنا أبو نعيم) هو تحويلٌ الإسناد، وربَّما كُتِبَ قبلَه (ح) لذلك. (جلس)؛ أي: الرَّجل. (شعبها) -بضَمِّ المُعجمة وفتح المهملة- جَمعُ شُعبَة، والمُرادُ بالأربع: اليدان والرّجلان، وقيلَ: الرِّجلان والفَخِذان، وقيل: الرِّجلان والشفران. وقال (ع): شُعَبُ الفَرج؛ أي: نواحيه الأربع. (جهدها) -بفتح الهَاء-؛ أي: بَلَغ مشَقَتَها، وجَهدتُه وأجْهَدتُه: حَمَلتُ عليه في السَّير فوقَ طاقَتِه، والإشارةُ به إلى الحركة، وتَمكّنِ صورةِ العمل، وإلا فأيُّ مشقَّة بَلَغ بِها؟ وقيل: الجَهْدُ: الجِماعُ، فجَهَدها؛ أي: جامَعَها، وإنَّما كنَّى بذلك للتَّنزه عمَّا يفحُشُ ذِكرُه مُصرَّحًا. ووجهُ دخولِ الحديث في التَّرجمة: أنَّ بلوغَ الجَهد المُشار إليه هو التقاءُ الختانيَن، ولهذا في رواية عائشة: (إذا جَلس بين شُعَبِها

الأربع، ومسَّ الخِتانُ الخِتان). قال (ن): والمعنى في الحديث أنَّ الغُسل لا يتوقَّف على نزولِ منِيٍّ، بل متى غابت الحَشَفَةُ وجَبَ الغُسل، وقد كان فيه خلافٌ، ولكنْ انعَقَد الإجماعُ عليه، وحديث: "إنَّما الماءُ من الماءِ" منسوخٌ، أي: كان لا يجبُ الغُسل إلا بالإنزال، ثمَّ صار الغُسل بدونه، نعم، قال ابنُ عبَّاس: ليس بمنسوخٍ؛ بل المراد به نفيُ وجوبِ الغُسل بالرُّؤية في النَّوم إذا لم ينزِلْ، وهذا الحكم باقٍ. وأما حديثُ: "إذا مسَّ الختانُ الختانَ"، فمعناه: غيَّبَ ذَكَرَه، لا حقيقةُ المسِّ؛ لأنَّ ختانَها في أعلى الفَرجِ ولا يمسُّه الذَّكَر في الجِماع، وقد أجمَعوا على أنّه لو وضَع ذَكَره على خِتانِها ولم يولِج؛ لا يجبُ عليه الغُسل، فالمرادُ المُحاذاةُ، وهو المراد أيضًا في التِقاءِ الخِتانيَن. قال (ط): في "المُوطَّأ" عن عائشة: إذا جاوَزَ الخِتانُ الخِتانَ، فقد وجب الغُسل، وهي أعلمُ بذلك؛ لأنَّها مشاهِدَةٌ لمثلِه، وقد كان عليٌّ يقول بخلافِ ذلك، ثم أجمَعوا على وجوبِ الغُسل، والإجماعُ في عصرٍ بعد انقِراضِ المختَلفين يرفَعُ الخلافَ. قال (ك): إنه لا يقالُ: إن نفيَ الغُسل كانَ بالأصل، والنَّسخُ إنَّما يكونُ بحكمٍ شَرعيٍّ، لأنَّا نقولُ: عدمُه إنَّما كان بالشَّرع، والحصرُ في (إنَّما الماءُ من الماءِ) يدلُّ عليه، إذ معناه: لا ماءَ من غير الماء؛ أي: لا غُسل بماءٍ من غيرِ إنزالِ منِيٍّ، على أنَّه لا يُحتاجُ لادِّعاء نسَخٍ، بل

تقديمٌ لحديث: (إذا التَقَى الخِتانان) -لأنَّه بالمنطوقِ- على (إنَّما الماءُ من الماءِ) -لأنَّه بالمَفهومِ-. وفي حجِّيته خلافٌ، وعلى تسليمِه؛ فالمَنطوق مُقدَّمٌ على المفهومِ، ولا يقالُ: حديثُ الالتقاءِ مُطلَق، وحديثُ الماء مُقيَّد، فيُحمَل المُطلق على المقيَّد؛ لأنَّا لا نُسلِّم أنه مُطلَق؛ بل عامٌّ، لأنَّ الالتقاءَ وَصفٌ ترتَّب الحكمُ عليه، كما وُجِدَ وُجِدَ الحُكمُ، وكلَّما انتَفى انتفى، والآخَر خاصٌّ لا مُقيَّد، وكأنَّه قال: بالالتقاء يجبُ الغُسل، ثمَّ قال: بالالتقاءِ مع الإنزال، فيكونُ من ذِكر بعضِ أفرادِ العُموم مثل: (أيُّما إهابٍ دُبغَ)، مع قوله: (دِباغُها طُهورُها). ولا يقالُ أيضًا: الجَهْدُ يُحمَلُ على الإنزال، لأنَّه غايةُ الأمر، لأنَّ الرِّواياتِ الأُخرى مبيِّنةٌ له، ولأنَّ لفظَ (الجَهدِ) مُشعِرٌ بالاختيار، والإنزالُ لا اختيارَ فيه انتهى ملخصًا بمعناه. (تابعه عمرو)؛ أي: ابنُ مَرزوقٍ، والضَّمير يُحتملُ عَوده إلى (هشامٍ) وإلى (الحَسَن)، لأنَّ شُعبةَ قد سمع من قتادةَ، ومن الحَسَن. (وقال موسى)؛ أي: التَّبُوذَكِيُّ. (أبان) بفتح الهمزة، مَصروفٌ ومَمنوعٌ، ولَمَّا رَوى قتادةُ أوَّلًا بِـ (عن) وهو مُدَلسٌ؛ ذَكَر هنا أنَّه صَرَّح بالسَّماع؛ إذ قال: (أخبَرَنا الحَسَنُ)، وإنَّما قال هنا: (قال)، وهناك (تابَعَه)؛ لأنَّ المُتابعة أقوى؛ لأنَّ القَول أعمُّ من نَقلِه روايةً، أو على سبيلِ المُذاكَرة.

29 - باب غسل ما يصيب من فرج المرأة

واعلم أنَّه يحتمِلُ سماعَ البخاريِّ من عَمرٍو وموسى، فلا يُجزَمُ بأنَّها تعليقٌ. قال صاحب "تغليق التَّعليق" من أصحابنا: مُتابعَةُ عَمرٍو رويناها في جزءٍ من حديث أبي عَمرِو بنِ السَّمَّاكِ بنِ عثمانَ بنِ عمرَ الضَّبِّيِّ: ثنا عمرُو بنُ مَرزوقٍ، ومتابعةُ أبانَ زعمَ الشيخُ مُغُلْطَاي أنَّ البَيهقِيَّ وصَلَها من طريقِ عثمانَ عن موسى، وهو وَهمٌ، فإنَّما رواها البَيهَقِيُّ عن عفَّانَ عن أبانَ نفسِه، وليس لعفَّانَ عن موسى روايةٌ بوَجهٍ من الوجوه. * * * 29 - بابُ غَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ فرجِ المرأةِ (باب غسل ما يصيب من فرج المرأة) 292 - حَدَّثَنَا أَبُو معمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ يَحيَى: وَأَخْبَرني أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ زيدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ سأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امرَأتهُ فَلمْ يُمنِ؟ قالَ عثمانُ: يتوضأُ كمَا يتَوَضَّأُ للصَّلاةِ ويَغْسِلُ ذَكَرَهُ، قالَ عُثمانَ: سَمِعتُه من رسولِ اللِه - صلى الله عليه وسلم -، فسألْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ وَأُبَيَّ بْنَ

كعبٍ - رضي الله عنهم -، فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ. قَالَ يَحيَى: وَأَخْبَرَني أَبو سَلَمَةَ: أَنَّ عروَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول (م): (أبو معمر)؛ أي: المُقْعَدُ. (الحسين)؛ أي: ابنُ ذَكوان. (يحيى)؛ أي: ابنُ أبي كَثيرٍ. (وأخبرني) إنَّما ذَكَره بواوٍ للإِشعار بأنَّه حدَّثه غيرَ ذلك أيضًا، وأنَّ هذا من جُملتِه، فالعَطف على مُقدَّر. (فسألت) هو من قَول ابنِ زَيدٍ، استفتَى هؤلاءِ عن ذلك، أي: إنَّ هذا الحديث استَمَرَّ العملُ به كما أَفتاني عثمانُ أوَّلًا، وسبقَ أكثرُ مباحثِ الحديث في (باب مَن لَم يَرَ الوُضوء إلا من المَخرجَين). (بذلك)؛ أي: بالوُضوء وبِغَسْلِ الذَّكَر فقط من غير غُسل. (وأخبرني أبو سلمة) هو أيضًا من مَقولِ يحيَى، وفي بعضِها (قال يحيى: وأخبرني). * * * 293 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عروَة، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أخبَرَبي أْبَو أيوبَ، قَالَ: أَخْبَرَني أُبَيُّ بْنُ كعبٍ أَنَّهُ

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ المرأةَ فَلَم يُنْزِل؟ قَالَ: (يَغْسِلُ مَا مَسَّ المرأةَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتوَضَّأُ وَيُصَلِّي). قَالَ أبو عَبْدِ اللهِ: الغَسْلُ أَحوَطُ، وَذَاكَ الآخِرُ، وإنَّمَا بيَنَّا لاِخْتِلاَفِهم. الحديث الثاني (م): (أخبرني أُبي بن كعب) سبَقَ في طريقِ رِواية أبي أيُّوبَ للحديث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بلا واسِطَة، وذلك لاختِلافِ الحديثيَن لفظًا ومعنى، وإنْ توافقا في بعضٍ، فيكونُ سَمِعَه من النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّة ومن أُبيٍّ أُخرى، فذكَرَه للتَّقوية، ولأغراضٍ أُخرى. (مس) فيه ضميرٌ يعودُ على (ما)، والمُرادُ بِمسِّها إصابةُ رُطوبةِ فَرجها، فيُطابِقُ بذلك التَّرجَمة، وهو من إطلاق اللازِم وإرادة المَلزومِ، فهو كنايةٌ، ويحتملُ أن يُضمَر فيه: يَغسِلُ عُضوًا مَسَّ فَرجَ المَرأة. (ثم يتوضأ) صريحٌ في تأخيره عن غَسلِ ما يصيبُه من المَرأة. (قال أبو عبد الله)، أي: البخاريّ. (الغسل) بضَمِّ الغَين، أي: الاغتسالُ من الإيلاجِ، وإن لَم يُنزِلْ. (أحوط)؛ أي: من الاكتفاءِ بغَسلِ الفَرج والتَّوضُّؤ، كما في الحديث السابق، وفَتوى المذكورين. (وذلك الآخر)؛ أي: الحديثُ الذي يدلُّ على عَدَمِ الغُسل إنَّما

ذَكَره لأجلِ اختلافِ الصَّحابة في الوُجوبِ وعَدَمِه، ولاختلافِ المُحدِّثين في صِحَّته. قال (ط): قال الأَثْرَمُ: سألتُ أحمدَ عن حديث زيدِ بنِ خالد، وقوله: (سألتُ خَمسة من الصَّحابة) فقال: فيه عِلَّةٌ، ونعم، ما يُروَى بخلافِه عنهم، وقال ابنُ المَديني: إنَّه حديثٌ شاذٌّ، وقد رُوِيَ عن عثمانَ، وعلي، وأُبَيٍّ: أنَّهم أفتَوا بخلافِه، وقال يعقوبُ: هو مَنسوخ، كانت هذه الفُتْيا في أوَّل الإسلام، ثم جاءت السُّنة بوجوبِ الغُسل، ثم أجمَعوا عليه بعدَ ذلك. قال الطحاوي: ولأنَّه مُفسِدٌ للصَّومِ ومُوجِبٌ للحدِّ والمَهرِ، وإنْ لم يُنزِلْ، فكذا الغُسلُ، وفي بعضِ النُّسَخ بعدَ حديث: (إذا جَلَسَ بينَ شُعَبِها)، وذلكَ أَولى، وفي بعضِها: (والماءُ أنقَى)، وفي هذا -أي: الغُسلُ- آكَدُ وأجودُ. قال (ش) بعد حكايةِ لفظِ البخاريِّ على صورةِ (الآخِر)، أي: بلا ياء بكَسرِ الخاء: أي: مِن فِعلِه - صلى الله عليه وسلم -، فيكونُ ناسِخًا لما قَبلَه، وقال السَّفاقِسِيُّ، روينَاه بفتحِ الخاء، وقيلَ: إنَّه الوَجه. وقال في قوله: (إنما بيناه لاختلافهم) إنَّه ميلٌ لمَذهَبِ داودَ، والجُمهورِ على أنَّها منسوخةٌ. قلت: إنَّما يكونُ مَيلًا لمَذهب داودَ إذا فُتِحَت الخَاء من (آخر)،

أمَّا بالكَسر فيكونُ جَزمًا بالنَّسخِ، نعم، في بعضِ النُّسخِ: (وإنَّما) بواوٍ، والأكثرُ (إنَّما) بدونها، وهو مناسِبٌ مَن رواه (الآخَر) بفتح الخاء.

6 - كتاب الحيض

6 - كتاب الحيض

1 - باب كيف كان بدء الحيض

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 6 - كتاب الحيض وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} إلَى قوله: {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. (كتاب الحيض): هو لغَةً: السَّيَلانُ، وشَرعًا: دمٌ يَخرُجُ من المَرأة من رَحِمِها في وقتٍ مَخصوصٍ على وَجهٍ مَخصوصِ، وهو من قَعرِ الرَّحِمِ، بخلافِ الاستِحاضَةِ، فإنَّها من عرقٍ فَمُه بأدنىَ الرَّحِمِ يسمَّى: العاذِل -بالذَّال المُعجمة- وسبق تحقيقُه في (باب غَسلِ الدَّم). (وقول الله) في جرِّه ورفعِه ما سبقَ أوَّل الكتاب. (عن المحيض)؛ أي: الحيضِ، أي: عن حُكمِه. (في المحيض) الأصَحُّ أنَّ المرادَ به: الدَّم، أي: حالَ سيَلانِه. وقيل: الفَرجُ، وقيل: زَمَنُ الحَيض. 1 - باب كيْفَ كَانَ بدءُ الحَيْضِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (هَذَا شَيْءٌ كتبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ)، وَقَالَ

بَعضُهم: كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الحَيْض عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أكثر. (باب كيف كان بدء الحيض): فيه ما سَبق في (باب كيفَ كانَ بَدءُ الوَحي). (وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -) تعليقٌ من البخاريِّ هنا وَصَله في (باب: تقضِي الحائضُ المَناسِكَ كلَّها)، وإمَّا أنَّه مَروِيٌّ أيضًا. قلت: كذا قال بعضُ العَصريين، وليس في الباب المذكور شيءٌ، بل هو الحديثُ الذي أَوردَه البخاريُّ في هذا الباب، فلا حاجةَ لادعاء وَصلِه بمواضِعَ أُخَر؛ نعم، لفظُه هنا (أمرٌ) بدل (شيءٌ)، فـ (شيءٌ) إمَّا روايةٌ بالمعنَى، وإمَّا أنَّه مَروِيٌّ أيضًا. الحديث (م س ق): (بنات آدم)؛ أي: أصلُه الصُلبيَّة، ولكنْ عَمَّمَه العُرفُ في وَلَدِ الوَلَد أيضًا. (وقال بعضهم) هو ابنُ مَسعودٍ، رواه ابنُ أبي شَيبَة. (أول) هو اسم (كانَ) وخبَرها: (علي بني إسرائيل) وعبَّر بِـ (بنِي) والأصلُ (بنات)؛ لأنَّ المُرادَ: (أولادُ) كما يُرادُ في (بنِي آدم)، أو المُرادُ: القبيلةُ. (أكثر)؛ أي: أشمَلُ لتَنَاولِه بنِي إسرائيلَ وغيرِهِنَّ، وفي بعضها: (أكبَرُ) بالمُوحَّدة، وقال الدَّاودِيُّ: لا تَخَالُفَ بينَ القَولَين، فإنَّ نِساءَ بنِي إسرائيلَ من بناتِ آدم.

1 / م- باب الأمر بالنفساء إذا نفسن

قال (ط): وكتبَه علي بناتِ آدمَ، لأنَّه من أصلِ خِلقَتِهِنَّ الذي فيه صلاحُهُنَّ كما قال تعالى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90]، وفسَّره بعضُهم بأنَّه ردَّ إليها حَيضَها، فإنَّها إذا ارتفَعَ حيضُها لا تَحمِلُ في العادةِ التي لا تنخَرِم، ولهذا قال في إبراهيمَ: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71]، أي: فحاضَت، وهو دليلٌ على أنَّ الحَيضَ كان قبلَ بنِي إسرائيلَ. * * * 1 / -م - باب الأَمرِ بِالنُّفَسَاءِ إِذَا نُفِسْنَ (باب الأمرُ بالنُّفَساء إذا نَفِسْنَ): توجَدُ هذه التَّرجَمة في بعض النُّسخِ، والمُرادُ بالنُّفَساءِ: الحائِضُ -كما سيأتي- إنْ نَفِسَتْ؛ يعنِي: حاضت، والباء فيه زائدة، أي: أمرُ النُّفَساءِ، لأنَّها مأمورَةٌ لا لا مأمورٌ بِها. و (نفسن): قال (ك): بضَمِّ النُّون. وفيه نظر! فإنَّه إذا كان المُرادُ الحيضَ، فإنَّ الأكثَرَ فتحُها كما سيأتي، وقال: وذَكَّره؛ فالضَّميرُ راجِعٌ إلى النُّفَساءِ باعتبار الشَّخصِ، أو لعَدَم الالتِباس؛ لاختِصاصِ الحَيض بالنِّساء، كما قالوا: حائِضٌ وحامِلٌ وطالِقٌ. * * *

294 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمعتُ عَبْدَ الرَّحمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمعتُ الْقَاسِمَ يَقُولُ: سَمعتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: خَرَجْنَا لاَ نَرَى إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ أَبْكِي قَالَ: (مَا لَكِ أنُفِسْتِ)، قُلْتُ: نعم، قَالَ: (إِنَّ هَذَا أمرٌ كتبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفي بِالبَيْتِ)، قَالَتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نِسَائِهِ بِالبقَر. (سفيان)؛ أي: ابن عُيينَةَ. (لا نرى)؛ أي: لا نقصِدُ إلا الحجَّ، لأنَّهم كانوا يتَنَزَّهونَ عن العُمرةِ زمَنَ الحجِّ. (سرف) بفتحِ المهمَلة والفاء، غيرُ مُنصَرِفٍ، موضِعٌ قربَ مكَّة، وقد يُصرَفُ باعتِبارِ إرادَةِ المَكانِ. (أنفست)، قال (ن) في "التهذيب": ضمُّ النُّونِ في الوِلادة أكثرُ من فَتحها، وفي الحيضِ بالعكس. وفي "شرح مسلم" نحوَه؛ نعم، قال الهَرَوِيُّ: إنَّه في الوِلادة بالفَتح لا غير، وأصلُ ذلك كلِّه منَ (النَّفْس) وهو الدَّم. (الحاج)؛ أي: جِنسُ الحُجَّاجِ، مثلُ قوله تعالى {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]. (غير) بالنَّصب.

2 - باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله

(أن لا تطوفي)؛ أي: أن تطوفي، فـ (لا) زائدة، وإلا فغيرُ عَدم الطَّوافِ هو نفسُ الطَّوافِ، و (أنْ) هذه مخفَّفة من الثَّقيلة، وفيها ضميرُ الشَّأنِ، و (تطوفي) مجزوم (لا)، أي: لا تطوفي ما دُمتِ حائِضًا. (بالبقر) في بعضِها: بـ (بالبقرة)، لأنه كتمرةٍ وتَمْرٍ. وفي الحديثِ جواز البُكاءِ والتَّحزُّنِ عندَ حصولِ مانعِ العبادَةِ، بل يُندَبُ، واشتراطُ الطَّهارة في الطَّوافِ، وإجزاءُ البقَرةِ الواحدةِ عن النِّساء على روايته بالتَّاء، وتضحِيةُ الزَّوج لامرأتِه، أي: بإذنٍ، فهو مَحمول على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - استأذَنهنَّ. وقال التَّيمِيّ: يتعلَّق بالحيضِ أحكامٌ، فذَكَرَها، وهي معروفةٌ. * * * 2 - بابُ غَسْلِ الحَائِضِ رأسَ زوجِهَا وَترْجِيلِهِ (باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله): بالجيم. 295 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأناَ حَائِضٌ. الحديث الأول: (أُرجل رأس)؛ أي: أُسَرِّحُ شعرَ رأسِ، من مَجازِ الحَذفِ، أو

من إِطلاقِ المَحلِّ على الحالِ مَجازًا، يقالُ: (شعر رجل) بفتحِ الجيمِ وكَسرها، أي: ليس شديدَ الجُعُودَة، ولا سَبْطًا. * * * 296 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيجٍ أَخْبَرَهُم، قَالَ: أَخْبَرَني هِشَام، عَنْ عُروَةَ: أَنَّهُ سُئِلَ: أتخْدُمُنِي الحَائِضُ أَوْ تدنُو مِنِّي المَرأةُ وَهْيَ جُنُبٌ؟ فَقَالَ عروَةُ: كُلُّ ذَلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأسٌ، أَخْبَرتنِي عَائِشَةُ: أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ -تَعْنِي- رَأْسَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حَائِضٌ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ مُجَاوِز فِي المَسْجدِ، يُدنِي لَهَا رَأْسَهُ وَهْيَ فِي حُجْرَتِهَا، فترَجِّلُهُ وَهْيَ حَائِضٌ. الحديث الثاني: (ابن جريج) هو عبدُ المَلِكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جُرَيجٍ. (أخبرهم)، أي: هِشَامٌ أو مَن في طَبقتِه لا وَحدَه. (أتخدمني)، أي: أيجوزُ خِدمَةُ الحائِضِ، وقُربانُ الجُنُب؟ (الجنب) الأفصَحُ أنَّه بلَفظٍ واحدٍ للمُفرَدِ والمُذَكَّر وغيرِه، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]. قالَ في "الكشَّاف": لأنَّه اسمٌ جَرَى مَجرَى المَصدَرِ الذي هو الإجنابُ، واللُّغة الثَّانيةُ يُقالُ: جُنُبٌ وجُنُبانِ وجُنبونَ.

(كل ذلك)؛ أي: الخدمة والدنو. (هين)؛ أي: سَهلٌ، يُشدَّدُ ويُخَفَّفُ، كمَيِّتٍ ومَيْتٍ. (وكل ذلك تخدمني)؛ أي: الحائضُ والجُنُب، وجازت الإشارَةُ بذلك إلى اثنَين كما في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]، و (كل) هنا إمَّا رفعٌ بالابتِداء، أو نَصب على الظَّرفيَّة، أو مَفعولٌ بِـ (تخدمُنِي). (على أحد)، أي: أنا وغيري، فعَمَّم للمُبالغة، ولم يقُلْ: (عَلَيَّ). (حائض) لم يقل: (حائِضَة) لاختِصاصِ الحَيضِ بالنِّساء، فلا حاجَةَ إلى التَّفرِقَةِ بالتَّاء إلا حيثُ التبسَ كحامِلَةٍ ومُرضِعَةٍ، فمَن كان ذلك فيها بالفِعلِ يُؤتَى بالتَّاء، أو بالقُوَّة فتُترَكُ، كما قالَ الزَّمخشرِيُّ في: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2]: أنَّ المُرضِعة هي التي في حالِ الإرضاعِ تُلقِمُ ثَديَها، والمُرضِعُ التي من شأنِها ذلك، وإن لم تكنْ حينَ إِرضَاعٍ. (حينئذ)؛ أي: حينَ التَّرجيلِ. (مجاور)؛ أي: مُعتَكِفٌ. (يُدني)؛ أي: يُقرِّبُ. (حُجرتها) بضَمِّ المُهمَلة، أي: بيتِها. ووَجهُ دلالةِ الحديث على ما في التَّرجَمة من دنُوِّ الجُنُب؛ القياسُ على الحائضِ بجامعِ الحدَث الأكبر، بل قياسٌ جَلِيٌّ لأَولَوِيَّة الفَرعِ

3 - باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض

بالحُكمِ، لأنَّ الاستِقذارَ من الحائِضِ أكثرُ. وفي الحديثِ: أنَّ إخراجَ المُعتكِفِ بعضَه كيدِه ورِجلِه ورَأسِه لا يُبطِلُ اعتكافَه، وأنَّ إدخالَ الحالِفِ أنْ لا يدخُلَ دارًا فَدَخل بعضُه لا يَحنَثُ، واستِخدامُه الزَّوجَةِ في غُسلٍ ونحوِه برِضاها، إنَّما عليها تَمكينُه من نَفسِها، وملازمَةُ بَيتِها. قال (ط): وأنَّ الحائِضَ طاهرٌ، وتَجوزُ مُباشرتُها، ويكونُ قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187]، المُرادُ الجِماعُ، أو ما دونَه من اللَّذَّةِ لا المَسُّ، وفيه ترجيلُ الشَّعرِ للرَّجُل ونحوِه من الزينةِ، وأنَّ الحائضَ لا تدخُلُ المَسجِدَ. قال: وأنَّ المُباشَرَةَ الخفيفَة لا تنقُضُ الوضوءَ خلافًا للشَّافعي. قال (ك): ليسَ حُجَّةً على الشَّافعيِّ؛ لأنَّه لا يقولُ بأنَّ مسَّ الشَّعر ينقُضُ الوُضوءَ. * * * 3 - بابُ قِرَاءةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امرَأَتِهِ وَهْي حَائضٌ وَكَانَ أبو وَائِلٍ يرسِلُ خَادِمَهُ وَهْيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ، فتَأْتِيهِ بِالمُصحَفِ فتمسِكُهُ بِعِلاَقَتِهِ. (باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض): الحَجرُ: بفتحِ

الحاء وكَسرها، والجيمُ ساكنةٌ، وجَمعُه: حُجورٌ. (أبو وائل) شَقيقٌ. (إلى أبي رزين) بفتح الراء وكسر الزَّاي، هو مسعودُ بنُ مالكٍ، مولى أبي وائلٍ. (خادمه) يصدُق على الذَّكر والأُنثى، فلذلك قال: (وهي) بالتَّأنيث. (بعلاقته) بكسرِ العَين. * * * 297 - حَدَّثَنَا أبو نعيم الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، سَمعَ زُهَيْرًا، عَنْ مَنْصُور بْنِ صَفيَّةَ: أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثتهُ: أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثتهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يتكِئُ فِي حَجْرِي وَأَناَ حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرأُ القُرآن. (منصور بن صفية) نُسِبَ لأمِّه، لأنَّه يَروي عَنها واشتُهِرَ بِها، وإنَّما هو منصورُ بنُ عبدِ الرَّحمن الجُمَحِيِّ. (أن أمه)؛ أي: صفيَّةُ بنتُ شَيبَةَ. (يتكئ) بالهَمزِ بوزن: يَفْتَعِلُ. (وأنا حائض): جملةٌ حاليَّةٌ من فاعل (يتَّكِئُ)، أو من الياءِ المُضافِ إليها، وجاز ذلك إذا لم يكن المضافُ كجُزءٍ من المُضافِ إليه لِشِدَّة اتِّصاله به، نحو: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 125].

(في حجري)؛ أي: عليَّ، كما في {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [طه: 18]، وقال تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، وذلك لإرادة التَّمكُّن، لأنَّ المَظروف متمَكِّنٌ في الظَّرف. قال (ط): غرضُ البخاريِّ الاستدلالُ على جوازِ حَمل الحائضِ المصحفَ وقراءتِها القرآنَ، لأنَّ المُؤمنَ الحافظَ له أكبرُ أوعيتِه، وها هو - صلى الله عليه وسلم - أفضلُ المؤمنين في حَجْرِ الحائِضِ تاليًا للقُرآنِ. واختُلفَ في حَمل الحائضِ والجُنُب للمُصحف بعَلَّاقَتِه، فقيل: يجوزُ كحَملِ الدَّراهِمِ والدَّنانيرِ فيها ذِكرُ الله تعالى، ولحديثِ: "إنَّ المؤمنَ لا ينجُسُ"، ولكتابِه - صلى الله عليه وسلم - إلى هِرَقلَ وفيهِ من القُرآنِ، مع عِلمِه بأنَّهم يَمَسُّونه وهم أنجاسٌ، فدلَّ الدَّليلُ على أنه لا فرقَ بين القُرآن وغيرِه من ذكرِ الله - عز وجل -، ومنَعَه الجُمهور لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]، ولكتابِه - صلى الله عليه وسلم - إلى عَمرِو بنِ حَزْمٍ -بفتح المهملة وسكون الزاي-: "لا يَمَسَّ المُصحفَ إلا طاهِرٌ". قال (ك): إنَّما قصدَ البخاريُّ بذلك جوازَ القراءةِ بقُربِ مَوضع النَّجاسة، وكونُ المُؤمنِ يقرأُ وهو في حَجْرِ الحائض لا يدلُّ على جوازِ الحمل، ولذلك جازَ الحملُ في أمتِعَةٍ في صندوقٍ ونحوِه لفَقدِ المَعنَى في تحريمِ الحَمل. وأيضًا فالمنهيُّ الحَملُ والمَسُّ والاتِّكاءُ، لا حَملٌ ولا مَسٌّ، ولا يقاسُ على الدَّراهم والدَّنانير، لأنَّه لم يُكتَب فيهما بقَصد القراءة والدِّراسة، ولذلك لا يجري فيه أحكامُ القرآن، ولا يُقاسُ أيضًا على

4 - باب من سمى النفاس حيضا

الذِّكر، لأنَّ القرآنَ قديمٌ صفةٌ للباري تعالى، فلا يساويه الذِّكرُ. وأمَّا مكتوبُ هِرَقْلَ فلم يُكتَب أيضًا للقراءَة، فهو كقَصيدةٍ فارسيَّةٍ فيها كلمةٌ عربيَّةٌ، لا يقال للكلِّ عربيٌّ؛ لأنَّ الاعتبارَ بالغالِبِ، ثمَّ ذلك كلُّه لا يُقابِل دليلَ الجُمهورِ من الآية والحديث. وحَملُهم (المُطهَّرون) على النَّزاهةِ من الشِّركِ لا ينافي الحَملَ على الأعمِّ؛ إذ القَصدُ الكمالُ، فيُحملُ على الطَّهارة من الأنجاسِ والأخباثِ، لا سيما وفي لفظِه المبالغةُ. * * * 4 - بابُ مَنْ سَمَّى الَنِّفَاسَ حَيْضًا (باب من سمى النفاس حيضًا): سيأتي أواخرَ الكلام في الحديثِ ما في التَّرجَمةِ من الإشكالِ. 298 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هشَام، عَنْ يحيَى ابْنِ أَبِي كَثيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَن زينَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثتهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثتهَا قَالَتْ: بَيْنَا أَناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَجعَةً فِي خَمِيصَةٍ إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي قَالَ: (أنُفِسْتِ؟)، قُلْتُ: نعم، فَدَعَانِي فَاضْطَجعتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ. (مضطجعة) ورُوِيَ برفعه ونَصبه، والطَّاءُ بدلٌ من تاءِ الافتِعال.

(خميصة) كِساءٌ مربَّعٌ أسودُ له عَلَمانِ. (فانسللت)؛ أي: ذهبتُ بخُفيَةٍ، وفعلُها ذلك إمَّا تُقذِّرُ نفسَها أن تُضاجِعَه وهي كذلك، أو خشيةَ أن يُصيبَه من دَمِها، أو أن يَطلبَ منها استِمتاعًا. (حيضتي) بفتح الحاء وكسرها، أي: المرَّة أو الهَيئَة، لكنْ قال (ن): الكَسرُ هو الصَّحيحُ المَشهورُ؛ إذ المُرادُ: حالةَ الحيض، انتهى. وفي بعضِها: (حيضي)، بلا تاء، ولعلَّها خصَّت بعضَ ثِيابِها بزمانِ الحَيض. (أنفست)، بفتح النُّون كما سبق أنَّه الأكثرُ في الحَيض، والضَّم في الوِلادة أكثرُ. قال (خ): ترجَمةُ البخاريِّ وَهْمٌ، لأنَّ الكلِمةَ مأخوذةٌ من النَّفْسِ، وهو الدَّم، وإن فرَّقوا بين بناء الفِعل من الحَيض ومن النِّفاس. قال (ش): بَناه على أنَّه لا يقال: (نُفِستِ) بضَمِّ أوله في الحيض، والبخاريُّ بَنَى كلامَه على أنَّه لا يُقال فيهما مَعًا، واللُّغةُ تُساعِدُه. قال: وعلى هذا فقيل: كانَ حقُّ التَّرجمة (مَن سَمَّى الحَيض نِفاسًا) إلا أنَّه لَمَّا لَم يَجِد حديثًا في النِّفاس؛ وقد سَمَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحيضَ نِفاسًا؛ فَهِمَ منه أنَّ حُكمَهما واحدٌ لاشتراكِهما في التَّسمية، أي: فتحرُمُ الصَّلاةُ، وسائرِ أحكامِ الحَيض. (الخملية) ثَوبٌ من صُوفٍ له خَمْلٌ.

وقال النووي: الخَميلةُ والخَميلُ -بحذفِ الهاء- هي: القَطيفَةُ، وهي كلُّ ثَوبٍ له خَمْلٌ، أي نوعُ كَمالٍ، وقيلَ: هي الأسوَدُ من الثِّيابِ. قلت: أمَّا كلامُ الخَطَّابيِّ، والجوابُ عنه (¬1)، لم يتحصَّل في منه شيء، وأمَّا الاعتراضُ الآخَر فقاله (ط)، ونقلَه عنه (ك). وقال: إنه ليس الذي ظنَّه (خ) وَهْمًا؛ لأنَّه إذا ثبتَ هذا الفرقُ، والرِّوايةُ التي هي بالضمِّ صحيحةٌ؛ صحَّ أن يقالَ حينئذٍ: سَمَّى النِّفاسَ حَيضًا. قال: وأيضًا يحتملُ أنَّ الفَرقَ لم يثبُت عندَه لغةً، بل وُضِعَت (نفست) مفتوحَ النُّون ومضمومَها عنده للنِّفاس بمعنى الوِلادة، كما قال بعضُهم بعدَمِ الفَرقِ، بأنَّ اللَّفظَين للحَيضِ والوِلادة كِلَيهما. قال صاحب "شرح تراجم الأبواب" في جواب السُّؤال: إنَّ تقديرَه بقرينةِ ذكرِ الحديثِ بعدَه: مَن سَمَّى حَيضًا بالنِّفاس، بتقديرِ حرف الجَر وتقدُّمِه، أو: مَن سَمَّى حيضًا النِّفاسَ، بتقدير تقدُّمِه فقط. قال: والفائدةُ في التَّسميَة أنَّ حكمَهما واحدٌ. قال (ك): ولكن لا يدلُّ على أنَّ حكمَ النفاس حكمُ الحيض، بل على العكسِ، أي: كما قاله صاحبُ التَّراجم. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "منه"، والمثبت من "ف" "ب".

5 - باب مباشرة الحائض

5 - بابُ مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ (باب مباشرة الحائض) 299 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كنْتُ أَغتَسِلُ أَناَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِناَءٍ وَاحِدٍ، كِلاَناَ جُنُبٌ. الحديث الأول: (سفيان)؛ أي: الثَّوريُّ. (إبراهيم)؛ أي: النَّخْعِيُّ. (الأسود) هو ابنُ يزيدَ، والسَّنَدُ كوفيُّونَ. (والنبي - صلى الله عليه وسلم -) بالرَّفع والنَّصب. (كلانا جنب) أفصحُ من (جُنُبَانِ) كما سبق. * * * 300 - وَكانَ يَأمُرُني فَأتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُني وَأَناَ حَائِضٌ. (يأمرني)؛ أي: بالاتِّزارِ. (فأتزر) أَفتَعِلُ من الأَزْرِ، كذا اشتُهِرَ بالتشديدِ. قال المُطَرِّزِيُّ: وهو عامِّيٌّ، والصَّوابُ أنه: (أأتَزِرُ) بِهمزتَين،

الأولى همزةُ المُتكلِّم، وهي في الفِعل الخماسيِّ وَصلٌ، والثانية فَاءُ (أفتَعِلُ) أُبدِلت ألِفًا لوُقوعِها بعدَ همزةٍ مفتوحةٍ. وخَطَّأَ الزَّمَخشَرِيُّ في "المفصَّل" أيضًا مَنْ قالَ: (اتَّزرُ) بالإدغامِ. وأمَّا ابنُ مالكٍ فحاولَ تخريجَه على وجهٍ يصحُّ، وقال: إنَّه مقصورٌ على السَّماع كـ (اتَّكلَ)، ومنه قراءةُ ابنِ مُحَيصِن: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ} [البقرة: 283]، بألفِ وَصلٍ وتاءٍ مشدَّدةٍ. قال (ك): هو من الرُّواةِ عن عائشة، فإنْ صحَّ عنها كان حُجَّةً في الجواز؛ لأنَّها من فُصَحاءِ العَرب، فلا خطأَ. (فيباشرني)؛ أي: بمُلاقاة البَشَرةِ البَشَرةَ بلا جِماعٍ؛ لأنَّ الجِماعَ حرامٌ. قال (ن): إجماعًا، ومن اعتَقَد حِلَّه كَفَر، ومن ارتكَبَه عالِمًا عامِدًا مُختارًا فقد ارتَكَب كبيرةَ، نصَّ عليه الشَّافعيُّ. واختُلف في وجوبِ الكفَّارة عليه، أمَّا النَّاسي أو الجاهلُ بالحَيض أو بالتَّحريم أو مُكرَهٌ؛ فلا إثمَ عليه ولا كفارةَ، والكفَّارةُ في القِسم الأوَّل فيها قولانِ للشَّافعيِّ، أصحُّهما وبه قالَ الأئمَّة الثَّلاثة: لا تجبُ، والثاني: تجبُ، فقيل: عِتقُ رقَبة، وقيل: التَّصدُّقُ بدينارِ أو نصفِ دينارٍ، على الاختِلاف في أنَّ الدينارَ في أوَّل الدَّم، والنصفَ في آخِره، أو الدينارُ في الدَّم، والنصفُ بعد انقِطاعه. وأمَّا المُباشرة فيما فوقَ السُّرَّة وتحتَ الرُّكبة بالذَّكَر أو باللَّمسِ أو

بغيره؛ فحلالٌ اتِّفاقًا. وأمَّا فيما بينَ السُّرَّة والرُّكبة في غيرِ القُبُلِ والدُّبُر؛ فأصحُّ الأوجُه: حرامٌ، وثانيها: مَكروهٌ، فمن وقع حولَ الحِمى يوشِكُ أن يقعَ فيه. قال: وهذا أقوَى دليلًا، وهو المُختارُ، وثالثُها: إنْ كانَ يضبِطُ نفسَه عن الفَرجِ ويثِقُ باجتِنابها لضَعفِ شَهوةٍ أو شِدَّة وَرعٍ؛ جاز، وإلا فلا. ثمَّ اختَلَفوا بعدَ الانقِطاعِ، فمَنَعَ الجُمهورُ الوَطْءَ، حتى تغتَسِلَ لآية: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، وقال أبو حنيفةَ: إذا انقَطعَ الدَّمُ لأكثرِ الحَيضِ حلَّ الوطءُ في الحال. * * * 301 - وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ معتكِفٌ، فَأغْسِلُهُ وَأَناَ حَائِضٌ. (معتكف) الاعتكافُ: لُبْثٌ في المَسجدِ بنِيَّة، وأصلُه من الحَبْسِ. وفي الحديث: طهارةُ عَرَقِ الحائض، وجوازُ خِدمتِها، وأنَّ الزَّوجَ تَخدِمُ زَوجَها برِضاها، وأنَّ إخراجَ الرَّأسِ من المَسجد لا يُبطِلُ الاعتكافَ، وسبقَ ذلك. * * * 302 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أبو إسْحَاقَ -هُوَ الشَّيْبَانِيُّ-، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ

الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحدَاناَ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، فأَرَادَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، قَالَتْ: وَأيُّكم يملِكُ إِربَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يملِكُ إِربَهُ؟ تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِي. الحديث الثاني: (أبو إسحاق)؛ أي: سُلَيمانُ بنُ فَيرُوزَ. (هو الشيباني) بفتح المعجمة، وإنَّما قال (هو) للتَّنبيه على أنّه من قولِه لا من قولِ الرَّاوي عن أبي إسحاقَ. (كانت إحدانا) وقَع في "مسلم": (كان إحدانا)، وتخريجُه على حكاية سيبويهِ عن بعضِ العربِ: قالَ فلانةُ. (تتزر)؛ أي: تشُدُّ إزارًا لسَترِ سَوأَتِها، وفي "الصَّحيح": (تأتَزِرُ) بلا إدغام. (فور) بفتح الفاء وسكون الواو وبالراء، أي: قُوَّة وشِدَّة، ومنه: فارَ القدرُ فَورًا: جاشَت، والمُرادُ عند ابتداءِ الحَيض وكَثرَته، ورواه أبو داود في "سننه": (فَوح)، بالحاء المهمَلة. (لإربه) بكسرِ الهمزة وسكونِ الرَّاء في رواية الجُمهور، ورواه أبو ذَرٍّ بفتح الهمزة والرَّاء، وصوَّبَه النَّحاسُ، والخَطَّابِيُّ، وهو على معنَى الحاجَة. والأوَّلُ قال (ك): أي: العُضْوُ الذي يُستَمتَعُ به، أي: الفَرْجُ.

قلت: فيكونُ واحدَ (الآَراب)، كما في حديثِ: "أُمرتُ أن أَسجُدَ على سبعةِ آرابِ"، يُعبَّر به عن إِربٍ خاصٍّ، وهو الذَّكَر. قال ابنُ الأثير: أو يكونُ لغة في الأَرَبِ بالفتح، وهو الحاجَةُ، فإنَّه يقالُ فيها: إِرْبَةٌ ومَأرَبةٌ. قال: ولكنَّ أكثرَ المُحدِّثين يروُونَه بفتحِ الهمزة والرَّاء. قال (ن): إنَّ الخطَّابِيَّ اختارَ الفتحَ وأنكَرَ الكَسرَ وعابَه على المُحدِّثين. وذكرَ (ك) كلامَ (خ) في "الأعلام" و"المَعالِم"، وليسَ فيه إلا حكايةُ الوَجهَين فقط، كأنه يُريدُ بذلك نقلَ (ن). قلت: لكنْ من حَفِظَ حُجَّةٌ على مَن لم يَحفَظ. قال (ط): في الحديثِ بيانُ أنَّ قولَ الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا} [البقرة: 222]، مَعناه الجِماعُ لا المُؤَاكلَةُ والاضطِّجاعُ، وذلك بعدَ قوله {قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]، إذ فيه معنًى لطيفٌ كما أشار إلى تقريرِه (خ) بأنَّ كونَ دمِ الحَيض أذًى لا يخفَى على أحدٍ، وإنَّما أُريدَ أنَّ الاعتزالَ إنَّما هو عن مَوضعِ الأذى فقط، ولا يتَعدَّى إلى غيرِه من سائر بدنِها، ولا يَخرُجْنَ من البيوتِ كفِعلِ المَجوسِ واليَهود. قال الطحاوي: الجماعُ في الفَرْجِ يوجِبُ الحَدَّ، والمَهرَ، والغُسلَ، وغيرُه لا يوجِبُ ذلك، فالجِماعُ فيما دونَ الفَرجِ تحتِ الإزارِ أشبَهُ بالجماع فوقَه منه بالجِماعِ في الفَرْجِ، فثَبَت أنَّ ما دونَ الفَرجِ مُباحٌ.

قال (ك): أمرُه - صلى الله عليه وسلم - بشد الإزار يدلُّ على خِلافِ ذلك؛ لأنَّه لا يَخافُ تعرُّضَ الفَرج؛ لمِلكِه لإرْبِه، فدَلَّ على أنَّه لامتِناعه مِمَّا قَارَبَه. (تابعه خالد) (¬1) هو ابنُ عبدِ الله الطَّحانُ، والضَّمير لعليِّ بنِ مُسْهِرٍ، وقد وصَلَها أبو القاسمِ التَّنُوخِيُّ في "فوائده"، ووصَلَها الطَّبَرانِيُّ بسَنَدِ آخرَ. (وجرير) بالجيم والرَّاء المكررة، أي: ابنُ عبدِ الحَميدِ، ووَصَل متابعتَه أبو يَعلَى في "مسنده"، والإسماعيلِيُّ عنه. (عن الشيباني)؛ أي: أبي إسحاقَ المَذكور، أي: عن عبدِ الرَّحمنِ ... إلى آخره. * * * 303 - حَدَّثَنَا أَبو النُّعمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمعتُ مَيْمُونة: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امرَأةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهْيَ حَائِضٌ. ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "اشترى نفسه من الله ثلاث مرات، وتصدق بزنة نفسه فضة ثلاث مرات، مات بواسط سنة ست وثمانين ومئة".

6 - باب ترك الحائض الصوم

وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ. الحديث الثالث: (أبو النعمان)؛ أي: المعروفُ بعَارِمٍ. (وهي حائض) جملةٌ حاليَّةٌ من مَفعول (يُباشِرُ) على الظَّاهر، أو من مفعول (أمَرَ)، أو من فاعل (اتَّزَر). قال (ك): ويحتملُ أنَّه حالٌ من الثلاثةِ جَميعًا. (رواه سفيان)؛ أي: الثَّوريُّ، أو ابنُ عُيينَةَ، فلا يضرُّ إبهامُه؛ لأنَّهما على شَرطِه، لكنَّ الأوَّلَ أولى، فقَد وصَلَ هذه المتابَعةَ أحمدُ في "مسنده" عن الثَّورِيّ. قال (ك): وإنما عبَّر بِـ (رواه)، ولم يَقل: (تابَعَه)؛ لأن الرِّوايةَ أعمُّ من المُتابعة، فلعلَّه لم يَروِها متابعةً. * * * 6 - بابُ تَركِ الحَائِضِ الصَّوْم (باب ترك الحائض الصوم) 304 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مريَمَ قَالَ: أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بْنُ جعفَرٍ،

قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيدٌ -هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ-، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحًى -أَوْ فِطْرٍ- إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاء فَقَالَ: (يَا مَعشَرَ النِّسَاء! تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أكثَرَ أَهْلِ النَّارِ)، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (تُكْثرنَ اللَّعنَ، وَتَكْفُرنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ ناَقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إحدَاكُنَّ)، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (أليْسَ شَهَادَةُ المرأَةِ مِثْلَ نِصفِ شَهَادَةِ الرَّجُل؟)، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: (فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أليْسَ إِذَا حَاضَتْ لم تُصَلِّ وَلَم تَصُم؟)، قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: (فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينهَا). (في أضحى)؛ أي: في عيدِ أضحى، وهو بفَتحِ الهَمزة وسكونِ الضَّاد جَمعُ (أضْحاةٍ) إحدَى أربعِ لغاتٍ في اسمِها، و (أضْحِيَّة) بضَمِّ الهمزة وكسرها، و (ضَحِيَّة) بفَتحِ الضَّادِ وتشديدِ الياء، والأَضحَى يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وهو مُنصَرِفٌ، وقيل: سُمِّيت بذلكَ لأنَّها تُفعَلُ في الضُّحى، وهو ارتفاعُ النَّهارِ. (أو فطر)؛ أي: عيدِ الفِطْرِ، والشَّك من أبي سعيدٍ.

(المصلى)؛ أي: مكانُ الصَّلاة، وفي العُرفِ مكانُ صلاةِ العيدِ. (أُريتكن) بضَمِّ الهمزة، أي: أُخبِرتُ، وهو مُتَعَدٍّ إلى ثلاثة. (بم)؛ أي: (بِمَا) فَحُذِفت الألفُ تَخفِيفًا. (اللَّعن)؛ أي: الدُّعاءُ به، وهو: الإبعادُ من الله. (وتكفرن) من الكُفْرِ، وهو: السَّتْرُ، وكُفْرُ النِّعمَةِ سَتْرُها. (العشير)؛ أي: المُعاشِر، وهو المُخالِط، والمرادُ: يَجحَدْنَ نِعمةَ الزَّوجِ، والخِطابُ عامٌّ غُلِّبَتْ فيه الحاضِراتُ على الغُيَّب، وقد اتَّفقَ العُلماءُ على تَحريم اللَّعن؛ لأنَّه لا يُدعى بالبُعدِ من رحمة الله على من لا يُعرَفُ خاتِمَةُ أمره بالقَطع؛ إلا بنصِّ الشَّارع على مَوتِه كافرًا كأبِي جَهلٍ وإبليسَ، أمَّا لَعنُ ذي وَصفٍ بلا تعيين كالظَّالمين والفاسقين والكافرين فجائزٌ. (من ناقصات): صفةٌ لمَحذوف، أي: أَحَدًا. (عقل) هو عند الأَشعَرِيِّ: العِلمُ ببَعضِ الضَّروريَّات الذي هو مَنَاطُ التَّكليفِ. وربَّما قيلَ: هو العِلمُ بوجوبِ الواجباتِ، ومَجاري العاداتِ، أو بِما يُعرَف به حُسْنُ الحَسَنِ، وقُبْحُ القَبيحِ. وقيلَ: غَريزَةٌ يتبَعُها العِلمُ بالضَّروريَّات عندَ سلامة الآلات،

وليس هذا مَوضعُ تَحقيقِه. (أذهب) من (الإِذهابِ) على قَول سيبويهِ: يجوزُ بناءُ (أفعل) التَّفضيلِ من مَزيدِ الثُّلاثيِّ. (للب) بضَمِّ اللام وتشديد الموحَّدة: العقلُ الخالصُ من الشَّوائبِ، وسُمِّي بذلك؛ لأنَّه خالصُ ما في الإنسان من قُواه، فكلُّ لُبٍّ عقلٌ ولا العكسُ. (الحازم) من الحَزْمِ، وهو ضَبْطُ الشَّخصِ أمرَه. (ديننا وعقلنا) في بعضها: (دينها وعقلها)، وقيلَ: المراد بالعَقْلِ: الدِّيَةُ؛ لأنَّها نصفُ دِيَةِ الرَّجُل، وهو بعيد، أي: لأنَّ في الحديث ما يدفَعُه. (فذلك) -بكسرِ الكاف- خِطابٌ عامٌّ، وإلا لقال: (فذلِكُنَّ). قال (ن): فيه جُمَلٌ من العُلومِ: الحثُّ على الصَّدَقة والمَبَرَّات، وأنَّ الحَسناتِ يُذهِبْنَ السيئاتِ، وأنَّ كُفرانَ العَشيرِ من الكبائرِ، يدلُّ عليه التَّوعُّدُ بالنَّار، وكذا إكثارُ اللَّعنِ، وجوازُ إطلاقِ الكُفرِ على غَير الكُفْرِيَّات، والمُراجَعة فيما لا يظهرُ معناه، وكَونُ شهادةِ امرَأَتين بشَهادَةِ رجُلٍ واحِدٍ، واستحبابُ تذكيرِهِنَّ الآَخرةَ، وحضورُهن مَجَامعَ الرجال، لكنْ بِمَعزِلٍ عنهنَّ خوفَ الفِتنَة، وخروجُ الإمامِ للمُصلَّى في العيد، وأنَّ نَقصَ الدِّين قد يكونُ مع عدم الإثمِ كتاركِ الجُمُعة لعُذرٍ،

مع الأمر بالتَّرك كتَرك الحائِضِ الصَّلاةَ والصَّومَ، وليست كالمريضِ الذي يُثابُ ويُكْتَبُ له في مَرَضه نوافلُ الصَّلاة التي كان يفعلُها في صِحَّته، لأنَّ ظاهرَ الحديث أنَّها لا تُثابُ، والفَرقُ أنَّه أهلٌ أن ينوِيَ أنه يفعلُ لو كان سالمًا، وهي ليست بأهلٍ، ولا يُمكنُ أن تنويَ لأنَّها حرامٌ عليها. قال (خ): وأنَّ مِلاكَ الشَّهادة العَقلُ. قال (ط): وأنَّ الحائضَ يسقُط عنها فرضُ الصَّوم والصَّلاة، وفيه الشَّفاعةُ للمساكينِ وغيرِهم، والسُّؤالُ لغَيره خلافًا لمَن كَرِهَهُ، وأنَّ للخطيبِ في العيد أن يُفرِدَ النِّساءَ باللِّقاءِ والمَوعِظَة، وأنَّ الصَدقة تُكَفِّرُ الذُّنوبَ التي بين المَخلوقين، والوعظُ بكلمةٍ فيها شِدةٌ، لكنْ لا لواحدٍ معيَّنٍ؛ فالمُصيبَةٌ إذا عَمَّت هانَت، وفيه تركُ العَيب للرَّجل إن تغلَّبَ مَحبَّةُ أهله عليه. قال الطِّيبِيُّ: الجوابُ من أُسلوب الحكيم، لأنَّ (ما رأيتُ ...) إلى آخره زيادَةٌ، فإنَّ قولَه: (يُكثِرْنَ اللَّعنَ، ويَكفُرنَ العَشير) جوابٌ تامٌّ، فكأنَّه من بابِ الاستِتْباعِ، إذ الذَّمُّ بالنُّقصانِ استَتْبَعَ الذَّمَ بأمرٍ آخرَ غريبٍ، وهو كونُ الرَّجلِ الكاملِ مُنقادًا للنَّاقِصاتِ دِينًا وعَقلًا. * * *

7 - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

7 - بابٌ تَقْضِي الحائِضُ المَنَاسكَ كُلهَا إلا الطَّوَافَ بالبَيْتِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأسَ أَنْ تَقْرَأَ الآَيَةَ، وَلم يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالقِراءَةِ لِلْجُنُبِ بَأسًا، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحيَانِهِ. وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيةَ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الحُيَّضُ، فَيُكَبِّرنَ بِتكْبِيرِهم وَيَدعُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَني أبو سُفْيَانَ: أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَ فَإِذَا فِيهِ: (بِسْم اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيم و {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: 64]. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ: حَاضَتْ عَائشة فنسكت المناسك غيرَ الطوافِ بالبيتِ ولا تصلِّي. وقال الحكم: إنِّي لأَذْبَحُ وأنا جنُبٌ، وقال الله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الآية [الأنعام: 121]. (باب تقضي الحائض المناسك كلها): معنى تقضي: تَفعلُ. (لا بأس)؛ أي: لا حَرَجَ. (ولم ير ابن عباس ...) إلى آخره، ويُروى: (أنه كان يقرأُ وِردَهُ

من القُرآنِ وهو جُنُب، فقيل له في ذلك؛ فقالَ: ما في جَوفي أكثرُ منه)، والبابُ وإنْ عُقِدَ لحُكمِ الحائضِ؛ ففي حُكمِ الجُنُب مثلُه لغِلَظِ حَدَثِهما، ووجوبِ غُسلِهما، والحُيَّضُ أولى بالقراءةِ لطول أمرِه المُستَلزِمِ لنِسيانِ القِراءة، ولِذا أباحَ بعضُهم للحائضِ، وكَرِهَها للجُنُب. (أحيانه)؛ أي: أزمانَه، فدخلَ حينُ الجنابة، وهذا التَّعليقُ وصَلَه مسلمٌ، وأبو داودَ، والتِّرمذِيُّ وغيرُهم. (كنا نؤمر ...) إلى آخره، وصَلَه البخارِيُّ في (باب العيدَين). (أن تخرج) بفتح التاء وضمِّ الرَّاء وكسرها مع النون. (الحيض) جَمعُ (حائِض)، وهو بالرَّفع والنَّصب على الوَجهَين. (وقال ابنُ عباس) تقدَّم وصلُه في (باب بَدءِ الوَحي). (وقال عطاء عن جابر) وصَلَه في (الحَجِّ). (فنسكت) بفتح السِّين، أصلُه التَّعبُّدُ، لكن العُرْفَ خَصَّصَ المناسِكَ -جَمعُ (مَنْسَك) بالفَتح- بأفعال الحجِّ، فالمُراد هنا: عَبَدَت العباداتِ المتَعلِّقَةَ بالحجِّ غيرَ الطَّوافِ. (ولا تصلي) لعلَّ فائدةَ ذِكرِ ذلك؛ أي: عرَفتُ وقتَ حَيضِها بتَركِها الصَّلاةَ. (لأذبح)؛ أي: لأَذكُر الله في ذَبحِي؛ لأنَّه مستَلزِمٌ له، بدلالةِ الآية

إذ المُرادُ بقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا} [آل عمران: 130]: لا تَذبَحوا، باتِّفاقِ المُفسِّرين. * * * 305 - حدَّثنا أبو نعيم قال: حدَّثنا عبدُ العزيزِ بنُ أبي سَلَمَةَ، عن عبد الرَّحمنِ بْنِ الْقَاسم، عَنِ الْقَاسم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَذْكُرُ إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ أَبْكِي، فَقَالَ: (مَا يُبْكِيك؟)، قُلْتُ: لَوَدِدتُ وَاللهِ أَنِّي لَم أَحُجَّ العَامَ، قَالَ: (لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟)، قُلْتُ: نعم، قَالَ: (فَإنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ كتبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي). (سلمة) بفتح اللام. (لا نذكر إلا الحج)؛ أي: لِمَا كانوا يظنُّون من امتِناعِ العُمرَة في أشهُرِ الحَجِّ، وإرادتهما؛ لأنَّ العُرفَ يُطلِقُ الحجَّ على الأعَمِّ. (سرف) بفتح السِّين المهملة وكسرِ الرَّاء: مَوضِعٌ قُربَ مَكَّةَ. (طمثت) بفتح الميم وكسرها لغة: حاضَت. (لوددت) بكسر الدَّال، وهو جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، والقَسَمُ الذي بعدَه تأكيدٌ للمَحذوف.

(أني) بفتح الهمزة. (لم أحج)؛ أي: لم أقصِد الحجَّ هذه السَّنة؛ لأنَّ قولَها ذلك كان قبلَ فعلِ شيءٍ من الحجِّ. (لعل) توقُّعٌ لمَرجُوٍّ أو مَحذوفٍ، وقال الجَوهرِيُّ في موضعٍ آخرَ: إنَّها كلمةُ شَكٍّ. (نفست)؛ أي: حِضْتِ، فهو بفتح النُّون على الأشهر أو ضمِّها كما سبق. (على بنات آدم)؛ أي: ليس خاصًّا بك، بل شيءٌ امتَحَنَ الله به بنات آدم، وتعبَّدَهُنَّ بالصَّبرِ عليه، ففيه تَسلِيَةٌ وتَخفيفٌ لِهمِّها. (حتى تطهري) تعلَّقَ بِهذه الغايةِ مَن اكتَفى فِي صِحَّةِ الطَّوافِ بالانقطاع، وإنْ لم تَغتَسِل، وجوابُه: وجودُ دليلٍ آخرَ على مَنعِ الطَّواف بلا طهارةٍ، كحديث: (الطَّوافُ بالبيتِ صَلاة) ونحوِه، فلا يلزَمُ من ذِكرِ غايةِ الاكتِفاءِ بِها كما في: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] إذ المُرادُ: يُطلِّقُها وتنقَضي عِدَّتُها منه، أو أنَّ المرادَ: تطهَّري طهارةً كاملَةً، فإنْ صحَّت رواية: (تطهَّري) -بالتَّشديد- فهو واضحٌ في وجوبِ الغُسلِ. وفي الحديث منعُها من المسجدِ، وصحَّةُ أفعالِ الحجِّ من الحائِضِ، والنُّفساءِ، والجُنُب، والمُحدِثِ؛ سوى الطَّوافِ، فقيلَ: عِلَّته منعُ الطَّوافِ بلا طهارة، وقيل: الطَّوافُ صحيح، والمنعُ لأجلِ اللُّبثِ.

8 - باب الاستحاضة

وفيه استحبابُ حَجِّ الرَّجلِ بامرَأته، وتقدَّم سائرُ مباحثِه أولَ (الحَيضِ). قال (ط): البابُ كلُّه في جوازِ تلاوةِ القُرآن للحائضِ والجُنُبِ، سواءٌ كانَ مذهبَ البخاريِّ، أو حكايةً لذلك، فمنع الأئمَّةُ الثلاثةُ غيرَ مالكٍ، واختُلِفَ في قَولِ مالكٍ فيها وفي الجُنُب. وقال أبو حنيفة: لا يقرأُ الجُنُبُ إلا بعضَ آيةٍ، ومنَعَ الشَّافعِيُّ قليلَ القراءةِ وكثيرَها. قهال المُهلَّبُ: الواجبُ تنزيهُهُ عمَّن لم يكنْ على أكمَلِ أحوالِ الطَّهارة؛ لقوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس: 13، 14]. * * * 8 - بابُ الاِسْتِحاضَةِ (باب الاستحاضة): سبَقَ تفسيرُها وتفسيرُ الحديث المَذكور هنا، ويُعلمُ منه أنَّ حُكمَ المُستحاضَةِ حُكمُ الطَّاهرة إلا في مواضعَ مبسوطةٍ في الفِقه. 306 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مالكٌ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لاَ أَطْهُرُ، أفأَدعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ

9 - باب غسل دم المحيض

فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا ذَهبَ قَدرُها فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي). (قدرها)؛ أي: قدرُ الحَيضة، وذلك باعتبار كونِها مبتدأةً، أو معتادةً مميِّزةً، أو غيرها، وهو مبيَّنٌ في الفِقه أيضًا. والحديثُ يُشعرُ بأنَّ السائلَةَ مميِّزةٌ. وفي الحديثِ استفتاءُ مَن وقعت له مسألةٌ، وجوازُ استِفتاءِ المَرأة بنَفسها، ومُشافَهتِها الرِّجالَ بما يتعلَّق بالنساء، واستِماع صوتها عند الحاجَة. * * * 9 - بابُ غَسْلِ دَمِ المَحيضِ (باب غسل دم المحيض): في بعضِها: (الحيض)، وفي بعضِها: (الحائض). 307 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مالكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ: أَنَّها قَالَتْ: سَألتِ امرَأةٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِحدَاناَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَها الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصنعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ، فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ).

الحديث الأول: (أرأيت)؛ أي: أخبِرني، وفيه مَجازان. (فلتقرصه) بالقاف وضمِّ الراء وصاد مهملة، أي: تقطَعه. (ولتنضحه) بكسر الضاد، وفي بعضِها: بفتحها، وسبق بيان ذلك ومباحثُه. * * * 308 - حَدَّثَنَا أَصبَغُ، قَالَ: أَخْبَرني ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحدَاناَ تَحِيضُ، ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِها عِنْدَ طُهْرِها فتغْسِلُهُ، وَتنضَحُ عَلَى سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ. الحديث الثاني: (تقرص) في بعضِها: (تقترص)، لأنَّه إذا قُرِصَ كان أحرى أن يذهبَ أثرُه. (فتغسله) فيه أنَّه لا بدَّ في إزالةِ النَّجاسة من الماء. قال (ط): حديثُ عائشة بالغَسل تفسيرُ حديثِ أسماء في النَّضْح. قال: وأمَّا نَضْحُها على سائره؛ فهو رشٌّ لا غَسل، وإنَّما فعلت ذلك لتطيِّبَ نفسَها؛ لأنَّها لم تَنضَح على مكان فيه دم؛ لأنَّها كانت تَغسِل الدَّمَ، فلا يُمكنُ أنَّها تَغسِل بعضَه وتتركُ بعضَه. * * *

10 - باب الاعتكاف للمستحاضة

10 - بابُ الاِعتكَاف لِلْمُسْتحَاضةِ (باب اعتكاف المستحاضة) 309 - حدَّثنا إسْحاقُ قال: حدَّثنا خالدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اعتكَفَ معه بعضُ نسائِهِ وهْيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فربَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحتَها مِنَ الدَّمِ، وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رأتْ مَاءَ العُصْفُرِ فَقَالَتْ: كَأنَّ هذَا شَيْءٌ كَانَتْ فُلاَنة تَجدُهُ. الحديث الأول: (عن خالد) هو الحذَّاءُ، وأمَّا الأوَّل فهو الطَّحَّانُ. (بعض نسائه) هذا ممَّا أنكره ابنُ الجَوزِيِّ وغيرُه على البخاريِّ؛ لأنَّ المُستحاضَة إنَّما هي أمُّ حبيبَة بنتُ جَحْشٍ أختُ زوجتِه زَينبَ، وليست بمُستحَاضَة، بل أختُها أمُّ حبيبة، وحمنَةُ. وقيلَ: بعضُ أزواجِه إنَّما هي سَودَةُ بنتُ زَمعَةَ، وقيل: زينبُ بنتُ جَحشٍ، وقيل: أمُّ حبيبةَ بنتُ أبي سُفيانَ. (وهي) أنَّث ضَمير (بعض)، وهو مذكَّر؛ لأنَّ مدلولَه امرأةٌ من النِّساء، أو أنَّ المُضافَ اكتَسبَ تأنيثًا من المُضافِ إليه. (مستحاضة) أَلحقَ التَّاء؛ والاستِحاضَةُ خاصَّة [بالنِّساء إِشعارًا بأنَّه بالفِعل لا بالقُوَّة، كما سبق تقريرُه، أو النِّساء لنَقلِ اللَّفظِ من الوَصفِية

للإسميَّة] (¬1)، وفِعلُه: (اُستُحِيضَت) بالبناء للمَفعول لزومًا كـ (جُنَّ)، ولا يجوزُ فيه: مُستَحيضَة. (والطست) أصله: طَسٌّ، أُبدِلت إحدى السِّينَين استِثقالًا لاجتِماعهما، فإذا جُمِعَ أو صُغِّرَ رُدَّ للأصل، فيقال: طِسَاسٌ وطُسَيسٌ. (من الدم) (مِن) إمَّا ابتدائية، أو سببيَّة، أي: لأَجله. (وزعم) عبَّر به إمَّا لِمجيئه بمعنَى (قال)، وإمَّا لأنَّه ما ثبتَ صريحُ ذلك عن عِكْرِمَةَ؛ بل بقَرائنِ الأحوالِ، ثم ذلك يحتملُ أنَّه تعليقٌ من البخاري، أو من تتمَّة قَول خالدٍ الحذَّاء، فيكونُ مسنَدًا؛ إذ هو عَطفٌ في المعنَى على (عن عِكْرِمَةَ)؛ أي: قال خالدٌ: قال عِكْرِمَةُ، أو زَعَم عِكرِمَةُ. (العصفر) بضَمِّ المهملة والفاء وسكونِ المهملة بينهما؛ معروفٌ. (كأنَّ) بتشديد النُّون. (فلانه) غيرُ مُنصرِفٍ، كنايةً عن عَلَمِ امرأةٍ كـ (فُلان) عن عَلَم رَجُلٍ. قال في "المفصل": فإذا كنُّوا عن أعلامِ البَهائم قالوا: الفُلانُ والفُلانةُ، والمُرادُ بـ (فلانةَ) هنا قيل: زَينبُ بنتُ جَحشٍ، وهي أوَّلُ مَن مات من أَزواجه - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

قال ابنُ عبدِ البَر: هي وأختُها أمُّ حبيبةَ وحمنَةُ بناتُ جحشٍ كنَّ مُستحاضاتٍ. (تجده)؛ أي: في زمانِ حَيضَتِها. * * * 310 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اعتكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - امرَأة مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ، وَالطسْتُ تَحْتَها وَهْيَ تُصَلِّي. الحديث الثاني: (الدم والصفرة)؛ أي: الاستِحاضَة. (والطست تحتها): جُملةٌ حاليَّة، وفي بعضِها: بلا واوٍ، ففي الحديث جوازُ مُكثِ المُستحاضَة في المسجد، وجوازُ اعتِكافِها وصلاتِها فيه بشَرطِ عَدمِ التَّلويث في الكلِّ. * * * 311 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعتَمِرٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ بَعْضَ أمُّهاتِ المُؤْمِنِينَ اعتَكَفَتْ وَهْيَ مُسْتَحَاضَة. الحديث الثالث: قال (ط): فيه دليلٌ على إباحةِ الاعتكافِ لِمَن به سَلَسُ البَول، أو

11 - باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟

المَذْيُ، أو جُرحٌ يسيلُ قياسًا على المُستحاضَة. * * * 11 - بابٌ هلْ تُصَلِّي المرْأَةُ فِي ثوبٍ حَاضَتْ فِيهِ؟ (باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه) 312 - حَدَّثَنَا أَبو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيح، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا كَانَ لإحدَاناَ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، قَالَتْ بِرِيقها فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِها. (أبو نُعيم) الفَضل. (ابن أبي نجيح) بفتح النُّون وكسرِ الجيم، اسْمُه: عبدُ الله. (لإحدانا) المُرادُ العمومُ؛ لأنَّه نكرةٌ في نَفيٍ، فلو كان لواحدةٍ ثوبٌ لم يَصدق النَّفيُ. (قالت بريقها) من التَّعبير بالقَول عن الفِعل؛ أي: وضَعَت الرِّيق عليه. (فمصعته) بمهملتين، أي: حَكَّته، والمَصعُ: التَّحريكُ. قال (خ): أصلُه في الضَّرب، وهو الشَّديدُ منه، والمرادُ هنا المبالغةُ في حَكِّه، ويُروى: (فقَصَعَتْه)، وهو الدَّلكُ بالظُّفُر، ومُعالَجَتُه به.

12 - باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض

(بظفرها) بسكون الفاء وضمِّها، والجمعُ بين هذا الحديث وما سبق في (باب من سَمَّى النِّفاس حيضًا): (فأخذتُ ثيابَ حَيضَتِي)، وسيجيء أيضًا في (باب من اتخذ ثيابَ الحَيض سوى ثيابِ الطُّهر)، فإنَّه يدلُّ على تعدُّدِ الثَّوب؛ إمَّا لأنَّ هذا كان في بَدءِ الإسلام حالَ الشّدَّة، ثم فتَحَ الله الفُتوح، فاتَّخذَ النَّاس ثيابًا للحَيض سوى ثيابِ لباسِهنَّ، قاله (ط). وقالَ في مناسبةِ الحديثِ للتَّرجَمة: مَن لم يكُن لَها إلا ثوبٌ واحدٌ تحيضُ فيه معلومٌ أنَّها تصلِّي فيه إذا طَهَّرته بعد الانقطاع، وليس هذا مُخالِفًا لِما تقدَّم، أي: حَملًا للمُطلَق على المُقيَّد، أو لأنَّ هذا الدَّمَ الذي مَصَعَتْه قليلٌ معفُوٌّ عنه لا يجبُ عليها غَسله، فلذلك لم تذكر أنَّها غَسَلته بالمَاء. * * * 12 - بابُ الطيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلها مِنَ المحِيضِ (باب الطيب للمرأة عند غسلها) 313 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيَّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ -قَالَ أبو عَبْدِ اللهِ: أَوْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى ميَّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَربَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ نَكْتَحِلَ

وَلاَ نتَطَيَّبَ وَلاَ نلبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَد رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغتَسَلَتْ إِحدَاناَ مِنْ مَحِيضِها فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا ننهى عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ. قَالَ: رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (كنا ننهى) مثلُه مَحمولٌ على الرَّفع؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اطَّلع عليه وقَرَّره. (تُحِد)؛ أي: المَرأةُ، وفي بعضِها: (نُحِد) بالنون، وكذا في (تكتَحِل) وأخواتِه، ويقالُ فيه أيضًا: حَدَّت ثلاثيًّا، تحد -بضَمِّ العين وكسرها- حِدَادا، فهي حَادٌّ، ولم يَعرف الأصمعيُّ إلا أحَدَّت فهي مُحِدَّة؛ قاله الجَوهرِيُّ. (زوجها) وهو مُوافِقٌ لرِواية (تُحِدُّ) بالغَيبة، وفي بعضِها: (زَوج)، وهو مُوافق لـ (نُحِدّ) بالنون. (عشرًا) أي: عشرَ ليالي؛ إذ لو أُريدَ الأيام لقيلَ: (ثلاثة). قال الزمخشرِيّ: في قوله تعالى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، لو قيل في مثله: (عَشَرة) لخَرجَت من كلامِ العَرَب، لا تراهم قطُّ يَستعمِلونَ التَّذكيرَ فيه، وقيل: إنَّما يُميَّزُ بينَ المُذكَّر والمؤنَّث في العَددِ إذا ذُكِّر المُمَيِّزُ، فإن لم يذكَّر جازَت التَّاء وعدَمُها مُطلقًا. (ولا تكتحل) بالرَّفع، وفي بعضِها بالنَّصب على أن (لا) زائدةٌ

وتأكيدٌ، وذلك لتقَدُّمِ معنَى النَّفي، وهو النَّهى. (عصب) بفتح المُهمَلة وسكون المهملة وبالموحَّدة: بُرُودٌ باليَمَنِ يُصبَغُ غَزلُها ثمَّ يُنسَجُ. (وقد رخص)؛ أي: التطيُّبُ. (نبذة) بضَمِّ النون وفتحِها وسكونِ الموحَّدة والذال معجمةً؛ أي: مِن يَسيرِ من النَّبْذِ، وهو الطّرْحُ، أي: تَطرحُ ذلك في النَّار مرَّةً واحدةً، بمقدارِ ما يَقطَعُ عندَ الطُّهرِ الرَّائحةَ. (كست) بضَمِّ الكاف وسكونِ المهملة، أي: (قُسْطٌ) بضَمِّ القاف من عقاقير البَحر. قال (ط): القافُ قد تُبدل كافًا، والطَّاء تاءً. (ظفار) موضعٌ بساحلِ البَحر، أو مدينةٌ باليمن: بفتح المُعجمَة، حُكمُه حُكمُ (حَضَارِ)، فإنَّه مبنيٌّ باتفاقِ الحجازِ وتَميمٍ، وعودٌ ظَفارِيٌّ، أي: العودُ الذي يُتبَخَّر به، وفي بعضِها: (أَظْفار) بفتح الهمزة وسكون الظاء، قيل: شيءٌ من الطيب أسودُ يحصل في الدُّخنَة لا واحدَ له. قال (ط): كذا رُوي، وصَوابُه: (ظَفَار) ساحلٌ من عَدَن، فمُقتضاه أنَّ الأوَّل لم يُروَ. (وإذا اغتسلت) بالواو، فهي من باب: أعجبَنِي زيدٌ وكرمُه. (وروى هشام بن حسان)؛ أي: بالصَّرف وتَركِه، من الحُسْنِ أو الحَسَنِ، وهذا إمَّا تعليقٌ من البخاريّ أو من مقولِ حَمَّاد، فيكون مُسندًا.

13 - باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع أثر الدم؟

قال (ط): فيه أنَّ الحائضَ ولو كانت مُحِدَّةَ تدرَأُ عندَ غُسلِها من المَحيض رائحةَ الدَّم بالبَخُور بالقُسْطِ، لأنَّها مستقبلة للصَّلاة مُجالسةٌ للملائكةِ لئلا تؤذيَهم برائحةِ الدَّم. قال (ن): القَصدُ بالمِسكِ إمَّا تطييبُ المَحلِّ ورفعُ الرَّائحة الكَريهةِ، وإمَّا كونُه أسرعَ لعُلُوقِ الوَلد، فإن قلنا بالأوَّل يقومُ مُقامَه القُسطُ والأَظفارُ ونحوُه، وهو يدلُّ على أنَّ (أظفار) طِيبٌ لا مَوضعٌ. * * * 13 - بابُ دَلْكِ المَرأَةِ نَفْسها إِذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ المحِيضِ وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتأخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَّبعُ أثَرَ الدَّم؟ (باب دلك المرأة نفسها ...) إلى آخره. (فرصة) بكسر الفاء وبالصَّاد المُهملة، أي: قِطعةً، من فَرَصْتُ الشَّيء فَرصًا: قَطَعتُه. قال الجوهري: هي قطعةُ قُطنٍ، أو خِرقةٌ تَمسَحُ بِها المَرأةُ من الحَيض. وقيل في الحديث الآتي بقافٍ مفتوحةٍ، أي: شيئًا مَفتوحًا يسيرًا، مثل القَرصَةِ بطَرَف الأصبعَين، وقال ابنُ قتيبة: إنَّما هو بقافٍ وضادٍ

معجمة؛ أي: قِطعَةٌ. (فتتبع) بلفظ الغائبَة، مُضارِعُ التَّفعُّل، وحذفِ إحدى التَّاءاتِ الثَّلاث. * * * 314 - حَدَّثَنَا يَحيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امرَأة سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِها مِنَ المَحِيضِ، فَأَمَرها كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ: (خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فتَطَهَّرِي بِها)، قَالَتْ: كَيْفَ أتطَهَّرُ؟ قَالَ: (تَطَهَّرِي بِها)، قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِي)، فَاجْتبَذْتُها إلَيَّ فَقُلْتُ: تتبَّعِي بِها أثَرَ الدَّمِ. (يحيى) في بعض النسخ: (ابنُ جَعفر البِيْكَنْدِيُّ)، أي: بفتحِ الكاف. قال الغَسَّانِيّ في "تقييد المهمل": هو يحيَى بنُ موسى البَلخِيّ المعروفُ بِـ (خَتٍّ)، بفتح المُعجمة وتشديد المثنّاة فوقُ، ويعرف: بـ (الخَتِّيِّ)، وبـ (ابنِ خَتٍّ) أيضًا، يروي في (باب الحَيضِ) عن ابنِ عُيينةَ، وقال الكَلاَبَاذِيُّ: إنَّ البِيْكَنْدِيَّ يَروي عن ابنِ عُيينَة. (أن امرأةً) هي أسماءُ -بالمدِّ- بنتُ يزيدَ -من الزِّيادة- ابنِ السَّكَن بفتح الكاف، خطيبةُ النِّساء. قلت: وقع في "مسلم": أنَّها (أسماءُ بنتُ شَكَل) بفتح الشين

المعجمة والكاف، فقال الدِّميَاطِيُّ: إنه تصحيفٌ، وإنَّما هو (سَكَن) نُسِبَت إلى جَدِّها، فإنَّها أسماءُ بنتُ يزيدَ بنِ السَّكَن، وكذا قال الخطيبُ، وابنُ الجَوزِيِّ في "التنقيح"، ورُدَّ ذلك باحتِمالَ أن يكونا امرأتَين. ولا تُرَدُّ الأخبارُ الصحيحةُ بالتَّوهُّم بل في "مصنَّف ابنِ أبي شَيبة" كما في "مسلم"، فانتفى عنه الوَهمُ، وقد جَزَم بذلك ابنُ طاهرٍ، وأبو موسى المَدينيُّ، وأبو على الجَيَّانِيُّ. (المحيض)؛ أي: الحَيض. (قال خذي ...) إلى آخره، إنَّما كانَ هذا جَوابًا لسُؤالِها عن الاغتِسال؛ لأنَّه المَقصودُ منه؛ لأنَّ كونَ الاغتسال إيصالُ الماءِ للشَّعرِ والبَشَرةِ مَعلومٌ لكلِّ أحدٍ، وإنَّما يُسألُ عما يَختَصُّ بغُسلِ الحَيض. قال (ك): وهو جُملةٌ حاليَّة لا بيانيَّة، أي: والتَّقديرُ: أمَرَها كيفَ تغتَسِلُ قائلًا: (خُذي فِرصَة). (مسك) بكسرِ الميم مُعرَّبٌ، وكانت العَربُ تسمِّيه: المَشمُومُ، ورُوِي بفتح الميم، وهو الجِلدُ، أي: خُذي قِطعةً منه. قال (ع): هي رواية الأكثرين. وقال ابن قتيبة: لم يكن في وُسعِ العربِ استِعمالُ المِسكِ المَعروف، وإنَّما معناه في الحديث السَّابق الإمساكُ، فإنَّه سُمع في

أمسَكَ: مَسَكَ ثلاثيًّا، فيكونُ مصدَرُه (المَسْكُ)؛ أي: بالفَتح. وقالَ (ط): لا يُفسَّر إلا بالمَشمومِ، ولا بالجِلد، أمَّا الأوَّل؛ فلأنَّه عزيزٌ عندَهم لا يَمتَهنونه، وأمَّا الجِلد وعليه الصُّوفُ فلا معنَى له، إنَّما المعنَى عندي: أَمسِكي، واحتَمِلي معكِ، أي: تَحمَّلي بِها، فهو كنايةٌ أحسنُ من الإفصاحِ، أي: تحمَّلي بِها بِمَسح القُبُل بِها، وقد حكاه (خ) أيضًا بنَحوِه. قلت: والكلُّ تكليفٌ لا حاجةَ إليه. قال (ك): وكلامُ البخاريِّ مُشعِرٌ بأنَّ الرواية عندَه بالفتح، لأنَّه جَعَل للطِّيب بابًا مُستَقلًا. قلت: فيه نَظر! (سبحان الله) قد سبق بأنَّها تُقالُ عند التَّعجب، ومعناه: لا يَخفَى مثلُ ذلك على المُخاطَب. (فاجتذبتها) في بعضِها بتقديم الباءِ على الذَّال. (تتبعي) أمر من (تتَبَّعَ)، والتَّتبُّعُ مُشعِرٌ بالدَّلك المُتَرجَم به في الباب؛ لأنَّه يستَلزِمُه. وفي الحديث: أنَّ المرأةَ تسألُ عن أَمرِ حَيضِها، وما تتديَّنُ به، وأنَّ العالِمَ يُجيبُ بالتَّعريضِ في الأمور المَستورَة على أيِّ تفسيرٍ فَرَضَتْه، وتكريرُ الجوابِ لإفهامِ السَّائل، وأنَّ مَن في مَجلِس العَالم له أن يُفهِمَ السَّائل ما قال العالِمُ، وهو يَسمعُ ويكونُ بِمنزِلة قَوله.

14 - باب غسل المحيض

قال (ط): حتى يقولَ فيه: حدَّثنِي، وأخبَرني. قال (ن): الجُمهورُ أنَّ التَّتبُّعَ لأثَر الدَّم في الفرجِ، وزَعَم المَحامِلِيُّ في "المقنع": أنَّها تُطيِّب جَميعَ المواضعِ التي أصابَها الدَّم من بَدَنِها، وظاهرُ الحديث حُجَّةٌ عليه. * * * 14 - بابُ غَسْلِ المَحيضِ (باب: غسل المحيض ...) (¬1) إلى آخره. يحتملُ أنَّه بفتح الغَين، والمَحيض: مكانُ الحَيضِ حتَّى يُطابقَها قولُه في الحديث، (وَضِّئي)؛ أي: نَظّفي بالمَكان، كما سيأتي. ويحتملُ أنَّه بالضَّم، والمَحيضُ بمعنَى الحَيض، والإضافةُ بمعنَى اللام الاختصاصيَّة؛ لأنَّه ذَكَرَ لَها خاصِّيةَ هذا الغَسل. 315 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امرَأةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ المَحِيض؟ قَالَ: (خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فتوَضَّئِي ثَلاَثًا)، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَحيَا فَأَعرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ: (تَوَضَّئِي بِها)، فَأَخَذْتُها ¬

_ (¬1) سقط هذا الباب بما فيه من الأصل، والاستدراك من النسخ الأخرى.

15 - باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض

فَجَذَبْتُها فَأخْبَرتُها بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (امرأة): سبق بيانُها. (ممسكة): بضَمِّ الميم الأولى وفَتحِ الثَّانية، ثم مشددةٌ مفتوحةٌ، أي: قِطعةٌ من صوفٍ، أو قُطنٍ مطليَّة بالمِسك، ومنهم مَن كَسَر السِّين. (وتوضئي)؛ أي: الوُضوءَ اللُّغوي؛ أي: تَنَظَّفي. (ثلاثًا، وقال): ليس راجعًا لـ (توضَّئي) بل متعلقٌ بـ (قال)، أو بـ (قالت) كما سبق في الباب قبلَه من تعدُّد سؤالِها. * * * 15 - بابُ امتِشَاطِ المَرأَةِ عِنْدَ غُسْلِها مِنَ المَحيضِ (باب امتشاط المرأة) 316 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَداعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ، وَلَم يَسُقِ الهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّها حَاضَتْ، وَلَم تَطْهُر حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! هذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كنْتُ تَمَتَّعتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَالَ لَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

(انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامتَشِطِي، وَأَمسِكِي عَنْ عُمرتكِ)، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ فَأَعمَرني مِنَ التَّنْعِيم مَكَانَ عُمرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ. (أهللت)؛ أي: أحرَمتُ، ورفعتُ صوتي بالتَّلبية. (فمن تمتع) فاعلُه: ضميرُ (من)، فلذلك لم يقلْ: (تَمتَّعَتْ). (الهدي) بفتحِ ثم سكونٍ والياءُ مخفَّفة، أو بكسرِ الدَّال وتَشديدِ الياء: ما يُهدَى لِمَكَّةَ من الأَنعامِ. (ولم يسق): تأكيدٌ، فإنَّ المُتمتِّعَ لا يسوقُ هديًا. (فزعمت) عبَّر (به) دونَ (قالت)؛ لأئها لم تصرّح بذلك، إذ هو مما تَستحي من التَّصريحِ به. (بعمرة) تصريحٌ لِما تضَمَّنَه التَّمتُّع؛ لأنَّه إحرامٌ بعُمرَةٍ في أشهرِ الحجِّ ممن على مسافةِ القَصر من الحَرَم، ثم يَحُجُّ من سنَتِه، وفي الكلام مقدَّر؛ أي: وأنا حائِضٌ. (انقضي) بضَمِّ القاف، وفي بعضِها بالفاءِ. (رأسك)؛ أي: شعرَكِ. (فلما قضيت) فيه حذفٌ قبلَه، أي: فأَحرَمتُ بالحجِّ. (أمر)؛ أي: النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (عبد الرحمن)؛ أي: أخاها.

(الحصبة) بفتح الحاءِ وسكونِ الصَّاد المهملتين، والحَصباءُ بالمدِّ: الحَصَى، وهما والأَبطَحُ، والبَطحاءُ، والمُحَصَّبُ، وخِيفُ بنِي كِنَانة؛ يُرادُ بِها كلِّها واحدٌ: مَوضعٌ بينَ مكَّة ومِنَى، إذا نَفَروا مِن مِنَى ينزِلون به ويبيتون به، فليلَةُ الحَصبَةِ هي تلك اللَّيلةُ. (فأعمرني)؛ أي: اعتَمر بِي. (التنعيم) موضعٌ على فَرسخٍ من مَكَّةَ على طريقِ المَدينةِ، وفيه مسجدُ عائشةَ. (نسكت)؛ أي: أحرمتُ بِها، وفي بعضِها: (سَكَتُّ) بلفظِ المتكلم من السُّكوتِ، أي: التي تركتُ أعمالَها وسكتُّ عنها، وفي بعضها: (شَكَتْ) بالمُعجَمَة وسُكونِ التَّاء، من الالتفاتِ من التَّكلُّمِ للغَيبة، أو كنَّتْ بالشِّكايَة عن اختِلالِها، وعدمِ بقاءِ استِقلالِها، على أنَّ الضَّميرَ في (نَسَكتُ) للعُمرة. ووجهُ الاستِدلال بالحديث للتَّرجَمةِ: أنَّ الامتِشاطَ إذا كان لغُسلِ الإحرام؛ وهو سنَّةٌ، فلغُسلِ الحَيض أولى، لأنَّه فَرضٌ، وفيه إزالةُ أثرِ نَجاسةِ مغلَّظةِ، فقول الدَّاودِيِّ: ليس في الحديثِ ما يُترجِمُ له؛ مَمنوعٌ. قال (ط): في الحديث نقضُ المَرأةِ شَعرها في الغُسل، ورُوي أنَّ ابنَ عمرَ كان يأمرُ به. وقال طاوسٌ: تنقُضُ الحائِضُ لا الجُنُب.

وقال الجمهورُ: لا يجبُ النَّقضُ بل إيصالُ الماءِ لأصولِ الشَّعر، ففي حديث أمِّ سلَمَةَ: إنِّي امرأة أشدُّ ضَفْرَ رأسي، أفأنقُضُه للجَنابةِ؟ قال: (لا، إنَّما كان يكفيكِ أن تَحثِي عليه ثلاثَ حَثَيَاتٍ)، وحديثُ عائشةَ وإنْ كان أصحَّ إسنادًا، لكنَّ العملَ على حديث أمِّ سلمة، أي: لظُهورِ المعنَى، وكذا قال حَمَّادٌ: إنْ رَأت وصولَ الماء إلى أصولِ شَعرِها لم تنقُضْ، وإلا نَقَضَت. قال (ن): صَحَّتِ الرِّواياتُ عن عائشةَ أنَّها قالتْ (لا نرى إلا الحجَّ) أو (لا نذكرُ إلا الحجَّ)، (وخَرَجنا مُهِلِّينَ بالحجِّ)، فكيفَ يُجمَعُ بينَه وبينَ قَولها: (تَمتَّعتُ بعُمرة)؟ وجوابه: إنَّها أحرَمت بالحجِّ، ثمَّ فَسخَته إلى عُمرَة حين أُمِرَ النَّاسُ بالفَسخ، فلمَّا حاضت وتعذَّرَ عليها إتمامُ العُمرة أمَرَها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالإحرامِ بالحجِّ فأدخلَتهُ على العُمرَة، وكانت قارِنةً؛ لقوله لها: (يَسَعُك طَوافُكِ لِحَجِّكِ وعُمرَتك). وقولُه لها: (دَعي أو أمسِكي عن عُمرَتك) ليسَ المرادُ الخروجَ منها، فإنَّ الحجَّ والعمرةَ لا يُخرَجُ منهما إلا بالتَّحلُّلِ؛ بل المرادُ: اُترُكي العَمَلَ في العُمرَةِ وإِتمامَها. ولا يلزمُ من نَقضِ الرَّأس والامتِشاطِ إبطالُها، لجوازِهِما عندنا حالَ الإحرام حيث لا يلتَفُّ شَعر، نعم، الامتِشاطُ مكروةٌ إلا لعذْرٍ، وحَمَلوا فعلَها ذلك أنَّه كان برأسِها أذًى. وقيل: المُرادُ بالامتِشاطِ هنا: تسريحُ الشَّعرِ بالأصابعِ لإيصالِ

16 - باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض

ماءِ الغُسل، ويلزمُ منه نقضُ الشَّعرِ لا حقيقةُ الامتِشاطِ، وأمَّا أمرُها بالعمرةِ بعد الفراغِ، وهي كانت قارِنةً لقَصدها عُمرةً منفردةً، كما حَصَل لسائِرِ أمَّهاتِ المُؤمنين حيثُ اعتَمرنَ عُمرةً مفردةً عن حجِّهنَّ، فطيَّبَ خاطِرَهُنَّ بذلك، وذلك حرصٌ منها على كثرةِ العبادة. قال (ك): وكانت عائشةُ مفرِدَةً، ثم مُتمَتِّعةً، ثم قارنةً. لكن قولَ (ن): لا يصحُّ الخروجُ منهما بعد الإحرام؛ منقوضٌ بتَركِها الحجَّ أوَّلًا بالكُلِّية إلى العُمرَةِ، وإذا جازَ فَسخُ الحجِّ إلى العُمرةِ؛ فَلِمَ لا يجوزُ العَكسُ؟ قلت: وهو عجيبٌ، فإنَّ الفَسخَ خارجٌ عن القياسِ، ومُختَصٌّ بتِلكَ الواقعة، فلا يُقاسُ عليه أيضًا، فقد نَقَل هو عن (ح): أنَّ أشبَه الأقوالِ ما ذَهبَ إليه أحمدُ: أنَّه فَسخَ عليها عُمرتَها، فلا حاجَةَ لقِياسِه. * * * 16 - بابُ نَقْضِ المَرأَةِ شَعَرَها عِنْدَ غُسْلِ المَحيضِ (باب نقض المرأة): بإسكانِ القاف. 317 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، فَإِنِّي

لَوْلاَ أنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمرَةٍ)، فَأَهلَّ بَعضُهم بِعمرَةٍ، وَأهلَّ بَعضُهُم بِحج، وَكُنْتُ أَناَ مِمَّنْ أَهلَّ بِعُمرَةٍ، فَأَدركنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَناَ حَائِضٌ، فَسَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (دَعِي عُمرتكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِحَجِّ)، فَفَعَلْتُ حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الحصبةِ أرسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيم، فَأهْلَلْتُ بِعُمرَةٍ مَكَانَ عُمرَتِي. قَالَ: هِشَامٌ: وَلَم يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هدىٌ وَلاَ صوْمٌ وَلاَ صدَقَة. (موافين)؛ أي: مُكمِّلين ذِي القَعدَةِ، مستَقبِلين هِلال ذي الحِجَّةِ. وقال (ن)؛ أي: مُتقاربين لاستِهلالِه؛ لأنَّ خروجَهم كانَ لخَمسٍ بقينَ من ذي القَعدَةِ. (فليهلل)؛ أي: فليُحرِم. (فأهديت)؛ أي: سُقْتُ الهديَ، وإنَّما كان الهديُ عليه، لانتِفاءِ إِحرامِ العُمرةِ؛ لأنَّ صاحبَ الهديِ لا يجوزُ له التَّحلُّلُ حتى ينحَرَه، ولا ينحرُه إلا يومَ النَّحرِ، والمتَمَتِّعُ يتَحلَّلُ من عُمرَته قبلَه، فتَنَافَيا. (ليلة) رَفعٌ أو نَصبٌ على أنَّ (كان) تامَّةٌ أو ناقِصةٌ. ووَجهُ دلالةِ الحديث على التَّرجمةِ القياسُ على النَّقضِ في غُسلِ

الإحرام، أو الإضافةُ بأدنىَ مُلابسةٍ كما سبقَ بيانُه في البابِ قَبلَه، وبيانُ كثير من الحديثِ. وليس في الحديثِ دلالةٌ على أنَّ التَّمتُّعَ أفضلُ من الإفرادِ؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - إنَّما قال ذلك، لأجلِ فَسخِ الحجِّ [إلى العُمرةِ التي هي خاصٌّ بِهم في تلكَ السَّنة بِمخالَفَةِ تَحريمِ الجَاهليَّة في أشهرِ الحجّ] (¬1)، لا التَّمتُّعُ الذي فيه الخِلافُ، وقالَه تَطييبًا لقلوبِ أَصحابِه، وكانت نُفُوسُهم لا تَسمَحُ بفَسخِ الحَجِّ إليها لمُوافَقتِه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إنَّما يَمنعُنِي من مُوافَقَتِكم الهديُ، ولولاه لوافَقتُكم". (قال هشام)؛ أي: ابنُ عُروَةَ، وهو يَحتَمِلُ التَّعليقَ، وهو الظَّاهرُ، ويَحتَمِلُ الاتَّصالَ. قال (ن): ونفيُ الثَّلاثةِ مُشكِلٌ، فإنَّ القَارِنَ عليه دَمٌ. قال (ك): لفظُ الصَّدَقة يدلُّ على أنَّ المُرادَ أنَّها من ارتكابِ محظُورٍ من تَطييبٍ وإزالةِ شَعرٍ وسَترِ وَجهٍ؛ إذ في القِرانِ ليسَ إلا الهديُ أو الصَّومُ. وقال (ع): في الحديثِ دليلٌ أنَّها كانت مُفرِدَةً؛ للإِجمَاعِ على وُجوبِ دَمٍ في القِرانِ والتَّمتُّعِ. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

17 - باب مخلقة وغير مخلقة

17 - بابُ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخلَّقَةٍ (باب مخلقة وغير مخلقة): قَصدُه بهذه التَّرجَمةِ أنَّ الحامِلَ لا تحيضُ على ما قالَه الكوفيُّون. 318 - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (إِنَّ الله - عز وجل - وَكَّلَ بِالرَّحِم مَلَكًا يَقُولُ: يَا رَبِّ! نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ! عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ! مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكرٌ أَم أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَم سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ وَالأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ). قال علقمة: إذا وقَعت النُّطفَةُ في الرَّحِم، قال المَلَكُ: مُخَلَّقَةٌ، أَوْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ، فإن قال: غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ، مَجَّت الرَّحِمُ دَمًا، وإن قالَ: مُخَلَّقَةٌ، قال: ذَكرٌ أم أُنثى، والمُخَلَّقَةُ تامَّة الخَلقِ، المُسوَّاةُ بلا نَقصٍ ولا عَيبٍ، من خَلقْتُ السِّواكَ: سوَّيتُه وليَّنتُه. (حماد)؛ أي: ابنُ زَيدٍ، والسَّنَد كلُّه بَصريُّون. (يا رب)؛ أي: يا رَبِّي، فحَذَفَ ياءَ المُتكلِّم، ويجوزُ في مثلِه أيضًا: يا رَبَّا، ويا رَبَّاه -بالهاءِ وَقفًا-. قلتُ: (ويا ربِّيَ)، بفتحِ ياءِ المُتكلِّم، ويا ربَّ، بفتحِ الباء، ويا رَبُّ، بالضَّم أيضًا، وقُرِئَ: (قالَ رَبُّ السِّجنُ أحبُّ إليَّ) [يوسف: 33].

(نطفة) بالنَّصبِ، وهي رواية القَابِسِيِّ، أي: جَعَلتُ أنا المَنِيَّ نُطفةً في الرَّحمِ، أو صارَ نُطفة، أو خَلقتَ أنت نُطفةً، وبالرَّفع خبَرُ مبتَدأ مَحذوفٍ، أي: هو نطفَةٌ. (علقة)؛ أي: قِطعَةُ دَمٍ جامدٍ. (مضغة)؛ أي لَحمَةٌ صغيرَةٌ بقَدرِ ما يُمضَغُ، وليسَ المُرادُ أنَّ ذلك في وقتٍ واحدٍ بل في أوقاتٍ مرتَّبةٍ، وقولُ المَلَكِ ذلك لا مِن فَائِدَة الخبَر، ولا مِن لازمِ فائدَته؛ لأنَّ الله تعالَى عالِمٌ بالكُلّ، بل هو على خِلافِ مُقتَضَى الظَّاهِرِ، نحو: {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران: 36]، فالمُرادُ بقَولِ المَلَكِ ذلكَ التِماسُ إتمامِ خِلقَتِه، أو الدُّعاءُ بإفاضةِ الصُّورَةِ الكاملَةِ عليه، أو الاستعلامُ من ذلكَ، أو نحوُه. (يقضى)؛ أي: يُتِمُّ، فقد جاءَ القضاءُ بمعنَى الفراغِ. (أذكر)؛ أي: أَهوَ ذَكَرٌ؟ فـ (ذَكَر): خبَرُ مبتدأ مَحذُوفٍ، وجَزَمَ (ك): بأنَّه مبتدأٌ مسوَّغ الابتداءُ به معَ كونه نكرةً تخصيصُه بثبوتِ أحدِ الأَمرين، أي: بالاستِفهامِ، وفي بعضِها بالنَّصب، أي: أتُريدُ، أو أتَخلقُ، أو أَجُعِلَ، وكذا في الباقي. (شقي)؛ أي: أَشَقِيٌّ، فحُذِفَت همزَةُ الاستفهامِ كما في: بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أم بِثَمَانِ لأنَّ (أم) المُتَّصلةَ لا بدَّ أن تكونَ في استِفهامٍ. (الرزق): هو ما يُنتفَعُ به على الأصَحِّ في تعريفه.

(الأجل)؛ أي: وقتُ مَوتِه، أو مُدَّةُ حياتِه إلى مَوته، لأنَّه يُطلَق على غايةِ المُدَّة، وعلى المُدَّةِ. (فيكتب)؛ أي: اللهُ، ويحتملُ وهو الظَّاهرُ: أن يكونَ المَلَكُ، وفي بعضِها: (يُكتَبُ لنا) بالبِناءِ للمَفعولِ، والكتَابَةُ حقيقة؛ لأنَّه مُمكِنٌ، والله على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ويُمكِنُ أنَّ المرادَ التقديرُ؛ لأنَّه الحاصِلُ في بَطنِ أُمِّه، أو يكونُ مَجازًا عن اللُّزوم، ولا امتِناعَ في إرادةِ الجَميع. والبَطنُ: ظَرفٌ، أو أنَّ الشَّخصَ مكتوبٌ عليه في ذلك الظَّرف، وقد رُوِي: أنَّها تُكتَبُ على الجَبهة، فتُكتَبُ الأُمورُ الأَربعةُ، فقد تضَمَّنَ الحديثُ جَميعَ الأحوالِ، المَبدأُ، وهو خَلقُه، والمَعادُ، وهو سعادَتُه وشَقاوتُه، وما بينَهما، وهو الأَجَلُ، وما يُصرَّف فيه، وهو الرِّزقُ، وقد جاء: "فَرَغَ الله من أَربع: مِنَ الخَلقِ -أي: بفتحِ الخاء- والخُلُق -بالضَّم؛ أي: السعادَةُ وضِدُّها- والأجَلُ والرِّزقُ". قال (ط): اختُلِفَ فيما لم تتِمَّ خَلقُه من مُضغَةٍ أو عَلَقَةٍ، فقالَ: مالكٌ: تصيرُ الأَمَةُ بإلقائِه أمَّ ولدٍ، وقال الشَّافعيُّ، وأبو حنيفةَ: إنْ تبيَّنَ شيءٌ من أُصبع أو عَينٍ أو نحوِهما فأمُّ وَلدٍ. قالَ: وفيهِ: أنَّ الله تعالى عَلِمَ سعادتَهم وشقاوتَهم، وهو على قولِ أهلِ السُّنة، أي: خِلافًا لمَن قالَ: يتَبَدَّلانِ. * * *

18 - باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة

18 - بابُ كيْفَ تُهِلُّ الحَائِضُ بِالحجِّ وَالعمرَةِ (باب كيف تُهِلُّ الحائض حجة): بفَتحِ الحاءِ وكَسرِها، وهما في واوِ (الوداع) أيضًا. 319 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَداعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهلَّ بِعُمرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهلَّ بِحجٍّ، فَقَدِمنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ أحرَمَ بِعُمرَةٍ وَلم يُهْدِ فَلْيُحلِلْ، وَمَنْ أَحرَمَ بِعُمرَةٍ وَأَهْدَى فَلاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ بِنَحْرِ هديِهِ، وَمَنْ أَهلَّ بِحجٍّ فَلْيتِمَّ حَجَّهُ)، قَالَتْ: فَحِضْتُ فَلَم أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَم أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمرَةٍ، فَأمَرني النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أنقُضَ رَأْسي وَأَمتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِحَج، وَأترُكَ العُمرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي، فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَمَرَني أَنْ أَعتَمِرَ مَكَانَ عُمرَتِي مِنَ التَّنْعِيم. (ولم يهد) بضَمِّ أوَّله. (فليحلل) بكسرِ اللام، لأنَّ الفعلَ ثلاثي. (يحل) بكسرِ الحاء، أي: في يومِ العيد، وفي بعضِها: (حتى ينحَرَ)، لكنَّ المُعتَمِرَ يتحلَّلُ يومَ النَّحر حتَّى يُحرِمَ بالحجِّ، فقوله:

(فلا يحل حتى يحل بنحر هديه) لكَونهِ أدخَلَ الحجَّ فيصيرُ قارِنًا، فلا يكونُ متَمَتِّعًا، فلا يَحِلُّ حتى يدخلَ يومُ النَّحرِ، وأمَّا توقُّفُ الحِلِّ على دخولِ يومِ النَّحرِ مع إمكانِ التَّحلُّلِ بعدَ نصف ليلتِه؛ فليس التَّحللَ الكلِّيَّ، إنَّما التحلُّلُ الكليُّ المُبيحُ للجِماعِ في يومِ النَّحرِ. (ومن أهل بحجة)؛ أي: نَوى الإفرادَ، أي: سواءٌ ساقَ الهديَ أم لا. (كان يوم) بالرَّفعِ؛ لأنَّ (كانَ) تامَّةٌ. (فأمرني) في بعضِها: (وأمرني). (واترك العمرة) صَريحٌ في فَسخِ العُمرَةِ، لكنَّ تأويلَه كما سبق: تَركُ أعمالِها. (حجتي) في بعضِها: (حَجِّي). (من التنعيم) متعلِّق بـ (أَعتَمِر). ومطابقةُ الحديث للتَّرجَمةِ بالكيفيَّة دلالةُ ما ذُكِرَ في الحديث على الكيفيَّة؛ لأنَّها حالتُها من صِحَّةٍ وفَسادٍ، وقد عَلِمَت الصِّحَّةُ، وهي أعمُّ من الصِّحَّةِ في الابتِداءِ، أو فِي الدَّوامِ، أو أنَّ البخارِيَّ قاسَ الإحرامَ بالعُمرَةِ على الإحرامِ بالحجِّ، أو به وبالعُمرَة على مَن قال: إنَّها صارَتْ قارِنةً. قال (ط): ففي الحديثِ أنَّ الحائِضَ تُهلُّ بالحَجِّ والعُمرَة، وتفعلُ أعمالَه غيرَ الطَّوافِ، فإذا طَهُرَتْ اغتَسَلَتْ وطافَت، فأَمرُها بأن

19 - باب إقبال المحيض وإدباره

تنقُضَ وتُمَشِّطَ ليس للوُجوبِ؛ بل لإهلالِها بالحجِّ؛ لأنَّ السُّنةَ أن تغتَسِل الحائضُ والنُّفساءُ للإحرامِ، كما أمَرَ أسماءَ بنتَ عُمَيسٍ -حينَ وَلَدَت مُحمَّدَ بنَ أبي بكرٍ- بالاغتِسالِ والإهلالِ، ومذهبُ ابنِ عمرَ أنَّها تغتَسِلُ لدُخولِ مكَّةَ وللوقوفِ بعَرَفَةَ. * * * 19 - بابُ إِقْبَالِ المحِيضِ وَإدبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيها الكُرسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فتقُولُ: لاَ تَعجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ: الطُّهْرَ مِنَ الحَيْضَةِ، وَبَلَغَ ابْنَةَ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدعُونَ بِالمَصَابِيح مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرنَ إِلَى الطُّهْرِ، فَقَالَتْ: مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصنَعنَ هذَا. وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ. (باب إقبال المَحيض وإدباره)؛ أي: دَفعِه وزَوالِه بإقبالِ الطُّهر. (كن نساء) يُرفعُ على أنَّ (كان) تامَّةٌ، وأُتِيَ بعلامةِ الجمع على لغة: (أكلوني البراغيثُ)، ويُنصب على أنَّها تامَّةٌ أيضًا، لكنْ على الاختِصاص، أي: أعنِي نساءً، ولا يضرُّ كونُه إضمارًا قبل الذِّكر؛ لأنَّ مثلَه يسمَّى بالمُبهم، فيجوزُ فيه ذلك إذا أَشعر بِما بعدَه، والفائدةُ فيه مع كوِنِهنَّ نساءً مِن قوله: (كنَّ) تعريفُ النَّوع، ولذلك نُوِّنَ للتَّنكير؛

لأنَّه لم يقع إلا من بعضِهِنَّ، ولا يضُرُّ في الاختصاص كونُه نكرةً، كما جاء في قَولِ الهُذَلي: وَيأوِي إلى نِسْوةٍ عُطَّلٍ ... شُعْثًا مَرَاضِيعُ مثلُ السَّعَالِي (بالدرجة) بكسرِ الدَّال، وفَتح الرَّاء والجيم، جَمعُ (دُرجَة) بضمِّ الدَّال وسكونِ الرَّاء، وهو وِعاءٌ لنَحو المَغازِل، وفي بعضِها: (بالدُّرجة) بضمِّ الدَّال وبتاءٍ للفَرق كتَمرة وتَمر، وهذا هو الذي قدَّمه (ش)، وجَعل الأوَّل روايةً، وفَسَّر ذلك بأنَّه قُطنةٌ تُدخِلُها المرأةُ فَرجَها ثم تُخرِجُها لتنظرَ هل بقِيَ شيءٌ من أثَرِ الحَيض أم لا، وهو تفسيرُ أهلِ اللّغة، كما قال (ط). (الكرسف) بضمِّ الكافِ والسين المهملة: القُطْنُ. (فتقول)؛ أي: عائشةُ. (القصة) بقافٍ مفتوحةٍ وصادٍ مُهملةٍ مُشدَّدة: ماءٌ أبيضُ يكونُ آخرَ الحيض، يُتَيقَّنُ به نقاءُ الرَّحِمِ تشبيهًا بالقَصَّة التي هي الجِصُّ، ومنه: قَصَّصَ دارَه؛ أي: جَصَّصَها، وهي لغة حِجازِيَّةٌ، وقال أبو عُبَيد الهرَويُّ: معناه أن تُخرِجَ ما تَحتَشي به الحائضُ نقيًّا لا يُخالطُه صُفرةٌ، فكأنَّه قَصَّة، كأنَّه ذَهبَ إلى النَّقاء والجُفُوف. قال (ع): وبينَها وبينَ القَصَّة عند النِّساء وأهلِ المَعرفة فَرقٌ بيِّنٌ، وحاصِلُ فتواها إيَّاهن: أنَّه لا بُدَّ في طَهارتِهنَّ من رُؤية القُطنةِ شبيهةً

بالجَصَّة نقيَّةً صافيةً. (بنت زيد) يحتملُ واحدةً من بناتِه، وهنَّ: أمُّ إسحاقَ، وحَسَنة، وعُمرَةُ، وأمُّ كلثومٍ امرأةُ سالم بن عبدِ الله بنِ عمرَ، ولهذه روَاية، قيلَ: والظَّاهرُ أنَّها هِي. (يدعون) نونُه للنِّسوة، فوزنُه (يَفعُلْنَ) من الدُّعاء. (إلى الطهر)؛ أي: إلى ما يدلُّ عليه منَ القُطنَة. (النساء) اللامُ للعَهد عن نِساءِ الصَّحابة لا عن نساءِ المَذكور، وإنَّما عابَت عليهِنَّ ذلك؛ لأنَّ فعلَهنَّ وإن كان حِرْصًا على الطَّاعة، لكنْ فيهِ حَرَجٌ، وهو مذمومٌ، بل جَوفٌ اللَّيل إنَّما هو وقتُ استراحَةٍ. * * * 320 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَألتِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: (ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وإِذَا أدبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي). (أستحاض) بالضَّمِّ مبنيٌّ للمَفعول. (عرق) بكسرِ العَين، ويسمَّى: العَاذِل. (بالحيضة) يروى بكسرِ الحاء وفَتحِها، والفتحُ أظهرُ.

20 - باب لا تقضي الحائض الصلاة

(فأغتسل) لا يُعارضُه ما سبق في (باب غَسلِ الدَّم) من أمرِها بغَسلِ الدَّم، ولم يأمرْ بالاغتِسالِ، لأَنَّ المُستَحاضَةَ لَها أحوالٌ، ففي بعضِها يجبُ الغُسل، وذلك عند احتِمال انقِطاعِ الحَيض، كما هوَ مبيَّنٌ في الفِقه، وهذا أحسنُ من الجوابِ بأنَّ عَدَم التَّعرُّضِ للغُسل ليس فيه تعرُّضٌ لعدَمِ الغُسل. وليس في أمرِها بالاغتِسال تكرُّرٌ، بل يَكفي واحدٌ، إلا أن يكونَ للغُسلِ داعٍ من حيثُ احتمالُ انقِطاعٍ، كما أَشرنا إلَيه، وأمَّا اغتِسالُ أُمِّ حبيبةَ في استِحاضَتِها لكلِّ صلاةٍ، فإمَّا أنَّها مِمَّن يجبُ عليه ذلك لاحتِمالِ انقِطاعِ الدَّمِ عندَ كلِّ صلاةٍ، أو أنَّها مُتطوِّعةٌ به، فقالَ الشَّافعيُّ: إنَّما أمَرَها أن تغتسِلَ وتصليَ، وليس فيه أنَّه أمَرَها أن تغتسِلَ لكلِّ صَلاةٍ، ولا شكَّ -إن شاءَ الله- أنَّ غُسلَها كان تطوُّعًا غيرَ ما أُمِرت به، وذلكَ واسِعٌ، انتهى. قال (ط): في الحديثِ أنَّ الصُّفرَةَ والكُدرَةَ في زَمَنِ الحيضِ حَيضٌ، حتَّى ترى الماءَ الأبيضَ الذي يدفَعُه الرَّحِمُ عند الانقِطاعِ. * * * 20 - بابٌ لاَ تَقْضِي الحَائِضُ الصَلاَةَ وَقَالَ جَابِرٌ وَأبو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: تَدَعُ الصَّلاَةَ.

(بابٌ: لا تقضي الحائض الصلاة) (وقال جابر ...) إلى آخرِه التَّعليقُ عن جابرٍ، أخرجَ معناهُ أحمدُ، وأبو داودَ، وذلك في حَيضِ عائِشَةَ الذي (¬1) في الحَجِّ، وفيه: (غيرَ أن لا تطوفي بالبَيت، ولا تُصلِّي)، وسيأتي الحديثُ في "البُخارِيِّ" في (الأحكام). وأمَّا التَّعليقُ عن أبِي سعيدٍ فرَواه الشَّيخانِ في حديثِ خُطبةِ العيد بالمعنَى أيضًا، وهو قولُه: (أليسَ إذا حَاضَت لَم تُصَلِّ)، وقد سبق، ويأتِي. ووَجهُ دخولِ هذا في ترجَمَة: (لا تقضِي)؛ وهو إنَّما يدلُّ على التَّركِ حالَ الحَيض: أنَّ المرادَ بالتَّرك مُطلقًا، أداءً وقضاءً، إذ التَّركُ حالةَ الحَيضِ من المَعلومِ من ضَرورَةِ الدِّين لكلِّ مسلمٍ. * * * 321 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا همَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ قَالَ: حَدَّثتنِي مُعَاذَةُ: أَنَّ امرَأةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ: أتجْزِي إِحدَاناَ صَلاَتَها إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أنت؟! كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ يَأمُرُنا بِهِ، أَوْ قَالَتْ: فَلاَ نفعَلُهُ. (أن امرأة) هي مُعاذَةُ، كما في "مسلم". ¬

_ (¬1) "الذي" ليس في الأصل.

(أتجزي) بفتحِ أوَّله بلا همزٍ، أي: تَقضِي، قال تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48]، وروي: (أتَقضِي). (صلاتَها) بالنَّصب مفعولُ (تَجزِي) أو (تَقضِي) لا مرفوعٌ على الفاعلية، فإنَّها لَم تُصلِّ بعدُ حتى تسأَلَ عن الاكتفاءِ بِها إنَّما سألت عن لُزومِ القَضَاءِ بعدَ الطُّهرِ، أمَّا ضمُّ التَّاء في (تُجزئُ) والهمزُ؛ على أنَّه من (أَجزَأَ) الرُّباعِيِّ فلا معنَى له هنا كما قررتُه في الذي قبلَه. قال (ك): إنَّ الهمزَ رُوِيَ. (أحرورية) بفتحِ المهمَلة وضمِّ الرَّاء الأولى المخفَّفة، نسبةً إلى (حَرُوراء) قريةٌ بقُربِ الكوفَة، أوَّلُ اجتِماعِ الخَوارِجِ بِها وتعاقدِهم، فالمعنَى هنا: أخَارِجِيَّةٌ أنتِ، لأنَّ طائفةً منَ الخوارجِ يوجِبون على الحائضِ قضاء الصَّلاةِ الفائتة في زَمنِ الحَيض، وهو خلافُ الإجماعِ، كما حَكَى ذلك الزُّهرِيُّ وغيرُه، فالاستفهامُ إنكارِيٌّ. (أنت) مبتدأٌ، خبَرُه: (حَرُوريَّة)، قُدِّمَ عليه للحَصرِ، أي: أنتِ حَرورِيَّةٌ لا غير. قلت: ويجوزُ أن يكونَ فاعلًا للوَصفِ، والوصفُ مبتدَأٌ أغنَى عن خَبِرِه على خلافٍ مَشهورٍ في المَسألة، وفي بعضِها بنَصبِ (حَرُوريَّة) بتقديرِ فِعلٍ، أي: كُنتِ أو صِرتِ، ويكونُ (أنتِ) تأكيدًا. (مع) المرادُ بالمعيَّة هنا معيةُ وجودِه أو عهدِه، أي: فكانَ مُطَّلِعًا على حالِهنَّ في تركِهِنَّ الصَّلاةَ زَمَن الحَيض، ولم يأمرهُنَّ بالقَضاء،

21 - باب النوم مع الحائض وهي في ثيابها

فلو وَجَب لأمَرَهُنَّ، وهو معنَى قولها: (فلا يأمرنا) أو فلا نفعلُه، أي: القَضَاء، لأنَّ التقرِيرَ على تركِ الواجبِ لا يَجوزُ. (أو قالت) ظاهِرُه أنَّ الشَّكَّ من مُعاذَةَ. قال (ن): الفَرقُ بين وجوبِ قضائِها الصَّوم وعدَمَه في الصَّلاة: تكرُّرها، فيشُقُّ قضاؤُها بخلافِ الصَّوم، فإنه في السنة مرَّةٌ، وخطابُها بقضائِه لا لكَونه خُوطِبت به أوَّلًا، بل بأمرٍ جديدٍ، وقيل: خُوطِبت به وأُمِرَت بتأخيره، كما يُخاطَبُ المُحدِثُ بالصَّلاة، وإن لم تصحَّ صلاتُه زمنَ الحَدَث، وهو باطلٌ لأنَّه مُحَرَّمٌ عليها، فكيف يجبُ؟ وأيضًا فالحَيضُ سببٌ لا قُدرةَ لَها على إزالتِه بخلافِ الحَدَث، واستُثنِي من نَفيِ قضاءِ الصَّلاة رَكعتَي الطَّواف. * * * 21 - بابُ النَّوْمِ مَعَ الحَائِضِ وَهْيَ فِي ثِيَابها (باب النوم مع الحائض) 322 - حَدَّثَنَا سَعدُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثتهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: حِضْتُ وَأَناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الخَمِيلَةِ، فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ

مِنْها، فَأَخَذْتُ ثِيابَ حِيضَتِي فَلَبِسْتُها، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أنفِسْتِ؟)، قُلْتُ: نعم، فَدَعَانِي فَأَدخَلَنِي مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ، قَالَتْ: وَحَدَّثتنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُقَبِّلُها وَهُوَ صائِمٌ، وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَناَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِناَءٍ وَاحِدٍ مِنَ الجَنَابَة. (شيبان)؛ أي: النَّحوِيُّ. (يحيى)؛ أي: ابنُ أبي كثير. وسبق شَرحُ الحديث أوَّلَ التَّرجَمة في (باب مَن سَمَّى النِّفاس حَيضًا) إلا أنَّ هناك بلفظِ: (الخَميصَة) بدلَ (الخَميلَة)، وهي أعمُّ. واللامُ في (فأدخلني معه في الخميلة) للعَهد، أي: الخميلةُ التي انسلَّت منها؛ لأنَّ المَعرِفة إذا أُعيدت فهي غيرُ الأولَى، وأمَّا اللام في الأولى: فإمَّا للجِنسِ أو للعَهدِ الذِّهني، والفَرقُ بينهما أنَّ العَهدَ المرادُ منه حِصَّةٌ من الماهيَّة، والجنسَ نفسُ الماهيَّة. (قالت)؛ أي: زينبُ، وظاهرُه التَّعليق، لكنَّ السِّياقَ مُشعِرٌ بأنَّه داخِلٌ تحتَ الإسنادِ المَذكورِ. (وحدثتني) عطفٌ على مُقدَّر، وهو مقولُ القَول. (وكنت) عطفٌ على: (أنَّ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -)، أي: وحدثَتنِي بقَولها: (وكنتُ) مع تَحديثها (أنَّ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -). (والنبي - صلى الله عليه وسلم -) نصبٌ مفعولًا معَه، أو رَفعٌ بالعَطف، والمُضارِعُ المَبدوءُ بالهمزةِ، وإنْ لَم يصحَّ أن يَعملَ في ظاهرٍ، لكنْ يُغتَفَرُ في التَّابعِ

22 - باب من أخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر

ما لا يُغتَفَرُ في المَتبوع، أو هو عطفُ جُملَةٍ على جُملَةٍ، أي: واغتَسل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كمَا قُدِّر في: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]: ولْيسكُنْ زَوجُك، وفي بعضِها إسقاطُ لفظِ: (أنا)، فيتعيَّنَ النَّصبُ. (من الجنابة) تعلَّقَ بِما تعلَّق به (من إناءٍ) لاختِلافِه؛ لأنَّ الابتداء الأوَّل من عَينٍ، والثَّانِيَ من معنًى، وإنَّما الممتَنِعُ أن يكونَ ابتداءً ومتعلَّقا من جنسٍ واحدٍ، كـ: راتبُه من شَهرٍ من سنَةٍ، أو: خَرجتُ من البَصرَة إلى الكُوفة. * * * 22 - بابُ مَن أخَذَ ثِيَابَ الحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ (باب من اتخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر) 323 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زينَبَ ابنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَيْنَا أَناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَجعَةً فِي خَمِيلَةٍ حِضْتُ، فَانْسَلَلتُ فَأَخَذتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ: (أنُفِسْتِ؟)، فَقُلْتُ: نعم، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعتُ مَعَهُ فِي الخَميلَة. (فضالة) بفتح الفاء. (حضت): هو العاملُ في (بينَا).

23 - باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى

(في الخميلة) اللامُ للعَهد كما في: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16]، وسبق الجَمعُ بين هذا وبينَ الحديثِ الذي في (بابِ هل تُصلِّي المَرأةُ في ثَوبٍ حاضَت فيه)، من قولها: (ما كانَ لإحدَانا إلا ثوبٌ واحدٌ)، أنه باعتِبارِ وَقتَينِ حالةَ الإقتارِ وحالةَ حُصولِ الفُتوحاتِ. أو يُجابُ باعتِبارِ اللَّيلة؛ أي: ما كانت تَملكُ إلا ثَوبًا واحِدًا، لكنْ في دَفع السُّؤالِ بذلك بُعد. * * * 23 - بابُ شُهُودِ الحَائِضِ العِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، ويَعتَزِلْنَ المصلى (باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين)؛ أي: كالاستِسقَاء. (يعتزلن المصلى)؛ أي: مكانَ الصَّلاة، وهو المَسجدُ، وجَمَعَ الضَّميرَ مع عودِه لمُفردٍ؛ لإرادَة الجِنس، كما في: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]. 324 - حَدَّثَنَا مُحَمدٌ -هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ- قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كنا نمنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي العِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امرأةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بني خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِها، وَكانَ زَوْجُ أُخْتها غزَا مَعَ النبِي - صلى الله عليه وسلم - ثِنتي عَشَرَةَ، وَكانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ، قَالَتْ:

كنَّا نُدَاوِي الكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى المَرْضَى، فَسَألتْ أُخْتِي النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: أَعَلَى إِحدَاناَ بَأسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَها جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: (لِتُلْبِسْها صَاحِبَتها مِنْ جِلْبَابها، وَلْتَشْهدِ الخَيْرَ وَدَعوَةَ المُسْلِمِينَ)، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَألتها أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: بأَبِي نعم -وَكانَتْ لاَ تَذْكرُهُ إِلَّا قَالَتْ: بأَبِي- سَمِعتُهُ يَقُولُ: (يَخْرُجُ العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ، أَوِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ وَالحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ، ويعتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى)، قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: الحُيَّضُ؟ فَقَالَتْ: أليْسَ تَشْهدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا؟! (عواتقنا) جَمعُ (عاتِق)؛ أي: شابَّةٌ لم تُفارِقْ بيتَ أهلِها إلى زَوجٍ؛ لأنَّها عُتِقَتْ عن آبائِها في الخِدمَةِ والخُروجِ في الحَوائِجِ، وقيل: قارَبت أن تَتزوَّجَ فتُعتَقَ عن قَهرِ أَبوَيها. (امرأة) هي وأختُها أمُّ عطيَّةَ نُسيبَةُ بنتُ الحارِث. (قصر بني خلف) بالخاءِ المعجمة: مَوضعٌ بالبَصرة. (ثنتي عشرة)؛ أي: غَزوة، وتميمٌ تكسِر (شينَ) عشرة. (وكانت)؛ أي: وقالت المَرأةُ المُحدِّثةُ: (كانَت ...) إلى آخرِه. (معه)؛ أي: مع زَوجِها، أو مع النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (قالت)؛ أي: الأختُ. (كنا) جُمِعَت لقَصدِ العُمومِ.

(الكلمى) جمع (كَليم)، فعيلٌ بمعنَى مَفعول، فهو على القياس. (المرضى) هو بالحَمل على جَرحَى. (أن لا نخرج)؛ أي: إلى مُصلَّى العيدِ. (ولتلبسها) بسكونِ السِّين للجَزمِ، وفاعلُه: (صاحبتُها). (جلبابها) بكسرِ الجيم وتكرير الموحَّدة: ثوبٌ أعرضُ وأقصَرُ من الخِمارِ، وقيل: ثَوبٌ واسِعٌ دونَ الرّداءِ تغطِّي به ظَهرَها وصَدرَها، وقيل: هو الإزارُ، والمعنَى: تُعيريها جِلبَابًا لا تَحتاجُ إليه لتَلبِسَه. (الخير)؛ أي: مجالسَ الخَير، كسماعِ الحديثِ، وعيادَةِ المَرضى، ودعوةِ المُسلمينَ كالاجتِماعِ لصَلاة الاستِسقاء. (قدمت)؛ أي: البَصرة. (سألت)؛ أي: قالت حفصَةُ: سألتُ أمَّ عطِيَّةَ. (أسمعت) مفعولُه مَحذوفٌ، أي: ذلك، أو المَذكور. (بأبي)؛ أي: أَفدِي بابِي، ولبعضِهم (بأَبا) بإِبدالِ ياءِ المتكلم ألفًا، ولبَعضٍ: (بِيَبِي) و (بِيَبَا) بقَلب الهمزَةِ ياءً فيهما. (لا تذكره)؛ أي: النبِي - صلى الله عليه وسلم -، أي: مُفدى بأبِي، ويحتملُ أنَّه قَسَمٌ، أي: أُقسِمُ بأبِي، لكنَّ الأوَّلَ أقربُ للسِّياقِ وأظهرُ. (وسمعته) ليس من تتمَّة المُستثنَى، إذ الحَصرُ في قوله: (بأبي) فقط لقَرينةِ ما سبقَ. (ذوات الخدور)؛ أي: البيوت، في بعضِها: (وذوات)، وفي

بعضِها: (العاتِقُ ذاتُ الخِدر) بالإفراد، والخِدرُ -بكسر الخاء-: السِّترُ في جانِبِ البَيت، أو هوَ نفسُ البَيت. (والحيض) بتشديدِ الياء، جَمعُ (حائِض) عطفٌ على (العواتِقِ). (يعتزل) في بعضِها: (يعتَزِلْنَ) على لغَةِ (أكلوني البراغيثُ). (آالحيض): استفهامٌ تعجُّبِيٌّ من إِخبارها بشهودِ الحائضِ. واعلم أن الأمرَ بالاعتِزالِ للوجوبِ، لأنَّ الشُّهودَ والخروجَ لما دلَّ من خارج أنه للنَّدب، وإنَّما عُطِفَ (لتَشهد) على (يخرجُ) وهو خبَرٌ؛ لأنَّ إخبارَ الشَّارعِ عن الحكم الشَّرعِيِّ كـ (هو) متضمِّنٌ للطَّلبِ، أي: ليَخرُج. (أليس) اسمُها ضميرُ الشَّأنِ، وفي بعضِها: (ليس) بلا استِفهامٍ. (عرفة)؛ أي: يومَ عرفة. (كذا وكذا)؛ أي: نحوَ المُزدلفَة، وصلاةَ الاستِسقاء. ففي الحديثِ: أنَّ الحائِضَ تذكرُ الله، وتشهدُ مجالِسَ الخَير والدُّعاءِ والتَّأمين رجاءَ بَرَكةِ المَشهد، لكنْ لا تقربُ المسجدَ، واستِعارةُ الثيابِ للخروجِ للطَّاعات، واشتمالُ المرأتينِ في ثَوبٍ واحدٍ لضرورةِ الخروجِ للطَّاعة، وغَزوُ النِّساء، ومداواةُ الجرحى وإن لم يكونوا مَحارِمَ، وقبولُ خبَرِ المرأة، وجوازُ نقلِها الأعمالَ في زمنِه - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم يخبِر به هو، والنَّقلُ عن صحابِي لا يُعرفُ لاسيَّما إذا بُيِّنَ منزِلُه. قال (ن): قال أصحابُنا: يستحَبُّ إخراجُ غيرِ ذواتِ الهيئات والمُستَحسَنات في العيد فقط، لأنَّ في زمانِه كانَ الأمنُ من فسادِهن،

24 - باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، وما يصدق النساء في الحيض والحمل فيما يمكن من الحيض

ولهذا قالت عائشةُ: (لو رأى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النِّساءُ لمَنَعَهُنَّ المساجدَ)، والمنعُ من المُصلَّى منعُ تنزيهٍ لا تحريم؛ لأنَّه ليس مَسجِدًا، وقال بعضُهم: يحرُم اللُّبثُ فيه كالمسجدِ، لكَونه مَوضعَ الصَّلاة، والصَّوابُ الأوَّلُ، وامتناعُ خروجِ النِّساء بدونِ جلابيبَ، وتكرارُ لفظِ: (بأبي) في الكلامِ، والسُّؤالِ عند رِواية العَدل للتَّقوية، وشهودُ الحائض عَرَفةَ. 24 - باب إِذَا حَاضتْ فِي شَهْرٍ ثلاثَ حِيضٍ، وَمَا يُصَدَّق النَّسَاءُ فِي الحَيْضِ وَالحملِ فِيمَا يمكِنُ مِنَ الحَيْضِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]. وَيُذْكَرُ عَنْ عَليٍّ وَشُرَيْح: إِنِ امرَأةٌ جَاءَتْ بِبيِّنةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِها مِمَّنْ يُرضَى دِينُهُ، أنَّها حَاضَتْ ثَلاَثًا فِي شَهْرٍ، صُدِّقَتْ. وَقالَ عطَاءٌ: أَقْرَاؤُها مَا كَانَتْ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الحَيْض يَوْم إِلَى خَمسَ عَشْرَةَ. وَقَالَ مُعتَمرٌ عَنْ أَبِيهِ: سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنِ المَرأَةِ تَرَى الدَّمَ بَعدَ قَرْئها بِخَمسَةِ أيَّامٍ؟ قَالَ: النِّسَاءُ أَعلَمُ بِذَلِكَ.

(باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض): جَمع حَيضة -بفتحٍ أو كَسر-. (والحمل) في بعضِها: الحَبَل. (مما يمكن من الحيض) إنَّما لم يقلْ: (ومنَ الحَمل)؛ لأنَّ المُرادَ في تكرار الحَيض، والتَّصديقُ في تكرارِ الحَمل لا معنَى له. (لقول الله تعالى) وجهُ الدَّليل من الآية أنَّها لو لم تصدَّقْ لَما كانَ لإلزَامِها بعَدَمِ الكِتمان فائدَةٌ. (ويذكر) تعليقٌ بصيغَةِ تَمريض. (شريح) بضمِّ المُعجمَة، الظَّاهرُ أنه ابنُ الحارِث. (بطانة)؛ أي: خواصِّ الشَّخصِ. (يُرضى)؛ أي: أن يكونُ عدلًا مَقبولًا، وطريقُ علمِ الشَّاهدِ بذلك مع أنَّه أمرٌ باطنِيٌّ القرائنُ والعلامات، بل ذلك ممَّا يشاهدُه النِّساءُ، فهو ظاهرٌ بالنِّسبة لَهُنَّ. (عطاء)؛ أي: ابنُ أبي رَباحٍ. (أقراؤها) جُمع (قُرءٍ) بفَتح القافِ وضَمِّها، والمرادُ: أقراؤُها في زَمَنِ العِدَّة. (ما كانت)؛ أي: قبلَ العِدَّة، أي: تصدَّقُ عند موافقَةِ عادتِها كيفَ كانت. (وبه)؛ أي: بقَولِ عَطاءٍ. (إبراهيم)؛ أي: النَّخْعِيّ.

(يوم إلى خمس عشرة) هذا أولَى ممَّا في بعض النُّسخ: (خَمسَ عشرة) بالجزم. (معتمر)؛ أي: ابنُ سُليمانَ بنِ طَرْخَان. (بعد قرئها)؛ أي: طُهرِها، بقرينةِ رُؤيةِ الدَّم بعدُ، والغرضُ أنَّ القُرءَ هل يكون خَمسة أيامِ؟ وبالجُملة فهذه أقوالٌ فيما تُصدَّق فيه المَرأة في العِدَّة من الإِقراء، وفيه اختِلافُ نصِّ عليٍّ وشُرَيح: إذا ادَّعت أنَّها حاضَت ثلاثَ حَيضاتٍ في شَهرٍ وجاءَت ببيِّنَةٍ صُدِّقت، وهو قولُ أحمدَ، وقالَ أبو حنيفةَ: لا تُصدَّقُ في أقلَّ من شَهرَين، وقال الثَّورِيُّ: لا تُصدَّقُ في أقلَّ من تسعةٍ وثلاثين يومًا، وهو قولُ أبي يوسفَ ومحمدٍ؛ لأنَّ أقلَّ الحَيضِ عندَهُما ثلاثةُ أيامٍ، وأقلُّ الطُّهر خَمسةَ عشر، وقالَ الشَّافعيّ: لا تُصدَّقُ في أقلَّ من اثنين وثلاثينِ يومًا، بأن تُطلَّقَ وبقي من الطُّهر لحظةٌ وتَحيضَ يومًا وليلةً وتطهُر خَمسةَ عشر ثم ستَّةَ عشَر كذلك، ولا بدَّ من طَعنٍ في الحَيضَة الرَّابعة للمتحقِّق، وقال أهلُ المدينة: العبرةُ بعادةِ النِّساء، لا المَرأةِ والمَرأتَين، وعندَ مالكِ: لا حدَّ لأقَلِّ الحَيضِ، ولا لأقلِّ الطُّهر إلا بما بيَّنته النِّساءُ، وقال الأوزاعِيُّ: عندنا امرأةٌ تَحيضُ غُدوةً وتطهُرُ عَشيَّة. * * * 325 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُروَةَ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ

25 - باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض

بنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَألتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفأدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ: (لاَ، إِنَّ ذَلِكِ عِرقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدرَ الأيَّامِ الَّتي كنْتِ تَحِيضِينَ فِيها، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصلِّي). (أبو أسامة) حَمَّادُ بنُ أسامَةَ. (قالت) هو بيانٌ للسُّؤالِ، وفي بعضِها: (فقالت)، فالفاءُ تفسيريّة. (أستحاض) بضَمِّ الهمزة. (ولكن) وجهُ الاستِدراك أنَّ المَعنَى: لا تترُكي الصَّلاةَ في كلّ الأوقاتِ بل في مِقدارِ العادَةِ. (قدر) يدلُّ على أنَّها كانت مُعتادةً. وتقدَّم كثير من مباحثِ الحديثِ، ووَجه دلالتِه على التَّرجَمة أنَّ إطلاقَ الشَّارع قدرَ الأيَّامِ صادقٌ على أن يكونَ في الشَهر ثلاثَ حِيَضٍ، وأنَّها مُصدَّقةٌ في الحَيضِ وقَدرِه، وليسَ جوابُ ذلك أنَّ المرادَ بعادتِها التي تُصدَّقُ فيها ما أجرى الله عادةَ النِّساء به مِمَّا ثبت بالاستِقراء. * * * 25 - بابُ الصُّفْرة وَالكدرة فِي غَيْرِ أَيَّامِ الحيْضِ (باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض) 326 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ

26 - باب عرق الاستحاضة

أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَن أُمِّ عَطِيَّة قَالَتْ: كُنَّا لاَ نعدُّ الكُدرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا. (إسماعيل)؛ أي: ابنُ عُليَّة. (كنا)؛ أي: في زمنِ النبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وعلمِه بذلك وتقريرِه. (شيئًا) أي: من الحَيض، وذلك إذا كانَ في غيرِ زَمَنِ الحَيض، أمَّا فيه فهوَ من الحَيضِ تبعًا، وجاءَ مبيَّنًا كذلك، وهو حديثُ: كنَّا لا نعُدُّ الصُّفرَةَ والكُدرَةَ بعدَ الغُسل شيئًا، وأيضًا فحديثُ: "إذا أقبَلت الحَيضَةُ فدَعِي الصَّلاةَ" دليلٌ على أن الصُّفرة والكُدرَة في الحَيض حَيضٌ، وكذا حديثُ عائشةَ: حتَّى تَرينَ القَصَّة البَيضاءَ، دليلٌ أنَّها عندَ إدبارِ الحَيض حَيضٌ، وعليه يُحمَل حديثُها: كنَّا نعدُّ الصُّفرَةَ والكُدرَةَ حَيضًا. * * * 26 - بابُ عِرقِ الاِستحَاضَةِ (باب عرق الاستحاضة): سبقَ مرَّاتٍ أنَّه يُسمَّى: العَاذِل، وأنَّه في قَعر الرَّحِم. 327 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا معنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شهابٍ، عَنْ عُروَةَ، وَعَنْ عَمرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ

زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ أُمَّ حَبِيبةَ اسْتُحِيضَتْ سَبع سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَأمَرها أَنْ تَغْتَسِلَ، فَقَالَ: (هذَا عِرْقٌ)، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. (وعن عمرة) عطفٌ على (عن عُروَةَ)؛ أي: ابنِ شهابٍ يرويه عنهما، وهي: عَمرَةُ بنتُ عبدِ الرَّحمن. (عن أم حبيبة) ويقالُ: أمُّ حبيبٍ، بغير هاء، هي بنتُ جَحشٍ امرأةُ عبدِ الرَّحمن بنِ عَوفٍ، وهي أختُ زينبَ بنتِ جَحشٍ زَوجِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيلَ: وكانت تُستَحاضُ أيضًا، وكذا أختُها حَمْنَةُ بنتُ جَحشٍ زَوجُ طلحةَ بنِ عُبيد الله. (سنين) جَمع (سَنَة) شذوذًا؛ لأنَّ جَمعَ السلامة لمُفرَدٍ مذكرٍ عاقلٍ، ويكونُ مَفتوحَ الأوَّل، وهذا ليس كذلك. (أن تغتسل) ليسَ فيهِ لكلِّ صلاةٍ، نعم، هو في "سنن أبي داود"، وهو مَحمولٌ، وكذا فعلُها المذكورُ هنا، وهو: (فكانت تَغتَسِلُ لكلِّ صَلاةٍ) على أنَّ ذلك لمُصادَفَةِ إيقاعِ حَيضٍ، أو تطوُّعٌ منها، أو نحوُ ذلك كما سبقَ إيضاحُه قريبا. وقد قالَ (خ) في "مَعَالِمِ السُّنَن": إنَّ ذلك الحديثَ مُختَصَرٌ ليس فيه ذِكرُ حالِ المَرأةِ، ولا كيفيَّةُ شأنِها، وليس كلُّ مُستحاضَة يجبُ اغتِسالُها لكلِّ صلاةٍ، بل فيمَن لا تُميِّزُ دمَها، أو لَها أيامٌ نسَيتها، فإنَّها تغتسِلُ لكلِّ صلاة؛ لإمكانِ مُصادَفةِ انقِطاع حيضِها.

27 - باب المرأة تحيض بعد الإفاضة

وقال الطَّحاوِيُّ: حديثُ أمَّ حبيبةَ منسوخٌ بحديثِ فاطمةَ بنتِ أبِي حُبَيشٍ. * * * 27 - بابُ المَرأَةِ تَحِيضُ بَعدَ الإِفَاضةِ (باب المرأة تحيض بعد الإفاضة)؛ أي: بعدَ طوافِ الإفاضَة. 328 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمرَةَ بِنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّها قَالتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ صَفِيَّةَ بِنتثَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ، فَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَعَلّها تَحبِسُنَا، ألم تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ؟!)، فَقَالُوا: بَلَى، قَالَ: (فَاخْرُجِي). الحديث الأول: (صفية بنت حيي) بضمِّ المُهملة، وربَّما كُسِرت، أي: زَوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (لعلها تحبسنا)؛ أي: عن الخروجِ من مكَّةَ، فـ (لعلَّ) فيه لا للاستفهامِ؛ بل للتَّوقُّع، أو للتَّردُّدِ، أو للظَّن، أو نحوِ ذلك. (طافت)؛ أي: طوافَ الرّكنِ.

(فقالوا: بلى)؛ أي: طافت مَعَنا طوافَ الإفاضَة، أي: قالَ النَّاسُ، وإلا فحقُّ السِّياق: فقلنَ، أو: فقلنا. (فاخرجي) فيه التفاتٌ من الغَيبَةِ للخِطابِ؛ أي: فخاطَبَها بذلك، أو فخاطَبَ عائشةَ أن تقولَ لَها ذلك، أي: تقول لَها: اُخرُجي، أو الأمرُ لعائشةَ بأن تَخرجَ، فإذا خَرجَت فهي تُوافِقُها، وفي بعضٍ: (فاخرُجْنَ). قال (ن): وفيه سُقوطُ طَوافِ الوَداعِ عن الحائضِ، وأنَّ طَوافَ الإفاضةِ رُكنٌ لا بدَّ منه، تُقيمُ الحائِضُ حتى تَطهُرَ، وإلا فتَبقى مُحرِمةً في وَطئها، وفي حديثٍ آخرَ أنَّها قالت: حِضْتُ، ولا يُمكِنُنِي الطوافُ الآن، وظننتُ أنَّ طوافَ الوَداعِ لا يسقُطُ عن الحائِضِ، فقالَ لَها: "أمَا كنتِ طُفتِ يومَ النَّحر؟ "، قالت: بَلى، قال: "يَكفيكِ ذلك"، لأنَّ طوافَ الرُّكن يَسقُطُ بفعله، والوَداعُ سقَط عنها بحيضِها. * * * 329 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تنفِرَ إِذَا حَاضَتْ. الحديث الثاني: (معلى) بضمِّ الميم وفتحِ المهمَلة وتشديدِ اللام. (وهيب) بالتَّصغير.

(رُخِّص) مبنيٌّ للمَفعول، والرُّخصةُ حكمٌ ثبَتَ على خلافِ الدَّليلِ لعُذرٍ، أي: ممَّا يقتضي التَّسهيلَ على المكلَّف، وقيل في التَّعريف غيرُ ذلك. (تنفر) بكسرِ الفاء وضمِّها، والكَسرُ أفصحُ، أي: تخرجُ من مكَّة. * * * 330 - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ أمرِهِ: إِنَّها لاَ تنفِرُ، ثُمَّ سَمِعتُهُ يَقُولُ: تنفِرُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لَهُنَّ. (وكان ابن عمر) كلامٌ لطاوسٍ، فهو متَّصلٌ بالإسنادِ المَذكور. (لا تنفر)؛ أي: حتَّى تطوفَ للوَداعِ. (يقول)؛ أي: في آخرِ عُمْرِه، أي: رَجَع عن تلكَ الفَتوى. (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هو من تتمَّةِ كلامِ ابنِ عمَرَ. (لهن)؛ أي: للحائضِ، فجَمَعَه باعتبارِ الجِنسِ، وفَتْواهُ أوَّلًا إمَّا لأنَّه نسيَ الحديثَ، أو أنَّه سَمع الحديثَ بعدَ ذلك من صحابِيٍّ آخر، فرَواه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيكونُ مرسلَ صحابِي، ورَجَع عن فَتواه بذلك.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [3]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

28 - باب إذا رأت المستحاضة الطهر

تابع (6) كتاب الحيض 28 - باب إِذَا رَأَتِ المُسْتحاضةُ الطُّهْرَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ سَاعَةً، وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ، الصَّلاَةُ أَعْظَمُ. (باب إذا رأت المستحاضة الطهر)؛ أي: بابُ حُكمِ المُستحاضَةِ إذا رَأت، والحديثُ الذي ساقَه فيه بيانُ الحكمِ. (ولو ساعة)؛ أي: ولو كانَ طُهرُها ساعةً، وفي بعضِها: (ساعةً من نَهارٍ)، وهذا قد سبَقَ بيانُ الخِلافِ فيه. ومُرادُ البخاريِّ بالتَّرجَمَة: أنَّ المُستحاضةَ إذا أقبلَ عليها دمُ الاستحاضَةِ وميَّزته من الحَيضِ كان طُهرًا تصلّي فيه، ويطؤُها الزَّوجُ عندَ أكثرِ العلماءِ؛ لأنَّه ليس من الأَذى الذي يَمنعُ الصَّلاةَ والصَّومَ، فلا يَمنعُ الوَطءَ. قال الزُّهرِيُ: إنَّما سَمِعنا بالرُّخصَة في الصَّلاة.

29 - باب الصلاة على النفساء وسنتها

(إذا صلت) جوابُه مَحذوفٌ دلَّ عليه السَّابق (¬1)، أو السَّابقُ نفسُ الجوابِ كمَا يقولُه الكوفيُّون. (الصلاة أعظم)؛ أي: من وَطْءِ الزَّوج، فحيثُ جازت الصَّلاةُ جازَ الوَطْءُ من بابِ أَولى. * * * 331 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، عَنْ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي). (خيثَمة) بفتحِ المُعجَمَة ثم مثنَّاة تحتُ ساكنة ثم مثلَّثة. (فدعي)؛ أي: اُترُكي. وهو مُختَصَرٌ من حديثِ فاطمةَ بنتِ أبي حُبَيش، ومثلُه يُسمَّى بالمَخروم. * * * 29 - بابُ الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا (باب الصلاة على النفساء): بضمِّ النونِ وفتحِ الفاء والمدِّ، الحديثةُ العَهدِ بولادةٍ، والجَمعُ: نِفاسُ، فليس قياسًا لا في المُفرَدِ ولا في الجَمع؛ إذ ليس في الكلام (فُعَلاء) تُجمَع على (فِعال) إلا نُفَساء وعُشَراء. ¬

_ (¬1) في: "ب": "السياق".

(وسنتها)، أي: سنَّةِ الصَّلاةِ عليها. * * * 332 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعْبةُ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّم، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: أَنَّ امْرَأةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ وَسَطَهَا. (أحمد بن أبي سُريج) نسبةً إلى جَدِّه، وإنَّما هو ابنُ عُمرَ بنِ أبي سُرَيج، بضمِّ المُهمَلة وفتحِ الرَّاء وبالجيم، واسمه: الصَّبَّاحُ، بتشديدِ الموحَّدة. (شبابة) بفتحِ المعجمة وتخفيف الموحَّدتَين، قيل: هو لقب، واسمُه: مروانُ بنُ سوَّارٍ، بتشديدِ الواوِ وإهمالِ السِّين. (ابن بريدة)؛ أي: ابنُ الحُصَين، اسمُه: عبدُ الله. (امرأة) هي أمُّ كعبٍ الأنصاريَّةُ، كما في "مسلم"، وقال (ش): ذكرَه النسائي. (في بطن)، أي: بسببِ بَطنٍ، أي: ولادةُ بَطنٍ كما في حديث: "في النَّفسِ المُؤمنةِ مئةُ إبلٍ"، أي: بسببِ قَتلِها، أي: ومنه: "دَخَلت النَّارَ في هِرَّة". (وسطها) بسكونِ السِّين، وفي بعضِها بالفَتح، أي: حاذى مِنها ذلك، وقيل بالسُّكونِ: ظَرْف، وبالفَتحِ: اسمٌ، أو بالفَتحِ: متَّصلُ الأجزاء، وبالسُّكونِ: متفرِّقُها، أو بالفَتح: ما يصلُح فيه بينَ، وبالسُّكونِ: في غيره، أو بالفَتحِ: مَركَزُ الدَّائرة، وبالسُّكونِ: لداخِلِها.

30 - باب

قال (ن): فيه: أنَّ الإمامَ يقفُ عندَ عجيزَتها، واعتَرَضه (ك): بأنَّ الوَسْط أعمُّ، وإنَّما الشَّافعيُّ له في ذلك دليل آخرُ، وهو عجيب، فإنَّ وَسْطَ الشَّيءِ هو مُقَسَّمُ طوله بالسَّويَّة، وذلك هو عجيزَتُها. قال (خ): اختُلِف في ذلك، فقال أحمدُ: يقومُ منها بِحِذاءِ وَسَطِها، وفي الرَّجُلِ بحذاءِ صَدرِه، وقال أصحابُ الرَّأيِ: يقومُ منها بحذاءِ الصَّدر. قال التَّيمِيُّ: قيلَ: وَهِمَ البُخاريُّ في ظَنِّه أنَّها ماتَت بالوِلادة، فتَرجَمَ بالصَّلاة على النُّفَساء، وإنَّما ماتت مَبطونة كما جاءَ مُبيَّنًا. قال (ك): ليس وَهْمًا، فسيأتي في (الجنائز) التَّصريحُ في روايةٍ بأنَّها ماتَت في نِفَاسِها، انتهى. وفي الحديث: طهارةُ جَسَدِ النُّفساء، وأنَّها وإنْ كانت شهيدةً لكنْ ليست كشُهداءِ الحَرب، حتى لا يصلَّى عليها، أو أنَّ حُكمَ النِّفاسِ قد زالَ بالمَوت فيصلَّى علَيها كغَيرها منَ المُسلمين. * * * 30 - بابٌ 333 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو عَوَانة -اسْمُهُ الْوَضَّاحُ- مِنْ كِتَابِهِ قَالَ: أَخْبَرَناَ سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونة -

زَوْجَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ تُصَلِّي، وَهْيَ مُفْتَرِشَة بِحِذَاءَ مَسْجدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ. (مدرك) بضمِّ الميمِ وكَسرِ الرَّاء. (أبو عوانة) بفتح العَين، اسمه: الوَضَّاحُ. (من كتابه) فيه تقويةٌ لِما رَواه عنه، قال أحمدُ: إذا حَدَّثَ أبو عَوَانة من كِتابه فهو أثبَتُ، وإذا حدَّث من غَير كتابه رُبَّما وَهِمَ. وقال أبو زُرْعَةَ: أبو عَوَانة ثِقَةٌ إذا حَدَّث من الكتابِ. وقال ابنُ مَهدِي: كتابُ أبي عَوَانة أثبتُ من حِفظِ هُشَيمٍ. (كانت تكون) وجهُ التَّكرارِ؛ إمَّا لأنَّ أحدَهما زائدٌ نحو: وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ وإمَّا أن تُضمَرَ (القِصَّةُ) في (كانت)، وإمَّا أن تكونَ بِمعنَى: تصيرُ. (لا تصلي): صفةٌ لِـ (حائِضًا)، أو خبرٌ لِـ (كانت)، وتُجعلُ (تكونُ حائضا) جملةً حاليَّةً، نحو {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف: 16]. (مفترشة)؛ أي: مُنبَسِطَةٌ، وافتَرشَ ذِراعَيه: بَسَطهُما على الأرضِ. (حذاء) بكسرِ الحاءِ المُهمَلة والمدِّ، أي: إِزاءَ. (مسجد) المُراد هنا مَوضعُ سجودِه - صلى الله عليه وسلم - من بيتِه، لا المَسجدُ المَشهورُ.

(الخمرة) بضمِّ المعجمة وسكونِ الميم: سجَّادة لا صغيرة لا تُعمَلُ من سَعَفِ النَّخل، تُنسَجُ بالخيوطِ بقَدرِ ما يوضَعُ عليه الوَجهُ والكفَّان، فإن زادَ على ذلك فهو حَصيرٌ. (أصابني) حكايةُ لفظِها، وإلا فكان الأصلُ أن يقولَ: (فإِنْ أصابَها). قال التَّيمِيُّ: فيه دليل أنَّ الحائِضَ ليست تنجُسُ، وإلا لَما وَقَعَ عليها ثوبُه في الصَّلاة، وأنَّ قُربَ الحائِضِ من المُصلِّي لا يَقدحُ في صَلاته، وفيه تركُ الحائضِ الصَّلاة، والافتراشُ في تُجاهِ المُصلي، وجوازُ الصَّلاة على سَعَفِ النَّخلِ. * * *

7 - كتاب التيمم

7 - كتاب التيمم

1 - باب التيمم

بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ 1 - باب التيمم قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. (كتاب التيمم): هو لغةً: القصدُ، ويَمَّمه: قَصَدَه، وشَرعًا: قَصدُ مسحِ الوَجه واليدَينِ بغبارِ تراب بنيَّة مَخصوصةٍ. (قول الله) مبتدأٌ، خبرُه: {فَلَمْ تَجِدُوا} [النساء: 43]، أي: قولُ الله في شأن التيمُّمِ هذه الآية. والتيمُّمُ ثابتٌ بالكتاب والسنَّة والإجماع، خُصَّت به هذه الأمَّة، وأجمَعوا أنَّه في الوجه واليدَين سواء عن حَدَث أصغرَ أو أكبرَ، عن كلِّ الأعضاء أو بعضِها. * * * 334 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في بَعْضِ أَسْفَارِه، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءَ -أَوْ

بِذَاتِ الجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأقامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ، أقامَتْ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَاضعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ ناَمَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمنَعُنِي مِنَ التَّحَركِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّم فتيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ. الحديث الأول: (بعض أسفاره) قيلَ: غزوةُ بنِي المُصطَلِق بالمُرَيسِيع سنةَ ستٍّ. (البيداء) بفتح الموَحَّدة والمدِّ. (أو بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون المثنَّاة تحت وإعجامِ الشين، مَوضعانِ بين المدينةِ ومكَّةَ، والشَّكُّ هنا من عائشةَ - رضي الله عنها -. (عقد) بكسر العَين؛ أي: قِلادَة، لأنَّها تُعقَدُ وتُقلَّد العُنُقَ، أي: تُعلَّقُ فيه.

(ما صنعت)؛ أي: تسبَّبَتْ في الإقامةِ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والنَّاس، كذا للجُمهور بإثبات الألفِ من (ما)، وللحَمُّوِيِّ بِحَذفِها. (يطعن) بضمِّ العَين، وحُكِيَ فتحُها، والضَّمُّ أكثرُ ما يستعمل في الطَّعنِ باليد على خلاف القياس، بخلافِ الطَّعن في النَّسَب، فإنَّ الأكثرَ فيه الفَتحُ، قاله (ن) وغيرُه. (خاصرتي) بالخاء المُعجمة والصَّاد المهملة، هي الجَنْبُ أو الوَسَط. (فخذي) بفتح الفاء وكسرِ الخاء وسكونها وبكسرِ الفاء مع الخاء أو مع سكونها، أربعُ لغاتٍ في كلِّ ما وسطُه حرفُ حَلقٍ من (فعل). (أصبح) دَخَل في الصَّباح، فهو تامٌّ يكتفِي بِمَرفوعه فاعلًا، لا الذي هو من أخواتِ (كان)، فيحتاجُ لخَبَرٍ منصوبٍ. (على غير) متعلق بـ (قامَ) و (أصبحَ) فتنازَعا فيه. (فتيمموا) بلفظ المُضِيِّ، أي: تيمَّمَ الناسُ لأجلِ الآية، أو هو أمرٌ على ما هو بلفظِ القرآن، ذَكَرَه مُضافًا أو بدلًا عن آيةِ التيمُّمِ. (أسيد) تصغيرُ أسَد. (حضير) بالتَّصغيرِ أيضًا، وحاؤُه مُهمَلة وضادُه معجَمة، وفي بعضِها: (الحُضَير) باللام التي يُلمَح بِها الأصلُ كالحارِثِ. (ما هي)؛ أي: البَرَكةُ التي حَصَلت للمسلمين برُخصَةِ التَّيمُّمِ، والبَرَكةُ: كثرةُ الخَير.

(أول) بالرَّفع والنَّصب على لُغَتَي إعمالِ (ما) وإهمالِها. (يا آل) الآلُ: الأهلُ والعيالُ، أو الأَتباعُ، ولا تُستَعملُ إلا في الأكَابر، فلا يقال: آل الحجَّام؛ بل آلُ السُّلطان، ويُروى حذفُ الهمزة والألفِ من الآلِ تَخفيفا. (عليه)؛ أي: راكبةً عليه. (فأصبنا)؛ أي: وجَدْنا. قال (ط): فيه جوازُ السَّفَر بالنِّساء، والنهيُ عن إِضاعةِ المال؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - أقامَ على تفتِيش العِقْد، ورُوي أنَّه كانَ ثَمنُه اثنَي عشَر دِرهما، وفيه سُكونُ المَرأة إلى أبيها، وإن كان لها زَوجٌ، وإن كان للأبِ أن يَدخلَ على ابنتِه وزوجُها معها إذا عَلِمَ أنَّه في غيرِ خلوةٍ مباشرة، وأنَّ له أنْ يُعاتِبَها في أمرِ الله ويضربَها عليه، ومعاتبةُ مَن نُسِبَ إلى ذنبٍ، ونسبةُ الفعلِ إلى المُتَسبِّبِ فيه، وأنَّ الوُضوءَ كان لازمًا لهم قبل نزولِ آيةِ التيمُّمِ، وأنَّ الذي طَرأَ عليهم حكمُ التيمُّمِ لا حكمُ الوُضوء، وهو رفقٌ من الله بالعباد. قال (ن): وفيه جوازُ اتخاذِ القلائدِ، والاعتناءُ بحفظِ حقوقِ المسلمين وأموالِهم ولو قلَّتْ، وجوازُ الإقامةِ بمَوضعٍ لا ماءَ فيه. * * * 335 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ (ح) قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ سَيَّارٌ،

قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ -هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الفَقِيرُ- قَالَ: أَخْبَرَناَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي؛ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْركَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً). الحديث الثاني: (سنان) بمهمَلةٍ مكسورَة وتخفيفِ النُّونِ الأولى. (هشيم) بضمِّ الهاء وفتحِ المُعجَمة: ابنُ بَشير، بفَتح المُوحَّدة وكَسر المُعجَمة. (سعيد بن النضر) بالنون والضَّاد المُعجمَة، ويوجد قبله في نُسَخ (ح) لأجلِ تَحويلِ السَّنَد. (سيار) بفتحِ المهملة وتشديدِ المثنَّاة تحتُ. (يزيد) من الزِّيادَة. (الفقير) لكَسرِ فِقارِ ظَهرِه؛ لا فَقيرًا من المَال. (خمسًا)؛ أي: خمسَ خِصال. (بالرعب)؛ أي: يُرْعَب منِّي ويَخافُ من مسيرةِ شَهر. (وطهورًا) بفتح الطَّاء على المشهور، بمعنَى: مُطَهِّر، ففيه أنَّ التيمُّمَ مُطَهِّر، وإن لم يرفَع الحدَث.

(فأيما) هي (أيُّ) الشَّرطيَّةُ زِيدَ عليها (ما) لزيادةِ التَّعميم. (رجل) مضافٌ إليه (أي)، وفي بعضِها: (بعدَه من أمَّتِي). (فليصل)؛ أي: حينَ أدركَته الصَّلاةُ، وقيلَ: معناه: فَلْيتيمَّمْ، وليُصَلّ، لتناسُبِ الأمرَين المذكورَين. وقال (خ): خُصَّ من ذلك مَواضعُ النَّهي، والمَوضعُ النَّجسُ بالإجماع. (الغنائم): جمعُ (غنيمَة) وهي: ما حَصَل من الكفَّار بقَهْر، وفي بعضِها: (المغانِم)، وهو بمعناه، ووَجهُ الخُصوصِيَّة: أنَّ مَن قبلَه إمَّا لا يُجاهدُ، أو إذا غَنِموا لا يَحِلُّ له بل تجيءُ نارٌ تَحرقُه. (الشفاعة): سؤالُ الخَيرِ للغَير على سبيلِ الضَّراعةِ، والمُرادُ بالتي تختصُّ به الشفاعةُ العُظمَى في الحَشرِ حين يَفزعُ الخَلقُ إليه، وهي المرادُ بالمَقامِ المَحمودِ، أو الشفاعةُ التي لا تُردُّ، أو لِمَن كانَ في قَلبه مِثقالُ ذرَّةٍ من إيمان. وقال (ن): هي خَمسةٌ، وهي: الإراحةُ من هَول المَوقِف وطولِ الوقوف، وفي إدخالِ قوم الجنَّةَ بلا حسابٍ، ولقَومٍ استوجَبوا النَّار، ممن دخلوا النَّار مع المُذنبين، وفي زيادةِ الدَّرجاتِ في الجنَّة لأهلِها. (عامة)؛ أي: من الجنِّ والإنسِ، والعَرَب والعَجَم، الأسودِ والأحمرِ، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28]. قال (ط): فيه أنَّ الجنَّة تلزمُ بالخبَرِ كالمُشاهدة، وأنَّ معجزتَه

2 - باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا

باقية خُصَّ بِها لبقاءِ دعوتِه، ووجوبُ قَبولها على من بَلَغته إلى آخرِ الزَّمان، وأنه لا يشفعُ في أحَدٍ إلا شُفِّعَ فيه كمَا وَرَد: "قُل يُسمَعْ، واشفَعْ تُشَفَّعْ". ومعنَى جَعْلِ الأرضِ له مَسجدًا وطَهورًا: أي: حَصَل له الجَمعُ بينهما، وإلا فالأرضُ كانت مَسجِدًا لغيره، فكانَ المسيحُ يَسيحُ في الأرضِ ويُصلِّي حيثُ أدركَته الصَّلاة. قال (ن): مَن قبلَنا إنَّما كان يُباح لهم الصَّلاة في بِيَعِهِم وكَنائِسِهم فقط، وهو عُمِّمَتْ له الأرضُ، أو مَن قبلَنا لا يصلُّون إلا فيما تُيقّنَ طهارتُه من الأرض، وخُصّصْنا بأن نُصلِّيَ فيها إلا فيما تيقَّنا نَجاستَه. قال (ط): وفيه تيمُّمُ الحَضَرِيِّ إذا عَدِمَ الماءَ وخافَ فَوتَ الصَّلاة، وأنه لا يُشترَطُ التُّرابُ في التيمُّم. قال (ن): احتجَّ به مالك، وأبو حنيفةَ على جوازه بجميعِ أجزاءِ الأَرض، واحتجَّ الشَّافعيُّ بقَوله في الرِّواية الأُخرى: (وجُعِلَت تُربتُها طَهورًا)، فلا يجوزُ إلا بالتُّراب خاصَّةً. * * * 2 - باب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَابًا (باب إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا) 336 - حَدَّثَنَا زكرياء بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ،

قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا: اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا، فَوَجَدَهَا، فَأدْركتْهُمُ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّم، فَقَالَ أسُيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ الله خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ الله ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا. (زكريا بن يحيى) يحتمِلُ اللُّؤْلُؤِيَّ البَلْخِيَّ، والطَّائيَّ الكُوفيَّ؛ فإنَّ البخاريَّ يروي عنهما، وهُما يرويان عن ابنِ نُمَيرٍ، ولا يَقدَحُ ذلك في صِحَّة الحديث؛ لأنَّ كليهما على شَرطِه، على أنَّ قولَ الغَسَّانِيِّ في الأوَّل: أنَّ البخاريَّ رَوى عنه في (التَّيمم) وغيرِه، وعن الثَّاني: أنه رَوَى عنه في (العيدَين) ترجيحٌ؛ لأنَّه البلخِيُّ، وكذا قوُل الكَلاَبَاذِيِّ: البَلخِيُّ يروي عن ابنِ نُمَيرٍ في (التيمم). (نمير) بضمِّ النون وفتحِ الميم. (استعارت من أسماء)؛ أي: أختِها بنتِ أبي بكر الصِّديق - رضي الله عنهم - عُلِمَ من هنا أنَّ قولَها في الرِّواية السَّابقة: (انقطَعَ عِقدي) إضافتُه باعتبارِ كَونه في يَدِها، لا أنَّه مِلكٌ لها. (فهلكت)؛ أي: ضاعَتْ. (رجلًا) هو أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ، بالتَّصغيرِ فيهما، وكذا في روايةٍ أُخرى: (بَعثَ أُسَيدَ بنَ حُضَيرٍ وناسًا معه).

(فوجدها) لا يُنافِي ما في الرِّواية الأخرى: (فأصَبنا العِقْدَ تحت البعير)؛ لأنَّ قولَها (أصَبنا) باعتبارِها ومَن معهم. قال (ط): وأنَّ المَبعوثَ إنَّما وَجَدَ بعدَ رُجوعِه، أو أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي وَجَدَ بعدَما بَعَثَ. (فصلوا)؛ أي: بغَير وُضوءٍ، كما صُرِّحَ به في رواية "مسلم"، وهذا وجهُ الدلالة على التَّرجمة؛ لأنَّ التُّرابَ حينئذٍ لم يكن شُرِعَ، والصَّلاةُ بغَير وُضوءٍ بلا ماءٍ ولا ترابٍ. قال (ن): في فاقدِ الطَّهورَين أربعةُ أقوال: أصحها: يجبُ أن يُصلِّيَ ويُعيدَ. وثانيها: يستحبُّ أن يُصلِّيَ، ويجبُ القضاءُ صلَّى أو لَم يُصَلِّ. وثالثها: تحرمُ الصَّلاة وتجبُ الإعادةُ، وهو قَولُ أبي حنيفة. ورابعها: قولُ المُزنيِّ: تجبُ الصَّلاةُ، ولا تجبُ الإعادةُ، وهو أقوى دليلًا، ويعضُدُه هذا الحديث؛ إذ لم يُنقَل أمرُهم بالإعادة والقضاء، إنَّما يجبُ بأمرٍ جديد؛ نعم، قد يجيبون بأنَّ الإعادةَ ليست على الفَور، ويجوزُ تأخيرُ البيانِ إلى وَقت الحاجة. وقال (ط): الصَّحيحُ من مذهب مالكٍ: أنَّه لا يُصلِّي ولا إعادةَ عليه، فهو قولٌ خامسٌ. وفيه جوازُ الاستعارةِ، وإعارَةِ الحُلِيِّ، والسَّفَرِ بالعارية بإذنِ المُعيرِ. * * *

3 - باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة

3 - بابُ التَّيَممِ فِي الحضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدِ المَاء وَخَاف فوْتَ الصَّلاَةِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ فِي المَرِيضِ عِنْدَهُ المَاءُ وَلاَ يَجدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: يتيَمَّمُ. وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالجُرُفِ، فَحَضَرَتِ العَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَم، فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ المَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة، فَلَمْ يُعِدْ. (باب التيمم في الحضر) (فوت) في بعضِها: (فَوَاتَ). (وبه)؛ أي: تيمُّمِ الحاضِرِ عندَ فَقدِ الماء، وبذلك قال الشَّافعيُّ أيضًا؛ لكنْ معَ القَضاء. (من يناوله)؛ أي: يُعطيه ويُعينه، بل وعند الشَّافعيِّ أنَّه يتيمَّمُ إذا خافَ من الماء مَحذورًا كما نُقِلَ في الفِقه؛ وإنْ وَجَدَ مَن يُعينُه، ولم يَحتَجْ لقضاءٍ. (بالجرف) بضمِّ الجيمِ والرَّاء، ورُبَّما سُكِّنت، وجَمعُه (جِرَف) بكسر الجيم وفتح الرَّاء، كحُجرة وحِجَر، وهو ما تجزفُ السيولُ وتأكلُ من الأرض، والمرادُ به مَوضعٌ من جِهة الشَّام على ثلاثةِ أميالٍ من المدينة. (فحضرت): أُنِّثَ بالتاء؛ لأنَّ المُرادَ بالعَصر: صلاةُ العَصر.

(بمربد) بكسرِ الميم وسكونِ الرَّاء وفتحِ الموحَّدة ودالٍ مهملة، موضع تُحبَسُ به النَّعَم، وهذا المِربَدُ على ميلين من المَدينة، فلهذا دخَلَ في ترجَمَةِ الحَضَر؛ لأنَّ السَّفرَ القصيرَ في حُكمِ الحَضَر. (فصلى)؛ أي: بتيمُّمٍ وإن لم يذكرْه البخاريُّ، فقد رواه مالك وغيرُه. * * * 337 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَناَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونة زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمٍ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أبو الجُهَيْم: أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُل فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ. (عبد الله بن يسار) بفتح المثنَّاة تحتُ وبمهمَلة. قال (ن): وقعَ في "مسلم" بدله: (عبدُ الرَّحمن بنُ يسار)، ووقعَ فيه أيضًا؛ (أبو جَهم) بالتَّكبير، وكلاهُما غَلَطٌ، أي: فالذي في هذا الحديث: (أبو جُهيم) بالتَّصغير، وربَّما قيلَ: (الجُهَيم) بلامِ لَمحِ الأصلِ، وهو عبدُ الله بنُ الحارث. (بئر جمل) بفتح الجيم والميم: موضِعٌ بالمدينة.

(رجل) هو أبو جُهَيم، راوي الحديث كما في "مسند الشَّافعيِّ". (فلم يرد) بتشديد (¬1) الدال، أي: لم يردَّ السَّلامَ. قال (ن): والحديثُ محمول على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان عادِمًا للماء حالَ التيمُّمِ؛ لامتناعِ التيمُّمِ مع القُدرة، سواء في فرضٍ أو نفلٍ؛ لكنَّ هذا التيمُّمَ لرَدِّ السَّلام، وهو ذِكر يجوزُ على غَير طُهرٍ، فوجه الاستدلالِ به للتَّرجَمة أنه إذا تيمَّمَ للذِّكرِ والطَّهارةُ سنَّةٌ له؛ فالتيمُّمُ للصَّلاةِ إذا خاف فوتَها أولى، ففيه دليلٌ على التيمُّمِ للنَّوافل، وأيضًا فإذا خافَ الفَوت في السَّفَر تيمَّمَ لفَقدِ الماء بالنَّص؛ كانَ الحاضِرُ مثلَه قياسًا. (على الجدار) إنَّما تيمَّم بالجدارِ، ولا يجوز مثلُه إلا بإذنِ المالكِ لأنَّ ذلك الجدارَ كان مُباحًا، أو عَلِمَ من مالكِه الرِّضا، ولا سيَّما للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -. قال (ط): في الحديث ردٌّ على الشَّافعيّ في اشتِراطه الغبارَ؛ فإنَّ الجدارَ لا غبارَ عليه، وردَّه (ك): بأنَّ الغالبَ على الجدار الغبارُ، فمن أين نفيُه مع أنَّه ثبَتَ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - حتَّ الجدارَ بالعصا ثم تيمَّم فيُحمَلُ المُطلَقُ على المُقيَّد. * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "بتثليث الدال".

4 - باب المتيمم هل ينفخ فيهما

4 - باب المُتَيَمِّمُ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا (باب هل ينفخ فيهما)؛ أي: في اليدَين، ففي بعضِها: (هل ينفُخُ في يدَيه بغير ما يَضرِبُ بِها الصَّعيدَ للتيمُّم). 338 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ المَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كنَّا فِي سَفَرٍ أَناَ وَأَنْتَ، فَأمَّا أنتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَناَ فتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّما كانَ يَكْفِيكَ هَكَذا)، فضَرَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، ونَفَخَ فِيْهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. (الحكم) بفتح الكاف، أي: ابنُ عُتَيبَة -بالمثناة فوقُ-. (ذر) بفتح المعجمَة وتشديدِ الرَّاء، أي: ابن عبد الله. (أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحَّدة وفتح الزَّاي، مقصورٌ. (أجنبت)؛ أي: صِرتُ جُنُبًا، وفي بعضِها: (جُنِبتُ) بضم الجيم وكسر النونِ. (فلم أصب)؛ أي: لم أَجِد. (أما تذكر) الهمزةُ للاستِفهام، و (ما) للنَّفي.

(أنا وأنت) تفسير لضميرِ الجَمع في (أنَّا). (فلم تصل)، أي: إمَّا لاعتِقادِ أنَّ التيمُّمَ عن الحدَث الأصغرِ لا الأكبرِ، وعمَّار قاسه عليه، أو أنَّه لم يُصَلِّ لتوقُّعِ الوُصول للماءِ. (فتمعكت)؛ أي؛ تَمرَّغتُ في التُّراب. (بضربة) لا دلالةَ فيه على أنَّ الضَّربةَ الواحدةَ تكفي للوَجه واليدَين لِجوازِ أن يكونَ ذلك تعليمًا لإتيانِ كلّ ما يَحصلُ به التَّيمُّمُ، وقد ثبت في الرِّواية الأُخرى (ضَربتان). (ونفخ)؛ أي: ليُخَفِّف التُّرابَ لا أنَّه تيمَّمَ بلا غُبارٍ. (وكفيه) لا يُستدَلُّ به على عدمِ وجوبِ المَسح للذِّراعين والمِرفقَين، كما هو مذهبُ أحمدَ أنَّ الواجب للكوعَين فقط، لثُبوتِ المَسح للمِرفقَين في رواية أخرى عن عمارٍ، بل فيه في أبي داودَ: (إلى المَناكبِ والآباطِ)، فسَقَط ما وراءَ المِرفقَين بالإجماعِ، فيبقى الوُجوبُ في الباقي، وأيضًا ففي الوُضوءِ يجب ذلك فكذا في بَدَلِه، وهو التيمُّمُ. وفي الحديثِ جوازُ الاجتِهادِ في زَمَنه - صلى الله عليه وسلم - كما هو أصحُّ الأقوالِ في الأصولِ، ثالثها: يمتنِعُ بحَضرته فقط. وفيه أنَّ مَسحَ الوَجه واليدَين بدلٌ في الجَنابة عن كلِّ البَدَن، كما أنَّه في الوُضوءِ عن أعضائه، وعن غَسلِ لُمْعَةٍ في الجِراحة، وفيه أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمُرْه بالإعادَةِ لأنَّه عَمِلَ أكثرَ ممَّا كان يجبُ عليه في التيمُّم. * * *

5 - باب التيمم للوجه والكفين

5 - بابٌ التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ (باب التيمم للوجه والكفين) 339 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ، عَنْ ذَرِّ، عَنْ (سَعِيدِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَمَّار بِهَذَا. وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، ثُمَّ أَدْناَهُمَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم قَالَ: سَمِعْتُ ذَرًّا يَقُولُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى. قَالَ الْحَكَمُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ. الحديث الأول: (حجاج)؛ أي: ابنُ المِنْهالِ. (بهذا)؛ أي: بقوله: أمَا تَذكُر. (وضرب) هو من قَولِ الحَجَّاج. (وأدناهما)؛ أي: قرَّبَهُما من فيه. (وقال النضر) بالنون المَفتوحةِ والضَّاد المُعجمة السَّاكنة: ابنُ شُمَيلٍ، وهو من كلامِ البخاريِّ، والفَرقُ بين هذه الطَّريقِ وطريقِ

الحجَّاجِ أنَّه بلفظِ (عن)، وذا بلَفظِ (سَمِعتُ) وبينهما فَرقٌ، نعم، هو تَعليقٌ؛ لأنَّ وفاةَ النَّضْرِ بنِ شُمَيلٍ سنةَ ثلاث ومئتين بالعِراقِ، والبُخاريُّ ابنُ تِسعٍ ببُخَارَى، لكنْ وصَلَه مسلم. (قال الحكم) يحتملُ أن يكونَ تعليقًا، وأن يكونَ من كلامِ شُعبَةَ، فيكونُ مسنَدًا، والغَرَضُ أنَّ الحَكَمَ يروي عن شُعبَةَ بلا واسطة ذَرٍّ بينهما، فهو أعلى، كما أنَّ ذاك من لَفظِ (سَمعتُ) أعلى. * * * 340 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ، وَقَالَ لَهُ عَمَّار: كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأجْنَبْنَا، وَقَالَ: تَفَلَ فِيهِمَا. (شهد)؛ أي: حَضَرَ. (له)؛ أي: لعمَرَ. (سرية) قِطعة من الجَيشِ. (تفل) بمثنَّاةٍ فوقُ وفاءٍ مفتوحتَين. قال الجوهري: التَّفلُ شبيهٌ بالبَزْقِ، وهو أقلُّ منه، أوَّلُه البَزْقُ ثمَّ التَّفْلُ ثمَّ النَّفثُ ثم النَّفخُ، والقَصدُ أنَّه أبدَلَ (نَفَخَ) بـ (تَفَلَ). * * *

341 - حدثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثيرٍ، أخبرناَ شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَم، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ: تَمَعَّكْتُ فأتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: (يَكْفِيكَ الوَجْهَ وَالكَفَّينِ). الحديث الثاني: (كثير) بالمثلَّثة. (يكفيك الوجه والكفين) وفي بعضِها: (واليدين)، والأحسَنُ رفعُ الوَجه، وحينئذٍ فإنْ عَطَفَ عليه (الكفَّانِ) -كما قال ابنُ مالك أنَّها رواية- فواضح، وأمَّا رواية: (والكفين)؛ فيحتملُ أنَّه منصوبٌ على أنَّ الواوَ بمعنَى (مع)، وأنَّه مجرورٌ على أنَّ الأصلَ: ومسحُ الكفَّين، فحُذِف المُضاف وأُبقِيَ الجَرُّ، وجوَّز ابنُ مالك أن يكونَ الأصل: يكفِي كالوَجه واليَدَين، والكافُ زائدةٌ كما في: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، والأصلُ: يكفِي الوَجهُ والكفَّان. قال: ويجوزُ على هذا الوَجهِ رفعُ اليَدَين عَطفًا على مَحلِّ الوَجه، فإنَّه فاعل، فتَلَخَّص: أنَّ (الكفَّين) مَرفوعٌ وإنْ جُرَّ بحرفِ جزّ زائد، أو مَجرورٌ بحَذفِ مُضافٍ، أو منصوبٌ. الحديثُ الثَّاني الفَرقُ بينَ إسنادِه وإسنادِ المُتقدِّم أنَّ بينَه وبينَ شُعبَةَ رجُلَين بخلافِ باقي الطُّرق، وبينَ المَتنَين أنَّ هنا (بيدِه) بدلَ (كفَّيه)، وعدمَ لفظِ: (ونَفَخَ). * * *

6 - باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء

6 - باب الصعيد الطيب وضوء المُسْلمِ يكفِيهِ مِنَ المَاء وَقَالَ الْحَسَنُ: يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّم. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لاَ بَأس بِالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بها. (باب الصعيد الطيب وضوء المسلم) قال الجوهري: الصَّعيدُ: التُّرابُ، وقال ثَعلب: وَجهُ الأَرضِ، والطَّيبُ: الطَّاهرُ، وقيلَ: الحلالُ. والتُّرابُ شَرطٌ عندَ الشَّافعي خلافًا لقولِ مالكٍ وأبي حنيفةَ: يجوزُ على كلِّ أرضٍ طاهرةٍ، ولو جُدُرًا لا ترابَ عليها. قال بعض المالكية: يتيمَّمُ بالصَّخرَةِ المَغسولةِ، وبكلِّ ما اتَّصل بالأَرض من خشَبٍ وغيرِه، بل وجوَّزَ الأوزاعِيُّ بالمِلح، وكلِّ ما على الأَرضِ. قال (ط): إن قيلَ: لا يقالُ: مَسَحَ منه؛ إلا إذا أخَذَ جُزءًا، قيلَ: يجوزُ أن يكونَ (منه) صلةً، نحو: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء: 82]، والقرآنُ كلُّه شفاءٌ. فإن قيلَ: ففي الحديث: (وتربتُها طَهورًا)، وهو نصٌّ في التُّراب، وزيادَةُ الثِّقة مقبولةٌ يجبُ العملُ بِها؟ قيلَ: نحن نُجوِّزُ الأمرَين، فنَعمَلُ

بالزَّائد والمَزيدِ علَيه. قال (ك): أما كونُ (من) صِلَةً فتعسُّفٌ، وفي "الكشَّاف": فإن قلتَ: لا يَفهمُ أحدٌ من مَسحتُ مِنَ الدُّهن، ومن الماء، ومن التُّرابِ؛ إلا البَعض؟ قلت: هو كما يقولُ، والإِذعانُ للحقِّ أحقُّ من المِراء. وأمَّا قولُه: عَمِلنا بالزَّائدِ والمَزيدِ عليه، فغَيرُ صحيحٍ، فإنَّ المُطلَق يجِبُ حَملُه على المقيَّد عند اتِّحاد السَّبب، وإلا فليسَ عَمَلًا بالدَّليلَين. (يجزئ) بالهمزِ، من الإِجزاءِ، وهو الأداءُ الكافي في سُقوطِ التَّعبُّد، وفي بعضِها بفَتح أوَّله، بمعنَى: يكفي. قال الجوهري: جَزَأتُ بالشَّيءِ اكتَفَيتُ، وجُزِئ على هذا؛ أي: قُضِيَ، فهو على التَّقديرَين لازم، ولعلَّ التقديرَ هنا: يقضِي عن الماءِ التيمُّمُ، فحُذِف الجار وأُوصِلَ الفعلُ، وغرضُه أنَّ التيمُّمَ كالوضوءِ في أداءِ فروضٍ متعدِّدةٍ به. قال (ط): قال الحَسَنُ، والكوفيُّونَ: يُصلِّي بالتَّيمُّمِ جميعَ الصَّلوات ما لم يُحدِثْ، لتَرتُّبِه على الوُضوء فله حكمُه، وقال الأئمَّةُ الثَّلاثة: لا يصلِّي إلا فَرضًا واحدًا، لأنَّه طهارةٌ ضروريَّة استُبيحَ بِها، بدليلِ بُطلانِها بوجودِ الماء، وأنَّ الجُنُبَ يعودُ جُنُبًا بوجودِ الماء، فلذلك أُمِرَ مَن صلَّى به بطلَبِ الماءِ لصلاةٍ أخرى، وأيضًا فالتَّيمُّمُ لا يجوز لشيءٍ قبلَ وقتِه، فلا يُصلِّي به فريضَةً أخرى، لأنَّه يتيمَّمُ قبلَ الوَقت، نعم، المُتيمِّمُ يؤُمُّ المُتوضِّيء عند الشَّافعيِّ، ومالك، وأبي

حنيفةَ، خلافًا للأوزاعيِّ؛ قالَ: لضَعفِ طهارته. (السبخة) بفتح المُوحَّدة، واحدةُ السِّباخِ، وأرضٌ سَبَخَةٌ: ذاتُ سِبَاخ، وجوَّزَ الجُمهورُ التيمُّمَ بِها، ومنَعَه ابنُ راهَوَيه. * * * 344 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ استيقَظَ فُلاَنٌ ثُمَ فُلاَنٌ ثُمَ فُلاَنٌ -يسَمِّيهِم أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوفٌ- ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ناَمَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ ويرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ: (لاَ ضَيْرَ -أَوْ لاَ يَضِيرُ- ارْتَحِلُوا)، فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيد ثُمَّ نزلَ، فَدَعَا بِالوَضُوءَ، فتوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفتلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِل لَمْ يُصَلِّ مَعَ القَوْمِ قَالَ: (مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟!)، قَالَ: أَصَابتني جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ)، ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاشْتكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ

العَطَشِ فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلاَنًا -كَانَ يسَمِّيهِ أبو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوفٌ- وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: (اذْهَبَا فَابْتَغِيَا المَاءَ)، فَانْطَلَقَا فتلَقَّيَا امْرَأةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ -أَوْ سَطِيحَتَيْنِ- مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالاَ لَهَا: أَيْنَ المَاءُ؟ قَالَتْ: عَهْدِي بِالمَاءَ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُناَ خُلُوفًا، قَالاَ لَهَا: انْطَلِقِي إِذًا، قَالَتْ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالاَ: إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتِ: الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، قَالاَ: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي، فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَحَدَّثَاهُ الحَدِيثَ قَالَ: فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بإناَءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ المَزَادَتَيْنِ -أَوِ سطِيحَتَيْنِ- وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ العَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ: اسْقُوا وَاسْتَقُوا، فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الجَنَابَةُ إِناَء مِنْ مَاءٍ قَالَ: (اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ)، وَهْيَ قَائِمَةٌ تنظُرُ إلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللهِ! لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وإنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (اجْمَعُوا لَهَا)، فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدقيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا، قَالَ لَهَا: (تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَاناَ)، فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ، قَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنة؟ قَالَتِ: العَجَبُ، لَقِيَني رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللهِ! إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ، وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا

الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ -تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ- أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ حَقًّا، فَكَانَ المُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ المُشْرِكينَ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءَ القَوْمَ يَدْعُونكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإسْلاَمِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإسْلاَمِ. (مسرهد) بضمِّ الميم وفتحِ المُهملة وسكونِ الرَّاء وفتحِ الهاء وبمهملة، والإسناد بَصريُّون. (أسرينا) وفي بعضِها: (سَرَينا). (وقعنا وقعة)؛ أي: نِمنا نَومَةً، كأنَّهم سَقَطوا عن الحَركة. (أحلى): خبر (إنَّ)، أو صفةٌ لـ (وَقعة)، والخبرُ محذوفٌ. (منها)؛ أي: منَ الوَقعةِ آخرَ اللَّيل، كما قال: (ن)، فإنَّ الكَرَى عندَ الصَّباح يطيبُ. (أول) بالنَّصبِ خبرُ (كان)، و (فلان) اسمُها، و (من) نكرةٌ موصوفة، لأنَّ (أول) نكرةٌ لإضافته إلى نكرةٍ. (فلان) هو أبو بكرٍ، كما في رواية سَلمِ بنِ زَرِيرٍ. (الرابع)؛ أي: من المُستَيقظين، وفي بعضها: (هو الرابع). (ما يحدث له)؛ أي: من الوَحي، وهو بضمِّ الدَّال، من الحُدوث. (ما أصاب الناس)؛ أي: من فواتِ الصُّبح وكونهم على غيرِ ماءٍ. (جلد) بفتح الجيم وكسر اللام، من الجَلادةِ، وهي الصَّلابةُ،

وجَلُدَ الرَّجُلُ -بضمِّ اللام- فهو جَليدٌ وجَلدٌ، وجوابُ لمَّا محذوفٌ لأنه يكثُر حَذفُه. (استيقظ)؛ أي: تيقَّظَ، فهو لازمٌ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فاعلُه. (لا ضير) -أي: لا ضرَرَ- (أو لا يضير) شك من الرَّاوي، يقال: ضَارَه يَضيرُه ويضُورُه. (ارتحلوا) أمرٌ بالارتِحالِ. (فارتحل)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَن معه، وفي بعضِها: (فارتَحَلوا). (انفتل)؛ أي: انصَرَفَ. (برجل) قيل: هو خَلَّادُ بنُ رافعٍ، ووَهَّموا قائلَه. (معتزل)؛ أي: مُنفَرد. (يكفيك)؛ أي: لإباحةِ الصَّلاة، ثم يحتملُ وهو أظهرُ لصلاةٍ واحدَةٍ، ويحتملُ لكلِّ صلاةٍ ما لم يُحدِث. (اشتكى إليه الناس) في رواية: (اشتَكَوا)، كـ (أكلوني البراغيثُ). (فلانًا) هو عِمرانُ راوي الحديث، كما في رواية: سَلمِ بنِ زَرِيرٍ. (مزادتين أو سطيحتين) الشَّكُّ من الرَّاوي، والمَزادةُ -بفتح الميم وبالزَّاي- جَمعُها مَزاوِدُ ومَزَائِدُ: الرَّاوية، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّه يُزادُ فيها جِلدٌ آخرُ من غيرها، ولهذا قيل: إنَّها أكبرُ من القِربَةِ، والسَّطيحة -بفتح السين وكَسرِ الطَّاء المهملتين- بمعنَى المَزادَة.

(عهدي) مبتدأٌ وخبرُه إمَّا محذوفٌ، أي: حاصِلٌ ونحوُه. (بالماء) متعلِّق بـ (عَهدي). (أمس) ظرفٌ له. (هذه الساعة) بدلٌ منه بدلَ بعضٍ من كُلٍّ، و (أمسِ) مبنيٌّ على الكسر عند الحجازيين، ومُعرَبٌ غيرُ منصرفٍ للعَدل والعلَمِيَّة عند تميمٍ، فتُفتَحُ سينُه حينئذٍ إذا كانَ ظَرفًا. وجوَّز أبو البقاء أن يكونَ (أمسِ) خبرَ (عهدي)؛ لأنَّ المصدرَ يُخبَرُ عنه بظرفِ الزَّمان، وعليه اقتَصر: (ك)، فعلى هذا تُضَمُّ سينُه على لغة تَميمٍ. قال ابنُ مالك: أصلُه في مثلِ هذه السَّاعة، فحُذِفَ المُضافُ وأُقيمَ المضافُ إليه مُقامَه. (ونفرنا) بفتح النون والفاء، عدةُ رِجالٍ من ثلاثةٍ إلى عَشَرةٍ، ويقال: فيه لغة: نَفِيرٌ ونَفَرٌ. قال الفراء: نفرُ الرَّجل: رَهْطُه. (خلوف) بضمِّ الخاء المُعجمة، جمعُ (خالِف) أي: مُستقٍ بعد أن تَرَك النِّساء والأثقالَ في الحي كـ: شاهدٍ وشُهود، ويقالُ: حيٌّ خُلُوف؛ أي: غُيَّبٌ، وفي بعضِها: (خُلُوفًا) بنصبه خبرًا لـ (كانَ). (الصابئ) بالهمزِ من (صَبَأ) خَرَجَ من دينٍ إلى دينٍ، أو بالياءِ من صَبَا يصبِي: إذا مالَ.

(تعنين)؛ أي: تُريدين. (وأوكأ) الإيكاءُ: الشَّدُّ بالوِكاء، وهو ما يُجعَلُ على فَمِ القِربة. (أفواههما) مثل: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]. (العزالي) بفتح العين المهملة وخفَّةِ الزَّاي، جَمعُ عَزلاء -بالمَدِّ-، وهو فمُ المَزادة الأَسفلُ، وهي عُروَتُها التي يَخرجُ منها الماء خُروجًا واسعًا، وتفتح لامُ (العزالَى) كالصَّحارَى، وهو منصوبٌ بفتح الياء، ويسكَّنُ في لغةِ من يقدِّرُ حركات المنقوصِ مطلقًا في النَّصب وغيرِه. (اسقوا) بهمزة وَصلٍ أو قطعٍ، فتُكسر وتُفتح. (واستقى) فرقٌ بينَه وبينَ (سقى) أنَّه لنَفسِه، و (سقَى) لغيرِه من ماشيَةٍ ونحوِها، و (استقَى) قيل: بمعنَى (سقى)، وقيلَ: إنما يقالُ: سقيتُه لنفسِه، واستَقَيتُه لمَاشيتِه. (آخر) يجوزُ أن يكونَ خبَرَ (كان)، وأنَّ (أَعطى) الخبَرُ، وبالعكس؛ لأنَّ (أنْ) مع الفعل في تقدير المَصدر والمَعرفةِ. قال أبو البقاء: وهو الأَرجَحُ؛ لأنَّ (أنْ) والفعلَ أعرفُ من المُفرد قال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا} [النمل: 56]، قُرِئَ بالرَّفع والنَّصبِ. (الذي أصابته)؛ أي: الذي كان مُعتَزِلًا. (فأفرغه) بقطعِ الهمزة. (يفعل) بفتح أوَّله وضمِّه.

(وايم الله) قسمٌ كـ (أَيمُن) والهمزةُ للوَصل، بل قالَ أبو عُبيد: إنَّ (أيمُن) جمعُ (يمين) هو أصلُه، فحُذِفت نونُه، وكان أصلُ هَمزته قَطعًا، لكنْ طُرِحَت لكَثرةِ الاستِعمال، وهي بكسرِ الهمزَةِ وفَتحِها، وليس لنا هَمزةُ وَصل تُفتَح غيرُها، ولغاتُها نحوُ العشرين، ورفعُه بالابتداء، والخبَرُ محذوف، أي: قَسَمي. (أُقلع) بضم الهمزة، من الإقلاع عن الشَّيءِ، وهو الكفُّ عنه. (ملأة) بميمٍ مكسورة ولام ساكنة بعدها همزة ثم تاءِ التأنيث السَّاكنة، أي: امتلاءً. قال (ك): وبفتح الميم، وذلك من مُعجِزاته - صلى الله عليه وسلم -. (عجوة) هو من أجوَدِ تَمرِ المَدينة. (ودقيقة وسويقة) رُوِيا مُكبَّرتين ومُصغَّرتَين. (طعاما)؛ أي: الثَّلاثة. (فجعلوه) في بعضِها: (فَجَعلوها)، أي: الثَّلاثة. (بين يديها)؛ أي: قُدَّامَها على ظَهر البعير، وإنَّما أُعطِيت ذلك مع كُفرِها طَمَعًا في إسلامِها، وتَصَرَّفوا أوَّلًا في مالِها نَظرًا إلى كُفرِها أو للضَّرورة، فإنَّها تُبيحُ المَحظورَ. (رزئنا) بفتح الراء وكسر الزاي: نَقَصْنا، وفي بعضِها بفتح الزَّاي. (العجب) بالرفع؛ أي: حبَسنِي العَجَب.

(من بين) هي بيانيَّةٌ، وإلا فكانَ المُناسب (في) بدل (من) على أنَّ حروفَ الجرِّ قد تتقارض. (والسبابة)؛ أي: المُسبِّحة. (يعني)؛ أي: المَرأة، أي: تُريد أنه أسحَرُ النَّاس بين السَّماء والأرضِ، أو أنَّه رسولُ الله حَقًّا. (الصرم) بكسر الصَّاد، النَّفَرُ ينزلون بأهليهم وأبياتِهم على الماء، والجمعُ (أصرُم)، وإنما لم يُغيروا عليهم وهم كَفَرَةٌ للطَّمَعِ في إسلامهم بسبَبِها، أو للاستِئْلافِ، أو لرِعايَة ذِمَامِها (¬1). (ما أرى) بفتح الهمزة، أي: الذي أعلَمُ، وبضَمِّها؛ أي: أظُنُّ. قال ابن مالك: وفي بعض نُسخِ البُخاري: ما أدري، وهو صَحيحٌ أيضًا، و (ما) بمعنَى الذي. (أن) بفتحِ الهمزة، أي: أعلَمُ وأعتَقِد أنَّ هؤلاء يدعونكَم عَمدًا، لا جَهلًا ولا نِسيانًا، ولا خَوفًا مِنكُم، وقال غيرُ ابنِ مالكٍ: يجوزُ أن تكونَ (ما) نافيةً، وأن تُكسَرَ الهمزةُ، و (أدري) -بالدَّال-؛ أي: لا أعلَمُ حالكم في تخلُّفِكم عن الإسلامِ، مع أنَّهم يدعونكَم عَمدًا. وقال أبو البقاء: الجيِّدُ كسرُ (إنَّ) على الاستئنافِ، ولا تُفتح على إِعمال (أدري) فيه؛ لأنَّها قد عَمِلت بطريقِ الظَّاهر، والمعنَى: أنَّ المسلمين تَرَكوا الإغارَة على صَرحِها مع القُدرَة، فرغَّبَتهم في ¬

_ (¬1) في "ب": "دمائها".

الإسلامِ، ويكونُ مَفعولُ (أدري) مَحذوفًا، أي: ما أَدري ماذا يَمتَنعونَ من الإسلامِ ونحوِه. (فهل لكم) ترغيب لهم. قال (خ): فيه أنَّ فَوائِتَ الصَّلاة يُؤَذَّنُ لَها. وتعقَّبه (ك): بأنَّ النِّداءَ أعمُّ من الأذان، فقد يُرادُ به الإقامةُ. وفيه جوازُ تأخيرِ القَضَاء للصَّلاة عن مَوضع تذكُّرِها حيثُ لا غَفلَةَ ولا استِهانة. قال (ط): وفيه أنَّ نَومَه - صلى الله عليه وسلم - كغَيره من البَشر، إلا أنَّه لا أضغاثَ فيه؛ لأنَّ رُؤيا الأنبياءِ وَحي، وأنَّ الأمورَ يُحكَمُ فيها بالأعمِّ؛ فإنَّه قد يَحدُث له وَحيٌ، وقد لا يَحدُث كالنَّائم يُحكَمُ بحَدَثِه، وقد يوجَدُ حَدَث، وقد لا يوجَدُ. وفيه التأدُّبُ في إيقاظِ السَّيد؛ لأنَّ عمَرَ لم يوقِظْه - صلى الله عليه وسلم - بالنّداء، بل بذكرِ الله -عز وجل-، وأنَّ عمرَ أجلدُ المؤمنين وأصلبُهم في الدِّين، وأنَّ من حلَّت به في مَوضعٍ فِتنةٌ يخرُجُ منه ويَفِرُّ بدينه، وأنَّ من ذَكَرَ صلاةً يأخُذ فيما يصلِحُه لصَلاته من طَهورٍ ونحوِه، والجَماعةُ في صلاةِ الفائتَةِ، وأنَّ تأخيرَ المُبادرة إليها لا تَمنعُ أن يكونَ ذاكرًا لَها. وفيه طَلبُ الماء للشُّرب والوُضوء، والبَعثُ فيه، وأخذُ الماء للحاجَةِ حيثُ وُجِد، ويُعوَّضُ صاحِبُه، ومن دلائل النُّبوَّةِ أن يشربوا مِمَّا سَقَط من العَزَالِي والمَزادتان مَملوءَتان، ومراعاةُ ذِمامِ الكافِر. وفيه بيانُ مِقدارِ الانتِفاعِ بالاستِئلافِ على الإسلامِ، فَعَلِم الصِّرمُ

7 - باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم

قدر ذلك فأَسلَموا، وأنَّ العَطشانَ يُقدَّمُ على الجُنُب، وجوازُ تأخيرِ الصَّلاة الفائِتَةِ بالنَّومِ، وجوازُ الحَلِف بدونِ الاستِحلاف. * * * 7 - بابٌ إِذَا خَاف الجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ المَرَضَ أَوِ المَوْتَ أَوْ خَاف العَطَشَ تَيَمَّمَ ويُذْكَرُ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدهٌ فتيمَّمَ وَتَلاَ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُعَنِّفْ. (باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت): المرضُ يشملُ ما كان فيه تلَفٌ وغيرُه، كزيادة في المرضِ أو نحوِه على ما فُصِّل في الفِقه؛ لعمومِ قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43]، وقال مالكٌ: لا يتيمَّمُ لِمَرضٍ إلا إن خافَ التَّلفَ، وقال الحسَنُ: لا يُستباحُ تيمُّم بمرضٍ أصلًا. (ويذكر) تعليقٌ بصيغةِ تَمريضٍ، وقد وصَلَه الدَّارَقطنِيُّ، وكذا رواه أبو داودَ، وابنُ حبَّان، والحاكمُ، لكنْ من غيرِ ذِكرِ التيمُّمِ، وهذه القِصَّة كانت في غزوةِ ذاتِ السَّلاسلِ. (أجنب) بفتح الهمزة.

(ولم يعنفه)؛ أي: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَمْرًا. ووجهُ الدَّليل: أنَّه قد يؤدي للهلاكِ، وقد نهَى الله عمَّا يوجِبُ الهلاكَ، وعدمُ التَّعنيفِ تقريرٌ، فيكونُ حُجَّةً على تيمُّمِ الجُنُب. * * * 345 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ غُنْدَر-، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ أبو مُوسَى لِعَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا لَمْ يَجدِ المَاءَ لاَ يُصَلِّي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا، كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ البَرْدَ قَالَ: هَكَذَا -يَعْنِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى- قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ. الحديث الأول: (سليمان)؛ أي: الأَعمَش. (أبو وائل) شقيقُ بنُ سَلَمَة. (إذا لم يجد)؛ أي: الجُنُب، وهو استفهامٌ من عبد الله لأبي موسى وسؤال. (وفي هذا)؛ أي: في جَوازِ التيمُّمِ للجُنُب. (معنى تيمم وصلي) تفسير لقوله: (قال هكذا). قلتُ: هو من مَقولِ أبي موسى. (أين قول عمار)؛ أي: قولُه: (كنا في سَفرة فأجنَبتُ فتَمَعَّكتُ)،

وقد سَبق حديثُه بطوله، وإنَّما لم يقنَع عمَرُ بقَولِ عمَّارٍ؛ لأنَّه كان حاضِرًا معه في تلك السَّفرة، ولم يذكُر القِصَّة، فارتابَ في ذلك. * * * 346 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يجِدْ مَاءً كيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَجدَ المَاءَ، فَقَالَ أبو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (كَانَ يَكْفِيكَ)؟ قَالَ: ألمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَو مُوسَى: فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ؟ فَمَا دَرَى عَبْدُ اللهِ مَا يَقُولُ، فَقَالَ: إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ المَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَتتَيَمَّمَ، فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ: فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللهِ لِهَذَا، قَالَ: نعمْ. الحديث الثاني: (عن أبيه)؛ أي: حفصِ بنِ غياثٍ. (أرأيت)؛ أي: أخبِرْني. (يا أبا) قد تُحذَفُ هَمزتُه تَخفيفًا، وهو كُنيةُ عبدِ الله. (يكفيك)؛ أي: مسحُ الوَجهِ واليَدَين. (فدعنا)؛ أي: اُترُكنا، أي: اِقطع النَّظَر عن قَول عمَّارٍ، فما تقولُ

فيما وَرَد في القرآن: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. (فما أدري)؛ أي: فلم يَعرفْ عبدُ الله ما يقولُ في تَوجيهِ الآية على وِفقِ فَتواه، فـ (ما) استِفهاميَّة، ولعلَّ المَجلِسَ ما كان يقتَضِي تطويلَ المُناظَرة، وإلا فله أن يقولَ: المُرادُ بالمُلامَسةِ في الآية تلاقي البَشَرتَين بلا جِماعٍ، وجُعِلَ التيمُّمُ بدَلًا من الوضوءِ، فلا يدلُّ على جوازِه للجُنُب. (لأوشك)؛ أي: قَرُبَ وأسرع، ففيه ردٌّ على من زَعَم أنَّه لا يقالُ إلا: يُوشِكُ -مُضارِعًا-. (بَرد) بفتح الباء والراء، وحَكَى الجَوهَرِيُّ ضَمَّها، ووجهُ المُلازَمَة في تيمُّم الجُنُب، والتيمُّمِ للبَردِ؛ اشتراكُهُما في عَدمِ القُدرة على استِعمال الماء؛ لأنَّه إمَّا بفَقدِه، وإما بتعذُّرِ استِعماله. (فقلت)؛ أي: قالَ الأعمشُ: فقلت لشَقيقٍ. (ولهذا) هو عَطْفٌ على مقولاتِه المُقدَّرة، أي: كذا وكذا أيضًا، ففيهِ جوازُ المناظَرةِ والانتقالِ فيها من حُجَّةٍ إلى حُجَّةٍ، وجوازُ الاجتهاد. قال (خ): ظاهرُ هذه المُناظرةِ يأتي على إهمالِ حُكمِ الآية، وأيّ عذر من أنَّ بعضَ النَّاس قد يَستعمِلُها على وجهها، وفي غيرِ حينها؟ ووجهُ ما قال عبدُ الله بِما ظاهرُه إبطالُ الرُّخصة مع ما به من إسقاطِ الصَّلاة عمَّن خُوطِبَ بِها؛ أنَّه إنَّما تأولَ المُلامسةَ على غيرِ الجِماع، إذ لو أرادَ الجِماعَ لكان فيه مخالفةُ الآية صريحًا، وذلك مما لا يجوزُ من

8 - باب التيمم ضربة

مثلِه في علمِهِ وفِقهِه، وتلَخَّص من القِصَّة: أنَّ رأيَ عمرَ وعبدِ الله انتقاضُ الطَّهارة بملامَسَةِ البَشَرتَين، وأنَّ عمارًا حين رأى التّرابَ بدلًا عن الماء استَعمله في جَميع ما يأتي عليه الماء. قال (ط): وفيه جوازُ التيمُّمِ للخائف من البَردِ، وأنَّ العَطشانَ يتيَمَّمُ، وأنَّ الجُنُب كذلك، إلا ما ذُكِرَ عن عمرَ وابنِ مَسعود لآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، وآية: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]، ولِما كان من رَأيهما أنَّ المُلامَسة ما دونَ الجِماع، وأنَّ التيمُّمَ بدلٌ من الوُضوء لا من الغُسل، وأنَّ الانتقالَ في الحِجاجِ مما فيه خلافٌ إلى ما فيه وِفاقٌ، وذلك جائزٌ عند تعجيل القَطع والإِفحامِ للخَصمِ كما في محاجَجَةِ إبراهيمَ - عليه السلام - نُمْرُودَ. * * * 8 - بابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ (بابٌ: التيمم ضربة) بالنَّصب على الحال إن أَضفتَ (باب)، وإن نوَّنتَه فما بعدَه مرفوعان، مبتدأٌ وخبرٌ. 347 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ أبو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أبو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجدِ المَاءَ

شَهْرًا، أَمَا كانَ يتيَمَّمُ وَيُصَلِّي، فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ المَاءُ أَنْ يتيَمَّمُوا الصَّعِيدَ، قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا، قَالَ: نعمْ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: ألمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فتمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابّهُّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (إِنَّمَا كانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنعَ هَكَذَا)، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أفلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ. وَزَادَ يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ: كنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ أبو مُوسَى: ألمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثنِي أَناَ وَأنتَ فَأَجْنَبْتُ فتمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ، فَأتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْناَهُ فَقَالَ: (إِنَّمَا كانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا)، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكفَّيْهِ وَاحِدَةً. (أبو معاوية)؛ أي: محمَّدُ بنُ خَازِمٍ -بالمُعجمة والزاي- الضَّريرُ. (الأعمش) سليمانُ. (أما كان) الهمزة مُقحَمَةٌ، أو للتَّقرير، وعليهما فهو جواب (لو) لكنْ بتقدير القَولِ قبلَ (لو)، أي: يقولُ: لو أنَّ رجُلًا ... إلى آخره،

فكيفَ تصنَعُ بالآية مع قَولكم: لا يتيمَّم، أو الاستفهامُ باقٍ بتقدير قَولٍ قبلَه، وهو جوابُ (لو)، أي: لو أنَّ رجُلًا أجنبَ يقال في حقِّه: أمَا يتيمم، ويحتملُ أنَّ الجوابَ على هذا فكيفَ تصنَعون؟ (في سورة المائدة) خُصِّصَ بِها، وإن كانت الآيةُ في سورة النِّساء أيضًا؛ لأنَّها آخرُ السُّوَر نزولًا، أو لأنَّ تناولَها للجُنُب أظهرُ؛ لتقديمِ حُكمِ الوُضوءِ فيها. (قلت) هو مقولُ شقيقٍ. (هذا)؛ أي: أنَّ الجُنُب لا يتيمَّمُ. (لذا)؛ أي: للزومِ تيمُّمِ صاحبِ البَرد. (تمرغ) بالرَّفع، وأصلُه: تتَمَرَّغُ، فحُذِفَت إحدَى التَّاءَين. (ضربة ...) إلى آخره، ففيه إِشكال من وجوه: أحدها: كونُه بضَربَةٍ، وفي الطُّرقِ غيرِها: (ضَربتان)، وكذا رجَّحه (ن): وقال: إنَّ الأصحَّ المنصوصَ: ضَربتان. ثانيها: الاكتِفاءُ بِمَسحِ ظهرِ كَفٍّ واحدةٍ، والإجماعُ على وجوبِ مَسحِ الكفَّين. ثالثها: إذا استَعمَلَ التُّراب في ظَهر الشِّمالِ، فكيف يَمسحُ به الوَجهَ، وهو مُستعمَل؟ رابعها: عدمُ مسحِ الذِّراعَين. خامسها: عدمُ التَّرتيبِ في تقديم الكَفِّ على الوَجه. والجواب كما قرره (ك): إنَّ الضَّربةَ الواحدة لأحَدِ ظَهري

الكَفِّ، والتقدير: ثمَّ ضرَبَ ضَربةً أُخرى، ومسحَ بِها يدَيه، للإجْماعِ على عَدَمِ الاكتِفاءِ بمسحِ إحدى الكفَّين، فيكونُ المَسحُ الأوَّلُ ليس لكَونه من التيمُّمِ، بل فعلَه - صلى الله عليه وسلم - خارِجا عنه لتَخفيفِ التُّراب، أو لبيانِ أنَّ تَمَعُّكَ عمَّار تغليظٌ للأمر، والواجبُ دونَه، أو أنَّ الضَّرب ما كانَ للتَّعليمِ بصورةِ الضَّربِ وتخفيفِ الأمرِ على عمَّار، أو أنَّ الواجبَ إيصالُ التُّرابِ للوَجه والكفَّين بضَربةٍ أو أكثرَ كما رجَّحَه الرَّافعيُّ، وهو الأَرجحُ. وأمَّا مسحُ الذِّراعَين فهو وإن كان أشبهَ بالأصولِ، لكنَّ الأصحَّ رواية مسحُ الكفَّين، وأمَّا الترتيبُ فمحلُّ خلاف، فأبو حنيفةَ لا يوجِبُه، وأمَّا احتمالُ أنَّ التُّرابَ صارَ مُستعملا فيحتملُ أن يكونَ المُراد بالكفِّ الجنسَ، حتى يتناولَ الكفَّين، فمَسح بإحدى الكفَّين ظَهرَ الشِّمال، ثم دلكَ الكفَّ المستعملةَ على غير المُستعملِ، ثم مَسحَ بِها وجهَه. قال: وأمَّا الجوابُ عن مَسحِ واحدة الظَّهرَ، فهو أن تُحمَلَ (أو) الفاصلةَ على الواو الوَاصلَةِ جَمعًا بين الدَّلائل، أي: تُجعلُ (أو) بمعنَى الواو، انتهى مُلخَّصًا. (زاد يعلى) بفتح المُثنَّاة وبسكون المهملة وفتح اللام، أي: ابنُ عبيدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وقد وَصَل هذا التَّعليقَ أحمَدُ، وابنُ حِبان والإسماعيليُّ، على أنَّه كما قال (ك): يحتملُ أنَّه أدخل تحتَ إسناِد محمَّدِ بنِ سلَّام، أو أنَّ البخاريَّ سَمِعَه منه؛ لأنَّه أَدرَك عَصرَه. (أنا وأنت) إنَّما أكَّد بِهما الضَّميرَ المَنصوب، وكان الوَجهُ: إيايَ

وإيَّاك؛ لأنَّ الضَّمائِرَ تتقارض، فيحِلُّ بعضُها محلَّ بَعضٍ. (واحدة) إدخالُ البخاريِّ له في التَّرجَمة يقتضي أنَّه ضَربةٌ واحدة، لكنْ يحتملُ وهو أظهرُ أن يُرادَ مسحةٌ واحدةٌ، وأمَّا الضَّربُ فضَربتانِ، وعلى تقدير ضَربَة، فيُقالُ: كيفَ استَعمَله في الوَجه، ثُمَّ مَسحَ به الكفَّين؟ فجوابُه: أنَّ مَن لا يصيرُ التُّرابُ عندَه مُستعمَلًا بذلك فالسُّؤالُ ساقِطٌ، ومَن يراه مُستَعمَلًا فوَجهُه أن يَمسَحَ الوَجه بكف واحدةٍ ثم ينفُضَ الغُبارَ منَ الكَفِّ غيرِ المُستعمَلة إلى الأُخرى، أو يَدلُكَ إحدى اليدَين بالأُخرى، ثم يَمسحَهُما بذلك. قال (ط): أخذَ أحمدُ بهذا الحديث أنَّ ضَربةً واحدةً للوَجه والكفَّين. قال: ولأنَّه إذا بدأَ بمَسحِ وَجهِه فإلى أن يَبلُغَ حدَّ الذَّقنِ لا يبقى في يَدِه شيءٌ من التُّراب، فإذا لم يَحتَج إلى ضَربةٍ أُخرى لباقي الوَجهِ فلا يحتاجُ في اليدِ إلى أُخرى؛ إذ ليسَ هو كالماءِ الذي يجبُ أن يَماسَّ كلَّ جُزءٍ من العُضوِ، وقالَ الثَّلاثة: ضَربتان؛ ضربةٌ للوَجه وضربةٌ لليدَين، كما في الوُضوء؛ [ماءٌ] للوَجه، وماءٌ لليدَين، لكنْ عندَ مالكٍ إلى الكوعَين. قال: وفي الحديثِ تركُ التَّرتيبِ في التيمُّمِ. * * *

9 - باب

9 - بابٌ 348 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَوْفٌ، عَنْ أَبي رَجَاء، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ الْخُزَاعي: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَم يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ: "يَا فُلاَنُ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَومِ؟ "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ، قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ". هو ساقِطٌ في بعضِها، فيكونُ وجهُ دخولِ هذا الحديثِ في التَّرجَمةِ أنَّه أطلَقَ ولم يقيِّد بضَربتَين، لكنْ لعلَّ الإطلاقَ للإشارَةِ إلى أنه لا اختِصَاصَ له ببَعضِ أحكامِ التيمُّمِ. * * *

8 - كتاب الصلاة

8 - كتاب الصلاة

1 - باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 8 - كتاب الصلاة 1 - بابُ كيْفَ فُرِضتِ الصَّلَواتُ فِي الإِسْرَاء وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أبو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ: يَأْمُرُناَ؛ يَعْنِي: النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ. (كتاب الصَّلاة) (باب: كيف فُرِضَت الصَّلاة في الإسراء؟)؛ أي: به - صلى الله عليه وسلم - للسَّماء. (وقال ابن عبَّاس) هو الحديث الذي أَسنده أَوَّلَ الصَّحيح، وسبق شَرحُه. (النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -) نَصبٌ بـ (يعني)، أو رفعٌ فاعلُ (يَأمُر). واعلم أنَّ الاتفاق على أنَّ فَرْضَ الصَّلوات الخمس ليلةَ الإِسراء. ثم قيل: الإسراءُ كان في المَنام، والحقُّ -وعليه الأكثرُ، ومُعظم السَّلَف-: أنَّه أُسري بجسَده، والآثارُ تدلُّك عليه، ولا ضرورةَ لصَرفها عن ظاهرها، وقيل: كان ليلةَ سبعٍ وعشرين من ربيع الآخِر، قَبلَ الهجرة بسنَةٍ، وقال الزُّبَيْريُّ: بعد المَبْعَث بخمس سنين، وهذا أَشبهُ؛

إِذْ لم يختلفوا أنَّ خديجة صلَّتْ معه بعدَ فَرْض الصَّلاة، ولا خِلافَ أنَّها ماتتْ قبلَ الهجرة بثلاثٍ، أو بخمسٍ. * * * 349 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أبو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَناَ بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نعمْ، مَعِي مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ، فَلَمَّا فتحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُل قَاعِدٌ عَلَى يَمِينهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِه أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِه بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالاِبْنِ الصَّالح، قُلْتُ لِجبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذه الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينهِ وَشِمَالِهِ نسمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازنها: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنها مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ. قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى

وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بإدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالأخ الصَّالح، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالأخ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأخ الصَّالح وَالنَّبِيِّ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى، ثمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالاِبْنِ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَني ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَاناَ يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ". قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعَنِي فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أمُّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى

فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انتهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنتهَى، وَغَشِيَهَا ألوَان لاَ أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وإذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ". الحديث الأَوَّل: (فُرِج) بضَمِّ الفاء، وخِفَّةِ الرَّاء المَكسورة. (بَيْتي) إضافة، وإِنْ كان بيتَ أُمِّ هانِئ كما ثبَتَ ذلك؛ لأَنَّ الإِضافة تكون بأدنى مُلابَسَة، وأما رواية أنَّه كان بالحَطِيْم، فإِنْ كان العُروج مرَّتينِ فظاهر، أو مرَّةً فلَعلَّه دخَل بيتَ أُمِّ هانئ بعد غَسْل الصَّدر، ثُم عُرج به منه إلى السماء. (زَمْزَم) بفتح الزَّايين، مُنصرف. (بطَسْتٍ) بفتح الطَّاء، وسُكون السِّين المُهمَلتَين، وقد تُكسَر الطَّاء، وقد تُدغَمُ السِّين في التَّاء بعد قَلْبِها، وهي مؤنثة، وتُذَكَّر على معنى الإِناء. (مِنْ ذَهَبٍ) ليس فيه حُكم للأُمَّة؛ لأَنَّ ذلك فِعْلُ الملائكة، ولا يَلزم أنْ يَكونَ كحُكمهم، أو كان ذلك قَبْلَ تَحريم أَواني الذَّهَب. (حِكْمَةً وإِيمانًا) جُعِلا مَظروفًا للطَّسْتِ وهما مَعنيَان، إما لأَنَّ المُراد أَنَّ في الطَّسْتِ شيئًا يحصُل به كمالُهما، فسُمِّيَ بهما لكَونه سببًا لهما، وهو مِنْ أَحسَن المَجازات، أو ذلك من باب التَّمثيل، أو مُثِّلا لَه كما تُمَثَّلُ له أَرواحُ الأَنبياء الدَّارجة بالصُّوَرِ التي كانوا عليها.

(أَطبقَهُ)؟ أي: غَطَّاهُ، وجعله مُطبَقًا. (بي) (¬1) في بعضها: به، إمَّا لنقْل الرَّاوي المعنى، ولم يَحكِ اللَّفظَ، أو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - جَرَّد مِنْ نَفسه شَخصًا، فأشارَ إليه. (أَأُرْسِلَ؟) ليس السُّؤال عن أَصل رسالتهِ لاشتهاره في المَلكوت، فلا يَخفَى عن خُزَّان السَّماوات (¬2)، بل المُراد الإِرسال للعُروج به، أو للاستِصحاب بما أَنعَم الله والاستِبشار؛ لأَنَّ من البيِّن أَنَّ أحدًا من البشَر لا يُرقَى به إلى السَّماء إلا بإِذن الله تعالى له ولمَلائكته بإِصعاده. (أَسْوِدةٌ) جمعُ سَواد كأزمنة، والسَّواد: الشَّخص، وقيل: الجَماعات، وسَوَاد النَّاس: عَوامُّهم، وكلُّ عَدَدٍ كثيرٍ. (مرحبًا) مفعولٌ مُطلَقٌ، أي: أَصَبتَ رُحبًا لا ضِيْقًا، وهي كلمة تُقال عند أُنْسِ القَادم، ونَصبُها بفعلٍ لا يَظهر، قال الفَرَّاء: معناه رحَّبَ اللهُ بكَ مَرحبًا، كأنَّه وُضعَ مَوضعَ التَّرحيب. (قِبَلَ) بكَسْر القَافِ وفَتْح المُوحَّدة، أي: جِهَةَ. (نَسَم) بفَتح النُّون والمُهمَلَة، جَمعُ نسمة، وهي نَفْس الإِنسان، ¬

_ (¬1) في الأصل: "به"، والمثبت من "ت". (¬2) جاء على هامش "ب": "قال ابن بَطَّال: وقد وجه آخر وهو أنه لا يُنكر أن يكونوا لم يعلموا ذلك؛ لأن هؤلاء موكولون بالعبادة بريئون لما أمروا به، مقصورون على ما أرصدوا له، وليس عليهم إذا لم يعملوه لومٌ والحالة هذه، أو كانوا مأمورين أن يُؤمنوا بمحمد أمرَ خطابٍ كما أَمر الله محمدًا أن يُؤمن بهم، ووجوب طلَب العلم لا بعد ... الجن والإنس".

أي: أَرواح بني آدم، وقد استُشكِلَ هذا بما جاء أَنَّ أَرواحَ المُؤمنين في الجنَّة فَوقَ السَّماء السَّابعة، وأَنَّ أَرواح الكُفَّار في سِجِّين، قيل: في الأَرض السَّابعة. قال (ع): فيحتمل أنَّها تُعرَض على آدمَ أَوقاتًا، فوافَقَ وقتُ عَرْضها مُرورَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو كونهم في النَّار أو في الجنَّة إنَّما هو في أوقاتٍ، بدليل قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46]، أو أَنَّ الجنَّة كانت في جهة يَمين آدم، والنَّار في جهة شَماله، وكلاهما حيث شاءَ اللهُ تعالى. (ولم يُثبتْ)، أي: لم يُبين سَماءً لكلِّ نبي. (بإدْريس) الباء فيه للإلصاق، وفيما قبلَه، أو هي للمُصاحَبة. (والأخ) إنَّما لم يَقُلْ إدريس: والابنِ، كما قال آدمُ، لأَنَّ إِدريس لم يَكُن من آبائه - صلى الله عليه وسلم -، بل به استَدلَّ قائلُه عليه، ولئِنْ صحَّ فيَكونُ قال ذلك تلطُّفًا وتَواضعًا؛ إِذ الأَنبياءُ إخوةٌ، والمؤمنون إخوةٌ. (الصَّالح) وُصِفَ به لعُمومه لكلِّ وصف حميدٍ. (ثُمَّ مَرَرْتُ)، (ثم) وإِنْ دلَّت على التَّرتيب فلا تُنافي ما سبق من أَنَّ أَبا ذَر لم يُثبتْ مَنازلَهم، إما لأَنَّ أَنسًا لم يَروه عن أبي ذَر، أو أنَّه لا يَلزم من هذا تعيينٌ، لبَقاء الإِبهام فيه، لأَنَّ بين آدم وإبراهيم ثلاثةُ أنبياء، وأربعةٌ من السَّماوات أو خمسةٌ، إِذْ جاءَ في روايةٍ: (وإبراهيم في السابعة)، ووجه الجَمْع بين الأَمرين: أنَّه لعلَّه وجَدَه في السَّادسة،

ثم ارتقَى إبراهيمُ إِلى السَّابعة، أمَّا إذا كان الإسراءُ مرَّتين فلا إِشكالَ. (ثُمَّ مَرَرْتُ) لم يَقُل مَرَّ كما قال قبلَه: (مَرَّ جبْريلُ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -)؛ لأنَّه بتَقدير (قال)، أو تَكون الأولى نَقْلًا بالمعنى، والثَّاني باللَّفظ. (ابن حَزْم) بفتح المُهمَلَة وسكون الزَّاي، هو أبو بكر بن محمَّد ابن عَمْرو بن حَزْم. (أَبا حَبَّة) بفتح المُهمَلَة وتَشديد المُوحَّدة على الصَّحيح، وقيل: بمُثنَّاةٍ تحت، وهو ما ذكَره القَابِسِيُّ، لكن هذا قُتل بأُحُدٍ، فرواية ابن حَزْم عنه مُنقطعةٌ إِنْ كان أبو بكر، وإنْ كان المُراد أَبوه محمَّد فلم يُدركْه الزُّهريُّ، ففي السَّنَد وَهْمٌ إلا أَنْ يُقال: المُراد أبو بكر، رواه عنه مُرسلًا، أو قال: إِنَّ، ولم يَقُل: سَمعتُ، ولا أَخبَرني، فلا وَهْمَ، وكذا هو أيضًا في "صحيح مسلم". وقيل: إنَّه أبو حنَّة -بالنُّون-، قيل: واسمه مالك بن عَمْرو، وقيل: ثابت، وقيل: عامر (¬1)، قال الوَاقِدي: وقد شَهِدَ بدرًا. وأما بالمُثنَّاة تحت: ابن غَزِيَّة، فقُتِلَ باليَمامة، ولم يَشهد بدرًا، لكنَّ الأَوَّل قاله عبد الله بن محمَّد بن عمارة الأنصاري، وهو أعلم بالأَنصار. (ظَهَرتُ)؛ أي: عَلَوتُ. (لمُستوَى) بفتح الواو، أي: مَصعَدٍ، وهو مكانٌ مُشرِفٌ يَستوي ¬

_ (¬1) في الأصل: "مالك".

عليه مَن استَوى، أي: صَعد، وقيل: المُراد المَكانُ المُستوي، وقيل: اللَّام فيه للعِلَّة، أي: علَوتُ لاستِعلاء مُستَوَى، أو لرُؤيته، أو لمُطالعته، أو بمعنى (إلى)؛ كأوحَى لَها، وفي بعض النسخ: (بمُستوى) بالمُوحَّدة بدلَ اللام. (صَرِيْفَ الأَقْلامِ) بفَتح الضَاد، أي: صَوتَها حالَ الكِتابة على اللَّوح من أَقضية الله ووَحْيه تَنسخُه الملائكةُ من اللَّوح المَحفوظ، أو ما شاءَ اللهُ من ذلك أَنْ يُكتَب ويُرفع لمَا أَراده من أَمره وتَدبيره؛ لأَنَّ الله غَنيٌّ عن الاستِذكار بتَدوين الكُتُب، أَحاطَ الله بكُل شيءٍ عِلْمًا. (قال ابنُ حَزْم) إلى آخره، الظّاهر أنَّه من مَقول ابن شِهَاب، ويحتمل أَنْ يكون تَعليقًا من البُخاري، وليس بين (¬1) أنس والنبي - صلى الله عليه وسلم - أبو ذَرٍّ، ولا بَين ابن حَزْم والنبي - صلى الله عليه وسلم - ابنُ عبَّاس، وأَبو حَبّة، فهو إمَّا مُرسلٌ، وإما تُركَت الواسِطة اعتِمادًا على ما تقدَّم آنفا، على أَنَّ إِطلاق الصَّحابيِّ: (قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -) أَنْ يكون بلا واسطةٍ، فلَعلَّ أنسًا سَمعَ بعضَ الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضَه من أبي ذَرٍّ. (إِلى رَبِّكَ)؛ أي: إِلى المَوضع الذي ناجيتَه به. (شَطْر)؛ أي: نِصْف، لكنْ شَطْر الخَمس وعِشْرين بتَكميل المُنكسِر تَصيرُ ثلاثةَ عشَرَ، أو يُرادُ بالشَّطر البَعضُ، وهو ظاهر. (هِيَ خَمْسٌ)؛ أي: بحسَب الفِعل. ¬

_ (¬1) في الأصل: "من".

(وهُنَّ خَمسُونَ)؛ أي: بحسَب الثَّواب، كقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]. (لا يُبَدَّلُ)؛ أي: قال تعالى: لا يُبَدَّلُ القَولُ بثَوابِ الخَمْسِ بخَمْسينَ، وقيل: المُراد لا يُنقَصُ من الخَمْس، وأما نَقْصُ الخَمسين إلى خَمسٍ فلَيسَ من تَبديل القَول؛ لأنَّه تَبديلُ تَكليفٍ، وأما بعد الإِخبار بالخَمْس والخَمْسين فتبديلُ إِخبار، والمُراد: لا يُبدَّلُ القَضاءُ المُبْرَم لا المُعلَّق الذي يَمحو اللهُ منه ما يَشاء ويثبتُ ما يَشاءُ، أو المعنى: لا يُبدَّل القَولُ بعد ذلك، أما مُراجعة الرب تعالى في ذلك، فللعِلم أَنَّ الأَمرَ الأَوَّل ليس على وجْهِ القَطعِ والإِبرام، أو طلب التَّرحُّم بنَسخِ ذلكَ عن الأُمَّة. (السِّدْرة)؛ أي: الشَّجَرة التي في أَعلا السَّماواتِ، سُمِّيت بالمُنتَهى؛ لأَنَّ عِلْم المَلائكة يَنتهي إليها، ولم يُجاوزْها أحدٌ إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أحدُ المَقامَينِ الذي تَغبِطُه بهما الخَلْق، وهو في الدُّنيا ليلةَ الإسراء، والآخَر يومَ القيامة، وهو المَقام المَحمود، وعن ابن مَسعود: إِنَّ ذلك لأنَّه يَنتهي إليها ما يَهبطُ مِنْ فَوقها وما يَصعد من تَحتها من الله، نعم، في "مسلم": أنها في السَّماء السَّادسة، فلعلَّ أصلَها فيها، ومُعظمُها في السَّماء السَّابعة. (لا أَدْري) هو مَثيلُ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16]، في الإِبهام للتَّفخيم والتَّهويل، وإِنْ كان مَعلومًا.

(حَبَائِل) بالمُهمَلَة والمُوحَّدة: عُقود اللُّؤلُؤ، جَمعُ حَبَالَة. قال (خ) وغيرُه: إنَّه تَصحيفٌ، وإنَّما جَنَابِذ بالجيم والنُّون والمُعجَمَة، جَمع جُنْبُذ بضَمِّ أوَّله وثَالثه: ما ارتَفع من الشَّيء واستَدار كالقُبَّة، والعامة تفتح الباء، والظَّاهر أنَّه فارسيٌّ مُعرَّبٌ، وكذا ذكَره البُخاري في (كتاب الأَنبياء)، وفسَّره بالقِبَاب. قال (ط): نَزل جبريل -عليه السَّلام- صَبيحةَ الإِسراء فهمَزَ بعَقبهِ في ناحية الوادي، فتَوضَّأَ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنظُر، فرَجعَ فأخذَ بيدِ خديجة، ثم أَتَى بها العَينَ فتَوضَّأ كما تَوضَّأ جبريل، ثم صَلَّيا ركعتَين كما صلَّى جبْريل. قال نافع بن جُبَير: نَزل جبريل حين زاغَت الشَّمس فصلَّى به، وقيل: ولم تَكنْ صلاة فرضَتْ قبلَ ذلك إلا ما كان أُمِرَ به من قِيام اللَّيل من غير تَحديدِ ركَعاتٍ، ووَقْتِ حُضور، فكان يَقوم أَدنى من ثُلُثَيه ونصْفَه وثُلُثَه. قال: وفيه من الفِقْه تَحلية المُعظَّم من أُمور الله تعالى كتَحليةِ المُصحَف بالذَّهَب، وكذا السَّيف الذي به إِعلاء كلمة الله، والخاتَم الذي تُطبَع به عُهود الله، ورُسُله النَّافذة إلى أَقطار الأرض. قلت: فيه نظَرٌ؛ لأَنَّ ذلك من فِعْل المَلائكة كما سبق. وأَنَّ أرواح المُؤمنين يُصعَد بها إلى السَّماء، وأَنَّ أَعمال بني آدم الصَّالحة تَسُرُّ آدم -عليه السَّلام- والسَّيئة تَسوؤُه، والتَّرحيب عند اللِّقاء، وذِكْر أَقرب القَرابة لتَمام التَّرحيب، وبالوَصْف الشَّامل للخَيْر،

وأَنَّ أَوامر الله -تعالى- تُكتَب بأَقلامٍ كثيرة، وأنَّ ما كتَبَه اللهُ وأَحكمَه من آثارٍ معلومةٍ لا يَتبدَّل، والنَّسخُ إنَّما هو في الأَحكام لرِفْق العَبَّاد، يَمْحُو الله منها ما يَشاءُ ويُثْبِتُ، وجَواز النَّسْخ قبلَ الفِعل، والاستِشفاع والمُراجعة فيه، والحَياء من تَكثير الحَوائِج خَشيَةَ الضَّعف عند القِيام بشُكرها، وأَنَّ الجنَّة في السَّماء. قال (ك): وفيه الاستئذانُ، وقَولُ المُستَأذِن: فُلان، ولا يقول: أنا؛ تأَدُّبًا، ولا بإِبهامه، وأَنَّ للسَّماء أَبوابًا حقيقة، تُفتَح وتُغلَق، ولها حَفَظَة، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نسل إِبراهيم، ومَدْحُ الإِنسان في وَجْهه عند أَمْنٍ من إِعجابه ونَحوه، وشَفَقة الوالد وسُروره بحُسْن حاله ووصفه بذلك، وعدمُ وجوب صلاة الوِتْر، لأنَّها زائدة على الخَمْس؛ لشُمول نَفي التَّبديل الزِّيادة، وأَنَّ الجنَّة والنَّار مَخلوقتان. * * * 350 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ صَالح ابْنِ كيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: (فَرَضَ الله الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا ركعَتَيْنِ ركعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ). الحديث الثَّاني: (الصَّلاة)؛ أي: الرُّباعية، لأَنَّ الثَّلاثيَّة وِتْرُ صَلاة النَّهار. (ركعتَينِ ركعَتَينِ) تَكريرُه لإِفادة عُموم التَّثنية، فلَولاهُ لاحتَمل أَنَّ

2 - باب وجوب الصلاة في الثياب، وقول الله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}، ومن صلى ملتحفا في ثوب واحد

المُراد رَكْعتانِ فقط في السَّفَر والحَضَر، ونُصِبَ على الحال، وهما بمَنْزلةِ كلمةٍ واحدة، أي مَثْنَى، فهو كـ: حُلْوٌ حَامِضٌ، نعَمْ، ظاهرُ أنَّها (أُقرَّت) يَقتَضي أَنْ لا يَجوزَ الإِتمامُ كما تقولُه الحنَفيَّة، لكنْ جوابُه: أنَّ ذلك مذهبُ عائشة عن اجتِهادٍ مُعارَضٍ بالرِّواية عن ابن عبَّاس: أنَّها فُرِضَتْ أربعًا أربعًا، وفي السَّفَر تَرخيصُ القَصْر لرَكعتَين، وبأَنَّ جبريل لمَّا جاءَه صَبيحة الإسراء إنَّما صلَّى به أَربعًا أَربعًا، وبأَنَّ عائشة أتَمَّتْ في السَّفَر، وأَفتَتْ بالإِتمام فيه. قال (ك): ولم أَستَدِلَّ بآية: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا} [النساء: 101]، لاحتِمال أنَّها كانت ركعتَين ركعتَين في السَّفر، ولما زِيْدَ في الحضَر نبُّهوا على أَنَّ السَّفَر باقٍ على كَونه ركعتَين، فلا جُناحَ عليكُم في ذلك. قلتُ: لكنَّ لفظَ القَصْر يُنبئ عن سَبْقِ تَمامٍ. * * * 2 - بابُ وُجُوبِ الصلاة فِي الثِّيَابِ، وقول الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكةٍ". فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامعُ فِيهِ مَا لَمْ

يَرَ أَذًى، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. (باب وُجوب الصَّلاة في الثِّياب) جَمَعه كما يُقال: فُلانٌ يركب الخُيول. (ويُذْكَرُ عن سلَمة) علَّقه بالتَّمريض، فلذلك قال بعدَه: في إسناده نظَرٌ، وقد رواه أبو داود، والنَّسائي، وفي سنَده موسى بن محمَّد، وفي حديثه مَناكير، قاله البُخاري في "التاريخ"، وأخرجه أيضًا ابن خُزَيْمَة، وابن حِبَّان. (يَزُرُّهُ) بضَمِّ الزَّاي، وتشديد الرَّاء، أي: يَشُدُّ إِزَارَه. (ولَو بشَوكَة)؛ أي: يَجمَع بين طَرَفيه بشَوكَةٍ، فيقوم مَقام شَدِّ الإِزَار. (ومَنْ صَلَّى) هو من تَتمَّة التَّرجَمة. (أَذًى)؛ أي: نَجاسةً. (وأَمَرَ) وصلَه البُخاري فيما يأتي قريبًا من حديث أبي هريرة في تَأْذين عليِّ بمِنَى يوم النَّحْر. (ولا يَطُوفَ) ذُكر استِطرادًا، لأَنَّ الطَّواف بالبيت صَلاةٌ. * * * 351 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إبراهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أُمِرْناَ أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيعْتَزِلُ الْحُيَّضُ

عَنْ مُصَلَّاهُنَّ، قَالَتِ امْرَأة: يَا رَسُولَ اللهِ! إِحْدَاناَ لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا". (محمَّد)؛ أي: ابن سِيْرِين. (أُمِرْناَ) بضَمِّ الهمزة. (نُخرِجَ) بكَسْر الرَّاء. (الخُدُور) السُّتُور. (مُصَلَّاهُنَّ) مكان صلاتِهنَّ، وفي بعضها: (مُصَلَّاهُم). (إِحدَاناَ)؛ أي: بعضُنا، وهو مبتدأٌ خبرُه ما بعدَه، أي: كيف تَشهد ولا جِلْبابَ لها؟ وذلك بعدَ نُزول الحِجَاب. (لِتُلْبِسْهَا) بالجَزْم، وهو يحتمل أَنْ تَصِيْرا في جِلْبابٍ واحدٍ، وأَنْ تُعيرَها جِلْبابًا على حِدَتِها كما سبق في (كتاب الحيض). ووجه دلالة الحديث على التَّرجَمة: أنَّه إذا وجَب اللُّبْس للخُروج لجماعة المُسلمين، فالخُروج للصَّلاة بطَريقٍ أَولى، فلنَفس الصَّلاة أَولى، وإذا وجَب سَتْر عَورة النِّساء، فالرَّجل كذلك في وُجوب سَتْر عورته، أما الزَّائد على سَتْر العَورة فللتجمُّل، واللهُ أَحَقّ مَنْ تُجُمِّلَ له، ثم قيل: سَتْر العَورة واجبٌ مُطلَقا في الصَّلاة وغيرها، وقيل: في الصَّلاة فقط، ونقَله (ط) عن أبي حَنِيْفة، والشَّافعي. قلتُ: لكنْ مُطلقًا هو مذهب الشَّافعي، وقيل: سَتْر العَورة سُنَّةٌ، وإلا لافتَقَر إلى نيَّةٍ كالطَّهارة، ولمَا جازتْ عُريَانًا مع العَجْز إلا ببدلٍ

3 - باب عقد الإزار على القفا في الصلاة

كالقُعود لمَنْ عجَز عن القِيَام، ورُدَّ بأَنَّ الاستِقبال شرطٌ، ولا نيَّةَ فيه. قال (ط) (¬1): ولأنَّ القِراءة تَسقُط عن المَأموم (¬2) بلا بدَلٍ، ولكن هذا على مذهبِه، وحديث سلَمة يَدُلُّ على الوجوب، وقال تعالى {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. * * * 351 / -م - وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ رَجَاء: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ سِيرِينَ، حَدَّثتنَا أُمُّ عَطِيَّةَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بهَذَا. (وقال عبدُ اللهِ بنُ رَجَاء) وصله الطَّبَراني في "معجمه الكبير". (عِمْران) ابن دَاوِر بوَزْن طَابِق. قال الغَسَّاني: استَشهد به البُخاري في موضعين في (الصَّلاة). * * * 3 - بابُ عَقْدِ الإِزَارِ عَلَى الْقَفَا فِي الصَّلاَةِ وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: عَنْ سَهْلٍ: صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ. ¬

_ (¬1) في "ف"و"ب": "ك". (¬2) في الأصل و"ف": "المأمور"، والمثبت من "ب".

(باب عقْد الإزَار على القفا) هو مقصورا: مُؤَخَّر العُنُق، يُذكَر ويُؤنَّث، جمعُه قِفِيٌّ كعَصَا وعِصِي، وأَقْفاء كأرجاء، وجاءَ أَقفِيَة على غير قياس. (أبو حَازِم) بالمُهمَلَة والزَّاي، سلَمة بن دِيْنَار. (سَهْل)؛ أي: السَّاعدي. (صلَّوا) بلفظ المَاضي. (عَاقِدِي) جمع عاقِد، حُذفت نُونه للإضافة. (أُزُرِهم) بضَمِّ الزَّاي جمع إِزَار، يُذكَّر ويُؤنَّث، ويُجمع في القِلَّة على أأْزِرَة كأخْمِرة. (عَواتِقِهِم) جمع عَاتِق، وهو مَوضع الرِّدَاء من المَنكِب، يُذكَر ويُؤنَّث، وسيَأتي وَصْلُ هذا في البُخاري بعد قليل. * * * 352 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثنا عَاصمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ، وَثيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ، قَالَ لَهُ قَائِل: تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ، وأيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟! (واقِد) بالقاف، هو أَخو عاصم الرَّاوي عنه، أبوهما محمَّد بن

زَيْد بن عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب. (قِبَلَ) بكسر القاف وفَتح المُوحَّدة: جِهَةَ. (المِشْجَب) بكَسْر المِيْم وسُكون المُعجَمَة وفَتْح الجيم ثُمَّ مُوَحَّدة: عِيدان تُضَمُّ رؤُوسُها ويُفَرَّج بين قَوائِمها، تُوضَعُ عليها الثّياب والأَسقِيَة لتَبريد المَاء، وهو مِن تَشَاجَبَ الأَمرُ: اختَلَطَ وتَداخَل. (ذاكَ) في بعضِها: (هذا). (أَحْمَقُ) بالرَّفْع غير مُنصَرِف؛ أي: جَاهلٌ. (مِثْلُكَ) صفةٌ له، وإضافتُه لا تُفيده تَعريفًا لتَوَغُّلِه في الإِبهام إِلَّا إِنْ أُضيف لما اشتُهِر مُماثلتُه، وهُنا ليس كذلك. وجَعْلُه إِرادةَ الأَحمق غَرَضًا؛ لأنَّه إذا أَنكَر أدَّى إلى تَعريفه، كما أَنكَر هذا. قوله: (تصلي) إلى آخره، أي: أتصلِّي، فحُذفت همزةُ الإِنكار، وهو يُشعر بجهله بالسُّنة، لا جَرَمَ زجَره مَنْ أَغلَظ عليه في الجَواب. (وأينا) استفهام يُفيد النَّفي، وقَصْدُه أَنَّ الفعل متقرِّر في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، فلا يُنكَر. * * * 353 - حَدَّثَنَا مُطَرِّف أبو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ

4 - باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به

يُصَلِّي فِي ثَوبٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: رَأَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ. (مُطَرِّف) بضَمِّ الميم وكَسْر الرَّاء المشدَّدة، هو ابن عبد الله. (المَوَالِي) في بعضها بحذف الياء، ووجْهُ مُطابقَة الحديث التَّرجَمة إنْ لم يَجعلْهُ بَقيَّة الحديث الأَوَّل: أَنَّ الغَالبَ في كَون الثَّوب الواحد يَستُر العَورة أَنْ يُعقَد على القَفَا. قال (ط): عَقْدُه على القَفا في الصَّلاة حيثُ لا سَراويلَ؛ لأَنَّ عاقِدَه إذا ركَع لم تَبدُ عَورتُه. وفي الحديث: الأَخْذُ بالأَيسَر مع قُدرة الأكَثَر تَوسعةً على العامَّة ليُقتَدى به، وأَنَّ للعالم أن يَصِفَ بالحُمْق مَنْ يُنكِرُ على مَن جَهِل، ولهذا في رواية: (أَنْ يَراني الجُهَّالُ مثلُكم)، فالحُمْق كناية عن الجَهل. * * * 4 - بابُ الصلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ملتحفًا بِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثهِ: الْمُلْتَحِفُ الْمُتَوَشِّحُ، وَهْوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَهْوَ الاِشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئ: الْتَحَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِثَوْبٍ، وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.

(باب الصَّلاة في الثوب (¬1) الواحد مُلتَحِفًا) الالتِحاف: التَّغَطِّي. (في حَديثه)، أي: الذي رَواهُ في (باب السِّيَر). (المُلتَحِفُ: المُتَوَشِّحُ)؛ أي: مِنْ وَشَّحتُه تَوشِيْحًا فتَوَشَّحَ، أي: أَلبَستُه فلَبِسَ. قال (ط): هو نَوعٌ من الاشتِمال. قال ابن السكِّيت: هو أَنْ يَأخُذَ طَرَف الثَّوب الذي أَلقاهُ على مَنكبه الأَيمن من تحت يده اليُسْرى، ويأخذَ طرَفه الذي أَلقاهُ على الأَيسر من تحت يده اليُمنى، ثم يعقدَ طرفَهما على صَدره. (طَرَفَيهِ) الضَّمير للثَّوب. (عاتِقَيهِ) الضَّمير للمُلتَحِف. (قالتْ أُمُّ هانِئٍ)، أي: فاخِتَة بنت أَبي طَالب، وقد وصَلَ ذلك ابنُ أبي شَيبة في "مصنفه"، وهو في "مسلم" بدُون ذِكْر: (على عَاتِقِه)، وكذا هو مُتفَقٌ عليه من غير ذِكْر: (خَالَفَ بَينَ طَرَفَيْهِ على عاتِقَيهِ). * * * 354 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ. ¬

_ (¬1) "الثوب" ليس في الأصل.

355 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيىَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَام قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: أنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَدْ ألقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. 356 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو أسُامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْه. الحديث الأَوَّل، والثَّاني، والثَّالث: (في بَيْت) ظَرْفٌ لـ (يُصَلِّي)، أو للاشتِمال، أو لهما. وقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى في ثَوْبٍ فليُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ" معناه ما سبق، واشتِمالُ الصَّمَّاء المَنهيُّ عنه بخلاف ذلك. * * * 357 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ الله: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ سَمعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْح، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنتهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ "، فَقُلْتُ: أَناَ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ"، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ

غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ ركَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِل رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنَ بْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَرْناَ مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"، قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحى. الرابع: (مَرْحَبًا)؛ أي: لَقِيْتَ رُحْبًا وسَعَةً. (يَا أُمَّ هَانِئٍ) بالنِّداء، وربَّما حُذفتْ همزة (أُم) تَخفيفًا، ورُوي: (بأم هانئ) بباءِ الجَرِّ. قال (ع): والرِّوايتَانِ مَعروفتَان صَحيحتَان، والباء أكثر. (ثَمَانَ) بفتح النُّون، في بعضها: (ثَمانِيَ)، بالياء المَفتوحة بعد النُّون المَكسورة، وأصلُه منسوب إلى الثُّمُن؛ لأنه الجُزْء الذي صَيَّرَ السَّبعةَ ثَمانية، ثم فَتحوا أوَّله لأنَّهم يُغيِّرون في النَّسَبِ، وحذَفوا منه إحدى يَاءَي النَّسَب، وعَوَّضوا منه الأَلف، كما فعَلوا في النَّسَب إلى اليَّمَن، فتثبت تارةً عند الإِضافة كما تَثبُت ياءُ القاضي، تَقول: ثَماني نِسْوة، وتَسقط مع التَّنوين رفعًا وجرًّا، وتَثبُت نصبًا؛ لأنَّه ليس بجمع. (زَعَمَ)؛ أي: ادَعَى، أو قال. (ابنُ أَبِيْ)؛ تعني: عليًّا - رضي الله عنه -، وفي بعضها: (ابنُ أُمّي)؛ لأنَّها شَقيقتُه، أُمهما فاطمة بنت أَسَد بن هاشم.

قال (ش): هو الأَشهر، ورواية: (أبي) للحَموِي. (قاتِل) اسمُ فاعل قَتَلَ. (أَجَرْتُهُ) بلا مَدٍّ، والتَّاء بالضَّمِّ للمُتَكلّم، أي: أَمَّنته، وأَجَرْتُ له بالدُّخول في دار الإسلام، وكأنَّه من الجَوْر، والهمزة فيه للسَّلْب والإِزالة، أو من الجِوَار بمعنى المُجاوَرة. (فُلانُ) بالرَّفْع خبر مبتدأ مَحذوفٍ، أو بالنَّصْب بَدَلًا من (رَجُل)، أو من الضَّمير المَنصوب. (هُبَيْرة) بضَمِّ الهاء وفتح المُوحَّدة، ابن عمرو المَخْزُومي (¬1)، ولَدتْ منه قبلَ إِسلامها أَولادًا، منهم هانئ الذي كُنِّيَتْ به، وابنُه المَذكور هنا يحتمل أنَّه من أم هانئ أو من غيرها، ونسَيَ الرَّاوي اسمه، فذكَره بلفظ: فُلان. قال الزُّبَيْر بن بَكَّار: فُلانُ بن هُبَيْرة: هو الحارث بن هِشَام، وقال ابن الجَوْزِي: إنْ كان المُراد بفُلان ابنَها فهو جَعْدَة، نعم، قد استَنكَره ابنُ عبد البَرِّ، وقال: يَبعُد أَنَّ عليًّا يَرُوم قَتْل ابن أُخته، وهي مُسلمة، أَسلمت في الفتح وهو صغيرٌ، ورُجِّح أنَّه من غيرها، فيكون رَبِيْبَها. (قَدْ أَجَرْناَ)؛ أي: آمَنَّا؛ لأَنَّ تأمينَكِ صحيح، فلا يَصِحُّ لعلي قَتْلُه، ففيه أنَّ لكلٍّ من المسلمين ولو امرأةً أن يُؤَمِّن كافرًا لكن بشروطٍ في الفقه. ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "وهو ابن زوجها".

وفيه سَتْرُ الرِّجال بالنِّساء، وجوازُ السَّلام من وَراء حِجَاب، وعدمُ الاكتِفاء بـ (أَنا) في الجَواب، والتَّرحيبُ بالزائر وذِكْره بالكُنية، وصلاةُ الضّحى. * * * 358 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ سَائِلًا سَاَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَولكُلِّكُمْ. ثَوْبَانِ؟! ". (أَوَلكُلِّكُمْ) بهمزة الاستِفهام، والمعطوف عليه محذوف على طريقةٍ سبقت مرَّاتٍ، فالتَّقدير: أَأَنتَ سائل عن مِثْل هذا الظَّاهر، أو لِكُلِّكُم، وكذا التَّقدير على سبيل التَّمثيل. وقال (خ): لفظُه استِخبارٌ، ومعناه إخبارٌ عن الحال التي كانوا عليها، وفي ضِمْنه الإفتاء بكِفَاية ساتر العَورة؛ لأنَّه إذا لم يكُن لكل ثَوبان، والصَّلاةُ لازمة، فكيف لم يعلَموا أَنَّ الصَّلاة في الثَّوب الواحِد جائزةٌ. قال الطَّحَاوي: لو كُرِهت الصَّلاةُ في ثَوبٍ واحدٍ لمَنْ يجد ثَوبين لكُرهتْ لمن ليس له إلا ثَوب واحد؛ لأَنَّ حكم الصَّلاة في حقِّهما واحد. * * *

5 - باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه

5 - بابٌ إِذَا صلَّى فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ (بابٌ: إِذا صلَّى في الثَّوب الواحد فليَجعل على عاتِقَيه)، في بعضها: (عاتِقِه). 359 - حَدَّثَنَا أبو عَاصِم، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُصَلِّي أَحَدكمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ". الحديث الأَوَّل: (لا يُصَلِّي) بالياء في رواية "الصَّحيحين" كما قاله ابن الأَثِيْر على أنَّ (لا) نافيةٌ، ويُروى: (لا يُصَلِّ) بلا ياءٍ، على أنها ناهيةٌ، والنَّهي هنا للتَّنزيه لا للتَّحريم؛ للإجماع على جواز تَركه؛ لأَنَّ القَصْد سترُ العَورة على أيّ وجهٍ حصَل. قال (خ): وثبت أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في ثَوبٍ كان أحدُ طرَفيه على بعض نِسَائه وهي نائِمةٌ، ومعلومٌ أنَّه لا يَتَّسِع الطَّرَف الذي هو لابسُه حتى يفضل عنه ما كان لعَاتِقِه؛ إذ الطَّرَف لا بُدَّ أن يَبقَى منه ما يَستُر أهلَه، وفي حديث جابرٍ: لا آتي الصَّلاةَ مِنْ غَيرِ شَيءٍ عَلَى العَاتِقِ. نعم، نُقل عن أحمد روايةٌ: أنَّه لا تَصحُّ صلاتُه إلا بوَضْع شيءٍ على عاتِقِه إذا قَدَر؛ لظاهر الحديث، وروايةٌ: أنَّه يأثم بتَرْكه. * * *

6 - باب إذا كان الثوب ضيقا

360 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ -أَوْ كُنْتُ سَألتُهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ صلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ". الحديث الثَّاني: (أَوْ كُنْتُ سَأَلتُهُ) شكَّ في أنَّه هل سَمع منه بسؤالٍ، أو بغير سؤالٍ. (أَشْهَدُ) عبرَ به تأكيدًا، أو تَحقيقًا لصِدْقه، ووجه دلالته على التَّرجَمة: أَنَّ المُخالفة بين الطَّرَفين لا تَتيسَّر إلا بوَضْع شيءٍ على العاتِق، وحكمته أنَّه إذا لم يفعل ذلك لا يَأمن أن تَنكشفَ عورتُه، وإذا أَمسَكهُ بيده عند الاحتِياج لذلك فاتَه سُنَّةُ وضْعِ اليَد اليُمنى على اليُسرى تحت صَدْره، ورفعِهما حيث يُشرع الرَّفْع، وغير ذلك، ولأَنَّ فيه سَتْر أَعالي البدَن الذي هو مَوضع الزِّينة، وقد قال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31]. * * * 6 - بابٌ إِذَا كانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا (باب: إذا كان الثَّوب ضَيِّقًا) يجوز تخفيف ياء ضَيْقًا، وهو صفةٌ

مُشبَّهةٌ تَدلُّ على الثُّبوت، بخلاف ضَائِق اسمَ فاعل يَدلُّ على الحُدوث. * * * 361 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالح، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَألْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِه، فجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟ "، فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: "مَا هَذَا الاِشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ؟! "، قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ، يَعْنِي: ضَاقَ، قَالَ: "فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيقًا فَاتَّزِرْ بِهِ". الحديث الأَوَّل: (لِبَعْضِ أَمْرِي)؛ أي: لبعض حَوائجي، فالأمر واحدُ الأُمور، لا واحدُ الأَوامر. (إِلى جَانِبِهِ) إمَّا على أنَّ (إلى) بمعنى (في)، وإما بتضمُّنها معنى الانضِمام؛ أي: صلَّيتُ مُنضمًّا إلى، أو معنى الانتِهاء، أي: مُنتهيًا إلى. (انْصَرَفَ)؛ أي: عن الصَّلاة، واستِقبالِ القِبْلة. (السُّرَى) مَقصورٌ: سَيْر اللَّيل، أي: ما سبب سُرَاك؟، أي: لأنَّه لا يأتي أحدٌ ليلًا إلا لحاجة، ففيه طلَب الحاجة من السُّلطان في الخَلْوةِ

والسِّرِّ، وذلك غالبًا في اللَّيل. (ما هَذَا؟)؛ أي: اشتِمال الصَّمَّاء المَنْهيّ عنه، أو الالتِحاف من غير أَنْ يجعل طرَفَيه. (كانَ ثَوبٌ) على أنَّها تامَّةٌ، وفي بعضها: (ثوبًا) على أنَّها ناقصةٌ، أي: ما لي إِلا هذا الثَّوب الذي لا يُتَستَّر به إلا بهذا الوجه من الاشتِمال، وفي بعضها بعدَ (ثَوبٌ) زيادة: (يَعنِي ضَاقَ). (فَاتَّزِرْ) بإِدغام الهمزة المَقلوبة تاء في الثَّانية؛ فتَخطئةُ البصريِّين هي الخطأُ، كما سبق. قال (ط): هذا تفسيرُ الحديث السَّابق: "لا يُصَليَنَّ أحدُكُمْ في الثَّوب الواحِدِ، ليسَ عَلَى عَاتِقِه مِنْهُ شَيءٌ": أنَّ المُراد الواسِع الذي يمكن الاشتِمال به لا الضَّيِّق؛ فإنَّه يَتَّزِرُ به، وأَمَّا حديث النَّهي عن الصَّلاة في الثَّوب الواحد مُتَّزِرًا به، فلا يُعارِض قولَه هنا: "وإِنْ كان ضَيِّقًا فاتَّزِرْ به". قال الطَّحَاوي: لأَنَّ النَّهي لواجِدِ غَيرِه، ومَنْ لا يجد لا بَأْسَ أن يُصلِّي فيه، ويَشهد له أنَّ الذين كانوا يَعقدون أُزُرَهم على أَعناقهم لو كان لهم غَيرُها لَلَبِسُوها في الصَّلاة، وما احتِيج أن تُنهى النِّساءُ عن رَفْع رؤُوسهنَّ، حتى يَستَوي الرِّجال جُلوسًا، وتختلفَ أحكامُهم في الصَّلاة مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلا تَختَلِفُوا عَلَيهِ". وفي الحديث: أنَّ الثَّوب إذا أَمكَن الاشتِمال به فلا يُتَّزَرُ به؛ لأنَّه أستَر للعَورة، والاشتِمال الذي أَنكَره - صلى الله عليه وسلم - إنَّما هو اشتِمال الصَّمَّاء،

وهو أَنْ يُجَلِّلَ نفسَه بثَوب ولا يَرفعَ شيئًا من جَوانبِه، ولا يُمكنُه إخراجُ يَديه إلا من أسفَله فيخاف أن تَبدوَ عورتُه. قال (خ): هذا هو الاشتِمالْ المَنهيُّ لا أن يتَّزِرَ بأحَدِ طرَفَي الثَّوب، ويَرتديَ بالآخر، فإنْ ضاقَ عن الارتداء بالطَّرَف الآخر فيَأتَزِر، ولا أعلمُ خلافًا أنَّه إذا غَطَّى ما بين سُرّته إلى ركبته كانت صلاتُه جائزةً. * * * 362 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ، وَيقَالُ لِلنِّسَاءِ: لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرّجَالُ جُلُوسًا. الحديث الثَّاني: (سُفيان)؛ أي: الثَّوري، ويَحتمل ابنَ عُيَيْنة؛ لأنَّهما يَرويان عن أبي حازم سلَمة بن دِيْنَار. (رِجَالٌ) تنكيرُه للتَّنويع، أو للتَّبعيض؛ إذ لَو عَرَّفَه لاستَغرق، وليس المَقصودَ. (يُصَلُّونَ) خبر (كانَ). (عَاقِدِيْ) حالٌ، ويحتمل العكس. (ويُقَال) في بعضها: (وقال)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.

7 - باب الصلاة في الجبة الشامية

(لا تَرْفَعْنَ)؛ أي: من السُّجود خَشيةَ أَنْ يَلْمَحْنَ شيئًا من عَورات الرِّجال عند الرَّفْع. (جُلُوسًا) جَمْع جالِسٍ، أو مَصدَر بمعنى جالسين. * * * 7 - بابُ الصلاةِ فِي الْجُبَّةِ الشاميةِ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا الْمَجُوسِيُّ لَمْ يَرَ بِهَا بَأسًا. وَقَالَ مَعْمَرٌ: رأيتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ ثِيابِ الْيَمَنِ مَا صُبغَ بِالْبَوْلِ. وَصَلَّى عَلِيٌّ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ. (باب الصَّلاة في الجُبّة الشَّاميّة) في الشَّام لُغات: الهمْز، وتَركه، وغيرُ ذلك. (الحسَن)؛ أي: البَصْري. (تنسِجُهَا) بكسر السِّين وضَمِّها؛ قاله السَّفَاقُسِي، والجُملة صفةٌ للثِّياب؛ لأنَّ الجُملة وإِنْ كانت نكِرةً لكنَّ المعرفة بلام الجِنْس كالنَّكرة كما قال: ولَقَدْ أَمُرُّ علَى اللَّئِيْمِ يَسُبُّنِي (المَجُوسُ) في بَعضها: (المَجوسيُّ)، وهو واحد المَجوس، وهو جارٍ مَجرى اسم القَبيلة، فهو معرفةٌ، سواءٌ فيه (أل) أَوْ لا،

ولا يجري مَجرى الحيِّ، حتى يُعرَّف. (غيْرِ مَقْصُورٍ)؛ أي: خَامٍ غير مَدْقُوق، وكان المَدقُوق يُغسَل قبل الدَّقِّ؛ لأَنَّ الدَّقَّ بعد القِصَارة. (لَمْ يُرَ) بالبناء للمفعول؛ أي: لم يَرَ القَومُ، أو بالبناء للفاعل يعني نفسَه، لكنْ جَرَّد من نفسه شخصًا وأسنَد إليه. (البَوْلِ) إما أَنَّ المُرادَ بعد غَسله، أو أَنَّ بَول ما يُؤْكَلُ طاهرٌ على رأيه. * * * 363 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِم، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفرٍ، فَقَالَ: "يَا مُغِيرَةُ! خُذِ الإداوَاةَ"، فَأخَذْتُهَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَاْمِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أسفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فتوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى. (يَحيَى) يحتمل أنَّه ابن جَعْفَر، أبو زَكَريَّا البِيْكَنْدي. قال (ك): ووجدتُه في بعض النُّسَخ بهذه النِّسبة، ويَحتمل أنَّه ابن مَعِيْن، لأَنَّ كلًّا منهما يَروي عن أبي مُعاوية الضَّرير، على أَنَّ الغَسَّانيَّ في "التَّقييد" قال: إِنَّ يَحيى هنا، وفي (الجنائز) و (سورة الدُّخان)، فسَّر ابن السَّكَن الذي في (الجنائز) بأنَّه: يَحيى بن مُوسى المَعروف بـ: خَتٍّ،

وأَهمَل الآخرَينِ. قال: ولم أَجدْهما منسوبَين لأحدٍ من شُيوخنا. (أَبو مُعاويَةَ) هو الضَّرير، محمَّد بن خازم بالمُعجَمَة، ويَحتمل أنَّه شَيْبَان النَّحْوي. (مُسْلِمِ) ابن البَطِيْن، ويحتمل أنَّه ابن صَبِيْح، وبالجُملة فلا تَقدَحُ هذه التَّرديدات؛ لأَنَّ الكلَّ على شَرطه، وأخرَجَ لهم. (الإداوَة) المِطْهَرة. (ضَاقَتْ)؛ أي: الجُبَّة. وفي الحديث: جَواز أَمْر الرَّئيس غيرَه بالخِدْمة والسَّتْر عن الأَعيُن للحاجة، والإعانةُ في الوُضوء، والمَسحُ على (¬1) الخُفِّ (¬2)، وإخراجُ اليَدِ من أَسفَلٍ للحاجة، ولباسُ الضَّيِّقة الكُمِّ والقِصار، ولباسُ ثِياب المُشركين؛ لأَنَّ الشَّام كانت ذلكَ الوَقْت -وهو غزوة تبوك سنَةَ تِسْعٍ- دارَ كُفْرٍ، وثيابُهم ضيقة الأكمام. قال (ط): في ذلك اختلافٌ، فأجاز الشَّافعيُّ والكُوفيُّون لُبْسَ ثِيَاب الكُفَّار، وإِنْ لم تُغْسَل حتَّى تتبيَّن النجاسة. * * * ¬

_ (¬1) "على" ليس في الأصل. (¬2) في "ف": "الخفين".

8 - باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها

8 - بابُ كرَاهِيَةِ التَّعَرِّي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا (باب كَراهةِ التَّعرِّي) 364 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ، قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُؤِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُريَانًا - صلى الله عليه وسلم -. (معَهُمْ)؛ أي: مع قُرَيْش. (للكَعْبةِ)؛ أي: لبِنَائها، وسُمِّيتْ كَعبةً لارتفاعها. (إِزَارُه) في بعضها: (إِزار). (دُونَ الحِجَارَة)؛ أي: تَحتَها، وجوابُ (لَو) مَحذوف، أي: لكانَ أَسهَلَ، وهو بمَعنى التَّمنِّي، فلا جوابَ لها. (فسَقَطَ)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (مَغْشِيًّا)؛ أي: مُغْمًى عليه، أي: لانكِشَاف عَورته، وتتمَّة القِصَّة تأتي في (باب بُنيان الكَعْبة) وغيره، وفي غير "الصَّحيحين" أَنَّ المَلَك نَزل عليه شَدَّ إِزارَه.

9 - باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء

(مَا رُئِيَ) هو بضَمِّ الرَّاء، وكَسْر الهمْزة، وبكسر الرَّاء والمَدِّ، وهو بعُمومه وَجْهُ الدَّلالة على التَّرجَمة بكراهة التَّعرِّي. وهذا الحديث مُرسلُ صحابيٍّ، اتفقُوا على الاحتِجاج به إلا ما تَفرَّد به الأُستاذ أبو إسحاق الإِسْفَرايِيْني؛ نعَمْ، في السِّيَاق ما يُستَأنسُ به لأَخذِه ذلك من العَبَّاس، فلا يكونُ ذلك مُرسَلًا. وفي الحديث: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كانَ في صِغَره مَصونًا مَحمِيًّا عن أَخلاق الجاهليَّة. وبُنيان الكَعْبة كان قبلَ مَبعَثه - صلى الله عليه وسلم - بخمسَ عشرةَ سنة، وقد أمره الله بعد البِعْثة أن يَأمُر أَنْ لا يَطُوفَ بالبَيت عُريانٌ رفعًا لمَا كانوا يَتسامحون به في الجاهلية، وأما هو فجَبَلَه الله على جَميل الأَخلاق وشَريف الطِّباع، ومنه مَنعْ بُدُوِّ العَورة إلا ما رُخِّص من رُؤية الحَلائل لأَزواجِهنَّ عُراةً. * * * 9 - بابُ الصلاة فِي الْقَمِيص وَالسَّرَاويل وَالتُّبَّانِ وَالْقَبَاء (باب الصَّلاة في القَميص والسَّراويل (¬1) والتُّبَّان)؛ أي: بفتح (¬2) ¬

_ (¬1) في الأصل "بالسراويل" والمثبت من "ف" و "ب". (¬2) جاء على هامش الأصل: "صوابه بضم المثناة".

المُثنَّاة فَوق، وتشديد المُوحَّدة: سَراويل صَغيرٌ يَستُر العَورة المُغلَّظة فقط. (والقُبَاء) مَمدودٌ. * * * 365 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَجُل إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَألَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: "أَوَكلّكُمْ يَجدُ ثَوْبَيْنِ؟! "، ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ الله فَأوْسِعُوا، جَمَعَ رَجُل عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، صَلَّى رَجلٌ فِي إِزَارٍ وَرِداءَ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِداءٍ، فِي سَراوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ -قَالَ: وَأحسِبُهُ قَالَ- فِي تُبَّانٍ وَرِداءٍ. الحديث الأَوَّل: (أَوَكلّكُم) بهمزةِ الاستِفهام الإِنكاري، وواوُ العَطْفِ، أي: لا يَجدُ ثَوبَين. (ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ) نهى عن الصَّلاة في الثَّوب الواحد. (جَمَعَ رَجُلٌ) إلى آخِره، هو من تَتمَّة كلامِ عُمر. (عَلَيهِ) الضَّمير لـ (رجلٌ). (قَالَ: وأَحْسِبُهُ)؛ أي: قال أبو هريرة ذلك، والضَّمير في أَحسِبُه لعُمر.

والفَرْق بين الرِّدَاء والإِزَار: أَنَّ الرِّدَاء للنِّصْف الأَعلى، والإِزار للأسفَل، وإنَّما ذكَر هذه الصُّوَر الثَّمانية، أو التِّسعَة بدُون [مُناسبَة]، أو المُناسبة لمُرادِه، إمَّا على وجْه التَّعداد، فلا حاجةَ لعَطْفٍ، أو أنَّها أَبدَالٌ، أو ساقِطٌ منها حرفُ العَطْف على رأي من جَوَّزَه. قال (ط): فقولُ عمر: إذا وسَّع الله، دليلٌ على أنَّ الثَّوب الواحدَ كافٍ، وأَنَّ الزِّيادة استِحسانٌ، وقوله: (جَمَعَ) إلى آخِره، المُراد لِيَجْمَعْ، ليُصَلِّ، بلفظ الاستِقبال. * * * 366 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: "لاَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلاَ السَّراوِيلَ وَلاَ الْبُرْنسُ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرانُ وَلاَ وَرْسٌ، فَمَنْ لَمْ يَجدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُوناَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ". وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَهُ. الحديث الثَّاني: (فقال: ما يَلبَسُ) الفاء فيه تَفسيريَّة، إذْ هو نَفْس قال. (ولا يَلبَسِ) بفتح المُوحَّدة بلفظ النَّهي، أو النَّفْي، فتُكسَر سينُه، أو تُضَمُّ.

10 - باب ما يستر من العورة

(البُرْنسُ) بضَمِّ المُوحَّدة والنُّون، وسُكون الرَّاء: ثَوبٌ خاصٌّ، أو هو القَلَنْسوة. (وَرْس) هو نبَاتٌ أَصفَرُ باليَمَن. (ولا ثَوْبًا) رُوِيَ بالنَّصْب والرَّفعْ، وسبق آخرَ (كتاب العِلم) الكلامُ في الحديث، ووجه دلالته على التَّرجَمة هنا ما يُفهم منه مِنْ جَواز الصَّلاة بدُون قَميصٍ وسَراويل. (وعَنْ ناَفع) تَعليقٌ، ويحتمل أنَّه عطف على (سالمٍ) فيكون مُتصِلًا. * * * 10 - بابُ مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ (باب ما يَستُر العَورة) هي سَوْءَة الإنسان، وكلُّ ما يُستَحيَى منه، وهي من الرِّجال ما بين السُّرَّة والرُّكْبة عند الشَّافعي ومالك، وعند أبي حنيفة وأحمد مِنْها الرُّكْبة أيضًا، وقال أهل الظَّاهر: لا عَورة إلا القُبُل والدُّبُر. 367 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ليث، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.

الحديث الأَوَّل: (اشتِمَالِ الصَّمَّاء) ذكَر في (كتاب اللِّباس): أَنْ يَجعل ثَوبه على أحَد عاتِقَيه، فيَبدُوَ أحدُ شِقَّيه، وقال الجَوْهَري: أَنْ يَرُدَّ الكِسَاءَ مثلًا من قِبَل يَمينه على يَدِه اليُسرى وعاتِقهِ الأَيسَر، ثم يَرُدَّه ثانية من خَلْفه على يَده اليُمنى وعاتِقه الأَيمن، فيُغطيهما جَميعا. ونقَل أبو عُبَيد عن الفُقهاء: أَنْ يَشتمل بثَوب واحد يَرفعُه من أَحَد جانبَيه على مَنكبَيه، فيَبدوَ فَرجُه، والتَّقدير في اشتَمَل الصَّمَّاء: اشتَمَلَ الشَّمْلةَ التي تُسمَّى الصَّمَّاء من ضُروب الاشتِمال. وقال (ن): عن الأَصْمَعي: أَنْ يَشتمل بالثَّوب، حتى يُجلِّل به جَسَده لا يَرفع منه جانبًا، فلا تَخرج منه يدُه. قال ابن قتيْبة: سُمِّيتْ صَمَّاءَ لسَدِّ المَنافِذ كلِّها كالصَّخْرة الصَّمَّاء التي ليسَ فيها خَرْقٌ، ثم نقَل عن الفُقهاء ما نقَله أبو عُبَيد. قال العلماء: فعلى تفسير أهل اللُّغة: يُكره؛ لئلَّا تَعرِضَ له حاجةٌ من دَفْع بعض الهَوَامِّ فيَعسُر، أو يَتعذَّر عليه، فيَلحقه الضَّرر، وعلى تفسير الفُقهاء يحرم إن انكشَفَ به بعضُ العَورة وإلا فيُكره. (وأَنْ يَحتَبِيَ) فسَّره (خ): مرَّة بأن يجمَع ظَهرَه ورِجْلَيه بثَوبٍ، ومرَّة بجعل رِجلَيه في الثَّوب مُتجافيتَين عن بَطنه، فإذا لم يكُن واسعًا يُسبِل منه شيئًا على فَرْجِه تَبدو منها عَورته، فيُنهى عن ذلك إذا كان كاشفًا عن فَرْجه، وبهذا فسَّره غيرُه أيضًا.

قال: وكانت العرَب تَرتَفِقُ به في جُلوسها، وبه فسَّره البُخاري في (كتاب اللِّباس). * * * 368 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ بَيْعَتَيْنِ، عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّباذِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. الحديث الثَّاني: (بِيْعَتَينِ) بفتح المُوحَّدة وكَسْرِها، وهو الأَحسَن، لأَنَّ المُرادَ الهيئةُ؛ كالرِّكبة والجِلْسَة. (اللِّمَاسِ) بكَسْر اللَّام: لَمْسُ الثَّوب لا يَنظُر إليه. (والنِّباذِ) بكَسْر النُّون: طَرْح الرَّجل ثَوبَه للرَّجل بالبَيع قبلَ أَنْ يُقَلِّبه لا يَنظُر إليه، فسَّرهما بذلك في (باب البيع). قال (ن): لأصحابنا تأويلاتٌ فيهما: أحدها: المُلامَسة: أن يَلْمَس المُسْتَامُ الثَّوبَ المَطويَّ أو في ظُلمة بشرطِ أَنَّ لَمْسَه مَقامَ نَظَرِه، وأنْ لا خِيَار له إذا رآه. ثانيها: أنَّ لَمْسَه ينقطعُ به خيار المَجلِس. وفي المُنَابَذَة:

أحدها: أن يَجعل النَّبْذَ بيعًا. ثانيها: أن يَنقطِعَ به الخِيَار. ثالثها: أنَّه نبذُ الحَصَا، وفيه ثلاثة أوجهٍ: أنَّ المَبيع من الثِّياب ما تقَعُ عليه الحصاةُ التي أَرميها، أو يَجعَلا نَفْسَ الرَّمي بيعا، أو أنَّه إذا رَمَى الثَّوبَ يكون مَبيعًا من المُشتري بكَذا. * * * 369 - حَدَّثنا إِسحاقٌ قَالَ: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بنُ إِبرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنا ابْنُ أَخِي ابن شهابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أخبَرَني حُمَيدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نؤذِّنُ بِمِنى: أَلا لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِك، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَان. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا، فَأمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبرَاءَةَ، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. الحديث الثَّالث: (إِسْحَاق) هو ابن رَاهَوَيْهِ، ويحتمل أنَّه إسحاق بن مَنْصُور، لأنَّهما يَرويان عن يَعقوب هذا، وهو سِبْطُ عبد الرَّحمن بن عَوف، كما قاله الغَسَّاني، عن الكَلابَاذِي.

(ابنُ أخِي) هو محمَّد بن عبد الله، ابنُ أَخِي الزُّهريِّ. (تِلْكَ الحجَّة)؛ أي: حجَّة أبي بَكْر بالنَّاس قبل حجَّة الوَداع بسنَةٍ. (مُؤَذِّنِيْنَ)؛ أي: رَهْطٌ مُؤَذِّنون في النَّاس يومَ النَّحر، وهو اقتباسٌ من قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3]. (أَنْ لا يَحُجُّ مُشْرِكٌ) برفع (يَحُجُّ)، أي: لقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]. قال (ك): الظَّاهر أَنَّ ذلك العَامَ ليس داخلًا؛ إذِ التَّقدير: بعد خُروج هذا العام لا بعدَ دُخوله، وفيه نظَر. (ولا يَطُوفُ) بالرَّفْع أيضًا، وهو إبطال لما كانوا عليه من طوافهم عَرَايَا، ففيه دليلٌ على السَّتْر في الطَّواف. (قال حُمَيْدُ) يحتمل أنَّه تعليقٌ، وأنَّه داخلٌ تحت الإسناد، نعم، هو مُرسل؛ لأَنَّ حُمَيدًا ليس بصحابي. (بِبراءَةَ) بالفَتح على أنَّها علَمٌ للسُّورة، أو بالرَّفع على الحِكاية، أو بالكَسْر والتَّنوين، أي: بسُورة بَراءةٍ. (قَالَ أبو هُرَيْرَةَ) يحتمل أيضًا أنَّه تعليق، وأنَّه داخِل في الإِسناد. (فأذَّنَ معَنَا) بفتح العين وإسكانها، وهذا يحتمل أنَّه أَذَّن به لا أنَّه داخل في سُورة براءة التي أُمِرَ أَنْ يُؤذِّن بها، ويحتمل أنَّه أَذَّن بذلك بعد التَّأذين ببَراءة. * * *

11 - باب الصلاة بغير رداء

11 - بابُ الصَّلاَةِ بِغَيْرِ رِدَاء (باب الصَّلاة بغير رِداء) 370 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْمَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَرِداؤُهُ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ (تُصَلِّي وَرِداؤُكَ مَوْضُوعٌ؟ قَالَ: نعمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يصَلِّي هَكَذَا. (مُلتَحِفًا)، في بعضها: (مُلتَحِفٌ)؛ أي: هو مُلتَحِفٌ. (مَوضُوعٌ)؛ أي: على الأَرض، أو على المِشْجَبِ ونحوِه. (انصَرَفَ)؛ أي: من الصَّلاة. (يَا أبا عَبدِ الله) هو كُنية جابر، وحُذفتْ همزتُه تخفيفًا. (مِثْلُكَم) بنصبه حالًا، أو برَفْعه صفةً؛ لأَنَّ إضافتَه لا تُفيد تعريفًا، كما سبق قَريبًا تَقريرُه، وكونُه مُفردًا وُصِفَ به جَمْعٌ؛ لأنَّه مما يَستوي فيه المُذكَّر والمُؤنَّث، وإنَّ وجْهَ الإغلاظ أنَّه فَهِمَ من السَّائل الإنكارَ، وأنَّه يُحبُّ أَن يَراه الجاهل ليُفيده الحكمَ إذا أَنكَر. * * *

12 - باب ما يذكر في الفخذ

12 - بابُ مَا يُذْكرُ فِي الْفَخِذِ ويُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْفَخِذُ عَوْرَةٌ". وَقَالَ أَنسٌ: حَسَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ فَخِذِهِ. وَحَدِيثُ أَنسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنِ اخْتِلاَفِهِم. وَقَالَ أبو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ركبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ الله عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي. (باب ما يُذكر في الفَخِذ) (ويُروى) تعليقٌ بتَمريض، لكنْ حديث (ابن عبَّاس) وصلَه أحمد، والتِّرْمِذي. (وجَرْهَدٍ) بفتح الجيم، وصَلَه البُخاري في "تاريخه"، وأحمد، والطَّبَرانيُّ من طُرُقٍ، وصحَّحه ابن حِبَّان. (الفَخِذ): فيه أربع لُغاتٍ مَشهورةٍ. وحديث محمَّد بن جَحْش، وصَلَه البُخاري في "تاريخه"، وأحمد، والطَّبَراني، وقوله فيه: (وقال أنسٌ)، أسنَده في الباب. (حَسَرَ) بفَتح المُهمَلات، أي: كشَفَ.

(أَسنَدُ)؛ أي: أَحسَن إِسنادًا من حديث جَرْهَد. (أَحْوَطُ)؛ أي: أَقرَب للتَّقوى. (حتَّى يَخرُجَ مِنِ اختِلافِهم) ففيه أَنَّ مُراعاةَ الخِلاف أَحوَطُ للدِّين، وهو مقامُ الوَرَع. (وقَالَ أَبو مُوسَى) تَعليقٌ بالجَزْم، ووصلَه البُخاري في (مناقب عُثمان). ووجْه دُخوله في التَّرجَمة: أَنَّ الرُّكبة إِذا كانت عَورة فالفَخِذ أَولى، لكن كشفُها قبلَ دُخول عُثمان يقتضي أنَّها ليست بعَورة، وأَنَّ تغطيتها عند دُخول عُثمان أَدَبٌ واستحياءٌ. قال (ط): ولذلك قال: "أَلا أَستَحيِي ممَنْ تَستَحيِي منهُ مَلائكةُ السَّمَاءِ". وفيها فعلُه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه مُراعاةُ كل بما هو الغالب عليه، فلمَّا كان الغالبُ على عُثمان الحياء استحيَى منه، وذكَر أَنَّ الملَك يَستَحيِي منه، فالمُجازاة من جِنْس الفعل. فإِن قيل: حديث أنَس حجَّة على الشَّافعية، حيث قالوا: الفَخِذ عَورة؟ فجوابه: أَنَّ ذلك بغير اختِيار، بل للازدِحام؛ بدليل مَسِّ رُكبةِ أنس فَخِذَه كما سيَجيء، أو أنَّهم أَخَذوا له بالأَحوَط. (وقَالَ زيد) قد وصَلَ هذا البُخاري في (الجهاد) و (التَّفسير). (أَنْزَلَ الله)؛ أي: قولَه تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية [النساء: 95].

(تَرُضَّ) بضَمِّ الرَّاء وتَشديد المُعجَمَة، من الرضِّ وهو الدَّقُّ، وكلُّ شيء كَسَرْتَه فقد رَضَضْتَه، والضَّمير فيه عائدٌ على فَخِذ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو بضَمِّ أوَّله وفَتْح ثَانيهِ على البِناء للمَفعول، وهذا يَقتضي أَنَّ الفَخِذ ليس عَورة؛ لأَنَّ المَسَّ للعَورة حرامٌ بلا حائِل كالنَّظَر. * * * 371 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أنسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نبِي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَركبَ أبو طَلْحَةَ، وَأنا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأجْرَى نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي زُقَاقِ خَيبر، وَإِنَّ رُكبَتي لتمَسُّ فَخِذَ نبَيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَسَرَ الإزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتّى إنِّي أنْظرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نبَيّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا دَخَلَ القريةَ قَالَ: "الله أكبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صبَاحُ الْمُنْذَرِينَ"، قَالَهَا ثَلاَثًا، قَالَ: وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ -قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا-: وَالْخَمِيسُ، يَعْنِي الْجَيْشَ، قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ، فَجَاءَ دِحْيةُ فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ! أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ، قَالَ: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً"، فَأخَذَ صَفِيةَ بِنْتَ حُييٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفيةَ بِنْتَ حُيي سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ، قَالَ: "ادْعُوهُ بِهَا"، فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غيْرَهَا"، قَالَ: فَأعْتَقَهَا

النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نفسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْم، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَاَصْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَرُوسًا فَقَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجئْ بِهِ"، وَبَسَطَ نِطَعًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بِالسَّمْنِ -قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ- قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَليمَةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. (عُلَيَّة) بضَمِّ المُهمَلَة وفتح اللَّام. (بغَلَس) بفتح الغين واللَّام: ظُلْمة آخرِ اللَّيل. (أَبُو طَلْحَة) هو زيدُ بن سَهْل زَوج أُمِّ أنَس. (فأجْرَى)؛ أي: مَركُوبَه. (زُقَاقِ) بضَمِّ الزَّاي وبقَافَين: السِّكَّة، تُذَكَّر وتُؤَنَّث، وجَمعه أَزِقَّةٌ، وزُقَّان بالنُّون. (حُسِرَ) بضَمِّ أوَّله، مبنيّ للمفعول؛ بدليل روايةِ مُسلم: (فانْحَسَرَ)، أي: بغَير اختياره لضَرورة الإِجراء، وحينئذٍ فلا دَلالةَ له على كَون الفَخِذ ليس بعَورة. (عَنْ فَخِذ) في بعضها: (على فَخِذِه)؛ أي: الإِزَارُ الكائِنُ على فَخِذِه، فلا يَتعلَّق بـ (حُسِرَ) إلا أَنْ يُقال: حُروف الجَرّ يَنوب بعضُها عن بعضٍ. (القَرْيَةَ)؛ أي: خَيْبَر، وهذا يُشعِر بأَنَّ ذلك الزُّقاق خارجَها.

(إِلَى أَعْمَالِهِمْ)؛ أي: مَواضعِ أَعمالهم. (مُحمَّدٌ)؛ أي: جاءَ محمَّدٌ، أو هذا محمَّدٌ. (قالَ عَبدُ العَزِيْز)؛ أي: الرَّاوي عن أنَس. (بَعْضُ أَصحَابِنَا) هو ثَابِتٌ البُنَاني، تَبيَّن في طَريقٍ آخَر وإِنْ أُبهم هُنا. (والخَمِيْسُ)؛ أي: زادَ، فقال: محمَّدٌ والخَمِيْس، أي: الجَيْش؛ لأَنَّ لَه قَلبًا، ومَيمَنةً، ومَيْسَرةً، ومُقدَّمة، وسَاقَة، ويَجوز نَصبه على المَفعول معه. (عَنْوَةً) بفتح المُهمَلَة، وسُكون النُّون، أي: قَهْرًا لا صُلْحًا. (دِحْيَة) بفَتح الدَّال وكَسرِها. (صَفِيَّة) بفتح الصَّاد، قيل: كان اسمها زينَب؛ فسُمِّيت بعد الاصطِفاء بصَفِيَّة، وقيل: بل هو اسمُها من قبلُ. (حُيي) بضَمِّ المُهمَلَة، وكَسْرها، وفتح المُثنَّاة تَحت، مُخَفَّفة، ثم مثلها مشدَّدة، من نَسْل هارون النبيّ -عليه السَّلام- كانتْ تَحت كِنَانَة بن أبي الحُقَيْق -بضَمِّ المُهمَلَة، وفتح القَاف الأَوَّلى- قُتِلَ عنها بخَيْبَر سنَة سَبعٍ. (قُرَيْظَة) بضَمِّ أوَّله، وبظَاءٍ مُهمَلةٍ، (والنَّضِيْر) بفَتح أوَّله، وضادٍ مُعجَمة، قَبيلتان عَظيمتان من يَهود خَيْبَر، دخَلوا في العرَب على نَسَبهم إلى هارون.

وإنَّما أَعطاها لدِحْيَة قبلَ القِسْمة؛ لأَنَّ له صَفِيَّ المَغنَم، يُعطيه لمَنْ يَشاء، أو أنَّ ذلك من النَّفْل، إِنْ قُلْنا من أَصل الغَنيمة، فإنْ قُلنا من خُمُس الخُمُس، فكان بعد أَنْ مَيَّزه، أو قبلَه ويُحسَب منه رجوعُها له، إما لعدَم تَمام الهبة، أو لأنَّه أبو المُؤمنين فلَه الرُّجوع في هِبَة الوَلَد، أو أنَّه اشتَراها منه، أي: لِمَا جاء أنَّه أَعطاهُ عنها سَبعة أَرؤُس. قال (ن): أو أنَّه ردَّها برضاه، أو أنَّه إنَّما كان أَذِن له في جاريةٍ من حَشْو السَّبي لا من أَفضلهنَّ، فلَمَّا رآه أَخَذَ أَنفَسَهنَّ نسَبًا وشَرفًا وجَمالًا استَرجعَها؛ لأنَّه لم يَأذَن، ورأَى أنَّه في إِبقائها له مَفسدةً لتَمييزه بها على باقي الجَيْش، ولمَا فيه من انتِهاكها مع مَرْتبتِها، ورُبَّما تَرتَّب على ذلك شِقاقٌ أو غيرُه، فكان أَخْذُها لنَفسه - صلى الله عليه وسلم - قاطِعًا لهذه المَفاسد. (ثَابِتٌ)؛ أي: البُنَاني. (حَمْزةَ) بالمُهمَلَة والزَّاي، كُنِّيَ به أنس. (نَفْسَها) بالنَّصْب. (أَعتقَها وتَزوَّجَها) بيانٌ لقوله: (نَفْسَها)، والمَعنى: تَزوَّجَها بلا مَهْرٍ؛ لأَنَّ ذلك من خصائصه، أو أَنَّ ذلك الإِعتاقَ من مُقابلة تَزوجها به لا حقيقةُ صَداقٍ، أو أَنَّ اشتراط كَون العِتق صداقَها، أو كَون القيمة مع الجهل بها صَداقًا من خَصائصه، وأخَذَ أحمد بظاهره، فجوَّز ذلك لغَيره أيضًا.

والتَّعقيب بالفَاء للإِعتاق فقط لا للتَّزوُّج؛ فإِنَّه يَحتاج للاستِبراء، والمُراد التَّعقيب اللَّائق، وهو ما كانَ على أُسلُوب الشَّرع. (أُمُّ سُلَيم) هي: أُمُّ أَنس. (فأهْدَتْها)؛ أي: زَفَّتْها له، وفي بعضِها: (فَهَدَتْها)، وصُوِّبَ؛ لقَول الجَوْهَري: الهدَاء مصدرُ هَدَيتُ أنا المَرأةَ إلى زَوجها. (عَرُوسًا) هو مما يَستوي الرَّجل والمَرأة ما دَامَا في إِعْراسهما. (نِطَعًا) قال (ش): بنُون مفتوحة وطاء مكْسورةِ في أَفصح لُغاته السَّبع، وذكَرها (ك) أربعةً: بفتح النُّون وكَسرها، وسكون الطَّاء وفتحها، جَمعُه: نُطُوعٌ، وأَنْطَاعٌ. قلتُ: وبقيَّة السَّبع مذكورةٌ في غير هذا المكان. (قالَ)؛ أي: عبدُ العَزيز. (وأَحْسِبُه)؛ أي: أَنسًا. (ذَكَرَ السَّويقَ)؛ أي: قال: وجَعلَ الرَّجلُ يَجيءُ بالسَّويق، هذا هو الظاهر، ويحتمل أَنَّ الفَرَبْري قال: يعني البُخاري، والضَّميرُ في (أَحْسِبُ) ليَعقوب شَيخِه. (فحَاسُوا) بمُهمَلتَين، أي: خَلَطُوا أو اتَّخَذُوا. (حَيْسًا) بفتح أوَّله، أي: تَمرٌ يُخلَطُ بسَمْن وأَقِطٍ، أي: ورُبَّما عُوِّضَ بالدَّقِيْق عن الأَقِط. (وَلِيْمَةَ) خبَر (كان)، واسمُه: ضميرُ الثَّلاث المَجعولَة حَيْسًا، أو

13 - باب في كم تصلي المراة في الثياب؟

أَنَ التَّأنيث باعتِبار الخبَر كما في: {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76]. والوَليْمة: طعامُ العُرْس، من الوَلْم وهو الجَمْع؛ لاجتِماع الزوجين. قال (ن): في الحديث أَنْ لا كَراهةَ في التَّسمية بصلاة الغَداة، وجوازُ الإِرداف إذا كانت الدَّابَّة مُطيقةً، والتَّكبيرُ عند الحَرْب، وتَثليثُه، والدُّعاء بخَراب المَقصودِ أَخْذُه على أَهله، أي: جَعَلَ (خَرِبَتْ خَيْبَر) دُعاء ويحتمل أنَّه إخبار عن خَرابِها عليهم وفتحِها للمُسلمين، واستِحباب الوَليمة بعد الدخول، وإِدْلالُ الكَبير على أَصحابه لطَلَب طَعامهم في نحو ذلك، واستِحبابُ مُساعدة أصحابه فيه، وأَنَّ السنَّة تحصُل فيها بغير اللَّحم. * * * 13 - بابٌ في كمْ تُصَلِّي الْمَرْاةُ في الثِّيَابِ؟ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا في ثَوْبٍ لأَجَزْتُهُ. (باب: في كَمْ تُصلِّي المَرأة من الثِّياب)، (كم) استفهامية، مميزها محذوفٌ، أي: كم ثَوبا, ولا يَقدح جرُّها بـ (في) في كون لها الصَّدر؛ لأنَّ الجارَّ والمَجرورَ ككلمةٍ واحدةٍ. * * * 372 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ

قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَن عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ في مُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ. (لَقَدْ) جوابُ قسَمٍ محذوفٌ. (مُتَلَفِّعَات) بالرَّفعْ والنَّصْب، على الصِّفَة أو الحال، والتَّلَفُّع: التَّلَحُّف والاشتِمال بتَغطية الرَّأس والجسَد، وللأَصِيْلي: مُتلَفِّفَاتٍ بفاءَينِ، وهو بمعناه. (بِمُروطِهنَّ) هي أَكْسِيَةٌ من صُوفٍ أو خَزٍّ، وقيل: أَرديةٌ واسعةٌ، واحدُها مِرْطٌ بكسر الميم، ففيه جَواز الصَّلاة في ثَوبٍ واحدٍ، وفيه حُضور النِّساء الجماعة ومع الرِّجال، وأَنَّ ذلك كثيرٌ دائمٌ، لقولها: (كان). (مَا يُعْرَفْنَ)، أي: إِمَّا لبقاء ظُلْمة اللَّيل ليُؤخَذ منه الصَّلاةُ أَوَّلَ الوَقْت قبلَ الإِسفار، أو لمُبالغَتهنَّ في التَّلحُّف والتَّغطية، ثم قيل: ما يُعرفْنَ أنهن نِساءٌ، وقيل: ما تُعرَف الواحدةُ منهنَّ مَنْ هي. قال (ط): واختُلف في كَمْ تُصلِّي؟: فقال: مالكٌ، وأبو حنيفة، والشَّافعي: في دِرْعٍ وخِمَارٍ، وزاد عَطاء: وإِزَارٍ، وزاد ابن سِيْرِين رابعًا، وهو: مِلْحَفة، وقال ابن المُنْذِر: عليها سَتْر يَدَيها سِوَى الوَجْه والكَفَّين سواءٌ بثوبٍ أو أكثر، والزَّائد على الواحد استحبابٌ؛ لأَنَّ الحُرَّة كلَّها عَورة إلا الوجْهَ والكَفَّين.

14 - باب إذا صلى في ثوب له أعلام، ونظر إلى علمها

قلتُ: وهو مذهب الشَّافعي، وقال أبو حنيفة: القَدَم ليس بعَورة، وعن أحمد: الكُلُّ حتى الظُّفُر. * * * 14 - بابٌ إِذَا صَلَّى في ثَوْبٍ لَهُ أَعْلاَمٌ، وَنَظَرَ إلَى عَلَمِهَا (باب: إِذا صلَّى في ثَوبٍ له أعلامٌ ونظَر إلى عَلَمِها) أَنَّث باعتِبار الخَمِيْصَة، وفي بعضها: (عَلَمه). 373 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى في خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْم وَائتوني بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْم، فَإِنَّهَا ألهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي". وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْتُ أنظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَناَ في الصَّلاَةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي". (خَمِيْصَة) بفتح المُعجَمَة وكسر الميم، وبصادٍ مهملةٍ، كِسَاءٌ أسودُ مربعٌ له علَمان. (إِلَى أَبِي جَهْمٍ) بفَتح الجيم وسُكون الهاء، عامِر بن حُذَيْفة العدَوي القُرَشي.

(بأَنْبَجَانِيَّةِ) بهمزة قَطْعٍ، تُفتَح وتُكسَر، وسُكون النُّون، وبموحَّدةٍ تُفتح وتُكسَر، وبياءٍ بعد النُّون الثَّانية، تُشَدَّد وتُخفَّف: كِسَاءٌ غَليظٌ لا عَلَمَ له، فقيل: بالتَّشديد نِسبةٌ لمَوضع بالشَّام. قال (ع): ولا يُقال: أَنْبَجَانِيٌّ، قيل لأبي حاتم: لِمَ فتَحتَ الباءَ؟ قال: خَرَجَ مَخرَج مَعْبَرانيٌّ، أَلا تَرى أَنَّ الزيادة فيه والنَّسَب مما يَتغيَّر له البِنَاءُ. (ألهَتْني)؛ أي: شغَلتْني، ولَهِيَ الرَّجلُ -بكسر الهاء عن كذا-؛ أي: غَفَلَ عنه، ولَهَا يَلْهو من اللهْو، أي: لَعِبَ. (عَنْ صَلاتِي)؛ أي: عن كَمال الحُضور فيها والتَّدبُّر. قلتُ: والمُراد أنِّي صِرْتُ ألهُو، فقَد بانَ بقَوله في الرِّواية الأُخرى: (أَخَافُ أَنْ تَفتِنَنِي)، قال ابن عُيينة: رَدَّها لأنَّها قد تكون سَببًا للغَفلة عن ذِكْر الله، كما قالَ: "اخرُجُوا عَنْ هَذَا الوَادِي الذِي أَصابَكُمْ فيهِ الغَفْلَةُ؛ فإِنَّ بِهِ شَيْطَانًا". (وقال هِشَامٌ) عطفٌ على (قال ابنُ شِهَاب)؛ لأنَّه من شُيوخ إبراهيم، ويحتمل أنَّه تعليق. (أَنْ تَفتِنَنِي) بفتح أوَّله، أي: تَشغَل قَلْبي. قال (ن): ففيه الحَثُّ على حُضور القَلْب في الصَّلاة، وتَرْكِ ما يُؤدِّي إلى شَغْله، وكراهةُ تَزويق مِحراب المَسجد، وبعثُه بالخَمِيْصَة وطلَب الأَنْبَجَانيَّة من الإِدلال على أبي جَهْمٍ؛ لعلمه بأنَّه يَفرَح بذلك.

15 - باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟ وما ينهى عن ذلك

قال (ط): النَّظَر في الصَّلاة فيما يُلهي مكروهٌ؛ لأنَّه يُضيع الخُشوع، ثم ليس المُراد أنَّ أبا جَهْم يُصلِّي في الخَمِيْصَة؛ لأنَّه لم يكنْ - صلى الله عليه وسلم - يَبعثُ إلى غيره بما يَكرهُه لنفسه، كما قال لعائشة في الضَبِّ: "إِنَّا لا نتَصَدَّقُ بِمَا لا نأْكُلُ"، فيَجب على أبي جَهْم أن يَجتنبَ ما اجتَنب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه أَولى بالشُّغل بها منه، فهي كإِهداء الحُلَّة لعمر مع تحريم لِبَاسها عليه، بل يَنتفع بها ببَيعٍ أو غيرِه. وفيه: أنَّ الواهبَ إِذا رُدَّت عليه عطيَّتُه من غير أن يكون هو الرَّاجِعَ لا عارَ عليه في قَبولها. وفيه جَبْر قَلْبه بسُؤال ثَوبٍ مكانها؛ ليَعلم أنَّه لم يَرُدَّها عليه استِخفافًا ولا كراهةً لكسبه. وفيه تَكنية العالِم لمَنْ هو دُونه. * * * 15 - بابٌ إِنْ صلَّى في ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاويرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ (باب: إِذا صلَّى في ثَوبٍ مُصَلَّبٍ) بفتح اللَّام مشدَّدة، أي: نُقِشَ [عليه] صُلبان (أو تَصَاوْيرَ) بفتح الرَّاء، جمع تَصْوير، من الصُّورة، وهو مَجرورٌ عطفًا على مُصَلَّب، أو ثَوبٍ على حَذْف مُضافٍ، أي: ذِي تَصَاوير، أي: غَيرِ الصَّلِيْب، وفي بعضها: (أو فيهِ تَصَاوِيْر)، وهو ظاهرٌ. * * *

16 - باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه

374 - حَدَّثَنَا أبو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ في صَلاَتِي". (قِرَامٌ) بكسر القاف وخِفَّة الرَّاء: سِتْرٌ رَقِيْقٌ، فيه رَقْمٌ ونُقُوشٌ، وقال (ط): ثَوبُ صُوفٍ ملوَّنٌ، فهو -وإنْ كُرِهَ- لكنَّ الصَّلاة فيه تُجزِيء؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لَم يُعِدْ، ووجه إِدخاله حديثَ القِرَام؛ لأنَّه إذا نَهى عنه في التَّجمُّل كان النَّهي عن لباسه أَولى، ففيه أنَّ الصُّوَر مَنهيٌّ عنها، سواء المُتشخِّص المَاثِل وغَيره، في سَتْرٍ أو بِسَاطٍ أو جدارٍ أو غيرِ ذلك. (تَصَاويرُ) في بعضها: (تَصَاوِيرُه)، وعلى الأَوَّل فالضَّمير في (أنَّه) للشَّأْن. * * * 16 - بابُ مَنْ صلَّى في فَرُّوجِ حَرِيرِ ثُمَّ نَزَعَهُ (باب مَنْ صلَّى في فَرُّوجِ الحَرير) فَرُّوج بفتح الفاءِ وتَشديد الرَّاء المَضمومة وتخفيفها وبالجيم: قُبَاء فُرِجَ، أي: شُقَّ مِن خَلْفه من لِبَاس الأَعاجم. * * *

375 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَاره لَهُ، وَقَالَ: "لاَ يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ". (أُهْدِيَ) بالضَّمِّ، مضارع مبني للمَفعول. (للمُتَّقِيْنَ)؛ أي: عن الكُفر، وهم المُؤمنون، أو عن المَعاصي كلِّها، أي: الصَّالحين، ولا يَدخل في هذا الجَمْع المُذكَّر النسوةُ؛ لأنَّه حَلال لهنَّ، وعلى قَول مَن قال يَدخُلْنَ تَغليبًا، فخرجْنَ بدليلٍ. ولبسُه - صلى الله عليه وسلم - كانَ قَبْلَ التَّحريم، وليس ذلك من قَبيل النَّسْخ؛ لأَنَّ حِلَّه كان بالأَصل، وشَرطُ المَنسوخ أن يكون حُكما شَرعيًّا، ولئِنْ سُلِّمَ أنَّه رفَعَ حُكمًا، فهو تَخصيصٌ. قال (ط): اختُلف فيمَن صلَّى في ثَوب حَرير، فقال الشَّافعي: يُجزيه؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يُعِدْ، لكن قد سبَق أَنَّ هذا قَبْلَ تَحريمه، وقال مالك: يُعيدُ في الوَقْت إِنْ وجَد ثَوبًا غيرَه، أي: لعُموم نَهيه للرِّجال، واستَحبَّ ابن المَاجِشُون لُبسَه في غير الصَّلوات للمُباهاة به (¬1). * * * ¬

_ (¬1) أي: في الحرب.

17 - باب الصلاة في الثوب الأحمر

17 - بابُ الصلاةِ في الثَّوْبِ الأَحْمَرِ (باب الصَّلاة في الثَّوب الأَحْمَر) 376 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلاَلًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلاَلًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - في حُلَّةٍ حَمْراءَ مُشَمِّرًا، صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ ركعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ الْعَنَزَة. (مِنْ أَدَمٍ)، بفتح الهمزة والدَّال، جَمْع أَدِيْم. (وَضُوءَ) بفتح الواو على الأَشهر، أي: ماءَه. (عَنَزَةً) بفتح العين والنُّون، وبالزَّاي، أَطْوَلُ من العَصَا وأَقصَر مِنَ الرُّمْح. (حُلَّةٍ) هي ثَوبان، إِزارٌ ورِدَاءٌ لا يُسمَّى حُلَّةً إلا ثَوبان، والحُلَل بُرُودٌ اليَمَن. (مُشَمِّرًا) بكَسْر الميم الثَّانية، والتَّشمير: الرَّفْع.

18 - باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب

ففيه جَوازُ ضَرْب الخِيَام والقِبَاب، والتَّبرُّكُ بآثار الصَّالحين، وطَهارةُ المُستعمَل، ونَصْبُ علامة بين يَدَي المُصلِّي، وخدمةُ السَّادات، وقَصْرُ الصَّلاة في السَّفَر لمَا ثبَتَ أنَّها الظُّهر، والمُرورُ وَراءَ علامة المُصلّي. قال (ط): وجواز لِبَاس الثِّياب المُلوَّنة، وللسَّيِّد الكَبير والزَّاهد في الدُّنيا، والحُمْرة أَشهر المُلوَّنات، وأَجملُ الزّينة في الدُّنيا. * * * 18 - بابُ الصَّلاَةِ في السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ قَالَ أبو عَبْدِ اللهِ: وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسأ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجَمْدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ. وصَلَّى أبو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ الْمَسْجدِ بِصَلاَةِ الإمَامِ، وَصلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْج. (باب الصَّلاة في المِنْبَر) بكَسْر المِيْم، مِنْ نَبَر، أي: رَفَع. (والخَشَبِ) بفتح الخاء والشِّين، وبضَمِّهما. (الجَمْدِ) بفتح الجيم وسُكون الميم، ما جَمَد من المَاء من شدَّة البَرْد، سُمِّيَ بالمَصدر، ورواه الأَصِيْلي وأَبو ذَرٍّ بفَتْح الميم، والصَّواب

الأَوَّل، وفي رواية: (الخندق). (والقَنَاطِرِ)؛ أي: الجُسُور، وفي بعضها: (القَناطِيْر). (تَحتَهَا)؛ أي: تَحتَ القَناطِر. (بَينَهُما)؛ أي: بين المُصلِّي والبَولِ، وهو قيدٌ في (أَمامَها) فقط. (ظَهْرِ)، في بعضها: (سَقْفِ). * * * 377 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبَو حَازِمٍ قَالَ: سَألوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي، هُوَ مِنْ أثلِ الغَابِة، عَمِلَهُ فُلانٌ مَولَى فُلانة لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقَامَ عَليهِ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ عُمِلَ، وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَركعَ وَركعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ ركعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ، فَهَذَا شَأنه. قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: سَألَنِي أحمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ، فَلاَ بَأسَ أَنْ يَكُونَ الإمَامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كثِيرًا، فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ قَالَ: لاَ.

الحديث الأَوَّل: (عليُّ)؛ أي: ابن المَدِيْني. (سُفيان)؛ أي: ابن عُيَيْنة. (أبو (¬1) حَازِم) بمُهملة وزاي، أي: سلَمة بن دِيْنَار. (المِنْبَرِ) اللام فيه للعهد، أي: مِنْبَرِه - صلى الله عليه وسلم -. (في النَّاسِ) في بعضها: (بالنَّاس)، فالباء تأتي بمعنى (في). (أثلِ) بفَتح الهمزة وسُكون المُثلَّثة: نَوع من الطَّرْفَاء. (الغَابَةِ) بخِفَّة المُوحَّدة وإِعْجام الغَين: مَوضع قُربَ المَدينة من العَوَالي. (فُلانٌ) مُنصرِفٌ. قال الصَّاغَاني: هو بَاقُومٌ -بالمُوحَّدة والقَاف- الرُّوميُّ، مَولَى سعيد بن العَاص؛ هذا هو الأَشهر، وقال السَّفَاقُسِي عن مالك: هو غُلامٌ لسَعْد بن عَبَّادة، ويقال: لامرأةٍ من الأَنصار، ويقال: غلام العبَّاس. قلت: وفيه أقوالٌ أُخرى: بَاقُول باللام؛ رواه عبد الرَّزَّاق، وقَبِيْصَة، ومَيْمُون، وكلاب، وصُباح، وإبراهيم. (فُلانه) غير مُنصرفٌ؛ لأنَّها كنايةٌ عن علَم أُنثى، فكان كعلَمها، هي أنصاريَّةٌ. ¬

_ (¬1) في الأصل و"ف": "ابن"، والمثبت من "ب".

قال (ك): اسمها عائشة، وقيل: مِيْنا، بميم مكسورة والتَّحتانية السَّاكنة والنون، وصَحَّفَها بعضُهم: عُلاثَة، وعدَّها من الصَّحابيَّات في حرف العَين. قال أبو محمَّد الأَصِيلي: وكان اتخاذُه سنةَ سَبعٍ، ويقال: ثَمانٍ. قلتُ: وفيه إِشكالٌ من حديث الإِفْكِ يأتي. (وقَامَ عَلَيهِ)، في بعضها: (رَقَى عليه). (كَبَّرَ) جوابُ سُؤال، كأنَّه قيل: ما عَمِلَ بعد الاستِقبال؟ قال: كَبَّرَ؛ نعَمْ، في بعضها بواو، وفي بعضها بفاءٍ، وذلك ظاهرٌ. (القَهْقَرَى) منصوبٌ على أنَّه مفعول مطلقٌ بمعنى الرُّجوع إلى خَلْف، أي رجَعَ الرُّجوع الذي يُعرَف بذلك. (عَلَى الأَرْضِ) ثم قالَ في الثَّانية: (بالأَرْضِ) لأنه لاحَظَ أَوَّلا الاستِعلاءَ، وثانيا الإِلصاقَ. (قَالَ)؛ أي: السَّابق، وهو ابن المَدِيْني. (بهَذَا الحَدِيْثِ)؛ أي: بدَلالة هذا الحديث، وجوَّزَ العُلُوَّ بقَدْر دَرَجات المِنْبَر، وقال بعضُ الشَّافعية: يَصحُّ ائتِمامُ مَن على رأْس مَنارةٍ المَسجد بمَنْ في قَعْر البِئْر. (يُسْأَلُ) بالبِناء للمَفعول. (فلَمْ تَسمَعْهُ)؛ أي: أَفلَم، بدليلِ قَوله في الجَواب: (لا).

قال (ح): فيه أنَّ العملَ اليَسير لا يُفسد الصَّلاة، وأَنَّ المِنْبَر وإِنْ كان ثَلاثَ مَراقِيَ، فلعلَّه قامَ على الثَّانية، فليس في نُزوله وكذا صُعوده إِلَّا خُطوتَانِ، وأَنَّ تَرفُّع الإِمام لغرَض التَّعليم لا كَراهةَ فيه، بخلافِ غير ذلك، وإنَّما رجَعَ القَهْقَرى لِئَلَّا يُوَلِّيَ ظَهرَه القِبْلة. قال (ن): وفيه استِحبابُ اتخاذ المِنْبَر، وارتفاعُ الخطيب عليه أو نحوِه من العالي، وأَنَّ تفرُّق [العمل] الكثير إذا لم يَبلغ كلَّ مرَّة ثلاثًا لا تَبطُل، وأنَّ اقتِران الصَّلاة بإِرادة التَّعليم ليس تَشريكًا في العبادة بل هو كرَفْع صَوته بالتَّكبير ليُسمعَهم. * * * 378 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ في مَشْرُبَةٍ لَهُ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونه، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا، وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيؤتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا". وَنزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا؟! فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْع وَعِشْرُونَ".

الحديث الثاني: (فجُحِشَتْ) بضَمِّ الجيم وكسر المُهمَلَة، أي: خُدِشَتْ، والجَحْش: شَقُّ الجِلْد. (وكَتِفُهُ) فيه تَسكين التَّاء مع فتح الكاف وكَسرها، وفي بعضها: (أو كَتِفُه). (آلى)؛ أي: حلَفَ، لا الإِيلاء الذي في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226]. (مِنْ) عُدِّيَ بها وإِنْ كانت تعديتُه بـ (عن)؛ لتضمُّنه معنى التَّعدِّي، ويجوز أنَّها للابتِداء، أو للسَّبب، أي: من أجل نسائه. (مَشْرُبَةٍ) بفتح الميم وسُكون المُعجَمَة وفتح الرَّاء وضَمِّها: الغُرفة المُعلَّقة. (وهم قِيَامٌ) جمع قائم، أو مصدرٌ بمعنى اسم الفاعل. (ليؤتَمَّ)؛ أي: يُقتَدى وتُتَّبع أَفعالُه. (إنْ صَلَّى قَائِمًا) مفهومه: وإن صلَّى قاعدًا فصلُّوا قُعودا، وهو محمول على أنَّه إذا كانوا عاجزين عن القِيام كالإمام، أو أنَّه نُسِخَ بصلاتهم في آخِر عمُره خلْفَه قِياما وهو قاعدٌ، هذا قول الأكَثر خِلافًا لقول أحمد، فإنَّه قال: يُصلَّى خلْف القاعد قُعودًا؛ لأَنَّ إمامته في آخر عُمره اختُلف فيها، هل كان الإمامُ أبو بكر. قال (خ): فالنَّسخ أَصحُّ، والأُصول تشهد بأَنَّ كلَّ مَنْ أَطاق عبادةً

19 - باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد

بالصِّفة التي وجبتْ عليه في الأَصل لم يَجُزْ له تَركُها إلا أن يَعجَز. (إِنَّ الشَّهْرَ) اللام للعهد، أي: ذلك الشَّهر، حتى لَو نَذَر شخصٌ صومَ أو اعتِكافَ شَهْرٍ مُعيَّن فجاءَ تسعًا وعشرين لم يَلْزمْه أكثرُ، بخلاف ما لو قال: شهرًا فعليه ثَلاثون، أي: إِنْ قصَد عدَديًّا، وإلا فشهرٌ بالهلال. قال (ط): وجه التَّرجمة في المَشْرُبَة أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على أَلواحها وخَشَبها، فهو دليلٌ على مَنْ كَرِهَ السُّجود على العُود. قال (ك): لا يَلزم أنَّه صلَّى على الخشَب؛ لأَنَّ الجُذوع إنَّما هي درَجُها لا نَفسُها، فيحتمل لغرض الصَّلاة على السَّطح؛ لأنَّه يُطلق على أَرْض الغُرفة. وفيه: جوازُ الحَلِف على البَعيد من النِّساء، وعيادةُ نحو من خُدِش، والصَّلاةُ جالِسًا عند العَجْز، ووجوب مُتابعة الإِمام، وأَنْ لا يتَراخَى عنه بدليلِ الفاءِ، وما قالَه الفُقهاء من جواز التَّخلُّف بركنٍ، فلأنَّه تعقيب عُرفيٌّ، أو ثبَتَ بدليلٍ من خارجٍ. * * * 19 - بابٌ إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ الْمُصَلِّي امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ (باب: إِذا أَصاب ثَوبُ المُصلِّي امرأتَه إذا سجَد) 379 - حَدَّثنا مُسَدَّدٌ، عَن خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ الشَّيْبَانِيُّ،

عَنْ عَبْدِ اللهِ بنُ شَدَّادٍ، عَن مَيْمُونة قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأَناَ حِذَاءَهُ وَأَناَ حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوبُهُ إِذَا سَجَدَ، قَالَتْ: وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ. (حِذَاءَهُ) بكسر الحاء، أي: إزاءه، وهو منصوبٌ على الظَّرفية، وفي بعضها: (حذاؤه)؛ بالرَّفعْ، أي: محاذيه. (وأَناَ حَائِضُ) حالٌ من فاعلِ (يُصلِّي)، كالجُملة قبلَها، فهي مرادفة، أو متداخلتان. (ورُبَّمَا) يحتمل التَّقليلَ حقيقةً، والتَّكثير جوازًا. (الخُمْرَةَ) بضَمِّ المُعجَمَة: سَجَّادةٌ صغيرةٌ من سَعَف النَّخل، تُزَمَّل بخُيوطِ، سُمِّيت خُمْرَة؛ لأنَّها تستُر وجه المُصلِّي عن الأرض، كتسمية الخِمَار لسَتْره الرَّأسَ، والجمع خُمُر. قال (ط): فإنْ كانت قَدْرَ طُول الرَّجل أو أكثر سُمِّيت حَصِيْرًا، ولا خلافَ في جواز الصَّلاة على الخُمْرة، وأما كون عُمر بن عبد العَزيز كان لا يُصلِّي عليها، ويُؤتَى له بتُرابٍ في موضع سُجوده ليَسجُد عليه، فلعلَّه مبالغةٌ في الخُشوع، انتهى. وفيه: أن بَدَن الحائض وثوبَها طاهران، وأَن الصَّلاة لا تَبطُل بمحاذاة المَرأة. * * *

20 - باب الصلاة على الحصير

20 - بابُ الصَّلاَةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَصَلَّى جَابِرٌ وَأبَو سَعِيدٍ في السَّفِينَةِ قَائِمًا، وَقَالَ الْحَسَنُ: قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ، تَدُورُ مَعَهَا وَإِلَّا فَقَاعِدًا. (باب الصَّلاة على الحَصِير) (في السَّفِيْنةِ قَائِمًا) متعلِّقان بكل من جابر وأبي سعيد، وفي بعضها: (قياما). (تَشُقُّ) بضَمِّ الشّين. (تَدُورُ مَعَهَا) جملةٌ حاليَّةٌ من أَصحابك، والضَّمير في (معها) راجعٌ إليها. قال (ط): أجازَ قومٌ من السَّلَف أَنْ يُصلُّوا في السَّفينة جُلوسًا، وهو قول أبي حنيفة. ووجْهُ مُطابقة الصَّلاة في السَّفينة للتَّرجمة: أَنَّ الصلاةَ لمَّا لم يُشترطْ فيها مُباشَرة الأرض، وجازَتْ على السَّفينة، فكذا الحَصِيْر، حتى لا يُتخيَّل غيرُ ذلك من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عَفِّرْ وَجْهَكَ بالأَرْضِ". (وإِلَّا فقَاعِدًا)؛ أي: فَصَلِّ قَاعِدًا، فنصبَه بالفعل. * * * 380 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ

عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأكلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: "قُومُوا فَلأُصلِّ لَكُمْ"، قَالَ أَنسٌ: فَقمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَصَفَفْتُ وَالْيتيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ركعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ. (جَدَّته)؛ أي: جَدَّة إسحاق، فالضَّمير عائدٌ إليه لا إلى أنس؛ لأنَّها أُم أنَس. (مُلَيْكَة) بضَمِّ الميم: هي أُمُّ سُلَيم، وقيل: ليس اسم أُمِّ سُلَيم مُلَيْكَة، وإنَّ الضَّمير في جَدَّته عائدٌ إلى أنس، لكنَّ الأَوَّل أَشهَر، فقد رُوي: أَن أنسًا كان إذا قال: إِنَّ جَدَّتَه يُشير بيده إلى إسحاق. (فَلأُصلِّ) رواية الكُشْمِيْهَني: (فأُصَلِّي) بغير لامٍ ساكنةِ الياء، وهي واضحةٌ، ورَواها غيرُه بوجوهٍ: الأَوَّل: (فَلأُصَلِّي) بلامٍ مكسورةٍ وفَتح الياء، على أنَّها لامُ (كي)، والفِعل بعدَها منصوبٌ بأَنْ مُضمرةً، إما على زيادة الفاء على رأْي الأَخْفَش، واللَّام مُتعلِّقةٌ بـ (قُومُوا)، أو أَنَّ المَصدر المُؤَوَّل خبرُ مبتدأ محذوفٌ، أي: فقِيامكم لصَلاتي لكم. الثَّاني: (فَلأُصلِّي) بكسر اللَّام وسُكون الياء، فيحتمل أنَّها لامُ كي، وسُكِّنت الياءُ تخفيفًا، وهي لغةٌ مشهورةٌ، خُرِّج عليها قراءةُ الحسَن: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278]، أو لامُ أمرٍ وتَثبتُ

الياء في الجَزْم إجراءً للمُعتلِّ مجرى الصَّحيح، كقراءة قُنبُل: {من يتقي ويصبر} [يوسف: 90]. الثَّالث: بفَتح اللَّام مع تَسكين الباء، فهو كقوله تعالى: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا} [الفرقان: 42] فاللَّام للابتِداء، وهي لامُ الأَمْر، فُتِحت على لُغة سُلَيم، وتُسكَّن الباءُ حينئذ كما سبق. قال (ك): أو جَواب قَسَمٍ محذوفٍ، والفاء جوابُ شَرطٍ محذوفٍ، أي: إِنْ قُمتُم فواللهِ لأُصَلّ لكم. قال (ش): غلَّط ابن السِّيْد مَنْ تَوهَّم أنَّه قسَمٌ؛ لأنَّه لا وَجْهَ للقسَم، ولو أُريدَ ذلك لقال: فلأُصليَنَّ بالنُّون، ولهذا قال صاحب "المُفْهِم": إِنَّ فتح اللَّام وتَسكينَ الياء أَشبَهُ الرِّوايات. الرَّابع: قال ابن السِّيْد: إنَّ الرِّواية الصَّحيحة: (فلأُصَلِّ) بكسر اللَّام وحَذْف الياء؛ لأَنَّ الأَمرَ إذا كان للمُتَكلِّم أو غائبٍ كان باللَّام أبدًا، أو لمُخاطَبٍ كان باللَّام وبغير اللَّام. قال ابن مالك: وأَمْر المُتَكلِّم نفسَه بفعلٍ مَقرونٍ باللَّام، فصيحٌ قليلٌ في الاستِعمال، ومنه: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12]، نعمْ، سُلَيم تَفتح لام الأَمر، كما سبَق، وقُرَيش تُسَكِّنُ بعد الواو والفاء وثم. (لَكُمْ)؛ أي: لأَجلكم، وإِنْ كان الظَّاهر أن يقول: بكُم. (واليتيْمُ) بالرَّفْع؛ نَعَمْ، في روايةٍ إسقاطُ (أنا)، فيَكون عطْفًا

على الضمير المَرفوع المُتصِل بلا فَصْلٍ، والغالِب إنَّما هو مع التَّأكيد نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} [البقرة: 35] وجوز نَصْبُ (اليتيم) على المَفعول معَه، وهو ضُمَيرة -بضَمِّ المُعجَمَة وسُكون المُثنَّاة تحت وبالرَّاء- ابن سَعيد الحِمْيَري، وهو جَدُّ حُسين بن عبد الله بن ضُمَيْرة. (والعَجُوزُ)؛ أي: أُمُّ سُلَيم السَّابقة. (مِنْ وَرَائِنَا) بالكَسْر على المَشْهور، وجُوِّز فيه الفَتح على أَنَّ (مَنْ) مَوصولةٌ. (انْصَرَفَ)؛ أي: من الصَّلاة، أو مِنْ دارهم، ففي الحديث إجابةُ الدَّاعي في غَيرِ وليمةِ عُرسٍ، والأكَلُ من طَعامها، وصلاةُ الجماعة في النَّفْل، وفي البُيوت، وفي دار الدَّاعي، وتَبرُّكُه بها، قيل: ولعلَّه أَرادَ تعليمَهم الصَّلاةَ مُشاهدة؛ فإِنَّ المرأة قَلَّ ما تُشاهد ذلك في المَسجِد، وتَنظيفُ مكان المُصلِّي، وتَبريدُه، وقيامُ الطِّفل مع الرَّجل في صَفٍّ، وصحَّةُ صلاة المُمَيِّز، وتأخيرُ النِّساء، وأنَّها تَقف وَحْدَها إذا لم تَكُن امرأةٌ أُخرى، وأَنَّ الأَفضَل في نافِلَة النَّهار رَكعتان كاللَّيل، وأَخَذَ منه المَالكيَّة أنَّه لو حَلَف لا يَلبَس ثَوبًا فافتَرشَه حَنِثَ. قال (ن): أجابَ أصحابُنا: بأنَّه لا يُسمَّى لُبْسًا عُرفًا، والأَيمانُ مَنُوطةٌ بالعُرف، وحُمِلَ في الحديث اللُّبْسُ على الفِراش إنَّما هو للقَرينة، ولأنَّه المَفهوم منه، ثم نَضْحُه إنَّما كان ليَلينَ؛ لأنَّه كان من جَرِيْد، ولذَهابِ الغُبار ونحوِه، وقال (ع): إنَّه للشَّكِّ في نَجاستِه،

21 - باب الصلاة على الخمرة

أي: على مَذهبهم أنَّ المَشكوك تَطهيرُه بالنَّضْح من غير غَسْلٍ، لكنْ مذهبُنا لا يَطهُر إلا بالغَسْل. * * * 21 - بابُ الصَّلاَةِ عَلَى الْخُمْرة (باب الصَّلاة على الخُمْرة) 381 - حَدَّثَنَا أبو الْوَليدِ، قالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونة قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ. الحديث فيه -وإنْ سَبق في (باب: إذا أصابَ ثَوبُ المُصلِّي امرأته إذا سَجَد) - بعضُ الإِسناد، ويُخالف ما سبَق، وأيضًا فغَرَض البُخاري في مثله بيانُ مقاصدِ شُيوخه في نَقْلهم الحديثَ، واختلافِ استِخراجاتهم الأَحكامَ. * * * 22 - بابُ الصَّلاَةِ عَلَى الْفِرَاشِ وَصَلَّى أَنسٌ عَلَى فِرَاشِهِ، وَقَالَ أَنسٌ: كنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

فَيَسْجُدُ أَحَدُناَ عَلَى ثَوْبِهِ. (باب الصَّلاة على الفِرَاش) (وقَالَ أَنسٌ) وصلَه في الباب بعدَه. (ثَوْبِهِ)؛ أي: الذي لا يَتحرَّك بحركَته؛ لأن ذاكَ كالجُزء من المُصلِّي. * * * 382 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا قَالَتْ: كنْتُ أَناَمُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرِجْلاَيَ في قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزني، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. الحديث الأَوَّل: (فقَبَضْتُ رِجْليَّ) بتشديد الياء، ولا دليلَ في ذلك على عدَم نَقض الوضوء بلَمْس المرأة؛ لاحتمال أنَّ ذلك بحائلٍ، ثَوبٍ ونحوِه، بل الظَّاهر من حال النَّائِم. وفيه: أنَّ صلاة الرَّجل إلى المرأة صحيحة لا يَقطعُها ذلك، نعم كرهه جمعٌ لغيره - صلى الله عليه وسلم - لمَا فيه من خَوف الفِتْنة، واشتِغال القَلب، أمَّا هو - صلى الله عليه وسلم - فمُنَزَّه، وأَيضًا فالبُيوت يومئذٍ ليس فيها مَصابِيْحٌ، وفيه إِيقاظُ

النَّائم للصَّلاة وغيرها. (والبُيوتُ) إلى آخره، اعتِذارٌ بأَنَّها لَو كان فيها مَصابيحُ لقَبضتُ رجلي عند إِرادته السُّجود ولمَا أَحوجْتُه لغَمْزٍ. (يَومَئِذٍ)؛ أي: وَقْتَئِذٍ؛ لأَنَّ اليومَ يُطلَق بمعنى الوَقْت، وإِلَّا لقَالَ: ليلتَئِذٍ، أي: ثُمَّ وسَّع اللهُ واتخذُوا المَصابيح، ووجْهُ مُطابقته للتَّرجمة قَرينة (أيام)، وسِيَاق الحديث يدلُّ على أنَّ الصَّلاةَ على الفِراش. * * * 383 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرتهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي وَهْيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ. الحديث الثَّاني: (اعتِرَاضَ)؛ أي: مثلَ اعتِراضِ، وهو مفعولٌ مطلقٌ، عاملُه محذوفٌ، أي: معترِضةٌ اعتِراضَ، وفيه نوعُ لَفٍّ ونشرٍ؛ إِذْ (على الفِراش) متعلقٌ بـ (يُصلِّي)، و (اعتراضَ) متعلِّقٌ بعاملٍ بيَّنتُه. (الجنَازَةِ) بالفَتح والكَسر، وهو أَفصحُ، ويقال: بالفَتح: الميِّت، وبالكَسر: النَّعش عليه ميِّتٌ، وقيل: عكسُه. * * *

23 - باب السجود على الثوب في شدة الحر

384 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهُ بنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيثُ، عَن يَزِيدَ، عَن عِراكٍ، عَن عُروَةَ: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ. الحديث الثَّالث: (عِرَاكٍ) بكَسْر العين المُهمَلَة. (عُرْوَةَ) تابعيٌّ، فالحديث مُرسلٌ صورةً، لكنْ سيَأتي ما يَقتضي أنَّه سَمعه من عائشة. (عَلَى الفِرَاشِ) يحتملُ تعلُّقه بـ (يُصلِّي) و (معترِضة). * * * 23 - بابُ السجُودِ عَلَى الثَّوْبِ في شِدَةِ الْحر وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ في كُمِّهِ. (باب السُّجود على الثَّوْب في شِدَّة الحَرِّ) (يَدَاهُ في كُمِّهِ)؛ أي: يدا كلِّ واحدٍ، وإلَّا فكان الوجه: وأيديهم في أكمامهم، ولعلَّه عدَل عنه؛ لأنَّ كلًّا ما كان يَسجد على العِمَامة والقَلَنْسوة كليهما، وكأَنَّ يَدَ الجميعِ في الكُمِّ. * * *

385 - حَدَّثنَا أو الوَليدِ هِشامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ قَالَ: حَدَّثنا بِشْرُ ابنُ المُفَضَّل قَالَ: حَدَّثَنِي غالِبٌ القَطَّانُ، عَن بَكرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَن أَنسِ بنِ مَالكٍ قَالَ: كنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ أَحَدُناَ طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ في مَكَانِ السُّجُودِ. (فيَضَعُ) لا دليلَ فيه على مَنْعِ الشَّافعيِّ ذلكَ؛ لاحتِمال أنَّ الطَّرَف الذي يضعُه لا يتحرَّك بحركته، إما بأنَّه غيرُ محمولٍ للمُصلِّي، أو محمولٌ طويلٌ، وأيضًا فالأَصْل أَنْ يسجُد على الأَرض لحديث: "تَربْ وَجْهَكَ"، فجاز في المحمولِ بدليلٍ، فبقيَ الباقي على الأَصل إذ كان للتضرر، فأُبيحَ. قال (ط): جوَّز السُّجود على ثَوبه لشِدَّة حَرٍّ أو بَرْدٍ مالكٌ والكوفيون؛ لهذا الحديث، أي: وجوابه ما سبق، ومنع الشَّافعي إجزاءَه إلا إِنْ كان جَريحًا. وجوَّز أبو حنيفة السُّجود على كَوْرِ العِمامة، وكَرهه مالكٌ، قال ابن حَبِيْب: فيما خفَّ من طاقاتها، ومنعه الشَّافعية احتِجاجًا بأنَّه كما لم يقُم المسحُ عليه مَقامَ مسح الرَّأس وجبَ أن يكون السُّجود كذلك. قال (ك): فإِنْ قاسَ الخصْمُ على سائر الأَعضاء المَأمور بالسُّجود عليها حيث لم يجب سَتْرُها؛ قلنا: جازَ فيها للإجماع، أو معارَضٌ بحديث: "تَرِّبْ وَجْهَكَ"، فيفسد، أو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يُباشِرُ بجبهته في

24 - باب الصلاة في النعال

السُّجود، ويَسترُ في الباقي، أو أَنَّ القَصْدَ بالسُّجود التذلُّل، وكشْفُ الجبهة فيما ظهَر، وغيرُها ليس كذلك، بل الخُشوع بسَتْرها أظهرُ، ولا قياسَ مع الفَارِق. * * * 24 - بابُ الصلاَةِ في النِّعَالِ (باب الصَّلاة في النِّعال) 386 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الأَزْدِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ: "كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي في نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ. (في نَعْلَيْهِ)؛ أي: علَى نعليهِ أو بنَعلَيه؟ لتعذُّر الظَّرفيَّة. قال (ط): معنى الحديث: أنَّه لا بَأْسَ بالصَّلاة إذا لم يكُن في النَّعلَيْن نَجَسٌ، فإِنْ كان فيُجزِئُ مَسْحُمها بالتُّراب عند طائفةٍ إذا كان رَطْبًا، وقال مالكٌ، وأبو حنيفة: لا يُطهِّره رَطْبًا إلا الماء، فإنْ كان يابِسا أَجزأَ حَكُّهُ، وقال الشَّافعيُّ: لا يُطهِّرُه إلا الماءُ مطلقًا. * * *

25 - باب الصلاة في الخفاف

25 - بابُ الصلاَةِ في الْخِفَاف (باب الصَّلاة في الخِفَاف) 387 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَسُئِلَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مِثْلَ هَذَا. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَكَانَ يُعْجبُهُمْ، لأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ. (فسُئِلَ) بضَمِّ السِّين، أي: عن المَسْح على الخُفَّين. (قَالَ إِبْراهِيْمُ)؛ أي: المَذكور، وهو النَّخَعِي. (فكَانَ)، أي: الحديثُ. (يُعجِبُهم)؛ أي: القَومَ. (مِنْ آخِرِ)؛ أي: سنَة تُوفِّي - صلى الله عليه وسلم -، ووجْهُ الإِعجاب بَقاءُ الحُكْم، فلا نَسْخَ بآيةِ المَائدة كما زعَمَه بعضُهم، وهذا كالذي قبلَه في أنَّ الخُفَّ إِذا كان به قَذَرٌ كان كالنَّعل، قاله (ط). * * * 388 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنِ

26 - باب إذا لم يتم السجود

الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبةَ قَالَ: وَضَّأتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى. الحديث الثَّاني: (مُسْلِمٌ) يحتمل أنَّه البَطِيْن، وهو الظَّاهر، أو ابن صُبَيْح كما سبق في (باب الصَّلاة في الجُبّة الشَّاميَّة). * * * 26 - بابٌ إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ (باب: إذا لم يتمَّ السُّجود) 389 - أَخْبَرَناَ الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ مَهْدِيٌّ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيفَةَ: رَأَى رَجُلًا لاَ يتمُّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ -قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ-: لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. (قَضَى)؛ أي: فعَلَ القَضاءَ بالمعنى الاصطِلاحي. (مَا صَلَّيْتَ)؛ أي: لأَنَّ الكُلَّ يَنتَفِي بانتِفاء جُزءٍ، فانتِفاءُ إتمام الرُّكوع يَلزمُ منه أنْ لا رُكوعَ، فلا صَلاةَ، وكذا السُّجود. (وأَحْسِبُهُ)؛ أي: قال أَبو وائِل: وأَحسِبُ حُذَيْفة قال.

27 - باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود

(لَو مُتَّ) بضَمِّ الميم، مِنْ ماتَ يَموتُ، وبكَسْرها، مِن مات يَمَاتُ. (سُنَّةِ)؛ أي: طَريقة، شاملةٌ للفَرْض والنَّفْل، وقال (ط): أي: ما صلَّيتَ كاملًا، كما يُقال لصانعٍ لم يَأْتِ بالكمال في شيءٍ: ما صنَعْتَ شيئًا، أي: من الكمال، فهو يدلُّ على أَنَّ الطُّمأنينة سُنَّةٌ، ولا يَخفَى بُعْدُ ذلك. * * * 27 - باب يُبْدِي ضبْعَيْهِ ويُجَافِي في السجُودِ (باب يُبدِي ضَبْعَيه)؛ أي: يُظهر، والضَّبْع بسكون المُوحَّدة: وسَطُ العَضُد، وقيل: ما تَحت الإِبِط، أي: لا يُلصِق عضُدَيه بجنبَيه. (ويُجَافي)؛ أي: يَرفَعُ، ويُباعِد. 390 - أَخْبَرَناَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، نَحْوَهُ. (مُضَرَ) بضَمِّ الميم وفتح المُعجَمَة، ورُوي غيرَ مُنصَرِفٍ؛ للعلَمية والعَدْل كعمر، وللعُجْمة.

28 - باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه

(ابْنِ هُرْمُزٍ)؛ أي: عبد الرَّحمن الأَعْرَج. (ابْنِ بُحَيْنَة) صفةٌ لـ (عبد الله)، فمالكٌ مُنَوَّن، ويُكتب ابن بالأَلِف. (فَرَّجَ)؛ أي: بتخفيفِ الرَّاءِ، أي: فَتَحَ. قال السَّفَاقُسِي: رويناه بالتَّشديد، والمعروف في اللُّغة التَّخفيف. (بَيْنَ يَدَيْه)، أي: وبينَ جَنْبَيهِ، لأَنَّ ذاك أَشبَهُ بالتَّواضع، وأَبلَغ في تَمكين الجَبْهة من الأرض؛ قاله (ن). قال (ك): يحتمل أَنَّ بين يَديه على ظاهرِه؛ يعني: قُدَّامه. (إِبْطِه) بإسكان المُوحَّدة لا بكَسْرها، يُذكَّر ويُؤنَّث، وفي بعضها: (إِبطَيهِ)، والمُراد إِما رُؤية بياضه حقيقةً، لعدَم السَّاتِر، أو على إِضمارٍ، أي: بياض ثَوب إبطه. (وقَالَ اللَّيْثُ) عطفٌ على (بَكْر). (حدَّثني جَعْفَرٌ)؛ أي: بخلاف ما سبَق من بَكْر؛ فإنَّه بالعَنْعَنة. ووجْهُ دلالته على التَّرجَمة: أنَّه أَراد [أن] يُصلِّي، أي: سجَد، من إطلاق الكُلِّ على الجُزء، وإذا فَرَّج بين يدَيه لا بُدَّ من إِبداءِ ضَبْعَيه والمُجافاة. * * * 28 - بابُ فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يَسْتَقْبِلُ بأَطْرَاف رِجْلَيْهِ قَالَ أبو حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب فضْل استِقبال القِبْلة) (بأَطْرَافِ)؛ أي: برُؤوس أصابعهما. (أبو حُمَيْد) بضَمِّ المُهمَلَة اسمه عبد الرَّحمن، وقيل: المُنْذِر، وقيل: اسمُه كُنيتُه. وهذا التَّعليق وصلَه البُخاري مُطوَّلًا في (باب الجلوس في التشهُّد). * * * 391 - حَدَّثنا عَمْرُو بنُ عَبّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنا ابنُ المَهْدِي قَالَ: حَدَّثَنا مَنْصُورٌ بنُ سَعْدٍ، عَنْ مَيْمُونِ بنِ سِياهٍ، عَن أَنس بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صلَّى صَلاَتنا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأكلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا الله في ذِمَّتِهِ". الحديث الأَوَّل: (عبَّاس) بتشديد المُوحَّدة. (ابن مَهْدي)؛ أي: عبد الرَّحمن. (سِيَاه) بكسر المُهمَلَة وبالمُثنَّاة تحت، وآخرُه هاءٌ، مصروف، وقيل: ممنوعٌ؛ لفظٌ فارسيٌّ، أي: أَسْوَد. (فذَلِكَ) بفتح الكاف، وهو مبتدأٌ خبرُه: (المُسلم)، أو المَوصول. (ذِمَّةُ)؛ أي: أَمان، أو عَهْد، أو الذِّمام، وهو الحُرمة.

(تُخْفِرُوا) بضَمِّ التَّاء وسُكون المُعجَمَة وكَسر الفاء، أي: لا تَخونوا الله في تَضييعِ مَنْ هذا سبيلُه، وهذا أصوبُ مِنْ فَتح التَّاء وكَسْر الفاء؛ لأَنَّ (خَفَرَ) إنَّما هو بمعنى حَمَى، وأَخفَرَ: غَدَرَ به، ونقَضَ عَهْدَه، واكتفَى هنا بذِكْر الله عز وجل دُونَ ذِكْر الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه لازِمُه، وإنَّما ذُكِرَ أَوَّلا للتَّأكْيد. قال (خ): فيه أَنَّ أُمورَ النَّاس في مُعاملة بعضِهم لبعض تَجري على ظاهرِ أَحوالهم دُون باطنها، وأَنَّ مَنْ أظهر شِعار الدِّين وتَشكَّل بشَمائل أهلِه أُجري عليه أَحكامُهم، ولم يُكشَف عن باطِن أَمْره، كغَريبٍ عليه زَيُّ المُسلمين يُحمَل على أنَّه مسلم حتَّى يَظهَر خِلافُه. قال (ط): وفيه تَعظيمُ شأن القِبْلة، وهي من فرائضْ الصَّلاة التي هي أعظمُ القُرَب، ومَنْ ترَكَها فلا صلاةَ له، فلا دينَ له. * * * 392 - حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا وَصَلَّوْا صَلاَتنا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ". الحديث الثَّاني: (حدثنا نُعَيْم)؛ أي: ابن حَمَّاد، وهذا رواية أبي ذَرٍّ الهَرَوي،

وزعَم أبو نُعَيْمٍ في "المُستخرج" أنَّه ذكَره عن ابن المُبارَك تَعليقًا، نعَمْ، وصلَه الدَّارَقُطْني من طريق نعيْم. (النَّاسَ) خُصَّ من عُمومه أهلُ الجِزْية ونحوِهم بدليلٍ، كما سبَق بيانُه في (باب فإِنْ تابوا وأقاموا الصَّلاةَ)، في (كتاب الإيمان)، وسبق هناك مَباحث الحديث. (لا إلَهَ إِلَّا الله) اكتَفَى بها عن: محمَّدٌ رسولُ الله، لاستِلزامها إِيَّاها عند التَّحقيق، أو هو شِعارٌ له، كما يُقال: قَرأتُ: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1 - 2] , والمُرادُ كلُّ السُّورة، لا يُقال: فإِذَنْ لا يحتاج لما ذَكَر بعدُ؛ لأَنَّا نقول: ذُكِرَ للتَّصريح به وتأكيد أَمره، أو كَنَّى عنها بما ذَكَر من الصَّلاة والاستِقبال والذَّبْح؛ لأنَّها من خَواصِّ دينه، فإنَّ من يقول: لا إله إلا الله كاليَهود وبعضِ النَّصارى لا يُصلُّون برُكوعٍ، وقِبْلتُهم غيرُ الكعبة. (وصَلَّوا) إلى آخره، خُصَّت بالذِّكر من بين سائرِ الأركان، وواجباتِ الدِّين؛ لأنَّها أظهرُ وأعظمُ وأسرعُ عِلْمًا، لأَنَّ في اليوم تُعرف صلاةُ الشَّخص وطعامُه غالبًا، والصَّوم إنَّما يُعلَم في السَّنة، وكذا الحَجُّ يتأخر سنين، وقد لا يَجبُ أصلًا. (ذَبِيْحَتَنَا) السِّيَاق وإِنِ اقتضَى أَنْ يُقال: أكلوا ذبيحتَنا، لكنَّ المُراد ذَبَحوا مثلَ ذَبيحتِنا، أي: مذْبوحَنا، فلحقتْه التَّاء، فإِنْ كان فَعِيْل بمعنى مَفعول يَستوي فيه المُذكَّر والمُؤنَّث؛ لغلَبة الاسميَّة عليه، وإنَّما يَستوي الأَمران فيه عندَ ذِكْر المَوصوف.

(حُرِّمَتْ) بضَمِّ أوَّله وتَشديد ثانيه، أو بفَتح الأَوَّل وضَمِّ الثَّاني. * * * 393 - قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَناَ يَحْيَى، حَدَّثَنَا حُمَيْد، حَدَّثَنَا أَنسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! مَا يُحَرِّمُ دَمَ الْعَبْدِ وَمَالَهُ؟ فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلاَتنا، وَأكلَ ذَبِيحَتَنَا، فَهُوَ الْمُسْلِمُ، لَهُ مَا لِلْمُسْلِم، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِم. الحديث الثَّالث: (عَلِيُّ)؛ أي: ابن المَدِيْني. (وما) استِفهامٌ. (صَلاتنا) مفعولٌ به، أو مفعولٌ مطلقٌ. (له)، أي: من النَّفْع. (عليه)؛ أي: من المَضَرَّة، والتَّقديم للحَصْر، أي: له ذلكَ لا لغَيره، ووجْهُ مُطابَقة جواب أنَس للسُّؤال عن سبَب التَّحريم أنَّه يَتضمَّنُه، فهو مطابقٌ له وزِيادةٌ. (وقال ابنُ أَبيِ مَرْيَم) هو سَعيد بن الحكَم. (يَحيَى) هو الغَافِقِيُّ، بمعجمة وبفاء ثم قاف، ذكَره البُخاريُّ استِشهادًا وتَقويةً، وإلا فقد قال أحمد: إنَّه سيِّءُ الحِفْظ.

29 - باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق

وفائدة هذا الإِسناد: أَنَّ ما رواه ابن المَدِيْني مَوقوفًا هو مَرفوع من هذه الطَّريق، وفي بعضها ذكَره قَبلَ المَوقوف، نعمْ، وصلَه محمَّد بن نَصْر المَروَزي في كتابه "تعظيم الصَّلاة"، والبيهقي، وابن مَنْدَه في "الإيمان". قال (خ): اختِلاف الرِّوايات: في بعضها: (حتى يَقولوا: لا إله إلا الله)، وفي بعضها: (ويُقيموا الصَّلاة، ويُؤتوا الزَّكاة)، وفي بعضٍ ما ذُكِرَ هنا؛ لاختِلاف الأَحوال والأَوقات، وكانت أُمور الدِّين تُشرَع شيئًا فشيئًا، فخرج كلُّ قولٍ على شرطٍ للمَفروض في حينه بحقْن الدَّم، وبعصمة المال، فلا مُنافاةَ ولا اختلافَ. * * * 29 - بابُ قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشام وَالْمَشْرِقِ لَيْسَ في الْمَشْرِقِ وَلاَ في الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا). (باب قِبْلة أَهل المَدينة وأَهلِ الشَّام)؛ أي: باب حكم قِبْلَة أهل المدينة والشَّام في استقبالها واستدبارها المَنهيِّ عنه. (والمَشْرِقِ) ظاهر كلام (ط): أنَّه بالخفْض عطفٌ على المَجرور قَبلَه؛ إذ قال: إنَّ المراد بالمَشرق مَشرق الأَرض كلِّها المَدينةِ والشَّامِ

وغيرهما، ومثلُه مَغربهما، وهو مغرب الأَرض كلِّها إلا أَنَّ البُخاريَّ اكتفى بذِكْر المَشرق؛ لأَنَّ حكم المَغرب مثلُه، ولأَنَّ المَشرق أكثرُ الأَرض المَعمورة، وبلادُ الإِسلام في جِهة المَغرب قليلة، ومُراده بالمَشرق والمَغرب: أي: الذين من ناحية المَدينة والشَّام، بخلاف مَشرق مكَّة ومَغربها، وكلُّ البلاد التي تحتَ الخط المارِّ عليها من مَشرقها إلى مَغربها، فإنها مخالفة للمَشرق والمَغرب للمدينة والشَام، وما كان في جهتهما في حكم اجتِناب الاستِقبال والاستِدبار بالتَّشريق والتَّغريب؛ فإِنَّ أولئك إذا شرَّقوا أو غرَّبوا لا يكونون مُستقبلي الكعبة ولا مُستدبريها، ومَشرق مكَّة ومَغربها وما بينهما متى شرَّقوا استدبَروا، أو غرَّبوا استقبلوها، فيَنحرفون حينئذٍ للجنوب أو الشَّمال، وهو معنى قول البُخاري. (لَيْسَ في المَشْرِقِ ولا في المَغْرِبِ قِبْلَةٌ)؛ أي: ليس في التَّشريق والتغريب في المدينة والشَّام -والمَشرق والمَغرب لهما ولناحيتهما- مُواجَهةُ قِبْلَةٍ، فأطلَقَ المَشرق والمَغرب على التَّشريق والتَّغريب، هذا حاصل نَقْل (ك) عنه. وقال (ش): قال (ع): ضبَط أكثرُهم المَشرق بضَمِّ القاف، وهو الصَّواب لمَا في الكسْر من إشكالٍ، وهو إثباتُ قِبْلةٍ لهم، وإنَّما الرَّفعْ بالعطف على (باب) على حَذْف مُضافَين، والأصل: وبابٌ: حكمُ المَشرقِ، ثم أُقيم المُضاف إليه مُقام المَحذوف فرُفِعَ، وذكَر السُّهَيْلي نحوَه؛ لأن حكم المَشرق يخالف حكم المدينة والشَّام، ألا تَرى كيف

خصَّه بالذِّكْر فقال: ليس في المَشرق ولا في المَغرب قِبْلَةٌ؛ يعني: ليس في التَّوَجُّه إليهما مُواجهةُ قِبْلَةٍ باستقبالٍ واستدبارٍ؛ إذ هو جَنوبٌ أو شِمالٌ. قال (ش): ومَنْ خفَضَ جعَل البابَ للكُلِّ، لكنْ تقديرُه كما سبق، فجُملة (ليس) استئنافٌ خارجٌ عمَّا أُضَيف إليه (بابُ)، نعمْ، في بعض النُّسَخ إسقاط لفظ: (قِبْلَةٌ) بعد: (والمَغرب)، فيتعيَّنُ تنوين (بابٌ)، فيكون (قبلةٌ) مرفوعًا على الابتداء، خبرُه (ليس ...) إلى آخره، بتأويلِ قِبْلَةٍ بـ (مُستقبَل) لسُقوط التَّاء من (ليس). (لِقَوْلِ) هو تَعليقٌ وصلَه في الباب وغيره، وسبق بيان شَرحه في (كتاب الوضوء). * * * 394 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي أيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أتيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا"، قَالَ أبُو أيوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ الله تَعَالَى. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَهُ.

30 - باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}

(وعن الزُّهري) راجعٌ إلى حديث سُفيان، إلا أَنَّ هذا بعَنْعَنْةٍ في غير أبي أيُّوب؛ فإنَّه بلفظ: سمعتُ، والأَوَّل بـ (حدثنا)، إلا في عَطاء وأبي أيوب فبـ (عن)، فهو فائدةُ إعادةِ السَّنَد بعينه. * * * 30 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (باب قول الله عز وجل {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]) على قراءة: {وَاتَّخِذُوا} [البقرة: 125] بالأَمر، أي: وقُلنا لهم: اتَّخِذُوا، أو قراءته فعلًا ماضيًا عطْفًا على (جَعَلْنا). ومقام إبراهيمِ: هو الحَجَر الذي فيه أثَر قدَمَيه، ومَوضع الحجَر الذي كان حين وضع قدَميه عليه، وعن عطاء: هو عرَفة ومُزدلفَة، وعن النَّخَعِي: الحرَم كلُّه. ومُصَلَّى: مَوضع صلاةٍ، وقيل: مُدَّعًا، وقال الحسن: قِبْلَة. 395 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأتهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ ركعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ، وسأَلْنَا جابرَ بنَ عَبْدِ اللهِ فقال: لا يَقْرَبَنَّهَا حتَّى يطوفَ بين الصَّفَا والمَرْوَةِ.

الحديث الأَوَّل: (للعُمْرَةِ) في بعضها بدون لام الجر، لكنْ بتقديرها. قلتُ: فيكون مفعولًا لأجله بالتَّعريف، وتأويل العُمرة بالاعتمار. (ولَمْ يَطُفْ)؛ أي: لم يَسْعَ، فأَطلق عليه ذلك؛ لأَنَّ فيه طَوافًا، قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، وفيه أيضًا مُشاكَلةٌ لقوله: (فطَاف بالبَيت). (أيَأْتِي)؛ أي: لكَون التَّحلُّل بالطَّواف؛ إِذْ لا تحلُّل إلا بالسَّعي. (أُسْوةٌ) بالضمِّ والكَسْر، أي: قُدوةٌ، لا سِيَّما وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ". ففيه وجوبُ السَّعي للعُمرة، وأَنَّ الطَّواف سبعةُ أشواطٍ؛ نعمْ، قيل في الصَّلاة: إنَّها سُنَّة، وقيل: واجبة، وقيل: إن كان الطَّواف واجبًا فواجبة، أو سنةً فسنة. * * * 397 - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دخَلَ الْكَعْبَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلاَلًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلًا فَقُلْتُ: أَصلَّى النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - في الْكَعْبةِ؟ قَالَ: نعمْ، ركعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيتيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِه إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى في وَجْهِ الْكَعْبةِ ركعَتَيْنِ.

الحديث الثَّاني: (يحيى)؛ أي: القَطَّان. (سَيْفٍ) بفتح المُهمَلَة وسُكون المُثنَّاة تحت ثم فاء: ابن سُليمان. (وأَجِدُ) أتى به مضارعًا، والمُناسب لمَا سبَق: وجدتُ؛ لحكاية الحال، أو استِحضار لتلك الصُّورة. (بَينَ البَابَينِ)؛ أي: مِصْرَاعَي الباب؛ إذ لم يكنْ للكعبة حينئذٍ إلا بابٌ واحدٌ، أو باعتبار أن في زمن إبراهيم -عليه السَّلام- كان لها بابان؛ لأَنَّ ابن الزُّبَيْر جعَل لها بابَين، وفي بعضها بدل البابين: النَّاس. (السَّارِيتينِ)؛ أي: الأُسطُوانتَينِ. (يَسَارِه)؛ أي: يَسَارِ الدَّاخل، أو يَسار البيت، أو هو من الالتِفات، وإلا فكان الوجْه: يسَارِكَ؛ لتُناسب: دخلتَ الذي أُريد به العُموم مثل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} [السجدة: 12]. وفيه جواز الصَّلاة داخل الكعبة. (في وَجْهِ) ظاهره: عند مقام إبراهيم، وبه تحصل مُطابَقة التَّرجَمة، ويحتمل جِهَة الباب عُمومًا. * * * 398 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَناَ

ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ دَعَا في نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ ركعَ ركعَتَيْنِ في قُبُلِ الْكَعْبَةِ وَقالَ: "هَذِهِ الْقِبْلَةُ". الحديث الثَّالث: (ابن جُرَيْجٍ) هو عبد المَلِك بن عبد العَزيز بن جُرَيْج. (ولَمْ يُصَلِّ) حديث بِلال أنَّه صلَّى أَرجحُ منه؛ لأنَّه لم يثبت أَنَّ ابن عبَّاس دخَل مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو مُرسل صحابي. قال (ن): أجمع أهل الحديث على الأَخذ برواية بلال؛ لأنَّه مثبِتٌ، ومعه زيادةُ عِلْم، وأما نَفيُ من نفَى كأُسامة فلاشتِغاله بالدُّعاء في ناحية حين رأَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَدعو، وبلالٌ كان قَريبًا منه، فلم يحفظ أُسامة ذلك لبُعده، وإغلاقِ الباب، وخفَّةِ الصَّلاة، وشغلِه بالدُّعاء، فنفَى لظنِّه. قيل: ويحتمل أنَّه - صلى الله عليه وسلم - دخلَ مرَّتين، مرَّة صلَّى، ومرَّة دعا ولم يُصلِّ. (ركعَ)؛ أي: صلَّى، من إِطلاق الجُزء على الكُلِّ، وفيه أَنَّ تطوُّع النَّهار يُستحبُّ مَثْنى. (قُبل) بضَمِّ القاف والمُوحَّدة ويجوز إسكانها؛ أي: مقابلها الذي يستقبلك منها، والظَّاهر أنَّه مقام إبراهيم، كما سبق. قال (خ): المعنى في ذلك أنَّه استقرَّ استِقباله، فلا يُنسخ أبدًا، أو

31 - باب التوجه نحو القبلة حيث كان

علَّمهم بذلك سُنَّةَ مَوقِف الإِمام في وجْهها دون أَركانها وجوانبها الثَّلاثة، وإنْ كان الكُلُّ جائزًا، أو أنَّ حُكم الشَّاهد مُخالفٌ لحُكم الغائب؛ لأنَّه بالاجتِهاد، وهذا فائدة قوله: (هذهِ القِبْلةُ) وإنْ كانوا عرَفوها قديمًا. قال (ن): أو المعنى: هذه الكعبةُ هي المسجد الحرام الذي أُمرتم باستقباله، لا كلُّ الحرَم، ولا مكَّةُ، ولا مَحلُّ المَسجد الذي حَول الكعبة بل كلُّ الكعبة نفسِها. * * * 31 - بابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ وَقَالَ أَبو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ". (باب التَّوجُّه نحو القِبْلة)؛ أي: ناحيتَها. (حيثُ كانَ) هي تامَّة، كما قال تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} [البقرة: 144]. (وقالَ أَبو هُرَيْرة) هذا التَّعليق وصلَه في باب الاستِئذان من جُملة حديث المسيء صلاته. * * *

399 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ستَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}، فتوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ -وَهُمُ الْيَهُود- {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُل ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ في صلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فتحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ. الحديث الأَوَّل: (استَقْبِلْ)؛ أي: تَوجَّهْ إليها حيثُ كنتَ. (المَقْدِسِ) بفتحٍ ثم كسر الدَّال، أو بضَمِّ ثم فتحها مشدَّدةً. (نَحوَ ستَّةَ عشَرَ)؛ أي: من الهجرة، أما في مكَّة فكان يَستقبلُه أيضًا على الأصحِّ. (أو سَبْعةَ عشَرَ) شكٌّ من الرَّاوي، وسبق بيانه. (أَنْ يُوَجَّهَ) بالبناء للمفعول، أي: يُؤمَر بالتَّوجُّه. (المَسْحد الحَرَام)؛ أي: الكَعْبة، كما سبَق. (فتَوَجَّه)؛ أي: بعد نُزول الآية وفيها: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144].

(رجُلٌ) سبق في (كتاب الإيمان) أنَّه عَبَّاد بن بِشْر، وفي بعضها: (رجالٌ)، بإفراد قوله: (ثم خَرَجَ) باعتبار واحدٍ منهم، أو المُراد خرَج خارجٌ. (ما صَلَّى) يحتمل أنَّ (ما) مصدريةٌ، أو موصولة. (العَصْرِ) لا يُنافي ثبوتَ الرِّواية في الصُّبح بقُبَاء؛ لأنَّ العَصْر ليومٍ بالمدينة، والصُّبح لأهل قُبَاء في اليوم الثَّاني؛ لأنَّهم خارجون عن المدينة من سَوادها. (فَقَالَ)؛ أي: الرَّجل، يعني نفسَه، فالتَّعبير عن النَّفس بلفظ الغَيبة جائزٌ مُطَّرِد، إما بالتَّجريد من نفسه شخصًا، وإما بطَريق الالتِفات أو باعتِبار القائل، أو الرَّجل، أو نحوه، كما تقول لشخصٍ: العبدُ يُحبُّك، تريد: أنا أحبُّك، أو أنَّ الرَّاوي نقَل بالمعنى، وإنَّما لفظه: أنا أَشهدُ. قال (خ): فيه قَبول خبَر الواحد، وصحَّة صلاتِهم قبل النَّسخ، وكذا العمل بكلِّ منسوخٍ قبل أن يجيءَ ناسخُه، ويُستدَلُّ به في تصرُّف الوكيل إلى أَنْ يأتيَه خبرُ عزلِ المُوكِّل له. قلتُ: الرَّاجح انعِزالُه بالعَزْل قبلَ أَنْ يَبلُغَه. قال: وفيه حُجَّةٌ لتأخير البيان عن وقت مورده. قال (ن): وعلى جواز النَّسخ ووُقوعه، وأنَّ النَّسخ لا يثبُت في حقِّ المُكلَّف حتى يبلغه، وجوازُ الصَّلاة إلى جهتين، وسبق كونه نُسِخَ

بالقَطْع لا بالظَّنِّ، وأنَّ استقبال بيت المَقدِس هل كان بالقرآن، أو بالسُّنَّة في (باب الصلاة من الإيمان)، وفوائدُ أُخرى. * * * 400 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. الحديث الثَّاني: (تَوَجَّهَتْ)؛ أي: الرَّاحلة، والمُراد تَوجُّه صاحبها؛ لأنَّها متابعةٌ لقَصْد توجُّهه. ووجْه مُطابقة هذه للتَّرجمة: أنَّ المُراد بالتَّرجَمة التَّوجُّه للقِبْلة في الفريضة. * * * 401 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ- فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحَدَثَ في الصَّلاَةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا

بِوَجْهِهِ قَالَ: "إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ في الصَّلاَةِ شَيْءٌ لَنبَّأتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَناَ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كمَا تنسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُوني، وَإِذَا شَكَّ أَحدُكُمْ في صَلاَتِهِ فَلْيتحَرَّى الصَّوَابَ، فَلْيتمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ ليُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ". الثَّالث: (إِبراهِيْمَ)، أي: ابن يزَيْد النَّخَعِي، وقيل: المُراد بإبراهيم: ابنُ سُوَيْد النَّخَعِي. (قالَ إِبْراهِيْمُ: لا أَدْرِي زَادَ أَو نَقَصَ) هو إدراجٌ من منصور، والضمير في زاد ونقص عائدٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والفِعلان هما هنا مُتعدِّيان، وإن كانا يَرِدان ناقصَين. (أَحَدَثَ؟) استِفهامٌ عن حُدوث شيء من الوحي، فوجَبَ تغيير الصَّلاة بزيادةٍ أو نقْصٍ. (كَذَا وَكَذَا) كِنايةٌ عمَّا وقَعَ من زيادةٍ أو نقْصٍ. (فثَنَى) بالتَّخفيف مُشتَقٌّ من الثَّنْي أو التَّثنية، وهو العَطْف، أي: جلَس كهيئة قُعود التَّشهد. (لَنبّأتُكُم)؛ أي: أَخبَرتُكم به، ففيه أنَّه كان يجب عليه تَبليغُ الأَحكام إلى الأُمَّة، وحَذَف مفعولا نبّأ الثَّاني والثَّالث، فهما لا يَتفارقانِ حذْفًا وإِثباتًا. (أَنْسَى) بهمزةٍ مفتوحةٍ وسينٍ مُخَفَّفة، ومَنْ قيَّده بضَمِّ أوَّله

وتَشديد ثالثه لم يُناسب التَّشبيه. (فَذَكِّرُوني)؛ أي: في الصَّلاة بالتَّسبيح، ونحوه. (فلْيتحَرَّ)؛ أي: فلْيَجتهِد، وقال الشافعي: فليقصد الصَّواب، أي: يَأخذ باليقين، وهو البِناء على الأَقلِّ، وقال أبو حنيفة: معناه البناء على غالب الظَّنِّ، ولا يَلزم بالاقتِصار على الأَقلِّ، والتَّحرِّي على قَول الشَّافعي غير جارٍ على ظاهره؛ لأنَّه إذا عمل باليَقين؛ فأين مَحلُّ الاجتِهاد؟ (عَلَيهِ)؛ أي: بانيًا عليه، فضمَّنَ الإِتمامَ معنى البِناء. (ثم يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ) أتَى بهما بلفظ الخبَر دُون الأَمر من قَبْلهما؛ إما لأنَّهما كانا فائتَين يَومئذٍ بخلافِ التَّحرِّي والإِتمام، فإِنَّهما ثبَتا بهذا الأَمر، أو للإِشعار بأنَّهما ليسا بواجبَين، والمُراد بعدم وُجوب السَّلام، أي: كونه قبلَ السَّجدتين، أما هو في نفسه فواجبٌ قطعًا، على أنَّه أوجَزُ ما لم يَمتنع، وكان الكلُّ أوامرَ، بل في بعضِها: ثم ليُسلِّم، بزيادة اللام. (سَجْدَتَيْنِ) فيه أنَّهما سجودُ السَّهو لا واحدةٌ كالتِّلاوة. فإنْ قيل: اقتصاره دليلٌ على أنَّ سهوَه كان بزيادة، إِذْ لو كان بنقصٍ لتَداركَه قبلَ أَنْ يسجُد، فكيف قال إبراهيم: لا أَدري؟ قيل: ليس كلُّ نقصٍ يجب أن يُتدارَك، بل ذلك الواجبُ، أمَّا الأبعاض فلا، وإنَّما رجَع إلى الصَّلاة بعد تكلُّمه بقوله: وما ذاك؛

لأنَّه: إما قَبل تحريم الكلام في الصَّلاة، وإما كلامُ غيرِه معَه، فيحتمل ذلك، وأَنْ يكون الخِطَاب للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يُبطل، أو أنَّه قليلٌ، وهو في حكم السَّاهي أو النَّاسي؛ لظنِّه أنَّه ليس في صلاةٍ. ثم إِنَّ سُؤالَه إيَّاهم ليتذكَّر لا أنَّه عَمِلَ بقولهم؛ لأَنَّ المُصلِّي لا يَرجع إلى قولِ غيره، أو أَنَّ قولَ السَّائل أحدثَ شكًّا، فسجَد بسبب حُصول شَكٍّ، فلا يكون رُجوعًا إلا إلى حالِ نفَسِه. واعلم أنَّ آخر الحديث يَدلُّ على أَنَّ سُجود السَّهو بعد السَّلام، وأوَّله على عكسه، فنَشأَ الخِلاف، فقال الشَّافعي: هو بعد السَّلام مطلقًا تَرجيحًا للقول على الفِعل؛ لأنَّه أَدلُّ على المَقصود، أو أنَّه أُمر بالسُّجود بعد السَّلام بَيانًا لجَوازه، وهو فِعْل الأَفضل. قال (ن): الخلاف في الأفضل، ولا خلافَ في أنَّ كلًّا يُجزئ، ولا تفسد صلاتُه، فقيل: يُخيَّر بين قَبله وبعده مطلقًا، وقال الشَّافعي: قَبْلُ مطلقًا، وقال أبو حنيفة: الأَفضل بعد مطلقًا، وقال مالك: إِنْ كان بزيادةٍ فبعد السَّلام، أو بنقصٍ فقَبل. وقال (ن): وفيه جَواز النِّسيان في الأَفعال على الأَنبياء، ولكن لا يُقَرُّون عليه، فقال أكثر: يُشترط تنبُّهه على الفَور، وجوَّز طائفةٌ تأخيرَه مدَّةَ حياته، ومنَع قومٌ السَّهو عليه في الأفعال البلاغية كما أجمعوا على الأَقوال البلاغية. وفيه أنَّ سجود السَّهو على هيئة سجود الصَّلاة المُعتاد، وأنَّه

32 - باب ما جاء في القبلة، ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة

لا يَتشهَّد له، وأَنَّ كلام من ظَنَّ أنَّه فيها لا يُبطلها، وأمرُ التَّابع بتذكير المتبوع، وأنَّه لا يؤخَّر البيان عن وقت الحاجة. قال (ك): وأنَّ من تَحوَّل عن القِبْلة ساهيًا لا يُعيد، وإِقبالُ الإمام على الجماعة بعد الصَّلاة. * * * 32 - بابُ مَا جَاء في الْقِبْلَة، وَمَنْ لاَ يَرَى الإِعَادةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في ركعَتَيِ الظُّهْرِ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ أتمَّ مَا بَقِيَ. (باب ما جاءَ في القِبْلة) (فصَلَّى) الفاء تفسيرية؛ لأنَّه تفسيرٌ لـ (سَها). (وقَدْ سَلَّمَ) هذا التَّعليق وصلَه البُخاري في "الصَّحيح" من طرُقٍ إلا قولَه: (وأَقبَلَ على النَّاسِ بوَجْهه)، فإنَّها في "المُوطَّأ" عن داود بن الحُصَيْن، عن ابن أبي سُفيان، عن أبي هُريرة. (مَا بَقِيَ)؛ أي: الرَّكعتَين الأَخيرتَين، ووجْهُ ذكْرِه في التَّرجَمة أنَّه بالإقبال بوَجْهه يُصلِّي لغير القِبْلة سَهوًا؛ لأنه يظن أنَّه في غير الصَّلاة. * * *

402 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي في ثَلاَثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوِ اتَّخَذْناَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجبْنَ، فَإنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. 402 / -م - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا. الحديث الأَوَّل: (هُشَيْم)؛ أي: ابن بَشِيْر. (حُمَيْد)؛ أي: الطَّويل. (وَافَقْتُ رَبِّي)؛ أي: وَافقَني ربِّي فيما أردتُ أَنْ يكون شَرعًا، لكنْ راعَى الأدَبَ في إسناد المُوافقَة لنَفْسه. قلتُ: لا يَحتاج؛ فإنَّ مَن وافقَك فقَد وافَقتَه، وهذه المَوافقَة غيرُ معنى مُوافقَة امتِثالِ أَو أمر الرَّبِّ تعالى؛ فإنَّ ذلك على الإِطلاق، وهذا في نُزول الآية على وَفْق قوله. (في ثَلاثٍ)؛ أي: قَضايا، وقال (ك): أُمورٍ، ثم اعتَذر عن إسقاط التَّاء بأنَّه إِذا لم يكُن المَعدود مذكورًا يجوز التَّذكير والتَّأنيث، وقد جاءتْ

له مُوافقاتٌ غير ذلك، كمَنعْ الصَّلاة على المُنافقين، وعدَمِ الفِداء في أُسارى بَدْرٍ، وتحريمِ الخَمْر، وغيرِ ذلك، فإِمَّا لأَنَّ العدَد لا يَنفي الزَّائد، أو أنَّ قولَه ذلك قَبْلَ المُوافقة في غير الثَّلاث. (لَو) جوابُها محذوفٌ، أو هي للتَّمنِّي، فلا جوابَ لها. (وآيَةِ الحِجَاب)؛ أي: قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] وعطفُه على مُقدَّرٍ؛ أي: اتخاذِ مصلًّى من مقام إبراهيم، وهو بدلٌ من قوله: (ثَلاثٍ)، فتكون (آية) هنا بالجرِّ، ويحتمل رفعُه بالابتِداء، ونصبُه على الاختِصاص، فتُرفع (آية)، أو تُنصب. (البَرُّ) بفتح المُوحَّدة، صفةٌ مُشبَّهةٌ. (الغَيْرَةِ) بفتح المُعجَمَة، وستَأتي القِصَّة في سورة التَّحريم. ووجه مطابقة الحديث التَّرجَمة: رجوعُه للجزء الأَوَّل فيها كما دلَّ الحديث بعدَه على الجزء الآخر، فكلاهما وفَّيَا بهما، لكن هذا على تَفسير مَقام إبراهيم بالكَعْبة وما يتعلَّق بها، وهو أظهر، لأَنَّ المُتبادر من مقام إبراهيم الحَجَر الذي وقَف عليه، وموضعه مشهورٌ، وهو معنى قول (ح): إنَّه سأَل أَنْ يكون مَقام الحَجَر مُصلى بين يدَي القِبْلة يقوم عنده، فنزلت الآية. (وقالَ ابنُ أَبِي مَرْيَم) ابن سعيد، هذه رواية أبي ذَرٍّ، ورواية غيره: (حدَّثنا)، وسيَأتي الحديث في تفسير البقرة، وإنَّما استشهد بذلك دفعًا لمَا في الإسناد السَّابق من ضعفِ عَنْعَنة هُشَيْم؛ إذ قيل: إنَّه مُدَلِّسٌ؛ على أنَّ معَنعَن "الصَّحيحين" كلَّه مقبولٌ؛ لثُبوت اتصاله من

طُرُفي أُخرى، سواءٌ استشهد له، أو ذُكر متابعة، أو لا، وإنَّما لم يجعل هذا الإسنادَ أصلًا لمَا في يَحيَى من سُوءِ حفْظه. قال (ط): ولأنَّ ابن أبي مَرْيَم ذكَره مُذاكرةً، أي: على روايةِ (قال)، لا روايةِ (حدَّثنا). * * * 403 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ في صَلاَةِ الصُّبْح إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآن، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبةِ. الحديث الثَّاني: (قُبَاء) بالمَدِّ، والتَّذكير، والصَّرف، على الأشهر، سبَق بيانه. (الصُّبْح) سبَق أنَّ هذا غير الجماعة في العصر، وأَنَّ ذلك بالمدينة، وهذا خارجٌ عنها. (آتٍ) قيل: عَبَّاد بن بِشْر، وقيل: ابن نهيْك، وقيل: ابن وَهْب. (قُرآنٌ) نُكِّر؛ لأنَّ القَصْد البعض. (فاستَقْبَلُوها) بفتح الباء عند أكثر رواة البُخاري، خبَرٌ، أو كسرها كما رواه الأَصِيْلي على أنَّه أمرٌ.

(وكَانَتْ) إلى آخره، هو كلامُ ابن عمر لا الرَّجل الآتي لهم. ووجْه مطابقته للتَّرجمة: أنَّهم استقبلوا في أوَّل الصَّلاة القبلةَ المَنسوخة جاهلين بالنَّسخ، فهو كالنِّسيان، فصدَق أنَّهم سَهَوا، فصلَّوا لغير القِبْلة، ولم يُؤمَروا بإعادةٍ، وقد سبَق أنَّه على الشِقِّ الثَّاني من التَّرجَمة، أو مطلقًا. * * * 404 - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قالَ: صلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقَالُوا: أَزِيدَ في الصَّلاَةِ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: صلَّيْتَ خَمْسًا، فَثنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. الحديث الثَّالث: (ومَا ذَاكَ؟)؛ أي: ما سببُ هذا السُّؤال؟ وهذا وجه التَّرجَمة؛ لأنَّه زمانَ المُكالَمة كان غير مُستقبلٍ؛ لرواية: (أَقبَل على النَّاس)، وأيضًا فالعادة ذلك في المَكالَمة، وهو في صلاةٍ بدليل أنَّه لو أحدَثَ بطلَت، وهو يظُنُّ سَهوًا أنَّه ليس في صلاةٍ، ولم يُعِدِ الصَّلاة. قال (ط): في وجوب الإعادة على مَنِ اجتهد في القِبْلة وأَخطَأ خِلافٌ، فقال أبو حنيفة: لا يُعيد، وعليه جَرَى البُخاري تعلُّقًا بأنَّه لم يُعِد، ولم يأمُر بالإعادة في هذه الأحاديث، مع أنَّهم كالمُجتهد في القِبْلة.

33 - باب حك البزاق باليد من المسجد

قال النَّخَعِي: إنْ عَرَف الخطأَ قَبْل الفَراغ لا يُعيد ذلك البَعضَ بل يَبني عليه كأهل قُبَاء، وقال مالكٌ: يُعيد استِحسانًا، وقال الشَّافعي: يُعيد إنْ تيقَّن الخطأ، لا إنْ بانَ باجتهادٍ، وقال ابن القَصَّار: إنَّما أمر اللهُ بإصابة العَين من نظَر إليها، وأما مَن غَاب فإنَّما يستدلُّ بمَهَبِّ الرِّياح، ومَسير النُّجوم، فلم يرجع من اجتهاد إلى اجتهاد كالحاكم يحكم ثم يتبين له اجتهاد آخر فلا ينسخ الأَوَّل. قال: وليس للشَّافعي أنْ يقول: رجَع إلى يقينٍ؛ لأنَّه لا يتيقَّن أصلًا. قال (ك): قد يرجع إلى يقينٍ في بعضٍ، وقياسه على الحاكم لا يصحُّ؛ لأَنَّ مَحلَّ الاجتهاد في الحكم واحدٌ، وفي الصَّلاة مُتغاير؛ لأَنَّ ما صُلِّيَ بالاجتهاد الأَوَّل غيرُ ما صُلِّي بالاجتهاد الثَّاني. * * * 33 - بابُ حَكِّ الْبُزَاقِ بِالْيَدِ مِنَ الْمَسْجِدِ (باب حَكِّ البُزاق باليَد) في البُزاق لغةٌ بالصَّاد، ولغةٌ بالسِّين. 405 - حَدَّثَنا قتيبةُ قَالَ: حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عَن حُمَيدٍ، عَن أَنسٍ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى نُخَامَةً في القبلةِ فَشقَّ ذلكَ عليهِ حتَّى رُوِيَ في وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ: "إِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا قَامَ في

صَلاَتِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ- فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدكمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِه، أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ"، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: "أَوْ يَفْعَلْ هَكَذَا". الحديث الأَوَّل: (في القِبْلَة)؛ أي: في حائط جهتها، ورُوي: أنَّه شُوهِد أثَرُ المَشَقَّة في وجهه من ذلك. (فإِنَّه) هو جوابُ (إذا). (قَامَ في صَلاتهِ)؛ أي: شَرَع فيها، بخلاف: قامَ إلى الصَّلاة، فإنَّه قَبلَ الشُّروع، والجُملة الشَّرطيَّة خبرُ (إن). (يُنَاجِيْ رَبَّهُ) المُناجاة والنَّجوى: السِّرُّ بين اثنين، فهو هنا مجاز، فالعبد من جهة المُسَارَّة بالكلام كأنَّه يُناجيه، والرَّبُّ تعالى من جهةِ لازمِ ذلك، وهو إرادةُ الخَيْر. وقال (ن): هو إشارةٌ لإخلاص القَلْب وحضوره وتَفريغه لذكر الله تعالى. (وإنَّ رَبَّه)، في بعضها: (أو إنَّ رَبَّه). (بَيْنَه) ظاهره مُحالٌ؛ لتنَزُّه الرَّبِّ تعالى عن المَكان، فمعناه اطِّلاع الرَّبِّ على ما بينه وبين القِبْلة. وقال (خ): معناه أنَّ توجُّهه إلى القِبْلة مُفضٍ بالقَصْد به إلى ربِّه، فكأنَّ مقصوده بينه وبين قِبْلته، فأَمَرَ أن تُصان تلك الجهةُ عن البُزاق.

(قِبَلَ) بكسر القاف وفتح المُوحَّدة، أي: جهةَ، وفيه المجاز السَّابق، وقال (ن): المعنى قِبَل الجهة التي عظَّمَها، أو أنَّ المراد: قِبْلَةُ الله، وقِبْلَةُ ثوابه، ونحو ذلك، فلا مقابل بالبُزاق الذي يقتضي الاستِخفاف والاحتِقار. ووجه كونه باليد ليُطابق التَّرجَمة؛ إذ المُتبادر إلى الفهم من الحَكِّ، والمعهود من جِدار القِبْلة جِدار قِبْلة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (أو يَفْعَل) عطفٌ على المُقدَّر بعد حرف الاستدراك، أي: ولكنْ يبزق عن يساره، أو يفعل هكذا. * * * 406 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى بُصَاقًا في جِدَارِ الْقِبْلةِ فَحَكَّهُ، ثُمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلاَ يَبْصُقْ قِبَلَ وجْهِهِ، فَإِنَّ الله قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى". 407 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى في جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ. الحديث الثَّاني، والثَّالث مثله لكن في الثَّالث: (مُخَاطًا) وهو بضَمِّ الميم وبخفَّة المُعجَمَة وإهمال الطَّاء: ما يَسِيْل

34 - باب حك المخاط بالحصى من المسجد

من الأَنْف، والبُصاق من الفَم، والنُّخامة بضَمِّ النُّون: النُّخاعة، ما يَخرُج من الصَّدر، وقيل: النُّخاعة بالعين من الصَّدر، والنُّخامة بالميم من الرَّأس. * * * 34 - بابُ حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنَ الْمَسْجِدِ (باب حَكِّ المُخاط والقَذَر) بفتح المُعجَمَة، والقَذَارة ضِدُّ النَّظَافة، وفي نسخةِ: (حَكِّ المُخاط بالحصَا من المَسجِد). 408 - و 409 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً في جِدَارِ الْمَسْجدِ، فتنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ: "إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلاَ عَنْ يَمِينهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِه أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى". (تنخَّمَ)؛ أي: رمَى النُّخامة، ووجْه مُطابقته للتَّرجمة: أنَّ النُّخامة والمُخاط حكمُهما واحدٌ؛ لأنَّ كُلًّا فضْلةٌ طاهرة. * * *

35 - باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة

35 - بابٌ لاَ يَبْصُقْ عَنْ يَمِينِهِ في الصَّلاَةِ (باب لا يَبصُق عن يَمينه في الصَّلاة) 410 - و 411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً في حَائِطِ الْمَسْجدِ، فتنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَصَاةً فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ: "إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدكمْ فَلاَ يتنخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلاَ عَنْ يَمِيْنهِ، ولْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِه أو تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى". الحديث الأَوَّل: (فحَتَّهَا) بالمُثنَّاة فوق، أي: حَكَّها وفَرَكَها. (لا يتنخَّم)؛ أي: والبُصاق مثلُه، فهو وجْهُ التَّرجَمة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في مقابله: (وليَبْصُقْ عَنْ يَسَاره). * * * 412 - حَدَّثنا حَفْصُ بنُ عَمْرٍ قَالَ: حَدَّثَنا شُعْبةُ قَالَ: أَخْبَرني قتادَة قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يتفِلَنَّ أَحَدكمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِه أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ".

36 - باب ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى

الثَّاني: (لا يتفِلَنَّ) بمثنَّاةٍ فوق وبضَمِّ الفاء وكسرها، وهو شبيهٌ بالبَصْق، وسبق أَنَّ أوَّله البَزْق، ثم التَّفْل، ثم النَّفْث، ثم النَّفْخ. * * * 36 - بابٌ لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى (باب ليَبْزُق عن يَساره) بضَمِّ الزَّاي، أي: في الصَّلاة؛ لأَنَّ الحديث مُقيَّدٌ به، كما سبَق عكسه في الباب قبلَه، والتَّقييد في التَّرجَمة، والإطلاق في الحديث، فيُحمل كلُّ مطلَقٍ منهما على مقيَّده. 413 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتَادَة قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كانَ في الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِه أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ". 414 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَبْصَرَ نُخَامَةً في قِبْلَةِ الْمَسْجدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ نهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِه أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: سَمِعَ حُمَيْدًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، نَحْوَهُ.

37 - باب كفارة البزاق في المسجد

(قَدَمِه) لا يُطابق تقييده في التَّرجَمة باليُسرى إلا أنَّه محمولٌ على رواية التَّقييد صار مقيَّدًا باليُسرى. فإنْ قيل: من المُناسب ذِكْر هذا الحديث في ذلك الباب، والحديث الذي هناك هنا. قيل: لكنْ غرَضُه بيان استخراج الأحكام، وطريق استنباطها تكثيرًا للفائدة، أو أنَّ شيوخه استدلُّوا كذلك، فرَواه عنهم على ذلك الوجه، فلعلَّ يحيى استدلَّ بحديثه على أنَّه لا يَبصُق عن يَمينه في الصَّلاة، وآدم بحديثه على أنَّه يبصق (عن يساره)، أو تحت قدَمه اليُسرى. (قَدَمِهِ اليُسْرى) ذكَره بعد قوله: (عن يَساره)؛ لأنَّه لا يَلزم من ناحية اليَسار أن تكون تحت القدَم اليُسرى، وفي بعضها بدون لفظ: (أو). (وعن الزُّهريِّ) غرَضه من هذا التَّعليق: أنَّ الزُّهريَّ رواه بطَريق السَّماع، وإن رواه في الأَول بالعَنْعَنة. (حُمَيد) وابن عبد الرحمن لا الطَّويل. * * * 37 - بابُ كفَّارَةِ الْبُزَاقِ في الْمَسْجِدِ (باب كفَّارة البُزاق) 415 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ قَالَ:

38 - باب دفن النخامة في المسجد

سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبُزَاقُ في الْمَسْجدِ خَطِيئةٌ، وَكفَّارتهَا دَفْنُهَا". التَّكْفِيْر؛ أي: السَّتْر والدَّفْن، ومنه كفَّارة اليَمين. (خَطِيْئة) فَعِيْلَة، وربَّما أُسقطت الهمزة وشُدّدت الياء، أي: الإثْم. (وكفَّارتُها)؛ أي: الذي يُكفِّرها، كما أنَّ قَتْل الصَّيْد في الإِحرام خطيئةٌ، وعلى مُرتكِبها الكفَّارة. (دَفْنُها)؛ أي: في تُراب المَسجد إِنْ كان، وإلَّا فيُخرجها من المَسجد، قاله الجمهور، وحكَى الرُّوْيَاني قولًا: أنَّ المُراد إخراجها مطلقا. * * * 38 - بابُ دَفْنِ النُّخَامَة في الْمَسْجِدِ (باب دَفْن النُّخامة) 416 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَامَ أَحَدكمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَلاَ يَبْصُقْ أَمَامَهُ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي الله مَا دامَ في مُصَلَّاهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينهِ، فَإِنَّ عَنْ يَمِينهِ مَلَكًا، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِه أَوْ

تَحْتَ قَدَمِهِ، فَيَدْفِنُهَا". (أمَامَهُ) بفتْح الهمزة، أي: قُدَّامه. (مَلَكًا) في بعضها: (ملك) على أنْ يكون اسمُ (إنَّ) ضمير الشَّأْن، واعلم أنَّه على يَساره ملَك كما قال تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17]، لكنَّه في حال الصَّلاة التي هي أُمُّ الحسَنات البدَنيَّة لا دَخْلَ لكاتب السَّيِّئة فيها، أو أنَّ المُراد بهذا الملَك غير الكِرام الكاتبين. (فيَدْفِنَها) بالنَّصْب جَوابًا للأمر، أو بالرَّفعْ استِئنافًا، أو بالجَزْم عطْفًا على الأَمْر. ووجْه مُطابقة الحديث، وهو دفن البُزاق على التَّرجَمة في النُّخامة: أنَّهما سواء كما سبق. قال (ن): ليَبْصُق عن يساره أو تحت قدَمه في غير المَسجد، أما في المَسجد ففي ثَوبه؛ لأنَّه قد قال: (إنَّه خطيئةٌ)، فلا يَأْذن فيه، وإنَّما نهَى عنه في اليَمين تَشريفًا له. قال: ومَحلُّه في اليسار إذا أَمكَن، فإِنْ تعذَّر بأنْ كان على يساره مُصلٍّ فله البُزاق عن اليمين. قال (خ): إنَّما يبصُق عند التَّعذُّر تحت قدَمه، أو في ثَوبه. * * *

39 - باب إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه

39 - بابٌ إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثوبه (باب إِذا بدَرَه البُزاق) في بعضها: (البُصاق) وهما سواءٌ، وأنكَر القاضي شمس الدين السُّروجي أنَّه يُقال في اللُّغة: بدَرتُه، بل بدَرتُ إليه، أو بادرتُ، لكنْ هذا سائغٌ في المُغالَبة، فيُقال: بادرتُ البُصاقَ فبدَرني، أي: سبَقَني وغلَبَني. 417 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً في الْقِبْلَةِ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، وَرُوِيَ مِنْهُ كرَاهِيَةٌ -أَوْ رُوِيَ كَرَاهِيتُهُ لِذَلِكَ وَشِدَّتُهُ عَلَيْهِ- وَقَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ في صَلاَتِهِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ ربُّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ- فَلاَ يَبْزُقَنَّ في قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِه أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ"، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ، وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: "أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا". (أو رُئِيَ كراهَتُه)؛ أي: بإضافته للهاء، والأَوَّل بالتَّنكير، فهو وجه الشَّكِّ، و (رُئِيَ) إمَّا بضَمِّ الرَّاء وكسر الهمزة، وإما بكسر الرَّاء والمَدِّ. (وشِدَّتُهُ) مرفوعٌ، أو مجرورٌ؛ عطفًا على الكَراهة، أو على ذلك. (أو ربُّهُ) إلى آخره، عطفُ جملةٍ اسميَّة على فعليَّةٍ. وفيه: طهارة البُزاق، وهو اتِّفاق إلا ما حُكِيَ من قول النَّخَعِي بنَجاسته.

40 - باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة

وفيه: أنَّه لا يُبطِل الصَّلاة. قال (ط): وإكرامُ القِبْلة وتَنْزيهها؛ لأنَّ المُصلِّي يُناجي ربَّه، فيجب عليه إكرامُ قِبْلته بما يُكرم به مَنْ يُناجيه من المَخلوقين عند استِقبالهم بوجهه، ومن أَعظم الجَفاء وسُوء الأدَب أن تَتنخَّم في توجُّهك إلى ربِّ الأرباب، وقد أعلَمَنا الله بإقباله على مَنْ توجَّه إليه. وفيه: فَضْل المَيمَنة على المَيْسرة، وإنَّما عرَّفَهم كفَّارةَ تلك الخطيئة التي نهَى عنها؛ لأنَّ ذلك لا يَكادُ يَسلَمُ منه أحدٌ. * * * 40 - بابُ عِظَةِ الإِمَامِ النَّاسَ في إتمام الصَّلاةِ وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ (باب عِظَةِ الإمام النَّاسَ)، (وذِكْر) عطفٌ على (عِظَة). 418 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا، فَوَاللهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلاَ ركوعُكُمْ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءَ ظَهْرِي". الحديث الأَوَّل: (هَلْ تَرَونَ) استفهامُ إنكارٍ على مَنْ يَرى؛ أي: يحسَبُ أنَّه لا يَرى

إلا ما في جِهَةِ قِبْلته، فأقسَم بالله أنَّه يَرى من غير جِهَة قِبْلته كما يَرى منها. (ما يَخْفَى) هو جوابُ القسَم. (وخُشُوعُكُم)؛ أي: سُجودكم؛ لأنَّه الغاية في الخُشوع، أو الأَعمُّ من ذلك. (إِنِّي لأَراكُم) بدلٌ من جَواب القسَم، أو بيانٌ له، وهو بفتح الهمزة. قال (ط): فيه أنَّ الإمامَ يَنهَى مَن يَراه مُقصِّرًا، أو يَحضُّه على ما فيه الحَظُّ؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - وبَّخَ من نقَص كمالَ الرُّكوع والسُّجود، ووعظَه بأنَّه يَراه، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية [الحج: 41]، وأما رُؤيته مَنْ خَلْفه، فإنَّه [ربما] يوحى إليه ما يَفعلونَه، فعبَّر عن العِلْم بالرُّؤية، أو أنَّ من خَصائصه أنَّه زيدَ في بصَره حتَّى يَرى مِن ورائه، وبه جزَم أحمد، وهو دليلٌ للأشاعرة في أنَّ الرُّؤية لا يُشترط فيها مُواجهة ولا مُقابلةٌ، وجوَّزوا إبصارَ أَعمى الصِّين بقبة أَندلس. * * * 419 - حدثنا يَحْيَى بْنُ صَالحٍ، قَالَ: حدثنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صلاَةً ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ في الصَّلاَةِ وَفِي الرُّكوعِ: "إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كمَا أراكُمْ".

41 - باب هل يقال: مسجد بني فلان؟

الحديث الثَّاني: (رَقِيَ) بكسر القاف، وطَيِّءٌ تفتحها. (في الصَّلاة) متعلِّقٌ بـ (أَراكم) مقدَّر؛ لأنَّ ما في خبَر إِنَّ لا يتقدَّم عليها، أو أنَّ المعنى: قال في شأن الصَّلاة والرُّكوع ذلك، نعم، ذكَر الرُّكوع مع كونه من الصَّلاة للاهتِمام بشأنه؛ لأنَّه أَعظمُ أركانها، ولذلك تُدرَك الرَّكعة به، أو أنَّه عَلِمَ تقصيرَهم فيه فذكَره. (مِنْ وَرائِي) في بعضها: (مِنْ وَراء)، بحذف الياء من الأخير بالكسرة، وإطلاقُ الرُّؤية من ورائه يقتضي عُمومه في الصَّلاة وغيرها، وإِنْ كان السِّيَاق يقتضي أنَّ ذلك في الصَّلاة فقط، والتَّشبيه في: (كَمَا أَراكُمْ أَمَامِي)، من حيثُ هذا القَيْد لا بالرُّؤية المُطلَقة، وهو دليلٌ على أنَّ المُراد بالرُّؤية الإبصارُ لا العِلمُ. * * * 41 - بابٌ هَلْ يُقَال: مَسْجِدُ بَنِي فُلاَنٍ؟ (باب: هل يُقال مَسجدُ بَنِي فُلانٍ) 420 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَداعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي

لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابقَ بِهَا. (أضمرت)؛ أي: ضُمِّرتْ، وتَضميرها: أنْ تُشَدَّ عليها سُروجُها وتُجلَّل بالأَجِلَّة، حتَّى تَعْرَق، فيَذهبَ رَهَلُها، ويَشتَدَّ لحمها، ومنهم من يقول: تُعْلَف حتَّى تَسْمَن، ثم تُرَدُّ للقُوت، وذلك في أربعين يومًا، وقال (ن): أنْ يُقلَّل علَفُها مدَّةً، وتُجلَّل فيه لتَعرَق ويَجِفَّ عَرَقُها ليَخِفَّ لحمُها، وتَقوَى على الجَرْي، والكلُّ متقاربٌ. (الحفياء) بفتح المُهمَلَة وسُكون الفاء، ثم مُثنَّاةٌ تحتُ، وتُمَدُّ وتُقصَر. (وأمدها)؛ أي: غايتُها. (ثنية الوداع) موضعٌ بقُرب المدينة، بينهما خمسة أميالٍ، أو ستةٌ أو سبعةٌ، سُمِّيت بذلك لأنَّ الخارج من المدينة يُودِّعونه هناك، والثَّنيَّة لغةً: الطَّريقة إلى العَقَبة. (من الثنية) اللَّام للعهد. (مسجد بني زُريق) بزايٍ مضمومةٍ وراءٍ، أُضيفَ إلى الباني، وإنْ كان حقيقةُ إضافتِها لله تعالى، فهي إضافةُ تمييزٍ ببني زُريق لا ملكٍ، وكَرِهَ النَّخَعِيُّ أَنْ يُقال: مسجد بني فلانٍ، وهذا الحديث يَرُدُّه، وإنَّما نقَصَ في التي لم تُضَمَّر لقُصورها عن شَأْو المضمَّرة ليكون عدلًا بين النَّوعين، وذلك كلُّه إعدادٌ للقُوَّة في إعزاز كلمة الله ونُصرةِ دينه، قال

42 - باب القسمة وتعليق القنو في المسجد

تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآية [الأنفال: 60]. (وأن عبد الله) إمَّا من مَقوله كما تقول عن نفسك: فُلان فعَل كذا، أو من مَقول نافع. (بها)؛ أي: بالخيل، أو بهذه المُسابقة. * * * 42 - بابُ الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ في الْمَسْجِدِ (باب القِسْمة وتَعليقِ القِنْو في المَسجد) الجارُّ متعلِّقٌ بـ (القِسمةِ) و (تعليقِ)، والقِنْو بكسر القاف. (العذق) بكسر المُهمَلَة وسكون المُعجَمَة، وهي الكباسة بشَماريخه وبُسْره، كالعُنْقود للعِنَب، أمَّا بفتح العَين فالنَّخلة. (والجماعة قنوان)؛ أي: بالتَّنوين، وبه يُفارِق المُثنَّى، ولذا تَبقى نُونه للإضافة، والمُثنَّى تُحذف نونُه، وجَمْع القِنْو في القِلَّة أَقْنَاء. (كصنو)؛ أي: في كلِّ ما سبَق، وهو بكسر الصَّاد: أَنْ تخرج نخلتان أو ثلاثٌ من أَصْلٍ واحدٍ، كلٌّ منهما صِنْوٌ. 421 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: "انْثُرُوهُ في الْمَسْجدِ"،

وَكَانَ أكثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْ"، فَحَثَا في ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِي عَلَيْنَا، عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. (وقال إبراهيم يعني) الضَّمير في (يعني) للبُخاري، فيكون ذلك من مَقول الرَّاوي عن البُخاري، وهذا التَّعليق وصلَه الحاكم في "المُستدرك"، وابن مَنْدَه في "أماليه"، وعُمر بن عبد العَزيز بن بُجَيْر البُجَيْري في "صحيحه"، وأبو نُعَيْم في "المُستخرَج". (البحرين) بلفظ التَّثنية: موضعٌ قَريبٌ من بحر عُمَان، وقال الجَوْهَري: بلدٌ. (انثروه) بمُثلَّثةٍ مَضمومةٍ، وهذا المال -في "مسند ابن أبي شَيبة" بسندٍ جيِّدٍ مع إرساله- كان مئةَ ألفٍ، والمُرسِل به العَلاء بن الحَضْرَميِّ

من الخَراج، وفي (الرِّدَّة) للوَاقِدي: أنَّ الرَّسولَ العَلاء ابن حارثة الثَّقَفي. (فَاديتُ)؛ أي: في بَدْرٍ حيث كان هو وعَقِيْلٌ ابنُ أخيه أَسيرَينِ. (فحثا)؛ أي: العبَّاس، وهو بمهملة ومثلَّثةٍ، من الحَثْيَة، وهي مِلْءُ اليَدِ. (يقله) بضَمِّ أوَّله، من الإِقلال، وهو الرَّفْع والحَمْل. (أومر) فعل أَمْرٍ من أَمَرَ، أصلُه أُأْمُرْ بهمزتين مضمومتين ثم ساكنةٍ، فقُلبت الثَّانية واوًا، فإذا وصلَ حُذفتْ همزة الوَصْل وتبقى الأخرى ساكنةً، وهذا جاء على الأَصل، والأفصح ما في الرِّواية الأُخرى منْ حذف الهمزة، أي: على غير قياسٍ، نَعَمْ، فَأْمُرْ أفصحُ من وَمُرْ. (يرفعه) بالرَّفعْ استئنافًا، وبالجزم جوابًا للأمر. (فنثر)؛ أي: العبَّاس. (كاهله) هو ما بين الكتفَين. (سبعه) بضَمِّ أوَّله. (عجبًا) مفعولٌ مطلقٌ. قال (ك): مما يجب حذفُ عامله، أو مفعوله. قلت: فيه نظَرٌ.

(وثم) بفتح المُثلَّثة؛ أي: هنالك، والمقصود نفيه أنْ يكون هناك درهم، فالحال قيدٌ للمَنفيِّ لا للنَّفْي، فالمجموع مُنتفٍ بانتِفاء القَيد لا بانتفاء المُقيَّد، وإنْ كان ظاهرُه نفيَ القيام حالةَ ثبوت الدِّرهم، ولم يذكر البُخاري حديثًا فيما تَرجمه من تَعليق القِنْو، إما لأَنَّ وضْع الدِّرهم في المَسجِد للصَّدَقة يُؤخَذ منه وضْع القِنْو للصَّدقة، أو لشُهرة ذلك. قال (ط): وأغفله البُخاري، وهو أمرٌ مشهورٌ، فيُذكره أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أَمَر من كلِّ حائطٍ بقِنْوٍ في المَسجِد؛ لأَنَّ ناسًا كانوا يَقدمون على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شيءَ لهم، فقالت الأنصار: لو جعلْنا قِنْوًا من كل حائطٍ لهؤلاء، قال: (أَجَلْ)، ففعلوا، والأَقْناء تُعلَّق في المَسجِد اليوم للمَساكين، وكان عليها معاذ. قال (ش): أشار البُخاري إلى ما رواه النَّسائي عن عَوْف بن مالك: خرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وبيَده عَصا، وقد علَّق رجلٌ قِنْوَ حشَفٍ، فجعلَ يَطعُن في ذلك القَنْو، فقال: (لَو شَاءَ رَبُّ هذهِ الصَّدَقة لتَصَدَّقَ بأَطيَبَ مِنْ هذه الصَّدَقة، إِنَّ رَبَّ هذهِ الصَّدَقة يَأْكُلُ حَشَفًا يَوْمَ القِيَامَةِ). قال: وفي الحديث قَسْمُ الإِمام باجتِهاده، وإِعطاءُ الصَّدَقة لأَحدِ الأَصناف الثَّمانية؛ إذ لو قسَم بين الثَّمانية لَمَا أَعطَى العبَّاس بغير مكيالٍ ولا ميزانٍ. قال (ك): هذا ليس بزكاةٍ؛ لأنَّها حرامٌ على العبَّاس، بل هذا المال من فَيءٍ أو غَنيمةٍ.

43 - باب من دعا لطعام في المسجد، ومن أجاب فيه

قال (ط): وفيه أَنَّ الإِمام إذا عَلِم حاجةَ النَّاس لا يَدَّخِر شيئًا، وفيه كرمه - صلى الله عليه وسلم -، وزهدُه في الدُّنْيا، وأنَّه لم يَمنع شيئًا سُئِلَه إذا كان عنده، وأنَّ للسُّلطان أن يترفَّع عمَّا يكون يُهينه من العمل بيده، وإنَّما لم يَأْمُر برفع المال على العبَّاس، أي: ولا إعانتِه؛ زجرًا له عن الاستكثار، وأنْ لا يَأخذ إلا قَدْرَ حاجته، وفيه وضْع ما النَّاس مُشتركون فيه من صَدَقةٍ ونَحوِها في المَسجِد؛ لأنه لا يُحجَب أحدٌ من ذَوي الحاجاتِ من دُخوله. * * * 43 - بابُ مَنْ دَعَا لِطَعَامٍ في الْمَسْجِدِ، وَمَنْ أَجَابَ فِيهِ (باب من دُعِيَ لطعامٍ في المَسجِد) في متعلَّقةٌ بـ (دُعي)، وعَدَّى (دعا) باللَّام لقَصْد الاختِصاص، وقد يُعدَّى (دعا) بـ (إلى) نحو: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25] , لقَصْد بيان الغاية، وبالباء نحو: دعَا هِرَقْلُ بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فاختلَف بحسب المَعاني المَقصودة حَرْف التَّعدية. 422 - حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، سَمعَ أَنسًا قَالَ: وَجَدْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في الْمَسْجدِ مَعَهُ ناَسٌ فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي: "آرْسَلَكَ أبو طَلْحَةَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، فَقَالَ: "لِطَعَامٍ"، قُلْتُ: نعمْ، فَقَالَ لِمَنْ معه: "قُومُوا". فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ.

44 - باب القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء

(أأرسلك) في بعضها بدون همزة الاستفهام. (حوله) نُصِبَ بالظَّرفيَّة، أي: لمَنْ كان حولَه. (فانطلق) في بعضها: (فانطَلَقُوا). (وانطلقت) فيه جوازُ تقدُّم بعض الخدَم بين يدَي الإِمام ونحوه للحِجَابة. قال (ط): والدُّعاء للطَّعام وإِنْ لم يكُنْ وليمةً، وأنَّه من المَسجِد وغيره سواءٌ؛ لأنَّ الطَّعام بِرٌّ فَوقَ ثَواب الجلوس في المَسجِد، ودعاءُ السُّلطان للطَّعام القَليل، وأَنَّ المَدعُوَّ إذا عَلِمَ من حال الدَّاعي أنَّه لا يَكْره أَنْ يَجلِبَ معه غيرُه إذا كان الطَّعام يَكفي يَأخذُه؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - علم أنَّه يَكفي جميعَهم لبَرَكته وما خصَّه الله به، فكان من علاماتِ النُّبوَّة. * * * 44 - بابُ الْقَضَاء وَاللّعانِ في الْمَسْجِدِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء (باب القَضاء واللِّعان في المَسجد) 423 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الرَّزَاقِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أيَقْتُلُهُ، فتلاَعَنَا في

45 - باب إذا دخل بيتا يصلي حيث شاء, أو حيث أمر، ولا يتجسس

الْمَسْجدِ وَأَناَ شَاهِدٌ. (يحيى) قال الغَسَّاني: قال ابن السَّكَن: هو الخَتِّي، وقال غير ابن السَّكَن: إنَّه البِيْكَنْدي، وقال (ك): يحتمل أنَّه ابن مَعِيْن؛ لأنَّه سمع من عبد الرَّزَّاق. قلتُ: إذا كانت الرِّواية: (يحيى بن مُوسى) انتفى أنَّه ابن مَعِيْن. (أن رجلًا) سيَأتي في (النِّكاح): أنَّه عُوَيْمِر العَجْلاني، أو هِلال بن أُمَيَّة، أو عاصِم بن عَدِيّ. (أرأيت)؛ أي: أَخْبِرْني: هل يجوز قتلُه أم لا؟ (فتلاعنا)؛ أي: اللِّعان المُبيَّن في الفقه، سُمِّي بذلك لقول الرَّجل: وعليهِ لعنَةُ الله إِن كان من الكاذبين، أو من اللَّعن، وهو الإِبْعاد؛ لأَنَّ كلًّا بذلك يَبعُد عن الآخَر، فحُرِّم عليه أبدًا. قال (ط): فيه جوازُ القَضاء في المَسجِد. قال مالك: هو أمرٌ قديمٌ معمولٌ به، وعن ابن المُسيَّب كراهيته. وفيه اللِّعان في المَسجِد بحضْرة الخُلَفاء. * * * 45 - بابٌ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا يُصَلِّي حَيْثُ شَاء, أَوْ حَيْثُ أُمِرَ، وَلاَ يَتَجَسَّس (باب إذا دخَل بيتًا يُصلِّي حيثُ شاءَ أو حيثُ أُمِرَ)؛ أي: حيثُ

شاءَ المُصلِّي، أو لا يُصلِّي إلا حيثُ أَمَرَهُ صاحبُ البَيت، فسَاقَ الحديثَ جَوابًا بالثَّاني لا حيثُ يشاء، فسقَط بذلك مَنِ استبعَده بأَنَّ الحديث فيه الصَّلاةُ حيثُ أُمِرَ لا حيثُ شاء. (ولا يتجسس) بجيمٍ أو بحاءٍ مُهمَلةٍ. * * * 424 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أتاهُ في مَنْزِلهِ فَقَالَ: "أَيْنَ تُحِبّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ ", قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى ركعَتَيْنِ. (عتبان) بكسر المُهمَلة وضمِّها. (لك) الصَّلاة وإن كانتْ لله، لكنْ كونها في هذا المكان لعِتْبان، أي: ومع قصْد ذلك هو لله أيضًا. (وصفَّنا)، أي: جَعلَنا صفًّا، وفي بعضها: (صفَفْنا) بفاءَين. قال (ك): في الحديث تَعيين مُصلًّى في البيت إذا عجَز عن المَسجِد، وفيه جوازُ الجماعة في البُيوت، وفي نافلةٍ، وتسويةُ الصَّفّ خلف الإِمام، وإتيانُ الرَّئيس بيت المَرؤُوس. * * *

46 - باب المساجد في البيوت

46 - بابُ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَصَلَّى الْبَراءُ بْنُ عَازِب في مَسْجدِهِ في دارِه جَمَاعَةً. (باب المَساجِد في البُيوت) 425 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِك -وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ- أَنَّهُ أتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْني وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ تأتيني فَتُصَلِّيَ في بَيْتِي، فَأتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ: فَقَالَ لَه رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَأفعلْ إِنْ شَاءَ اللهُ"، قَالَ عَتْبَانُ: فَغَدَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ: (أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ "، قال: فأشرتُ لَهُ إِلَى ناحيةٍ مِنَ البيتِ، فقامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَرَ فَقُمْنَا فَصَفَّنا فَصَلَّى ركعَتينِ ثُمَّ سَلَّمَ، قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ، قَالَ: فَثَابَ في الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ، أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُم: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

(لاَ تَقُلْ ذَلِكَ، أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ"، قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّ الله قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ-، عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِك. (ممن شهد بدرًا) ذكَر ذلك لتقويةِ الرِّواية وتَعظيمِه والافتخارِ، وإلَّا فهو مشهورٌ بذلك. (أنكرت) أَراد به العَمَى، أو ضَعْف البصَر. (كانت) تامَّةٌ بمعنى الوجود. (وسال الوادي) من إطلاق المَحلِّ على الحالِّ، وهو الماء. (فأصلي بهم) بالنَّصْب عطفًا على (آتِيَ)، أو جوابًا للنَّفي. (فتصلي) بالنَّصْب جوابًا للتَّمنِّي. (فاتخذه) عطفٌ على الفعل المَنصوب، وفي بعضها بالرَّفْع استئنافٌ. (إن شاء الله تعالى) تعليقٌ بالمَشيئة للآية لا لمُجرَّد التَّبرُّك؛ لأَنَّ ذلك حيث كان الشَّيء مَجزومًا به. (حين) في بعضها: (حتَّى).

قال (ن) في "شرح مسلم": زعَم بعضُهم أَنَّ (حتَّى) غلَطٌ، وليس بغلطٍ؛ إذ معناه: لم يَجلِس في الدَّار ولا في غيرها، حتَّى دخَل البَيتَ مُبادِرًا لقَضاء حاجتي وهي الصَّلاة في بيتي. (وحبسناه على خزيرة)؛ أي: بعد الصَّلاة؛ لأَنَّ القصْد كان الصَّلاة، بخلاف إتيانه إلى بيتِ مُلَيْكَة السَّابق في (باب: الصَّلاة على الحَصِير)؛ فإِنَّه بدأَ بالأكل، ثم صلَّى؛ لأنَّها دعَتْه للطَّعام فبدأَ بالأَهمِّ في المَوضعَين، والخَزِيْرَة -بمعجمةٍ مفتوحةٍ ثم زاي مكسورةٍ ثم راءٍ-: لحمٌ يُقطَع صغيرًا يُطبَخ بماءٍ، فإِذا نضَج ذُرَّ عليه دقيقٌ، ويُروى: (حَرِيْرَة) بمُهمَلة ثم راءٍ مكرَّرةٍ، وسيَأتي في (باب الأطعمة) عن النَّضْر: أنَّها من اللَّبَن، وأنَّ الأُولى من النُّخالة. (فثاب) بمُثلَّثةٍ وآخرُه موحَّدةٌ، أي: جاءَ واجتمع، أي: جاء الرِّجال بعضُهم إِثْرَ بعضٍ. (أهل الدَّار) المُراد بهم أهل تلك المَحَلَّة. (الدخيشن) بضَمِّ المُهمَلة وبخاءٍ وشينٍ مُعجمتَين، وآخرُه نونٌ في التَّصغير والتَّكبير، ويُروى بالميم فيهما. قال (ك): ويُقال فيها: الدِّخْشِن بكسر الدَّال والشِّين، وإنَّه بالميم مُصغَّرًا أو مُكبَّرًا روايةُ مسلم، عَقَبيٌّ بَدْريٌّ، وإنَّما كَرِهَت الصَّحابة منه مُجالسةَ المُنافقين ومودَّتَهم، لكنْ شَهِد له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقولِ: (لا إِلَهَ إِلَّا الله).

(يريد بذلك وجه الله)؛ أي: ذاتَ الله عز وجل، فانتفَتْ عنه الظِّنَّة، وأنَّه لا شكَّ في إيمانه باطنًا وظاهرًا. (ونصيحته إلى) إنَّما عُدّي هنا بـ (إلى) وإنْ كان تعديتُه باللَّام؛ لتضمُّنه معنى الانتهاء. (حرم على النَّار)؛ أي: الدُّخول مُؤبَّدًا، أما العُصاة فإذا شاءَ أدخلَهم، ولكن يخرجون. (يبتغي)، أي: يَطلُب، وإنَّما لم يَذكُر معها: محمَّدٌ رسولُ الله، إمَّا لتلازمهما فهي شعارُ الإيمان, أي: بتمامها. (الحُصين) بمهملتين مضمومةٍ ثم مفتوحةٍ، ثم مُثنَّاةٍ تحتُ ساكنةٍ، ثم نون. قال الغَسَّاني: كان أبو الحسن القابِسي يَهِمُ في هذا الاسم فيقوله بإعجام الضَّاد. (سراتهم) بفتح المُهمَلة جمع سَرِيٍّ، وهو السَّيِّد، وجمعُ فَعِيْل على فَعَلة من المجموع العزيزة، وجمع السَّراة سَرَوات. (بذلك)؛ أي بالحديث المَذكور. فإن قيل: محمود صحابيٌّ عَدْلٌ، فلِمَ سأَل الزهريُّ غيرَه؟ فالجواب: إمَّا للتَّقْوية واطمئنانِ القَلْب، وإما لتحمُّله في الصِّبَا، وفي مثله خلافٌ، وإما لكونه رواه مُرسلًا، وإن كان مُرسَل صحابيٍّ؛ لأنَّه كان صغيرًا في الواقعة، نعَمْ، يحتمل أنَّه سمعه من عِتْبَان؛ فإنَّه قال: إنَّ عِتْبَان، وهو عند الجمهور كـ (عَنْ) محمولٌ على السَّماع

بشَرط أَنْ لا يكون مُدلِّسا، وثُبوت اللِّقاء على الأَصحِّ، وإنْ قال أحمد وجماعةٌ في: أنَّ فلانًا قال كذا، منقطعٌ حتَّى يتبيَّن السَّماع. قال صاحب "جامع الأصول": إنَّ محمودًا من بني سالم كعِتْبَان. قال (ط): في الحديث التَّخلُّف عن الجماعة لعُذْرٍ، والتَّبرُّكُ بمُصلَّى الصَّالحين، ومساجد الفاضلِيْن، ومَنْ دُعيَ منهم إلى شيءٍ للتَّبرُّك يُجيب إذا أَمِنَ العُجْب، والوفاءُ بالوَعْد، وصلاةُ النَّفْل في جماعةٍ بالنَّهار، وإكرامُ العلماء بالطَّعام وشبهه، والتَّنبيه على أهل الفِسْق عند السُّلطان، وأَنَّ السُّلطان يَتثبَّت في مثل ذلك، ويُوجِّه له أجملَ الوُجوه، وأنَّ الجماعة في الصَّلاة إذا غابَ واحدٌ منهم يَسألون عنه. قال (ن): وأنَّه لا يكفي في الإيمان النُّطقُ بلا اعتقاد، واستدعاءُ المَفضول للفاضِل، وإمامةُ الزَّائر المَزُورَ برضاه، وأنَّ نَفْل النَّهار ركعتان، واستِتباعُ الإِمام والعالم أصحابَه، والاستئذانُ على صاحب المَنْزل ولو تقدَّم استدعاؤُه، وأنَّ أهل المَحَلَّة إذا ورَد صالحٌ لمنزلِ بعضِهم يجتمعون لزيارته إكرامًا له واستفادةً منه، وأنه لا بأْسَ بملازمة الصَّلاة في موضعٍ معيَّنٍ من البيت، وإنَّما جاء النَّهي عن إِيطانِ موضعٍ من المَسجِد للخوف من الرِّياءِ ونحوِه، وأنَّه لا يُخلَّد في النَّار مَنْ مات على التَّوحيد. قال (ك): وإمامةُ الأَعمَى، وإسنادُ المَسجِد للقَوم.

47 - باب التيمن في دخول المسجد وغيره

قلتُ: قد سبَق كثيرٌ من ذلك. * * * 47 - بابُ التَّيَمُّنِ في دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى، فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى. (باب التَّيمُّن في دُخول المَسجد وغيرِه) وهو عطفٌ على دُخول، لا على المَسجِد، ولا على التَّيمُّن. (يبدأ)؛ أي: في دُخول المَسجِد بقرينة مقابلة يخرج. * * * 426 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ في شَأنِهِ كُلِّهِ في طُهُورِه وَتَرَجُّلِهِ وَتنعُّلِه. (ما استطاع)؛ أي: ما دامَ مُستطيعًا بخلاف ما لا يُستطاع فيه التَّيمُّن، ويحتمل أنَّ (ما) موصولةٌ بدلًا من (التَّيمُّن). (في شأنه) متعلِّق بـ (التَّيمُّن)، أو بالمَحَبَّة، أو بهما من باب التَّنازع. (يحب) هو وإِنْ كان أَمرًا باطنًا، لكنْ فهمتْه عائشة بالقَرائن، أو

48 - باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد؟

بإِخبار الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -. (في طهوره) بضَمِّ الطَّاء، أي: التَّطهُّر. (وترجله)؛ أي: تَمشيطِه الشَّعر. (وتنعله)؛ أي: لُبْسِه النَّعل، فقوله: (في طُهوره) هو وما بعدَه بدلٌ من (شَأْن) بدلَ بعض؛ لأَنَّ الشَّأْن أَعمُّ لا سيَّمَا وأكُّد بـ (كُلٍّ)، لكنْ يقتضي حينئذٍ قَصْر الَّحَكم على البدَل، فيُجاب إما بأَنَّ ذكْر الثَّلاثة لشرَفِها، وبيانِ الاهتمام بها, لا لنفْي غيرِها، أو أنَّه بدَلُ كلٍّ من كلٍّ على أَنْ يكون الطُّهور مفتاح العبادات، والتَّرجُّل يتعلَّق بالرَّأس، والتَّنعُّل يتعلَّق بالرِّجل، وأحوال الإنسان مُنحَصرةٌ في الأَعلى والتَّحْت والأَطراف، فنبَّهَ على كل منها بمثالٍ. * * * 48 - بابٌ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكي الْجَاهِلِيةِ، ويُتَّخَذُ مَكانُهَا مَسَاجِدَ؟ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاَةِ في الْقُبُورِ. وَرَأَى عُمَرُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ، وَلَمْ يَأمُرْه بِالإعَادَةِ. (باب: هل تُنبش قُبور مُشركي الجاهلية) إلى آخره.

(مكانها) بالنَّصْب. (مساجد) بالرَّفْع نائبُ الفاعل في (يُتَّخَذ)، ثم إنْ قُلنا: إنَّه مُتعدٍّ لواحدٍ فنَصْب مكانها على الظَّرفيَّة، أو لاثنين، فيكون مكانها هو المفعول الثَّاني بعد نيابة مساجد عن الفاعل، ويجوز العكس، فيُجعل النَّائبُ مكانها، ويُنصب مساجد؛ لأنَّهما معرفتان، كما يجوز مثل ذلك في مفعولَي أعطى؛ لأنَّه بمعناه. (لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -) وجْهُ الاستدلال أنَّ اللَّعنة لهم لاتخاذهم قُبور الأنبياء، فجاز أن يُتخذ قبورُ غيرهم، أي: تُبنى المَساجِدُ عليها بعد ذَهاب أثَرها. (وما يكره) عطفٌ على (هل تُنبَشُ)؛ أي: باب الحكم في الأمرَين: اتخاذ المَساجِد مكان القُبور، أو اتخاذها بين القُبور، وهو وإن كان عطفَ خبريَّةٍ على طلبيَّةٍ، لكن جاز؛ لأنَّ الاستفهام التَّقريريَّ في حكم الخبَريَّة. (القبر) منصوبٌ على التَّحذير، محذوفُ العامل وجوبًا، وفي بعضها قرنه بهمزة الاستفهام للإنكار، أي: أتصلِّي عند القَبْر؟، فيُكره؛ لأَنَّ عدَمَ الأمر بالإعادة دليل الجواز، وهذا الأثر عن عمر شاهدٌ لصدر التَّرجَمة، والحديث الآتي في بناء مسجده - صلى الله عليه وسلم - شاهدٌ لآخرها. * * *

427 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرتا لِلنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالح فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". الحديث الأَوَّل: (كنيسة) بفتح الكاف: مَعبَدُ النَّصارى. (رأتاها) بالتَّثنية، وفي بعضها: (رأَيْنَها)، بنون الجمع، إما لأَنَّ أقلَّ الجمع اثنان، أو معهما غيرهما من النِّسوة. (فمات) عطفٌ على (كان). (بنوا) جواب (إذا). (أولئك) -بكسر الكاف- (شرار) جمع شَرٍّ، كخِيَار جمع خَيْر. ووجْه تعلُّق التَّرجَمة بهذا الحديث مع أنَّه ما دلَّ إلا على مَذَمَّةِ مَنِ اتَّخذ القَبر مَسجِدًا، ولا يُناسب صدرَها؛ لأنَّه عكسه، ولا آخرَها، لأنَّها كراهةٌ، وهذا تحريمٌ، [إلا] أن يُقال: المَذَمَّة على التَّصوير، وهو حرامٌ لا على الاتخاذ، ولئِنْ سُلِّم فمُراد التَّرجَمة اتخاذ قُبور غَير الأَنبياء، ومَنْ في حُكمهم من الصَّالحين، فقد تعلَّق بأوَّل التَّرجَمة؛ لأنَّه موافقٌ لحديث: "لَعَنَ اللهُ اليَهود"، وبآخرها من حيث إنَّ بناء المَسجِد على القبر مُشعِرٌ بالصَّلاة فيها، وحينئذ إمَّا أن يُريد بالكراهة

التَّحريم، فهو المُراد بالمَذَمَّة، أو التَّنزيه، فتُعاد المَذَمَّة للتَّصوير لا للاتخاذ، نعَمْ، قوله: (شِرار الخَلْق)، يقتضي الكُفر، والمُصَوِّر عاصٍ لا كافِرٌ؟ فيُجاب عنه بأنَّهم إذا صَوَّروها عبَدُوها فهم كفَّارٌ. قال (ط): نُهوا عن اتخاذهم القُبورَ، وجعلها آلهة. * * * 428 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ، في حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كأنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى ألقَى بِفِنَاءَ أَبِي أيُّوب، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْركَتْهُ الصَّلاَةُ، وَيُصَلِّي في مَرَابِضِ الْغَنَم، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءَ الْمَسْجدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُوني بِحَائِطِكُمْ هَذَا"، قَالُوا: لاَ وَاللهِ، لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ، فَقَالَ أَنسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أقولُ لَكُمْ، قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجزُونَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:

"اللهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ" الحديث الثَّاني: (أبو التياح) بفتح المُثنَّاة فوقُ، وتشديد المُثنَّاة تحتُ، وآخره حاءٌ مُهمَلةٌ: يزَيْد الضَّبْعي. (حي)؛ أي: قَبِيْلة. (عمرو) بالواو. (عَوْف) بالفاء. (أربع عشر) ولبعضهم روايتُها: (أربعًا وعشرين). (النجار) بتشديد الجيم، أبو قبيلةٍ من الأنصار. (متقلدين) نصبٌ على الحال. (السيوف) منصوبٌ به، ويُروى: (مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ) بالإضافة، والتَّقليد: جَعْلُ نِجاد السَّيف على المَنْكِب، وحكمةُ مجيئهم كذلك خَوف اليهود، وليُروا ما أَعدُّوه لنُصرته. (راحلته) هي المَركِب من الإبِل ذكرًا كان أو أُنثى. (رِدفه) هو المُرتَدِف، أي: يَركب خلْفَ الرَّاكب. (ملأ) بفتح الميم واللَّام وبالهمز، أي: جماعةٌ أشرافٌ. (ألقى)؛ أي: رحلَه. (بفناء) بكسر الفاء: هو ما امتدَّ من جوانب الدَّار. (أبي أيوب) خالد.

(ويُصلِّي) عطفٌ على يُحبُّ، لا على يُصلِّي. (مرابض) جمع مَرْبِض، وهو مَأوى الغنَم، ورُبوض الغنَم مثل بُروك الإبل. (أمر) بالبناء للفاعل، وفي بعضها مبنيٌّ للمفعول، أي: من عند الله. (ثامنوني)؛ أي: اذكُروا لي ثَمنَه، وبِيْعوني بالثَّمَن. (إلا إلى الله عز وجل) لم يقولوا: من الله؛ لأنَّه ضُمِّن معنى يُصرَف ثَمنُه في المُستقبل إلى الله، فلا نطلبُه من أحدٍ. (قبور) بالرَّفْع بدلٌ من (ما أقول)، أو بيانٌ. (خرب) بمعجمةٍ مفتوحةٍ وراءٍ مكسورة، واحدُه خَرِبَة كنَبِقٍ ونبِقَة، ورُوي بكسر الخاء وفتح الرَّاء جمع خِرْبة كنِقْمَةٍ ونِقَمٍ. وقال (خ): لعلَّ الصَّواب خُرب جمع خُربة بضَمِّ الخاء فيهما، وهو الخُروق التي في الأرض، أو جِرَف بكسر الجيم وفتح الرَّاء جمع جِرْفة التي هي جمعُ جَرَف بفتح الجيم والرَّاء كقُرْطَة جمع قَرَط، وهو ما تَجرَّفتْه السُّيول وأكلَتْه من الأَرض. قال: ومَنْ رواه بالحاء المُهمَلة والمُثلَّثة أراد المَحرُوث للزَّرع. قال: وأحسنُ منه لو ساعدَتِ الرِّوايةُ حَدَب بالحاء والدَّال المُهمَلَتين جمع حَدْبة لقوله: (فسُوِّيَتْ)، وإنَّما يُسوَّى المكان المُحدَودِب، وأما الخَرِبة -بالخاء المُعجَمَة والرَّاء- فتُبنَى وتُعمَّر، انتهى.

49 - باب الصلاة في مرابض الغنم

وهذا فيه تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه مع صِحَّة الرِّواية، والمعنى مع المُعجَمَة والرَّاء، ومعنى التَّسوية فيها أنْ يكون فيها بناءٌ تَهدَّم، فتُسوَّى الأرضُ بإزالته. قال (ط): اختُلف في نبش القُبور طلَبًا للمال، فمنعَه الأَوْزاعيُّ؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا مَرَّ بالحِجْر قال: "لا تَدخُلُوا بُيوتَ الذين ظَلَمُوا إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكينَ؛ مَخافَةَ أَنْ يُصيبَكُم ما أَصَابَهُمْ"، فقُبورُهم بالنَّهي أَولى. قال الطَّحَاويُّ: قد أباح دُخولَها على وجه البُكاء، وأيضًا فلمَّا خرَج - صلى الله عليه وسلم - إلى الطَّائِف، قال: هذا قَبْرُ أَبي رِغَالٍ، أي: بكسر الرَّاء وتخفيف المُعجَمَة، وهو أَبو ثَقِيْف، وكان من ثَمود، وكان بهذا الحرَم يَدْفَعُ عنه، فلمَّا خرَجَ أصابتْه النِّقْمة بهذا المكان، وآيةُ ذلك أنَّه دُفِنَ معه غُصْنٌ من ذهَب فابتَدَره النَّاس ونبشُوه واستَخرجُوا منه الغُصْنَ، فجوَّزَ نبشَها لطلَب المَال. * * * 49 - بابُ الصَّلاَةِ في مَرَابِضِ الْغَنَمِ (باب الصَّلاة في مَرابِض الغنَم) جمع مَربِض بكسر الباء: مَأوَاها. 429 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي في مَرَابِضِ الْغَنَم، ثمَّ

50 - باب الصلاة في مواضع الإبل

سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ: كَانَ يُصَلِّي في مَرَابِضِ الْغَنَم قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجدُ. (ثم سمعته)؛ أي: قال أبو التَّيَّاح: أنَّه سَمع أنسًا بعد ذلك يُطلِق ولا يَقُول. (قبل أن يبنى المَسجد)؛ أي: مسجدُه - صلى الله عليه وسلم -، فيُحمل المُطلَق على المُقيَّد ولو تأَخَّر المُطلَقُ؛ عملًا بالدَّليلَين. قال (ط): في الحديث دلالةٌ على قول الشَّافعي: لا أَكرَهُ الصَّلاة في مَرابِض الغنَم إذا كانت سَليمة من أبوالها وأبعارها؛ لأنَّه إذا كان من المَعلوم أنَّها لا تَسلَم من ذلك، ولم يخصَّ بالصَّلاة مكانا دون مكان دلَّ على طَهارة بَولها وبَعْرها. وردَّه (ك): بأن الأصلَ عدَمُ ذلك، فيُقدَّم على الظَّاهر عند تعارُضهما، والسَّلامة منه، وأيضًا فيُحمل على أنَّه صلَّى بحائل، أو أنَّ التَّحرُّز في الصَّلاة عن النجَس معلومٌ بدليلٍ آخر. * * * 50 - بابُ الصلاَةِ في مَوَاضِعِ الإِبِلِ (باب الصَّلاة في مَواضع الإبِل) 430 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ،

51 - باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله

قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. (حيان) بمُثنَّاة. (عبيد الله) بضَمِّ العين. (يفعله)؛ أي: يُصلِّي، والبَعيْر في قِبْلَته. قال (ط): كَرِهَ مالك، والشَّافعي الصَّلاةَ في أَعْطَان الإبل، قيل: لأَنَّ أصحابَها عادتُهم يتغوَّطون قُربَها، فينجِّسون أعطانَها بخلاف أصحاب الغنَم، وقيل: خوفَ وُثوبِها، فتُعطبُ مَنْ تُلاقِيْهِ. قال (ك): أو يَذهبُ خُشوع المُصلِّي، أو لأَنَّ الجِنَّ تأوي ذلك؛ لما رُوي: أنَّها جِنٌّ خُلِقت من جِنٍّ، لا أَنَّ العِلَّة نجاسةُ بَولها ورَوثها؛ لأنَّ من قال به فيها يَقول به في الغنَم؛ إذ لا فَرْقَ بينهما في ذلك، ولذلك أجاز أبو حنيفة الصَّلاةَ فيها بلا تَفاوتٍ لطَهارة الأَمرَين عنده. * * * 51 - بابُ مَنْ صلَّى وَقُدَّامَه تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَا يُعْبَدُ فأَرَادَ بِهِ الله وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَني أَنَسٌ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَت عَلَيَّ النَّارُ وَأَناَ أُصَلِّي".

(باب مَن صلَّى وقُدَّامَهُ تنُورٌ) بتشديد النُّون: حُفرة النَّار، قيل: تَوافَق فيه جميعُ اللُّغات، وهو مبتدأٌ خبره الظَّرفُ قبله، وهو قُدَّامَ بالنَّصْب. (وقال الزُّهري) وصَلَ هذا التَّعليق في (باب وقت الظُّهر). (النَّار) اللَّام للعهد، أي: نار جهنَّم. * * * 431 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: "أُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ". (أُريت) بضَمِّ الهمزة من رُؤية البصَر. (كاليوم) صفةٌ لمَصْدرٍ محذوفٍ، أي: رؤيةً مثل رؤية اليوم، أو لَم أَرَ منظَرًا، أي: زمان نظَرٍ كمَنظر اليوم، أي: فيه. (قط) بتشديد الطَّاء وتخفيفها: ظرفٌ للماضي المَنْفيِّ، ويُقال فيه: قُطُ بضَمِّتين، أما قَطْ بمعنى حَسْبُ: فبالسُّكون. (أفظع)؛ أي: أَشْنعَ المُجاوِز من ذلك الحَدَّ، وصِلَة أفعل التَّفضيل محذوفةٌ، أي: منه، ويحتمل أنَّه بمعنى فَظيع، كأكبَر بمعنى كَبِيْر. قال السَّفَاقُسِي: لا حُجَّةَ فيه لِمَا بَوَّبَ له؛ لأنَّه لم يفعل ذلك

52 - باب كراهية الصلاة في المقابر

مُختارًا، بل عرَض عليه ذلك بغير اختيارٍ لمعنًى أرادَه الله عز وجل تنبيهًا لعباده. قال (ط): الصَّلاة جائزةٌ إلى كلِّ شيءٍ إذا قصَد الله تعالى، والسُّجود لوجهه خالصا. قال (ك): وفي الحديث استحباب صلاة الكُسوف، وأنَّ النَّار مخلوقةٌ اليومَ، وكذا الجنَّة؛ إذْ لا فَرْقَ، والحديثُ مُطوَّلٌ، سيأتي بتمامه في (باب الكسوف). * * * 52 - بابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ في الْمَقَابِرِ (باب كَراهة الصَّلاة في المَقابِر) 432 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَني ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اجْعَلُوا في بُيُوتكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ، وَلاَ تتَّخِذُوهَا قُبُورًا". (من صلاتكم)؛ أي: بعض، وهو مفعولُ الجَعْل؛ لأنَّه مُتعدٍّ لواحِدٍ كما في: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] , بخلاف ما إِذا كان بمعنى التَّصْيِير، فإنَّه يَتعدَّى لاثنين، نحو: {جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام: 165]. (قبورًا)؛ أي: مثلَ القُبور.

53 - باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب

قال (ط): فيه دليلٌ على منع الصَّلاة في القُبور، ويحتمل: لا تَجعلوا بُيوتَكم أَوطَانًا للنَّوم لا تُصلُّون فيها، فإنَّ النَّومَ أَخو المَوت، وأما مَنْ أوَّله على النَّهي عن دَفْن المَوتَى في البُيوت فليس بشيءٍ، فقد دُفِنَ - صلى الله عليه وسلم - في بيته الذي يسكُن في حياته. قال (ك): هو نبيٌّ، ولعلَّ ذلك من خصائصه، فقد رُوي: "الأَنبياءُ يُدفَنُونَ حيثُ يَمُوتُونَ"، ونازَعَ بعضُهم البُخاريَّ في فَهْمه أَنَّ المَقابر لا يُصلَّى فيها لتشبيه البُيوت التي لا يُصلِّي فيها بها، فاقتضَى أَنَّ المَقابر ليست مَحلًّا للصَّلاة، وقال: فيه نظَر؛ لأَنَّ الظَّاهر منه أن لا يجعل بيتَه كالقبر في عدَم صلاته فيه بدليل (قُبورًا)، ولو أُريد ما فهم البُخاري لقال: مَقابِر. * * * 53 - بابُ الصَّلاَةِ في مَوَاضعِ الْخَسْفِ وَالْعَذَابِ ويُذْكَرُ: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - كَرِهَ الصَّلاَةَ بِخَسْفِ بَابِلَ. (باب الصَّلاة في مَواضع الخَسْف) (بخسف) هو المكان الذَّاهب في الأرض، (بابل) مَوضِعٌ بالعِراق قريبٌ من الكُوفة، لا يَنصرف، كما قال تعالى: {عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ} [البقرة: 102]، ويُنسَب إليه السِّحْر. * * *

433 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيهِم، لاَ يُصِيبُكُم مَا أَصَابَهُم". (المعذبين) بفتح الذَّال، أي: ثَمود، وأصحاب الحِجْر، ونَحوُهم. (يصيبكم) بالرَّفْع استئنافٌ. قال (ش): كان الوجه الجزم، فجاء الرَّفع على لغةٍ، مرادُه: لا تَدْنُ مِنَ الأَسَدِ تَسْلَمُ، وهي مشهورةٌ في العَربية، واعلم أن خوفَ إصابةِ العذاب لا يُنافي قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]؛ لأَنَّ ذلك يوم القيامة، وقد قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] , على أَنَّ مَن دخَل موضعَهم ولم يتضرَّع حيثُ يجب تضرُّعه ظالمٌ. ووجه مطابقته للتَّرجمة: أنَّه إذا أُمِر بالبُكاء دوامًا، فإنْ يكن في الصَّلاة كُرِهَ له ذلك بل تبطُل إن ظَهَر حَرفانِ أو حَرفٌ مفهِمٌ أو مَمدودٌ. قال (خ): معناه أنَّ الدَّاخل في مَواضع الخَسْف بالظَّالمين وهلاكِهم إذا لم يُر عليه من رُؤية آثارِ مَن نَزل بهم حُزْنٌ وبكاءٌ شفقةً أو خَوفًا من حُلول مثله، فهو قاسي القَلْب قليلُ الخُشوع، فلا يَأْمنُ أَن يُصيبه ما أصابَهم، وفيه دلالةٌ على أنَّ دِيارَهم لا تُسكَن؛ لأنَّه لا يُمكن أن يكون باكيًا دهرَه.

54 - باب الصلاة في البيعة

قال (ط): هذا إنَّما من جهة التَّشاؤُم لقوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [إبراهيم: 45] , فوبَّخهم على السُّكون فيها، وقد تَشاءَم - صلى الله عليه وسلم - بالبُقعة التي نَام فيها عن الصَّلاة، فرحَلَ عنها وصلَّى، فصلاتُه في موضع الخَسْف أَولى؛ لأَنَّ إباحة الدُّخول فيها إنَّما هو على وجه الاعتِبار والبكاء، فمَنْ صلَّى هناك لا تَفسدُ صلاتُه؛ لأنَّ الصَّلاة موضعُ البُكاء والاعتبار، وزعمت الظَّاهريَّة أنَّ الصَّلاة هناك باطلة إن تعمَّد، فإن سها سجَد للسَّهو، وهذا خُلْفٌ من القَول. * * * 54 - بابُ الصَّلاَةِ في الْبِيعَةِ وَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: إِنَّا لا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُم مِنْ أجلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي في الْبِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ. (باب الصَّلاة في البِيْعة) بكسر الباء المُوحَّدة، أي: مَعبَد النَّصارى. (التي فيها الصور) وفي نسخة: (الصُّورة) بالهاء، وعلى كلِّ حالٍ فهو صفةٌ لكنائسهم لا للتَّماثيل؛ لأَنَّ التِّمثال هو الصُّورة، أو هو منصوبٌ على الاختصاص. قال ابن مالك: يجوز في (الصُّوَر) الجرُّ على البدَل من التَّماثيل،

أو بيان، والنَّصْبُ بـ (أعني)، والرَّفْعُ بإضمار مبتدأ. قال: ويجوز جعل المجرور معطوفًا بواو محذوفةٍ. * * * 434 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَنِيسَة رَأتهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالح -أَوِ الرَّجُلُ الصَّالح- بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجدًا، وَصوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ". (كنيسة) هي مَعبَد اليهود، وعلى هذا فلا تُطابِق التَّرجَمة بالبِيْعة، لكن في اللُّغة أن الكَنيسة أيضًا للنَّصارى كالبِيْعة، كما قاله الجَوْهَري. (مارية) بتخفيف الياء. (أولئك) بكسر الكاف، وكذلك (تلكِ) وقيل: يجوز الفتح في الكُلِّ. (أو) الشَّكُّ من الرَّاوي. (الصالح) يعم النبيَّ وغيرَه، وسبق مباحثُ الحديث في (باب هل تُنبش قُبور مُشركي الجاهليَّة)، وإنَّما كُرهت الصَّلاة هنا تحريمًا أو تنزيهًا، وجُوِّزت كما سبَق إلى ما قد يُعبد من النَّار؛ لأنَّ نفْس التَّصوير

55 - باب

هنا حرام بخلاف ذات النَّار، فإنَّ التَّحريم إنَّما هو في عبادتها، أو لأَنَّ التَّماثيل تَشغَلُ كالأَعلام في الثَّوب. قال (ط): أو لأَنَّ وجودَ النَّار عرَض بلا اختيارٍ، وهنا دُخول الكنيسة بالاختيار بلا ضرورةٍ. * * * 55 - بابٌ (بابٌ) يوجد كذا في بعض النُّسَخ، وفي بعضٍ مفقودٌ. 435 - و 436 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالاَ: لَمَّا نزَلَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وهُوَ كَذَلِكَ: "لعنةُ اللهِ عَلَى اليهودِ والنَّصارَى اتَّخذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِم مَسَاجِدَ"؛ يُحَذِّرُ مَا صنَعُوا. (نُزِل) بضَمِّ النُّون وكسر الزاي المُخَفَّفة. قال الجَوْهَري: النَّزْلة كالزُّكام، ويُقال: به نَزْلةٌ. قال (ش): بضَمٍّ فكسرٍ، وبفتحهما. (طفق) بكسر الفاء، وفتحها. (خَمِيْصَة) كِسَاءٌ أسود مربَّع له علَمان.

56 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"

(اغتم)؛ أي: تَسَخَّن وأخذ بنفسه من شِدَّة الحَرّ. (وهو كذلك)؛ أي: في حالة الطَّرْح والكَشْف، هو من مَقولُ الرَّاوي، وكذا (يحذر ما صنعوا)؛ أي: لئَلَّا يُفعل بقبره مثلُ ذلك، ولعلَّ ذلك لأنَّه قد يَصير بالتَّدريج كعبادة الأصنام. * * * 437 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أبِيَ هُرَيْرَةَ: أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". وحديث أبي هريرة: (قاتل الله اليهود) سبَقَ شرحُه، وقاتل بمعنى أَبعَدَ، فهو كحديث: (لَعَنَ)، واقتصَر على اليهود هنا؛ لأنَّهم الذين سَنُّوا هذا الاتخاذ وابتدؤوه، فهُم أظلَم، أو لأنَّهم أشدُّ غُلُوًّا فيه. * * * 56 - بابُ قولِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا" (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسجدًا وطَهُورًا") بفتح الطَّاء، وفيه حديث جابرٍ سبَق أوَّل التَّيمُّم. 438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا

57 - باب نوم المرأة في المسجد

سَيَّارٌ -هُوَ أَبُو الْحَكَم- قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجدًا وَطَهُورًا، وَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْركَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ". (كافة)؛ أي: جميعًا، نصبُه على الحاليَّة لازمٌ له، واستُهجِنَ كافَّتهم بالإضافة. قال (ط): فيه أنَّ ما سبَق في الأَبواب من كراهة الصَّلاة ليس على التَّحريم، فتدخُل المَقابر والمَعاطِن والكنائِس وغيرها. * * * 57 - بابُ نَوْمِ الْمَرْأَةِ في الْمَسْجِدِ (باب نَومِ المَرأَة في المَسجد) 439 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو أسُامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ وَليدَةً كَانَتْ سَوْداءَ لِحَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا، فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ

وَهْوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ، قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجدُوهُ، قَالَتْ: فَاتَّهَمُوني بِهِ، قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فتَّشُوا قُبُلَهَا، قَالَتْ: وَاللهِ! إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ، إِذْ مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُوني بِهِ -زَعَمْتُمْ- وَأَناَ مِنْهُ بَرِيئةٌ، وَهُوَ ذَا هُوَ، قَالَتْ: فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَتْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ في الْمَسْجدِ أَوْ حِفْشٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تأتِيني فتَحَدَّثُ عِنْدِي، قَالَتْ: فَلاَ تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ: وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا ... أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ لاَ تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا؟! قَالَتْ: فَحَدَّثتنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ. (عبيد) بالتَّصغير، وفي بعضها: (عُبيد الله). (أبو أُسامة) اسمه: حَمَّاد بن زيد. (وليدة) بفَتح الواو، أي: أَمَة. (صبية)؛ أي: صَغيرة. (وشاح) يُنسَج من أَديم عَريضًا، ويُرصَّع بالجَواهر تَشدُّه المَرأة بين عاتقها وكَشْحها، ويُقال فيه: إِشاحٌ بالكسر فيهما، وبالضَّمِّ فيهما. قال (ط): خِيْطان من لُؤلُؤ يُخالَف بينهما -أي: بحمرة السُّيور- حتَّى يَغلِب لَون الحُمْرة.

(سيور) جمع سَيْر بالفتح: ما يُقَدُّ من الجِلْد، والسّيراء من الثِّياب: ما فيه خطوط كالسيور. (حدياة) بتشديد الياء والألف، قيل: إنَّه إشباع من فتحه، وقيل: الكلمة موضوعة بصيغة التصغير مرادفة لحدأة، وآخره همز. (فخطفته) بكسر الطَّاء. (ففتشوني)، وفي بعضها: (يُفتِّشوني). (قبلها) أتَى به بضَمير الغَيبة؛ لأنَّه من كلام عائشة، أو مِن كلام الوَليْدَة من الالتِفات، أو من باب التَّجريد. (زعمتم) مَفعولاهُ مَحذوفان، أي: زعمتُموني آخذةً له، أي: ما يسدُّ مسَدَّها؛ أي: أنِّي أخذتُه. (وهو ذا هو) فيه أَعاريب: (هو) مبتدأٌ، و (ذا) خبرُه، وهو الثَّاني خبرٌ بعدَ خبر، أو تأكيدٌ للأول، أو لـ (ذا)، أو بيان له، أو (ذا) مبتدأٌ ثانٍ، و (هو) خبرُه، والجُملة خبرُ الأَوَّل، أو هو ضميرُ الشَّأْن، وما بعدَه جُملةٌ مُفسِّرةٌ له، أو خبَر (هو) الثَّاني محذوفٌ، والجملةُ تأكيدٌ للجُملة قبلَها، أو (ذا) نصبٌ على الاختصاص. (خباء) بكسرِ المُعجَمَة، وخفَّةِ المُوحَّدة، والمَدِّ: خيمةٌ من وبَرٍ، أو صُوفٍ على عَمودَين، أو ثلاثةٍ، وما فَوقَ ذلك يُسمَّى بيتًا. قال (ك): إن في بعضها: (وكانَتْ لَها خِبَاءٌ)، إنَّ التَّاء باعتبار تأويل الخِبَاء بالخَيْمة، وفيه نظَرٌ؛ إذ يحتمل أنَّ (كان) ناقصةٌ، والضَّميرُ للوَليْدَة، أو: (لَها خِبَاءٌ) خبرُ (كان).

58 - باب نوم الرجال في المسجد

(حِفش) بمُهمَلةٍ مكسورةٍ وفاءٍ ساكنةٍ وشينٍ مُعجَمة، أي: بيتٌ صغيرٌ، وإنْ كان يُطلق -كما قال الجَوْهَري- على وِعَاء المَغازِل. (فتحدث) أَصلُه تتَحَدَّثُ، فحُذفت إحدى التَّاءَين تَخفيفًا، قيل: هو تاء المُضارَعة؛ لأَنَّ حَذْف الثَّانية يُخِلُّ بالمَعنى، ومذهب سِيْبَوَيْهِ الثَّانية؛ لأَنَّ الثِّقَل نشأَ منها, ولا يَختَلُّ بها المعنى. (تعاجيب) لا واحِدَ له من لَفظه، ومعناه عُجاب. قلتُ: لا يَمتنع أنَّ واحدَه تَعجيب؛ لأنَّه يُقال: تَعجبُ به، أي: تَرى العجَب منه. (إلا قلت هذا)؛ أي: البيتَ، وهو من الطَّويل. قال (ط): فيه مَبيتُ مَن لا مَسكَنَ له في المَسجِد، وفي نحو الخَيْمة، ولو كان السَّاكن امرأةً، والخُروجُ من بلدة جرَتْ فيها فتنةٌ تَشاؤُمًا بها، ورُبَّما كان خُروجه سببًا لخيرٍ أرادهُ الله له في غيرها. * * * 58 - بابُ نَوْمِ الرِّجَالِ في الْمَسْجِدِ وَقَالَ أبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَكَانُوا في الصُّفَّةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ.

(باب نَوم الرَّجل في المَسجد) (وقال أبو قلابة): وصلَه بهذا اللَّفظ في (باب المُحاربين). (وقال عبد الرَّحمن) وصلَه في (باب السَّمَر مع الضَّيْف). (أصحاب الصفة) سيأتي قَريبًا عن أبي هريرة: أنَّهم كانُوا سَبعين، وسرَدَهم أبو عبد الرَّحمن السُّلَمي الصُّوفي الحافظ، وأبو نُعَيْم في "الحلية"، والحاكم في "الإكليل". والصُّفَّة: موضعٌ مُظَلَّلٌ من المَسجِد سَقائِفُ في أُخرَياته يَأوي إليه المَساكين، وقيل: سُمُّوا أصحاب الصُّفَّة؛ لأنَّهم كانوا يصفُّون على باب المَسجِد؛ لأنَّهم غُرَباء لا مَأْوى لهم. (الفقراء) نصبٌ خبرُ (كان)، أو رفعٌ على أنَّه اسمها، و (أصحاب) خبَرٌ مُقدَّمٌ؛ لأنَّهما معرفتان، نَعَمْ، في بعضها: (فُقَراء)، بالتَّنكير، فتعيَّن أنَّه الخبَر. * * * 440 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهْوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لاَ أَهْلَ لَهُ في مَسْجدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (أعزب)؛ أي: لا زَوْجَ له، كذا لأكثرهم، [و] لأبي زَيْد: عَزِب بلا ألِف بكسر الزَّاي، وهي اللُّغة الفَصيحة.

(لا أهل له) هذا وإِنْ فُهِم من أَعْزَب، لكنَّه ذُكر تأكيدًا، أو المُراد بالأهل ما هو أَعَمُّ من الزَّوجة والقَريب. (في المَسجِد) متعلِّقٌ بـ (ينام)، ففيه جواز ذلك لغَير العَزب، ومُستمرًّا؛ لأنَّ (كان) تُشعر بالتَّكرار. * * * 441 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجدْ عَلِيًّا في الْبَيْتِ فَقَالَ: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ " قَالَت: كَانَ بَيْني وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لإنْسَانٍ: "انْظُرْ أَينَ هُوَ؟ ". فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هُوَ في الْمَسجدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُضْطَجعٌ، قَدْ سَقَطَ رِداؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ". الحديث الأَوَّل: (ابن عمك) لم يَقُل زَوجُك، أو عليٌّ؛ كأنَّه يُشير بأنَّه جرى بينهما شيءٌ، فأراد استعطافَها عليه بذِكْر القَرابة، ولهذا لم يقل: ابن عَمِّ أبيك. (لم يقل) بكسر القاف، من القَيلُولَة. (لإنسان) هو سَهْلٌ راوي الحديث.

(أبا تراب)؛ أي: يا أَبا، فحُذف منه حرف النِّداء. وفي الحديث: نَوم غير العَزب في المَسجِد، ودُخول الوالد بيتَ ابنته بغير إِذْن زَوْجها، وذِكْرُ الشَّخص بما بينهما من النَّسَب، والكُنية بما يُلابَسُ من الأحوال، وكان أحبَّ الكُنى إلى عليٍّ. قال (ط): ونوم غير الفُقراء في المَسجِد، وغير ذلك من الانتفاع من أكلٍ، وشُربٍ، وممازحةُ الغَضْبان بغير كُنيته حيث لم يَغضَب منه وَيأْنس به، والتَّكنية بغير الولَد، ومُداراةُ الصِّهْر، وتَسليةُ أَمره في عتابه، وأنَّ المَلابس يحاول بها سَتْرُ العَورة. * * * 442 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِداءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا في أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ، كَرَاهِيةَ أَنْ تُرَى عَوْرتهُ. الحديث الثَّاني: (ابن فُضيل) بضَمِّ الفاء، هو محمَّد أبو عبد الرَّحمن. و (أبو حازم) اثنان، سلَمة بن دِيْنَار هذا، وسلمان مَولى عَزَّة، يرويان عن الصَّحابة، والمميِّز بينهما: إن كان عن أبي هريرة فهو سلمان الأَشجَعي، أو عن سَهْل فهو سلَمة بن دِيْنَار، والأَوَّل يَروي عنه

59 - باب الصلاة إذا قدم من سفر

الأعمش، والثَّاني يروي عنه مالك. (رداء) هو ما يَكسُو النِّصفَ الأَعلى. (إزار): هو ما يَكسُو النِّصفَ الأَسفل. (قد ربطوا) صفةٌ للكِساء، أي: رَبَطُوه، فحذف منه الضَّمير العائد، والجمعيَّة فيما عاد إلى رجل باعتبار إرادةِ الجِنْس، ولم يبين لفظ النِّصف للعلم بأنَّ المُراد منه التَّثنية حيث أُضيف إلى السَّاقَين. * * * 59 - بابُ الصَّلاَةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَالَ كعْبُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجدِ فَصَلَّى فِيهِ. (باب إِذا قَدِمَ مِن سَفَر) (قال كعب) وقد وصَل هذا التَّعليق في (الجهاد) مختصرًا، وفي (المغازي) في توبة كعب مُطوَّلًا. * * * 443 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَر، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في الْمَسْجدِ -قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ قَالَ: ضُحًى- فَقَالَ: "صَلِّ ركعَتَيْنِ"،

60 - باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين

وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دينٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي. (قال مسعر) إدراجٌ من الرَّاوي. (أُراه) بضَمِّ الهمزة، أي: أَظُنُّ. (ضحى)؛ أي: أظنُّه قال زيادةً هذه اللَّفظة. (فقال)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. ووجه مطابقته للتَّرجمة: أنَّ معناها: ما يَفعَل إِذا قَدِمَ، والحديث مُختصرٌ من طويلٍ يأتي في (كتاب البيع) وغيرِه في شراء الجمَل، وأنَّه جاء يَتقاضَى منه الثَّمَن. قال (ن): هذه الصَّلاة مقصودةٌ للقُدوم من السَّفَر لا تحيَّة المَسجِد، وفيه استحبابُ قَضاء الدَّينِ زائِدًا. * * * 60 - بابٌ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكعْ رَكْعَتَيْنِ (باب: إِذا دخَلَ أحدُكُم المَسجِد فليَرْكعْ) 444 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقيِّ، عَنْ أَبِي قتادة السَّلَمِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدكمُ الْمَسْجدَ فَلْيَرْكعْ ركعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ".

61 - باب الحدث في المسجد

(سليم) بضَمِّ السِّين، (السَّلَمي) بفتح السِّين واللَّام. قال صاحب "الأصول": وأكثرُ أصحاب الحديث يَكسِرون اللَّامَ نِسبَةً إلى سلِمة بكَسر اللَّام. (فليركع)؛ أي: يُصلِّ، من إطلاقِ الجُزء على الكُلِّ، وجَزاء الشَّرط إِنْ أُريد بالأمر تعلُّق الأمر فهو الأمر، وإلا فالجَزاء لازمُ الأمر، وهو الرُّكوع، والأَمر للنَّدْب. قال (ط): باتفاقِ أئمَّة الفتوى؛ لما رُوي أَنَّ كبار أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانوا يدخُلون المَسجِد، ثم يَخرُجون، ولا يُصلُّون، وقالت الظَّاهرية: إنَّه فرْضٌ على كلِّ داخلٍ في وقتٍ تجوزُ فيه الصَّلاة، وقيل: مطلقًا، وقال الطَّحَاوي: مَنْ دخَل في أوقات النَّهي لا يَدخل في الأمر بتحية المَسجِد. * * * 61 - بابُ الْحَدَثِ في الْمَسْجِدِ (باب الحَدَث في المَسجد) 445 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دامَ في مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ".

62 - باب بنيان المسجد

(الملائكة) عامٌّ بأل. (تصلي) صلاتُهم استِغفارٌ ودُعاءٌ. (مصلى)؛ أي: مكان الصَّلاة. (تقول) بيان لصلاة المَلائكة، والفَرْق بين المَغفرة والرَّحمة أَنَّ المَغفرة سَتْر الذُّنوب، والرَّحمة إفاضة الإِحسان. قال (ط): الحدَث في المَسجِد خطيئةٌ يُحرَم بها المُحدِث استغفارَ الملائكة ودعاءَهم المَرجُوَّ بركتُه، وهو عقاب له بما آذاهم به من الرَّائحة الخبيثة، بخلاف ما سبَق من النُّخامة، فإنَّ لها كفَّارة وهي دفنُها، ومَن أَراد أنْ تُحَطَّ عنه الذُّنوب بغير تَعَبٍ، فليَغتَنم مُلازَمةَ مُصلَّاهُ بعد الصَّلاة ليَغتنم دُعاء المَلائكة واستغفارَهم المَرجُوَّ إجابتُه؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] , وقد شبَّه - صلى الله عليه وسلم - انتظارَ الصَّلاة بعد الصَّلاة بالرِّباط، وأكَّدَه بتكرير: (فذَلِكُمُ الرِّبَاطُ)، فينبغي الأَخْذ بهذه الفضَائل الشَّريفة. * * * 62 - بابُ بُنْيَانِ الْمَسجِدِ (باب بُنيان المَسجد) وَقَالَ أبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسْجدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ.

وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ، فتفْتِنَ النَّاسَ. وَقَالَ أَنسٌ: يَتباهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونها إِلَّا قَلِيلًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لتُزَخْرِفُنَّهَا كمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. تحتمل اللَّامُ العَهْدَ، أي: مسجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والجِنْسَ في المَساجِد. (جريد)؛ أي: جُرِّدَ عنه الخُوص، فإِنْ لم يُجرَّد سَعَفٌ. (أكن) بفتح الهمزة وكَسر الكاف: أَمْرٌ من أكنَّ الرُّباعي، كذا للأَصِيْلي، أي: اصنع لهم كِنًّا بالكسر، وهو ما يَستُر من الشَّمس ونحوها، وضبَطه غيرُه: كِنَّ؛ مِنْ كنَنْتُ الشَّيء: ستَرتُه، فهو أمرٌ من الثُّلاثي. قال (ع): هما صحيحان؛ لأنَّه يُقال: كِنَّ وأَكِنَّ. قال ابن مالك: فيه ثلاثةُ أوجهٍ: أَكِنَّ بالهمزة المَفتوحة من الرُّباعي، وهو الأَجوَد، وحذْفِ الهمزة وكَسْر الكاف على أَنَّ أصلَه أَكِنَّ، فحُذفت الهمزة تخفيفًا، وحذْفِ الهمزة وضَمِّ الكاف على أنَّه من كَنَّه فهو مَكنونٌ، أي: صانَه. قال (ك): وفي بعضها: (أُكِنُّ) بضَمِّ الهمزة، أي: مُضارِعًا مَرفوعًا، أي: قال للبِناء: غرَضي الإِكنان لا التَّحميرُ ونحوُه. (وإياك أن تحمر) فيه شاهدٌ على أنَّ الواوَ في: (إيَّاك وأنْ تفعلَ) لا تَلزم كما تَلزم في (إِيَّاك والشَّرَّ)، فإذا لم تثبُت فالتَّقدير: من أَنْ تَفعل، فحُذف الجارُّ قبلَ أَنْ تَطَّرد.

(فتفتن) بضَمِّ التَّاء، من أَفْتَنَ الرُّباعي، لكن أنكَره الأَصْمَعيُّ. قال (ك): إنَّ ذلك في بعضها بعد أن جزَم بأنَّه من الفِتْنة، أي: فتُفتح فيه التَّاء. (يتباهون) بفتح الهاء، أي: يَتفاخَرون. (بها)؛ أي: بالمَساجِد، فدَلَّ عليه السِّيَاق. (إلا قليلًا) سُوِّغ فيه في النَّحو: (قليل) بالرَّفْع بدلًا من ضمير الفاعل. قال في "شرح السُّنَّة": قال أنس: إِنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيَأتِي علَى أُمَّتي زَمانٌ يتبَاهَونَ في المَساجِد، ولا يَعمُرونَها إلَّا قَليلًا". (لتزخرفنها) بضَمِّ الفاء دلالةً على واوِ الضَّمير المَحذوفة عند اتِّصال نُون التَّوكيد من الزَّخرفة، وهو الزِّينة. (كما زخرفت) قال (خ): لمَّا حرَّفوا الكتُبَ، وضيَّعوا الدِّين وعرجوا على زَخرفة الكَنائس والبِيَعِ، وتَزيينها. قال البَغَويُّ: فستَصيرون إلى مِثْل حالهم في المُراءَاة بالمَساجِد، والمُباهاة بتزيينها. * * * 446 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صالحِ بْنِ كيْسَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ناَفِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الْمَسْجدَ كَانَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَبْنِيًّا

بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أبو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ. (وعمده) بفتح العين والميم وضمِّها، وبهما قُرِئ: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 9] , ويُجمع العمود أيضًا -لكن في القِلَّة- على أَعمِدة. (بنيانه)؛ أي: حيطانه. (في عهده) صفةٌ لـ (بُنيانه)، أو حالٌ، والمُراد بالزِّيادة مع كونه على بُنيانه إما أنَّ المُراد ببُنيانه بعضُه، أو الآلة، أو الزِّيادة برفع السَّمْك، وأنَّه على هيئة بنيانه ووضعه. (القَصَّة) بفتح القاف والمُهمَلة المشدَّدة: الجِصُّ، لغةٌ حجازيَّةٌ. (سَقَّفه) بتشديد القاف، فعلٌ ماضٍ، وفي بعضها: (سَقْفُه) اسمٌ معطوفٌ على (عُمُده). (بالساج) هو ضَرْبٌ من الشَّجَر. قال (ط): ما ذكَره البُخاري في الباب يَدلُّ على أنَّ السُّنَّة في بنيان المَساجِد القَصْر، وترك الغُلُوِّ في تَشييدها خشيةَ الفِتْنة، والمُباهاة، فإنَّ فعل عمر وعُثمان ذلك مع الفُتوح، وكثرةِ المال في زمانهما, ولم يبلغا

63 - باب التعاون في بناء المسجد

بالمَسجِد أبلغ الغايات، إنَّما هو لعِلْمهما بكَراهة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وليُقتَدَى بهما في الأَخْذ من الدُّنْيا بالقَصْد والكِفاية والزُّهد. * * * 63 - بابُ التَّعَاوُنِ في بِنَاءِ الْمَسْجِدِ {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}. (باب التَّعاوُن في بِنَاء المَسجد) 447 - حَدَّثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلاِبنهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثهِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ في حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِداءَهُ فَاحْتبَى، ثُمَّ أنشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أتَى ذِكْرُ بِنَاءَ الْمَسْجدِ فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنتَيْنِ لَبِنتَيْنِ، فَرآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَينفُضُ التُّرابَ عَنْهُ وَيَقُولُ: "وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئةُ الْبَاغِيةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونه إِلَى النَّارِ"، قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ. (ولابنه) الضَّمير لابن عبَّاس.

(حائط)؛ أي: بُستان، سُمِّي بذلك لأنَّه لا سقفَ له. (فاحتبى) هو أَنْ يَجمَع ظَهْرَه وساقَيه بعِمامته، وقد يَحتبي بيَديه. (وأنشأ)؛ أي: شَرعَ في التَّحديث. (فينفض) في بعضها: (فجعَلَ يَنفِضُ)، وفي بعضها: (فنَفَضَ). (ويح) كلمةُ رحمةٍ كما أنَّ ويل كلمةُ عذابٍ، وهما منصوبان إذا أُضيفا كما هنا بإِضمارِ فِعْلٍ، وكذا إذا نُكِّرا نحو: ويحًا لزَيْدٍ، وويلًا له، ويجوز فيه: ويحٌ له، وويلٌ له بالرَّفْع على الابتداء. (الفئة الباغية) هي في الاصطِلاح الفِقْهيِّ: فِرْقةٌ خالفتِ الإمامَ بتَأويلٍ باطلٍ ظنًّا، وبمتبُوع مُطاعٍ وشَوكةٍ يُمكنُها مقاومتُه، وهذا ساقطٌ في بعض النُّسَخ. قال القاضي: إن هذه الزِّيادة في رواية ابن السَّكَن، والأكَثَر على الحَذْف. (إلى الجنة)؛ أي: إلى سبَبِها، وهو الطَّاعة كما أنَّ النَّار سببُ المَعصية. فإن قيل: قتلَه أهلُ الشَّام بصِفِّيْن، وفيهم صحابةٌ، فكيف جاز أنَّهم يَدعونَه إلى النَّار؟ قيل: هم يظنُّون أنَّهم يدعونَه إلى الجنَّة باجتهادهم، ولا يُحمل على بعثة عليٍّ عمَّارًا للخوارج يَدعوهم إلى الجماعة؛ لأنَّهم ما قَتَلوه، نعَمْ، يُمكن حَمْلُه عليه على نُسخَة تَرك: (تَقتُله الفِئة البَاغيَةُ)، وقد قال

64 - باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد

(ط): إنَّ هذا إنَّما يصحُّ في الخوارج الذين بعثَه عليٌّ إليهم لا في أَحدٍ من الصَّحابة؛ لأنَّه لا يُتأَوَّلُ بهم إلا أَفضَل التَّأويل. وفيه أَنَّ التَّعاون في المَسجِد من أفضل الأَعمال؛ لأَنَّ أَجْره يَبقى بعد مماته، ومثلُه حَفْر الآبار، وتَحبيسُ الأموال، وأنَّ العالم يتَهيَّأُ للحديث ويَجلِسُ له جِلْسته، وأنَّ العالم يَبعث ابنه إلى عالمٍ آخر؛ لأَنَّ العلمَ لا يَحوي جميعَه أحدٌ، وأَنَّ فِعْل البِرِّ له أن يأخُذ بالأَشقِّ فيه كحمله لَبِنَتَينِ. وفيه علامةُ النُّبوَّة بإخباره - صلى الله عليه وسلم - بما يكون، وكان كما قال، وفي استِعاذةِ عمَّار من الفِتْنة دليلٌ أنَّه لا يدري أَمأجورٌ فيها أو مأزورٌ؟ قال (ك): وإصلاحُ البساتين، وعمارتُها، وإكرامُ الرَّئيس المرؤوسَ عند إظهار جِدِّه في فعل الخير. * * * 64 - بابُ الاِسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ في أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ (باب الاستِعانة بالنَّجَّار والصُّنَّاع) جَمْع صانعٍ. (والمَسجد) عطفٌ على المِنْبَر، أو على أَعْواد، ففيه ذِكْر عُمومٍ بعد خُصوصٍ. 448 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى امْرَأةٍ: "مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ

يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ". الحديث الأَوَّل: (مُري) أفصحُ من اُؤمُرِي كما سبَق في (باب القسمة)، وتعليق القِنْو في المَسجِد، والخِلاف في اسم النَّجَّار. (يعمل) بالجَزْم جوابُ الأمر. (أعوادًا)؛ أي: مِنْبَرًا مُركَّبًا منها. (أجلس) مرفوعٌ؛ لأَنَّ الجُملة صفةٌ لأَعوادٍ، أو هذا من قاعدة: الأَمْرُ بالأَمْرِ بالشَّيء، هل هو أَمْرٌ به؟، والمُصحَّح في الأُصول المَنْع، فلا يَكونُ النَّجَّار مأمورًا من جهة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 449 - حَدَّثَنَا خَلَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبدُ الْوَاحِدِ بنُ أَيمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتِ". فَعَمِلَتِ الْمِنْبَرَ. الحديث الثَّاني: (عن أبيه)؛ أي: أَيْمَن الحبَشيِّ المَكِّيِّ القُرشيِّ المَخْزُوميِّ. (ألا): مركبٌ من همزة الاستفهام، ولا النَّافية التي هي حرفُ تَنبيهٍ أو تخصيصٍ.

65 - باب من بنى مسجدا

(إن شئت) جوابُه محذوفٌ، ويُوجَد في بعضها: (فَعَلت)، فلا حَذْفَ. (فعملت)؛ أي: المِنْبَر، على معنى التَّشبيه بأَمرها لمن عَمِلَه. قلتُ: أو المُراد: فأمَرتْ بعَمَلِه فعُمِلَ، فلا مجازَ، لكن هذا الحديث لا يدلُّ على استعانةٍ؛ لأنَّها ابتدأَتْ بذلك إلا أن يقال: المَرأة استعانتْ بالنَّجَّار، نعم ليس فيه الشِّقُّ الآخر من التَّرجَمة، وهو ذِكْر الصُّنَّاع بالمَسجِد، إما اكتفاءً بالنَّجَّار في المِنْبَر؛ لأنَّ الباقي مثلُه، أو أنَّه أَراد [أن] يذكر فيه حديثًا فما اتفَقَ ذلك له، أو لم يثبُت عنده بشَرطه ما يدلُّ عليه. ثم وجْهُ الجَمْع بين الحديثَين إِذْ ظاهرُهما التَّعارُض، لأَنَّ في أحدهما أنَّه سأَل المَرأةَ، وفي الآخر أنَّها سأَلتْه: أنه يحتمل أنَّها بدَأتْ بالسُّؤال، فلمَّا أَبطأَ الغُلام استَنجَزها إتمامَه لمَّا عَلِمَ طيبَ نفسها بما بذَلتْ من صَنعة غُلامها، أو أرسلَ إليها ليُعرِّفَها صفة ما يصنَع الغُلام في الأَعواد لتَصير مِنْبَرًا؛ قاله (ط)، قال: وفيه استِنْجازُ الوَعْد، والاستعانةُ بأهل الصَّنْعة فيما يَعمُّ نفعه المسلمين. قال (ك): والتقرُّب إلى أهل الفَضْل بعمل الخير. * * * 65 - بابُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا (باب مَنْ بنَى مَسجِدًا) 450 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي

عَمْروٌ: أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ: أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قتَادَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمعَ عُبَيْدَ اللهِ الْخَوْلاَنِيَّ: أنَّهُ سَمعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجدَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَكمْ أكثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ في الْجَنَّةِ". (ابن وهب)؛ هو عبد الله. (عمرو)، أي: ابن الحارث الملقب بدُرَّة الغَوَّاص. (بكير)؛ أي: ابن عبد الله الأَشجَّ. (عبيد الله)؛ أي: ابن الأَسْوَد. (الخولاني) -بفتح المُعجَمَة-: ربيبُ مَيْمونة. (قول النَّاس)؛ أي: إنكارِهم على عُثمان تغيير المَسجِد وبناءه بالحجارة المنقوشة والقِصَّة. (أكثرتم)، أي: الكلامَ في الإِنكار على فِعْلي. (قال بكير) إدراجٌ معترِضٌ بين الشَّرطِ وجوابهِ، وهو: (بنى الله) وقوله: (يَبتَغِي)، إِنْ كان من لفظ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فهو حالٌ من ضمير (بنَى). (وجه)؛ أي: ذاتَ، والحديث عامٌّ فيمَن باشَرَ البِناءَ، ومن أَمَر به، ففيه جمعٌ بين الحقيقة والمجاز، وهو شائعٌ عند الشَّافعي، وعلى

66 - باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد

المنعْ يُحمل على معنًى مجازيٍّ يَتَناولُهما، ويُسمَّى عُمومَ المَجاز، أما إسناد البِناء إلى الله، فمجازٌ قطعًا. (مثله) وجْه المُماثلة مع أنَّ الحسنَة بعشْر أمثالها أَنَّ ذلك إمَّا قبل نُزول آية: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [الأنعام: 160] , أو المِثْليَّة بحسَب الكَمِّيَّة، والزِّيادة تحصلُ بحسب الكيفيَّة، أو أنَّ التَّقييد به لا يدلُّ [على] نَفي الزِّيادة، أو إِنَّ المُماثلة باعتِبار أَنَّ الجَزاء من جِنْس العمَل. قال (ن): أو مثلُه في مُسمَّى البيت، وأما الصِّفة من سَعةٍ وغيرِها، فمعلومٌ فضْلُها بما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمعتْ، ولا خطَر على قَلْب بشَرٍ، أو أنَّ فضْلَه على بُيوت الجنَّة كفضْل المَسجِد على بُيوت الدُّنْيا. قال (ط): يَكفي في شرَفها إضافتُها إليه بقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18]، وأجْر المَسجِد جارٍ بعد مَوت الباني ما دَام يُذكَر الله عز وجل فيه. * * * 66 - بابٌ يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ في الْمَسْجِدِ (باب يَأخُذُ بنُصُول النَّبْل) نُصُول: جمع نَصْلٍ من سَهْمٍ، وسيْفٍ، ورُمْحٍ، ويُجمع أيضًا على نِصَالٍ، والنَّبْل بفتح النُّون: السِّهام العربيَّة، مؤنثَّةٌ لا واحدَ لها مِن لفظها.

67 - باب المرور في المسجد

451 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: مَرَّ رَجل في الْمَسْجدِ وَمَعَهُ سِهَامٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا". (أسمعت) تَقريرُه دليلُ ثُبوته، فهو وجْه التَّرجَمة، أو هو مختصرٌ من الحديث الذي فيه التَّصريحُ به، وسيَأتي في غير (كتاب الصَّلاة) من البُخاري أنَّه قال له: نعمْ، بل راوه الأَصِيْلي هنا أيضًا. قال (ط): وفيه تأكيدُ حُرمة المُسلمين؛ لأَنَّ المَساجِد مَوارِدُ الخَلْق لا سيَّما في أوقات الصَّلاة، فخَشِيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُؤذَى بها أحدٌ، وهذا من كريم رأْفته وخلُقه، وجوازُ إدخال السِّلاح المَساجِدَ، وتعظيمُ قَليل اللَّوم وكَثيره. * * * 67 - بابُ الْمُرُورِ في الْمَسْجِدِ (باب المُرور في المَسجد) 452 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ مَرَّ في شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِناَ أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ،

فَلْيَأخُذْ عَلَى نِصَالِهَا، لاَ يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا". (أبو بُردة) بضَمِّ المُوحَّدة وسكون الرَّاء، اسمه: بُرَيد. (أبا بردة)؛ اسمه: عامر. (عن أبيه) أي: أبي موسى الأَشْعري. (أو) هي هنا من تَنويعه - صلى الله عليه وسلم -، لا شَكٌّ من الرَّاوي. (بنبل) الباء قيس للمُصاحبة بخلاف: مرَرتُ بزَيْدٍ، فإنَّها فيه للإلصاق. (على نصالها) تَعدَّى الأَخْذ بـ (علَى)؛ لأنَّه ضُمِّن معنى الاستِعلاء للمُبالغة. (يعقر)؛ أي: يَجْرَح، وهو بالرَّفْع، أو بالجَزْم جوابًا للأمر. (بكفه) يحتمل أنَّه متعلِّقٌ بـ (يأخُذ)، لهذا في بعضها مقدَّمًا على لفظ: (لا يَعْقِر)، ويحتمل أَنَّ المُراد بيده، أي: باختياره، أو المُراد بكَفِّه: نفسَه، أي: لا يُجرح بسبَب تَرْك أَخْذ النِّصال. وذكر هذا الحديث في هذه التَّرجَمة، وهو يَليقُ بالتي قبلَها أيضًا، والحديث هناك يَليقُ بهذه أيضًا: إما نظَرًا إلى لَفظ الرَّسول حيث لم يكن في الأَوَّل ذِكْر المُرور، وهنا جعل المُرور شَرطًا مُرتَّبًا يأتي الكلام عليه، أو أَنَّ كُلًّا من شيخيه إنَّما ذكَر ما رواه في مَعرِض بيان حُكم ذلك، وإما لغيرِ هذا. * * *

68 - باب الشعر في المسجد

68 - بابُ الشِّعْرِ في الْمَسْجِدِ (باب الشِّعْر في المَسجد)، وفي بعضها: (إِنْشَادِ الشِّعْر). 453 - حَدَّثَنَا أَبو اليَمَانِ الحَكَمُ بنُ ناَفع، قَالَ: أَخْبَرناَ شُعَيبٌ، عَن الزُّهرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ الله هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَا حَسَّانُ! أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، اللهُمَّ أيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ"؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نعمْ. (حسان) يُصرَف ويُمنعَ بناءً على أنَّه من الحُسْنِ أو الحِسِّ. (أنشدك الله) بضَمِّ الشِّين، ونشدَ نشدًا: إِذا قلتَ له: نشدتُكَ الله، أي: سأَلتُك بالله، والجلالة الشَّريفة نصبٌ، وفي رواية: (بالله). (أجب عن رسول الله) عُدِّيَ بـ (عن)؛ لأنَّه ضُمِّن معنى ادفع، أو أَنَّ التَّقدير: دافعًا عن، وليس من إجابة السُّؤال، أو المعنى: أَجِبِ الكُفَّارَ عن رسول الله، ثم يحتمل أَنَّ حسَّان نقلَه بالمعنى، وإنَّما قال - صلى الله عليه وسلم -: أجبْ عنِّي، فعبَّر عنه بذلك تَعظيمًا". أو أنه - صلى الله عليه وسلم - نطَق به كذلك تَربيةً للمَهابة، وتَقويةً لداعي المَأمور، كما في: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [النمل: 79] , ونحو: الخَليفةُ رَسَمَ بكَذا، مكان: أنا رسمت. (أيده) التَّأييد: التَّقوية.

(القدس) بضَمِّ الدَّال وسُكونها اسمًا ومصدرًا: الطُّهْر. قال (ط): هذا الحديث وإِنْ لم يكُن فيه أنَّه أَنشَد شِعْرًا في المَسجِد، لكنْ في (باب بَدْء الخَلْق)، وبه تتمُّ التَّرجَمة: (مَرَّ عُمَرُ بالمَسجِد وحسَّانٌ يُنشِدُ، فزَجَرهُ، فقال: أَنشَدتُه وفيه مَنْ هو خيرٌ منك، ثم التَفتَ إلى أبي هُريرة، فقال: أَنشُدكَ الله ...) إلى آخره، وهو يَدلُّ على أَنَّ قولَه - صلى الله عليه وسلم -: (أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ)، كان في المَسجِد، وقد اختُلف في ذلك، فقيل: يَجوزُ ما لا بَأْسَ به، وقيل: يَمتَنع، وقيل: المَنهيُّ عنه الشِّعْر الذي فيه الخنَا والزُّور، أو يَغلِبُ على المَسجِد حتَّى يكون كلُّ مَنْ فيه يَتشاغَلُ به، وقال (ن): هو مُستحبٌّ إذا كان في تَمادح الإِسلام وأهله، أو هِجَاء المُشركين، أو التَّحريض كما كان شِعْر حسَّان، وفي الحديث الدُّعاء لمَنْ يقولُ مثلَ ذلك، والانتِصار من الكُفَّار به. قال الطَّحَاوي: لكنْ لا يَبدؤُهم بسَبٍّ ولا هِجَاءٍ مخافةَ سَبِّهم الإِسلامَ وأهلَه، قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا} [الأنعام: 108] , ولتنْزيه ألسنة المُسلمين إلا أَنْ تَدعُوَ إليه ضرورةٌ كابتِدائهم به، يدلُّ عليه لفظ: (أَجِبْ)، وإنَّما اكتفَى بأبي هُريرة وَحْدَه؛ لأنَّها روايةٌ لا شهادةٌ، وإنْ سُمِّيت بذلك مجازًا. * * *

69 - باب أصحاب الحراب في المسجد

69 - بابُ أَصحابِ الْحِرَابِ في الْمَسْجِدِ (باب أَصحاب الحِرَاب في المَسجد) جمع حَرْبَة. 454 - حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ صالحٍ، عَنْ ابنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبيرِ: أَنَّ عَائِشَةْ قَالتْ: لقدْ رَأَيتُ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ في الْمَسْجدِ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي بِرِدائِهِ، أنظُرُ إِلَى لَعِبِهِم. (رأيت)؛ أي: أَبصَرتُ. (الحبشة) جِنْسٌ من السُّودان. (لَعِب) بفتحٍ ثم كسرٍ، أو كسرٍ ثم سكونٍ، وهذه الجُمَل كلُّها أحوالٌ. * * * 455 - زَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ. (زاد) يحتمل أنَّه تعليق، والذي زادَه إنَّما هو لفظ: (بِحِرَابهم)،

70 - باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد

وفي بعض الرِّوايات: (وزادَني). (ابن وهب) هو عبد الله، وإنَّما جازَ اللَّعِب في المَسجِد؛ لأنَّه يُنتفع به في الجهاد، فهو طاعةٌ، وإنْ كانت لَعِبًا صُورةً. قال (ط): يجوز فيه كُلُّ ما يجمع فيه منفعةُ الدِّين وأهلِه، واللَّعِب بالحِرَاب من ذلك، وفيه جوازُ النَّظَر للَّعِب المُباح. قلتُ: الذي يكون في الحقيقة طاعةً، ويُمكن أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مكَّن عائشة من النَّظَر لتَضبِطَ السُّنَّةَ في ذلك، وتَنقُل تلك الحركات المُحكَمة إلى بعضِ مَن يَأتي من أَبناء المسلمين فتُعرِّفهم، وفيه مِن حُسْن خلُقه، وكريمِ مُعاشرته لأهله ما هو ظاهرٌ. قال (ك): وجوازُ نظَر النِّساء الرِّجالَ، ووُجوب استِتارهنَّ عنهم، وفَضْلُ عائشة، وعِظَمُ مَحلِّها. قلتُ: المُرجَّح منْعُ نظَر الأجنبيَّة إلى أجنبيٍّ، والحديث محمولٌ على أنَّها كانت تنظُر اللَّعِب والآلاتِ لا لذَواتهم، أو أنَّها كانت صغيرةً، أو غير ذلك. * * * 70 - بابُ ذِكْرِ الْبَيع وَالشِّرَاء عَلَى الْمِنْبَرِ في الْمَسجِدِ (باب ذِكْر البَيع والشِّراء على المِنْبَر في المَسجد)، في بعضها:

(والمَسجِد)، وحينئذٍ يصير التَّقدير: وعلى المَسجِد، والأصل أَنْ يُقال: وفي، فإمَّا ضُمِّن على معنى (في) عَكْس: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] , أو هو من باب: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا * * * 456 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أتتهَا بَرِيرَةُ تَسْألهَا في كتَابَتِهَا فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي، وَقَالَ أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتِهَا مَا بَقِيَ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: إِنْ شِئْتِ أَعْتَقْتِهَا وَيكُونُ الْوَلاَءُ لَنَا- فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَّرَتْهُ ذَلِكَ فَقَالَ: "ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ- فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ في كِتَابِ اللهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ في كتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ". قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ يَحْيَى وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ: أَنَّ بَرِيرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ: صَعِدَ الْمِنْبَرَ.

(في كتابتها) لم يَقُل (عن)؛ لأنَّ السُّؤال سؤالُ استِعطاءٍ لا استِنجازٍ، أي: جاءتْ تستعطيها في شأْن كتابتها، وهي عقْدُ عتْقٍ على الرَّقيق بمالٍ يُؤَدِّيهِ في نَجمَين فأكثَر. (أعطيت) مفعولُه الثَّاني محذوفٌ، أي: ثَمَنَكِ. (الولاء) بفتح الواو. (إن شئت) خطابٌ لعائشة. (ما بقي)؛ أي: على بَرِيْرَةَ من نجوم الكتابة. (ذكرته) إما بضَمِّ التَّاء، فيكون من لَفْظ عائشة، وإما بالسُّكون من كلامِ الرَّاوي معنى ما وقَع، أو من كلام عائشةَ على تَجريدِها من نَفْسها بإعادة ضمير الغَيبة عليه. (فصعد)؛ أي: روى سُفيان عِوَضَ قامَ: صَعَدَ. (ما بال)؛ أي: ما شَأْن. (ليست) وفي بعضها: (لَيْسَ) باعتِبار الاشتِراط، أو جِنْس الشَّرط. (فليس له)؛ أي: ليس ذلك الشَّرط له، أي: لا يَستحقُّه. (مئة) للمُبالَغة، لا لقصْد عينِ هذا العدَد. (أن بريرة)؛ أي: لم يُسنِدْه في هذه الرِّواية لعائشة، ولا ذَكَر: صعدَ المِنْبَر. (قال علي)؛ أي: ابن المَدِيْني.

(يحيى)؛ أي: القَطَّان. (عبد الوهاب)؛ أي: الثَّقَفي. (عن يحيى)؛ أي: ابن سعيد الأَنْصاري السَّابق في الإسناد الأَوَّل، والفَرْق بين الطَّريقين أنَّ الأُولى بعَنعنةِ، وليس فيها ذكْر عائشة، والثَّانية ذكرتْ بلفظ السَّماع، والفَرْق بينهما ويين رواية مالك أنَّها تعليقٌ، وهذان مُسنَدان؛ لأنَّه عطفٌ على رواية عليٍّ، عن ابن عُيينة، على أنَّ الإسماعيلي وصَلَها من رواية بُنْدَار، عن يحيى، وعبد الوهاب، ووصَلَ أحمد، والنَّسائي، روايةَ جعفر؛ نعَمْ، وصَلَ البُخاريُّ رواية مالك في (باب الكِتَابة). قال (خ): فيه دليلٌ على جَواز بيع المُكاتَب وإن لم يَرْضَ، ولم يَعْجَز، ولو عن بَعض النُّجوم إذا اشتُرِطَ العِتْق، ولا خِلافَ في منع البيع على إِبْطالِ كتابته إذا كان مُؤَدِّيًا للنُّجوم في أوقاتها، وأَنَّ البيع بشَرْط العِتْق جائزٌ؛ لأَنَّ التَّنازع إنَّما وقَع في الوَلاء، وهو يَقتضي العِتْقَ، فدلَّ على أنَّه كان مشروطًا في البيع، وأنَّه ليس كلُّ شرطٍ في بيع يُفسدُه، فيُخَصُّ به ما رُوي من النَّهي عن بيعٍ وشَرْطٍ، ولا يُستدلُّ بقوله: (لَيسَ في كِتَابِ الله)، على أنَّ ما ليسَ في القُرآن يبطُل؛ لأَنَّ: (إنَّما الوَلاءُ لمَنْ أَعتَقَ)، ليس في كتاب الله، بل من لَفْظ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أَنْ يُقال: لمَّا قال تعالى: وَ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] , كان ما قالَه كالمَذكور في كتاب الله. قال (ك): أو يكون المُراد بـ (كتاب الله) المَكتوبَ في اللَّوح المَحفوظ، أو الأَحكامَ ولو كانتْ من السُّنَّة.

71 - باب التقاضي والملازمة في المسجد

ووجْهُ مُطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ المُراد شُروط البيع والشِّراء، وتَمام القِصَّة يدلُّ عليه. قال (ن): احتجَّ به جَمعٌ كأحمد على بَيع المُكاتَب، وبعضهم على البيع للعِتْق لا للاستِخدام، وأجاب المانِع بأنَّها عجَّزتْ نفسَها، وفسَخوا الكتابة. قال: وفيه دليلٌ على أنَّه لا وَلاءَ لمَنْ أَسلَم على يدَيه أو حالَفَه خلافًا لأبي حنيفة، ولا للمُلْتقِط على اللَّقِيْط خلافًا وإسحاق، وأنَّ الأَمَةَ في الكتابة كالعبد، وكتابة المُزَوَّجة، وأنَّ المُكاتَب لا يعتِق بمجرَّدها، بل هو عبدٌ ما بقيَ عليه درهمٌ، وجوازُ تصرُّف المرأة الرَّشيدة في مالها بالشِّراء، أو الإِعتاق، وغيرها، واكتسابُ المُكاتَب بالسُّؤال، واستحبابُ الخُطْبة لوقوع بِدْعةٍ للإنكارِ، وبيانِ الحُكم، وحسنُ العِشْرة حيث لم يُواجِه صاحبَ الواقعة، بل قال: (مَا بَالُ أَقْوام)، والمُبالغةُ في إزالة المُنكَر، وغيرُ ذلك. * * * 71 - بابُ التَّقَاضِي وَالْمُلاَزَمَةِ في الْمَسْجِدِ (باب التَّقاضي والمُلازمة في المَسجد) 457 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ،

قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبٍ: أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ في الْمَسْجدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرتهِ فَنَادَى: "يَا كعْبُ! "، قَالَ: لَبّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا"، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ؛ أَي الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ, , قَالَ: "قُمْ فاقْضِهِ". (ابن عمر) بضَمِّ العين. (ابن أبي حدرد) بمهملاتٍ، مَفتوحِ الأَوَّل والثَّالث، ساكن الثَّاني، هو عبد الله بن سَلامة. (تقاضى)؛ أي: طالَبَ. (دينًا) نَصْبُه بنَزْع الخافض، أي: بدَيْنٍ؛ لأَنَّ الفِعْل السَّابق مُتعدٍّ لواحدٍ، وذلك (ابن). (في) مُتعلِّقٌ بـ (تَقاضَى). (أصواتهما) هو مثل: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، أو أنه جُمع باعتبار أنواع الصَّوت. (سِجْف) بكسر السِّين وفتحها، والجيمُ ساكنةٌ: هو السِّتْر. (لبيك) تثنيةٌ للتَّكرار، أي: إقامةً على طاعتك بعد إقامةٍ. (الشطر)؛ أي: النِّصْف، وهو منصوبٌ تفسيرًا لقوله: هذا، أي: حُطَّ عنه نِصْفَه.

72 - باب كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان

(قم) خِطابٌ لابن أَبِي حَدْرَد. قال (ط): فيه المُخاصَمة في المَسجِد في الحُقوق، والمُطالَبة بالدُّيون، والحَضُّ على الحَطِّ عن المُعسِر، والقَضاءُ بالصُّلح إذا رآه السُّلطان إصلاحًا، والحُكْم بما صُولِح عليه إذا كان فيه رُشْده، وأنَّ الإِشارةَ تَقومُ مقام النُّطق إذا فُهمت، والمُلازمةُ في الاقتِضاء، وإنكارُ رَفْع الصَّوت في المَسجِد بغير القِراءة، وإنَّما لم يُعنِّفهما لأنَّه لا بُدَّ لهما منه. قال (ن): والشَّفاعةُ إلى صاحب الحقِّ، والإصلاحُ بين الخَصْمين، وحُسن التَّوسُّط، وقبولُ الشَّفاعة في غير معصيةٍ. قال (ك): وإسبالُ السُّتور عند الحُجْرة. * * * 72 - بابُ كَنْسِ الْمَسْجِدِ، وَالْتِقَاطِ الْخِرَقِ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ (باب كَنْس المَسجد)، (الخرق) بكسر أوَّله: جمع خِرْقَة. (القذى) بفتح القاف والمُعجَمَة: ما يَسقُط في العَين والشَّراب. (العيدان) الأَخشاب، جمع عُوْد. 458 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ -أَوِ امْرَأةً سَوْداءَ- كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ فَقَالُوا:

مَاتَ، قَالَ: "أفلاَ كنتمْ آذَنتمُوني بِهِ، دُلُّوني عَلَى قَبْرِه"، -أَوْ قَالَ: قَبْرِهَا- فَأَتَى قَبْرَهُ فصلى عَلَيْهاِ. (أبو رافع)؛ أي: نُفَيع. (رجل أو امرأة) شكٌّ من أبي هريرة، أو من أبي رافع، وفي الرِّواية الأُخرى الآتية: (لا أُراهُ إلَّا امرأةً)، وبه جزَم أبو الشَّيخ في "كتاب الصَّلاة" له بسندٍ مُرسَلٍ، وسَمَّاها أم مِحْجَن، ورُوي في اسمها أيضًا: مِحْجنة. (تقم) بضَمِّ القاف والمُعجَمَة، أي: تَكْنُس القُمامة، وهي الزِّبَالة. (عنه)؛ أي: عن حاله، ومفعولُ سأل محذوفٌ، أي: النَّاسَ. ووجْهُ دلالة الحديث على التِقاطِ ما ذكَر في التَّرجَمة القياسُ على الكَنْس، والجامع بينهما التَّنظيف. قال (ط): فيه الحَضُّ على كَنْس المَساجِد؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - حضَّ على الصَّلاة عليه بعد دفنه لمَا كان يَفعَل، وقد روي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كنَسَ المَسجِدَ، وفيه خدمة الصَّالحين، والسُّؤال عن الخادم والصَّديق، وافتقادُه إِذا غابَ، والمُكافأة بالدُّعاء والتَّرحُم والرَّغبةُ في شُهود جنائز الصَّالحين، والصَّلاة في المَقْبُرة. قال (ك): ونَدْبُ الصَّلاة على المَدفون خلافًا للمالكيَّة، وتنبيه الرَّاوي على شكِّ ما يشكُّ فيه، والإعلامُ بالموت، وأنَّه لا يُصلَّى على المَدفون إلا عند القبر. * * *

73 - باب تحريم تجارة الخمر في المسجد

73 - بابُ تَحْرِيمِ تِجَارة الْخمْرِ في الْمَسْجِدِ (باب تحريم تجارة الخَمْر في المَسجد)؛ أي: باب ذِكْر تحريم ذلك في المَسجِد. (في) متعلِّقةٌ بـ (تحريم)، لا بـ (تجارة). 459 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَ الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ الْبقَرَةِ في الرِّبَا، خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَسْجدِ، فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الْخَمْرِ. (أبي حمزة) بالمُهمَلة والزَّاي: محمَّد بن مَيْمُون. (الآيات) قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] إلى آخر العَشْر، والرِّبا مقصورٌ، من رَبَا يَربُو: زَادَ، فيُكتب بالألف، وأجازَ الكوفيُّون بالياء. (ثم حرم تجارة)؛ أي: البَيع والشِّراء. قال الشَّافعيُّ: المَنْع للنَّجاسة. قال (ع): تحريم الخَمْر سابقٌ؛ لأنَّ المائدة قبلَ آيات الرِّبا بطَويلٍ، فيحتمل أنَّ هذا النَّهي تأخَّر عن تَحريمها، أو أنَّه أخبَر بتحريم تِجارتها مرَّتين؛ عند تحريمها، وعند نُزول آياتِ الرِّبا؛ توكيدًا ومُبالغةً في إشاعته، فرُبَّما حضَر ثانيًا مَن لم يَحضُر أوَّلًا.

74 - باب الخدم للمسجد

قال (ط): غرَض البُخاري أَنَّ ذِكْر الخَمْر ونحوها من أكَبَر الفواحش يُنَزَّه عنه المَساجِد إلا إنْ كانَ على وجه النَّهي والمَنْع منها. * * * 74 - بابُ الْخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}: لِلْمَسْجدِ يَخْدُمُهُا. (باب الخَدَم للمَسْجد) جمع خادِم. {بَطْنِي} أي: أُمُّ مَرْيَم، وهي جنَّة. (تخدمه)؛ أي: المَسجِد، وفي بعضها: (تَخدمُها)، أي: المَساجِد، أو الصَّخْرة، أو البُقْعة، أو الأَرض المُقدَّسة أو المُبارَكة. {مُحَرَّرًا}، قال في "الكَشَّاف": أي: مُعتَقًا لخِدْمة بيت المَقدِس. * * * 460 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِع، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ امْرَأةً -أَوْ رَجُلًا- كَانَتْ تَقُمُّ المسْجدَ -وَلاَ أُرَاهُ إلَّا امْرَأةً- فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه صَلَّى عَلَى قَبْرِه. (واقد) بالقاف والمُهمَلة، وهو أحمد بن عبد المَلِك بن واقِد، فنُسب إلى جَدِّه.

75 - باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد

(حَمَّاد)؛ أي: ابن زَيْد. (أُراه) بضَمِّ الهمزة، أي: أَظنُّه وهو من كلام أبي هُريرة، أو أبي رافع. (أنَّه)؛ أي: الحديث، أو إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فالمَذكور إما الصَّلاة المُشتمِل عليها الحديث، أو الحديث بتمامه السَّابق في الباب قَبلَه. * * * 75 - بابُ الأَسِيرِ أَوِ الْغَرِيمِ يُرْبَطُ في الْمَسْجِدِ (باب الأَسِيْر أو الغَرِيْم) قال الجَوْهَري: أسره: شدَّه بالإسار، وهو القَيد، ومنه سُمِّي الأسير؛ لأنَّهم كانوا يَشدُّونه بذلك، ثم سُمِّي كل أَخِيْذٍ بذلك، وإن لم يُشَدَّ به. والغَرِيْم: مَن عليه الدَّين، وربَّما أُطلِق على مَن له الدَّين. 461 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- لِيقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتنظُرُوا إِلَيْهِ كلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} "، قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا.

(عفريتًا) بكَسْر العَين: هو المبالغ في كلِّ شيء. (الجن) خِلاف الإِنس، سُمِّيت بذلك لاجتِنانها، أي: استِتارها. (تفلت)؛ أي: تعرَّض فَلتةً، أي: فجاءةً. (البارحة) هي أقْرب ليلةٍ مضَتْ. (نحوها) الضَّمير للبارحة، أو لجملة (تَفلَّت). (السارية)؛ أي: الأُسطُوانة. (تصبحوا)؛ أي: تدخُلوا في الصَّباح، فهي تامَّةٌ لا تحتاج لخبَرٍ. (كلكم) بالرَّفْع، توكيدٌ للضَّمير المرفوع. (رب هب لي) التِّلاوة: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي} [ص: 35] , ولعلَّ هذا قياسٌ لا على قصْد أنَّه قُرآنٌ. (أخي)؛ أي: لمَا بينَهما من الاتفاق في أُصول الدّين، أو في النُّبوَّة. (قال روح) الظَّاهر أنَّه داخلٌ تحت الإسناد، ويحتمل أنَّه تَعليقٌ. (خاسئًا)؛ أي: مَطرودًا مُبعدًا. ووجه دلالة الحديث على ربط الغريم: القياس على الأسير. قال (خ): فيه أنَّ رُؤية البشَر للجِنِّ غيرُ مُستحيلةٍ؛ لأَنَّ جسمَهم وإنْ لَطُف فدُروكُه غير ممتنع، فأمَّا قوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] , فهو باعتبار الغالبِ ابتلاءً من الله تعالى ليَفزَع

76 - باب الاغتسال إذا أسلم، وربط الأسير أيضا في المسجد

البشَرُ إليه، وَيستعيذوا من شَرِّهم، ويَطلُبوا الأَمانَ من غائلتهم. قال (ك): أو المَنفيُّ رُؤيتنا لهم حالَ رؤيتهم لنا فقط، ولا يَلزم منه نفيُ رُؤيتنا إيَّاهم مطلقًا. قال (خ): وإن أصحاب سُليمان كانوا يَرونهم، وهو من دلائل نبُوَّته، ولولا مُشاهدتهم إيَّاهم لم تَقُم له الحجَّةُ عليهم. قال (ط): ورُؤيته - صلى الله عليه وسلم - العِفْريتَ خُصَّ به كما خُصَّ برُؤية الملائكة، فقد رأَى جِبْريلَ له سِتُّ مئة جناحٍ، وأما قدرتُه عليه، فإنه تجسيمٌ، لكنْ أُلقي في رُوعه ما وُهِبَ لسُليمان، فلم يتَعدَّ ما قَوِيَ عليه من حَبْسه حِرْصًا على إجابة الله دعوةَ سُليمان، وأما غير النبي - صلى الله عليه وسلم - من النَّاس، فلا يُمكن منه، ولا يَرى أحدٌ الشَّيطان على صُورته غير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - للآية، لكنْ يَراه إذا تَشكَّلَ بغير أَصله كما تَشكَّل الذي طعَنه الأنصاريُّ في بيته في صُورة حَيَّةٍ، ومات الرَّجلُ به، وبيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: "إِنَّ بالمَدينَةِ جِنًّا قَدْ أَسلَمُوا". * * * 76 - بابُ الاِغْتِسَالِ إِذَا أَسلَمَ، وَرَبْطِ الأَسِير أَيْضًا في الْمَسْجِدِ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأمُرُ الغَريْمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ المَسْجدِ.

(باب الاغتِسال إِذا أَسلَم) (يأمر بالغريم أن يحبس)؛ أي: بالغَرِيْم، فحُذفت الباءُ، كما في: أمَرتُكَ الخَيْر أي: بالخَيْر، و (أَنْ يُحبَس) بدلٌ اشتمالٍ من الغَريم، أو أَنْ يحبس بمعنى يَنْحبِس إقامة للمُطاوع مُقام المُطاوَع؛ لاستلزامه إيَّاه، جوَّز الوجهَين ابنُ مالك. * * * 462 - حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أثالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ"، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. (إلى) بمعنى: مَعَ. (خيلًا)؛ أي: فُرْسانًا. (قِبَل) بكسر القافِ وفتْح المُوحَّدة: جِهَةَ مُقابله. (نجد): ما ارتَفع من تِهَامة إلى العِراق. (ثُمامة) بضَمِّ المُثلَّثة وخِفَّة الميم.

(أُثال) بضَمِّ الهمزة وخِفَّة المُثلَّثة، وباللَّام. (إلى نجدٍ) بفتح النُّون وسكون الجيم، أي: ما يَظهرُ من الأَرض، وفي بعضها بالخاء المُعجَمَة. قال (ش): هي الرِّواية المَشْهورة، وأنكَرها بعضُهم وصوَّب الجيم، وهو الماءُ القليل المُنبعِث، وقيل: الماء الجاري. وفي الحديث: أَسْرُ الكافر، وأنَّ للإمام إطلاقَه منًّا عليه، أو بالفِداء، ويحتمل أنَّه أَطلَق هذا لما عَلِمَ من إيمان قَلْبه، وأنَّه سيُظهره. قال (ط): أوجبَ أحمد الغُسل على مَن أَسلَم، وقال الشَّافعي: أُحبُّ أن يَغتسل إنْ لم يكن جُنبًا، وقال مالك: عليه الغُسل؛ لأنَّهم لا يطَّهَّرون، أي: من النَّجاسة في أبدانهم، إذْ طهارتُهم من الجنَابة مُستحيلة. فإنْ قيل: فيكون غير مُحدِثٍ أيضًا، فيُصلِّي بلا وُضوءٍ؟ قلت: إذا أسلَم وهو غيرُ جنُبٍ، فلا بُدَّ من وُضوئه للصَّلاة. قال: وليس في الحديث أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمره بالغُسل. قال مالك: ولم يبلغنا أنَّه أمر أحدًا أسلَم بالغُسل، انتهى. قلت: لأنَّه مشهورٌ في الشَّرع فلم يُحتَجْ لنَقْله. * * *

77 - باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم

77 - بابُ الْخَيْمَةِ في الْمَسْجِدِ لِلْمَرْضى وَغَيْرِهِمْ (باب الخَيْمَة في المَسجد) 463 - حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ في الأكحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - خَيْمَةً في الْمَسْجدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وَفِي الْمَسْجدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلَّا الدمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ! مَا هَذَا الَّذِي يَأتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ فِيهَا. (زكريا) بالمَدِّ والقَصْر. (الأكحل) عِرْقٌ في اليَدِ يُفْصَد، ولا يُقال: عِرْقُ الأكحُل. (فلم يرعهم) بجزم العين المُهمَلة: من الرَّوع، وهو الفَزَع، يقال: روَّعتُه فارتاعَ، أي: فَزعتُه ففَزِعَ. (إلا الدم) هو الفاعل؛ لأنَّه استثناء مُفرَّغٌ، وما بينهما جملةٌ معترِضةٌ. (غفار) بكسر المُعجَمَة وخِفَّة الفاء، وهم من كِنَانة، رهطُ أبي ذرٍّ. (قِبَلَكُم) بكَسْر القاف، أي: جِهتَكم.

78 - باب إدخال البعير في المسجد للعلة

(يغذو) بمُعجمتين؛ أي: يَسِيْلُ، (جُرحه) فاعلٌ، (دمًا) تمييز. (فيها)؛ أي: في الخَيْمة، أو في الجِرَاحة؛ لأنَّها معنى الجُرْح، وفي بعضها: (مِنْها)، قال (خ): المعنى أنَّهم أفزَعَهم رُؤيةُ الدَّمِ، وقد كانوا في طُمَأْنينةٍ، وقال (ش): يَعنُون بذلك السُّرعة لا نَفْس الفَزَع. قال (ط): فيه جوازُ سُكنى المَسجِد للعُذْر، وفيه أنَّ السُّلطان أو العالِمَ إذا شَقَّ عليه النُّهوض إلى عيادة مريضٍ يُنقَل إلى موضعٍ بقُربه تَخِفُّ عليه عيادتُه فيه، وأنَّ النَّجاسة لا تجبُ إزالتُها؛ لأنَّه أَباحَ للجَريح سُكنى المَسجِد. * * * 78 - بابُ إِدْخَالِ الْبَعِيرِ في الْمَسْجِدِ لِلْعِلةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعِيرٍ. (باب إِدْخالِ البَعِيْر في المَسجد) البعير في الإبل كالإِنْسان في النَّاس، يشمَل الذَّكَرَ والأُنثى. (قال ابن عبَّاس) وصلَه في الحَجِّ في (باب مَنْ أَشارَ إلى الرُّكن). * * * 464 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زينَبَ بِنْتِ أَبِي

79 - باب

سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أَشْتَكِي، قَالَ: "طُوفي مِنْ وَرَاءَ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبةٌ". فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، يَقْرَأُ بِـ (الطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ). (شكوت)، أي: أَخبَرتُ بالأَلَم. (أني أشتكي)؛ أي: أتَوَجَّعُ، وهو مفعول شَكَوتُ. (فطفت)؛ أي: راكبةً على البَعيْر، وهو وجْهُ دلالتِه على التَّرجَمة. (إلى جنب)؛ أي: مُنتهيًا إلى جَنْب، وفائدة ذكر هذا أنَّه قريبٌ من البَيت لا بَعِيْدٌ. (بالطور)؛ أي: بسُورة الطُّور، ولهذا لم يَقُل: (والطُّور) بالواو؛ لأنَّه صارَ علَمًا. قال (ط): ففيه أنَّ الدَّوابَّ المَأكولة ليس بَولُها نَجِسًا، وهو قول مالك، وأنَّ راكب الدَّابَّة ينبغي أن يتجنَّب مَمرَّ النَّاس ما استطَاع، ولا يُخالِطَ الرَّجَّالة، وكذا يَنبغي طَواف النِّساء في الحواشي ليَكُنَّ وراء الرِّجال كما في الصَّلاة. * * * 79 - بابٌ (باب) 465 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ،

قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسٌ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئآنِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أتى أَهْلَهُ. (أن رجلين) هما عَبَّاد -بفتح المُهمَلة وتشديد المُوحَّدة- بن بِشْر، بكسر المُوحَّدة، وأُسيد بن حُضير بالتَّصغير فيهما. (مظلمة) بكسر اللَّام مِن أظلَم اللَّيل، وقال الفَرَّاء: ظَلُم الليل وأظلَم بِمعنًى، وضاءَت النَّار وأضاءَتْ مثله، وأضاءتْه النَّارُ يتَعدَّى ولا يَتعدَّى، وقال الزَّمَخْشَريُّ: بمعنى نَوَّرَ مُتعدٍّ، وبمعنى لَمَعَ غير مُتعدٍّ، وأمَّا أظلَم فيحتمل التَّعدِّي وعدمَه. (بين أيديهما)؛ أي: قُدَّامَهُما، وهو مفعولٌ فيه إنْ كان فعلُ الإضاءة لازمًا، ومفعولًا به إن كان متعدِّيًا. قال (ط): إنَّما ذكَر هذا الحديث البُخاري في أحكام المَساجِد؛ لأنَّ الرَّجلين كانا معه في المَسجِد فأكرمهما الله بالنُّور في الدُّنْيا ببركته وفَضْل مسجدِه - صلى الله عليه وسلم -، وذلك آيةٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ خُصَّ أِصحابُه بمثْل هذه الكرامة عند حاجتهم للنُّور، وكأنَّه أراد أن يُترجِم ذلك بباب: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] , يُشير إلى أنَّ الآية عامَّةٌ في معناها، وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36]، ويُستدلُّ به على أنَّ الله تعالى يجعل لمَنْ يُسبَح في تلك المَساجِد نُورًا

80 - باب الخوخة والممر في المسجد

في قُلوبهم، وفي جميع أعضائهم، وبين أيديهم، ومِنْ خَلْفهم في الدُّنْيا والآخِرة، فهما ممن جُعِلَ النُّورُ بين أيديهم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "بَشِّرِ المَشَّائِيْنَ في الظُّلَمِ إلى المَساجِدِ بالنُّورِ التَّام يَومَ القِيَامةِ"، فجعل لهذَين منه في الدُّنْيا ليَزدادوا إيمانًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -". * * * 80 - بابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ في الْمَسْجِدِ (باب الخَوْخَة) بفتح المُعجَمَة، أي: الباب الصَّغيرة، وقال الجَوْهَري: هو كوَّةٌ في الجِدار تؤدي الضَّوءَ. 466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّ الله خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ"، فَبَكَى أَبو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَقُلْتُ في نفسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إنْ يَكُنِ اللهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ أبو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! لاَ تبكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أبو بَكْرٍ، وَلَوْ كنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ في الْمَسْجدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا

بَابُ أَبِي بَكْرٍ". (النضر) بالمُعجَمَة، وفي بعضها: (أبو النَّضْر، عن بُسْر بن سعيد، عن أبي سعيد)، وفي بعضها: (أبو النَّضْر، عن عُبيد، وعن بُسر، عن أبي سعيد) بواو العطف، وفي بعضها: (أبو النَّضْر، عن عُبيد، عن بِشْر، عن أبي سعيد) بلا واوٍ، أو بينهما أو، وهذه الرَّابعة خطأٌ كما نقلَه الغَسَّاني، عن الفَرَبْري، عن البُخاري؛ لأَنَّ عُبيدًا لم يَروِه عن بُسْر، قال: ولكنْ لعلَّ فُلَيحًا كان يُحدِّث به مرَّة عن عُبيد، ومرَّةً عن بُسْرٍ، ومرَّة عنهما، وكلٌّ صوابٌ، وسيأتي في (باب مناقب أبي بكر) بيانُه. الحديث الأَوَّل: (ما عنده)؛ أي: عند الله، وهو الآخرة. (ما يُبكي) بضَمِّ أوَّله. (إن يكن) جواب هذا الشَّرط محذوفٌ، يدلُّ عليه السِّيَاق، أو (إنْ) بمعنى: إذ، وفي بعضها: (أَن) بالفَتح، وجعلَه (ش): من تَجويز السَّفَاقُسِي، أي: لأَجْل أَنْ، لكن يُشكل الجَزْم حينئذٍ، فقال ابن مالك: يُقال فيه كما قِيْل في حديث: (لَنْ تُرَعْ)، فإنَّه سكَّن مع أَنَّ (لَنْ) ناصبةٌ، وأن عينَ تُراع سُكِّنتْ للوَقْف، فأشبَه المَجزوم، فحُذفت الأَلف كما تُحذَف في المَجزوم، ثم أَجرَى الوَصْل مَجرَى الوَقْف. (هو العبد)؛ أي: المُخيَّر. (أعلمنا)؛ أي: حيثُ فَهِمَ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُفارِق الدُّنْيا، فبكَى حُزْنًا

على فِراقه، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (عَبْدًا) بالتنكير؛ ليُظهِرَ نبَاهة أهل العِرفان في تَفسير هذا المُبهَم. (أَمَنَّ)؛ أي: أكثَر جُودًا بنفسهِ ومالهِ، أي: بلا استِثابةٍ على ذلك، كما في: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] أي: لا تُعْطِ لتَأخُذَ أكثر مِمَّا أَعطَيتَ، لا من المَنِّ الذي يُفسِد الصَّنِيْعة؛ فإنَّه لا مِنَّةَ عليه - صلى الله عليه وسلم -، بل مِنَّتُه على جميع الخلْق، وفي بعضها: (من أمَنُّ)، فيُشكِل قولَه: أبو بكر، فيُؤَوَّل على أنَّ (مِن أمَنِّ) صفةٌ لمَحذوفٍ، أي: أنَّ رجلًا مِنْ أمَنِّ. قلتُ: أو يُضمَر الشَّأنُ في (أنَّ)، كما قيل به في حديث: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَومَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ". (خليلًا) فَعِيْلًا بمعنى مَفعول، قال الزَّمَخْشَري: هو المُخَالُّ الذي يُخالُّكَ، أي: يُوافقُك في خِلالِكَ، ويُسَامرُك في طريقتِك، من الخِلِّ وهو الطَّريق في الرَّمْل، أو يَسُدُّ خلَلَكَ كما تَسُدُّ خلَلَه، أو يُداخلُك خِلالَ مَنازلِك وحجَبك، وقيل: من الانقِطاع، فخليلُ الله المُنقطِع إليه، والمعنى هنا: لو كنتُ مُنقطِعًا إلى غير الله لانقطَعتُ إلى أبي بكر، أو لو اتَّسَعَ قلبي لغير الله لاتَّسَعَ له، أو نحو ذلك، أي: لَم يُبْقِ فيه مَوضعًا لغيره، فأمَّا قولَ بعض الصَّحابة: سمعتُ خَليلي - صلى الله عليه وسلم - فانقِطاعٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك انقِطاع إلى الله، أي: فهو اتَّخَذَ النبيَّ - صلى الله عليه 7 وسلم - خليلًا، لا أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَه خَليلًا. (ولكن أخوة الإِسلام) مبتدأٌ حُذِفَ خبرُه، أي: أَفضَلُ كما صرَّح

بذلك في الحديث الذي بعدَه، وللأَصِيْلي بحذْف الهمزة (خوة)، قال (ط): كذا وقَع، ولا أَعرِف معناه. قال ابن مالك: مع ضَمِّ النُّون من (لكن)، وسُكونها، فصارتْ ثلاثة أوجهٍ: الأُولى: السُّكون مع ثبوت الهمزة، وهي الأصل. والثَّانية: نُقلت ضمَّة الهمزة للسَّاكن قبلَها، وهو النُّون. والثَّالثة: كذلك، لكن استُثقلتْ ضمةٌ بين كسرةٍ وضمَّةٍ، فسُكِّنت النُّون تَخفيفًا، فهذه فرعُ الفَرعِ. (ومودته) هي بمعنى الخُلَّة، ففي "الصِّحاح": الخَلِيْل: الصَّديق، أي: الوَدود، ويدلُّ على ذلك أيضًا ما في الحديث الثَّاني: (ولكِنْ خُلَّةُ الإِسلامِ أَفْضَلُ)، وعلى هذا فنَفي الخُلَّة أوَّلًا، وإثباتُ المَوَدَّة ثانيًا، إمَّا لاختلاف متعلَّقهما، فالمُثبَتة ما كانت بحسَب الإِسلام، والمَنفيَّة بجهةٍ أُخرى، يدلُّ عليه: (ولكِنْ خلَّةُ الإِسلام أَفْضَلُ)، وإما لأَنَّ الخُلَّة أخصُّ وأعلا مرتبةً، فاكتفَى من حيث خصوصُها، والإِثبات من حيث العُموم. قلت: وهو يَرجع إلى الأَوَّل، فإن قيل: الصَّحابة كلُّهم مشتركون معه في أُخوَّة الإِسلام، والسِّيَاق لبيان أَفضلية أبي بكر، قيل: المَودَّة الإِسلاميَّة متفاوتةٌ بحسب التَّفاوت في إعلاء كلمة الله، وتحصيل كَثْرة الثَّواب، فكان أفضلَ من هذه الحيثيَّة، ومما ذُكر من خصوصيَّاته، أو

أَنَّ مَودَّة الإِسلام معه أفضلُ من مودَّته مع غيره. (لا يُبقين) روي بالبناء للمفعول، وللفاعل، ونونُه مشدَّدةٌ للتَّوكيد، والنَّهي راجعٌ للمُكلَّفين لا إلى الباب، فكنَّى بعدَم البقاء عن عدم الإِبقاء؛ لأنَّه لازِمٌ له كأنَّه قال: لا تُبقُوه، فلا يبقَى كما في: لا رأيتُك هنا، أي: لا تقعُدْ هنا، فلا أَراكَ. (إلا سُدَّ)؛ أي: إلا بابًا سُدَّ، فالمحذوف هو المُستثنَى، والفعل صفتُه، ثم استثنَى ثانيًا من هذا، أو يُقال: الاستِثناء مُفرَّغٌ، أي: لا يبقَى بابٌ بوجهٍ من الوُجوه إلا بوَجْه السَّدِّ إلا بابُه. وفي الحديث خصوصيَّةٌ شديدةٌ لأبي بكر حيث تُسَدُّ الأبواب إلا بابه، وأنَّه مُفرَدٌ بأمرٍ لا يُشارَك فيه، وأَولى ما يُصرف ذلك للخلافة بعدَه، ويُؤكِّده أمره بالإمامة في الصَّلاة التي بُني لها المَسجِد، ولأجلها يَدخل إليه من أبوابه، قاله (خ)، قال: ولا أَعلَم في إثباتِ القِياس أَقوَى من إجماع الصَّحابة على استِخلاف أبي بكر مُستدلِّين في ذلك باستخلافه - صلى الله عليه وسلم - إيَّاه في أعظم أُمور الدِّين، وهو الصَّلاة، فقاسُوا عليها سائر الأُمور. قال (ن): وأَنَّ المَساجِد تُمنعَ من التَّطرُّق إليها من خَوْخَةٍ ونحوِها إلا لحاجةٍ مهمةٍ إنْ حُمل الحكم على سائر المَساجِد لفظًا، أو كان المُراد مسجدَه - صلى الله عليه وسلم -، لكنْ يُقاس غيرُه عليه. قال (خ): وفيه التَّعرُّض بالعِلم للنَّاس، وإنْ قَلَّ فُهماؤُهم خشيةَ أن يدخل عليهم مَساءةٌ أو حُزْن، وأنَّه لا يستحقُّ أحدٌ العلم حقيقةً إلا

مَن فَهِمَ، والحافظ لا يَبلغُ درجةَ الفَهْم، وإنَّما يُقال: عالمٌ بالنَّصِّ لا بالمَعنى، وأنَّ أبا بكر أَعلَمُ الصَّحابة، والحَضُّ على اختيار ما عند الله، والزُّهد في الدُّنْيا، والإعلام بمن اختار ذلك من الصَّالحين، وأنَّ على السُّلطان شُكرُ مَن أحسَن صحبتَه ومعونتَه بنفسه وماله، واختصاصه بما لم يُشارَك فيه، وأنَّ الخليل فَوق الصَّديق والأَخ. * * * 467 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرج رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ في نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإسْلاَمِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ في هَذَا الْمَسْجدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ". الحديث الثَّاني: (عاصبًا) قيل: المَعروف: عَصَبَ تَعصيبًا. (فحمد الله)؛ أي: على وُجودِ الكَمالِ. (وأثنى)؛ أي: على عدَم النُّقصان.

81 - باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد

(أبي قُحافة) بضَمِّ القاف، وبحاءٍ مُهمَلةٍ، وفاءٍ، اسمه: عُثمان. (ليس أحد) إلى آخره، قال (ك): إنَّ قولَه في الحديث السَّابق: (إنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عليَّ) أبلغُ، وهذا لاحتِمال أنَّ له مَن يُساويه؛ إِذِ المَنفيُّ الأفضليَّةُ. (أفضل)؛ أي: فاضلُه؛ إذ المَقصود أنَّ الخُلَّة بالمعنى الأَوَّل أَعلا مَرتبةً، وأفضل من كلِّ خلَّةٍ، وفيه جواز الخُطبة قاعدًا. * * * 81 - بابُ الأبْوَابِ وَالْغَلَقِ لِلْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ! لَوْ رَأَيْتَ مَسَاجِدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبْوَابَهَا. (باب الأَبوابِ والغَلَق) بتحريك اللَّام: ما يُغلَق به. * * * 468 - حَدَّثَنَا أبُو النُّعْمَانِ، وَقتيْبَةُ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مَكَّةَ، فَدَعَا عُثْمَانَ ابْنَ طَلْحَةَ، فَفتحَ الْبَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِلاَلٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، ثُمَّ أغلِقَ الْبَابُ، فَلَبِثَ فِيهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجُوا، قَالَ

ابْنُ عُمَرَ: فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بلالًا فقالَ: صلّى فيهِ، فقَلتُ: في أَيٍّ؟ قَالَ: بينَ الأُسطُوَانتَينِ، قالَ ابنُ عمرَ، فَذهبَ علَيَّ أَنْ أَسألَهُ: كَمْ صلَّى. (قال لي) هو أحطُّ رتبةً من حدَّثني وأخبرَني؛ لأنَّه قد يكون على وجه المُذاكرة لا التَّحميل. (لو رأيت) جوابُه محذوفٌ، أي: لو رأَيتَها كذا وكذا، أو لَرَأَيْتَ عجَبًا، أو (لو) للتَّمنّي فلا جوابَ لها. (فسألت بلالًا)؛ أي: عن صَلاته - صلى الله عليه وسلم - في الكَعبة. (في أي)؛ أي: في أيِّ نَواحيه، ورُبَّما صُرِّح بذلك في بعضها. (الأسطوانتين) بضَمِّ الهمزة، والأُسْطُوانة أُفْعُوالةٌ، وقيل: أُفْعُلوانة، وقيل: أُفْعُلانَة. (فذهب)؛ أي: فاتَ. (كم) سؤالٌ عن الكَمِّيَّة. قال (ط): اتخاذ الأَبواب للمَساجِد واجبٌ صَونًا عن دُخول الرِّيَبِ وما لا يَصلُح، ووجه خصوصيَّة الثَّلاثة الدَّاخلين معه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لمعانٍ تَخصُّهم، وعُثمان لئَلَّا يتوهم أنَّه عزَله، وأيضًا فيقوم بالفَتْح والغَلْق، وبلال لكونهِ مُؤذِّنَه وخادمَ أمر الصَّلاة، وأُسامة لأنَّه متولِّي خدمة ما يَحتاج. قلت: وفي الثَّاني أنَّه كان معهم الفَضْل بن عبَّاس، وكأنَّه لصِغَره.

82 - باب دخول المشرك المسجد

قال: وفيه أنَّ الإِمام يَخُصُّ خاصته ببعض ما يَستَترُ به عن النَّاس، وأما غَلْق الأبواب فلئلا يظُنَّ النَّاس أنَّ الصَّلاةَ فيه سنةٌ. قلت: هي سنة. قال (ك): أو لئَلَّا يَزدحم عليه النَّاس. * * * 82 - بابُ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ (باب دُخول المُشْرِك) 469 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نجدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أثالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجدِ. سبَق الكلام على الحديث فيه في (باب الاغتسال إذا أسلَم)، نعمْ، يُمنع عند الشَّافعي من دُخول المَسجِد الحرام؛ لقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]؛ بخلاف سائر المَساجِد لهذا الحديث، ومنعَ مالكٌ من دُخوله كلَّ مسجدٍ تعظيمًا لشعائر الله، وقال أبو حنيفة: يَدخلُ المَسجِد الحرام وغيرَه. * * *

83 - باب رفع الصوت في المساجد

83 - بابُ رَفْعِ الصَّوْتِ في الْمَسَاجِدِ (باب رَفْعِ الصَّوت في المَسجد) 470 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا في الْمَسْجدِ فَحَصَبَنِي رَجلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأتِنِي بِهَذَيْنِ، فَجئتهُ بِهِمَا, قَالَ: مَنْ أنتمَا -أَوْ مِنْ أَيْنَ أنتمَا؟ - قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كنتمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا في مَسْجدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (الجُعَيد) بضَمِّ الجيم، وفتح العين المُهمَلة، ويقال: جَعْد أيضًا، بفتح الجيم، وسُكون المُهمَلة. (ابن خُصَيفة) بضَمِّ الخاء المُعجَمَة، وفتح المُهمَلة، وبالفاء، نُسِبَ لجَدِّه، وإنَّما هو ابن عبد الله بن خُصَيفة. (فحصَبني)؛ أي: رَماني بالحَصْباء، ومُضارعُه يَحصِبُ بالكسر. (فإذا عمر) حاضِرٌ، أو واقِفٌ. (من أهل الطائف)؛ أي: مِن بلادِ ثَقِيْفٍ. (ترفعان) استئنافٌ، كأنهما قالا: لِمَ توجعنا؟ قال: لأنكما ترفعان.

(أصواتكما) قال ابن مالك: المُثنَّى معنًى إذا كان جُزءَ ما أُضيف له يَجوزُ إفرادُه كـ: أكلتُ رأْسَ شاتَينِ، وجمعُه أجوَدُ نحو: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] , والتَّثنية معَ أَصالتها قليلةٌ في الاستِعمال، وإنْ لم يكُن جزءَه فالأكثَرُ تثنيتُه، كـ: سَلَّ الزَيْدان سَيفَيهما، وإنْ أَمِنَ اللَّبْس جاز الجمْعُ كما في: "يُعذَّبانِ في قُبورِهِمَا". * * * 471 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونسٌ بنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالكٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دينًا لَهُ عَلَيْهِ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْمَسْجدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَناَدَى: "يَا كعْبُ بْنَ مَالِكٍ! يَا كعْبُ! "، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ: أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ نصيبكَ، قَالَ كعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فَاقْضِهِ". (أحمد) قال الغَسَّاني: قال البُخاري في موضعَين من (الصَّلاة): حدَّثنا أحمد، ثنا ابن وَهْب، فقال ابن السَّكَن: هو أحمد بن صالح المِصْري، وكذا قال الحاكم في "المَدخَل"، وقيل: إنَّه أحمد بن عِيْسَى التُّسْتَري، ولا يَخلُوا أن يكون واحدًا منهما، وقال الكَلابَاذِي: قال ابن مَنْدَه: كلُّ ما في "جامع البُخاري" أَحمَد، عن ابن وَهْب،

84 - باب الحلق والجلوس في المسجد

فهو ابن صالح. وقد سبَق الكلام في الحديث في (باب التَّقاضي والمُلازَمة في المَسجِد). قال (ط): إنكار عُمر؛ لأنَّهما رفعَا أصواتهما باللَّغَط من غير حاجةٍ، وإنَّما سأَلَهما من أين أنتما؟ , لأنَّ أَهلَ البَلَد يعرفون المَنْع في ذلك، فلمَّا أخبَراه ببلدهما عذَرهُما بالجهل، وأما ارتفاع صَوت كعْب ورفيقه فإنَّه في طلَب حقٍّ واجبٍ، فلذلك لم يُنكَر عليهما. قال مالكٌ: لا يُرفَع الصَّوتُ في المَسجِد لا بالعِلْم ولا بغَيره، وأجازَه أبو حنيفة، ومرَّ به ابنُ عُيينة وقد ارتفعتْ أصواتُهما في المَسجِد. قال: فقلتُ له: الصَّوت لا يُرفع في المَسجِد، فقال: دَعْهم فإنَّهم لا يفقَهون إلا كذا. قال (خ): فيه جوازُ ما يدور بين المُتخاصمين من كلامٍ غليظٍ في طلَب الحقِّ، فهو مُتجاوَزٌ عنه، وأنَّ للحاكم مُراودتَهما على الصُّلح، والأَمْرُ بتعجيل ما يُوقَع عليه الصُّلح، وهو صلحُ حَطٍّ لا يَفسُد بالتَّأخير بخلاف ما وقَع معاوضةً؛ لأنَّه بيعُ الكالئ بالكالئ. * * * 84 - بابُ الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ في الْمَسْجِدِ (باب الحِلَقِ) بفتح اللَّام مع كسر الحاء وفتحها: جمع حَلْقةٍ

بسكون اللَّام، وحكى يونسُ الفتح. قال الجَوْهَري: فتح الحاء في الجَمْع على غير قياسٍ، بخلاف الكسر فإنَّه كبَدْرَة وبِدَر. * * * 472 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: مَا تَرَى في صَلاَةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى". وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ وِتْرًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ به. الحديث الأَوَّل: (ما ترى) يحتمل أَنْ يكون من الرَّأْي، أو من رَأَى بمعنى عَلِمَ، والمُراد لازمُه؛ إذِ العالم يحكُم بما عَلِمَ شَرعًا. (مثنى) غير مُنصَرِفٍ، أي: اثنَيْنِ اثنَيْنِ، وهو خبرُ مبتدأ محذوفٌ، أي: هي مَثْنَى، وتَكريره للتَّأكيد. (فأوترت)؛ أي: تلك الرَّكعةُ. (وإنَّه)؛ أي: ابن عُمر. (أمر به)؛ أي: بالجَعْل، أو بالوِتْر. * * *

473 - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأوتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صلَّيْتَ". قَالَ الْوَليدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا ناَدَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في الْمَسْجدِ. الحديث الثَّاني: (توتر)؛ أي: الواحدةُ، وهو مجزومٌ جوابًا للأَمْر، وفي بعضها مرفوعٌ استئنافًا، وإسنادُ الإيتار للصَّلاة مجازٌ. * * * 474 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْمَسْجدِ فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الثَّلاَثَةِ؛ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللهِ، فآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاستَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ". الحديث الثَّالث: سبَق في (باب مَن قَعدَ حيثُ انتهَى به المَجلس) مباحثُه وفوائدُه.

85 - باب الاستلقاء في المسجد، ومد الرجل

ووجه دلالة هذه الأحاديث على التَّرجَمة: الثَّالث ظاهرةٌ لا سِيَّما ما في رواية: (فَرأَى فُرْجَةً في الحَلْقَةِ)، وأمَّا الأَوَّلان فيَدُلَّان على بعض التَّرجَمة، وهو الجلوس في المَسجِد، ولا يُشترط أن كلَّ حديثٍ يدلُّ على التَّرجَمة. قال (ط): شبَّهَ البُخاريُّ جلوسَهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المَسجِد وهو يخطُب بالتَّحلُّق والجلوس لأَخْذ العلم، وفيه أنَّ إجابة سائلٍ في الدِّين لا تَضُرُّ الخُطبةَ، وفضْلُ حِلَق الذِّكْر، وسَدُّ الفُرَج في حِلَق العلم كما في الصَّلاة وصَفِّ القتال، وأنَّ التَّزاحُم بين يدَي العالم من أَعمال البِرِّ، وأن الأدبَ الجُلوس حيث انتهَى به مَجلسُه، ولا يُقِمْ أحدًا، وابتداءُ العالم بالعِلم قبل أن يُسأَلَ عنه، ومدْحُ الحياء والثَّناء على صاحبه، وذَمّ من زَهِد في العِلْم. * * * 85 - بابُ الاِسْتِلْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَدِّ الرجْلِ (باب الاستِلقاء في المَسجد) 475 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيم، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَلْقِيًا في الْمَسْجدِ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.

86 - باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس

وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلاَنِ ذَلِكَ. (مستلقيًا) نصبٌ على الحال. (واضعًا) حالٌ مترادفةٌ، أو متداخلةٌ من ضمير (مُستلقيًا). (وعن ابن شِهَاب) يحتمل أنَّه تعليقٌ، وأن يكون متصلًا من رواية مالك أيضًا. (ذلك)؛ أي: المَذكور، وهو الاستِلقاء والوَضْع، فيه أَنّ هذا الفعل جائزٌ، وخبَرُ النَّهي عنه إما مَنسوخٌ، وهو حديث جابِر: نهى أَنْ يَضُمَّ الرَّجُلُ إِحدَى رِجْلَيهِ على الأُخرى وهُوَ مُستَلْقٍ على ظَهْرِه، ولذلك استدلَّ البُخاري على نسخه بعمَل الخليفتَين بعدَه؛ إذ لا يجوز أن يَخفى عليهما النَّاسِخُ. قال (ط): أو مقيَّدٌ بما إذا بدَا بذلك عورتُه كأَنْ يكون الإِزَار ضيِّقًا، فإِذا وَضَع رِجْلا فَوقَ الأُخرى وهناك فُرجةٌ ظهَرَ منها العَورة، وجوازُ أنواع الاستراحة غير الانبِطاح على الوَجْه، فقد رُوي النَّهي عنه وأنَّها ضَجْعةٌ يُبغِضُها الله تعالى. * * * 86 - بابُ الْمَسْجِدِ يَكُونُ في الطرِيقِ مِنْ غَيْرِ ضرَرِ بِالنَّاسِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأيوبُ وَمَالِكٌ.

(باب المَسجد يكون في الطَّريق) 476 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجدًا بِفِنَاءَ دارِه، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْاَنَ، فَتقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ ويَنْظُرونَ إليِهِ، وكَانَ أبو بكرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لا يَملِكُ عَينَيهِ إِذَا قَرأ القُرآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافُ قُرِيشٍ مِنَ المشْرِكينَ. (أخبرني) وفي بعضها: (فأخبَرني) بالعطف بالفاء على مُقدَّر، أي: أخبرني عُروة بكذا، فأخبرني عَقِب ذلك بهذا، ومثله ما سبَق في (كتاب الوحي) عن ابن شِهَابٍ أيضًا إذ قال: أخبَرني أبو سلَمة. (لم أعقل)؛ أي: لم أَعْرِف. (أبوي) من التَّغليب في التَّثنية كالقَمَرَين، وفي بعضها: (أبواي) على لُغة بني الحارِث في لُزوم المُثنَّى الألف كعَصا. (يدينان)؛ أي: يتديَّنان بدين الإِسلام. (الدين) نصب بنَزْع الخافض، أي: بالدِّين، فإنَّه يُقال: دانَ بكذا دِيانةً يَدينُ به تَديُّنًا، ويحتمل أنَّه مفعولٌ به على أَنَّ معنى يَدينُ يُطيع، لكن فيه مجازٌ حيث جعَل الدِّين كالشَّخص المُطاع.

87 - باب الصلاة في مسجد السوق

(بدا)؛ أي: ظهَر له رأْيٌ، ومصدرُه بُدُوٌّ كقُعودٌ. (فِناء) بالمَدِّ: ما امتَدَّ من جوانب الدَّار. (لا يملك عينيه)؛ أي: لا يُطيق إمساكهما عن البُكاء، وفي بعضها: (عَيْنَه)، أي: الجِنْس. (إذا) ظَرْفيَّةٌ عاملها (يَملك)، أو شَرطيَّة والجزاءُ مقدَّرٌ دلَّ عليه (لا يَملِك). (فأفزع)؛ أي: أَخافَ، أي: من مَيلِ الأبناء والنِّساء إلى دين الإِسلام. قال (ط): وفيه من فضل أبي بكر ما لا يُشاركُه فيه أحدٌ، وهو تبليغُ كتاب الله وإظهارُه مع الخَوف. قال (ك): وقِدَمُ إسلامه، وتَردُّد النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه طرَفَي النَّهار، وبكاؤُه ورِقَّةُ قلبه، - رضي الله عنه -. * * * 87 - بابُ الصلاةِ في مَسْجدِ السُّوقِ وصلَّى ابنُ عَوْنٍ في مَسْجدٍ في دارٍ يُغْلَقُ عَلِيهِم البَابُ. (باب الصَّلاة في مَسجد السُّوق) لعلَّ مُراده الرَّدُّ على الحنفيَّة في منعهم اتخاذ المَسجِد في الدَّار المَحجوب عن أعين النَّاس. * * *

477 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن أَبِي صالحٍ، عَن أَبِي هُرِيرَةَ، عَن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صَلاةُ الجميعِ تَزِيْدُ عَلَى صَلاَتِهِ في بَيْتِهِ وَصَلاَتِهِ في سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فإنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأتى الْمَسْجدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِها دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجدَ كَانَ في صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِي عَلَيْهِ- الْمَلاَئِكَةُ مَا دامَ في مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ". (أبو صالح)؛ أي: ذَكْوان. (صلاة الجميع)؛ أي: الصَّلاة جماعةً. (في بيته) وكَذا في سُوقه، مقابلٌ به الجماعة، فالمُراد الانفِراد، باعتبار أَنَّ الغالبَ ذلك. (خمسًا وعشرين) السِّرُّ في الأَعداد خَفِيٌّ لا يَعلمُ حقيقتَها إلا الله، نَعَمْ، يحتمل أنْ يُقال في مناسبة الخمْس والعِشْرين: أنَّ صلَوات اليومِ واللَّيلة خَمْسٌ، فإذا ضُرِبَتْ في نفسها بلَغتْ ذلك، فأُريد تضعيفُ ثوابها على الانفِراد بذلك؛ لمناسبته من جِنْس الأصل، ويحتمل أَنَّ الأربعة لمَّا كانت تُؤلَّف منها العشرة، فيُقال: واحدٌ، واثنان، وثلاثةٌ، وأربعةٌ، ومن العشَرات المئات، ومن المئات الأُلوف، فكانتْ أصلَ جميع مراتب العدَد، ومع ذلك زِيْد عليها واحدٌ مبالغةً، ثم ضُعِّفتْ

بعدد الصَّلوات الخمس مبالغةً أخرى، ولا مُنافاةَ بين هذا الحديث وبين حديث: (سَبْعًا وعِشْرينَ دَرَجةً)، إمَّا لأَنَّ العدَد القليل لا يَنفي الكثير، أو أنَّه أَعلَم بالقليل، ثم أَعلم بالكثير، فأخبَر به، أو أنَّ ذلك مختلفٌ باختلاف المُصلِّين بحسب كمالِ الصَّلاة، ومحافظةِ هيئتها، وخُشوعها، وكثْرةِ جماعتها، وشرَفِ البُقعة، ونحو ذلك، وحينئذٍ يظهَر في مناسبةِ ذلك أَنَّ ركَعات فَرائض اليوم واللَّيلة سبعةَ عشَر، والرَّواتب المُؤكَّدة المُداوَم عليها عشرةٌ، فضُعِّف أجر الجماعة بهذا الاعتبار، وأمَّا الوِتْر فلا مَدخَل له؛ لأنَّه شُرِعَ بعد ذلك. (فإن أحدكم) في بعضها بالمُوحَّدة (¬1) للمُصاحبة، أي: تزَيْد بخمسٍ وعشرين درجةً مع فضائل أُخرَى كذا وكذا. (فأحسن)، أي: أَسبَغ مع الوَفاء بالسُّنن والآداب. (إلا الصَّلاة)؛ أي: وما في معناها من العبادات من اعتكافٍ ونحوِه، فذكر الصَّلاة فقط؛ لأنَّها الأغلب. (خطوة) بضَمِّ الخاء وفتحها. قال الجَوْهَري: هي بالضَمِّ: ما بين القدَمين، وبالفتح: المَرَّة الواحدة. (ما كانت)، أي: مُدَّة دَوام ذلك. (تصلي الملائكة)، أي: تَستغفرُ وتطلبُ الرَّحمة له. ¬

_ (¬1) أي: بأن أحدكم.

(اللهم)؛ أي: قائلين: اللَّهُمَّ، أو هو بيانٌ للصلاة. (ما لم يؤذ)؛ أي: المَلائكة بالحدَث. (يُحدث) مضارعُ أَحدَثَ مجزومٌ بدلًا مِن يُؤْذِ، أو مرفوعٌ استئنافًا، وفي بعضها: (بحدَثٍ)، جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بـ (يُؤْذِ)، وفي بعضها: (مَا لَمْ يُحْدِثْ)، من غير ذكْر: (يُؤذ)، أي: ما لم يَنقُضِ الوُضوء، أو المُراد: ما لم يتكلَّم بكلام الدُّنْيا. وتقدَّم مباحثُ الحديث في (باب الحدَث في المَسجِد). ووجه مُطابَقة الحديث للتَّرجمة: أَنَّ المُراد فيها بالمَساجِد مواضعَ الصَّلاة لا الأَبنية المَوضوعة لها. قال (ط): رُوي أنَّ الأَسواق شَرُّ البِقاع، فخشي البُخاريُّ أن يُتوهَّم منه منع الصَّلاة في الأسواق فأتَى بما يدلُّ على جَواز ذلك، وأنَّها إذا جازت في السُّوق، فأَولى أن يُتخذ فيه مَسجِدٌ للجماعة. قال: وفيه أنَّ للمنفرد درجةً من خمسٍ وعشرينٍ. قال (ك): الخمسة والعِشرون إنَّما هي زائدةٌ على المنفرد. * * *

88 - باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره

88 - بابُ تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ في الْمَسْجِدِ وَغَيْره (باب تَشبِيْك الأَصابِع في المَسجد)، في بعضها: (وغيرِه). 481 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي بُرْدة، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. الحديث الأَوَّل: (كالبنيان) بضَمِّ المُوحَّدة. (يشد) في بعضها: (شَدَّ) بلفظ الماضي. (أصابعه) في الإِصبع عشرُ لُغاتٍ مشهورةٌ، عاشرها أُصبُوع، وأفصحها: كسر الهمزة وفتح الباء. ووجه مناسبته للتَّرجمة: إنْ كان فيها زيادة: (وغيره) ظاهرةٌ، وعلى إسقاطها يحتمل أنَّ الرَّاوي اختصَر من الحديث التَّقييد بالمَسجِد، واكتفى البُخاريُّ بدلالة الحديث الآتي على ذلك، وقيل: لعلَّ مُراد البُخاري الجوازُ مطلقًا؛ لأنَّه إذا جاز في المَسجِد فغيرُه أَولى، وضُعِّف بأنَّه كان

لحكمةِ تَمثيلِ تَعاضُدِ المُؤمنين وتَناصُرهم، فمَثَّلَ المَعنى بالصُّورة لزيادة التَّبيين، وتَشبيكُه في الحديث الآخَر كان لإراحة الأَصابع كما هو المُعتاد لا على وجه العَبَث، فيُقيَّد أنَّه إذا كان لغرَضٍ صحيحٍ يجوز بخلاف العبَث، وقال (ط): في النَّهي عنه آثارٌ مُرسلةٌ. قال مالك: لا بأْسَ به في المَسجِد، وإنَّما يُكره في الصَّلاة. * * * 482 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَناَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى صَلاَتَيِ الْعَشِيِّ -قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أبو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نسَيتُ أَناَ-، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا ركْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبةٍ مَعْرُوضَةٍ في الْمَسْجدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ووَضَعَ خَدَّهُ الأَيمَنَ عَلى ظَهْرِ كفِّهِ اليُسْرَى، وخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجدِ فَقَالُوا: قَصُرتِ الصَّلاةِ وفِي القَومِ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ في يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنسَيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: "لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ"، فَقَالَ: "أكمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ "، فَقَالُوا: نعمْ، فتقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكبَّرَ، ثُمَّ كبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ

سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَألوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ. الحديث الثَّاني: (صلاتي) في بعضها: (صَلاةَ)، بالإِفراد على إرادة الجِنْس. (العشي) بفتح المُهمَلة وتَشديد الياء، وفي بعضها: (العِشَاء) بالكَسر والمَدِّ. قال الجَوْهَري: هو مِثْل العَشِيِّ من صلاة المَغرِب إلى العَتَمَة، وقال الأَزْهريُّ: من الزوال للفَجْر، والعِشاءان المَغرب والعِشاء. قال (ن): صلاة العَشِيِّ الظُّهر أو العصر. (معروضة)؛ أي: موضوعةٍ بالعَرْض، أو في ناحية المَسجِد. (وضع خده) يحتمل أنَّه مع التَّشبيك، أو بعدَه. (السَّرعان)؛ أي: الأَوائل، بفتح الرَّاء والسِّين، وضبطه الأَصِيْلي بضَمِّ السِّين وإسكان الرَّاء، جمع سَرِيْع، وهو المُسرِع للخُروج نحو كَثيب وكُثْبان، أو المُراد العَوامُّ الذين لا يَلْبَثون للذّكْر. قال أبو الفَرَج: مُثلَّث السِّين، والنُّونُ ساكنةٌ، وقال (ش): والنُّون تُنصب أبدًا، وهو وَهمٌ؛ فإنَّه فاعلُ خرَج. (قصرت) بفتح أوَّله، على البِناء للفاعل، مِنْ قَصُر يقصُر، بضَمِّ الصَّاد فيهما، وبالضمِّ على البناء للمفعول.

(ذو اليدين) لُقِّب به لأنَّه كان في يدَيه طُولٌ، واسمه: الخِرْباق كما صُرِّح به في رواية "مسلم" وغيرِه، بكسر المُعجَمَة وبراءٍ ومُوحَّدةٍ وقافٍ. (أكما يقول)؛ أي: الأَمْرُ كما يَقول. (فربما) أصل (رُبَّ) للتَّقليل، وكَثُر استعماله للتَّكثير، وباتصالِ (ما) دخلَتْ على الجُمل. (سألوه)؛ أي: ابن سِيْرِين؛ أَسَلَّمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعد السُّجود مرَّةً أُخرى أو اكتفَى بالأَوَّل. (نبُئت)؛ أي: أُخبرت، وسبق بيان الحديث في (باب التَّوجُّه نحو القِبْلة). وفيه: أنَّ قول: لم أفعل كذا ناسيًا؛ ليس بكَذِبٍ، أما قوله: لم تُقصَر، فهو خبرٌ عن الذي عصَمَه الله من الغلَطِ فيه، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - يَعتريه ما يَعتري البشَرَ من الخطَأ والنِّسيان؛ إذْ لا حَرَج فيه. وفيه أنَّ مَن تكلَّم ناسيًا في صلاته لا تَفسُد؛ أمَّا في النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فظاهرٌ، وأما في ذي اليدَين وغيرِه فلإِمكان النَّسْخ، فتَجويزُهم ذلك يصيرون كالنَّاسي لظَنِّ أنَّهم خارجَ الصَّلاة، وأيضًا فكان واجبًا عليهم أنْ يُجيبوه إذا دَعاهُم للآية، وقيل: بل ذلك كان قبلَ نسخ الكلام في الصَّلاة، وغُلِّط بأنَّ نَسْخه كان بيسير بعد الهجرة، وإسلامُ أبي هُريرة سنة سَبْعٍ، وفيه التَّلْقيب للتَّعريف لا للتَّهجين، والاجتِزاء بسجدتَين في السَّهو مع تعدُّد المُقتضي.

89 - باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال (ن): وأنَّ الكثير من العمَل كخُطُواتٍ إذا كان سَهْوًا لا يُبطِل، وإنْ كان المَشهور من المَذهب خلافُه، نعَمْ، تأويل الحديث ضعيفٌ. قلتُ: ولذلك رجَّحَ في "التَّحقيق" أنَّها لا تبطُل بذلك. * * * 89 - بابُ الْمَسَاجِدِ التِي عَلَى طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَالْمَوَاضعِ التِي صلَّى فِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (باب المَساجِد التي على طُرُق المَدينة)، أي: مدينة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 483 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ ابْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يتحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي في تِلْكَ الأَمْكِنَةِ، وَحَدَّثَنِي ناَفِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي في تِلْكَ الأَمْكِنَةِ، وَسَأَلْتُ سَالِمًا، فَلاَ أَعْلَمُهُ إلَّا وَافَقَ ناَفِعًا في الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلَّا أَنهمَا اخْتَلَفَا في مَسْجدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ. الحديث الأَوَّل: (المقدمي) بفتح الدَّال وتَشديدِها.

(يتحرى)؛ أي: يَقصِد، ويَختار، ويَجتهد. (أباه)؛ أي: عبد الله بن عُمر. (وأنّه رأى) إنْ كان الضَّمير لسَالمٍ فمُرسلٌ. (وحدثني) عطفٌ على (رأَيتُ)، فيكون من كلامِ ابن عُقبة. (وسألت) عطفٌ عليه أيضًا. (شرَف) بفتح المُعجَمَة والرَّاء، وبالفاء: المَكان العالي. (للروحاء) بفتح الرَّاء وسُكون الواو، ثم حاءٌ مُهمَلةٌ ممدودةٌ: بينَه وبين المدينة سِتَّةٌ وثلاثون مِيْلًا، ذكَره مسلم في (باب الأذان). * * * 484 - حَدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ المُنذِر، قَالَ: حَدَّثنا أَنسُ بنُ عِياضٍ، قَالَ: حَدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ، عَن ناَفِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْزِلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ، وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ، تَحْتَ سَمُرَةٍ في مَوْضعِ الْمَسْجدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ كَانَ في تِلْكَ الطَّرِيقِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ، فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ أَناَخَ بِالْبَطْحَاءَ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي الشَّرْقِيَّةِ، فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبحَ، لَيْسَ عِنْدَ الْمَسْجدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ، وَلاَ عَلَى الأكمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسْجدُ كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عَبْدُ اللهِ عِنْدَهُ، في بَطْنِهِ كُثُبٌ، كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَمَّ يُصَلِّي فَدَحَا السَّيلَ فِيهِ بِالبَطْحَاءَ حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ

المكَانَ الّذي كَانَ عَبْدُ اللهِ يُصلِّي فِيهِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى حَيْثُ المَسْجدُ الصَّغيرُ الَّذِي دُونَ المَسْجدِ الَّذِي بِشَرفِ الرَّوحاءَ، وقَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَعْلَمُ المَكَانَ الَّذِي كَانَ صلَّى فِيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ثَمَّ عَنْ يَمِينكَ حِينَ تَقُومُ في الْمَسْجدِ تُصَلِّي، وَذَلِكَ الْمَسْجدُ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ الْيُمْنَى، وَأنتَ ذَاهِب إِلَى مَكَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الأكبَرِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. (المنذر) بإعجام الذَّال. (الحزامي) بكسر المُهمَلة وبالزَّاي. (الحُليفة) بضَمِّ المُهمَلة: المِيْقات المَشهور. (يقول) ذكَره بالمُضارع؛ لأن عُمَرهُ متعددةٌ بخلاف قوله: (وفي حجَّتِه حين حَجَّ) لأنَّ ذلك مرَّةً واحدةً. (سَمُرة) واحد السَّمُر بفتح السِّين وضَمِّ الميم: شجَرُ الطَّلْح، كِبَارٌ لها شوك. (كان) صفةٌ لغَزْوٍ، وفي بعضها: (غَزْوَةٍ) بالتَّاء، فتذكير الضمير باعتبار تأويلها بسَفَر، أو راجعٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها: (وكاَنَ)، فالجُملة حاليَّةٌ، وإنَّما لم تُؤخَّر (كان) عن الحجِّ والعُمرة: لأنَّهما لم يَكوناَ إلا مِنْ تلك. (البطحاء) مَسِيْلٌ واسعٌ فيه دِقَاق الحصَا، وكذا الأَبْطَح. (شفير الوادي) بفتح المُعجَمَة، أي: حَرْفه وطَرَفه.

(الشرقية) صفة البَطْحاء. (فعرس) هو نُزول المُسافِر آخر اللَّيل يَقَعون فيه وَقْعةَ الاستِراحة، ثم يرتَحلون. (يقول: ثم) بفتح المُثلَّثة، أي: هناك. (عن يمينك)، قال (ع): كذا في جميع النُّسَخ، وهو تصحيفٌ، وصوابه: (بعَواسِج عن يَمينكَ)، فصُحِّف بقوله: (يقول: ثم). قلتُ: ونحو ذلك قولُه في "المَطالع": وقال الحُمَيْديُّ: إنَّ أصلَه: (ينزل ثم)، فصَحَّفه بـ: (يقول: ثم)، والإِشكالُ باقٍ، والأَوَّل أَبْيَنُ، انتهى. (يصبح) تامَّة، أي: يدخلُ في الصَّباحِ. (أكمَة) بفتح الكاف والهمزة والميم: واحدُ آكَام بالفتح، وجمعه إِكَامٌ كجِبَال، وجمعُه أُكُم ككُتُب، وجمعُه آكَام كأَعْنَاق، وهو من الغَرائِب. (الخليج) بفتح الخاء المُعجَمَة وكسْر اللَّام: النَّهْر. (كُثُب) بكافٍ ومثلَّثةٍ مضمومتَين: جمعُ كَثيْب، وهي تِلال الرَّمْل. (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هو مُرسَلٌ من نافِع. (فدحا) هو فعلٌ ماضٍ من الدَّحْو، وهو البَسْط أو الدَّفعْ، وفي بعضها: (قَدْ جَاءَ) بلفظ: (قد فَعَلَ) من المَجيء، وهو مَقول نافعٍ. (حيث) بمُثلَّثةٍ، وفي بعضها: (جُنُب) بجيمٍ فنونٍ فمُوحَّدةٍ.

(المَسجد) على رواية الحاء بالرَّفْع؛ إِذْ لا تُضاف (حيث) إلا إلى جُملةٍ، والتَّقدير: حيثُ هو المَسجِد، وأما على نُسخةِ الجيم فمَجرورٌ بالإضافة. (ثم) خبَرُ مبتدأ محذوفٌ، أي: المَكان المَوصوف ثَمَّةَ. (حافة) بتَخفيف الفاء، أي: جانب. * * * 486 - وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كانَ يُصَلِّي إِلَى الْعِرْقِ الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءَ، وَذَلِكَ الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفهِ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ، دُونَ الْمَسْجدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدِ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجدٌ، فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللهِ يصلِّي في ذَلِكَ الْمَسْجدِ، كانَ يتركُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَوَرَاءَهُ، ويصلي أَمَامَهُ إِلَى الْعِرْقِ نَفْسِهِ، وَكانَ عَبْدُ اللهِ يَرُوحُ مِنَ الرَّوْحَاءَ، فَلاَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ، وإِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْح بِسَاعَةٍ أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ. (العرق) بكسر المُهمَلة وسُكون الرَّاء: جُبَيلٌ صغيرٌ، ويُقال: الأَرض المَالِحة التي لا تُنْبِت. (المنصرف) بفتح الرَّاء. (ووراءه) بالجرِّ عطفًا على يَساره، وبالنَّصْب بتقديرِ (في) ظَرفًا. (أمامه)؛ أي: قُدَّامَ المَسجِد.

(السحر): ما بين الفَجْر الكاذِب والصَّادق. (أو من آخر السحر)، أي: فيكون أقلَّ من ساعةٍ، حتَّى يُغاير الذي قبلَه، أو أُريد الإبهام ليَتناولَ قَدْر السَّاعة وأَقلَّ وأكثَر. * * * 487 - وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ الرُّويثَةِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، وَوِجَاهَ الطَّرِيقِ في مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ، حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ أكمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّويثَةِ بِمِيلَيْنِ، وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلاَهَا، فَانْثنى في جَوْفهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ، وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ. (سَرْحة) بفتح المُهمَلة وسكون الرَّاء وبالمُهمَلة: واحدُ السَّرَح، وهو شجَرٌ عِظامٌ. (دون)؛ أي: تَحتَ، أو قَريبَ. (الرُوَيْثة) بضَمِّ الرَّاء وفتح الواو وسُكون التَّحتانيَّة وبالمُثلَّثة: اسم مَوضِع، وفي بعضها: (الرَّقشة) بفتح الرَّاء وسكون القاف وإعجام الشِّين. (وُجاه) بضَمِّ الواو وكَسْرها، أي: مُقابِل، عطفٌ على اليمين، وفي بعضها بالنَّصْب على الظَّرفيَّة. (بطح) بكسر الطَّاء وسكونها؛ أي: وَاسِعٍ.

(يفضي)، أي: يُخرج من أَفْضَى، خرَج إلى الفَضاء، أو بمعنى يَدْفَع كالإِفاضة من عَرَفات، أو الوُصول، والضَّمير في (يُفضي) عائدٌ للرَّسول، أو المَكان، وفي بعضها بتاءِ الخِطَاب. (دوين) تَصغيرُ دُوْن ضِدِّ فَوْق، ويُقال: هو دُون ذلك، أي: أَقْرَبُ منه. (البريد)؛ أي: مَوضع البَريد الذي هو المرتَّب، قيل: وسُمِّي البَريد بَريدًا؛ لأنَّه يسير في البَريد، ويحتمل أنَّ المُراد بالبريد: الطَّريق. * * * 488 - وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى في طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءَ الْعَرْجِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَسْجدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلاَثةٌ، عَلَى الْقُبُورِ رَضْمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ سَلِمَاتِ الطَّرِيقِ، بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَرُوحُ مِنَ الْعَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالْهَاجِرَةِ، فَيُصَلِّي الظُّهْرَ في ذَلِكَ الْمَسْجدِ. (تَلْعة) بفتح المُثنَّاة فوقُ، وسكون اللَّام والمُهمَلة: ما ارتَفَع من الأَرض وما انْهَبَط، فهو من الأَضداد، وقيل: التِّلاع مَجاري أَعلا الأَرض إلى بُطون الأَودِيَة. (العَرْج) بفتح المُهمَلة، وسكون الرَّاء، وبالجيم: مَنْزِلٌ بطَريق مكَّة، وفي بعضها بفتح الرَّاء.

(هضبة) هي الجبَل المُنبَسِط على وجْه الأرض. قال التيمي: هو فَوق الكَثِيْب ودُون الجبَل. (رَضْم) بفتح الرَّاء وسكون المُعجَمَة: صُخورٌ عِظَامٌ يُرضَم بعضُها فَوق بعضٍ في الأبْنية. (السلمات) بفتح المُهمَلة واللَّام: واحدُ سلَمَة، شجَرةٌ يُدبَغ بوَرَقها الأَديم، ورُوي بكسر اللَّام والفتح للشَّجَرة، والكسر للصَّخْرة. (بين أولئك) وفي بعضها: (مِنْ أُولئِكَ)، وهو في النُّسخة الأُولى ظاهرُ التَّعلُّق بما قبلَه، وفي الثَّانية بما بعدَه. (الهاجرة) نِصْف النَّهار عند اشتِداد الحَرِّ. * * * 489 - وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، في مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى، ذَلِكَ الْمَسِيلُ لاَصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ، هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ وَهْيَ أَطْوَلُهُنَّ. (سرحات) بفتح الرَّاء. (هرْشا) بفتح الهاء، وسكون الرَّاء، وإعجام الشِّين، وبالقصر: ثَنِيَّةٌ معروفةٌ في طَريق مكَّة قريبًا من الجُحْفَة يُرى منها البَحْر.

(كراعها) ما يُقَدُّ منها دُون سَفْحها. (غلْوة) بفتح المُعجَمَة وسُكون اللَّام: غَايَةُ ما يَصِلُ إليه رَمْيةُ سَهْمٍ ثُلُثا مِيْلٍ، وقيل: مئة بَاعٍ. * * * 490 - وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْزِلُ في الْمَسِيلِ الَّذِي في أَدْنَى مَرِّ الظَّهْرَانِ، قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ يَنْزِلُ في بَطْنِ ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلَّا رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ. (مَرّ) بفتح الميم وشَدَّة الرَّاء: قريةٌ ذاتُ نَخْلٍ وثمارٍ، (الظُّهران) اسمٌ للوادي، بظاءٍ معجمة مفتوحةٍ، وهاءٍ ساكنةٍ، على أَميال من مكَّة إلى جِهَةِ المَدينة، وهو: بَطْنُ مَرٍّ، والعامة تقول: بَطْن مَرْوٍ. (قِبَل) بكسر القاف، أي: مُقابِل. (الصَّفراوات)؛ أي: الأَودية والجِبَال، وفي بعضها: (وَادي الصَفْراوات). (تنزل) بتاءِ الخِطَاب. (ذي طُوى) بالضَّمِّ: موضعٌ بمكَّة، قاله الجَوْهَري، وأما طِوَى فموضع بالشَّام، تُكسر طاؤه وتُضَمُّ، يُصرف ولا يُصرف، وجوَّز (ن)

ذلك كلَّه في الأُولى، قال: وهو موضعٌ بمكَّة بأسفلها. (أسفل) بالرَّفْع خبرُ مبتدأ محذوفٌ، وبالنَّصْب، أي: في أسفل. * * * 492 - وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبةِ، فَجَعَلَ الْمَسْجدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الأكمَةِ، وَمُصَلَّى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأكَمَةِ السَّوْداءَ، تَدَعُ مِنَ الأكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ. (فُرْضتي) بضَمِّ الفاء، وسكون الرَّاء، وبإعجام الضَّاد، والفُرْضة: المُقتَطَع، وفُرضَة النَّهر: ثَلْمَتُه التي يُستقَى فيها. (نحو)؛ أي: ناحيةَ، تعلَّق بالطَّويل، أو ظَرْفٌ للجبَل، أو بدلٌ من الفُرضة. (فجعل) الظَّاهر أنَّه من كلام نافِع، وفاعله عبد الله. (ويسار) مفعولٌ ثانٍ لـ (جعَلَ). (بطرف) صفةٌ للمَسجد الثَّاني. واعلم أَنَّ قوله في الأَوَّل: (أَنَّ عبدَ اللهِ أَخْبَرَهُ)، وفي السَّبْعة البواقي: (حَدَّثَه) على قول من فَرَّق بأَنْ أخبَر في القِراءة على الشَّيخ، وحدَّث في قراءة الشَّيخ واضحٌ، لكنَّ الظَّاهر أنَّهما هنا بمعنًى.

قال (ط): إنَّما كان ابن عمر يُصلِّي في هذه المواضع للتَّبرُّك، فلم يَزَل النَّاس يتبرَّكون بمواضع الصَّالحين، وأما ما رُوي من كراهة عمر لذلك، فلأنَّه خَشِيَ أن يلتزمَ النَاس الصَّلاة فيه، فيُشكلَ على مَن يأتي بعدهم، فيَراه واجبًا، فيَنبغي للعالِم إذا رآهم التزَموا نَفْلًا رخَّص لهم في تَركه مرَّةً ليُعلم أنَّه غير واجبٍ كما فعَلَ ابن عبَّاس في تَرْك الأُضحية. * * *

أبواب سترة المصلي

أبواب سترة المصلّي

90 - باب سترة الإمام ستره من خلفه

أبواب سترة المصلّي 90 - بابٌ سُترَةُ الإِمَامِ سُتْرَهُ مَنْ خَلْفَهُ (باب سُتْرة الإِمام سُترةُ مَن خَلْفَه) (السُّترة) بالضَّمِّ اسمٌ لمَا يُستَر به، والمُراد به هنا ما يُوضَع بين يدَيه من سجَّادةٍ أو عصا أو غيرِه مما سيَأتي، وحِكْمتُها: كَفُّ النَّظَر عمَّا وراءَها، ومنع المُجتاز لئلَّا يتَفرَّق خاطِرُ المُصلِّي. 493 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أتانٍ، وَأَناَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ناَهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غيرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ في الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أحدٌ. الحديث الأَوَّل: (ناهزت)؛ أي: قارَبتُ، وسبَقَتْ مباحثُ الحديث في (باب متى

يَصحُّ سَماع الصَّغير) في (كتاب العلم). ووجه دلالته على أَنَّ للإمام سُترةً: أنَّ قَولَه: (إلى غَيْرِ جِدَارٍ) يُشعِر بأَنَّ ثَمَّ سُترةٌ؛ إذ التَّقدير: إلى شيءٍ غير جِدارٍ، أو أن ذلك معلومٌ من حالهِ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 494 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ في السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ. الثَّاني: (إسحاق)؛ أي: ابن منصور، وإنْ قال الغَسَّاني: إن البُخاري قال في (كتاب الصَّلاة): ثنا إسحاق، ولم أَجِدْه منسوبًا لأحدٍ من الرُّواة. (أمر)؛ أي: خادِمَه. (والنَّاس) عطفٌ على فاعل (يُصلِّي). (وراءه) نصبٌ على الظَّرفيَّة. (ذلك)؛ أي: وضعُ الحَرْبة، والصَّلاة إليها؛ أي: لم يكنْ مختصًّا بيوم العِيْد.

وفيه: الاحتياطُ وأخْذُ آلة دفع الأعداء لا سِيَّما في السَّفَر، والاستخدامُ، وأمرُ الخادم. * * * 495 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ -وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ- الظُّهْرَ ركعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ ركعَتَيْنِ، تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأة وَالْحِمَارُ. الثَّالث: (العَنَزة) بفتح العين والنُّون: كنِصْفِ رُمْحٍ، لكنْ سِنانُها أَسفلُها بخلاف الرُّمح، فإنَّه في أعلاه. (الظُّهر) مفعول (صلَّى). (ركعتين) حالٌ، أو بدَلٌ. ووجه دلالة الأَحاديث على أنَّ سُتْرة الإِمام سُترةٌ للمأموم: أنَّه لم يُنقل لأحدٍ من المأمومين وجودُ سُترةٍ، والدَّواعي متوفرةٌ على نقل مثل ذلك، أي: أن يُصلِّي بالنَّاس دليلٌ على أنَّه سترتُهم؛ إذ الباء للمُصاحبة، وكذا قوله: (للنَّاسِ ورَاءَهُ) يقتضي ذلك؛ إذ لو كان لهم سُترةٌ لم يكونوا وراءَه بل وراءَ السُّترة، وكذا: (وبَينَ يدَيهِ عَنَزَةٌ) مفيدٌ للحَصْر، أي: هو دونَهم. وفيه: أنَّ السُّترة مندوبٌ إليها.

91 - باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة

قال (ط): هي سُترةُ لمن خلْفَه بالإجماع، وفيه إجازةُ التَّحمُّل صغيرًا والتَّأدية كبيرًا. * * * 91 - بابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُصلِّي وَالسُّتْرَةِ (باب قَدْر كم يَكون بين السُّتْرة والمُصلِّي) (كم) وإِنْ كان لها الصَّدر استفهاميَّةً أو خبريَّةً، لكن يتقدَّمها المُضاف؛ لأنَّه مع المُضاف إليه كلمةٌ واحدةٌ، ومميِّزها محذوفٌ، أي: كم ذِراعٍ، أو نحو ذلك. 496 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ الْجدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ. الحديث الأَوَّل: (زُرَارَة) بضَمِّ الزَّاي وبراءٍ مكرَّرةٍ. (أبو حازم) سلَمة بن دِيْنَار. (مصلى) مَوضعُ قدَمَيهِ لا مَوضعُ السُّجود. ووجه مطابقة التَّرجَمة بالمُصلِّي -بالكسر-: أنَّه بالفتح لازمٌ له. (ممر) قال (ك): نُصِبَ على أنَّه خبرُ (كان)، والاسم نحو قَدْر

المَسافة والمَمَرِّ، والسِّيَاق يدلُّ عليه، وفي بعضها بالرَّفْع. قلتُ: هو الوجه، والأَوَّل يحتاج لثبوت الرِّواية، حتَّى يحتاج للتَّأويل. * * * 497 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا. الحديث الثَّاني: وهو ثاني ثلاثيَّات البُخاري، وقد سبَق الأَوَّل في (باب إثم من كذَب على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -). (عند) تتمَّةُ اسم (كان)، أي: الجِدَار الذي عنده، والخبر جملةُ: (ما كادتِ الشَّاةُ أَنْ تَجُوزَها)، واقتِران خبَر (كاد) بـ (أَنْ) جاءَ على القليل، كما حُذِف قليلًا من عسَى، فكأنَّهما تَقَارَضَا، والضَّمير في (تَجوزُها) للمَسافة التي دلَّ عليها السِّيَاق، وهي ما بين الجِدار والنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ما بين الجِدَار والمِنْبَر، وعلى الثَّاني يُطابق التَّرجَمة؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يَقُوم بجَنْب المِنْبَر، ويحتمل أنَّ (عند) هو خبرُ (كان)، أمَّا دلالة (ما كادَ) فهو هنا لإِثبات جَواز الشَّاة، وإنِ اقتضَت قواعدُ النَّحو أَنْ يكون نفيًا؛ لأنَّه كسائر الأفعال على الأَصحِّ. قال الشَّافعي، وأحمد: أقلُّ ما يكون بين المُصلِّي وسترته ثلاثةُ أَذرُع، ولم يَحُدَّ مالك فيه حدًّا. * * *

92 - باب الصلاة إلى الحربة

92 - بابُ الصَّلاَةِ إِلَى الْحَرْبَةِ (باب الصَّلاة إلى الحَرْبة) 498 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ: أَخْبَرَنِي ناَفِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. (يركز) أي: يُغرَز في الأرض، ومعنى الحديث يُعلم مما مضَى، ومما يأتي. * * * 93 - بابُ الصَّلاَةِ إِلَى الْعَنَزَةِ (باب الصَّلاة إلى العَنَزة) 499 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أبي قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فتَوَضَّأَ، فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَالْمَرْأةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا. الحديث الأَوَّل: (المرأة والحمار يمرون) الوجه: يَمُرَّان.

قال ابن مالكٍ: أعادَ ضمير الذُّكور العُقلاء على مؤنَّثٍ ومذكَّرٍ غير عاقل، فالوجْهُ: أنَّه أراد المَرأة والحِمَار وراكبَه، فحذَف الرَّاكب لدلالة الحمار عليه مع نِسْبة مرورٍ مستقيم إليه، ثم غلَّب تَذكير الرَّاكب المَفهوم على تأنيث المرأة، وذا العَقل على الحِمَار، فقال: (يَمُرُّون) ونحوه في الخبر عن مذكورٍ ومعطوفٍ محذوفٍ: (راكب البعير طليحان)، أي: البعير وراكبه طليحان، وسبَق بيان باقي الحديث في (باب استِعمال فضل وضوء النَّاس). * * * 500 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَناَ وَغُلاَم وَمَعَنَا عُكَّازَةٌ أَوْ عَصًا أَوْ عَنَزَةٌ وَمَعَنَا إِداوَاةٌ، فَإذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ ناَوَلْنَاهُ الإداوَةَ. الثَّاني: (بزِيع) بمُوحَّدةٍ مفتوحةٍ، وزاي مكسورةٍ، وبمُثنَّاةٍ تحتُ، وعين مُهمَلة. (عُكازة) بضَمِّ المُهمَلة وتشديد الكاف: عصا ذاتُ زُجٍّ. (عنزة) سبَق أنَّها أَطولُ من العصَا وأقصَر من الرُّمح، وفي بعضها بدل ذلك: (غيره)، أي: سِواه.

94 - باب السترة بمكة وغيرها

قال (ط): فيه الاستنجاءُ بالماء، وخِدْمةُ السُّلطان والعالم، وأنَّ السُّترة غِلَظُ الرُّمح. قال مالك: أقلُّ ما تكون. قال: وارتفاعُها قَدْر ذِراع، وقال أبو حنيفة: أقلُّها قَدْر مُؤَخِّرَة الرَّحْل، وارتفاعُها ذراعٌ، ولا يُجيز الخَطَّ في الأرض غيرُ الشَّافعي. قال (ك): نُدِبَ شاخصٌ، ثم مُصلَّى، أو خَطًّا. قلتُ: ورَدَ في "أبي داود" بيانُ ما قال به الشَّافعي. * * * 94 - بابُ السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا (باب السُّتْرة بمكَّة وغيرِها) 501 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْهَاجِرَةِ فَصَلَّى بِالْبَطْحَاءَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ركعَتَيْنِ، وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً، وَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يتمَسَّحُونَ بِوَضُوئهِ. (الحَكَم) بفتح الكاف، أي: ابن عُتَيبة -بالمُثنَّاة فوقُ، مُصغَّرًا-. (بالبطحاء) أي: بَطْحاء مكَّة. (ركعتين) تتعلَّق بكل من الظُّهر والعَصْر، ومرَّ تقريره في (باب:

95 - باب الصلاة إلى الأسطوانة

استِعمال فضْل الوضوء) إلا أنَّه أَخَّر هنا قوله: (وتَوَضَّأَ)، بعد أن قال: (فصَلَّى)؛ لأَنَّ الواو لا تَرتيبَ فيها، فالسُّترة لدَرْء المَارِّين بين يديه مستحبٌّ بمكَّة وغيرها. * * * 95 - بابُ الصَّلاَةِ إلَى الأُسْطوَانَةِ وَقَالَ عُمَرُ: الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا. وَرَأَى عُمَرُ رَجُلًا يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانتَيْنِ فَأَدْناَهُ إِلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا. (باب الصَّلاة إلى الأُسطُوانة)، هي العمود، وسبق قريبًا بيانها. (السواري) جمع سَارِية، وهو الأُسطُوانة. (المتحدثين) المُتكلِّمين. (فأدناه) قَرَّبَه. * * * 502 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: كنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمِ! أَرَاكَ تتحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ؟ قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَهَا.

الحديث الأَوَّل، وهو ثالثُ ثُلاثيَّات البُخاري: (آتي) أَجِيءُ. (عند المصحف)؛ أي: الذي كان في مسجده - صلى الله عليه وسلم - من عَهْد عُثمان. (أراك)؛ أي: أُبصِرُك. (يتحرى)؛ أي: يَجتهد ويَختار. قال (ط): الأُسطُوانة أَولى بأن تكون سُتْرةً من العَنَزة ليُقاس عليها. وفيه: أنَّه ينبغي أن تكون الأُسطُوانة أمامَه، ولا تكونَ إلى جَنْبه لئَلَّا يتخلَّل الصُّفوف شيءٌ، ولا يكون له سُترة. * * * 503 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ كبَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ. وَزَادَ شُعْبةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَنسٍ: حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. الثَّاني: (قَبِيْصَة) بفتح القاف، وكسر المُوحَّدة. (عند المغرب)؛ أي: صلاة المَغرب.

96 - باب الصلاة بين السواري في غير جماعة

(وزاد) وصَلَ هذا التَّعليق في (باب كم بين الأَذان والإِقامة). * * * 96 - بابُ الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَاري في غَيْرِ جَمَاعة (باب الصَّلاة بينَ السَّواري) 504 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَبِلاَلٌ، فَأَطَالَ ثُمَّ خَرَجَ، كُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ عَلَى أثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلًا: أَيْنَ صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودينِ الْمُقَدَّمَيْنِ. الحديث الأَوَّل: (البيت) اللَّام للعَهْد، أي: الكَعْبة، أو أنَّه صار [علَمًا] بالعُرف عليها. (وأُسامة) لأنَّه خادمُه - صلى الله عليه وسلم -، (وعُثمان) لأنه صاحب مِفْتاح الكعبة، (وبلال) لأنَّه مُؤذنه. (فأطال)؛ أي: المكْثَ فيها. (دخل) جملةٌ حاليَّةٌ. (أثره) بفتح الهمزة والمُثلَّثة، أو بكَسر الهمزة وسكون المُثلَّثة. * * *

505 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفعٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة وأسامةُ بْنُ زيدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا، فَسَأَلْتُ بِلاَلًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنع النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِه، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينهِ، وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى. وَقَالَ لَنَا إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ وَقَالَ: عَمُودينِ عَنْ يَمِينهِ. الثَّاني: (أُسامة) بالنَّصْب عطْفًا على اسم (أَنَّ)، أو بالرَّفعْ عطْفًا على فاعل (دخَلَ). (الحَجَبيُّ) بفتح المُهمَلةِ والجيمِ، وبالمُوحَّدة. (فأغلقها)؛ أي: عُثمان. (عمودًا عن يمينه)؛ أي: الجِنْس، وإلا فلا بُدَّ إذا كانوا ثلاثةً أن يكون اثنانِ في ناحيتهِ، وقد بيَّنَ ذلك في رواية مالك: أَنَّ عَمودَين عن يَمينه، اللهم إلا أن يُقال: إنَّ العُمُد الثَّلاثة المُقدَّمة لم تكُن على سَمْتٍ، بل اثنان مُسامِتان والآخَر عن سَمْتها, ولفظ: (المُقدَّمَين) في الحديث السَّابق مُشعرٌ به، أو كانت الثَّلاثة على سَمْتٍ، ولكنْ قام النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عند الوَسْطانيِّ، لكنَّ الأَوَّل أَوْجَهُ. (يومئذ)؛ أي: ثم تَغيَّر بعد ذلك وَضْعُها في فِتْنة ابن الزُّبَيْر.

97 - باب

(على ستة) في بعضه بسُقوطِ (على)، لكنْ بتقديرها، فنصبُه بنَزْع الخافِض. (وقال إسماعيل)؛ أي: ابن أبي أُوَيْس، وهذه الصِّيغة دون (حدَّثنا) كما سبق. * * * 97 - بابٌ (بابٌ) 506 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو ضَمْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ ناَفِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ، صَلَّى يتوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلاَلٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِيهِ، قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِنَا بَأسٌ إِنْ صَلَّى في أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ. (ضمرة) بالإعجام. (قِبَل)؛ أي: مُقابِلَ. (قريب) اسم (يكون)، وفي بعضها: (قَرِيْبًا)، على أنَّه خبَرُها، والاسم محذوفٌ، أي: القَدْر، أو المَكان. (ثلاثة أذرع) في بعضها: (ثَلاثِ)، تَشبيهًا له بذراع اليد، فإنَّه يُذكَّر ويُؤنَّث.

98 - باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل

(صلى) جملةٌ استئنافيَّةٌ. (يتوخى)؛ أي: يَتحرَّى، ويَقصِد، وإنَّما فصَل هذا الحديث عمَّا قبلَه بـ (باب)؛ لأنَّه ليس صريحًا في الصَّلاة بين الأُسطُوانتين، لكنْ هو المراد بدليل باقي الأحاديث، أو أنَّ كونَه مُقابِلًا للباب قريبًا من الجدار يَستلزم أَنْ يكون بين الأُسطُوانتين. (قال)؛ أي: ابن عمر. (إن صلى) بكسر الهمزة، وفتحها. * * * 98 - بابُ الصَّلاَةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ وَاَلشَّجَرِ وَالرَّحْلِ (باب الصَّلاةِ إلى الرَّاحلَة)، هي النَّاقة تصلحُ لأَنْ تُرحل، وقيل: المَركَب من الإبل ذكَرًا كان أو أُنثى. (والبعير) هو من الإبل كإنسانٍ من النَّاس، ولا يُقال له بعيرٌ حتَّى يَجذَع، أي: يدخُل في الخامسة. (والرحل) بفتح الرَّاء للبعير، وهو أصغَر من القَتَب. 507 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، قُلْتُ: أفرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ

يَأخُذُ هَذَا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرتهِ -أَوْ قَالَ: مُؤَخَّرِهِ-، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَفْعَلُهُ. (يعرِّض) بالتَّشديد هو جعْل الشَّيء عَرْضًا. قلتُ: هو من قول نافِع. (أفرأيت) العطْف على مُقدَّرٍ بعد الهمْزة على طريقةٍ يُكرِّرها (ك) كثيرًا، أي: أفَرأَيتَ في تلك الحالة، فرَأيتَ في هذه الحالة، والمُراد: أَخبِرْني عن ذلك. (هبت)؛ أي: هاجَتْ وتَحرَّكتْ، وهبَّ البعير: نشِطَ، ومنه هُبوب الرِّيح، أي: اشتدادها. (الرِّكاب) بكسر الرَّاء، أي: الإبِل التي يُسار عليها, لا واحدَ لها من لَفْظها، بل واحدُها راحِلةٌ، وجمعه: رُكُبٌ كَكُتُب. (فيعدله) من التَّعديل، وهو تَقويم الشَّيء، يُقال: عدَّلتُه فاعتَدلَ، أي: أقمتُه فاستقام، أي: يُقيمُه تِلقاء وجهه. (مؤخرة) بلفظ الفاعل من الإِيخار، وهي آخِرَةُ الرَّحل التي يَستند إليها الرَّاكب، وفي بعضها بتَشديد الخاء مفتوحةً: نَقيضُ المُقدَّم، وزاد (ن) ثالثةً: وهي فتح الخاء في هذه وسُكون الهمْز. (كان) هو من مَقول نافع أيضًا. (آخِرته) بهمزةٍ مَمدودةٍ، وكسر الخاء.

99 - باب الصلاة إلى السرير

(يفعله)؛ أي: المَذكور من التَّعديل والتَّعريض. ووجه مُطابقته لمَا في التَّرجَمة من البعير والشَّجَر: القياسُ على الرَّاحلة. قال (خ): يُريد أنَّ الإبِلَ إذا هاجَتْ لم تقَرَّ على مكانٍ فتُفسِد على المُصلِّي إليها صلاتَه. * * * 99 - بابُ الصَّلاَةِ إِلَى السَّرِيرِ (باب الصَّلاة إلى السَّرِيْر)، في بعضها: (على السَّرِيْرِ). 508 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعَدَلتمُوناَ بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ، فَيَجيءُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيتوَسَّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّي، فَأكرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي. (أعدلتمونا) بهمزةِ الإِنكار، أي: لم عدَلْتُمونا، وقالت ذلك حين قالوا: "يَقطَعُ الصَّلاة الكلْبُ والحِمَار، والمَرأة". (رأيتني) بتاء المُتَكلِّم، وكون الفاعل هو مدلولُ الفِعل من خصائص أَفعال القُلوب.

100 - باب يرد المصلي من مر بين يديه

(أسنحه) بهمزة مفتوحةٍ، وبمُهمَلةٍ ساكنةٍ، ونونٍ قبل الحاء المُهمَلة: رُوي فيها الكسر والفتح، وهو المَعروف لغةً كذَبَح يَذْبَح، أي: اعترضَه، مِنْ سنَح الشَّيءُ عرَضَ، ومنه سَوانِح الظِّباء، أي: تَعتَرِض للمُسافرين تَجيءُ عن ميَاسِرهم إلى مَيامنهم، وأصلُه السَّانِح من الطَّير في الغابة، وضِدُّه النَّازِح، أي: الذَّاهِب، أي: أَكرَهُ أن أستقبلَه ببَدَني في صلاته. قال (ط): معنى أسنَحُه: أَظهَرُ له، وهذا قول مَن قال: إِنَّ المَرأة لا تَقطع الصَّلاة؛ لأن انسِلالَها من لِحَافها كالمُرور بين يديه. (فأنسل) عطفٌ على (أَكرَه)، أي: أَخْرجُ بخُفْيةٍ. (رجلي) مُثَنًّى، أُضيف للسَّرير، لكن الصَّلاة على السَّرير ليست إلى السَّرير، فوجْه دلالته على التَّرجَمة بذلك أنَّ (إلى) فيها بمعنى (على). * * * 100 - بابٌ يَرُدُّ الْمُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ في التَّشَهُّدِ وَفِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ: إِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ فَقَاتِلْهُ. (باب: يَرُدُّ المُصلِّي مَنْ مَرَّ بين يدَيهِ) (وفي الكعبة) إما عطفٌ على مِقدار، أي: في غير الكَعْبة، وفي

الكَعْبة، وإما على: (في التَّشَهُّدِ)؛ أي: يجمع بين الأَمرَين، فلا حاجةَ لمُقدَّرٍ، وفي بعضها: (الرَّكْعة) بدل (الكعبة). (أن)؛ أي: المَارُّ. (يقاتله)؛ أي: المُصلِّي. (قاتَله)؛ أي: بفتح التَّاء، جواب الشَّرْط بفعلٍ ماضٍ، وفي بعضها بصيغة الأَمْر، لكنْ كونه بلا فاءٍ في جواب الشَّرط يُقدَّر له مبتدأٌ حتَّى تصير جُملةً اسميَّةً، فحذف الفاء فيها قليل، فتصير: أنت قاتَلتَه، كما في: من يَفعَلِ الحسَناتِ اللهُ يَشكُرُها وفي بعضها: بالفاء فيَزول الإِشكال، وفي بعضها: (أنْ تُقاتِلَه، فقَاتِلْه) بتاء الخطاب فيهما. * * * 509 - حَدَّثَنَا أبو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَدَّثَنَا آدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ الْعَدَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو صَالح السَّمَّانُ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ في يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أبو سعيد في صَدْرِه، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ، فَدَفَعَهُ أبو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ

الأُولَى، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلاِبْنِ أَخِيكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإنْ أبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ". (يونس)؛ أي: ابن عُبَيد. (وحدثنا آدم) يُكتَب قبلَه حاءُ التَّحويل، فإنَّه إسنادٌ آخَر للحديث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنْ كان في الثَّاني زيادةُ حكايةٍ، والتَّفاوت بين الإسنادين أنَّ الأَوَّل فيه: عَنْ وأَنَّ، والثَّاني فيه: قالَ، ورأَيتُ. (مُعَيْط) بضَمِّ الميم، وفتح المُهمَلة، وسكون المُثنَّاة تحتُ، وطاءٍ مُهمَلةٍ. (مساغًا) بفتح الميم، وبالغين المُعجَمَة: مَفعَلٌ من السَّوْغ، أي: السُّهولة، من سَاغَ الطَّعام سَهُلَ تناولُه، أي: لم يَجد ما يُسهِّلُ له طَريقَه. (ونال منه)؛ أي: ذَمَّهُ، وقال (ك): أَصابَه فتأَلَّم من أبي سعيد. (مروان)؛ أي: ابن الحكَم. (ما لك؟) مبتدأٌ، أو خبرٌ. (ولابن) عطفٌ بإعادة الخافِض. (أخيك)؛ أي: أُخُوَّة الإيمان، وإنَّما لم يقل: أَخيْك، بل قال: ابن؛ لأنَّه شابٌّ.

(فليقاتله) بكسر لام الأمر، أو سُكونها، وهو للنَّدْب صرَفه القَرائنُ عن الوجوب، ومعنى المُقاتَلة هنا: الدَّفْع الشَّديد المُشبِه لدَفْع المُقاتل، فهو مبالغةٌ في كُرْهِ المُرور. قال (ط): أجمعوا على أنَّه لا يُقاتلُه بالسَّيف، ولا بما يُفسد صلاتَه؛ لأَنَّ ذلك أضرُّ من المُرور. قال (ع): فإنْ دفَعَه بما يَجوزُ فهلَك به فلا قَوَدَ باتفاقٍ، وفي الدِّية خِلافٌ، وعلَّة قول الهَدَر أنَّه تولَّدَ من مُباحٍ، وعلى وُجوبها قال (ط): قيل: علَيهِ، وقيل: على عاقِلَته. قال: واتفقوا على دَفْع المارِّ إذا صلَّى إلى سُترةٍ، فإنْ صلَّى لغير سُتْرةٍ فلا؛ لأنَّ المُرور مُباحٌ، فلا يُمنعَ إلا بما قام عليه الدَّليل. (فإنَّما هو شيطان)؛ أي: فعلُه فِعْلُ شيطانٍ، أو أنَّه شيطانٌ مُتمرِّدٌ ولو كان من الإِنْس، أو أنَّ معه شيطانًا هو الحاملُ له على فعله، والحَصْر مبالغةٌ في ذلك، ففيه أَنْ يُقال لمَن فَتَن شخصًا في دينه: شيطان، وأَنَّ الحُكم للمعاني لا للأسماء؛ لأنَّه يستحيل أَنْ يصيرَ المَارُّ شيطانًا لمُروره بين يدَيه. قال (ك): وفيه أَنَّ الدَّفْع إنَّما هو بالأَسهَل فالأَسهَل، وأَنَّ المُنازَعات لا بُدَّ فيها من الرَّفْع للحاكم، ولا يَنتقم الخصْمُ لنفسه، وأنَّ رواية العَدْل مقبولةٌ ولو أَنَّ الرَّاوي يَنتفِع بها. * * *

101 - باب إثم المار بين يدي المصلي

101 - بابُ إِثْمِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلِّي (باب إثم المارِّ) 510 - حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ بُسْرِ بِنَ سَعِيدٍ: أَنَّ زَيدَ بنَ خَالدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمِ يَسْأَلُهُ: مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي؟ فَقالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ"، قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لاَ أَدْرِي: أقالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً؟ (بُسْر) بضَمِّ الموحَّدة، وسكون المُهمَلة. (إلى أبي جهيم) اسمه: عبد الله، أَنصاريُّ، وهو راوي حديث التَّيمُّم أيضًا كما قاله الكَلابَاذِي، و (ن)، وقال ابن عبد البَرِّ: أنَّه غيرُه، نعم، هو غير أبي جَهْم المُكَبَّر المذكور في حديث الأَنبَجانيَّة؛ لأَنَّ اسم ذلك: عامرٌ العَدَويُّ. (ماذا عليه)، أي: من الإِثْم، ويُروى كذلك صَريحًا، والإبْهام للتَّفخيم؛ لأنَّه لا يقدر على حَصْره، والجملة سادَّةٌ مسَدَّ مفعولَي يَعلَم، فهي في محلِّ نصبٍ لمَا عُلِّق عن العمل لَفْظًا بالاستفهام، وجواب (لَو) في الحقيقة محذوفٌ، أي: لو يَعلم لَوقَفَ، ولو وقَفَ

102 - باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي

لكان خيرًا له، فاكتُفي بما تضمَّنه عنه. (خيرًا) نصبٌ على الخبَر، ويُرفع على أنَّه الاسم. (قال أبو النضر) إما من كلام مالكٍ، فيكون مُسنَدًا، وإما تعليقٌ، وفاعل (قال) ضميرُ (بُسْر)، أو (رسول الله) - صلى الله عليه وسلم -. أما خُصوص الأربعين، فقد يُقال فيه مع أَنَّ سِرَّ الأعداد خَفيٌّ، يحتمل أنَّ تطويرات الإنْسان كلَّ أربعين يومًا، أو كمالُ عَقْل الإنسان بأربعين سنةً، أو الأربعةُ بها تُركَّب الأَعداد كما سبَق تَقريرُه في (فضل الجماعة)، فلما أُريد التَّكثير جعل كلَّ واحدٍ بعشَرة. واعلم أن رواية بُسْرٍ تقتضي على الظَّاهر أنْ يكون من مُسند أبي جُهَيم، ويحتمل أنَّه من مسند زَيْد أيضًا، أي: وكان السُّؤال ليُوافِقَ ما عنده، خلافًا لما يُوهمه كلام (ك) في تَقرير الاحتمال. قال (ط): ورُوي: (كانَ أَنْ يُخسَفَ بهِ خَيْرٌ مِنْ ذَلكَ)، وفي الحديث: "أنَّه لا إِثْمَ إلَّا علَى مَنْ عَلِمَ". * * * 102 - بابُ اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيْرَهُ في صَلاَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَإِنَّمَا هَذَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ.

(باب استِقْبالِ الرَّجلِ صاحبَه أو غيرَه)، في بعضها: (الرَّجلِ وهُوَ يُصلِّي)، وفي بعضها: (الرَّجُلِ الرَّجلَ، وهُوَ) فيحتمل حينئذٍ عودَ الضَّمير للرَّجل الثَّاني، فيكون مواجهًا له، وإلى الأَوَّل فلا يَلزم التَّواجه. (يستقبل) بالبناء للمفعول. (اشتغل به)؛ أي: لأنَّه يكفيه عن الخُشوع وحُضور القَلْب. (بالَيت) يُقال: لا أُبالِيْهِ، أي: لا أَكْتَرِثُ. (إن) بالكسر؛ لأنَّه استئنافٌ يُفيد العلَّةَ، فلفَّق البُخاري بين كلام عُثمان وزَيْد؛ إذ كلاهما مُطلَقان. * * * 511 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ -يَعْنِي ابْنَ صُبَيْحٍ-، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأةُ، قَالَتْ: لَقَدْ جَعَلْتُمُوناَ كِلاَبًا، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُصَلِّي، وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَأَناَ مُضْطَحِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ، فتكُونُ لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلاَلًا. وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، نَحْوَهُ. (كلابًا)؛ أي: كالكلاب في حُكم قَطْع الصَّلاة. (رأيت): أَبصَرْتُ. (فأنسل)؛ أي: أَخرُجُ بخُفْيةٍ.

103 - باب الصلاة خلف النائم

ووجْه مُطابقة الحديث للتَّرجمة على نُسخة تكريرِ رَجُل: أَنَّ المَرأة كالرَّجل في أحكام الشَّرع سِوى ما خرَج بدليلٍ. (عن الأعمش) يحتمل التَّعليق، وكونَه من كلام ابن مُسْهِر. (نحوه) بالنَّصْب؛ أي: أخبَرنا ابن مُسْهِرٍ نَحوَ المَذكور، وهي لا تقتضي المُماثلة من كل وجهٍ، بل في أصْل المعنى المَقصود. قال (ط): قال طائفةٌ: يستر الرَّجلُ الرَّجل إذا صلَّى إلا أَنَّ أكثرَهم كَرِهَ أن يَستقبلَه بوجْهه، وقال نافعٌ: كان ابن عمر إذا لم يجد ساريةً قال لي: وَلِّنِي ظَهْرَكَ، وهو قول مالكٍ، وقال قَتادة: يستر إذا كان جالسًا، وقال الحسن: يستُر ولم يُقيِّد بقعودٍ ولا بتوليةِ ظَهرٍ، وجوَّز الكوفيُّون الصَّلاة خَلْف المُتحدِّثِيْن، وحُجَّة مَن أجاز: اعتِراضُ عائشة، والرَّجل أَولى من المرأة بذلك، ومن مَنَعَ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مأمونٌ فيه أن يَشغلَه النَّظَر عن صلاته، وغيرُه ليس كذلك. * * * 103 - بابُ الصَّلاَةِ خَلْفَ النَّائِمِ (باب الصَّلاة خَلْفَ النَّائِم) بالهمز. 512 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأَناَ رَاقِدَةٌ

104 - باب التطوع خلف المرأة

مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. (كان) يُشعِر بالتَّكرار. (يوتر)؛ أي: يُصلِّي الوِتْر. (فأوترت) بتاءِ المُتَكلِّم. ومُراده بالتَّرجَمة (¬1): أنَّه إذا جازَ خلْف [غير] النَّائم فالنَّائم أَولى، أو أَنَّ المُراد بالشَّخص النَّائم أعمُّ من الذَّكَر والأُنثى، وكَرِهها بعضُهم خوفَ ما يحدث من النَّائم، فيشغلُ المُصلِّي، أو يُضحكُه، فتَفسدُ صلاتُه. وفي الحديث: نَدْبُ إيقاظ النَّائم للطَّاعة، وأنَّ الوِتْر يكون بعد النَّوم. * * * 104 - بابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ الْمَرْأَةِ (باب التَّطوُّعِ خلْفَ المَرَأَة) 513 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ¬

_ (¬1) في الأصل: "التوجه"، والمثبت من هامش الأصل.

105 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَناَمُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرِجْلاَيَ في قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. (سجد)؛ أي: أَراد السُّجود، ووجْهُ مطابقته للتَّطوُّع في التَّرجَمة: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - إنَّما كان يُصلِّي الفَرْض في المَسجِد بالجماعة، وكذا لفظ: (خلْف) في التَّرجَمة لا يتقيَّد بالظُّهر، ولو تقيَّد فلا يُظَنُّ بعائشة إلا أنَّها تنام مستقبلةَ القِبْلة، فيكون ظهرُها للمُصلِّي، وسبَق مباحث الحديث في (باب الصَّلاة على الفِراش). * * * 105 - بابُ مَنْ قَالَ: لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ (باب مَنْ قال: لا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيءٌ) 514 - حَدَّثَنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبِي، قَالَ: حَدَّثنا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثنا إِبراهيمُ، عَن الأَسودِ، عَن عَائِشَةَ. قَالَ الأَعْمَشُ: وحَدَّثَنِي مُسلمٌ، عَن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ: الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأةُ، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُوناَ بِالْحُمُرِ وَالْكِلاَبِ، وَاللهِ! لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ -بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ- مُضْطَجعَةً فتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكرَهُ أَنْ

أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ. الحديث الأَوَّل: (قال الأعمش) يحتمل أنَّه تعليقٌ، أو أنَّه داخلٌ تحت الإسناد الأَوَّل، ولهذا في بعض النُّسَخ قبله: (ح) للتَّحويل. (ما يقطع) موصولٌ مبتدأٌ خبرُه (الكلب)، والجُملة مفعولُ ما لم يُسمَّ فاعلُه، أو (ما) هو النَّائب، و (الكلبُ) بدلُه. (على السرير) هو وما بعدَه ثلاثةُ أخبارٍ، أو خبَران وحالٌ، أو حالانِ وخبَر، وفي بعضها: (مُضطَجِعةً) بالنَّصْب، فالأَوَّلان خبَران، أو أحدهما خبرٌ والآخَر حالٌ، ثم الحالان إما متداخِلتان، أو مترادِفتان. (فيبدو)؛ أي: يَظهَر. (أجلس)؛ أي: مُستقبلةً رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، والقصد من هذا ومن رواية: (أستَقبِلُه وأسنَحُهُ) السَّابقَين واحدٌ، لكن اختلفتِ العِبارة لاختِلاف المَقامات. (فأؤذي) منصوبٌ عطفًا على (أجلسَ). (فأنسل) مرفوعٌ عطفًا على (فأَكرَهُ). ووجْه مطابقة الحديث لعُموم (شيءٍ) في التَّرجَمة: أنَّ المَرأة إذا لم تَقطَع مع أنَّ النُّفوس جُبلت على الاشتِغال بها، فغيرُها من الكَلْب

والحِمار وغيرِهما كذلك، بل أَولى. ثم يحتمل أنَّ نَفْي عائشة للمُساواة، أي: فيما يضرُّ إما ما لا يُؤثِّر، فالاستواء حاصلٌ، ويحتمل أنَّها تَرى بقَطع الكلب والحمار، والذين قالوا بقطْع الصَّلاة بمرور الثَّلاثة، إما أنَّه باجتهادهم، ولفظ: (شَبَّهتُمونا) يدلُّ عليه، أو (¬1) أنَّ ذلك سَمعوه من لَفْظ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لكنَّ عائشة قدَّمتْ خبرَها على خبرهم؛ لأنَّها صاحبةُ الواقعة، أو لدليلٍ آخر، أو أنَّها أَوَّلَتِ القَطْع بقطع الخُشوع ونحوه، لا قطْعَ الصَّلاة، أو أنَّ حديثها وحديث ابن عبَّاس السَّابق في (باب سُتْرة الإِمام سترةٌ لمن خلْفه) في الحمار والأَتان ناسخٌ لخبر القَطْع، وكذا حديث المُرور؛ إذ قال: (فلْيَدفَعْه؛ فليُقَاتِلْهُ)، ولم يحكُمْ بانقطاع الصَّلاة، وإنَّما لم يجعل هذه الأحاديث الثَّلاثة منسوخةً يحدث القطع؛ لأَنَّ نَسْخ حديثٍ أَولى من نسخ ثلاثةٍ، أو أنَّها عَمِلتْ بآخر الأحاديث الثَّلاثة عن ذلك. * * * 515 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ عَنِ الصَّلاَةِ يَقْطَعُهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لاَ يَقْطَعُهَا شَيْءٌ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ ¬

_ (¬1) في الأصل و"ب": "و"، والمثبت من "ف".

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَإنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ. الحديث الثَّاني: (إسحاق)؛ أي: ابن راهوَيْهِ إبراهيم، كما نقله الغَسَّاني، عن ابن السَّكَن، وأنَّه المُراد في كل ما في البُخاري إسحاق غيرَ مَنسوبٍ، وقال الكَلابَاذِي: إسحاق بن إبراهيم، وإسحاق بن منصور، وكلاهما يَروي عن يَعقُوب. (ابن أخي) هو محمَّد بن عبد الله بن مُسلم. (عمه)؛ أي: محمَّد بن شِهَاب الزُّهري. (لا يقطعها شيء) عامٌّ مخصوصٌ، فإنَّ الفِعْل الكثيرَ وغيرَه يَقطَع، أو أنَّ المُراد لا يقطَعُها شيءٌ من الثَّلاثة التي وقَع النِّزاع فيها. (أخبرني) هو من تتمَّة مقولِ ابن شِهَاب. (على فراش) متعلِّق بـ (يقوم)، أو بـ (يُصلِّي)، وفي بعضها: (عَنْ فِرَاش)، فيتعلَّق بـ (يقوم). قال (ط): الجمهور على أنَّ الصَّلاة لا يقطعُها شيءٌ، وقيل: يقطع مُرورُ الحائض والكلب الأَسوَد والحِمَار، وقال عَطاء: الأَوَّلان يَقطعان، وقال أحمد: لا يقطَع إلا الكلْب الأَسوَد.

106 - باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة

106 - بابٌ إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ في الصَّلاَةِ (باب إِذَا حَمَل جارِيَةً صغيرةً) 516 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْم الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قتادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. (سُليم) بضَمِّ السِّين. (الزُرَقي) بضَمِّ الزَّاي وفتح الرَّاء، والسَّنَد كلُّه مدنيٌّ. (حامل أُمامة) بالإضافة، وفي بعضها بالتَّنوين، ونصب أُمامة باسمِ الفاعل؛ لأنَّه حكايةُ حالٍ ماضيةٍ نحو: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الكهف: 18]، ويظهر أثر الوجْهَين في: (بنت زَيْنَب)، فتُفتح أو تُكسر بالاعتِبارين. (أُمامة) بضَمِّ الهمزة، وقد تَزوَّجها عليٌّ بعد فاطمة - رضي الله عنها -. (ولأبي العاص) اللام فيه التي تضمَّنتْها الإضافة في (بنت زيْنَب)، صرَّح بها في المعطوف، واسمه على الأَصحِّ: مِقْسَم، بكسر الميم وسكون القاف وفتح المُهمَلة، أُسِرَ يوم بدْرٍ كافرًا، ثم أسلَم وهاجَر، فصار مُؤاخيًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - مصافيًا له.

(ابن ربيعة) خالفَ البُخاريُّ في ذلك قولَ الجماعة: الرَّبيع بلا هاءٍ، وخالَف أيضًا في قوله: (ابن عبد شمس) وإنَّما هو ابن عبْد العُزَّى بن عبد شَمْس. ووجْه مطابقتِه للتَّرجمة بحملها على العُنُق مع احتمال حَمْلها على الكَتِف، أو على اليدَين، أو نحو ذلك: أنَّ الرُّكوع يَتعذَّر أو يَتعسَّر عند ذلك. قال (خ): فيه أنَّ الحَمْل على الظَّهر أو العاتِق ونحو ذلك لا يُبطل إلا حيثُ كان فيه عمَلٌ كثير، وأَنَّ لَمْس المَحرَم لا يَنقض الوضوء، والظَّاهر أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متعمِّدًا حملَها، وأما وضعُها في كل خَفْضٍ ورفعٍ فلا يَشغلُه عن صلاته، وعن خُشوعها، وإِنَّما كانتْ أَلِفَتْه وأَنِسَتْ بقُربه، فقد كان أرحمَ النَّاس بالذُّرِّية، فإِذا تعلقَتْ بأطرافه والتزمتْه، فيَنهض من سُجوده ويُخلِّيها وشأنَها، فتبقى محمولةً كذلك إلى أنْ يَركَع فيُرسلها إلى الأرض، فإذا سجَد وأراد النُّهوض عادت إلى مِثْل ذلك. قال (ط): احتمل أَنَّ هذا الحمل كان في نافلةٍ أو فريضةٍ. قال: وإنَّما أُدخل الحديث هنا ليدلَّ على أنَّ الحمل إذا لم يَضُرَّ، وحَمْلُها أشدُّ من مُرورها بين يدَيه لم يضُرَّ المُرور، وفيه جواز العمَل الخفيف، وهو إجماعٌ. * * *

107 - باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض

107 - بابٌ إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ (باب إِذا صلَّى إلى فِرَاشٍ فيه حائِضٌ)، جواب الشَّرط محذوفٌ، أي: صحَّتْ صلاتُه، أو التَّقدير: هذا بابُ حكمِ هذه المسألة، كأنَّ هذا صارَ عند الفُقهاء اسمًا لها. 517 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ هُشَيْمٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونةُ بِنْتُ الْحَارِثِ قَالَتْ: كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُبَّمَا وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَيَّ وَأَناَ عَلَى فِرَاشِي. الحديث الأَوَّل: (حِيال) بكسر المُهمَلة وخِفَّة التَّحتانيَّة، أصله: حِوَال، فقُلبت الواو ياءً لوقوعها بعد كسرةٍ كما في قِيَام، ومعناها حِذَاءَ. ووجْه دلالة الحديث على التَّرجَمة المُشعِرة بأَنَّ المُصلِّي انتهى إلى الفِراش: أنَّه لا يلزمُ من الانتهاء من جهة القِبْلة. * * * 518 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونة تَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأَناَ إِلَى جَنْبِهِ ناَئِمَةٌ، فَإِذَا سَجَدَ

108 - باب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد

أَصَابَنِي ثَوْبُهُ، وَأَناَ حَائِضٌ. وَزَادَ مُسَدَّدٌ، عَنْ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ: وَأَنَا حَائِضٌ. الثَّاني: (حائض) كان الظَّاهر أن يقول: حائضة؛ لأنَّه إذا أُريد الحُدوث كان بالتَّاء، أو الثُّبوت حَذفَها، وإنَّما المُراد هنا كونُها في حالة حيضٍ، وجوابُه: أنَّ المُراد الحكمُ بذلك على الحائض من حيثُ هي. قال (ط): هذه الأحاديث التي فيها اعتِراضُ المرأة بين المُصلِّي وقِبْلتِه دليلُ جواز القُعود، ويُقاس به المُرور، وقيل: النَّهي إنَّما هو عن المُرور لا القُعود. * * * 108 - بابٌ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَي يَسْجُدَ (باب: هل يَغمِزُ الرَّجُلُ) 519 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، وَأناَ مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُمَا.

109 - باب المرأة تطرح عن المصلي شيئا من الأذى

(بئسما) نكرةٌ منصوبةٌ مميِّزةٌ لفاعلِ بئْس، والمَخصوصُ بالذَّمِّ محذوفٌ، أي: عدلكم. (رأيتني) بضَمِّ التَّاء، وسبَق أنَّ مثلَه من أفعال القُلوب يكون مدلولا ضميرِ الفاعل والمفعول واحدًا، لكنْ يُشكل من حيث إنَّه لا يجوز حذْفُ أحدِ مفعولَيه، ولا يجوز أَنَّ (رأَى) هنا بمعنى أبصَر؛ فإنَّه لا يجوز فيها اتحاد الضَّميرين، وجوابه ما قاله الزَّمَخْشَري في: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} الآية [آل عمران: 169]، أنَّ حذْف أحد المَفعولَين حذْفٌ؛ لأنَّه مبتدأٌ في الأصل، لكنَّه مخالفٌ لسائر المواضع في "الكشَّاف"، ولمَا في "المُفصَّل" من المنْع، نَعَم، نُقِل عنه أنَّه إذا كان الفاعل والمَفعولان عبارةً عن شيءٍ واحدٍ يجوز الحَذْف، فيُجمع بين كلامَيه بهذا التَّفصيل، وهو من دَقائق النَّحْو، أو يُجاب بأنَّ الرُّؤية التي بمعنى الإبصار أُعطيتْ حكمَ الرُّؤية التي من أَفعال القُلوب. * * * 109 - بابٌ الْمَرْأَةِ تَطْرَحُ عَنِ الْمُصَلِّي شَيْئًا مِنَ الأَذَى (باب المرأَة تَطرَحُ عن المُصلِّي الأَذَى) 520 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّورَمَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يُصَلِّي

عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ، إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلاَ تنظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي؟ أيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلاَنٍ، فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاَهَا فَيَجيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَهُ بَيْنَ كتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- وَهْيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَأقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ قَالَ: "اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ -ثُمَّ سَمَّى- اللهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأُتْبعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً". (بينما) العامل فيها معنى المُفاجَأة التي في (إِذْ)، لا الفعل الذي هو يُصلِّي؛ لأنَّه حالٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المضاف إليه (بَيْن). (جزور) يَقعُ من الإبِل على الذَّكَر والأُنثى، ولكنَّ لفظه مؤنَّثٌ، ومعناه المَنحُور. (فيعمد) بكسر الميم، أي: يَقصد، وهو مرفوعٌ، وفي بعضها بالنَّصْب جوابًا للاستفهام.

(سَلا) بفتح السِّين والقصر: وِعَاءُ الجَنِيْن. (جويرية)؛ أي: صغيرةُ السِّنِّ. (عليك بقريش)؛ أي: أَهلِكْهُم، والمُراد كفَّارُهم. (بعمرو بن هشام) هو أبو جَهْل، فِرْعَونُ زمانِه. (قليب) هي البِئْر قَبْلَ أَنْ تُطوَى، وهو بالجَرِّ بدَلٌ من القَلِيْب، ويجوز نصبه بتقدير: أعني. (وأُتبع) بضَمِّ الهمزة إخبارٌ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأَنَّ الله أَتبعَهم اللَّعنةَ كما أنَّهم مُقتَّلون في الدُّنْيا مَطرودون عن رحمة الله في الآخرة، وفي بعضها: (وأَتبع) بفتح الهمزة، وفي بعضها بلفظ الأَمْر، فهو عطفٌ على: (عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ)؛ أي: قال: في حياتِهم أهلِكْهم، وفي هَلاكِهم أَتبِعْهم لعنةً، وسبق ما في الحديث من مباحث في (باب إذا أُلقي على ظَهْر المُصلِّي قذَرٌ)، وأنَّ ذكْر عُمارة بن الوَلِيْد وَهْمٌ؛ لأنَّه لم يَحضُر ببدرٍ، بل تُوفِّي بجزيرةٍ في الحبَشة سَحَرَهُ النَّجاشيُّ لتُهمةٍ لحقتْهُ عنده، فهامَ على وجْهه مع الوَحْش، نَعَمْ، ذكَر هنا اسمَ السَّابع الذي قال هناك: إِنَّ الرَّاوي لم يَحفظْه، فإما نَسِيَهُ أوَّلًا فذكَره، أو نسِيَه آخِرًا. قال (ط): هذه التَّرجَمة قريبةٌ من الأبواب السَّابقة؛ لأَنَّ المرأة إذا تناولتْ طَرْح ما على المُصلِّي من الأَذى لم تقصد أخْذَه مِن وَرائه بل تَتناولُه من أيِّ جهةٍ أمكنَها أَخْذه وطَرْحه، فإِنْ لم يكن أَشدَّ من مُرورها

بين يدَيه فليس دونَه، وقال الكوفيُّون: مَن صلَّى في ثوبٍ نجسٍ وأمكنَه طَرْحُه في الصَّلاة طَرَحه وتَمادَى، ولا يَقطع. وفيه الدُّعاء على أهل الكُفْر إذا آذَوا المُؤمنين، ولم يُرْجَ إسلامُهم، ونزَل فيهم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]، أمَّا من رَجَا إسلامَه، فإنَّما دعا له بالهُدى.

9 - كتاب مواقيت الصلاة

9 - كِتاب مواقيتِ الصَّلاة

1 - باب مواقيت الصلاة وفضلها

9 - كِتاب مواقيتِ الصَّلاة 1 - بابُ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ وَفَضْلِهَا وَقَوْلهِ: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}، وَقَّتَهُ عَلَيْهِمْ. (كتاب مَواقِيْت الصَّلاة) (موقوتًا موقتًا وقته)؛ أي: بالتَّشديد، أي: حدَّده بأوقاتٍ، فهو تفسيرٌ للثُّلاثيِّ بالرُّباعي كما نقله (ش)، عن السَّفَاقُسِي من قوله: رويناه بالتَّشديد، وهو في اللُّغة بالتَّخفيف بدليل: مَوقوتًا، ولم يقل: مُوَقَّتًا؛ [و] فيه نظَرٌ؛ لأَنَّ التَّشديد لا يُنافي اللُّغة، ولهذا فسَّر به البُخاريُّ الآيةَ. * * * 521 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأخْبَرَهُ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا وَهْوَ بِالْعِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟!

أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ - صلى الله عليه وسلم - نزلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "بِهَذَا أُمِرْتُ"؟ فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ، أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقْتَ الصَّلاَةِ؟ قَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. (العراق)؛ أي: عِراق العرَب من عَبَّادان للمَوصل طُولًا، ومن القادسيَّة لحُلْوان عَرْضًا. (أبو مسعود) عُقْبة بن عمْرو. (الصَّلاة) هي العَصْر كما سيَأتي في (باب بَدْء الخَلْق). (ما هذا)؛ أي: التَّأخير. (أليس) كذا الرِّواية، والأَفصح: أَلسْتَ، ورواه البُخاريُّ في غزوة بدر: (لقَدْ عَلِمْتَ). (ثم صلى فصلى) عطَفَ في صلاة جبريل بـ (ثُمَّ)؛ لأنَّها مُتراخيةٌ عمَّا قبلَها، وفي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالفاء؛ لأنَّها مُتعقِّبةٌ لصلاة جبريل. واعلم أنَّ هذا السِّيَاق يقتضي عدَمَ اتصال الإسناد؛ لأَنَّ أبا مَسعود لم يقُلْ شاهدتُ، ولا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك. قال (ن): في (صَلَّى فَصَلَّى): إنَّ معناه: كلَّما فَعَل جُزءًا فعلَه

النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حتَّى تكاملت صلاتُه. قال (ش): كذا ثبَتَ من خارجٍ أنَّه صلَّى معَه، وجِبْريل هو الإِمام إن، ويحتمل أن صلاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ فَراغ جِبْريل. (بهذا)؛ أي: بأَداء الصَّلاة في هذه الأَوقات. (أُمرت) رُوي بضَمِّ التَّاء، أي: أن أُصلِّيَ بك، وبفتحها، أي: شُرِع لك. (اعلم) بلفظ الأَمر، تَنبيهٌ من عُمر على إِنكاره إيَّاه. (أَوَإنَّ) بفتح الواو للعطف، والهمزةُ للاستفهام، وإنَّ بالكسر الأَجْود، وتُفتح على تقدير: أَوَعَلِمتَ، أو حديث: (إِنَّ جِبْريلَ نزَلَ) قد بيَّن ذلك في رواية أبي داود، وابن حِبَّان. (بشير) بفتح المُوحَّدة وكسر المُعجَمَة: وُلِدَ في حياة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 522 - قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثتنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ في حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. (قال عروة) إمَّا مَقول ابن شِهَاب، أو تعليقٌ من البُخاري. (تظهر)؛ أي: تَعْلُو مِن قاعة الدَّار إلى سَقْف الجِدار، وقيل: أرادتْ تَعلُو على البُيوت، فكُنِّي بالشَّمس عن الفَيء؛ لأنَّه عنها يكُون، ومن الظُّهور بمعنى العُلُوِّ قوله تعالى: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف:33].

قال (ط): إِنكار عُروة على عُمر تأخيرَ الصَّلاة عن الوقْت الأَفضل لا التَّأخير حتَّى خرَج الوقت؛ لأنَّ ذلك مُمتنِعٌ، ولفظة: (يَوْمًا)، يدلُّ على أنَّه كان نادرًا مِن فِعْلِه، وهذه الصَّلاة كانت العصر، يدلُّ عليه: (ولَقَدْ حدَّثتْني عائِشَةُ ...) إلى آخِرهِ. وفيه المُبادرة بالصَّلاة أولَ الوقْت، ودُخول العُلماء على الأمراء، وإنكارُهم عليهم ما يُخالف السُّنَّة، ومُراجَعة العالِم لطلَب البَيان، والرُّجوعُ عند التَّنازع إلى السُّنَّة، وأنَّ الحُجَّة في الحديث المُسنَد دون المَقطوع؛ فإنَّه لمَّا أسندَه إلى بشير قَنِعَ به. قال: وهذا الحديث يُعارِض ما رَوَتْ من إمامة جِبْريل له في يَومَين كلَّ صلاةٍ في وقتين؛ لأنَّ من المُحال أن يحتجَّ عليه بذلك مع أنَّ جبريل صلَّى تلك الصَّلاةَ آخرَ وقتها مرَّةً ثانيةً، وإلا لقال له عُمر لا معنى لإنكارك عليَّ، فدلَّ أَنَّ صلاةَ جِبْريل كانتْ في يومٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ، فلا يُقال صلَّى جِبْريل آخرَ الوقْت إلا بسنَدٍ صحيحٍ، وأما حديث: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال للذي سألَه عن الصُّبح: (مَا بَيْنَ هذَينِ وَقْتٌ)، فذاك على طريق التَّعليم له أنَّ الصَّلاة تَجوزُ آخرَ الوقْت لمَنْ نسِيَ، أو كان له عُذرٌ، ولو كان جبريل صلَّى في الوقتَين وأعلَمَه أنَّهما في الفَضْل سواءٌ لَمَا التزَم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المُداومةَ على أَوَّل الوقْت، فدلَّ مدوامتُه على أوَّل الوقت أنَّه الوقتُ الذي أقامَه جِبْريلُ له. قال (ن): أما تأخير المُغيرة، وعمر بن عبد العزيز، فلأنَّهما رأَيَا ما قالَه الجمهور من جواز التَّاخير ما لم يَخرج الوقت، أو لم يبلغهما

2 - باب {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين}

الحديث، وأما الجَواب عمَّا ثبتَ من صلاة جِبْريل في يومَين، فيحتمل أنَّهما أخَّرا العصر عن الوقْت الثَّاني، وهو مَصِيرُ ظِلِّ كلِّ شيءٍ مثلَيه. * * * 2 - بابُ {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (باب قَوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ}) 523 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ -هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ-، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَلَسْنَا نَصِلُ إلَيْكَ إِلَّا في الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَناَ، فَقَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ؛ الإِيمَانِ بِاللهِ -ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَيَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالنَّقِيرِ". (عَبَّاد) بفتح المُهمَلة وتشديد المُوحَّدة، وقد سبَق الحديثُ ومباحثُه في (باب أَداء الخمس من الإِيمان). (هذا الحي) بالنَّصْب على الاختِصاص. (من ربيعة) خبر (إِنَّ).

3 - باب البيعة على إقامة الصلاة

(نأخذه) بالرَّفْع على الاستِئناف، لا بالجزم جَوابًا للأَمْر؛ لقَوله بعده: (ونَدْعُو)، بالواو. (فسرها)؛ أي: كلمةَ الإيمان، وهي الشَّهادة، أو خَصْلة الإيمان؛ إذ التَّقدير: آمرُكم بأَرْبعِ خِصَالٍ. واعلم أنَّه لم يُذكر هنا الصَّوم مع أنَّه فُرض في الثَّانية، ووِفَادةُ هؤلاء كانت عامَ الفَتْح إنَّما هو إغفالٌ من الرُّواة، لا أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يقُلْه في موضعٍ وقالَه في موضعٍ آخر، قاله ابن الصَّلاح. قال (ط): قَرَنَ إقامة الصَّلاة بنَفي الإِشراك به؛ لأَنَّ الصَّلاةَ أعظَمُ دعائم الإِسلام بعد التَّوحيد، وأقربُ الوَسائل إليه تعالى. قال: وأَمْرُه إيَّاهم بما أَمَر، ونهَيُه عن الظُّروف المَذكررة؛ لأنَّه يُعلِّم كلَّ قومٍ ما يَحتاجون إليه، ويُخاف عليهم من قِبَله، وكان يَخاف على هذا الوَفْد الغُلول في الفَيء، وكانوا يُكثرون الانتِباذَ في هذه الأَوعية. * * * 3 - بابُ الْبَيعَةِ عَلَى إِقامَةِ الصَّلاَةِ (باب البَيْعة على إِقامة الصَّلاة)، في بعضها: (إِقَامَةِ)، وهو الأَصل، وشرح الحديث فيه سبَق في آخرَ الإيمان.

4 - باب الصلاة كفارة

524 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءَ الزَكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِم. قال (ط): فيه أنَّ إقامةَ الصَّلاة وإيتاءَ الزَّكاة من دعائم الإِسلام، وهما أَوَّل الفرائض بعد التَّوحيد، وذِكْر النُّصح يدلُّ على أَنَّ قومَ جَرِيْر كانوا أهل غَدْرٍ، وفَد عليه فبايعَه على هذا، ورجَع لهم مُعلِّمًا، فذكَر له ما يَهمُّهم كما ذكَر لوفد عبد القَيس النَّهي عن الظُّروف، ولم يذكُر لهم النُّصْحَ. * * * 4 - بابٌ الصَّلاَةُ كَفَّارَةٌ (باب: الصَّلاةُ كفَّارةٌ) 525 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا يَحيَى، عَنْ الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنا شَقِيقٌ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيفةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَقَال: أَيُّكُمُ يَحْفَظُ قَولَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَناَ، كَمَا قَالَهُ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ -أَوْ عَلَيْهَا- لَجَرِيءٌ، قُلْتُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ"، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ

الْبَحْرُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا، قُلْنَا: "أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نعمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ، إنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْناَ مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ. الحديث الأَوَّل: (الأعمش) سُليمان. (كما قاله)؛ أي: أنا أَحفَظُ ذلك كما قالَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَتَى بالكاف مع أنَّ ذلك عينُ قوله؛ إمَّا لأنَّه نقلَه بالمعنى، أو الكاف زائدة. قلتُ: بل فيه الإشارة إلى أنَّه قالَه بلفظه؛ إِذْ تكلُّم الحاكي ليس عينَ تكلُّم المَحكِيِّ عنه بل مثلُه. (عليه)؛ أي: على القَول. (أو عليها)؛ أي: على المَقالة، والشَّكُّ من حُذَيْفة. (يُجزئ) بجيمٍ مفتوحةٍ، وهمزةٍ في آخره. (تكفرها)؛ أي: الفِتْنة المُفصَّلة بما سبق، ثم يحتمل أنَّ المَجموعَ يُكفِّرُ المَجموعَ، أو أنَّ كُلًّا يُكفِّر المَجموعَ، أو المَجموع يُكفِّر كُلًّا مما سبَق، وهو من اللَّفِّ والنَّشْر، فالصَّلاة مُكفِّرةٌ للفِتْنة في الأهل، والصَّوم للفِتْنة في المال، وكذا الباقي. (الأمر)؛ أي: بالمَعروف، (والنَّهي)؛ أي: عن المُنكَر.

قال (ط): معنى الفِتْنة في الأهل: أَنْ يَأتيَ من أَجلِهم ما لا يَحلُّ من القَول والعَمل ما لم يَبلغْ كبيرةً، وقال المُهلَّب: ما يَعرِضُ له ولهم من شَرٍّ، أو حُزْنٍ، أو نحوه. قال (ن): أَصْل الفِتْنة الابتِلاءُ والامتِحانُ، ثُمَّ صارتْ في العُرف لكلِّ ما كشَفه الامتِحان عن سُوءٍ، ففِتْنة الأهل ونحوه ما يَحصل لإفراط المَحبَّة من الشُّغْل عن كثيرٍ من الخير، أو التَّفريط فيما يَلزَم من القِيام بحُقوقهم وتَأْديبهم، فإنَّ كُلَّ راعٍ مَسؤولٌ عن رعيِّته، وهذه كلُّها فِتَنٌ تقتضي المُحاسَبة، ومنها ذُنوبٌ يُرجَى تكفيرها بالحسَنات، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. (تموج)؛ أي: تَضطَرِبُ، ويَدفَعُ بعضُها بعضًا، وشُبِّهت بموج البَحْر لشِدَّة عِظَمها وكَثْرة شُنوعها. (مُغلقًا) القَصْد به أنْ لايَخرُج منها شيءٌ في حياتك. (إذن) جوابٌ وجزاءٌ، أي: يُكسَر لا يُغلَق أبدًا، وذلك لأنَّ المَكسور لا يُعاد بخلاف المَفتوح، ولأَنَّ الكسْر لا يكون غالبا إلا عَنْ إكراهٍ وغلَبةٍ على خِلاف العَادة. (لا يُغلق) بالنَّصْبِ؛ لوُجود شَرائط النَّصْب بـ (إِذَنْ)، وهي: تَصدُّرها، واستِقبال الفِعل، واتِّصالُه؛ لأنَّ الفَصْل بـ (لا) النَّافيةِ لا يضُرُّ، وبالرَّفْع على أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو لا يُغلَق. قال (ط): الغَلْق إنَّما يكون في الصَّحيح، وأما الكَسْر فهتْكٌ

لا يُجبَر، ولذلك انْخرَق عليهم بقَتْل عُثمان بعدَه من الفتن ما لا يُغلَق إلى يوم القِيامة، وهي الدَّعوة التي لم تُجَبْ منه - صلى الله عليه وسلم - في أُمته. (قلنا) هو مَقولُ شَقِيْق. (أكان عمر يعلم) إلى آخره، قيل: إنَّما عَلِمَ ذلك عُمر لحديثِ: كان هو، وأبو بكْرٍ، وعمر، وعُثمان على حِرَاءٍ، وقال: "إنَّما عَلَيْكَ نبِيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهِيْدانِ". (وكما أن)؛ أي: وكما نَعلَمُ أنَّ الغَدَ أَبعَدُ منَّا من اللَّيلة، قال الجَوْهَري: يُقال: هو دُون ذلك، أي: أَقْربُ منه. (الأغاليط) جمع أُغلُوطة، بضَمِّ الهمزة، وهو ما يُغالَط به. قال (ن): معناه حدَّثَه حديثًا صِدْقًا عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا من اجتِهاد رأْيٍ ونحوه، وغرَضه أَنَّ ذلك الباب رجُلٌ يُقتَل أو يَموتُ كما جاء في بعض الرِّوايات، ويحتمل أنَّ حُذَيْفة عَلِمَ أَنَّ عمر يُقتل، ولكن كَرِهَ أن يُواجهَه بذلك، فإنَّ عمر كان يَعلَم أنَّه الباب، فأتَى بعبارةٍ محتملةٍ، والغرَض منها يَحصُل، وحاصلُه أنَّ عمر كان هو الحائلَ بين الفِتْنةِ والإِسلامِ، فإذا ماتَ دخلَتْ، وكذا كان. (فهبنا) من المَهابَة، وهي الخَوف، فإن قيل: كان عمر هو الباب، وقد قال أَوَّلًا: (إنَّ البابَ بَيْنَ عُمر وبَيْن الفِتْنة)، قيل: إما أَنَّ المُراد بقوله: بينَك، أي: بين زَمانكَ، أو بين نَفْسك؛ إذ البدَنُ غير الرُّوح، أو بين الإِسلام والفِتْنة، ولكنْ خاطَب عُمرَ؛ لأنَّه إمام

المُسلمين وأمير المؤمنين، وَعِلْمُ حُذَيْفة بذلك مُستندٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بقَرينة السِّيَاقِ والسُّؤالِ والجوابِ، ولأَنَّ لفْظ (حديث) إنَّما يُطلَق في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -. * * * 526 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلِي هَذَا؟ قَالَ: "لِجَمِيعِ أُمَّتِي كلِّهِمْ". الحديث الثَّاني: (النهدي) بفتح النُّون، وسُكون الهاء، وبالمُهمَلة: عبد الرَّحمن ابن ملٍّ، بكسر الميم، وضمِّها، وتشديد اللَّام. (أن رجلًا) هو أبو اليَسَر، كَعْب بن عمْرو، كما في "النَّسائي" وغيره: كان يَبيع التَّمْر، فأتته امرأةً فأعجبَتْه، فقال: إنَّ في البَيت أَجْودُ من هذا التَّمْر، فجاءتْ بيتَه فضَمَّها وقبَّلَها، فقالت: اتقِ اللهَ، فتركَها ونَدِم، فاتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخبَرَه، فقال: "أَنتظِرُ أَمْرَ رَبِّي"، فلمَّا صلَّى العصْرَ نزَلتْ، فقال له: "اِذْهَبْ؛ فإِنَّها كفَّارةٌ لمَا عَمِلْتَ"، ورُوي أنَّ عمرَ قال: له خاصَّةً؟ فقال: "بل للنَّاس عَامَّةً". (أَلِي هذا) الهمْز للاستِفهام، و (لي): خبرٌ مُقدَّمٌ، و (هذا): مبتدأُ

5 - باب فضل الصلاة لوقتها

مؤخَّرٌ؛ لإفادة الاختِصاص. (إن الحسنات) قال في "الكشَّاف": فيه وجْهان: أحدهما: أنَّه يكفِّر الصَّغائر بالطَّاعات، وفي الحديث: "الصَّلاةُ إلى الصَّلاةِ كفَّارةٌ لمَا بينَهما ما اجتُنِبَتِ الكبَائِرُ". والثَّاني: أنَّ الحسناتِ يَكُنَّ لُطفًا في ترْك السيِّئات لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى} الآية [العنكبوت: 45]، وسبَق بيانُ نُزولها. * * * 5 - بابُ فَضْلِ الصَّلاَةِ لِوَقْتِهَا (باب فضْل الصَّلاة لوَقْتها) 527 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذ الدَّارِ، وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجهَادُ في سَبِيلِ اللهِ"، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتهُ لَزَادَنِي. (قال الوليد بن العيزار) بفتح المُهمَلة، والزَّاي، بينهما تَحتانيَّةٌ ساكنةٌ، وآخرُه راءٌ، فاعلُ (قالَ) ضميرُ (شُعبة)، و (الوليد) مبتدأٌ خبرُه: (أخبَرَني)، وقولُه (قال: سمعتُ) بدَلٌ منه.

(أبو عمرو) هو سعد بن إياس. (على وقتها) إنْ قيل بمذهب الكُوفيِّين -أنَّ بعضَ حُروف الجَرِّ تَقوم مَقامَ بعضٍ- فظاهرٌ في مُطابقة قوله في التَّرجَمة: (لوَقْتِها)، باللَّام، وإلا فمُتغايران؛ لأَنَّ (على) للاستِعلاء على الوقْت والتَّمكُّن من أدائها في أيِّ جُزْءٍ كان، واللَّام لاستِقبال الوقْت كما في: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، أي: مُستقبِلاتٍ لعدتهن، وكذا لقِيتُه لثَلاثٍ بقين من الشَّهْر، وتُسمَّى لام التَّأقيت، والتَّاريخ. (ثُمَّ أيٌّ) بالتَّشديد، والتَّنوين، قال أبو الفَرَج: كذا سمعتُه من ابن الخَشَّاب، وقال: لا يجوز إلا تَنوينُه؛ لأنَّه اسم مُعربٌ غير مضافٍ، أشار بـ (ثُمَّ) إلى تَراخي السُّؤال الثَّاني، لكنْ في المَرتبة لا في الزَّمان. (وقال)؛ أي: عبدُ الله حدَّثني بهنَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، والجمْعُ بين هذا الحديث وأحاديث أنَّ إِطعامَ الطَّعام خيرُ أعمالِ الإِسلام، وأنَّ خيرَ أعماله أَنْ يَسلَم المُسلمون مِنْ لِسانِه ويَدِه، وأنَّ أحَبَّ العمل إلى الله أَدومُه، وغيرِ ذلك، = أنَّه - صلى الله عليه وسلم - يُجيب كُلًّا بما يُوافقه ويَليق به، أو بالوقت، أو بالحَالِ، وقد تعاضَدت النُّصوص على فَضْل الصَّلاة على الصَّدَقة، فإنْ تجدَّدتْ حالةٌ تقتضي المُواساةَ لمُضطرٍّ كانت الصَّدَقة أفضلَ من الصَّلاة، وهلُمَّ جَرًّا. وفي الحديث: أنَّ أعمالَ البِرِّ تفضُل بعضُها على بعضٍ عند الله، وفَضْلُ بِرِّ الوالدَينِ. * * *

6 - باب الصلوات الخمس كفارة

6 - بابٌ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ (باب الصَّلواتِ الخَمْس) 528 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَرَأَيتُمْ لَوْ أَنَّ نهرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ "، قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: "فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا". (حمزة) بالمُهمَلة والزَّاي، وابن أبي (حازم) -كذلك- عبد العَزيز (والدَّرَاوَرْدِي) هو عبد العزيز بن محمَّد. (أرأيتكم)؛ أي: أَخبِرُوني، والهمزة للاستِفهام، والتَّاء للخِطَاب، و (كُم) حرْفٌ لا مَحلَّ له، وسبَق في (باب السَّمَر في العِلْم) مباحثُ في الحديث. (لو أن)؛ أي: لَو ثبَتَ أَنَّ؛ لأَنَّ (لَو) لا تدخُل إلا على فِعْلٍ، وجوابُها محذوفٌ، أي: لمَا بَقِيَ. (يقول) قال ابن مالك: فيه شاهدٌ على إجراء القَول مَجرى الظَّنِّ، فالشُّروط موجودةٌ فيه؛ فإنَّه مضارِعٌ مُخاطَبٌ مُتصِلٌ باستِفهامٍ، وذلك مفعولٌ أوَّلٌ، و (يُبقِي) مفعولٌ ثانٍ، وسُلَيم لا تَشتَرط شيئًا من ذلك،

7 - باب تضييع الصلاة عن وقتها

و (ما) الاستفهاميَّة في موضعِ نصبٍ بـ (يُبْقي)، قُدِّمَ لأَنَّ الاستفهام له صَدْر الكلام. (نهرًا) بفتح الهاء، وسكونِها: واحدُ الأنهار. (يُبقي) بضَمِّ أوَّله، وكسر ثالثه: من الإِبْقاء. (درنه) بفتح الرَّاء: الوَسَخ. (فذلك) جوابُ شَرطٍ محذوفٍ، أي: إذا قُلتُم ذلك فهو مثَلُ الصَّلوات، وفائدة التَّمثيل التَّأكيدُ، وجعْلُ المَعقول كالمَحسوس. (بها)؛ أي: بالصَّلواتِ، وفي بعضها: (بهِ)؛ أي: بأَدائها. (الخطايا)؛ أي: الصَّغائر؛ لأنَّها شبَّهَها بالدَّرَن، وهو لا يبلُغ مَبلَغَ الجُذام ونَحوِه. * * * 7 - بابُ تَضْيِيعِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا (باب: في تَضْييعِ الصَّلاة عن وقْتها) 529 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ الصَّلاَةُ؟، قَالَ: أليْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيهَا. (الصَّلاة) نَقْضٌ للسَّالبة العامَّةِ بمُفرَد.

(أليس) اسمها ضميرُ الشَّأْن. (ضيعتم) بالمُعجَمَة من التَّضيِيعِ، وفي بعضِها بمُهمَلةٍ من الصُّنعْ، والمُراد أنَّهم أخَّروها عن الوقْت المُستحبِّ لا عن وَقْتها بالكُلِّيَّة. * * * 530 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ. وَقَالَ بَكْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ: أَخْبَرَناَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، نَحْوَهُ. (ابن رَوَّادٍ) بفتح الرَّاء، وتَشديد الواوِ، اسمه مَيْمُون. (أخي) بدَلٌ من (عُثمان)، وفي بعضها: (أَخُو) أي: هو أَخُو. (بدمشق) بكسر الدَّال، وفتح الميم. (أدركت)؛ أي: في عَهْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (هذه الصَّلاة) بالنَّصْب سواءٌ جعلتَه استِئنافًا، أو بدَلًا. (خلف) بمُعجمةٍ ولامٍ مفتوحتَين، ثم فاءٍ.

8 - باب المصلي يناجي ربه عز وجل

(البُرْساني) بضَمِّ المُوحَّدة، وسكون الرَّاء، ثم مُهمَلةٍ، وقد وصلَ ذلك عن بكْر بن خلَف يَحيى في "مُستخرَجه"، وأحمد بن علي الأَبَّار في "جَمْع حديث الزُّهري". * * * 8 - بابٌ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (باب المُصَلِّي يُناجِي رَبَّهُ) 531 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى". وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: لاَ يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: لاَ يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبْزُقْ في الْقِبْلَةِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ". الحديث الأَوَّل: (يَتْفُلن) بضَمِّ الفاء، وبكَسْرها، وإنْ أنكَر ابن مالك الضَّمَّ، من

التَّفْل بالمُثنَّاة، أقلُّ من البَزْق، وأقلُّ منه النَّفْثُ، ثم النَّفْخ. (وقال سعيد) إلى آخره، هي تعليقاتُ أحاديثَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لا مَوقوفاتٌ. فحديث سعيد، عن قَتَادة، أي: عن أنس، وصلَه أحمد من طرُقٍ، وابن حِبَّان، وحديث شُعبة -أي: عن قَتَادة، عن أنسٍ-، وصلَه البُخاريُّ، عن آدم، عنه، وحديث حُميدٍ وصلَه البُخاري أيضًا عن إسماعيل بن جعفر، عنه. قال (ك): يحتمل دُخولها تحتَ الإسناد السَّابق بأنْ يكون مثلًا: عن مسلم، عن شُعبة. (أو بين يديه)؛ أي: قُدَّامَه، وهو شَكٌّ من الرَّاوي. * * * 532 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اعْتَدِلُوا في السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ، وَإِذَا بَزَقَ فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ". الحديث الثَّاني: (اعتدلوا)؛ أي: بأنْ يضَع كفَّيه على الأرض، ويَرفَعَ مِرْفقَيه عنها وعن جنبيه، ويَرفَع البَطْنَ عن الفَخِذ؛ لأَنَّ ذلك أَشبَهُ بالتَّواضع، وأَبلَغُ

9 - باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

في تَمكين الجبهة من الأرض، وأَبعَدُ من هيئات الكُسَالى؛ فإنَّ المُنبَسِطَ يُشبه الكلب، ويُشعر حالُه بالتَّهاون بالصَّلاة. (ولا يبسط): بالجَزْم، أي: المُصلِّي، وفي بعضها: (لا يَبسُطْ أَحَدُكُمْ). (يناجي): سبَق في (باب حَكِّ البُزاق باليَد)، وفيما بعده من الأبواب معنَى المُناجاة، والجمع بين الرِّوايات، نعمْ، جعَل المُناجاة هنا علَّةً للبُزاق بين يدَيه وعن يَمينه، وهناك إنَّما جعلَه علَّةً للأول، وعلَّل الثَّاني بأنَّ عن يَمينه ملَكًا، ولا مُنافاةَ؛ لأَنَّ الشَّيء قد يُعلَّل بعلَّتَين؛ لأَنَّ العِلَل الشَّرعيَّة معرِّفاتٌ، فإن قيل: عادةُ المُناجى أن يكون قُدَّام؟ قيل: المُناجى الشَّريف قد يكون أيضًا يَمينًا. ووجه تعلُّق الباب بالمَواقيت: أنَّ أوقات الصَّلاة أوقاتُ مناجاةٍ، وأنَّ الصَّلاة أفضلُ الأعمال لحصول المُناجاة فيها، فينبغي فيها إحضارُ النيَّة، والإخلاصُ، والخُشوعُ. * * * 9 - بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ في شِدَّةِ الْحَرِّ (باب الإِبْرادِ بالظُّهْر) قال الزَّمَخْشَريُّ في "الفائِق": حقيقة الإبراد الدُّخول في البَرْد، والباء للتَّعدية، والمعنى إدخال الصَّلاة في البَرْد.

533 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 534 - وَناَفِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". الحديث الأَوَّل: (أبو بكر) هو عبد الحَمِيْد بن أبي أُوَيْس الأَصبَحي. (ونافع) بالرَّفْع عطفٌ على الأَعْرَج. (أنهما)؛ أي: أنَّ أبا هُريرة وابن عُمر. (أبردوا) بفتح الهمزة، أي: أخِّرُوها إلى حينِ يَبْرُد النَّهار، مِن أَبرَد: دَخَلَ في وقت البَرْد، والصَّارف عن الوُجوب إلى النَّدب الإجماعُ. (بالصَّلاة)؛ أي: بالظُّهر كما في الرِّواية الأُخرى، والمُطلَق يُحمَل على المُقيَّد. * * * 535 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ، سَمِعَ زيدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:

أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ فَقَالَ: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ -أَوْ قَالَ- انْتَظِرِ انْتَظِرْ"، وَقَالَ: "شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ"، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ. الثَّاني: (غُنْدَر) بضَمِّ المُعجَمَة، وفتح الدَّال. (الظُّهر) كذا وقَع في هذه الرِّواية، فيُحمل على نَزْع الخافض، أي: بالظُّهر، أو للظُّهر كما في بقيَّة الأحاديث، وكذا في "مسلم". (عن الصَّلاة) (عن) بمعنى الباء، كـ: رمَيْتُ عن القَوس، أو ضُمِّن أَبرَدَ معنى التَّأَخُّر فعُدِّي بـ (عن)، أو (عن) زائدةٌ؛ لأنَّه يُقال: أَبرَد كذا: إذا فعلَه في البَرْد، كما يُقال: أَبرَدْتُه. قال (خ): الإِبراد انكِسَار شِدَّةِ حَرِّ الظَّهيرة، فسُمِّي فُتور الحَرِّ بالنِّسبة إلى وَهْج الحرِّ بَرْدًا، فالتَّأخير إليه لا إلى آخِر بَرْدَي النَّهار، وهو بَرْدُ العَشِيِّ؛ لأنَّه إخراجٌ عن الوقت. (حتَّى رأيناها) الغاية فيه، إمَّا مُتعلِّقةٌ بـ (قال)، أي: كان يَقول ذلك إلى أَنْ رأَيناهُ، أو بالإِبراد؛ أي: أَبرَد إلى أن يَرَى الفَيءَ، أو بقَدْر، أي: أخَّرنا. (الفيء) هو ما بعد الزَّوال من الظِّلِّ؛ لأنَّه يَرجع من جانبٍ إلى جانبٍ، قال ابن السِّكِّيت: الظِلُّ ما نَسختْه الشَّمسُ، والفَيءُ ما نسَخَ الشَّمس، وقيل: الفَيءُ بعد الزَّوال، والظِّلُّ أعَمُّ.

وفي بعضها: (فَيُّ) بالياء المُشدَّدة للإدغام، نَعَم، دُخول وقت الظُّهر لا بُدَّ فيه من فَيءٍ، فالمُؤذِّن لا يُؤذِّن إلا عند وُجوده، فيُحمل الفَيء هنا على الزَّائد على هذا القَدْر، أو أنَّ ذلك في مِثْل مكَّة ونواحيها إذا استوتْ فَوق الكعبة في أَطوَل يومٍ من السَّنة؛ فإنَّه لا يُرى لشيءٍ من جوانبها ظِلٌّ، فإذا زالتْ ظهَرَ الفَيءُ قَدْر الشِّراك من جانب الشَّرق، قاله (خ). قال (ك): لكن التُّلول لانبِساطها لا يَظْهر فيها عَقِبَ الزَّوال، بل لا فَيءَ لها عادةً إلا بعد الزَّوال بكثيرٍ، بخلاف الشَّاخص المُرتَفِع كالمَنارة. * * * 537 - : "وَاشْتكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَارَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ في الشِّتَاءَ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". الحديث الثَّالث: (اشتكت) إلى آخره، قيل: إسنادُ ذلك كلِّه إلى النَّار حقيقةً؛ لأَنَّ الله تعالى جعَل لَها إِدْراكًا، وتَمييزًا، ونُطْقًا. وقيل: مجازًا على جِهَة التَّشبيه، والصَّواب الأَوَّل؛ إذ لا مانِعَ من الحقيقة، وقرَّر البَيْضاويُّ الثَّاني، بأنَّها لكثْرتها وغلَيانها وازْدِحام أجزائها بحيثُ يَضيقُ عنها مكانُها، فيَسعَى كلُّ جُزءٍ في فَناءِ الآخَرِ والاستِيلاء على مكانه، ونَفَسُها

لَهَبُها، وخُروج ما يَبرُز منها، فأحوالُ هذا العالَم عَكْس ذاكَ العالَم، فكما جُعل مُستطابُ الأشياء شِبْهَ نَعِيْم الجِنَان ليَكونوا أَميَلَ إليها جُعل للشَّدائد أُنْموذجًا لأحوال الجحيم ليزيْدَ خوفُهم بما يخرُج من حَرِّها ومن بَردها. (أشد) بالجرِّ بدَلٌ أو بيانٌ، وفي بعضها بالرَّفع خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو أشدُّ كما صرِّح به في روايةٍ، أو (أشدُّ) مبتدأٌ والخبر محذوفٌ، أي: منه، وسيَأتي في (بَدء الخلق) في (باب صفة النَّار): (فأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ)، فيكون الخبر محذوفًا، وصَرَّح به النَّسائي في روايةٍ في (التَّفسير)، وهي: (فأَشَدُّ ما تَجدُونَ من البَرْدِ مِنْ بَردِ جهنَّمَ، وأَشَدُّ ما تَجدُون مِنَ الحَرِّ، من حَرِّ جَهنَّم)، وفيه لَفٌّ ونَشْرٌ غير مُرتَّبٍ. (من الزمهرير)؛ أي: من طبقةٍ من جهنم زَمْهريريَّةٍ، فجهنَّم هي المُراد بالنَّار؛ لأَنَّ الزَّمهرير يكون من نفس حقيقة النَّار، وتَشهدُ له رواية النَّسائي السَّابقة. قال (ن): والجمْع بين هذا الحديث وبين حديث خَبَّاب: (شَكَوناَ إليهِ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فلَمْ يُشْكِنَا)؛ أي: لم يُزِلْ شَكْوانا، قيل: لأَنَّ الإبراد رُخصةٌ، والتَّقديم أَفضَل، وقيل: الإبراد مُستحبٌّ لكثرة أحاديث فعلِه والأَمرِ به، ويُحمل حديث خَبَّاب على أنَّهم طلبوا زائدًا على قَدْر الإبراد؛ لأنَّه بحيث يحصُل للحيطان ظِلٌّ يَمشُون فيه، وكذا قال (خ): في الجمع بينهما.

10 - باب الإبراد بالظهر في السفر

وفي الحديث: أن النَّار مخلوقةٌ، وفيه التَّسهيلُ على النَّاس. * * * 538 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". تَابَعَهُ سُفْيَانُ وَيَحْيَى وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. (تابعه سُفيان)؛ أي: الثَّوري، ووصلَ ذلك البُخاريُّ في (باب صِفَة النَّار)، عن الفِرْيابي، عنه. (ويحيى) وصلَ ذلك أحمد. (وأبو عوانة) قيل: الذي في ابن ماجه إنَّما هو رواية أبي مُعاوية، فلتُطلَب متابعة أبي عَوَانة. * * * 10 - بابُ الإِبْرَادِ بالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ (باب الإبراد بالظهر في السفر) 539 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلًى لِبَنِي تَيْمِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ

وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْرِدْ"، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: "أَبْرِدْ"، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأبْرَدُوْا بِالصلاةِ". وقال ابنُ عَبَّاسٍ: (تتفيأُ): تتميَّلُ. (يؤذن)؛ أي: على ما كان من عادتهم من تعقيب الأذان بالصَّلاة، وإلا فالإبراد إنَّما هو في الصَّلاة لا في الأَذان، أو أنَّ المُراد بالأذان الإقامةُ. قال التِّرْمِذي: حديث أبي ذَرٍّ دليلٌ على الشَّافعي في جَعْله رُخصةَ الإبراد لمَن يأتي مِن بُعْدٍ؛ لأنَّ اجتماعهم في السَّفَر لا يحتاجون فيه أنْ يَتناوبُوا من بُعد. قال (ك): لا نُسلِّم ذلك؛ لأنَّ القوافل الكبار ينزلون مُتباعدين للمَرْعى ونحوِه، خصوصًا إذا كان فيهم سلطانٌ، فإنَّهم يتباعدون عنه احترامًا وتعظيمًا، والمُراد بالإبراد التَّسهيل ورفع المَشَقَّة، فالحضَرُ والسَّفَرُ سواءٌ. (يتفيأ)؛ أي: في الآية، كأنَّه أراد أنَّ الفَيء ظِلٌّ مالَ من جهةٍ إلى جهةٍ، وقال الجَوْهَري: تَفيَّأَتِ الظِّلالُ، أي: تَقلَّبَتْ. * * *

11 - باب وقت الظهر عند الزوال

11 - بابٌ وَقْتُ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوالِ وَقَالَ جَابِرٌ: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي بِالهَاجِرةِ. (باب: وقْتُ الظُّهْر عند الزَّوال) (وقال جابر) وصلَه البُخاريُّ في (باب وقت المَغرِب). * * * 540 - حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ، قَالَ: أَخْبَرناَ شُعَيبٌ، عَن الزُّهريِّ، قَالَ: أَخْبَرنِي أَنْسُ بنُ مَالِكٍ: أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمسُ فَصَلّى الظُّهْرَ فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ في مَقَامِي هَذَا، فَأَكثَرَ النَّاسُ في الْبُكَاءَ، وَأَكثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي"، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ"، ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي"، فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ". الحديث الأَوَّل: (حيث زاغت فصلى) قد يُقال: فيه معارَضةٌ بحديث الإبراد،

فإِمَّا أَنَّ الإبرادَ ثبتَ بالقول والفعل فقُدِّم على هذا؛ لأنَّ فيه فعلُه فقط، وقيل: الإبراد متأَخِّرٌ فهو ناسخٌ، وقيل: الإبراد رُخصةٌ عند المَشَقَّة، وفي غيرها التَّعجيل الذي هو الأصل أَولى، وقال البَيْضاويُّ: الإبراد: تأخير الظُّهر أَدنى تأخيرٍ بحيث لا يَخرج عن حدِّ التَّهجير، فإنَّ الهاجرة إلى أن يَقرُب العصر. (زاغت)؛ أي: مالَتْ. (تسألوني) خبرٌ، ونُون الوِقَاية محذوفٌ. (أخبرتكم)؛ أي: أخبرُكم، فاستعمل الماضي موضعَ المُستقبَل إشارةً إلى أنَّه كالواقع؛ لتحقُّقه قبلَ سبَب خُطبته، وقولُه ذلك لأَنَّ بعض المُنافقين سأَلَه ليُعجزه عن بعضِ ما يَسألُه فتغيَّظَ عليه. (من البكاء) بالمَدِّ والقَصْر، باعتِبار إرادة مَدِّ الصَّوت في البُكاء، أو خُروجِ الدُّموع، وسبب البُكاء سَماعُهم أهوالَ القيامة، والأُمورَ العظام، أو خوفُهم نُزول العَذاب كمَن مضَى من الأُمم عند إيذائهم رُسُلَهم، ولذا قال عمر: (رَضِيْنَا باللهِ رَبًّا) إلى آخره. (حُذافة) بضَمِّ المُهمَلة وبالمُعجَمَة، وسبَق في الحديث مباحث في (كتاب العلم) في (باب مَن برَك على رُكبتَيه). (عُرض) بضَمِّ المُهمَلة، أي: النَّاحية. (كالخير والشر)؛ أي: الجنَّة والنَّار، أي: ما أبصرتُ شيئًا مثل الطَّاعة والمعصية في سبب دُخولهما. * * *

541 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُناَ يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، ويُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُناَ يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجَعَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنسَيتُ مَا قَالَ في الْمَغْرِبِ، وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. وَقَالَ مُعَاذٌ: قَالَ شُعْبَةُ: لَقِيتُهُ مَرَّةً فَقَالَ: أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ. الحديث الثَّاني: (أبو المنهال) سَيَّار بن سَلامة. (أبو برزة) نَضْلَة بن عُبيد. (جليسه)؛ أي: مُجالسه. (إلي المئة)؛ أي: ما بين الستِّينَ والمئة من آيات القُرآن، وإنَّما أتَى بـ (إلى) التي للانتهاء ولم يقل: وبين؛ لأنَّ التَّقدير: و (فوقَها) بالعطف على الستِّين إلى المئة، فهو غايةُ الفوقيَّة؛ لدلالة الكلام على ذلك. (والعصر)؛ أي: ويُصلِّي العَصْر. (أقصى)، أي: آخِر. (يذهب) جملةٌ حاليَّةٌ. (رجع) هو خبر المُبتدأ الذي هو: أحدنا، أو بالعكس، أو هما

خبران، أو هو عطفٌ على (يَذهب)، والواو مقدَّرةٌ، ورجَع بمعنى يَرجِعُ، والمراد بالرُّجوع إلى أَقصَى المدينة لمَا يأتي في الباب بعده لا الرُّجوع للمَسجِد، وفي بعضها: (ورَجَعَ) بالواو، فقولُه: يَذهَبُ خبرُ المُبتدأ. (حية)؛ أي: باقٍ حَرُّها لم يَفتُر، وكونُها لم تَتغيَّر؛ لأَنَّ التغيُّر إنَّما يكون إذا دنَتْ للمَغيب الذي هو كالمَوت لها، وفيه دليلٌ أنَّ وقْتَ العصر مثلُه، لا مثلَيه؛ ليُمكن مثلُ هذا الذَّهاب. (ونسيت) من قول أبي المِنْهَال، نسِيَ ما قالَه أبو هُريرة. (ولا يُبالي) عطفٌ على (يُصلِّي)، أي: كان - صلى الله عليه وسلم - لا يُبالي. (شطر)؛ أي: نِصْف، والمُراد وقْتُ الاختيار؛ لدلالة غيره من الأحاديث على بَقاء وقت الجَواز إلى الصُّبح؛ لحديث: "لَيْسَ في النَّوم تَفريطٌ، إنَّما التَّفريطُ على مَنْ لَم يُصَلِّ الصَّلاة حتَّى يَجيءَ وقْتُ الصَّلاةِ الأُخرَى"، وأما مفهومُ لا يُبالي أنَّه يُبالي بعد النِّصف؛ لأنَّ مبالاتَه - صلى الله عليه وسلم - تكون بتَرْك الأفضل؛ نعم، الصَّحيح أنَّ المُختار إلى الثُّلُث = فهو حُجَّة لقول النِّصْف. قلتُ: واختاره (ن). (وقال مُعاذ) تعليقٌ قَطْعًا؛ لأن البُخاريَّ لم يُدركه، وقد وصَلَه مسلمٌ. * * * 542 - حَدَّثنَا مُحَمَّدٌ؛ يَعْنِي: ابنَ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أخبَرنَا عَبْدُ اللهِ،

12 - باب تأخير الظهر إلى العصر

قَالَ: أَخْبَرناَ خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحمنِ، حدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزنِيِّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالظَّهَائِرِ فَسَجَدْناَ عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ. الحديث الثَّالث: (خالد بن عبد الرَّحمن) لم يُذكر في "الجامع" إلا في هذا المَوضع. (غالب) بالإعجام. (بالظهائر) جمعُ الظَّهيرة؛ أي: الهاجرة، أراد بها الظُّهر، وجَمَع نظرًا إلى تعدُّد الأيام. (فسجدنا) عطفٌ على مقدَّر، أي: فَرشْنا الثِّياب فسجَدنا. (اتقاء) من الوِقَاية، أي: لأَنْفسِنا من الحَرِّ، وهذا محمولٌ عند الشَّافعي على ثَوبٍ غير مُتصِلٍ بالمُصلِّي، أو متصلٍ لكنْ لا يتحرَّك ما يَسجُد عليه بحركته، فلا يكونُ حُجَّةً عليه لمَكان الاحتمال. * * * 12 - بابُ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إلى العَصْرِ (باب تأخير الظُّهر) 543 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ-، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -

صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَقَالَ أَيَّوبُ: لَعَلَّهُ في لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ، قَالَ: عَسَى. (سبعًا)؛ أي: سبْع ركَعاتٍ للمَغرِب والعِشاء، وثَمانيًا للظُّهر والعَصْر، فقوله بعده: (الظُّهر) إلى آخره، بالنَّصْب بدَلٌ، أو بيانٌ، أو نصْبٌ على الاختِصاص، أو على نَزْع الخافِض، والأصل للظُّهر. قيل: ليس هذا صَريحًا في الجَمْع، فقد يكون أخَّر الظُّهرَ إلى آخر وقْتها، وعجَّل العصْرَ من أَوَّلِ وقْتها كما قاله عَمْرو بن دِيْنَار لجابرٍ: أَظنُّه كذلك، قال جابر: وأَنا أَظُنُّه أيضًا، وأُجيب: بأنَّه لا يبقى للإخبار به حينئذ فائدة، وأيضًا، فقد رواه ابن عبَّاس كما سيأتي بلفظ: (جميعًا)، ولكن لا دلالةَ حينئذٍ على ما تَرجمهُ البُخاريُّ من التَّأخير؛ لاحتمال جمع التَّقديم إلا أَنْ يكون فَهِمَ ذلك من الحديث، ولكنَّه اختصر، أو من السِّيَاق. (أيوب)؛ أي: السَّخْتِيَاني. (في ليلة)؛ أي: معَ يَومها بقَرينة: الظُّهر والعَصْر، فالعَرَب كثيرًا ما تُطلق اللَّيلة وتُريد يَومها. (مطيرة)؛ أي: كثيرةِ المطَر، ويومُها كذلك. (قال: عسى)؛ أي: قال جابر: عسَى ذلكَ في المطَر، فحَذَف اسمَ عسَى وخبَرَها. قال (خ): لمَّا وقَع الجمْعُ وليس عُذْرَ سفَر: كان الجمْع للمطَر للمشقَّة في حُضور المَسجِد مرَّةً بعد أُخرى.

13 - باب وقت العصر

قال (ك): الجمْع بالمطَر لا يكون إلا بالتَّقديم، فكيف يُوافق التَّرجَمة بالتَّأخير؟، وقال التُّوْرِبِشْتي: قال التِّرْمِذي آخر كتابه: ليس في كتابي حديثٌ أَجمعَتِ الأُمَّةُ على تَرْك العمل به إلا حديث ابن عبَّاس في الجمع بالمَدينة من غير خَوفٍ ولا سفَرٍ، وحديثَ قَتْل شارب الخمْر في المرَّة الرَّابعة، لكنْ حديث ابن عبَّاس لم يُجمعوا على تَركه، بل أُوِّلَ إما بأنَّه في غَيمٍ، فصلَّى الظُّهر، فلمَّا انكشَفت بانَ أَنَّ وقْت العصر دخلَ فصلَّاها، ورُدَّ ببُطلان ذلك في المَغربَين، وإما لأنَّه فرَغَ من الأُولى فدخَل وقْتُ الثَّانية فصلَّاها عَقِبَها، وَضُعِّفَ بمخالفته الظَّاهر، وإمَّا أنَّ الجمْعَ بعُذْر المَطَر، وَرُدَّ بالرِّواية الأُخرى: (مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ ولا مَطَرٍ)، وإما بعُذْر المرَض، وهو المُختار؛ لأنَّ المَشَقَّة فيه أَشدُّ من المطَر على أنَّ بعضهم اختارَ الجمْع في الحضَر للحاجة لمَن لا يتخذُه عادةً، وبه قال أَشهَب، والقَفَّال الشَّاشي. * * * 13 - بابُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقَالَ أَبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ: مِنْ قَعْرِ حُجْرتِهَا. (باب وقْت العَصْر) (من قعر حجرتها) دليلٌ أَنَّ أوَّل وقْت العصر مصيرُ ظِلِّ الشَّيء مثلَه، لأَنَّ الشَّمس لا تكون في قَعْر حُجرتها إلا ذلك الوقْت، لا سِيَّما

في الحُجْرة الصَّغيرة. * * * 544 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا. 545 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا، لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا. 546 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي صَلاَةَ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ في حُجْرَتِي لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ بَعْدُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَشُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: وَالشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. الحديث الأَوَّل، والثَّاني: (بعد) مبنيٌّ على الضَّمِّ لتضمُّنه معنى الإضافة. (وقال مالك) إلى آخره، روايةُ الأربعة عن الزُّهري، فرواية مالكٍ وصلَها البُخاريُّ، عن القَعْنَبِي، عنه. (ويحيى)؛ أي: ابن سَعيد الأنصاري، وصلَها الذُّهْلِي في "الزُّهريات".

(وشعيب) بن أبي حَمزة بالمُهمَلة، وصلَها الطَّبَراني في "مُسند الشَّاميِّين". (وابن أبي حفصة)؛ أي: محمد بن مَيْسرة، وصلَها الذُّهْلِي. * * * 547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَوْفٌ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلاَمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَناَ وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كيفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونها الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُناَ إِلَى رَحْلِهِ في أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ في الْمَغْرِبِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. الحديث الثَّالث: (عبد الله)؛ أي: ابن المُبارَك. (سيار)؛ أي: أبو المِنْهَال. (الأسلمي) بفتح الهمْزة. (المكتوبة)؛ أي: المَفروضة التي كتَبَها الله على عباده.

(الهجير)؛ أي: الهاجِرَة، وفي بعضها: (الهَجِيْرة). (تدعونها) أَنَّثَ باعتبار الصَّلاة، أو الهاجِرة، أو الهَجِيْرة. (الأُولى) لأنَّها أوَّل صلاةٍ في إمامة جِبْريل، وقال البَيْضاويُّ: أوَّل صلاة النَّهار. قلتُ: لكنَّ الصَّحيح أنَّ الصُّبح نهَاريَّةٌ، فهي أُولى. (تدحض)؛ أي: تَزُول عن وَسَط السَّماء إلى جِهَة المَغرب. (رحله)؛ أي: مَسكنِه ومَوضعِ أثَاثه. (في أقصى) صفةٌ لـ (رَحْلٍ)، لا ظَرْفٌ للفعل. (وكان)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (العَتَمَة) بفتح الفَوقانيَّة من عَتَم، أي: أَظلَم، وهي من اللَّيل بعدَ غَيبة الشَّفَق. قال الطِّيْبيُّ: لعل تقييد الظُّهر بالأُولى، والعِشاء بالعَتَمَة للإشعار بعلَّة تقديم الظُّهر، وتأخير العِشاء، ولم يُقيِّد غيرَهما اهتمامًا بالأَولويَّة فيهما. (والحديث)؛ أي: التَّحديث في الأُمور الدُّنيويَّة، فهو المَكروه لا ما يتعلَّق بالدِّين، فقد سبَق في (باب السَّمَر في العِلْم) حديثُه - صلى الله عليه وسلم -. (ينفتل)؛ أي: يَنصَرِف، يُقال: فتَلَه فانفَتَلَ كصَرَفَه فانصَرَف، وهو مَقلوبُ لَفَت. * * *

548 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الإنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَنجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ. الحديث الرابع: (إلى بني عمرو)؛ أي: مَنازلِهم على مِيْلَين من المَدينة. قال (ن): كان - صلى الله عليه وسلم - يُعجِّل أوَّلَ الوقْت، وتأخير أهل بني عَمرو لكونِهم أهلَ أعمالٍ في زُروعهم وحَوائطهم، فإذا فَرَغوا تأَهَّبوا للصَّلاة بالطَّهارة وغيرِها، ثم اجتمعوا فتَتأخَّر صلاتُهم إلى وسَط الوَقْت. قال: والحديثُ حُجَّةٌ عل الحنفيَّة في قولهم: لا يَدخُل العَصْر إلا بمصير ظِلِّ الشَّيء مثلَيه. * * * 549 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْناَهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ يَا عَمِّ! مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي كنَّا نُصَلِّي مَعَهُ. 550 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْعَصْرَ

وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ. 551 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. الخامس: (حُنيف) بضَمِّ المُهمَلة. (أبا أُمامة) هو أَسعَد بن سَهْل، وهو صحابيٌّ على الأصحِّ. (دخلنا على أنس)؛ أي: في داره بجنب المَسجِد. (يا عم)؛ أي: يا عَمِّي، فحذف الياء. (الصَّلاة)؛ أي: نوعُ الصَّلاة لا أن السُّؤال عن شَخْصها. قلتُ: فيه نظَرٌ. قال (ن): الحديث صريحٌ في التَّبكير بالعَصْر أوَّلَ وقْتها، وإنَّما أخَّر عمر الظُّهرَ إلى آخر وقتها حتَّى كانت صلاةُ أنَس العَصْر تعقبُها إما على عادةِ الأُمَراء قبلَه قبل أَنْ تَبلغَه السُّنَّةُ في التَّعجيل، أو أَخَّر لعُذْرٍ، وكان قد وَلِي نيابةَ المدينة قبْل خلافته، فإن خلافتَه إنَّما كانتْ بعد وفاة أنَس بنحو تسع سنين. (العوالي) الذين حولَ المدينة، جمع عاليَة. (فيأتيهم)؛ أي: يَأتي أهلهم.

14 - باب إثم من فاتته العصر

(وبعض العوالي) إلى آخره إما من كلام البُخاري، أو مُدرَجٌ من كلام أنَس، أو الزُّهري. (أميال) جمعُ مِيْل، أي: ثلُث فَرْسَخ، ضمَّنه المُبادرة بالعصر؛ لأنَّه لا يَذهب أميالًا والشَّمس لم تتغيَّر إلا إذا صلَّى حين صار ظِلُّ الشَّيء مثلَه، ولا يكاد يحصُل ذلك إلا في الأيَّام الطَّويلة. وقُبَاء على نحوِ ثلاثةِ أميالٍ من المدينة، والأفصحُ فيها الصَّرفُ والتَّذكيرُ والمَدُّ، ويجوز مقابلُها. قال التَّيْمي: الصَّحيح بدل قُبَاء: العَوَالي، كذا رواه أصحاب ابن شِهَاب كلُّهم غيرَ مالك، حتَّى عُدَّ من أوهام "المَوطَّأ". * * * 14 - بابُ إِثمِ مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ (باب إِثْم مَن فاتَه العَصْر) 552 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ". (تفوته العصر) في بعضها: (صَلاةُ العَصْرِ). (كأنَّما) في بعضها: (فكأنَّما) لتَضمُّن المَوصول الذي هو مبتدأٌ

معنى الشَّرط، فلذلك يَجوز الفاءُ وتركُها. (وُتِرَ) بضَمِّ أوَّله مبنيًّا للمَفعول. (أهله وماله) بالنَّصْب مفعولٌ ثانٍ لـ (وُترَ) بمعنى نُقِصَ، فيتعدَّى لاثنين، وأوَّلُهما هو النَّائب عن الفاعل، وهو ضميرٌ يعود على (الذي)، وإلى ذلك أشار البُخاريُّ بقوله: (يَتِرَكُم)، يشير إلى قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]، أي: لن يَنقُصَكم أعمالَكم. قال (خ): وقيل معناه: سُلِبَ أهلَه ومالَه، فبقيَ وِتْرًا ليس له أهلٌ ولا مالٌ، أي: يَحذَر فواتَ العصر، ويَكره ذلك كما يكره أن يُسلبَ مالَه وأهلَه. (قتلت له قتيلًا) يُوافقه قول الجَوْهَري: المَوتُور الذي قُتِلَ فلم يُدرَك بدَمهِ، تقول منه: وتَرهُ تِرَةً، ووتَرَهُ حقَّه، أي: نَقَصَه، قال تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]، أي: في أعمالكم، كدخلتُ البيتَ، أي: في البيت. قال (ن): ورُوي برفع اللَّامَين على أنَّه النَّائب عن الفاعل، أي: انتُزِعَ منه الأهلُ والمالُ، وهو ما قال ابن مالك؛ لأنَّهم المُصابون المَأخوذون. قال (ن): والنَّصْب عليه الجمهور، وقال ابن عبد البَرِّ: إنَّه كالذي يُصاب بالأَهل والمال إصابةً يطلبُ بها الوَتْرَ بفتح الواو، أي: الجنايَة التي يُطلَب ثَأْرُها، فيجتمع عليه غَمَّان: غَمُّ المُصيبة، وغَمُّ طلَب الثَّأْر، قال: والأظهر أنَّه للتَّارك عامدًا لا ناسيًا، وقيل: ويحتمل

15 - باب من ترك العصر

أنَّه يُلحَق بالعصر سائرُ الصَّلوات، وإنَّما خُصَّت العصر بالذِّكر لأنَّها وقت تعبِ النَّاس مِن أشغالهم وتَتميم وظائفهم. * * * 15 - بابُ مَنْ تَرَكَ العَصْرَ (بابُ مَنْ ترَكَ العَصْر) 553 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيح، قَالَ: كنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ في غَزْوَةٍ في يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ". (بكروا)؛ أي: أَسرِعُوا، فكلُّ مَن سارعَ إلى شيءٍ أيَّ وقتٍ كان يُقال: بكَّرَ، وأَبكَرَ، أي: صلُّوا المَغْربَ عند سُقوط القُرص. (حبط) بكسر الباء، أي: بطَل وفسَد، والمُراد بُطلان الثَّواب، فليس في الحديث حُجَّةٌ لقول بعض المُعتزلة: إنَّ المَعصيةَ تُحبِطُ الطَّاعة لمَا ذكرناه، أو المراد تَركها مُستَحِلًّا لذلك، [أو] على قول أحمد: إنَّ تارك الصَّلاة عَمْدًا يكفُر، فيَحبَطُ عملُه بسبب كُفره، أو يقال: المُراد بالعمَل عمَل الدُّنْيا الذي شغلَه عن الصَّلاة، أي: لا يَنتفِع به ولا يَتمتَّع، أو المُراد بالحُبوط نُقصان عمله في يَومه، أو الأَعمال

16 - باب فضل صلاة العصر

بالخَواتيم لا سِيَّما في الوقت الذي يَقرُب أنْ تُرفع فيه الأعمال، وهو واردٌ على سبيل التَّغليظ، أي: فكأنَّما حَبِط عملُه. * * * 16 - بابُ فَضْلِ صَلاَةِ الْعَصْرِ (باب فَضْل صلاةِ العَصْر) 554 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً -يَعْنِي: الْبَدْرَ- فَقَالَ: "إِنَّكمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا، لاَ تَفُوتَنَّكُم. الحديث الأَوَّل: (إسماعيل) بن أبي خالد. (ليلة) الظَّاهر أنَّها تنازعَها فِعْلان: كانَ، ونظَرَ. (تُضامون) يُروى بوجهَين: أحدهما: بالمُعجَمَة وخفَّة الميم، أي: لا يَنالُكم ضَيْمٌ في رُؤيته،

أي: تعَبٌ، أو ظُلْمٌ فيَراه بعضُكم دون بعضٍ بأن يَدفعَه عن الرُّؤية ويَستأثِرَ بها. قال ابن الأَنْباري: أي: لا يقعُ لكم في الرُّؤية ضَيْمٌ، وهو الذُّلُّ، وأصله: تُضْيَمُون، نُقلت فتحةُ الياء على السَّاكن قبلَها، وهو الضَّاد، فانقلبتْ ألفًا لانفِتاح ما قبلَها. الثَّاني: بفتح التَّاء، وتشديد الميم، قال (خ): أصلُه: تَتضامُّون، حُذفت إحدى التَّاءَين، أي: لا تَتزاحَمون كما يفعلُه النَّاس في رُؤية الشَّيء الخَفيِّ. قال التَّيمي: أو المعنى: لا تجتمعوا للنَّظَر، ويُضمُّ بعضُكم إلى بعضٍ، فيقولُ واحدٌ: هو ذاك، وآخَرُ: ليس بذاكَ، كما يقَع مثلُه في رُؤْية الهِلال، أي: بخلاف رُؤية القمَر وهو بَدْرٌ. (فإن استطعتم) إلى آخره، دليلٌ أنَّ الرُّؤية يُرجَى مثلُها بالمُحافظة على هاتَين الصَّلاتَين. (لا تغلبوا) بالبِناء للمَفعول. (فافعلوا)؛ أي: تَرْكَ المَغلوبيَّة التي لازِمُها الإتيان بالصَّلاة، كأنَّه قال: فصلُّوا. (ثم قرأ: فسبح) التِّلاوة: {وَسَبِّحْ} بالواو. (لا يفوتنكم) بنونِ التَّوكيد، والفاعل ضميرُ الصَّلاة، وهذا من كلام إسماعيل تفسير لـ (افعلُوا).

وفي الحديث: أَنَّ رُؤيةَ الله مُمكنةٌ يَراه المُؤمنون في الآخرة، كما هو مذهب أهل السُّنَة، ومعنى التَّشبيه أنَّ ذلك محقَّقٌ بلا مشقَّةٍ ولا خفاءٍ كرُؤية القمَر، فهو تَشبيهٌ للرُّؤية بالرُّؤية، لا المَرئيِّ بالمَرئيِّ. وفيه زيادةُ شرَف المُصلِّين والصَّلاتَين لتَعاقُب المَلائكة فيهما، ولمَا في وقت الصُّبح من لَذاذة النَّوم كما قال (ع): ألذُّ الكَرَى عِنْدَ الصَّبَاحِ يَطِيْبُ والقِيامُ فيه أشقُّ على النَّفس، ووقْت العصر وقْتُ الفَراغ، والصِّناعات، وإتمام الوظائف، فإذا واظَب عليهما كانت مُواظبتُه على غيرهما أَولى. * * * 555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يتعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ في صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". الحديث الثَّاني: (يتعاقبون)؛ أي: تعقُب طائفةٌ طائفةً بالإتيان، وقيل: معناه يَذهبونَ ويَرجِعون.

(ملائكة)؛ نكرةٌ لإفادة أنَّ الثَّانية غيرُ الأُولى كما في: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12]، ورفعُه على أنَّه بدلٌ من الضَّمير في (يتعاقبون)، أو بيانٌ، لا أنَّه فاعلٌ، والواو علامةٌ؛ لأَنَّ ذلك لغةُ بني الحارث، وتُعرَف بأكلُوني البَراغيث، على أنَّ ابن مالك وغيرَه ذهبوا إلى حَمله على هذه اللُّغة، وجعلُوه شاهدًا لها، وقال السُّهَيْلي: لا شاهدَ فيه؛ لأنَّه مختصرٌ من حديث مُطوَّلٍ رواه البَزَّار بلفظ: (إِنَّ للهِ مَلائِكَةً يَتعاقَبُونَ). قلتُ: بل يأتي الحديثُ أواخرَ البُخاري، وبمثله رَدَّ أبو حَيَّان على ابن مالك. (في صلاة)؛ أي: في وقتِ صلاةٍ. (أعلم بهم)؛ أي: بالمُؤمنين من المَلائكة، فحُذفت صلَةُ التَّفضيل. قلتُ: إلا أن يُراد: عالِمٌ؛ فلا حاجة لصِلَةٍ. (وأتيناهم) هو زيادةٌ في الجواب عن سُؤال: كيف تَركتُم؟ لإظهارِ فضْل المُؤمنين، والحرصِ على ما يُوجب مغفرتَهم، فإنَّها وظيفتُهم، كما قال تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7]، واجتِماعُ المَلائكة في الوَقْتين لُطفٌ بالمؤمنين لمُشاهدتهم ما شَهِدوه من خيرهم، وسُؤال الرب تعالى يحتمل أنَّه لطلَب اعتِراف المَلائكة بذلك ردًّا على ما كانوا قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30]، أو أنَّه تَعَبَّدَ الملائكة بالشَّهادة للمؤمنين كما تَعَبَّدَهُم بكَتْب

17 - باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب

أعمالهم، وهو عالمٌ بها، والمَلائكة هم الحفَظة على قول الأكثر، ويحتمل أنَّهم غيرهم، وفيه أنَّ ملائكة اللَّيل لا يَزالون حافظين العباد إلى الصُّبح، وذكْرُ الذين باتُوا دون الذين ظلُّوا إما للاكتِفاء نحو: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل:81]، وإما لأَنَّ اللَّيل مَظِنَّةُ المعصية ومَظِنَّة الرَّاحة، فلمَّا لم يعصُوا أو اشتَغلوا بالطَّاعة، فالنَّهار أَولى بذلك، وإما لأَنَّ طرَفَي النَّهار يُعلم من طرَفي اللَّيل. واعلم أنَّ القَضاء على مُصلِّي العصر بذلك يَصدُق بفعلها في أيِّ وقتٍ كان من أوقاتها الخمْسة المَذكورة في الفقه: وقت الفَضِيْلة، والاختِيار، والجَواز، والكَراهة، والعُذْر بالتَّقديم في الجمْع. * * * 17 - بابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ (باب مَنْ أَدرَك ركْعةً من العَصْر) 556 - حَدَّثنَا أَبُو نَعِيمٍ، قَالَ: حَدَّثنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ، وإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ".

الحديث الأَوَّل: (سجدة)؛ أي: ركعةً برُكوعها وسُجودها، فأطلَق البعضَ على الكُلِّ. فيه دليلٌ على أبي حنيفة في قوله: إذا طلَعت الشَّمسُ وهو في صلاة الصُّبح تبطُل؛ لأنَّه دخَل وقتُ النَّهي عن الصَّلاة بخلاف الغُروب، فالنَّصُّ مقدَّمٌ على القِياس، أما [ما] دونَ الرَّكعة، فلا يُدرك به الوقت؛ لأنَّ قَدْر الصَّلاة يُدرَك به اتفاقًا، وقَدْرُ الرَّكعة بالنَّصِّ فدُونَه لا دليلَ فيه كالتَّكبيرة وما يَقرُب منها، أو لا يكاد يُحَسُّ. (فليتم)؛ أي: يُتمُّها أداءً كما هو الصَّحيح من الأَوجُه في المَسألة، ثالثها تلك الرَّكعة أداءٌ وما بعدها قَضاءٌ، وفائدة الخلاف: في مسافرٍ نَوى القَصْر وصلَّى ركعةً في الوَقْت، فإنْ قُلنا: الجميعُ أداءٌ فله قَصْرها، أو قضاءٌ أو بعضُها وجَبَ إتمامُها بناءً على أنَّ فائتة السَّفَر تَتِمُّ في القَضاء. قلتُ: لكن الأَصحُّ جوازُها قصْرًا، أمَّا دُون الرَّكعة فالكلُّ قضاءٌ عند الجمهور. * * * 557 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ

صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإنْجِيلِ الإنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيراطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا! أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيراطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ". (بقاؤكم فيما سلف) ليس المُراد في الزَّمنِ السَّالِف؛ لأنَّه محالٌ، إنَّما المراد في جُملة من سلَف، أي: في نِسْبتكم إليهم كنِسْبة وقْت العصْر إلى تَمام النَّهار. (إلى غروب) كان القياس: (ومِنْ)، لكنْ فيه حذْفٌ، أي: من أَجزاء وقت صلاة العصر المُنتهية إلى غُروب. (عجزوا)؛ أي: انقطَعوا، وماتوا. (قيراطًا) أصلُه: نِصْفُ دانقٍ، والمُراد به هنا النَّصيب، وسبَق أنَّ أصلَه قِرَّاط بالتشديد؛ بدليل جمعه على قَرارِيْط، وسبَق البحث فيه في (باب اتباع الجنائز من الإيمان)، وكرَّر قيراطًا؛ لأجل القسمة على متعدِّد. (أي) من حُروف النِّداء، أي: يا. (أكثر عملًا) هو في اليهود ظاهرٌ، وفي النَّصارى كذلك إذا قُلنا:

أوَّل وقْتِ العصْر مصيرُ ظِلِّ الشَّيء مثلَيه كما يقوله الحنفيَّة، أمَّا من يقول: يدخل بمصير ظِلِّ الشَّيء مثلَه كالشَّافعية، فمُشكِلٌ، فلذلك جعلَه الحنفية من أدلة مذهبهم، وجوابُه: مَنْعُ أن لا يكون من الزَّوال، ومصير الظِّل مثلَه أكثر مما بينه وبين الغُروب، ولئنْ سُلِّم، فمجموعُ عمل الفَريقين أكثرُ، وإنْ لم يكُ عمل أحدهما أكثرُ، وأنَّه لا يَلزم من أنَّهم أكثر عملًا أنَّ زمان عملهم أكثر؛ لجواز أن يكون عملٌ أكثرُ في زمانٍ أقلَّ، وسيأتي في آخِر الصَّحيح في (كتاب السُّنَّة): أنَّ أهل التَّوارة قالوا ذلك، لكنْ قال ابن الجَوْزِي: بين عيسى ومحمَّد - صلى الله عليه وسلم - ستُّ مئةٍ، وهذه الأُمة قاربتْ ستَّ مئةٍ، فكيف يكون زمانُها أقلَّ؟ قال: وجوابه: أنَّ عملَها أسهَل، وأَعمارُ المُكلَّفين أقصَر، والسَّاعة إليهم أَقْرب، فجاز أَنْ يكون زمانُ عمَلهم أقصَر، انتهى. أما باعتبار قَول هؤلاءِ في ذلك، فإنَّما هو لتَقرير الله لهم لا أنَّ قولَهم حُجَّةٌ. (ظَلَمْتُكم)؛ أي: نَقَصْتُكم، فإنَّ الظُّلم تارةً بالزِّيادة، وتارةً بالنَّقص. (فهو فضلي)؛ أي: كلُّ ما أعطيتُه من الثَّواب؛ فلا عُلْقة للمُعتزلة في قولهم: ثَوابُ قَدر العمَل مُستحَقٌّ، والزَّائد هو الفضل. ووجه مطابقة الحديث للترجمة من قوله: (إِلَى غُرُوبِ)، فدل أنَّ الغُروب آخِرُ الوقْت، وأن العمل قَبلَه معتبرٌ في الإدراك، ويحتمل أنَّهم

لمَّا عملوا أقلَّ من عملهم وأُثيبوا بقَدْر ما أخَذ أولئك وأكثَرَ كان تَنبيهًا على أنَّ حُكم البعض في الإدراك حكمُ الكلِّ فيه. * * * 558 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فَاستَأْجَرَ آخَرِينَ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ، وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا، فَاستَأْجَرَ قَوْمًا فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ". الحديث الثَّاني: (أبو كُريب) محمَّد بن العلاء. (أبو أُسامة) حَمَّاد. (كمثل رجل) إنَّما لم يقُل: أقوامٍ، لأَنَّ المُراد تشبيهُ مركَّبٍ بمركَّبٍ، لا مفردٍ بمفردٍ، حتَّى تدخل الكاف على المُشبَّه. (لا حاجة)؛ أي: فنَتركُ العملَ، فالمُراد اللَّازم لنَفي الحاجة. (حين) منصوبٌ خبرُ (كان)، أي: كان الزَّمان زمان الصَّلاة، أو

18 - باب وقت المغرب

مرفوعٌ على أنَّ (كان) تامَّةٌ. (الفريقين)؛ أي: الأَوَّلين، واعلم أنَّ في الحديث السَّابق أنهم أخذوا قيراطًا قيراطًا، وهذا فيه أنَّهم لم يأْخُذوا شيئًا، فيُجمع بينهما: بأنَّ ذاك فيمَن ماتُوا قَبل النَّسْخ، وهذا فيمن حرَّف، أو كفَر بالنبيِّ الذي بعدَ نبيِّه. قال (خ): دلَّ فَحْوَى وجوه الحديث المُختلفة أنَّ المَشرُوط لكلٍّ من الفَريقَين قِيْراطان، فلو أتَمُّوا العملَ إلى آخر النَّهار استحقُّوهما، فلمَّا اعتزلوا عن العمل لم يُصيبوا إلا ما خصَّ كلًّا من ذلك وهو قِيْراطٌ، والمُسلمون استَوفَوا العمل فاستحقُّوا، فحسَدَهم الفريقان، وفي طريق أبي موسى زيادةُ بيانٍ بقولهم: (لا حَاجَةَ)، إشارةٌ إلى تَحريفهم وتَبديلهم، فحُرِموا لجنايتهم على أنفسهم بامتناعهم من تَمام العمل. * * * 18 - بابُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. (باب وقْتِ المَغرِب) 559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ صُهَيْبٌ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ

خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَنْصَرِفُ أَحَدُناَ وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. الحديث الأَوَّل: (الوليد)؛ أي: ابن مُسلم، عالم الشَّام. (أبو النجاشي) بفتح النُّون، وخِفَّة الجيم: عطاء بن صُهَيب، بضَمِّ الصَّاد المُهمَلة. (ليبصر) بضَمِّ الياء (نبلَه) هي السِّهام العرَبية، مؤنَّثٌ لا واحدَ لها من لفظها، أي: يُبكِّر بالمغرب أوَّلَ الوقت حيث إذا رمَى نبْلًا أبصرَ موضع نبَلِه؛ لبقاء الضوء. وأما الأحاديث الدَّالة على تأخيرها إلى قُرب سُقوط الشَّفَق، فلبيان الجواز. * * * 560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا، إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا، أَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ.

الحديث الثَّاني: (سعد)؛ أي: ابن إبراهيم. (الحُجاج) بضَمِّ الحاء جمع حاجٍّ، وفي بعضها بالفتح، أي: ابن يوسف الثَّقَفي والي العراق، وهذا أصحُّ، فهو كذا في "مسلم". (بالهاجرة)؛ أي: وقت شدَّة الحَرِّ، يَهجُر فيها النَّاس تصرُّفهم ويَقِيْلون. (نقية)؛ أي: صافيةٌ بلا تغيُّر. (وجبت)؛ أي: غابتْ، وأصل الوجوب السُّقوط. (أبطأوا) بوَزْن أحسَنُوا، والجملتان الشَّرطيَّتان في محلِّ نصبٍ حالٌ من الفاعل، أي: مُعجِّلًا ومُؤخِّرًا، ويحتمل من المفعول، ورابطُه محذوفٌ، أي: عجَّلها وأخَّرها. (أو كان) الشكُّ من الرَّاوي عن جابر، والمُراد بهما واحدٌ؛ لأنَّهم كانوا يصلُّون معه، فإما يعود الضَّمير للكلِّ، أو له - صلى الله عليه وسلم -، وهم تَبَعٌ له، والمُراد: أنَّ شأْنَه التَّعجيل فيها أبدًا كالعشاء. قال (ط): معناه كانوا مُجتمِعين أو لا كأنْ يُصلِّيها - صلى الله عليه وسلم - بغَلَسٍ، ففيه حذْفُ خبر (كانوا)، وحَذْف الجملة التي بعدها، أي: أو لم يَكونُوا مُجتمِعين. قال الحافظ رَشيد الدِّين العَطَّار: في "مسلم": كانُوا، أو قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّيها بغَلَس، فظاهرٌ أنَّ الشَّكَّ من الرَّاوي، فإنْ كان

كذلك فيقدَّر غير ما ذكره (ط). * * * 561 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. الحديث الثَّالث: (حدثنا المكي) هو رابعُ ثلاثيَّات البُخاري. (توارت)؛ أي: الشَّمس، ولفظُ: المغرب يدلُّ عليها. * * * 562 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعًا جَمِيعًا، وَثَمَانِيًا جَمِيعًا. الرابع: (سبعًا)؛ أي: سبعَ ركَعاتٍ، والمُراد الجمع بين الظُّهرين وبين المَغربَين، وينبغي حملُه على جمع التَّأخير ليدلَّ على التَّرجَمة، وسبَق مباحث الحديث في (باب تأخير الظُّهر). * * *

19 - باب من كره أن يقال للمغرب: العشاء

19 - بابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ: الْعِشَاءُ (باب مَنْ كَرِه أنْ يُقال للمَغرب العِشَاء) 563 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ -هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو-، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْمُزَنِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاَتِكُمُ الْمَغْرِبِ". قَالَ: الأَعْرَابُ وَتَقُولُ: هِيَ الْعِشَاءُ. (الأعراب) سكَّان البَوادي، أما العرَب فجيلٌ من النَّاس. (العشاء) بكسر العين والمَدِّ: من المَغرب للعتَمة، وقيل: من الزَّوال إلى طُلوع الفجر، قاله الجَوْهَري، أي: كانت الأَعراب يُطلقونها ويُريدون المَغرب، فيَشتَبِهُ ذلك على غيرهم من المسلمين، والنَّهي في الظَّاهر لهم، وفي الحقيقة للعُموم؛ لأَنَّ الأعراب لم يَتبعوا القرآنَ في تسميتِها العشاء، ولا السُّنَّة في تسميتها المَغرب. * * * 20 - باب ذِكْرِ العِشَاءِ والعَتَمةِ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أثقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ

الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ"، وَقَالَ: "لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَالاِخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ: الْعِشَاءُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ}. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كنَّا نتَنَاوَبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ فَأَعْتَمَ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعِشَاءَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعَتَمَةِ. وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْعِشَاءَ. وَقالَ أَبُو بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ. وَقَالَ أَنسٌ: أَخَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ الآخِرَةَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أَيُّوبَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. (باب ذِكر العِشاء والعَتَمَة) بفتح المُهمَلة والمُثنَّاة فوقُ: هي بعد غَيْبة الشَّفَق، والعَتَم: الإبطاء. (واسعًا)؛ أي: وأَنَّ إطلاق العَتَمَة والعِشاء جائزٌ. (أثقل) لأنَّه وقت راحة البدَن. (وقال)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أو أبو هريرة، عنه. (لو) جوابُها محذوفٌ، أي: لأَتوهما ولَو حَبْوًا، كما في "مسلم"،

وتعليق البُخاري عن أبي هريرة هو حديثان، وصَلَ الأَوَّل منهما في (باب فضْل العشاء جماعةً)، والثَّاني في (الأذان). (والاختيار) اقتبسَه البُخاريُّ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تغلبنَّكم الأَعرابُ) الحديثَ، أو من قول الله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]. (ويذكر عن أبي موسى) وصلَه بعدُ في (باب فضل العشاء)، وإنَّما ذكَره بالتَّمريض؛ لأنَّه ساقَه بالمعنى. قال (ش): وهذا أحدُ ما يُرَدُّ به على ابن الصَّلاح في قوله: إنَّ تَعليقَه بصيغة التَّمريض غيرُ صحيحٍ. قلت: إنَّما قال: لا يدلُّ على الصِّحَّة، ولم يَقُل: إنَّها تدلُّ على الضَّعف، وبينهما فَرْقٌ. (فأعتم)؛ أي: أخَّر حتَّى اشتدَّتْ عتَمة اللَّيل، وهي ظُلْمتُه. (وقال ابن عبَّاس) وصلَه في (باب النَّوم قبلَ العِشاء). (وعائشة) وصلَه في (باب فضل العشاء) عن عَقِيْل، عن الزُّهري، عن عروة، عنها. (وقال بعضهم: عن عائشة) وصلَها هناك من طريق صالح بن كَيْسَان، عن الزُّهري. (وقال جابر) وصلَه في (باب وقت العِشاء). (وقال أبو برزة) سبَق وَصْلُه في (باب: وقت الظُّهر). (وقال أنس) وصلَه في (باب وقت العِشاء إلى نِصْف اللَّيل).

21 - باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا

(وقال ابن عمر، وأبو أيوب) وصلَهما في (الحجِّ). (وابن عبَّاس) وصلَه في (باب تقصير الصَّلاة)، وغرَضُه من ذلك كلِّه إطلاقُ العَتَمَة والعِشاء. * * * 564 - حَدَّثَنا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخبَرناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونُسَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ سَالِمٌ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ، قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءَ -وَهْيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ- ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". (أرأيتكم)؛ أي: أَخبِرُوني، وسبق بيان الحديث في (باب السَّمَر في العِلْم). (منها)؛ أي: من اللَّيلة. (لا يبقى) هو خبرُ (إِنَّ)، والتَّقدير: لا يبقى عنده، أو فيه. * * * 21 - بابُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَوْ تَأَخَّرُوا (باب وقْت العِشاء إذا اجتمَع النَّاسُ) 565 - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ

22 - باب فضل العشاء

سَعْدِ بن إِبْراهيمَ، عَنْ مُحَّمَدٍ بنُ عَمرٍو -هُوَ ابنُ الحَسَنِ بنِ عَليٍّ-، قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بنَ عَبدِ اللهِ عَنْ صلاةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ إذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ. سبَق في (باب وقت المَغرب) مَباحِث الحديث المَذكور هنا، وفيه نَدبيَّةُ انتِظار حُضور النَّاس للجماعة، وكراهيةُ طُول انتظارِهم إذا اجتمعوا: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]. قال التَّيْمي: كان تَعجيلُه بعد غَيْبة الشَّفَق -أي: الحُمرة- عند الشَّافعي، والبَياض بعدَها عند الحنَفي. * * * 22 - بابُ فَضْلِ الْعِشَاءِ (باب فَضْل العِشاء) 566 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلاَمُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ: ناَمَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ فَقَالَ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ: "مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ".

الحديث الأَوَّل: (ينتظرها)؛ أي: الصَّلاة في هذه السَّاعة، إما لأنَّه لا يُصلَّى حينئذٍ إلا بالمدينة، أو أنَّ سائر الأَقوام ليس في دينهم صلاةٌ في هذا الوقت. (غيركم) بالرَّفعْ صفةٌ لـ (أحد)، وإنْ كان نكرةً؛ لأنَّ غير لا تَتَعرَّف بالإضافةِ لمعرفةٍ؛ لتَوَغُّلها في الإبهام إلا إن أُضيفتْ لما اشتُهر بالمُغايرة، أو بدلٌ منه، ويجوز النَّصْب على الاستثناء. * * * 567 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كُنْتُ أَناَ وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي في السَّفِينَةِ نُزُولًا في بَقِيعِ بُطْحَانَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءَ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ - عليه السلام - - أَناَ وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ في بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلاَةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ، قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ: "عَلَى رِسْلِكُمْ، أَبْشِرُوا إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ"، أَوْ قَالَ: "مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ"، لاَ يَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ؟، قَالَ أَبُو مُوسَى: فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

الثَّاني: (نزولًا) جمعُ نازِل، كشُهود وشاهد. (البقيع) بفتح المُوحَّدة وكسر القاف، قال الجَوْهَري: موضعٌ فيه أُرومُ الشَّجَر من ضُروب شتَّى. (بطحان) بضَمِّ المُوحَّدة، وسُكون المُهمَلة: وادٍ بالمدينة لا يَنصرِف، قال (ع): هذه رواية المُحدِّثين، وأهلُ اللُّغة بفتح المُوحَّدة، وكسر الطَّاء. (نفر)؛ أي: عِدَّةٌ رجالٍ من ثلاثةٍ إلى عشرةٍ. (ابهار) بسكون المُوحَّدة، وشدَّة الرَّاء: انتَصَفَ، والمَصدر إبْهرارٌ، وقيل: ذهَب بمعظمه، وبُهرة الليل -بالضَّمِّ-: وسَطُه. قال أبو سعيد الضَّرِير: قد يَبهَارُّ قبل أن يَنتصفَ، أي: تطلُع نجومُه، فإنَّه إذا أقبلَ أقبلَت، فإذا اشتَبكتْ ذهَب العَتَمَةُ، والباهِرُ المُمتلئ نُورًا. (رسلكم) بفتح الرَّاء وكسرها، أي: هِيْنَتِكم، أي: التَّأَنِّي. (أبشروا) يُقال: مِن أبشَرَ الرُّباعي، ومِن بَشَر، والهمزة قَطعٌ على الأَوَّل، وصلٌ على الثَّاني. (أن من) بفتح الهمزة، وكسرها. (أنَّه) بفتح الهمزة؛ لأنَّه اسم (إنَّ)، والجارُّ والمجرور خبرُها، قُدِّم للاختصاص.

23 - باب ما يكره من النوم قبل العشاء

(فَرْحى) إما جمعُ فَرِيْح على غير قياسٍ، وإما مُؤنَّثُ أَفْرَح، وُصِفَ به جماعة المُخاطبين كما تقول الرجال: فَعَلَتْ، وفي بعضها: (فَرَحًا) بفتح الرَّاء، مصدرٌ وُصِفَ به، وفي بعضها: (فَرِحْنَا)، وسبب الفَرَح خُصوصيَّتُهم بهذه العبادة التي هي نعمةٌ عظيمةٌ. وفي الحديث: جواز الحديث بعد العِشاء، وإباحةُ تأخير العشاء إذا عَلِمَ بالقَوم قوَّةَ الانتظار؛ لأنَّ المُنتظِر للصَّلاة كالذي في صلاةٍ، وأما إلى النِّصْف، فقيل: منَعه شُغلٌ، ولم يكن ذلك عادةً له. * * * 23 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ (باب ما يُكره من النَّوم قَبلَ العِشاء) 568 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِي، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءَ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. (محمَّد) قال الغَسَّاني: قال ابن السَّكَن: هو ابن سلام. (قبل العشاء)؛ أي: قَبْل صلاتِها؛ لأنَّه يُعرِّضُها للفَوات باستِغراق النَّوم، أو لتَفويت الجماعة تَكاسُلًا. (والحديث بعدها)؛ أي: فيما لا مصلحةَ فيه في الدِّين كعِلْم،

24 - باب النوم قبل العشاء لمن غلب

وحكايات الصَّالحين، ومُؤانسة الضَّيف، والعَرُوس، والأمر بالمَعروف، وإنَّما كُرِه في غير ذلك خَوفَ السَّهرِ، وغلبةِ النَّوم بعده، فيفوتُ قيام اللَّيل، أو الذِّكرُ فيه، أو عن الصُّبح، أو الكسَل عن العمل بالنَّهار في مصالح الدُّنْيا، وحُقوق الدِّين. * * * 24 - بابُ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ (باب النَّوم قَبْل العِشاء لمَن غُلِبَ) بالبناء للمَفعول. 569 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ صَالِحُ بْنُ كيْسَانَ: أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعِشَاءَ حَتَّى ناَدَاهُ عُمَرُ: الصَّلاَةَ، ناَمَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ فَقَالَ: "مَا يَنتظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ"، قَالَ: وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ. الحديث الأَوَّل: (الصَّلاة) نُصِبَ على الإغراء. (نام) من بقيَّة كلام عمر. (قال)؛ أي: الرَّاوي، وإلا فالضَّمير لعائشةَ، فكيف يذكر؟!

(ولا يُصلى) مبنيٌّ للمفعول، أي: ما بلَغ الإِسلامُ بعدُ إلى سائر البلاد. (الشفق): الحُمرة عندنا كما هو في اللُّغة، وعند الحنفيَّة: البَيَاض. (إلى ثلث) فيه حذْف لأَجْلِ (بين) كما سبَق. وفي الحديث تَذكيرُ الإِمام، وفيه اعتذارُه لهم عند تأخيره، أو نحوِ ذلك مما يشقُّ عليهم. * * * 570 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرني نَافِعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً، فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْناَ في الْمَسْجدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْناَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ غيْرُكُمْ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أخَّرَهَا إِذَا كَانَ لاَ يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا، وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْحٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ. الثَّاني: (محمود) بن غيلان بالمُعجَمَة. (شُغِلَ) مبنيٌّ للمفعول.

(عنها)؛ أي: عن العِشاء. (لعطاء) الظَّاهر أنَّه ابن يَسَار، ويحتمل ابن أبي رَبَاح. (ماء) تَمييزٌ مُحوَّلٌ من الفاعل، أي: ماءُ رأسِه. * * * 571 - وقَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً بِالِعشاء حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ واسْتَيْقَظُوا ورَقَدُوا واسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلاَةَ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا"، فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءٌ: كَيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؟ فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ، ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا، يُمِرُّهَا كَذَلِكَ، عَلَى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ عَلَى الصُّدْغِ، وَناَحِيَةِ اللِّحْيَةِ، لاَ يُقَصِّرُ وَلاَ يَبْطُشُ إِلَّا كَذَلِكَ، وَقَالَ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا". (فاستثبت) بلفظ المُتَكلِّم. (أنبأه)؛ أي: أخبَره. (فبدد)؛ أي: فَرَّقَ. (قرن)؛ أي: جانِب.

25 - باب وقت العشاء إلى نصف الليل

(ثم ضمها) رواه مسلم: (صَبَّها)، بالصَّاد المُهمَلة، والباء الموحَّدة، قال (ع): وهو الصَّواب؛ فإنَّه يصف عَصْر الماءِ من الشَّعْر باليَدِ. (يعصر)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها: (يَقصِرُ) بالقاف، وهي رواية مسلم، أي: عن فِعْله ذلك من إِجراءِ أَصابعه عليه مُتمهِّلًا دون بَطْشٍ. (لأمرتهم) قال (ك): فيه دليلٌ لقول الأصوليين: الأَمْر للإيجاب. قلت: الخلاف في صِيغتِه، وأما لفْظُ الأمر فينطلِق على النَّدب على الأصحِّ، فالمَنفيُّ هنا أمرُ الإيجاب. (هكذا)؛ أي: في هذا الوقْت، أو بعدَ الغُسل. واعلم أنَّ النوم هنا محمولٌ على نَوم القاعِد؛ إذْ لم يَذكُر أحدٌ من الرُّواة أنَّهم توضَّؤوا منه، ولفظُ (استَيقظوا) في العُرف للأعمِّ من النَّوم، ومن السِّنَةِ، والغَفْلةِ، ففيه دليلٌ على المُزَنِيِّ في قوله: إنَّ قليلَ النَّوم وكثيرَه يَنقُض؛ لأنَّه محالٌ أن يعلَم الصَّحابة أنَّ النَّوم حدَثٌ، ويُصلُّون بعده. * * * 25 - بابُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَهَا.

(باب وقْت العِشَاء) التَّعليق عن أبي بَرْزَة سبَق أنَّه وصلَه. * * * 572 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيم الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْعِشَاءَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: "قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَناَمُوا، أَمَا إِنَّكُمْ في صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا". وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَناَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ. قوله: (عبد الرحيم) كذا في بعض الرِّوايات، وفي رواية أبي ذَرٍّ: (ثنا عبد الرَّحيمِ). (النَّاس) اللام فيه للعَهْد. (أما) بالتَّخفيف، تَنبيهٌ. (إنكم) بكسر الهمزة. (ما انتظرتموها)؛ أي: مدَّةَ انتظاركم. (وزاد ابن أبي مريم)؛ أي: سَعيد، هو موصولٌ في حديث المُخَلِّص. (وبيص) بفتح الواو، وكسر المُوحَّدة، وآخره مُهمَلة: البَرِيْق واللَّمَعان. (خاتم) فيه لُغاتٌ: كسر التَّاء، وفتحها، وخاتَام، وخَيْتام.

قلت: وخِتام وخَتم، سبَق مرَّاتٍ. (ليلتئذٍ)؛ أي: ليلة إذ أَخرَ الصَّلاة، فالتَّنوين عوضٌ عن المُضاف إليه. وظاهر إيراد البُخاري أنَّ وقْت العِشاء يَخرُج بالنِّصْف، فهو نظيرُ قَول الإصْطَخري من أصحابنا: يَخرُج بالثُّلُث، وأما الجمهور فعلى أنَّ هذا وقْتُ الاختيار، وأما الجَواز فإلى الفَجْر كحديث أبي قَتَادة: "لَيْسَ في النَّومِ تَفريطٌ، إنمَّا التَّفريطُ على مَنْ لم يُصَلِّ حتَّى يَجيءَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى"، أخرجه مسلم، وسبَق الخِلاف في أنَّ وقْت الاختيار يخرج بالثُّلُث، أو النِّصْف؛ فإنَّ المُختار عند (ن) في "شرح مسلم": النِّصف، قال: وقال ابن سُرَيج: لا اختِلاف بين روايتَي الثُّلُث والنِّصف؛ إذ المراد بالثُّلُث أنَّه أوَّل ابتدائه، والنِّصف آخرُ انتهائه، أي: شَرعَ من الثُّلُث وامتَدَّ إلى قُرب النِّصف، وحديث أبي قَتَادة مستمرٌّ على عُمومه في الصَّلوات إلا الصُّبح؛ فإنَّ وقْتَها يخرج بطُلوع الشَّمس لمَفهوم حديث: "مَنْ أَدرَكَ ركْعةً من الصُّبْح قَبلَ أَنْ تَطلُعَ الشَّمْسُ فقَدْ أَدْرَكَ الصُّبحَ"، وأما المَغرِب فالأصحُّ امتدادُها إلى وقْت العشاء، انتهى. قال التَّيْمي: قال مالك، والشَّافعي: آخِرُ وقت العشاء الثُّلُث، وأبو حنيفة: النِّصف، والنَّخَعِي: الرُّبُع. قلتُ: فإنْ أرادَ في أحد قولَي الشَّافعي الاختِيار فمُسلَّمٌ. * * *

26 - باب فضل صلاة الفجر

26 - بابُ فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ (باب فضْلِ صَلاةِ الفَجْر) في بعضها: (باب صَلاةِ الفَجْرِ)، أي: فأورد فيها، وفي فَضْلها. 573 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ: قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كمَا تَرَوْنَ هَذَا، لاَ تُضَامُّونَ -أَوْ لاَ تُضَاهُونَ- في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، ثُمَّ قَالَ: "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا". الأَوَّل: سبَق فيه مباحث في (باب فضل صلاة العَصْر). (تضُاهون) بضَمِّ الهاء من المُضاهاة، وهي المُشابَهة، أي: لا تَشتبِهُ عليكم، ولا تَرتابُون. (فسبح) في بعضها: (قَرَأَ فسَبِّحْ)، ولفظ القُرآن: {وَسَبِّحْ} [ق: 39]، بالواو. * * * 574 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنِي أَبُو

جَمْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ"، وَقَالَ ابْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ بِهَذَا. 574 / -م - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ حَبَّانَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَهُ. الثَّاني: (البَرْدين) بفتح المُوحَّدة، وسكون الرَّاء: صلاةُ الفَجْر والعَصْر؛ لأنَّهما في بَرْدَي النَّهار، وهو طَرَفاه حين يَطيب الهواء، وتَذهب سَورة الحَرِّ. (دخل الجنة) مفهومُه: مَن لم يُصلِّهما لا يَدخلُ، فيُحمل على المُستَحِلِّ، أو المُراد: يدخل الجنَّة ابتداءً من غير أن يكون دخل النَّار قبلَها؛ إذ المُداوم بالإخلاص لا يقَعُ منه فِسْقٌ غالبًا، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، نعَمْ، الصَّلواتُ كلُّها وإن كانت كذلك، لكنْ ذِكْر هاتَين لزيادة شَرفهما، وتَرغيبًا لحفظهما، وسبَق السِّرُّ في ذلك، فأتَى بـ (دَخَل)، دون (يَدخُل)؛ لأنَّ متحقِّقَ الوُقوع كالواقع، مثل: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف:44]، أو لأنَّ (مَنْ) مُضمَّنةٌ معنى الشَّرط، فتَجعَلُ الماضي مستقبَلًا. (بهذا)، أي: بالحديث وبقيَّة الإسناد حتَّى لا يكون مُرسَلًا. (إسحاق) قال الغَسَّاني في كتاب "التَّقييد": لعلَّه ابن منصور

27 - باب وقت الفجر

الكَوْسَج، وقال في موضعٍ آخر: قال ابن السَّكَن: كلُّ ما في البُخاري إسحاق غيرَ منسوبٍ هو ابن راهَوَيْهِ. (حَبَّان) بفتح المُهمَلة، وشدة المُوحَّدة: هو ابن هِلال. * * * 27 - بابُ وَقْتِ الْفَجْرِ (باب وقْتِ الفَجْر) 575 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ؛ يَعْنِي آيَةً. الحديث الأَوَّل: (تسحروا)؛ أي: أكلُوا السَّحور. (الصَّلاة)؛ أي: صلاةِ الصُّبح. (كم بينهما)؛ أي: كم كان؟ بدليل الرِّواية التي بعدَها، ويَجوز حينئذٍ في (قَدْر) الرَّفْعُ والنَّصْب.

576 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، سَمعَ رَوْحًا، حَدَّثَنَا سَعيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ نبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَزيدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى، قُلْنَا لأَنسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا في الصَّلاَةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً. الثَّاني: (سحورهما) بفتح السِّين: ما يُتسحَّر به، وبالضَّمِّ نَفْسُ فِعْل التَّسحُّر، أي: الأكل. (فصلَّيا) في بعضها: (فصَلِّي)، وفي بعضها: (فصَلَّيْنَا)، بلفظ التَّكلُّم، والفَرْق بين هذا الطَّريق والذي قبله: أنَّ الأَوَّل من مُسنَد زَيْد، والثَّاني من مُسنَد أنَس. * * * 577 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الثَّالث: (أبو حازم)؛ أي: سلَمة. (سرعة) بالنَّصْب خبرُ (كان)، والاسم ضميرٌ يعود لمَا يدلُّ عليه لَفظُ السُّرعة، سرعةً حاصلةً بي لإدراك الصَّلاة، أي: أو تكون حالتي،

أو صفتي، ونحو ذلك، أو النَّصْب على الاختصاص، وبالرَّفْع على أنَّ (كان) تامةٌ، و (بي) متعلِّقٌ بـ (سرَعة)، أو ناقصةٌ وخبرُها (بي)، و (أنْ أُدركَ)؛ أي: لأَنْ أُدرِكَ. * * * 578 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ، لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ. الرابع: (كن نساء) إما على لُغة أكَلُوني البَراغيث، أو النُّون ضميرٌ، (ونساءُ) بدلٌ منه، أو بَيانٌ، وإضافة نساء للمُؤمنات مُؤوَّلٌ بنساء الأَنفُس المُؤمنات، أو الجماعة المُؤمنات؛ لئلا يَلزم إضافةُ الشَّيء لنفسه، وقال ابن مالك: فيه شاهدٌ على إضافة المَوصوف للصِّفَة عند أَمْن اللَّبْس، فهو نظيرُ مَسْجِدُ الجامع، وقيل: نساءُ هنا بمعنى الفاضِلات، أي: فاضلات المُؤمنات، كما يُقال: رجالُ القَومِ، أي: فُضَلاؤُهم ومُقدَّموهم. (صلاة الفجر) إما مفعولٌ به، أو مفعولٌ فيه؛ لأنَّه يصحُّ أن تكون مشهودةً، أو مشهودًا فيها.

28 - باب من أدرك من الفجر ركعة

(متلفعات)؛ أي: مُلْتحِفَاتٍ، واللِّفاع: ما يُغطِّي الوجْهَ ويُلتحَف به. (بمروطهن) جمع مِرْط بكسر الميم: كِسَاءٌ لا من صُوفٍ أو خَزٍّ يُؤتَزَر به. (من الغلس)، (من) ابتدائيَّة، أي: لأجل، أي: ما يُعرف أنِساءٌ هُنَّ أم رجالٌ، ولا يُنافي هذا ما سبَق أنَّه ينفتِلُ عن صلاة الغَداة حين يَعرِفُ الرَّجل جليسَه؛ لأنَّ ذلك إخبارٌ عن رُؤية جليسِه، وهذا عن رُؤية النِّساء من بُعد. وفي الحديث: نَدْب التَّبكير بالصُّبح، وهو قول الثَّلاثة، وقال أبو حنيفة: الإسفارُ أفضَلُ؛ لحديث رافِع: "أَسْفِرُوا بالفَجْرِ؛ فإِنَّهُ أَعظَمُ للأَجْرِ"، وأوَّله أحمد بأنَّ الإسفار أن يتَّضحَ الفَجْرُ ولا يُشكَّ في طُلوعه، أي: لا تُغلِّسوا شاكِّين حِرْصًا على فَضْل التَّغليس، ففي حديث ابن مَسعود: أيُّ الأَعمالِ أفضلُ؟ قال: "الصَّلاةُ لأَوَّلِ وَقْتِهَا". وفيه: حضورُ النِّساء الجماعةَ في المَسجِد، أي: حيثُ لم يُخشَ فِتنةٌ عليهنَّ أو بهنَّ. * * * 28 - بابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَةً (باب مَنْ أَدركَ من الفَجْر رَكْعةً) 579 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ،

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنِ الأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ". (من الصُّبح)؛ أي: من وقْت الصُّبح قَدْرَ رَكعةٍ، أي: حتَّى لو أَدركَ ذلك الصبيُّ يَبلُغ، والحائضُ تَطهُرُ، والكافر يُسلِمُ لَزِمَتْهم تلك الصَّلاة، وأما بدُون ركعةٍ كتكبيرةٍ فما فوقَ فللشَّافعي قولان، أصحُّهما يَلزمُه أيضًا؛ لأنَّه أدرك جُزءًا، وحينئذٍ فالجواب عن الحديث أنَّه خرَجَ مَخرَج الغالِب، فإنَّ الغالب الإدراكُ بركعةٍ ونحوِها، فأما التَّكبيرة فلا تَكاد تُحَسُّ. قلتُ: أو المعنى: مَن أَدركَ فِعْلَ ركعةٍ قَبْلَ خُروج الوقت فقد أدرَكَ تلك الصَّلاةَ أداءً لا أنَّها تكون قَضاءً. قال (ن): فيه دلالةٌ على صحَّة صلاة مَن أدرك ركعةً من الوقت، ثم خرَج قبلَ سَلامهِ. قال: وهذا مجمعٌ عليه في العصر، وأما الصُّبح فخالف أبو حنيفة، وقال: تَبطُل بطُلوع الشَّمس لدُخول وقت النَّهي عن الصَّلاة بخلاف غُروب الشَّمس. قال: والحديث حُجَّةٌ عليه. * * *

29 - باب من أدرك من الصلاة ركعة

29 - بابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاَةِ رَكْعَةً (باب مَنْ أَدرَك مِنَ الصَّلاةِ رَكْعةً) قال (ك): الفَرْق بين هذه التَّرجَمة والتي قبلَها: أنَّ الأُولى فيمَن أدركَ من الوقْت، والثَّانية فيمن أدركَ من فِعْل الصَّلاة، أي: بناءً على ما سبَق من تقريره، وأما على ما قُلناه، فالأُولى لخُصوص الصُّبح والعصر لمَا يقعُ من فواتِهما غالبًا، والثَّاني للأعمِّ. 580 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ". (فقد أدرك الصَّلاة) ليس المُراد أنَّه فعلَها بتمامها؛ لأنَّه محالٌ، بل على حَذْف مضافٍ، أي: أدركَ حُكمَ الصَّلاة، أو نحوَه، فيُؤخذ منه: أن الكلَّ بذلك يكون أداءً، وقد سبَقت المَسألةُ والخلافُ فيها، وقال التَّيمي: المُراد: مَن أَدرَك مع الإِمام ركعةً فقد أَدركَ الجماعة، وقيل: المُدرِك لركعةٍ كمُدرِك جميعها، حتَّى لو أَدرك مسافرٌ ركْعةً لَزِمَه الإتمامُ. قلتُ: إدراك فضل الجماعة يحصُل بدونِ ركْعةٍ ما لم يُسلِّم، وفِعْل بعضٍ في الحضَر يجب به الإتمام سَواءٌ الرَّكعةُ ودُونهَا، أما إدراك دُون الرَّكعة، فقال الشَّافعي، وأحمد: مَن أَدركَ ركعةً من الجمُعة

30 - باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس

أضافَ إليها أُخرى بخلاف ما دُونهَا، وقال أبو حنيفة: تُدرَك الجمعةُ مُطلقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فمَا أَدْرَكتُمْ فصَلُّوا، وما فَاتَكُمْ فاقْضُوا"، فيدخُل مَن فاتَه الرَّكعتان لا إتمامُها ظُهْرًا أربعًا، وحُجَّة الشَّافعي: أنَّه إذا لم يُدرك ركعةً فكأنَّه لم يُصَلِّ شيئًا، فيَجب عليه إتمام الظُّهر أربعًا، ولا يُنقَض عليه ذلك بقوله: إنَّ الجَماعة تُدرَك بجزءٍ وإنْ قَلَّ؛ لأنَّ ذاك إدراكُ فضيلةٍ وثوابٍ، وهذا إدراكُ حكمٍ واجبٍ في الحضَر وما شابَههما مما سبق. * * * 30 - بابُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ (باب الصَّلاة بعدَ الفَجْر) 581 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْح حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ. 581 / -م - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ناَسٌ بِهَذَا. الحديث الأَوَّل: (شهد)؛ أي: أَعلَم لكنَّه قصَد المُبالغة والتَّأكيد.

(بعد الصُّبح)؛ أي: بعد صلاة الصُّبح. (تشرق) بفتح التَّاء، وضَمِّ الرَّاء؛ لأَجل رواية: (حَتَّى تَطْلُعَ)؛ لأَنَّ شرَقَتْ بمعنى طلَعتْ، وبضَمِّ التَّاء، وكسْر الرَّاء؛ لأنَّ أشرقَتْ بمعنى: أَضاءَتْ، وانبسَطتْ. * * * 582 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحَرَّوْا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا". 583 - وَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ". تَابَعَهُ عَبْدَةُ. الثَّاني: (تحروا) أصلُه بتاءَين، أي: تَقصِدوا، قيل: إنَّ قَومًا كانوا يَتحرَّون طُلوعَ الشَّمس وغروبَها، فيسجدون لها عبادةً من دون الله، فنَهى - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُتشبَّه بهم. (قال: حدثني ابن عمر) الضَّمير في (قال) لعُروةَ، ففيه المُحافظة على لفظ: حدَّثني، وأَخبَرني بناءً على الفَرق، أو المُبالغة في التَّحفُّظ.

(حاجب)؛ أي: طَرَف الشَّمس الذي يَبدو عند الطُّلوع ولا يَغيب عند الغُروب، وقيل: النَّيازِك التي تَبدو إذا حانَ طُلوعُها، وقال الجَوْهَري: حَواجِبُ الشَّمس: نَواحيها. (تابعه عبدة)؛ أي: ابن أبي سُليمان، والضَّمير لـ (يحيى)، أي: تابعه عن هشام، وقد وصلَها البُخاريُّ في (باب صِفَة إبليس وجُنوده). * * * 584 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلاَتَيْنِ؛ نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَعَنْ الاِحْتِبَاءَ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعَنِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلاَمَسَةِ. الحديث الثَّالث: (خُبَيب) بضَمِّ المُعجَمَة وفتح المُوحَّدة الأُولى. (بيعتين ولبستين) بكسر أوَّلهما؛ لأنَّ المُراد الهيئة، وسبَق تفسيرهما في (باب ما يُستَر من العَورة). (يفضي) من الإِفْضاء. (فرجه) في بعضها: (بفَرْجِهِ)، أي: يَظهَر فَرجُه، فجمَع البُخاريُّ

31 - باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس

الأَوقاتَ المَكروهة ما يتعلَّق بـ (بَعْدَ)، وهو اثنان الصُّبح والعَصْر، وما يتعلَّق بنفْس الوَقْت، وهو الطُّلوع والغُروب، وجوَّزَ داود الصَّلاةَ في الأربعة كأنَّه حمل النَّهي على التَّنْزيه، وقال الشَّافعيُّ: لا تجوز الصَّلاة فيها إلا ما لَهُ سبَب، ومنعَ أبو حنيفة مُطلقًا إلا عَصْرَ يومه عند الاصفِرار، فتَحرُم عنده المَنذورة والنَّوافل مطلقًا، وقال مالك: تحرم فيها النَّوافل دون الفرائض، ووافقَه أحمد إلا أنَّه جوَّز ركعتَي الطَّواف، كذا قال البَيْضاوي. وقال (ن): أجمعوا على كراهةِ صلاةٍ لا سبَبَ لها، وعلي جواز الفَرائض المُؤدَّاة فيها، وقال الشَّافعي: لا يُكره نَوافلُ لها سبب محتجًّا بصلاتهِ - صلى الله عليه وسلم - بعد العَصْر سُنَّةَ الظُّهر التي فاتَتْه في قصَّة ناسٍ من عبد القَيْس أتَوه بالإسلام، فالسُّنَّة المحاضرة أَولى، والفَريضة المَقضيَّة أَولى. * * * 31 - باب لاَ يتحرى الصلاَةَ قَبْلَ غرُوبِ الشَّمْسِ (باب: لا تُتَحَرَّى) بمُثنَّاةٍ فوقُ مضمومةٍ، (الصَّلاة) هو نائب فاعلٍ، في بعضها: (لا تتَحرَّوا). 585 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ ناَفع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يتحَرَّى أَحَدكمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ

طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا". الحديث الأَوَّل: (لا يتحرى) خبَرٌ عن الشَّرع كما قاله السُّهَيْلي. (فيُصلِّي) بالنَّصْب جوابًا للنَّهي المتضمِّن لـ: (لا يَتحَرَّى)، نحو: (ما تأتِيْنَا فتُحدِّثُنا) في أنَّ النَّهي عن التَّحرِّي والصَّلاة كليهما، أي: لا يتحرَّى مصليًا، أو عن الصَّلاة فقط كما أنَّه واقع على التَّحديث فقط، أو بالرَّفْع على نفَيهما جميعًا كقوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ} [طه: 61] قال ابن خَرُوف: على القَطْع، قال: ويجوزُ وجهٌ ثالثٌ: وهو الجزْم، أي: لا تتَحرَّ ولا تُصَلِّ. قال الطِّيْبي: (لا يتحرَّى) نفيٌ بمعنى النَّهي، و (يصلِّي) نُصِبَ لأنَّه جوابٌ، ويجوز أن يتعلَّق بالفعل المنهيِّ أيضًا، فالفعل المنهيُّ معلَّلٌ في الأَوَّل، والفعل المعلّل منهي في الثَّاني، والمعنى على الثَّاني: لا يتحرى أحدكم فعلًا يكون سببًا لوقوع الصَّلاة في زمان الكراهة، وعلي الأَوَّل كأنَّه قيل: لا يتحرى، وكأنَّه قيل: لِمَ ينهانا؟ فأُجيب: خيفة أن تصلوا أو أن الكراهة. (لا عند غروبها) هذا معنى ما في التَّرجَمة قبل الغروب. * * * 586 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالح، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ

الْجُنْدَعِيُّ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْح حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ". الحديث الثَّاني: (الجُنْدَعي) بضَمِّ الجيم، وإسكان النُّون، وفتح المُهمَلة، وإهمال العَين، قال الغَسَّاني: ويُقال بضَمِّ الدَّال أيضًا. ووجه مطابقته للتَّرجمة: أنَّ معنى (لا صلاةَ): لا صِحَّةَ للصَّلاة، فيلزمُ منه أن لا يَتحرَّاه المُكلَّف. * * * 587 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَر، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنَّكمْ لتُصَلُّونَ صَلاَةً، لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نهَى عَنْهُمَا؛ يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. الثَّالث: (محمَّد بن أبان) بفتح الهمزة، وخِفَّة الباء المُوحَّدة: هو أَبو بَكْر حَمْدَويهِ، وقيل: هو الواسِطيُّ. (يُصلِّيهما)؛ أي: الرَّكعتَين، و (يُصلِّيها)؛ أي: تلك الصَّلاة. * * *

32 - باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر

588 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. (بعد الفجر)؛ أي: بعد صلاة الفَجْر. (حتَّى تطلع)؛ أي: تَرتفعَ، فقد دلتْ أحاديث أُخَرُ على اعتبار الارتفاع في غاية الكَراهة. * * * 32 - بابُ مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاَةَ إلا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ رَوَاهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وأبو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. (باب مَنْ لم يَكْره الصَّلاةَ إلا بعد العَصْر) (رواه عمر) وصله البُخاريُّ من طريق ابن عبَّاس، عنه. (وابن عمر) وصلَه في الباب. (وأبو سعيد) وصلَه في (الصَّلاة)، (والحجِّ). (وأبو هريرة) وصلَه في الباب قبلَه. * * *

33 - باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها

589 - حَدَّثَنَا أَبو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيوب، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ، لاَ أنهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلاَ نهارٍ مَا شَاءَ، غيْرَ أَنْ لاَ تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا. (كما رأيت أصحابي)؛ أي: وأَقرَّهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَراد إجماعَهم بعد وفاةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ الإجماعَ لا ينعقدُ في حياته؛ لأنَّ قولَه هو الحُجَّة. (غير أن لا تتحروا)؛ أي: غيرَ هذا للنَّهي، وهذا دليلٌ على أنَّه لا بأْسَ بالصَّلاة عند الاستواء، وهو قول مالك، ومنعَه الشَّافعي إلا يومَ الجمُعة لمَا ثبتَ من كراهتِه - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاةَ نِصْفَ النَّهار إلا يومَ الجمُعة. * * * 33 - بابُ مَا يُصَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ مِنَ الْفَوَائِتِ وَنَحوِهَا وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: صلَّى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الْعَصْرِ ركعَتَيْنِ وَقَالَ: "شَغَلَنِي ناَس مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ". (باب ما يُصلَّى بعدَ العَصْر من الفَوائت ونَحوِها) (وقال كريب ...) إلى آخره، وصلَه البُخاري في (باب السَّهو).

(بعد الظُّهر) الظَّرْف صفةٌ للرَّكعتين، أي: المَندوبتَين بعد الظُّهر، وهذا دليلُ الشَّافعي على نَفي كراهةِ ما لَه سبب. * * * 590 - حَدَّثَنَا أبو نعيْم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّهُ سَمعَ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكهُمَا حَتَّى لَقِيَ الله، وَمَا لَقِيَ اللهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنِ الصَّلاَةِ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا منْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا -تَعْنِي: الرَّكعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ-، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهِمَا، وَلاَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجدِ مَخَافَةَ أَنْ يثقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ. الحديث الأَوَّل: (أبي) بفتح الهمزة. (والذي ذهب به)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أي: واللهِ الذي تَوفَّاه. (أن يثقل) بضَمِّ القاف، أي: يُشدِّد، وفي بعضها بكسرها مشدَّدةً، وفي بعضها مُخَفَّفة. * * * 591 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي: قَالَتْ عَائِشَةُ: ابْنَ أُخْتي! مَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - السَّجْدَتينِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ.

الثَّاني: (ابن أخي)؛ أي: يابن أَخِي، فحذفَ حرفَ النِّداء. (السجدتين)؛ أي: الرَّكعتَين، وإلا فهي أربعُ سجَداتٍ، وكذا الأمرَين من إطلاقِ الجُزء على الكلّ مجازٌ صارَ حقيقةً عرفيَّةً. * * * 592 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ركْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلاَ عَلاَنِيَةً؛ ركعَتَانِ قَبْلَ صلاَةِ الصُّبْح، وَركعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ. الثَّالث: (عبد الواحد)؛ أي: ابن أبي قِلاد. (الشيباني) بفتح المُعجَمَة، أي: أبو إسحاق سُليمان. (ركعتان)؛ أي: جنس الصَّلاة التي هي ركعتانِ؛ لأنَّ المَذكور أربعُ ركَعات، أو من إطلاق الجُزء على الكلِّ، وفيه إضمارٌ، أي: وكَذا رَكْعتانِ بعد العَصْر. * * * 593 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي

إِسْحَاقَ قَالَ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِيني فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا صَلَّى ركعَتَيْنِ. الرابع: (إلا صلى) استثناءٌ مفرَّغٌ، أي: ما كان يَأتيني بوَجْه أو بحالةٍ إلا هذا الوَجْهُ أو الحالةُ. والجمع بين هذا وبين حديث: نهَى عن الصَّلاةِ بعدَ العَصْر: أنَّ ذاك فيما لا سبَبَ له، وهذا له سببٌ، وهو قضاءُ فائتةِ الظُّهر، أو أن النَّهي فيما يتحرَّى فيه، وهذا فيما لا يَتحرَّى فيه، أو أنَّ هذا كان من خصائصه، أو أَراد أنَّ ذلك النَّهي للكراهة لا للتَّحريم، أو أن النَّهي للتَّشبُّه بعبَدة الشَّمس، وهو - صلى الله عليه وسلم - مُنزَّهٌ عن ذلك، أو أنَّه رأَى أنَّ في فَواتِها نوعَ تَقصيرٍ، فواظَب عليها جَبْرًا. ورُدَّ الأَوَّل: بأنَّ الفَوات والقَضاء في يومٍ واحدٍ، وصلاتُه بعد العصر كانت مُستمرَّةً. قلتُ: لكن حِكْمة ذلك أنَّه كان إذا فعل شيئًا أَثبتَه كما في "مسلم"، وأشار إليه (خ)، فالجمع بهذا صحيحٌ. ورُدَّ الثَّاني: بأنَّ مواظبتَه عليها كلَّ يومٍ دليلُ القَصْد، وهذا معنى التَّحرِّي. والثَّالث: بأنَّ الأصل عدَم الاختِصاص. والرَّابع: بأنَّ بيان الجَواز يحصُل بمرَّةٍ واحدةٍ.

34 - باب التبكير بالصلاة في يوم غيم

والخامس: بأنَّ علَّة التَّشبُّه إنَّما هي في الصَّلاة عند الغُروب لا بعد العصر. [و] السادس: بأنَّه كان مشغولًا بهم، وهو في إرشادهم للحقِّ، فلا تَقصيرَ؛ إذِ الفَواتُ كان بالنِّسيان، والجبر يحصل بالقَضاءِ مرَّةً، بل الجواب الصَّحيح أنَّ النَّهي قَول، وصلاتُه فعل، وإذا تَعارضا قُدِّم القَول، لا يُقال ذلك عند جَهْل التَّاريخ، وهنا عُلم لأَنَّ صلاتَه مستمرَّة إلى آخِر العمُر؛ لأنَّا نقول: النَّهي لا يُعلَم تاريخُه. * * * 34 - بابُ التَّبْكير بالصَّلاَةِ فِي يَوْم غَيْمِ (باب التَّبكير بالصَّلاة) 594 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ يَحْيَى -هُوَ ابنُ أَبِي كثِيرٍ-، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ أَبَا الْمَلِيح حَدَّثَهُ قَالَ: كنَّا مَعَ بُرَيدَةَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمِ فَقَالَ: بَكِّرُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ". سبق معاني الحديث المَذكور فيه في (باب مَن ترَك العَصْر). * * *

35 - باب الأذان بعد ذهاب الوقت

35 - بابُ الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ (باب الأَذان بعدَ ذَهاب الوَقْت) 595 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سِرْناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أخَافُ أَنْ تنامُوا عَنِ الصَّلاَةِ"، قَالَ بِلاَلٌ: أَناَ أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلاَلٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ: "يَا بِلاَلُ! أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ "، قَالَ: مَا ألقِيَتْ عَلَيَّ نومَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ: "إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلاَلُ! قُمْ فَأذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلاَةِ، فتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى. (سرنا) كان ذلكَ في رُجوعه مِن خَيْبَر. (بعض القوم) قيل: عُمر. (لو عرست) بمُهمَلاتٍ، من التَّعريس، وهو نُزول المُسافِر بغير إقامةٍ، وقيل: آخِر اللَّيل، وجوابُ (لَو) محذوفٌ، أي: لكان أَسهَلَ، أو هي للتَّمنِّي. (فاضطجعوا) بلفظ الأمر، أو المَاضي. (راحلته)؛ أي: مَركُوبه.

(فغلبت) وفي رواية: (فغَلَبَتْهُ). (أين ما قلت)؛ أي: أين الوَفاءُ بما قُلتَ: أَنا أُوقظُكم؟ (مثلها)؛ أي: النَّومة، و (مثل) لا يتعرَّف بالإضافة، ولذلك وُصِفَ بها النَّكرةُ. (قبض أرواحكم)؛ أي: كقوله تعالى: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42]، وقبض النَّوم أن يَنقطع تعلُّق الرُّوح عن ظاهر البدَن فقط، وقبضُ الموت أن ينقطع عن الظَّاهر والباطن. وفي الحديث: جواز الالتماس من السَّادات بما يتعلَّق بمصالحهم، وأنَّ للإمام أنْ يُراعي المَصلحة الدِّينية، والاحتراز عمَّا يحتمل فوات العبادة عن وقْتها بسببه، وجوازُ إلزام الخادم القيامَ بمراقبته ذلك. (فأذن) احتجَّ به أحمد على التَّأذين بعد خُروج الوقت، وقال الثَّوري: ليس في الفائتة أذانٌ ولا إقامةٌ. قلتُ: وهو قولٌ للشَّافعي في الأذان مرجَّحٌ عندهم، ولكن المختار عند (ن): القول بالتَّأذين لثُبوت الأحاديث فيه، والجواب عنها بالحمل على الأذان اللُّغوي ضعيفٌ، نعم، يُروى هنا: (فأَذَّنَ)، من الإفعال، وهو صريحٌ بالإعلام، لكن في غير هذا الحديث التَّصريح. فإن قيل: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَنامُ قَلبُه، فكيف فاتَه الوقْت؟ وجوابه كما قال (ن): إنَّ القَلْب إنَّما يُدرِكُ الحسِّيَّاتِ المُتعلِّقةَ به

36 - باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت

كالحدَث والألَم لا ما يتعلَّق بالعَين كالفجْر ونحوِه، أو أنَّ عدَمَ نوم القَلب كان غالبَ أحوالهِ، انتهى. وقال التَّيْمي: كان في النَّادر يَنام كنَوم الآدميِّين. (ابياضت) بالتَّشديد ابْيِضَاضًا: صَفاءُ لَونها. قال التَّيْمي: قال الكوفيُّون: إنَّما أخَّرها لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصَّلاة عند طُلوع الشَّمس، وقال الشَّافعي: أخَّرها مقدارَ ما توضَّأ النَّاسُ وتأَهَّبوا للصَّلاة كما جاء ذلك في بعض الطُّرُق، ورُوي عن عطاء: أنَّه إنَّما أمرَهم بالخُروج عن ذلك الوادي تشاؤُمًا به؛ لأنَّه موضعٌ أصابَهم فيه غَفلةٌ، وفي رواية زيد بن أَسلَم: (إنَّ هَذا وَادٍ بهِ شَيْطانٌ)، فكَرِه الصَّلاةَ فيه. * * * 36 - بابُ مَنْ صلى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ (باب مَنْ صلَّى بالنَّاسِ جَماعةً بعدَ ذَهابِ الوَقْت) 596 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ

مَا صَلَّيْتُهَا"، فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فتوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ، وَتَوَضَّأْناَ لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. (الخندق) بفتح المُعجَمَة: أعجميٌّ تكلمتْ به العرَب، أي: يوم حَفْر الخندق، وذلك في السَّنة الرَّابعة، وتُسمَّى غَزوة الأحزاب. (يسب كفار)؛ أي: لتَسبُّبهم في اشتِغال المُؤمنين بالحفر عن الصَّلاة حتَّى فاتَتْه. (كِدت) بكسر الكاف، وحُكي ضمُّها، وكان هذا التَّأخير قبل صلاة الخَوف، ثم نُسِخَ، ويحتمل أنَّ التَّأخير ليس عمْدًا بل كان نِسيانًا؛ لاشتغاله بأمْر العَدُوِّ. (العصر) كذا رواه "مسلم" أيضًا، ووقع في "الموطأ": أنَّه الظُّهر والعَصْر معًا. (حتَّى كادت) ظَاهرُه أنَّه صلَّى قبلَ الغُروب، وقد يُمنع ذلك بأنَّه إنَّما يقتضي أن كيدودتَه كانت عند كيدودتها، ولا يلزم منه وقوعُ الصَّلاة فيها، بل يلزم أن لا تقَع الصَّلاة فيها؛ إذ حاصله عُرفًا: ما صلَّيتُ حتَّى غربت الشَّمس. (بطحان) سبَق في (باب فضل العِشاء). ووجه مُطابقة الحديث للتَّرجمة بأنَّه صلَّى جماعة: أنَّ هذا من حديثٍ طويلٍ دلَّ على ذلك، أو أنَّه لمَّا صلَّى المَغرب جماعةً أجرى الرَّاوي مَجراها الفائتةَ. وفي الحديث: جوازُ سبِّ الكفَّار، والقسَمُ بدون استحلافٍ.

37 - باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا يعيد إلا تلك الصلاة

قال (ن): هو مستحبٌّ لمصلحة توكيد الأمر، أو زيادة طمأنينةٍ، أو نفي توهُّم نسيانٍ، أو غير ذلك من المَصالح، فحَلِفُه هنا تطييبًا لقلب عمر لمَّا شقَّ عليه تأخيرها. قال: وظاهر الحديث أنَّه صلاها جماعةً فيدلُّ على أنَّ الثَّانية تُصلَّى جماعةً، وأنَّه ينبغي أن يبدأ بالفائتة ثم المحاضرة، وهو إجماعٌ، لكن عند الشَّافعي استحبابٌ، وأبي حنيفة إيجابٌ حتَّى لو بدأَ بالحاضرة لم تصحَّ. * * * 37 - بابُ مَنْ نَسِي صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَاَ يُعِيدُ إلا تِلْكَ الصَّلاَةَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ تَرَكَ صلاَةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إِلَّا تِلْكَ الصَّلاَةَ الْوَاحِدَةَ. (باب مَن نَسِيَ صلاةً فليُصلِّ)؛ أي: نسيَها حتَّى خرجت عن وقتها. (إلا تلك الصَّلاة) تعريضٌ بالرَّدِّ على مَن قال: أنَّه لو لم يُعِد الفائتةَ حتَّى أدَّى خمس صلواتٍ بعدها يجب عليه إعادتُها مع إعادة الخضر بعدَها كما يقولُه الحنفيَّة استِدلالًا بحديث: "لا صَلاةَ لمَنْ عَليهِ فَائِتَةٌ"، لكن حجَّةٌ عليهم فيما لو زادت الفوائتُ على خمسٍ؛ إذ

له الصَّلاةُ وعليه الفائتة. * * * 597 - حَدَّثَنَا أبو نعيْمِ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا هَمَّام، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ"، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}. قَالَ مُوسَى: قَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}. (من نسي ...) إلى آخره، مفهومه: أنَّ العَمْد لا يُقضَى فيه إذا ذُكِر، لكنْ قضاؤه واجبٌ خلافًا لقول الظَّاهرية تعلُّقًا بأنها أعظم من أن يُخرج من وَبالِ معصيتها بالقَضاء، فإمَّا أنَّه لا يُعمل بالمفهوم لخُروجه مَخرَج الغالب، أو أنَّه وردَ على سببِ سُؤالٍ عن قَضاء النَّائم والنَّاسي، والعِبْرة بعُموم اللَّفظ، وأنَّ غير المَعذور يقضي من بابٍ أَولى، فهو من فَحوى الخِطاب، وإطلاقُ صلاة في الحديث يشمل النَّوافل المُؤقَّتة فتُقضى أيضًا ندبًا، أما ذاتُ السَّبب كالكُسوف فلا يُتصوَّر فيها فَواتٌ فلا تدخل. واعلم أنَّ وجوب القَضاء بهذا الأمر على المُرجَّح عند الأُصوليِّين أنَّه بأَمرٍ جديد، وقيل: بالأمر الأَوَّل، نعم، هذا الأمر لا يَقتضي الفَور، والفَور في الفائت بغير عُذْرٍ إنَّما هو من حيث التَّعدِّي، فغُلِّظ عليه، ولا يقال: إنَّ قوله هنا: (إِذا ذَكَرَها) يُشعِر بالفَور؛ لأنَّ التَّذكر مستدامٌ،

فأيُّ وقتٍ صلَّاها كانتْ في زمن التَّذكُّر، وإنْ لم تكن في أَوَّل أزمنته، أو أنَّ (إذا) لمُجرَّد الشَّرط، فحيثما قضَى صدَق أنَّه صلَّى بالتَّذكُّر؛ لأنَّ المَشروط لا يَلزم ترتُّبه على الشَّرط في الحال. (لا كفَّارة)؛ أي: لا خَصلةَ تُكفِّر، أي: تستُر، أي: من شأنها تكفِّر الخطيئة، وأصلُها فَعَّال للمُبالغة زِيدتْ فيها تاءُ التَّأنيث، وهي من الصِّفات التي غلِّبتْ عليها الاسميَّة. قال (خ): يحتمل وجهين: أن لا يُكفِّرها غيرُ قضائها، أو لا يلزمه غُرمُ صدقةٍ ولا شيءٍ ولا زيادةٍ بضِعْفٍ لها. قال (ك): كأنَّ الأَوَّل قصْر قَلْبٍ، والثَّاني قَصْر إفرادٍ. وقال (خ): ليس هذا على العُموم، حتَّى يلزمه إنْ كان في صلاةٍ أن يقطَعَها، ولكن المعنى: لا يُغفل أمرَها، ولا يشتغلُ بغيرها. وفيه دليلٌ على أنَّه يُصلِّي ولو كان في وقت النَّهي، وأنه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ، وليس كالحجِّ تَدخلُه النِّيابة بشرطه، ولا كالصَّوم يُجبَر بالمال، وكذا بالصَّوم على المُختار بشروطِ ذلك. (أقم الصَّلاة لذكري) قال التُّوْرِبِشْتي: يحتمل وجوهًا كثيرة من التأويل، فالواجب أن يُصار لوجهٍ يُوافق الحديث، والمعنى: أقِمِ الصَّلاةَ لذِكْرها؛ لأنَّه إذا ذكَرها فقد ذكَر الله، أو يُقدَّر المُضاف، أي: لذكر صلاتي، أو وقَع ضميرُ الله موضعَ ضمير الصَّلاة، لشرَفها وخُصوصيتها، قيل: وفيه دليلٌ على أنَّ شَرْعَ مَن قبلَنا شَرعٌ لنا ما لم يَرِدْ ناسخٌ.

38 - باب قضاء الصلوات الأولى فالأولى

(بعد)؛ أي: بعد زمان رواية الحديث، أي: لم يكن نقْلُ الحديث، وتلاوةُ الآية معًا. * * * 597 / -م - وَقَالَ حَبَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، نَحْوَهُ. (وقال حَبَّان) بفتح المُهمَلة، وشدَّة المُوحَّدة. وقد وصلَ هذا التَّعليق أبو عَوانة في "صحيحه" عن عمَّار بن رَجاء، عن حَبَّان. وفائدة ذكرِ البُخاريِّ ذلك أنَّ في قَول قَتَادة فيه: (حدَّثنا)، وفي الأَوَّل كان بلفظ: (عن)، وقَتَادة مدلِّسٌ، فيزول الوَهْم بالتَّصريح. ووجه دلالة الحديث على آخر التَّرجَمة: أنَّ الحَصْر في: (لا كَفَّارةَ) يدلُّ على أن لا يجب إلا تلكَ الصَّلاةُ خلافًا للحنفيَّة كما سبَق. * * * 38 - بابُ قَضَاء الصَّلَوَاتِ الأُولَى فَالأُولَى (باب قَضاء الصَّلاة الأُولى فالأُولى) 598 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى -هُوَ ابْنُ أَبِي كثِيرٍ -، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَعَلَ

39 - باب ما يكره من السمر بعد العشاء

عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَسُبُّ كفَّارَهُمْ وَقَالَ: مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ، قَالَ: فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ، فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ. (وهو ابن أبي كثير) تفسيرٌ منه لابن هشام، وذلك غايةُ الاحتِياط في رعايةِ لَفظِ الشُّيوخ. (كفارهم)؛ أي: كُفَّار قُرَيش، وإنْ لم يَسبِق له ذِكْرٌ، لكنْ من المَعلوم. (حتَّى غربت) صَريحٌ في أنَّها العَصْر. وتقدَّم شَرح الحديث قَريبًا، وعند الشَّافعية تَقديم الفائتة أَولى إِنْ أَمِنَ فَوات الحاضرة. * * * 39 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاء (باب ما يُكْرهُ من السَّمَر بعدَ العِشَاء) السَّمَر بفتح الميم. قال (ع): كذا الرِّواية، وقال أبو مَروان بن فراج: الإسكان أَولى؛ لأنَّه الفعل، وأما بالفتح فهو الحديث، وأصلُه لَون ضَوء القمَر؛ لأنَّهم كانوا يتَحدَّثون إليه، ومنه سُمِّيَ الأسْمر؛ لأنَّه يُشبِهُ ذلك اللَّون.

(السَّامر)؛ أي: المَذكور في قوله تعالى: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]، ولذلك فسَّره بعدُ بقوله: بأنَّه في مَوضع سُمَّار؛ أي: أُريد به الجِنْس. (والجميع)؛ أي: الجمْع. * * * 599 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْف، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبِي: حَدِّثْنَا كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ قَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجيرَ وَهْيَ الَّتِي تَدْعُونها الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُناَ إِلَى أَهْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ، قَالَ: وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ، قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ أَحَدُناَ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. (حدثنا كيف) هو بلفظ الأَمْر، وسبَق تفسير الحديث، وأنَّ السَّمَر المَكروه في غير الخير من فقهٍ ونحوِه، وأنَّ حِكْمته أَنْ لا يَنام عن الصُّبح، ونحوِ ذلك، وكان عُمر يَضرِب النَّاس على الحديث بعدَها، ويقول: أَسَمَرًا أوَّلَ اللَّيل ونَومًا آخِرَه. * * *

40 - باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء

40 - بابُ السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاء (باب السَّمَر في الفِقْه والخَيْر) 600 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنا أبو عَلِي الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنا قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، قَالَ: انتُظَرْناَ الْحَسَنَ وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: دَعَاناَ جِيراننا هَؤُلاَءَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أنَس: نَظَرْناَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيلِ يَبْلُغُهُ، فَجَاءَ فَصَلَّى لنا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ: "ألاَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإِنَّكمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صلاَةٍ مَا انتُظَرْتُمُ الصَّلاَةَ"، قَالَ الْحَسَنُ: وَإِنَّ الْقَوْمَ لاَ يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انتُظَرُوا الْخَيْرَ، قَالَ قُرَّةُ: هُوَ مِنْ حَدِيثِ أنَس عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأَوَّل: (الصَبَّاح) بتشديد المُوحَّدة، وفي بعضها: (صَبَّاح)، كما يُقال: الحسَن وحسَن، ورجال السَّنَد بصريُّون. (رَاثَ) بمُثلَّثةٍ؛ أي: أبطأ، والمصدر الرَّيث. (قريبًا)؛ أي: كان الزَّمان، أو رَيْثُه قَريبًا. (قيامه)؛ أي: قيام الحسن من المَسجِد لأجل النَّوم، أو من النَّوم لأجل التَّهجُّد، وفي بعضها: (قَرَّبْنَا) فِعْلًا ماضيًا. (نظرنا)؛ أي: انتَظَرْنا.

(ذات ليلة)؛ أي: في لَيلةٍ، وسبق في (باب العِلْم والعِظَة باللَّيل). (شطر) بالرَّفع على أنَّ (كان) تامةٌ، أو ناقصةٌ وخبرها (يبلغه)، وفي بعضها بالنَّصْب، أي: كان الوقْت الشَّطر، و (يبلغه) استئنافٌ، أو الجُملة مؤكِّدةٌ، ومعناها: يُصلِّي اللَّيل، أو الانتِظار إلى الشَّطر، يُقال: بلَغه بُلوغًا: وصل إليه، أو شارفَه وقاربَه. (في خير) في بعضها: (بِخَيْرٍ)، أي: عمَّم الحسَن الحُكم في كلِّ الخيرات. (وهو)؛ أي: يقول الحسَن ذلك، وهو (إن القومَ لا يَزالون) هو من جملة مَرْوَّيات أنَس، ومعنى كون المُنتظِر في صلاةٍ في حُصول الثَّواب لا بقيَّة أحكام الصَّلاة. * * * 601 - حَدَّثَنا أبو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ وَأبو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: صلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَرَأَيْتكُمْ لَيْلَتكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِلَى مَا تتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وإنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ"؛ يُرِيدُ بِذَلِكَ: أنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ.

الحدث الثَّاني: سبَق في (باب السَّمَر في العِلْم) شرحُه وفوائدُه. (أرايتكم) سبَق أيضًا أنَّه بمعنى أخبِرُوني، والكاف للخِطاب لا محلَّ لها، والميم للجماعة. (هذه) في محلِّ نصبٍ، والجواب محذوف، أي: فاحفَظوها واحفَظوا تاريخها. (فوهل) بفتح الهاء، وكسرِها، وهو من مَقول ابن عمر، أي: ذهَب وهمُهم إليه. قال الجَوْهَري: وَهَل في الشَّيء، وعن الشَّيء: إذا غَلِط فيه، ووَهَلَ إليه -بالفتح-: ذَهَب وهمُه إليه، وهو يُريد غيره مثل وَهِمَ. قال (خ)؛ أي: تَوهَّموا، وغَلِطوا في التَّأويل. قال إن): يُقال: وهَل -بالفتح- يَهِل وَهْلًا كضرب يضرب ضربًا غلَطٌ، وذهب وهمُه إلى خلاف الصَّواب، ووهِل -بالكسر- يَوهَل وهَلًا كحَذِر يحذَر حذَرًا، أي: فَزِعَ. (في مقالة النبي - صلى الله عليه وسلم -)، أي: في هذا الحديث، أي: تأويلاتهم التي كانت مشهورةً عندهم في المُراد بمئةِ سنةٍ مثل أنَّ المُراد انقِراض العالم بالكلِّية ونحو ذلك، فقال ابن عمر: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما أراد انخرام القَرْن الذي هو فيه بأنَّه ينقضي أهلُه في مئة سنةٍ، ولا يبقَى منهم أحادٌ، والقَرْن كلُّ طبقةٍ من النَّاس اقترنَتْ في وقتٍ، ومنه قيل لأهل كلِّ مدَّةٍ

41 - باب السمر مع الضيف والأهل

أو طبقةٍ بُعثَ فيها نبيٌّ قَرنٌ، قلَّتْ السِّنُون أو كثُرت، وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - إعلامٌ بأنَّ أعمار أُمته لا تطولُ كمن سلَف من الأُمم، فيَجتهدون في العمَل الصَّالح. * * * 41 - بابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالأَهْلِ (باب السَّمَر مع الأَهل والضَّيْف) 602 - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُناَسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ، اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِس أَوْ سَادِسٌ"، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَشَرَةٍ، قَالَ: فَهْوَ أَناَ وَأَبِي وَأُمِّي، فَلاَ أَدْرِي قَالَ: وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأتهُ: وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ قَالَتْ: ضَيْفِكَ-؟ قَالَ: أَوَ مَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجيءَ، قَدْ عُرِضُوا فَأبَوْا، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَناَ فَاخْتبأتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ! فَجَدَّع وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا لاَ هَنِيئًا، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَطْعَمُهُ أَبَدًا، وَايْمُ اللهِ! مَا كُنَّا نأخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا

رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أكثَرُ مِنْهَا، قَالَ: يَعْنِي: حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أكثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا أبو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أكثَرَ مِنْهَا، فَقَالَ لامْرِأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِراسٍ! مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لا وقرَّةِ عَيْني لَهِيَ الآنَ أكثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ، فَأكلَ مِنْهَا أبو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ -يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ، فَفَرَّقَنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُنم أُناَسٌ، اللهُ أَعْلَمُ كم مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، فَأكلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ. (أصحاب الصُّفَّة) غُرباءُ فُقراءُ زُهَّاد كانوا يَأوُون في صُفَّةٍ آخرَ مسجده - صلى الله عليه وسلم - مُظلَّلة يَبيتون فيها يَكثُرون بمن يَقدم، حتَّى كانوا سبعين، ويَقتلُّون بمن يموت، أو يسافر، أو يتزوَّج. (أناسًا) ويُقال أيضًا فيه: ناسٌ. (بثالث)؛ أي: من أهل الصُّفَّة، وكذا فيما بعده. (وإن أربع فخامس) قيَّده بعضهم بالجَرِّ، والكلُّ على حَذْف مضافٍ، أي: وإن كان عنده طعامُ أربعٍ، فحُذِفَ المُضاف وبقيَ عملُه، كما حكى يونسُ عن العرَب: مرَرْتُ برجل صالح، وإن لا صالحٍ فطالحٍ، أي: وإن لا أمرُّ بصالحٍ فقد مرَرتُ بطالحٍ، وكذا يُقدَّر في جرِّ خامسٍ: فليَذهبْ معه بخامسٍ، ولكن الرَّفع أحسنُ على حَذْف المُضاف، وإقامةِ المُضاف إليه مُقامَه، ويُضمَر مبتدأٌ للفظ خامس،

أي: فالمُذهَب به خامسٌ، أو نحو ذلك. (أو سادس) ليس متعلِّقًا بمن عنده أربعٌ، فإنَّ السَّادس إنَّما هو لمن عنده خمسةٌ، وإنَّما التَّقدير: فليَذهب معه بخامسٍ، أو بسادسٍ مع الخامس، أي: يذهب معه بواحدٍ أو باثنين، وقرينتُه أنَّ السَّادس لا بُدَّ له من خامس؛ إذ التَّقدير: وإن كان عنده طعامُ خمسٍ، فليَذهب بسادسٍ، فهو من عطف جملةٍ على جملةٍ. قال ابن مالك: هو ما حُذف فيه بعد الفاء، وإن فعلان وحرفا جرٍّ باقٍ عملُهما، أي: وإن قام بأربعةٍ فليَذهب بخامسٍ أو بسادسٍ، وإنَّما جعل لمن له طعام اثنين ثالثًا، والثَّلاثة والأربعة وهكذا، أو واحدًا واحدًا، ولم يَزد بحسب الزَّائد؛ لأنَّ الذي عنده زيادةُ عيالٍ ينبغي التَّخفيف عنه. (وانطلق النبي - صلى الله عليه وسلم -) لم يُعبِّر فيه كالذي قبلَه بلفظ: (جاءَ)؛ لأنَّ المَجيء المشيُ المُقرب للمُتكلم، والانطلاقُ المشي المُبعِد عنه. (قال)؛ أي: عبد الرَّحمن. (فهو) الضَّمير للشَّأْن. (أنا) مبتدأ خبره محذوف دلَّ عليه السِّيَاق، أي: في الدَّار، أو أهله. (وأُمي)؛ أي: كذلك، وفي بعضها: (أَبِي) بالباء، والصَّحيح الأَوَّل.

(ولا أدري) هو كلام أبي عُثمان. (وامرأتي) اسمها: آمنة بنت عَدِيِّ بن قَيْس السَّهْمي. (وخادم) يحتمل عطفُه على أُمِّي، وعلي امرأتي، والثَّاني أقرب لفظًا. (بين) ظرفٌ لـ (خادم). (تعشى)، أي: أكلَ العَشاء بفتح العين، وهو طعامُ آخِر النَّهار. (ثم لبث)؛ أي: في داره. (حتَّى) في بعضها: (حَيْثُ). (صليت) بالبناء للمَفعول. (رجع)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (فلبث) عنده. (حتَّى تعشى النبي - صلى الله عليه وسلم -) هذا يُشعر أنَّ التَّعشِّي عنده بعد الرُّجوع إليه، وما سبَق يُشعر بأنَّه كان قبلُ، وجوابه: أنَّ الأول بيان حال أبي بكر في (¬1) عدم الاحتياج إلى طعامٍ عند أهله، والثَّاني هو سَوق القِصَّة على التَّرتيب كالبيان للسَّابق، أو أنَّ الأَوَّل تعشِّي أبي بكر، والثَّاني تعشِّي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعض نُسَخ "مسلم": (حتَّى نعَسَ) من النُّعاس. قال (ع): وهو الصَّواب. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "أن المذكور أو الإتيان" بدل "أن الأول بيان حال أبي بكر في" والمثبت من "الكواكب الدراري" للكرماني (4/ 238).

(ضيفك) أُفرِدَ مع كونهم ثلاثةً؛ لأنَّ المُراد به الجنس، أو مصدرٌ يُوصَف به الجمع ودونه. (أو ما عشيتهم) الهمزة للاستفهام، والعطف على مُقدَّرٍ بعد الهمزة كما عادةُ (ك) يُكرِّر ذلك، وسبق بيانه، وفي بعضها: (عشَّيْتِيْهِم)، بإشباع كسرةِ التَّاء ياءً. (عرضوا) قال (ك): بفتح العَين، أي: الأهل من الابن، والمرأة، والخادم. (فأبوا)؛ أي: الأضيافُ، قال: وفي بعضها بضمِّ العين، أي: عُرِض الطَّعامُ على الأضياف، فحُذف الجارُّ وأُوصِل الفعل، أو هو من باب القَلْب نحو: عَرضتُ النَّاقةَ على الحوض. وقال (ش): قيل بضمِّ العين، وبتشديد الرَّاء المكسورة، أي: أُطعِموا من العُراضة، وهي المَبَرَّة؛ قاله الجَوْهَري، وقال في "المَطالِع": هو بتخفيف الرَّاء، والقياس تثقيلُها. (قال)؛ أي: عبد الرَّحمن. (فاختبأت)؛ أي: خوفًا من خِصام أبيه وشَتْمه. (يا غُنْثَر) بمعجمةٍ مضمومةٍ، ثم نونٍ ساكنةٍ، ثم مُثلَّثةٍ مفتوحةٍ ومضمومةٍ: هو الثَّقِيْل الوَخِم، وقيل: الجاهل، وقيل: السَّفيه، وقيل: اللَّئيم، وقيل: ذبابٌ أزرق يكون في الصَّحراء، شبَّهه به تَحقيرًا. قال (ن): هذه الرِّاوية المشهورة، وحكاه (ع) بفتح المُعجَمَة،

وبالمُثنَّاة الفَوقانيَّة، ورواه (خ) بالمُهمَلة والفَوقانيَّة المَفتوحتَين، أي يا لَئيمُ. ونقل (ك)، عن (خ) أنَّه قال: حدَّثناه خلَفٌ الخَيَّام بالعَين الغير المُعجَمَة، وبالتَّاء التي أُخت الطَّاء مضمومتَين، قال (خ): فإنْ كان ذلك محفوظًا فهو بفتح العين والتَّاء، وهو الذُّباب، وشُبِّه به تحقيرًا. (فجدع) بجيمٍ، ودالٍ مُهمَلةٍ مشدَّدةٍ، أي: دَعا بالجَدْع، وهو قطع الأَنْف، والأُذُن، والشَّفَة، أو نحو ذلك، أو أنَّ المُراد السَّبُّ. (لا هنيئًا) قال ذلك غَيظًا، وقيل: بل هو خبَرٌ، أي: إنَّكم لم تَتهنَّوا بالطَّعام في وقته. قلتُ: وهذا الذي يَنبغي الحمل عليه. (وايم الله) همزةُ وَايْمُ وصلٌ عند الأكثر، وسبق في (باب الصَّعيد الطَّيِّب وَضوء المُسلم) بيانُه، وأنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: قسَمي. (ربا)؛ أي: زَادَ. (وصارت)؛ أي: الأطعِمة، أو البَقيَّة. (أكثر) بالمُثلَّثة، وفي بعضها: بالمُوحَّدة. (لامرأته)؛ أي: أُمِّ عبد الرَّحمن، وهي أُمُّ رُومان، بضَمِّ الرَّاء، اسمها: زينَب. (يا أخت بني فِراس) بكسر الفاء، وخفة الرَّاء، وبالمُهمَلة. قال (ن): معناه: يا مَن هي مِن بني فِراس، أي: ذلك لأنَّها بنتُ

الحارث بن غنم الفِراسية. وقال (ك): هي بنت عبد دُهْمان بضَمِّ المُهمَلة وسكون الهاء أحد بني فِراس بن غنم بن مالك بن كنانة. (لا وقرة عيني) بجرِّ (قُرَّةِ) على القسَم. قال الدَّاوُدي: يُريد به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولفظة (لا) زائدةٌ، ويحتمل أنْ تكون نافيةً لمحذوف، أي: لا شيءَ غيرُ ما أَقول، وهو قُرَّة عيني، هي أكثر منها، وقُرَّةُ العين يُعبَّر به عن المسَرَّة ورُؤيةِ ما يُحبُّه الإنسان؛ لأنَّ العين تقَرُّ ببُلوغ الأُمنية. قال الأَصْمعي: أَقرَّ اللهُ عينَهُ، أي: أبرَدَ دمْعَه؛ لأنَّ دَمْع الفرَح باردٌ، ودمع الحُزْن حارٌّ. (ثم أكل) فائدتُه مع قوله فيما سبَق: أكَلَ، وليس إلا أكْلٌ واحدٌ؛ لرفع الإبهام؛ فإنَّه إنَّما أكلَ لُقْمةً واحدةً، وإنَّما خالَف بينه؛ لأنَّ إثبات الخير والتَّكفير أَولى؛ لقوله قيس: "فلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمينهِ، ولْيَأتِ الذي هُوَ خَيْرٌ"، أو كان مرادُه: لا أَطعَمُه معكم، أو في هذه السَّاعة، أو عند الغَضَب، لكنَّ هذا مبنيٌّ على جواز تخصيص العُموم في اليمين بالنيَّة، أو الاعتِبار بخُصوص السَّبب لا بعُموم اللَّفظ الوارد عليه. (فأصبحت)؛ أي: الأَطعمةُ. (عنده)؛ أي: عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (عقد)؛ أي: مُهادَنةٌ.

(فعرفنا) الفاء فيه هي الفَصيحة، أي: فجاؤوا إلى المَدينة فعَرفنا منهم، أي: ميَّزنا، أو جعلنا كلَّ رجلٍ من اثني عشَر فِرْقةً، وفي بعضها: (فَعَرَّفْنَا) بالمُهمَلة وشدة الرَّاء، أي: جعلناهم عُرَفاء، وفي بعضها: (فقَرَيْنا) من القِرَى، أي: الضِّيافة. (الله أعلم) جملةٌ معترضةٌ، أي: أُناسٌ اللهُ يعلَمُ عددَهم، ومميِّزُ (كم) محذوفٌ، أي: كم رجلٍ. (أو كما قال)؛ أي: عبد الرَّحمن، والشَّكُّ من أبي عُثمان، وما في التَّرجَمة من السَّمَر مع الأهل والضَّيف ظاهرٌ في الحديث. وفيه: أنَّ السُّلطان في المَسغَبة يُفرِّق الفُقراء على أهل السَّعَة بقَدْر ما لا يُجحِف بهم، وقال كثيرٌ من أهل العلم: إنَّ في المال حُقوقًا سِوى الزَّكاة. وفيه الأكل عند الرَّئيس وإنْ كان عنده ضيفٌ إذا كان في داره مَن يَقومُ بخدمتهم. وفيه أنَّ الأهل والولد يَلزمُهم من خِدْمة الضَّيف ما يَلزمُ صاحبَ المَنزل، وأنَّ الضَّيف ينبغي أنْ يتأدَّب وينتَظِرُ صاحب الدَّار ولا يَتهافَتَ على الطعام، والأكل من طعامٍ ظهَرتْ بركتُه، وإهداءُ ما تُرجَى بركتُه لأهل الفضْل، وأنَّ آياتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قد تظهَر على يَدِ غيره، وفَضيلةُ الإيثار والمُواساة، وتَوزُّع الجماعة الأضيافَ إذا كثُروا. وفيه أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان آخذًا بأفضل الأُمور وسابقًا إلى السَّخاء والجُود،

فإنَّ عيالَه - صلى الله عليه وسلم - كانوا قَريبًا من عدَد ضِيْفانه تلك، فواسَى بنصف طعامه أو أكثر، وواسَى أبو بكر بالثُّلُث أو أكثرُ، والباقون بدُون ذلك. وفيه ما كان أبو بكر من الحُبِّ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والانقطاعُ إليه وإيثارُه في ليلهِ ونهاره على الأَهْل والأَضياف. وفيه كرامةٌ ظاهرةٌ، للصِّدِّيق، وإثباتُ كرامات الأَولياء، وهو مذهب أهل السُّنَّة، وجوازُ تعريف العُرَفاء للعَساكر. قال (ك): وفيه جواز الاختفاء عن الوالِد عند الخَوف من تقصيرٍ، والدُّعاء والتَّجْديع للأولاد، وتَرْكُ الجماعة لعُذْرٍ، وجوازُ الخِطاب للزَّوجة بغير اسمها، والقسَم بغير الله، وحَمْلُ المُضيف المَشَقَّة على نفسه لكَرامة الضَّيف، والاجتهاد في دَفْع الوَحْشة، وتَطييبُ القُلوب، وجوازُ ادِّخار الطَّعام للغَدِ، وأنَّ الرَّاوي إذا شكَّ بيَّنَه كما قال: لا أَدري هل قال: (وامْرَأَتِي)، ومثلُ لفظة: أو كما قال، ونحوها، والله أعلم. * * *

10 - كتاب الأذان

10 - كِتَابُ الأَذانِ

1 - باب بدء الأذان

10 - كِتَابُ الأَذانِ هو لغةً: الإِعلام، واصطِلاحًا: إعلامٌ بدُخول أوقات الصَّلوات الخمس بكلماتٍ مخصوصةٍ. وذُكر في حِكْمته أربعة أشياء: إِظْهارُ شِعارِ الإسلام، وكلمةُ التَّوحيد، والإعلامُ بالوَقْت، ومكانُ الصَّلاة، والدُّعاء إلى الجماعة. (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) 1 - بابُ بَدْء الأَذَانِ وَقَوْلهِ -عَزَ وَجَل-: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}، وَقَوْلُهُ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}. (باب بَدْءِ الأَذان) (ناديتم)؛ أي: أذَنتم. (للصلاة) اللَّام للاختِصاص بخلاف الآية الأُولى، فإنَّه رُوعيَ

فيها معنى الانتِهاء، فأتَى بـ (إلى). * * * 603 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُؤتِرَ الإقَامَةَ. الحديث الأَوَّل: (أبو قِلابة) عبد الله، ورجال السَّنَد بصْريُّون. (والناقوس) هو ما يُضرَب به النَّصارى لصلاتهم، أي: خشَبةٌ طويلةٌ تُضرَب بأصغرَ منها. (أمُر) بالضَّمِّ، أي: أمرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه الآمِر النَّاهي، هذا الصَّواب الذي عليه أكثَر خلافًا لمَنْ قال: إنَّ مثلَه موقوفٌ لاحتمال أنَّ الآمر له غير الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، ورُدَّ بأنَّ الخبَر عن الشَّرع لا يحتمل إلا على أمر الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -. (يشفع) -بفتح الياء والفاء-: يَأتي بأَلفاظه مثنَّاةً. (ويوتر بالإقامة) وهي إعلامٌ بالشُّروع في الصَّلاة بألفاظٍ مخصوصةٍ، فإيتارُها أن يأتي بها فُرادى، وهذا حُجَّةٌ على الحنفيَّة في تَثنيتِها.

قال (خ): الإفراد هو ما جرَى به العمل في الحرَمين والحِجاز والشَّام واليمَن ومصر والمَغرب إلى أَقصى بلاد الإسلام، ومَذْهب العامَّة تثنيةُ لفْظِ الإقامة إلا مالِكًا، فإنَّه قال بإفرادها في الأشْهَر عنه. واعلم أنَّ ظاهر أمْرِه الوُجوب، والجمهورُ أنَّه سُنَّةٌ، فيُجاب: الذي للوجوب صيغةُ افعَلْ، لا لفظ: أمَرَ بكذا، لكنَّ الصِّيغة الشَّرعية واجبة في الشَّيء ولو كان نفلًا كالطهارة لصلاة النفْل، أو يُقال: بأنَّه فَرْض كفايةٍ كما هو وجْهٌ عندنا، أو الإجماعُ منَع حَمْله على ظاهره. قال (ك): واختيار الدُّعاء بالقَول أنَّه كيفيَّة تَعرِض للنَّفَس الضَّروري، والإعلامُ به أسهَل، وعدم الحاجة إلى آية: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185]، والحِكْمة في تَثنية الأذان أنّه إعلامٌ للغائبين، وإفرادُ الإقامة؛ لأنَّها إعلامُ الحاضرين، ولئلَّا يَلتبس الإِعلامان على السَّامعين، وإنَّما كرَّر لفظ الإقامة، لأنَّها هي المقصودُ فيها، وأما تكرير: الله أكبر، فهو تثنيةٌ صورةً، ولكنَّه مفردٌ حُكمًا، ولذلك يُستحبُّ أنْ يُقالا بنفَسٍ واحدٍ، ويُقالا في الأذان كذلك مرَّةً ثم مرَّةً. قال (ع): الأذان كلمةٌ جامعةٌ لعقيدة الإيمان بجمعِ نَوعَيه العقليِّ والنَّقليِّ، وإثباتِ الذَّات وما تستحقُّه من الكمال من الوصف الوجوديِّ والتَّنزيهي، ولفظ: الله أكبر مع اختصارها دالَّةٌ على ما ذكرناه، ثم إثباتُ الوَحدانيَّة، ونَفي الشِّركة، وذلك عُمدة الإيمان، والشَّهادة بالرِّسالة التي هي قاعدة جميع العبادات، وموضعها بعد التَّوحيد؛

لأنَّها من الجائز الوقوع، والسَّابق من الواجب الوقوع، وبعد تمام العقيدة الدُّعاء للصَّلاة، ثم إلى كلِّ فَلاح، وهو الفَوز والبقاء في النَّعيْم المُقيم، وهو إشعار بأمور الآخرة من البَعْث والجزاء، وقد كمُل بذلك العقائد الإسلاميَّة، ثم كرَّر ذلك بإقامة الصَّلاة للإعلام بالشُّروع مضمَّنٍ لتأكيد الإيمان، وتكرار ذكْرِه عند الشُّروع في العبادة بالقلب واللِّسان ليدخل المُصلِّي على بيِّنةٍ من أمره وبَصيْرةٍ من إيمانه، ويَستشعرَ عظيمَ ما دخَل فيه، وعظمةَ حقِّ مَن يَعبُده، وجزيل ثَوابه. * * * 604 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرني ناَفِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقولُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ، لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا ناَقُوسًا مِثْلَ ناَقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بِلاَلُ! قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ". الحديث الثَّاني: (فيتحينون) بحاء مُهمَلة ومُثنَّاة تحتُ، ثم نونٍ: من الحِيْن، وهو الوقت، أي: يُقدِّرون أحيانها ليَأتوا إليها في أوقاتها. (ليس ينادى لها) قال ابن مالك: هو شاهدٌ على جَواز استعمالِ

(ليس) حَرْفًا لا اسمَ لها ولا خبَرَ، أشار إليه سِيْبَوَيْهِ، ويحتمل أنَّ اسمها ضميرُ الشَّأْن، والجملة بعدها خبرٌ. (البوق) بضَمِّ المُوحَّدة: الذي يُنفَخ فيه. (القرن) بفتح القاف، ولا يُنافي ذلك ما سبَق من كَون النَّار لليَهود على وجه اللَّفِّ والنَّشْر هناك؛ لجواز أنَّ لهم الأمرَين. (أو لا تبعثون) الهمزة للاستفهام، والعطف على مقدَّرٍ، أي: تَقولون بموافقتهم، ولا تَبعثون. وفيه مَنْقبةٌ عظيمةٌ لعُمر في إصابته الصَّوابَ، وفيه التَّشاور في الأمور المهمة، وأن كلًّا يقول ما عنده، ثم يَفعل صاحب الأمر ما فيه المَصلحةُ، وهذه المُشاورة حين قدم - صلى الله عليه وسلم - وبنَى مسجدَه، فشاورَهم فيما يَدعون به للصَّلاة في أَوَّل الوقْت للجماعة، فقال بعضٌ: نَاقُوسٌ، وقال بعضٌ: نارٌ، أو بُوقٌ، على الرِّوايتين. قلتُ: وفي بعض طُرُق الحديث: (ناَرٌ كنَارِ المَجُوسِ)، وقال بعض: تَلتبسُ أوقاتنا بأوقاتهم، أو يكون تشبيهًا بهم، فرأَى تلك الليلة عبدُ الله بن زيد بن عبدِ رَبّهِ الأَذانَ، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (قُمْ فَأَلْقِهِ على بِلالٍ؛ فإنَّه أَنْدَى صَوتًا مِنْكَ)، ورآه عُمر، قيل: وغيرُهما أيضًا. قال (ع): في قوله: (يَا بِلالُ، قُمْ فَنَادِ بالصَّلاةِ) حُجَّةٌ للأذان قائِمًا، وأنَّه لا يجوز قاعدًا. قال (ن): الاستدلال به ضعيفٌ؛ لأنَّ المُراد تأكيدُ الإعلام،

2 - باب الأذان مثنى مثنى

لا الأذان المعروف، ولأَنَّ المُراد: قُم فاذهبْ إلى مَوضعٍ بارزٍ فنادِ فيه ليَسمع النَّاس من بُعدٍ، ولا تَعرُّض فيه لقِيامٍ في الأذان، وأيضًا ففي التِّرْمِذي وغيره قولُه لعبد الله بن زيد: "ألقِهِ على بِلالٍ؛ فإِنَّه أَنْدَى صَوتًا مِنْكَ"، فيُؤخَذ منه كونُ المُؤذِّن رفيعَ الصَّوت حسَنَهُ. * * * 2 - بابٌ الأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى (باب الأَذان مَثْنى)، هو بلا تَنوينٍ، وفي بعضها: (مَثْنَى) مكرَّرًا، إما تأكيدًا، أو لأنَّ (مثنى) يدلُّ على تثنية اللَّفظ، لأنَّه معدولٌ عن: اثنين اثنين، والثَّاني لإفادة أنَّه لا يختصُّ بأذانٍ بل كل أذانٍ مثنى، الأَوَّل للأجزاء، والثَّاني للجُزئيَّات، أو بناءً على القَول بأنَّ (مثنى): اثنانِ غيرَ مُكرَّر. 605 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أنَسٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإقَامَةَ إِلَّا الإقَامَةَ. الحديث الأَوَّل: (أُمر) بالبناء للمفعول، ورواه النَّسائي: (أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -). (إلا الإقامة)؛ أي: إلا لفظَ الإقامة، فإنها تُشفَع، فالحديث

3 - باب الإقامة واحدة إلا قوله: "قد قامت الصلاة"

حجَّةٌ على مالك كما هو على أبي حنفية. * * * 606 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلاَبة، عَنْ أنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ -قَالَ- ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلاَةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونه، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا ناَرًا، أَوْ يَضْرِبُوا ناَقُوسًا، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوترَ الإقَامَة. الثَّاني: (لمَّا) بالتَّشديد، والعامل فيه ذكَروا، و (قال) المذكورُ قبله مقحمةٌ تأكيدٌ لـ (قال) أولًا. (يُعْلموا) بضَمِّ الياء، وسكون العين، أي: يجعلون علامةً. (يوروا)؛ أي: يُوقدوا ويُشعلوا، من أَورَيتُ النَّار: أشعلتُها، وليس في هذا الحديث حُجَّةٌ لمالك في إفراد لفظ الإقامة حيث لم يَستثنِها؛ لأنَّ المُطلَق يُحمل على المُقيَّد، وهو باقي الأحاديث. * * * 3 - بابٌ الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إلا قَوْلَهُ: "قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ" (باب الإقامةِ بواحدةٍ) 607 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا

4 - باب فضل التأذين

خَالِد، عَنْ أَبِي قِلاَبة، عَنْ أنَسٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يوتِرَ الإقَامَةَ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُ لأَيُّوبَ فَقَالَ: إِلَّا الإقَامَةَ. (أيوب) السَّخْتِيَاني. (فقال: إلا الإقامة)؛ أي: زاد في آخر الحديث هذا الاستثناء، قال المالكية: عملُ المدينة سلَفًا وخلَفًا على إفرادها، فلو صحَّتْ زيادةُ أَيُّوب وما رواه الكوفيُّون ما خالَفوه، وأيضًا فيَجوز أنَّ ذلك في وقتٍ ثم تُرِكَ، وأُجيب بأنَّ زيادة الثِّقة يجب العمل بها، وعملُ أهل المدينة ليس حُجَّة، وأيضًا فمُعارَض بعمل أهل مكَّة، وهي تجمع الكثير في المَواسِم وغيرها. * * * 4 - بابُ فَضْلِ التَّأْذِينِ (باب فَضْل التَّأذين) 608 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ أبي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ

أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنفسِهِ، يَقُولُ: اذْكرْ كَذَا، اذْكرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كلمْ صَلَّى". (له ضراط) جملةٌ اسميةٌ حاليةٌ، وإنْ لم تكن بواوٍ اكتفاءً بالضَّمائر كما في: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36] وقال الطِّيْبي: سبَبُه شَغْل الشَّيطان نفسَه، وإغفالَه بالصَّوت الذي يملأ السَّمعَ، ويمنع من سَماع غيره، ثم سَمَّاه ضُراطًا تَقبيحًا له. (قضى)؛ أي: فَرغ وانتَهى، وفي بعضها بالبناء للمَفعول. (ثوب) المُراد به هنا الإقامة، لا الذي في الصُّبح، وهو: (الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّومِ)؛ لأنَّه من ثَابَ: إذا رجَع، فكما رجَع هناك بعد الفَصْل بحيَّ على الفَلاح، أي: الدُّعاء للصَّلاة، رجَع هنا إلى الدُّعاء للصَّلاة، وقيل: أَصْل التَّثويب أَنْ يُلَوِّحَ الرَّجلُ بثَوبه عند الفَزَع ليُعلِمَ بذلك أصحابه. (يَخْطِرَ) قال (ع): ضبطناه عن المُحقِّقين بكسر الطَّاء، وسمعناه من أكثَرِ الرُّواة بالضَّمِّ، لكن الكسر أَوْجَه، أي: يُوَسْوِسُ، وأما بالضَّمِّ فمن المُرور. قال (ن): بالكَسْر: الوَسْوَسة، من قولهم: خطَر الفَحْل بذنبَه: إذا حرَّكَه فضَرب به فَخذَيه، وبالضَّمِّ: يَدنُو فيمرُّ بين المَرء وقَلْبه، انتهى. وإنَّما هرَب الشَّيطان عند الأذان للاتِّفاق على إِعلان كلمة

التَّوحيد وغيرها من العقائد، وإقامة الشِّعار، وإنَّما جاء عند الصَّلاة مع أَنَّ منها قِراءةَ القُرآن وغيرها، والصَّلاة غالبًا سِرٌّ ومُناجاةٌ، فله تطرُّق إلى إفسادها على فاعلها، أو إفساد خُشوعه، وقيل: هرَبُه عند الأذان لئلا يُضطَرَّ إلى الشَّهادة لابن آدم بذلك يوم القيامة، كما في حديث: "لا يَسمَعُ نداءَ صَوتِ المُؤذِّن جِنٌّ ولا إِنْسٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَومَ القِيَامةِ". (بين المرء ونفسه) يقتضي أنَّ المُراد غير نَفْسه، فيُحمل على أنَّ المُراد بينه وبين قَلْبه كما في: {أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]. (لما)؛ أي: لشيءٍ لم يكُن يَذكُره في غير الصَّلاة. (يظَل) بفتح الظاء المُشَالَة: يَصيرُ، أو يكُون؛ ليَتناول صلاةَ اللَّيل أيضًا، والقَصْد أنَّه يُسهيهِ، ولهذا حكَى الدَّاوُديُّ فيه: (يَضِلَّ) بالضَّاد بمعنى: نسِيَ، ويذهب وهْمُه. قال (ش): (إن يدري) هي بالكسر نافيةٌ بمعنى (ما)؛ موافَقةً لرواية: (لا يَدْرِي). قال الطِّيْبِي: كرَّر لَفظ (حتَّى) خَمس مرَّاتٍ، الأُولى والرَّابعة والخامِسة بمعنى: كَيْ، والثَّانية والثَّالثة دخلَتا على الجُملَتين الشَّرْطيتَين، وليستَا للتَّعليل. * * *

5 - باب رفع الصوت بالنداء

5 - بابُ رَفْع الصَّوْت بِالنِّدَاءِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا. (باب رَفْعِ الصَّوتِ بالنِّداء) (وقال عمر)؛ أي: لمُؤذِّنه. (سَمْحًا) بسكون الميم، أي: سَهْلًا، ومنه السَّماحة في المُعاملات، أي: بلا نَغَماتٍ وتَطْريبٍ. (فاعتزلنا)؛ أي: اتْرُكْ مَنصِب الأذان. * * * 609 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازنيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: "إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءَ، فَإنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (صَعْصَعَة) بمُهملاتٍ مفتوحاتٍ سِوى الثَّاني، فإنَّه ساكنٌ.

(للصلاة)؛ أي: لأَجْلها، وفي بعضها: (بالصَّلاةِ). (مدًّا)؛ أي: غايتَه. قال التُّورِبِشْتي: وفي زيادة: (مَدًّا) مع الغُنية عنها تنبيهٌ على أنَّ آخرَ من يَنتهي إليه الصَّوت يَشهد له كما يشهد الأَوَّل. وفيه الحثُّ على استفراغ الجُهد في رفع الصوت بالأذان، وقال البَيْضَاويُّ: إذا شَهد من يسمع آخرَ الصَّوت مع كونه أخفى لا محالةَ لبُعده؛ فلأنْ يشهدَ مَن هو أدنى وسَمع مبادئه أَولى. (شيء) قيل: ممن تصحُّ منه الشَّهادة كالملائكة، وقيل: عام في الجماد وغيره بأنْ يخلُقَ الله له إدراكًا، فهو تعميمٌ بعد تخصيص، وفائدة هذه الشَّهادة، {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79]، اشتهارُه بالفضل يومئذٍ، وعلوُّ الدَّرَجة كما يُفضَح من يُفضَح بالشَّهادة عليه. (سمعته)؛ أي: الكلام الأخير، وهو أنَّه لا يسمع ... إلى آخره. وفيه استحبابُ الأذان للمُنفرِد دون أن يؤذِّن على مكانٍ مرتفعٍ؛ ليكون أبعدَ لذهاب الصَّوت، وكان بلالٌ يؤذِّن على بيت امرأةٍ من بني النَّجَّار بيتُها أطولُ بيتٍ حَوْلَ المَسجِد. وفيه العُزلةُ عن النَّاس، واتخاذُ الغنَم، والمُقامُ بالبادية من فعل السَّلَف، وفضْلُ الإعلان بالسُّنَن، وكثْرةُ الشُّهداء عليه يوم القيامة. * * *

6 - باب ما يحقن بالأذان من الدماء

6 - بابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاء (باب ما يُحقَن بالأَذان من الدِّماء) 610 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وإنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانتهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا ركبَ وَركبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وإنَّ قَدَمِي لتمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. قَالَ: فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". (بنا) بالبناء للمصاحَبة. (لم يكن يغز) مضارعٌ من الغَزْو، وفيه خمسُ نُسَخٍ، هذا، و (يَغْزُ) بالجزْم بدلٌ من يكُن، و (يُغِرْ) من الإغارة، مرفوعًا ومجزومًا، ومن الإِغراء مرفوعًا. (وينظر)، أي: يَنتظر. (أغار)؛ أي: هجَم على العَدُوِّ من غير علمٍ منهم، ويُقال أيضًا فيه: غَارَ.

(لمكاتلهم) جمعُ مِكْتَل، بكسر الميم، أي: قُفَّة. (ومساحيهم) جمع مِسْحاةٍ، وهي مَجرَفةٌ من حديدٍ. (والخميس) عطفٌ على الفاعل، ويُروى بالنَّصْب مفعولًا معه، سُمِّي بذلك، لأنَّه خمسةٌ: قَلْبٌ، ومَيمَنةٌ، ومَيْسرةٌ، ومُقدَّمةٌ، وسَاقةٌ. (خربت)؛ أي: لأَن في أيديهم المَسَاحي، ونحوَها، فهو تَفاؤلٌ بذلك، وقيل: أخذَه من اسمها، والأصحُّ أنَّه قالَه بوحْيٍ. (بساحة)؛ أي: فِنَاءِ، وأصلُه الفَضاء بين المَنازل. قال (خ): فيه أنَّ الأذان شِعار الإسلام، وأنَّه واجبٌ لا يجوز تَرْكه، وإذا اجتَمع أهلُ بلَدٍ على تَرْكه قاتلَهم السُّلطان عليه. قال التَّيْمي: وإنَّما يُحقن الدَّمُ بالأذان؛ لأنَّ فيه الشَّهادتَين، وذلك لمَن بلَغتْه الدَّعوة، فكان يمسكُ ليَعلم أكانوا مُجيبين للدَّعوة أم لا؟ لأنَّ الله تعالى وعدَه بإظهار دينه على الدِّين كلِّه، فكان يطمعُ في إسلامهم، قال: وأما اليوم فلا يَكُفُّ الأئمةُ عمَّن بلغتْهم الدَّعوة لكي يَسمعوا أذانًا لمَا عُلم من غائلتهم للمُسلمين، بل يَنتهزوا الفُرْصة فيهم. قال (ك): وفيه جواز الإِرْدَافِ على الدَّابّة المُطيقة، والتَّكبير عند اللِّقاء، والاستِشهادُ بالقُرآن لا في نحو ضَرْب الأمثال تَعظيمًا للقُرآن، وأنَّ الإغارة على العدوِّ تُستحبُّ أن تكون أوَّلَ النَّهار؛ لأنَّه وقتُ غَفْلتهم بخلاف مُلاقاة الجُيوش، وأنَّ النُّطق بالشَّهادتين إسلامٌ. * * *

7 - باب ما يقول إذا سمع المنادي

7 - بابُ مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ الْمُنَادِي (باب ما يَقولُ إِذا سَمِعَ المُنادي) 611 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَزِيدَ اللَّيثيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ". الحديث الأَوَّل: (النداء)؛ أي: الأذان، والمُراد أنْ يقولَ عَقِبَ كلِّ كلمةٍ مثلَها، لا الكلَّ عند فَراغ الكُلِّ بدليل قوله: (يَقُولُ)، ولم يقُل: (قال)، نعمْ، يخصُّ العموم بحديث مُعاوية: أنَّ الحَيْعلَتَين يقول فيهما: "لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ". * * * 612 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا، فَقَالَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلهِ: "وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ". الثَّاني: (فقال) هو تفسيرٌ لمحذوفٍ، أي: سَمعَ مُعاويةَ يومًا يقول بمثله

ضرورةَ أنَّ الذَّاتَ لا تُسمع، فلا بُدَّ من تَقدير: قول، كما في: {سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي} [آل عمران: 193]، ونحو ذلك. (مثله)؛ أي: مثل ما يقول المُؤذِّن، وفي بعضها: (بمثْلِهِ). (إلى قوله) قضيَّةُ أنَّ الغايَةَ تُخالف ما قبلَها أن لا يُقال في: (أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله) مثلَها، فيُجاب إما أنَّ (إلى) بمعنى (معَ)، كما في: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]. قال (ك): سلَّمنا، ولكنَّ الحكمَ مُتفاوِتٌ، ففي "الحاوي": إذا قال في إِقراره: عليَّ مِنْ واحدٍ إلى عشَرةَ يَلزمُه تسعةٌ، وفي "المُحَرَّر": إقرارٌ بعشَرة، وعليه الجُمهور. قلتُ: الذي في "المُحرَّر": إنَّما هو في ضمانِ من واحدٍ إلى عشَرة، والمَذهب خلافُه كما في "الشَّرحين"، و"الرَّوضة"، وغيرهما، نعمْ، قوَّى الشَّيخ تَقيُّ الدِّين السُّبْكي ما في "المُحَرَّر". قال (ك): ويُقال: سلَّمْنا، ولكن المُراد الذي قبلَ المَذكور بـ (إلى) لا يدخُل، والذي بعدَه هنا الحَيْعَلَة. قلتُ: ليس ذاكَ من مَسألةِ الغَايَةِ، هل تَدخل؟ كما قرَّرتُ ذلك في "شرَح ألفيَّة الأُصول" مَبْسوطًا. * * * 612 / -م - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَويهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، نَحْوَهُ.

الحديث الثَّالث: (إسحاق) قال الغَسَّاني: كلُّ ما في البُخاريِّ غيرَ منسوبٍ، فهو ابن راهوَيْهِ. (نحوه)؛ أي: نحو الحديث السَّابق بإسناده، واعلم أنَّ هذا مختصرٌ، وأوردَه الإسماعيليُّ بتمامه، وفيه: (فقال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، فقالَ: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ)، وكذا إلى آخِر الأَذان. * * * 613 - قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا: أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلا بِاللهِ، وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نبَيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ. (بعض إخواننا) كذا أبْهمَه. قال (ك): قيل: المُراد به الأَوْزاعيُّ، وقال غيرهُ: هو عَلْقمة بن وقَّاص، كما في "النَّسائي". (لما قال)؛ أي: المؤذِّن. (قال لا حول ولا قوة إلا بالله)؛ أي: قال مُعاوية، وفي التَّركيب الخمسةُ الأوْجُه المَعروفة. قال الجَوْهَريُّ: معنى حَيَّ: هَلُمَّ، وأَقْبِلْ، وفُتحت الياء لسكونها وسكون ما قبلَها كـ: لَيت ولَعلَّ، وإنَّما لم يذكر في الحديث: حيَّ على الفلاح اكتفاءً بحيَّ على الصَّلاة، لأنَّهما في الحكم سواءٌ، والفلاح:

8 - باب الدعاء عند النداء

الفَوز، والنَّجاة، والبقاء، قالوا: ليس في كلام العرَب كلمةٌ أجمع للخير من لفظة الفلاح، أي: أقبِلُوا على سبَب الفوز في الآخرة، والنَّجاة من النَّار، والبقاء في الجنَّة، والحَوْل: الحرَكة، أي: لا حركةَ إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل: لا حَوْلَ في دفعْ شر، ولا قُوَّةَ في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حولَ عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قُوَّةَ على طاعته إلا بمعونته، ويقال في التَّعبير عن ذلك: الحَوْلقة، والحَوْقلة. قال (ن): يُستحبُّ إجابة المؤذن لكلِّ مَن سمعه، من متطهر، ومحدثٍ، وجنُبٍ، وحائضٍ إلا لمن له مانعٌ ككونه في صلاة، أو خلاءٍ أو جماعٍ، ونحوه، وهل هي في غير أوقات المانع واجبةٌ أو مندوبةٌ؟ فيه خلاف، وكذا يجيب كلَّ مؤذِّنِ، أو أوَّلُهم؟ قالوا: ويُتابعه في الإقامة إلا أنَّه يقول في: (قدْ قامت الصَّلاة): أقامَها الله وأَدامها. قال التَّيْمي: الحَيْعلة دعاءٌ للصلاة لا معنى لقول السَّامع فيه ذلك؛ لأنَّ دعاء الناس إلى الصَّلاة سرًّا لا فائدةَ له، بل يُقال فيها: الحولقة؛ لأنَّها كنزٌ من كنوز الجنَّة. * * * 8 - بابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاء (باب الدُّعاء عند النِّداء) 614 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ،

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (عَيَّاش) بفتح المُهمَلة، وشدة التَّحتانيَّة، وإعجام الشِّين. (حمزة) بالمُهمَلة، والزَّاي. (يسمع)؛ أي: يفرغ من السَّماع، وإلا فالقياس أن يقول: سمع بالماضي، أو المراد من النِّداء تمامه؛ إذ المُطلق محمول على الكلِّ، ويَسمعُ حالٌ لا استقبالٌ. (رب)؛ أي: يستحقُّ أنْ يُوصف بهذه. (الدعوة)؛ أي: ألفاظ الأذان. (التامة) لمَا سبَق من جمعها العقائدَ بتمامها، أو لأنَّها المُستحقَّة للوصف بالكمال والتمام، وغيرُها من الدُّنْيا عُرضة النَّقص والفساد، أو لأنَّها محميَّةٌ من التَّغيير والتَّبديل، باقيةٌ إلى يوم النُّشور. (القائمة)؛ أي: الباقية، لا تُغيَّر ولا تُنسَخ. (الوسيلة) أصلُها ما يُتوسَّل به ويُتقرَّب، والمراد هنا ما فسَّرها به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله كما في "مسلم": "فقُولُوا كَما يَقُولُ المُؤذِّن، ثم صَلُّوا عليَّ، فإنَّه مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عَشْرًا، ثم سَلُوا اللهَ ليَ الوسيلةَ؛ فإنَّها منزلةٌ في الجنَّة لا تَنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله،

وأَرجُو أنْ أكونَ أنا هو". (والفضيلة)؛ أي: المَرتَبة الزَّائدة على الخَلْق. (مقامًا) مفعولٌ به على تضمين (بعثَ) معنى (أعطَى)، أو مفعولٌ فيه إن كان مكانًا غيرْ مبهم، لكنَّه نُزِّل منزلة المُبهم، أو هو تشبيه: رميتُ مَرمَى زَيدٍ. قال الزَّمَخْشَريّ في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]، أنَّه نُصبَ على الظَّرف؛ أي: فيُقيمك مقامًا، أو ضمَّن (يبعثك) معنى (يقيمك)، أو حالٌ، أي: يبعثك ذا مقامٍ محمودٍ، وإنَّما نُكِّر للتَّفخيم، أي: وأيُّ مقامٍ. (محمودًا) يحمده الأَوَّلون والآخِرون، وليس أحدٌ إلا تحت لِوائه، وله الشَّفاعة العُظمى حين يعترف الكلُّ بالعَجْز، ويُقال له: اشْفَعْ تُشفَّعْ، فيَشفَع للجميع في إراحة هَوْل الموقِف، وكشفِ كُرْبَة العَرَصات - صلى الله عليه وسلم -. (الذي) صفةٌ لـ (مَقامًا) إنْ قُلنا: صارَ علَمًا له، أو بدل، أو نصبٌ على المَدْح، أو رفعٌ بتقدير هو. (وعدته)؛ أي: بقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ} الآية [الإسراء: 79]. (حلت)؛ أي: استحقَّتْ؛ لأنَّ الحلال ما كان مُستحَقًّا. (له)؛ أي: عليه.

9 - باب الاستهام في الأذان

(شفاعتي)؛ أي: للعامِّ والخاصِّ، فيدخُل فيها الشَّفاعات كلُّها، ففيها ردٌّ على من أَنكَر بعضَها كالمُعتزلة. قال التَّيْمي: وفيه الحضُّ على الدُّعاء في أوقات الصَّلوات حين فتح أَبواب السَّماء للرَّحمة، وقد جاء: "سَاعَتَانِ لا يُرَدُّ فيهما الدُّعاءُ: حَضْرَةُ النِّداءِ بالصَّلاةِ، وحَضرَةُ الصَّفِّ في سَبيلِ اللهِ"، فدلَّهم على وقت الإجابة. * * * 9 - بابُ الاِسْتِهَام فِي الأَذَانِ وَيُذْكَرُ: أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَذَانِ فَأقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ. (باب الاستِهامِ في الأَذان)؛ أي: الاقتِراع بالسِّهام التي يُكتَب عليها الأَسماءُ، فمَنْ خرَج له سهمٌ حازَ حظَّه. (في الأذان)؛ أي: في مَنْصِبه، وذلك حين فتَحَ القادسيَّة صَدْرَ النَّهار، فاتَّبعَ النَّاس العدوَّ، فرجَعوا، وقد حانت صلاةُ الظُّهر، وأُصيب المؤذِّن، فتَشَاحَّ النَّاسُ في الأَذان، حتَّى كادُوا يَجتلِدُون بالسُّيوف، فأَقْرَعَ بينهم سعْدٌ، فأذَّن مَن خرَج سهمُه. والقُرعة أصلٌ في الشَّريعة في تَعيين ذي الحقِّ في مَواضع. * * *

615 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرناَ مَالِك، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أنَّ رَسُولَ اللهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاء وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَليهِ لاسْتَهَمُوا، ولَو يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجيرِ لاسْتبَقُوا إلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا في العَتْمَةِ والصُّبح لأتوهُمَا ولَو حَبْوًا". (سُمَي) بضَمِّ المُهمَلة، وفتح الميم، وشدَّة التَّحتانيَّة. (لو يعلم) قال الطِّيْبِي: أي: لَو عَلِمَ، فأتَى بالمضارع إقامةً له مُقامَ ما يَستدعيه؛ إذ المُراد: ثم حاوَلوا الاستِباق إليه لوَجب عليهم ذلك، أو ليُفيد استمرارَ العلم، وأنَّه ينبغي أن يكونَ على بالٍ. (ثم لم يجدوا) في بعضها: (لا يَجِدُوا)؛ لأَنَّ حذْف النُّون قد يُوجد بدُون ناصبٍ وجازمٍ تخفيفًا، قال ابن مالك: ثابت ذلك في كلام الفَصيح نظمِه، ونثْرِه. وأتى بـ (ثُمَّ) لتَراخي مَرتبة الاستِباق عن العِلْم، ولهذا قدَّم الأذان؛ لأنَّه مقدِّمةٌ للمقصود الذي هو المُثول بين يدَي الرَّبِّ سبحانه وتعالى. (التهجير)؛ أي: التَّبكير بصلاة الظُّهر، وسبق أنَّ هذا لا يُعارِض الإبراد بها؛ لأنَّه تأْخيرٌ قليلًا لا يُخرج إطلاقَ التَّهجير؛ لأنَّ الهاجرة إلى قُرب العصْر، ثم المُراد التَّبكير لكلِّ صلاةٍ، قاله الطيْبِي. (ما في العَتَمَة)؛ أي: مِنْ صلاتِها جماعةً، وأبْهمَ ذلك ليُفيد

المُبالغة؛ فإنَّه لا يدخُل تحت الوصف، ولذلك ذكَر الاستهام؛ لأنَّه لا يكون إلا فيما يَتنافس فيه المُتنافسون. (حَبْوًا) بفتح المُهمَلة، وسُكون المُوحَّدة، أي: المَشْي على اليدَين والرُّكبتين، أو على المَقعَدة. قال (ن): أي: لو عَلِموا فضْلَ الأَذان، وعظيمَ جَزائه، ثم لم يجدوا طَريقًا يحصِّلونه به لِضِيْق الوقْت، أو لكونه لا يؤذِّن للمكتوبة إلا واحدٌ لاقتَرعوا في تَحصيله. وفيه الحثُّ على العَتَمَة والصُّبح لما فيهما من المَشَقَّة على النُّفوس، وتسميةُ العِشاء عتَمَةً، وإنْ ورَد النَّهي عنه، فهذا لبَيان أن النَّهي ليس للتَّحريم، فهو لبَيان الجواز، أو لرفْع تَوهُّم أَنْ يُراد بالعِشاء المَغرب؛ لأنَّهم كانوا يُسمُّونها عِشاءً، فيَفسد بذلك المعنى، ويفوت المطلوب، فاستَعمل العَتَمَة التي لا يشكُّون فيها دفْعًا لأعظم المفسدتَين بأخفِّهما. قال التَّيْمي: فضل الصَّف الأَوَّل لاستماع القُرآن إذا جهَر الإمام، والتَّأمين لقراءته. والتَّهجير السَّبْق للمسجد في الهاجرة؛ لأنَّ مُنتظِر الصَّلاة في صلاةٍ. قال (ك): ومن فضْل الصَّفِّ الأَوَّل إذا احتاج الإمامُ لاستخلاف، فيكونُ خليفتَه، أو ينقُل صفة الصَّلاة، ويُعلمها النَّاس، والصَّفُّ الثَّاني أفضل من الثالث، وهَلُمَّ جَرًّا.

10 - باب الكلام في الأذان

ووجه مطابقته للتَّرجمة: أنَّ قوله: (لاستَهَمُوا علَيهِ) أي: لاقتَرَعُوا، أو تَنافَسوا حتَّى يُؤدِّي للاقتراع، والضَّمير في (عليه) على ما تقدَّم كلِّه كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68]، أي: المَذكورَ، وقال ابن عبد البَرِّ في "التَّمهيد": إنَّ الضَّمير إنَّما يعودُ إلى الأَقْرب، وهو الصَّفُّ الأَوَّل، ونُوزِع بأن النِّداء يبقى ضائعًا لا فائدةَ له. * * * 10 - بابُ الكَلَام في الأَذَانِ وتَكَلَّمَ سُلَيْمانُ بنُ صُرَدٍ في أذَانِهِ، وقال الحَسَنُ: لا بَأْسَ أنْ يَضْحَكَ وهو يُؤَذِّنُ أو يُقِيمُ. (باب الكَلام في الأَذان) 616 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُوبَ، وعَبْدِ الحَميدِ صَاحِبِ الزِّيادِيِّ، وعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، فَأمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ. (يوم رَدغٍ) يحتمل أنَّه مضاف لـ (رَدْغٍ)، وأنَّ (رَدْغًا) صفةٌ له على معنى؛ ذِي رَدْغٍ، والرَّدْغ بفتح الرَّاء، وسكون الدَّال المُهمَلة، أو

فتحها، وإعجام الغَين، أي: وَحْلٌ شديدٌ، ورواه الأَصِيْلي: (رَزْعٌ)، براءٍ تفتح، وتسكَّن، ثم معجمة: الغَيْم البارد، وقيل: المطَر، وقال الجَوْهَري: الوَحْل، لكنَّه قال: الرَّزْغة بالهاء، وكذا قال في الأَوَّل: رَدْغَة، قال: والجمعُ رَدْغٌ. (فأمره) هو تفسيرٌ لـ (أَمَرَ) محذوفةٍ هي العامل في (لمَّا) إنْ كانت ظرفيَّةً، وهو جوابٌ إنْ كانت شَرطيَّة. (الصَّلاة) منصوبٌ بمحذوفٍ، أي: صلُّوا الصَّلاةَ، أو أَدُّوا الصَّلاة. (الرِّحال) جمع رَحْل، مَنْزِل الشَّخْص، وموضع أَثاثِه. (فنظر)؛ أي: نظَرَ إنكارٍ على تَغييرِ وضع الأذان، وتبديلِ الحَيْعَلة بذلك. (من هو خير)؛ أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه خيرٌ من ابن عبَّاس، ومن الخَلْق كلِّهم، وفي "مسلم": (هُوَ خَيْرٌ مِنِّي). (إنها)؛ أي: الجمُعة، وإنْ لم يَسبِق لها ذِكْرٌ. (عزمة) بسُكون الزَّاي، أي: واجبةٌ مُتحتِّمةٌ، فلو قال المؤذِّن: حَيَّ على الصَّلاة لكلَّفتُكم المَجيءَ إليها، ولحقَتْكمُ المَشَقَّة. قال التَّيْمي: رخَّصَ جمعٌ كأحمد الكلامَ في الأذان بدليل الصَّلاة في الرِّحال، وفيه إباحة التَّخلُّف عن الجمُعة مع أنَّها عَزْمة، أي: للعُذر.

11 - باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره

قال (ن): فيه تخفيفُ أَمْر الجماعة في المطَر، ونحوِه من الأعذار، وأنَّها والأذان مَشروعتان في السَّفَر، وقولُ هذه الكلمة في نفْس الأذان، وفي حديث ابن عمر: أنَّه قالَها آخرَ ندائه، والأمرانِ جائزان، نصَّ عليهما الشَّافعي في "الأم"، لكنْ بعدَه أحسنُ؛ ليبقَى الأذان على نظمه. * * * 11 - بابُ أَذَانِ الأَعْمَى إذَا كانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ (باب أَذان الأَعمَى إذا كانَ معَهُ مَنْ يُخبِرُه)؛ أي: بدُخولِ الوقْت. 617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ"، ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. (أصبحت)؛ أي: دخلَت في الصَّباح، فهي تامَّةٌ تكتَفي بمرفوعها، وقال (ش): معناهُ قاربَت الصَّبَاحَ؛ إِذْ ليس المُراد الإعلامَ بظُهور الصُّبح بل التَّحذير مِنْ طُلوعه، والتَّحضيض له على النِّداء خِيْفةَ ظُهوره، انتهى.

12 - باب الأذان بعد الفجر

وسيَأتي كلامُ التَّيْمي فيه، وتأويلُه. وفي الحديث الوَصْف بالعَيب لتعريفٍ، أو مصلحةٍ، فهو أحدُ وُجوه الغِيْبة المُباحة، واتخاذُ مؤذِّنيَن للمَسجِد يؤذِّن أحدُهما قبلَ الفجْر، وآخرُ بعدَه، وأنَّ أذان الأَعمى لا يُكره إذا كان معَه بصيرٌ، ويُكرَه وحدَه، وجوازُ نِسْبة الرَّجل لأُمِّه إذا كان يُعرَف بها، وتكرارُ اللَّفظ للتَّأكيد، وتكنيةُ المرأة، والأَذانُ قبلَ الوقْت في الصُّبح، والأكلُ ونحوه إلى الفجْر، وجوازُ ذلك بعد النيَّة؛ إذْ معلومٌ أنَّها لا تتقدَّمُ الفجْرَ، واعتِمادُ صَوتِ المُؤذِّن، واستِحبابُ السُّحورِ، وتأخيرِه. * * * 12 - بابُ الأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ (باب الأَذانِ بعدَ الفَجْر) 618 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْح وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى ركعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَة. الحديث الأَوَّل: (اعتكف) خالَف سائرُ الرُّواة مالكًا في ذلك، فرَووا: (سكَتَ)

مكَان: (اعتَكَفَ)، ومعنى عُكوفِه: جلَسَ يَنتظِرُ الصَّلاةَ لكي يُؤذِّن، أو ارتقَبَ طُلوعَ الفجْر ليُؤذِّن في أوَّله، ورواية: (سَكَتَ) تقتضي اتصالَ الصَّلاة بأَذانهِ. (بدا)؛ أي: ظهَر، وفي بعضها: (ندا)، بالنُّون، قال (ك): وهو الأصحُّ. وفيه أنَّ سُنَّة الصُّبح ركعتانِ، وخَفيفتان. * * * 620 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ بِلاَلًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْربُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ". الثَّاني: (ينادي)، وفي بعضها: (يُؤذِّنُ). (بليل)؛ أي: في لَيلٍ. قال التَّيْمي: لا يُطابق الحديثُ التَّرجَمةَ؛ إذ لَو كان أَذانُه بعد الفجْر لمَا جازَ الأكلُ إلى أذانه إلا أنْ يُقال: كان أذانُه علامةً على أنَّ الأكلَ صارَ حَرامًا، ولم تكُن الصَّحابة يَخفَى عليهم الأكلُ في غير وقْته بل كانوا أحوطَ لدينهم من ذلك. * * *

13 - باب الأذان قبل الفجر

13 - بابُ الأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ (باب الأَذانِ قبلَ الفَجْر) 621 - حَدَّثنَا أَحمَدُ بنُ يُوْنسَ، قَالَ: حَدَّثَنا زُهَير قال: حَدَّثنَا سُليمانُ التَّيميُّ، عَنْ أَبِيْ عُثْمَانَ النَّهدِيِّ، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ، عَنْ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يمنَعَنَّ أَحَدكمْ -أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ- أَذَانُ بِلاَلٍ مِن سَحُورِه، فَإِنَّهُ يَؤَذِّنُ، أَوْ يَنَادِي بِلَيلٍ، لَيْرَجِعَ قَائِمَكُم، وليُنَبِّهَ ناَئِمَكُم، ولَيْسَ أَنْ يَقُولَ: الفجرُ أَو الصَّبحُ"، وقَالَ بِأصابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأطَأَ إِلَى أَسْفَلُ "حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا"، وَتَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينهِ وَشِمَالِهِ. الحديث الأَوَّل: (أحمد بن يونس) فيه سِتُّ لُغاتٍ: التَّثليث مع الواو، ومع الهَمْزة، وكذا في يُونسُ، أي: المعروف بشَيْخ الإسلام. (أحدكم) عامٌّ بإضافته لمعرفةٍ. (أو أحدًا) عامٌّ؛ لأنَّه نكرةٌ في نَفْيٍ، والشَّكُّ من الرَّاوي. (سحوره) بفتح السِّين: ما يتسحر به، وبضَمِّها: الفعل كوَضُوء، ووُضُوء. (ليرجع) إما من الرُّجوع، وفاعله: (قائمُكم)، أو من الرَّجْع، فـ (قائمُكم) نصبٌ على على المَفعول به، والمُراد رُجوع القائم في

التَّهجُّد ليَنام لحظةً ليُصبح نشيطًا. (ولينبه نائمكم) من التَّنبيه، أو من الإِنْباه، أي: يُوقِظُه، وفي بعضها: (يَنتَبِه) من الانتِباه. والمُراد أن يقوم لمَا يُريد من سُحورٍ، أو تَهجُّدٍ، أو صلاة صُبحٍ، أو اغتسالٍ، أو نحو ذلك. (أن يقول) خبَرُ (ليس)، وهو بالخِطاب، أو بالغَيبة. (الفجر) بالرَّفع اسمُها. (هكذا ...) إلى آخِره: إشارةٌ إلى اعتِبار الفجْر الصَّادق لا الكاذِب، فعبَّر عن الكاذب وهو الضَّوءُ المُستطيلُ من العُلُوِّ إلى السُّفْل بالإشارة. (بأصبعيه) وفي بعضها: (بأُصْبَعِهِ) بالإفراد إلى استِطالته. (طأطأ) بوزْن: دَحْرَجَ، أي: خَفَضَ. (فوق) مبنيٌّ على الضَّمِّ، والإِصْبع فيه اللُّغات العشَرة المَشهورة. (أسفل) مثلُه، أو نصبٌ بالفتحة؛ لأنَّه غير منصرفٍ، وقُرئ بهما في: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4]. (حتَّى يقول هكذا) إشارةٌ إلى كيفيَّة الصادق، وهو المُعترِض المُستطيل في اليمين والشمال. (وقال زهير)؛ أي: في تفسير معنى (هكذا)، أي: أَشارَ بالسَّبَّابتَين، وهما ما يَلي الإبهام، سُمِّيا بذلك لأنَّهما قد يُشار بهما عند

الغضَب إلى الشَّتم. (وشماله) بالكسر ضدُّ اليَمين، أما بالفتح فضِدُّ الجَنوب، وفي "مسلم" قال - صلى الله عليه وسلم -: "صِفَةُ الفجْر ليس أن تَقولَ: هكذا وهكذا"، وصوَّبَ بيدهِ ورفَعَها "حتَّى تقول: هكذا"، وفرَّج بين أُصبَعَيهِ، وفي الرِّواية الأُخرى: "إنَّ الفَجْر ليس الذي يَقولُ: هكذا"، وجمَعَ أَصابعَه، ثم نكَّسَها إلى الأَرض، "ولكن الذي يقول: هكذا"، ووضَع المُسبِّحة على المُسبِّحة، ومدَّ يدَيهِ. وفي الحديث التَّنبيه للقائم والنَّائم لمصلحتهما، وزيادةُ الإيضاح بالإشارة تأكيدًا للتَّعليم. * * * 622 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ. 623 - وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: "إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ". الحديث الثَّاني: (إسحاق) هو كما قال الغَسَّاني: إذا قال: ثنا أبو أُسامة، أنا

14 - باب كم بين الأذان والإقامة، ومن ينتظر الإقامة؟

إسحاق الحَنْظَلي، أو ابن نَصْر السَّعْدي، أو الكَوْسَج، أي: والكُلُّ على شَرْط البُخاريِّ، فلا يَقدَح الإبهامُ. (وعن نافع) عطفٌ على القاسم، ورُبَّما كُتِبَ فيه (ح) للتَّحويل. (حتَّى يؤذَّن) في بعضها: (يُنادَى)، قال الطَّحَاوي: وهو دليلٌ أنَّه لا يؤذَّن قبل الصُّبح، أنَّه إنَّما كان لترجيعِ القائم، وتَنبيهِ النَّائم لا أذانًا للصَّلاة، وقال غيرُه: إنَّما كان نداءً لا أذانًا. قال (ك): للشَّافعية أن يَقولوا: هو أذانٌ قبل الصُّبح أقرَّه الشَّارع، أمَّا كونه للصَّلاة أو لغرَضٍ آخر، فذاك بحثٌ آخر، فأمَّا رواية: (يُنادَى)، فمُعارَضةٌ برواية: (يُؤَذَّن)، والتَّرجيحُ معنا؛ لأنَّ كلَّ أذانٍ نداءٌ، ولا عكْسَ، والجمْعُ بين الدَّليلَين أَولى، ولا يُحمَل على الأَذان اللُّغَويِّ؛ لأنَّ الشَّرعي مُقدَّمٌ عليه، ولا يَقدَح في تفسير الأذان، فإنَّه للإعلام بالوقْت؛ لأنَّ المُراد أعمُّ من إعلامٍ بدُخوله أو مقارنتِه. * * * 14 - بابٌ كمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإقَامَةَ؟ (باب: كمْ بينَ الأَذانِ والإقامة؟) مُميِّزُ (كَمْ) محذوفٌ، أي: كَمْ ساعةً، ونحوه. (ومن ينتظر)؛ أي: وحُكم مَن يَنتظِر. * * *

624 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانينِ صَلاَةٌ -ثَلاَثًا- لِمَنْ شَاءَ". الحديث الأَوَّل: (الجُرَيري) بضَمِّ الجيم، وفتح الرَّاء الأُولى: سَعيد بن إِيَاس. (أذانين)؛ أي: الأَذان والإقامة، فهو من التَّغليب، كالأسوَدَينِ للتَّمْر والمَاء، ويحتمل أنَّ الإقامة أذانٌ؛ لأنَّها إعلامٌ بفعل الصَّلاة، فلا تَغليبَ. قال (خ): ولا يُحمل على ظاهره؛ لأنَّ الصَّلاة واجِبة بين أذانيَ وقتَينِ، وهو يُنافيه لمَن شاء، قيل: حَرَّض النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على النَّفْل بين الأَذانين؛ لأن الدُّعاء لا يُرَدُّ بينهما، فلمَّا كان ذلك الوقت أشرفَ كان ثواب العبادة فيه أكثرَ، وقيل: المُراد الرَّاتبة والإقامة. (صلاة)؛ أي: وقت صلاةٍ. (ثلاثًا)؛ أي: قال ذلك ثلاثًا، وليس المُراد قولَ الكُلِّ؛ لأَنَّ المَشهورَ ما سيَأتي أنَّ الثَّلاث في (بين كلِّ صلاتين)، ثم قال في الثَّالثة: (لمَنْ شَاءَ). * * * 625 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا

شُعْبَةُ قالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الأَنْصَارِيَّ، عنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ ناَسٌ مِنْ أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ شَيْءٌ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ. الحديث الثَّاني: (السواري) جمع ساريَة، وهي الأُسطُوانة. (وهم كذلك)، أي: في الابتِدار، والانتِظار، وفي بعضها: (وهِيَ)؛ أي: كما يُقال: الرِّجالُ فعَلَتْ. (شيء)؛ أي: زمانٌ، أو صلاةٌ، والمراد هنا بين المَغرب وأدائها، فهو مخصِّصٌ لعموم الحديث السَّابق. (جَبَلة) بفتح الجيم، والمُوحَّدة. (وأبو داود)؛ أي: أبو سُليمان الطَّيَالسيُّ. قال (ك): والظَّاهر أنَّ هذا تعليقٌ، لأن البُخاريَّ كان ابن عشْرٍ عند وفاتِه سنةَ أربعٍ ومئتين. (إلا قليل) هذا قاضٍ بالتَّقييد على ما سبَق من إِطلاق: (لم يَكُنْ بَينَهُما شيءٌ)، مع أنَّ الرَّاوي فيهما شُعبة، أو الشَّيءُ المَنفيُّ أولًا الكثير، والمُثبَت هنا القليلُ، أو أنَّ ذلك باعتبارِ زمانيَن.

15 - باب من انتظر الإقامة

وقد اختُلف في الصَّلاة قبلَ المَغرب، فأجازه أحمد، وقال النَّخَعِي: بدعةٌ؛ لأنَّه يُؤدي إلى تأخير المَغرب عن أوَّل وقتها، ولأصحابنا وجهانِ، أشهرُهما: لا تُستحبُّ، وهو قول مالك، وأصحُّهما: تُستحبُّ. * * * 15 - بابُ مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ (باب مَن انتَظَر الإقامَةَ) 626 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ ركعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإقَامَةِ. (سكت) قال الصَّاغَاني: -بموحَّدة- أذَّن؛ استعارةٌ مِن سكْبِ الماءِ، وهو صَبُّه كإِفْراغ الحديث في الأُذُن، وكذا قال صاحب "النِّهاية"، وقال (ع): المَحفوظ المُثنَّاة، وأما بالمُوحَّدة فمَعناه أَذَّنَ. (بالأولى)؛ أي: بالمُناداة الأُولى؛ فإنَّ الثَّانية هي الإقامة، أو في السَّاعة الأُولى، أو المَرَّة الأُولى من النِّداء، والباء متعلِّقة بـ (المُؤذِّن)، أو بـ (سكَت).

16 - باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء

(يستبين) في بعضها: (يَستَنير)، من النُّور، وفي بعضها: (يَستَيْقِن). (شقه)؛ أي: جنْبِه الأيمن، أي: حتَّى لا يَستغرِق في النَّوم؛ لأنَّ القَلْب في جهة اليَسار، فبالنَّوم عليه يسكُن ويستريح، فيَستغرِق في النَّوم، وأيضًا يكون انْحِدار الثِّقَل إلى السُّفل أسهل وأكثر، فيَصيرُ سبَبًا لدغْدَغَةِ قَضاء الحاجة، فينتبهُ أسرعَ. وفي الحديث استحبابُ تخفيف سُنَّة الفجْر، والاضطجاعُ على الأَيمن عند النَّوم، وإتيانُ المؤذِّن للإمام الرَّاتب وإعلامُه بحُضور الصَّلاة. * * * 16 - بابٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صلاَةٌ لِمَنْ شاء (باب: بَينَ كلِّ أذانيَن صَلاة)؛ أي: الأذانِ والإقامةِ كما سبق. 627 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانينِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانينِ صَلاَةٌ -ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ- لِمَنْ شَاءَ". وسبق معنى الحديث. (كَهْمَس) بفتح الكاف، وسكون الهاء، وفتح الميم، وإهمال

17 - باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد

السِّين، منصرفٌ. (لمن شاء) وهو مُقيِّدٌ للإطلاق هناك؛ لأَنَّ المُطلَق يُحمَل على المُقيَّد، وزيادةُ الثِّقة يُعمل بها. * * * 17 - بابُ مَنْ قالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّن وَاحِدٌ (باب مَن قال: لِيُؤَذِّنْ) 628 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عَنْ أَيُوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُويرِثِ: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: "ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدكمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكبَرُكُمْ". (معلى) بضَمِّ الميم، وفتح المُهمَلة، وشدَّة اللَّام. (قومي) هم بَنُو لَيثٍ. (رفيقًا) بفاءٍ، ثم قافٍ، وفي بعضها بقافَين، أي: رقيقَ القَلْب. (أهلنا) الأهل من النَّوادِر جمعُه بالواو والنُّون، فيُقال: أَهْلُون، ويُكَسَّر: أَهالي، وبالألِف والتَّاء: أَهْلات. (ارجعوا) من الرُّجوع.

18 - باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: "الصلاة في الرحال" في الليلة الباردة أو المطيرة

(الصَّلاة) أعمُّ من الحضَر والسَّفَر، وهو وجه التَّرجَمة. (أكبركم) إنَّما قدَّم الأكبرَ مع أنَّه يُقدَّم على الأَسَنِّ الأَفقهُ، ثم الأَقْرأُ، ثم الأَوْرعُ؛ لأنَّهم مكَثُوا عنده - صلى الله عليه وسلم - نحو عِشْرين ليلةً، فاستَووا في الأَخْذ عنه عادةً، فلم يَبق ما يُقدَّم به إلا السِّنُّ. وفي الحديث: الحثُّ على الأَذان والجماعة، وتَقديم الأَسنِّ عند الاستِواء فيما سبَق، واستدلَّ به جماعة على تَفضيل الإمامة؛ لقوله في الأذان: (أَحَدُكُمْ)، ثم الصَّارِف للأمر عن الوجوب الإجماع. * * * 18 - بابُ الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالإقَامَةِ، وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْع، وَقولِ الْمُؤَذِّنِ: "الصَّلاَة فِي الرِّحَالِ" فِي الليْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرة (باب الأَذانِ للمُسافِر إِذا كانُوا جماعةً) (بعرفة) هي على المَشهور الزَّمان، وهو تاسعُ ذي الحِجَّة، لكن المُراد مَكانُ الوُقوف، وسبَق نقْل الجَوْهَري، عن الفَرَّاء: أَنَّ عرَفات لا واحدَ له، وأنَّ قَول النَّاس نَزلْنا عرفةَ شَبيةٌ بالمولَّد لا عرَبيٌّ مَحْضٌ. (بجَمْعٍ)؛ أي: بالمُزدلفة، سُمِّيتْ جَمْعًا؛ لاجتِماع النَّاس فيها ليلةَ العِيْد.

(الصَّلاة) بالنَّصْب، أي: أَدُّوها، وفي بعضها بالرَّفع مبتدأٌ، وخبره (يُصلِّي). (مَطِيْرة) فَعِيْلَةٌ من المَطَر، لا مَفعولةٌ، أي: فيها، فحُذفتْ صلتها؛ لامتِناع التَّأنيث فيها، والإسنادُ إلى اللَّيلة مجاز، وفيه أَربعةُ أقوالٍ: مجازٌ في الإسناد، أو في أَنبَتَ، أو الرَّبيع، أو المَجموع، وسَمَّاه السَّكَّاكيُّ: استِعارةٌ بالكنَاية، والإمامُ الرَّازي: مَجازًا عَقْليًّا. * * * 629 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أن يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: "أَبْرِدْ"، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: "أَبْرِدْ"، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: "أَبْرِدْ"، حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْح جَهَنَّمَ". الحديث الأَوَّل: سبق في باب الإِبراد معنى أكثرِه. (ساوى)؛ أي: صار ظِلُّ الشَّيء مثلَه، لا يُقال: هذا وقت العصر، ولا يُؤخَّر الظُّهرُ إليه، فيُحمل على أنَّ آخرَ صلاتِها إليه. وهذا الحديثُ لا يدلُّ على ظاهر التَّرجَمة، فيُؤخذ مما بعد ذلك، أو يُؤخذ من الأُولى باعتبار أَنَّ مَن لم يقُل بندب الأذان في السَّفَر يقُول: هو مَظِنَّةُ التَّخفيف، والإِقامةُ أخَفُّ من الأذان بلا شَكٍّ؛

إذ لا قائلَ بالفَرْق بينهما استِحبابًا وعدمَه. * * * 630 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُويرِثِ، قَالَ: أتى رَجُلاَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَنتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّناَ، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أكبَرُكُمَا". (فأذنا)؛ أي: يكونُ من جهتِكما لا أن كُلًّا يُؤذِّن، كما يُقال: [قالتْ] قَبِيْلةُ بنِي فُلانٍ، والقائلُ منهم واحدٌ، أو يُقال: قَتَلوا فُلانًا يصدُق بقَتْل الواحد منهم إيَّاه، وقال التَّيْمي: هو للاستِحباب، وإنْ كان الباقي يُجزئُ. (ليؤمكما) يَجوز تَسكينُ لام الأمرِ بعد (ثُمَّ)، ويَجوز فَتْحُ ميمه للخِفَّة، وضمُّه للإتباع، والمُناسبة. * * * 632 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، قَالَ: أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَأخْبَرَناَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: "أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ"، فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ.

الحديث الثَّاني: (بِضَجْنَان) بفتح المُعجَمَة، وسُكون الجيم، ونُونيَن: جَبَلٌ على بَريدٍ من مكَّة. (وأخبرنا) عطفٌ على (أَذَّنَ). (ثم يقول) عطفٌ على (يُؤذِّن). (إثْره) بكسر الهمزة، وسُكون المُثلَّثة، وبفتحها: ما بَقيَ من رَسْم الشَّيء. (في الليلة) ظرَفٌ لـ (كان يَأمر)، نعمْ، سبَق أنَّه يقولُه في أثناء الأذان، وهنا بعد الفَراغ، وسبق الجواب بجواز الأمرَين، نصَّ عليه الشَّافعي في "الأُم"؛ لأمره - صلى الله عليه وسلم - بكل منهما في وقتٍ آخر. * * * 633 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَو الْعُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالأَبْطَح، فَجَاءَهُ بِلاَلٌ فَآذَنهُ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ خَرَجَ بِلاَلٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى ركزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالأَبْطَح وَأقامَ الصَّلاَةَ. الحديث الثَّالث: (إسحاق) قال الغَسَّاني: إذا قال: حدَّثنا جَعْفر بن عَوْن، فهو كما قال أبو نصر: إمَّا إسحاق بن راهَوَيْهِ، أو ابن منصور، وهو الأشبه

19 - باب هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا، وهل يلتفت في الأذان؟

عندي، كما صرَّح به مسلمٌ في روايته الحديثَ عنه، عن ابن عَوْن. (أبي جُحَيفة)؛ أي: وهب بن عبد الله. (الأبْطح)؛ أي: المَسِيْل الواسِع المشهور ببطحاء مكَّة. (العَنَزة) بفتح النُّون: أَطْوَلُ من العصَا. * * * 19 - بابٌ هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، وَهَلْ يَلْتَفِت فِي الأَذَانِ؟ ويُذْكَرُ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنيهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنيهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. (بابٌ: هل يتبع المُؤذِّنَ فاهُ) بنصب (المؤذِّن)؛ ليطابق قوله في الحديث: (أَتبَعَ فاهُ)، ففاعل (يُتبع) الشَّخصُ، أو نحوُه، و (فاهُ) بدلٌ من المُؤذِّن، وفي بعضها بالرَّفْع. (ها هنا وههنا)؛ أي: يَمينًا وشِمالًا.

(في الأذان)؛ أي: في حَيْعلتَيه. (وهل يلتفت) كالتَّفسير لمَا تقدَّمه، وفي الإِصْبَع عشرُ لُغاتٍ مشهورةٍ، وهو مجازٌ عن الأَنْمُلة، من إطلاق الكُلِّ على الجُزْء. (ويذكر) وصلَ هذا التَّعليقَ ابنُ ماجه من حديث سَعْد القَرَظ، وصحَّحه الحاكم، ووصلَه سعيد بن مَنْصُور من حديث بِلال، وإسنادهما ضعيفٌ، نعمْ، رواه ابن خُزَيْمَة، وصحَّحه من طَريق أبي جُحَيْفة مع تَردُّدٍ وقَع في الرِّواية، والبُخاريُّ يَميل إلى عدَم الجَعْل؛ لأنَّه ذكَر الجَعْل بالتَّمريض، وعدمَه بالجزم. (حق)؛ أي: ثابتٌ في الشَّرع مسنون فيه. (كل أحيانه) يَتناول حالَ الحدَث، والأذانُ ذكْرٌ. * * * 634 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أبِي جحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَأَى بِلالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا بِالأَذَانِ. (فجعلتُ) هو من قول أبي جُحَيْفة. (بالأذان)؛ أي: في الأذان، وفي الحديث التِفاتُ المؤذِّن في الحَيْعلتَين، أي: برأْسه لا بصَدْره، وفي كيفيتهما ثلاثةُ أوجهٍ: الأَصحُّ: حَيَّ على الصَّلاة عن يَمينه مرَّتين، وحَيَّ على الفَلاح عن

20 - باب قول الرجل: فاتتنا الصلاة

شِماله كَرَّتين، أو بعد كلٍّ من الاثنتَين الأوليين يَستقبل القِبْلة، وبعد كلٍّ من الأخيرتَين يستقبل، أو إحدى كلٍّ يَمينًا، والأُخرى شِمالًا. وقال التَّيْمي: حِكْمة ذلك تَعميمُ النَّاس بالاستماع، وأما إدخالُ الأصبع فلِيتَقوَّى على زيادة رفْع الصَّوت، وكَرِه ابنُ سِيْرِين أنْ يَستدير في أذانه، وأنكَره مالك إنكارًا شديدًا. قال الشَّافعي: ويُكره الأذان بغير وضوء، ويُجزئه إنْ فعَلَ. * * * 20 - بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ وَذكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ: فَاتتنَا (الصَّلاَةُ)، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَمْ نُدْرِكْ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أصَحُّ. (باب قَولِ الرَّجُل: فاتتنَا الصَّلاةُ) (وكره ابن سِيْرِين) وصلَه ابن أبي شَيبة. قولُ البُخاري: (وقَولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -) رَدٌّ لقولِ ابن سِيْرِين. * * * 635 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَيْنَمَا نحنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ سَمعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: "مَا شَأنُكُمْ؟ "، قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: "فَلاَ تَفْعَلُوا، إِذَا أتيْتُمُ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا

أَدْركتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". (جَلَبة) بفتَحاتٍ، أي: أصواتٌ بسبَب حركاتهم في الاستِعجال. (شأنكم) بالهمز، أي: حالُكم. (فلا تفعلوا)؛ أي: لا تَستعجلوا، وذكَره بلفظ: تَفعَلُوا، مبالغةً في النَّهي عنه. (بالسكينة) بفتح السِّين، وكسر الكاف: التَّأَنِّي، والهَيْبَة، وفي دُخول الباءِ إشكالٌ؛ لأنَّه يتعدَّى بنفسه، قال تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105]، وفي بعضها بلا باءٍ، منصوبٌ نحو: عليكَ زَيْدًا، أي: الْزَمْهُ. قال (ش): أو على الإِغراء، وكأنَّه يُريد ما سبق، ومرفوعًا، مبتدأٌ، و (عليكم) خبَرُه. (ما أدركتم)؛ أي: مع الإمام من الصَّلاة. (وما فاتكم)؛ أي: لم تُدركوهُ معه. (فأتموا)؛ أي: وَحْدَكم، فهو دليلٌ للشَّافعيَّة أنَّ ما يَفعلُه مع الإمام أوَّلُ صلاته، وما يأتي به بعدُ آخرُها؛ لأنَّ الإتمام لا يكون إلا للآخِر؛ لأنَّه يَستدير سَبْق أوَّلٍ، وقال أبو حنيفة: ما أَدرك مع الإمام هو آخِرُ صلاته. وفي الحديث التَّأَنِّي ولَو في الجمُعة، ولَو خاف فوتَ تكبيرة الإحرام؛ لأَنَّ الذَّاهب للصَّلاة متوصِّلٌ إليها، فيتَأَدَّب بآدابها، وأَراد الشَّارع بقوله: (فأَتِمُّوا) نفيَ تَوهُّمِ اختصاصِ ذلك بمن لا يَخافُ

21 - باب لا يسعى إلى الصلاة، وليأت بالسكينة والوقار

فَوتَ بعض الصَّلاة. * * * 21 - بابٌ لاَ يَسْعَى إلى الصَّلاَةِ، وَلْيَأْتِ بِالسَّكينَةِ وَالْوَقَارِ وَقَالَ: "مَا أَدْركتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"، قَالَهُ أَبُو قتادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -". (باب: ما أَدركتُم فصَلُّوا)، قلتُ: في بعضها: (بابٌ لا يَسعى إلى الصَّلاة، وليَأْتِها بالسَّكينة والوَقار)، وفي بعضها: (باب فَلْيَأْتِها بالسَّكينةِ والوَقارِ). (وقال أبو قتادة) سبَق في الباب قبلَه. * * * 636 - حَدَّثَنا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنا الزُّهريُّ، عَنْ سَعيْدِ بنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنْ النبِّيِّ - صلى الله عليه وسلم -". وعَنِ الزُّهريِّ، عَنْ أَبِيْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الإقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْركتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". (ابن أبي ذئب) محمَّد بن عبد الرَّحمن. (وعن الزُّهري)؛ أي: طريقٌ أُخرى يَروي بها الزُّهري.

22 - باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة

(الإقامةَ)؛ أي: وإذا نُهيَ حالَ الإقامة مع خَوف الفَوت فما قبلَها أَولى. (عليكم السكينة)؛ أي: في جميعِ الأُمور خُصوصًا في الصَّلاة. قال التَّيْمي: روي بالرَّفْع، والنَّصْب على الإِغراء، وحِكْمة ذلك أن يتمكَّنَ من تَرتيل القُرآن والخُشوع. (والوقار) بفتح الواو، والظَّاهر أنَّه غيرُ السَّكينة؛ فإنَّها التَّأَنِّي في الحرَكات، واجتنابُ العبَث ونحوه، والوَقَارُ: غَضُّ البصَر، وخفْضُ الصَّوت، والإقبالُ على طَريقهِ، وقيل: معناهما واحد، فجمَع بينهما تأكيدًا. واعلم أنَّ الأمر بالسَّكينة لا يُعارِض قولَه تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]؛ فإنَّ المُراد به: اذهبوا، أو بمعنى العمَل والقَصْد، كما تقول: سعَيْتُ في حاجتِك، لا أنَّ المُراد الإسراع. (فما أدركتم) جوابُ شرطٍ محذوف، أي: إذا بيَّنْتُ لكم ما هو أَولى بكم، فما أَدركتُم فصَلُّوا. * * * 22 - بابٌ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الإِمَامَ عِنْدَ الإِقَامَة (باب: متَى يَقومُ النَّاس؟) 637 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَام، قَالَ: كتَبَ إِلَيَّ

23 - باب لا يسعى إلى الصلاة مستعجلا، وليقم بالسكينة والوقار

يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْني". (كتب) هي عندهم من طُرُق الوَصْل سواءٌ إلى غائبٍ أو حاضرٍ، قُرنت بإجازةٍ أَوْ لا. (أُقيمت)؛ أي: ذُكِرَ لفظُ الإقامة. (تروني)؛ أي: تُبصروني، وذلك لئلَّا يَطول عليهم القِيام، ولأنَّه قد يَعرِض له ما يُؤخِّره. قال الشَّافعي: يُستحبُّ أن لا يقومَ أحدٌ حتَّى يفرُغ من الإقامة، وعند مالك: أوَّلَ الإقامة، وقال أحمد: يقومُ إذا قال: (قَدْ قامت الصَّلاةُ)، وأبو حنيفة: عند: (حَيَّ على الصَّلاة) يَقوم في الصَّفِّ، فإذا قال: (قَدْ قامتْ) كبَّر الإمام، وقال الجُمهور: لا يُكبِّر الإمامُ حتَّى يَفرُغ المؤذِّن من الإقامة. * * * 23 - بابٌ لاَ يَسْعَى إلَى الصَّلاَةِ مُسْتَعْجِلًا، وَلْيَقُمْ بِالسَّكينَةِ وَالْوَقَارِ 638 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيمَتِ

24 - باب هل يخرج من المسجد لعلة؟

الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوني، وَعَلَيكُم بِالسَّكِينَةِ". تابعَهُ عليُّ بنُ المُباركِ. (باب: لا يَقومُ إليها مُستعجلًا)، في بعضها: (لا يَسعى إلى الصَّلاةِ)، وسبق أنَّه لا يُنافي: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]؛ لأنَّه بمعنى الذَّهاب، والذي في الحديث الإسراع. (بالسكينة) لأنَّ الصَّلاة وُقوفٌ بين يدَي الله تعالى، والقِيام إليها اشتِغالٌ بحال الوُقوف بين يدَيه. (تابعه)، أي: شَيْبَانُ، عن يَحيى، وفائدةُ المُتابَعة التَّقوية، وقد وصلَها البُخاريِّ في (باب المَشْي إلى الجمُعة). * * * 24 - بابُ هَلْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ؟ (باب: هل يَخرج من المَسْجِد لِعلَّةٍ؟) 639 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ بْنِ كيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْناَ أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ:

"عَلَى مَكَانِكُمْ"، فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدِ اغْتَسَلَ. (وقد أقيمت)، أي: بإذْنه، لأنَّ الإقامة بنظَر الإمام، ولم يَصُفُّوا حتَّى قام في مُصلَّاه، أو (أَنَّ) قد تُقرِّبُ الماضي من الحال، أي: خرَج في حالة الإقامة، وحال التَّعديل، أو أنَّهم عَلِموا بالقرائن خروجَه، فأُقيمت، وصَفُّوا. قلتُ: الأَوَّل أجود. (انتظرنا) هو العامل في (إذا)، والجملة حاليَّة، وجوابُ الشَّرط: (انصرف)، أي: إلى الحُجْرة. (وقال) استئنافٌ. (على مكانكم)؛ أي: توقَّفوا على مكانكم، والزَموا مَواضعَكم. (هيئتنا) أي: الصُّورة التي كُنَّا عليها، ويُروى: (على هِيْنَتِنَا) بكسر الهاء، وبالنُّون. (ينطف) بكسر المُهمَلة وضمِّها، أي: يَقطُر منه، ففيه تَعديل الصُّفوف، وجوازُ النِّسيان على الأنبياء في العبادات، وطهارةُ الماء المُستعمل، وسبَق فوائد أُخرى في (باب: إذا ذكَر في المَسجِد أنَّه جنُبٌ) في (كتاب الغُسل). قال التَّيْمي: وأنَّ بين الإقامة والصَّلاة مُهلة للضَّرورة بقدْرها من غُسله وانصِرافه، وجوازُ انتظارهم قيامًا، أي: في قُرب الزَّمان،

25 - باب إذا قال الإمام: مكانكم حتى رجع، انتظروه

وانتظارُ الإمام ما دام في الوقْت سَعَةٌ. * * * 25 - بابٌ إِذَا قَالَ الإِمَامُ: مَكَانَكُمْ حَتَّى رَجَعَ، انْتَظَرُوه (باب: إذا قال الإمام: مَكَانكُم) 640 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فتقَدَّمَ وَهْوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: "عَلَى مَكَانِكُمْ"، فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ. (يرجع) في بعضها: (أَرْجَعَ)، على حكاية قوله. (إسحاق)، قال الغَسَّاني: لعلَّه إسحاق بن منصور، ففي "مسلم" روايتَه عن محمد بن يوسف، أي: الفِرْيَابي. (فخرج)؛ أي: بعد الإقامة بإذْنه، والتَّسوية كما سبَق. (فصلى) ظاهره أنَّه بلا إعادةِ الإقامة، وفي نُسخة بعده، قيل لأبي عبد الله: إنْ بَدَا لأحدنا فعلُ هذا، يفعل كما فعَل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فأيُّ شيءٍ يَصنع؟ فقيل: يَنتظرونه قِيامًا، أو قعودًا؟ فقال: إنْ كان قبل

26 - باب قول الرجل: ما صلينا

التَّكبير فلا بأْسَ أن يَقعدوا، أو بعده فقيامًا. * * * 26 - بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا (باب قول الرَّجلِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 641 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: أَخْبَرَناَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ!، وَاللهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا"، فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى بُطْحَانَ وَأَناَ مَعَهُ فتوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى -يَعْنِي الْعَصْرَ- بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. (يوم الخندق)؛ أي: زمانَه لا خصوص النَّهار؛ لقوله: (بعدَ ما أفطَر الصَّائم)؛ أي: بعد الغُروب؛ إذ الغرَض بَيان التَّاريخ. (ما كدت أن أصلي) فيه الإتيانُ بـ (أنْ) في خبَر (كاد) كما في (عسَى)، ولكنْ الأكثر التَّجريد، كقوله بعدُ: (كادت الشَّمس تغرب).

27 - باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة

(بطْحان) بضَمِّ المُوحَّدة، وسكون المُهمَلة: وادٍ بالمَدينة، غير مُنصرِف، وسبَق في (باب من صلَّى بالنَّاس جماعةً): أنَّ أهل اللُّغة يقولونه بفتحٍ ثم كسرٍ. ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ (ما كدتُ أُصلِّي) بمعنى: (ما صلَّيتُ) بحسَب عرف الاستعمال. * * * 27 - بابُ الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ (باب الإمام تَعْرِض له الحاجةُ)، تَعْرِض بكسر الرَّاء، أي: تَظهَر. 642 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجدِ، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ حَتَّى ناَمَ الْقَوْمُ. (نام القوم)؛ أي: نَعَسَ بعضُ القوم، وفي بعض النُّسخ هنا ترجمة: (باب: الكلام إذا أُقيمت الصَّلاة)، ولم يتعرَّض لها (ك). * * *

28 - باب الكلام إذا أقيمت الصلاة

28 - بابُ الْكَلاَمِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ 643 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلاَةُ؟ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ شَفَقَةً عَلَيهِ لَمْ يُطِعْهَا. (عياش) بالمُثنَّاة والمُعجَمَة. (سألت ثابتًا) كذا رَوى حُمَيد، عن أنس بواسطةٍ، وكتبوا ما يروي عنه بلا واسطةٍ. (فحبسه)؛ أي: عن الصَّلاة بسبب التَّكلُّم معه. قال التَّيْمي: ففيه ردٌّ على من قال: يُكبِّر الإمام تكبيرةَ الإحرام عند قول المؤذِّن: قد قامت الصَّلاة. وفيه أنَّ اتصال الإقامة بالصَّلاة ليس من وَكِيْد السُّنن، بل مستحبٌّ. وفيه الرَّدُّ على مَن كَره الكلام بعد الإقامة. * * *

29 - باب وجوب صلاة الجماعة

29 - بابُ وُجُوبِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا. (باب وُجوب صلاةِ الجَماعة) اختُلف في وجوبها، فظاهرُ نصوص الشافعي: أنَّها فرض كفاية، وقال أحمد: عَيْن، وأبو حنيفة، ومالك: سُنَّةٌ. (عن العشاء)؛ أي: صلاتها. (فلا يطعها) لأنَّ طاعة الوالدين واجبة حيث لا يكون فيها معصيةُ الله، وتَرْك الجماعة معصيةٌ عنده. * * * 644 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ" لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ". (هممت)؛ أي: قصَدتُ.

(ليحتطب)؛ أي: يَجمَع، وفي بعضها: (ليَحْطِبَ)، بالنَّصْبِ ولامِ كي، وبالجزم، ولام الأمر، وحطَب واحتَطب بمعنًى. (ثم أُخالف إلى رجال)؛ أي: أُخالف المُشتغلين بالصَّلاة قاصدًا إلى بُيوت الذين لم يخرجوا إليها فأُحرِّقها عليهم. قال الجَوْهَري: هو يُخالفُ إلى فُلانٍ، أي: يَأتيه إذا غاب عنه، وقال في "الكشَّاف": {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]، يُقال: خالفَني إلى كذا إذا قصَده، وأنت مولٍ عنه. (عَرْقًا) بفتح المُهمَلة، وسُكون الرَّاء، وبقافٍ. قال الجَوْهَري: العَظْم الذي أُخذ عنه اللَّحم، وقال (ع): الذي عليه بقيَّة اللَّحم، وهو بمعنى قول غيره: عَرَقَ عنه معظم اللَّحم، أي: قُشِرَ وبقي بعضُه. (مِرْماتين) بكسر الميم على الصَّحيح، وقيل بفتحها، وسُكون الرَّاء: الظُّلْف من الشَّاة، وقيل: ما بين ظُلفَيها، وقيل: سَهمٌ يُتعلَّم عليه الرَّمي، وهو أحقَر السِّهام وأرذلُها. (حسنتين) قال البَغَوي: الحسَن العظْم الذي في المِرفَق مما يَلي البَطْن، والقَبيح العظم الذي في المِرفَق مما يلي الكَتِف، وكلٌّ منهما عارٍ من اللَّحم، والمعنى توبيخ المُنافقين بأنَّ أحدهم يُجيب إلى ما هذه صفتُه في الحَقَارة، وعدَم النَّفْع، ولا يجيب إلى الصَّلاة، أو أنَّه يشهد الجماعة للحقير من الدُّنْيا لا لفَضْل الله، وقال الطِّيْبي: (حسَنتَين) بدلٌ من (مِرْماتَين)، إذا أُريد بهما العظم الذي لا لحمَ عليه، فإن أُريد السَّهمان

30 - باب فضل صلاة الجماعة

الصَّغيران فحسنتان بمعنى جيِّدتان، صفةٌ لـ (مرماتين). قال: والمُضاف محذوفٌ؛ أي: ليَشهد صلاة العشاء، أي: لو علم أنَّه لو حضر الصَّلاة لوجَد نفْعًا دنيويًّا وإن كان حقيرًا لحضَرها لقُصور همَّته على الدُّنْيا. قال (ن): استدلَّ به من قال: الجماعة فَرض عينٍ، وجوابُه: أنَّ ذلك للمنافقين لنِفاقهم، ولأنَّه هَمَّ ولم يُحرِّق، ولو كان فرض عينٍ لَمَا تركَهم. قال البَيضَاوي: أو ذلك لاستِهانتهم لا لمُجرَّد التَّرْك، أو المُراد بها الجمعة. قال (ك): أو لأُناسٍ تَركوا نفْس الصَّلاة لا الجماعة، وفيه أنَّ العُقوبة كانت بالمال، وأنَّ الإمام يَستخلف إذا عرَض له شُغْل، وجوازُ القَسَم وتكريره، وأما قوله: (بيده) فهو من المُتشابِه، فيه الطَّريقان المشهوران: التَّفويض، والتَّأويل بالقُدرة، ويعطفون في الآية: {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] على الجلالة. * * * 30 - بابُ فَضْل صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ (باب فضْل صلاة الجَماعة) وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتتهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَجَاءَ

أَنسٌ إِلَى مَسْجدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وصَلَّى جَمَاعَةً. (فأذن) لا يَردُّ ذلك قول الفقهاء: يُسنُّ الأذان حيث لم تُقم جماعةٌ؛ لأنَّ مرادهم إذا أُقيمت فلا يرفَع الصَّوت به لئلَّا يلتبس على النَّاس دُخول وقتِ أُخرى. * * * 645 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبع وَعِشْرِينَ دَرَجَةً". 646 - حَدَّثَنا مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنا الأَعْمشُ، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا صَالح يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ أَحَدكمْ فِي صلاَةٍ مَا انتظَرَ الصَّلاَةَ". الحديث الأَوَّل والثَّاني والثَّالث والرابع: (الفذ) بفتح الفاء، وتشديد المُعجَمَة: الفَرْد.

31 - باب فضل صلاة الفجر في جماعة

(خَبَّاب) بفتح المُعجَمَة، وتشديد المُوحَّدة. (تُضَعَّف)؛ أي: تُزاد على أصل الشَّيء، فتجعل مثلَين أو أكثر، وسبق في (باب حسن إسلام المرء) مسألة الوصيَّة بضِعْف نصيب ابنه، وجوابها. (خمسة وعشرين ضعفًا): في بعضها: (خَمْسًا) لأنَّ التزام التَّاء حيث ذُكر المُميِّز، وإلا فيستوي حذفُها وذكرُها. وسبق سائر مباحث الحديث، والجمع بين هذا ورواية: (سَبعٍ وعِشْرينَ) في (باب: الصَّلاة في مسجد السُّوق). وفي الأحاديث دليلٌ على أنَّ الجماعة سُنَّةٌ؛ لأنَّه أثبت صلاة الفَذِّ، وسَمَّاها صلاةً، وأن فضلها أنقص، نعم، المستفاد أنَّ ثواب الجماعة ستَّة وعشرون؛ لأنَّ الخمس وعشرين تُزاد على أصل ما للفَذِّ، وهو واحدٌ، وكذا سبع وعشرين تكون ثمانية وعشرين؛ لأنَّ السبع وعشرين هو الفاضِل. * * * 31 - بابُ فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ (باب فضْل [صلاة] الفَجْر في جماعةٍ)، الإضافة بمعنى (في) لا (اللام). قلت: لا يمتنع بمعنى اللام.

648 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تَفْضُلُ صَلاَةُ الْجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ"، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَؤُا إِنْ شِئتمْ: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. 649 - قَالَ شُعَيْبٌ: وَحَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَفْضُلُهَا بِسَبعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. الحديث الأَوَّل: (بخمس وعشرين جزءًا) حذف التَّاء من خمسٍ، إما بتأويل جُزء بمعنى دَرجَة، أو لأَنَّ المميِّز غير مذكورٍ، وفي بعضها: (بخمسة)، فلا إشكال. قال (ش): ووقَع هنا (خمس وعشرين)، أي: بلا هاء بالخفض، أو بتقدير الباء يقول الشاعر: أشارَتْ كُلَيْب بالأكُفِّ الأصابعُ أي: إلى كُليب. وحذف التَّاء على تأْويل الجُزء بدرجةٍ. قال (ك): بين العبادات الثَّلاث تفاوتٌ، فالدَّرجة إشارةٌ للعُلوِّ،

والضِّعف للزِّيادة، والجزء على الأصل في الفَرض. (ويجتمع) لأن الفجر وقت صعودهم بعمل اللَّيل، ومجيء طائفةٍ بعمل النَّهار. (وقرآن الفجر)؛ أي: صلاة الفجر؛ لأنَّها تستلزم القرآن. (مشهودًا)؛ أي: محضورًا فيه. (قال شعيب) يحتمل أنَّه داخلٌ في الإسناد من تحديث أبي اليَمَان عنه، وأن يكون تَعليقًا. * * * 650 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْداءِ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ أبُو الدَّرْداءَ وَهْوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا. 651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ فَأبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ". الحديث الثَّاني والثَّالث: (أم الدرداء) خَيْرَة، بفتح المُعجَمَة، ثم مُثنَّاة تحتانيَّة ساكنة، ثم

راء: بنت أبي حَدْرَد، كذا فسَّرها (ك)، وقال غيره: هذا اسم أُمِّ الدَّرداء الكبرى، وهذا الحديث إنَّما المراد منه الصُّغرى، وهي: هُجَيْمة الأوْصابيَّة. (فأبعدهم) الفاء للاستمرار نحو: الأَمثل فالأَمثل. (ممشى)؛ أي: مكان يُمشَى منه. (ثم ينام)؛ أي: للاستراحة في مُقابَلة ما حصَل من سُنَّة الانتظار؛ لأنَّ التَّفضيل المذكور، وإن كان معلومًا ضرورةً، لكن نبَّه به على أن الذي ينتظر أن يُصلِّي مع الإمام آخرَ الوقت أعظم أجرًا ممن يُصلِّي وقتَ الاختيار وحدَه، أو مَن يَنتظر حتَّى يُصلِّي مع الإمام أعظم ممن يُصلِّي مع الإمام بلا انتظارٍ، كما أن بُعد المكان مؤثِّر في زيادة الأجر، كذا طول الزَّمان للمشقَّة فيهما. قيل: وحديث أبي الدَّرداء وأبي موسى لا يُطابقان ظاهر التَّرجَمة؛ لأنَّه لا يختصُّ بالفجر، وأُجيب: بأنَّ كثرة الثَّواب في الجماعة إنَّما هو للمشقَّة والمشي إلى الجماعة في الفجر أشقُّ من غيرها للظُّلمة، ومصادفَة المكروه، فيكون الفجر أكثرَ. قال التَّيْمي: في حديث أبي بَرْزَة المعنى الذي فضِّل به الفجْر هو اجتماع الملائكة، ويمكن أنَّ الاجتماع هو سبَب الدَّرجتين الزَّائدتين على الخمسة والعشرين في الصَّلوات التي لا اجتماعَ فيها، وعطف: (يَجتمع) على (تَفْضُل) يدلُّ على المُغايرة. قال: وفي حديث أبي الدَّرداء جوازُ الغضَب عند تغيُّر أحوال

32 - باب فضل التهجير إلى الظهر

النَّاس في الدِّين؛ فإنَّ إنكار المنكر يكون كالغضَب إذا لم يستطع أكثر من ذلك قدْر الطَّاقة. ومعنى: ما أعرف، أي: من الشرع لم يتغيَّر إلا الصَّلاة في جماعةٍ، فحذف المُضاف لدلالة الكلام عليه. * * * 32 - بابُ فَضْلِ التَّهْجِير إِلَى الظُّهْرِ (باب فضْل التَّهجير إلى الظُّهر)، ذكَر إلى الظُّهر مع التَّهجير تأكيدًا، وإلا فهو يدلُّ عليه، وسبَق الجمع بين طلَب التَّهجير مع الإبراد. 652 - حَدَّثَنا قُتَيْبةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَي مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغفَرَ لَهُ". (بطريق)؛ أي: في طريقٍ. (فأخره)؛ أي: عن الطريق، وفي بعضها: (فأخَذَهُ). (فشكر الله له)؛ أي: تقبَّل منه وأثنى عليه، وشَكَره وشكر له

بمعنًى واحدٍ، وإماطة الأذى عن الطَّريق هو أدنى شُعَب الإيمان. * * * 653 - ثُمَّ قَالَ: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَة: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ". وَقَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاء وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ". 654 - : "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجيرِ لاَسْتبقوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْح لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا". (الشهداء) قيل: للشَّهيد ذلك لحُضور رُوحه في دار السَّلام، وغيره يشهدها يوم القيامة، أو لأنَّ الله يشهد له بالجنَّة، أو يَشهده الملائكة فيَأخذون رُوحه، أو أنَّه شَهِد له بخاتمة الخير بظاهر حاله، أو لأنَّ دمه يَشهد له. (خمسة) في "الموطأ": (سَبْعةٌ)، ونقَص: (الشَّهيد في سَبِيْلِ اللهِ)، وزاد: (صاحِبُ ذَاتِ الجَنْب، والحَرَق، والمَرأَة تَموتُ بجَمْعٍ)، أي: تموت وولدها في بطْنها، وروى غيره: (مَنْ قُتِلَ دون مالِهِ فهو شَهيدٌ)، والجمْعُ بين ذلك: أنَّ العددَ لا يدلُّ على نَفْي الزَّائد، وسببُ كَون هؤلاء شهداء: الشِّدَّةُ في موتهم، وكثرةُ الألَم، وفي بعضها: (خَمْسٌ)؛ لأنَّ المُميِّز غير مذكورٍ، فتجوز التَّاء وعدمها. (المطعون)؛ أي: يموت في الطَّاعون، أي: الوَبَاء.

33 - باب احتساب الآثار

(والمبطون) صاحب الإسهال، وقيل: الاستِسقاء، وقيل: من مات بداءِ بطْنه. (والشهيد في سبيل الله) قال الطِّيْبِيُّ: هو من باب: أَنَا أَبُو النَّجْمِ وشِعْرِي شِعْري أي: حتَّى لا يكون من الإخبار عن الشَّيء بنفسه. قال (ك): أو يكون معنى الشَّهيد القَتيل، وهذا الخامس هو الذي حكْمه أن لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه، والأربعة الأُخرى شهداء في الثَّواب كثواب الشهيد، ويقال لهم: شهداء الآخرة، والذي في سبيل الله شهيد الدُّنْيا والآخرة، وأما شهيد الدُّنْيا فقط فمَن قُتل مدبِرًا، أو من غَلَّ في الغنيمة، أو قاتلَ لغرَضٍ لا لإعلاء كلمة الله، وحينئذٍ فالحقيقةُ الأخيرةُ، [و] الأربعة الأخرى مجازٌ، فجمع في لفظ واحد بين حقيقةٍ ومجازٍ، والشَّافعي يجوِّزه، ومَنْ منعَ يحمله على معنى مجازيٍّ يشمل الأمرين. (يستهموا): يَقترعوا، وسبَق شرحه في (باب الاستهام في الأذان). * * * 33 - بابُ احْتِسَابِ الآثَارِ (باب احتِساب الآثار) 655 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ

الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْد، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بَنِي سَلِمَةَ! أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَاركمْ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلهِ: {وَنَكتُبُ مَا قَدَّمُوا} قَالَ: خُطَاهُمْ. الحديث الأَوَّل: (يا بني سلمة) بفتح المُهمَلة، وكسر اللَّام: قَبيلة من الأنصار. (يحتسبوا) مما جوَّز النُّحاة أنَّه تحذف نونُه بلا ناصبٍ وجازمٍ، نعم، في بعضها بالنُّون. (آثاركم)؛ أي: خُطاكم، أي تعدُّونها؛ لأنَّ لكل خطوةٍ ثوابًا. * * * 656 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَناَ يَحْيَى بْنُ أيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، حَدَّثَنِي أَنسٌ: أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعْرُوا، فَقَالَ: "أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَاركمْ". قَالَ مُجَاهِدٌ: خُطَاهُمْ: آثَارُهُمْ أَنْ يُمْشَى فِي الأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ. الثَّاني: وصلَه بقوله: (حدَّثنا ابنُ أَبِي مَرْيَم) هو من رواية أبي ذَرٍّ، وفي رواية غيره: (قالَ ابنُ أبي مَرْيَم). (قريبًا)؛ أي: منزلًا قريبًا، أو تكونون قريبين، لكن فَعِيْل للمذكَّر

34 - باب فضل العشاء في الجماعة

والمُفرد وغيرِهما بلفظٍ واحدٍ. (أن يعروا) بالمُهمَلة، والرَّاء، أي: يُخْلوا، وثبَّتهم على ثواب ما يحصل لهم من المَشَقَّة في الإتيان من بُعد، ورغَّبهم في أجر خُطواتهم. * * * 34 - بابُ فَضلِ الْعِشَاء فِي الْجَمَاعَةِ (باب فضْلِ صلاةِ العِشَاء) 657 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو صالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ صَلاَةٌ أثقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأتوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ ناَرٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ". (من صلاة الفجر والعشاء) لأنَّهما في وقتِ النَّوم والاستراحة. (ولو حَبْوًا)؛ أي: يَحبوا إليهما، ولم يُفوِّتوا ما فيهما جماعةً من الفضل والخير.

35 - باب اثنان فما فوقهما جماعة

(يوم) بالرَّفْع، وبقية الأفعال نصبٌ. (شعلًا) بفتح العين جمع شُعلةٍ من النَّار، وبضَمِّها جمع شَعيلة كصحيفة وصُحُف. واستدلَّ به الظَّاهرية على وجوب الجماعة، وسبَق جوابه. * * * 35 - بابٌ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ (باب: الاثنَين فما فَوقَهما جماعة) 658 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِد، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُويرِثِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأَذِّناَ وَأَقِيمَا، ثُمَّ لِيؤمَّكُمَا أكبَرُكمَا". (أكبركما) هذا رواه ابن ماجه بسندٍ ضعيفٍ، ولمَّا لم يكن من شَرْط البُخاري تَرجَم به، واحتجَّ بغيره على معناه، أي: عِلْمًا، أو سِنًّا عند الاستواء في الفضائل، وفيه صحَّة الجماعة بإمامٍ ومأمومٍ واحدٍ، وتقديمُ الصَّلاة. * * *

36 - باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد

36 - بابُ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ، وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ (باب مَن جلَس في المَسجد يَنتظر الصَّلاة)، في بعضها: (حُبِسَ) بالمُهمَلة المضمومة، والمُوحَّدة؛ لما في الحديث: (مَا دامَتِ الصَّلاةُ تَحبِسُه). 659 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، لاَ يَزَالُ أَحَدكمْ فِي صَلاَةٍ مَا دامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلاَةُ". الحديث الأَوَّل: (اللهم اغفر) إما بيانٌ لقوله: (يُصلِّي)، بتقدير: يقول، وإما حالٌ بتقدير: قائلين. (ما دامت)؛ أي: مُدَّةَ دَوامِ حبس الصَّلاة له، أي: يَنتظرها كأنَّه في الصَّلاة ثوابًا، لا في سائر أحكام الصَّلاة، وسبق بيان ذلك وغيرِه في (باب الصَّلاة في مَسجِد السُّوق). * * *

660 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَبْعَة يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيهِ وَتَفَرقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاه". الثَّاني: (في ظله) الظِلُّ كلُّه وإنْ كان مِلْكًا لله، لكن إضافته للتَّشريف لتنزُّهه تعالى عن أن يكون جسمًا، حتَّى يكون له ظِلٌّ، أو على حذْف مضافٍ، أي: ظِلِّ عَرْشه. (يوم لا ظل) هو يوم القيامة، تدنو الشَّمس ويشتدُّ حرُّها، ويأخذهم العرَق، ولا ظِلَّ ثَمَّ إلا العرْش؛ إذ القصد من الظِّلِّ هنا الكرامة والكنَف من المكاره، كما يقال: هو في ظِلِّ فُلانٍ، أي: كنَفه وحمايته. (العادل)؛ أي: واضع كلِّ شيءٍ موضعه، أو المُتوسِّط بين الإفراط والتَّفريط في العقيدة والعمَل والخلُق، أو جامع أُمهات الكمالات الثَّلاث للإنسان، وهي: الحكْمة والشَّجاعة والعِفَّة التي هي أوساط القُوى الثَّلاث العقليَّة والغضَبية والشَّهوانية، أو المُطيع لأحكام

الله تعالى، أو المُراعي لحقوق الرعيَّة، وهي أقوالٌ متقاربةٌ، ثم المراد بالإمام: كلُّ مَن له نظرٌ في شيءٍ من أمور المسلمين من الولاة والحكَّام، وقُدِّم على ما بعده لعموم نفعه. (وشاب) لأنَّ عبادته أشقُّ؛ لغلَبةِ شهوته، وكثرةِ الدَّواعي له على طاعة الهوى. (في المَساجِد)؛ أي: بالمساجد لشدَّة حبِّه لها. (تحابا) ليس التَّفاعل هنا لإظهار الشَّيء وهو منتفٍ، كتَجَاهَلَ، بل للتَّلبس به كتَباعَد. (في الله)؛ أي: لا في غرَضٍ دنيويٍّ، و (في) إما سببيةٌ كما: "في النفس المؤمنة مئةٌ من الإبِل"؛ أي: بسبب قتْلها، وإما بمعنى (على)، أي: أنَّ سبب اجتماعهما ذلك، واستمرَّا عليه حتَّى تفرَّقا. (طلبته)؛ أي: إلى الزِّنا بها. (ذات منصب وجمال)؛ أي: نسَب شريفٍ؛ لأنَّ الرَّغبة في مثلها أشدُّ، فالصَّبر عنها لخَوف الله تعالى مع أنَّها طالبةٌ للزِّنا من أكمل المراتب في الطَّاعة. (أخفى) جملةٌ حاليةٌ بتقدير (قد) إنْ قدِّر (أخفَى) فعلًا ماضيًا، وإن قدِّر أفعل التَّفضيل، فالمعنى مخفيًّا، وقد ضبطه الأَصِيْلي: إخفاءً بكسر الهمزة ممدودةً، مصدرًا، نعتًا لمحذوف، أي: صدقةً إخفاءً، أو مخفيًّا حالٌ. قالوا: وذكْرُ اليمين والشِّمال مبالغةٌ في إخفاء الصَّدَقة، وضرْب

المثَل بها لقُرب اليمين من الشِّمال، أو للازمهما، وقيل: المراد من: عن شماله لا يعلم بإنفاق يمينه، وهذا في صدقة التَّطوُّع، أما الواجبة فالأفضل إظهارها. (خاليًا) لأن فيه الإخلاص والبُعد من الرِّياء. (ففاضت عيناه)؛ أي: دمْعُ عينيه كما في: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: 83]. واعلم أنَّ كُلًّا من هذه الأقسام شاملٌ للذَّكَر والأُنثى، وإن عُبِّر عنه بلفظ الرَّجل لعموم الشَّرع، وذكر في مناسبة السَّبعة أنَّ الطَّاعة إما بين العبد وبين الله، أو بينه وبين الخَلْق، والأَوَّل إما باللِّسان، أو بالقلْب، أو بجميع البدَن، والثَّاني إما عامٌّ، وهو العدْل، أو خاصٌّ، إما من جهة النَّفس، وهو التَّحابُب، أو البدَن، أو المَال، وذكْر المُتحابَّين لا يصيِّر العدد ثمانية؛ لأنَّ المحبَّة أمرٌ نسبيٌّ، فافتقرَتْ لمتعدِّد، فالمُراد في الحقيقة واحدٌ يحبُّ غيره. وفي الحديث الحثُّ على العدْل، والتَّحابب، وصدَقة السِّرِّ، والبكاء من خشية الله، والعفَّة، وغير ذلك. * * * 661 - حَدَّثَنَا قتيبة، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنسٌ هَلِ اتَّخَذَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا؟ فَقَالَ: نعمْ، أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ:

37 - باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

"صلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا، وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مُنْذُ انتظَرْتُمُوهَا"، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ. الحديث الثالث: (شطر)؛ أي: نِصْف. (وبيص) بفتح الواو، وإهمال الصَّاد: بَرِيْق، وسبق مباحث الحديث في (باب وقْت العِشاء إلى نِصْف اللَّيل). * * * 37 - بابُ فَضْلِ مَن غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ رَاحَ (باب فضْل مَن غَدا)، في بعضها: (مَن يَخْرُج)، والغُدُوُّ: هو السَّير أوَّل النَّهار إلى الزَّوال، والرَّواح من الزَّوال إلى آخر النَّهار. 662 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله، قَاْلَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجدِ وَرَاحَ أَعَدَّ الله لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ". (النُّزْل) بضَمِّ النُّون، وسكون الزَّاي، أو ضمِّها: ما يُهَيَّأُ للقادِم.

38 - باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

(وراح) في بعضها: (أو رَاحَ)، ففيه أنَّ إعداد النُّزُل يكون بأحدهما، بخلاف (ورَاحَ) بالواو؛ فإنَّه لا بُدَّ منهما، وقيل: المراد بالغُدوِّ والرَّواح هنا: الدَّوام لا خُصوص الوقْتَين كما في: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62]. * * * 38 - بابٌ إِذَا أُقيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلا الْمَكتُوبة (باب: إذا أُقيمتِ الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبة)؛ أي: المَفروضة على العباد. 663 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ. 663 / -م - قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِم، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: مَالكٌ بْنُ بُحَيْنَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يصَلِّي ركعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَثَ بِهِ الناسُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا".

تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ، عَنْ شُعْبةَ فِي مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعْدٍ، عَنْ حَفْص، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنَةَ، وَقَالَ حَمَّادٌ: أَخْبَرَناَ سَعْدٌ، عَنْ حَفْص، عَنْ مَالِكٍ. (مالك) بالتَّنوين؛ لأنَّ ابن بُحَيْنَةَ صفةٌ لعبد الله لا لمالك (¬1). (قال)؛ أي: البُخاري. (عبد الرَّحمن)؛ أي: ابن بِشْر. (الأزد) بسكون الزَّاي: هم الأَسْد -بالسِّين-، أي: أَزْد شَنُوءَة. (مالك ابن بُحَيْنَةَ) قال الغَسَّاني: ما سبق عبد الله بن مالك، هو الأصح. قال أبو مسعود الدِّمَشْقي: أهلُ العراق كشُعبة، وحَمَّاد بن زَيْد يقولـ[ــــــــون]: عن مالك ابن بُحَيْنَةَ، وأهلُ الحجاز يقولون: عن عبد الله ابن مالكٍ، وهذا أصحُّ. وقال مسلم: إن القَعْنَبيَّ قال: عن حفْص، عن عبد الله بن مالك، عن أبيه، ولفظةُ (عن أبيه) خطأ. وقال البُخاري في "تاريخه": إن عبد الله بن مالك ابن بُحَيْنَةَ أصح من قول بعضهم: مالك أبن بُحَيْنَةَ. قال ابن مَعِيْن: عبد الله هو الذي رَوى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَروِ أبوه عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، انتهى كلامُ الغَسَّاني. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "لا لبحينة"، والتصويب من هامش الأصل.

(وقد أُقيمت) هو مُلتَقَى الإسنادَين، التَّقدير: مَرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ، أو قال: رأَى رجلًا، وقد أُقيمتْ. (لاث) بالمُثلَّثة أي: دَارَ، وفلانٌ يَلوث به، أي: يَلوذُ به، والقصْد أنَّ النَّاس أحاطوا به، والتَفُّوا حولَه. (الصُّبح) بالنَّصْب، أي: أتُصلِّي الصُّبح، وبالرَّفْع؛ أي: الصُّبح تُصلَّى أربعًا؟ بهمزة الإنكار التَّوبيخي. (أربعًا) بدلٌ مما قبلَه إن نُصبَ، أو مفعولٌ مطلقٌ إن رُفع، والمراد أنَّ الصُّبح بعد أن تُقام لا يصلَّى غيرُها لمن صلَّى ركعتَين قبلَها، فكأنَّه صلَّى الصُّبح أربعًا، والحِكْمة فيه أنْ يتفرَّغ للفريضة من أوَّلها، حتَّى لا تفوتَه فضيلةُ الإحرام مع الإمام. (تابعه)؛ أي: تابعَ بهذا. (غنْدَر، ومعاذ) وصلَهما الإسماعيلي. (وقال ابن إسحاق) هو موصولٌ في "مغازيه الكُبرى"، وتابعَه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه. (وقال حَمَّاد) وصلَها إسحاق بن راهَوَيْهِ في "مسنده"، والغرَض من ذكْر ذلك بيانُ أنهما اختلَفا أيضًا عن عبد الله، وعن والده مالك. * * *

39 - باب حد المريض أن يشهد الجماعة

39 - بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أَن يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ (باب حدِّ المَريض أنْ يَشهَد الجَماعةَ)، حَدُّ بالمُهمَلة، أي: حِدَّتُه وحِرْصه على شُهودها، وقيل: بالجيم من الاجتهاد. 664 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ الأَسْوَدُ، قَالَ: كنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَذَكَرْناَ الْمُوَاظَبةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: "إِنكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَخَرَجَ أبو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فأراد أبو بَكْرٍ أَنْ يتأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، قِيلَ لِلأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأبَو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نعمْ، رَوَاهُ أبو داوُدَ، عَنْ شُعْبة عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ، وَزَادَ أبو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ، عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أبو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا.

الحديث الأَوَّل: (والتعظيم) منصوبٌ عطفٌ على المُواظبة. (فأذِّن) مبنيٌّ للمفعول. (فليصل) عطفٌ على (مُرُوا)، أي: فقولوا له ذلك، وقد خرَج بهذا الأمر أنْ يكون من قاعدة الأَمْر بالأَمْر بالفعل؛ فإنَّ الصَّحيح في ذلك أنه ليس أمرًا بالفعل. (أَسِيف)؛ أي: شديدُ الحُزْن، رَقيق القلب، سَريع البكاء. (لم يستطع)؛ أي لشِدَّة الحُزن، وغلَبة البكاء. قال الزَّمَخْشَري في "الفائق": ويُقال فيه أيضًا: أَسِفٌ وأَسُوفٌ. (وأعادوا)؛ أي: الحاضرون. (صواحب)؛ أي: مثلُهنَّ في التَّظاهر على ما يُرِدْنَ، وكثْرةِ الإلحاح فيما يَمِلْنَ إليه؛ لأنَّ عائشة وحفصة بالَغتا في المُعاودة إليه في كونه أسِيفًا لا يستطيع ذلك. (يُهادَى) بالضَّمِّ مبنيًّا للمفعول، أي: يمشي بينهما معتمدًا عليهما من ضعفه متمايلًا إليهما. (يخطان)؛ أي: لم يَقدر على رفعهما من الأرض. (أَنْ مكانك) بفتح الهمزة، وسكون النُّون، ونَصْب مكان، أي: الْزَمْ مكانَك. (به)؛ أي: بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(بصلاة أبي بكر)؛ أي: يُصلُّون بصلاته، وفي بعضها التَّصريح به، وليس ذلك من الاقتداء بمأمومٍ؛ لأنَّهم إنَّما يَقتدون بصَوته الدَّالِّ على فِعْل الإمام، وهو النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فهو مُبلِّغ عنه. (رواه أبو داود)؛ أي: سليمان الطَّيالِسي، وقد وصلَه البيهقيُّ. (وزاد أبو مُعاوية)؛ أي: محمَّد بن خازم بالمُعجَمَة، والزَّاي: الضَّرير، وقد وصلَه البُخاري في (باب يأتَمُّ الرَّجل بالإمام). وفي الحديث: جواز الأخْذ بالشِّدَّة دون الرُّخصة؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يُمكِنُه التخلُّف للمرَض، وأنه يجوز أن يقتدي بإمامٍ فيُفارقُه، ويقتدي بآخر، وإنشاءُ القدوة في أثناء الصَّلاة، وجوازُ المرَض على الأنبياء لتكثير الأجر، ولتَسلِيَةِ النَّاس بهم، ولئلَّا يُفتتن النَّاس بهم، فيعبدونَهم، ومُعاودة وليِّ الأمر على وجْهِ العَرْض والمُشاورة فيما يظهر لهم أنَّه مصلحةٌ، وجوازُ الاستِخلاف، وفضْل أبي بكر وترجيحه على سائر الصَّحابة، وأنَّه أحقُّ بالخلافة، واتباع صوت المُكبِّر، وصحَّة صلاة المُسمِع والسَّامع، ولا حاجةَ لإذْن الإمام، والالتفات في الصَّلاة، وملازمة الأدَب مع الكبار، وخرْق الإمام الصَّفَّ للحاجة، واقتداءُ المُصلِّي بمن يُحرِم بعده، لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - إنَّما أحرَم بعد إحرام أبي بكر، وصلاةُ القائم خلْف القاعد خلافًا للمالكيَّة، وفيه الحُجَّة على أحمد في أنَّ الإمام إذا صلَّى قاعدًا يُصلُّون خلْفه قعودًا؛ لأنَّ هذا آخر عهده - صلى الله عليه وسلم -. * * *

665 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرني عُبَيْدُ الله بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَينَ رَجُلَينِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي: وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. الحديث الثَّاني: (ثقل)؛ أي: اشتَدَّ مرَضه، وركَدت أعضاؤه عن خِفَّة الحرَكات. (فأذن) مبنيٌّ للمفعول من الإذْن، وفي بعضها: (أَذَّنَ) بتشديد النُّون والبناء للفاعل. (لم تسم)؛ أي: تُسَمِّ لما سيأتي لا لعداوةٍ ولا احتقارٍ. قال (ن): وثبت أيضًا أنَّه جاء بين رجلَين أحدهما: أُسامة، وأنَّ الفضْل بن العبَّاس كان آخذًا بيده الكريمة، ووجْهُ الجمْعِ أنهم كانوا يَتناوبون، والعبَّاس ملازم للأخْذ باليد إكرامًا باختصاصه بذلك لما له من السِّنِّ والعُمومة وغيرها، ولذلك اقتصرت عائشة على ذكره دون الآخر؛ لعدَم ملازمة غيره، وفيه فضل عائشة على سائر زوجاته، وأنَّ القَسْم كان واجبًا عليه. * * *

40 - باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله

40 - بابُ الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ والعلة أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ (باب الرُّخْصة في المطَر)، (رحله) هو سكَن الرَّجل، وما لَه من أثاث. 666 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ يَقُولُ: "أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ". الحديث الأَوَّل: (ثم قال) سبَق في (باب الكلام في الأذان) الجمع بين هذا وبين رواية قوله: (في أثناء الأذان). (كان يأمر) يحتمل القَول في الأثناء، وبعد الفَرَاغ، وجْهُ استدلالِ ابن عُمر من أمْر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عند المطَر والبَرْد قِياسُ الرّيح على المطَر بجامع المَشَقَّة، ويدلُّك أنَّ كُلًّا من المطَر ومن الرّيح والبَرد كافٍ في العُذر عن الجماعة، ولا يشترط التعدد. * * * 667 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ

وَهُوَ أَعْمَى، وَأنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَناَ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أين تُحِبُّ أَنْ أُصلّيَ؟ "، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبيتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الثَّاني: سبق شرحه في (باب المَساجِد في البُيوت). (إنها) الضَّمير للقصة. (تكون) تامَّةٌ تكتفي بمرفوعها. (اتخذه) بالرفْع، والجزم. (الظلمة والسيل؛ وأنا رجلٌ ضريرٌ) ذكْرُه الثَّلاثةَ -وإنْ كان كلُّ واحدِ يكفي في عُذْر تَرك الجماعة- بيانُ كثْرة موانعه، وأنَّه حريصٌ على الجماعة لا يكتفي منها بالبعض. ومعنى ضرير البصر: ناقصُه، مأخوذٌ من الضَّرر، كما في الرِّواية الأُخرى: (وفي بَصَري بعض الشَّيء)، قال ابن عبد البَر: ثم عَمِيَ بعد ذلك. يقال للنَّاقص: ضَرير البصر، فإذا عمي أُطلق عليه ضَريرٌ من غير تقييدٍ بالبصَر خلافًا لما يُوهمه كلام الرَّافعي في "شرح المسند"، وسبق هناك أن (مكانًا) نصب بالظَّرفيَّة، وإن كان محدودًا لتَوغُّله في الإبهام، فأشبه (خلفًا)، وقد قالوا: (هو منِّي مكانَ كذا) بالنَّصْب على الظَّرفيَّة، وإنه يجوز نصبه على إسقاط الخافِض، وهما الوجهان في: {إِذِ انْتَبَذَتْ

41 - باب هل يصلي الإمام بمن حضر، وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟

مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم: 16]، و (أن أتخذ)، يجوز جزمه ورفعه كما في: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ} [مريم: 5 - 6]. وفيه إمامة الأَعمَى، والتِماس دُخول الأكابر منْزِل الأصاغر، واتخاذ مَوضعٍ معينٍ من البيت مسجدًا، وغير ذلك. نعم، الاستدلال به على تَرْك الجماعة بالعُذر فيه نظَرٌ، فإنَّما هو لتَرْكها في المَسجِد لا مُطلقًا. قال (ط): موضع الدَّليل أنَّه استأذنَه على الانفراد وغيره، وإلا لقَال لا يَصحُّ لك في مصلاك حتَّى تصلِّي فيه جماعةً. * * * 41 - بابٌ هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضرَ، وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ؟ (باب هل يُصلِّي الإمام بمن حَضَر) 668 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الحَجَبي، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيادِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله ابْنَ الْحَارِثِ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغ، فَأمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: قُلِ: الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَكَأنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ: كَأنَّكمْ

أَنْكَرْتُمْ هَذَا؟ إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْر مِنَي -يَعْنِي: النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّهَا عَزْمَةٌ، وَإنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ. الحديث الأَوَّل: (الحَجَبي) بفتح المُهمَلة، والجيم: نِسبَة لحِجَابةِ الكعبة، وسبَق في (باب: الكلام في الأذان) شرح الحديث. (للصلاة) بالنَّصْب؛ أي: الزَمُوها، وبالرَّفْع، أي: رخصة في الرحال. (عزمة)؛ أي: الجمعة لازمةٌ لا تَرخيصَ فيها. (أُحرجكم) بضَمِّ الهمزة من الحرَج، وهو الإثْم، والتَّحريج: التَّضييق، وفي بعضها: (أخْرِجَكُم) بالخاء المُعجَمَة. * * * وَعَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَاصمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارثِ، عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُم، فتجيؤُنَ تَدُوسُونَ الطينَ إِلَى رُكبِكُم. الثاني: (أُؤثمَكُم) مضارع آثَمَهُ بالمد أوقعه في الإثم، وفي بعضها: (أُؤَثِّمَكُم)، بالتشديد من التفعيل. (فتجيئُون) في بعضها بحذف النُّون، وفي بعضها بحذف عين الفعل.

(تَدُوسُون)؛ أي: تطؤون، ويجوز النَّصْب عطفًا على آخر حكم. قال (ش): وسبق الجمْع بين قوله: بعدَ الفَراغ، وفي أثنائه. * * * 669 - حَدَّثنَا مُسلمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: حَدَّثَنا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَألَتُ أَبَا سَعيِدٍ الخُدريَّ فَقَالَ: جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخلِ، فَأقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ فِي الْمَاءَ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أثرَ الطّينِ فِي جَبْهَتِهَ. الثَّالث: (يحيى)؛ أي: ابن أبي كَثِيْر. (سألت) بُيِّن في (باب الاعتكاف) المسؤول عنه، فقال: هل سمعتَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يذكُر ليلةَ القَدْر؟ قال: نعم، وسرَد تمام الحديث. (سال السقف) مجازٌ كـ: سَالَ الوادي، ووجْهُ دلالة الحديث على صَدْر التَّرجَمة: أنَّ العادة أن يوم المطَر يتخلَّف بعض النَّاس عن الجماعة، فتكونُ صلاة الإمام بِمَنْ حضَر فقَط، وإنْ صحَّ أنَّ هذا كان يوم جمُعة، فدلالته على الجُزء الأخير من التَّرجَمة ظاهرٌ، ولا يلزم أنَّ كلَّ حديثٍ يدلُّ على كلِّ جُزءٍ، بل الوَفاء بالكلِّ للكلِّ. * * *

670 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا يَقُولُ: قَالَ رَجل مِنَ الأَنْصَارِ: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الصَّلاَةَ مَعَكَ، وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَصَنَعَ لِلنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا، فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلهِ، فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ، صَلَّى عَلَيْهِ ركعَتَيْنِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لأَنسٍ: أكانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى؟، قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ. الرابع: (معك) الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (ضخمًا)؛ أي: غليظًا. (رجل) اسمه: عبد الحَمِيْد بن المُنْذِر بن الجَارُود العَبْدي، ومن طريقه أخرج ابن ماجه بعضَ هذا الحديث عن أنس. (الجَارُود) بالجيم، وضم الرَّاء، وإهمال الدَّال. ووجْهُ مطابقتِه للتَّرجمة: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلّي بسائر الحاضِرين عند غَيبة الرجل الضخم، أو ثبت عند البُخاري أنَّه صلى الرَّكعتَين بالجماعة مع الحاضرين في الدَّار. وفيه تَرْك الجماعة لعُذْر، ودعوة الأكابر للطَّعام، ونَدبيَّة صلاة الضُّحى. * * *

42 - باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة

42 - بابٌ إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْداء: مِنْ فِقْهِ الْمَرْء إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلاَتِهِ وَقَلْبُهُ فَارغٌ. (باب إذا حضَر الطَّعامُ وأُقيمت الصَّلاة) تتمَّة التَّرجَمة: بماذا يَبدأُ، أو نحوه. (العَشاء) بفتح العين، والمَدِّ: الطَّعام، وهو خلاف الغَداء. * * * 671 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ قَالَ: "إِذَا وُضعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَؤُا بِالْعَشَاءِ". 672 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صلاَةَ الْمَغْرِبِ، وَلاَ تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ". 673 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وُضعَ عَشَاءُ

أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَؤُا بِالْعَشَاءَ، وَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ"، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلاَةُ فَلاَ يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وإنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإمَامِ. 674 - وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ ناَفِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ أَحَدكمْ عَلَى الطعَامِ فَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإنْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ". رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ، وَوَهْبٌ مَدِينيٌّ. الأحاديث الأربعة: قال (ن): فيها كراهة الصَّلاة بحضرة الطَّعام الذي يُريد أكلَه لمَا فيه من اشتغال القلْب، وذهاب كمال الخُشوع، أي: إذا وَسِعَ الوقت، فإنْ ضاقَ الوقت بحيث لو أكلَ لخرج الوقت لم يُؤخِّر، وفيه وجْهٌ؛ لأنَّه يفوِّت الخشوع المقصود من الصَّلاة. قال البَغَويُّ: يقدم الطَّعامَ إذا اشتدَّ تَوَقَانُه، ووَسِع الوقت؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحتَزُّ من كتِف شاةٍ، فدُعِيَ إلى الصَّلاة، فألْقاها، وقام يُصلِّي، ورُوي مرفوعًا: "لا تُؤخَّرُ الصَّلاةُ لطَعامٍ ولا لغَيرِه". (تعجلوا) بفتح التَّاء، والجيم المُثنَّاة فوقُ، وفي بعضها بضَمِّ أوَّله، وكسر الجيم، من الإِعْجال. (فابدءوا) جمعَه بعد (أحَدِكم)، وهو مفردٌ نكرةٌ في إثباتٍ، قال

الطِّيْبي: نظَرًا إلى (كُمْ) من قوله: (أَحَدكُم)، ثم قال: (ولا تعجل) بالإفراد نظَرًا إلى لفظ (أحد). قلتُ: النَّكرة في الشَّرط تعمُّ، فيحتمل أنَّ الجمع لأجل عُموم (أحد). (الطَّعام) أعمُّ من العَشاء، فيشمل جميع الصَّلوات. قال (ن): فيه دليلٌ على امتداد وقْت المَغرب، وأَكْلِ حاجتِه بكمالها من الطَّعام. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [4]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

43 - باب إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل

تابع (10) كتاب الأذان 43 - بابٌ إِذَا دُعِي الإِمَامُ إِلَى الصلاَة وبيَدِهِ مَا يَأْكُلُ (باب إذا دُعِيَ الإمامُ للصلاة) 675 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرني جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيةَ: أَنَّ أَبَاهُ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأكلُ ذِراعًا يَحْتَزُّ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يتوَضَّأْ. (يَحْتَز) بإهمال الحاء، وبالزَّاي: يَقطَع. وسبق شرح الحديث في (باب من لم يتوضأ من لحم الشاة). وفيه رَدٌّ على الظَّاهرية في أنَّه لا تجوز صلاةٌ ممن حضَر الطَّعام بين يديه، وأنَّ ذلك إنَّما هو ندبٌ. * * *

44 - باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج

44 - بابُ مَنْ كانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَخَرَجَ (باب مَن كان في حاجةِ أَهلِه) 676 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. (ما) استفهامٌ. (كان) اسمها ضميرُ الشأن. (يكون) كرَّر لقصْد الاستمرار والمُداومة. (مِهنة) بكسر الميم، وفتحها، وفي بعضها: (مِهْنَةِ بَيتِ أَهْلِه)، وأُضيف البيت للأهل لمُلابسة السُّكنى ونحوها، وإلا فالبيت للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (خدمة) بالنَّصْب، وفي بعضها بالجَرِّ على الحكاية، وفيه أنَّ للمرء أن يُصلِّيَ مُشمِّرًا ونحو ذلك من حالاته. قال مالك: لا بأسَ أن يقوم للصَّلاة على هيئة بِذْلته، وفيه أنَّ الأئمَّة يتولون أمورهم بأنفسهم، وأنَّه من فِعْل الصَّالحين. * * *

45 - باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته

45 - بابُ مَنْ صلَّى بالنَّاسِ وَهْوَ لاَ يُرِيدُ إِلا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صلاَةَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَسُنَّتَهُ (باب مَن صلَّى بالنَّاس وهو لا يُريد إلا أَنْ يُعلِّمهم) 677 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: جَاءَناَ مَالِكُ بْنُ الْحُويرِثِ فِي مَسْجدِناَ هَذَا، فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، فَقُلْتُ لأَبِي قِلاَبَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا، قَالَ: وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى. (هذا)؛ أي: مسجد البَصْرة. (وما أُريد الصَّلاة)؛ أي: لأنَّه ليس وقْتَ فرْضها، أو لأني صلَّيت، ولكن لأُعلِّمكم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي عبادةٌ من حيث تعليم الشريعة. (كيف) مفعولٌ بفعلٍ مقدَّرٍ، أي: لأُريكم كيف رأَيتُ، نعم، كيفيَّة الرُّؤية لا يُمكن أن يُريَهم إيَّاها، فالمراد لازِمُها، وهو كيفيَّة صلاته - صلى الله عليه وسلم -. (شيخنا) هو عمْرو بن سَلِمَة -بكسر اللام- الجَرْمي، وسيَأتي في (باب الطُّمأنينة حين يرفع رأسَه) تَسميتُه. (في الركعة) متعلقٌ بالسُّجود لا ينتقض وإلا لقال: من الركعة،

46 - باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة

أو هو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذا الجلوس أو هذا الحكم كان فيها، أو أنَّ (في) بمعنى (من)، والغرَض بيان نَدْبيَّة جلوس الاستراحة، وفيه أيضًا جواز تعليم الصَّلاة والوضوء عمَلًا وعِيانًا كما فعَل جِبْريل. * * * 46 - بابٌ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ (باب: أهلُ العِلْم والفضْل أحقُّ بالإمامة) 678 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: مَرِضَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَعَادَتْ، فَقَالَ: "مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ"، فَأتَاهُ الرَّسُولُ، فَصَلَّى بِالناسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأَوَّل: (رقيق) بقافين، أي: القلب لا يستطيع لكثْرة الحُزْن، وغلَبة البُكاء والرّقَّة ذلك.

(فليصل) مجزومٌ بحذْف الياء، وفي بعضها بإثباتها. (إنَّكنَّ) خطابٌ لعائشة، وجنْسِها. (أتاه)؛ أي: أبا بكر. (الرَّسول) هو بلالٌ، كما سيأتي قريبًا، ويحتمل أنَّه عبد الله بن زَمْعة ابن الأَسْوَد؛ لأنَّه روي ذلك من حديثه، وسبق شرح الحديث، وما فيه من الأصلَين، والنَّحو في (باب حدِّ المَريض أن يشهد الجماعة). قال التَّيْمي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان أحقَّ أن لا يتقدَّمه أحدٌ في الصَّلاة، وجعَلَ ما كان إليه بمحضرٍ من الصَّحابة لأبي بكر، وجميعُ الأمور تبَعٌ للصَّلاة، فهو أفضل الأُمة، ومراجعةُ عائشة إنَّما هو لخوفِ أنْ يتشاءمَ النَّاس وإمامته، فيَقولوا: أَمَّنَا ففقَدْنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمعنى (صواحب يوسف) تَشبيهٌ بزَليْخا ومَن معَها من النِّسوة في أنهنَّ تظاهرْنَ على يوسف ليَصرِفْنَه عن رأيه في الاستعصام، وفي "أمالي ابن عبد السَّلام": وجود مكْرٍ في القصَّتين؛ لأن نساءً جئْن لزليخا ليَعتِبْنَها، وقصَدْن أن يَدعونَ يوسُفَ لأنفسهنَّ، وعائشة كان مرادها أن لا يتطيَّر النَّاس بأبيها كما تقدَّم. * * * 679 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي مَرَضِهِ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ" قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ

النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْ، إِنَّكنَّ لأَنتنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ"، فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. الحديث الثَّاني: (مه) اسمُ فِعْلٍ مبنيٌّ على السُّكون، أي: اُكْفُفْنَ، فهو زجْرٌ. (إنكن) إما خطابٌ للجنس كما سبق، أو أنَّ أقلَّ الجمع اثنان. * * * 680 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني أَنسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيّ -وَكَانَ تَبعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ-: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا، وَهْوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نفتَتِنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَارِج إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، فتوُفِّي مِنْ يَوْمِهِ.

(تبع)؛ أي: في العقائد، والأقوال، والأخلاق. (وخدمه)؛ أي: عشر سنين، فهو لبَيان زيادة شرَفه. (وصحبه) لأنَّ الصُّحبة أعلا مقاماتِ المؤمنين. (يوم) بالنَّصْب خبرُ (كان)، أو بالرَّفْع على أنَّها تامَّةٌ. (وَرَقة) بفتح الرَّاء، شُبِّه بها في الجَمال البارِع وحُسن الوجْه وصَفاء البشَرةِ لرِقَّةِ الجلْد وذهاب اللَّحم ونحوها. (مصحف) مثلَّث الميم. (يضحك)؛ أي: فرَحًا باجتماعهم على الصَّلاة، واتفاقِ كلمتهم، وإقامتهم شريعتَه، ولهذا استَنارَ وجهُه. (هممنا)؛ أي: قصَدْنا. (نكص)؛ أي: رجَع. (ليصل) من الوُصول لا من الوَصْل. (الصَّفَّ) نُصِبَ بنزع الخافض، وفيه أنَّ الخُطوة والخُطوتان لا تُبْطِل الصَّلاة. * * * 681 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا،

فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يتَقَدَّمُ فَقَالَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ، فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا نظرْناَ مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - حِينَ وَضَحَ لَنَا، فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ تتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْحِجَابَ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. الحديث الثَّالث: (ثلاثًا)؛ أي: ثلاثةَ أيامٍ فحُذفت تاؤه؛ لأنَّ المميِّز غير مذكورٍ. (فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجاب)؛ أي: أخذَه، فهو من إقامة القَول مقام الفعل. (فلم يقدره عليه) بضَمِّ المُثنَّاة، أو بفتح النُون، ففيه أنَّ أبا بكرٍ خليفتُه في الصَّلاة إلى مَوته، ولم يُعزَل كما تقول الشِّيعة أنَّه عُزِل لخُروج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقدُّمه وتخلُّف أبي بكر. * * * 682 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب قَالَ: حَدَّثَنِي يُونسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ، قَالَ: "مُرُوهُ فَيُصَلِّي" فَعَاوَدَتهُ، قَالَ: "مُرُوهُ

فَيُصَلِّي، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وإسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ عُقَيْلٌ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: عُلِمَ شرْحه مما سبق. (تابعه الزُّبَيدي) بضَمِّ الزَّاي، وفتح المُوحَّدة: محمَّد بن الوَليْد، وقد وصلَها الطَّبَراني في "مُسند الشَّاميين". (وابن أخي الزُّهري) وصلَها الذُّهْلِي في "الزُّهريَّات". (وإسحاق) يَرويه في نسخته من طريق سُليمان بن عبد الحَمِيْد البَهْرَاني، عن يحيى بن صالح، عنه. (وَعَقِيْل) أَسْنَدَها الذُهْلِي في "الزُّهريَّات". (وَمَعْمَر) وصلَها ابن سعد في "طبقاته"، وأبو يَعْلى في "مُسنده". قال (ك): والفَرْق بين المتابعتَين أنَّ الثَّانية كاملة من حيث رفعُها إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والأُولى ناقصةٌ لوَقْفها على الزُّهري، ويحتمل أنَّ الأُولى هي المُتابعة، والثَّانية متأوَّلةٌ، وفيها إرسالٌ. * * *

47 - باب من قام إلى جنب الإمام لعلة

47 - بابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّة (باب مَن قَامَ إلى جنْبِ الإمام) 683 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نفسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رآهُ أبَو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ، فَأشَارَ إِلَيْهِ: أَنْ كمَا أَنْتَ، فَجَلَس رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ. (زكرياء) بالمَدِّ والقَصْر. (قال عروة) هو وإنْ كان راوي الحديث إلا أنَّ هُنا إلى آخره مُرَسلٌ، وأعاد ذكْرَه لذلك. وأيضًا فيحتمل أنَّه تعليق من البُخاري، ويحتمل أنَّه داخلٌ تحت الإسناد الأَوَّل. (استأخر)؛ أي: تأَخَّر. (كما أنت)، (ما) موصولةٌ، و (أنت) مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ، أي: عليه، أو فيه، والكاف للتَّشبيه، أي كنْ مشابِهًا لِمَا أنتَ عليه، أي:

يكون حالُك في المستقبل مشابهًا حالَك في الماضي، أو الكاف زائدةٌ، أي: اِلْزَمِ الذي أنتَ عليه، وهو الإمامة. (حذاء)، أي: مُحاذيًا من جِهَة الجَنْب لا خَلْفَ ولا قُدَّامَ، ولا ينافي جلوسه إلى جنبه للترجمة بالقيام، إما لكونه لما انتهى إلى جنبه كان قائمًا ثم جلس أو يقاس القيام على الجلوس أو أن أبا بكر هو القائم إلى جنب الإمام، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: هذا أظهر، ويحتمل أنَّ المُراد بالقيام حالةُ المصلِّي سواءٌ وقَف أو جلَس، وقيام أبي بكر إلى جنبه لغرض مشاهدة أحواله ليعلم النَّاس بها، ولا يستدل بهذا المالكية في عدم اشتراطهم تقدم الإمام على المأموم، لأن المحاذاة بحيث لا يتقدم عقب المأموم على عقب الإمام جائزة لا سيما عند الضرورة، ولعل ذلك مراد البُخاري. قال التَّيْمي: لا يجوز أن يكون أحد مع الإمام في صف إلا في مثل هذه الواقعة لضيق الموضع، وعدم القدرة على التقدم، وللإعلام بتكبير ركوعه وسجوده إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا، وإلا في الواحد مع الإمام لقصة ابن عبَّاس إذ أداره - صلى الله عليه وسلم - عن يمينه، وفيه الإئتمام بمن لا يراه إذا علم بانتقاله، وأن العمل القليل لا يفسد الصَّلاة. * * *

48 - باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر، جازت صلاته، فيه عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

48 - باب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسِ فَجَاء الإِمَامُ الأَوَّلُ فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، جَازَتْ صَلاتُهُ، فِيهِ عَائِشَةُ عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - (باب مَن دخَل ليَؤُمَّ النَّاسَ فجاء اإمامُ الأَوَّل)؛ أي: الرَّاتب. (فتأخر الأَوَّل)؛ أي: النَّائبُ عن الرَّاتب؛ لأنَّه أَوَّلٌ في هذه الصَّلاة، وقول النُّحاة: إنَّ المعرفة المُعادة عينُ الأَوَّل؛ أي: حيثُ لا قَرينةَ، ولكن هنا قرينةٌ. ومعنى الرَّحمة مذكورٌ في (باب حدِّ المريض أن يشهد الجماعة)، وفي هذه الأبواب التي هنا. 684 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهَبَ إِلَى بني عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أتصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نعمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ، فتخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ -وَكَانَ أبو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ- فَلَمَّا أكثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ استَأخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تثبُتَ إِذْ أَمَرتُكَ؟ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أكثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وإنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءَ". (فأقيم) بالرَّفْع، والنَّصْب. (فصلى)؛ أي: شَرعَ. (فتخلص)؛ أي خلَص من الشَّواغل. (التصفيق)؛ أي: التَّصويت بضَرْب يدٍ بيدٍ. (لابن أبي قُحافة) بضَمِّ القاف، وهو عُثمان بن عامِر، أسلَم في الفَتْح، ومات في خلافة عُمر، سنة أربعَ عشْرةَ. لم يقل: لي، ولا لأبي بكْرِ؛ بقصْد التَّحقير لنفسه، والاستِصغار لمرتبته بالنِّسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (بين يدي)؛ أي: قُدَّام، أو لفظ: (يدَي) مُقحمةٌ، أو هو على حقيقته. (ما لي) تعريضٌ، والغرَض ما لَكُم. (نابه)؛ أي: أَصابَه. (وليسبِّح)؛ أي: يقول: سُبحان الله.

وفيه الإصلاحُ بين النَّاس والذَّهاب إليهم لذلك، وأنَّ أفضليَّة أبي بكر مقرَّرةٌ في نفوس الصَّحابة حيث قدَّموه للصَّلاة، وأنَّ المَسبوق يدخل في الصَّفِّ لا مُنفَردًا، وأنَّ المُصلِّي لا يَلتفت إلا لشِدَّة حاجته، وإمامةُ المَفضول مع وجود الفاضِل، وتعظيمُ الأفضل، وتَقديمُه ولو في الصَّلاة، وسؤالُ الرَّئيس عن مانعِ مُخالفة أمرِه، وإظهارُ الاستِصغار عند الأكابر، ورفعُ اليدَين بالدُّعاء، وأنَّ التابع إذا أمرَه المَتبوع بشيءٍ يُفهم منه إكرامُه لا يتحتَّم عليه فعلُه، ولا يكون بتَرْكه مُخالِفًا للأمر بل أَدبًا وتَحرِّيًا في فَهْم المَقاصد، وأنَّ محلَّ الإقامة عند الدّخول في الصَّلاة لأنَّ الفاءَ للتَّعقيب، وأنَّ المؤذّن هو الذي يُقيم، وجوازُ خَرْق الإمام الصُّفوف. قال التَّيْمي: وفيه تخطئة مَنْ زعَم أنَّ مَن أحرم بالصَّلاة لا يجوز أن يَدخل الجماعة في بقيَّة صلاته حتَّى يَخرج منها بتسليمٍ، وإلا فتَفسد صلاتُه، وأنَّ الإمام المَعهود إذا أتى وقد قدَّم المصلون إمامًا لا يُخرجه إلا أن يأبَاه كما فعَل أبو بكر، وقيل: هذا خاصٌّ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أن لا يجوز التَّقدُّم بين يدَيه، وليس غيرُه مثلَه، وكان جائزًا لأبي بكرٍ أن لا يتأخَّر لإشارته - صلى الله عليه وسلم -: أنِ امكُثْ مكانَك، وأنَّ المؤذِّن هو الذي يقدِّم للصلاة؛ لأنَّه خادمُ الإمامة وجماعة المَسجِد، وهي ولاية، وانتظارُ الإمام ما لم يُخشَ فَوات الوقت الفاضِل، وشكرُ الله على الوجاهة في الدِّين. * * *

49 - باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم

49 - بابٌ إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ (باب إذا استَوَوا في القِراءَة) 685 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ، فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيمًا، فَقَالَ: "لوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلاَدِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ، مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدكمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أكبركم". (شببة) جمع شابٍّ. (لو رجعتم) جوابها محذوفٌ، أي: لكان خَيْرًا، أو قوله: (مُرُوهُم)، أو هي للتَّمنِّي. (فعلمتموهم) عطفٌ على (رجعتم). (ومروهم) استئنافٌ، كأنَّه قيل: ما نعلِّمُهم؟ فقال: مُرُوهم بالطَّاعات كذا وكذا، والأمْر بها مُستلزِمٌ للتَّعليم. (أكبركم)؛ أي: أسنُّكُم، وسبق الحديث في (باب: مَن قال ليُؤذِّن في السَّفَر مؤذِّنٌ واحدٌ)، وترجمه بـ (إِذا استَووا)؛ لأنَّه يُعرف من القِصَّة؛ لأنَّهم أسلموا وهاجروا معًا، وصَحِبُوه عشرين ليلةً، واستَووا في الأخْذ

50 - باب إذا زار الإمام قوما فأمهم

عنه، فلم يَبقَ إلا السِّنُّ. * * * 50 - باب إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَومًا فَأَمَّهُمْ (باب: إذا زَارَ الإمامُ قَومًا) 686 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: اسْتَأذَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأذِنْتُ لَهُ، فَقَالَ: "أيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ "، فَأشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا. سبق شرح الحديث فيه في (باب المَساجِد في البُيوت)، قيل: قد ورَد: "مَنْ زَارَ قَومًا فلا يَؤُمَّهُم"، وأُجيب: بأنَّ صاحب الدَّار أَولى بالإمامة، وله أنْ يُقدِّم من هو أفضَلُ منه. * * * 51 - بابٌ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ بِالنَّاسِ وَهْوَ جَالِسٌ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإمَامِ، يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ، ثُمَّ يتبَعُ الإمَامَ وَقَالَ الْحَسَنُ فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإمَامِ ركعَتَيْنِ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ: يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأولَى بِسُجُودِهَا، وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَة حَتَّى قَامَ: يَسْجُدُ. (باب إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ به)، أي: ليُقتدى به. (ولا يقدر)؛ أي: لزِحَامٍ ونحوه. (ويقضي) المُراد به الفِعْل، لا الاصطلاحي. (الركعة الأَولى) إنَّما لم يقُل الثانية؛ لاتصال الرُّكوع الثَّاني به. (يسجد)؛ أي: يَطرح القِيامَ الذي فعلَه على غير نظم الصَّلاة، ويجعل وُجودَه كالعدَم. * * * 687 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مُوسَى ابْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَلاَ تُحَدِّثِيني عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أصلَّى النَّاسُ؟ " قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أصَلَّى النَّاسُ؟ " قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي

الْمِخْضَبِ"، قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ "، قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: "أَصَلَّى الناسُ؟ "، فَقُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ -وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِصَلاَةِ الْعِشَاءَ الآخِرَةِ- فَأرْسَلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى أَبِي بَكْرٍ بِأنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْر -وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا-: يَا عُمَرُ! صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأيامَ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّة فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيتأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِأنْ لاَ يتأخَّرَ، قَالَ: "أجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ"، فَأجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهْوَ يَأْتَمُّ بِصَلاَةِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَلاَ أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثتنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: هَاتِ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ. الحديث الأَوَّل:

(ضعوا لي) إنَّما لم يقتل: ضَعُوا؛ لأنَّ الماءَ مفعوله، وهو لا يتعدَّى لمفعولَين، إما لتضمين (وضَع) معنى الإيتاء، أو (ماءً) تمييزٌ لـ (مِخْضَب) إن جُوِّز التَّقديم، أو نُصِبَ بنزع الخافض. (المِخْضَب) بكسر الميم، وسكون المُعجَمَة، والضَّاد معجمةٌ مفتوحةٌ: المِرْكَن، أي: الإِجَّانَة. (لينوء) كيَقوم لَفظًا ومَعنًى، والإغماء جائزٌ على الأنبياء؛ لأنَّه يُعطِّل الحِسَّ والحرَكة لا الجُنون؛ فإنَّه زوال العقل. قال (ن): الإغماءُ مرَضٌ، والجُنون نقْصٌ. (وهم ينتظرونك) جملةٌ حاليَّةٌ، وإن لم تكنْ واوٌ، مثل: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]. (عكوف) جمع عاكفٍ، أي: مجتمعون. (يا عُمر) إنَّما خالَف وأمَر غيرَه لفَهْمه أنَّ الأمر ليس إيجابًا، أو للعُذْر المذكور، وقيل: قالَه تَواضُعًا. (أنت أحق) لفَضيلتِكَ، أو لأمر الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - إيَّاكَ، ففيه الثَّناء في الوَجْه لمن أُمِنَ عليه الإعجاب والفِتْنة. (تلك الأيام)؛ أي: أيَّام ضعفه - صلى الله عليه وسلم -. (ألا) عرْضٌ، والهمزة للاستفهام، و (لا) للنَّفي، وليستْ تنبيهًا ولا تَحضيضًا.

(هات) بالكسر، وقد تُشبَع، وبه يُردُّ على ابن عُصْفُور في قوله: إنَّها اسم فعلٍ، بل هي فعلٌ؛ لأنَّ الضَّمائر البارزة لا تتصِلُ إلا بفعلٍ، وسبقت مباحث الحديث في (باب حدِّ المريض)، وفيما بعدَه. وفيه انتظار الإمام إذا رُجِيَ مَجيؤُه عن قُرْب، ونَدبيَّة الغُسل للإغماء، وفضيلة عُمر. * * * 688 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَومٌ قِيَامًا، فَأشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فارْفعُوا، وإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا". الحديث الثَّاني: (شاك)؛ أي: عن مِزَاجِه؛ لانحرافه عن الصِّحَّة. (جلوسًا) جمع جالس، وسبق أن حكمه منسوخٌ خلافًا لمالك. * * * 689 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ فَالَ: أَخبْرنَا مَالِكٌ، عَنْ ابنِ شِهابٍ، عَنْ أَنس بنِ مَالِكٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ركبَ فَرَسًا فَصُرعَ

عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصلَّى صلاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وهُو قَاعدٌ، فَصلَّينَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلمَّا انْصَرفَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإماَمُ لِيُؤتَمَّ بِهِ، فَإذا صلَّىَ قائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فإِذَا ركعَ فَاركَعُوا، وإِذَا رَفَعَ فارْفَعُوا، وإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لمنْ حَمِدَه فَقُولُوا: رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَوْلُهُ: "إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا"، هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيم، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، لَمْ يَأمُرْهُمْ بِالقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ فَالآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثَّالث: (صُرِعَ) بضَمِّ المُهمَلة، وكسر الرَّاء. (فَجُحِش) بضَمِّ الجيم، وكسر المُهمَلة، ثم شين مُعجَمة، أي: خُدِشَ، وذلك بأن يَنْقَشِر جِلْد العُضْو. (ليُؤتَمَّ به) قال الشَّافعي: في الأعمال الظَّاهرة، حتَّى يُصلَّى الفرْضُ خلْف النَّفْل، وعكسه، وقال غيره: في الأفعال والنيَّات مُطلقًا. (أجمعون) تأكيدٌ للضَّمير في: (فصَلُّوا)، ويُروى: (أجمَعِيْن)، إمَّا حالٌ، أو تأكيدٌ لـ (جُلوسًا)، لكنْ لا يَأتي على قَول البصريين؛ لأنَّ

52 - باب متى يسجد من خلف الإمام؟

ألفاظ التَّوكيد معارفُ. * * * 52 - بابُ مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ؟ قَالَ أَنسٌ: فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا. (باب: متَى يَسجُدُ مَن خلْفَ الإمام)، (مَن) موصولةٌ. * * * 690 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ -وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ. 690 / -م - حَدَّثَنَا أبُو نُعَيمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، نحوَهُ بِهَذَا. (وهو غير كذوب) قال ابن مَعِيْن: الضَّمير لعبد الله، من كلام أبي إسحاق فيه، لا للبَراء من كلام عبد الله فيه؛ لأنَّ البَراء صحابيٌّ لا يحتاج إلى تَزكية في مشكوكٍ فيه، فهو كحديث أبي هُريرة: سمعتُ خليلي

53 - باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام

الصادقَ المَصدوق، وقولِ ابن مَسْعود: حدَّثني الصادقُ المَصدوقُ، فهو نوعُ تأكيدٍ وشدَّةِ عنايةٍ بالحديث. قال (ن): وأيضًا فعبد الله أيضًا صحابيٌّ، فحكمُه حكم البَراء في ذلك. (لمن حمده) بكسر الميم، وسُكونها. (لم يحن) بفتح الياء، وكسر النُّون، وضمِّها؛ لأنَّه يُقال: حنَيْتُ العُودَ وحنَوتُه، والروايتان في "مسلم": يحنو، ويَحنِي، أي: لا يُقوِّس ظهْرَه. (ثم نقع) بالرَّفْع فقط، بخلاف: حتَّى نَقَع، فإنَّ فيه الرَّفْع والنَّصْب. * * * 53 - بابُ إثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ (باب إثْم مَن رفَعَ رأسه قَبْلَ الإمام) 691 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَمَا يَخْشَى أَحَدكمْ -أَوْ لاَ يَخْشَى أَحَدكمْ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ

54 - باب إمامة العبد والمولى؛ وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف، وولد البغي والأعرابي والغلام الذي لم يحتلم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله"

حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللهُ صُورتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ". (أو إلا) شكٌّ من أبي هريرة، وكذا (أو يجعل)، ثم قيل: إن ذلك مجاز عن البَلادة؛ لأنَّ المَسْخَ لا يجوز في هذه الأُمة، وقيل: يجعلُه حقيقةً. (حمار) يحتمل تَخصيصه من دُون الحيوانات أنْ يكون لسِر اللهُ يعلمُه، ويحتمل أنَّ ذلك لشُهرته بالبَلادة، فكان فاعلُ ذلك في غاية البَلادة حيث لم يعلم أن الائتِمام متابعة، والتَّابع لا يتقدَّم على المَتبوع. قال (خ): هذا وعيدٌ شديدٌ؛ لأنَّ المَسْخَ عقوبة لا تُشبه العُقوبات، يُضرَب المثَل به ليتقى هذا الصَّنيع ويُحذر، ثم عند ابن عُمر تَبطل الصَّلاة به، وأكثر العُلماء مع شدَّةِ كراهته لم يَرَوا إعادة الصَّلاة عليه، وإنَّما كان عليه أنْ يَعود للرّكوع والسُّجود، حتَّى يَرفَع الإمام. * * * 54 - بابُ إمامة الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى؛ وَكَانَتْ عَائِشَة يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكوَانُ مِنَ الْمُصْحفِ، وَوَلَدِ الْبَغِيّ وَالأَعْرَابِيِّ وَالْغُلاَمِ الذي لَمْ يَحتَلِمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤُمهُمْ أَقْرَؤُهمْ لِكِتَابِ اللهِ" (باب إمامةِ العَبْد والمَولَى)، المُراد به ها هنا العَتِيْق؛ لمناسبة العبد. (ذَكْوان) بفتح المُعجَمَة، وسُكون الكاف.

(من المصحف)؛ أي: يَنظُرُ فيه ويَقرأُ منه، وذلك لا يُبطل الصَّلاة إذا لم يَقترن به مُبطلٌ. (وولد البغيِّ) بتشديد الياء، أي: الزَّانية؛ لأنَّه ليس عليه من وِزْرِهما شيءٌ، قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. (والأعرابي) نُسِبَ للجمْع؛ لأنَّه صار علَمًا، فهو كالمُفرد، والأعراب سُكَّان البادية، ومَن كَرِه إمامتهم نظَرًا إلى غلَبة جهلهم بحُدود الصَّلاة. (يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصلَه مسلم، وأبو داود، والتِّرْمِذي، من حديث ابن مسعود، ووجْهُ الاستدلال أنَّه لم يُفرِّق بين مَنْ ذُكِرَ وغيرِه. (ولا يمنع العبد) لأنَّ حقَّ الله مقدَّمٌ. * * * 692 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبةَ -مَوْضعٌ بِقُبَاءٍ- قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أكثَرَهُمْ قُرْآنًا. الحديث الأَوَّل: (الأَوَّلون)؛ أي: الذين هاجروا قبلَ قُدوم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ. (العُصْبة) بضَمِّ المُهمَلة، وسكون الصَّاد، وفي بعضها بفتح العين. (موضع) بالرَّفْع، أي؛ هو موضع، وبالنَّصْب بدلٌ، أو بيانٌ.

55 - باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه

(قُبَاء) مذكَّرٌ مصروفٌ، وممدودٌ، وجاء بغير ذلك. (أبي حُذَيْفة) بضَمِّ العين المُهمَلة، وفتح المُعجَمَة، وهو هشام، وقيل: مهشم بن عُتبة بن رَبِيْعة، وقيل غير ذلك. * * * 693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعْبةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبةٌ". الثَّاني: (التَّيَّاح) بفتح المُثنَّاة فوق وتشديد المُثنَّاة تحتُ. (زَبيبة) تَمثيلٌ بحقارة الحبَّة من العِنَب السَّوداء اليابِسَة وسَماجَتِها. ووجْهُ مطابقة الترجَمة: أنَّ العبد إذا صارَ واليًا، أي: بشَوكةٍ، أو بتَوليةِ وَليِّ الشَّوكة يقدَّم في إمامة الصَّلاة، وقيل: لأنَّه إذا أُمِرَ بطاعته أُمِرَ بالصَّلاة خَلْفه. * * * 55 - بابٌ إذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ (باب إذا لَم يُتِمَّ الإمامُ) 694 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى

الأَشْيَبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَؤا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ". (الأَشْيَب) بهمزةٍ مفتوحةٍ، ثم معجمةٍ ساكنةٍ، ثم مثنَّاةٍ تحت مفتوحةٍ، ثم موحَّدةٍ. (يصلون)؛ أي: الأئمَّة بقَرينة السّيَاق. (لكم)؛ أي: لأجْلكم. (أصابوا)؛ أي: في الأَركان، والشُّروط، والسُّنن. (فلكم) وإنَّما سكَت عن ثَواب العمل للعامل؛ لأنَّه معلوم. (أخطؤوا) هو المُقابِل للصَّواب لا مقابِل العَمْد؛ لأنَّ ذاكَ لا إِثْمَ فيه. (فلكم)؛ أي: صلاتُكم خلْفَهم هي لكم، وكذا ثَواب الجماعة، لا من حيث الأَخطاء. (وعليهم)؛ أي: عِقَاب أخطائِهم عليهم؛ لأنَّ (على) تُستعمل في الشَّرِّ، واللام في الخَيْر. قال البَغوي: فيه صِحَّة صلاة من ائتَمَّ بمحدِثٍ جاهلًا به، وعليه الإعادة عالمًا كان أو جاهلًا. قال التَّيْمي: وفيه جوازُ الصَّلاة خلْف البَرّ والفاجِر، وأنَّ الإمام إذا نقَص شيئًا لا تفسُد صلاة مَن خلْفه إلا أن ينقُص فرضَ الصَّلاة، فلا

56 - باب إمامة المفتون والمبتدع

ويتبع: المراد بالإصابة والأخطاء في الوقْت؛ لأنَّ بني أُمَيَّة كانوا يُؤخِّرون. * * * 56 - بابُ إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ وَقَالَ الْحَسَنُ: صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ. (باب إمامة المَفْتُون)؛ أي: من فُتن بذَهاب مالهِ، أو عقْله فضلَّ عن الحق. (والمبتدع)، البِدْعة وإن انقَسمتْ إلى الأحكام الخمسة، فالمُراد هنا بدعةٌ قبيحةٌ تُخالف الكتابَ أو السُّنَّة أو الإجماع، فهي المُحدَثات التي هي ضلالةٌ، كما أشار إليه الشَّافعي، قال: وما لم يُخالِف فغير مذمومٍ. * * * 695 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيِ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ: أنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - وَهْوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنزَلَ بِكَ مَا نرَى، وَيُصَلِّي لنا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنتَحَرَّجُ، فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاؤُا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ.

وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ لاَ بُدَّ مِنْهَا. (وقال لنا)؛ أي: على سَبيل المُذاكَرة بخلاف حدَّثنا. (محصور)؛ أي: مَحبُوسٌ في الدَّار ممنوعٌ من الأُمور. (ما ترى)؛ أي: من خُروج الخوارج عليك، وحَبْسك في دارك. (ونتحرج)؛ أي: نتأثَّمُ بمتابعته. قال التَّيْمي: إمام الفتنة قيل: عبد الرَّحمن بن عَدَس البَلَوي الذي جلَب على عُثمان بأهل مصر، صلَّى بالمدينة الجمُعة، وخطَب على مِنْبَر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيل معنى: يُصلِّي لنا إمامُ فتنة، أي: غير إمامهم يُصلِّي لهم فيها لا أنَّه يَدعُو إليها، قيل: صلَّى في حِصَار عُثمان بهم جمعٌ منهم: أبو أيوب، وسَهْل بن حُنَيْف. قال ابن عبد البَرِّ: أبو أُسامة أَسعَد بن سَهْل بن حنيف، وليس هو المراد هنا. قال الدَّرَاوَرْدِي: لم يقم على عُثمان أحدٌ من الصَّحابة، بل فِرقةٌ مصريَّةٌ، وفِرقةٌ كوفيَّةٌ، لم يَعيبُوا عليه شيئًا إلا خرَج منه بَريئًا، فطالَبوه بعَزْل مَن استعمَل من بني أُمَيَّة، فلم يستطِع ذلك، وهو على تلك الحالة. (المُخَنث) بكسر النُّون وفتحها، والكسْر أفصح وأشهر، وهو من يتخلَّق بخُلُق النِّساء، والمَذموم منه من يتصنَّعُه ويتكلَّفُه، أما من هو خِلْقةٌ له لا إثمَ عليه ولا ذَمَّ.

57 - باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين

(إلا من ضرورة) كخَوفٍ وثوران فتنةٍ، وذلك لأنَّ الإمامةَ لأهل الفضْل، والمُخنَّث مفتتنٌ لشَبَهه بالنِّساء كإمام الفِتْنة والمبتدع؛ فإنَّ كُلًّا مفتونٌ في طائفته، فكُرهتْ إمامتهم إلا من ضرورةٍ. * * * 696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا غُنْدَر، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي ذَر: "اسمع وَأَطِعْ، وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبةٌ". (أبان) سبَق أنَّ صرفَه أَجودُ. (لحبشي)؛ أي: لو كان الطَّاعةُ أو الأَمرُ لحبشي، أي: سواءٌ أكان مَفتُونًا أو مُبتدِعًا. قيل: ووجْهُ موافقة التَّرجَمة: أنَّ هذه الصفة لا تكون غالبًا إلا لمَنْ هو غايةٌ في الجهل، ومفتونٌ بنفسه. * * * 57 - بابٌ يَقومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامَ بِحذَائِهِ سوَاءً إِذَا كانَا اثْنَيْنِ (باب: يَقومُ عَنْ يَمين الإمامِ بحذَائهِ)، بالمَدِّ، أي: بإزائه،

(سواء)؛ أي: مُساويًا، (اثنين)؛ أي: لا ثالِثَ معهما. * * * 697 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونة، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ ركَعَاتٍ ثُمَّ ناَمَ، ثُمَّ قَامَ، فَجئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَاره، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينهِ، فَصَلَّى خَمْسَ ركَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ناَمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ -أَوْ قَالَ: خَطِيطَهُ- ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَة. (جاء)؛ أي: من المَسجِد إلى مَنْزله. (فجئت) الفاء فصيحةٌ، أي: قامَ من النَّوم فتوضَّأ فأحرَم بالصَّلاة، ويحتمل أنَّ (قام)، أي: نهض للصَّلاة لا القيام في الصَّلاة، فلا تكون الفاء فيه فصيحةً. (غطيطه) قال (خ): هو صَوتٌ يُسمع من تَردُّد النَّفَس كهيئة صوتِ المَخنوق، والخَطيط قريبٌ منه، والغين والخاء متقاربان في المَخرج. (إلى الصَّلاة)؛ أي: الصُّبح، ووقوف ابن عبَّاس عن يمينه يصدق، ولو تخلف يسيرًا كما هو عند الشَّافعي. وسبق شرح الحديث في (باب السَّمَر في العلم). * * *

58 - باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله الإمام إلى يمينه لم تفسد صلاتهما

58 - بابٌ إِذَا قَامَ الرجُلُ عَنْ يَسَار الإِمَامِ فَحوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صلَاَتُهُمَا (باب إذا قام الرَّجلُ عنْ يَسَار الإمام) 698 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عَبْدِ رَبِّه بْنِ سَعِيد، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونة وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فتوَضأ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَلَى يَسَارِه، فَأخَذنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينهِ، فَصَلَّى ثَلاَثَ عَشْرَةَ ركْعَةً، ثُمَّ ناَمَ حَتَّى نَفَخَ -وَكَانَ إِذَا ناَمَ نَفَخَ- ثُمَّ أتَاهُ الْمُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يتوَضأ. قَالَ عَمْرٌو: فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ. (أحمد) قال الحاكم في "المَدخَل": روى البُخاري في (كتاب الصَّلاة) في ثلاثة مواضع عن أحمد، عن عبد الله بن وهب، فقيل: هو أحمد بن صالح المِصْري، وقيل: أحمد بن عِيْسَى التِّنِّيسي. قال الغَسَّاني: لا يَخلو به واحد منهما، وقال ابن مَنْدَهْ الأَصبَهاني: كلُّ ما في "جامع البُخاري" أحمد، عن ابن وهْب، فهو ابن صالح، وإذا حدَّث عن أحمد بن عيسى عيَّنَه. وسبق شرح الحديث مراتٍ. * * *

59 - باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم، ثم جاء قوم فأمهم

59 - بابٌ إذَا لَمْ يَنْوِ الإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ، ثُمَّ جَاء قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ (باب إذا لم يَنْوِ الإمامُ) 699 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِه، فَأَخَذَ بِرَأْسي فَأقَامَنِي عَنْ يمينه. (فقمتُ عن يَسارِه)، هو قيام الصَّلاة، و (قمتُ) الذي قَبْله كان بمعنى النُّهوض، أو: أردتُ القيامَ. (أُصلي) حالٌ مقدَّرةٌ. قال التَّيْمي: قال أبو حنيفة: إذا نَوى جاز أن يُصلي خلْفه الرِّجالُ، وإن لم يَنوِهم، ولا يجوز النِّساءُ أن يُصلِّين خلْفه إلا أن ينويهنَّ. * * * 60 - بابٌ إِذَا طَوَّلَ الإمَامُ وَكانَ لِلرجلِ حَاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى (باب إذا طَوَّلَ الإمامُ) 700 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدثَنَا شُعْبة، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ

ابْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَرْجِعُ فَيؤمُّ قَوْمَهُ. 701 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَر، قَالَ: حَدَّثَنَا شعبة، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ ابْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَرْجِعُ فيؤم قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأنَّ مُعَاذًا تناوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "فتَّانٌ، فتَّانٌ، فتَّانٌ" ثَلاَثَ مِرَارٍ، أَوْ قَالَ: "فَاتِنًا، فَاتِنًا، فَاتِنٌ"، وَأَمَرَه بِسُورتيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرو: لاَ أَحْفَظُهُمَا. قوله في الطَّريق الثَّاني: (سَمعتُ جَابِرًا) أقوَى من قوله في الأَوَّل: (عَنْ جابِر). (فصلى العشاء) الضَّمير لمُعاذ، والظَّاهر أنَّ الجميع داخلٌ في الطَّريق الأَوَّل أيضًا لا المذكور قبل التَّحويل فقط. (الرَّجل) يحتمل أنَّه للجنْس، فيكون المُراد رجل؛ لأنَّه بمعناه، أو أنَّها عَهْديَّة، والمُراد معيَّنٌ، فقال ابن الأَثِيْر: إنَّه حِرَام -بالمُهمَلة، والرَّاء- ابن مِلْحَان، بالمُهمَلة وكسر الميم، خال أنَس، وقيل: إنَّه حَزْم بن أبي كعب، رواه أبو داود، وابن حِبَّان، وقيل: سُليم بن الحارث؛ حكاه الخطيب. (ينال منه)؛ أي: يُصيب، أي: يَعيبُه ويُؤذيه، وفي بعضها: (تناوَل) ماضي التَّناول.

61 - باب تخفيف الإمام في القيام، وإتمام الركوع والسجود

(فتان)؛ أي: مُنفِّرٌ عن الدِّين صادٌّ عنه، وهو خبرُ مبتدأ محذوفٍ. (أو قال) شكٌّ من جابر. (فاتن) في بعضها: (فَاتِنًا) بالنَّصْب خبَر (كان) محذوفةٍ، أو (صار)، أو نحوها. (بسورتين) قد تُهمَز. (أوسط المفصل) لأنَّ المُفصَّل السُّبُع الأخير من القرآن؛ لكثرة الفُصول الواقعة فيه بالتسمية، فقيل: من الحُجُرات، وقيل: من (القِتَال)، وقيل: من (الفَتْح)، وقيل: من (ق)، وقيل غيرُ ذلك، فطِواله إلى سورة (عَمَّ)، وأوساطه إلى (الضُّحى)، وقيل: طواله إلى (الصَّفِّ)، وأوساطه من (الصَّفِّ) إلى (الانشِقاق)، والقِصَار إلى الأخير. (لا أحفظهما)؛ أي: السُّورتَين المأمور بهما. وفي الحديث جوازُ صلاة المُفترِض خلْف المُتنفِّل، خلافًا للحنفية، والمالكية، وأنَّه يُقال: (البقَرة)، أي: السُّورة التي تُذكَر فيها البقرة، وإنكار ما يكره، وتخفيف الصَّلاة، والتَّعزير بالكلام. * * * 61 - بابُ تَخْفِيفِ الإِمَام فِي الْقِيَام، وَإِتمَام الرُّكوع وَالسُّجُودِ (باب تَخفيفِ الإمام في القِيَام، وإتمامِ)؛ أي: مع إتمامِ؛ لأنَّ الحديث الذي أُورد ليس فيه إلا تَخفيف القيام.

62 - باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء

702 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ! يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لأتأخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأيُّكُمْ مَا صلَّى بِالنَّاسِ فَلْيتجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ". (فأيكم ما صلى)، (ما) زائدةٌ لتَأكيد الشُّمول، وزيادتها مع (أيٍّ) الشَّرطيَّة كثيرةٌ. (فليتجوز)؛ أي: يُخَفِّف. (وليصل) بكسر اللام، وتُسكَّن. وسبق شرح بقيَّة الحديث في (باب الغضَب في الموعظة)، وفيه التَّخفيف بحيث لا يَفوت شيءٌ من الواجبات؛ لأنَّ ذلك يُفسد، فلا يكون مأمورًا به. * * * 62 - بابٌ إِذَا صلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ (باب إِذا صلَّى لنَفْسه) 703 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي

63 - باب من شكا إمامه إذا طول

الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدكمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ". (للناس)؛ أي: إمامًا لهم، أو لأجْل ثَوابهم، أو خَيْرِهم الحاصل من الجماعة، وإلا فالصَّلاة إنَّما هي لله. * * * 63 - بابُ مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ. (باب مَن شكَى إِمامَهُ) 704 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لأَتأخَّرُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلاَنٌ فِيهَا، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ".

الحديث الأَوَّل: (أبو أُسيد) بضَمِّ الهمزة: مالكُ بن رَبِيْعة. قلتُ: وقيل: بفتح الهمزة. (فلان) يحتمل أنْ يكون الإمامُ مُعاذًا، والرَّجل من سبق ذكْرُه، ويحتمل أنَّ الإمام أُبَيٌّ، ففي "مسند أبي يَعْلى المَوصِلي": أنَّ أُبَيَّ بن كعْب صلَّى بأهْل قُبَاء، فاستفتَحَ سُورةً طويلةً، فذكَر نحو هذا الحديث. (يا أَيُّها النَّاس) وإنَّما لم يُعيِّن مُعاذًا هنا كما فعَل في الرِّواية الأُخرى؛ لأنَّه بلَغه أنَّه قال: مَنِ الرَّجُل؟ فخاطبَه بذلك بقوله: (أَفَتَّانٌ أنْتَ يا مُعاذُ). * * * 705 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي، فترَكَ ناَضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوِ النِّسَاءِ، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، وَبَلَغَهُ: أَنَّ مُعَاذًا ناَلَ مِنْهُ، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مُعَاذُ! أفتّانٌ أَنْتَ -أَوْ: أفَاتِنٌ؟! ثَلاَثَ مِرَارٍ- فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ". أَحْسِبُ فِي الْحَدِيثِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ وَمِسْعَرٌ وَالشَّيْبَانِيُّ، قَالَ عَمْرٌو: وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: قَرَأَ مُعَاذٌ فِي الْعِشَاءَ بِالْبقَرَةِ. وَتَابَعَهُ الأَعْمَشُ، عَنْ مُحَارِبٍ. 706 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُوجِزُ الصَّلاَةَ ويُكْمِلُهَا. الثَّاني: (مُحَارب) بضَمِّ الميم، وبمُهمَلة. (دِثَار) بمُثلَّثةٍ: أصلُه خِلاف الشّعار. (بناضحَين) هو البَعير الذي يُسقَى عليه. (جَنَح) بفتح النُّون: أَقْبَلَ ظَلامُه. (فترك) بمُثنَّاةٍ لا مُوحَّدةٍ، كذا قال (ك)، وقال (ش): إنَّه بالوَجْهَين، ومع المُوحَّدة يكون مشدَّد الرَّاء. (بسورة) يُقال: قرأ سورةً وبسورةٍ. (فشكى)؛ أي: أخبَرَ بسُوءِ فعله معه. (أفتان أنت) مبتدأٌ ومرفوعٌ سدَّ مَسدَّ الخبَر؛ لأنَّه بعد استِفهامٍ، أو أنت مبتدأٌ تقدَّم خبَرُه. (فلولا)؛ أي: فهَلَّا.

(صليت)؛ أي: قَرأْتَ. (بسبح اسم ربك) ليس قَصْرًا على السُّوَر الثَّلاث، بل وما في معناها كما في رواية زيادة: (ونحوها)، ولهذا ذكرها ثلاثًا، وإنَّما يقرأ بثنتين في الرَّكعتَين الأَوَّلتين. وفيه دليلٌ على أنَّ أوساط المُفصَّل إلى (والضحى) لا إلى (الانشقاق)؛ لأَنَّ هذه الصَّلاة كانت العشاء، فيُقرأ فيها بالأوساط لا بالقِصار. (أحسب) يحتمل أنَّه من كلامِ مُحَارِب، أو مَن بعدَه. (هذا)؛ أي: فلَولا صلَّيْتَ إلى آخره؛ لأنَّه برواية عمْرو فيما تقدَّم آنفًا أنَّه انتهى عندَه حيث قال: (ولا أَحْفَظُها)، وقيل: إنَّه من كلام البُخاري، وإنَّ المراد به لَفْظ: (ذو الحاجة) فقط. قال (ك): لكنْ لم يتحقَّق لي ذلك لا سماعًا ولا استنباطًا من الكتاب. (وتابعه سعيد) وصلَها أبو عَوَانة في "صحيحه". (ومِسْعَر) وصلَها إسحاق بن راهَوَيْهِ، وأبو العبَّاس السَّرَّاج، والنَّسائي. (والشيباني) بفتح المُعجَمَة سُليمان، وصلَها البَزَّار. (قال عمرو)؛ أي: ابن دِيْنَار، وصلَه البُخاريُّ في غير هذا المَوضع.

64 - باب الإيجاز في الصلاة

(وعبد الله بن مِقْسم) بكسر الميم، وسُكون القاف، وصلَها ابن خُزَيْمَة في "صحيحه"، وأصلُه عند أحمد. (وأبو الزُّبَيْر) وصلَها السَّرَّاج، وهؤلاء الثَّلاثة صرَّحوا بلفْظ العشاء ونَصُّوا على البقَرة، ولم يذكُروا النِّساء، وإنَّما لم يقُل في هذه الثَّلاثة: وتابعه فلانٌ كما ذكَر في ما سبَق؛ لأَنَّ ما انفَردوا به لمْ يُتابِعوا فيه أحدًا. (وتابعه الأعمش) وصلَها إسحاق بن راهَوَيْهِ، والنَّسائي. قال (خ): الفِتْنة: صَرْف النَّاس عن الدِّين، وحَمْلهم على الضَّلال، وقال التَّيْمي: قال الشَّافعي: يجوز للمأموم الخُروج من الائْتِمام بعُذر وغيره، ويتمُّ منفرِدًا لعَدَم إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على الذي خرَج من الاقتِداء بمُعاذ، وقيل: هذا بعُذْر؛ لأنَّ مُعاذًا كان مأمورًا بالتَّخفيف، فخالَف وطَوَّل، ومنع أبو حنيفة الخُروج إلا لعُذْر؛ لأنَّه دخَل في الجماعة، وهي طاعةٌ، فوجَب عليه المُضيُّ فيها. * * * 64 - بابُ الإِيجازِ في الصَّلاةِ (باب الإيْجَازِ) هو ضِدُّ الإِطْناب، وإكمالها هو ضِدُّ النَّقْص. * * *

65 - باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي

65 - بابُ مَنْ أَخَفَّ الصَّلاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِي (باب مَنْ أَخَفَّ الصَّلاةَ عند بُكاء الصَّبيِّ) إن مُدَّ بكاء، فبالتَّصويت كما هنا بقَرينة: (فاسمع)، ولا يُسمع إلا الصَّوت، وإن قُصِرَ فهو خروج الدَّمْع فقط. 707 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَليدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي قتادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ". تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَبقِيَّةُ، عَنِ الأَوْزَاعيِّ. 708 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أتمَّ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ. (تابعه بشر) بكسر المُوحَّدة، وسكون المُعجَمَة، وصلَها البُخاري. (وابن المُبارَك) وصلَها أحمد، والنَّسائي، وابن أبي شَيبة.

الحديث الأَوَّل: (أخف) صفة الإمام. (صلاة) تمييزٌ له. (وإن كان) هي المُخَفَّفة من الثَّقيلة، واسمها ضمير الشَّأْن، و (كان) الخبَر. (مخافة) مفعولٌ لأجله. (تفتن) مبنيٌّ للمفعول، أو الفاعل مِن الإفتان، وقد تُشدَّد الفاء من التَّفعيل. * * * 709 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ: أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَناَ أُرِيدُ إِطَالتهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأتجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ". 710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ فَأُرِيدُ إِطَالتهَا، فَأسمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأتَجَوَّزُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ". 710 / -م - وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَهُ.

67 - باب من أسمع الناس تكبير الإمام

الثَّاني والثَّالث: فيهما دلالةُ تطويل الصَّلاة إلا لعُذر، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يخشى من إدخال المَشَقَّة على النُّفوس، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]. قال (خ): وعلى جَواز تَطويل الرُّكوع إذا أحسَّ بداخلٍ كي يُدرِك؛ لأنَّه إذا يقصر لبكاء الصَّبيِّ، فالمُكث بسبَب إدراك السَّاعي أَولى. قال التَّيْمي: عند أحمد يَنتظر ما لم يَشُقَّ على أصحابه، ومنعَ مالك مُطلقًا؛ لأنَّه يضرُّ بمن خلْفَه. (وقال موسى) وصلَها السَّرَّاج، وابن المُنذِر. * * * 67 - بابُ مَنْ أسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِير الإِمَامِ (باب مَن أَسْمَعَ النَّاس) 712 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أتَاهُ [بِلاَلٌ] يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ"، قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ، قَالَ: "مُرُوا أَبَا

68 - باب الرجل يأتم بالإمام، ويأتم الناس بالمأموم

بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ" فَقُلْتُ مِثْلَهُ، فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ" فَصَلَّى وَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ الأَرْضَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ يتأخَّرُ، فَأشَارَ إِلَيْهِ: أَنْ صَلِّ، فتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - وَقَعَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى جَنْبِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ. تَابَعَهُ مُحَاضِرٌ عَنِ الأَعْمَشِ. (يؤذنه)؛ أي: يُعلِمُه. (يصل) رُوي: (يُصلِّي)؛ لأنَّه بتقدير: أنْ يُصلِّي، كما هو الرِّواية الأُخرى، كذا قال (ش)، ونقل (ك) عن ابن مالك: أنَّه رُوي: (فليُصلِّي)، وروى في (إن يقم مقامك): (يبكي) بالياء فيهما، وهو من قبيل إجراء المعتل مجرى الصَّحيح، والاكتفاء بحذف الحركة. (مُحَاضِر) بضَمِّ الميم، وبحاءٍ مُهمَلةٍ، وبضادٍ معجمةٍ مكسورةٍ. * * * 68 - بابٌ الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بالإِمَامِ، وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "ائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدكُمْ". (باب الرَّجل يأتَمُّ بالإمامِ) (ويذكر) وصلَ هذا التَّعليقَ مسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائي بأَتَمَّ من

هذا، قيل: إنَّما لم يجزم البُخاري به؛ لأنَّه اختصَره، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الاختصار لا يَقتضي التَّمريض، والاستِقراء رادٌّ لهذا. (ائتموا) الخِطَاب للصَّفِّ الأَوَّل. (من بعدكم)؛ أي: من بين سائر الصُّفوف، أي: استدلُّوا بأفعالكم على أفعالي، وليس المُراد أنَّ المَأموم يقتدي به غيره، ويحتمل حَمْل الحديث على أنَّ المُراد الائْتِمام به - صلى الله عليه وسلم - في العلم، وأحكام الشريعة، وليتعلَّم التابعون منكم، وكذلك تَبَعُ التَّابعين، وهكذا إلى انقِراض الدُّنْيا. * * * 713 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ"، فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُل أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، قَالَ: "إِنَّكنَّ لأَنتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ"، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ وَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلاَهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجدَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ

69 - باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَاعِدًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -. (متى يقوم)؛ في بعضها: (متَى مَا يَقُومُ)، فـ (ما) زائدةٌ، نعم، قال ابن مالك: إنَّها شرطيَّةٌ، وجوابها: لا يسمع النَّاس، إذ لا معنى للاستفهام، وحقُّها أن تَجزم لكنْ أُهملت شُذوذًا حملًا على إذا، كما جُزم بـ (إذا) حملًا عليها في حديث: "إِذَا أَخَذْتُما مَضاجعَكُما فكَبِّرا أَربَعًا وثَلاثينَ"، الحديثَ. (فلو أمرت) إنْ كانت شَرطًا فالجوابُ محذوف، أو للتمنِّي فلا جوابَ لها. (حِسَّهُ)؛ أي: صوتُه الخَفيُّ. (فأومأ)؛ أي: بأن لا تَتأخَّر. (عن يساره) لأنَّه من جِهَة حُجرته، فهو أخفُّ عليه، وتقدَّم شرْح الحديث قَريبًا. * * * 69 - بابٌ هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ (باب: هل يَأخُذُ الإمامُ إذا شَكَّ) ليس فيه جزْمٌ بشيءٍ، والمسألةُ ذاتُ خِلافٍ.

وَفَهِم (ك): أن البُخاري أراد به أنَّه يأخذ بخبر من أخبَره؛ لاحتِمال أنَّه إنَّما رجَع لتذكُّره ثَمَّ، لكنَّه مبنيٌّ على أنَّ الشَيء إذا كان له سببٌ ظاهرٌ يُسنَد إليه، وإن احتمل أنْ يكون له سبَبٌ آخرُ خَفيٌّ. * * * 714 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَيُّوبَ ابْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنَ اثْنتَينِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَينِ: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نسَيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " فَقَالَ النَّاسُ: نعمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى اثْنتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ. 715 - حَدَّثَنَا أبُو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ ركعَتَيْنِ، فَقِيلَ: صَلَّيْتَ ركعَتَيْنِ، فَصَلَّى ركعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. الحديث الأَوَّل والثَّاني: (من اثنتين)؛ أي: ركعتين، أي: من الظُّهر كما في الرِّواية الأخرى.

70 - باب إذا بكى الإمام في الصلاة

(ذو اليدين) اسمه: الخِرْبَاق كما سبَق في (باب تَشبيك الأصابع في المَسجِد)، ومباحث الحديث فيه، وفي (باب التَّوجُّه للقِبْلة). (أَصَدَق)؛ أي: في السَّبَب الذي تضمَّنه استفهامه، وهو تغيير الصَّلاة، وإلا فالاستفهام ليس عن تصديق أو تكذيب. (أم نسيت) حَصْر في الأمرين، لأن السبب إما من الله وإما من الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -. (فسجد) هذا وإن صدق على سجدةٍ واحدةٍ، لكن الحديث الذي بعده دلَّ على اثنتين. * * * 70 - بابٌ إِذَا بَكى الإِمَامُ فِي الصَّلاة وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ: سَمِعْتُ نشَيجَ عُمَرَ وَأَناَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}. (باب إذا بكَى الإمامُ) (نشَيج) بنونٍ مفتوحةٍ، وشينٍ معجمةٍ، وجيم: أشدُّ البُكاء؛ قاله في "المُحْكَم"، ونشَجَ الباكي غَصَّ بالبُكاء في حلْقه، وقد أجاز العُلماء البُكاء في الصَّلاة من خوف الله تعالى.

قال الشَّافعي: إذا لم يكن ثَمَّ حَرفان أو حرفٌ مُفهِمٌ أو ممدودٌ، وتيسَّرت القِراءة دونه ولم يغلبْه. * * * 716 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي مَرَضِهِ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءَ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: قُولي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءَ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْ، إِنَّكنَّ لأَنتنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ"، قَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. (يصلي) مجزومٌ جوابُ الأَمر، [أو] مرفوعٌ استئنافًا، أو لإِجْراء المُعتل مجرى الصَّحيح اكتفاءً بحذْف حركة الياء، كما في قراءة: {مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] وقول الشاعر: أَلَمْ يَأتِيْكَ والأَنْبَاءُ تَنْمِي أو أنَّه أشبَع الكسْرة فصارتْ ياءً. (من البكاء) من مَجيءِ في سببيةً، أو هو حالٌ، أي: كائنةً في

71 - باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها

البكاء، أو من قيام حرفٍ مقام حرفٍ. (ففعلت)؛ أي: القول المذكور، ولم يقُل فقالت: كذا وكذا اختصارًا. (مه) كلمةُ زَجْرٍ. تقدَّم شرح الحديث. * * * 71 - بابُ تَسْوِيَةِ الصفُوف عِنْدَ الإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا (باب تَسْوية الصُّفوف) 717 - حَدَّثَنَا أبو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لتسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ". الحديث الأَوَّل: (لتسَوُّنَّ) جوابُ قَسَمٍ مقدَّرٍ، فلذلك أُكِّد بالنُّون، ففيه جواز الحَلِف من غير تحليفٍ. (أو ليخالفَنَّ) تقسيمٌ يتضمَّن أنَّ أحد الأمرَين لازمٌ، ووجْهه أنَّ الجزاء من جنس العمل، وأنَّ نقيض التَّسوية المُخالفة بإخراج صدْره

عن الصَّفِّ، فيؤدي إلى الضَّغائن، واختلافِ القُلوب. قال البَيْضَاوي: فالتَّرديد بين تسوية الصَّفِّ وبين ما هو كلازمِ نقيضِه، والمُفاعلة وإنِ اقتضَت المُشاركة، واللهُ لا شريكَ له، لكن معناها هنا: لتوقعنَّ المُخالَفة بقَرينة لفظ (بَيْنَ). (وجوهكم) يحتمل أنْ يُراد بالوجْه الذَّات، فالمُخالفة بحسب المَقاصد، ويحتمل أنَّه العُضْو المخصوصة، فالمُخالفة إما بحسَب الصُّورة الإنسانيَّة وغيرها، وإما بحسب القُدَّام والوَراء. وتقريره أنَّ المعنى؛ قال (ن): المعنى يَمسخُها ويحوِّلُها عن صُورتها ما في رواية: "يجعَلُ الله صورتَه صُورةَ حمارٍ"، وقيل: يغير صفتها، والظَّاهر أن معناه يوقع بينكم العداوة واختلاف القُلوب كما يُقال: تغيَّر وجْه فُلانٍ عليَّ إذا ظهَر لي من وجهه كراهةٌ؛ لأنَّ المخالفة في الصَّفِّ مخالفةٌ في الظَّواهر ينشأ منها اختلافُ البواطن. قال (ك): ويحتمل مخالفةُ الوجوه تحولَها إلى أدبارها، وهذا الوعيد لا يدلُّ على وجوب التسوية، بل هي سنةٌ؛ لأنَّ القصد به التَّغليظ والتَّشديد. * * * 718 - حَدَّثَنَا أبو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي".

72 - باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف

الحديث الثَّاني: (أقيموا)؛ أي: عدِّلُوا، مِن تقويم العُود. (أراكم) قال أحمد، والجمهور: رُؤية بالعَين حقيقةً، أي: خلَق الله له إدراكًا، إما من خلْف ظهره، وإما من عينه، فيرى مِن غير مُقابلةٍ، فإنَّ أهل السنَّة لا يشترطون في الرُّؤية بُنْيَةً مخصوصةً ولا مقابلةً، يبصر به من وراءه من خَرْق العادات كغيره؛ إذ لا مانعَ منه عقلًا، ووَرَد الشَّرع به فوجَب قَبولُه. * * * 72 - بابُ إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوف (باب إِقْبالِ الإمامِ) 719 - حَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاء، قَالَ: حَدَّثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرو، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ: حَدَّثَنَا أَنسٌ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَأقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "أقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي". (تَرَاصُّوا) بضَمِّ الصَّاد المُهمَلة المشدَّدة، أي: تَضَامُّوا، أو تلاصَقوا حتَّى يتصل ما بينكم ولا يَنقطع، ومنه: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].

73 - باب الصف الأول

(من وراء) هذا ظاهرٌ في أنَّ مبدأَ الرُّؤية ومنشأها من الوراء بأَنْ يخلق له قوَّةَ إبصارٍ من خلف ظهرِه كما من قُدَّامهِ، وعلى رواية عدم (من) السَّابقة يحتمل ذلك، ويحتمل أنَّ رُؤيته بالعين يبصر به من خلْفه (¬1) كما سبَق تقريره، وفي الكلِّ معجزةٌ له - صلى الله عليه وسلم -. * * * 73 - بابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ (باب الصَّفِّ الأَوَّل) 720 - حَدَّثَنا أَبُو عَاصِم، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الشُّهَداءُ: الغَرِقُ والمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْهَدْمُ". الحديث الأَوَّل: (الغَرِق) بكسر الرَّاء: الغَرِيْق. (والهَدْم) بسكون الدَّال، أي: المَهدُوم، انتسَب إلى الفِعْل مجازًا، وفي بعضها بكسرها، أي: الذي يَموتُ تحت ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: ولفظ الحديث الشريف: "تراصوا فإني أراكم من ورائي كما أراكم من أمامي".

74 - باب إقامة الصف من تمام الصلاة

الهَدْم، ومثلُه الحَرَق، وسبَق الحديث في (باب فضْل التَّهجير إلى الظُهر). * * * 721 - وَقَالَ: "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجيرِ لاَسْتَبقُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْح لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لاَسْتَهَمُوا". (المقدم) يشمَل الثَّاني بالنِّسبة إلى الثَّالث، والثَّالثَ بالنِّسبة إلى الرَّابع، وهلُمَّ جرًّا، وسبق شرحه في (باب الاستِهام في الأذان). * * * 74 - بابٌ إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ (باب: إقامةُ الصَّفِّ مِن تَمام الصَّلاةِ) 722 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَأَقِيمُوا الصَّفَّ

فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ". (فاركعوا) المراد التَّعقيب العُرفي، حتَّى يدخل فيه تأخُّره عن فعل الإمام بدون الرُّكنين الفعليَّين كما قُرِّر ذلك في الفقه. (جلوسًا) جمع جالِس. (أجمعون) تأكيدٌ لفاعل: صلُّوا، ويُنصب تأكيدًا: لجُلوسًا، وسبَق أنَّ ذلك منسوخٌ بما في مرَضه الذي توفي فيه من صلاته جالسًا وهم قيامٌ. (وأقيموا الصَّفَّ)؛ أي: عَدِّلوهُ. * * * 723 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ". (من إقامة الصَّلاة)؛ أي: تعديل أركانها، وحفْظها أنْ يقَع خللٌ في واجباتها ومندوباتها. قال التَّيْمي: فيه دليلٌ على أنَّ التسوية ليست بفرْضٍ؛ لأنَّ حُسن الشَّيء زيادةٌ على تمامه، فهو زائدٌ على الواجب. * * *

75 - باب إثم من لم يتم الصفوف

75 - بابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ (باب إثْم مَن لم يُتمَّ الصُّفوفَ) بفتح الميم المشدَّدة. 724 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَناَ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: مَا أَنْكَرْتُ شَيئًا إِلَّا أَنَّكمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ: عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ، بِهَذَا. (بُشَير) بضَمِّ المُوحَّدة، وفتح المُعجَمَة. (يوم) يجوز فيه الرَّفْع، والنَّصْب، والجر. (لا يقيمون) أعمُّ أن يكون بعدَم إتمام الصَّفِّ، أو بعدَم التَّسوية بين صُدور الرِّجال، فتدخل تحته التَّرجَمة بالإقامة، نعم، البُخاري فهم من الإنكار على من لم يُتمَّ وذمِّه أنَّه واجبٌ يأْثم بتركه، وإن كان الجمهور على أنَّه سنَّةٌ، وأنَّ الإنكار ليس للذَّمِّ الشَّرعي، بل للتَّغليظ والتَّحريض على الإتمام. قال التَّيْمي: لأنَّها من السُّنن التي يستحقُّ فاعلها المدحَ، وتاركها

76 - باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف

الذمَّ، وردَّه (ك): بأنَّه لا ذمَّ في النَّدب، وإلا فيلْزم أنَّ كلَّ مندوبٍ في الشَّرع واجبٌ. (عُقبة) هو أخو سعيد السَّابق. (بهذا)؛ أي: بالمذكور، والفرْق بين الطَّريقين أنَّ الأُولى روى فيها بُشير عن أنس، والثانية روى أنَّه شاهدَ الحالَ نفسَه، وقد وصلَ حديثَ عُقبةَ أحمدُ، وأبو نعيْم في "المُستَخرَج". * * * 76 - بابُ إلْزَاقِ الْمَنْكبِ بِالْمَنْكبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بُشِيرٍ: رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ. (باب إِلْزاقِ المَنْكِب) (وقال النُّعمان) وصلَه ابن خُزَيْمَة في "صحيحه"، وأبو داود، والدَّارَقُطْني في حديث أصلُه في "مسلم". (الكعب) هو العَظْم النَّاشِز من السَّاق والقدَم، وأنكر الأَصْمَعيُّ قولَ النَّاس: إنَّه في ظَهْر القدَم. * * *

77 - باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه، تمت صلاته

77 - بابٌ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ، تَمَّتْ صلَاَتُهُ (باب قِيَامِ الرَّجُل عن يَسَار الإمامِ) (خلفه) نصب بالظَّرفيَّة أو بنزع الخافض، والأصل: من خلفه، والضَّمير راجعٌ للإمام، أو الرَّجل، والإمام وإنْ كان أقربَ إلا أنَّ الفاعل وإنْ تأخَّر لفظًا فمقدَّم رتبةً، فتساويا. 726 - حَدَّثَنا قتيبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثنَا داودُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دينار، عَنْ كُرَيْبٍ مَولَى ابن عَبَّاس، عَنْ ابن عَبَّاس - رضي الله عنه - قَالَ: صلَّيتُ معَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَات لَيْلَةٍ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِه، فَأخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرَأْسي مِنْ وَرَائِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يمينه، فَصَلَّى وَرَقَدَ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ. (ذات ليلة)؛ أي: في ليلةٍ، و (ذات) مُقحَمةٌ، قال الزَّمَخْشَري: هو من إضافة المسمَّى إلى اسمه. وفيه: أنَّ نومه - صلى الله عليه وسلم - لا ينقُض وضوءه، وأنَّ الفعل القليل لا يُبطل، ومجيء المؤذِّن للإمام. * * *

78 - باب المرأة وحدها تكون صفا

78 - بابٌ الْمَرْأةُ وَحْدَهَا تَكونُ صَفًّا 727 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صلَّيْتُ أَناَ وَيتيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمِّي أُمُّ سُلَيمٍ خَلْفَنَا. (باب المرأة وحْدَها تكونُ صفًّا)، أي: في حكمِ صَفٍّ؛ لأنَّها لا تقف مع الرِّجال، وتقف وحدها، وإلا فالصفُّ يقتضي تعدُّدًا، وأنَّ جنْسَ المرأة يقف خلْفَ الرِّجال صفًّا. ففيه: أن السنَّة وقوف النِّساء (¬1)، فلو صلَّت المرأة بجنْبِ الرَّجل صحَّتْ خلافًا لقول الكوفيِّين أنها تُفسد صلاةَ الرَّجل. وفيه أنَّ الصبيَّ يكون في الصَّفِّ، وأنَّ الصَّفَّ يكون من اثنين فصاعدًا. وسبق بيان الحديث في باب الصَّلاة على الحصِير. * * * ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "يعني خلف الرجال".

79 - باب ميمنة المسجد والإمام

79 - بابُ مَيْمَنَةِ الْمَسْجدِ وَالإمَامِ (باب مَيمَنةِ المَسجدِ) 728 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخَذَ بِيَدِي أَوْ بِعَضُدِي حَتَّى أقامَنِي عَنْ يمينه، وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي. (أو بعضدي) الشَّكُّ من ابن عبَّاس، والجمْعُ بينه وبين ما سبَق في (باب إذا قام الرَّجل): (فأخذ برأسي): إنْ كانت القِصَّة متعددةً فلا إشكالَ، أو واحدةً؛ فيكون أخذَ أولًا برأسه، ثم بيده، أو بعضده، أو بالعكس. (وقال بيده)؛ أي: أشارَ. (من ورائي) يحتمل وراء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو وراءَ ابن عبَّاس. ووجه مطابقة التَّرجَمة بميمنة المَسجِد أنَّ المراد بها ميمنة الإمام. * * * 80 - بابٌ إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُترَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ.

وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإمَامِ. (باب إِذا كان بينَ الإمام وبين القَوم حائطٌ أو سُترةٌ) (نهر)، وفي بعضها: (نُهير) بالتَّصغير. (أبو مِجْلَز) -بكسر الميم، وسكون الجيم، وفتح اللام، وبالزَّاي- لاحق، بالمهملة والقاف، ابن حُميد. * * * 729 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي حُجْرتِهِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ أُناَسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحُوا فتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ لَيْلَةَ الثَّانِيَةِ، فَقَامَ مَعَهُ أُناَسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ فَقَالَ: "إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللَّيْلِ". (شخص) هو سوادُ الإنسان وغيرِه، يُرى من بُعدٍ، فلما كان ذلك باللَّيل لم يُبصروا الأسودة. (بصلاته)؛ أي: متلبِّسين، أو مقتَدين بها.

(فأصبحوا) تامةٌ، أي: دخلوا في الصَّباح. (الليلة الثَّانية) في بعضها وهي رواية أبي الوقت: (لَيلَةَ الثَّانيَة) من إضافة الموصوف إلى نفسه، أو بتقدير: ليلةِ الصَّبيحة الثَّانية، ونحو ذلك. (أناس) بمعنى نَاسٌ. (ذلك)؛ أي الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم -. (فلم يخرج)؛ أي: إلى الموضع المعهود الذي صلَّى فيه تلك اللَّيالي. (تكتب)؛ أي: تُفرَض، ولا تَعارض بين هذا وبين قوله في ليلة الإسراء: "لا يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ"، فإنَّ ذاك المراد به في التَّنقيص كما دلَّ عليه السِّيَاق، وأجاب (خ): بأنَّه كان يجب عليه التَّهجُّد، والأمة يجب عليهم التَّأسِّي بأفعاله حيث لم يكن من خصائصه، فترَك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الخروجَ إليهم في الرَّابعة، وترَك الصَّلاة فيها لئلَّا يدخل ذلك في الواجبات المكتوبة عليهم من طريق الأمر بالاقتداء به لا من إنشاء فرضٍ يُستأنف زائدًا، وهذا لا يدلُّ على زيادةٍ على المفروض في الأصل. وجوابٌ ثالثٌ: أنَّ الصَّلوات لمَّا فُرضت خمسين، ثم حُطَّ بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - معظمها تخفيفًا، فإذا تبرَّعوا بزيادةٍ لم يُستنكر أن تفرض عليهم، وقد ذكَر الله تعالى في النَّصارى أنهم ابتدعوا رهبانيةً ما كتبَها عليهم، ثم قصَّروا فلحقَهم اللَّومُ في قوله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ

81 - باب صلاة الليل

رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]، فأشفَق النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يكون سبيلُهم سبيلَ أولئك، فقطَع العمل به تخفيفًا عن أُمته. * * * 81 - بابُ صَلاَةِ اللَّيْلِ (باب صلاةِ اللَّيلِ) 730 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ، فَثَابَ إِلَيْهِ ناَسٌ، فَصَلَّوْا وَرَاءَه. الحديث الأَوَّل: (ابن أبي الفُدَيك) بضَمِّ الفاء، وفتح المُهمَلة، دخلتْ فيه اللَّام للَمْح الأصل. (يحتجره) أي: يتخذُه حُجْرةً، أي: كالحظيرة، أي للصلاة؛ فإنَّه يأمن بذلك المرور، ويتوفَّر له الخُشوع، وفراغ القلب، وهو وجْه دُخوله في التَّرجَمة، يدلُّ عليه ما بعدَه. (فثاب) بالمُثلَّثة، يقال: ثابوا: إذا اجتمعوا وجاؤوا، وفي بعضها: (ثَارُوا) من الثَّوَران، وهو الهيَجان، ويُروى: (فآبَ) بالمدِّ، وعليه اقتصر

(خ)، قال: أي: جاؤوا من كل أَوْبٍ وناحيةٍ، وأصلُه الرُّجوع، كما في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] أي: الرَّاجعين إليه بالتَّوبة، قال (ش): ولم يَذكر أهلُ الغَريب غيره. * * * 731 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً -قَالَ: حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ:- مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ ناَسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: "قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ". 731 / -م - قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى، سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ، عَنْ بُسْرٍ، عَنْ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثَّاني: (قال حسبت)؛ أي: قال بُسْرٌ: ظنَنْتُ. (جعل)؛ أي: طَفِقَ. (صنيعكم)؛ أي: حِرْصكم على التَّراويح. (المكتوبة)؛ أي: المفروضة، وبظاهر هذا قال الإمام مالك، وأنَّ

التراويح تُصلَّى فُرادى لا جماعةً، وخالفه الثَّلاثة، فاستحبُّوا فيها الجماعة كما فعل عُمر والصَّحابة، واستمرَّ عليه عمل المسلمين؛ لأنَّه من الشَّعائر كالعيد، وأجابوا عن الحديث بأنَّ ذلك خشية أن تُفترض، وبعد وفاته أُمن ذلك، وهو الجواب عن العيد ونحوهما. وفيه جواز الاقتداء بمن لم يَنوِ الإمامةَ، فإنْ نوى عند اقتدائهم حصَل له فضيلةُ الجماعة، وإلا حصَل لهم دونه؛ فإنَّ الأعمال بالنيَّات، وأنَّ الكبير إذا فعَل شيئًا خلاف ما يتوقَّعه أتباعُه يَذكر لهم عُذْرَه وحِكْمَته. قال (ن): وفيه الإشارة إلى ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الزُّهد في الدُّنْيا، والاكتفاء من متاعها بما لا بُدَّ منه، وجوازُ النَّفْل في المَسجِد، والجماعةُ في غير المكتوبة، وتركُ بعض المصالح لخوف مفسدةٍ أعظم، أي: كحصول الرِّياء، وشفقته على الأُمة، ولفظ: "أفضلُ الصَّلاة"، وإنْ كان عامًّا، لكن يخصَّص بما ليس من شعائر الإسلام كالعيد، والكسوف، والاستسقاء، والتَّراويح على الأصحِّ. ونازع في أنَّ هذه الحُجْرة في المَسجِد؛ لأنَّه قال: صلُّوا في بيوتكم، فلا يأمرهم بشيءٍ ويفعل غيره مما ليس أفضلَ، فإنْ كان صحَّ أنَّ ذلك في المَسجِد، فيُجاب بأنَّه لمَّا احتجَره صار لاختصاصه به كأنَّه بيتُه، أو لأنَّ القَصْد بالبيت عدَم الرِّياء، وهو معصومٌ منزهٌ عن الرِّياء وغيره. ولا يخفى فيما قالَه من النَّظَر؛ لأنَّ كونه في المَسجِد أفضليةٌ باعتبار الاعتكاف، فلم يفعل إلا الأفضل. * * *

أبواب صفة الصّلاة

أبواب صفة الصلاة

أبواب صفة الصّلاة 82 - بابُ إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلاَةِ (باب إِيْجابِ التَّكبير)؛ أي: للإحرام، فلا يقومُ مقامه تسبيحٌ ولا تهليلٌ؛ لأنَّه محلُّ اتباعِ، وإنْ كان القصد افتتاح الصَّلاة بتعظيم الله ونعتِه بصفات الكمال، وهذا أوَّلُ (أبواب صفة الصَّلاة). 732 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ فَرَسًا، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، قَالَ أنَس - رضي الله عنه -: فَصَلَّى لَنَا يَوْمَئِذٍ صَلاةً مِنَ الصَّلواتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّينَا وَرَاءَهُ قُعُود، ثُمَّ قَالَ لمَّا سَلَّمَ: "إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وإذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ".

الحديث الأَوَّل: (جُحِش) بضَمِّ الجيم، وكسر المُهمَلة، ثم شين معجمة، أي: خُدِشَ. (سمع الله)؛ أي: أجاب دُعاءَ الحامدِين. قال الإِسْماعِيْليُّ: ليس في هذا الحديث تعرُّضٌ للتَّكبير ولا للافتتاح به، ولا في الحديث بعدَه إيجابُه بل إيجاب متابعته في التَّكبير، وأنهم لا يَسبقونه. قال (ك): إنَّ في هذا الحديث دلالةً على الجزء الثَّاني من التَّرجَمة؛ لأنَّ لفظ: (إذا صلَّى قائمًا) يتناول كونَ الافتتاح حالةَ القيام، وكأنَّه قال: إذا افتتَح الإمام بالصَّلاة قائمًا فافتتحوا قائمين إلا أن يُقال: الواو بمعنى مع، أي: مع الافتتاح، فالمُطابقة للترجمة مشكلةٌ، وقد يُقال: عادة البُخاري أنْ يذكر مع الحديث المُناسب للترجمة ما يُناسب ذلك الحديث وإنْ لم يتعلَّق بالتَّرجَمة. * * * 733 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ: أنَّهُ قَالَ: خَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ، فَصَلَّى لنا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: "إِنَّمَا الإمَامُ -أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ- لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وإذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،

فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا". 734 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبنَّا وَلَكَ الْحَمْدُ، وإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". الحديث الثَّاني والثَّالث: (أو إنَّما جعل) شكٌّ من الرَّاوي في زيادة لفظ: (جُعِل). (فكبروا) الأمر للوُجوب، وهو موضعُ الدَّلالة على التَّرجَمة، وسبَق استِشكال الإِسماعِيلي إيَّاه، وأيضًا فيقتضي وجوبَ قول: (ربَّنا ولك الحمْد)؛ لأنَّه مأمور به، إلا أنْ يُقال: صرَفَ عن هذا الإجماعُ على عدم وجوبها. (لك الحمد) وفي الرِّواية السَّابقة: (ولَكَ)، بالواو، وهما سواءٌ كما قال أصحابنا. قال (ن): على رواية ثُبوت الواو يكون: ربَّنا، متعلقًا بما قبلَه أي: سمع الله لمن حمده، يا ربَّنا، فاستَجِبْ حمدَنا ودُعاءَنا، ولك الحمد على هِدَايتنا. قال (ك): لا يمكن أن يتعلَّق بما قبلَه؛ لأنَّه كلامُ المأموم، وما قبلَه كلام الإمام بدليل (فقولوا)، بل هو ابتداء كلامٍ، (ولك الحمد) حالٌ منه،

ولا يجعل عطفًا على: (أدعوك)؛ لأنَّها إنشائيةٌ، وهذه خبريةٌ. قلتُ: دعواه أنَّ: سمع الله لمَنْ حمده، من كلام الإمام عجيبٌ؛ فإنهما معًا للإمام والمأموم والمنفرد، وإنَّما سَمعَ للنُهوض، وربَّنا لك الحمد ذكْرُ الاعتِدال كما سيقوله هو من بعدُ، كذلك جعله تخالفهما في الخبر والإنشاء فيه نظرٌ، بل هما مستويان في أنهما خبرٌ بمعنى الإنشاء، وقال في "شرح السُّنَّة": إنْ عُطف: ولك الحمْد على مضمرٍ متقدِّمٍ. قال (ك): في النُّسخة المنسوبة للفِرَبْري: قال أبو عبد الله: قال قُتيْبة: قال لي أبو سعيد الحدَّاد: ما قوله سمع الله لمن حَمِدَه؟ قلتُ: ما هو؟ قال: أجابَ اللهُ لمن دَعاه. واعلم أنَّ ظاهر الحديث أنَّ المأموم لا يزيد على: ربَّنا لك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، فأجاب الشَّافعية عنه في قولهم: يجمع بينهما الإمام والمأموم والمنفرد؛ لأنَّه ليس في الكلام حَصْر، وأيضًا فقد ثبَت الجمْع بينهما من فعْل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "صَلُّوا كمَا رأَيْتُموني أُصَلِّي"، فسَمع للارتفاع، والآخر للاعتدال. وفي الحديثين أنَّه يُستحبُّ للإمام الجهْر بسَمع الله لمن حمدَه، ووجوبُ متابعة الإمام، فيكبِّر للإحرام بعد فَراغ الإمام منه، فإنْ شَرع قبل فراغه لم ينعقد؛ لأنَّ الإمام لا يدخل في الصَّلاة إلا بالفَراغ من التَّكبير، فالاقتداء به في أثنائه اقتداءٌ بمن ليس في صلاةٍ بخلاف الرُّكوع

83 - باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء

والسُّجود ونحوهما، ويركع بعدَ شُروع الإمام في الرُّكوع، فإنْ قارنَه أو سبقَه فقد أساءَ، ولا تَبطُل، وكذا في السُّجود، ويُسلِّم بعد سلامه، فإنْ سلَّم قبلَه بطلَتْ إلا أن يَنويَ المُفارقة، أو معه فلا تبطُل؛ لأنَّه تحلَّل، ولا حاجةَ فيه للمتابعة بخلاف السَّبْق فإنَّه منافٍ للاقتداء، وسبق مباحث كثيرةٌ في الحديث في (باب إنَّما جُعل الإمام ليُؤتَمَّ به)، وأنَّ (فصلوا قعودًا) منسوخٌ بما ثبت في آخر عمره - صلى الله عليه وسلم -. * * * 83 - بابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكبِيرة الأُولَى مَعَ الاِفْتِتَاحِ سَوَاءً (باب رفْع اليدَين في التَّكبيرة الأُولى مع الافتِتاح سواءً)؛ أي: افتتاح التَّكبير، أو افتتاح الصَّلاة، وهما متلازمان. 735 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَفَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبنَّا وَلَكَ الْحَمْدُ"، وَكانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ. (كذلك)؛ أي: حَذْو مَنْكبَيه.

84 - باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع

(رفعهما) هو جواب قوله: (وإِذَا رفَعَ)، بقرينة عطف: وقال سَمع الله لمن حمدَه. (وإذا كبر) عطفٌ على (إذا افتَتح). (ولك الحمد) دليلٌ على أنَّ الإمام يقولهما معًا. (وذلك)؛ أي رفْع اليدَين. * * * 84 - بابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ (باب رفْع اليدَين إذا كبَّر)؛ أي: للافتتاح. 736 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُوناَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِيْنَ يُكَبِّرُ للرُّكُوعِ ويَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأَسَهُ مِنَ الرُّكوُعِ وَيَقُولُ سِمِعَ اللهُ لمِنْ حَمِدَه، ولا يَفْعَلُ ذلِكَ في السُّجُودِ. الحديث الأَوَّل: (قام في الصَّلاة) لا يخفَى الفرْق بينه وبين: قامَ لها. * * *

737 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُويرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ هَكَذَا. الثَّاني: (خالد) الأَوَّل هو: الطَّحَّان، والثَّاني: هو الحَذَّاء. (وإذا أراد أن يركع) إنَّما ذكَر الإرادة هنا؛ لأن الرَّفْع فيه عند إرادته بخلاف رفعهما في رفع الرَّأس منه، فإنَّه عند نفْس الرَّفْع لا عند إرادته، وكذا في: (إذا صلَّى كبَّر) التَّكبير عند فعل الصَّلاة. (وحدث) الجملة حاليَّةٌ لا عطفٌ على رأَى، لأن المُحدِّث مالك، والرَّائي أبو قِلابَة. واعلم أنَّ الإجماع على الرَّفْع في تكبيرة الإحرام، وأما عند الرُّكوع والرَّفْع فعند الشَّافعي، وأحمد، خلافًا لأبي حنيفة، ومالك في أشهر الرِّوايات عنه، ورُوي عن بعض الحنفية بُطلان الصَّلاة به. أما حِكْمةُ الرَّفْع، فقال الشَّافعي: معناه: فعلته إعظامًا لله واتباعًا لرسوله، وقال غيره: استكانةٌ واستسلامٌ وانقيادٌ، وكان الأسير إذا غُلِبَ يَمدُّ يدَيه علامةً لاستسلامه، وقيل: إشارةٌ لاستعظام ما دخَل فيه، وقيل: إلى طَرْح الدُّنْيا، والإقبالِ على صلاته، ومناجاة ربِّه عز وجل. * * *

85 - باب إلى أين يرفع يديه؟

85 - بابُ إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: رَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ. (باب: إلى أين يَرفعُ يدَيه؟) (وقال أبو حُميد) يأتي مطوَّلًا في (باب سنَّة الجلوس في التَّشهُّد). (في أصحابه) يحتمل أنَّ المُراد قاله بينهم، أو أنَّه من جملتهم، وكلُّهم قائلون، والمراد بأصحابه: الصَّحابة. ونقل التَّيْمي عن قومٍ استحباب الرَّفْع في كل خفْضٍ ورفْعٍ، وأنَّ أبا حُميد فعَل ذلك في عشَرةٍ من أصحابه. * * * 738 - حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ قَالَ: أَخْبَرناَ شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْريِّ قَالَ: أَخْبَرَناَ سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وإِذَا قَالَ: سَمعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلاَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ. (حذو منكبيه) قال (ن): في رواية أُخرى: (حتَّى يُحاذيَ بهما

أُذُنيَهِ)، وقال: في روايةٍ ثالثةٍ: (حتَّى يُحاذِيَ فُروعَ أُذُنيَهِ)، فجمَع الشَّافعي بينها بأنَّه يرفع يديه حَذْو مَنكِبيه بحيث تُوازي أصابعُه فُروعَ أذنيه، أي: أَعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتي أُذنيَه، وراحتاه مَنكِبيه، فاستَحسن النَّاس ذلك منه. وأما وقت الرَّفْع، ففي رواية: (رفَعَ يدَيهِ ثم كبر)، وفي أُخرى: (ثم رفع يديه)، وفي الثَّالثة: (إذا كبر رفع يديه)، ولأصحابنا فيه أوجهٌ: أحدها: يرفع غيرَ مُكبِّر، ثم يبتدئ التَّكبير مع إرسال يدَيه، ويُنهيه مع انتهائه. والثَّاني: يرفع غيرَ مُكبِّر، ثم يكبِّر ويداه قارَّتانِ، ثم يُرسلهما. والثَّالث: يبتدئ بالرَّفْع مع ابتداء التَّكبير، ويُنهيهما معًا. والرابع: يَبتدؤُهما ويُنهي التكبير مع انتهاء الإرسال. والخامس: وهو الأصحُّ: يبتدئ الرَّفْع مع ابتداء التكبير، ولا استحباب في الانتهاء، فإنْ فرَغَ من أحدهما قبل الآخر ويُتمُّه، وإنْ فرغ منهما حطَّ يدَيه، ولم يَستدِم الرَّفْع. ثم الأصحُّ أنَّه إذا أراد إرسالَهما أرسلَهما إرسالًا خفيفًا إلى تحت صدْره فقط، ثم يضَعُ اليمين على اليَسار، وقيل: يُرسلهما إرسالًا بليغًا، ثم يَستأنف رفْعَهما إلى تحت الصَّدر. وفي الرَّفْع باعتبار الأَوجُه الخمسة بالنَّظَر إلى الرِّوايات الثَّلاث

86 - باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين

السَّابقة، وباعتبار الإرسال الخفيف والبالغ يجتمع ثلاثون وجهًا. قال الطَّحَاوي: إنَّما كان الرَّفْع للمَنكِبين لمَّا كانتْ أيديهم في ثيابهم، وإلى الأُذنين حين كانت أيديهم بادِيَةً، روي عن أبي وائل، قال: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَرفع يدَيه حِذاء أُذنيه، ثم أتيتُ في العام المُقبل وعليهم الأَكْسية والبَرانِس، فكانوا يرفعون أيديَهم إلى مَناكبهم. * * * 86 - بابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ (باب رفْع اليدَينِ إذا قامَ من الرَّكعتَين) 739 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفعَ يَدَيْهِ، وإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نبَيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا. (دخل)؛ أي: أراد الدُّخول.

87 - باب وضع اليمنى على اليسرى

(ذلك)؛ أي: بالرَّفْع المذكور، والمرفوع: ما أُضيف للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من قولٍ أو فعلٍ. قال التَّيْمي: الرَّفْع من طريق نافع زيادةٌ على ما في طريق سالم، فيَجب قَبولُها، وليس في حديث ابن شِهَاب ما يَدفَعُها، بل فيه ما يُثبتُها، وهو: وكانَ لا يَفعلُ ذلك بين السَّجْدتَينِ، أي: يفعلُهما في خفْضٍ ورفْعٍ ما عدا السُّجود. (ورواه حَمَّاد) وصلَها البُخاري في جُزء "رفع اليدَين" له، والسَّرَّاج، والبيهقي. (وابن طَهْمان)؛ أي: إبراهيم، وصلَها البيهقي. * * * 87 - بابُ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى (باب وضْع اليُمنى على اليُسْرى) 740 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: يَنْمِي.

88 - باب الخشوع في الصلاة

(أن يضع الرَّجل)؛ أي: بأنْ يضَع، والأصل: تَضَعُون، فوضَع المُظهَر موضِعَ المُضمَر، وحِكْمة ذلك أنَّ القائم بين يدَي الملك الجبَّار يتأَدَّب بوضْع يده على يده، ويُطأْطئ. (لا أعلمه)؛ أي: الأمر، إلا أنَّ سهلًا يَنْمِيْه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: يُسنده ويَرفعه إليه. (قال إسماعيل: يُنْمى)؛ أي: بالبناء للمفعول. (ولم يقل) أبو حازِم: (يَنْمي) بالبناء للفاعل، حتَّى يكون هو الذي نَماه بخلاف الأَوَّل. قال التَّيْمي: وضْع اليُمنى على اليُسرى رُوي عن أبي بكر، وعلي، وقال طائفةٌ: يُرسلهما، وَحُكِي ذلك عن مالك. قال النَّوَوي: رواها عنه جمهورُ أصحابه، وهي عندهم الأشهر. * * * 88 - بابُ الْخُشُوع فِي الصَّلاَةِ (باب الخُشوعِ في الصَّلاةِ)؛ أي: الذي قد مَدَح اللهُ تعالى فاعلَه فقال: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2]، قال ابن عبَّاس: أي: خائِفون ساكنون. 741 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ

89 - باب ما يقول بعد التكبير

الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَهُنَا؟ وَاللَّهِ! مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ، وَإِنّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي". الحديث الأَوَّل: (هل ترون) استفهامُ إنكارٍ. (قبلتي)؛ أي: مُقابَلَتي ومُواجهَتي، أو المعنى: لا تَرَون قَصْدي، ورُؤيتي في طرَف القِبْلة فقط، أو أنَّه مِن إرادة لازمِ التَّركيب؛ لأنَّه يلزم أن تكون جهةُ قِبْلته هي جهة رُؤيته، واللهِ لأراكم من غيرها، وسبَق بيان معنى رُؤيته من خلْفه في (باب تسوية الصُّفوف)، وقال بعضهم: (مِن بَعدي)، أي: من بَعد وفاتي، وهو بعيدٌ من سِيَاق الحديث. وفيه النَّهي عن نُقصان الرُّكوع والسُّجود، وجوازُ الحَلِف لتأكيد القِصَّة وتحقيقها. * * * 89 - بابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ (باب ما يَقُول بعدَ التَّكبير) 743 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَر - رضي الله عنهما - كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ

بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. الحديث الأَوَّل: (يفتتحون الصَّلاة)؛ أي: قراءةَ الصَّلاة، أو أطلقَ الصَّلاةَ على القراءة، فهو مجازُ حَذْفٍ، أو استعارةٌ. (بالحمدُ) بضَمِّ الدَّال على الحكاية، وليس فيه دلالةٌ على تَرْك البَسملة؛ لأنَّ المراد الافتتاح بالفاتحة قبل السُّورة، وهذا اسمُها، كما يُقال: يفتَتح بالبقرة، أي: بسورة البقرة، فلا تَعَرُّض فيه لكون البسملة منها أوْ لا، ولكنْ قامت الأدلَّةُ للشَّافعي على إثباتها منها. * * * 744 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاع، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةًى -قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْني وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءَ وَالثَّلْج وَالْبَرَدِ". الثَّاني: (يسكت) من السُّكوت، وفي بعضها من الإفعال، فالهمزة للضَّرورة.

قال الجَوْهَري: يقال تكلَّم الرَّجل ثم سكَت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه، فلم يتكلَّم قيل: أُسكِتَ. (إسكاتة) معناه سُكوتًا يقتضي كلامًا بعدَه. (هُنَيئة) بهاءٍ مضمومةٍ، وهمزةٍ. قال (ع): على رواية الجمهور، وقال (ن): بتشديد الياء بلا همزٍ تصغيرُ هَنَة، أي: قليل الزمان، ويقال: هُنَيهة أيضًا، أي: بإبدال الياء الثَّانية هاءً. قال (ك) في (هنيِّئة): بالتَّشديد أصلها: هَنْوةٌ، كلمةٌ يُكنى بها عن شيءٍ، فلما صُغِّرت قُلبت الواو ياءً وأُدغمت في الياء، ومَنْ هَمَزهُ فقد أخطأ، انتهى. وقد سبق عن (ع): أنَّها رواية الجمهور، فكيف تكون خطأً. (بأبي) متعلِّقٌ باسمٍ أو فعلٍ محذوفٍ؛ لكثْرة الاستعمال، أي: أنت مُفَدًّا، أو فديتُك بأبي. (إسكاتك) قال المظهري في "شَرح المَصابيح": فالنَّصْب بفعلٍ مقدَّرٍ، أي: أسألُك إسكاتَك، أو نصب بنَزْع الخافض، أي: في إسكاتك. (ما تقول) لا يُنافي كونه إسكاتةً؛ لأنَّ المراد تَرْكُ رفْع الصَّوت بالكلام بالنِّسبة إلى ما بعدَه لا تَرْك الكلام أصلًا. (باعد) عبَّر بالمفاعلة مبالغةً.

(وبين خطاياي) هو تعليمٌ للأُمة بمعنى المَحْو لمَا مضَى لهم، والإحالة بينه وبين ما يُخشى من وقوعه في المُستقبل، وأما هو - صلى الله عليه وسلم - فمعصومٌ، فالمعنى فيه زيادة التَّأكيد في العصمة منه، والبُعد عنه، وأعاد لفظ: (وبَيْن) هنا، ولم يقل: وبَيْن المَغرب؛ لأن العطف على الضَّمير المخفوض يُعاد معه العاملُ بخلاف الظَّاهر. (الدنس): الوسَخ. (بالثلج) الإنقاءُ للوسَخ بالماء الحارِّ وإنْ كان عُرفًا أبلغَ، لكنْ ذُكرتْ هذه الأُمور مبالغةً في التَّطهير، كما أشار إليه البَغَويُّ، وكذا قال (خ): هي أمثالٌ لم يُرَد بها أعيانُها بل التَّوكيد، والثَّلج والبَرَد لكونهما لم تَمسَّهما الأيدي، ولا امتهنَها استعمالٌ، فضَرْبُ المثَل بهما أَوْكَدُ، وقال التُّورِبِشْتي: نوَّعَ المنزل من السَّماء الذي لا تحصل الطهارة الكاملة إلا به تِبْيانًا لأنواع المغفرة التي لا تَخلُّصَ من الذُّنوب إلا بها، أي: طَهِّرْني من الخطَايا بأنواع مغفرتك، وقال الطِّيْبي: يمكن أن يكون ذكْر الثَّلج والبَرَد بعد الماء لطلَب شُمول الرَّحمة بعد المَغفرة، والتَّركيب من باب: رأيتُه متقلِّدًا سيفًا ورُمحًا أي: اِغْسِلْ خطايايَ بالماء، أي: اغْفِرْها، وزِدْ على الغُفران شُمول الرَّحمة، فطلَب أوَّلًا المُباعَدة، ثم التَّنقية مما عسى أنْ يُنقَّى، ثم ثالثًا غاية الرحمة.

90 - باب

قال (ك): الأقْرب أنَّ الخطايا بمنزلة النَّار؛ لأنَّها سببُها، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23]، فعبَّر عن إطفاء حرارتها بالغَسل تأكيدًا في الإطفاء، وبالَغ بما هو أَبْرد، وهو الثَّلج، ثم أبرد منه، وهو البَرَد بدليل جُموده؛ لأنَّ ما هو أبرد أجمد، وأما تثليث الدَّعَوات فيحتمل أنَّه باعتبار الأزمنة الثَّلاثة المُباعِدة للمُستقبل، والتَّنقية للحال، والغَسْل للماضي. وفي الحديث دليلٌ للثَّلاثة على مالكٍ في قوله: لا يُستحبُّ دُعاء الافتتاح، وجوازُ سؤال الإمام عن حِكْمة فعله، قيل: ومنْعُ التَّطهير بالماء المستعمل؛ لأنَّ الخطايا المغسولة بالماء الذي يتطهَّر به بمنزلة الأوضار الحالَّة في المغسولات المانعة من التَّطهير بها. * * * 90 - بابٌ 745 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ناَفِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ

رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: قَدْ دَنَتْ مِنِّي الجنَّةُ حَتَّى لَو اجْتَرَأْتُ عَلَيهَا لجَئِتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أَيْ رَبِّ! وَأَناَ مَعَهُمْ، فَإِذَا امْرَأةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لاَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ". قَالَ ناَفِعٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: "مِنْ خَشِيشِ أَوْ خُشَاشِ". الحديث الثَّالث: (اجترأت) من الجَرَاءَة، وهي: الجَسَارة، وإنَّما تكون جَراءةً لأنَّها بغير إذنٍ بالأخْذ. (بقطاف) بكسر القاف: جمع قِطْفٍ، وهو العُنْقود. (أو أنا) الهمزة للاستفهام، والواو عطفٌ على مقدَّر بعدها، كما سبَق مرَّاتٍ، وفي بعضها بلا همزةٍ، لكن مقدَّرةٌ. (حسبت أنَّه قال: تخدشها) هو من قول أبي هُريرة، والضَّمير في ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (خشيش)، قال (ك): بفتح المُعجَمَة: حشَرات الأرض وهوامُّها، والخِشاش -بالكسر- الذي يدخل في عَظْم أنف البعير، وهو من خشَب، والبُرَّة من صُفْر، والخُزَامة من شَعر، والحشَرات أيضًا، وقد تفتح بهذا المعنى الأخير، ثم نقل عن (خ): أن الخَشيش ليس بشيءٍ، إنَّما هو الخَشاش -بالفتح- الحشَرات.

91 - باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة

وقال (ش): خُشيش بضَمِّ الخاء، وبالشِّين المعجمتين: تصغير ما بعده، ثم قال: والخشاش -مثلَّث الخاء- هوامُّ الأرض، وقيل: نبَاتُها، وقال (ع): ويُروى بالحاء المُهمَلة فيهما، وهو وهمٌ. وفيه أنَّ صلاة الخُسوف رَكعتان في كل ركعةٍ ركوعان، وأنَّ الجنة والنَّار مخلوقتان اليوم، وأنَّ تعذيب الحيوانات غير جائزٍ، وأنَّ من ظُلم منها يُسلَّط على ظالمه يوم القيامة. ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ في قراءة دعاء الافتتاح تطويلٌ للقيام، وصلاة الكسوف فيها تطويلٌ في القيام. * * * 91 - بابُ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ: "فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ". (باب رفع البصَر إلى الإمام) (وقالت عائشة) وصلَه البُخاريُّ في (باب إذا انفلَتت الدَّابَّة في الصَّلاة). (رأيت) في بعضها: (فرأيت)، فيكون عطفًا على المذكور في حديث صلاة الكسوف المُطوَّل.

(يَحطِم) بكسر الطَّاء، أي: يَكسِر، أو يَأكُل، والحُطَمَة من أسماء النَّار؛ لأنَّها تَحطِمُ ما تَلقَى. * * * 746 - حدثنا مُوسَى قالَ: حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قال: حدَّثنا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أبِي مَعْمَرٍ قالَ: قُلْنا لِخَبَّابٍ: أكانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ والعَصْرِ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْنا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. الحديث الأَوَّل: (أبو مَعْمَر) هو عبد الله بن سَخْبَرة. (خَبَّاب) بفتح المُعجَمَة، وتشديد المُوحَّدة: ابن الأَرَتِّ بتشديد المُثنَّاة. (يقرأ)؛ أي: غير الفاتحة؛ إذ لا شكَّ في قراءتها. (بم)؛ أي: بما، فحُذفت الألف تخفيفًا. (باضطراب)؛ أي: بحركةٍ. (لحيته) بكسر اللام، وفتحها: تَثنية (لَحَى) تصحيفٌ، فإنْ صحَّت الرِّواية فالمعنى صحيحٌ. * * *

747 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَناَ أَبَو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ -وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ- أَنَّهمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ. الثَّاني: (أنبأنا) قد يُطلَق في الإجازة، بخلاف أخبرنا فلا يُطلق بل يقال: أخبَرنا إجازةً. (وهو كذوب) سبَق بيانُه في (باب متَى يَسجُد مَنْ خَلْفَ الإمام). (قاموا) جوابُ (إذا). (قيامًا) مصدرٌ. (حتَّى يرونه) علي بناء الحال، وفي بعضها: (يَرَوْهُ)، بالنَّصْب على الاستِقبال. * * * 748 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، قَالَ: "إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا".

الثَّالث: (إسماعيل) هو ابن أبي أُوَيْس، كذا هو في "المُوطَّأ"، وزعم بعضهم أنَّه إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأنه إنَّما رواه عن القَعْنَبي، عن مالك. (خُسفت) من استعمال خسف في الشَّمس، والأكثر استِعماله في القمَر، والشَّمس كُسِفَت بالكاف. (فصلى)؛ أي: صلاةَ الكُسوف. (تناولت) في بعضها: (تَناوَل) مضارعًا حُذفت منه إحدى التَّاءين. (تكعكعت)؛ أي: تأخَّرتَ ورجَعتَ وراءَك. قال (خ): أصله: تكَعَّعَ تَفعَّل، فدخلت الكاف لئلَّا يجتمع حَرفان من نوعٍ واحدٍ، وهو ثقيلٌ. قال الجَوْهَري: كَعْكَعتُه فتكعْكَعَ، أي: حبَستُه فانحبَس، وتكَعْكَع، أي: جَبُن. (عُنقودًا) بضَمِّ العين. (ولو أخذته) دليلٌ أنَّه لم يَأْخذ، فيجب تأويلُ: تَناولتُ، أي: أردتُ التَّناول، أو إظهار تكلُّف الفعل لا حقيقة، أو تَناولتُه لي، ولو أخذتُه لكم. قال التَّيْمي: لم يأخذْه لأنَّه من طعام الجنَّة، وهو لا يَفنى، ولا يُؤكل في الدُّنْيا إلا ما يَفنى، لأنَّها للفَناء لا للبَقاء، واختصَر في هذا

الحديث الجَواب عن التَّأَخُّر، وذكَره في سائر الرِّوايات أنَّه لدُنوِّ نارِ جهنَّم. * * * 749 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ رَقَا الْمِنْبَرَ، فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجدِ ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجدَارِ، فَلَمْ أَرَ كالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ"، ثَلاَثًا. (رَقِي) بكسر القاف، أي: صَعِد. (قِبَل)؛ أي: ناحيةَ. (الآن) ظرفٌ بمعنى الوقْت الذي أنت فيه، واللام فيه ليستْ معرفةً؛ لأنَّه ليس له ما يُشارِكه، حتَّى يُميَّز، ولا يُشكل عليه أنَّ رأَى للماضي، فكيف يجتمع مع الحال؛ لدُخول (قد)، فإنَّها تُقرِّب للحال. (منذ) يجوز أن تكون حرْفًا، وأن تكون اسمًا مبتدأً، والخبر ما بعده، والزَّمان مقدَّرٌ قبل (صلَّيت)، وقال الزَّجَّاج بعكس ذلك. (صليت) للمضيِّ قطعًا، فاجتماعه مع الآن؛ إما كما قال ابن الحاجب: أنَّ كلَّ مُخبِرٍ أو منشئ فقَصْدُه الحاضِر، فمثْل:

92 - باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة

(صليت) يكون للماضي الملاصِق للحاضر، أو أنَّه أُريد بالآن: ما يقال عُرفًا أنَّه الزَّمان الحاضِر لا اللَّحظة الحاضرة المسمَّاة بالحال التي لا تَنقسِم. (ممثلتين)؛ أي: مُصوَّرتَين، قيل: عُرِضَ عليه مثالهما، وضُرب له ذلك في الحائط كما جاء: في عُرْض الحائِط، ولكن لا يَمتنع أنَّه رآهما حقيقةً في جهة قِبْلة الجدار وناحيته. (في الخير والشر)؛ أي: أحوالِهما. (ثلاثًا) متعلِّقٌ بـ (قال). ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّه فيه رفْع بصر الإمام للشَّيء، فرفْع البصَر للإمام مثله، أو هو مختصرٌ من حديث صلاة الكُسوف الذي ثبَت فيه رفْع البصَر للإمام. * * * 92 - بابُ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ (باب رفْع البصر إلى السَّماء) 750 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَناَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ: أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى

السَّمَاءَ فِي صَلاَتِهِمْ"، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: "لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ". (ابن أبي عَرُوبة) اسمه: سَعيد. (ما بال)؛ أي: حالُ. (أقوام) أبهم لئلَّا ينكسر خاطر مَن يَعْنيه؛ لأنَّ النصيحة على رُؤوس الأَشهاد فَضيحةٌ. (لينتهُنَّ) جواب قسمٍ محذوفٍ، وهو بضَمِّ الهاء دلالةً على واو الضَّمير المحذوفة؛ إذ الأصل: يَنتَهُون. (ذلك)؛ أي: رفع البصَر. (لَتُخْطَفَن) بضَمِّ أوَّله، وفتح الفاء، على البناء للمفعول، أي: العَمَى، فهو تهديدٌ عظيمٌ. قال الطِّيْبِي: أحد الأَمرَين واقعٌ، فهو خبَرٌ في معنى الأمْر، أي: ليَكُنْ منكم الانتهاءُ عن الرَّفْع، أو خَطْف الأبصار من الله، وإنَّما لم يكُن محرَّمًا للإجماع على عدَم الحُرمة، فكان مكروهًا. أما رفْعُ البصر إلى السَّماء في غير الصَّلاة من دُعاءٍ ونحوه، فجوَّزه الأكثرون كما قال (ع)؛ لأنَّ السَّماء قِبْلة الدُّعاء كالكعْبة قِبْلة الصَّلاة، وكَرِهه آخرون. * * *

93 - باب الالتفات في الصلاة

93 - بابُ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ (باب الالتِفَاتِ) 751 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: "هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ". الحديث الأَوَّل: (أبو الأَحْوَص) بفتح الهمزة، وسُكون المُهمَلة، وفتح الواو، وصادٍ مُهمَلة. (سَلَّام) بتشديد اللام: ابن سُليم بضَمِّ أوَّله. (اختلاس) افتِعال من الخَلْس، وهو السَّلْب، قال في "النِّهاية": الخِلْسة: ما تُؤخذ سَلْبًا ومكابَرةً. قال الطِّيْبيُّ: المعنى: أنَّ مَن التفتَ ذهب خُشوعه، فاستُعير لذهابه اختلاسُ الشَّيطان تصويرًا لقبح تلك الفِعْلة، أو أنَّ المصلِّي مستغرقٌ في مُناجاة ربِّه، واللهُ مُقبلٌ عليه، والشَّيطان مُراصِدٌ يَنظر فَوات تلك الحالة، فإذا التفتَ المُصلِّي اغتنَم الفُرصة، فيَختلسُها منه، والمراد بالالتفات: أنْ يُحَوِّل رأسه يمينًا أو شِمالًا لا صَدْرَه؛ فإنَّ تحويل الصَّدر مبطلٌ للصلاة.

94 - باب هل يلتفت لأمر ينزل به، أو يرى شيئا أو بصاقا في القبلة؟

قال (ط): الالتفات مكروهٌ؛ لأنَّه يُفارق الخُشوع المأمور به، ولذلك جعلَه - صلى الله عليه وسلم - اختلاسًا، ففيه الحضُّ على إحضار المصلِّي قلبَه لمناجاة ربِّه. * * * 752 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَقَالَ: "شَغَلَتْنِي أَعْلاَمُ هَذِهِ، اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ". الحديث الثَّاني: (خَمِيْصَة) كِساءٌ أسودُ له عَلَمان، سبَق بيانها، وبَيانُ الأَنْبجانيَّة، وفوائدُ الحديث في (باب إذا صلَّى في ثوبٍ له أعلامٌ)، ونظَره - صلى الله عليه وسلم - لها هو ما لا يُستطاع دفْعُه، ولا الالتفات فيه، لكنَّه تَنبيهٌ على طلَب الخُشوع والنَّزاهة عما يَشغَل، فهو وجْهُ مُطابقة الحديث. * * * 94 - بابٌ هَلْ يَلْتَفِتُ لأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ، أوْ يَرَى شَيْئًا أوْ بُصَاقًا فِي الْقِبْلَةِ؟ وَقَالَ سَهْلٌ: الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَرَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب هل يَلتفتُ لأمرٍ نزَلَ به؟) (بُصَاقًا) بضَمِّ المُوحَّدة، وفيه بُزاقٌ بالزَّاي، وبُساقٌ بالسِّين. (في القبلة) لا يلزم جعْلُه قَيْدًا في البُصاق أن يكون قَيْدًا في المَعطوف عليه وهو (شيئًا). (وقال سهل)؛ أي: ابن سَعْد، وقد وصلَه البُخاري في (باب الإشارة في الصَّلاة). * * * 753 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجدِ، وَهْوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، فَحَتَّهَا، ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ: "إنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ". رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ ناَفِعٍ. الحديث الأَوَّل: (قِبَل) بكسر القاف، أي: مطَّلِعٌ عليكم كأنَّه مُقابِلٌ لوجْه المصلِّي. (فلا يتَنَخَّمنَّ)؛ أي: لا يَرميَنَّ النُّخامة، وسبَق بيان الحديث في أبواب (حَكِّ البُصاق)، و (حَكِّ المُخاط)، وغيرهما. (وابن أبي رَوَّاد) بتشديد الواو، واسمه: عبد العَزيز، وهو أخو

عُثمان، واسم أبي رَوَّاد: مَيْمُون مولى آل المُهَلَب بن أبي صُفْرة. قال (ط): جاء في بعض الطُّرُق: أنَّه حتَّها بعد الصَّلاة، والحتُّ حتُّ الوَرَق من الغُصْن؛ أي: إسقاطه وإزالته، فإنْ كان ذلك في الصَّلاة؛ فهو عملٌ يسيرٌ لا يُؤثِّر. * * * 754 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسٌ قَالَ: بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ، فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّي مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. الحديث الثَّاني: (لم يَفْجَأهُم) هو العامل في بَينما. (كشف) حالٌ. (يضحك) حالٌ مؤكِّدةٌ، أي: غير مُنتقِلة، ومثلُها لا يلزم أن تكون مقدَّرةً لمضمون جملةٍ اسميةٍ، أو حالٌ مقدَّرةٌ. (ونكص)؛ أي: رَجَع.

95 - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت

(وظن) في بعضها: (فظَنَّ)، بالفاء السَّببيَّة، أي: نكَصَ بسبب ظَنِّه. (وهَمَّ)؛ أي: قَصَدَ. (يفتتنوا)؛ أي: يقَعوا في الفِتْنة، أي: فَساد صلاتهم وذهابها فَرَحًا بصحَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسُرورًا برؤيته. وفيه دليلٌ أنَّهم التفتوا إليه حين كشَف السِّتْر؛ لأنَّه قال: فأَشار إليهم، وفيه أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يَفرَح باجتماع المؤمنين. * * * 95 - بابُ وُجُوبِ الْقِرَاءةِ لِلإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ (باب وُجوبِ القِراءَة للإمام والمَأموم في الصَّلَوات) (يخافت) بالبناء للمفعول، والمُخافتة إسرارُ النُّطق، وخفت الصَّوت سُكوته. 755 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ - رضي الله عنه - فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ

أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَناَ، وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءَ فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قتَادَةَ يُكْنَى: أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ، وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَناَ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ. الحديث الأَوَّل: (سَمُرَة) بضَمِّ الميم، وأهل الحِجَاز تُسكِّنُه تخفيفًا كعَضْد في عَضُد. (فشكوا)؛ أي: سعدًا. (يا أبا إسحاق) هي كُنية سَعْد. (هؤلاء)؛ أي: أهل الكُوفة دار الفَضْل، ومحلُّ الفُضلاء، بناها

سَعْدٌ بإشارة عُمر، سُمِّيت كُوفَةً لاستِدارتها، من قولهم للرَّمْل المُستدير: كوفًا، وقيل: لأنَّ تُرابها يخالط حَصًا، وكلُّ ما كان كذلك يُسمَّى كُوفةً. (فأرسل إليه)؛ أي: بأنْ يَحضُر، فحضَر، فلذلك خاطبَه بما جاء في الحديث ما يقتضي أنَّه كان حاضرًا. (أما أنا)، (أما) للتَّفصيل، فيحتاج إلى قَسيمٍ، فيُقدَّر: وأما هم فقالوا ما قالوا. (والله) جوابُ القسم محذوفٌ، أي: كنت أُصلي بهم، يدلُّ عليه: (فإني) إلى آخره، وكان القياس تَقديمَ: فإنَّي على القسَم، إلا أن ما في حَدِّها يجوز تقديم بعضه، والقسَم ليس أجنبيًّا. (أَخْرِم) بفتح الهمزة، وسكون المُعجَمَة، وكسْر الرَّاء، أي: أَنقص. (العشاء) تعيينُها لعلَّه لكونهم شكَوه فيها، أو لأنَّها في وقْت الرَّاحة، فغيرها من باب أَولى. (أَرْكُد) بضَمِّ الكاف: أَسكُنُ، والمُراد أُطَوِّلُهما. (وأُخف) بضَمِّ الهمزة، وفي بعضها: (أُخَفِّف). (ذاك) مبتدأٌ، أي: ما تَقول. (الظن) خبَره، أي: الذي نظُنُّ بك. (رجلًا) هو محمَّد بن مَسلَمة، أو ومعَه غيره. (عَبْس) بفتح المُهمَلة، وسُكون المُوحَّدة، والسِّين مُهمَلة.

(سَعْدة) بفتح السِّين، وسُكون العين المُهملتَين. (أما) قَسيم المذكور بعدَها محذوفٌ، أي: أما غَيري فأثنى عليه، وأما نحن إذا سألتَنا فنقول كذا. (نشدتنا) يقال: نَشَدتُك الله، أي: سأَلتُك بالله. (بالسرية) الباء للمُصاحبة، والسَّريَّة بتخفيف الرَّاء: قِطْعةٌ من الجيش. (القضية)؛ أي: القَضاء. (لأدعون)؛ أي: عليك بثَلاثِ دَعَوات. (رياء وسمعة)؛ أي: ليَراه النَّاس، ويسمعونه. (وعرضهُ)؛ أي: جعلَه عُرضة للفتن، أو أدخلَه في مَعرضها، أو أظهره بها، وليس قولُه: (أَطِلْ عُمرَه) دعاءً له؛ لأنَّ المُراد زيادة الطُّول حتَّى يصير إلى أَرذَل العُمر، وتضعف القُوى، ويُنَكَّس في الخلْق محنةً لا نعمةً؛ إذ المُراد طُوله مع طُول الفَقْر، وإنَّما ساغ لسَعْد أنْ يَدعو على أخيه المسلم؛ لأنَّه ظلَمه بالافتراء عليه، وثلَّثَ عليه الدَّعوة؛ لأنَّه ثلَّث في نفي الفضائل عنه لا سيَّما الثَّلاث التي هي أُصول الفضائل، وأُمهات الكَمالات: الشَّجاعة التي هي كمال القُوَّة الغضَبية حيث قال: لا يَسير، والعِفَّة التي هي كمال القُوة الشَّهوانية حيث قال: لا يَقسِم، والحكْمة التي هي كمال القُوة العقليَّة حيث قال: لا يَعدل، وراعى أمرًا آخر، وهو مقابَلة كلِّ ما نسَبه له من التَّقصير فيما يتعلَّق بالنَّفْس

والمال والدِّين بمثله، فبالنَّفْس طول العمر، وبالمال الفقر، وبالدِّين الوقوع في الفتن. (وكان)؛ أي: الرَّجل المَذكور. (سئل)؛ أي: عن حال نفسه. (شيخ)؛ أي: أنا شيْخٌ بالدَّعوة الأُولى. (مفتون)؛ أي: بالثَّالثة. (دعوة) عُمومها يَدخل فيه طُول الفقْر. (يغمزهن)؛ أي: يعصِرُ أصابعَهن بالأصابع، وفيه إشارةٌ إلى الفِتْنة والفقْر؛ إذ لو كان غنيًّا لَمَا احتاج لذلك. ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ الرُّكود يدلُّ على القِراءة عادةً، ولا خِلافَ في وجوب الفاتحة، إنَّما الخلاف في أنَّها فرضٌ، فإنْ أراد من القراءة غير الفاتحة، فالرُّكود لا يدلُّ على الوجوب، وأيضًا فلا وُجوب فيه، وأما المأْموم، فلقوله: "صَلُّوا كَمَا رَأَيتُموني أُصَلِّي". قلت: فالإشكال في المُناسبة باقٍ. قال التَّيْمي: قال الشَّافعي: الفاتحة واجبةٌ في المنفرد، وفي الإمام والمأموم فيما يجهر فيه أو يسرُّ، وهو ما أَشار إليه البُخاري في التَّرجَمة، وبه قال الأئمة غير أبي حنيفة، فإنَّه قال: الواجب ما يَصدُق عليه اسم القُرآن، ثلاثُ آياتٍ قصار، أو آيةٌ طويلةٌ، وقيل: لا يَقرأ

المأموم فيما يجهر إمامه فيه، فهو يسمع لقوله تعالى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]، وقال الكوفيون: لا يَقرأ لا فيما جهَر ولا فيما أَسرَّ. وقال أبو حنيفة: القراءة واجبةٌ في الأَوَّلتين من المَغرب والرُّباعية لا فيما سواهما؛ إذ لو وجبَت في ذلك لكان عليه أن يجمع بين الفاتحة وسورةٍ معها كالأَوَّلتين. قال: وفي الحديث أنَّ مَن سُعي به من الولاة يُسأل عنه في موضع عمله أهلُ الفضْل منهم، فسؤال عُمر في المَساجِد أهلَ ملازمة الصَّلوات فيها، وأنَّ الإمام يَعزل من شُكي وإن كُذب عليه إذا رآه مصلحةً؛ لئلا يبقى عليهم أميرٌ وفيهم من يكرهُه خوفًا من مَساءةٍ في العاقبة، فإنَّ عُمر قال: ذاك الظَّنُّ بك، فقد صرَّح بأنَّه لم يعزلْه عن عجزٍ ولا خيانةٍ. قال (خ): تطويل إحدى الأَوَّلتين من الرُّباعية، والفجر، والمغرب، وتخفيف الآخرتين في الرُّباعية، وقيل: يُسوِّي بين الأَوَّليتين في الطُّول، والآخرتين في القِصَر. قال (ك): وفيه خطابٌ الرَّجل بمدحه في وجهه إذا لم يخف فتنة بإعجابٍ ونحوه. * * * 756 - حَدَّثَنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ: أَنَّ

رَسَولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ صلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ". الحديث الثَّاني: (بفاتحة) سُمِّيت بذلك لأنَّ بها فتْح القرآن، ويُفتتح بها الصَّلاة، وعُدِّي (يقرأ) بالباء؛ لتضمُّنه معنى البُداءة، أو الباء للاستعانة على أنَّ يقرأ على حَدِّ: فُلانٌ يُعطي ويَمنع، أي لا صلاة لمن لم يُوجد القراءة باستعانةِ قراءة الفاتحة، فهذا صريحٌ في الدَّلالة على التَّرجَمة، وهو وُجوب الفاتحة على الإمام والمأموم والمُنفرد، ومَن قدَّره: لا كمالَ، حتَّى لا يكون دليلًا على الوجوب، فيَمنع دعواه بأنَّ نفيَ الصِّحَّة أقرب لنفي الكمال، فهو أَولى المجازَين، وأيضًا فلمَّا تعذَّرت الحقيقة وهي نفْي الذَّات وجَب صرْفُ النَّفي إلى سائر صفاتها. * * * 757 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْمَسْجدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَدَّ وَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ يُصَلِّي كمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ

سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاِتكَ كُلِّهَا". الحديث الثَّالث: (يحيى)؛ أي: القَطَّان. قال الدَّارَقُطْني: خالَف يحيى فيه جميعُ أصحاب عُبيد الله؛ لأنَّهم كلَّهم رَووه عن عُبيد الله، عن سعيد، عن أبي هريرة، ولم يذكروا أباه، وقال أيضًا: ويحيى حافظٌ، أي: فيُعتمد ما رواه، فالحديث صحيحٌ لا علَّةَ فيه. (رجل) قال أبو موسى في "ذيل الصَّحابة": إنَّه خَلَّاد جَدُّ يحيى ابن عبد الله بن خَلَّاد. (فرد)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قال (خ): فيه وُجوب التَّكبير؛ لأنَّ الأمْر للوُجوب، وأنَّ عليه أنْ يقرأ في كلِّ ركعةٍ كما يركع ويسجد؛ لقوله: (ثُمَّ افعَلْ ذلكَ في صَلاتِكَ كُلِّها). (ما تيسر)؛ أي: الفاتحة؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - بيَّنَ ذلك بقوله: "لا صَلاةَ إلَّا بفَاتِحَةِ الكِتَاب". قال (ن): ما تَيسَّر محمولٌ على الفاتحة، فإنَّها متيسِّرةٌ؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ} [القمر: 17]، أو على ما زاد على الفاتحة بعدَها، أو على مَن عجَز عن الفاتحة، وإنَّما لم يَذكُر له - صلى الله عليه وسلم - بَقيَّةَ الواجب في الصَّلاة كالسَّجْدة الثَّانية، والنيَّة، والقُعود في التشهُّد الأخير، والتَّرتيب، وغير ذلك؛ فإنَّه كان معلومًا عند السَّائل.

96 - باب القراءة في الظهر

وفيه إيجاب الاعتدال، والجلوس بين السَّجدتين، والطُّمأنينة في الرُّكوع والسُّجود، فهو حجَّةٌ على أبي حنيفة في قوله، وليس عنه جوابٌ صحيحٌ، وفيه أنَّ المُفتي يَرفُقُ بالمستفتي لا سيَّما الجاهل، والاقتصار على المُهمِّ دون ما لا تحتمل حالُه حفظَه، واستحباب السَّلام عند اللِّقاء وتكريره، وإن قَرُب العهْد، ووجوبُ الرَّدِّ في كلِّ مرةٍ، وأنَّ مَن أَخلَّ ببعض الواجب لا تصحُّ صلاتُه، ولا يُسمَّى مصليًا. فإن قيل: كيف تركَه مرارًا يُصلِّي صلاةً فاسدةً؟ فالجواب: أنَّه لم يَأذن له في ذلك، ولا عَلِم أنَّه يأتي بها في الثَّانية والثَّالثة فاسدةً، بل يحتمل أنْ يأتي بها صحيحةً، وإنَّما لم يعلِّمه من الأَوَّل؛ ليَكون أبلغَ في تعريفه صفة الصَّلاة المُجزِئة، وقال التُّورِبِشْتي: إنَّ الرَّجل لما رجَع ولم يَستكشِف الحالَ من مَورد الوَحْي كأنَّه اغتَرَّ بما عنده من العلم، فسكَت - صلى الله عليه وسلم - عن تعليمه زَجْرًا له وتأديبًا له، وإرشادًا إلى استكشاف ما استَبْهَم عليه، فلمَّا طلب كشْف الحال أَرشدَه إليه. * * * 96 - بابُ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ (باب القِرَاءَةِ في الظُّهر)، ظاهرُه قراءةُ غير الفاتحة. 758 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ

عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَتَيِ الْعَشِيِّ لاَ أَخْرِمُ عَنْهَا، أَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: ذَلِكَ الظَّنُّ بِك. الحديث الأَوَّل: (صلاتي العشي)؛ أي: الظُّهر والعصر، وهو وجْهُ مطابقة التَّرجَمة، وهذه راوية الأَصِيْلي. قال (ع): وأكثَر الرُّواة هنا: (صَلاتَي العَشِيِّ)، وسبَق رواية تعيين العِشاء، وعند الجُرْجاني هنا: (صلاة العَشِيِّ). قال الجَوْهَري: العَشِيُّ والعِشاء من صلاة المَغرب. قال: والعِشاء في المَغرب والعَتَمَة، وقيل: العِشاء من الزَّوال إلى الفجْر. (أَحذِفُ)؛ أي: أُقصِّرُ في الآخرتين، أي: لا التَّرك بالكلية؛ لأنَّ الحذْف من الشَّيء نقْصُه، وفي بعضها: (أُخِفُّ)، وهو يُقوِّي أنَّ المراد في التَّرجَمة ما بعدَ الفاتحة؛ لأنَّ الحذْف لا يُتصوَّر في الفاتحة. * * * 759 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، ويُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ

بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الصُّبْح، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ. الثَّاني: (الآية)؛ أي: آية القُرآن، أو آية السُّورة. وفيه أنَّ الإسرار سنةٌ لا فرْضٌ، ويحتمل أنَّ الجهر بها كان يحصل بسَبْق اللِّسان للاستغراق في التَّدبُّر، وأنَّ قراءة سُورةِ قصيرةٍ بكمالها أفضَلُ من قراءة قَدْرها، وتطويلُ الرَّكعة الأُولى على الثَّانية. قال (ن): الأشهر عندنا: التَّسوية بينهما، وقد يقال: أنَّه يُفهم من حديث سعد أنَّه يَركُدُ فيهما، لكنْ هذا لا يُنافي إذا طوَّل فيهما أنْ تكون إحداهما أطوَل من الأُخرى، فلا تَعرُّضَ فيه لا لذلك، ولا لتَسويةٍ. * * * 760 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي عُمَارَةُ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْنَا خَبَّابًا: أَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نعمْ. قُلْنَا: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. الثَّالث: (عُمر)؛ أي: حفْص بن غِيَاث.

97 - باب القراءة في العصر

وسبَق شرح الحديث في (باب رفْع البصَر إلى الإمام)، ووجه الدَّلالة من اضطِراب لحيته - صلى الله عليه وسلم -. * * * 97 - بابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ (باب القِرَاءَة في العَصْر) 761 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ: أَكَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. الحديث الأَوَّل: (تعلمون)؛ أي: تعرفون؛ لأنَّه متعدٍّ إلى واحدٍ. قال أبو العَالِيَة: قراءة العصْرِ على النِّصْف من قراءة الظُّهر، وقال إبراهيم: تُضاعَف الظُّهر عليه أربع مرَّات، وقال الحسَن: القراءة فيهما سواءٌ. قال أصحابنا: السنَّة في الظُّهر بطِوَال المُفضَّل، والعصر بأَوساطه؛ لأنَّ الظُّهر وقْت القَيلولة، فطوَّلَ ليُدرك المُتأخِّر، والعصر وقْت إتمام الأعمال، فخفَّف عن ذلك. * * *

98 - باب القراءة في المغرب

762 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا. الثَّاني: (سورة سورة) كرَّره؛ لأنَّه مُوزَّعٌ على الرَّكَعات. * * * 98 - بابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ (باب القِراءة في المَغْرِب) 763 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ! وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ. الحديث الأَوَّل: (أم الفضل) هي لُبابة بنت الحارِث أُمُّ عبد الله بن عبَّاس، وإنَّما لم يَقُل: أُمي؛ لشُهرتها بذلك.

(هذه السُّورة) تنازَع فيها عاملان، فالأَولى عند البصريين أنَّ نَصْبه بالأَقرب، وهو قراءةٌ، وعند الكوفيين بالأَسبَق، وهو ذكر، وهو بالتشديد، وفي بعضها بالتَّخفيف، وفي بعضها: (بقُرآنك)، بضَمِّ القاف وبالنُّون. (فقرأ بها) إما حالٌ، فيحتمل أنَّها سمعتْ منه القُرآن بعد ذلك، أو استئنافٌ، فلا يحتمل ذلك. * * * 764 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِطُولِ الطُّولَيَيْنِ؟! الحديث الثَّاني: (بقصار)؛ أي: من المفصَّل، وفي بعضها: (بقِصَارِ المُفصَّلِ)، فصرَّح بالمراد، وقد سبَق أنَّه من الضُّحى. (وقد سمعتُ) بضَمِّ التَّاء. (بطولى) بوزن فُعْلَى تأنيث أَطْول كَكُبْرى. (الطوليين) تَثنية طُولَى، أي: أَطْول السُّورتَين الطَّويلتين، قيل: الأعراف؛ لأنَّها أطول من صاحبتها، وهي الأنعام، ولم يُرِد البقرة، وإلا لقالَ: طُولى الطِّوال، فدلَّ على أنَّه أراد الأَطول من بعد البقرة،

99 - باب الجهر في المغرب

وذلك هو الأَعراف. قال (ك): وفيه نظرٌ؛ فإنَّ النِّساء الأطولُ بعدها، وفي بعضها: (بطُول الطُّوليَيْن)، وهو من الوصْف بالمصْدر. وفي الحديث: امتدادُ وقْت المغرب إلى غَيبة الشَّفَق، وقال (خ): إنَّه يُشكِل بأنَّه إذا قرأ الأعراف يدخل وقْت العشاء قبل الفَراغ، وجوابه: أنَّه لا يمتنع إذا وقَعت ركعةٌ في الوقْت، ويحتمل أنَّه أراد بالسُّورة بعضَها. * * * 99 - بابُ الْجَهْرِ فِي الْمَغْرِبِ (باب الجَهْر في المَغرب) 765 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. (عن أبيه)؛ أي: المُطْعِم -بكسر العين- ابن عَدِيٍّ. (بالطور)؛ أي: بسُورة الطُّور. * * *

100 - باب الجهر في العشاء

100 - بابُ الْجَهْرِ فِي الْعِشَاءِ (باب الجَهْر في العِشاء) 766 - حَدَّثَنا أَبُو النُّعمانِ قَالَ: حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ معَ أَبِي هُرَيْرَةَ العَتْمَةَ فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، فَسَجَدَ، فَقُلْتُ لَهُ، قَالَ: سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى ألْقَاهُ. الحديث الأَوَّل: (عن أبيه)؛ أي: سُليمان بن طَرْخَان. (فقلت له)؛ أي: سألتُه عن حُكْم السَّجدة. (اسجد بها)؛ أي: بالسَّجدة، أو الباء بمعنى (في)، أي: في هذه السُّورة. (حتَّى ألقاه)؛ أي: حتَّى أَموت. * * * 767 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.

101 - باب القراءة في العشاء بالسجدة

الثَّاني: (بالتين) قِراءَته بها، ومرَّةً بـ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] دليلٌ على أنَّه لا تَوقيت في القراءة في الصَّلَوات، فكتب أبو موسى: اقْرأ بالنَّاس في العِشاء الأخيرة بأوسط المُفصَّل، وقرأ فيها عُثمان بـ (النَّجم)، وعُمر: بـ (الذين كفروا)، وفيه أن المسافر يقرأ بقصيره نحو: {وَالتِّينِ} [التين: 1]. * * * 101 - بابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ بِالسَّجْدَةِ (باب القِراءَة في العِشَاء بالسَّجْدة)؛ أي: بسُورة السَّجْدة. 768 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، فَسَجَدَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى ألْقَاهُ. (بها) في بعضها: (فيْهَا)، وفي بعض النُّسخ هنا: (باب القِراءة في العِشاء). * * *

102 - باب القراءة في العشاء

102 - بابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ 769 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، سَمعَ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فِي الْعِشَاءِ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً. (خَلَّاد) بفتح المُعجَمَة، وتشديد اللام. (أو قراءه) شَكٌّ من الرَّاوي. * * * 103 - بابٌ يُطَوِّلُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَيَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ (باب يُطوِّل في الأُوليَين) 770 - حَدَّثَنا سُلَيْمَانُ بنُ حَربٍ قَالَ: حَدَّثنَا شُعبَةُ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلاَةِ، قَالَ: أَمَّا أَناَ فَأَمُدُّ فِي الأولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلاَ آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: صَدَقْتَ، ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ، أَوْ ظَنِّي بِكَ.

104 - باب القراءة في الفجر

(فأمُدُّ) بضَمِّ الميم. (آلو) بمدٍّ ثم لامٍ: أُقَصِّر، وسبَق شرح الحديث في (باب وُجوب القِراءة للإمام). * * * 104 - بابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالطُّورِ. (باب القِراءَة في الفَجْر) (وقالت أُمِّ سلَمَة) وصلَه البُخاري في (كتاب الحجِّ). (ويقرأ بالطور) جملةٌ حاليةٌ. * * * 771 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلاَمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَناَ وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنسَيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ، وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَلاَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ

الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. الحديث الأَوَّل: (سَيَّار)؛ أي: أبو المِنْهال، وسبَق شرح الحديث في (باب وقت الظُّهر). * * * 772 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: فِي كُلِّ صَلاَةٍ يُقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ. الثَّاني: (في كل صلاة)، (في) متعلِّقةٌ بقوله بعده. (يُقرأ) بالبناء للمفعول، وفي بعضها بالبناء للفاعل، والضَّمير للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: فالقراءة واجبةٌ في كلِّ صلاةٍ جهرًا أو سرًّا، فما جهَر به - صلى الله عليه وسلم - جهَرنا به، وما أَسرَّ به أَسررنا، وفي "مسلم": أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاةَ إلَّا بقِرَاءَةٍ" ما أَعلَن به - صلى الله عليه وسلم - أعلنَّاه، وما أَخفَى أخفَيناه لكم. (لو تزد) بتاء الخِطَاب.

105 - باب الجهر بقراءة صلاة الفجر

(أم القرآن) هي الفاتحة، سُميت بذلك لاشتمالها على معاني القرآن، أو أول القُرآن كأم القرى لمكَّة؛ لأنَّها أَوَّل الأرض وأصلها. (أجزأت)؛ أي: الصَّلاة، والإجزاء الأَداءُ الكافي لسُقوط التعبُّد. ففي الحديث: أنَّ الصَّلاة بلا قراءة الفاتحة لا تُجزئ، واستحبابُ السُّورة بعدها، فهو دليلٌ على الحنفية في قولهم بوجوب السُّورة في الأُوليين من الرُّباعيات؛ لأنَّ قول الصحابي عندهم حُجَّةٌ، أو أنَّه من باب الإجماع السُّكوتي، حيث لم يُنكر ذلك أحدٌ على أبي هريرة، أو أنَّ الغالب أنَّ مثل هذا إنَّما يُقال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بالرأي، وفيه أنْ لا حَدَّ للزِّيادة على الفاتحة، قال جابر بن سَمُرَة: قراءة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الفجر كانت بـ (قاف)، وأبي بكر بـ (البقرة) في الرَّكعتَين، وعُمر: بـ (يونسُ) و (هود)، وعُثمان بـ (يوسف) و (الكهف)، وعلي بـ (الأنبياء)، ومُعاذ بـ (النِّساء). * * * 105 - بابُ الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ. (باب الجَهْر بقَراءَةِ صلاةِ الفَجْر)، في نُسخةٍ: (الصُّبح)، وسبَق

في الباب قبلَه التَّعليق عن أم سلَمة. * * * 773 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءَ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءَ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءَ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءَ؟ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِنَخْلَةَ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءَ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا: {يَا قَوْمَنَا} {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجنِّ. الحديث الأَوَّل: (عُكاظ) بضَمِّ المُهمَلة، وخِفَّة الكاف، وبظاءٍ معجمةٍ، يُصرف

ولا يُصرف، ففي "المُحْكَم" عن اللَّحْيَانيِّ: أهلُ الحِجاز تَصرفُه، وتَميم لا تَصرفُه، و (سُوْق) يُذكَّر ويُؤنَّث، سُمِّي بذلك لقيام النَّاس فيه على سُوقهم. قال الجَوْهَري: عُكاظ: سوقٌ بناحية مكَّة يجتمعون فيه شهرًا في كل سنةٍ يَتبايعون، ويَتناشدون الأشعار، ويَتفاخرون، هدَمَ الإسلام ذلك. (حيل) حُجِزَ. (الشُّهُب) بضَمِّ الهاء: جمعُ شِهَاب، وهو شُعلة نارٍ ساطعةٌ ككوكبٍ ينقَضُّ. (فاضربوا)؛ أي: سِيْروا. (مشارق) نصبٌ على الظَّرفيَّة، أي: في مشارق. (أولئك)؛ أي: الجِنُّ، وعِدَّتهم تسعةٌ كما في "مستدرك الحاكم". (تِهامة) بكسر التَّاء: بلَدٌ، وقيل: كلُّ ما نزَل عن نَجْدٍ من بلاد الحِجَاز تُسمَّى بذلك لشدَّة الحَرِّ من التَّهَم، وهو شِدَّة الحرِّ، ورُكود الرِّيح، وفي "المَطالِع": أنَّها من تَهَم الدُّهنُ إذا تَغيَّر؛ لأنَّ هواءَها متغيرٌ. (بنخلة) موضعٌ معروفٌ، لا يَنصرف، وفي "مسلم": (بنَخْلٍ)، وبطن نخلةٍ موضعٌ بين مكَّة والطَّائف. (عامدين) حالٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنْ جُمع باعتبار مَن معه، أو تعظيمًا له.

(استمعوا)؛ أي: اسمعوا بقَصْدٍ وإصغاءٍ فيه تصرُّفٌ بخلاف سَمع، فإنه أعمُّ. (فهنالك) ظرْفُ مكانٍ، والعامل فيه: (قالوا)، وفي بعضها: (فَقَالُوا)، فالعامل (رجَعوا) مقدَّرًا يُفسِّره المذكور. قال (ن): ظاهر هذا الحديث أنَّ الحَيْلُولة بين الشَّياطين وخبَر السَّماء حدثَتْ بعد نبوَّة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك أنكرتْهُ الشَّياطين، وضرَبوا مشارق الأرض ومغاربها ليَعرفوا خبَره، ولهذا كانت الكَهانة فاشيةً في العرَب، حتَّى قُطع بينهم وبين خبر السَّماء، كما قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} الآية [الجن: 8]، وقد جاءت أشعارُ العرب باستِغرابهم رميَها؛ لكونهم لم يَعهدُوه قبل النُّبوَّة، فكان رميُها من دلائل النُّبوَّة، وقيل: لم تزَل الشُّهب مُذْ كانت الدُّنيا، وقيل: كانت قليلةً، فغلُظَ أمرُها، وكثُرت بعد البَعْث، وذكر المفسِّرون أنَّ حراسة السَّماء والرَّمي كان موجودًا، لكن عند حُدوث أمرٍ عظيمٍ من عذابٍ ينزل بأهل الأرض، أو إرسالِ رسولٍ إليهم، وقيل: كانت الشُّهُب قبل البَعث مرئيَّةً معلومةً، ولكنْ رمي الشَّياطين بها وإحراقُهم لم يكن إلا بعد النُّبوَّة، وسبب الاختلاف أن في "مسلم" ما يُعارض رواية البُخاري، فأُريد الجمع بما ذُكر. قال (ن): وفيه مشروعيَّة الجماعة في صلاة السَّفَر، وأنها من أَوَّل النُّبوَّة.

قال (ك): وفيه وُجود الجِنِّ، ومن لم يؤمن منهم هم الشَّياطين، فليسوا أنواعًا تخالف بل الجنُّ أعمُّ. واعلم أنّ هذا الحديث مرسلُ صحابيٍّ؛ لأنَّ ابن عبَّاس لم يَرفعْه، ولا هو مُدرك للقضيَّة. * * * 774 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيَّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا أُمِرَ، وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. الحديث الثَّاني: (أُمر) بضَمِّ الهمزة، أي: أمَرَ الله تعالى. (نسيًّا)؛ أي: تاركًا لبيان أفعال الصَّلاة، وهو من مجاز إطلاق المَلزوم وإرادة اللَّازم؛ إذ نسْيان الشَّيء ملتزمٌ لتركه؛ لاستحالة نسبة النِّسيان لله تعالى، ولهذا لم يجعل كنايةً؛ لأنَّ شَرْط الكناية إمكان إرادة معناه الأصلي، وشرطه أيضًا مساواةُ المَلزوم، والتَّرْك لا يستلزم النِّسيان، فقد يكون عمْدًا، هذا عند البيانيين، وأما عند الأُصوليين فالكناية نوعٌ من المجاز. قال (خ): (سكَت) معناه أَسَرَّ القراءةَ لا التَّرك أصلًا، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم -

106 - باب الجمع بين السورتين في الركعة والقراءة بالخواتيم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة

لا يزال إمامًا فلا بُدَّ له من القراءة سِرًّا أو جهْرًا، ومعنى الآية وذكرها: أنَّه لو شاء أنْ يُنزل بيان الصَّلاة قرآنًا يُتلى لفعَل، ولم يترك ذلك نسيانًا، بل وكَلَ الأمرَ لبيان الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم أُمر بالاقتداء والائتساء بفعله. (أسوةٌ)؛ أي: قُدْوةٌ. ووجه مطابقة الحديث للترجمة: أنَّ جهْره - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة في الصُّبح، وقد أُمرنا بالتأَسِّي به، فنَجْهر، أو أنَّه إنَّما أورده تَتميمًا للحديث السَّابق لا مستقِلًّا، أو أنَّه لمَّا كان المراد: مَنْ قَرأ فيما أمر جهر فيما أمر كان مناسبته للتَّرجمة بالجهر. * * * 106 - بابُ الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ وَالْقَرَاءَةِ بالْخَوَاتِيِمِ، وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ، وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ: قَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْح حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى، أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ. وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ الْمَثَانِي.

وَقَرَأَ الأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأُولَى، وَفِي الثَّانِيةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونسُ، وَذَكَرَ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - الصُّبْحَ بِهِمَا. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنَ الأَنْفَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ. وَقَالَ قتادَةُ فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكعَتَيْنِ أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكعَتَيْنِ: كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ. (باب الجَمْع بين السُّورتَين) إلى آخر التَّرجَمة. (بالخواتيم)؛ أي: أَواخر السُّورة. (قبل سورة)؛ أي: يُقدِّمها عليها، وهي بعدَها في ترتيب المُصحَف، سواءٌ في ركعةٍ أو ركعتين، وقال مالك: لا بأْسَ به، لكن قِراءة التي بعدَها أحبُّ إلينا. قال (ن): يُكره عندنا أنْ يقرأ على غير ترتيب المُصحَف، ولكن لا تبطل به الصَّلاة. (ويذكر عن عبد الله) وصلَه مسلم، والنَّسائي، والبُخاري في "تاريخه". (ذِكْر موسى وهارون)؛ أي: آية: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ} [المؤمنون: 45]. (أو ذِكْر عيسى)؛ أي: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 50].

قال (ك): ولفظ (ذِكْر) مرفوعٌ ومنصوبٌ. (سُعلة) بضَمِّ السِّين، وفتحها. (المثاني) قال الجَوْهَري: هو ما كان من المِئين، وتُسمَّى الفاتحة مَثَاني؛ لأنَّها تُثْنى في كل ركعةٍ، وسمي جميع القرآن مَثَاني لاقتران آية الرَّحمة بآية العَذاب. قال (ن): قال العُلماء: أَوَّل القُرآن السَّبعْ الطِّوال، ثم ذوات المِئين، وهنَّ ما فيه مائة آيةٍ ونحوها، ثم المثَاني، ثم المُفصَّل، وقال التَّيْمي: المثاني ما لم يَبلغْ مائةَ آيةٍ، وقيل: هو عِشْرون سورةً، والمئون أحد عشرةَ سورةً. (الأَحْنَف) بفتح الهمزة، وسكون المُهمَلة، وبفتح النُّون، وبالفاء. (وذكر)؛ أي: الأَحْنَف. (بهما)؛ أي: بالكهف في الأُولى، وبإحدى السورتين في الثَّانية. (المفصل) سبَق الخلاف فيه في أنَّه من (القِتال)، أو (الفتْح)، أو (الحجُرات)، أو (قاف)، أو غير ذلك. (يردد)؛ أي: يُكرِّر السُّورة بعَينها في الركعة الثَّانية. * * * 774 / -م - وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ

فِي الصَّلاَةِ مِمَّا تَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لا تَرَى أنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا، وإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَال: مَا أَناَ بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: "يَا فُلاَنُ! مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكعَةٍ؟! "، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: "حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ". (وقال عبيد الله)؛ أي: العُمَري، وهذا التعليق وصلَه التِّرْمِذي، والبزَّار، عن البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن عبد العزيز الدَّرَاوَرْدِي، عنه، وهو في "صحيحي ابن خزَيْمَة، والحاكم"، وفي "المُتفق" للجُوزَقي. (رجل من الأنصار) هو كُلثوم، بضَمِّ الكاف، وبالمُثلَّثة، ابن الهِرم، ذكره ابن المَدِيْنِي في "الصَّحابة". (يقرأ بها) صفةٌ لـ (سورة). (مما يقرأ)؛ أي: من الصَّلوات التي يقرأ فيها جهرًا. (افتتح) جواب (كلَّما)، أي: أراد الافتتاح، وإلا فهو إذا افتتح سورةً لا يكون مُفتتحًا بغيرها.

(تحريك) بفتح أوَّله، وفي بعضها بضَمِّها. (يدعها)؛ أي: لا يتركها ويقرأ سورةً أُخرى. (الخبر)؛ أي: هذا المذكور، فاللام للعهد. (يأمرك به)؛ أي: بأن تَقرأ سورة الإخلاص فقط، أو غيرها فقط، وهذا من إطلاق الأمر حيث لا عُلوَّ ولا استِعلاءَ؛ فإنَّ الحقَّ أنَّه لا يُشترط شيءٌ منها، بل هو القول الطَّالب للفعل، وإنَّما جُعل أمرًا هنا؛ لأنَّه لازمٌ للتَّخيير المذكور. (وما يحملك)؛ أي: ما الباعثُ لك على ذلك؟ (أدخلك)؛ أي: يُدخلك، لكن عبَّر بالماضي لتحقُّق الوُقوع، وذلك لأنَّها صفة الله تعالى، فحبُّها يدلُّ على حُسن اعتقاده في الدِّين، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سأله عن اثنين، فأجاب عن الثَّاني؛ إذ لا يصحُّ أن يكون هذا جوابًا عن الأَوَّل؛ لأنَّ محبتها لا تمنع أن يقرأَ بها فقط، وهم إنَّما خيَّروه بينها فقط، أو غيرها فقط، ولكن يحصل بجوابه عن الثَّاني الجوابُ عن الأَوَّل؛ لأنَّه يُعلم منه، فكأنَّه قال: أقرؤُها لمحبتي إيَّاها، وأقرأ سورةً أُخرى إقامةً للسنَّة كما هو المعهود في الصَّلاة، فالمانع مركَّبٌ من المحبة وعهد الصَّلوات. * * * 775 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: قَرَأْتُ

الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكعَةٍ، فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ؛ سُورتَيْنِ فِي كُلِّ ركْعَة. الحديث الثَّاني: (جاء رجل) في "مسلم": أنَّه نَهِيك -بفتح النُّون، وكسر الهاء- ابن سِنَان. (هَذًّا) بفتح الهاء، وتشديد المُعجَمَة: الإسراع في القراءة، وهو منصوبٌ بفعل مقدَّرٍ، أي: أتَهُذُّه هَذًّا، وذلك لأنَّ الرَّجل قد أَخبر بكثرة حفظه وقراءته. (كَهَذِّ الشعر)؛ أي: بحفظه، وروايته، لا في إنشادِه وتَرنُّمه؛ لأنَّه يُرتَّل بذلك عادةً، فيمتنع، ففيه النَّهي عن العجَلة، والحثُّ على التَّرتيل والتدبُّر. (النظائر)؛ أي: السُّوَر المتقاربة في الطُّول والقِصَر، وقد جاء بيان السُّور العشْرين في "سنن أبي داود"، وهن: (الرَّحمن) و (النَّجم) في ركعةٍ، و (اقتربتْ) و (الحاقَّة) في ركعةٍ، و (الطُّور) و (الذَّاريات)، (الواقعة) و (ن)، (سأل سائلٌ) و (النَّازعات)، (ويلٌ للمطفِّفين)، و (عبَس)، (المُدثِّر) و (المزَّمِّل)، (هل أتى) و (لا أقسم)، (عمَّ) و (المُرسَلات)، (الدُّخان) و (التَّكوير). وكذا في "صحيح ابن خُزَيْمَة" تسميتُها لكنْ ببعضِ مخالفةٍ في

107 - باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب

التَّرتيب، وسيأتي في البُخاري في (فضائل القرآن) طرَفٌ من بيان ذلك. قال (ع): هذا موافقٌ لرواية عائشة أنَّ قيامه - صلى الله عليه وسلم - كان إحدى عشْرة ركعةً بالوِتْر، وأنَّ هذا قدْر قراءته غالبًا، وتطويله بسبَب التَّدبُّر والتَّرتيل، وما ورَد من قراءة البقَرة والنِّساء كان في النَّادر. قال التَّيْمي: إنكار ابن مسعود على الرَّجُل ليَحضَّه على التأمُّل لا أنَّه لا يجوز قراءة المفصَّل في ركعةٍ. * * * 107 - بابٌ يَقْرَأُ فِي الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (باب: يَقْرأُ في الأُخريَين) تثنية أُخرى، وفي بعضها: (آخِرَتَينِ) تثنية آخرةٍ. 776 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخرَيَيْنِ بِاُمِّ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْح. (ما لا يطيل) يحتمل أن تكون نكِرةً موصوفةً، أي: تطويلًا

108 - باب من خافت القراءة في الظهر والعصر

لا يُطيله في الثَّانية، ومصدريةً، أي: غير إطالته في الثَّانية، فهي وما في خبرها صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، وفي بعضها: (مِمَّا). (وهكذا) تشبيهٌ في تطويل الأُولى بخلاف التَّشبيه في العصر، فإنَّ أعمُّ. وفيه حجَّةٌ على من يقول: إنْ شاء قَرأ في الآخرتَين الفاتحةَ أو يترك، أما الوُجوب فَيُعلم مِنْ (كان) المُشعِرة بالاستمرار مع قوله: "صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُوني أُصلِّي". * * * 108 - بابُ مَنْ خَافَتَ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ 777 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ: قُلْتُ لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نعمْ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. (باب مَن خافَتَ)؛ أي: أسَرَّ، والحديث الذي فيه سبَق شرحه في (باب رفع البصَر إلى الإمام). لم يتعرَّض (ك) لبابين: (باب إذا سَمَّع الإمامُ الآيةَ) بتشديد الميم. قال (ش): ويُروى: (أَسْمَعَ)، و (باب يُطوِّل في الركعة

111 - باب جهر الإمام بالتأمين

الأُولى)، والحديثان المذكوران فيهما سبَقا بشرحهما فيما قبل ذلك من الأبواب. * * * 111 - بابُ جَهْرِ الإِمَامِ بالتَّأْمِينِ وَقَالَ عَطَاءٌ: آمِينَ دُعَاءٌ، أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجدِ لَلَجَّةً. وَكانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإمَامَ: لاَ تَفُتْنِي بِآمِينَ. وَقَالَ ناَفِعٌ: كانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ وَيَحُضُّهُمْ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا. (باب جَهْر الإمامِ بالتَّأْمين)، (آمين) يُمدُّ ويُقصَر، والميم مُخَفَّفةٌ، وبناؤه على الفتح لاجتماع ساكنَين نحو: وكيف، ومعناه: فَلْيَكُ كذلك، وقيل: اللَّهمَّ استَجِبْ، قيل: والتَّشديد خطأٌ، لكن قال الوَاحِديُّ: إنَّه جاء فيه التَّشديد مع المَدِّ. (لَلَجَّةً) اللام الأُولى لام الابتداء الواقعةُ في اسم (إنَّ) المكسورة بعد (حتَّى)، واللَّجَّة بالفتح: الضَجَّة، وارتجاج الأصوات المُختلطة، وفي بعضها: (جَلَبَة)، بفتحات، وفي بعضها: (رَجَّة)، بالرَّاء، وهي ما ذكره (ش): قال: وروي: (لَلَجَّة)، وهو أصحُّ.

(لا تفتني)؛ أي: لا تَسبِقْني. قال (ش): كذا في بعض النُّسخ، وفي بعضها بالفاء والشِّين المُعجَمَة، والمحفوظ تسبِقْني بسينٍ مُهمَلةٍ، ثم بموحدةٍ، ثم قافٍ. قال (ط): أي: لا تُحرم في الصَّلاة حتَّى أَفرُغ من الإقامة لئلا تَسبقني بقراءة أُمِّ القرآن، فيفوتَني التأمين معك، وفيه عُلْقةٌ للحنفية في إحرام الإمام عند: قامت الصَّلاة، وغيرُهم لا يَرى إحرام الإمام إلا بعد تَمام الإقامة. (لا يدعه)؛ أي: لا يَتركُه. (ويحضهم) بمُهمَلةٍ، ثم معجمةٍ. (وسمعت)؛ أي قال نافعٌ: وسمعتُ من ابن عُمر في التَّأْمين. (خبرًا)؛ أي: حديثًا عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذه رواية أبي ذَرٍّ، ورُوي: (خَيْرًا) بمُثنَّاةٍ تحت، أي: فضْلًا وثوابًا. * * * 780 - حَدَّثَنا عبدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "آمِينَ". (إذا أمن الإمام) فيه أنَّه يُؤَمِّن، وأنه يجهر به في الجهريَّة. (وافق)؛ أي: وقت التَّأمين، فأمَّن معهم، وقيل: المُراد الموافقة في الصِّفة من خُشوعٍ وإخلاصٍ ونحوهما، سواءٌ كان في زمنٍ واحدٍ أو لا؛ لأنَّ الثَّواب على ذلك لا كونه في زمَنه. (الملائكة) قيل: الحفَظة، وقيل: غيرهم؛ للحديث الآتي: (وقال أهل السَّماء)، والأَولى الحمْل على الأعمِّ؛ لأنَّ اللام للاستغراق، فيقولها الحاضر من الحفظة، ومن فوقَهم إلى الملأ الأَعلى. (ما تقدم) هو عامٌّ خُصَّ منه المتعلِّق بحقوق النَّاس؛ فإنَّه لا يُغفر بالتَّأْمين للأدلة فيه، نعم، هو شاملٌ للكبائر إلا أنْ يُدَّعَى خروجُها بدليلٍ آخر، وفيه أنَّ الملائكة يَدعون للبشَر ويَستغفِرون لهم، وفيه دليلٌ على قراءة الفاتحة؛ لأنَّ التَّأْمين لا يكون إلا عَقِبها. (يقول آمين) هو تفسيرٌ لتأمين النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وبيان صفته، وفيه ردٌّ لمن زعَم أنَّ المُراد إذا دعا الإمام بقوله: (اهدِنا ...) إلى آخره. قال (خ): الفاء في: (فإنَّه) تعليلٌ، فلولا أنَّ المراد: إذا أمَّن الإمام فقولوا: آمين كالملائكة = لم يصحَّ تعليله به. * * *

112 - باب فضل التأمين

112 - بابُ فَضْلِ التَّأْمِينِ (باب فَضْل التَّأمين) 781 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (أحدكم) فيه أنَّ التَّأمين سنَّةٌ لكلِّ مصلٍّ من إمامٍ ومأمومٍ ومنفردٍ. (في السَّماء) فيه أنَّه لا يختصُّ بالحفَظة كما سبَق. (إحداهما الأخرى)؛ أي: كلمةُ تأمينِ أحدِكم، وكلمةُ تأمينِ الملائكة. (من) هي للبَيان لا للتَّبعيض. * * * 113 - بابُ جَهْرِ الْمَأْمُومِ بالتَّأْمِينِ (باب جَهْرِ المَأمومِ) 782 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى

أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا قَالَ الإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَنعيْمٌ الْمُجْمِرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -. (فقولوا) وجْه دلالته على الجهرية؛ لأنَّ الإمام يجهر، والمأمومُ مأمورٌ باتباعه، فيجهر به أيضًا. (ولا الضالين) قال (خ): لا يُخالف هذا ما في رواية: (إِذا أَمَّنَ)؛ فإنَّه يقدَّر هنا إذا قال: ولا الضَّالين، وقال: آمين؛ لأنَّ أزمنتها متقاربةٌ، فمرَّةَ يُصرِّح، ومرَّةً يقدِّر، وأيضًا فسعيد وأبو سلَمة أحفظُ من أبي صالح، وأفقه، أو يُحْمَل حديث أبي صالح على مَن تَباعد عن الإمام فكان بحيث لا يَسمع التامين؛ لأنَّ جهر الإمام فيه أخفض على كلِّ حالٍ، فقد يَسمع قراءته، ولا يَسمع تأمينَه لكثرة الصُّفوف ونحو ذلك. وقال (ن): تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا بعدَه، فرواية: (إِذَا أمَّنَ)، معناها: إذا أراد التَّأمين جمعًا بين الحديثين؛ فإنَّ إرادة التَّأْمين بعدَ: {وَلَا الضَّالِّينَ}، فتتعقب إرادته تأمينه وتأمينهم معًا. قال التَّيْمي: إن أصحاب مالك تعلَّقوا بهذا على أنَّ الإمام لا يُؤَمِّن؛ إذْ لو أمَّن لمَا قال: (فَإِذَا قَالَ: وَلا الضَّالِّيْن)، ولأنَّ الإمام

114 - باب إذا ركع دون الصف

داعٍ في الفاتحة من الدُّعاء، والمأموم مُؤَمِّن، وجوابه: التَّصريح في رواية: (فإِذا قَال: آمِيْن)، ثم اختلَفوا في الجهْر بها، فقال الشَّافعي، وأحمد: يجهر بها، وقال الكوفيُّون، ومالك: يُسِرُّ بها. (تابعه محمَّد بن عمرو)؛ أي: تابَعَ سُمَيًّا، وصلَ ذلك كلَّه ابن خُزَيْمَة، والسَّرَّاج. (وَنُعَيْم المُجْمِر) وصلَه أيضًا ابن خُزَيْمَة، والسَّرَّاج، وكذا الطَّبَراني، وابن حِبَّان، والحاكم، والدَّارَقُطْني في حديثٍ مطوَّلٍ آخرُه: (بعد أنْ سلَّم قال: أَنا أشبَهُكم صلاةً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -). * * * 114 - بابٌ إِذا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ (باب إذا ركَع دُون الصَّفِّ)، أي: قَبْل الوُصول إليه. 783 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنِ الأَعْلَم -وَهْوَ زِيَادٌ-، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّهُ انُتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فَرَكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ". (لا تعد)؛ أي: إلى أن تَركع دون الصَّفِّ، حتَّى تقوم في الصَّفِّ، وقيل: لا تَعُد إلى أن تسعى للصَّلاة سَعْيًا بحيث يَضيق عليك

115 - باب إتمام التكبير في الركوع

النفَس، وقيل: لا تَعُد إلى الإبطاء، وقال التَّيْمي: يحتمل: لا تَعُد إلى المشي إلى الصَّفِّ، فإنَّ الخُطوة والخطوتين وإن لم تُفسد الصَّلاة فالأَولى التَّحرُّز عن ذلك، وقال (خ): لا تَعُد تَنفرد في جُزْء من الصَّلاة، ثم تأتي إلى الصَّفِّ في الباقي؛ فإنَّ ذلك مكروهٌ، فهو حينئذٍ دليلٌ على صحَّة الصَّلاة منفردًا كما هو مذهب الثَّلاثة خلافًا لأحمد؛ لأن الرُّكوع جزءٌ، والانفراد في جُزءٍ كالانفراد في الكلِّ، ولو كان النَّهي للتَّحريم لأمرَه بالإعادة. قال البَغَويُّ: وفيه أنَّ مَن أَدرك الإمامَ على حالٍ يجب أن يصنَع كما يصنَع. * * * 115 - بابُ إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُويْرِثِ. (باب إِتْمامِ التَّكبير في الرُّكوعِ)، فائدةُ ذكْرِ الإتمام مع أنَّ حقيقة التَّكبير لا تَزيد ولا تَنقُص: لأنَّ المراد مدُّ التكبير للانتقال من القيام إلى الرُّكوع بحيث يُتمُّه في الرُّكوع. (قال ابن عبَّاس) وصلَه قريبًا. (فيه: مالك) وصلَه في (باب كيف يَعتمد على الأرض؟). * * *

784 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: ذَكَّرَناَ هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كلَّمَا رَفَعَ وَكلَّمَا وَضَعَ. (الجُرَيْري) بضَمِّ الجيم، وفتح الرَّاء الأُولى، وسُكون المُثنَّاة تحت: سَعيد بن إِيَاس. (عن أبي العلاء) يزَيْد بن عبد الله بن الشِّخِّيْر. (عن مُطَرِّف)؛ أي: ابن عبد الله بن الشِّخِّيْر أخيه. (بالبصرة) مثلَّثُ الباء، حكاه الأَزْهَري، والأشهر الفتح، قال السَّمْعَاني: يُقال لها: قُبَّة الإسلام، وخِزَانة العرَب، أحيا أرضَها وبناها عُتْبَة بن غَزْوَان في خلافة عُمر، ولم يُعبَد صنَمٌ في أرضها قطُّ. قال أصحابنا: هي داخلةٌ في سَواد العِراق، وليس لها حكمُه. قلتُ: إلا في موضعٍ غربيَّ دِجْلتها، وموضعٍ شرقَها على ما صحَّحه (ن). (ذكَّرنا) بتشديد الكاف. (بصلاة) يُروى (صلاةَ) بلا باءٍ. (هذا الرَّجل)؛ أي: علي - رضي الله عنه -.

116 - باب إتمام التكبير في السجود

(كلما رفع) خُصِّص عمومُه بحديث: "سَمعَ اللهُ لمَنْ حَمِدَه" عند الاعتدال. * * * 785 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لأَشْبَهُكُمْ صَلاَةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (انصرف)؛ أي: من الصَّلاة. (لأشبهكم)؛ أي: لأنَّه كان يُكبِّر في الانتِقالات، ففيه التَّعريض بمَن لا يُكبِّر في بعض ذلك، ولا يكبر إلا في الإحرام فقط، وعن أحمد وُجوبُ جميع التَّكبيرات، وفيه أنَّ التَّكبير ينبغي أن يُقارِن الخفضَ والرَّفْعَ لا متقدِّمًا ولا متأخِّرًا. * * * 116 - باب إِتمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ (باب إتْمامِ التَّكبيرِ في السُّجُودِ) 786 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ

جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أَناَ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأَوَّل: (قضى)؛ أي: فَرَغَ، لا القضاء الاصطلاحي. (هذا)؛ أي: عليٌّ، أي: لأنَّه يُكبر في كل انتقالٍ. * * * 787 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: رَأَيتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَإِذَا قَامَ، وِإذَا وَضَعَ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ أُمَّ لَكَ. الثَّاني: (رجلًا) هو أبو هُريرة، كما في "مسند علي بن عبد العزيز"، و"أوسط الطَّبَراني"، وفي "مستخرج أبي نُعَيْم": أنَّ تلك الصَّلاة كانت الظُّهر. (أوليس) الهمزة للاستِفهام الإنكاريِّ، فالمعنى في نَفْي النَّفْي

117 - باب التكبير إذا قام من السجود

إثباتُ أنَّها صلاةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (لا أم لك) ذمَّهُ حيثُ جَهِلَ أنَّ هذه السُّنَّة. * * * 117 - بابُ التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ (باب التَّكبيرِ إِذا قَامَ من السُّجُود) 88 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَخْبَرَناَ هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَحْمَقُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ. (باب التَّكبيرِ إِذا قَامَ من السُّجُود) الحديث الأَوَّل: (ثنتين وعشرين)؛ أي: لأنَّها رُباعيَّة، أمَّا في الثُّنائيَّة فإحدى عشرةَ، وفي الثُّلاثيَّة فسبعَ عشرةَ، ففي الصَّلوات الخمس أربعٌ وتسعون تكبيرةً. (أنَّه)؛ أي: الشَّيخ.

(أحمق)؛ أي: قَليلُ العقل. (ثَكِلتك) بالمُثلَّثة، وكسر الكاف من الثَّكَل، وهو فُقدان المرأَةِ ولَدَها. (سُّنَّة) خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هذا الذي فعلَه الشيخ سُنَّةٌ. (قال موسى) يُريد أنَّه روي عن أَبَان كما روي عن هَمَّام، فهو متصلٌ، أي: إلا أنَّ هذا الثَّاني بلفظ (حدَّثنا)، والأَوَّل بالعَنْعنة. * * * 789 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لَمِنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ -قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَلَكَ الْحَمْدُ- ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ. الحديث الثَّاني: (يهوي) بكسر الواو، مضارعُ هَوَى بالفتح، أي: سقَطَ إلى أسفَل،

118 - باب وضع الأكف على الركب في الركوع

وفيه التَّكبير لكلِّ انتقالٍ سِوى عند القيام من الرُّكوع. (قال عبد الله)؛ أي: قال في روايته عن اللَّيث: (ولَكَ الحَمْدُ)، بالواو بخلاف يحيى، فإنَّه روي عنه بلا واوٍ. وفيه دليلٌ على مقارنة التَّكبير لهذه الحرَكات، ويَمُدُّه حتَّى يَصل لمَا بعدَه، ومنه القيام من التَّشهُّد يمده حتَّى يَنتصب، وقال مالك: لا يكبِّر له حتَّى يستويَ قائمًا، وهو خلاف ظاهر الحديث، وفيه الجمع بين سَمِعَ الله لمن حمده، وربَّنا لك الحمد. * * * 118 - بابُ وَضْعِ الأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: أَمْكَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ. (باب وَضْعِ الأكُفِّ على الرُّكَبِ) (في أصحابه)؛ أي: بحضور الصَّحابة، كما سبَق في (باب استقبال القِبْلة). 790 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْناَ أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ.

119 - باب إذا لم يتم الركوع

(طبقت) (¬1)؛ أي: جعلتُهما على حَذْوٍ واحدٍ وألزقتُهما. (أُمرنا) بالضَّمِّ، أي: أمرَنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه الذي يَأمر. (أيدينا)؛ أي: أكفَّنا، فأطلَق الكُلَّ على الجُزء. * * * 119 - بابٌ إِذا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ (باب إذا لم يُتِمَّ الرُّكوع) بتشديد الميم وفتحها. 791 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ زيدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: رَأَى حُذَيفَةُ رَجُلًا لاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -. (مت) بكسر الميم وضمِّها: من ماتَ يَماتُ أو يَموتُ. (رجلًا) قال ابن خزَيْمَة: هو كِنْديٌّ، ولم يُسمِّه، والحديث مطوَّلٌ في "مسند أحمد". (ما صليت) قال التَّيْمي: أي: صلاةً كاملةً، وتسمَّى الصَّلاة ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "التطبيق في الصلاة: جعل اليدين بين الفخذين في الركوع".

120 - باب استواء الظهر في الركوع

فِطْرةً؛ لأنَّها أكبر عُرَى الإيمان، وقيل: نفَى الفعلَ عنه بما اكتَفى عنه من التَّجويز مثل: "لا يَزْنِي الزَّاني حينَ يَزْني وهو مُؤمِنٌ". (غير الفطرة) قال (خ): هو توبيخٌ له على سُوء فِعله ليَرتَدِعَ كحديث: "مَنْ تَركَ الصَّلاةَ فقَدْ كَفَرَ"، أي: يؤديه التهاون بها إلى جحدها، فيكْفُر، لا أن المراد بتركها: يخرج من الدين، وقد تكون الفطرة بمعنى السُّنَّة كما في حديث: "خمس من الفطرة"، قال: وتَرْك إتمام الرُّكوع ونحوه على وجهَين: أحدهما: الإيجاز فيه. وثانيها: الإخلال بما يُعتبر في صحَّته وصدقِ اسمه، وهو ما أراد حُذَيْفة. * * * 120 - بابُ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوع وَقَالَ أَبو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: رَكعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ. (باب استِواءِ الظَّهر) لم يذكر (ك) التَّرجَمة، وشرح حديثها في الباب قبلها، فقال: (هَصر) بفتح المُهمَلة؛ أي: كسَر، وهصَرتُ الغُصنَ: أخذتَ برأسه فأمَلْتَه إليك.

121 - باب حد إتمام الركوع

قال (ش): هصَرَه، أي: ثَناهُ إلى الأرض؛ قاله صاحب "المَطالِع" وغيره، وقال صاحب "الأَفعال": هصَرَ الشَّيء هَصْرًا: أخذَ بأعلاه ليُميلَه إلى نفسه. قال: فمن زعم أنَّه بمعنى بسَط مغترًّا بتبويب البُخاري: (باب استِواء الظَّهر) فقد غَلِط، وقد ذكرنا أنَّ النَّاس فسَّروا الهصر بغير التَّسوية، ونظيره ما وقع للبخاري في (باب الغُسل في الحِلاَب)، انتهى. * * * 121 - بابُ حَدِّ إتمامِ الرُّكوعِ (باب حَدِّ إتمام الرُّكوع) 792 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسُجُودُهُ وَبَينَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، مَا خَلاَ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. (الاطمأنينة) بكسر الهمزة، وضمِّها. (بَدَل) بفتح المُوحَّدة، والمُهمَلة. (ابن المُحَبَّر) بضَمِّ الميم، وفتح المُوحَّدة المشدَّدة.

122 - باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم ركوعه بالإعادة

(وكان ركوع) على حذف مضافٍ؛ أي: زمانُ ركوعٍ، وكذا ما بعده. (وبين السجدتين)؛ أي: الجُلوس بينهما. (وإذا رفع)؛ أي: الاعتدال، و (إذا) هنا لمجرَّد الزَّمان مُنسلِخًا عن الاستقبال. (القيام)؛ أي: قيام القراءة. (والقعود)؛ أي: للتَّشهد، أي: فإنَّ هذَين أطْوَل من غيرهما، والاستِثناء من المعنى، فإنَّ معناه: كان أفعال صلاته ما خَلاها. (قريبًا) فيه إشعارٌ بالتَّفاوت، والزِّيادة في البعض لا بُدَّ أن تكون على القَدْر الذي لا بُدَّ منه وهو الطُّمأنينة. (من السَّواء)؛ أي: المُساواة. قال (ط): هذه أكمل صفات صلاة الجماعة، وأما الرَّجل وحدَه فله أنْ يُطيل في الرُّكوع والسُّجود أضعافَ ما يُطوِّل فيما بين السَّجدتين، وبين الرُّكوع والسَّجدة، وأقلُّ المجزئ -كما قال ابن مسعودٍ-: أنْ يُمكِّنَ يدَيه من رُكبتَيه. * * * 122 - بابُ أَمْرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يُتمُّ رُكُوعَه بالإِعَادَةِ (باب أَمْرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يُتِمُّ رُكوعَه بالإعادةِ)؛ أي: إعادة

الصَّلاة؛ سبَق شرح الحديث فيه في (باب وجوب القِراءة للإمام). * * * 793 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْمَسْجدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ السَّلاَمَ فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، قَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كلِّهَا". (ثلاثًا) متعلِّقٌ بـ (صلَّى)، وبـ (جاءَ)، وبـ (سلَّم)، وبـ (قال)، فهو من تنازُع أربعة أفعالٍ. * * *

123 - باب الدعاء في الركوع

123 - بابُ الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ (باب الدُّعاء في الرُّكوعِ) 794 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي). (سبحانك) علَمٌ على التَّسبيح، أي: التَّنْزيه عن النَّقائص، وإنَّما أُضيفَ بتقدير تَنكيره حين الإضافة، ونصْبه بفعلٍ محذوفٍ لُزومًا، أي: أُسبِّحُ. (وبحمدك)؛ أي: سبَّحتُ بحمدك، أي: بتَوفيقك وهدايتك، لا بحَولي وقُوَّتي، ففيه شكْرُ الله على هذه النِّعمة والاعتراف بها، والتَّفويض إلى الله. والواو فيه إما للحال، أو لعطف جملةٍ على جملةٍ سواءٌ قُلْنا: إضافةُ الجملة إلى الفاعل، والمرادُ من الحمد لازمُه مجازًا، وهو ما يوجب الحمد من التَّوفيق والهداية، أو إلى المفعول، ويكون معناه: وسبَّحتُ متلبِّسًا بحمدي لك. (اغفر لي) فائدته مع كونه معصومًا: بيانُ الافتقار والإذعان،

124 - باب ما يقول الإمام ومن خلفة إذا رفع رأسه من الركوع؟

وإظهارُ العبودية والشُّكر، وطلبُ الدَّوام، أو الاستغفارُ عن ترك الأَولى، أو التَّقصيرِ في بُلوغ حق العبادة، أو تعليمُ الأُمة، بل الدُّعاء نفسه عبادةٌ، وهو مأمورٌ به، فهو امتثالٌ لقوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3]، وكان يَأْتي به في حالتَي الركوع والسجود؛ لأنَّ حالة الصَّلاة أفضلُ من غيرها، وفي هذَين زيادةُ الخُشوع والتَّواضع. * * * 124 - بابُ مَا يَقُولُ الإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَةُ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ؟ (باب ما يقولُ الإمامُ ومَنْ خلْفَه) 795 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ"، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ركَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ". الحديث الذي أَورده وإنْ لم يكن فيه تعرُّضٌ لقول: مَن خلْفه، لكن جاء: "صلُّوا كمَا رأَيتُمونِي أُصلِّي"، فدلَّ تعميمُه على ذلك. (وإذا رفع رأسه)؛ أي: من السُّجود لا الرُّكوع. (من السجدتين) يحتمل حقيقتَهما، ويحتمل من الرَّكعتَين؛ لأنَّ

125 - باب فضل "اللهم ربنا لك الحمد"

الرَّكعة تسمَّى سجدةً مجازًا. (يكبر) عبَّر بالمضارع، وفيما بعدُ بالماضي، وهو: قال؛ لأنَّ المُضارع للاستمرار، أي: يستمرُّ تكبيره ممدودًا من أوَّل الرُّكوعِ والرَّفْعِ إلى آخرهما، بخلاف التَّكبير للقيام، فإنَّه لا يستمرُّ، ولهذا قال مالك: لا يُكبِّر للقيام من الرَّكعتَين حتَّى يستويَ قائمًا، وأما تَعبيره أوَّلًا: بـ (يُكبِّر)، وثانيًا: (فقال: الله أكبر)، فهو تَفنُّنٌ في الكلام، ولتعميم يُكبِّر قولَه: الله أكبر ونحوَه. * * * 125 - بابُ فَضْلِ "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ" (باب فضْل: اللَّهُمَّ ربَّنا لكَ الحَمْد) 796 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". سبَق شرح الحديث فيه في (باب إيجاب التَّكبير)، والخلافُ في قول الإمام: (سمع الله لمن حمده)، (وربَّنا)، بين مالك وأبي حنيفة، وبين غيرهما في (باب رفْع اليدين في التكبيرة الأُولى)، ويأتي أيضًا

126 - باب

في (باب الهوي بالتكبير). * * * 126 - بابٌ (باب القُنُوت) 797 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لأقَرِّبَنَّ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقْنُتُ فِي رَكْعَةِ الأُخْرَى مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَصَلاَةِ الْعِشَاءَ، وَصَلاَةِ الصُّبْح، بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ. 798 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ. الحديث الأَوَّل: (لأُقَرِّبنَّ)؛ أي: لأُقرِّبكم إلى صلاته، أو لأُقرِّب صلاتَه إليكم. (ويلعن) هو الطَّرد والبُعد عن رحمة الله، وفيه جَواز لعْن طائفةِ الكفَّار. قال (ن): قال الغَزَاليُّ وغيره: بخلاف لعْن أعيانهم حيًّا كان أو مَيْتًا، فلا يجوز إلا مَن علِمْنا بالنُّصوص أنَّه مات كافرًا كأبي لَهَب.

وفيه: أنَّ الدُّعاء على الكفَّار لا يُفسد الصَّلاة، وإنَّما كان يلعنُهم مع أنَّ فيه تنفيرًا لهم عن الإيمان؛ لأنَّه كان قبلَ نُزول: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، وصحَّ عن أنَس: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - ترَكَ الدُّعاء عليهم. أما القُنوت فمسنونٌ في الصُّبح خلافًا لأبي حنيفة، وأحمد، قال مالك: يقنت قبل الرُّكوع دائمًا؛ لمَا صحَّ عن أنس أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يتركْه فيه، حتَّى فارقَ الدُّنْيا، وأما غيرها فثالثُ الأقوال الصَّحيح: أنَّه يقنُت لنازلةِ كعدوٍّ أو قحْطٍ. * * * 799 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْلَمةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَن نعيْمِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُجْمِرِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ خَلَّادٍ الزُّرَقيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَن رِفَاعَةَ ابنِ رَافِعٍ الزُّرَقيِّ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كثِيرًا طَيِّبًا مُبَاركًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "مَنِ الْمُتكَلِّمُ؟ "، قَالَ: أَناَ، قَالَ: "رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ". الحديث الثَّاني: (فقال رجل) قال في "جامِع الأُصول": هو رِفَاعَة المذكور. قلتُ: هو في التِّرْمِذي، وجعلَه ابن مَنْدَهْ غيرَ راوي الحديث،

ووَهِمَ الحاكم، فجعلَه: مُعاذ بن رِفَاعَة. (حمدًا) منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ دلَّ عليه: لكَ الحمْد. (طيبًا)؛ أي: خالِصًا من الرِّياء والشُّبهة. (مباركًا فيه)؛ أي: كثيرَ الخَيْر. (من المُتكلِّم)؛ أي: بهذه الكلِمات. (بضعًا) بكسر الباء، وجاءَ فتحُها: ما بين الثَّلاثة والتِّسْعة، وفي بعضها: (بِضْعَةَ)، وزعم الجَوْهَري: أنَّه يقال: بضْع سنين، وبضْعَةَ عشرَ رجلًا، ولا يُجاوز، فلا يُقال: بضْعٌ وعشرون، وخَطَّؤوه؛ لأنَّ أفصح الفُصحاء - صلى الله عليه وسلم - قد تكلَّم بذلك. (يبتدرونها)؛ أي: يسعَون في المُبادَرة. (أيهم) يحتمل أن تكون (أيُّ) استفهاميَّةً، فتُرفع بدَلًا من الضَّمير في (يبتدرون)، أي: يَبتدرُ مَن يكتب، كما في قول عُمر: فبانَ النَّاسُ يَدُوكُونَ أيُّهم يُعطَاها، وأنْ تكون موصولةً، فتُنصب بـ (يَبتدرون)، كما جوَّز أبو البقَاء الوجهَين في قوله تعالى: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57]، فقال: ونصَبَه (يبتغون) وإنْ لم يكن فعْلًا قلبيًّا. (أول) مبني على الضم لنية الإضافة؛ أي: كل منهم يُسرع يكتبها أولًا ويصعد بها إلى حضرة الله عز وجل لعظم قدرها، وفي بعضها: (أول)، بالفتح. قال السُّهَيْلي: ويُروى أيضًا بالنَّصْب على الحال، وكذا قول أبي

127 - باب الاطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع

بُرْدة: أحبَبتُ أن تكون شاتِي أوَّلَ ما يُذبح، وأصل أَوَّل: (أَوْأَل) بوزن أَفْعَل، مهموز الوسط، فقُلبت الهمزة واوًا وأُدغمت، وقيل: وَوَّل بوزن: فَوْعَل، فقُلبت الواو الأُولى همزةً، ثم إنْ وصفْتَ به لم تَصرفْه، تقول: (ما رأيتُه مذْ عام أَوَّلُ) برفع أوَّل صفةً لعام، أي: أوَّل من عامنا، وبنصْبه تجعله كالظَّرف، كأنَّه قال: قَبْل عامِنا، وإذا قلتَ: (أبدأُ بهذا أوَّلُ) ضممْتَه على الغاية، وإنْ أَظهرت المَحذوفَ نصبتَه، فقلت: أَبدأُ به أوَّلَ فعل. ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ القُنوت في الأصل الطاعة، ثم سُمي به القائم في الصَّلاة، ثم صار اسمًا للدُّعاء المشهور، فلعلَّ البُخاري أرادَ به تطويل القيام في الاعتدال بذكْر الأدعية فيه، سواءٌ كان دعاءَ قُنوتٍ أو غيرَه، على أنَّه ليس في بعض النُّسَخ للباب ترجمةٌ، فيكفي فيه بيانُ فضْل الحمد. قال (ط): وفيه ثَواب التَّحميد لله تعالى، والذِّكر له، وجوازُ رفْع المُذكِّر صوتَه بالتَّحميد في المَساجِد الكثيرة الجمْع. * * * 127 - بابُ الاِطْمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: رَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتَوَى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانهُ.

(باب الطُّمأْنينة حين يَرفَع رأْسَه من الرُّكُوع) المُخالِف في وجوبها الحنفيَّة، وفي بعضها: (الاطمأْنينة). (وقال أبو حُميد) سيَأتي وصْلُ حديث أبي حُميدٍ بتمامه قريبًا. (جالسًا) هي ساقطةٌ من بعضها. (فَقار) بفتح الفاء، وخفَّة القاف: واحدهُ فِقَارَةٌ، وهو في بعضها كذلك، لكن المُراد الكلُّ المجموعيُّ لا كلُّ فردٍ فردٍ. * * * 800 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ أَنسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ يُصَلِّي وإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نقُولَ: قَدْ نسَيَ. الحديث الأَوَّل: (ينعت)؛ أي: يَصِفُ. (حتَّى نقول) بالنَّصْب. (نسي)؛ أي: أُنسيَ وُجوبَ الهُوِي إلى السُّجود. * * * 801 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ.

الحديث الثَّاني: سبَق شرحه في (باب حدِّ إتمام الرُّكوع). * * * 802 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ:. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُويرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ، فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكعَ فَأَمْكَنَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَتَ هُنَيَّةً، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا صَلاَةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي بُرَيْدٍ، وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ. الثَّالث: (أمكن) هو بمعنى مكَّنَ -بالتَّشديد-. (فأنصتَ)؛ أي: سكَتَ، أي: لم يُكبِّر للهُوِيِّ في الحال. (هُنيئة) بضَمِّ الهاء، أي: قَليلًا، وسبَق بيانه في (باب: ما يَقول بعد التَّكبير). (قال)؛ أي: أبو قِلابَة. (شيخنا أبي يزَيْد)، قال الغَسَّاني: بالتَّحتانيَّة، والزَّاي، غيرُ منصرِف: عَمْرو بن سلِمَة -بكسر اللام- الجَرْمي، كذا في طرُق البُخاري سِوى ما ذكَره أبو ذَرٍّ الهَرَوي، عن الحَمُّوي، عن الفَرَبْري: أنَّه أبو بُرَيد

128 - باب يهوي بالتكبير حين يسجد

بموحَّدةٍ مضمومةٍ وبراءٍ، وهكذا كنَّاه مسلم، وقال عبد الغني المِصْري: لم أسمعْه من أحدٍ إلا بالزَّاي، لكنْ مسلمٌ أعلمُنا بأسماء المحدِّثين، وسبَق مباحث الحديث في (باب: من صلَّى بالنَّاس وهو لا يُريد إلا أنْ يُعلِّمهم). * * * 128 - بابٌ يَهْوِي بالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ وَقَالَ ناَفِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ. (باب الهُوِيِّ بالتَّكبير) (وقال نافع) وصلَه ابن خُزَيْمَة، والبيهقيُّ، وغيرهما مرفوعًا. (يضع يديه) هذا مذهبُ مالكٍ، قال: لأنَّه أحسَنُ في سكينة الصَّلاة ووَقارها، وعنه روايةٌ: يضَع أيَّهما شاء، وقال الثَّلاثة: يضَع ركبتَيه قبلَ يدَيه؛ لأنَّ الرُّكبتين أقرب إلى الأرض فتُوضَع أوَّلًا، وكذا رواه وائِل عن فِعْل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 803 - حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ قَالَ: حَدَّثَنا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو بَكْرِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ الحارثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبُو

سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أكبَرُ، حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الاِثْنتَيْنِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلاَةِ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلاَتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. قَالاَ: وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: وكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ، يَدْعُو لِرجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسمَائِهِمْ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ"، وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ. الحديث الأَوَّل: (يَهْوِي) بفتح الياء، وكسر الواو، وفي بعضها بضَمِّ الياء. (ثم يقول: الله أكبر) كذا صرَّح به، وفي سائر المواضع بلفظ: (ثُمَّ يُكبِّر)؛ لأنَّ الباب معقودٌ له، فأتَى برواية النَّصِّ على لفْظه، وسبَق

شرح الحديث مرارًا. (إن كانت)، (إن) مُخَفَّفةٌ من الثَّقيلة، واسمها ضمير الشَّأْن. (يدعو) خبرٌ لـ (كان) بعد خبَر، أو عطفٌ بدُون عاطفٍ، كما قال (ن): في التَّحيَّات المُبارَكات: إنَّ تقديره: والمُبارَكات، حُذفت منه الواو اختصارًا، وهو جائزٌ معروفٌ في اللُّغة، وفي بعضها: (ثُمَّ يَدْعُو). (لرجال)؛ أي: من المُسلمين. (الوليد) بفتح الواو، وكسر اللَّام، هو أخو خالِد، أُسر يوم بدْرٍ كافرًا، فلمَّا فُدِي أسلَم، فقيل له: هلَّا أسلمتَ قَبْل أن تَفتدي، فقال: كرهتُ أن يُظَنَّ بي أنِّي أسلمتُ جزَعًا، فحُبِس بمكَّة، ثم أُفلتَ من إسارهم بدعائه - صلى الله عليه وسلم -، ولَحِقَ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وسلَمة) بفتح اللام، هو أخو أبي جهل، إسلامُه قديمٌ، وعُذِّب في الله، ومُنع من الهجرة للمدينة، استُشهد سنة أربعَ عشْرةَ أوَّلَ خلافة عمر. (وَعَيَّاش) بفتح المُهمَلة، وشَدَّة التَّحتانيَّة، وبالمُعجَمَة. (ابن أبي ربيعة)؛ أي: عمرو، وهو أخو أبي جهل لأُمه، أسلَم قديمًا، وأوثَقَه أبو جهل بمكَّة، قُتِل يوم اليَرْموك بالشَّام، وهؤلاء الثَّلاثة جدُّهم المُغيرة، وهم أسباطٌ، كلُّ واحدٍ منهم ابن عمِّ الآخَر. (والمستضعفين) عامٌّ بعد خاصٍّ. (وَطْأتك) بفتح الواو، وسكون المُهمَلة، وفتح الهمزة: البَأْس

والعُقوبة، من الوَطْء الذي هو شِدَّة الاعتِماد بالرِّجْل. (مُضَر) بضَمِّ الميم، وفتح المُعجَمَة، غير منصرِف، أي: ابن نِزَار، والمُراد القَبيلة. (واجعلها)؛ أي: الوَطْأَة. (كسني يوسف) أي: في القَحْط، وامتدادِ زمان المِحْنة والبَلاء، وغاية الشِّدَّة، وجمعه بالواو والنُّون شذوذٌ؛ لأنَّه غير عاقلٍ، ولتغيُّر مفرده بكسر أوَّله، ولهذا أعربَه بعضهم بحركاتٍ على النُّون كالمُفرد، كما في قوله: دَعَانِيَ مِنْ نَجْدٍ فإِنَّ سِنيْنَهُ ... لَعِبْنَ بِنَا شِيْبًا وشَيَّبْنَنا مُرْدا قال (خ): فيه إثباتُ القُنوت، وأنَّه حين الرَّفْع من الرُّكوع، وأنَّ تسمية من يُدعا له وعليه لا تُبطل الصَّلاة. * * * 805 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ فَرَسٍ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: مِنْ فَرَسٍ- فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْناَ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: صَلَّيْنَا قُعُودًا- فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا

قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا". قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا جَاءَ بِهِ مَعْمَرٌ؟ قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: لَقَدْ حَفِظَ، كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَكَ الْحَمْدُ، حَفِظْتُ مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ -وَأَناَ عِنْدَهُ-: فَجُحِشَ سَاقُهُ الأَيْمَنُ. الحديث الثَّاني: (وربما) أصلها للتَّقليل، ولكن تُستعمل للتَّكثير كثيرًا. (من)؛ أي: بدل (عن). (جُحِش) بضَمِّ الجيم؛ أي: خدش. (قعودًا) مصدرٌ، أو جمعُ قاعدٍ، وسبَق أنَّ ذلك نُسِخَ بصلاتهم قِيامًا في مرَض مَوته - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا. (كذا جاء به مَعْمَر)؛ أي: أَكَذا، فهمزةُ الاستفهام فيه مقدَّرةٌ، أي: قال سُفيان سائِلًا من ابن المَدِيْنِي: أَوردَه مَعْمَرٌ مثلَ الذي رويتُه أنا؟، فقال ابن المَدِيْنِي: (قلتُ: نعم، قال)؛ أي: سُفيان. (لقد)؛ أي: واللهِ لقَدْ. (ذلك)؛ أي: بالواو، وهذا تفسيرُ بيانٍ لقوله كذا قال، أي: حَفِظ كما قالَه الزُّهري، فابن المَدِيْنِي كما يَرويه عن سُفيان، عن الزُّهري، يرويه عن مَعْمَر، عن الزُّهري، لكنْ أراد سُفيان بهذا الاستِفهام تَقرير

129 - باب فضل السجود

روايته برواية مَعْمَرٍ له، وفيه تحسينُ حفْظه. (حفظت من شقه الأيمن)؛ أي: حفظتُ من الزُّهري أنَّه قال: فَجُحِشَ مِنْ شِقِّه الأيمن. (ابن جُرَيْج)؛ أي: عبد المَلِك بن عبد العَزيز بن جُرَيْج. (وأنا عنده)؛ أي: وأنا كُنْت عند الزُّهري، فقال: ساقُه بدَلَ شِقِّه، فهو عطْفٌ على مقدَّرٍ، أو جملةٌ حاليَّةٌ من فاعل (قال) مقدَّرًا، أي: قال الزُّهري، وأنا عنده، ويحتمل أنَّ هذا مقولُ سُفيان لا مَقول ابن جُرَيْج، والضَّمير حينئذٍ راجعٌ لابن جُرَيْج لا للزُّهري. * * * 129 - بابُ فَضْلِ السُّجُودِ 806 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ"، قَالُوا: لاَ، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ،

فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَتقُولُ: أَناَ رَبُّكُّمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَناَ رَبّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَاني جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِاُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونهمْ وَيَعْرِفُونهمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكلُهُ النَّارُ إِلَّا أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُل بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ

غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ، فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَارَبِّ! قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَيثِاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ، فَيقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا، فَرَأَى زَهْرتهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! ألَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللَّهُ عز وجل مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ، قَالَ اللَّهُ عز وجل مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انتهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا قَوْلَهُ: "لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ".

(باب فضْلِ السُّجود) (نرى)؛ أي: رُؤية البصَر، وإلا فرُؤية العِلْم تحتاج لمفعولَين، ولمَا كان للتقييد بيوم القيامة فائدةٌ. (تُمارون)؛ أي: تشكُّون، وهو بضَمِّ أوَّله، من المُفاعَلة، وفي بعضها بفتحها من التَّفاعُل، وأصله تَتَمارَون؛ حذفتْ إحدى تاءَيه. (كذلك)؛ أي: بلا مِرْية بل بظهورٍ وجَلاءٍ، ولا يَلزم مسامتةٌ ولا جهةٌ؛ لأن اعتبار ذلك بالعادة، والعقلُ يجوِّز ذلك بدُونه. (فيقول)؛ أي: الله تعالى، أو: فيقول القائل. (فليتبع) بإسكانِ المُثنَّاة، وتَشديدها، ويُروى: (فليَتْبَعْهُ). (الطواغيت) جمع طاغُوت، وهو الشَّيطان، وكلُّ رأسٍ في الضَّلال، بوَزْنِ لاهوت؛ لأنَّه مقلوبٌ، لأنَّه من طَغَى. (فيها منافقوها)؛ أي: يَستهزئون بهم كما كانوا في الدُّنْيا، واتبعوهم لعلَّهم ينتفعون بذلك، حتَّى ضُرِبَ بينهم بسُورٍ له بابٌ باطنُه فيه الرَّحمة، وظاهرُه من قِبَله العذابُ. (فيأتيهم الله) كِنَايةٌ عن الظُّهور لاستِحالة التَّحوُّل عليه تعالى؛ لأنَّ الإتيان مستلزمٌ للظُّهور على المأتيِّ إليه، وأما تَكرار ذلك فلأنَّه في الأُولى ظُهور غير واضحٍ؛ لبقاء بعض الحجُب أولًا، والثَّاني غايةٌ في الظُّهور، أو أنَّه أبهم أولًا، ثم فسر ثانيًا بزيادةِ بيانٍ، والجائي أوَّلًا هو الملَك، ففيه إضمارٌ، لأنَّ الملَك معصومٌ، فكيف يقول: أنا ربُّكم،

فقال (ك): لا نُسلِّم عصمتَه من مثْل هذه الصَّغيرة، أو جاز ذلك لامتِحان المؤمنين، وهذا عجيبٌ؛ فإنَّه يلزم أنْ يكون قَولُ فِرْعون وغيره: أنا ربُّكم = من الصَّغائر، وأيضًا فإساءةٌ على الملائكة، فالصَّواب طرْح ذلك كلِّه لما قرَّره. (مكاننا) بالرَّفْع خبرُ المبتدأ. (فيقولون: أنت ربنا) ومعرفتهم له إما بأنَّ الله يخلق فيهم عِلْمًا به، وإما بما عرَفوا من وصْفِ الأنبياء لهم في الدُّنْيا، وإما بأنَّ جميع العُلوم تصير يوم القيامة ضَروريًّا، فإنْ قيل: ظاهرُه أَنَّ المُنافقين يرَون ربَّهم، قيل: ليس في الحديث إلا أنَّ الأُمَّة يَرونَه، ولا يدلُّ على رؤية الجميع، بل هو كما يُقال: قتَلَه بنو تَميم، وإنْ كان القاتل بعضَهم، ثم لو ثبَتَ العُموم صريحًا كان مخصوصًا بالإجماع، وسائر الأدلة. واعلم أنَّ هذا الحديث من المُتشابه، ففيه مذهبَا التَّفويض والتَّأْويل. قال (خ): الرُّؤية هنا غير الرُّؤية التي يُكرم الله بها أولياءَه في الجنَّة؛ لأنَّ هذا امتحانٌ ليتميَّز عابدوه من عابدي الشَّمس ونحوها، فيَتبع كلُّ فريقٍ معبودَه، ولا إنكارَ في [أنَّ] هذا الامتحان يبقى إلى الفراغ من الحساب، ثم يقع الجزاء بالثَّواب والعقاب. قال: وأما الإتيان فتَأويله: أنَّ طُروَّ الرُّؤية بعد أن لم يكن بمنزلة

إتيان الآتي من حيث لم يكونوا شَاهدوه من قبلُ، ويُشبه أن يكون حَجَبهم عن تحقُّق الرُّؤية في الأُولى، حتَّى قالوا: هذا مكاننُا من أجل أنَّ معهم منافقون لا يستحقُّون الرُّؤية، وهم عن ربِّهم محجوبون، فلمَّا تميَّزوا ارتفعت الحُجُب، فقالوا عندما رأَوه: أنتَ ربُّنا، ويحتمل أنَّ الأَوَّل قول المُنافقين، وهذا الأخير قول المؤمنين، وقد رواه البُخاري كما سيأتي بلفظ: (فيَأْتيهمُ اللهُ في غير الصُّورة التي يَعرِفُون، فيقول: أَنا رَبُّكُمْ)، وهذا يؤكِّد أنَّه قول المُنافقين، ولفظه وإنْ كان عامًّا فالمُراد خاصٌّ، وأما الصُّورة فالمراد بها الكيفيَّة، كما تقول: صُورة هذا الأمر كذا، أي: صفتُه، أو أنَّه خرَج على نَوعٍ من المُطابقة؛ لأنَّ سائر المَعبودات المذكورة صورةٌ، وقال (ع): يحتمل أن يقال: يَظهَر لهم في صُورة ملائكته التي لا تُشبه صفاتِ الإله اختِبارًا، فإذا قال لهم: أَنا ربُّكم؛ أنكَروا لمَا رأَوه من علامة المخلوق، ويستعيذون بالله منه. قلتُ: وكان شيخنا شيخ الإسلام البُلقيني -رحمه الله- يُقرِّره لنا بوجهٍ جميلٍ، وهو: أنَّ الله تعالى تَعبَّد عبادهُ بصفاتٍ فيه يَعرفونَها، واستَأْثر بعلمِ صفاتٍ أُخرى، فإذا تَجلَّى لهم يوم القيامة بصفةٍ لم يتعبَّدْهم بها أنكَرُوها، فإذا تَجلَّى لهم بالصِّفة التي تعبَّدَهم عرَفوها، وقالوا: أنْتَ ربنُّا، فلم يبقَ بعد ذلك في الحديث إشكالٌ أصلًا. (ظَهْرانيَ) بفتح الظَّاء، وسكون الهاء، وفتح النُّون، أي: ظَهْرَي، فزِيْدتِ الألف والنُّون للمُبالغة، وقيل: لفْظ الظَّهر مُقحمٌ أيضًا، وأنَّ

المُراد: يُمَدُّ الصِّراط عليها. وفيه إثبات الصِّراط، وهو جِسْرٌ على متْن جهنَّم أرَقُّ من الشَّعْر، وأحدُّ من السَّيف، يَمرُّ عليه النَّاس كلُّهم. (يجوز)، في رواية: (يُجيْزُ)، لأنَّ جازَ وأَجازَ بمعنًى واحدٍ، وهو قطع المسافة. (لا يتكلم)؛ أي: لشدَّة الأهوال، والمُراد حال الإجازة، وإلا فيَتكلَّم النَّاس في مواطنَ في القيامة، وتُجادِلُ كلُّ نفس عن نفسها. (سلم سلم) هو مِن كمال شفَقة الرُّسُل على الخلْق. (كَلاليب) جمع كلُّوب بفتح الكاف، وضمِّ اللَّام، وهو الحديدة التي يُعلَّق فيها اللَّحم، ويقال لها أيضًا: كُلَّاب بضَمِّ الكاف. (السَعْدَان) بفتح المُهمَلة الأُولى، وسُكون الثَّانية، وبإهمال الدَّال: نَبْتٌ له شَوكٌ عظيمٌ من كل الجوانب مثل الحسَك، وهو أفضل مَراعي الإبِل يُضرَب به المثَل، فيُقال: ولا كالسَّعْدان. (تخطف) بفتح الطَّاء، وكسرها. (بأعمالهم)؛ أي: بسبب أعمالهم القبيحة، أو على حسَب أعمالهم وبقَدْرها. (يوبق) بالبناء للمَفعول، قال ابن قُرْقُوْل: بموحَّدةٍ، مِن وبَقَ الرَّجلُ: هلَكَ، وأوبقَه الله: أهلكَه، وقال الطَّبَري: بالمُثلَّثة من الوِثَاق. (يخردل) بخاءٍ معجمةٍ، ودالٍ مُهمَلةٍ، وقال أبو عُبيدة: بإعجام

الدَّال، وللأَصِيْليِّ بالجيم بمعنى الإِشْراف على الهَلاك، ومعنى الأَوَّل: أنَّه يقطع كالخَرْدَل. (من أهل النَّار)؛ أي: الدَّاخلين، والمُراد بالمُنجَى المؤمنين، وإلا فالكافِر لا ينجو من النَّار أبدًا. (أثر السُّجود)؛ أي: موضع أثَره، فيشمَل الأعضاءَ السَّبعة، وقال (ع): المُراد الجبهة خاصةً. (كل ابن آدم)؛ أي: كل أَعضائه. (امتحشوا) بالفَوقانيَّة، والمُهمَلة المفتوحتَين، وبإعجام الشِّين، أي: احتَرَقُوا، كذا ذكره (ع) عن المُتقنين، ورُوي بضَمِّ التَّاء، وكسر الحاء، والمُراد: انقَبضُوا، أو اسوَدُّوا. (الحبة) بكسر الحاء المُهمَلة: حبٌّ بالصَّحْراء. (حميل) بفتح المُهمَلة: ما جاء به السَّيْل من طِيْنٍ ونحوِه، شبِّهَ به؛ لأنَّه أسرعُ في الإنبات، وسبَق في (باب تفاضُل أهل الإيمان) بيانُ ذلك. (يفرغ) الإسناد فيه مجازيٌّ؛ لأَنَّ الله تعالى لا يَشْغَلُه شأْنٌ عن شأنٍ، فالمُراد: إتْمام الحُكم بين العبَاد. (دُخولًا) تَمييزٌ، أو بمعنى الدَّاخِل حالًا. (قِبَل) بكسر القاف، وفتح المُوحَّدة، أي: جِهَةَ. (قَشَبَني) بالقاف والمُعجَمَة والمُوحَّدة المَفتوحات، أي: سَمَّني

وأهلَكَني، وكلُّ مسمومٍ قَشيبٌ، أي: صار ريحُها كالسُّمِّ في أنْفي. (ذكاها) بالقَصْر، وإعجام الذَّال. قال (ن): إنَّه الأشهر، أي: لَهَبها، يُقال: ذكَت النَّار تَذكُو ذَكاءً: اشتَعلَتْ، قيل: وبالمدِّ أيضًا. (عسيت) بفتح السِّين، وكسْرها. (ذلك)؛ أي: الصَّرْف. (فيعطى)؛ أي: الرَّجل. (بهجتها)؛ أي: حُسْنها، وهذه الجملة بدلٌ من جُملة: (أقبل على الجنَّة). (أشقَى)؛ أي: كافِرًا. ووجه مُطابقة جوابه لقوله: (أَلَيْسَ قد أَعْطَيتَ): أنَّ كرَم الله أطمَعَه، {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 78]. (فما عسيت)، (ما) استفهاميَّةٌ. (أن تسأل) خبر (عسى). (ذلك)؛ أي: التَّقديم إلى باب الجنَّة، والجملة معترضةٌ، وفي بعضها: (أَنْ لا تَسأَلَ)، بزيادة لفظ: (لا)، إما زائدةً كما في: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29]، وإما نافيةً، ونفي النَّفي إثباتٌ، أي: عسَيت أن تسأل غيرَه، وإنَّما قال الله تعالى ذلك -وهو عالمٌ بما كان وما يكون- إظهار ما عُهد من بني آدم من نقْض العهْد، وأنَّهم أحقُّ بأن يُقال لهم ذلك، فمعنى (عسَى) راجعٌ للمُخاطَب لا لله تعالى.

(فسكت) بالفاء، وجواب (إذا بلغ) محذوفٌ، أي: تَحيَّر فسكت. (من النضرة) بنونٍ مفتوحةٍ، وضادٍ معجمةٍ ساكنةٍ، أي: البَهْجة. (ويحك) نصب بفعلٍ محذوفٍ؛ أي: الْزَمْ، وهي كلمةُ رحمةٍ، ووَيْل كلمة عذابٍ، وقيل: هما بمعنًى. (يا ابن آدم) يُروى بحذف حرف النِّداء. (ما أغدرك) صيغة تعجُّبٍ من الغَدْر، [و] هو تَرْك الوفاء. (فيضحك) مجازٌ، والمراد لازِمُه، وهو الرِّضا وإرادةُ الخير، كسائر الإسناد في مثله مما يستحيل عليه تعالى، فإنَّ المراد لوازمُها. (أقبل يذكره)؛ أي: يُذكِّره الأماني. (أمانيك) مشدَّد الياء جمع أُمْنيَّة، وهو بدَلٌ من جملةِ (قال الله تعالى)، وفي بعضها: (قَبْل) ظرفًا؛ أي: زِدْ من جنس أمانيك التي كانت لك قبل أنْ أذكِّرك بها. (ربه) على رواية (أقْبَل) تَنازعَ فيه عاملان. (لك ذلك وعشرة أمثاله) لا يُنافي رواية: (ومِثْلُه معَهُ)؛ لاحتمال أنَّ هذا كان أوَّلًا، ثم تكرَّم الله فزاد، فأخبر به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَسمعْه أبو هريرة. وفي الحديث: أنَّ الصَّلاة أفضل الأعمال لمَا فيها من السُّجود، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أقْربُ ما يكونُ العبدُ من رَبِّه إذا سجَدَ"، وأنَّ الله أكرمُ الأكرمين. * * *

133 - باب السجود على سبعة أعظم

133 - بابُ السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمِ (باب السُّجود على سَبْعة أَعظُم) قال (ك): في بعض النُّسخ هنا بابان (¬1) قبلَ هذا: (باب: يُبدي ضَبْعَيه)، و (باب: يَستقبل بأطراف رجلَيه القِبْلة)، وفيهما حديثان سبَق شرحهما في (باب فضل استقبال القِبْلة)، فلا نُعيده. أما أحاديث الباب فثلاثةٌ: 809 - حَدَّثَنا قَبِيْصَةُ قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيَانُ، عَن عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ: أُمِرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَلاَ يَكُفَّ شَعَرًا، وَلاَ ثَوْبًا؛ الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. الأول: (أمر) بالبناء للمفعول، أي: أمرني الله تعالى؛ لأنَّ ذلك من المعلوم، فهو من قَبيل مرسَل الصَّحابي، ولكن عرَفه ابن عبَّاس بإخبار النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له أو لغيره، ولو باجتهاده - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه ما يَنطق عن الهوَى. (يَكُف) بضمِّ الكاف، أي: لا يَضمُّه، أي: عن الوُقوع في ¬

_ (¬1) في "اليونينية" ثلاثة أبواب؛ والثالث هو: (26 - بابٌ: إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ)؛ وفيه حديث سبق شرحه برقم (389).

الأرض، وأكثر الرِّوايات على نصبه عطفًا على المأمور به. * * * 810 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُمِرْنَا أَنْ نسجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا نَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعَرًا". الثاني: (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) بهذا اتصلَ الحديثُ السَّابق. (أُمرنا)؛ أي: أنا وأُمَّتي. (أعْظُم)؛ أي: أعضاء كما في الرِّواية الأُخرى، فسمَّى العُضوَ عظمًا، وإن اشتمل على عظامٍ كثيرةٍ. * * * 811 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ، حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ- قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَإذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ. الثَّالث: (وهو غير كذوب) سبق شرحه في (باب متى يَسجد مَن خَلْفَ الإمام).

134 - باب السجود على الأنف

(ولم يحن) بفتح الياء، وكسر النُّون، وضمِّها، أي: لم يُقوِّسْ ظهرَه. ووجه مناسبة هذا الحديث للتَّرجمة: أنَّ العادة في وضع الجبهة أنْ يُستَعان بالستَّة الأعضاء الأُخرى غالبًا. * * * 134 - بابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ (باب السُّجود على الأَنْف) 812 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ؛ عَلَى الْجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ- وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ". (على الجبهة) هو بدلٌ مِن (على سبْعةٍ)، أو حالٌ متعلِّقة بمحذوفٍ، أي: حاصلًا، والأَولى متعلِّقةٌ بـ (أُمِرتُ). (وأشار) جملةٌ معترضةٌ؛ أي: أنَّهما كالعُضْو الواحد، وإلا لَزِم أنَّ الأعضاء ثمانيةٌ، وذلك لأنَّ عظْم الجبهة هو الذي منه عظم الأنف، أو أنَّ الأنْف من توابع الجبْهة وتتمَّتِها عند السُّجود، نعم، قيل: في

الحديث استعمالُ (أَمَرَ) في حقيقته، وهو الوجوب والنَّدب على قول الشَّافعي أنَّ وضْع غير الجبهة سنةٌ؛ لأن الشَّافعي حَمَل اللَّفظ على حقيقته ومجازه، إلا أن يقال: ذاك إنَّما هو في صيغة افْعَل، أما لفظ أَمَر، فيشمل الإيجاب والنَّدب من باب التَّواطُؤ. (نكفت) بكسر الفاء، أي: نضُمَّ، من كفَت الشَّيء: ضمَّه إلى نفسه، والمُراد: جَمْع الشَّعر أو الثَّوب باليدَين عند الركوع والسُّجود. وفي الحديث وجوب السُّجود على الجبهة، فلا يجوز على كَور العِمامة، قال (خ): لا الأنف؛ لأنَّه إنما ذُكر بالإشارة، فكان مندوبًا، والأوَّل هو الواقع في صريح اللَّفظ. قال التَّيْمِي: فللشَّافعي قولٌ أنَّه إذا سجَد على جبهته دون أنفه يُجزئه، وقال أبو حنيفة: إنْ سجد على أنفه دون جبهته يكفي، وقال أحمد: يجب عليهما، وعنه رواية: أن السُّجود على الأعضاء السَّبعة واجبٌ، وكأنَّ البخاريَّ مال إلى هذا. قلتُ: قد سبق أن للشَّافعي قولًا كذلك، وأنَّه المختار عند (ن) وجمعٍ. قال (ن): واتفقوا على النَّهي عن الصَّلاة وثوبُه مشمَّرٌ أو كُمُّه، أو رأْسُه مَعقوصٌ، أو مَردودٌ شعرُ [هـ] تحت عِمامته، أو نحو ذلك، وهو كراهة تنزيهٍ، والحِكْمة فيه أنَّ الشَّعر يسجد معه، وقد رأَى ابن عمر رجلًا يسجد معقوصًا شعرُه، فقال له: أرسِلْه يَسجدْ معك.

135 - باب السجود على الأنف والسجود على الطين

ونقل غيره عن بعضهم: أنَّه لا يجوز أن يُصلِّيَ عاقِصًا شعره، أو كافًا ثوبَه يرفع أسافلَه من الأرض، أو يُشمِّر أكمامَه، فإنْ فعل ذلك فقد أساءَ، ولا إعادةَ عليه. * * * 135 - بابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالسُّجُودِ عَلَى الطِّينِ (باب السُّجود على الأَنْف في الطِّين) 813 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَقُلْتُ: أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نتَحَدَّثْ؟ فَخَرَجَ، فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: اعْتكَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ الأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتكَفْنَا مَعَهُ، فَأتاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَاعْتكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسطَ، فَاعْتكَفْنَا مَعَهُ، فَأتاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا صبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتكَفَ مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَلْيَرْجِعْ، فَإنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ"، وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ فَأمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -

حَتَّى رَأَيْتُ أثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءَ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رؤياه. (يتحدث) بالرَّفع والجزم. (أمامك) بالرَّفع في الميم خبرُ (إنَّ)، أي: ليلةُ القدر التي هي مطلوبُك قُدَّامُك. (مع النبي - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: معي، فعبَّر بالاسم الظَّاهر، فهو التفاتٌ على الصَّحيح من التكلُّم للغَيبة. (فليرجع)؛ أي: للاعتكاف. (أريت)، وفي بعضها: (رأَيْتُ)، وكلاهما إما من الرُّؤية، أو الرُّؤيا، بخلاف قوله بعدُ: (رأَيتُ) فإنَّه من الرُّؤيا قطعًا. (فَنُسِّيتها) بضم النُّون، وتشديد المُهمَلَة المكسورة، ورُوي بفتح النُّون والتَّخفيف، وأُنسيتُها بالهمزة المضمومة. (وِتر) بكسر الواو: الفَرْد بخلاف المَفتوح، فإنَّه الرَّحْل، ولغة أهل الحِجَاز بالضِّدِّ، وتميم تكسر فيهما، وفيه حُجَّةٌ لقول الشَّافعي أنَّها في الأَوتار، وسبق الخلاف فيه في (باب قِيام ليلة القدْر من الإيمان). (الأواخر) قال الطِّيْبي: وصَف العشر الأخير بالجمع، والأوَّلَ والوسَطَ بالإفراد؛ لأنَّ كلَّ ليلةٍ من الأخير يُتصور أنها ليلة القدر بخلاف الذين قبلَه. (شيئًا)؛ أي: من السَّحاب.

136 - باب عقد الثياب وشدها، ومن ضم إليه ثوبه إذا خاف أن تنكشف عورته

(قزعة) بقافٍ، وزاي، ومهملةٍ مفتوحاتٍ: واحدةُ القَزَع، وهي قِطَعٌ من السَّحاب رقيقةٌ، وقيل: هي السَّحاب المُتفرِّق. (وأَرْنبَته) بفتح الهمزة، وسُكون الرَّاء، وفتح النُّون، وبالموحَّدة: طرَف الأَنْف. (تصديق) بالرَّفع، أي هو أثَر الطين والماء، تصديقٌ لرُؤياه، وتأويلٌ له، وهو محمولٌ على أنه كان يسيرًا لا يمنع مباشَرة جبهة المصلِّي. وفيه أنَّ رُؤيا الأنبياء حقٌّ، وطلبُ الخلوة في المحادثة؛ لأنها أجمع للضَّبط في الأخذ عن الشَّيخ، وفيه موافقة الرَّئيس في الطَّاعة، وأنَّ ليلة القدر غير معيَّنةٍ، والحِكمة فيه تعظيم سائر اللَّيالي. قال (خ): وأنَّ السُّجود على الجبْهة، وإلا لصانَها عن الطِّين، وأنْ لا يُسرع إلى نفض ما يُصيب جبهة السَّاجد من أثَر الأرض. * * * 136 - بابُ عَقْدِ الثِّيَابِ وَشَدِّهَا، وَمَنْ ضَمَّ إِلَيْهِ ثوْبهُ إِذا خَاف أَنْ تَنْكشِفَ عَوْرَتُهُ (باب عَقْد الثِّياب) 814 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ

137 - باب لا يكف شعرا

عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ، فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ: لَا تَرْفَعْنَ رُؤُسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا. (عاقدوا) خبر المبتدأ، وحُذفت نونُه للإضافة، ويُروى: (عاقدي) بالنَّصب خبر (كان) محذوفةٍ، أي: كانوا عاقدي، وقال ابن مالك: حالٌ سدَّ مسدَّ الخبَر، أي: هم مُؤتَزِرون عاقدِي أُزُرَهم. (أزرهم) بضمَّتين جمع إزارٍ. (من الصغر)؛ أي: صِغَر أُزُرهم. (جلوسًا)؛ أي: جالسين، كانت النِّساء متأخِّرات عن صفِّ الرِّجال، فنُهوا عن الرَّفع حتى لا يقَع بصَرُ النِّساء على عوراتهم، ففيه الاحتياط في سترْ العَورة، والتَّوثُّق بحفظ السُّترة. * * * 137 - بابٌ لَا يَكُفُّ شَعَرًا 815 - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -وَهْوَ ابْنُ زيدٍ-، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُمِرَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا يَكُفَّ ثَوْبَهُ وَلَا شَعَرَهُ. (باب لا يكُفُّ شَعْرًا) بفتح الفاء المشدَّدة عند المحدثين، وبضمِّها عند محققي النُّحاة، وكذا (باب: لا يكُفُّ ثوبه في الصَّلاة).

139 - باب التسبيح والدعاء في السجود

وسبَق شرح الحديث فيه، فلذلك أسقطه (ك). * * * 139 - بابُ التَّسْبِيح وَالدعَاء فِي السجودِ (باب التَّسبيح والدُّعاء في السُّجود) 817 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي"، يتأوَّلُ الْقُرْآنَ. (يتأول القرآن)؛ أي: يَعمل بقوله تعالى فيه: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3]، فيقول هذا الكلامَ البالغ في الجَزالة المُستوفي لما أُمر به في الآية، فالحديث إثباتُ الصِّفات الوجودية، وهي صفات الإكرام، والتسبيح الصِّفات السَّلبية، وهي صفات الجلال والرُّبوبية، إشارةً إلى ما هو مبدأ الإنسان، والمغفرةُ إلى المعاد. وفيه تقديم الثَّناء على الدُّعاء، وإثبات التَّحلية أولًا ثم التَّخلية ثانيًا. (اللهم ربنا) جملةٌ معترضةٌ، وسبق سائر مباحثه في (باب الدعاء في الرّكوع).

140 - باب المكث بين السجدتين

140 - بابُ الْمُكثِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (باب المُكْث بين السَّجدتَين) 818 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ الحُوَيْرِثِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: وَذَاكَ فِي غَيْرِ حِينِ صَلَاةٍ، فَقَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَكَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَامَ هُنَيَّةً، ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ هُنَيَّةً، فَصَلَّى صَلَاةَ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ شَيْخنَا هَذَا، قَالَ أَيُّوبُ: كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَهُ كَانَ يَقْعُدُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. 819 - قَالَ: فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: "لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى أَهْلِيكُمْ صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ" الحديث الأول: (هُنَيَّةً) سبَق بيانه في (باب: ما يقول بعد التَّكبير). (فصلى) هو مَقول أبي قِلابَة. (سَلِمة) بكسر اللام. (كان)؛ أي: الشيخ. (يقعد)؛ أي: جلسة الاستراحة كما دلَّ عليه سائر الرِّوايات عنه

فيما سبَق وما يأتي. (أو الرَّابعة)؛ أي: في بَدْئها، وإلا فالذي بعدَها جُلوس التَّشهُّد، وذلك انتهاء الثَّالثة، فالمُتردَّد فيه واحدٌ، ففيه استحباب جلسة الاستراحة، قال به الشَّافعي وإنْ خالفه الأكثرُ. (فأتينا) من مَقول ابن الحُوَيْرث. (لو رجعتم)؛ أي: إذا، أو إنْ، وسبَق معنى الحديث مِرارًا. * * * 820 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: كَانَ سُجُودُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. 821 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ أَنَس يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: قَدْ نَسِيَ. الثاني: (الزُّبَيري) بضم الزَّاي، وفتح الموحَّدة.

141 - باب لا يفترش ذراعيه في السجود

(لا آلو)؛ أي: لا أُقصِّر. (ونسي) بالفتْح والتَّخفيف، أو الضمِّ والتَّشديد، سبق في (باب حَدِّ إتمام الرُّكوع). * * * 141 - بابٌ لَا يَفْتَرِش ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: سَجَدَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا. (باب لا يَفتَرِشُ ذراعَيه)؛ أي: ساعدَيه على الأرض، ويتكئ عليهما، وفي: (يفتَرش) الجزم والرَّفع. (ولا قابضهما)؛ أي: بأنْ لا يُجافيَهما عن جنبيه، ويضمُّهما، ويُسمي الفقهاء تركَ ذلك التَّجْويه، وقال (خ) (¬1): وضْع اليدين في السُّجود غير مُفترش، فهو أنْ يضَع كفّيه على الأرض ويُقِلَّ ساعدَيه ولا يضعهما على الأرض، ويُريد بقوله: (ولا قابضَهما) أنَّه يَبسط كفَّيه مدًّا ولا يقبضُهما بأنْ يضمَّ أصابعهما، ويحتمل أن يُراد بذلك ضمُّ السَّاعدَين والعضُدَين فيُلصقهما ببطنه، ولكن يُجافي مِرفَقيه عن جنبيه. * * * ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل.

142 - باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته ثم نهض

822 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكَلْبِ". (اعتدلوا) هو التَّوسُّط بين الافتراش والقبْض. (ينبسط) انفعالٌ، وفي بعضها: (يتبسَّط) يتفَعَّل، أي: لا يتخذهما بِسَاطًا، وفي بعضها: (يَبتسط)؛ أي: فينبسط. (انبساط الكلب) وحِكْمة النَّهي عن ذلك؛ لأنَّ تَرْكه أشبه بالتَّواضع، وأبلَغ في تمكين الجبهة والأنف، وأبعد من هيئة الكُسالى، فإنَّ المُنبسِط كذلك يُشعر بالتهاون بالصَّلاة. * * * 142 - بابٌ مَنِ اسْتَوَى قَاعِدًا فِي وِتر مِنْ صَلَاتِهِ ثمَّ نَهَضَ (باب مَن استَوى قاعِدًا في وِترٍ)؛ أي: في الركعة الأُولى، والثَّالثة. 823 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيُّ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ

143 - باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة

يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا. (يستوي) دليلٌ لندب جلسة الاستراحة. قال التَّيْمِي: والمخالف جوَّز أن يكون ذلك لعلَّةٍ كانت به - صلى الله عليه وسلم - توفيقًا بين ذلك وحديث تَرْك الجُلوس. قال (ك): الأصل عدم العِلَّة، والتَّرْكُ لبيان الجواز (¬1). * * * 143 - بابٌ كيْفَ يَعْتَمِدُ عَلَى الأَرْضِ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَةِ (باب: كيف يَعتمد على الأَرض؟) 824 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ، فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ: إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ: وَكَيْفَ كَانَتْ صَلَاتُهُ؟ قَالَ: مِثْلَ صَلَاةِ شَيْخِنَا هَذَا -يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ- قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ. ¬

_ (¬1) في الأصل و"ف": "جوازه".

144 - باب يكبر وهو ينهض من السجدتين

(يتم التكبير)؛ أي: يُكبِّر عند كلِّ انتقالِ غير الاعتدال، لا ينقص من تكبيرات الانتقالات شيئًا، أو كان يَمدُّه من أوَّل الانتقال إلى آخره. ووجْهُ مطابقة التَّرجمة كيفيَّة الاعتماد مع أنَّ الذي في الحديث نفْس الاعتماد؛ فإنَّه (¬1) تضمَّن كيفيته، وهي أنَّه يجلس أوَّلًا، ثم يعتمد ثم يقوم، قال الفقهاء -يعني من الشَّافعية-: يعتمد كما يعتمد العاجِن للخَمير. * * * 144 - بابٌ يُكبِّرُ وَهْوَ يَنهَضُ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكَبِّرُ فِي نَهْضَتِهِ. (باب يُكبِّر وهو يَنهض من السَّجدتَين) (ابن الزبير)؛ أي: عبد الله؛ لأنَّه غلَب عليه دون سائر أبنائه. 825 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "إنه".

145 - باب سنة الجلوس في التشهد

الحديث الأول: (فجهر) فيه نَدْب الجهر بالتَّكبيرات، وأنَّ التَّكبير للقيام من الثِّنتين مقارِنٌ للفعل كغيره، وخالف مالك فقال: يُكبِّر بعد الاستواء، كأنَّه شبَّه ذلك بأوَّل الصَّلاة. * * * 826 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ صَلاَةً خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: سبق شرحه في (باب: إتمام التَّكبير). * * * 145 - بابُ سُنَّة الْجُلُوسِ فِي التَّشَهدِ وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْداء تَجْلِسُ فِي صَلَاتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً.

(باب سُنَّة الجُلوس في التَّشهُّد) يحتمل إرادة هيئة الجُلوس، ونفس الجُلوس، وهو وإن كان فيه ما هو واجبٌ، لكن مراده بالسنَّة الشَّريعة، حتى يعمَّ الواجب والمندوب، فالإضافة على الأوَّل بمعنى (في)، وعلى الثَّاني مثل شجَر الأَراك، والحديث صالحٌ للأمرين. (أم الدرداء) اسمها: خَيْرَة. * * * 827 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ القَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَلَسَ، فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ اليُمْنَى وَتَثْنِيَ اليُسْرَى، فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي. الحديث الأول: (تنصب)؛ أي: لا تُلصقه بالأرض. (ويثني)؛ أي: يَعطِف. (ذلك)؛ أي: التَّربُّع. (رجلي)، وفي بعضها: (رِجْلايَ)، وهو على لغة مَن يُلزم المثنَّى الألف.

(لا تحملاني) بتشديد النُّون، وتخفيفها. * * * 828 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ، وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنْ ابْنِ عَطَاءٍ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ: كُلُّ فَقَارٍ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ: كُلُّ فَقَارٍ.

الثاني: (وحدثني الليث)، في بعضها: (ح) للتَّحويل إلى إسنادٍ آخر. (نفر) في "سنن أبي داود"، وابن خُزَيْمة: أنَّهم كانوا عشرةً من الصَّحابة بينهم أبو قَتَادة، وأبو أُسَيْد، وسَهْل بن سَعْد. (هصر) أي: عطَفَ وأَمالَ، قال (خ): أي: ثَناهُ ثَنيًا شديدًا في استواءٍ من رقَبته ومَتْن ظهره، ولا يُقوِّسُه، ولا يتجاوز في ركوعه. (غير مفترش)؛ أي: السَّاعدَين. (ولا قابض)؛ أي: ولا قابضِهما، أو: ولا قابضٍ أصابعَ اليدين، والرِّواية: (ولا قابضهما). (على رجله) هو الافتراش. (وقدم رجله) وهو جُلوس التَّورُّك، وقد اختُلف في كيفية الجلَسات، فقال أبو حنيفة: يفترش في الكلِّ، ومالك: يتورَّك في الكلِّ، والشَّافعي: في الأَخير، ويفترش فيما سواه لهذا الحديث، وحديثُ ابن عمر وإنْ لم يفصِّل فيه لكن المُطلَق يُحمل على المُقيَّد. قال (خ): وفيه رفع اليدَين حَذْو المَنكِبين عند التَّكبير، وهيئة الجلوس كما سبق. (وسمع الليث) إلى آخره، بيانُ أنَّ المُعنْعن هنا كلُّه سماعٌ بالتَّصريح. (وقال أبو صالح) هو عبد الغَفَّار البَكْري، والمراد أنَّه وافق يحيى، عن اللَّيث في رواية: (كلُّ فِقار)، بدون الضَّمير، وقد وصلَه

146 - باب من لم ير التشهد الأول واجبا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام من الركعتين ولم يرجع

الطَّبَراني، والفَقَار -بفتح الفاء-: عظامُ الظَّهر، نعم، في "المَطالع" عن ابن السَّكَن: أن هذه الرِّواية بكسر الفاء، وهو أقرب إلى الصَّواب، وحُكي عن الأَصِيْلي تقديم القاف على الفاء، وهو تصحيفٌ. (وقال عبد الله)؛ أي: ابن المبارك: كلُّ فقاره، بالإضافة إلى الضَّمير، أو بتاء التَّأنيث، على اختلافٍ فيه، وهذا وصلَه جعفر الفِرْيَابي في "كتاب الصَّلاة" له. * * * 146 - بابُ مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَاجِبًا؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ مِنَ الرَّكعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ (باب مَن لَم يَرَ التَّشهُّد الأوَّلَ واجبًا) (ولم يرجع)؛ أي: إلى التَّشهُّد الأوَّل، ولو كان واجبًا لرجَع وتداركَه، ولكنَّه جبَره بسجود السَّهو. وخالَف في ندب التَّشهُّد الأوَّل أحمدُ، فقال: يجب؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "صَلُّوا كمَا رأَيتُمُوني أُصَلِّي"، لكنْ جبْرُه بسجود السَّهو دليلٌ عليه؛ لأنَّ الواجب لا يُجبر بذلك كما في الرُّكوع والسُّجود وغيرهما. 829 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ، مَوْلَى بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ -وَقَالَ مَرَّةً مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ-: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُحَيْنَةَ -وَهُوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ

وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. (أَزْد) بفتح الهمزة، وسكون الزَّاي. (شَنُوءَة) بفتح المعجمة، وضم النُّون، وفتح الهمزة. (وهو حليف لبني عبد مناف)؛ أي: لأَنَّ جدَّه حالَف المطَّلب بن عبد مَناف. قال (خ): ففيه تبعيَّة المأمومين في ترك الإمام الجلوسَ حتى يقوم، وأن سجود السَّهو قُبيل السَّلام، وضعف الفَرْق بين الزِّيادةِ فيكون بعد السلام، والنقصِ فيكون قبلَه، وسجودُه في حديث ذي اليدين بعده إنَّما كان نسيانًا. قال (ك): الفارِق مالكٌ، والفرق صحيحٌ؛ لأنَّ السُّجود في النَّقص يُجبر ما فات؛ فناسب أن يتدارك في نفس الصلاة، وفي الزِّيادة لترغيم الشَّيطان؛ فناسب خارجَها. وقال (ن): أقوى المذاهب فيه مذهب مالك، ثم مذهب الشَّافعي، ولا حاجةَ لتأويله بأنَّه فعلَه بعد السَّلام نسيانًا؛ للإجماع على جواز الأمرين، ونزاعُهم في الأفضل، فتأخيره لبيان الجواز. * * *

147 - باب التشهد في الأولى

147 - بابُ التَّشَهُّدِ فِي الأُولى (باب التَّشهُّد في الأُولى) والفَرْق بين هذه التَّرجمة والتي قبلَها: أنَّ الأُولى في عدم الوجوب، والثَّانية أنها مشروعةٌ. 830 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ. (جلوس)؛ أي: للتشهد الأوَّل. * * * 148 - بابُ التشهدِ في الآخِرَةِ (باب التَّشهُّد في الآخِرة) أي: في الجلْسة الأخيرة، وسُمِّي تشهُّد لاشتماله على كلمتَي الشَّهادة. 831 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ

سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُل: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". (جبريل) فيه سبع لغاتٍ بوزن فعليل، وبحذف الياء، وبحذف الهمزة، وبوزن قِنْديل، وبهمز ولام مشدَّدة، وبوزن جِبْراعِيْل، وجِبْراعِل، ومُنع صرفه للتَّعريف والعلمية. (وميكائيل) وفيه خمسٌ لغاتٍ: بوزْن قِنْطار، ومِيْكاعيل، ومِيكَعِل، ومِيْكَعيل. (إن الله هو السَّلام) هو ردٌّ عليهم فيما جاء في الرواية الآتية في (باب: ما يتخيَّر من الدُّعاء بعد التَّشهُّد) أنهم كانوا يقولون: السَّلام على الله، فردَّ عليهم بأنَّ كلَّ سلامةٍ ورحمةٍ له ومنه، وهو مالكُها ومعطيها. قال (خ): ومعناه أنَّه ذو السَّلام فمنه بدَأَ وإليه يعود؛ لأنَّه المُبرَّأ من كلِّ نقصٍ وعيبٍ، وسالم منه، أو أنَّ حظَّ العبد فيما يطلبه من السَّلامة من الآفات هو من الله.

وقال (ن): إنَّ السَّلام من أسمائه تعالى، أي: السَّالم من النَّقائص، وقيل: بمعنى المسلِّم لأوليائه، وقيل: المسلِّم عليهم. (فليقل)، قال (ن): أمر إيجاب، فقال الشَّافعي: في الآخِر، وأما الأوَّل فسنة، وقال أبو حنيفة، ومالك: سنةٌ فيهما، وأحمد: واجبٌ فيهما، وفي رواية عنه: واجب في الأول، فرضٌ في الثاني، ومَن لم يوجب الأخيرَ وافَق على وجوب القعود بقَدْره. قال التَّيْمِي: ليس كل للوجوب، فقد أمر بالتسبيح في الركوع والسُّجود حين نزل: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، وقال: "اجعلوها في ركوعكم"، وحين نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1]، قال: "اجعلوها في سجودكم"، والجلسةُ الأخيرة وإنْ وجبتْ فإنَّما هي للسَّلام لا للذِّكر. قال (ك): الأمر للوجوب، فإنْ دلَّ على خلافه دليلٌ عُمل به ليُقام الإجماع على عدم وجوب التسبيح، ودعوى أن القعود للسلام ممنوعةٌ بدليل فرضيَّته بقدر التَّشهُّد، وإلا لاكتُفي بلحظة. قال صاحب "الهداية": القَعدة بقَدْره فرضٌ، والتَّشهدُ فيه، والقعدةُ الأولى واجبتان. وقال في موضع آخر: الكل واجبٌ. (التحيات) جمع تحيَّة، قال (ن): وهي المُلْك، وقيل: البقاء، وقيل: العظَمة، وقيل: الحياة، وجُمع لأنَ المُلوك كان كلُّ واحدٍ منهم

يُحييه أصحابُه بتحيةٍ مخصوصة، فقيل: جميعُها لله، وهو المستحِقُّ لها حقيقةً. قال (خ): كانت العرَب تُحيي بكلمات مخصوصةٍ نحو: أَبَيْتَ اللَّعْنَ (¬1)، أنْعِمْ صَباحًا، وكانت العجَم تقول: بَشوِي هَزَار سال، أي: عِشْ ألفَ سنة، وهذه لا يصلح شيءٌ منها للثَّناء على الله بها، فتُركت أعيانها، واستُعمل معنى التَّعظيم، فقيل: قولوا: التَّحيَّات، أي: أنواع التعظيم لله. (والصَّلوات)، قال (ن): أي: الخمس المعروفة وغيرها، وقيل: الدَّعَوات، وقيل: الرَّحمة، أي: يتفضَّل بها الله. (والطيبات)؛ أي: الكلمات الطيِّبات التي يصلُح أنْ يثنى على الله بها، وقيل: الأعمال الزَّاكية. (لله)؛ أي: فهذه لا تصلُح حقيقتها لغيره. قال (ن): حذف الواو في الصَّلوات في حديث ابن عبَّاسٍ اختصارًا، والتقدير: والصلوات والطيِّبات كما هو حديث ابن مَسعود، وحذْفُها جائزٌ معروفٌ في اللغة. قال البَيْضَاوي: يحتمل أنَّ الواو في: (والصَّلوات والطَّيِّبات)، لعطفه على التحيَّات، أو أنَّه مبتدأٌ حُذِف خبره، فيكون من عطْف الجُمَل. ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "أبيت اللعن: أي: أبيت أن تأتي من الأمور ما يلعن عليه".

قال: واختار الشَّافعي حديث ابن عبَّاسٍ؛ لأنَّه أفقَه. قال (ن): والاتفاق على صحة الصَّلاة بكلِّ من الحديثَين، وإنَّما الخلاف في الأفضل، ففضل الشَّافعيُّ روايةَ ابن عبَّاس؛ لزيادة لفظ: (المباركات) فيها موافقةً لقوله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]، وفضَّل أبو حنيفة وأحمد تَشهُّدَ ابن مسعود؛ لأنه أصحُّ، وإن كان الكل صحيحًا، وقال مالك: تشهُّد عُمر الموقوف عليه أفضل؛ لأنه علَّمه للنَّاس على المِنْبَر، ولم يُنازعه أحد، وهو: (التَّحيَّات لله، الزَّاكيات لله، الطَّيِّبات لله، الصَّلوات لله). (السَّلام عليك)، قيل: معناه التعوُّذ بالله؛ فإنَّ السَّلام اسمٌ من أسمائه تعالى تقديره: الله عليك؛ أي: حفيظٌ، وكما يُقال: الله معك، أي: بالحفْظ، وقيل: السَّلام بمعنى السَّلامة، كاللَّداد واللَّدادة، أي: السَّلام والنَّجاة لك. قال (ن): وحذْف الألف واللام جائزٌ، ولكن المعرَّف أفضل، وأما سلام التَّحيات، فقيل: يجوز الأمران، والجمهور على وجوبه معرَّفًا، لأنَّه لم يُنقَل إلا معرَّفًا، ولأنَّه عائدٌ إلى ما تقدَّم ذكْره في التَّشهُّد، فينبغي أن يعرَّف. وقال الطِّيْبي: تعريفه للعهد التَّقديري، أي: ذلك السَّلام الذي وجِّه إلى الأنبياء المتقدِّمة موجهٌ إليك أيُّها النبي، والسَّلام الذي وجِّه إلى الأمم السَّالفة والصُّلَحاء علينا وعلى إخواننا، وإمَّا للجنس؛ أي: حقيقة السَّلام الذي يَعرفه كلُّ أحد أنَّه ما هو؟، وعمَّن يصدُر، وعلى من يقول عليك

وعلينا، وإما للعهد الخارجي إلى قول الله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]، وإنما قال: عليكَ، ومُقتضى الظَّاهر عليه؛ لأنَّه اتباعٌ للفظ الرسول بعينه حين علَّم الحاضرين من أصحابه. (الصالحين)؛ أي: القائمين بحقوق الله، وحقوق العباد، وهو عمومٌ بعد خصوصٍ. (قلتموها)؛ أي: هذه الكلمة، وفيه أنَّ الجمع المحلَّى باللام للاستغراق، والتَّفرقة في مدلول جمع القلَّة والكثْرة إنما هي عند تنكرهما (¬1). (محمدًا) هو مَنْ كثُرت خصاله الحميدة، فسمي بذلك نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -؛ لعلم الله بكثرة ذلك فيه. (ورسوله) فيه ردٌّ على مَن زَعم أنَّه لا يكفي إلا أن يقول: رسول الله، كما وَهِمَ فيه صاحب "تَعليْقَة الحَاوي". قال (ك): وهو سهوٌ منه؛ إذْ لا خلاف في تأَدِّي الفرْض بذلك من تشهُّد ابن عبَّاس، وابن مَسعود. قلتُ: هو السَّاهي، فإن مُرجَّح الرَّافعي، والنَّوَوِي اعتبارُ الإضافة للظَّاهر، وأنَّ رسوله لا يَكفي، نعَمْ، وقَع في "الرَّوضة" ما يُوهم أنَّ ذلك ترجيح الرَّافعي، وليس كذلك، لكن المُختار أنَّه يجوز: ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "جمع القلة والكثرة إنما يعتبران في النكرات لا في المعارف".

149 - باب الدعاء قبل السلام

ورسولُه، كما ثبَت في "مسلم"، ورواه البخاري هنا، لكن كيف يقول: لا خلافَ؟ واعلم أنهم كانوا يُسلِّمون على الله أوَّلًا ثم على أشخاصٍ معينين، فأمرهم - صلى الله عليه وسلم - بكيفية الثناء على الله، ثم أعلَمهم أنَّ الدعاء للمؤمنين، وأنَّه يكون شاملًا، وأمرهم بإفراد السَّلام عليه بالذِّكر لشرَفه ومزيد حقِّه - صلى الله عليه وسلم -، ثم أثبت بشهادة التوحيد لله، والرِّسالة لنبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّها أصل الخير، وأساس الكمال، ثم عَقَّب بالصلاة عليه ليجمع له فضيلتَي الصَّلاة والسلام. * * * 149 - بابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ (باب الدُّعاء قَبْلَ السَّلام) 832 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَفِتْنَةِ المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ"، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ المَغْرَمِ؟ فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ".

833 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. الحديث الأول: (في الصَّلاة) ظاهره قُبَيل السَّلام؛ لأنَّ لكلٍ مما سبق شيءٌ يُقال فيه، فتعيَّن أن هذا الدُّعاء هنا، وبه يُطابق التَّرجمة، ويتأكَّد المراد بالحديث الذي في الباب بعده. (المسيح) لأنَّ إحدى عينَيه ممسوحةٌ، فهو فَعِيْل بمعنى مَفعول، أو لأنه يمسح الأرض، أي: يقطعها في أيامٍ معدودةٍ، فهو بمعنى فاعلٍ. (الدجال) قيَّد به ليَمتاز عن عيسى -عليه السَّلام- سُمِّي دجَّالًا لكثرة خَلْطه الباطلَ بالحقِّ. (فتنة المحيا)؛ أي: الحياة، وهي الابتلاء مع زوال الصَّبر، وترْك طريق الهدى. (وفتنة الممات)؛ أي: سؤال الملكين، وما في القَبْر من الشَّدائد والأهوال، وهما من ذكْرِ عام بعد خاصٍّ على وجه اللَّفِّ والنَّشر غير المرتَّب؛ فإنَّ فتنة المَحيَا أعمُّ من الدَّجَّال، وفِتْنة الممات أعمُّ من عذاب القبر. قال (ع): هذا تعليمٌ للأمة الدعاء، وإلا فقد عصمه الله تعالى من ذلك كلِّه، فدعاه بدوام الخوف والافتقار إلى الله تعالى.

(المأثم)؛ أي: ما يَأثم به الإنسان، أو هو الإثْم نفسه، وُضِع المصدر موضعَ الاسم. (والمغرم)؛ أي: الدَّين، فيما يَكرهُه الله، أو فيما يجوز لكنْ عجَز عن وفائه، فأما دينٌ احتاجه وهو قادر على أدائه فلا استعاذةَ منه، فالمَغْرَم إما مصدرٌ وُضع موضعَ الاسم، وإما المراد الغُرم نفسه، والأول إشارةٌ إلى حق الله، والثَّاني إلى حقِّ العباد. (ما أكثر) فعل تعجُّبٍ. (ما تستعيذ) في محلِّ نصبٍ به. (حدث) جواب (إذا). (فكذب ووعد) عطفٌ على حدَّث، وفي بعضها: (وإذا وعَدَ أخلَف)، وفيه إثبات عذاب القبر، وخُروج الدَّجَّال، وإفتانه. * * * 834 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". الحديث الثاني: (مغفرة) تَنكيره للتعظيم، وأنَّها لا يُعرف كُنْهُها، وزاد ذلك بقوله:

150 - باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد، وليس بواجب

(من عندك)؛ فإنَّ الذي من عنده لا يحيط به وصفُ الواصفين، كما في: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65]، أي: لا تُحوجني إلى سؤالٍ، فيكون تَمامها على يديه. (كثيرًا) بمثلَّثةٍ أو موحَّدةٍ، وقد جوَّز الشَّافعية دعاءَ المصلي في صلاته بما شاء من دنيا وآخرة ما لم يكن إثمًا، وقال ابن عُمر: إني لأَدعو في صلاتي حتى بشَعير حِماري، ومِلْح بيتي، وقالت الحنفية: يدعو بما يُشبه ألفاظ القُرآن، وبالأدعية المأثورة. * * * 150 - بابُ مَا يُتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاء بَعْدَ التَّشَهدِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ (باب ما يتخيَّر من الدُّعاء بعد التَّشهُّد) بضمِّ أول (يُتخير). 835 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلاَةِ قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ

151 - باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى

مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو". (أو بين) هو للتَّنويع، لا للشَّكِّ، ولا التَّرديد، ولم يَقل هنا: وفي الأرض، كما في الحديث السَّابق تَفنُّنًا، فإنهما واحد، أو ليكن أصرحَ في شمول الجِنِّ. (ليتخير)؛ أي: يختار. (أعجبه)؛ أي: أحسنَه، وهذا شاملٌ لما شابَهَ لفظ القرآن وغيره، وللمأثور وغيره. * * * 151 - بابُ مَنْ لَمْ يَمْسَحْ جَبْهَتَهُ وَأنفَهُ حَتَّى صلى (باب مَنْ لم يَمْسح جبهتَه) 836 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ. (جبهته)؛ أي: في شيءٍ لا يكون ساترًا يمنع مباشرةَ الجبهة كما سبق.

152 - باب التسليم

152 - بابُ التسْلِيمِ 837 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأُرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ القَوْمِ. (فأُري) بضم الهمزة، أي: أَظُنُّ. (والله أعلم) جملةٌ معترضةٌ. (لكي ينفذ)؛ أي: لأجل نفَاذهِنَّ وذهابهنَّ قبْل تفرُّق الرِّجال لئلا يُدركهن بعض المُنصرِفين من الصَّلاة. * * * 153 - بابٌ يُسَلِّمُ حِين يُسَلِّمُ الإمَامُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَسْتَحِبُّ إِذَا سَلَّمَ الإمَامُ أَنْ يُسَلِّمَ مَنْ خَلْفَهُ.

154 - باب من لم ير رد السلام على الإمام، واكتفى بتسليم الصلاة

(باب يُسلِّم حين يُسلِّم الإمامُ) 838 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. (حِبَّان) بكسر الباء. (فسلمنا)، قال (ن): السَّلام ركنٌ واجبٌ في الصَّلاة، وقال أبو حنيفة: سُنَّةٌ، ويحصل التَّحليل بكل منافٍ للصَّلاة من كلامٍ أو نحوه، [و] لنا: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُسلِّم، وقال: "صلوا كما رأَيتُموني أُصلِّي"، وقال: "وتَحليلُها التَّسليم"، ويُسَنُّ تَسليمتان، وقال مالك: السَّلام واحدةٌ. قال (ك): إن في "الهداية" السَّلام واجب لا فرض، وغرَض البخاريِّ: أنَّ السَّلام لا يَلزم أن يكون بعد سلامِ الإمام، بل يجوز أن يقارنَه، نعَمْ، لا يتقدَّمُه إلا أنْ ينوي المُفارقة. * * * 154 - بابُ مَنْ لَمْ يَرَ رَدَّ السَّلَامِ عَلَى الإِمَامِ، وَاكتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلَاةِ (باب مَن لم يَرَ ردَّ السَّلام على الإمام) 839 - حَدَّثنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أخبَرنَا مَعْمَر،

عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ. يحتمل بتسليمةِ المأموم الأُولى، ويحتمل بما في باقي التَّحيات من سلامٍ علينا وعلى عباد الله الصَّالحين المُتناوِل للإمام. (وزعم) المراد به هنا الخبَر المُحقَّق؛ لأنَّه اللائق بالمقام، وإنْ كان الزَّعم قد يُطلق على الكذب، أو المشكوك فيه. (كانت) صفةٌ لمحذوفٍ، أي: من دَلوِ (¬1) بئْرٍ كانت. * * * 840 - قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصارِيَّ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ: "أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"، فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ "، فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ المَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. ¬

_ (¬1) "دلو" ليست في الأصل.

(ثم أحد) عطفٌ على الأنصاري، أي: ثم السَّالِمي، أو على عِتْبان، أي: سمعتُ أيضًا أحَدَ، فيكون السَّماع من اثنين، والظَّاهر حينئذٍ تفسير هذا المبهم: الحُصَيْن بن محمَّد الأَنْصاري، نعَمْ، سبَق في (باب: المساجد في البُيوت): أن الزُّهري هو الذي سمع محمود، أو أحدَ بني سَالِم، لكنْ لا منافاةَ بينهما؛ لاحتمال أن الزُّهريَّ ومحمدًا كلاهما سَمع من الحُصين. قال (ك): ولو صحَّت الرِّواية برفْع أحدٍ لوافَق ما سبق بأنْ يكون عطفًا على محمود. (فلوددت)؛ أي: واللهِ لوَدِدْتُ. (أتخذه) بالرَّفع والجزم؛ لوقوعه جواب التَّمني المُستفاد من (وَدِدْت). (واشتد)؛ أي: ارتفَع النَّهار. (فأشار)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المكان الذي هو محبوبٌ لعِتْبان أنْ يصلي فيه، ويحتمل أن (مِن) للتَّبعيض، ولا يُنافي ما في الرِّواية السابقة: فأشَرت؛ لاحتمال أنَّ كلًّا منهما أشار معًا، أو متقدِّمًا ومتأخِّرًا. قال التَّيْمِي: كان مسجد (¬1) المُهاجرين يُسلِّمون واحدةً ولا يردُّون ¬

_ (¬1) في الأصل "مشيخة"، والمثبت من "ف" و"ب".

155 - باب الذكر بعد الصلاة

على الإمام (¬1)، ومسجد (¬2) الأنصار تسليمتَين، وقال مالك: يسلِّم المأموم عن يمينه، ثم يردُّ على الإمام، ومن قال بتسليمتَين من أهل الكوفة يجعلون التَّسليمة الثَّانية ردًّا على الإمام. * * * 155 - بابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ (بَابُ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ) 841 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو: أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ. الحديث الأول: (أعلم)؛ أي أَعْرِفُ. (إذا انصرفوا)؛ أي: وقْتَ انصرافهم. ¬

_ (¬1) "على الإمام" ليس في الأصل. (¬2) في الأصل: "مشيخة"، والمثبت من "ف" و"ب".

(على عهد) دليلٌ على أنَّ ابن عباس حين حدَّث بذلك لم يَرَ الصَّحابة يفعلونه، كأنَّه لكونه ليس بلازمٍ، فترَكوه خشيةَ أن يظُنَّ غبيٌّ أنَّه لا تَتمُّ الصَّلاةُ إلا به، وقال بعض المالكية: يُستحبُّ التَّكبير في العسَاكر والثُّغور إثْرَ الصُّبح والعِشاء تكبيرًا عاليًا ثلاثَ مرَّاتٍ، وهو قديمٌ من شأن النَّاس. * * * 842 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّكْبِيرِ. الحديث الثاني: (بالتكبير)؛ أي: بذكر الله تعالى، قال بعضهم: أي: كان يكبر الله في الذكْرِ المعتاد بعد الصَّلاة، فَأعرفُ انقضاء صلاته به. (أصدق) التَّفضيل فيه باعتبار أفراد الخبَر، وإلا فنفس الصِّدق لا يتفاوت. (نافذ) بالنُّون، والفاء المكسورة، والذَّال المعجمة على الأصح. * * * 843 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ

الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلا وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: "أَلا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إلا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ: تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ"، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: تَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ. الثَّالث: (الدثور) جمع دَثْر، قال الجوهري: بفتح الدَّال، وسكون المثلَّثة، وبكسر الدَّال، وسكون الموحَّدة: المَال الكثير، وكذا قال (خ)، قال: ويقع في رواية البخاري: (الدُّور)، وهو غلَطٌ، والصَّواب الذي رواه الناس كلهم: (الدُّثُور) بالمثلَّثة. (من الأموال) بيانٌ للمذكور، وتأكيدٌ، أو وصفٌ؛ لأنَّ الدُّثُور تجيء بمعنى الكثرة، يُقال: مالٌ دَثْر، أي: كثيرٌ. (العُلا) جمع عَلْياء تأنيث الأَعلى. (المقيم) تعريضٌ بالنَّعيم العاجِل الذي لا يصفُو، وإنْ صفَا فسريعُ الزَّوال.

(بما)؛ أي: بشيءٍ، وفي بعضها: (بأمرٍ). (أدركتم)؛ أي: مَنْ سبقكم من أهل الأموال في الدَّرجات العُلا. (ولم يدرككم أحد) لا يَمتنع أنْ يفوق هذا مع سُهولته الأعمال الشَّاقَّة من الجهاد ونحوه، أو يُساويه، وإن ورد: "أَفْضَلُ العِبَاداتِ أَحْمزُها"؛ لأنَّ في الإخلاص في الذِّكْر من المشَقَّة -ولا سيَّما الحمد في حال الفقر- ما يصير به أعظم الأعمال، أو أنَّه لا يلزم أن الثَّواب بقدْر المشقَّة مطلقًا؛ فإنَّ ثَواب الشَّهادتين أكثر من العِبادات الشاقَّة، ونحوه كلمةٌ فيها تمهيدُ قاعدةٍ من الدِّين يعمُّ خيْرُها، وقد قال العلماء: إدراك صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لحظة لا يُوازي خيرَها وفضلَها عملٌ. ثم إنَّه بيَّن أنهم لو كانوا أغنياء لعملوا مثل عملهم وزيادة، ونيَّة المؤمن خيرٌ من عمله، فلهم ثواب النية، وهذه الأذكار. (وكنتم خير) لا تَنافي بينه وبين قوله: (أدركتُم)، الذي ظاهره المُساواة؛ لأنَّا نمنع ذلك، ونقول: الإدراك أعمُّ من المساواة، فربَّما تَفوق أيضًا. (بين ظهرانيه)؛ أي: بينه، وسبق تقريره مرَّاتٍ. (إلا من عمل)؛ أي: إلا الغنيَّ الذي يُسبِّح؛ فإنه خيرٌ منكم أو مثلُكم، وهذا الاستثناء يعود لكل ما سبق على قاعدة الشَّافعي، فإذا كان عائدًا للأُولى يلزم قطعًا أن يكون الأغنياء أفضل، أو معناه: إنْ

أخذتم أدركتُم إلا من عمل مثلَه، فإنكم لا تدركون، نعَمْ، زوال شكوى الفقراء مع أن الأغنياء إذا عملوا رجَحوا عليهم بأنَّ لهم الدَّرَجات العُلا والنَّعيم المقيم كما لهم، وهو قصدهم، لا نَفي زيادتهم مطلقًا، وفيه أنَّ الغني الشَّاكر أفضلُ من الفقير الصَّابر. (تسبحون) إلى آخره، فيه تنازع ثلاثة أفعال في اثنين ظرْفٍ ومصدرٍ. (ثلاثًا وثلاثين) هذا وإن احتمل أنَّ كلَّ واحدٍ أحدَ عشَر، والمجموع ثلاثة وثلاثين إلا أن آخر الحديث يدل على المراد أن يكون من كل ثلاثة وثلاثين. (أربعة) في بعضها: (أربعا)؛ لأن التَّمييز إذا لم يُذكر يجوز تذكير العدد وتأنيثه. (فاختلفنا)؛ أي: في أنَّ كلَّ واحدٍ ثلاثة وثلاثون، أو المجموع، أو أن تَمام المائة بالتَّكبير، أو بغيره. (كلهن) بكسر اللام، تأكيدٌ للضمير المجرور. (ثلاثًا وثلاثين) هي أكثر الروايات، ويُروى بالرَّفع على أنه اسمُ (كان)، وهو أظهر، والأول بتقدير أنَّه خبرها، أي: حتى تكون الكلماتُ ثلاثةً وثلاثين، وحِكْمة اختصاص هذه الأذكار أنَّ التَّسبيح تنزيهٌ عن النَّقائص، والتَّحميد إثباتُ الكمالات، والتَّكبير أنَّ حقيقة ذاته أكبرُ من أن تُدركَها الأوهام، وتعرفها الأفهام، وفيه أنَّ العالم إذا

سُئل يجيب بما يَلحق به المفضولُ درجةَ الفاضل. * * * 844 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: "لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ". وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، بِهَذَا، وَعَنِ الحَكَمِ، عَنِ القَاسِمِ ابْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ وَرَّادٍ، بِهَذَا. وَقَالَ الحَسَنُ: الجَدُّ: غِنًى. الحديث الثَّالث: (دُبُر) بضم المُهمَلة والموحدة. (ذا الجد)؛ أي: الحَظِّ الدُّنيوي، ويسمى البَخْت، قال (خ): ويفسر أيضًا بالغِنى. (منك)؛ أي: بدَلُه كقوله: فليتَ لنا من ماءِ زمزمَ شَربةً

156 - باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم

أي: بدلَها، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} [الزخرف: 60]. وقيل: المراد بالجَدِّ أبو الأب، أو أبو الأم، أي: لا ينفعُه نسَبُه؛ لقوله تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]. قال (ن): المشهور فتح الجيم، أي: لا ينفع ذا الغِنى منك غِناؤُه، أو لا يُنجيه حظُّه منك، وإنما ينفعُه العمل الصَّالح، ويُروى بالكسر، وهو الاجتهاد، أي: لا ينفعُه الاجتهاد بل ينفعُه رحمتك. (الغنى) مقصورٌ. (وقال شعبة) وصلَه الطَّبَراني في "الدعاء"، والسَّرَّاج. (مُخَيْمِرَة) بضمِّ الميم، وفتح المُعجَمة. * * * 156 - بابٌ يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ النَّاسَ إذَا سلمَ (باب: يَستقبِلُ الإمامُ النَّاسَ) 845 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى صَلاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. 846 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صالح بْنِ

كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ "، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ". الحديث الأول: (بالحُدَيبية) بحاءٍ مضمومةٍ، ودالٍ مفتوحةٍ، مهملتين، مخفَّفة الياء عند بعض المحقِّقين، وأكثر المحدِّثين بالتَّشديد، سُميت ببئْرٍ هناك على مرحلةٍ من مكة أو أكثر. (أثر) بفتح الهمزة، والمثلثة، أو بكسرٍ فسكونٍ. (انصرف)؛ أي: من الصَّلاة. (بِنَوْء) بفتح النُّون، وسكون الواو، وبالهمزة، قال (خ): الكوكب، وكذا تُسمى نجوم منازل القمر أنواء، وسمي نَوءًا؛ لأنَّه يَنوء طالِعًا عند مَغيب مُقابله بناحية الغَرْب. (من عبادي) المراد الجميع بدليل التَّقسيم. (كافر) لأنَّه فعَل ما يُفضي إلى الكفر، وهو اعتقاد أنَّ الفعل

للكوكب، والفعل إنما هو لله تعالى لا شريكَ له، وهو المُنعِم عليهم بالغَيث. قال (ن): اختُلف في كُفر قائل ذلك، فقيل: المراد الكفر بالله حقيقةً، أي: إذا اعتقَد أنه المُنشئ للمطَر كما يَزعُمه أهل الجاهلية، أما إذا قصَد أنَّ الفعل لله، وهذا مِيْقاتٌ له وعلامةٌ بالعادة فلا يَكْفُر، وقيل: المراد كُفر النِّعمة؛ لإضافة الغَيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب. وقال ابن الصَّلاح: النَّوء ليس نفْسَ الكوكب بل مصدرُ ناءَ: إذا سقَط، وقيل: نَهَض وطلَع، وبيانه أنَّ ثمانيةً وعشرين نَجْمًا معروفةُ المَطالِع في أزمنة السُّنَة، وهي المعروفة بمَنازِل القمَر، تسقط في كلِّ ثلاثة عشَر ليلةً نجم منها في المغرب مع طلوع مُقابِله في المَشرق، فكانوا يَنسبون المطَر للغارِب، وقال الأصمعي: للطَّالِع، فتَسمية النَّجم نَوءًا تسميةً للفاعل بالمصدر. * * * 847 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، سَمِعَ يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلَاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ".

157 - باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام

الحديث الثاني: (ذات ليلة)، (ذات) مقحمة، أو من إضافة الشَّيء إلى نفْسه كما سبَق مرَّاتٍ. (الناس) اللام فيه للعهد، أي: الحاضرين في المسجد. (في صلاة)؛ أي: في ثوابها. * * * 157 - بابُ مُكث الإِمَامِ فِي مُصَلاهُ بَعْدَ السلامِ (باب مُكْث الإمامِ في مُصلَّاهُ) 848 - وَقَالَ لنا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ. وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: لَا يتطَوَّعُ الإمَامُ فِي مَكَانِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ. 849 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنُرَى -وَاللهُ أَعْلَمُ- لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنَ النِّسَاءَ. (قال لنا آدم) لم يقل حدَّثنا؛ لأنَّه ذكَره له مذاكرةً لا تحميلًا، فهو أحطُّ رتبةً. (القاسم)؛ أي: القاسم بن محمد بن الصدِّيق، صلَّى النَّفل في موضع صلاته الفَريضة. (ويذكر عن أبي هريرة) وصلَه أبو داود. (رفعه) مصدرٌ مضافٌ للفاعل مرفوعٌ نيابةً عن الفاعل في (يُذكر)، ومفعوله جملة: (لا يتطوَّع). (ولم يصح) هو من قول البُخاريِّ. (فَنُرَى) بضم النون، أي: نظنُّ أنَّ مُكثَه في مكانه لذلك، وسبق قريبًا. * * * 850 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ الفِرَاسِيَّةُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا- قَالَتْ: "كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ، فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ الفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الحَارِثِ القُرَشِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ مَعْبَدِ بْنِ المِقْدَادِ -وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ- وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَتْنِي هِنْدُ القُرَشِيَّةُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ الفِرَاسِيَّةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَدَّثَتْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (ابن أبي مريم)؛ أي: سعيد. (الفِراسية) بكسر الفاء، وخفَّة الراء، وإهمال السِّين. (الزُّبَيدي) بضم الزَّاي، وفتح الموحَّدة: محمَّد بن الوَليْد. (مَعْبَد) بفتح الميم، وسكون المُهمَلَة، وفتح الموحَّدة، وبالمُهمَلَة. (مِقْدَاد) بكسر الميم، وسكون القاف، وإهمال الدَّالَين: الكِنْدي المدَني.

158 - باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم

(ابن أبي عَتيق) بفتح المُهمَلَة، هو محمد بن عبد الله بن أبي عَتيق محمد بن عبد الرَّحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم-. (امرأة) هي هِنْد. (ابن وهب)؛ أي: عبد الله، وغرَض البخاري من هذه الطُّرُق: بيان أنَّ الزُّهري نسب هند إلى بَنِي فِراس في ثلاث رواياتٍ، وإلى قُرَيشٍ في ثلاث روايات، وقال في السَّابعة: امرأةٌ من قُريش، فللَّه دَرُّه، فأما رواية ابن وَهْب فوصلَها النَّسائي، ورواية عثمان بن عمر وصلَها البخاري في (باب انتظار النَّاس قِيامَ الإمام)، ورواية الزُّبَيدي وصلَها الطَّبَراني في "مسند الشَّاميين"، ورواية شُعيب وصلَها الذُّهْلي في "الزُّهريات"، وكذا رواية ابن أبي عَتيق، ورواية اللَّيث. * * * 158 - بابُ مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ (باب مَنْ صلَّى بالنَّاس فذَكَر حاجةً) 851 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ العَصْرَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ

159 - باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال

عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ: "ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ". (تخطى)؛ أي: تَجاوَز، ولا يُقال بالهمز. (ففزِع) بكسر الزَّاي. (تبر) هو الذَّهب غير المَضروب. (يحبسني)؛ أي: يشغَلني عن التوجُّه إلى الله تعالى، أي: شأنه ذلك، فهو تشريعٌ، ويُروى أنَّه كان تِبْر الصَّدَقة. قال (ط): ففيه أنَّ من حبَس صدقةً للمسلمين يُخاف عليه أن يُحبَس يوم القيامة في المَوقف، وأنَّ للإمام أنْ ينصرف متى شاء قبل انصراف النَّاس، وأنَّ التَّخطِّي لمَا لا غِنَى عنه مباحٌ، وأنَّ مَن وجَب عليه فرضٌ، فالأفضل مبادرتُه إليه. * * * 159 - بابُ الانْفِتَالِ وَالانْصِرَافِ عَنِ اليَمِينِ وَالشِّمَالِ وَكَانَ أَنَسٌ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى، أَوْ مَنْ يَعْمِدُ الانْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ. (باب الانفتال والانصِرافِ) (ينفتل)؛ أي: يَنصرفُ، وهو من مقْلوب لَفَت.

(يتوخى)؛ أي: يقصد، ويتحرَّى. * * * 852 - حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ، يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلا عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ. (يرى) بيانٌ لمَا قبله، وهو الجعل، أو استئنافٌ بيانيٌّ. (أن لا ينصرف) خبر (أَنَّ)، واستُشكل بأنَّه معرفةٌ، فكيف يكون اسمها نكرةً، وهو معرفةٌ، كما صرَّح به الزَّمَخْشَري وغيره، وأجيب: بأنَّ النكرة المخصوصة كالمعرفة، أو من باب القَلْب، أي: يَرى أنَّ عدم الانصراف حقٌّ عليه، وفي بعضها: (أنْ) مخففةٌ من الثَّقيلة، و (حقًّا) مفعولٌ مطلقٌ لفعلٍ محذوفٍ، أي: حقَّ حقًّا، و (أنْ لا يَنصرف) فاعلُ الفعل المقدَّر، و (أنْ) مصدريةٌ. ثم لا كراهةَ في الانصراف يمينًا ولا شمالًا، نعَمْ، اليمين أَولى؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان انصرافه عن اليمين أكثَر، ويُحبُّ التَّيمُّن في شأنه كلِّه، وإنما نَهى ابن مَسعود عن التزامِ الانصراف عن اليمين، واعتقاد أنَّه واجبٌ. * * *

160 - باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث

160 - بابُ مَا جَاء فِي الثوم النَّيِّ وَالْبَصَلِ وَالْكراثِ وَقَوْلِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أكلَ الثُّومَ أَوِ الْبَصَلَ مِنَ الْجُوعِ أَوْ غيْرِهِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجدَناَ". (باب ما جاءَ في الثُّومِ النِّيئ والبصَلِ والكُرَّاث) النِّيئ: بكسر النُّون، والمدِّ، والهمز، أي: الذي لَم يُطبَخ، والكُرَّاث: بضمِّ الكاف، وشدَّة الراء. (وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -) كأنَّه إشارةٌ إلى حديث جابر، وهو في "مسلم": نَهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أكْل البصَل والكُرَّاث، فغلبَتْنا الحاجة فأكلْنا منها، فقال: "مَنْ أكلَ مِن هذه الشَّجَرة المُنتِنَةِ فلا يَقربَنَّ مَسجدنا" الحديثَ، فالحاجة شاملةٌ للجُوع وغيره. * * * 853 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: "مَنْ أكلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي الثُّومَ- فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجدَناَ". الحديث الأول: (فلا يغْشَنا)؛ أي: فلا يَجِئْ، وفي بعضها: (يغْشَانا) بألفٍ إجراءً

للمُعتَلِّ مُجرى الصَّحيح، كقوله: ولا تَرَضَّاها ولا تَمَلَّقِ أو هذه الألف من إشباع فتحة (يغشَنا)، أو هو خبرٌ بمعنى النَّهي. (قلت) هو من قَول عَطاء. (ما يعني)؛ أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -. (به)؛ أي: بالثُّوم، أَنِيْئًا أم نَضِيْجًا؟ (فقال)؛ أي: جابر. (أراه)؛ أي: أظنُّه. (إلا نيئه)؛ أي: حتى لو أكلَه نَضِيْجًا لم يُكره دخولُه المسجد. (مَخْلد) بفتح الميم، وسُكون المُعجَمة. (نَتْنَهُ) بفتح النُّونيَن، وسكون الفَوقانيَّة بينهما: الرَّائحة الكَريهة. * * * 854 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبو عَاصمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أكلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلاَ يَغشَاناَ فِي مَسَاجِدِناَ"، قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلَّا نِيئَهُ. وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ إِلَّا نتنَهُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أُتِيَ بِبَدْرٍ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي طَبقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ، وَأَبُو صفْوَانَ، عَنْ يُونسُ قِصَّةَ الْقِدْرِ، فَلاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ. الحديث الثاني: (الشجرة) سمى الثُّوم بذلك، والشَّجَر ما كان على ساقٍ، وما لا ساقَ له يسمى نَجْمًا؛ لأنَّ اسم كلٍّ منهما قد يُطلق على الآخَر. قال (خ): في الحديث أنَّ مثل هذا الذي لا أغصانَ له، بل ينبسِط على الأرض يسمى شجرًا، وإنْ كان العامة لا يُطلِقون إلا لمَا له ساقٌ، لكن العرب تُطلق على كلِّ ما له أَرُومة في الأرض يخلُف ما قُطع من ظاهره: شجَرٌ، وإلا فنجْمٌ، قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6]. قال (ن): قيل: يختصُّ النهي بمسجد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لقوله: (مَسجِدنا)، والجمهور على أنه لكلِّ مسجدٍ، لرواية: (فلا يَقرَبَنَّ المَساجِد)، وحُكي عن بعض الظَّاهرية تحريم أكْل الثُّوم ونحوه، لأنَّه يَمنع من الجماعة، وهي عندهم فرض عين، وإجماعُ من يُعتدُّ به على خلافه. قال: ويُلحق بالثُّوم كل ذي رِيْح كريهةٍ، وأَلحق بعضهم من بفِيْهِ بَخَرٌ، أو لجُرحه رائحةٌ، وقاس العلماء مصلَّى العيد ونحوه من مَجامع

العبادات من عِلْمٍ أو ذكرٍ على المسجد، وفيه المنع من المسجد وإنْ كان خاليًا؛ لأنَّه محلُّ الملائكة. * * * 855 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: زَعَمَ عَطَاءٌ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ زَعَمَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أكلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ قَالَ- فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجدَناَ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ"، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبقولِ، فَقَالَ: "قَرِّبُوهَا" إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أكلَهَا قَالَ: "كُلْ فَإِنِّي أنُاَجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي". وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالح بَعْدَ حَدِيثِ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: وَهْوَ يثبِتُ قَوْلَ يُونسُ. الثَّالث: (زعم) المُراد هنا القَول المُحقَّق المختار، قال (خ): لأنه مختلَفٌ فيه، والزَّعْم يُعبَّر به فيما يُرتاب فيه، أو يختلف فيه. (بِقِدْرٍ) بقافٍ مكسورةٍ، وقال في "المَطالِع": صوابه: (ببَدْرٍ) بموحَّدة، أي: طبَقٍ شُبِّه بالقمر في استدارته ممتلئ نورًا، وكذا قال (خ)، قال: ولعلَّ القِدْر تصحيفٌ.

قال (ش): وقد رواه البخاري في (كتاب الأحكام): ببدرٍ، بالموحَّدة، وأن رواية ابن وهب، قال: يعني طبقًا، وكذا رواه أبو داود. قلت: وسيأتي في الباب تعليقًا، وتبين وصلُه، وعلى هذا فلا إشكال؛ لأنَّ الطَّبق يُشعر بأنها نِيْئة بخلاف القِدْر، إلا أن يُؤوَّل بأن الرائحة لم تَمُت منها وكأنها نِيْئة. (خَضِرات) بفتح الخاء، وكسر الضَّاد المُعجَمتين، وقيل: بضمِّ الخاء، وفتح الضَّاد، جمع خَضرة، ويجوز في مثله مع الفتح في الضَّاد ضمُّها وسكونها. (قربوها)؛ أي: القِدْر، أو الخَضراوات، أو البُقول. (لبعض أصحابه) روايةٌ بالمعنى، وإلا لقال: بعض أصحابي، فلعلَّه قال: لفلانٍ، وفلانٍ، من بعض أصحابه، أو أنَّ فيه محذوفًا، أي: مشيرًا، أو أشار إلى بعض أصحابه. (من لا تناجي)؛ أي: الملَك، ففيه أنَّ الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم. قلتُ: وفيه أنَّ الملائكة أفضلُ من بني آدم، وهو ظاهر الفَساد، وأن النَّهي للتنْزيه لا للتحريم؛ لأنه قال له: (كُلْ). (وقال أحمد بن صالح) وصلَه البخاري في (الاعتصام). (ولم يذكر) قال (ك): لعلَّه قول أحمد، وكذا: فلا أدري، ويحتمل أنَّه قول ابن وهب، أو البخاري أو سعيد تعليقًا.

161 - باب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور؟ وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز، وصفوفهم.

ورواية أبي صالح وهو عبد الله بن سَعيد وصلَها البخاري في (الاعتصام) أيضًا. (قول الزُّهري: أو في الحديث)؛ أي: لا أدري هل نقلَه الزُّهري مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا لم يَروه اللَّيث، وأبو صَفْوان، أو مسندًا كباقي الحديث. * * * 856 - حَدَّثَنَا أبو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَألَ رَجُلٌ أَنَسًا: مَا سَمِعْتَ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أكل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبْنَا، أَوْ لاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا". الحديث الرابع: (سمعت) بفتح التَّاء. قال (ك): وفي تحريم الثُّوم ونحوه على النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافٌ، فظاهر الحديث المنع. * * * 161 - بابُ وضوء الصِّبْيَانِ، وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْغَسلُ وَالطُّهُورُ؟ وَحُضُورِهِم الْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَنَائِزَ، وَصُفُوفهِمْ.

(باب وُضُوءَ الصِّبيان) إلى آخره. (وحضورِهم) بالجرِّ عطفٌ على: (وضوءِ)، وكذا: (وصفوفهم). * * * 857 - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي غندرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، قَالَ: أَخْبَرني مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَأمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ. الحديث الأول: (قبرٍ منبوذٍ) بمعجمةٍ، إما بإضافة (قبرٍ) إليه، أي: قبرِ لَقِيْطٍ، أو بوصف القبر بمنبوذٍ، أي: في ناحيةٍ عن القُبور. (عليه)؛ أي: على القبر، أي: هذه في الصَّلاة عليه، ففيه الصَّلاة على الميت بعد دفْنه، وعلى الإضافة أنَّ اللَّقيط في دار الإسلام له حكم المسلمين في الصَّلاة عليه وغير ذلك. (يا أبا عمرو) هو كُنية الشَّعبي. ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ ابن عباس كان صغيرًا وحضَر الجماعة، وحين توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ابن ثلاث عشرة سنة. * * *

858 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". الحديث الثاني: (سُليم) بضم المُهمَلَة. (واجب)؛ أي: كالواجب في التأكُّد. (محتلم)؛ أي: بالغٍ، وسيأتي البحث فيه قريبًا. * * * 859 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرني كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونة لَيْلَةً، فَنَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فتوَضَّأ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرو وَيُقَلِّلُهُ جِدًّا- ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ فتوَضَّأتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِه، فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، فَأَتَاهُ الْمُنَادِي يَأْذِنه بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يتوَضَّأْ، قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ ناَسًا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تنامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ؟ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: إِنَّ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءَ وَحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}.

الثَّالث: سبق شرحه في (باب التخفيف في الوضوء). * * * 860 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأكلَ مِنهُ فَقَالَ: "قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ"، فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لنا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْيتيمُ مَعِي، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلى بِنَا ركعَتَيْن. الرابع: (جدته) سبق كون الضَّمير لإسحاق، أو لأنس، وروايات: (فلأُصلِّي لكم)، وغير ذلك من شرح الحديث في (باب الصَّلاة على الحصِيْر). * * * 861 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكبًا عَلَى حِمَارٍ أتانٍ وَأَناَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ناَهَزْت الاِحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَينَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأتانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ.

الخامس: (أتان) بمثنَّاةٍ: الأنثى، وهو صفةٌ لحمارٍ؛ لشُموله الذَّكَر والأُنثى، وسبق أيضًا شرحه في (باب متى يصحُّ سَماع الصغير؟). * * * 862 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعِشَاءَ حَتَّى ناَداهُ عُمَرُ: قَدْ ناَمَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاَةَ غيْرُكُمْ". وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. السادس: (أعتم)؛ أي: أخَّرَ حتى اشتدَّت عَتَمة الليل، أي: ظُلمته. (غيركم) بالرَّفع والنَّصب، ومطابقته للتَّرجمة [في] قوله: الصِّبيان؛ لأنهم الحاضرون للصلاة مع الجماعة، أو الغائبون، كذا قاله (ك)، وفيه نظرٌ إنْ لم يُحمل على الحاضرين. * * * 863 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا

سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ لَهُ رَجلٌ: شَهِدْتَ الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: نعمْ، وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ -يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ- أتى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أتى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يتصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأةُ تُهْوِي بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ، ثُمَّ أتى هُوَ وَبِلاَلٌ الْبَيْتَ. السابع: (شهدت) بالخِطاب، والاستفهامُ مقدَّرٌ، أي: أَحضَرتَ، والمراد: شهد مع النِّساء، ولولا صِغَره لم يشهد معهنَّ، نقله (ك)، عن (ط)، ثم قال: الأَولى أن يُقال: لولا تمكُّني من الصِّغر وغلبتي عليه ما شَهدتُه، يعني: أن قُربه للبلوغ كان سببًا لشهوده، وزاد على الجواب تفصيل حكاية ما جرَى، أي: فكنتُ مراهقًا ضابِطًا، ولولا منزلتي عنده ما شهدتُ لصِغَري. (كثير) بمثلَّثةٍ. (الصَّلْت) بفتح المُهمَلَة، وسكون اللام، وبمثناة فوق. (تُهوي) بضم أوله: من أَهوَى، أي: أَومأَ، ويقال: أَهوَى بيده ليأخذَه. (حَلَقها) بفتح الحاء واللام، وبكسر الحاء أيضًا: جمع حلْقة، وفي بعضها بسكون اللام.

162 - باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس

وسبق شرح الحديث في (كتاب العلم) في (باب عِظَة الإمام). * * * 162 - بابُ خُرُوجِ النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالْغَلَسِ (باب خُروج النِّساء إلى المساجد) (الغلس) بقيَّةُ ظُلمة الليل. 864 - حَدَّثنَا أَبُو اليمَانِ قَالَ: أَخبَرناَ شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهريِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُروَةُ بنُ الزُّبيرِ، عَنْ عَائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: أَعْتَمَ رسُولُ اللهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَمَةِ حَتَّى ناَداهُ عُمَرُ: ناَمَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ"، وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ. الحديث الأول: (بالعتمة) بفتَحاتٍ، أي: العشاء، أي: آخرها. وسبق شرح الحديث مراتٍ. * * * 865 - حَدَّثَنا عُبَيدُ اللهِ بِنُ مُوسى، عَن حَنْظَلَةَ، عَن سَالِم بنِ

163 - باب انتظار الناس قيام الإمام العالم

عَبْدِ اللهِ، عَنْ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا اسْتَأذَنَكُمُ نِسَاؤُكُمُ بِاللَّيلِ إِلَى الْمَسْجدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ". تَابَعَهُ شُعْبةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (بالليل)؛ أي: خِلاف النَّهار، وعليه يحمل أيضًا: "لا تَمنَعُوا إماءَ الله مساجدَ اللهِ"، أي: في اللَّيل، ففيه أنهنَّ لا يُمنعن مما فيه مصلحتهنَّ، لكن إذا لم يُخَف فِتْنةٌ لا عليها ولا بها، وذلك هو الأغلب في ذلك الزَّمان. * * * 163 - بابُ انتِظَارِ النَّاسِ قِيَامَ الإِمَامِ الْعَالِمِ 866 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَناَ يُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثتنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوجَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرتهَا: أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ الرِّجَالُ.

الثَّالث: سبق شرحه قريبًا. * * * 867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ (ح) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَينصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ. الرابع: (إن كان) هي المخفَّفة من الثَّقيلة. (متلفعات) التَّلفُّع: شدُّ اللِّفاع، وهو ما يُغطِّي الوجه ويَلتحف به. (بمروطهن) جمع مِرْط -بكسر الميم-: كساءٌ يُؤتَزَر به. ومرَّ الحديث في (باب وقت الفجر). * * * 868 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، أَخْبَرَناَ الأَوْزَاعي، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأقومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَناَ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِي، فَأتجَوَّزُ فِي صلاَتِي

كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ". 869 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قُلتُ: لِعَمْرَةَ أوَ مُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نعمْ. الخامس: سبق شرحه في (باب: من أخف الصَّلاة)، وأن معنى (فأتجوز) أُخفِّف. (كراهة) فى بعضها: (مَخافةَ). (أحدث)؛ أي: من قِلَّة المبالاة بما يجب من الحياء ونحوه، وإنما قالت عائشة ذلك، وما تضمَّنه من الملازَمة والهمِّ بالمنع، وهو من أحكام الله تعالى بما شاهدَتْ من القواعد الدِّينية المقتضِية لحسْم موادِّ الفساد. (أوَ مُنعن) بهمزة الاستفهام، وواو العطف، وبناء الفعل للمفعول، والضمير لنساء بني إسرائيل. قال التَّيْمِي: فيه أنَّ النِّساء لا يخرجن إذا حدَث الفساد. قال أبو حنيفة: أكره للنِّساء شُهود الجمُعة، وأرخِّص للعجوز أن تشهد العِشاء والفجْر، وأما غيرها من الصَّلوات فلا، وقال أبو يوسف: لا بأسَ أن تخرج العجائز في الكلِّ، وأكرهه للشَّابَّة، وقال الثَّوري: ليس للمرأة خُروجٌ من بيتها وإن كانتْ عجوزًا، وقال ابن

164 - باب صلاة النساء خلف الرجال

مسعود: المرأة عورةٌ، وأقرب ما تكون إلى الله في قَعْر بيتها. * * * 164 - بابُ صَلاةِ النِّساءِ خَلْفَ الرِّجالِ (باب صلاةِ النِّساء خلْف الرِّجال) 870 - حَدَّثَنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ قَالَ: حَدَّثَنا إِبْرَاهيمُ بنُ سَعْدٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدَ بِنتِ الحَارِثِ، عن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا سَلَّم قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، قَالَ: نَرَى -وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَي يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مِنَ الرِّجَالِ. 871 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقُمْتُ وَيتيِمٌ خَلْفَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا. فيه حديثان سبق أحدُهما في (باب التَّسليم). (قال: نرى ...) إلى آخره، أي: قال الزُّهري، فهو إدراجٌ. والثَّاني (¬1) في (باب: الصَّلاة على الحصير). ¬

_ (¬1) أي: وسبق الحديث الثاني.

165 - باب سرعة انصراف النساء من الصبح وقلة مقامهن في المسجد

(ويتيم) عطفٌ على الضَّمير المرفوع بلا تأكيدٍ، وهو مذهب الكوفيين، أما البصريين فيُوجبون في مثله النصب مفعولًا معه، وسبق أن اليتيم ضُمَيرة. * * * 165 - بابُ سُرْعَة انصِرَاف النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي الْمَسْجِدِ (باب سُرعةِ انصِراف النِّساء) (مقامهن) بفتح الميم، أي: قيامهنَّ. 872 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، لاَ يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ، أَوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا. (فينصرفن نساء) هو على لُغة: أكلوني البَرَاغِيْث، أو مؤَوَّلٌ على أنَّ (نساء) بدلٌ من ضمير النِّسوة. (المؤمنين) في بعضها: (المؤمنات)، إما على تأويله بنِساء الأنفُس المؤمنات، أو الإضافة بيانيةٌ نحو: شجَر الأَراك، أو المراد:

166 - باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد

بنساءٍ فاضلاتٍ كما سبق. وفيه وجوب قطع الذرائع الدَّاعية للفِتنة، وسبب إخلاص الفكر لاشتغال النفس بما جُبلت عليه من أُمور النِّساء. * * * 166 - بابُ اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زوجَهَا بِالْخُرُوجِ إِلى المَسْجِدِ (باب استِئذان المرأة زوجَها) 873 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَأذَنَتِ امْرأةُ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَمْنَعْهَا". (فلا يمنعها) بالجزم والرفع. ووجه دلالة الحديث على التَّرجمة، وهي مقيَّدةٌ بالخُروج للمسجد أنَّ المعنى في الحديث التقييد كما في الحديث السابق قريبًا، أو أنه إذا جازَ على الإطلاق فإلى موضع العِبادة أَولى، قالوا: وفي معناه العيد، وعيادة المَرضَى، ونحو ذلك. * * *

11 - كتاب الجمعة

11 - كتاب الجمعة

1 - باب فرض الجمعة

11 - كتاب الجمعة (كتاب الجمعة) بسكون الميم، أي: اليوم المجموع فيه؛ لأن فُعْلةٌ بالسُّكون للمفعول كهُزْءة، وبضمِّ الميم تثقيلًا كعُشُر في عُشْر، وبفتحها بمعنى فاعل، أي: اليوم الجامع، فهو كهمَزَة على هذا، فتاؤُه للمبالغة لا للتَّأنيث، وإلا لَمَا وُصِف به: يوم، قال في "الكَشَّاف": وقُريء بهنَّ جميعًا. 1 - بابُ فَرْضِ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. 876 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْب، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو الزِّناَدِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ

السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَاناَ اللهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ". (باب فرض الجُمْعَة) سبق شرح الحديث في (باب الماء الدائم)، وأن معنى: (الآخِرون)؛ أي: في الزَّمان في الدُّنيا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - خاتَم النبيين. (السابقون)؛ أي: منزلةً يوم القيامة في انفصالهم قبْل الخَلق ودخول الجنة، رواه مسلم بلفظ: "نحنُ الآخِرُونَ مِن أَهلِ الدُّنيا، والسَّابِقون يومَ القِيامةِ، المَقْضِيُّ لهم قبلَ الخَلائق". (بَيْدَ) بفتح الموحَّدة، وسكون المثنَّاة تحت، وفتح الدال، قال أبو عُبَيد: بمعنى: على، وبمعنى: من أجل، وكلُّه صحيحٌ هنا. (أنهم)؛ أي: اليهود والنَّصارى. (الكتاب)؛ أي: التوراة والإنجيل. (هذا)؛ أي: يوم الجمعة. (وفرض الله عليهم)؛ أي: فُرض اجتماعهم فيه. (تبع) جمع تابع كخَدَم وخادِم. (اليهود غدًا)؛ أي: تَعبيد اليهود، أو مَجمَعهم غدًا، أي: السَّبت؛ لأنَّ الزَّمان لا يُخبر به عن الجُثَّة، فيقدَّر مضافٌ يكون معنًى. (وبعد غد)؛ أي: الأَحَد، ويقدَّر بما سبق في الأخبار بـ (غَدٍ)،

2 - باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة، أو على النساء

أو قيل: إنهما متعلِّقان بمحذوفٍ وتقديره: فاليهود يعظِّمون غدًا، والنَّصارى بعد غدٍ. ووجه اختيار السبت للتعظيم: أنهم زعموا أنَّه يومٌ فرَغ الله فيه من خَلْق الخلق، فنحن نستريح فيه عن العمل، ونشتغل بالعبادة والشّكر، والنصارى: الأحد؛ لأنه أوَّل يومٍ بدأ الله فيه بخلق الخلْق فاستحقَّ التَّعظيم، فهدانا الله للجمعة؛ لأنَّه اليوم الذي فرَضه الله، فلم يهدهم الله له، وادَّخره الله لهذه الأُمة. قال (خ): فنحن السَّابقون لهم باعتبار أن الجمُعة قبلَ السبت والأحد. * * * 2 - بابُ فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْم الْجُمُعَةِ، وَهل عَلَى الصِّبِي شُهُودُ يوم الْجُمُعَةِ، أوْ عَلَى النِّسَاء 877 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدكمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ". (باب فضْل الغُسل يوم الجمُعة) الحديث الأول: (جاء أحدكم) يعمُّ بالإضافة الصبيَّ والمرأةَ، نعَمْ، القضية الشَّرطية

لا تقتضي الوُقوع، لكن استُفيد ذلك مِنْ (إذا)؛ فإنَّها لا تدخل إلا في مجزومٍ بوقوعه، وعُلم من تقييد ذلك بالمجيء: أن الغُسل للصَّلاة لا لليوم. * * * 878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: أَخْبَرَناَ جُويرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ قَائِم فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَنَاداهُ عُمَرُ: أيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ، فَقَالَ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا؟! وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ. 879 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرناَ مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلِيم، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: غسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِم". الثاني: (جُويرية)؛ أي: ابن أسماء عمُّ الراوي عنه، وهو: عبد الله بن محمد بن أَسماء. (رجل) هو عُثمان بن عَفان - رضي الله عنه -.

(الأولين) قال الشَّعْبي: هم الذين أَدركوا بَيْعة الرُّضوان، وقال ابن المُسيَّب: مَن صلَّى إلى القِبْلتين، قال في "الكشَاف": وقيل: هم الذين شَهِدوا بدْرًا. (أية ساعة) هو مثل: (أيُّ) بلا تاءٍ، تقول: أيُّ امرأةٍ جاءتْك، وأيةُ امرأةٍ. قال الزَّمَخْشَري: وقُرئ: (بأيَّةِ أرضٍ)، وشبَّه سِيْبَوَيْهِ ذلك بتأنيث كلٍّ في قولهم: كلُّتُهنَّ. (شغلت) بالبناء للمفعول، قال الجَوْهَري: يقال: شُغِلت عنك بكذا، واشتغَلت. (والوضوء) بالنصْب، أي: أتتوضَّأُ الوضوءَ فقط؟ ففيه إنكارٌ لإبطائه ومجيئه بلا غُسلٍ، أو بالرفْع مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: والوضوءُ تقتصِر عليه، والواو بدَلٌ من همزة الاستفهام، كما قرأَ ابن كَثِيْر: (قال فرعون وآمنتم به) [لأعراف: 123]. قال ابن السِّيْد: يُروى بالرفع على لفظ الخبر، والصواب: (آلوُضوء) بالمَدِّ على لفْظ الاستفهام كقوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59]، ويجوز النَّصب، أي: أتخيَّرتَ الوضوء، وقال السُّهَيْلي: اتفقت الرُّواة على رفْعه؛ لأنَّ النَّصب يُخرجه عن الإنكار، فلو نُصب لتعلَّق الإنكار بنفس الوضوء، ولكنه قال: الوضوء، أي: إفرادُ الوضوء والاقتصار عليه صنيعُك أيضًا. ووجه مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنه دليلٌ للجُزء الأول منها،

3 - باب الطيب للجمعة

وفيه أنَّ الخطيب يخطُب قائمًا، وجواز الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر فيها، وتفقُّد الإمام رعيتَه، والإنكار على مُخالِف السنَّة وإن كان كبير القَدْر، وعلى الكبار في مَجمَع النَّاس، والاعتِذار إلى وُلاة الأُمور، وإباحة الشُّغل والتصرُّف يوم الجمعة قبل النداء، وأن الغُسل لا يجب. ونقل (خ) عن الشَّافعي: أنَّه لو وجَب لرجع عُثمان أو لردَّه عُمر، وذلك بحضْرة المهاجرين والأنصار، فدلَّ على أنه ليس بفرضٍ. قال (ك): وهذا قرينةُ صرْف الأمر في: (ليغتَسِلْ) عن الوجوب إلى النَّدْب، وأن قوله: (واجبٌ) أنه كالواجب. * * * 3 - بابُ الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ 880 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْم الأَنْصَارِيّ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ"، قَالَ عَمْرٌو أَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الاِسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاللهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لاَ؟ وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلَمْ يُسَمَّ أَبُو بَكْرٍ هَذَا، رَوَاهُ عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلاَلٍ وَعِدَّة، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، يُكْنَى بِأبِي بَكْرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللهِ. (باب الطيْب للجمُعة) (أشهد) عبَّر به لتأكيد القضيَّة وتحقيقها. (محتلم)؛ أي: بالغٍ، لا أنَّ المراد حقيقته، وهو نُزول المَنِيّ؛ فإنَّ ذلك موجِبٌ للغسل في يوم الجمُعة وغيرها، وخصَّ الاحتلام بالذِّكْر؛ لأنَّه أكثر ما يبلغ به الذُّكور، كما خص في: "لا يَقبلُ الله صَلاةَ حائِضِ إلا بخِمَارِ"؛ لأنَّ الحيض أغلبُ ما تبلُغ به الإناث. (يستن)؛ أي: يَستَاكُ؛ لأنَّه دلْكُ الأسنان، فأُخذ من لفْظ السِّنِّ. (إن وجد) عائدٌ لكلٍّ من الأمرين، أي: إن وُجِد السِّواك والطِّيب. (أنه واجب)؛ أي: مؤكَّدٌ كالواجب، كذا حملَه الأكثر على ذلك بدليل عطف الاستنان والطِّيب عليه، وأخذَ مالك بظاهر ذلك فأوجَب الغُسل. قال (ن): ظاهره شمول من أراد الجمعة وغير ذلك، لكنْ حديث: "إذا جاءَ" مقيِّدٌ له، وسواءٌ البالغ والصبيُّ، لكنه في البالغ أَوكَد، وفي وجْهٍ: يستحبُّ مطلقًا، ولكن للمُريد لها آكَد، وفي وجْهٍ: للذُّكور فقط، وفي وجْهٍ: لمَنْ تَلزمه الجمعة. (قال أبو عبد الله)؛ أي: البخاري.

4 - باب فضل الجمعة

(هو أخو محمد) لكن أصغَر منه. (ولم يُسم) بالبناء للمفعول، أي: لا يُعرف اسمه، إنما هو مشتَهر بكُنيته. (عنه)؛ أي: عن أبي بكرٍ. (وعدة)؛ أي: كثيرٌ، وغرَضه أنه على شَرْطه؛ لأنَّ له راويين وأكثر. (ويُكنى)؛ أي: له كُنيتان، ولا يخفى فائدة ذكْره ذلك. * * * 4 - بابُ فَضْلِ الْجُمُعَةِ 881 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي صَالحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَدَنةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِية فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكرَ".

(باب فضل الجمُعة) (غسل الجنابة)؛ أي: مثل غُسْل، فحذف الموصوف، والمراد مثله في الصِّفات والشروط. (بدنة) المُراد من الإبل وإنْ كانت تُطلَق على واحد: النَّعَم ذكَرًا كان أو أُنثى، والتَّاء فيهما للوَحْدة، سُمِّيت بذلك لعِظَم بدَنها، وقيل: تختصُّ بالإبِل، وقال الجَوْهَري: البدَنة ناقةٌ أو بقرةٌ، سُميت بذلك لأنَّهم كانوا يُسمِّنونها. (بقرة) مشتقةٌ من البقْر، وهو الشَّقُّ؛ لأنها تبقُر الأرضَ، أي: تشُقُّها بالحَرْث. (أقرن) وصفه بذلك؛ لأنه أكمَل وأحسَن صورةً، ولأنَّ قَرْنه يُنتفع به. (دجاجة) مثلَّث الدَّال، واقتصر ابن حَبِيْب على الفتح، قال: وأما في الإناث فبالكسر، وذكَر الدَّجاجةَ وإن لم يكن من نَوع ما يُتَقرَّب به، فإنَّه النَّعَم؛ لأنَّ المراد مُطلَق التصدُّق. (الملائكة)؛ أي: غير الحفَظَة وظيفتُهم كتابة حاضري الجمُعة، وما تشتمل عليه من ذِكْرٍ وخُطبةٍ وقراءةٍ. واعلم أن (خ) استشكل أنَّ السَّاعات إن أُريد بها السَّاعات المعروفة، فوقْت الجمُعة لا يمتدُّ خمسَ ساعاتٍ، قال: ويُتأوَّل إما بلحظاتٍ بعد الزَّوال، كما يقال: بقيَ في المسجد ساعةً، وإما أنها الساعات المعروفة، وتكون من طُلوع الشَّمس، ويُسمى قاصدًا لها قبلَ

وقتها كما يُقال للمُقبِلين إلى مكَّةَ حُجَّاج. قال (ك): الاستشكال باقٍ، أما على الأوَّل؛ فلأنَّ له أجر إدراك الصَّلاة لا التَّبكير والمُسارَعة، وأما على الثاني؛ فلأنَّ اليوم الشَّرعي من طُلوع الفجْر، ولئن قيل بما اشتُهر عُرفًا من الشَّمس فالساعات ستٌّ لا خمسٌ، ولا تصحُّ في السادسة الجمعة بل في السابعة، وفي النَّسائي مرفوعًا: "المُهجِّر إلى الجمُعة كالمُهدي بدَنةً، ثم كالمُهدِي بقَرةً، ثم كالمُهدي شاةً، ثم كالمُهدِي بطَّةً، ثم كالمُهدِي دجاجةً، ثم كالمُهدِي بَيضةً". قال (ن): في المسألة خلافٌ مشهورٌ، فقال مالك، وإمام الحرمين: بأنها لحظات لطيفة بعد الزوال، لأن الرواح لغة: من الزوال، والجمهور قالوا: باستحباب التبكير أول النهار، وأما الرواح، فقال الأزهري: هو مطلق الذهاب سواء أول النهار أو آخره أو الليل؛ قال: وهذا الصواب، لأنه لا فضيلة لمن أتى بعد الزوال، لأن التخلف بعد النداء حرام، ولأن ذكر الساعات للحث على التبكير والترغيب بالانتظار، والاشتغال بالذكر ونحوه، وذلك لا يكون من الزوال؛ نعم مَنْ جاء في ساعة من هذه الساعات أولًا لا يساويه من جاء آخرها ولا وسطها، بل مراتبهم متفاوتة، فهم وإن اشتَركوا في البدَنة مثلًا، لكنْ بدَنة الأوَّل أكمَل من التي فيما بعدها، وهكذا، أو ذلك كمن صلَّى في عشرة آلافٍ لا تكون درجاته السَّبع والعشرون كدرَجات من صلَّى مع اثنين، بل الأوَّل أكمل. * * *

5 - باب

5 - بابٌ 882 - حَدَّثَنَا أَبو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنِ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ إِلَّا سَمِعْتُ النِّدَاءَ تَوَضَّأتُ، فَقَالَ: ألمْ تَسْمَعُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا رَاحَ أَحَدكمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ"؟. (بابٌ) (عن الصَّلاة)؛ أي: عن حُضور أوَّل وقتها. (ما هو)؛ أي: الاحتِباس. (النداء)؛ أي: الأذان. وسبق مباحث الحديث، وأنَّ الجائي عثمان. * * * 6 - بابُ الدُّهْنِ لِلْجمُعَةِ (باب الدَّهْن) بفتح الدال مصدرٌ، وبالضمِّ اسم، فمعناه: باب استعمال الدُّهن. 883 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ

الْمَقْبُرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي عَنِ ابْنِ وَدِيعَةَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَغْتَسِلُ رَجلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ويَتطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرجُ، فَلاَ يفَرِّقُ بَينَ اثْنَينِ، ثُمَ يصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَ ينْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ، إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأخرَى". الحديث الأول: (من طهر) التَّنكير فيه للتَّكثير يشمل قصَّ الشَّارِب، وقلْم الظُّفُر، وحَلْق العانَة، وتنظيف الثِّياب، وفي بعضها: (الطُّهر). (ويدهن) بالتَّشديد: يَطَّلي بالدُّهن. (أو يمس)؛ أي: ويمسُّ، فـ (أو) للتَّفصيل. (طيب بيته) إشارةٌ إلى ندْب اتخاذ الطِّيْب في البيت، واعتياد التطيُّب. (فلا يفرق) كنايةٌ عن التَّبكير؛ فإنَّه إذا بكَّر لا يتخطَّى رقاب النَّاس. (ما كتب)؛ أي: فرَض من صلاة الجمُعة، أو: ما قدَّر فضلًا ونفلًا. (ينصت) بضمِّ أوله: من أَنصَت، أي: سكَت، وبالفتح: من نصَت بمعناه، ويجيء أنصتَ أيضًا متعدِّيًا، فيُقال: أنصَته. (تكلم الإمام)؛ أي: الخُطبة. (بينه)؛ أي: بين يوم الجمعة. (الأخرى) يحتمل الجمعة الماضية والمستقبلة؛ لأنَّها تأنيثُ

الآخر بفتح الخاء لا بالكسر، والمغفرة تكون للمُستقبل كالماضي، قال تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]. * * * 884 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ طَاوُسٌ: قُلْتُ لاِبْن عَبَّاسٍ: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلاَ أَدْرِي. الحديث الثاني: (واغسلوا رؤوسكم) إما من ذكْر الخاصِّ بعد العامِّ؛ لأنَّ الاغتسال شاملٌ، أو أن المُراد بالأول الغُسل، والثَّاني التَّنظيف من الأذَى واستعمال الدُّهن ونحوه. (جُنبًا) هو يستوي فيه المُفرد والمثنى والجمع، كما قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. (من الطيب)، (مِنْ) للتَّبعيض. قال (ك): قائمٌ مقام المفعول، أي: استعملوا بعضَ. (فلا أدري)؛ أي: أقالَه النبي - صلى الله عليه وسلم -أو لا؟ * * *

7 - باب يلبس أحسن ما يجد

885 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَام أَنَّ ابْنَ جُرَيْج أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: أَيَمَسُّ طِيبًا أَوْ دُهْنًا إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ؟ فَقَالَ: لا أَعْلَمُهُ. الثَّالث: (إن كان)؛ أي: الطِّيب، أو الدُّهن. (لا أعلمه)؛ أي: من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا كونه مندوبًا. * * * 7 - بابٌ يَلْبَسُ أحْسَنَ مَا يَجِدُ 886 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَللْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآَخِرَةِ. ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَمْ أكسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا"، فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا.

(باب يَلبَس أحسَن ما يَجِد) (حُلَّة) قال أبو عُبَيد: الحُلَل بُرود اليمَن، ولا تسمَّى حُلَّةً حتى تكون ثوبَين. (سِيَراء) بكسر السين المُهمَلَة، وفتح التَّحتانية، وبالراء، والمَدِّ: بُرْدٌ فيه خُطوط صُفر كالسُّيور، وقيل: المُضلَّعة بالحرير، وقيل بالقَزِّ، وقيل: حريرٌ محضٌ، وهو الصحيح الذي يتعيَّن القول به هنا؛ لأنَّه المحرَّم، وإنما يحرم من المختلِط ما حَريره أكثر وزْنًا. وأهل العربية على إضافة حُلَّة، وأكثر المحدثين على تنوينه، ووصفِه بسِيَراء؛ كناقةٍ عُشَراء، وأنكره أبو مروان، لكن قال سِيْبَويَهِ: لم يأْتِ (فعلاء) وصفًا، قال في "المَطالِع": ضبطناه عن المتقِنين بالإضافة والتَّنوين على الصِّفة، أو البدَل. (لو اشتريت) الجزاء محذوف، أي: لكان حسَنًا، أو للتمنِّي. (وللوفد) جمع وَافِد، وهو الوارِد على الأمير رسولًا، وجمعه: أَوْفاد أيضًا. (يَلْبَس) بفتح الموحدة. (خلاق)؛ أي: حظٌّ، ونَصِيْبٌ. (عُطاِرد) بضم المُهمَلَة، وكسر الرَّاء، هو ابن حاجِب التَّميمي، قدِم في وفْد بني تَميم وأسلَم، وله صحبةٌ، وقال التَّيْمِي: كان يُقيم بالسُّوق الحُلَل، أي: يَعرِضها للبيع، فأضاف الحلَّة إليه بهذه المُلابسَة. (ما قلت)؛ أي: قولك: إنما يَلبَسها مَن لا خلاقَ له.

8 - باب السواك يوم الجمعة

(لتلبسها)؛ أي: بل لتنتفع بها بغير ذلك، ففي "مسلم": "أَعطَيتُكَها تَبيعُها، وتُصيبُ بها حاجتَكَ"، وفي "مسند أحمد": "أعطيتُكَه تَبيعُه"، فباعه بألفَي درهمٍ، لكن يُشكل بما هنا من قوله: (فكساها عُمر أخًا له) وهذا الأخ كان من أُمِّه، وهو عُثْمان بن حَكِيم، كذا قاله المُنْذِري؛ لأنَّ زَيْد بن الخطاب أخا عُمر أسلم قبل عمر. وقال الدِّمْياطي: الذي أَرسل عُمر له الحُلَّةَ لم يكن أخاه إنما هو أخو أخيه زَيْد بن الخطاب لأُمه، وقيل: المراد أخٌ لعُمر من الرَّضاعة. وفيه تحريم الحرير على الرِّجال؛ لأنَّ النِّساء خرجْن من عُمومِ (لا خَلاقَ له) بدليلٍ آخر، وإباحةُ هديته، وإباحةُ ثمنه، واستحبابُ أنفَس الثياب يوم الجمعة، وعند لقاء الوفود، وعرض المفضول على الفاضل ما يحتاج إليه من مصالحه التي لا يذكُرها، وصلة الأقارب وإنْ كانوا كفَّارًا، وجواز البيع والشِّراء عند باب المسجد، وإهداء ثياب الحرير للكفَّار لا ليلبَسوها؛ لأنها محرمةٌ عليهم؛ لأن الصحيح خِطاب الكفَّار بالفُروع. * * * 8 - بابُ السِّوَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَسْتَنُّ. (باب السِّواك يوم الجمُعة) (وقال أبو سعيد) تقدَّم وصل البخاري في (باب الطِّيب للجمُعة).

887 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتي -أَوْ عَلَى النَّاسِ- لأَمَرتُهُمْ بِالسّوَاكِ مَعَ كُلّ صَلاَةٍ". (أن أشق)؛ أي: المشقَّة، وهو مبتدأٌ خبره محذوف وجوبًا. (أو) هو شكٌّ من الراوي. (بالسواك)؛ أي: بالاستياك، وإنْ كان السِّواك يطلق أيضًا على الآلة. (لأمرتهم) قيل: فيه دليلٌ على أن المَندوب غير مأمورٍ [به]؛ لأنَّ النَّدب ثابتٌ، والمنفي هو الوجوب، وجَرى على هذا (خ)، وأنَّ الشَّافعي استدلَّ به على أن السِّواك ليس بواجبٍ. قلت: لكن المرجَّح في الأُصول أن النَّدب مأمورٌ به، فالمعنى في الحديث: لأمرتُهم أمْرَ إيجابٍ، جمعًا بينه وبين أحاديث الأمْر بالسِّواك. * * * 888 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أكثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ". الحديث الثاني: (ابن الحَبْحاب) بفتح المُهمَلَة الأولى، وسكون الموحَّدة الأُولى.

9 - باب من تسوك بسواك غيره

(أكثرت)؛ أي: بالغْتُ معكم في أمر السواك، وفي بعضها: بالبناء للمفعول، أي: بُولغْتُ من عند الله، قال الجَوْهَري: يقال: فلانٌ مكثورٌ عليه: إذا نفَد ما عنده. * * * 889 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ. الثَّالث: (وحُصين) بضم المُهمَلَة، وفتح المُهمَلَة أيضًا، مجرورٌ عطفًا على منصور. (يَشوص)؛ أي: يَغْسِل. وسبق شرح الحديث في آخر (كتاب الوضوء) في (باب السواك). ووجه دلالته على التَّرجمة: أنه لمَّا عَلِم اهتمام الشَّارع بالتَّنظيف للجمُعة، والسِّواك يستحبُّ لكل صلاةٍ، فالجمُعة أَولى. * * * 9 - بابُ مَنْ تَسَوَّكَ بسِوَاكِ غَيْرِهِ 890 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: قَالَ

هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَخْبَرني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأعْطَانِيهِ فَقَصَمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَسْنِدٌ إِلَى صَدْرِي. (باب مَن تَسوَّكَ بسواكِ غيرِه) (دخل)؛ أي: إلى حُجْرة عائشة في مرَض النبي - صلى الله عليه وسلم -. (يستن)؛ أي: يَستَاكُ. (فقصمته) بالقاف، والمُهمَلَة، أي: كسَرتُه، وأَبَنْتُ منه الموضع الذي كان استَنَّ به، وما يُلقَى منه يسمى: قُصَامَة، يقال: لو سألني قُصامةَ سواك ما أعطيتُه، وقِصْمة بالكسْر، ومنه الحديث: "استَغنوا ولو من قُصمةِ السِّواك"، وفي بعضها بالفاء، والفَصْم: الكسر من غير إبانَة، وفي بعضها بالقاف والمعجَمة، كذا لابن السَّكَن وغيره، قال في "المَطالِع": أي: مضغَتْه بأسنانها وليَّنتْه، والقضْم: الأكل بأطراف الأسنان. (مُستند)؛ أي: مُعتمِد، وفي بعضها: (مستَسنِد). وفيه طهارة ريق ابن آدم، والدُّخول في بيت المَحارِم ونحوه. * * *

10 - باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة

10 - بابُ ما يُقرَأُ فِي صلاَةِ الْفَجْرِ يَوْم الْجُمعَة (باب ما يُقرأُ في صلاة الفجْر يومَ الجمُعة) 891 - حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ {الم (1) تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}. (كان) يُشعر بالاستمرار. {الم}؛ أي: السجدة في الأولى، و {هَلْ أَتَى} في الثَّانية. * * * 11 - بابُ الْجُمُعَة فِي الْقُرَى وَالْمُدْنِ (باب الجمُعة في القُرى والمُدُن) بسكون الدال وضمِّها: جمع مَدينة. 892 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي

مَسْجدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ الْبَحْرَيْنِ. الحديث الأول: (العَقَدي) بفتح المُهمَلَة، والقاف. (أبو جَمْرَة) بالجيم: نصْر. (جُمِّعَتْ) بتشديد الميم المكسورة، يقال: جَمعوا تجميعًا: شَهِدوا الجمُعة وقضَوا الصَّلاةَ فيها. (عبد القيس) صار علَمَ قبيلةٍ كانوا يَنزلون البَحْرين، موضعٍ قريبٍ من عُمَان، بقُرْب القَطِيْف والإحساء، سبق أواخر (الإيمان) قصَّة وفْدهم. (بجُوَاثا) بضمِّ الجيم، وخفَّة الواو، والمثلَّثة، والقصْر: هي حِصْنٌ بالبَحرين، ومنهم مَنْ همزَها. * * * 893 - حَدَّثَنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَني يُونسُ، عَنْ الزُّهرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَناَ سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ"، وَزَادَ اللَّيْثُ: قَالَ يُونسٌ: كتَبَ رُزيقُ ابْنُ حُكَيْم إِلَى ابْنِ شِهَابٍ وَأَناَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى: هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ؟ وَرُزيقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا، وَفيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودانِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُزيقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ، فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ -وَأَناَ أَسْمَعُ- يَأمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، الإمَامُ رَاع وَمَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، وَالْمَرْأة رَاعِيةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُلةٌ عَنْ رَعِيتهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّده وَمَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُل عَنْ رَعِتيهِ". الحديث الثاني: (وزاد اللَّيث) وصلَه الذُّهْلي. (رُزَيق) بضمِّ الرَّاء، ثم فتح الزَّاي. (ابن حُكَيْم) بضم المُهمَلَة، وفتح الكاف. (الأيلي) نسبة إلى أَيْلَة التي كان واليَها، بفتح الهمزة، وسكون المثنَّاة تحت، بلدة معروفةٌ بطرَف الشَّام على ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمس عشرةَ مرحلةً. (السودان) جمع أَسوَد، والمراد أنَّه سألَه عن إقامة الجمُعة في الأرض التي هو مشغولٌ بزراعتها، والعملِ، لا في أَيْلَة؛ لأنها بلدٌ لا يُسأل عنها. (وأنا أسمع) جملةٌ حاليةٌ، وكذا جملة: (يأمره)، فهما حالان مترادفان، وأما جملة: (يخبره) فحالٌ من فاعل (يأمره)، فهي مداخلةٌ، نعَمْ، المكتوب في قوله: (كتَبَ) هو الحديث، والمسموع هو المأمور به.

كلكم راعٍ) أصلُ الرعية: حفظُ الشيء وحُسْن تعهُّده. ومناسبته لسؤال رُزَيق: أنه لمَّا كان عاملًا على طائفةٍ كان عليه أَنْ يراعيَ حقوقَهم، ومنها: إقامة الجمعة، وإن كان في قرية، وقال أبو حنيفة: لا تُقام الجمعة إلا في الأَمْصار الجامعِة، فهذا عليه، وهذه الكلِّية يدخل فيها الخالي عمن يتصرف له، فرعايته على أصدقائه ونحوِهم؛ نعم إذا كان كلُّ أحدٍ راعٍ، فَمَنِ الرَّعية؟ فيجاب: بأنها أعضاؤه وجوارحه وحواسه، ونحو ذلك، والراعي يكون مرعيًّا باعتبار آخرَ كالشَّخص مرعيٌّ للإمام، راع لأهله ونحوِهم. (الإمام راع) عمَّم أولًا ثم فصَّل الرعاية، فالعام منها كالإمامة بحفظهم وإقامة الحدود والأحكام فيهم، والخاص إما بعلقة الزوجية، وذلك قوله: (والرجل راع في أهله)؛ أي: بالقيام عليهم وسياسة أمرهم، وتوفية حقوقهم في النفقة وحسن عشرة. (والمرأة)؛ أي: بحُسْنِ تدبير البيت، وحِفظ ما عندها من عِيالِ زوجِها، وأضيافِه، وإما بعلقة الخدمة، وهو قوله في رواية يونس التي فيها قال: (وحسبت أنه)؛ أي: أن الزُّهْري قال. "والخادم" أي: بحفظ ما في يده من مال سيده، والنصح له، والقيام بحق خدمته، وإما بعلقة النسب، وهو قوله: (والرجل راع في مال أبيه"؛ أي: بحفظه وتدبير مصلحته، ثم عمَّم آخِرًا كالأول بقوله: "وكلكم راع"؛ أي: حافظ مؤتمَنٌ ملتزِمٌ صلاحَ ما قام عليه، فكل من كان في نظره شيء فمطالب بالعدل فيه، وإقامة مصلحته. وفيه دليلٌ على أن السيدَ يُقيمُ الحدَّ على مملوكه؛ قاله الزهري.

12 - باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟

وأن الجمعة تقام بغير سلطان بشروطها، وأن المُحكم ينفذ حكمه الموافق للحق. * * * 12 - بابٌ هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمعَةَ غُسْلٌ مِنَ النِّسَاء وَالصبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ؟ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ. (باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل)، في بعضها: (الغسل). "من يجب عليه"؛ أي: المجتمع فيه شروطُ وجوبِها. * * * 894 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ". الحديث الأول: "سُليم" بضم المهملة. "يسار" بالمثنَّاة والمهملة. وسبق شرحه. * * *

895 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْم، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". الثاني: سبق أيضًا، وأن قوله: "واجب"؛ أي: كالواجب، ولا منافاة بين العموم هنا وخصوص الحديثين قبلَه، فإنَّ غايته: ذكر فردٍ من العام، فلا تخصيص، وأما مفهوم الشرط فيه فمَلْغي، لأن القصد به تأكيد نَدبية الغسل لمن جاء، لا القصر عليه، كذا قال (ك). ولكن مذهب الشافعي: أن غُسلَ الجمعةِ للصلاة لا لليوم، وهو ما نقله (ك) عن بعضهم؛ أي: عملًا بمفهوم الشَّرط. أما وقته، فقال: الشافعي، وأحمدُ: من الفجر، وقال مالك: لا يجزيء إلا عند الرَّواح لا مِنْ أوَّلِ النهار. * * * 896 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَاناَ اللهُ، فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى". فَسَكَتَ. 897 - ثُمَّ قَالَ: "حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ

13 - باب

أيامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأسَهُ وجسده". 898 - رَوَاهُ أَبَانُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لله تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أيامٍ يَوْمًا". الثالث: سبق أيضًا شرحه في (باب فرض الجمعة). "أوتوا الكتاب" إشارة إلى كوننا آخِرين. "فهدانا" إشارة إلى سبقنا، لأن الهداية سببٌ للسَّبق يومَ القيامة. "فغدًا" سبق إعرابُه، وفي بعضها: (فغدٌ)، على أنه مبتدأ، والمسوِّغ له تقدير إضافته؛ أي: غد يوم الجمعة. "كل مسلم" هو أعم من رواية: (كل مُحْتَلم). قال (ك): لكنه آكدُ للمحتلم، وأوكد منه في حقَّ المُجمِّع. وفيه نظر؛ لأنه مبنيٌّ على أن الاغتسالَ لليوم، وهو خلاف مرجَّحِ الشافعية. * * * 13 - باب 899 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ،

عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ائْذَنُوا لِلنِّسَاءَ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ". الرابع: "شَبابة" بفتح المعجمة وخِفَّة الموحَّدتين. "ائذنوا للنساء بالليل"؛ أي: فالنهار أولى، لأن الليل مَظِنَّة الفتنة؛ تقديمًا لمفهوم الموافقة على المخالفة، بل هو مفهومٌ لا يُعمل به أصلًا على الراجح. * * * 900 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتِ امْرَأةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْح وَالْعِشَاءَ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجدِ، فَقِيلَ لَهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ". الخامس: "يغار" من الغَيرة، بوزن يَخَاف. "لا تمنعوا" يشمَلُ الليلَ والنهارَ، فما سبق من ذكر الليل من ذكر فردٍ من العام، فلا يخصص على الأصح في الأصول كحديث: "دباغُها طَهورُها" في شاة ميمونة مع حديث: "أيُّما إِهَابٍ دُبغَ فقد طَهُر".

14 - باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر

وأما مطابقة الحديث للترجمة: فلما فيها مِنْ أنَّ النساءَ لهنَّ شهودُ الجمعة، وعادةُ البخاريِّ إذا ذكر حديثًا في ترجمته أن يستطردَ فيه لمناسبة. قلت: وأيضًا فقد تقرَّر أن شاهدَ الجمعة يغتسِلُ فيشمَلُها طلبُ غسلِ الجمعة، فدخلت في الترجمة. قال (ك): وقوله: (يمنعه قولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بعد الحديثِ مرسلًا. قلت: امرأة عُمر هذه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفيل. * * * 14 - بابُ الرُّخْصَةِ إِنْ لَمْ يَحضُرِ الْجُمُعَة فِي الْمَطَرِ (باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر)، (أن) بالفتح؛ أي: في أن، و (يحْضُر) مبني للمفعول. 901 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ، قَالَ: حَدثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سيرِينَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاس لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلاَ تَقلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، قَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ

15 - باب من أين تؤتى الجمعة، وعلى من تجب؟ لقول الله جل وعز: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة}

الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فتمْشُونَ فِي الطينِ وَالدَّحَضِ. "أحرجكم" بالحاء المهملة: من الحرج، وهو الإثم، وبالمعجمة: من الخُروج. "الدْحَض" بسكون المهملة، وفي بعضها بفتحها وإعجام الضَّاد: الزَّلق. وسبق شرح الحديث في (باب الكلام في الأذان). * * * 15 - بابٌ مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟ لقول الله جل وعز: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا، سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ. وَكَانَ أَنسٌ - رضي الله عنه - فِي قَصْرِه أَحْيَانًا يُجَمِّعُ وَأَحْيَانًا لاَ يُجَمِّعُ، وَهْوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ. (باب من أين تؤتى الجمعة) " وهو"؛ أي: قَصْرُ أنس.

"بالزاوية": اسمُ مَوضع. * * * 902 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ، يُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ الْعَرَقُ، فَأتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهْوَ عِنْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا". "العوالي": جمع عالية، مواضع وقُرى قربَ المدينةِ من جهة الشرق مِنْ ميلين إلى ثمانية. "لو أنكم"؛ أي: لو ثبت؛ لاختصاص (لو) بالفعل، وجوابها محذوف، أو: هي للتمني، فلا جواب لها. قيل: الجمعة واجبةٌ على مَنْ آواه الليل إلى أهله، وقيل: على مَنْ كان على ستةِ أميال، وقال مالك، والشافعي، وأحمد: على مَنْ سَمِعَ النداءَ؛ للآية، وأبو حنيفة: لا يُوجبها على مَنْ كان خارجَ المِصْر. * * *

16 - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس

16 - بابٌ وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ - رضي الله عنهم -. (باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس) 903 - حَدَّثَنا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرناَ عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الْجُمُعَةِ رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ. الحديث الأول: "مَهَنة" بفتح الميم والهاء؛ جمع ماهن، وهو الخادم؛ كطالب وطَلَبة، وفي بعضها: بسكون الهاء مصدر؛ أي: أصحابُ خِدمةِ أنفسهم. و"هيئتهم"؛ أي: حالهم التي كانوا عليها. ووجه مطابقةُ الترجمةِ: أن الرَّواح عند الأكثر مِنَ الزَّوال. * * * 904 - حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -

أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. الثاني: "سُريج" بضم المهملة وبالجيم. "تميل الشمس"؛ أي: تزول. قال التيمي: أجمعوا على أنَّ وقتَ الجمعة من الزوال، إلا أحمد فجوزَّها قبلَ الزوال. * * * 905 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كُنَّا نبُكِّرُ بِالْجُمُعَةِ، وَنقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ. الثالث: "فبكر بالجمعة"؛ أي: بصلاتها، تعلَّق به أحمد، لكن التبكير شاملٌ لِمَا قبلَ طُلوع الشمس، وهو لا يقول به، بل يجوِّزها قُبيلَ الزوال، فالمنع في أول النهار اتفاق، فإذا تعذَّر أن يكون بُكْرة دلَّ على أن المراد به المبادرة من الزوال، وهو وجهُ الترجمةِ. قال الجوهري: مَنْ بادر إلى شيء، فقد بَكَّر إليه أيَّ وقتٍ كانَ، يقال: بَكِّروا بصلاة المغرب. "ونقيل بعد الجمعة"؛ أي: عوضًا عن قيلولتهم عَقِبَ الزوال الذي صَلَّوا فيه الجمعة. * * *

17 - باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة

17 - بابٌ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب: إذا اشتد الحر يوم الجمعة) 906 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ هُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ، يَعْنِي الْجُمُعَةَ. قَالَ يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ: بِالصَّلاَةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمُعَةَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ قَالَ لأَنسٍ - رضي الله عنه -: كَيفَ كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُهْرَ؟ "المُقَدَّمي" بضم الميم وتشديد الدال مفتوحة. "أبو خَلْدَة" بسكون اللام، وقيل بفتحها، واسُمه: خالد. قال الغسَّاني: لم يروِ له البخاريُّ غيرَ هذا الحديث. "بكر"؛ أي: صلَّى أولَ وقتِ الظهر. "وقال يونس" وصله البخاريُّ في كتابه "المفرد في الأدب". "ولم يذكر الجمعة" هو الموافق للمرجَّح عند الفقهاء: أنه

18 - باب المشي إلى الجمعة، وقول الله جل ذكره: {فاسعوا إلى ذكر الله} ومن قال: السعي العمل والذهاب؛ لقوله تعالى: {وسعى لها سعيها}

لا إبرادَ بالجمعة؛ لشدة الخَطَر في فواتها، ولأنَّ الناس يبكِّرون لها فلا يتأذَّون. قلت: إلا من يقول: التبكير من الزوال. "وقال بشر" إلى آخره، وصله الإسماعيليُّ، والبيهقي. قال التيمي في معناه: أن الجمعة وقتها وقت الظهر تُصلَّى بعد الزوال، ويُبْرَد بها بعد تمكَّن الوقت. * * * 18 - بابُ المَشْيِ إِلَى الجُمْعَةِ، وَقَولِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَمَنْ قَالَ: السَّعيُ العَمَلُ والذَّهابُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: يَحْرُمُ البَيْعُ حِينئِذٍ. وقَالَ عَطَاءٌ: تَحْرُمُ الصِنَاعَاتُ كُلُّهَا. وقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ مُسَافِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ. (باب المشي إلى الجمعة) (وسعى لها)؛ أي عَمِل لها وذهب لها وهو راجع لـ (سعى) المُعدَّى بـ (إلى)، لا تفاوت بينهما إلا بإرداة الاختصاص والانتهاء.

"حينئذ"؛ أي: حين النداء، فهو حرام، ولو وقع صح، لأن النهي ليس لمعنى في العقد داخل ولا لازم، بل خارج عنه. * * * 907 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ: أَدْرَكنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَناَ أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ". الحديث الأول: "يزيد" هذا بالمثناة تحت ثم زاي على الصواب ليس له في البخاري إلا هذا الحديث رواه له هنا، وفي (الجهاد)، ووقع في أصلِ: (بُريد) بضم الموحدة والراء، وهو غلط، وذاك كوفي، ولم يخرج له البخاري. "عَباية" بفتح المهملة وموحدة وبعد الألف مثناة تحت؛ أي: ابن رفاعة. "أبو عَبْس" بفتح المهملة وسكون الموحدة: عبد الرحمن بن جَبْر -بفتح الجيم وسكون الموحدة-. "سبيل الله" عام بالإضافة، فيشْمَل الجمعة. * * *

908 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". الحديث الثاني: "تسعون" حال، فالنهي متوجه إليه لا للإتيان، ولا يعارض قوله تعالى {فَاسْعَوْا}، لأن المراد به: القصد أو الذهاب أو العمل، والمراد في الحديث: الإسراع. قال الحسن: ليس السعي الذي في الآية على الأقدام، بل على القلوب. "السكينة" بالنصب؛ أي: الزموا السَّكينةَ، وهي الهِينة والتأنِّي، وبالرفع على الابتداء. وسبق شرح الحديث في (باب قول الرجل: فاتتنا الصلاةُ). قال (ك): وفيه أنَّ ما يدركه المرءُ من باقي صلاة الإمام هو أول صلاته، لأن الإتمام لا يكون إلا على متقدِّم له. * * * 909 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قتيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا

19 - باب لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة

عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ -لاَ أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِيهِ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ". الثالث: قول البخاري فيه: "لا أعلمه إلا عن أبيه"؛ أي: لا أعلم روايةَ عبدِ الله هذا الحديثَ إلا عن أبيه. قال (ك): هذا منقطع، لأن شيخه رواه كذلك، ولو قال البخاريُّ: لا أعلمه رواه إلا عن أبيه. قلت: فيه نظر! فإنَّ قول البخاري ذلك يدُلُّ على أنه اتصل به روايته عن أبيه. * * * 19 - بابٌ لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب لا يفرِّق بين اثنين)، براء مشدَّدة تكسر وتفتح، قيل: يريد به إدامة الركعتين حتى يخرج الإمام، وضعف لقوله بعد: (وصلى ما كتب له)، وإنما أراد التخطِّي. سبق شرحُ الحديث الذي فيه في (باب الدهن للجمعة). وفيه نَدب الغُسْلِ يومَ الجمعة، والتطهُّر والادِّهان، والتطيُّب،

20 - باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه

والرواح، والنهي عن تخطِّي رِقابِ الناس، والتبكير، والإنصات. * * * 910 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ وَدِيعَةَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإمَامُ أَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى". * * * 20 - بابٌ لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقْعُدُ فِي مَكَانِهِ (باب لا يُقيم الرجلُ أخاه ويقعد)، (يقيم) بضم الميم، و (يقعد) بنصب الدال؛ بتقدير (أنْ) في جواب النفي، فالنهي عن الجمع بينهما، ويُرفع على أنَّ الجملة حالية؛ أي: وهو يقعد، فالنهي أيضًا عن الجمع؛ أي: حتى لو أقامه ولم يقعد لم يرتكبِ النهيَ، أو على أنه معطوف على (يقيم)، وكلٌّ منهما منهي، أما قوله في الحديث: "ويجلس" فبالنصب عطفًا على (يقيم)، فكلٌّ منهي، فإن صحَّتْ

21 - باب الأذان يوم الجمعة

روايتُه بالرفع كان النهي عن المجموع، ثم ظاهر النهي التحريم لا يُصرف عنه إلا بدليل. قال التيمي: فلا يجوز أن يقيم أحدًا من مكانه، لأنَّ مَنْ سبق إلى مُباح فهو أحقُّ به. * * * 911 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَناَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ناَفِعًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ، قُلْتُ لِنَافِعٍ: الْجُمُعَةَ؟ قَالَ: الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا. "قلت لنافع: الجمعة" بالخَفض؛ أي: في الجمعة. "قال: الجمعة وغيرها" في رواية أبي ذر برفعها؛ أي: متساويان في النهي، ورواه غيره بنصبها بنزع الخافض أي: في الجمعة وغيرها. * * * 21 - بابُ الأَذانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب الأذان يوم الجمعة) 912 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ

22 - باب المؤذن الواحد يوم الجمعة

عَلَى الْمِنْبَرِ، عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما -، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - وَكثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ. "أوله" بدل من النداء. "إذا جلس" خبر (كان). "عُثمان" فاعل (كان) التامة، أو اسمها ناقصةً، والخبر محذوف؛ أي: خليفة. "الناس"؛ أي: المسلمون. "الثالث"؛ أي: زاده ثالثًا لما كان من الأذان والإقامة، وإن كان زمانُه أول. قال التيمي: لأنه ثالثُ الأذانين اللَّذَينِ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فزاده عند دخول الوقت قبل أن يَصْعَدَ الإمامُ باجتهاده، ولم ينكروه، فكان إجماعًا سكوتيًّا. "الزَوْراء" بفتح الراء وسكون الواو وبالراء والمد: موضع بالسُّوق أو جدار أو حجر؛ على الخلاف فيه. * * * 22 - بابُ الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب المؤذن الواحد يوم الجمعة) أي: لم يكن أكثر من واحد،

23 - باب يؤذن الإمام على المنبر إذا سمع النداء

وهو معنى ما في الحديث. * * * 913 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ الَّذِي زَادَ التَّأْذِينَ الثَّالِثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه - حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُؤَذِّن غَيْرَ وَاحِدٍ، وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإمَامُ، يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَرِ. "ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤذن غير واحد"؛ أي: يوم الجمعة، وإلا فله بلال، وابنُ أمِّ مَكتوم، وغيرهما، وأما تسمية ما زاد عُثمانُ ثالثًا، فسبق أنه باعتبار الإقامة أذانًا ثانيًا تغليبًا. * * * 23 - بابٌ يُؤَذِّن الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ (باب يؤذن الإمام)، أي: يُجيب المؤذن كما هو في بعضها، فسمَّي أذانًا لأنه على صورته. 914 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ

24 - باب الجلوس على المنبر عند التأذين

قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَناَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَناَ، فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي. "وأنا"؛ أي: أشهد به، أو أقول. "أن قضى"، (أن) فيه زائدة، وفي نسخة: (فلما انقضى). * * * 24 - بابُ الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ عِنْدَ التَّأْذِينِ (باب الجلوس على المنبر)؛ أي: قبل الخطبة بقدْرِ الأذان، فهو سنة كما اقتضاه الحديث. 915 - حَدَّثَنا يَحْيَى بنُ بُكَيرٍ قَالَ: حَدَّثَنا الليثُ، عَن عُقَيْلٍ، عَن ابنِ شِهَابٍ: أنَّ السَّائِبَ بنُ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ التَّأْذِينَ الثَّانِيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ حِينَ كثُرَ أَهْلُ الْمَسْجدِ، وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإمَامُ. * * *

25 - باب التأذين عند الخطبة

25 - بابُ التَّأْذِينِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ (باب التأذين عند الخطبة) 916 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونسٌ عَنِ الزهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما -، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - وَكَثُرُوا، أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالأَذَانِ الثَّالِثِ، فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. "فثبت الأمر"؛ أي: الأذانان والإقامة في سائر الأمصار. * * * 26 - بابُ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ أَنَسٌ - رضي الله عنه -: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ. (باب الخطبة على المنبر) " قال أنس" هو بعضُ حديثِ وصله البخاريُّ في (الاستسقاء). * * *

917 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ الإسْكَنْدَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رِجَالًا أتوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَقَدِ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ: مِمَّ عُودُه؟ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى فُلاَنةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ-: "مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ"، فَأَمَرتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءَ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَاهُنَا، ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَيْهَا، وَكبَّرَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ ركعَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نزلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي". الحديث الأول: "القاري" بتشديد الياء نسبة للقارة: قبيلة. "القرشي" لأنه حَليف بني زُهرة من قريش. وسبق شرحُ الحديث في (باب الاستعانة بالنجَّار) في (أبواب المساجد). "امتروا"؛ أي: شَكُّوا. "منبر" مِنَ النَّبر وهو الارتفاع.

"فلانة"؛ قيل: عائشة، وقيل: مِيناء -بكسر الميم-، وقيل: غير ذلك على ما سبق من الخلاف في اسمها واسمِ النَّجار. "أجلس" بالرفع والجزم. "طرفاء" بفتح المهملة والمد: شجر. قال سيبويه: هو واحد وجمع. "الغابة" الأَجَمَة من موضع بالحجاز. "القهقرى" الرجوع إلى خلف، فهو نوع منه، فقوله: نزل القهقرى، لأن النزول فيه رجوعٌ مِنْ فوق إلى تحت. "ولتعلموا"؛ أي: تتعلموا، فحذفت إحدى التاءين (¬1). ووجه مطابقة الحديث للترجمة: أنه قال: (إذا كَلَّمتُ الناس)، فإن المراد الخطبة، إذ العادةُ أنَّ الخطيب لا يتكلم على المنبر إلا بالخطبة. * * * 918 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنسٍ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجذْعِ مِثْل أَصْواتِ العِشَارِ، حَتَّى نزَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. ¬

_ (¬1) "التاءين" ليست في الأصل.

قَالَ سُلَيمَانُ عَن يَحْيَى أَخْبَرَنِي حَفْصُ بنُ عُبيدِ اللهِ بنِ أَنسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا. 919 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ". الحديث الثاني: "ابن أنس"؛ أي: حفص بن عبيد الله بن أنس، كما صرَّح به مِن بعد، فلا يكون فيه حينئذ إبهامُ راوٍ، وأيضًا فيحيى لا يروي إلا عن عدل، وقال البخاري في "التاريخ": إن بعضهم قال: إنه عبيد الله بن حفص، وهو غير صحيح. "العِشار" بكسر العين جمع عُشَراء كنُفساء، وهي الناقة التي أتت عليها مِنْ حينِ أُرسِلَ عليها الفَحْل عشرة أشهر. وفيه معجزة عظيمة من أعلام النبوة وهو حَنين الجِذْع. ومناسبة الحديث للترجمة من قوله: (فلما وصل المنبر)، أي: لأجل الخطبة. "سليمان"؛ أي: ابن بلال، وصله البخاري في (باب علامات النبوة). * * *

27 - باب الخطبة قائما

27 - بابُ الْخُطْبَةِ قَائِمًا وَقَالَ أَنسٌ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ قَائِمًا. (باب الخطبة قائمًا) " وقال أنس" هو طَرَفٌ من حديثٍ وصله البخاري في (الاستسقاء). * * * 920 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ، كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ. "ثم يقعد"؛ أي: بعد الخطبة الأولى. "ثم يقوم"؛ أي: للثانية، فيه وجوب القيام في الخطبة، وبه قال مالك، والشافعي؛ لقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]، ولمواظبته - صلى الله عليه وسلم - عليهِ. قال الشافعي: وكذا الجلوس لمواظبته، والخلفاء مِنْ بعدِه عليه، وقال: "صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي" خلافًا للحنفية فيهما. * * *

28 - باب يستقبل الإمام القوم، واستقبال الناس الإمام إذا خطب

28 - بابُ يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ الْقَوْمَ، وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الإِمَامَ إِذَا خَطَبَ وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنسٌ - رضي الله عنهم - الإمَامَ. (باب استقبال الإمام الناس)؛ أي: وهم يستقبلونه ليتفرَّغوا لسماعِ وعظِه وتدُّبر كلامه، وحكمة استدباره القبلة: لأن استقبالَه يؤدِّي إلى استدبارهم، وليس قاعدة من يخطب أحدًا، بل يقبُحُ ذلك في عُرف التخاطُب، فإن وقف الإمام في أخرَيات المسجد ليستقبل الناس لَزِمَ أن يستدبروا هُم القبلة أو يستدبروه، وكلاهما قبيحٌ. * * * 921 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ. * * * 29 - بابُ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ: أَمَّا بَعْدُ رَوَاهُ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعدُ)، بضم الدال على البناء لنية الإضافة كسائر الغايات، و (أمَّا) -وإن كانت لا بد لها من (أمَّا) أخرى تعادلها- فوقوعها في الخُطَب والرسائل ونحوها بدون ذلك إما بتقديره فيما يتقدمها؛ أي: أما الثناء فكذا، وأما بعده فكذا، فيكتفي بذلك عن التصريح بلفظها لقيامه مقامَه. قلت: ويحتاج حينئذ إلى ادعاء حذف العاطف، فلو قيل: إن ذلك هو الأكثر ومجيئُها بلا تعادل قليلٌ، ومنه هذا = كان أحسن، وهي من أفصح الكلام، وتسمَّى فَصْلَ الخِطاب، وأول مَنْ نطق بها قيل: داود، وهو المراد في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]، وقيل: يَعْرُب، وقيل غير ذلك. "رواه عكرمة" وصله البخاري في آخر الباب. * * * 922 - وَقَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا؛ أَيْ نعمْ، قَالَتْ: فَأَطَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جِدًّا حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَفَتَحْتُهَا فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ،

وَحَمِدَ اللهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ"، قَالَتْ وَلَغِطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ لأُسَكِّتَهُنَّ. فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قَالَ: "مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وإِنَّهُ قَد أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُم تُفْتَنونَ فِي القُبورِ مِثْلَ -أَو قَرِيبَ- مِنْ فِتْنةِ المَسِيحِ الدَّجَالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلمُكَ بِهَذَا الرَّجُل؟ فَأَمَّا المُؤمِنَ -أَوْ قَالَ: الْمُوقِنَ، شَكَّ هِشَامٌ- فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ، هُوَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، جَاءَناَ بِالْبيَّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا وَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ -أَوْ قَالَ: الْمُرْتَابُ، شَكَّ هِشَامٌ- فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُ"، قَالَ هِشَامٌ: فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ فَأَوْعَيْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ. الحديث الأول: "وقال محمود"؛ أي: ابن غَيلان، ولم يقل: حدثنا أو أخبرنا، لأن (قال) للمحاورة والمُذاكرة، فقد يكون كذلك، وسيأتي الحديث موصولًا في (الجهاد). "فأطال"؛ أي: صلاة الكسوف. "ولغط" بفتح المعجمة وكسرها من اللَّغَط بالتحريك، وهو الصوت والجَلَبة.

"انكفأت"؛ أي: رجعت. "وشك هشام" قد سبق الحديث في (كتاب العلم) في (باب من أجاب الفُتيا)، وفيه: أن الشاك: فاطمة، ولا منافاة بينهما لجواز عُروض الشَّك لهما، وسبق مباحث في الحديث هناك. * * * 923 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ أثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللهِ إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ"، فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَمِ. تَابَعَهُ يُونُسُ. الحديث الثاني: "تَغْلِب" بفتح المثناة فوق وسكون المعجمة وكسر اللام وبموحَّدة. "بشيء" بمعجمة، وفي بعضها: (بسبي) بمهملة ثم موحدة. "أدع"؛ أي: أترك.

"الذي أُعطي" بمضارع مقابل لـ (أدع)، لا أنه فعل ماضٍ مبني للمفعول مفتوح الآخر، وعائدُ الموصولِ محذوفٌ. "الجزع" ضد الصبر. "والهَلَع" أشد الجَزَع، وقال محمد بن عبد الله بن طاهر لأحمد ابن يحيى: ما الهلوع؟ قال: قد فسَّره الله تعالى بقوله {هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} الآية [المعارج: 19 - 20]. "بكلمة" الباء للبدلية، وتسمى باء المقابلة؛ أي: بدل كلمة؛ أي: ما أحِبُّ أنَّ حُمْرَ النَّعم لي بدلَ كلمةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالآخرة خيرٌ وأبقى، وفي هذا الحديث كما قال (ن): ردٌّ لقول الحاكم والجمهور: أنَّ مِنْ شرط البخاري أنه لا يروي إلا عمَّن له راويان ثقتانِ فأكثر، فإن هذا ليس من شرطه. قال: لإخراجه نحو حديث عمرو بن تغْلِب: "إنِّي لأُعطي الرَّجلَ"، ولم يروِ عنه غيرُ الحسن. قال (ك): الشرطُ أنْ يروي عن الراوي اثنانِ، لا أن الحديثَ يرويه عنه اثنان، وعمرو بن تَغْلِب قد يروي عنه غيرُ الحسن وهو الحكم بن الأعرج، كما قاله صاحبُ "جامع الأصول" وغيره. "تابعه يونس"؟ أي: تابع جرير بن حازم، فرواه عن الحسن، وقد وصلها أبو نُعيم في جزء له فيه مسانيد يونس وجماعة. * * *

924 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فتحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فتحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْح، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا". تَابَعَهُ يُونُسُ. الحديث الثالث: "فأصبح" هي تامة لا تحتاج إلى خبر. "فاجتمع"؛ أي: في اللَّيلة الثانية. "أكثر" فاعل (اجتمع)، وأما قول (ك): أو بالنصب وفاعل (اجتمع) ضمير الناس، فعجيبٌ، فإن ضمير الجمع يجب بروزُه. "مكانكم" يحتمل أنه مصدر ميمي؛ أي: كونكم في المسجد، ولم أخرج خشيةَ أن تُفرض عليكم، أو أنه مقحم؛ أي: لم تخفوا، كما يقال: مجلس فلان أمر بكذا، فهو من مجاز الزيادة، وأن يراد به المكانة والمرتبة أي: لم يَخْفَ على حالُكم عند الله من حُبِّ الطاعة.

"تابعه يونس"؛ أي: ابن يزيد تابعَ عقيلًا، فرواه عن ابن شهاب، ووصله مسلم. * * * 925 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَشِيَّةً بَعد الصَّلاةِ، فَتَشَهَّدَ وَأثْنَى عَلى اللهِ بِمَا هُوَ أهْلهُ، ثمَّ قالَ: "أمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ فِي "أَمَّا بَعْدُ". الرابع: "تابعه أو معاوية، وأبو أُسامة"؛ أي: تابع الزهري، وقد وصله مسلم. "تابع العدني" وصلها مسلم أيضًا. "في أما بعد"؛ أي: تابعه في (أما بعد) لا في تمام الحديث. * * * 926 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ

قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. الخامس: "علي بن حسين"؛ أي: ابن علي بن أبي طالب. "تابعه الزُّبَيدي" -بضم الزاي وفتح الموحدة- محمد بن الوليد، وقد وصلها الطَّبرانيُّ في "مسند الشاميين". * * * 927 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ، قَالَ: حَدَّثنا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَرَ -وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ- مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ"، فَثَابُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الأَنْصَارِ يَقِلُّونَ، وَيَكْثُرُ النَّاسُ، فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعَ فِيهِ أَحَدًا، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيِتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيِّهِمْ". السادس: "ابن الغسيل" هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حَنظلة الغسيل الذي قُتل بأحد شهيدًا، وغَسَّلته الملائكةُ.

30 - باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة

"متعطفًا"؛ أي: مرتديًا، يقال: تعطف بالعطاف؛ أي: ارتدى بالرِّداء. "مِلْحفة" بكسر الميم: الإزار الكبير. "بعصابة"، قال التيمي: العِصابة: العمامة، لأنها تَعْصِبُ الرأس؛ أي: تَربِطُه. "دسمة"؛ قال (خ): أي: سوداء لا من الدَّسم الذي هو لطخ الوَدَك ونحوه، لأنه لا يليقُ به - صلى الله عليه وسلم - أن تَمَسَّ رأسَه وجبينَه، وقال ابن دُريد: أي: غَبرة فيها سواد. "إليَّ"؛ أي: تَقَرَّبوا إليَّ، فالجار متعلِّق بمحذوف. "فثابوا"؛ أي: اجتمعوا إليه. "يتجاوز": يغفر؛ أي: في غير الحدود، وهذا من جوامع الكلم، لأنَّ الحال منحصِرٌ في الضُّر والنفع، والشخص في المحسن والمسيء، وفيه معجزة بالإخبار بالغيب، لأنهم قالوا: وكثر الناس، وفيه من البديع المطابقة. * * * 30 - بابُ الْقَعْدَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةٍ (باب القعدة بين الخطبتين) 928 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ

31 - باب الاستماع إلى الخطبة

خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا. سبق قريبًا بيانُ معنى الحديثِ فيه. * * * 31 - بابُ الاِسْتِمَاعِ إِلَى الْخُطْبَةِ (باب الاستماع إلى الخطبة)؛ أي: الإصغاء والتوجُّه إليها. 929 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجدِ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". "ومثل"؛ أي: صفة، فالكاف لتشبيهِ صفةٍ بصفة، ومرَّ بيانُه في (باب فضل الجمعة). "المهجر"؛ أي: المبكِّر. "يُهدي"؛ أي: يقرب. قال التيمي: في استماع الملائكة للخطبة حضٌّ على استماعها والإنصات إليها. قال مجاهد: لا يجب الإنصاتُ للقرآن إلا في الصَّلاة، والخطبة، وقال مالك: الإنصاتُ واجبٌ إن سَمِعها أو لم يَسْمَعْها، وقال أحمد: لا

32 - باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين

بأس بذكر الله، ويقرأ القرآن من لم يسمع، قال (ع): قال مالك والشافعي وأبو حنيفة: يجب الإنصاتُ للخطبة سمع أو لا، وقال أحمد: لا إذا لم يسمع، والمشهورُ من مذهب الشافعيِّ: أن الإنصاتَ سنةٌ لا واجب. * * * 32 - بابٌ إِذَا رَأَى الإِمَامُ رَجُلًا جَاءَ وَهْوَ يَخْطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (باب إذا رأى الإمام رجلًا) 930 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَار، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: "أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ؟ "، قَالَ: لاَ، قَالَ: "قُمْ فَارْكَعْ". "رجل" هو سُليك الغَطفاني كما في ابن حِبَّان، وهو بضم السين وفتح اللام وآخره كاف، وبفتح الغين المعمجة والطاء المهملة. "صليت"؛ أي: أصليت، فالهمزة مقدَّرة. قال الشافعي، وأحمد: يستحبُّ للداخل حالَ الخطبةِ تحيةُ المسجد، لكن يتجوَّز فيها ليستمع بعدَها الخطبة، وقال مالك، وأبو حنيفة: لا يصلِّيها، لأمرِ القرآن والسنة بالإنصاتِ.

34 - باب رفع اليدين في الخطبة

وفي الحديث: جوازُ الكلام في الخطبة، والأمر بالمعروف والإرشاد للمصالح، وأن تحية المسجد ركعتان، وأن التحيةَ لا يفوتُ بالجلوس في حقِّ الجاهل حكمها. * * * 34 - بابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ (باب رفع اليدين في الخطبة) 932 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ. وَعَنْ يُونسُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَ الْكُرَاعُ، وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْع اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. "وعن يونس"؛ أي: ابن عبيد، وهو عطف على عبد العزيز، لأن حمادًا يروي عنه أيضًا. "رجل"، قيل: هو مرَّة بن كعب، وقيل: العباس، وقيل: أبو سفيان، ويردُّ الكلَّ حديثُ أنسٍ الآتي: أنه أعرابيٌّ، فلا يقال لأحد من هؤلاء الثلاثةِ: أعرابي. "الكراع" -بالضم- اسم لما يجمع من الخيل. "والشاء"؛ أي: الغنم، وجمعه في القلة: شِياه. * * *

35 - باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة

35 - بابُ الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة) 933 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللهَ لنا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءَ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمُطِرْناَ يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ -أَوْ قَالَ: غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا"، فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى ناَحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجئْ أَحَدٌ مِنْ ناَحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ. "أبو عمرو" هو الأوزاعي. "سنة"؛ أي: جَدْب، وهي من الأسماء الغالبة؛ نحو: الدابة في الفرس.

"أعرابي" لا يعرف اسمه. "قَزَعَة" بفتح القاف والزاي والمهملة: قِطعةُ سحابٍ. "ثار"؛ أي: هاج. "يتحادر"؛ أي: ينزِل. قال (خ): أي: وَكَفَ السقف ونزل منه. "ومن الغد"؛ أي: وفي، أو هي (مِنْ) التبعيضية. "حتى الجمعة" فيه الأوجه الثلاثة في: أكلتُ السمكة حتى رأسها، واقتصر (ش) على الجر. "حوالينا" بمعناه أيضًا؛ حوله وحواله وحواليَه -بفتح اللام لا بكسرها-. قال (خ): أي: اللهمَّ أمطِرْ حوالينا، واجعلْهُ حوالينا، واصْرِفْهُ عن الأبنية والدُّور. "الأعرابي أو قال غيره" رواية يحيى بن سعيد: (فأتى الرجل) تقتضي أنَّه الأول، لأن اللام للعهد. "الجَوْبة" بفتح الجيم وسكون الواو وفتحها: الفُرجة في السَّحاب، وفي الجبال، والجَوبة: الترس أيضًا، والمعنى: خرجنا والغيم والسحاب مُحيطانِ بأكْنافِ المدينة. قال (ع): وصحَّفها بعضُهم بالنون، وفسَّرها بالشمس في سوادها حين تَغيب، والمعنى: أن السحاب يتقطَّع حوالي المدينةِ مُستديرًا وانكشف ما حولَها، حتى باينتْ ما جاورها مباينةَ الجَوبةِ لِمَا حولَها.

36 - باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب

"قَناة" بقاف مفتوحة ونون ثم ألف وهاء تأنيث: اسم واد من أودية المدينة لا ينصرف للعلمية والتأنيث، وهو بدل من (الوادي)، فرفع، وغَلِطَ مَنْ قال: (قناة) بالنصب، توهَّمه قناة من القنوات؛ نعم قال صاحب "المفهم": روي خارج "الصحيح": (وادي قناة) بالإضافة؛ أي: من إضافة الشيء إلى نفسه عند الكوفية، وبتقدير مضاف عند البصرية، وجعل (ك) الأمرينِ نسُختين أو روايتين. "الجَوْد" بفتح الجيم وإسكان الواو: المطر الغزير، وفيه الضَّراعة برفع اليدين، وفيه معجزةٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بإجابة دعائه متصلًا به، والأدب في الدعاء، حيث سألَ: رفعَ ضرِره، ولم يسأل رفعَه بالكلِّية، وسأل بقاءه في مواضع الحاجة، حيث يبقى نفعُه وخصْبُه، وهي بطون الأودية، وطلب انقطاع المطر عن المنازل إذا تضررَّتْ به. * * * 36 - بابُ الإِنصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ، فَقَدْ لَغَا. وَقَالَ سَلْمَانُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ". (باب الإنصات) " وقال سلمان" سبق وصله في (باب الدّهن للجمعة).

"يُنْصت" بضم أوله مضارع: أنصت؛ أي: سكت. قال الأزهري: وبمعناه أيضًا: انتصتَ ونَصَتَ، وعلى هذا فتح (¬1) ياء ينصت، وسبق في (باب استماع الخُطبة) ذكرُ الخلافِ في وجوب الإنصات. * * * 934 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَبِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ". "لغوت"؛ أي: قلتُ اللَّغوَ، وهو الكلام الساقط الباطل، وقيل: مِلْتُ عن الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي، ويروى: (لغيت). قال (ن): وهي ظاهر القرآن، في (¬2): {وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] إذ لو كان مِنْ لغا يلغو لقال: والغوا بضم الغين، انتهى. ويقال: فيه أيضًا: لغى -بالكسر- يلغي لغًا. وفيه النهي عن جميع أنواع الكلام حالَ الخطبةِ، والتنبيه بهذا على ما سواه، لأن الأمر بالمعروف إذا كان لغوًا فغيُره أولى، لأن ¬

_ (¬1) في الأصل: "فيجوز فتحة" والمثبت من "ف" و "ب". (¬2) "في" ليست في الأصل و"ب".

37 - باب الساعة التي في يوم الجمعة

الخطبة قيل كركعتين، فلا يتكلَّم فيها كما في الصلاة، وقال ابنُ وهبٍ: مَنْ لغا كانت صلاته ظهرًا أو حُرِمَ فضل الجمعة. * * * 37 - بابُ السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ (باب الساعة التي في يوم الجمعة)؛ أي: يستجاب فيها الدعاء. 935 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: "فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ"، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. "وهو قائم" جملة حالية، وهو خارج مخرجَ الغالب، فلا يُعمل بمفهومه. "يصلي" حالية. "يسأل الله" حالية أيضًا، والأحوال إما متداخلة أو مترادفة. "شيئًا"؛ أي: مما يليقُ السؤالُ فيه. "يقلِّلها"؛ أي: يريدُ أنها لحظةٌ خفيفة، وإخفاؤها حتى لا يقتصر عليها، بل يعمِّم الطاعة في سائر ساعات يومِ الجمعة؛ كإخفاء ليلةِ القدر بين الليالي.

38 - باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة

قال (ط): هي بين الطُّلوعين، وقال الحسن: عند الزوال، وعائشة: إذا أُذِّن للصلاة، وابن عُمر: الساعة المختارة للسعي والصلاة ما بين أن يَحْرُم البيع إلى أن يَحِل، وابن سلام: من العصر إلى المغرب، لأن فيه تتعاقَبُ ملائكةُ الليل والنهار، ووقت عرض الأعمال، ولذلك شدد - صلى الله عليه وسلم - فيمن حَلَفَ على سلِعته بعد العصر، وقال الفقهاء: يكون فيها اللعان والقِسامة، ويروى: أن أبا هريرة قال لابن سلام: ألم تسمع قولَه - صلى الله عليه وسلم -: (وهو قائمٌ يصلِّي)، فقال: ألم يقل: "مَنْ جلسَ ينتظرُ الصلاةَ فهو في صلاة"؛ قال: معنى يصلِّي: يدعو، ومعنى قائم: ملازم؛ لقوله تعالى: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75]، وقيل: هي آخرُ ساعةٍ من يوم الجمعة، والصحيحُ ما في "مسلم": ما بينَ أن يجلسَ الإمامُ إلى أن تُقْضَى الصلاة. * * * 38 - بابٌ إِذَا نَفَرَ النَّاسُ عَنِ الإِمَامِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَصَلاَةُ الإمَامِ وَمَنْ بَقِي جَائِزَةٌ (باب إذا نفر الناس)؛ أي: خرجوا عن مجلس الإمام. 936 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ

نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}. "عِير" بكسر العين. قال في "الكشاف": هي الإبلُ التي عليها الأحمالُ، لأنها تُعِير، أي: تَذهبُ وتَجِيء، وقيل: أصلُها قافلةُ الحمير، ثم استُعملت في كلَّ قافلة، فإنها جَمْعُ عَيْر -بفتح العين-، والمراد: أصحاب العِير، وفي "المراسيل" لأبي داود: أن القادم بالتجارة: دِحية، ويقال: المال لعبد الرَّحمن بن عَوف، فإنْ صحَّ فدِحية مسفر عليه. "إلا اثنا عشر" مرفوع لأنه استثناء مفرَّغ، وفي بعضها: (اثني عشر). قال (ك): على أن يكونَ الاستثناءُ من الضمير في نفي العائد إلى المصلِّي، أو أنه بُني كثلاثة عشر إلى آخرها؛ أي: على ما ينصب به وهو الياء. قلت: فيهما نظر! أما الأول فلأنَّ السابقَ من المصلِّين جمعٌ، وضمير الجمع لا يستتر، فإن أراد أن الضميرَ مُفردٌ عاد على البعض، فلا يجوز في العربية مثله مستترًا، وأما الثاني فواضحُ البطلان. قال: أو الاستثناء محذوف تقديره: ما بقيَ أحدٌ إلا عدد كانوا اثنا عشر. ولا يخفى رِكَّة الآخر وضعفُه، وفي "مسلم": أن في الاثني

39 - باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها

عشر أبو بكر وعُمر، وفي "تفسير إسماعيل بن أبي زياد" بسند منقطع: أنهم العشرة، وبلال، وابن مسعود، وفي رواية: عمار بن ياسر، وفي رواية: سالم مولى أبي حُذيفة، وفي "الصحيح": أن جابرًا منهم. قال (ن): المراد بالصلاة هنا حالة الخطبة كما صرح به في رواية مسلم. قال (ط): ولأن مَنِ انتظرَ الصلاةَ فهو في صلاة، هذا حُسْنُ الظَّنِّ بالصحابة، وأنه كان قبل نزول آية {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ} [النور: 37]، وقد استدل به مالك على انعقاد الجمعةِ باثني عشر، وأُجيب بأنهم رجعوا أو رجعَ منهم تمامُ أربعينَ، فأتمَّ بهم الجمعةَ. قال (ط): قال الثوري: تصِحُّ إذا ذهبوا وبقي رجلان، وقال أبو ثور: واحد، وقال أبو يوسف: تصِحُّ إذا نفر الكلُّ وبَقِيَ وحدَه، وقال أبو حنيفة: إذا نَفَروا بعدما سجد سجدة، وقال إسحاق: إن بقي معه اثنا عشر كما هو ظاهر الحديث. * * * 39 - بابُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا (باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها) 937 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ

ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ ركْعَتَيْنِ، وَكَانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلّي رَكعَتَيْنِ. "في بيته" يعود على قاعدة الشافعي للظُّهر أيضًا، وعلى قول الحنفية: يختص بالآخر، وهو المغرب. "ينصرف"؛ أي: إلى البيت، ففيه أنَّ صلاة النفل في الخَلْوة أولى. "فيصلي" مرفوع ولا ينصب. قال (ط): لم يصلِّ في المسجد، لأن الجمعة لمَّا كانت ركعتين كان صلاُتها في المسجد ربما يتوهم منه أنها التي حذفت، فتكون واجبة، ولذلك أجاز مالكٌ ذلك للنَّاس في المسجد، ولم يُجِزْه الأئمة. قال: وأما قبلَ الجمعةِ فقد سبق الاختلافُ فيه عند الاستواء. قلت: وترجمةُ البخاريِّ بما قبل الجمعةُ يؤخذ من الحديث فيما قبلَ الظهرِ لاستوائهما. * * *

40 - باب قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}

40 - بابُ قَوْل الله تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (باب قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ}؛ أي: أُدِّيت صلاةُ الجمعة. 938 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا، فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تنزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فتجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا، فتكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ، وَكنَّا ننصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَنُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ، وَكنَّا نتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِك. الحديث الأول: "تجعل" روي بمهملة وقاف؛ أي: تزرع، وبجيم وعين من الجعل. "أربعاءَ" بكسر الموحدة والمد؛ جميع ربيع، وهو النهر الصغير الذي يسقي المزارع. "سِلْقًا" مفعول (تحقل) أو (تجعل) على الروايتين، وعند الأَصِيليِّ بالرفع.

قال (ع): مفعول لم يسمَّ فاعلُه، فتحقل أو تجعل بضم الأول مبنيًّا للمفعول، أو: أن الكلام تمَّ بقوله: (في مزرعة)، ثم استأنف لها (سلق) مبتدأ فقدَّم الخبر. قال (ك): أو يكون (سلق) منصوب، لكن كتب بلا ألف على لغة ربيعة في الوقف، وهو كثير؛ كـ: (سمعت أنس)، ونحوه. قلت: المدار على الرواية في التلفُّظ لا مجرَّدِ الخَطِّ. "تطحنها" حال من (قبضه)، وفي بعضها: (تطبخها). "عَرْقه" بفتح المهملة وسكون الراء وبالقاف؛ أي: كانت أصول السلق عِوض اللَّحم، يقال: عرقت العظم عرقًا: إذا أكلت ما عليه من اللحم. قال (ش): وقيَّده بعضُهم بالغين المعجمة والفاء؛ أي: مرقه الذي يُعَرق فيه، وليس بشيء، وفيه الإيثار ولو بقليلٍ حقير، والسلام على الأجنبية، وقَناعة الصحابة، وعدم حرصهم على الدنيا. "فنلعقه" بفتح العين. * * * 939 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا، وَقَالَ: مَا كُنَّا نقِيلُ وَلاَ نتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ. الثاني: "ابن أبي حازم"؛ أي: عبد العزيز.

41 - باب القائلة بعد الجمعة

"نتغدى" بإهمال الدال. قال (ط): في الحديث رد على استدلالِ أحمدَ على أنَّ الجمعةَ تُصلَّى قبل الزوال بقوله: (وما كنا نَقِيلُ إلا بعد الجمعة)، ووجهُ الرَّدِّ: أنه ذكر هنا الغداء، وهو يكون بعد الزوال، فظهر أنَّ المراد أن قائلتهم وغداءهم عوض عمَّا فاتهم، فالغداء عما فات من أول النهار، والقيلولة له عما فات وقتَ المبادرةِ بالجمعة عَقِبَ الزوال. قال: واتفقوا على أن أمر: {فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10] للإباحة لوروده بعد الأمر بالسعي نحو: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]. قال (ك): الإباحة للاتفاق لا لكونه أمرًا بعد حظر لمعارضته بنحو: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا} [التوبة: 5]. * * * 41 - بابُ الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ (باب القائلة)؛ أي: القيلولة وهي النَّوم في الظَّهيرة. 940 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ. 941 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ:

حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْجُمُعَةَ، ثُمَّ تَكُونُ الْقَائِلَةُ. "أبو إسحاق" إبراهيم بن محمد. "ثم تكون القائلة"؛ أي: تقع القيلولة.

12 - كتاب صلاة الخوف

12 - كِتابُ صَلاةِ الخَوَفِ

1 - باب صلاة الخوف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 12 - كِتابُ صَلاةِ الخَوَفِ 1 - بابُ صَلاَةِ الْخَوْفِ وَقَوْل الله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}. (كتاب صلاة الخوف) 942 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ

قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ يَعْنِي صَلاَةَ الْخَوْفِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازينَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاؤُا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ رَكعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. "سألته"؛ أي: قال شعيب: سألت الزهري. "قِبَل" بكسر القاف؛ أي: ناحية. "نجد" اسم لكلِّ ما ارتفع من بلاد العرب من تهامة إلى العراق. "فوارينا"؛ أي: قابلنا وحاربنا، وبقيةُ الحديثِ واضح. قال (خ): صلاة الخوف أنواع صلاها - صلى الله عليه وسلم - في أيامٍ مختلفة وأشكالٍ متباينةٍ يتحرَّى في كلَّها الأحوطَ للصلاةِ والحراسة مع اتفاق الكلِّ في المعنى. قال أحمد: أحاديث صلاة الخوف كلُّها صحيحة يجوز أن يكون اختلافُها على حسب شدة الخوف، فلا حَرَجَ على مَنْ صَلَّى بواحدة منها. قال (ن): روى أبو داود وغيوه فيها نحو ستة عشر وجهًا، وتفاصيلها وتفاريعها في الفقهيات. قال (ط) عن أبي يوسف، والمُزَني: إنَّ صلاة الخوف منسوخةٌ

2 - باب صلاة الخوف رجالا وركبانا راجل قائم

لا تجوز صلاتُها بعدَه - صلى الله عليه وسلم - بدليل تأخيرِه الصلاةَ يومَ الخَندقِ عن وقتها، ولأنه خاطبه اللهُ تعالى بذلك، فهو خاصٌّ به، ولأن فيها تغيير هيئاتِ صلاةٍ لا تجوز إلا خلفَه - صلى الله عليه وسلم -. قال: وهو مردودٌ عليهما، أما النسخُ فمحالٌ، لأن الخندق سنةَ خمسٍ، وصلاةُ الخوفِ سنةَ سبعٍ، فكيف يُنْسَخُ المتأخِّرُ بالمتقدِّم، وأيضًا فالصحابة أعرفُ بالنسخ، وقد صَلَّوا صلاةَ الخوفِ بعده، وأما خطابه، فهو كخطابه بآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، والإجماعُ على العمل بها، وأما تغييرُ الهيئةِ فلا يضرُّ إذا جاء بالقرآن وبفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأيضًا فاستدراك فضيلةِ الوقتِ بغير الهيئة أولى، وهذا (¬1) النوعُ من الصلاة المذكورةِ في الباب هو مذهبُ أبي حنيفة، والبخاريِّ، وسيأتي في (المغازي). * * * 2 - بابُ صَلاَةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا رَاجِلٌ قَائِمٌ (باب صلاة الخوف رِجالًا) 943 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ¬

_ (¬1) في الأصل: "هو"، والمثبت من "ف" و"ب".

ابْنِ عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا، وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا". "قيامًا"؛ أي: قائمين لا راكبين. "نحوًا"؛ أي: إن نافعًا عن ابن عُمر كمجاهد عنه هذا اللفظ، وهو: "إذا اختلطوا قيمامًا"، أو هو لفظ: (وإن كانوا ...) إلى آخره، وقد بينه الإسماعيليُّ بيانًا شافيًا. "وزاد"؛ أي: نافع على مجاهد. "ابن عُمر" فاعل بـ (قال) مقدرةً، والمقول هو: "عن النبي - صلى الله عليه وسلم -"؛ أو هو مع قوله: و (إن كان ...) إلى آخره، فهذه الزيادة هي نقل ابن عُمر ذلك مرفوعًا لا أنه موقوفٌ عليه. "أكثر"؛ أي: في حالة أشد من الاختلاط المجرد بأن يكون الخوف أكثر، وهم في المضاربة والمقاتلة. "قيامًا"؛ أي: على أقدامهم. "وركبانًا"؛ أي: على دوابهم مستقبلين أو لا. قال (ط): هي صلاة المُسَايفة. قال فيها ابن عُمر: صلوا قيامًا وركبانًا مستقبلي القبلة أو غير مستقبلها، وهو قول مجاهد قال: يجزئه الإيماء عند شدة القتال، وقول البخاري، وزاد ابن عُمر أي: أسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من رأيه. قال مالك: قال نافع: ولا أرى عبدَ الله ذَكَرَ ذلك إلا عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

3 - باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف

قال (ك): المفهوم من كلامه: أن ابن عُمر قال مثل قول مجاهد، لا (¬1) أن نافعًا قال مثلَه، وأنَّ قولَهما مثلًا في كلتا الصورتين؛ أي: في الاختلاط وأكثر، لا في الصورة الأولى فقط، وأن الذي زاد هو ابن عُمر لا نافع. * * * 3 - بابٌ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ (باب يحرس بعضهم بعضًا) 944 - حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكعَ وَرَكعَ نَاسٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. "حَيْوَة" بفتح المهملَة وسكون المثناة تحت وبفتح الواو. ¬

_ (¬1) في الأصل: "إلا"، والمثبت من "ف" و"ب".

4 - باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو

"ابن شُرَيْح" بضم المعجمة وفتح الراء وإسكان المثناة تحت ثم مهملة، وهذا حَيوة الأصغرُ أبو العباس، أما الأكبرُ فأبو زُرعةَ التجيبي، ففيه نظر!. "الطائفة الأخرى"؛ أي: الذين لم يركعوا ولم يسجدوا معه في الركعة الأولى، وهذا فيما إذا كان العدُّو في جهة القبلة، وهي صلاته - صلى الله عليه وسلم - بِعُسْفان. * * * 4 - بابُ الصَّلاَةِ عِندَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الإيمَاءَ أَخَّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا، فَيُصَلُّوا رَكعَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، لاَ يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ، وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا. وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ. وَقَالَ أَنسٌ حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إلا بَعْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى، فَفُتِحَ لَنَا، وَقَالَ أَنسٌ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلاَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.

(باب الصلاةِ عنِدَ مُناهَضَةِ الحُصُونِ)؛ أي: مقاومتهم، وتناهضَ القومُ في الحرب: نهضَ كلُّ إلى الآخر. "ولم يقدروا"؛ أي: على إتمامها أركانًا وأفعالًا. "أو يأمنوا"؛ أي: وإن لم ينكشف القتال لزيادة قوم أو اتصال مَدَد، وربما انكشف ولم يَأْمَنُوا الخوفَ معاودةً، فلذلك كان الأمنُ قسيمَ الانكشاف. "كل امرئ لنفسه"؛ أي: منفردين لا جماعةً. "فإن لم يقدروا"؛ أي: على صلاة ركعتين بالإيماء، وإلا فبعدَ الكشف أو الأمن، فَلِمَ لا يَقْدِرُون على أصل الصلاة؟ "ركعة وسجدتين"، قال (ط): روى ذلك أيضًا مجاهد عن ابن عباس أنه قال: صلاةُ الخوفِ ركعةٌ، لكن الحجة من القرآن في قوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا} الآية [النساء: 102]، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتضي أنَّها ركعتانِ. "لا يجزئهم التكبير"، قال (ط): احتجَّ الأوزاعيُّ على ذلك بالحديث الآتي، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - في الخندق أخَّرها حتى صلاها كاملةً؛ لِمَا كان فيه من شُغل الحرب، فكذا الحال التي هي أشدُّ منه، ولكنْ يُضْعِفُ هذا: أن صلاةَ الخوف شُرِعت بعد الخندق، وقال مجاهد: صلاة المسايفة بتكبيرة واحدة، وقال إسحاق: يجزئك ركعة تُومئ بها، فإن لم تَقْدِر فسجدة واحدة، فإن لم تقدر فتكبيرة واحدة، وقال الحسن بن حَيٍّ: يُكبِّر مكانَ كلِّ ركعة تكبيرة، وأئمة الأمصار

والفتوى: أنَّ التكبير لا يجزى عن الصلاة، وأقلُّ ما يجزي الإيماءُ الدالُّ على الخضوع لله تعالى. "وبه قال مكحول" يحتمل أنه من كلام الأوزاعي، أو (¬1): أنه من كلامه تعليق البخاري. "تُسْتَر" بضم المثناة فوق وسكون المهملة وفتح المثناة فوق بعدها وبالراء، وتقولها الناس: ششتر بمعجمتين وفتح الفوقانية: مدينة مشهورة من كُور الأهواز بخُوزستان، وبها قبرُ البراءِ بن مالك أخي أنس. "فلم يقدروا"، قال (ط): أي: لم يجدوا السبيل للوضوء من شدَّة القتال، ويحتمل أنَّ تأخيرَه - صلى الله عليه وسلم - في الخندق لذلك أيضًا. "بتلك" الباء للبدلية؛ أي: بدل تلك الصلاة، ولبعضهم: (من تلك). * * * 945 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كفَّارَ قُرَيْشٍ، وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَناَ وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ"، قَالَ: فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ فتوَضَّأَ، وَصَلَّى ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "و".

5 - باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء

الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا. "يوم الخندق"؛ أي: يومَ حفرِه لمَّا تحزَّبتِ الأحزابُ، وذلك سنة أربع، كما سيأتي في (باب غَزَاة الخندق). "بُطحان" بضم الموحدة، وسبق شرح الحديث في (باب مَنْ صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت). * * * 5 - بابُ صَلاَةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ رَاكبًا وَإِيمَاءً وَقَالَ الْوَلِيدُ: ذَكَرْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ صَلاَةَ شُرَحْبِيلِ بْنِ السِّمْطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَقَالَ: كَذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَناَ إِذَا تُخُوِّفَ الْفَوْتُ، وَاحْتَجَّ الْوَلِيدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". (باب صلاة الطالب والمطلوب) " شُرَحْبيل" بضم المعجمة وفتح الراء وإسكان المهملة وموحدة ومثناة تحت. "ابن السمط" قال الغسَّاني: بفتح المهملة وكسر الميم، وقال صاحب "جامع الأصول": بكسرٍ ثم سكون.

5 / م - باب

"كذلك الأمر"؛ أي: الصلاة على الدابة بالإيماء. "الفَوت"؛ أي: فوت الوقت، أو العدو، أو النفس، وهو بالنصب إن بُني (تخوف) للفاعل، فإن بني للمفعول رُفع. "واحتج الوليد" وصله البخاريُّ في [...] (¬1)، وقال بعضهم: إنه وصله بعدُ بباب، وما أدري قائل ذلك، فليس بعده باب إلا (باب صلاة العيدين). * * * 5 / -م - بابٌ 946 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: "لاَ يُصَليَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ نُصَلِّي حَتَّى نأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. "الأحزاب"؛ أي: لتألُّفهم وتحزُّبهم. "قُرَيظة" بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة فرقة من اليهود. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل و"ف".

"بعضهم" الضمير لقوله: (أحد)، وأما ضمير بعضهم في الثاني والثالث فعائدٌ إلى نفس بعض الأول. "بل يصلي"، في بعضها: (يصل)، بحذف الياء تخفيفًا نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4]. "لم يرد" بالبناء للمفعول؛ أي: إنما أُريد: من لا يصلين أحد لازمه، وهو الاستعجال في الذهاب لبني قريظة. "فلم يعنف أحدًا منهم"؛ أي: لا الذين فَهِموا أنه كناية عن العَجَلة، ولا التاركين لأول الوقت عَمَلًا بظاهر النهي. قال (ط): اتفقوا على صلاة المطلوب راكبًا، واختلفوا في الطالب، فمنعه الشافعيُّ، وأحمدُ، وقال مالك: يصلِّي راكبًا حيث توجَّه إذا خاف فَوتَ العدو، وإن ترك، واستدلال الوليدِ بقضية بني قُرَيظة إنما يتمُّ لو ثبتَ أنَّ الذين صَلَّوا في الطريق صَلَّوا رُكبانًا، وإلا فيحتمل أنهم صَلَّوا كذلك كَمَا ساغ لِمَنْ صلى في بني قُرَيظة تَرْكُ الوقت -وهو فرض- ساغ لهم تَركُ الركوع والسجود، بل بالإيماء على الدابة. قال: وقد يقال: أريد بقوله: (لا يصلين) انزعاج الناس لَمَّا أخبره جبريل أنه لم يَضَعِ السلاحَ بعد. قال (ك): ليس في الحديث ما يدل على ترك الركوع، ولا الوقت، فلا دَلالة فيه للوليد أصلًا، بل ظاهرُ قولِ البخاري: (احتج الوليد) أنه على خلاف ما قاله الأوزاعي، وقال شارح "تراجم البخاري": إنَّ وجهَ

استدلاله: أن الطائفة المُصلِّية لو نزلوا وصَلَّوا لكان مصادمةً للأمر، ولا يُظنُّ بالصحابة ذلك، وإذا جاز للطالب ذلك، فالمطلوب أولى، وصلاةُ الرُّكبان مقتضيةٌ للإيماء، فطابق الحديث الترجمة. قال (ك): ذلك معارَض بأنهم لو تركوا الركوعَ والسجودَ لخالفوا قولَه تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]، ولا يُظن بهم ذلك. قال (خ): قد يحتج به مَنْ يرى تساوي الأدلة، وأنَّ كلَّ مجتهد مُصيب، ولكن جوابه: أنه عامٌّ خُصَّ بدليل، فالأمر بتأخير الصلاة لبني قُرَيظة خُصَّ بما إذا لم يَخْشَ الفوات، والذين أخَّروا حتى أَتَوا بني قُرَيظة خَصُوا عمومَ الأمر بالصلاة أولَ الوقت بما إذا لم يكن عذر، بدليل أمرهم بذلك. وقال (ن): لا احتجاجَ به على إصابة كل مجتهد، لأنه لم يصرِّح بإصابتهما، بل تَرَكَ التعنيف، ولا خلافَ أن المجتهد لا يُعنَّف ولو أخطأ إذا بذل وسْعَه. قال: وأما اختلافهم فسببُه تعارضُ الأدلة عندهم، فالصلاةُ مأمور بها في الوقت، والمفهومُ من (لا يصلين): المبادرةُ، فأَخَذَ بذلك مَنْ صلى لخوف فوات الوقت، والآخرون أخَّروها عملًا بالأمر بالمبادرة لبني قريظة. قال (ك): والفرق بين التوجيهات الثلاث: أن الأولى يلزم منها ترك الوقت، وترك الركوع، والثانية: لا يلزم شيءٌ منها، والثالثة: يلزم منها تركُ الوقتِ فقط، وتركُ التعنيفِ؛ إما لحمل الكلام على الكناية وعدمِها، أو لترك أحد الواجبين، أو تخصيصِ أحدِ العامَّين، أو

6 - باب التبكير والغلس بالصبح، والصلاة عند الإغارة والحرب

ترجيح أحدِ الدليلين، فإن قيل: ففي "مسلم": (لا يصلين أحدٌ الظهر)، فوجْهُ الجمعِ: أن ذلك كان بعد دخول وقتِ الظهر، فقيل لمَنْ صلاها بالمدينة: لا تصل العصر إلا فيهم، ولمن لم يصلِّها: لا تصل الظهر إلا فيهم، أو أنه قيل للكل: لا تصلوا الظهر والعصر إلا فيهم، أو للذين ذهبوا أولًا: لا تصلوا الظهر، وللذين بعدهم: لا تصلوا العصر، وهذا الحديث من المُشكل شرحُه، وقد اتَّضح بحمد الله تعالى. * * * 6 - بابُ التَّبْكِيرِ وَالْغَلَسِ بالصُّبْحِ، وَالصَّلاَةِ عِندَ الإِغَارَةِ وَالْحَرْبِ (باب التكبير والغَلَس بالصبح)، التكبير: الله أكبر، وفي بعضها: (التبكير) بالموحدة قبل الكاف. "عند" متعلق بالتكبير والصلاةِ كليهما. 947 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ: "اللهُ أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ"، فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ -قَالَ: وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ- فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَنْتَ سَأَلْتَ أَنسًا مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ: أَمْهَرَهَا نفسَهَا، فتبسَّمَ. "السكك" جمع سكة، أي: زقاق. "والخميس" لأنه خمس: مَيمنة، ومَيسرة، وقلب، ومقدَّمة، وساقَة. "المقاتلة"؛ أي: النفوس المقاتلة. "الذَّراري" جمع ذرية وهي الولد، وتخفَّف وتشدَّد كالعواري، لكن أريد بها هنا غير المقاتلة أعم من الصِّغار والنساء بدليل: "فصارت صفية لدِحية"، وأما قوله: "وصارت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فليس معناه أنها مشتركةٌ بينهما؛ بل كانت لدحية، ثم صارت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعده، فالواو بمعنى الفاء أو ثم، وسبقَ شرحُ ذلك كلِّه في (باب ما ذكر في الفخذ) في (أبواب الستر للصلاة). "مَهَرَها"؛ أي: أَصْدَقها، وفي بعضها: (أمهرها)، وهما لغتان، وفائدة السؤال مع كونه علم من قوله: (جَعَلَ عتقَها صَدَاقَها): التأكيد أو التثبت في الرواية. قال (ط): فيه ندب الإغلاس بالصُّبح في السفر كالحضر كما هي عادتُه - صلى الله عليه وسلم -، والتكبير عند الإشراف على المدن والقرى، والتفاؤل

بخَراب خَيبر لسعادة المسلمين، فهو من الفَأْلِ الحَسَن لا مِنَ الطِّيرة، وقد تفاءل أيضًا بخراب خيبر اشتقاقًا من اسمها، وقيل: لفظ (خربت) يحتملُ الخبرَ والإنشاء.

13 - كتاب العيدين

13 - كِتابُ العِيْدَيْنِ

1 - باب في العيدين والتجمل فيه

بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 13 - كِتابُ العِيْدَيْنِ 1 - بابٌ فِي الْعِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ (كتاب العيدين والتجمل فيه) الضمير لجنس العيد، أو لكلٍّ منهما، وفي بعضها: (فيهما)، وسمي العيد عيدًا لعَوْدِه كلَّ سنة، والتجمَّل هو التزيُّن بالثياب. 948 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْتَعْ هَذِهِ، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ"، فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ

إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِجُبَّة دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ قُلْتَ: "إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ"، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ". "وجد" في بعضها: (أخذ). "إستبرق" هو غليظ الدِّيباج، ففائدة قوله بعده: "فأخذها": أنَّ الأخذ الأول أُريد به مَلْزومَه، وهو اشترى، إما صفة لجبة، أو مضافة إليه، والإشارة به إلى نوع الجبة لا إلى شخصها. "ديباج" فارسي معرب. "أبتاع" بلفظ المضارع للمتكلم على الاستفهام، وفي بعضها: (ابتع) بصيغة الأمر، أي: اشتر. "تجمل" إما بالسكون بلفظ الأمر، أو بالجزم على أنه مضارع حُذفت إحدى تائيه، أو هو مرفوع على أنَّ الأول أبتاع؛ أي: أبتاع أنا تتجمل أنت بها. قلت: فالجملة حالية مقدَّرة، لأنه للعيد، والوفود في المستقبل، ولو جزم جوابًا للاستفهام لَكانَ له وجهٌ. "خَلاق"؛ أي: نصيب في الجنة، وهذا خارج مخرج التَّغليظ، وإلا فالمؤمن العاصي لا بدَّ [له] من دخول الجنة، فله نصيب، وقوله:

2 - باب الحراب والدرق يوم العيد

(لا خلاق) وإن كان عامًّا للنساء، لكن خرجْنَ بدليل. "تصيب" في بعضها: (وتصيب)، وهو أظهر. "حاجتك" كإعطائها بعض نسائك أو نحوه، وسبق مباحث في الحديث في (كتاب الجمعة) في (باب يلبس أحسنَ ما يجد)؛ نعم هناك للجمعة وللوفود، وهنا للعيد وللوفود، وهما قصةٌ واحدة، لأنه لا يُظنُّ بعُمر بعد أن يعرف الجواب أن يُعيد السؤال، لكن الجمعة أيضًا عيد، فلا تنافيَ بين اللفظين. * * * 2 - بابُ الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ (باب الحراب)، جمع حَربة، والدَرَق -بفتحتين- جمع درقة، وهي ترس من جلد ونحوه. 949 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانتهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ

السَّلاَمُ فَقَالَ: "دَعْهُمَا"، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا. 950 - وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِمَّا قَالَ: "تَشْتَهِينَ تنظُرِينَ؟ "، فَقُلْتُ: نعمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "دُونكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ"، حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: "حَسْبُكِ"، قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "فَاذْهَبِي". "أحمد" الظاهر أنه ابن صالح المِصْري. "ابن وهب"؛ أي: عبد الله. "عمرو"؛ أي: ابن الحارث. "جاريتان"؛ أي: دون البلوغ كالغلام في الذُّكور، واسم أحدهما: حمامة كما في "كتاب العيدين" لابن أبي الدنيا بسند صحيح. "تُغنيان"؛ أي: ترقِّقان أصواتَهما بإنشاد الشعر قريبًا من الحُدَاء. "بغناء" بكسر الغين والمد. "بُعاث" بضم الموحدة وخفة المهملة وبمثلثة غير مصروف على الأشهر، وقال أبو عُبيد: الغين معجمة. قال في "النهاية": هو اسم حِصْن جرت الحرب عنده بين الأَوس والخزرج، وكانت فيه مَقْتلة عظيمة، وانتصر فيها الأوس على الخزرج، واستمرت الحربُ بينهما مئة وعشرين سنة، حتى جاء الإسلامُ فألَّف الله بينهم ببركةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

"فانتهرني"؛ أي: زَجَرني. "مِزمارة" بكسر الميم وتاء التأنيث: صوت فيه صَفير، وفيه استفهام مقدَّر، وإنما أنكره الصِّدِّيق لما تقرَّرَ عنده من تحريم اللهو والغناء مطلقًا، ولم يَعْلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قررَّهنَّ على هذا القدر اليسير، فلذلك قال له - صلى الله عليه وسلم -: (دعهما)، ثم علل بأنه يوم عيد، أي: يومُ سرور وفرحٍ شرعي. "فخرجنا" في بعضها: (خرجنا)، بلا فاء، بدل أو استئناف. "سألت"؛ أي: التمست. "خدي على خده" الجملة اسمية حالية، لكن الزمخشري مرة يقول: بلا واو فصيح، ومرة يضعِّفه، وتحقيقه: إن صلح موضعها مفرد ففصيح نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]، أي: مُعادين، وإلا فلا، وهنا يقدَّر: متلاصقَين. "دونكم" إغراء، والمُغْرى به محذوف دل عليه الحال؛ أي: دونكَم اللعبَ؛ أي: الزموا ما أنتم فيه وعليكم به. "أرْفِدة" بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء على الأشهر وفتحها وإهمال الدال: لقب لجِنس من الحبشة يرقُصُون، وهو جَدُّ الحبشة. "مَلِلْت" بكسر اللام. "حسبك"؛ أي: أحسبك والاستفهام مقدَّر، أي: أكافيك هذا القدر. قال (خ): كان ذلك بحضرته - صلى الله عليه وسلم -، لأنه بوصف الحرب والشجاعة، وما يجري في القتال فيه تحريض على قتال الكفار لإقامة الدين، وأما

الغِناء بذكرِ الفَواحش والمُجاهرة بالمُنْكرات فمحظورٌ مُسْقِطٌ للمروءة لا يقع مثلُه بحضرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وقال (ط): ليس في الحديث أنه أخرج الحبشةَ للعب، ولا أمرَ أصحابَه للتأهُّب له، ولم تكن الحبشة له عسكرًا، ولا أنصارًا؛ إنما هو قومٌ يلعبون، وفائدة إباحة نظرِه: أن فيه تدريب الجوارح على تقليب السلاح لتخِف الأيدي بها في الحرب، وكذا حمل السلاح لا مدخلَ له في سنة العيد، ولا هيئة الخروج إليه، ولكنه جائز. وفي الحديث: ما كان له - صلى الله عليه وسلم - من حُسن الخلق، ومعاشرة الأهل، والتَّمكين مما لا حَرجَ فيه. قال (ن): أباح الغناء بعضُ أهلِ الحجاز، وحرَّمه أهلُ العراق، ومذهبُ الشافعيِّ كراهتُه، وهو المشهور عن مالك، وقد أجازت الصحابةُ غناءَ العربِ الذي فيه إنشادٌ وترنُّم والحُداء، وفعلوه بحضرته - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ومثلُه ليس (¬1) بحرام ولا يجرح الشاهد. وفي الحديث: أن مواضع الصالحين تُنزَّه عن اللهو، وإن لم يكن فيه إثم، وأن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما لا يليق به ينكره إجلالًا للكبير أنْ يتولَّى ذلك بنفسه، وإنما سكت - صلى الله عليه وسلم - لأنه مباحٌ، وهذا من رأفته وحِلْمه - صلى الله عليه وسلم -. وفيه جواز نظرهنَّ إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفسِ البدن؛ ¬

_ (¬1) "ليس" ليست في الأصل.

3 - باب سنة العيدين لأهل الإسلام

إذ نظرُ المرأةِ لوجه الأجنبي حرامٌ باتفاق إن كان بشهوة وبغيرها على الأصح، وقيل: هذا كان قبل نزول {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} الآية [النور: 31]، وقيل: قبلَ بلوغِها. * * * 3 - بابُ سُنَّةِ الْعِيدَيْنِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ (باب سنة العيدين لأهل الإسلام) 951 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نبدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا". الحديث الأول: "ثم يرجع" بالرفع، وفي بعضها بالنصب. "فمن فعل"؛ أي: بدأ بالصلاة. قال (ط): فيه ندب صلاة العيد، وأنَّ النَّحر لا يكون إلا بعدها، وأن الخطبة أيضًا بعدها. قال (ك): ممنوع، بل في الحديث أن الخطبة قبل الصلاة. قلت: كأنه فَهِمَ ذلك من قوله في الخطبة: (أول ما نبدأ أن نصلي)،

ولكن لا دلالةَ فيه، لأنه خَطَبَ بعدها، ونبَّه على أن ما ابتدأ به من الصلاة قبل الذَّبح هو المشروعُ؛ يريد لمتعلقها وهو الخطبة بعدها. * * * 952 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَاِرِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ وَلَيْسَتَا بِمُغنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُناَ". الثاني: "بما تقاولت" روي: (مما) بميمين. "وليستا بمغنيتين"؛ أي: لا تُحسنانِ ذلك، ولا اتَّخذتاه صنعةً وكسبًا، ولا معروفتانِ به. قال (ع): ليستا كعادة المغنِّيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتَّشبيب بأهل الجمال، وما يحرِّك النفوس كما قيل: الغناء رُقية الزِّنا. قال (خ): أما الترنُّم بالبيت والبيتين وتَطريب الصوت بما ليس فيه فحشٌ أو ذكر محظورٌ فلا يُسْقِط المروءة، وحكمُ يسيرِه خلافُ كثيرِه. "أمزامير" روي: (أبمزامير).

4 - باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج

"هذا عيدنا"؛ أي: نظهر فيه السرور من ظهور شِعار الدين وإعلاء أمرِه، قيل: وفيه أن العيدَ للراحة وبسطِ النفس إلى ما يَحِلُّ من الدنيا، والأكل والشرب والجماعِ. * * * 4 - بابُ الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ (باب الأكل يوم الفطر) 953 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكلَ تَمَرَاتٍ، وَقَالَ مُرَجَّأ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: وَيَأْكلُهُنَّ وِتْرًا. "مُرجَّا" بضم الميم وتشديد الجيم مفتوحة، ابن "رجاء" بالمد، وقد وصله الإسماعيليُّ، وأبو نُعيم، وأصله رواه أحمدُ. قال (ط): الأكلُ عند الغدو إلى المُصلَّى يومَ الفطرِ سنةٌ للتأسي، ولئلا يُظنَّ لزوم الصيام إلى صلاة العيد، وكان - صلى الله عليه وسلم - يُوتر في جميع أموره استشعارًا للوحدانية. * * *

5 - باب الأكل يوم النحر

5 - بابُ الأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ (باب الأكل يومَ النحر) 954 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ"، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَدَّقَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ. الحديث الأول: "جيرانه" بكسر الجيم جمع جار. "جَذعة" بفتح الجيم والذال المعجمة التي طعنت في السَّنة الثانية، والمراد من المعز كما في الرواية الأخرى: (عناقًا جذعة)، والعَناق أنثى المعز، ولا يجزئ منهما إلا (¬1) ذو سنتين، وهو الثَّنِي، أما جَذعة الضأن فتجزيء مطلقًا. "فلا أدري" قد تردَّد الأصوليون في أنَّ خطاب الشرع لواحد هل يختصُّ به أو يعم، والثاني قولُ الحنابلةِ. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "أما".

955 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَلاَ نُسُكَ لَهُ"، فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ الْبَرَاءِ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمِ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاَةَ، قَالَ: "شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ". قَالَ: يا رسول الله! فَإِنَّ عندنا عَنَاقًا لنا جَذَعَةً هيَ أحبُّ إلي من شاتين، أفتَجْزِي عني؟ قال: "نعم، ولن تجزيَ عن أحد بعدك". الثاني: "نُسُكًا" بضمتين جمع نَسيكة بمعنى الذَّبيحة، والنسك في الأصل يطلق على كلِّ طاعة، قيل لثعلب: هل الصوم نسك؟ قال: كلُّ حقٍّ لله نسك. "فإنه قبل الصلاة" فيه إشكال اتِّحاد الجزاء والشرط، فيجاب عنه بما أجيب في: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله" الحديث، وقد سبقَ أنَّ الأحسنَ أن المراد لازمُه من تعظيم ذلك الشيء، أو تحقيره بحسب المقام، فالمراد هنا عدم الاعتداد بما قبل الصلاة، لأنه المقرَّر في النفوس، ويكون "ولا نسك له" كالتوضيح والبيان له.

"أبو بُرْدة" بضم الموحدة وسكون الراء، وهانئ بكسر النون ثم الهمز. "ابن نِيار" بكسر النون وتخفيف المثنَّاة تحت. "أول شاة" بالنصب خبر (كان)، وبالرفع اسمها، ويكون (شاتي) خبرها مقدَّمًا، وفي بعضها (أول) بلا إضافة، فتضم على قاعدة الظروف المقطوعة نحو: (من قبل) و (من بعد)، وتفتح إما نصبًا خبر (كان)، وإما بناء على أنه أُضيف للجملة، كذا قال (ك)، وفيه نظر ظاهر. "شاة لحم"؛ أي: ليست ضحية ذات ثواب، بل ذبيحة لأجل اللحم. "لنا جذعة" صفتان لـ (عَنَاقًا) الذي هو أنثى ولد المعز، ولم يحتج تاء، فيقال: عناقة. "أحب"؛ أي: لسمنها، وطيبِ لحمها، وكثرةِ قيمتها. "أتَجزي" بفتح التاء من غير همز، أي: يكفي كما في: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ} [لقمان: 33]، وجوَّز بعضُهم: (تُجزئ) بالضم من الرباعي المهموز. وفيه أن جَذعة المعز لا تجزئ، وهو اتفاق، وخصوصيةُ أبي بُرَدةَ بإجزاء ذلك كما خُص خُزيمةُ بقيام شهادتِه مقامَ شاهدَين، وغير ذلك، وهو كثير.

6 - باب الخروج إلى المصلى بغير منبر

قال (ط): وأن الأكل في يوم النحر قبل الصلاة لا مستحبٌّ ولا منهيٌّ عنه، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحسِّنه ولا عنَّفه، إنَّما بيَّنَ له محلَّ الحاجة مِنْ سنَّة الذبح، وعَذَره في قصدِه إطعامَ جيرانه ولم يُحسِّنه، بل جوَّز له الجَذعة، وإنما كان يأكل في عيد الفطر قبلَ الصلاةِ ليتميَّز وقتُ الصوم من الفطر، وليس قبلَ النحرِ صيامٌ يحتاج لتمييزه. * * * 6 - بابُ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى بغَيرِ منْبَرٍ (باب الخروج إلى المصلى بغير منبر) 956 - حَدَّثَنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَريَمَ قَالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، عَنْ عِياضِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهْوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أتيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللهِ، فَقَالَ:

أَبَا سَعِيدٍ، قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ أَعْلَمُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لنا بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ. "فأول" خبر مقدم، والصلاة مبتدأ، لأنه معرفة، وإن تخصص (أول)، فلم يخرج عن التنكير. "فيعظهم"؛ أي: يخوفهم. "ويوصيهم"؛ أي: بما ينبغي الوصيةُ به. "بعثًا" بمعنى مبعوث؛ أي: جيشًا لو أراد بعث غيرِهم لغزو وبَعْثٍ. "يأمر" بالنصب، وليس تكرارًا مع قوله أولًا: (يأمرهم)، لأن هذا أمر خاص. "على ذلك"؛ أي: على الابتداء بالصلاة. "مروان"؛ أي: ابن الحكم، استعمله معاويةُ على المدينة. "مِنبر" بكسر الميم مبتدأ خبره مقدَّر، أي: هناك فيكون. "بناه" حال، أو هو خبر المبتدأ، أو العامل في (إذا) و (لمَّا) معنى المفاجأة التي في (إذا)؛ أي: فجاءنا مكان للمنبر زمان الإتيان، وقيل: (إذا) حرف لا يحتاج إلى عامل، وقيل: (إذا خبر) لمبتدأ وهو مِنبر. "غيرتم"؛ أي: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تقديم الصَّلاة على الخطبة. "ما أعلم"؛ أي: الذي أعلمه.

7 - باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة

"خير"؛ أي: لأنه السنة، ففيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان المنكر عليه واليًا، والإنكار باليد حيثُ أمكنَ، فلا يكفي اللسان، وصحة الصلاة بعد الخطبة، وهو اتفاق، والفرق بينه وبين الجمعة: أن خطبتَها واجبة، فلو أُخِّرت لكان ربما انتشروا قبل سماعها، فيقدح في الصلاة، وأيضًا فالجمعة لا تؤدَّى إلا جماعة، فقدمت الخطبة ليتلاحق الناس، قيل: فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10]، فعُلِم أنه ليس بعدها جلوس لخطبة ولا غيرها، وفيه العمل بالاجتهاد، في ترك ما كان أولى إذا كان لمصلحة، فإنَّ مروانَ لم يغيِّرِ السنة إلا لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعله في الجمعة، فقاسَ العيدَ عليها على أنه قد سبق بذلك. واختلف في أول مَنْ بدأ به، فقال مالك: أولُ مَنْ قدَّم الخطبةَ عُثمان، وقال الزهري: مُعاوية، وقد روى فعلَهما ذلك عبدُ الرزاق في "مصنفه"، على أنه سيأتي في (باب الخطبة بعد العيدين) عن عُثمانَ خلافُ ذلك. * * * 7 - بابُ الْمَشْي وَالرُّكُوبِ إِلَى الْعِيدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ (باب المشي والركوب إلى العيد) ليس في الحديثين في الباب تعرُّضٌ لمشي ولا ركوب إلا أن

يكون أُخِذَ من عدم التعرض لهما جوازُهما، أو أشار بذكرهما في الترجمة مع عدم ذكر حديث فيهما أنه لم يجد حديثًا على شرطه فيهما. "بغير أذان ولا إقامة" قد يُفهم ذلك من الحديث الثاني. * * * 957 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلاَةِ. الحديث الأول: "ثم يخطب" صريح في تأخُّر الخطبة. * * * 958 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. 959 - قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي أَوَّلِ مَا بُويعَ لَهُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ الْفِطْرِ، إنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلاَةِ.

960 - وأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وعَن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالاَ: لم يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَومَ الفِطْرِ وَلاَ يَوْمَ الأَضْحَى. 961 - وعَنْ جَابِرِ بنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَمَّا فَرَغَ نبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أتَرَى حَقًّا عَلَى الإمَامِ الآنَ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ فَيُذَكِّرَهُنَّ حِينَ يَفْرُغُ؟ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ أَنْ لاَ يَفْعَلُوا. الثاني: "يؤذن" مبني للمفعول خبر (كان)، واسمها ضمير الشأن، وكذا اسم (أن) المذكورة قبلها. "أترى" بفتح التاء. "حقًّا" مفعوله الثاني قدِّم على الأول وهو "أن يأتي" للاهتمام. "وما لهم" الظاهر أن (ما) نافية، ويحتمل أنها استفهامية. قال (ط): سنةُ الخروج للعيد المشي للتواضع، ويباح الركوب، وكان الحسنُ يأتي راكبًا للعيد، وقال ابن المسيِّب: أولُ مَنْ أحدث الأذان في العيد معاوية، وقيل: زياد. * * *

8 - باب الخطبة بعد العيد

8 - بابُ الْخُطْبَةِ بَعْدَ الْعِيدِ (باب الخطبة بعد العيد)، أي: بعد صلاة العيد. فيه أربعة أحاديث سبق الكلامُ على غالبها. 962 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنه -، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. 963 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنا عُبيدُ اللهِ، عَن ناَفِعٍ، عَن ابنِ عُمَر قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رضي الله عنهما - يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبةِ. 964 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ رَكعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أتى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ، تُلْقِي الْمَرْأة خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا. 965 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نبدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ

أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ: "اجْعَلْهُ مَكَانَهُ، وَلَنْ تُوفِيَ أَوْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". "تلقي المرأة" ذكره بعد: (تلقين)، للتفصيل والبيان. "خُرصها" بضم المعجمة وكسرها: الحَلقة من ذهب أو فضة. "وسخابها" بمهملة مكسورة ثم معجمة وبموحدة: خيط فيه خَرز، وجمعه: سُخب؛ ككتاب وكُتُب، وقال البخاري: هو قِلادة من طِيب أو مِسْك وغيره أو قُرنفل ليس فيه من الجوهر شيء. ووجه مطابقة الحديث للترجمة: أن أمر النساء بذلك، كأنه (¬1) من الخطبة. "زُبَيد" بضم الزاي وفتح الموحدة. "أن يصلي" الأجود أن يجعل اسم (أن)، ويجوز كونه خبرها، وعائد (ما) محذوفٌ؛ أي: يبدأ به. ووجه المطابقة للترجمة: أنه لو قدَّم الخطبة على الصلاة لم تكن أولَ ما بدأ به. قلت: فيه نظر، فإنَّه بدأ باعتبار الذبح، ويكون المراد الصلاة لمتعلَّقها سواء كان قبلُ أو بعدُ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "فإنه"، والمثبت من "ف" و"ب".

"ذبحت" الفرقُ بينه وبين النَّحرِ: أن النحر في الإبل؛ أي: في اللُّبة، والذبح في الحَلْق مطلقًا. "مسنة" هي ثَنيَّة المعز. "اجعله مكانه" ذكر الضميرين مع عودهما لمؤنث بتأويلهما بذي سنة وذي سنتين؛ أي: أو باعتبار المذبوح. "يُوفي" بضم أوله وفتحه. قال (خ): وَفَى وأوفى بمعنى واحد. "أو تجزئ" بالفتح؛ أي: تقضي، أو بالضم مِنْ أجزأ، أي: كفى. قال (خ): ليس هذا من النسخ بل تخصيص لبعض، فإن النسخ إنما يكون عمومًا. قال (ط): وغَلِطَ النسائي في ترجمته على هذا الحديث بأن الخطبةَ قبلَ الصلاة مِنْ حيثُ إنه قال: (أول ما يبدأ به أن يصلي)، وهذا قاله في الخطبة فيكون قبل، لكن العربَ قد تضعُ المستقبل موضعَ الماضي، فكأنه قال: أول ما بدأنا به الصلاة كقوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا أَنْ يُؤْمِنُوا} [البروج: 8]، أي: إلا الإيمان المتقدِّم منهم. قال (ك): كون المستقبل بمعنى الماضي مجاز، والأصل خلافُه، فالأَولى أَنْ يُجابَ بأنه لا يلزم مِنْ قوله ذلك قبل الصلاة أن تكون الخطبة قبل.

9 - باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم

قلت: سبق أن هذا قاله في الخطبة، وسبق جوابُه. * * * 9 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلاَحِ فِي الْعِيدِ وَالْحَرَمِ وَقَالَ الْحَسَنُ: نهوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلاَحَ يَوْمَ عِيدٍ إِلَّا أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا. (باب ما يكره من حمل السلاح في العيد) " نُهوا" بضم النون. 966 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْح فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا، وَذَلِكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ، فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي، قَالَ: وَكيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الْحَرَمَ، وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ. الحديث الأول: "سُوْقَة" بضم المهملة وسكون الواو وفتح القاف.

"فنزعتها"؛ أي: السِّنان بتأويله بالسلاح، وهو مؤنَّث، أو بحديدة أو الضمير المقدَّم من باب القَلْب كـ: أدخلت الخُفَّ في الرِّجل. "بمنى" يُصرف ولا يصرف، سُمِّيت بذلك لما يُمْنَى فيها من الدماء؛ أي: يُراق، أو: أنَّ جبريلَ لمَّا أرادَ مفارقَة آدمَ قال: تمنَّ، قال: أتمنَّى الجنةَ، أو لتقدير الله فيها الشِّعار؛ من مَنَى: أي: قدَّر. "فجاء" في بعضها: (فجعل). "لو نعلم" جوابها محذوف؛ أي: لجازيناه أو للتمني، فلا جواب لها. "أصبتني"؛ أي: تسببت في ذلك، فهو من إسناد الفعل لسببه. قال (ك): ويأتي أصاب متعديًا لاثنين؛ أي: كما هنا؛ أي: أصبتني سنانه. "في يوم"؛ أي: يومَ العيدِ. "في الحرم"؛ أي: فخالفت السنةَ في الزمان والمكان، وفيه أن مِنى مِنَ الحَرَمِ. * * * 967 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَناَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: كيْفَ هُوَ؟ فَقَالَ: صَالِحٌ، فَقَالَ: مَنْ

10 - باب التبكير إلى العيد

أَصَابَكَ؟ قَالَ: أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلاَحِ فِي يَوْمٍ لاَ يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ، يَعْنِي الْحَجَّاجَ. الحديث الثاني: "يعني"؛ أي: يريد بذلك الحَجَّاج بأمره بذلك. قال (ط): فيه كراهةُ حملِ السلاح في المشاهد التي لا تحتاج لحرب لِمَا يُخشى من الأذى عند التزاحم، وأما الحرم فلأنَّ الله تعالى قال: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]. قال: وفيه دليلُ قطعِ الذَّرائع؛ لأنَّ ابن عمر لامَ الحجَّاجَ على ما أدَّى إلى أذاه وإن لم يقصِدْهُ الحجاجُ. * * * 10 - بابُ التَّبْكِيرِ إِلَى الْعِيدِ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيح. (باب التكبير للعيد) " وقال عبد الله بن بُسْر" بضم الموحدة وسكون المهملة، وهذا حديث مرفوع رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم، والطبراني، ولفظ

أحمد: (خرج مع الناس، فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إنْ كنَّا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قد فَرَغْنا ساعتَنا هذه، وذلك حينَ التسبيحِ)، وفي رواية الطبراني: (حين تسبيح الضحى). "إن" هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. "فرغنا" قيل: صوابه (لقد). "حين التسبيح"؛ أي: حينَ صلاةِ الضُّحى، وحين صلاة العيد، لأنها سُبحة ذلك اليوم. * * * 968 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نبدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ"، فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَناَ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ: "اجْعَلْهَا مَكَانها -أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا- وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". "ثم نرجع" بالرفع والنصب. "جذعة"؛ أي: من المعز، لأنَّ الضَّأن جائزٌ للكلِّ؛ لِمَا سبق من رواية العَنَاق.

11 - باب فضل العمل في أيام التشريق

قال (ط): أجمعوا على أن العيد لا تُصلَّى قبل الشُّروق، بل حتى تطلُعَ [الشمسُ] وترتفع؛ لأن ذلك حين جواز التنفُّل، ولذلك قال ابن بُسْر: (حين التسبيح)؛ لأنها سُبْحةُ اليوم، فلا تؤخَّر عن وقتها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أول ما نبدأ به أنْ نصلِّي)، فهو معنى ترجمة البخاري بالتنكير. واختلفوا في وقت الغُدو للعيد، فكان ابنُ عُمرَ يغدو بعد صلاة الصبح، ورافع بن خَديج بعد طلوع الشمس، وقال الشافعي: يُسْرع في الأضحى، فيخرجُ عندَ بروزِ الشمس، ويؤخِّر في الفِطْر عن ذلك قليلًا. * * * 11 - بابُ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتكْبِيرِهِمَا، وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ. (باب فضل العمل في أيام التشريق) " معلومات" لم يُرِدْ ابنُ عباس التلاوة، لأنها: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ

اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، ومراده أنَّ الأيام المعلومات عشر ذي الحجة. "والمعدودات"؛ أي: في قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]. "أيام التشريق"؛ أي: لأنها يُشرق فيها اللحم؛ أي: يُقدَّد، أو: لأنَّ الهَدْي لا يُنْحر حتى تُشرق الشمس، وهي الحادي عشر المسمَّى بيوم القَر، والثاني عشر وهو يوم النَّفر الأول، والثالث عشر وهو يوم النفر الثاني. "الأيام العشر"، في رواية: (أيام العشر). "خلف النافلة" الظاهر أنَّ مراده: في أيام العشر، فلا يناسب بالترجمة إلا أنَّ البخاريَّ كثيرًا ما يذكر الترجمة ثم يُضيف إليها ما له أدنى ملابسةٍ استطرادًا. * * * 969 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ"، قَالُوا: وَلاَ الْجِهَادُ؟ قَالَ: "وَلاَ الْجهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ". "منها"؛ أي: من الأعمال في هذه الأيام، فـ (العمل) مبتدأ،

و (في أيام) متعلِّق به، و (أفضل) خبر المبتدأ، و (منها) متعلق بـ (أفضل)، والضمير للعمل بتقدير الأعمال كما في: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ} [النور: 31]، ورواه سيبويه في "كتابه" بلفظ: "ما مِنْ أيَّامٍ أحبُّ إلى اللهِ فيها الصومُ مِنْ عَشْرِ ذي الحِجَّة"، ومثل به مسألة الكحل في رفع أفعل التفضيل الظاهر، أما رواية الصحيح فليست من ذلك. "إلا رجل" على حذف مضاف؛ أي: إلا جهاد مَنْ خرج. "يخاطر" أي: يُكافح العدوَّ من المخاطرة، وهي ارتكابُ ما فيه خَطر. قال (ط): فهذا العملُ أفضلُ في هذه الأيام من غيرها، لكن لا يمنع صَاحبه من العمل المقصود في هذه الأيام المعدودات، والذي في الحديث: في الأيام المعلومات، فتأمله! (بشيء)؛ أي: لا نفسه ولا ماله كليهما؛ بأن يقتل شهيدًا أو لا بماله، إذ صِدْقُ هذه السَّالبة يحتمل أن يكون بعدم الرجوع به. قال (ط): العمل في أيام التشريق هو التكبيرُ المسنون، وهو أفضلُ من صلاةِ النافلة، لأنَّ الصلاة والصيام ليس مقصودًا فيها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّها أيامُ أكلٍ وشُربٍ"، ونهى عن صيامها. قال الطحاوي: الذي أذهب إليه أن الأيام المعلومات: يومُ النحر ويومانِ بعدَه، أي: كمذهب مالك للآية؛ أي: التي يعلم النالس أنها أيامُ الذبح، فيتوخَّى المساكينَ القصدَ فيها، فَيُعْطَون. قال: وأما التكبير في الأسواق فالفقهاء لا يَروْنه، إنما التكبير

12 - باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة

عندهم مِنْ وقت رمي الجمار، لأنَّ الناس فيه تَبَع لأهل مِنى، ولا يَرون التكبيرَ إلا خَلْفَ الفرائضِ خلافًا للشافعية. قال (ك): العمل في أيام التشريق لا ينحصِرُ في التكبير، بل المتبادَر أنه المناسك من الرمي وغيره التي تجتمع مع الأكل والشرب، بل إذا حُمل كلام البخاري على التكبير لم يبقَ لقوله بعدَه (باب التكبير أيام مِنى) معنًى، بل تكرارٌ مَحْضٌ. * * * 12 - بابُ التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى، وَإِذا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ وَكَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا، وَكَانَتْ مَيْمُونة تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزَ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجدِ. (باب التكبير أيام مِنى) " ترتج" يقال ارتجَّ البحر: إذا اضطربَ، والرَّجُّ: التحريك. "فُسْطاطه" هو بيت شَعر، ويقال فيه: فُسْتاط وفُسَّاط بقلب التاء سينًا وإدغامها مع ضم أوله وكسره، فهذه ستُّ لغات.

"وتلك الأيام" كرَّر توكيدًا، وأكَّد أيضًا بـ (جميعًا)، وفي بعضها: (تلك) بلا واو، فيكون ظرفًا للمذكورات. قال (ن): اختلف في التكبير عَقِبَ الصلوات في عيد الأضحى، هل الابتداء مِنْ صُبح عرفةَ أو ظهرِه، أو صبح يوم النحر أو ظهره؟ وهل انتهاؤه ظهرَ النحرِ أو ظهرَ أولِ يومِ النفرِ، أو صبحَ آخرِ التشريق أو ظهرَه أو عصره؟. قال (ك): فيجتمع منها تسعةَ عشر قولًا مِنْ ضربِ أربعةٍ في خمسة، سقط من العشرين: أن يكون ظهر النحر مبتدأ ومنتهى كليهما معًا، ثمَّ إذا ضمَّ إليها اعتبارَ كونِها أداءً أو تجري في القضاء، أو كونها فرضًا أو تجري في النفل على الخلاف: يكون ستة وسبعين. * * * 970 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِي قَالَ: سَألْتُ أَنَسًا وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ عَنِ التَّلْبِيَةِ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ. الحديث الأول: "كان يُلبي" اسم (كان) ضمير الشأن؟ قال (خ): السُّنَّة أن لا يقطعَ التلبية إلا في أوَّل حَصَاة من جَمرةِ العَقَبة، فيحتمل قول أنس هذا أن يكون التكبير من المكبر شيئًا من

الذكر يُدخلونه في أثناء التَّلبية لا بترك التَّلبية بالكلِّية. * * * 971 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ. الثاني: "حتى يخرج" إما غاية للغاية قبلَها، وإما معطوفة عليها بواو مقدَّرة. "وطُهرته" بضم الطاء، أي: طهارته، ففيه نَدبُ التكبير في الفِطر، والأضحى. ووجهُ مطابقةِ الترجمة: قياس التشريق على العيد بجامع أنَّ الكلَّ أيام مشهودات. قال (ط): حكمةُ التكبيرِ في هذه الأيام الإشارة إلى رفع ما كان عليه الجاهلية من الذبح لطواغيتهم، وأن الذبح إنما هو لله، فلا يذكر غيره، وقال أبو حنيفة: لا يكبِّر في عيد الفطر، وقال الشافعي: يكبر حتى يحرم الإمام بصلاته؛ لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]، ولأنَّ العيدين سواء في الخطبة وفي السُّنن،

13 - باب الصلاة إلى الحربة يوم العيد

فكذا التكبير. قال: وفيه خروجُ النساءِ للمصلَّى رجاءَ بركتِه ورغبةً في دعاء المسلمين، لأن الجماعة لا تخلو عَنْ فاضلٍ من الناس، وفيه تكبيرُ النساءِ خلافًا للحنفية. * * * 13 - بابُ الصَّلاَةِ إِلَى الْحَرْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ (باب الصلاة إلى الحَربة يوم العيد) 972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ تُرْكَزُ الْحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ ثمَّ يُصَلِّي. "تركز"؛ أي: تغرز في الأرض لتكون سترةً في صلاته، وأما صلاتُه بمِنى إلى غير جدار، فلبيانِ أنها ليست بفريضة بل سنَّة. * * * 14 - بابُ حَمْلِ الْعَنَزَةِ أَوِ الْحَرْبَةِ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ (باب حمل العنزة) سبق تفسيرُها مراتٍ بأنها أقصرُ من الرُّمح في طرفها زُجٌّ.

15 - باب خروج النساء والحيض إلى المصلى

973 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَليدُ، قَالَ: حَدَثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى، وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. "فصلى" في بعضها: (فيصلي)، وفيه الغُدُوُّ للمصلَّى. * * * 15 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ وَالْحُيَّضِ إِلَى الْمُصَلَّى (باب خروج النساء) 974 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أُمِرْناَ أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ قَالَ: أَوْ قَالَتِ: الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، ويَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى. "العواتق" جمع عاتق، لأنها مَنْ بَلَغَتْ، لأنها عُتِقَتْ عن الخدمة أو قَهْرِ أبويها. "ذوات" بكسر التاء علامة النصب. "الخدور" السُّتور، وقيل: البيوت، والمراد: المخبآت.

16 - باب خروج الصبيان إلى المصلى

"أو قالت" الشك من أيوب في أنها قالت: (ذوات)، بواو، أو بلا واو، ومعناها صواحب، ويعرب إعراب مسلمات. "يعتزلن" إثبات النون على لغة: أكلوني البراغيث، وتركهن ذلك لئلا يقع اختلافُ الناس في صلاة بعضٍ وترك بعض، أو تنجس الموضع، أو لئلا تؤذي جارتَها إنْ حَدَث أذى. * * * 16 - بابُ خُرُوجِ الصِّبْيَانِ إِلَى الْمُصَلَّى (باب خروج الصِّبيان) 975 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ. "وذكرهن" إما تفسير لقوله: (وعظهن)، أو تأكيد له إذ الوعظُ: الإنذارُ بالعقاب، والتذكير: الإخبار بالثواب أو التذكير لأمرٍ عُلِمَ سابقًا. وفي الحديث الصلاة قبل الخطبة. ووجه مطابقة الترجمة: أن ابن عباس كان طفلًا، لأنه عندَ وفاةِ

17 - باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد

النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان ابنَ ثلاث عشرةَ سنة. * * * 17 - بابُ اسْتِقْبَالِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُقَابِلَ النَّاسِ. (باب استقبال الإمام) " وقال أبو سعيد" سيأتي وصلُ البخاريِّ له في حديث طويل في (الاعتصام). * * * 976 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أَضْحًى إِلَى الْبَقِيعِ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نبدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ نرجِعَ فَننحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْء"، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ: "اذْبَحْهَا، وَلاَ تَفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". "البقيع" موضع فيه أَرُومُ الشجر، يسمَّى بقيع الغَرْقد، وهو مقبرة المدينة.

18 - باب العلم الذي بالمصلى

"نبدأ" أتى به مضارعًا مع أن الصلاة قد أُدِّيت على معنى: أنَّ الشأن ذلك، أو أُقيم المضارع مقام الماضي عكس: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44]، وإنما لم يذكر الخطبة لأنها مِنْ تتمة الصلاة وتوابِعها. "لا تفي" في بعضها: (لا تغني)، وسبق الحديثُ مرارًا. * * * 18 - بابُ الْعَلَمِ الَّذي بِالْمُصَلَّى (باب العلم الذي بالمصلى) 977 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَثَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ عَابِسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نعمْ، وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ، حَتَّى أتى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيَتُهُنَّ يَهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ. "حتى أتى" هو غاية لمحذوف؛ أي: خرج - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى، أو: راجع إلى (ما شهدته).

19 - باب موعظة الإمام النساء يوم العيد

"يُهوين" بضم أوله؛ أي: يُومِئْنَ. "يقذفنه" الضمير للمتصدق به، وسبق الحديث آخر (كتاب الصلاة). قال (ط): إنما يخرج الصبي إذا كان يضبط نفسَه عن اللعب، ويَعْقِلُ الصلاة ويتحفَّظ عما يُفْسِدُها كما في ابن عباس. * * * 19 - بابُ مَوْعِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ يَوْمَ الْعِيدِ (باب موعظة الإمام النساء) 978 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نصرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَطَبَ، فَلَمَّا فَرَغَ نزَلَ فَأَتَى النسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْم الْفِطْرِ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ، تُلْقِي فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ، قلْتُ: أَتُرَى حَقًّا عَلَى الإمَامِ ذَلِكَ وَيُذَكِّرُهُنَّ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ لاَ يَفْعَلُونهُ؟ 979 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ

طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: شَهِدْتُ الْفِطْرَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - يُصَلُّونهُا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يُخْطَبُ بَعْدُ، خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيهِ حِينَ يُجْلِسُ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقّهُمْ حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ مَعَهُ بِلاَلٌ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} الآيَةَ، ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: "آنتنَّ عَلَى ذَلِكَ"، قَالَتِ امْرَأةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يُجبْهُ غَيْرُهَا: نعمْ، لاَ يَدْرِي حَسَنٌ مَنْ هِيَ؟، قَالَ: "فتصَدَّقْنَ"، فَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ ثُمَّ قَالَ: هَلُمَّ لَكُنَّ فِدَاءً أَبِي وَأُمِّي، فَيُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: الْفَتَخُ الْخَوَاتِيمُ الْعِظَامُ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. "زكاة" خبر مبتدأ محذوف، وفيه استفهام؛ أي: أذلك زكاة. "فتخها" بفاء ومثناة فوق ومعجمة مفتوحات، وفي بعضها بمثناة بعد الخاء؛ حكاه (ش): حلقة من فِضَّة لا فَصَّ فيها، وسيأتي عن عبد الرزاق تفسيره. "ويلقين" مفعوله محذوف؛ أي: كل نوع مِنْ حليهنَّ، وكرَّر الإلقاءَ لإفادة العموم، وفيه: أن هذا ليس زكاة الفطر، لأنها صاعُ قوتٍ. "أترى" بفتح أوله. "ثم يخطب"؛ أي: كلٌّ منهم بعد الصلاة؛ قاله (ك)، وقال (ش): هو بضم أوله وفتح ثالثه. "يجلس" بضم أوله وإسكان ثانيه، ويروى بكسر ثالثه مع التشديد، أي: يأمرهم بالجلوس.

20 - باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد

"ذلك" بكسر الكاف. "حسن"؛ أي: ابن مسلم راوي الحديثِ عن طاوس، ووقع في "مسلم": (لا يدري حينئذ)، وهو تصحيف من حسن. "هلم" اسم فعل متعدٍّ نحو: هلمَّ الثوب؛ أي: قَرِّبه، ولازم نحو {هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]؛ أي: تعال، مركَّب من هاء التنبيه محذوفة الألف ولم عند البصريين، ومن هلم وأم محذوفة الهمزة عند الكوفيين، واسم مفرد عند الحجازيين بلفظ واحد في الأحوال كلها، وبنو تميم يقولون: هلما هلموا إلى آخره. "فداء" إنْ كُسِرَ أولُه مُدَّ وقُصِر، وإن فُتح قُصِر فقط. قال الجوهري وغيره: وهو خبر عن المبتدأ وهو "أبي"، ويجوز النصب، واللام في (لكن) متعلقة به. قال (ط): إتيانه - صلى الله عليه وسلم - النساءَ خاصٌّ به، لأنه أبٌ لهنَّ، وأجمعوا على أنَّ الخطيبَ لا يلزمه خطبةٌ أُخرى للنساء، ولا يقطع الخطبة ليتمَّها لهنَّ. * * * 20 - بابٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ فِي الْعِيدِ (باب إذا لم يكن لها جِلباب) 980 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا

أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَجَاءَتِ امْرَأةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَأتيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، فَقَالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى وَنُدَاوِي الْكَلْمَى، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَى إِحْدَاناَ بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ"، قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أتيْتُهَا، فَسَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي -وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي- قَالَ: "لِيَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ -أَوْ قَالَ: الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، شَكَّ أَيُّوبُ- وَالْحُيَّضُ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ"، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: آلْحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نعمْ، أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا. "خَلَف" بفتح المعجمة واللام. "الكلمي" جمع كليم؛ أي: جريح. "جلباب"، قيل: المِلْحفة، وقيل: الخمار، وقيل: المقنعة تغطِّي بها رأسَها، ثم قيل: تُعِيرُها جلبابها، وقيل: تُشاركها في جلبابها، ويشهد له: (تُلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها)، أو هو من بابِ المبالغة؛ أي: يخرجْنَ ولو اثنتان في جلباب.

21 - باب اعتزال الحيض المصلى

"في كذا"؛ أي: في خروج النساء. "بأبي"؛ أي: هو مفدَّى بأبي. "ليخرج"؛ أي: سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقولُ ذلك، فهو مرفوعٌ لا موقوف. وسبقَ شرحُ الحديثِ في (كتاب الحيض) في (باب شُهود الحائض). قال (ط): فيه تأكيدُ خروجهنَّ للعيد، لأنه إذا أَمَرَ مَنْ لا جلبابَ لها، فَمَنْ لها جِلبابٌ أولى، وقال أبو حنيفة: مُلازِماتُ البيوتِ لا يخرجْنَ، وقال الطحاوي: يحتمل أن ذلك أول الإسلام والمسلمون قليلٌ، فأُريد التكثير بهنَّ ترهيبًا للعدو، وأما اليوم فلا يُحتاجُ لذلك، ورُدَّ بأنه يتوقَّف على معرفة تاريخ الوقت والنَّسخ لا يثبته إلا بيقين، وأيضًا فالترهيب لا يحصل بهنَّ، ولذلك لا جهادَ عليهنَّ. * * * 21 - بابُ اعْتِزَالِ الْحُيَّضِ الْمُصَلَّى (باب اعتزال الحُيَّض المُصلَّى) 981 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: أُمِرْناَ أَنْ نَخْرُجَ فنخْرِجَ الْحُيَّضَ وَالْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ -قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: أَوِ الْعَوَاتِقَ

22 - باب النحر والذبح يوم النحر بالمصلى

ذَوَاتِ الْخُدُورِ- فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، ويَعْتَزِلنَ مُصَلَّاهُمْ. سبق قريبًا شرحُ الحديث فيه. "أَمرنا" بفتح الهمزة. "أن نخرج" بفتح النون وضم الراء. "فَنُخْرِج" بضم النُّون وكسر الراء. "أو" للشك (¬1) في (ذوات) بالواو ودونها، والمعنى: في أمرهنَّ بالاعتزال. * * * 22 - بابُ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بالْمُصَلَّى (باب النحر والذبح)؛ أي: النحر في الإبل وفي اللُّبة، والذبح في غيرها، وفي الحَلْق. قال (ط): الناس تَبَعٌ للإمام في الجماعات، وأفعال العيد، فلا يذبح أحدٌ حتى يمضيَ قدرُ ما يذبح، سواء ذبح أو لا، فأجمعوا على أن مَنْ رمى الجمرةَ يذبح، وإن لم يذبح الإمامُ إلا بعد، فالمدار على ¬

_ (¬1) في الأصل: "لشك".

23 - باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد وإذا سئل الإمام عن شيء وهو يخطب

الوقت لا الفعل، فيعلم المساكينُ الوقتَ، فيقصِدُونه للصدقة عند عموم أفعال الناس. * * * 982 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي كثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْحَرُ أَوْ يَذْبَحُ بِالْمُصَلَّى. * * * 23 - بابُ كَلاَمِ الإِمَامِ وَالنَّاسِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَإِذَا سُئِلَ الإِمَامُ عَنْ شَيْءٍ وَهْوَ يَخْطُبُ (باب كلام الإمام والناس)؛ أي: بالجر بالعطف على الإمام. 983 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاَتنا وَنَسَكَ نُسْكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ"، فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَاللهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أكل وَشُرْبٍ، فتعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ شَاةُ

لَحْمٍ"، قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ جَذَعَةٍ، هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَهَلْ تَجْزِي عَنِّي، قَالَ: "نعُمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". الحديث الأول: "نسك نسكنا"؛ أي: قرَّب قُرباننا كما سبق بيانه في (باب الأكل يوم النَّحر). * * * 984 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَنْ يُعِيدَ ذَبْحَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! جِيرَانٌ لِي -إِمَّا قَالَ: بِهِمْ خَصَاصَةٌ، وَإِمَّا قَالَ: فَقْرٌ- وَإِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعِنْدِي عَنَاقٌ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ فِيهَا. الثاني: "ذِبحه" بكسر الذال؛ أي: مَذْبوحه. قال (ش): وبالفتح أيضًا المصدر. "لي" صفة لجيران الذي هو مبتدأ، والجملة بعده هي الخبر. "خَصاصة"؛ أي: فاقة. * * *

24 - باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد

985 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدَبٍ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ فَقَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانها، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْم اللهِ". الثالث: "الأسود"؛ أي: ابن قيس العَبْدي. "جُنْدُب" بضم الدال وفتحها. "فليذبح"، قيل: اختلف في الأضحية؛ فالجمهور: سنة، والمشهور عن أبي حنيفة: واجبة على المُقيم بالمِصْر المالكِ نِصَابًا. "باسم الله" قيل الباء بمعنى اللام؛ أي: لله، أو فيه إضمار، أي: بسنة الله، أو تبركًا باسمه، وسيجيء تحقيقُ الخلافِ في المسألة وأدلتها؛ [و] فيه أنَّ الكلام في الخطبة بما كان من أمر الدين جائزٌ للسائل والمسؤول. * * * 24 - بابُ مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ الْعِيدِ (باب مَنْ خالف الطريق) 986 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضحٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. تَابَعَهُ يُونسٌ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُلَيْحٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ. "محمد"؛ أي: ابن سَلاَم. "أبو تُمَيْلة" بضم المثنَّاة فوق وفتح الميم. "واضح" بمعجمة ثم بمهملة. "كان" تامة تكتفي بمرفوعها. "خالف"؛ أي: يرجِعُ من طريقٍ غيرِ طريقِ الذهاب، وحكمتُه شُمولُ البركةِ الطريقينِ، أو أنه يُسْتَفتى فيهما، أو يدعو لأهل قُبورهما، أو يتصدَّق على فقرائهما، أو: ليزدادَ غيظُ المنافقين أو: لئلا تذكر الزحمة، أو: إشاعة ذكر الله، أو التحرُّز عن كيد الكفار، أو: يقصد أطولَهما ذهابًا لتكثر الخطوات فيزيد الثواب، وأقصرهما رجوعًا. قال (ط): أو ليرى المشركين كثرة المسلمين ويُرْهِبُهم بذلك. "تابعه يونس" وصله الإسماعيلي من طريق ابن أبي شيبة. "وحديث جابر أصح" قال الغسَّاني: كذا رووه عن الفِرَبْرِي، ولكن طريق النسفي عن البخاري ليس فيها ذلك، وعليها فالمفضل عليه غير مذكور، لكن الترمذي أخرجه عن محمد بن الصَّلْت، عن فُليح، عن أبي هريرة. قال: وهو غريب. قال (¬1): وروى أبو تُميلة، ويونس هذا عن فُليح، عن سعيد، عن جابر، وذكره في كتابه أبو ¬

_ (¬1) أي: الغساني.

25 - باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين وكذلك النساء، ومن كان في البيوت والقرى

مسعود الدمشقي: قال البخاري في (كتاب العيدين): قال محمد بن الصلت عن فُليح، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة بنحو حديث جابر، انتهى. فوضح الحال بذلك، لكن قال الغسَّاني: لم يقع لنا حديث محمد بن الصلت إلا من طريق أبي مسعود، ولا غناء بالباب عنه لقول البخاري: وحديث جابر أصح، انتهى. قال (ك): وحاصله أن الصواب إما طريقة النسفي التي بالإسقاط، وإما طريقة أبي مسعود بزيادة تحديثِ ابن الصَّلت، لا طريقة الفِرَبْرِي، وأما نقلُه كلامَ الترمذي؛ فللإعلام بأن يونس إنما يرويه من طريق جابر لا من طريق أبي هريرة، فلا يقال: حديث أبي هريرة هو المفضَّل عليه، ورواية ابن الصَّلت وصلها الدارمي أيضًا كما سبق عن الترمذي وصلُها. * * * 25 - بابٌ إذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ، وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا عِيدُناَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ"، وَأَمَرَ أَنسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلاَهُمُ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ، فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ، وَصَلَّى كَصَلاَةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكعَتَيْنِ كمَا يَصْنَعُ الإمَامُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكعَتَيْنِ.

(باب إذا فاته العيد)؛ أي: مع الإمام؛ أي: أن الجماعة لا تشترط في العيد، وأنه عند الفوات ركعتان كما يقوله الشافعي ومالك، لا أربع كما يقوله أحمد إلحاقًا لها بالجمعة إذا فاتت، ولا أنه مخيَّر بين أربعٍ وركعتين كقول أبي حنيفة. "لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -" أشار به البخاريُّ إلى حديث عائشة في الجاريتين اللتين كانتا تُغنيانِ عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: (دعهما فإنَّ لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا)، وقد سبق في (باب سنة العيدين)، وإلى حديث عُقبةَ بنِ عامر: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في يوم عرفة، وأيام التشريق: "عيدنا أهل الإسلام"، رواه أبو داود، والنسائي، وابن خُزيمة، والحاكم وغيرهم. "أهل الإسلام"؛ أي: يا أهلَ الإسلام، فحذف حرف النداء. قال (ك): وجه استدلال البخاري بذلك: أنَّ قولَه هذا إشارة للركعتين، وعمَّم بقوله: (يا أهل الإسلام) مَنْ كان مع الإمام أو لم يكن: النساء والقرى وغيرهم. "ابن أبي عُتبة" بضم المهملة وسكون المثناة فوق والموحدة، بالنصب بدل عن (مولى)، أو بيان، وفي بعضها: (مولاهم)؛ أي: مولى أنسٍ وأصحابه. "بالزاوية" هي موضع على فرسخين من البصرة. * * *

987 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانتهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ! فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ"، وَتلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى. 988 - وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي، وَأَناَ أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجدِ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ". يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ. "فانتهرهما"؛ أي: زَجَرهما. "فإنها"؛ أي: الأيام العشرة، يفسِّره قولُه بعدَه: "أيام عيد" فأضافها لزمانها، ثمَّ قال: "أيام مِنى" أضافها إلى المكان. "فزجرهم"؛ أي: أبو بكر، وفي بعضها: (فزجرهم عُمر). "أمْنًا" قال (خ): مصدرٌ أُقيم مقام الصِّفة؛ كرجل صوم؛ أي: صائم، أو معناه: ائتمنوا أمنًا؛ أي: فيكون مفعولًا مطلقًا، وقال غيرُه: نصب على الاختصاص؛ أي: فيكون حالًا بمعنى آمنين، أو بدل من الضمير. "أَرْفِدة" بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء والدال مهملة. "يعني من الأمن" قيل: أراد البخاري بذلك أنَّ التنوين في (أمنًا) للتقليل والتبعيض كما قاله الزمخشري في (ليلًا) من: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ

26 - باب الصلاة قبل العيد وبعدها

لَيْلًا} [الإسراء: 1]، أو بيان أنَّ (أمنًا) منصوب مفعولًا لأجله أو تمييز، ومعناه: اتركهم من جهة أنَّا أمناهم، أو أنه مشتق من الأمن لا مصدر، يعني: أنه جَمْعُ آمن؛ كصاحب وصَحْب، أو أن (أمنًا) منصوب بنزع الخافض، أو أنه يُراد منه الأمن لا الأمان الذي للكفار. وأما مناسبةُ الحديثِ للترجمة فسبقت الإشارةُ إليه مِنِ اشتراك كلِّ مسلم رجالًا ونساءً في إضافة العيد لليوم، فإذا فاتت يصلِّي ركعتين حيثُ كان ولا يترك. وفي الحديث دخول المحارم على الزوجات، وضرب الدُّف للسُّرور كما في العيد نحو الخِتان، والإملاك، وقدوم السفر، ونحو ذلك. * * * 26 - بابُ الصَّلاَةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَقَالَ أَبُو الْمُعَلَّى: سَمِعْتُ سَعِيدًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرِهَ الصَّلاَةَ قَبْلَ الْعِيدِ. (باب الصلاة قبل العيد)؛ أي: صلاته. * * * 989 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ

ابْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا وَمَعَهُ بِلاَلٌ. "وبعدها"؛ أي: بعد صلاة العيد. "قبلهما"؛ أي: قبل ركعتي العيد، وفي بعضها: (قبلها)، أي: قبل صلاة العيد. قال (ط): قال مالك، وأحمد: لا يصلِّي قبلها ولا بعدها، والشافعي قال: يصلِّي قبلَها وبعدها كالجمعة، وأبو حنيفة: يصلي بعدها لا قبلها.

14 - أبواب الوتر

14 - أبواب الوتر

1 - باب ما جاء في الوتر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 14 - أبواب الوتر 1 - بابُ مَا جَاءَ فِي الْوِترِ (أبواب الوتر) بفتح الواو وبكسرها. 990 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكُ، عَنْ ناَفِعٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيهِ السَّلاَمُ: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى ركْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى". 991 - وَعَنْ ناَفِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْض حَاجَتِهِ.

(باب ما جاء في الوتر) الحديث الأول: "مثنى مثنى" بلا تنوين، وتنكيره للتأكيد، ومُنِعَ صرفُه للعدل والوصف، وقال في "الكشاف": لتكرُّر العدل. "توتر"؛ أي: الركعة، ففيه أنَّ أقلَّ الوتر ركعة، وأنها تكون مفصولةً بالتسليم مما قبلَها، وبه قال الأئمةُ الثلاثة خلافًا لأبي حنيفة فيهما، وفيه التسليمُ من كلِّ ركعتين. * * * 992 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَهْيَ خَالتهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ حَتَّى انتصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فتوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

الثاني: "قريبًا" ناصبه مقدَّر، أي: صار الليل قريبًا. "منه"؛ أي: من الانتصاف. "من آل عمران"؛ أي: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخرها. "معلقة" أنَّث وصف الشَّنِّ على تأويله بالقِربة. وسبق شرحُ الحديث في (باب السَّمَر بالعلم)، و (باب التخفيف في الوضوء). "يفتلها"؛ أي: يَدْلُكُها، إما لينتبه من النُّعاس، أو ليستعدَّ للصلاة. * * * 993 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تنصَرِفَ فَارْكَعْ رَكعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا صَلَّيْتَ"، قَالَ الْقَاسِمُ: وَرَأَيْنَا أُناَسًا مُنْذُ أَدْركْنَا يُوتِرُونَ بِثَلاَثٍ، وَإِنَّ كُلًّا لَوَاسِعٌ، أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ. الثالث: "أدركنا"؛ أي: بلغنا العَقْل.

"وإن كُلًّا"؛ أي: مِنَ الإيتار بركعةٍ أو ثلاثٍ أو خمس أو سبع أو تسع أو إحدى عشرة. * * * 994 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، فَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ -تَعْنِي بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلاَةِ. الرابع: "إحدى عشرة" لا ينافي ذلك حديثُ ابنِ عباس: (ثلاث عشرة)؛ لأن مَنْ قال: أكثره ذلك، فعنده أنَّه فَعَلَ الأكثر في وقت ودونه فى أوقات، ومَنْ قال: أكثرُ الوترِ إحدى عشرة، وهم جمهورُ أصحابنا حَمَلَ ثلاثة عشَر على أنَّ منها سُنَّة العشاء ركعتين، أو أنَّ الغالبَ مِنْ فعله إحدى عشرة، وثلاث عشرة، وخمس عشرة نادرٌ، ورواية سبعًا ونحوها، إنما هو بحسَبِ ما كان من اتِّساع الوقت وضيقِه بقراءةٍ أو نوم أو عذر آخر. "ثم يضطجع" يقتضي أنه بعد صلاة سنة الفجر، وروايةُ ابن عباس تدُل على أنه قبلَها، ولا منافاةَ لاحتمال الجمعِ بينهما، فقد

2 - باب ساعات الوتر

يفعل الأمرين، وقد يكون ذلك باعتبار وقتين، وقد لا يضطجع أصلًا في وقت آخر. "الأيمن" حكمته أن لا يستغرِق في النوم، لأن القَلْبَ في اليسار، ففي النوم عليه راحة له، فيستغرق فيه، وما سبقَ من الإيتار بركعة عند الأئمة الثلاثة، لأنَّ الوترَ في اللغة الواحد، ومنه حديث: "إنَّ اللهَ وِترٌ"؛ نعم قال مالك: لا بدَّ أن يكون قبلَها شَفْعٌ يُسلِّمُ بينه وبينها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "توتِرُ له ما قَدْ صَلَّى"، ولم يوتِرْ - صلى الله عليه وسلم - قطُّ إلا بعدَ عشرٍ ونحوِها، فإن لم يتقدَّمها نفلٌ ولو ركعتان كان مكروهًا. * * * 2 - بابُ سَاعَاتِ الْوِترِ قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: أَوْصَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ. (باب ساعات الوتر)، أي: وقته. "قال أبو هريرة" وصله البخاري في (الصوم)، ورواه أحمد بهذا اللَّفظ. 995 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ

اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، ويُوتِرُ بِرَكعَةٍ وَيُصَلِّي الرَّكعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ، وَكَأَنَّ الأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ. قَالَ حَمَّادُ: أَي سُرْعَةً. الحديث الأول: "أطيل" فيه استفهام مقدَّر، وروي: (أَيُطيل)، وفي بعضها: (أطيل) بالبناء للمفعول، وفي بعضها: (يطيل)؛ أي: المصلي. "وكأن الأذان بأذنيه" بتشديد نون (كأن) وسكون ذال (أذنيه) وضمِّها؛ أي: ما كان يُطيل القراءَة فيهما، وهي معنى قول حَمَّاد: (سرعة). قال (ط): يعني بالأذان: الإقامة؛ أي: يُسرع بركعتي الفجر قبلَ الإقامة من أجل تَغْليسه بالصبح. ووجهُ دلالةِ الحديث على الترجمة: أن قوله: (من الليل) صالح لجميع أجزائه سواء جعلت (مِنْ) للتبعيض أو بمعنى في للإبهام. قال (ط): استحب مالك والكوفيون آخره، ولا يُشْكِلُ ذلك بأمره أبا هريرة أنْ يوترَ قبل أن ينام، لأن ذلك حين خشي أنْ يستوليَ عليه النوم. * * * 996 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ.

3 - باب إيقاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - أهله بالوتر

الثاني: "كل الليل" يجوز نصبه ظرفًا لـ (أوتر)، ثم يحتمل أنه في جميع الليالي، أو في جميعِ ساعاتِ الليل؛ أي: إما جزئياته أو (¬1) أجزاؤه؛ قال الفقهاء: وقته ما بينَ فرضِ العشاء والفجر. * * * 3 - بابُ إِيقَاظِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَهُ بِالْوِترِ (باب إيقاظ النبي - صلى الله عليه وسلم -) 997 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، وَأَناَ رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. "معترضة" بالرفع والنصب. "فأوترت" الفاء فصيحة، أي: فقمت وتوضَّأت فأوترتُ، وفيه امتثال قوله تعالى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132]، وأن الوتر بعد النوم، وتأكيد أمر الوتر. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "أي"، والمثبت من "ف" و"ب".

4 - باب ليجعل آخر صلاته وترا

4 - بابٌ لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلاَتِهِ وِترًا (باب ليجعل آخِرَ صلاته الوتر) (آخر) يحتمل أنه مفعول به، أو مفعول فيه، لأن (جعل) يتعدى إلى واحد وإلى اثنين. 998 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا". "اجعلوا" أخذ بظاهر هذا الأمر وهو الوجوب أبو حنيفةَ، وبحديث: "الوتر حق"، وحديث: "فليس منا"، وخالفه غيرُه، وحَمَلَ الأمر على الندب بقرينةِ أنَّ صلاةَ الليل نفسَها لا تجب اتفاقًا، فكذا آخرها، وأن معنى: (حق) في السنة، و (فليس منا)؛ أي: ليس آخذًا بسنتنا، وليس هذا موضع الاستدلال على نفي الوجوب. قال (ط): اختلفوا فيمن أَوتر، ثم نام، ثم قام يصلي، هل يجعل آخرَ صلاته وترًا، أو ذلك الوتر السالف يكفي؟ فكان ابنُ عُمرَ يَنْقُضُ وترَه بركعة، ثم يصلِّي مثنى، ثم يوتر، وروي عن الصديق أنه قال: أمَّا أنا فأنام على وِتر، فإن استيقظتُ صلَّيتُ شَفْعًا حتى الصباح، وقالت عائشة في الذي ينقُضُ وِتْره: هذا يلعب بوتره، وقال الشعبي: أُمرنا

5 - باب الوتر على الدابة

بالإبرام، ولم نؤمر بالنَّقض. * * * 5 - بابُ الْوِترِ عَلَى الدَّابَّةَ (باب الوتر على الدابة) 999 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: كنْتُ أَسِيرُ معَ عَبْدِ اللهِ بنُ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمِّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشيْتُ الصُّبْحَ فنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ، قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوترُ عَلَى الْبَعِيرِ. "خشيت الصبح"؛ أي: طلوعه. "إسوة" بكسر الهمزة وضمها: الاقتداء، وفيه أن آخر وقت الوتر انفجار الصبح. (على بعير)، قال (ط): فيه حجَّة على أبي حنيفة في إيجابه الوتر، إذ لو كان واجبًا ما صلَّاها راكبًا، وروى مجاهد أنَّ ابن عمر نزل فأوتر؛ أي: طلبًا للأفضل، لا أنَّه يجب.

6 - باب الوتر في السفر

قال الطحاوي: ذُكر عن الكوفيين أنَّ الوتر لا يصلَّى على الراحلة، وهو خلاف السنة الثابتة. قلت: نعم، يُشْكِل على الشافعية قولهم: إن الوتر كان واجبًا عليه - صلى الله عليه وسلم -، فكيف صلَّاه راكبًا؟ وقد يجاب بأنَّ له جهتين: تشريع للأمة بما يَليق بالسنة في حقِّهم، فصلَّاه على الراحلة لذلك، وهو في نفسه واجب عليه، فاحتمل الركوب فيه لمصلحة التشريع. * * * 6 - بابُ الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ (باب الوتر في السفر) 1000 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلاَةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. "حيث توجهت"؛ أي: يصير صَوب سفره قبلتَه. "صلاة" مفعول (يصلي). "إلا الفرائض" استثناء منقطع بمعنى: لكن، لا يقال يحتمل الاتصال، لأنَّ صلاةَ الليل تشمَلُ الفرضَ والنفلَ، والفرض فيه وإِنْ

7 - باب القنوت قبل الركوع وبعده

كان اثنين المغرب والعشاء، لكن أقل الجمع اثنان مجازًا، أو أُريد بالجمع اثنان مجازًا، لأنَّا نقول: المرادُ خروجُ الفرائض من الحُكم ليليةً كانت أو نهارية. قال (ط): في الحديث ردٌّ على قول الضَّحَّاك: لا وِتْرَ على المسافر، وفيه تفسير قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، في أن المراد الفرائض. * * * 7 - بابُ الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكَوعِ وَبَعْدَهُ (باب القنوت قبل الركوع) لفظُ القنوتِ وإن كان له معاني، لكن المراد هنا الدعاء المشهور: "اللهم اهْدِنا ... " إلى آخره. 1001 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: أَقَنَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصُّبْح؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا. الحديث الأول: "محمد"؛ أي: ابن سيرين.

"يسيرًا"؛ أي: زمانًا قليلًا بعد الاعتدال التام. * * * 1002 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ، قُلْتُ: قَبْلَ الرّكُوعِ أَوْ بَعْدَه؟ قَالَ: قَبْلَهُ، قَالَ: فَإِنَّ فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الرّكُوعِ شَهْرًا -أُرَاهُ- كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ دُونَ أُولَئِكَ، وَكَان بَينَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ، فَقنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ. الثاني: "فقال: كذب" إن قيل: كيف تستدلُّ الشافعية بحديث أنس المذكور في الأصول إذا كَذَّبَ الأصلُ الفرعَ لا يعمل به؟ قيل: لَمْ يكذِّبْ أنسٌ محمدًا، بل فلانًا الذي ذكره عاصمٌ، ولعله غيرُ محمد. "إنما قنت" معنى الحصر فيه: لم يَقْنُتْ إلا شهرًا في جميع الصلوات بعد الركوع، بل في الصبح فقط، فهذا وجه الجمع بين كلاميه، ويدل عليه إطلاق لفظ القنوت، وما (¬1) في بعض الروايات: (سألت أنسًا عن القُنوت في الصلاة)، أي: مُطلق الصلاة، وما روي ¬

_ (¬1) في الأصل: "أما"، والمثبت من "ف" و "ب".

عن ابن عباس: (أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شهرًا مُتتابعًا بعد الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على رِعْلٍ ...) إلى آخره، فالتكذيب على هذا في قوله: (إنه بعدَ ركوعِ جميع الصلوات)؛ نعم قبلَه وإن كان نصًّا في أنه قبل الركوع، لكن كان في بعض الأوقات، وفي بعضها بعد، فَنُقِلَ الأمران، إلا أنَّ الشافعي رجح بعد ليطابق حديث أبي هريرة الآتي، أو أنه لمَّا تعارض حديثُ محمد وعاصم عن أنس تَساقَطا، وعَمِلَ بحديث أبي هريرة، وأما وقوعُ ذلك في الدعاء على الكفار، فيقاس عليه الدعاء للمسلمين إذ لا فارق. قال (ط): إن القنوت عند مالك وأحمد قبلَ الركوع، والشافعيِّ بعدَه، وذلك في الصبح مطلقًا، وفي غيرها للنازلة، وعن أنسٍ فعلُه قبلُ وبعدُ، وقال الكوفيون: لا قنوتَ إلا في الوتر. قال الطبري: صح قنوتُه على قَتَلة القُرَّاء شهرًا أو أكثر في كلِّ صلاة مكتوبة، وصحَّ أنه لم يَزَلْ يَقْنُتُ في الصبح حتى فارق الدنيا، فإن نزل نازلة حَسُنَ القنوتُ في الصلوات، وإلا ففي الصبح، ومن اختار القنوت قبل الركوع قال: ليدرك المستيقظ من النوم الركعة التي تُدرك بها الصلاة، ولذلك كان الوقوف في الصبح أطول، قال: ووجهُ قولِ أنس: (كذب)؛ أي: إن كان قال: القنوت أبدًا بعد الركوع. وقال بعضهم: يُجمع بين الأمرين بأن حديث أنس بعد الركوع في المكتوبات كالصبح، وحديثُ قبل الركوع في الوتر.

"أراه"؛ أي: قال أنس: أظن. "القراء" هم طائفة كانوا من أَورع الناس نزلوا الصُّفَّة يتعلَّمون القرآن، فبعثهم - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نَجْد ليدعوهم إلى الإسلام ويقرؤوا عليهمُ القرآنَ، فلما نزلوا بِئْرَ مَعونة قَصَدَهم عامرُ بن الطُّفيل في أحياء هم رِعْل، وَذَكْوان، وَعُصَيَّة، وقاتلوهم فقتلوهم ولم ينجُ منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري، وذلك في السنة الرابعة. "زُهاء" بضم الزاي وخِفَّة الهاء والمد، أي: مقدار، وفيه أن الدعاء المعين لا يقطع الصلاة، وكذا الدعاء على الكفار والظلمة. "دون أولئك"؛ أي: غير الذين دعا عليهم، وكان بينه وبين المدعوِّ عليهم عهد، فغدروا وقتلوا القراء، فدعا عليهم. * * * 1003 - أَخْبَرَناَ أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ. الحديث الثالث: "رِعْل" بكسر الراء وسكون المهملة. "وذَكْوان" بفتح المعجمة وسكون الكاف وبالنون غير منصرف: قبيلتان مِنْ سُليم بضم المهملة. * * *

1004 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِد، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ. الرابع: "في المغرب والفجر"؛ أي: لأنها في طرفي النهار، ولزيادة شرفٍ فيهما، فكان تارةً يقنُتُ فيهما، وتارة في جميع الصلوات حرصًا على إجابة الدعاء، حتى نزل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، فترك إلا في الصُّبح، كما روى أنسٌ: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَزَلْ يقنُتُ في الصبح حتى فارقَ الدُّنيا.

15 - كتاب الاستسقاء

15 - كِتابُ الاستسقاءِ

1 - باب الاستسقاء، وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستسقاء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 15 - كِتابُ الاِستسقاءِ (كِتابُ الاِستسقاءِ): هو طلب السُّقيا بتضرُّع. 1 - بابُ الاِسْتِسْقَاءِ، وَخرُوجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الاِسْتِسْقَاء (باب الاستسقاء، وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه)؛ أي: خرج إلى الصحراء. * * * 2 - بابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ" (باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -) " سنين" جمع سنة شذوذًا بتغيُّر مفرده من الفتح للكسر، وكونه

غيرَ عَلَمٍ عاقل، وحكمه أيضًا مخالفٌ لجموع السلامة في جواز إعرابه بأوجه بالحروف كـ: مسلمين، وبالحركات على النون منونًا وغير منون، منصرف وغير منصرف. * * * 1006 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكعَةِ الآخِرَةِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْج عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنجْ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْج الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كسِنِي يُوسُفَ"، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ". قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّناَدِ، عَنْ أَبِيهِ: هَذَا كلُّهُ فِي الصُّبْح. الحديث الأول: "المستضعفين" من ذكر عام بعد خاص. "وطأتك" بفتح الواو: الدَّوس بالقدم، سُمِّي بها الإهلاك، لأن مَنْ يطأ على شيء برِجله فقد استقصى في هلاكه، والمعنى: خُذهم أخذًا شديدًا. "اجعلها"؛ أي: الوَطْأة. "كسني يوسف"؛ أي: في بلوغ غايةِ الشدة، ويحتمل أن الضمير

يعود على (سنين)، وإن لم يَسْبِقْ لها ذكر لدلالة (كسِني يوسف) عليه. "غِفار" بكسر الغين المعجمة وخِفَّة الفاء وبالراء: أبو قبيلة من كِنانة. "أسلم" بفتح الهمزة واللام، وفي هذا اللفظ بلاغة الجناس. وسبق الحديثُ في (باب يَهْوي بالتكبير حين يسجُد). "ابن أبي الزِّنَاد"؛ أي: عبد الرحمن، واسم أبي الزِّنَاد عبد الله. قال (ط): أجمعوا على جواز الخُروج في الاستسقاء إلى المصلَّى، فقال أبو حنيفة: يدعون وإن خطب مُذَكِّر إليهم فحسَنٌ بلا صلاة، وقال سائر الفقهاء: يُسَنُّ فيها ركعتان لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: وفيه الدُّعاء على الظالم، وللمؤمنين بالنجاة، وقيل: يدعو على مُنتهكي حرمةِ الدِّين بالهلاك، وإلا فيدعو لهم بالتوبة كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ اهْدِ دَوسًا، وائْتِ بهم"، وروي عن أبي بكر وزوجته: أنهما كانا يَدْعُوانِ على عبد الرحمن ابنهما يومَ بدرٍ بالهلاك إذا حَمَلَ على المسلمين، وإذا أَدْبَر يدعوانِ له بالتوبة. قال: وقد تفاءل - صلى الله عليه وسلم - لغِفار وأسْلَم مِن اسمهما فَألًا حسنًا، وكان يعجبه الفألُ الحَسَن. قال (خ): خَصَّ غِفارًا بالمغفرة لمبادرتهم بالإسلام وحُسْنِ بلائهم، وأَسْلم بالمسالمة، لأنَّ إسلامهم كان سِلْمًا من غير خوف. * * *

1007 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ: "اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْع يُوسُفَ"، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الْجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِم، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إِلَى قَوْلِهِ {عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} , فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ. "الناس"؛ أي: من قريش، فاللام للعهد. "إدبارًا"؛ أي: عن الإسلام. "سبع" خبر مبتدأ محذوف؛ أي: البلاء المطلوب نزوله عليهم سبع سنين كالسنين السبع التي كانت في زمن يوسف، وهي السَّبعُ الشِّداد التي أصابهم فيها القَحْط، أو المدعوُّ به عليهم قحط كقحط سبع سني يوسف، أو مبتدأ خبرُه محذوف؛ أي: سبع كسبع سني يوسفَ مطلوب، وفي بعضها: (سبعًا) بتقدير فعل؛ أي: اجعل سِنيهم سبعًا، أو لتكن سبعًا. "سنة"؛ أي: قَحْط. "حَصَّتْ" بمهملتين، أي: أذهبت، يقال: حَصَّتْ البيضةُ شعرَ رأسِه، أي: قلَّلته، وسَنَةٌ حَصَّاء؛ أي: لا خير فيها.

3 - باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا

"الجيف" جمع جِيفة وهي جُثة الميت إذا أَراحَ، فهو أخصُّ من مطلق الميتة، لأنها ما لم يُذَكَّ. "فقد مضت" هو من كلام ابن مسعود، أي: أن المغيَّبات التي أخبر الله عن وقوعها فقد وقعت منها أربعة. "قال الله - عز وجل -: {فَارْتَقِبْ} الآية، فكان الرجل يرى ما بين السماء والأرض مثل الدُّخان. {يَوْمَ نَبْطِشُ} الآية، فسِّر بالقتل، وقع يوم بدر. "واللزام"؛ أي: قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]، فقيل: القتل، وقيل: التصاقُ القتلى بعضِهم ببعضِ ببدْرٍ، وقيل: الأسر فيه، فأُسر فيه سبعون، كما قُتل سبعون. "وآية الروم"؛ أي: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} الآية [الروم: 1 - 2]، وقع كذلك. قال (ط): في الحديث جوازُ الدعاء على الكفار بالجوع، وقيل: دعا بذلك ليضعفهم به عن طُغيانهم، فإنَّ نفسَ الجائعِ أحسنُ وأقربُ للانقياد، فأجاب الله دعوتَه، وأعلمهم أنهم سيعودون إلى ما كانوا عليه. * * * 3 - بابُ سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ الاِسْتِسْقَاءَ إِذا قَحَطُوا (باب سؤال الناس الإمام)، يقال: سألته الشيء، وسألته عنه.

"قحطوا" بفتح الحاء وكسرها، يقال: قَحَطَ المطرُ قُحوطًا: احتبس، وحكى الفرَّاء قَحِط -بالكسر-، فيكون ذلك من القَلْب، لأن المحتَبس المكر لا الناس، ويجوز (قُحِط) بالبناء للمفعول، لأنه سُمِعَ: قُحِطَ القوم. * * * 1008 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قتيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ: وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ الحديث الأول: "أبو قُتيبة" بضم القاف، اسمه: سَلْم بسكون اللام. "وأبيض" بفتح الضاد وضمها. "ثِمال" بكسر المثلثة: غياث قائم بالأمر. "الأرامل" جمع أرمل وهو مَنْ لا زوج له رجلًا أو امرأة، وقال ابن السِّكِّيت: الأرامل المساكين رجالًا ونساءً، ويقالُ لهم وإن لم يكن فيهم نساء، مَدَحَ بذلك أبو طالبٍ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 1009 - وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ: رُبَّمَا

ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَناَ أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ. وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ وَهْوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ. "وقال عُمر بن حمزة" بالمهملة والزاي، وَصَلَهُ أحمد، وابن ماجه. "يجيش" مِنْ جاشَتِ القِدْر: إذا غَلَت، وجاش الوادي: إذا زَخَر -بالخاء المعجمة- وامتد جدًّا. * * * 1010 - حَدَّثَنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاِريُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللهِ بنُ المُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كنَّا نتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فتسْقِينَا، وَإِنَّا نتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نبَيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. الثاني: "قحطوا" بضم القاف. وفي الحديث: الاستسقاء بأهل الصلاح لا سيما أقارب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ الاجتماع بإذن الإمام لِمَا يُخشى منه مِنَ الآفاتِ

4 - باب تحويل الرداء في الاستسقاء

على السلطان من ذلك، وهو سنن الأمم السالفة، قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ} [الأعراف: 160]. "بالعباس"؛ أي: للرحم بينه وبين النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأراد عُمر أن يصلِّيها بمراعاة حقه، ويتوصل إلى مَنْ أمر بصلة الأرحام، وأن يكون ذلك وسيلةً إلى رحمة الله تعالى. * * * 4 - بابُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب تحويل الرداء في الاستسقاء) 1012 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أَبَاهُ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: هُوَ صَاحِبُ الأَذَانِ، وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ؛ لأَنَّ هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ زيْدِ بْنِ عَاصِم الْمَازِنِيُّ، مَازِنُ الأَنْصَارِ. "أُراه" بضم الألف؛ أي: أظنه، وفي بعضها: (أباه)؛ أي: أبا عبد الله، وهو أبو بكر المذكور أيضًا. "يحدث أباه" جملة حالية.

وفي الحديث: استقبال القبلة عند الدعاء، وصلاة الاستسقاء، وتحويلُ الرداء، وكيفيَّتُه عند الشافعية: أن يأخذَ بيده اليمنى الطرفَ الأسفلَ من جانب يساره، وبيده اليسرى الطرفَ الأسفلَ من جانب يمينه، ويقلِب يديه خلفَ ظهرِه بحيث يكون الطرفُ المقبوضُ بيده اليمنى على كتفه الأعلى من جانب اليمنى، والمقبوضُ باليسرى على كتفه الأعلى مِنَ اليسار، فإذا فعل ذلك انقلبَ اليمينُ يسارًا وبالعكس، والأعلى أسفلَ وبالعكس. قال (ط): وقال مالك في صفته: يَجْعل ما على اليمين على اليسار وعكسه، وقال أحمد: يَجعل ما على ظهره بحيث يَلِي السماء، وما يلي السماءَ على ظهره. "قال أبو عبد الله"؛ أي: البخاري. "هو"؛ أي: عبد الله بن زيد راوي الحديث. "صاحب رؤيا الأذان"، وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه الخَزْرجي. "مازن" بكسر الزاي، وإضافته للأنصار احتراز من مازن الذي ليس من الأنصار. قال (ن): الاستسقاء ثلاثة أنواع: بالدعاء بلا صلاة، وفي خطبة الجمعة، وفي إثر الصلاة، وهو أفضل من الأول، والأكمل بصلاة ركعتين وخطبتين مع الخروج للصحراء، وتحويل الرداء، وذلك في نحو ثُلث الخطبة الثانية، وحكمته: التفاؤل بتغيُّر الحال من القَحْط للخَصْب، ومن الضِّيق للسَّعَة. قال (ط): وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ الفألَ في المقال، فكيف بالفِعل،

6 - باب الاستسقاء في المسجد الجامع

وفيه استعمالُ الفألِ، وإن لم يقع اتفاقًا، وقال أبو حنيفة: البروزُ للصحراء والصلاة بِدْعة، ولا يُستحب التحويل. * * * 6 - بابُ الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ (¬1) (باب الاستسقاء في المسجد الجامع) 1013 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو ضَمْرَةَ أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ الْمِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا"، قَالَ أَنسٌ: وَلاَ وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلاَ قَزَعَةً ولا شَيْئًا، ومَا بَيْنَنا وبَينَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ ولاَ دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِن وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَطتِ السَّمَاءَ انتشَرتْ ثُمَّ أمْطَرَتْ، قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ ¬

_ (¬1) جاء على هامش "اليونينية" قبله مباشرة (5 - باب انتقام الرب جلَّ وعز من خلقه بالقحط إذا انتهك محارم الله).

الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالْجبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ"، قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسًا: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي. "وجاه" بضم الواو وكسرها؛ أي: مُقابل. "ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -" الجملة حالية. "يخطب" حالية أيضًا مُداخلة. "السبل"؛ أي: الطريق، وانقطاعُها لهلاك الإبل، وعدم ما يُؤكل في الطرق. "يغثنا" بفتح الياء مجزوم جواب الأمر، وهو من الغَيث، وهو المطر، يقال: غاث الغيثُ الأرضَ، أي: أصابها، وغاثَ اللهُ البلادَ يُغيثها غَيثًا، وروى في "الموطأ": (يغيثنا) بالرفع، فجواب الأمر محذوف؛ أي: يُجِبْك، وفي بعضها: (يغيث) بالضم؛ مِنْ أغاث الرباعي؛ أي: أجاب من الغوث، وهو الإغاثة، أو من الغيث. "اسقنا" بهمزة وصل أو قطع، يقال: سقاه الله الغيثَ، وأسقاه بمعنى. قال (ش): الرواية بالهمز رباعيًّا؛ أي: هَبْ لنا غيثًا، والهمزة فيه

للتعدية، وقيل صوابه: غِثْنا من غاث، وأما أغثنا من الإغاثة، وليس فيه طلب الغَيث. "فلا والله"؛ أي: فلا نرى، فحذف الفعل لدلالة قوله بعد. "ما نرى" وكرَّر النفي تأكيدًا. "ولا قَزَعة" بالقاف والزاي المهملة مفتوحات: القطعة من السَّحاب الرقيقة أو المقطعة كما قاله (خ)، وخصَّه أبو عبيد بما يكون في الخريف، ويجوز رفعُه ونصبه. "ولا شيئًا"؛ أي: مما هو مظِنة للمطر. "سَلْع" بفتح المهملة وسكون اللام ومهملة: جبل قربَ المدينة. "مثل الترس"؛ أي: كثافتها واستدارتُها. "سبتًا"؛ أي: أسبوعًا، ليوافق سائرَ الروايات، وعبَّر به عنه لأنه أولُ الأسبوع، وقيل السبت قطعة من الدَّهر، لأن السبت القطعة، لا أنَّ المراد سبت إلى سبت، ورواه القابِسي، وأبو ذر: (سبتنا) كما يقال: جمعتنا، ورواه الدَّرَاوَرْدِي: (ستًّا)، وفسَّره بستة أيام. قال (ع): وهو وهم وتصحيف. "قائم يخطب" روي برفع (قائم) خبر المبتدأ، وبالنصب حال مقدَّمة من ضمير (يخطُب). "فاستقبله قائمًا" الحال من فاعل (استقبله) لا من مفعوله. "حوالينا" بفتح اللام، ويقال فيه: حولنا وحوالنا، أي: أَمْطِرْ في الأماكن التي حوالينا، ولا تُمْطِر علينا، فنصبه بفعل مقدَّر، أي: أمطر أو اجعل أو أنزل.

7 - باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة

"الآكَام" روي بكسر الهمزة وفتحها ممدودةً، والأَكَمة: ما دون الجبل وأعلى من الرَّابية، وجمعها: أُكم، ثم تُجمع على إِكام؛ كجبال، ثم أُكُم بضمتين؛ ككُتب، ثم على آكام؛ كأعناق. "والظِّراب" بكسر الظاء المعجمة جمع ظَرب بفتحها وكسر الراء: الرَّوابي الصِّغار، وخُصَّت بالذكر لأنها أوفقُ للزراعة من رؤوس الجبال. قال (ط): فيه الاكتفاء بالاستسقاء في الجامع، ولا خلاف أنه في خطبة الجمعة لا يَستقبل في دعائه ولا يحوِّل رداءَه، والدعاء بالاستصحاء كما يُدعى بالاستسقاء، لأن كُلًّا دعاء بكشف بلاء، وأدبُه - صلى الله عليه وسلم - حيث لم يَدْعُ برفع الغيث لئلا يَرُدَّ على الله فضلَه ورحمتَه بل سأل أن يجعلَه حوله فيما لا ضرَر فيه أو فيه النفع. قال (ن): وفيه معجزة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الظاهرة بإجابة دعائه. قال (ك): والخطبة قائمًا، والسؤال، ورفع اليدين عند الدعاء، وتكرار الدعاء ثلاثًا. * * * 7 - بابُ الاِسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَة غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ (باب الاستسقاء في خطبة الجمعة) 1014 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ،

عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَاب كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا"، قَالَ أَنَسٌ: وَلاَ وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلاَ قَزَعَةً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلاَ وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ"، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَريكٌ: سَألْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكَ أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي. "دار القضاء"؛ أي: التي بِيعت في قضاء دَين عُمر الذي كتبه على نفسه، وأوصى ابنَه عبدَ الله أن يُباع فيه ماله، فباع ابنُه هذه الدارَ من معاويةَ، وكان يقال لها: قضاءُ دينِ عُمر. "فأقلعت" بفتح الهمزة من الإقلاع عن الشيء، وهو الكَفُّ عنه،

8 - باب الاستسقاء على المنبر

والضمير للسَّحابة أو السَّحاب. * * * 8 - بابُ الاِسْتِسقَاء عَلى المِنْبَر (باب الاستسقاء على المنبر) 1015 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو عَوَانةَ، عَن قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: بَينمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَه رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَحَطَ الْمَطَرُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَدَعَا فَمُطِرْناَ، فَمَا كِدْناَ أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنَازِلِنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، قَالَ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا"، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالًا يُمْطَرُونَ وَلاَ يُمْطَرُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. "قحِط" بكسر الحاء وفتحها؛ أي: احتبس. "أن نصل" خبر (كان) قُرن بـ (أن) مقارضة مع عسى؛ أي: تعذَّر وصولُنا إلى منازلنا من كثرة المطر. "يمطرون"؛ أي: أهل اليمين وأهل الشمال، ومناسبته للترجمة: أن يخطب ويتضمَّن كونه على المنبر، لأنه - صلى الله عليه وسلم - بعد اتخاذه المنبر لم

9 - باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء

يخطُب يومَ الجمعة إلا عليه؛ قاله الإسماعيلي. * * * 9 - بابُ مَنِ اكْتَفَى بِصَلاَةِ الْجُمُعَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب من اكتفى بصلاة الجمعة) 1016 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَدَعَا، فَمُطِرْناَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا، فَقَامَ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ"، فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجيَابَ الثَّوْبِ. "هلكت"؛ أي: من قِلَّة الماء والنبات، وأما ثانيًا فَمِنْ كثرة الماء. "انجابت" بجيم وموحدة: انكشفت، والجَوبة: الفُرجة في السَّحاب، وجِيبت القميص: قُوِّرت جيبه، فشبَّهَ انقطاعَ السحاب عن المدينة بتدوير انجيابِ الثَّوب. قال (خ): فصِرْنا وَسَطًا.

11 - باب ما قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحول رداءه في الاستسقاء يوم الجمعة

11 - بابُ مَا قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب ما قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحوِّل رداءَه) 1018 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنِ الأَوْزَاعِي، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - هَلاَكَ الْمَالِ وَجَهْدَ الْعِيَالِ، فَدَعَا اللهَ يَسْتَسْقِي، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَلاَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. "هلاك المال"؛ أي: من قلة الماء. "وجهد العيال"؛ أي: من القَحْط، والرواية بفتح الجيم؛ أي: الغاية أو المَشَقَّة، وقيل: وبالضم؛ أي: الطاقة. "لم يذكر"؛ أي: أنس. قال الإسماعيلي: لا يلزم من كونه لم يُذْكر أن لا يكون، فكيف يقول البخاري: (لم يحول)، وقال غيره: إنَّ تقييده بيوم الجمعة، وليس في هذا الحديث لأنَّه اختصره من حديث مطوَّل، واعلم أن عدم التحويل والاستقبال متَّفقٌ عليه في الاستسقاء في غير الصحراء، وإنما الخلاف فيها. * * *

12 - باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم

12 - بابٌ إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدُّهُمْ (باب إذا استشفعوا) 1019 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ، فَدَعَا اللهَ، فَمُطِرْناَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ عَلَى ظُهُورِ الْجبَالِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجيَابَ الثَّوْب. "لم يردهم"؛ أي: بل يشفع لهم؛ أي: لأنَّ للعامة حقًّا على الإمام، فيستقي لهم إذا طلبوا، وإن كان ممن يرى تفويضَ الأمرِ إلى الله والإحالة على قدره، لأنه راعٍ ومسؤول عن رعيَّته. "منابت الشجر"؛ أي: ما حولها؛ أي: مما يَصْلُح أن ينبت فيه، لأن نفس المنبت لا يقع عليه المطر. * * *

13 - باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط

13 - بابٌ إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِندَ الْقَحْطِ (باب إذا استشفع المشركون) 1020 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَؤُا عَنِ الإِسْلاَمِ، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْع اللهَ، فَقَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}، ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَزَادَ أَسْبَاطٌ، عَنْ مَنْصُورٍ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسُقُوا الْغَيْثَ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا، وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا"، فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ. "ثم عادوا" أي: أنه لما قرأ: {فَارْتَقِبْ} الآية، المعنى؛ أي: أدعو اللهَ لكم، ويكشِف عنكم العذاب، لكنكم تعودون بعد الانكشاف إلى الكفر، فكان كذلك لمَّا كُشِفَ عنهم عادوا لكفرهم، فابتلاهم بيوم البَطْشة؛ أي: يومَ بدر. "وزاد أسْباط" بفتح الهمزة وسكون المهملة والموحدة وإهمال الطاء، منصرف: ابن محمد.

واعلم: أن هذا مما وهَّموا فيه البخاريَّ في وصله حديثًا بحديث، فإنَّ دوام المطر والدعاء بكشفه إذا كان لأهل المدينة ومَنْ حولَهم من المسلمين كما رواه أنسٌ يومَ الجمعة لا عُلقة له بدعائه لأهل مكة بالمطر، حتى يسأل أهلُ المدينة كشفَه، قيل: فتكون الترجمةُ أيضًا وهْمًا لبنائها على وهم. قلت: يمكن أن يجاب بأن معنى: (وزاد)، أي: في التحديث بواقعة أُخرى، فيكون سفيان يروي عن منصور واقعةَ مكة، وسؤالُ أهل مكَّةَ له وهو بمكَّةَ قبل الهجرة كما قاله (ط): وزاد عليه: أسْباط عن منصور بذكر الواقعتين، لا أن الثانيةَ مسبَّبةٌ عن الأولى، ولا أن السؤال فيهما معًا كان بالمدينة، وبالجملة فهذه الزيادة وصلها البيهقيُّ في "السنن"، و"الدلائل". "الغيث" مفعول ثانٍ لـ (سقى). "فأطبقت"؛ أي: دامت وتواترت. "سبعًا"؛ أي: سبعة أيام، فسقطت منه التاء لعدم ذكر المميّز، فإنه يجوز فيه الأمران حينئذ. "الناس" نصٌّ على الاختصاص؛ أي: أعني الناس الذين في المدينة وحولها، ويجوز رفعُه بدلًا من الواو، في: (فسقوا)، أو على لغة: أكلوني البراغيث وفي بعضها: (فسقى الناس)، وهي واضحة. قال (ط): فيه إجابة استشفاع المشركين بالمسلمين إذا رُجِي رجوعُه للحق، وأن الإمام إذا طَمِعَ بإسلامهم يرفُق بهم ويدعو لهم،

14 - باب الدعاء إذا كثر المطر: "حوالينا ولا علينا"

وإلا فلا، ويدعو عليهم، بل ويقطع ثمارَهم وزَرْعَهم، وفيه إقرار المشركين بفضله - صلى الله عليه وسلم -، وقربِه من الله تعالى، وإجابة دعائه، وإلا لَمَا لجؤوا إليه في كَشْفِ ضُرِّهم، وهو أدلُّ دليلٍ على معرفتهم بصدقه، ولكن حَمَلَهم الحسدُ على معاداته. * * * 14 - بابُ الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ: "حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا" (باب الدعاء إذا كثر المطر: حوالينا ولا علينا) (الدعاء) مبتدأ خبره (حوالينا)، ويحتمل أن (الدعاء) عامل في (حوالينا)، وإن كان عملُ المصدرِ والمعرفُ باللام قليلًا، وعليه فيكون (الدعاء) مجرورًا بإضافة (باب) إليه؛ إذ لو كان مبتدأ و (إذا كثر) خبره = لزمَ الفصلُ بين المصدر ومعمولِه بأجنبي وهو الخبر، أو يكون (حوالينا) بيانًا للدعاء أو بدلًا. 1021 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَحَطَ الْمَطَرُ وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، فَادْعُ اللهَ يَسْقِينَا. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا"، مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ

سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا"، فَكَشَطَتِ الْمَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَلاَ تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيل. "واحمرت"؛ أي: زالت خضرتُها وَيبَسَت، وأنَّث الفعل باعتبار جنس الشجر. "المواشي"؛ أي: الدواب، وفي بعضها: (البهائم). "مرتين"؛ أي: قال ذلك مرتين لا أنه ظرف لـ (اسقنا). "ايم" همزته وصل، وسبق بيانُه. "يحبسها" بالرفع والجزم. "تكشَّطت"؛ أي: تكشَّفت؛ من كشطتُ الجُلَّ عن الفرس: كشفته. "الإكليل" بكسر الهمزة: شيء كعصابة تُزين بالجواهر، ويسمَّى التاج: إكليلًا. * * *

15 - باب الدعاء في الاستسقاء قائما

15 - بابُ الدُّعَاءِ فِي الاِستِسْقَاءِ قَائِمًا (باب الدعاء في الاستسقاء) 1022 - وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ وَخَرَجَ مَعَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ - رضي الله عنهم - فَاسْتَسْقَى، فَقَامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ فَاستَغْفَرَ، ثُمَّ صَلَّى رَكعَتَيْنِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُؤَذِّنْ، وَلَمْ يُقِمْ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَرَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: "قال لنا" سبق مراتٍ الفرقُ بينه وبين (حدثنا): أنَّ (قال) دونها؛ لأنها تكون في المذاكرة. "فقام"؛ أي: عبد الله. "وروى" في بعضها: (ورأى)، أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وعلى أنه (روى)؛ أي: أُريد برواية ما صَدَرَ عنه من الصلاة والجهر وغير ذلك كان مرفوعًا، وإنْ أُريد أنَّه روى عنه في الجملة، فيكون مرفوعًا، وعلى الرفع، ففيه الجهر بالقراءة، وأنه لا أذانَ ولا إقامة فيها. * * * 1023 - حَدَّثَنَا أَبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

17 - باب كيف حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهره إلى الناس

قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ أَنَّ عَمَّهُ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -- أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ، فَقَامَ فَدَعَا اللهَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَأُسْقُوا. الثاني: "قِبَل" بكسر القاف؛ أي: جهة. "فَأُسْقُوا" وفي بعضها: (فَسُقُوا)، وكلاهما مبني للمفعول بمعنى واحد، ولعل السرَّ في دعائه قائمًا زيادةُ الخشوع والخضوع. * * * 17 - بابٌ كَيْفَ حَوَّلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ إِلَى النَّاسِ (باب كيف حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهره)، ترجم بالكيفيَّة والحديث فيه. 1025 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي قَالَ: فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَل القِبْلَةَ يَدْعُو، ثمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لنا رَكعَتَيْنِ جَهَرَ فِيْهِمَا بِالقِرَاءَةِ. "فحوَّل" من غير بيان كيفية، لأنَّ كون التحويل وهو داع ومقدم على تحويل الرداء والصلاة، يصدُق عليه كيفية. قال (ط): وفيه أن الخطبة قبل الصلاة، لأن (ثم) للترتيب،

19 - باب الاستسقاء في المصلى

ولكن مالك، والشافعي قالا: الخطبة بعدها، لأنها أشبهُ بالعيد، وما وقع هنا معارَضٌ بما سيأتي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - استسقى، فصلَّى ركعتين، وقَلَب رداءَه، والاتفاقُ أنَّ قلبَ الرداءِ إنما هو في الخطبة. قال (ك): لا دلالة فيه على تقديم الصلاة لاحتمالِ أنَّ الواو في (وقلب) للحال أو للعطف، لكن لا تدلُّ على ترتيب. * * * 19 - بابُ الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْمُصَلَّى (باب الاستسقاء في المصلى) 1027 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي الْمَسْعُودِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ. تقدم قول (ط): أن حديث أبي بكر المذكور في هذا الباب دليلُ تقديم الصلاة على الخطبة. قال: ولأنه أضبطُ للقصَّة من أبيه عبد الله الذي ذَكَرَ تقديمَ الخطبة. قال (ك): لا نزاع في جواز الأمرين؛ بل في الأفضل، فيحمل

20 - باب استقبال القبلة في الاستسقاء

حديثُ تقديمِ الخطبة على بيان الجواز. قلت: فيه نظر. وفي الحديث: نَدْبُ الخروج للمصلَّى، لأنه أبلغ في التواضع، وأوسع، لأنَّ النَّاسَ كلَّهم يحضرون، بل والبهائم. قال (ط): وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس الرِّداءَ كما يلبس أهلُ الأندلس ومِصْرَ وبغداد، وهو غير الاشتمال به، لأنه حوَّل ما على يمينه على يساره، وبالعكس، ولو كان اشتمالًا لقيلَ: قَلَبَ أسفله أعلاه، أو حَلَّ رداءَه فَقَلَبه. "قال سفيان" ليس تعليقًا، بل هو مِنْ تحديث سفيان للبخاري؛ كتحديث عبد الله بن محمد، فهو كالمعطوف عليه وإن لم يكن فيه عاطف، وكذا ساقه الحُميدي في "مسنده" عن سفيان ... إلى آخره. "المسعودي" هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عُتبة بن عبد الله بن مسعود. * * * 20 - بابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب استقبال القبلة في الاستسقاء) 1028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ

21 - باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء

أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا -أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ- اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ابْنُ زَيْدٍ هَذَا مَازِنيٌّ، وَالأَوَّلُ كُوفِيٌّ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ. "والأول"؛ أي: المذكور في (باب الدعاء في الاستسقاء قائمًا). "هو ابن يزيد"؛ أي بلفظ المضارع بخلاف هذا، فإنه بلا ياء في أوَّله، وهما معًا غيرُ عبد الله بنِ زيدِ بن عبد ربه. قال (ط): السنَّة للخطيب أن يستقبلَ الناسَ إلا في دعاء الاستسقاء فيستقبل القبلة، لأن الدَّعاء مستقبلها أفضل. قال (ن): يلحق بالدعاء الوضوء والغُسل والأذكار والقراءة، وسائر الطاعات إلا ما خَرَجَ بدليل كالخُطبة. * * * 21 - بابُ رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب رفع الناس أيديهم) 1029 - قَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ،

قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، هَلَكَ الْعِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ، قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجدِ حَتَّى مُطِرْناَ، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الْجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نبَيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَشِقَ الْمُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقُ. "قال أيوب بن سليمان" وصله أبو عَوانة، والإسماعيلي، والبيهقيُّ وغيرهم. "أبو بكر" هو عبد الحميد بن أبي أويس. "فأتى الرجل" اللام للعهد فهو الأول، ولا ينافي ما سبق من قوله: (لا أدري)، لاحتمال أنه نَسِيَ ثم ذكر، أو كان ذاكرًا ثم نَسِي. "بشق" بفتح الموحدة والمعجمة، وقيل بكسر المعجمة وبالقاف. قال البخاري: أي: ملَّ، وقال غيره: اشتَّد عليه السفرُ، وهو ما حكاه أبو الفرج عن البخاريِّ، وقيل: تأخَّر، وقيل: حُبس، وقيل: ضَعُف؛ مشتق من الباشق؛ طائر إذا أصابه المطر وَحَلَ. قال (خ): بشق ليس بشيء إنما هو (لثق) بالمثلثة من اللثق وهو الوَحْل، يقال: لثق الثوب: إذا أصابه ندى المطرِ ولَطخُ الطين، ويحتمل أنه (مشق) بالميم فحسِبه السامع بالباء لتقارب مَخْرج الباء

22 - باب رفع الإمام يده في الاستسقاء

والميم؛ يريد: أن الطرق صارت مزلقة زلقًا، ومنه مشق الخط، وقال (ط): لم أجد في اللغة لـ (بشق) بالموحَّدة معنى، وإنما (نشق) بالنون وكسر المعجمة فمعناه: نشب. قال (ش): إنَّه روي كذلك، وقال صاحب "المُجمل": بشق الظبي في الحِبالة: عَلِق، ورجل بَشِقٌ: يقع في الأمر لا يكاد يَخلُصُ منه، وقال الحافظ يحيى القرشي: لعله: (شنق) بتقديم المعجمة على النون: أي: جَذَبه ومنعه؛ مِنْ شَنَقتُ رأسَ البعير: شددته إلى أعلى شجرةٍ. قال (ط): ورفع اليد في الاستسقاء مستحب، لأنه خضوع وتضرع، ففي الحديث مرفوعًا: "إنَّ الله حييٌّ يستحيي إذا رَفَعَ العبدُ يَدَيه أن يَرُدَّهما صِفْرًا"، وكان مالك يرى رفع اليدين في الاستسقاء بطونهما إلى الأرض، وذلك العمل عند الاستكانة والخوف، وهو الرَّهب، وأما عند الرغبة والسؤال فيبسط الأيدي هو الرغَبُ، قال تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90]. ونقل (ن) في هذه التفرقة عن جمع من أصحابنا: أنها سنة. * * * 22 - باب رَفْعِ الإِمَام يَدَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ 1031 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ،

23 - باب ما يقال إذا أمطرت، وقال ابن عباس: كصيب المطر، وقال غيره

عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِن دُعَائِهِ إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاءِ، وإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَياضُ إبْطَيهِ. "وقال الأُوَيْسي" بضم الهمزة وفتح الواو وسكون المثناة تحت والمهملة هو: عبد العزيز، وصله البخاري في (كتاب الدَّعوات). "إبْطيه" بسكون الموحدة، وأُريد برؤية بياض إبطيه، لأنه ليس كالناس في غمره بالشعر والأرواح، بل أبيض عطر. قال (ن): هذا الحديث يوهم أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع يديه إلا في الاستسقاء، ولكن قد رَفَعَ في أكثرَ مِنْ أن تُحْصَرَ، فيؤوَّل هذا الحديث أنه لم يَرفع الرفعَ البليغَ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء، أو أن المراد: لم أَرَهُ يرفع، وقد رآه غيرُه، والمُثْبِت مقدَّم. * * * 23 - بابُ ما يُقالُ إذا أمْطَرَتْ، وقالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كَصَيِّبِ المَطَرُ، وقالَ غَيْرُهُ: صابَ وأصابَ يَصُوبُ. (باب ما يقال إذا أمطرت السماء)، يحتمل أن (ما) موصولة، أو موصوفة، أو استفهامية.

"وقال ابن عباس" أي: في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة:19]، وتعرَّض لذلك البخاري هنا لمناسبته لِمَا في الحديث: (صيبًا نافعًا). قال في "الكشاف": الصيِّب: المطر، يصوب؛ أي: ينزل، ويقال للسحاب أيضًا: صيِّب. "بصوب" راجعًا إلى صاب أي: مضارعه بصوب، فهو أجوف واوي، وأما أصاب فمثل صاب في المعنى. * * * 1032 - حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ هُوَ ابنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ المرْوَزِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: "صَيِّبًا ناَفِعًا"، تَابَعَهُ الْقَاسمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ وَعُقَيْلٌ، عَنْ ناَفِعٍ. "صيبًا" منصوب بفعل مقدَّر؛ أي: اجعلْهُ مطرًا نافعًا، وفي بعضها: (صبًّا)؛ أي: اُصْبُبه صَبًّا. "ورواه الأوزاعي" وصلها أحمد، والنسائي، ولم يقل في الأوزاعي (تابعه)، كما قال في القاسم، إما لأنَّ الرواية أعمُّ من المتابعة، وإما لأنهما لم يرويا عن نافعٍ بواسطة عبيد الله بخلاف القاسم، فلا يصحُّ عطفُهما عليه، وفيه الدعاء بالازدياد من الخير.

24 - باب من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته

قال ابن عُيينة: حفظنا سيبًا؛ أي: بفتح السين وإسكان الياء. قال (خ): السيب: العطاء، ومجرى الماء، والجمع سيُوب، وقد ساب يسُوب: إذا جرى. قال (ش):، هي رواية ابن ماجه. * * * 24 - بابُ مَنْ تَمَطَّرَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ (باب من تمطَّر)؛ أي: تعرَّض للمطر، وطلب نزولَه كـ: تصبَّر من الصبر. 1033 - حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ الأَوْزَاعِي، قَالَ: حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قَالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، قالَ: فمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَفِي الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ

25 - باب إذا هبت الريح

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا"، قَالَ: فَمَا جَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى ناَحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ، حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الْوَادِي -وَادِي قَنَاةَ- شَهْرًا، قَالَ: فَلَمْ يَجئْ أَحَدٌ مِنْ ناَحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ. "الجَوبة" بفتح الجيم: الفُرجة. "قَناة" بفتح القاف: موضع، قيل: الوادي الذي عند قَبر حمزةَ، وهو يأتي من الطائف. "الجَود" بفتح الجيم: المطرُ الكثير. وسبق شرحُ الحديث في (كتاب الجمعة). وفي الحديث: الاستزادةُ من المطر وإن بَلَّ الثياب وغيرَها؛ لحاجة الناس إليه. * * * 25 - بابٌ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ (باب إذا هبت الريح) 1034 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقولُ: كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ

26 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نصرت بالصبا"

إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. "ذلك"؛ أي: هبوبها؛ أي: أثره من التغيُّر وظهور الخوف من إطلاق السَّبب وإرادة المسبِّب، ووجهُ الخوفِ: أنه قد يكون عذابًا ينزل بأمته؛ أي: يخشى أن تصيبَهم عقوبةُ ذنوبِ العامة، كما أصاب الذين قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]. وفيه التحذيرُ من عملِ الأممِ الخاليةِ، وعصيانِهم مخافةَ أن يَحِلَّ بهم ما حَلَّ بأولئك. * * * 26 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "نُصِرْتُ بالصَّبَا" (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: نصرت بالصَّبَا)؛ بالقصر؛ أي: الريح الشرقية. قال الجوهري: مهبُّها المستوي موضع مطلع الشمس إذا استوى الليلُ والنهارُ. 1035 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". "عاد" هم قوم هودٍ - عليه السلام -.

27 - باب ما قيل في الزلازل والآيات

"بالدَّبُور" بفتح الدال: الريح الغربية المقابلة للصَّبَا، قيل: الصَّبَا التي تجيءُ من ظَهْرِكَ إذا استقبلتَ القبلة، والدَّبُور تجيء من قِبَل الوجه إذا استقبلتَها، روي: أن الأحزاب لمَّا حاصروا المدينة يومَ الخندق هبَّتِ الصَّبَا، وكانت شديدة قَلَعَتْ خيامَهم، وألقى الله الرعبَ في قلوبهم، فهَربوا، وأما قصة عاد فمشهورةٌ مذكورةٌ في التفاسير. قال (ط): فيه تفضيلُ بعضِ المخلوقات على بعض، وإخبارُ المرءِ عن نفسه بما فضَّله اللهُ به للشكر لا للفخر، والإخبارُ عن الأمم الماضية وإهلاكُها. * * * 27 - بابُ مَا قِيلَ فِي الزَّلاَزِلِ وَالآيَاتِ (باب ما قيل في الزلازل والآيات)؛ أي: علامات القيامة، أو قدرتُه تعالى. 1036 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ -وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ".

الحديث الأول: "يقبض العلم"؛ أي: بموت العلماء، وكثرة الجهلاء. "ويتقارب الزمان" هذا مفسَّر برواية: (حتى يتقاربَ الزمانُ)، فتكون السنةُ كالشهر، والشهرُ كالجمعة، والجُمعة كاليوم، واليومُ كالساعة، والساعةُ كالضِّرْمَةِ بالنار، ويحتمل أنَّ المعنى: تقارُبُ أهل الزمانِ في ثُبوت الجهل لهم وانتفاءُ العلمِ عنهم، وتقاربُ الليلِ والنهار في عدم ازدياد الساعات، وانتقاصُها بأن يتساويا طولًا وقَصْرًا. وقال أهل الهيئة: تنطبق دائرةُ منطقةِ البُروج على دائرة معدَّل النهار، فيلزمُ التساوي ضرورةً، وقيل: تقصُرُ أعمارُ أهلِه. وقال البيضاوي: هو تسارعُ الدُّول إلى الانقضاء، فتتقاربُ أيامُ الملوكِ. وقال (ن): معناه: يقرب الزمانُ من القيامة، وردَّه (ك) بأنَّ حاصله: لا تكون القيامة حتى تَقْرُبَ القيامةُ، وهو مُهْمَلٌ. قلت: ليس بمهمل، بل معناه: لا تقوم الساعة فَجْأَةً، بل بتدرج أزمان كلِّ زمان أقرب إليها مِنَ الذي قبله، فيشتمل مِنْ آياتها على ما لا يُحصى، فهو المراد من التقارب، لا ذات الأزمنة على ما فهمه (ك). "حتى يكثر" هو غاية لكثرة الهَرْج؛ لقلَّة الرجال، وقلة الرَّغَبات، وقِصَر الآمال، ويحتمل أنه عطف على (ويكثر الهرج)، ولكن حَذَف العاطف كما سبق في: (التحيَّات المباركات): أن تقديره: والمباركات.

"فيفيض" بالنصب والرفع؛ قاله (ش)، استعارة من فيض الماء لكثرته كما في (¬1): شكوتُ وما الشَّكوى لمثلي عادة ... ولكن تَفيضُ الكأسُ عند امتلائها وأفاضَ الرجلُ إناءَه؛ أي: ملأه حتى فاض. * * * 1037 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا، قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِناَ، قَالَ: قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا، قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِناَ، قَالَ: قَالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ. الحديث الثاني: "الحسين بن الحسن"؛ أي: ابن بشار البصري. قال الكَلابَاذِيُّ: روى عنه محمَّد بن المثنَّى حديثًا موقوفًا، وهو في الأصل مُسْنَدٌ في (الاستسقاء)، وفي أصل النَّسَفي: قال أبو عبد الله -أي: البخاري-: هذا الحديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنَّ ابنَ عَون كان يقتصِر على ابن عُمر، وقال (ط): سقط لفظةُ (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) إذ ¬

_ (¬1) في "ف" و"ب" زيادة: "قول القائل".

28 - باب قول الله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}

مِثْلُ ذلك لا يدرك بالرأي. "شامنا ويمننا"؛ أي: الإقليمين، ويحتمل البلاد التي عن يَمننا وعن يسارنا، يقال: نظره يمينه وشماله؛ أي: يمينًا ويسارًا. "نجدنا" النَّجْد خلاف الغَور الذي هو تِهامة، فكلُّ ما ارتفعَ من تِهامة إلى أرض العراق فهو نَجْدٌ. قال (ط): ظهورُ الزلازلِ والآيات وعيدٌ لأهل الأرض، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، وإنما ترك الدعاءَ لأهل المَشْرق ليضعُفُوا (¬1) عن الشَّر الذي هو موضوعٌ في جهتهم لاستيلاء الشَّيطان بالفتن عليها. "قرن الشيطان"؛ أي: أمته وحِزْبه. قال كعب: يخرج الدجال من العراق، وأما علامات الساعة، فنحن فيها: قُبِضَ العلمُ، وظهرتِ الفتن، وكَثُر القتل والمال لا سيما عند الأراذِل. * * * 28 - بابُ قَوْلِ اللهِ تعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شُكْرَكُمْ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "ليضعوا"، والمثبت من "ف" و"ب".

(باب قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ}) (شكركم)؛ أي: أطلق الرزق على لازمه وهو الشكر مجازًا، أو أراد شكر رزقكم، فهو إضمار، أو الرزق من أسماء الشكر، والحديث سبق شرحه (¬1) في (باب يستقبل الإمام الناس إذا سَلَّم). قال (ط): وجه تعلُّقِه بالترجمة: أنهم كانوا ينسِبون الأفعال لغير الله، فيظنُّون النجمَ يُمْطِرهم ويرزقهم، فهذا تكذيبهم، فَنُهوا عن نسبة الغيث إلا لله لا للأَنْواء، وأُمِروا أن يشكُروا للهِ نعمتَه. 1038 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الصُّبْح بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْناَ بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ". * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "بشرحه"، والمثبت من "ف" و"ب".

29 - باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله

29 - بابٌ لاَ يَدْرِي مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ إِلَّا اللهُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا الله". (باب لا يدري متى يجيءُ المطرُ إلا اللهُ عَز وَجل) " وقال أبو هريرة" سبق وصلُ البخاري له في (كتاب الإيمان). * * * 1039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مِفْتَاحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ، لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الأَرْحَامِ، وَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، ومَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، ومَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيُء المَطَرُ". "مفتاح" استعارةٌ بالكناية بأن يجعل الغيب مَخزونًا مُغلقًا، وذَكَر ما هو من خواصِّ المشبَّه به، وهو المخزن وهو المفتاح، أو استعارةٌ مُصرّحة بأن يجعل ما يُتوصل به إلى معرفة الغَيب للمخزن، ولفظ الغيبِ قرينةٌ له. "خمس" ذكر هذه وإن كان الغيب لا يتناهى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ} [المدثر: 31]، إمَّا لأنَّ العددَ لا ينفي زائدًا عليه، أو أنَّ هذه الخَمس هي التي كان القومُ يدَّعون علمَها، أو أنَّهم كانوا يسألونه عنها، أو لأنها

أمهاتُ الأمور، لأنها إما أنْ تتعلَّق بالآخرة وهو علم الساعة، أو بالدنيا بالجمادات وأشير إليه بالغَيث، أو بالحيوان في مبدأه وهو ما في الأرحام، أو معاشِه وهو الكَسب، أو معاده وهو الموت؛ نعم لم يصرِّح في الحديث بعلم الساعة كما صرَّح في الآية لشُمول علمِ ما في الغدِ له. "نفس" عبَّر في هذا وفيما بعدَه بـ (نفس)، وفي الثلاثة الأخرى بلفظ: (أحد)، لأنَّ النَّفسَ هي الكاسبة، وهي التي تموت، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} [الزمر: 42]، فلو عبَّر بـ (أحد) لاحتمل أنْ يفهم منه: لا يعلم أحد ماذا تكسِبُ نفسُه، أو بأيِّ أرضٍ تموت نفسُه، فتفوتُ المبالغة بنفي علم النفسِ أحوالها، فكيف غيرها. "وما تدري" الدِّراية أخصُّ من العلم، لأنها علمٌ باحتيال؛ أي: لا تَعْلَم وإن علمت حيلتها، وإنَّما ذَكَر نفي العلم في: {مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [القمان: 34]، ولفظ القرآن: {وَمَا تَدْرِي}، لإرادة زيادة المبالغة؛ إذ نفي الأعم يستلزمُ نفيَ الأخصِّ بلا عكس. قال (ط): في الحديث: إبطالُ دعوى المنجِّمين عِلْمَ ما أخبرَ اللهُ بانفراده في علمه، فمنِ اعتقدَ ذلك فقد كَذَّب اللهَ ورسولَه؛ فيكفُر.

16 - كتاب الكسوف

16 - كِتابُ الكسُوُفِ

1 - باب الصلاة في كسوف الشمس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 16 - كِتابُ الكسُوُفِ هو التغيير للسواد تقول: كَسَفَ وجهُه: تغيَّر، وهو هنا: ذهابُ النورِ أو بعضُه، وهو والخسوفُ بمعنًى، سواء أُسند للشمس أو للقمر، يبنى فعلُهما للفاعل أو للمفعول، أو أتى بصيغة انفعل انكسف أو انخسف، وقيل: يختصُّ ما بالكاف بالشمس، وما بالخاء بالقمر، والأصحُّ أنَّ هذا في الغالب، ثم الجمهورُ على أنَّهما يكونانِ لذهاب ضوءِ الشمس والقمر بالكلِّية، وللبعض، قيل: بالخاء للكلِّ، وبالكاف للبعض، وقيل: بالخاء لذهاب اللَّون، وبالكاف للتغيير. 1 - بابُ الصلاة في كسوف الشمس (باب الصلاة في كسوف الشمس) 1040 - حَدَّثَنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَن يُونسُ، عَن الحَسَنِ، عَن أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَانْكَسَفَتِ

الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجدَ، فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكعَتَيْنِ، حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا، وَادْعُوا، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ". الحديث الأول: "رأيتموها"؛ أي: الكَسْفة أو الآية (¬1)؛ لأنَّ الكسوفَ آية، وفي بعضها: (رأيتموهما) بالتثنية، قيل: فيه دلالة على أنَّ الصلاةَ لا تُقطع حتى تَنجلي. قال الطحاوي: لا تتعيَّن الصلاةُ، بل إما هي، أو الدعاء؛ لقوله (¬2): (فصلُّوا وادْعُوا). وفيه ما كان - صلى الله عليه وسلم - عليه مِنْ خوفِ الله تعالى، والمبادرةِ إلى طاعته، فقام يجرُّ رداءه من شدة الخوف والمبادرة، وإنما الذم في جَرِّ الثوب خُيلاء، وإبطال اعتقاد أنَّ الكسوف لموتِ أحدٍ من العظماء. * * * 1041 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ ¬

_ (¬1) في الأصل: "للآية"، والمثبت من "ف" و "ب". (¬2) في الأصل و "ب": "كقوله"، والمثبت من "ف".

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا". الثاني: "آيتان"؛ أي: علامتانِ لقُرب القيامة، أو لعذاب الله، أو أنَّهما مُسخَّرتان بقدرة الله تعالى، وسبقَ سببُ الكسوف في (كتاب العلم) في (باب مَنْ أجاب الفُتيا). * * * 1042 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا". الثالث: "فإذا رأيتموهما فصلوا"، قال (خ): لمَّا كان مُعتَقَد الجاهلية أنَّ الكسوفَ يوجِب حدوثَ تغييرٍ في العالم كما يَزْعُم المنجِّمون من نسبة الأحكام للنجوم، لأن السُّفليات مربوطةٌ بالعُلْويات = أَعْلَمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأنَّهما آيتانِ وخَلْقان مُسخَّرانِ لا قدرةَ لهما على الدَّفع عن أنفسهما، فلا يستحقَّانِ أنْ يُعْبَدَا كما قال تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [لقمان: 37]، فلذلك أمرَ عند كسوفِهما أنْ يفزَعَ إلى الصلاة، والسجود لله إبطالًا لاعتقاد الجُهَّال ما يعتقدون، ويحتمل

أنَّ الأمرَ بالصلاة للتضرُّع إلى الله في دفعِ الآيات التي تتوهمها الأنفسُ تحقيقًا لإضافة الحوادث إلى الله تعالى، ووجهٌ ثالثٌ: أنها من آياتِ قربِ القيامة خَوَّفَ اللهُ بها الناسَ ليفْزَعوا إلى التوبة والاستغفار، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. * * * 1043 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ زيَادٍ بنِ عِلاَقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا الله". الرابع: "إبراهيم"؛ أي: ولد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من سُرِّيته مَارِية القِبطية، وُلِدَ بالمدينة في ذي الحِجَّة سنةَ ثمان، ومات في ذي الحجة سنةَ عشرٍ، ودُفن بالبقيع، وقيل: وفاتُه يومَ الثُّلاثاء، عاشر ربيع الأول، سنةَ عشر. "آيتان" قال القاضي الباقلَّاني: رؤية الأهلَّة، وحدوثُ الحرِّ والبرد، وكلُّ ما أجرى اللهُ العادةَ بحُدوثه على وتيرة، وإن كانت من آياته، لكن خُصَّتا بالذِّكر، لإخباره تعالى أنَّ القيامة تقوم وهما

2 - باب الصدقة في الكسوف

منكسفتان، فأمَرَ بالصلاة والتوبة ونحوهما خوفًا مَنْ أن يكون الكسوفُ لقيام الساعة. قال المُهَلَّب: وكان هذا قبلَ أن يعلم بأشراط الساعة ومقدِّماتِها. "ولا لحياته" ذكر هذا وإن لم يَقُل أحدٌ أن الانكساف يكون لحياة أحدٍ لا سيما في سياق موتِ إبراهيم لدفع توهُّم أنه إذا لم يكن لموت أحدٍ فيكون لنقيضِ الموت، فعمَّم النفيَ فيهما. * * * 2 - بابُ الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ (باب الصدقة في الكسوف) 1044 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاسِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ لاَ يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا

وَتَصَدَّقُوا"، ثُمَّ قَالَ: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا". "أغير" هو في الأصل من الغَيرة، وهي الحَمِيَّة، فيقال: غار على أهله؛ أي: أخذتْهُ الحميَّةُ عليهم، ونَسْبَتُهُ إلى الله تعالى مجازٌ. قال ابنُ فُوْرَك: المراد به الزَّجر والتحريم، ولهذا جاء (ومِنْ غَيرته حَرَّم الفواحش). قال (ك): محمولٌ على غاية إظهار غضبِه على الزاني استعارة مصرحة تَبَعِيَّة، شبَّه حالةَ ما يفعله الله تعالى مع عبده الزاني من الزجر والتعزير، وقيل: المعنى: ليس أحدٌ أمنع للمعاصي من الله، ولا أشد كراهةً لها منه، ويجوزُ في (أغير) الرفع على أن (ما) تميمية، فهو خبر المبتدأ الذي هو (أحد)، والنصب على أنها حجازية، و (من) زائدة مؤكِّدة، فيكون (أغير) خبرها، ويجوز أن تكون فتحة (أغير) علامة الجر فيه، لكونه صفة للمجرور باعتبار اللفظ، والخبر محذوف؛ أي: موجود، ويجوز في الرفع أن يكون (أغير) صفة لـ (أحد) باعتبار محلِّه، والخبر محذوف. "أن يزني"؛ أي: من أن، فحذف الجار، وهو متعلق بـ (أغير)، ووجهُ تعلُّقِ الكلام بما قبلَه: أنه لمَّا خَوَّف أمتَه من الكسوف وحَرَّضهم على الالتجاء إلى الله تعالى بالخيرات أرادَ التعرُّضَ للأهل والزوج اللذَين أصلُ الغيرةِ أن تكونَ فيهما.

3 - باب النداء بـ (الصلاة جامعة في الكسوف)

"لو تعلمون"؛ أي: مِنْ عِظَمِ انتقام الله من أهل الجرائم، وشدة عقابه، وأهوالِ القيامة وأحوالها كما علمتُه = لَمَا ضَحِكْتُم أصلًا؛ إذ السياقُ يقتضي التعبيرَ بالقليل عن العدم. وفيه بيان أن صلاة الكسوف ركعتانِ، في كلِّ ركعة ركوعانِ وقيامان، وأنَّ حكم الشمس والقمر واحد فيهما، وقال مالك وأصحاب الرأي: يصلِّي بلا زيادة ركوع، ولا في جماعة. وفيه: أنَّ لها خطبة بعدها، وأنَّ الإمام عند الآيات يَعِظُ الناسَ ويأمرهم بأعمال البر، وينهاهم عن المعاصي، ويذكِّرهم نِعَمَ اللهِ، وأنَّ الصدقة والصلاة والاستغفار تَكشف النِّقمةَ. * * * 3 - بابُ النِّدَاءِ بِـ (الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ) (باب النداء بالصلاة جامعة) 1045 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُودِيَ: إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ.

4 - باب خطبة الإمام في الكسوف

"إسحاق" قال الغسَّاني: يُشبه أن يكون ابن منصور. "سلام" بتشديد اللام في اللَّفظين. "الحبشي" بفتح المهملة والموحدة نسبة لبلاد الحبشة، وقال ابن مَعين: الحبش حي من حِمْير، وقال الأَصِيليُّ: بضم الحاء وسكون الموحدة، كما يقال: عَجم وعُجم. "إن الصلاة" نصب على الإغراء؛ أي: الزموها. "جامعة" نصب على الحال، وفي (إن) حرف جَرٍّ مقدرٌ، أي: بأنَّ، ولا تأثير له في اللفظين، بل هما على وجه الحكاية، وقال بعض الفقهاء: يرفعان، ويرفع الأول وينصب الثاني، وبالعكس، وأما (إن) ففي بعضها بالتخفيف على أن تكون مفسّرة، وفي بعضها بالتشديد، فيكون خبرها محذوف؛ أي: حاضرة إلا أن نثبت رواية رفع: (جامعة). * * * 4 - بابُ خُطْبَةِ الإِمَامِ فِي الْكُسُوفِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب خطبة الإمام في الكسوف) " وقالت عائشة، وأسماء" وصلهما البخاريُّ كما سيأتي.

1046 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ح) وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجدِ فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتكْمَلَ أَرْبَعَ ركَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ"، وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: إِنَّ أَخَاكَ يَوْمَ خَسَفَتْ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْح، قَالَ: أَجَلْ لأَنَّهُ أَخْطَأَ السّنَّةَ. "عَنْبسة" بفتح مهملة وسكون نون وفتح موحدة ومهملة: هو ابن خالد الأَيلي. "عروة"؛ أي: ابن الزُّبير.

"ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك"؛ أي: عمل فيها مِثْلَ ما عَمِلَ في الأولى. "ثم قام فأثنى" هو موضع الدَّليل للترجمة. قال (ط): قال الشافعي: يُندب أن يخطُبَ لها بعد الصلاة كالعيد، وقال مالك، والكوفيون: لا خطبةَ فيهما، لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنما كانت للرد عليهم في قولهم إن ذلك لموت إبراهيم، فعرفهم أنها لا تكون لموت أحد ولا لحياته. "فافزعوا"؛ أي: التجئوا. "وكان يُحدث كثيرًا" هذا من قول الزُّهري عطفًا على: (حدثني عروة)، ولهذا قال الكَلاَباذِيُّ: إنَّ الزهري روى عن كثير عن ابن عباس في الكسوف. "فقلت"؛ أي: قال الزُّهْرِي: فقلت. "لعروة: إن أخاك"؛ أي: عبد الله بن الزبير أمير المؤمنين. "أجل" حرف جواب بمعنى نعم. "أخطأ السنة"؛ أي: جاوزَها، إما سهوًا، وإما عمدًا؛ أي: أدَّى إليه اجتهادُه، فقد قال كثير من العلماء: يجوز أنْ يصلِّيَ كسائر الصلوات، وإن كان الأكمل الهيئة المشهورة. قال (ن) في "شرح المهذب": إنه مقتضى كلامِ أصحابنا. * * *

5 - باب هل يقول: كسفت الشمس، أو خسفت؟

5 - بابٌ هَلْ يَقُولُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ، أَوْ خَسَفَتْ؟ وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ}. (باب هل يقول: كسفت الشمس أو خسفت) أراد بذلك الردَّ على مَنْ يقول: إنه بالكاف في الشمس، فذكر حديث: (خسفت الشمس) بالخاء. * * * 1047 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ فَكَبَّرَ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقَامَ كَمَا هُوَ، ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْيَ أَدْنىَ مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: "إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". * * *

6 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يخوف الله عباده بالكسوف"

6 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يُخَوِّفُ اللهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ" وقَالَ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: يخوف الله عباده) " قاله أبو موسى" وصله البخاريُّ بعد ثمانيةِ أبوابٍ. * * * 1048 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ". وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الْوَارِثِ وَشُعْبَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونسُ: "يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ". وَتَابَعَهُ مُوسَى، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكرَةَ عَن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ". وَتَابَعَهُ أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ. "بهما"؛ أي: بلفظ التثنية بخلاف رواية يونس فإنَّها بالإفراد؛ أي: بالآيات، ويحتمل الفرق بين الروايتين: أن الأولى ليس فيها لفظ الجلالة.

7 - باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف

قال المُهلَّب: مِصْداقُ الحديثِ قولُه تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، فتنبغي المبادرةُ إلى الصلاة والإخلاص والإقلاع عن المعاصي، ولذلك أُرِيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الجنة والنار للترغيب والترهيب. "لم يذكر عبد الوارث وشعبة وخالد"؛ أي: الطحَّان في رواياتهم التي وصلها البخاريُّ في (باب كسوف القمر). "وحماد بن سلمة" هذه وصلها الطبرانيُّ. "وتابعه أشعث" وصلها النسائيُّ. * * * 7 - بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْكُسُوفِ (باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف) 1049 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَسَألتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَائِذًا بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ.

"عائذًا" من المصادر التي جاءت بوزن فاعل؛ كعافية، وناصبه محذوف؛ أي: أعوذ عِياذًا، وقال ابن السِّيْدِ: منصوب على الحال المؤكِّدة أو المصدر. قال (ش): ويروى بالرفع على أنه خبرُ مبتدأ مضمَر؛ أي: أنا. قال سيبويه: والنصب على الحال أكثرُ في كلامهم؛ أي: أقول قولي عائذًا بالله. "ذات غد" إما بزيادة (ذات)، أو بإضافة المسمَّى إلى اسمه. * * * 1050 - ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا، فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى، فَمَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ ظَهْرَانيَ الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ وَانْصَرَفَ، فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.

"بين ظهراني الحُجَر" بضم المهملة وفتح الجيم: جمع حجرة، والألف والنون في (ظهراني) مُقْحمة؛ أي: بين ظهري الحجر، وقيل: (ظهراني) كلُّه مُقْحم. "من عذاب القبر" مناسبة لصلاة الكسوف أنها لحدوث ظُلمة في الآيتين، وكذلك القبر، وفيه أنَّ عذاب القبر حق. واعلم أنَّ ظاهر الحديث أنَّ الثانية لم يقم فيها قيامين ولا رَكَعَ ركوعينِ إلا أنْ يُرادَ بقوله فيها: (دون القيام الأول) في الثانية، فيلزم أن يكون فيها قيامان، وكذا في الركوع، والحاصل أنَّ في هذا الحديث اختصارًا. قال (ن): اختلف في صفتها على حسب اختلاف الروايات، فالمشهور: ركعتانِ في كلٍّ منهما قيامانِ وركوعان، وفي رواية: (في كل ركعةٍ أربع رُكُوعات)، وفي رواية: (في كلِّ ركعة خمس)، فأَخَذَ بذلك بعضُ الصحابة، وحَمَلَ جمعٌ ذلك على حَسَب الأحوال، ففي تأخير الانجلاء زادَ الركوع، وفي سرعته الاقتصار، وفي توسُّطه التوسط، واعتُرض بأن تأخيرَ الانجلاء لا يُعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى، وقد اتفقوا على أنَّ عددَ الركوع في الركعتين سواء، وهو دليلٌ على أنه منويٌّ في أول الحال، وإنما الجواب القوي: أن ذلك لبيان جوازِ الكُلِّ.

8 - باب طول السجود في الكسوف

8 - بابُ طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ 1051 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أنَّهُ قَالَ: لَمَّا كسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُودِيَ: إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ، فَرَكَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكعَتَيْنِ فِي سَجْدَة، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ، قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا. (باب طُولِ السُّجود) (في سجدة) عبَّر بها عن رَكعةٍ. (منها)؛ أي: من السَّجدة التي في صلاة الكُسوف، ولا يُحمل على إرادة الرَّكعة هنا؛ لعدم القَرينة بخلاف ما سبَق، وأنَّ قرينتَه أنه لا يُتصوَّر ركعتان في سجْدةٍ، فهو هنا باقٍ على حقيقته، وجمهور الشَّافعية قالوا: لا يُطوِّل سجود الكُسوف، والمحقِّقون منهم: يُستحبُّ تطويله، وهو نصُّ الشَّافعي. * * * 9 - باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ، وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ

عَبَّاسٍ، وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ. (باب صلاة الكُسوفِ جَماعةً) (صفة) بضم المُهملَة، وفي بعضها بالمعجَمة، وهي بالكسْر كما قال الجَوهَريُّ، أي: جانب النهر، وصفتاه: جانباه، وقال (ك): بالكسر والفتح. (وجمع) بالتَّشديد، أي: جمع النَّاس لصلاة الكُسوف. * * * 1052 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ

كَعْكَعْتَ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فتنَاوَلْتُ عُنْقُودًا، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ"، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "بِكُفْرِهِنَّ"، قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ". (فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: بالجماعة، وهو وجه التَّرجمة، وسبَق شرح غالب الحديث في (كتاب الإيمان) في (كُفران العَشِير). (تكعكعت) بكافين ومهملتين، أي: تأَخَّرتُ، وفي بعضها: (كَعكَعْتُ)، وسبق في (باب رفْع البصَر إلى الإمام). (منظرًا) هو بكسر الظَّاء (¬1)، إما بمعنى المَكان، أي: منظورًا إليه، أو بمعنى المَنظور مصدرًا بمعنى المَفعول كـ: دِرهمٌ ضَرْبُ الأمير، أي: مَضروبُه، ونَسْجُ اليمَن، أي: مَنسوجه. (كاليوم)؛ أي: الوقت. قال ابن السِّيْد: تقول العرَب: ما رأيتُ كاليومِ رجلًا، فالرَّجُل والمَنظر لا يصحُّ أن يُشبَّها باليوم، والنُّحاة تقول: معناه: ما رأَيتُ كرجلٍ اليومَ رجلًا، وكمنظر اليومَ منظرًا، فحُذف المضافُ، وأُقيم المضاف إليه مُقامه، وجازت إضافة الرَّجُل والنَّظر؛ لوُقوعهما فيه كما ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ب": "أظنه بفتحها".

يُضاف الشَّيء إلى ما يتصِلُ به ويَلْتبس، وقال غيره: الكاف هنا اسم، وتقديره: ما رأَيتُ مثلَ مَنظَر هذا اليوم، و (منظرًا) تمييزٌ. (أفظع) بظاءٍ معجَمةٍ: منصوبٌ صفةً (لمَنظَر)، و (¬1) جَوَّز فيه (خ) أن يكون بمعنى فَظِيع؛ كأكبر بمعنى كبير، وأن يكون للتَّفضيل على بابه على تَقدير: منه، ومرَّ في (باب: مَن صلى وقُدَّامه تَنُّور). قال (ط): اختُلف في صلاة الكُسوف، فقال أبو حنيفة: ركعتان كسائر النَّوافل، والأئمةُ الثلاثة: ركعتان في كلِّ ركعةٍ ركوعان، ويُروى فيها أحاديث مختلفةٌ. فرُوي ركعتان في كلٍّ منهما ثلاثُ ركَعاتٍ، ورُوي صلَّى أربع ركَعاتٍ فيه، وبخمسٍ، وبستٍّ، وبثمانٍ، أي: كلُّ ركعةٍ في جميعها. واحتجَّ الطَّحَاوِي لهم بالقياس على سائر الصَّلوات، ورُدَّ بأنه لا قياسَ مع ثُبوت النَّصِّ بخلافه، كما خُصَّ بعضُها بوصفٍ كالعيد، والخَوف، والجنازة، فلا مَدخلَ للرَّأْي فيه. قال: وأما إراءَة الجنَّة والنَّار، فيحتمل أنه مُثِّلَ له يَراه كما مُثِّلَ له بيت المَقدِس ليلةَ الإسراء، وأمَّا عدم تَناوله منه، فلأنَّ طعام الجنة باقٍ أبدًا، فلا يكون شيءٌ من دار البقاء في دار الفَناء، وأيضًا فهو جَزاءٌ، والدنيا ليست بدار الجزاء، وقيل: لو تَناوله فرأَوه كان إيمانهم بالشَّهادة لا بالغَيب، فلا ينفَع حينئذٍ نفس إيمانها. * * * ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "أو".

10 - باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف

10 - بابُ صَلاَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ 1053 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءَ، وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ: أَيْ نعمْ، قَالَتْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لمَ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الجَنَّةَ والنَّارَ، ولَقَدْ أُوِحيَ إِلَيَّ أَنَّكُمُ تُفْتَنونَ فِي القُبورِ مِثْلَ، أَو قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدجَّالِ -لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقنُ -لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَناَ بِالْبيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ -لاَ أَدْرِي أَيَتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ". (باب صَلاةِ النِّساءَ مع الرِّجال) (الغشي) بالتخفيف، والتشديد، سبق بيانه في (باب: مَن أجاب

11 - باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس

الفُتيا بالإشارة) مع شرح الحديث. * * * 11 - بابُ مَنْ أَحَبَّ الْعَتَاقَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ 1054 - حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: لَقَدْ أَمَرَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. (باب مَن أَحَبَّ العَتاقة في كُسوف الشَّمس) العَتاقة بفتح العين: الإِعتاق سواءٌ من الذي يُحبُّ أو غيره، وأعمال البِرِّ كلُّها مندوبةٌ عند الآيات؛ ليرفع الله بها البلاء عن عباده لا سيَّما العتق. * * * 13 - بابٌ لاَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، وَالْمُغِيرَةُ، وَأَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهم -.

(باب لا تَنكسِفُ الشَّمس لمَوتِ أحدٍ ولا لحياته) (رواه أبو بكرة ...) إلى آخره، قد وصلَها كلَّها كما تَرى في (أبواب الكسوف). * * * 1057 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا". الحديث الأول: تقدم شرحه. 1058 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ، وَهْيَ دُونَ قِرَاءَتِهِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ دُونَ رُكُوعِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يُرِيهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". الثاني: كذلك.

14 - باب الذكر في الكسوف

(هشام)؛ أي: ابن يوسُف الصَّنعاني. (وهشام بن عروة) بالجرِّ عطفٌ على الزُّهْرِي. * * * 14 - بابُ الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -. 1059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأتى الْمَسْجدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ: "هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ". (باب الذِّكْر في الكُسوف) (فَزِعًا) بكسر الزَّاي صفةٌ مشبَّهةٌ، وبفتحها مصدرٌ بمعنى الصِّفة، أو مفعولٌ لمُقدَّرٍ. (الساعة) بالرَّفْع والنَّصب، وهذا (¬1) التَّمثيل من الراوي، كأنه ¬

_ (¬1) في الأصل: "هو"، والمثبت من "ف" و"ب".

قال: فَزِعًا كالخاشي أن تكون القيامة، وإلا فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عالمٌ بأنَّ الساعة لا تقومُ وهو بين أَظهُرهم، وقد وعدَه الله تعالى بإعلاءِ دينه على الأَديان كلِّها، ولم يَبلُغ الكتاب أجلَه. قال (ن): قد استُشكل الحديث بأنَّ السَّاعة لها مقدِّماتٌ كالطُّلوع من المَغرب، وخُروج الدابَّة، والدَّجَّال، وغيرها، فكيف تُخشَى؟ ويُجاب: بأنَّ هذا لعلَّه قبل إعلامه بهذه العلامات، أو خشي أن يكون هذا الكُسوف بعضَ مقدِّماتها، أو الرَّاوي هو الذي ظَنَّ، ولا يَلزم من ظَنِّه أنه - صلى الله عليه وسلم - خَشِيَ ذلك حقيقةً، بل ربما خاف أن يكون نوعُ عذابٍ للأمة، فظُنَّ ذلك. (ما رأيته) في بعضها بدون (ما)، فإمَّا أن يُقدَّر نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} [يوسف: 85]، وإما أن يكون فيه معنى عدَم المُساواة، أي: بما لم يساوِ قَطُّ قيامًا رأَيتُه يفعلُه، أو: قَطُّ بمعنى حَسْبُ، أي: صلَّى في ذلك اليوم فحَسْب بأَطولِ قيامٍ، أو بمعنى: أبدًا. (قَطُ) بفتح القاف، وضمِّ الطَّاء، وتشديدها وتخفيفها، وبفتْحها وكسرها مخففةً، ولا تقَع إلا بعد ماضٍ منفي، أما قَطُّ بمعنى حَسْبُ: فساكنة الطَّاءِ. وفيه استحباب طُول السُّجود، وإنْ لم يكن في أكثر الروايات؛ فزيادةُ الثقة مقبولةٌ. * * *

15 - باب الدعاء في الخسوف

15 - بابُ الدُّعَاء فِي الْخُسُوف قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 1060 - حَدَّثَنا أَبُو الوَليِدِ قَالَ: حَدَّثَنا زَائِدةُ، قَالَ: حَدَّثَنا زِيَادُ ابنُ عِلاَقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيرةَ بنَ شُعْبةَ يَقُولُ: انْكَسَفَتِ الشَّمسُ يَومُ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيتانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ". (باب الدُّعاء في الخُسوف) سبق شرح الحديث. * * * 16 - بابُ قَوْلِ الإِمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكسُوف: أَمَّا بَعْدُ 1061 - وَقَالَ أَبو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرتنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ".

17 - باب الصلاة في كسوف القمر

(باب قَول الإمام: أمَّا بَعدُ) سبق أيضًا شرحه في (كتاب الجمعة)، وسبق وصْل ما علَّقه هنا عن أبي أُسامة. * * * 17 - بابُ الصلاَةِ فِي كسوف الْقَمَرِ (باب الصَّلاة في كُسوف القمَر) 1062 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شعبة، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى ركعَتَيْنِ. 1063 - حَدَّثَنَا أبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدثَنَا يُونسٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ يَجُرُّ رِداءَهُ حَتَّى انتهَى إِلَى الْمَسْجدِ، وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكعَتَيْنِ، فَانْجَلَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا وادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ"، وَذَاكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَاتَ، يُقَالُ لَهُ: إِبرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَاكَ.

18 - باب الركعة الأولى في الكسوف أطول

الحديث الأول، والثاني: (وثاب) بالمُثلَّثة؛ أي: اجتمَع، وفيه دليلٌ لقَول الشَّافعي، وأحمد: يُجمع له كالشمس، فإنه قال - صلى الله عليه وسلم -: (فإِذا كانَ كَذلكَ؛ فصَلُّوا)، فكلُّ ما يكون هناك يكونُ هنا، كما أشارَ إليه البخاري بالتَّرجمة. قال (ط): وقال مالك، والكوفيُّون: يُصلَّى في القمر فُرادَى ركعتَين كسائر النَّوافل؛ لأنَّ كُسوف القمَر يقَع أبدًا، فلا يَخلو منه عامٌ، وكسوف الشَّمس نادرٌ، ولو كان كُسوف القمر مأْلوفًا لجمَعَ له، ولم يبلغْنا أنه جَمَعَ له، ولا عن أحدٍ بعدَه، ويمكن أن تَركه ذلك رِفْقًا بالمؤمنين لئلَّا تَخلوَ بُيوتُهم باللَّيل، فتخطفهم النَّاس، ويَسرقونهم، وأيضًا فيَشقُّ اجتماعُهم لا سيَّما إذا كانوا نِيامًا، انتهى. قال الإِسْمَاعِيْلي: الحديث الأوَّل لا يَدخل في هذا الباب، وأما الثَّاني فليس فيه إلا ما في سائر الأحاديث أن الشَّمس والقمر آيتان. قال: والذي ذكَرناه عن هُشيم أَدْخَلُ في الباب؛ لأنه فيه: (انكسَفت الشَّمس والقمر على عَهْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، وكذا قوله: (فإذا رأَيتُم منها شَيئًا)، فإنَّه أَدْخَلُ في الباب من قوله: (فإذَا كانَ ذَاكَ). * * * 18 - باب الركعَة الأولَى فِي الْكُسُوف أطْوَلُ 1064 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا

19 - باب الجهر بالقراءة في الكسوف

سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ ركعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ، الأَوَّلُ الأَوَّلُ أَطْوَلُ. (باب: الرَّكعةُ الأُولَى أَطوَلُ) (سجدتين)، أي: ركعتين. (والأول)، أي: الرُّكوع الأوَّل أَطول من الثاني، وكذا الثَّاني من الثَّالث، والثَّالث من الرَّابع، وفي بعضها: (الأُولى)، أي: الرَّكعة الأُولى. * * * 19 - بابُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءةِ فِي الْكُسُوفِ (باب الجَهْر بالقِراءَة في الكُسوف) 1065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَليدُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ نَمِرٍ: سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: جَهَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كبَّرَ فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرَّكعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ، أَرْبَعَ ركعَاتٍ فِي ركعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.

1066 - وَقَالَ الأَوْزَاعيِ وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ مُنَادِيًا بِـ (الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ)، فتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعَ ركَعَاتٍ فِي ركعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَأَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ: سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ أَخُوكَ ذَلِكَ، عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلَّا ركعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْح إِذْ صلَّى بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: أَجَلْ، إِنَّهُ أَخْطَأ السُّنَّةَ. تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْجَهْرِ. (وقال الأَوْزَاعيِ) هو من مَقول الوَليْد، فهو عطفٌ على ابن نَمر. (قال: وأخبرني عبد الرحمن) هو أيضًا من مَقول الوَليْد عطفٌ على ما سبق قوله: (أخبرني)، فالكلُّ متصلٌ لا تعليقٌ، وكذا أوضحَه مسلم. (أخوك) الخِطاب لعُروة بن الزُّبير، وسبق في (باب الخُطبة في الكُسوف). (تابعه سليمان) وصلَها أحمد، والنَّسائي. (وسفيان بن حسين) وصلَها التِّرْمِذي، والبَيْهَقِي، وسليمان وسُفيان المذكوران؛ وإنْ قال النَّسائي: ليس بهما بأْسٌ إلا في الزُّهْرِي، لكنْ يُحتمَل في المُتابعة ما لا يُحتمَل في الأصل.

قال (ط): اختُلف في الجَهْر، فقال أحمد: يَجهر، وقال الثلاثة: يُسِرُّ، احتجُّوا بما تقدَّم من حديث ابن عبَّاس أنه قَرأَ (نحوًا) من سورة البقَرة، فلو جهَر لم يقُل: (نحوًا)، وما ساقَه البُخاريُّ من رواية الأَوْزَاعِي عن ابن شِهَاب، ولم يَذكُر عنه الجَهْر يَردُّ رواية ابن نَمر عنه بالجهْر، فيَبقى ابن كَثِيْر، وابن حُسَين، وليسا بحجَّةٍ في الزُّهْرِي؛ لضعْفهما، ثم نقل أهل المدينة خلَقًا عن سلَفٍ السِّرَّ نقلًا متَّصِلًا. قال (خ): المُثبِت مُقدَّمٌ، وقد أثبتتْ عائشة الجَهْر، ويحتمل أن ابن عبَّاس لَم يسمعْه؛ لأنه كان في آخِرْ الصَّفِّ، أو لعائقٍ عاقَه، وأيضًا فليس في حديث عائشة ذِكْر الشَّمس. * * *

17 - أبواب سجود القرآن

17 - أبواب سجود القرآن

1 - باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 17 - أبواب سجود القرآن 1 - بابُ مَا جَاء فِي سجُودِ الْقُرْآنِ وَسُنَّتِهَا 1067 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ، غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِيني هَذَا. فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كافِرًا. * * * 2 - بابُ سَجْدَةِ (تَنْزِيل السَّجْدَةُ) 1068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ

3 - باب سجدة ص

إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ: {الم (1) تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ، وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}. * * * 3 - بابُ سَجْدَةِ ص 1069 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَأبو النُّعْمَانِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: {ص} لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ فِيهَا. * * * 4 - بابُ سَجْدَةِ النَّجْمِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 1070 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ سُورَةَ النَّجْم، فَسَجَدَ بِهَا، فَمَا بقِيَ أَحَدٌ مِنَ القَومِ إِلَّا سَجَدَ، فَأخَذَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ كفًّا مِنْ حَصًى أَو تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: يَكْفِيني هَذَا، فَلَقَدْ

رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا. (باب سُجودِ القُرآن) (شيخ) سَمَّاه البُخاريُّ في سُورة النَّجْم أُمَيَّةَ بن خَلَف، وقد قُتل ببدر كافرًا، وقيل: الوَليْد بن المُغِيْرة. (بعد) بالضمِّ، أي: بعد ذلك، فيه ندب سُجود التِّلاوة؛ لأنَّ فعْلَه - صلى الله عليه وسلم - المُجرَّدَ عن القَرينة للنَّدب (¬1) على الصَّحيح، فيُسنُّ للقارئ، والمُستَمِع، وكذا السَّامع، لكنْ لا يتأكَّد له كالمُستمع، وأوجبَها الحنفية. وهي عند الشافعي: أربعَ عشرةَ، منها سجدتان في الحجِّ، وثلاثةٌ في المُفصَّل، وأما سجدة (ص) فسجدةُ شُكرٍ، خلافًا لقول أبي حنيفة: أنَّها أربعَ عشرةَ بسجدةِ (ص)، وإسقاطِ ثانية الحجِّ، ولمالكٍ في أنَّها إحدى عشرةَ؛ بإسقاط ثلاثةِ المُفصَّل. قال (ك): وأسقط أيضًا ثانية الحج. قلت: فعلى هذا تصير عشرةً، وقال ابن سُرَيج: خمسةَ عشرَ بإثبات الجميع. وفيه أن من استَهزأَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - عُوقب بكُفره في الدُّنيا والآخرة. وفي بعض النُّسخ هنا أبوابٌ: (باب: سجدة تنْزيل السَّجدة)، و (باب: سجدة ص)، و (باب: سجدة النَّجم)، ومعاني أحاديثها واضحةٌ، نعَمْ، فيها قوله في سجدة النَّجم: (قاله ابن عبَّاس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وقد ¬

_ (¬1) في الأصل: "لا للندب"، والمثبت من "ف" و"ب".

5 - باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء

وصلَه في الباب الذي بعده. (من عزائم السجود)؛ أي: المَأمور بها، والعَزْم في الأَصل: عَقْد القَلْب على الشَّيء، ثم استُعمل في كلِّ أمرٍ محتومٍ، وأما في الاصطِلاح فضِدُّ الرُّخصة، وهي ما ثبتَ على خِلاف الدَّليل لعُذْر. (فسجد)؛ أي: موافقةً لداود، وشُكرًا لقَبول توبته، فرُوي مرفوعًا: "سَجدَها أَخِي داودُ توبةً، ونحن نسَجدُها شُكرًا". (من القوم)؛ أي: الحاضرين مَجلِسَ القراءة. * * * 5 - بابُ سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكينَ، وَالْمُشْرِكُ نَجَس لَيْسَ لَهُ وُضُوء وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَسْجُدُ عَلَى وُضُوءٍ. 1071 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ بِالنَّجْم، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجنُّ وَالإنْسُ. وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أيُّوبَ. (باب سَجْدة المُسلمين مع المُشركين، والمُشركُ نَجَسٌ على غير وُضوءٍ) هي رواية أبي ذَرٍّ، [و] في بعضها بإسقاط (غير)، والصَّواب

الأوَّل، فقد أسنَده ابن أبي شَيبة في "مُصنَّفه" كذلك، وتَبويب البُخاري واستِدلاله منطبقٌ عليه، فهو المعروف عن ابن عُمر. قال ابن جُبَيْر: إنَّه كان ينْزل عن راحلته فيُريق الماءَ، ثُمَّ يَركب، فيقرأُ السجدةَ، فيسجد وما يتوضَّأ، ولكنَّ فُقهاء الأمصار على اشتراط الوُضوء في سُجود التلاوة، وقال: فإنْ أَراد البخاريُّ الاحتجاج لابن عُمر بسُجود المشركين، فلا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّ سجودهم لم يكن على وجْهِ العبادة لله، بل لمَّا ألقَى الشَّيطان على لسانه - صلى الله عليه وسلم -: تلْكَ الغَرانِيْقُ العُلا، وإنَّ شَفاعتَها لتُرتَجَى، بعد: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} الآيةَ [النجم: 19]، سَجدوا لمَّا سَمعوا تَعظيمَ آلهتهم، فلمَّا عَلِم ما ألقَى الشَّيطانُ على لسانه حَزِنَ، فأنزل الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إلا إِذَا تَمَنَّى} الآية [الحج: 52]، فلا يُستنبَط من سُجودهم، والمُشرك يحسِن السُّجود بلا وُضوء، وإن أَراد الرَّدَّ على ابن عُمر بقوله: والمُشرِك نجسٌ ليس له وضوءٌ، فهو أشبَهُ بالصَّواب. قال (ع): إن حكاية الأخباريِّين ذلك باطلٌ لا يصحُّ نقلًا ولا عقلًا؛ لأنَّ مَدْحَ إلهٍ غير الله كُفرٌ، فلا يُنسَب ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا أنْ يقولَ الشَّيطانُ بلسانه، حاشاه، وإنما سبب سُجودهم ما قاله ابن مَسعود: إنَّها أوَّل سجدةٍ أُنزلت. قال (ك): وهو الحقُّ الصَّواب.

6 - باب من قرأ السجدة ولم يسجد

(المشركون)؛ أي: الحاضرون منهم. (والجن) عَلِمَ الرَّاوي بذلك إما بإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو كُشِفَ له فرآهم، وذِكْر الجِنِّ والإنس إجمالٌ بعد تفصيل، كما في {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196]. قلتُ: أو تفصيلٌ بعد إجمالٍ؛ لأنَ كلًّا من المُسلمين والمُشرِكين شاملٌ للإنس والجِنِّ. * * * 6 - بابُ مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ (باب مَن قَرأَ السَّجْدةَ)؛ أي: آيةَ السَّجدة. 1072 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ داوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ أنَّهُ أَخْبَرَهُ، أنَّهُ سَألَ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَالنَّجْمِ} فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا. 1073 - حَدَثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ، قَالَ: حَدَثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - {وَالنَّجْمِ}، فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا.

7 - باب سجدة {إذا السماء انشقت}

الحديث الأول، والثاني: (خُصَيفة) بضمِّ المعجَمة، وفتح المهملَة. (ابن قُسيط) بضمِّ القاف: يَزِيْد -بالمُثنَّاة والزَّاي- ابن عبد الله بن قُسَيْط. (زعم) المراد به هنا قولٌ محقَّقٌ، وإنْ كان يُطلق في المَشكوك كثيرًا. (فلم يسجد) لا يُنافي ما سبَق من سجوده - صلى الله عليه وسلم - فيها. قال الطَّحَاوِي: إما لأن هذا في وقتٍ لا يحلُّ فيه سجودٌ، أو كان على غير طهارةٍ. قال (خ): أو أنه لبَيان إباحة تَركه؛ لأنه مندوبٌ لا واجبٌ، وقيل: إن المُستمع بالخيار بخلاف القارئ، ففي حديث سُجوده كان قارئًا، وفي حديث تَرْكه كان مُستمِعًا. * * * 7 - بابُ سَجْدَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} 1074 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ وَمُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالاَ: أَخْبَرَناَ هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، فَسَجَدَ بِهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! ألمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ لَمْ أَسْجُدْ.

8 - باب من سجد لسجود القارئ

(باب سجدةِ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]) (فيها) في بعضها: (بها)، فالباء تكون ظرفيَّةً. وفيه حُجَّةٌ للسُّجود في المُفصَّل ردًّا على من رَوى أنه لم يَسجُد في المُفصَّل منذ تحوَّل إلى المدينة؛ لأن أبا هريرة إسلامُه بالمدينة، وعلى الكوفيِّين في قولهم: إنَّ النَّظَر أنْ لا يسجد فيها؛ لأنها إخبارٌ بأنه: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21]. * * * 8 - بابُ مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ الْقَارئِ وَقَالَ ابْنُ مَسعُودٍ لِتَمِيم بْنِ حَذْلَمٍ وَهْوَ غُلاَمٌ فَقَرَأَ عَلَيهِ سَجْدَةً، فَقَالَ: اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا. 1075 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنسجُدُ، حَتَّى مَا يَجدُ أَحَدُناَ مَوْضعَ جَبْهَتِهِ. (باب مَن سجَدَ بسُجودِ القاريء) (لتَميم) بفتح المثنَّاة. (ابن حَذْلَم) بمهملةٍ مفتوحةٍ، ثم معجمةٍ ساكنةٍ، ثم لامٍ مفتوحةٍ: هو أبو سلَمة الضَّبِّي.

10 - باب من رأى أن الله - عز وجل - لم يوجب السجود

(فيها)، أي: في السَّجدة، أي: القارئ إمامٌ، أي: مَتبوعٌ، والسامع تابعٌ، ولهذا يتأكَّد سجوده إذا سجَد القارئ. (أحدنا)؛ أي: بعضُنا، وليس المراد كلَّ واحدٍ، ولا واحدًا معينًا. قال (ط): فيه الحِرْصُ على الخيْرِ، والمُسابقةُ إليه، ولُزومُ متابعته النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم يحتمل أن الذي لم يسجُد سجَد بعد ارتفاع النَّاس، أو بالإيماء بقدْرِ طاقته، وقال أحمد، والكوفيون: مَن لا يَقدر على الأرض يسجُد على ظَهْر أخيه، وقال مالكٌ: يُمسِك فإذا رفَعوا سجَد. * * * 10 - بابُ مَنْ رأَى أَنَّ اللهَ - عز وجل - لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا. كَأَنَّهُ لاَ يُوجِبُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَلْمَانُ: مَا لِهَذَا غَدَوْناَ. وَقَالَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه -: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ يَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلاَ عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ، وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لاَ يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ.

(باب مَنْ رأَى أنَّ الله لم يُوجِب عليه السُّجود) (ولم يجلس لها)؛ أي: لاستماع القراءة. (أرأيت)؛ أي: الوجوب لو جلَس لها، فهو استفهامٌ إنكاريٌّ، أي: فلا وُجوبَ ولو كان مستمِعًا. (كأنه) هو من كلام البخاري، أي: كأن عِمْران لا يوجب السُّجود على المُستمع، فالسماع أَولى. (سلمان)؛ أي: الفارسي. (ما لهذا)؛ أي: ما غُدوُّنا لأجل السَّماع، أي: لم نقْصِدْه، فلا نسجُد. (استمعها)؛ أي: قصَدَ السَّماعَ، وأصغَى، أما السامع فهو الذي اتفَق سَماعُه من غير قَصْدٍ. (راكبًا)؛ أي: في سفَر؛ لأنه مُقابل قَوله: وأنْتَ في حضَرٍ، والرُّكوب في السَّفَر أغلَبُ، فعبَّر به عنه. (فلا عليك)؛ أي: لا بأْسَ أن لا تستقبلَ القِبْلة عند السُّجود. (القاص)؛ أي: الذي يَقرأُ القَصَص، كأنَّه لكَونه لا يَقصِد قراءة القُرآن. * * * 1077 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرني أَبو بَكرِ بْنُ أَبِي

مُلَيْكَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ -قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ - رضي الله عنه -. وَزَادَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -: إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نشَاءَ. (الهدَيْر) بضمِّ الهاء، وفتح الدال المُهمَلة، وسُكون الياء المثنَّاة تحت، وآخره راءٌ. قال الكَلابَاذِي: إنَّ رَبِيْعة هذا روي عنه حديث موقوفٌ في (كتاب سجود القرآن). (عما) متعلِّقٌ بـ (أخبَرني)، أما عن عُثمان فلا يتعلَّق بـ (أخبَرني)؛ لأن حَرفَي الجرِّ (¬1) لا يتعلَّقان بفعلٍ واحدٍ، فيُقدَّر تعلُّق (عن) الأولى بمحذوفٍ، أي: راويًا عن عُثمان بالسُّجود، أي: بآية السجود. (إنا نمر) ذكَر (ش): (إنا أُمِرنا بالسُّجود)، وقال: كذا لأكَثرهم، ¬

_ (¬1) في الأصل زيادة: "بمعنى".

وعند بعضهم: (إنا لم نُؤمَر). قال القَابِسيُّ: وهو الصَّواب، وهو معنى الحديث الآخر: "إنَّ الله لَم يَفرِضِ السُّجودَ علَينا". (فلا إثم) صريحٌ في عدَم وُجوبه؛ لأنَّه بمحضَرٍ من الصَّحابة، ولم يُنكره عليه أحدٌ، فكان إجماعًا سُكوتيًّا. (وزاد نافع) هو عطفٌ على (أخبَرني ابن أَبي مُلَيْكة)، فهو من رواية ابن جُرَيج عنه، خلافًا لادِّعاء المُزَني أنه معلَّقٌ، وقد أوضح ذلك الإِسْمَاعِيْلي، والبَيْهَقِي، نعَمْ، هو موقوفٌ كالذي قبله، وإجماعٌ سكوتيٌّ؛ لعدم الإنكار أيضًا. (لم يفرض) قال (ط): لا يُؤخذ منه أنه غير فَرْضٍ، بل واجبٌ كما تَزعُمه الحنفية؛ لأنَّ هذا اصطلاحٌ متجدِّدٌ لم تكن الصَّحابة تتَخاطَبُ به، ولا دليلَ لهم على الوُجوب من قوله: {لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21]، فذَمَّهم، ولا يكون إلا في واجبٍ؛ لأن الذَّمَّ على عدَم الإيمان؛ لقوله تعالى: {لَا يُؤمِنُونَ} [الانشقاق: 20]، لا للسجود وحدَه؛ لأن الكافر لو سجَد ألف مرَّة الذَّمُّ لاحقٌ به، ولا مِن قوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]؛ لأنَّه أمرٌ بالصلاة، وتعليمٌ له بالسُّجود فيها؛ لأن سُجود القرآن إنما هو فيما جاءَ بلفظ الخبَر. * * *

11 - باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها

11 - بابُ مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الصَّلاَةِ فَسَجَدَ بِهَا (باب مَن قَرأَ السجدةَ في الصَّلاة) 1078 - حَدَّثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قالَ: صلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى ألقَاهُ. (ما هذه)؛ أي: التي سجدتَ بها. (ألقاه)؛ أي: ألقى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، والمراد: حتى أَموتَ. قال (ط): فيه حُجةٌ لقول الشافعي: يَسجد للتِّلاوة في المَكتوبة، وكَرِهَ مالكٌ السجدةَ في الفَريضة مطلقًا، وروي عن أبي حنيفة: أنه لا يَقرأ في السِّرِّية، ويقرأ في الجهريَّة.

18 - كتاب التقصير

18 - كتاب التَّقصير

1 - باب ما جاء في التقصير، وكم يقيم حتى يقصر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 18 - كتاب التقصير 1 - بابُ مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ، وَكمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ (باب ما جاءَ في التَّقصير)، أي: تقصير الصلاة، وهو رَدُّ الرُّباعية إلى ثِنْتين، يُقال: قصَر الصلاة -مُخفَّفًا-، وقصَّرها -بالتشديد-، وحكى الوَاحِديُّ: أَقصَرَها، ومصدر الأُولى قَصْرًا، والثانية تَقصيرًا، وقياس الثَّانية إِقْصارٌ. (حتى يقصر): بمعنى: كي يقصر، أي: لأنَّ عدَد أيام الإِقامة الآتي بَيانُه سببٌ لجَواز القَصْر، حتى لو زادَ لا يقصُر، وحينئذٍ فالمراد بالإقامة المُكْث، وإلا فالإقامة المُقابلة للسَّفَر إذا زادتْ على ثلاثةٍ تمنَع من القَصْر. 1080 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عَوَانةَ، عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أقامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -

تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْناَ تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْناَ، وَإِنْ زِدْناَ أتمَمْنَا. الحديث الأول: (تسعة عشر)؛ أي: يومًا، وذلك إذا كان يتوقَّع قضاءَ حاجته يومًا فيومًا، لكن يُشكل ترجيح الشافعية ثمانيةَ عشر حينئذٍ إلا أن يكون لُوحِظَ فيها يوما النُّزول والتَّرحال، فسمَّاهما تسعةَ عشرَ بهذا الاعتبار، وأما عند التَّحديد فثمانية عشر. قلتُ: ومجيء رواية ثمانية عشر يقتضي ذلك، فيُجمع بينهما به. * * * 1081 - حَدَّثَنا أَبُو مُعَمِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنا يَحيَى بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعتُ أَنسًا يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ رَكعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. قُلْتُ: أقمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا. الثاني: (عشرًا)؛ أي: عشرةَ أيامٍ، وإنما حُذفت التاء؛ لأن المَعدود لم يُذكر، فيجوز الوجهان، قالوا: وهذا في حَجَّةِ الوداع، أي: في مكة وفيما حَولَها؛ لأنه قَدِمَ مكَّة في الرَّابع، وخرج في الثَّامن إلى مِنَى، ونفَر منها في الثَّالث عشَر إلى مكة، وخرَج إلى المدينة في الرَّابع عشر، وكان يَقصرُ الصلاة فيها كلِّها.

2 - باب الصلاة بمنى

قال (ط): إقامة التِّسعة عشرَ في الحديث الأول، والعشَرة في الثاني ليس استيطانًا؛ لئلا يكون رُجوعًا عن الهجرة، وقال ابن عبَّاس في التِّسعة عشر: إنَّه كان فيها مُحاصرًا للطَّائف، أو حَرْب هَوازِن، فلم يَجعل العِلَّة في قَصْره نيَّة الخُروج متى انقضت حاجته وهي: الفَتْح، بل جعل المُدَّةَ حدًّا بين التقصير والإتمام، وهو مذهبٌ تَفرَّد به عن قول الفُقهاء أنَّه لم يكن عَازِمًا على الاستِقرار، بل مُنتظِرًا للفتح، ثم يَرحَل. * * * 2 - بابُ الصَّلاَةِ بِمِنى (باب الصلاةِ بمِنى) بالصَّرف مراعاةً للمكان، والمنْع مراعاةً للبُقعة. 1082 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَني ناَفِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: صلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى رَكعَتَيْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارتهِ، ثُمَّ أتمَّهَا. (صدرًا)؛ أي: أوَّلَ، وكانت إمارتُه ستَّ سنين، أو ثمان، على خلافٍ فيه، أي: وأتَمَّ بعد ذلك؛ لأنهما جائزان، والإتمامُ فيه زيادةُ مشقَّةٍ.

قال (ش): إنه فعَل ذلك سَبعْ سنين من خلافته، وكان قبلَها يقصر كما سيأتي في (باب: مَن لم يتطوَّع في السفَر): أنَّ عُثمان كان لا يَزيد على ركعتَين. * * * 1083 - حَدَّثَنَا أبو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، أَنْبَأناَ أبو إِسحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ ابْنَ وَهْبٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - آمَنَ مَا كانَ بِمِنًى رَكعَتَيْنِ. الثاني: (أنبأنا) سبق أن ابن عيَيْنة قال: معناه ومعنى أخبَرَنا واحدٌ. (آمن ما كانت)؛ أي: حالةَ كونه في آمَنِ أكوانه، وفي بعضها: (ما كان)، وأما الشَّرط في قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101]، فخرَجَ مَخْرَج الغالِب، فلا يُعمل بمفهومه، وقد قال يَعلَى بن أُمَيَّة لعمر - رضي الله عنه -: ما بالُنا نَقصرُ وقد أَمِنَّا؟، فقال: عَجِبْتُ مما عَجِبْتَ منه، فسأَلتُه - رضي الله عنه -، فقال: "إنَّما هيَ صَدَقةٌ تصدَّقَ اللهُ بها علَيكُم، فاقْبَلُوا صدَقتَه". قال (خ): فهو دليلٌ على أنَّها رُخصةٌ؛ لأنَّ الواجِب لا يُسمَّى صدَقةً. قال الطِّيْبِي: وفيه تعظيم شأْن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أَطلَق ما قيَّده الله، ووسَّع على عباده، ونسَب فعلَه إلى الله. * * *

1084 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه - بِمِنًى أَرْبَعَ ركَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى رَكعَتَيْنِ، وَصلَّيْتُ مَع أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - بِمِنًى رَكعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - بِمِنى رَكعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ ركَعَاتٍ ركعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ. الحديث الثالث: (بمنى) متعلِّق بـ (يصلِّي). (فاسترجع)؛ أي: قال: إنَّا لله وإنا إليه راجعون كراهةَ مُخالفته الأفضلَ لا لكون الإتمام لا يُجزئ، وإلا لمَا قال: فلَيت حظِّي من أَربعِ ركعاتٍ؛ لأن ما لا يُجزئ لا حَظَّ فيه؛ لأنه فاسدٌ، وقال الدَّاوُدِي: خَشيَ أن لا تُجزئه الأربعُ، وليس كذلك لمَا ذكرناه. (حظي)؛ أي: نَصِيْبي. (من أربع) تحتمل البدَليَّةَ، نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة: 38]، وفي ذلك تعريضٌ بعُثمان، أي: لَيتَه صلَّى ركعتَين بدَلَ الأربع كما كان - صلى الله عليه وسلم - وصاحباه يفعلون، وهو إظهارٌ لكراهة مُخالفتهم، وابنُ مسعود موافقٌ على جَواز الإتمام؛ فإنَّه كان يُصلِّي متِمًّا خلْفَ عُثمان، فهما جائزان كما هو ظاهر القُرآن، وعليه

3 - باب كم أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته

الجُمهور خلافًا لقول أبي حنيفة أنَّ القَصْر واجبٌ، ولا يجوز الإتمام. قال (خ): استرجاعُه إنما كان من أَجْل الأُسوة، ولولا جوازُ الإتمام لم يتابع هو والملأُ من الصحابة عُثمانَ عليه، وأهل الموسم من الآفاق، ثم قال: مخالفةُ الإمام تُغتفر فيما فيه التَّخيير؛ إذ لو كان بدعةً لكان مُخالفته فيه خيرًا وصلاحًا. * * * 3 - بابٌ كمْ أقَامَ النبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجتِهِ 1085 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْب، قَالَ: حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصحابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ. تَابَعَهُ عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ. (باب: كم أقامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّتِه)؛ أي: للوَداع. (البرَّاء) بالتَّشديد والمَدِّ؛ لأنه كان يَبْرِي النَّشَّاب. قال الغَسَّانِي: أبو العَالِيَة اثنان تابعيَّان بصْريَّان، يرويان عن ابن عبَّاس: رُفيع بضمِّ الراء، روى عنه قَتادة، وزِيادة بكسر الزَّاي، رَوى عنه أيوب السخْتِيَاني، والبُخاريُّ روى لهما.

4 - باب في كم يقصر الصلاة؟

(رابعة)؛ أي: رابعِ ذي الحِجَّة، وهو يوم الأَحَد، وسبق في حديث أنَس بَيان العشَرة أيام. (يلبون) كنايةٌ عن الإحرام. (هَدْي) بفتح الهاء، وسكون الدال، وبكسر الدال، وتشديد الدال: اسمٌ لمَا يُهْدَى إلى الحرَم من النَّعَم قُربةً، ووجْهُ استثناء المُهدي أنَّه لا يجوز له التحلُّل حتى يَبلُغ الهديُ مَحِلَّه. (تابعه عطاء) وصلَها البخاريُّ في (الحجِّ). * * * 4 - بابٌ فِي كمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؟ وَسَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَلَيلَةً سَفَرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهْيَ ستَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا. (باب: في كَمْ يقصر الصلاة) والإشارة إلى الحديث الآتي. (السفر يومًا وليلةً) في بعضها بتأخير السفَر، وهو أنسَبُ كـ: سمَّيتُ فُلانًا زيدًا. (بُرد) بضمِّها جمع بَرِيْد، وهو اثنا عشَر مِيْلًا.

(فرسخًا) هو فارسيٌّ معرَّبٌ. * * * 1086 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بنُ إِبرَاهِيمَ الحَنْظَليُّ، قَالَ: قُلتُ لأَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَكُمْ عُبَيدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأةُ ثَلاَثَةَ أيامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". الثاني: (حدثكم) إذا قيل للشيخ: حدَّثَكم فلانٌ مع قَرينة الإجابة كفَى. (ثلاثة أيام) في بعضها: (ثلاثةً). (ذي محرم) قال الجَوْهَرِي: أي: حرامٍ، والمراد: من لا يَحِلُّ نكاحها. * * * 1087 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرأةُ ثَلاَثًا إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". تَابَعَهُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (تابعه أحمد) ليس أحمدَ بن حنبل؛ لأنه لم يسمعْ من ابن

المُبارَك، فيحتمل أنه أحمد ابن محمَّد المَرْوَزي، وقد قال الغَسَّانِي: روى البخاري في مواضعَ: ثنا أحمد بن محمَّد عن بن المُبارك، فقال أبو عبد الله النَّيْسابُوري: إنه أحمد بن محمد بن موسى المَرْوَزي، يُكنى أبا العبَّاس، ويلَقَّب: مَردَوَيْهِ. (حرمة)؛ أي: مَحْرَم، واعلم أنه قال في الأول: فَوق ثلاثة، وفي الثاني: ثلاثة، وفي الثالث: يومين، ولا تَنافيَ؛ لأن مفهومَ العدد لا اعتبارَ به. قال (ط): اختُلف في ذلك، فقال مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمد: أربعة بُرُدٍ، والأَوْزَاعِي: يومٌ تامٌّ، والكوفيون: ثلاثة أيَّام، وأهل (¬1) الظَّاهر: السفر قليلًا أو كثيرًا إذا جاوَزَ البُنيان، ولو قصد إلى بُستانه. قال: واختلاف الأحاديث فلأنه جواب لاختلاف السَّائلين على حسَب ما سألَه كلُّ واحدٍ. قال (خ): يَستدلُّ بالحديث الثاني مَن جعَل سفَر القَصْر ثلاثًا؛ لأن المرأة يجوز لها الخُروج في أقلَّ منها لِقِصَر المسافة وخفَّة الأمر، وإنما الرُّخصة في طويلٍ فيه (¬2) مشقَّةٌ وتعَبٌ، وردَّه بأنه لو كانت العِلَّة ذلك لجازَ لامرأةٍ السفَر فيما دُون الثَّلاث بلا مَحرَم، لكن لم يَجُز، ¬

_ (¬1) "أهل" ليست في الأصل. (¬2) "فيه" ليس في الأصل.

وقال الأَوْزَاعِي: يَقصِرُ في مسيرةِ يومٍ. وفيه أن المرأة إذا لم تَجِدْ مَحرَمًا لا يلزمُها الحجُّ. * * * 1088 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ". تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -. (تابعه يحيى) وصلَ ذلك أحمد. (سهيل) وصلَه أبو داود، وابن حِبَّان، والحاكم. (ومالك) وصلَه مسلم، وأبو داود، وغيرهما. (المَقْبُرِي)؛ أي: أبو سَعيد. قال (ن): يُقال لكل واحدٍ من الأب والابن: المَقْبُري، وإنْ كان الأصل هو الأب. * * *

5 - باب يقصر إذا خرج من موضعه

5 - بابٌ يَقصُرُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَصَرَ وَهْوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ. قَالَ: لاَ حَتَّى نَدْخُلَهَا. (باب: يَقصِر إذا خرَجَ مِن مَوضِعه) 1089 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: صلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكعَتَيْنِ. الحديث الأول: (ذو الحُلَيفة) بضمِّ المهملَة، وفتح اللام: على ستة أميالٍ من المدينة، ولا حُجَّة فيه للظَّاهرية في القصْر في السفَر القصير؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان قاصدًا مكةَ لا أن الحُلَيفة غايةُ سفَره. * * * 1090 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَت رَكعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تأوَّلَتْ مَا تأوَّلَ عُثْمَانُ.

الثاني: (أول) بالرَّفْع بدلٌ من الصَّلاة، أو مبتدأٌ ثانٍ، ويُنصب على الظَّرفية، أي: في أوَّل. (ركعتان) خبر المبتدأ، ورُوي: (ركعتين) بالياء على أنه حالٌ سدَّ مَسَدَّ الخبَر، كقول الشاعر: الحربُ أولُ ما تكون فتيَّةً ... تَسعى بزينتها لِكُلِّ جَهول واعلم أن الحديث لا دلالةَ فيه للحنفيَّة على وُجوب القَصْر لوجوه، منها: منها: لو كان هذا على ظاهره لمَا جاز لعائشة أن تُتِمَّ، وأيضًا هي (¬1) راوية (¬2) الحديث، وقد خالفتْهُ، فلا يُعمل بالرِّواية عندهم. ومنها: أنه خبرُ واحدٍ لا يُعارِض القُرآن في: {أَنْ تَقْصُرُوا} [النساء: 101] المُقتضي أنَّها في الأصل عامٌّ، وأيضًا فقوله: (الصلاة)، مخصَّصٌ بغير المغرب والصُّبح، وفي حُجَّة العامِّ إذا خُصَّ خلافٌ. وقال (ط): (فَرَضَ) يأتي لغير الإيجاب بمعنى: قدَّرَ؛ كـ: فرَض القاضي النَّفَقة، أو: بين نحو: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]. وقال الطَّبَري: فُرِضت لمن اختار ذلك من المُسافِرين، ونظير ¬

_ (¬1) في الأصل: "في"، والمثبت من "ف" و"ب". (¬2) في جميع النسخ: "رواية".

التَّخيير بين الإتمام والقَصْر التخيير بين النَّفْر الأوَّل والثاني للحاجِّ من مِنى. وقال (ن): فُرضت ركعتين لمَن أراد الاقتصار عليها، فزِيدَ في الحضَر ركعتان تحتيمًا، وأُقِرَّت صلاة السفَر على جَواز الإتمام، وقد ثبت دلائلُ الإتمام، فوجَب المصير إليه جمعًا بين الأدلَّة. (ما تأول عثمان) الصَّحيح في معنى تأويله: أنَّه رأَى القصْر والإتمام جائزَين، فأخذ بأحدهما وهو الإتمام، لا لمَا قيل: إنَّ عثمان تأهَّلَ بمكة؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سافَر بأزواجه، فقصَر، ولا لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إمام المؤمنين، وعائشة أُمُّهم، فكأنما في منازلهما؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أَولى بذلك، ولا لأَنَّ الأعراب حضَروا معه لئلا يظُنُّوا أن فَرْض الصلاة (¬1) ركعتان حضَرًا وسفَرًا؛ لأن هذا المعنى كان موجودًا في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، كيف وأَمْرُ الصلاة في زمَن عُثمان كان أشهَر، ولا لأنَّه نَوى الإقامةَ بمكة بعد الحجِّ؛ لأنها حرامٌ على المُهاجِر فوقَ ثلاثة أيامٍ. ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أن السفَر صادقٌ بمجرَّد خُروجه من مَوضعه. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "السفر"، والمثبت من "ف" و"ب".

6 - باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر

6 - بابٌ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثلاثًا فِي السَّفَرِ (باب: يُصلِّي المَغرِب ثلاثًا) 1091 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ. قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. 1092 - وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ سَالِمٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدلفَةِ، قَالَ سَالِمٌ: وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ، وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةُ، فَقَالَ: سِرْ، فَقُلْتُ: الصَّلاَةُ، فَقَالَ: سِرْ، حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً ثُمَّ نزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ، فَيُصَلِّيهَا ثَلاَثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيَهَا رَكعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلاَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ. (يؤخر) فيه حُجَّةٌ للشافعي في جَمْع التأخير في سفَر غير المعصية مطلقًا.

7 - باب صلاة التطوع على الدواب

(وزاد الليث) وصلَه الذُّهْلِي في "الزُّهْرِيات". (استصرخ) بالبناء للمفعول، أي: أُخبِرَ بموت زوجته بنتِ أبي عُبَيْدُ الثَّقَفيَّة أُخت المُختار بن أبي عُبَيْدُ. (الصلاة) بالنَّصْب على الإغراء، أو بالرَّفع مبتدأٌ حُذِفَ خبره، أو بالعكس. (ميلين) المِيْل أربعة آلاف خُطوةٍ، وهو ثلُث فَرْسَخٍ. (قل ما)؛ أي: قلَّ لُبثُه، فـ (ما) مصدريةٌ. (يسبح)؛ أي: يُصلِّي، والسُّبْحة صلاة النَّفل، وإنما لم تُقصَر المغرب؛ لأنها وِتْرُ النَّهار. وفيه أنه لا يَفصل بين الصَّلاتَين إلا قليلًا، وبيانُ القَصْر والجمع، قال (ط): وهذا عامٌّ في جميع الأَسفار، فمَن خصَّ ببعضٍ فعليه الدَّليل، وفيه تأكيدُ قيام اللَّيل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتركُه سفَرًا، فالحضَر أَولى. * * * 7 - بابُ صلاةِ التطوُّع على الدَّواب (باب صلاةِ التَّطوُّع على الدَّوابِّ) 1093 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ. 1094 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهْوَ رَاكِبٌ فِي غيْرِ الْقِبْلَةِ. 1095 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ ناَفِعٍ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ ويُوترُ عَلَيْهَا، ويُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُهُ. الحديث الأوَّل، والثَّاني، والثَّالث، وفي ترجمةٍ (¬1) أُخرى عَقِبَ هذه (¬2): (باب: الإيماء على الدَّابَّة) فيها حديثٌ بمعنى ذلك. (في التطوع) قال المُهَلَّب: يُخصُّ به قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، أن ذلك في المكتوبات، وأما: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، ففي التطوُّع، سواءٌ طويلُ السفَر وقَصيرُه، خلافًا لقول مالك: لا يصلِّي كذلك إلا في سفَر القصر، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلِّي على راحلته في سفَره إلى خَيْبَر، وبالقياس على الفِطْر والقَصْر، وحُجَّة الجمهور هذه الأحاديث، والقياس على التَّيمُّم. * * * ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "لعله نسخة". (¬2) في الأصل: "هذا"، والمثبت من "ف" و"ب".

9 - باب ينزل للمكتوبة

9 - بابٌ يَنْزِلُ لِلْمكتُوبةِ (باب: يَنْزِلُ للمَكتوبة) 1097 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ. 1098 - وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يُونسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي عَلَى دابَّتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، ويُوترُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ. 1099 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.

10 - باب صلاة التطوع على الحمار

الحديث الأول: (يُسبح)؛ أي: يُصلِّي النَّفْلَ. (قِبل) بكسر القاف: مُقابِل، أي: جِهة. (وقال الليث) وصلَه الإِسْمَاعِيْلي. (ويوتر) هذا الحديث ونحوه حُجَّةٌ على أن الوِتْر ليس بواجبٍ خلافًا لقول الحنفية بوجوبه، ولا يُصلَّى على الرَّاحلة، ولا يقدحُ أنه كان واجبًا عليه في الاستدلال بعدَم وجوبه علينا بصلاته على الرَّاحلة؛ لأن المُمتنِع على الرَّاحلة ما كان وجوبه على العُموم كالظُّهر، وإلا فقد فعلَه عليها لبيان أنه تطوُّعٌ لنا، وأما قولهم: إن الوتر واجبٌ، والظُّهر فرضٌ؛ ففرقٌ اصطلاحيٌّ لهم لا يَقتضيه شرعٌ ولا لغةٌ، ولو سُلِّم لم يَحصُل به غرَضُهم. * * * 10 - بابُ صلاَةِ التَّطَوُّع عَلَى الْحِمَارِ (باب صَلاة التَّطوُّع على الحِمَار) لم يذكر (ك): هذه التَّرجمة، بل أدخَل الحديثَ المذكور فيها في التَّرجمة التي قبلَها. وقال (ش): إن الإِسْمَاعِيْليَّ نازَعَ البُخاريَّ في التَّرجمة بذلك على حديث أنَس؛ لأنَّ الذي في صلاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هو تطوُّعٌ على

مركوبٍ في السَّفَر لغير القِبْلة لا أنَّه رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على حِمارٍ، لا سيَّما وقد ورَد بلفظ: (الدَّابَّة)، فإفراد هذا الباب من جِهَة السنَّة في الحِمار لا وجْهَ له. * * * 1100 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثنا حَبَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أَنسُ بنُ سِيرينَ، قَالَ: استَقبلْنَا أَنسًا حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّأْمِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ، يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ، فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ: لَوْلاَ أنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ! رَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (بعين التمر) بالمثنَّاة فوق: مَوضِعٌ. (طَهمان) بفتح الطَّاء المهملَة. قال (ط): لا فَرْقَ في ذلك بين الحِمار والبَغْل وغيرهما، وله إمساك عِنَانها وضَربُها، وتحريكُ رجلَيه إلا أنه لا يتكلَّم ولا يَلتفت، ولا يَسجُد على قُرْبُوسٍ سرْجه، بل يكون السُّجود أخفَضَ من الرُّكوع، وهو رحمةٌ من الله ورِفَقٌ بعباده. * * *

11 - باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها

11 - بابُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلاَةِ وَقَبْلَهَا (باب مَن لَم يتطوَّعْ في السَّفَر دُبُر) بضمِّ المهملَة، والموحَّدة، وبسكونها، أي: بعدَها. 1101 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَاصِم، حَدَّثَهُ قَالَ: سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنه -: صَحِبْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. 1102 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ ابْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ - رضي الله عنهم -. الحديث الأول، والثاني: (يُسبح)؛ أي: صلاة النَّفْل. (وعثمان كذلك)؛ أي: في صَدْرٍ من خلافته كما في "مسلم"، وقد سبق أنه أتَمَّ في آخر عمُره، ولعلَّ ابن عُمر أَراد في هذه الرِّواية

12 - باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلوات وقبلها

إتمامَ عُثمان في سائر أَسفاره في غير مِنَى؛ لأن إتمامه كان بمنَى. * * * 12 - بابُ مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَقَبْلَهَا وَركعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ركعَتَي الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ. (باب مَن تطوَّعَ في السفَر)، (دُبُر) هذا أخصُّ من التَّرجمة قبلَها؛ لأن تلك في دُبُرها، وقُبلها. (وركع النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصلَه "مسلم" في حديث أبي قَتادة في قصَّة النَّوم عن الصُّبح. 1103 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: مَا أَنْبَا أَحَدٌ أنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغتَسَلَ فِي بَيْتِهَا، فَصَلَّى ثَمَانِ ركَعَاتٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلاَةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكوعَ وَالسُّجُودَ. 1104 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.

1105 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِي بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. الحديث الأول، والثاني، والثالث: (ثماني) هو في الأصل منسوبٌ إلى الثُّمُن؛ لأن الجُزء الذي صيَّر السبعةَ ثمانية ثُمُنها، ثم فَتحوا أوَّله؛ لأنَّهم يغيرون (¬1) في النَّسب، وحذَفوا منها إحدى (¬2) ياءَي النَّسَب، وعوَّضوا منها الألِف، وقد يُحذف منه الياء، ويُكتفى بكسرة النُّون، أو تُفتح تخفيفًا. (وقال الليث) وصلَه الذُّهْلي. (كان يُسبح) لا يُنافي ما سبَق من قوله: (لم أَره يُسبِّح)؛ إذْ معناه: لم أره يُصلِّي النَّافلة على الأرض في السفَر. قال (ط) (¬3): لأنه قد رُوي أنه كان يقومُ جَوفَ اللَّيل في السفَر ويتهجَّد فيه، فغيرُ ابن عُمر رآه، فيقدَّم المُثبِت، ويحتمل أنَّ ترْكه - صلى الله عليه وسلم - لبَيان التَّخفيف في نَفْل السفَر. وفيه النَّفل على الأرض؛ لأنه إذا جازَ على الرَّاحلة، ففي الأرض ¬

_ (¬1) في الأصل: "المغيرون"، والمثبت من "ف" و"ب". (¬2) "إحدى" ليس في "ف" و"ب". (¬3) "ط" ليس في الأصل و"ف".

13 - باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء

أجوَز، وكذا صلاتُه الضُّحى في الفتْح على الأرض، وكانت نافلةَ سفَرٍ. قال: وليس قول ابن أبي ليلى بحجَّةٍ تُسقط صلاة الضُّحى؛ لأن فعلَه - صلى الله عليه وسلم - مرَّةً تكتفي به الأُمة، كيف وقد روى أبو هريرة، وأبو الدَّرْداء: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أَوصاهما برَكعتَي الضُّحى. * * * 13 - بابُ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ 1106 - حَدَّثَنا عَليُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعتُ الزُّهْرِيَّ، عَن سَالمٍ، عَن أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمعُ بينَ المَغْربِ والعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيرُ. (باب الجمْع في السفَر بين المَغرِب والعِشَاء) الحديث الأول: (جد به السير)؛ أي: عزَم، وترَكَ الهُوَيْنا، وأخذ بمعناه، ونِسْبة السَّير إلى الفِعل مجازٌ، وإنما اقتصر ابن عُمر على ذِكْر المغرب والعشاء دون جمع الظُّهر والعصر؛ لأنَّ الواقعَ له جمع المغرب والعشاء، وهو ما سأَل عنه نافعٌ فأجابه حين استُصرِخَ على امرأته فاستعجَلَ، فجمَع بينهما، وقيل: أجاب بما ذكر.

(وقال إبراهيم) وصلَه البَيْهَقِي. * * * 1107 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. الثاني: (ظهر سير) رُوي: (يَسيرُ) بالمضارع. * * * 1108 - وَعَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِك - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ. وَتَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَحَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ أَنسٍ: جَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (في السفر) فيه أنه لا فَرْقَ بين الجِدِّ فيه وعدَمه، لكنْ مَن يشترط الجِدَّ في السفَر يقول: هذا مطلَقٌ، فيُحمل على المقيَّد، وجوابه: أن

14 - باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء؟

هذا عامٌّ، وذاك ذكَر بعضَ أفراده؛ فلا تَخصيصَ به. قال (ط): كُلُّ راوٍ رأى ما روا، وكُلٌّ سُنَّة، قال: والجمهور على جواز الجمع في الظهر والعصر، وفي المغرب والعشاء مطلقًا، أي: في سفَر القصْر، وقال أبو حنيفة: لا يُجمع بين الظُّهر والعصر إلا بعرَفات، ولا بين المَغرب والعشاء إلا بمُزْدلفَة مُحتجًّا بأن مواقيت الصلاة قد صحَّت، فلا تُترك بأخبار الآحاد، وأُجيب: بأنها مستفيضةٌ، وأيضًا فلا فَرْقَ بينها وبين حديث الجمْع بعرفاتٍ ومزدلفةَ، بل لو لم يَرِد من فعله إلا ما كان بعرفاتٍ ومزدلفةَ كان دليلًا على جواز الجمْع في السفَر. قال الزُّهْرِي: سألتُ سالِمًا، هل يجمع بين الظهر والعصر في السفَر؟ فقال: نعم، ألا تَرى إلى صلاة النَّاس بعرفةَ. (وتابعه علي بن المبارك) وصلَه الحُسَين بن سُفيان، وأبو نُعيم في "المُستَخرَج". * * * 14 - بابٌ هَلْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؟ (باب: هل يُؤذِّن أو يُقيم) 1109 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

قَالَ: أَخْبَرَني سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ الله يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ، وَيُقِيمُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاَثًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ، فَيُصَلِّيهَا ركعَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلاَ يُسَبِّحُ بَيْنَهَا بِرَكْعَةٍ، وَلاَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ، حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ. الحديث الأول: (أعجله)؛ أي: استحثَّه، يُقال: أَعجلَه إِعْجالًا، وعجَّلَه تَعجيلًا. (يقيم) يحتمل الإقامة وحدَها، وأن يُريد: ما تُقام به الصَّلاة من أذان وإقامة. * * * 1110 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنسٍ، أَنَّ أَنسًا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْمَعُ بَينَ هَاتَينِ الصَّلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، يَعنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. الثاني: (إسحاق) يحتمل أنه ابن مَنْصُور؛ فإنَّ البخاريَّ أخرَج له في (باب مَقدَم النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وفي (باب الدِّيَات) عن عبد الصَّمَد كما قاله الغَسَّانِي.

15 - باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس

ويحتمل أنه ابنُ إبراهيمَ الحَنْظَليُّ، قال الكَلابَاذِي: إنَّه وإسحاق بن مَنْصُور يَرويان عن عبد الصَّمَد. (يجمع) يحتمل جمعَ التَّقديم والتَّأخير. ووجْهُ مطابقة الحديثَين للتَّرجمة: أن الرَّاوي لمَّا (¬1) لم يتعرَّض لترْك الأذان والإقامة كأنَّه (¬2) أراد الصَّلاتين بأركانهما، وشروطهما، وسننهما من الأَذان والإقامة وغيرهما. * * * 15 - بابٌ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ إِذَا ارْتَحلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشمْسُ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب يُؤخِّر الظُّهر إلى العَصْر) (فيه ابن عباس) تقدَّم وصلُه قبلُ ببابٍ، وهو وإنْ لم يكن فيه ذكْرُ الارتحال؛ لكن يُؤخذ من قوله: (على ظَهْرِ سَيْرٍ). * * * ¬

_ (¬1) "لما" ليس في الأصل. (¬2) "كأنه" ليس في الأصل.

1111 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ الْوَاسِطِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ ابْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْس أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وإذَا زَاغتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ ركبَ. (تزيغ)؛ أي: تَميل، وذلك إذا فاءَ الفيءُ. (فإذا زاغت)؛ أي: قبل أن تَرتَحل كما صرَّح به في الآية الآتية، وفي بعضها: (فإذا)، لكنْ لا صراحةَ فيها أنَّه بعد الارتحال؛ لأن الفاءَ قد تأْتي لتَعقيب الإخبار بالجُمل، أو يكون بمعنى الواو، وقال (ط): يجوز جمعُ التَّقديم والتأْخير، وقال أبو حنيفة: يُصلي الظُّهر آخرَ وقْتِها، والعصرَ أوَّل وقتها، ولا جمعَ إلا بعرَفة والمُزدلفة، وهو مخالفٌ للآثار، وأيضًا، فهو أشدُّ حرَجًا من الإتيان بكل صلاةٍ في وقتها؛ لمُراعاة طرَفي الوقتَين، وإلا كان يجوز جمع العصر والمغرب، والعشاء والصُّبح، على ذلك النَّهْج، وهو خلاف الإجماع، وأثبتا في ذلك حديث معاذ في "أبي داود": (كان - صلى الله عليه وسلم - في غَزوة تَبوك إذا زاغَت الشَمس قبل أن يرتَحل جمعَ بين الطهر والعصر، وإن تَرحَّل قبل أنْ تَزيغ أخَّر الظَّهر إلى العصر، وفي المغرب والعِشاء كذلك). * * *

17 - باب صلاة القاعد

17 - بابُ صلاَةِ الْقَاعِدِ (باب صَلاة القاعِد) 1113 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: صلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا". 1114 - حَدَّثَنا أَبُو نَعِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنا ابنُ عَينيةَ، عَن الزُّهريِّ، عَن أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَقَطَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن فَرس فَخُدِشَ -أَوْ فَجُحِشَ- شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نعودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا قُعُودًا، وَقَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". 1115 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَخْبَرَناَ حُسَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَأَلَ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أَخْبَرَناَ إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنِ أبي بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ

ابْنُ حُصَيْنٍ -وَكَانَ مَبْسُورًا- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ: "إِنْ صلَّى قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِم، وَمَنْ صَلَّى ناَئِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ". الحديث الأول، والثاني، والثالث: (شاك) هو المريض يشكُو عن مِزاجه انحرافًا عن الاعتدال. (أو فَجُحِش) بضمِّ الجيم، وكسر المهملَة، وبالمعجَمة، شكٌّ من الرَّاوي، ومعناهما واحدٌ، سبق شرحهما في (باب: إنَّما جُعل الإمام ليُؤتم به)، وأنه نُسِخَ بصلاته - صلى الله عليه وسلم - في مرَض موته جالسًا، والناس خَلْفَه قيامًا. (مبسورًا) بالموحَّدة، أي: به عِلَّةُ البَواسير، وأصله من البَسَر، وهو الكراهة بتقطيبٍ، وذكَر التِّرْمِذيُّ: أنه بالموحَّدة: عجَميٌّ، وبالنُّون: عربيٌّ. (نائمًا) أي: مُضطجِعًا على هيئة النَّائم، كذا رواه أبو داود وغيره، وزعَم الإِسْمَاعِيْلي، و (ط) (¬1)، وغيرهما (¬2)؛ أنه تصحيفٌ، وإنما هو: بإيماءٍ (¬3) -بالموحَّدة- جارَّةً لـ (إيماء) بالمدِّ، أي: الإشارة، وليس كما قالوا، بل المُراد الاضطِجاع كما سبَق. ¬

_ (¬1) "و (ط) " ليس في الأصل، والمثبت من "ف" و"ب". (¬2) في الأصل: "وغيره"، والمثبت من "ف" و"ب". (¬3) "بإيماء" ليس في الأصل، والمثبت من "ف" و"ب".

18 - باب صلاة القاعد بالإيماء

واعلم أن تَرتيب الأَجْر فيما ذُكِرَ في المُتنفِّل، وإلا فالعاجِز عن القيام في الفرْض يُصلِّي قاعدًا، فإنْ عجَز فمُضطجِعًا، فإنْ عجَز فبالإيماء، فإنْ عجَز فيُجري الأركان بقَلْبه، وأَجْرُه في الكلِّ سواءٌ، والعاجِز في النَّفْل كذلك، وشَذَّ مَن قال: إنه يَجوز بالإيماء مع القُدرة على ما قبلَه، نعم، قال (خ): إن المُراد المُفترِض الذي يُمكنه القيام بمشقَّةٍ، وزِيادة ألمٍ، فجُعل أجْره على النّصف تَرغيبًا له في القيام لزيادة الأجر، وإن كان يجوز قاعدًا، وكذا في الاضطِجاع بالنسبة للقُعود. قال: ولعلَّ هذا كان فُتيا أفتاها، وجوابًا له على حالهِ في علَّته، وليس علَّة الباسُور على ما فيها من الأَذى مانعًا من القيام في الصلاة مع الرُّخصة له في القُعود إذا اشتدَّت مشقتُه عليه. * * * 18 - بابُ صَلاَةِ الْقَاعِدِ بِالإِيمَاءِ (باب صلاةِ القاعِد بالإيْماء) 1116 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْن الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَكَانَ رَجُلًا مَبْسُورًا -وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ مَرَّة: عَنْ عِمْرَانَ- قَالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهْوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ

20 - باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي

أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِم، وَمَنْ صَلَّى ناَئِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ناَئِمًا عِنْدِي: مُضْطَجعًا، هَهُنَا. (وقال أبو مَعْمَر مرة)؛ أي: رواه مفصَّلًا بلا ذكر الوسائط. ووجه مطابقته للتَّرجمة: أن النَّائم لا يَقدر على الإتيان بالأفعال، فلا بُدَّ فيها من الإشارة إليها، فكنَّى بالنَّوم عن ذلك. وفي الحديث: أنه لو قدَر على الجَنْبِ لا يجوز له الاستِلقاء. * * * 20 - بابٌ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا ثمَّ صحَّ أَوْ وَجَدَ خِفةً تَمَّمَ مَا بَقِيَ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ شَاءَ الْمَرِيضُ صلَّى رَكعَتَيْنِ قَائِمًا وَركعَتَيْنِ قَاعِدًا. (باب: إذا صلَّى قاعدًا ثُمَّ صَحَّ أو وجَدَ خِفَّةً تَمَّمَ)؛ أي: يَبني، ولا يَستأنِف. * * * 1118 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا

أَخْبَرتْهُ أنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي صَلاَةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا، حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلاَثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، ثُمَّ ركعَ. (أسنَّ)؛ أي: كبر سنُّه. * * * 1119 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرناَ مَالِك، عَن عَبدِ اللهِ بنِ يَزِيدَ وأَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنُ عُبَيدِ اللهِ، عَن أَبِي سَلَمَةَ ابنِ عبدِ الرَّحمنِ، عَن عَائِشةَ أُمِّ المؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهْوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْو مِنْ ثَلاَثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهْوَ قَائِم، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ سَجَدَ، يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَضَى صلاَتَهُ نَظَرَ، فَإنْ كنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كنْتُ ناَئِمَةً اضْطَجَعَ. (يَقْظى)، في بعضها: (يقظَانة)، فيَجيء خلافٌ في صرفه ومنعه. (فإذا بقي من قراءته نحوًا) رُوي برفعها، وهو واضحٌ، وبالنَّصب إما على زيادة (مِن)، و (نحوًا) منصوبٌ بالمصدر المضاف، وهو: قرأءته، أي: إذا بقيتْ قراءتُه نحوًا، أو: من قراءته: صفةٌ لفاعِل بَقِيَ قامتْ مَقامَه لفظًا، ونَوى ثُبوته، وينتصب نحوًا على الحال، والتقدير:

فإذا بَقِيَ من قَراءته نَحوًا مِن كذا. قال (ط): استَنبط البُخاريُّ لترجمته على الفرْض مما في الحديث، وهو صلاة النَّفْل أنه إذا جازَ القُعود فيها لغير علَّةٍ تَمنع من القيام، وكان يقُوم فيها قبل الرُّكوع كانت الفَريضة التي لا يَجوز القُعود فيها إلا لعدَم القُدرة على القيام أَولى أن يَلزم القيام فيها إذا ارتفعَت العِلَّة المانعة منه، وقال أيضًا: طرَيان العَجْز بعد القُدرة كطَرَيان القُدرة بعد العَجْز. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [5]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

19 - أبواب التهجد

19 - أبواب التّهجد

1 - باب التهجد بالليل، وقوله - عز وجل-: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أبواب التهجد (19) 1 - باب التَّهَجُّدِ بالليْلِ، وَقوِلِه - عز وجل-: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (باب التَّهجُّد) هو التيقُّظ من النَّوم باللَّيل، أي: تَرْك الهُجود وهو النَّوم. (اسْهَرْ) (¬1) بلفظ الأَمْر: تفسيرٌ للتهجُّد في الآية. (نافلة)؛ أي: زيادةً على الفرائض الخمس، فهو من خصائصه. قلتُ: صحَّح (ن) أنه نُسِخَ عنه التهجُّد كما نُسخ عن الأُمة، قال: ونقلَه الشَّيخ أبو حامِد عن النَّصِّ، وهو الأصحُّ، أو الصَّحيح، ففي "مسلم" عن عائشة ما يدلُّ عليه. 1120 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ¬

_ (¬1) كذا وقعت هذه اللفظة هنا، وكذا هي في "الكواكب الدراري" (6/ 182).

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يتهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، ولكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحقُّ، وَوَعدكُ الحقُّ، وبقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجنَّةُ حقٌّ، والنَّارُ حقٌّ، والنَّبيونَ حَقٌّ، ومُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، والسَاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنبتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ -أَوْ لاَ إِلَهَ غيْرُكَ-"، قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيم أَبو أُمَيَّةَ: "وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - , عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (قيم) معناه: قَيُّوم وقَيَّام واحدٌ، وهو القائم بتدبير الخَلْق، ومعطيه ما به قِوامه، أو القائم بنفسه المُقيم لغيره. (نور)؛ أي: مُنوِّر، أي: خالق النُّور، والمُنَزَّه عن كل عَيبٍ؛ من قول العرب: امرأةٌ منوَّرةٌ، أي: مُبَرَّأةٌ من كلِّ ريبةٍ. (أنت الحق)؛ أي: واجبُ الوُجود، مِن حَقَّ الشيءُ: ثبَتَ ووَجبَ، وهذا الوصْفُ لله بالحقيقة والخُصوصية، أو وجودُه بنفسه،

فلا يَسبقُه عدَمٌ، ولا يلحقُه عدَمٌ، وما عداه بخلاف ذلك، ولهذا كان أَصدق كلِمةٍ قالها الشَاعر كلمةُ لَبِيْد: أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللهَ باطِلٌ وأما إطلاق الحقِّ على ما بَعُدَ من اللِّقاء والسَّاعة والوَعْد، فلأنَّها كائنةٌ باختياره تعالى، فيجب أن يُصدِّق بها، فعبَّر فيها بالحقِّ تأكيدًا وتَفخيمًا. (ووعدك)؛ أي: إخبارُك بخيرٍ أو شَرٍّ، ولكن أكثر ما يُستعمل في الخير، ويقال: في الشِّرِّ وعيدٌ، ومن القليل: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة: 268]. (ولقاؤك) هو البعث، أو رُؤية الله تعالى، وهو داخلٌ فيما قبلَه، فهو من عطفِ خاصٍّ على عامٍّ، كما عُطف عامٌّ على خاصٍّ في قوله: وقولُك، أو المراد بالوعد المصدر، ثم ذكَر بعده المَوعودَ به. (وقولك حق)؛ أي: مدلولُه ثابتٌ، فصِدْق القَول مُطابقته للواقع، وحقيقةٌ بالنظَر للواقع المطابِق للقَول، فهما متلازِمان، وفي "مسلم": "وقولُكَ الحَقُّ" بالتَّعريف. قال (ك): وتعريف الحقِّ في بعضها، وتَنكيره في البعض؛ لأنَّ المعرَّف بلام الجنس مقارِب للنَّكِرة في المعنى، لكنْ في المعرَّف باللام إشارةٌ للماهيَّة بخلاف النَّكِرة، وقال الطِّيْبِي: عرَّفَ في حقِّ الله؛ لأن ما سِواه في مَعرِض الزَّوال، وفي وعده لاختصاصه بالإنجاز دون وَعْد غيره، والتَّنكير في البَواقي للتَّعظيم، وخصَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم -،

وعمَّم في النَّبيين؛ للإشارة إلى مُغايرته بأنَّه فائقٌ عليهم بما خصَّه الله به، فإنَّ تغيير الوَصْف بمنزلة تغايُر الذات. قلتُ: وكان شيخنا شيخ الإسلام البُلْقِيْني يقول: التعريف في حقِّه واضحٌ؛ لما سبق، وفي وعْده؛ لأن ما بعدَه كالمُتفرِّع عليه، فلهذا نكَّر فيها، وعلى رواية "مسلم"، فالقَول يكون مثْل الوَعْد. (أسلمت)؛ أي: استَسلمتُ لأَمْرك ونهيك. (توكلت)؛ أي: فوَّضْتُ الأَمْرَ إليك قاطِعًا نظَري عن الأسباب العادية. (أنبت)؛ أي: رجعتُ إليك مُقبِلًا بالقَلْب عليك. (خاصمت)؛ أي: رفعتُ إليك مَنْ يَجحَدُ الحق، وجعلتُك الحاكم بيني وبينهم لا غيرُك ممن كان يتحاكَمُ إليه الجاهلية من صنَمٍ، وكاهنٍ، ونارٍ، ونحوه. وقدَّم صِلاتِ هذه الأفعال للتخصيص، وإفادةِ الحَصْر. (فأغفر) هو تواضعٌ وإجلالٌ الله تعالى، وتعليمٌ للأُمة، وإلا فهو معصومٌ مما يُغفَر. ولا يَخفى ما اشتمَل عليه من جَوامع الكَلِم؛ إذْ لفظ القَيم إشارةٌ إلى أنَّ وُجودَ الجواهر وقوامَها منه، والنُّور إلى أنَّ الأَعراض منه، والمَلِك إلى أنَّه حاكِمٌ فيها إيجادًا وإعدامًا يَفعل ما يَشاء، وكلُّه نِعَمٌ من الله، فلذلك قَرَن كُلًّا بالحمْد، وخصَّص الحمْد به، وقوله: (أنت الحق): إشارةٌ إلى المَبدأ، والقَول ونحوه إلى المَعاش، والسَّاعة

2 - باب فضل قيام الليل

ونحوها إلى المَعاد. وفيه الإشارة إلى النُّبوَّة، وإلى الجزاء ثَوابًا وعِقابًا. وفيه وجوب الإيمان، والإسلام، والتوكُّل، والإنابة، والتضرُّع إلى الله، والاستغفار. (أنت المقدم وأنت المؤخر)، قال (ط): أشار إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - أُخِّر عن غيره في البعْث، وقُدِّم عليهم يومَ القيامة في الشَّفاعة وغيرها، كقوله: "نَحنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ". (قال سفيان: وزاد عبد الكريم) هو متصلٌ عنده من رواية علي بن عبد الله المَذكور في السَّنَد، كما بيَّنه أبو نُعيم وغيره خلافًا لمَنْ قال: إنه معلَّقٌ. (قال سفيان: قال سليمان) هو متصلٌ كالذي قبلَه، نعَمْ، وقَع في رواية أبي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ: قال عليُّ بن خَشرَم: قال سُفيان، فالظَّاهر حينئذٍ أن يكون من رواية الفِرَبْرَي عن علي بن خَشرَم. * * * 2 - بابُ فضل قِيَام الليْلِ (باب فَضْل قِيَام اللَّيل) 1121 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ

مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَناَمُ فِي الْمَسْجدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كأنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِّيةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وإذَا لَهَا قَرْناَنِ، وَإِذَا فِيهَا أُناَسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أقولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَلَقِينا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَم تُرَعْ. 1122 - فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ"، فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا. (رؤيا) بلا تَنوينٍ كرُجْعَى، وهي مُختصَّةٌ بالمَنام كالرَّائي بالقلْب، والرُّؤية بالعَين. (قرنان)؛ أي: جانِبَا الرَّأْس، أو ضَفيرتان، وفي بعضها: (قَرْنيَن) على حذْفِ مضافٍ، وتَركِ المُضاف إليه على إعرابه كقراءة: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67]، أي: عَرَضَ الآخرة، أو إذا المُفاجَأَة تتضمَّن معنى الوجدان، أي: فإذا وجَدتُ له قرنيَن، يقول الكوفيِّين في مسألة الزنبُور: فإذا هو إيَّاها، أي: فإذا وجدتُه هو إياها. (لم تُرَعْ) بضمِّ التاء، وفتح الرَّاء، وجزْم المهملَة، أي: لا تَخَفْ، أي: لا يَلحقُك خَوْفٌ. (لو كان) للتمنِّي لا شَرطيَّةٌ.

3 - باب طول السجود في قيام الليل

قال المُهَلَّب: إنما فسَّرها بقيام الليل؛ لأنه لم يرَ شيئًا يغفُل عنه من الفرائض، فيذكِّر بالنار، وعَلِمَ مَبيتَه في المسجد، فعبَّر ذلك بأنه مُنبِّهٌ على قيام الليل فيه، ففي الحديث أن قيام الليل يُنجي من النار، وفيه تَمنِّي الخير؛ لأن الرُّؤيا الصالحة جُزءٌ من ستةٍ وأربعين جُزءًا من النبوَّة، وتفسيره - صلى الله عليه وسلم - لها من العِلْم. * * * 3 - بابُ طُولِ السُّجُودِ فِي قِيَامِ الليْل (باب طُولِ السُّجود في قِيَام اللَّيل) 1123 - حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ، قَالَ: أَخْبَرناَ شُعيبٌ، عَن الزُّهريِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُروةَ أَنَّ عَائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَخْبَرتهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّى إِحْدَى عَشْرَةَ ركعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ، يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُنَادِي لِلصَّلاَةِ. (تلك)؛ أي: الإحدى عشْرة. (السجدة)؛ أي: الجنس يشمل سُجودَ الأحدَ عشر، والتاء فيها لا تُنافي ذلك. (قدر) نُصِبَ بنَزْع الخافض، أي: بقدْرِ ثلث، ولو جُعل وصفًا لمصدرٍ محذوفٍ لم يَمتنع، أي: سُجودًا قدْرَ، أو يَمكُث مُكثًا قدْرَ.

4 - باب ترك القيام للمريض

(الصلاة)؛ أي: الصُّبح. قال (ط): تَطويلُه السُّجودَ للاجتهاد فيه بالدُّعاء والتضرُّع شُكرًا على نِعَم الله، وقد غُفر له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأَخَّر، وكان السلَف يفعلون ذلك أُسوةً حسنةً. قال يَحيَى بن وَثَّاب: كان ابنُ الزُّبير يَسجُد حتى تنزِلَ العصافير على ظَهره كأنه حائِطٌ. * * * 4 - بابُ تَرْك الْقِيَامِ لِلْمَرِيضِ (باب تَرْك القِيام)؛ أي: قيام اللَّيل. 1124 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقولُ: اشْتكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَقمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ. 1125 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: احْتبَسَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتِ امْرَأةٌ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبْطَأ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ. فَنَزَلَتْ: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. الحديث الأول، والثاني: (امرأة) هي أُمُ جَمِيْل بنت حَرْب، أُخت أبي سُفيان، امرأةُ أبي

5 - باب تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب

لَهَب، حَمَّالة الحطَب، رواه الحاكم في "المستدرك" عن زيد بن أَرْقَم، وغَلِطَ (ط) ومَنْ تَبِعَه كابن المُنَير في قولهما: إنها خديجةٌ، وما يجترئ على حكاية هذا القَول إلا لاشتِهار قائله، فنبَّه على الوهْم فيه. (شيطانه) بالرَّفْع فاعلُ (احتبَس)، وهي الشَّيطانةُ في الحقيقة بلُؤْمها واعتقادها السيئ. ووجْهُ مطابقته للتَّرجمة: أنه تتمة الحديث الأوَّل، وسيأتي في (التفسير) في (سورة الضُّحى) جمعُها في حديثٍ واحدٍ. * * * 5 - بابُ تَحْرِيضِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صلَاةِ الليْلِ وَالنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَطَرَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا عليهما السلام لَيْلَةً لِلصَّلاَةِ. (باب تَحريضِ النبي - صلى الله عليه وسلم - علَى قِيَام الليل) هو مفصلٌ فيما سيأتي من الأحاديث. * * * 1126 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَن النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَيقَظَ لَيلَةً فَقَالَ: "سُبحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ؟

مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ مَنْ يُوقظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ؟ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيةٍ فِي الآخِرَةِ". الحديث الأول: سبق شرحه في (العلم) في (العِظَة باللَّيل). (يا رب) المُنادَى محذوفٌ، أي: يا قَومُ رَبِّ. (عارية) بالجرِّ صفةٌ لـ (كاسيَة)، وبالرَّفع كما سبَق بيانه في (كتاب العِلْم)، وهو وإنْ ورَد على أزواجه - صلى الله عليه وسلم - لكنَّ العِبْرة بعُموم اللَّفظ، أي: يا رُبَّ نفْسٍ كاسيةٍ. وفي الحديث: إعلامُه بأنه يُفتح من الخزائن لأُمته، وأنَّ الفِتَن مقرونةٌ بها، ولذلك آثَرَ كثيرٌ من السَّلَف القِلَّة على الغِنَى، وقد استعاذَ - صلى الله عليه وسلم - من فتنة الغِنَى كما استعاذَ من فِتْنة الفَقْر، والمُراد منه مَنْ يُوقظُهنَّ لصلاة اللَّيل. وفيه أن الصَّلاة تُنجي من شَرِّ الفتن، ويُعتَصم بها من المِحَن. * * * 1127 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَيْلَةً فَقَالَ: "أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْفُسُنَا بِيَدِ

اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثنا بَعَثنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهْوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} ". الحديث الثاني: (طرقه)؛ أي: جاءه باللَّيل. (بيد الله) من المُتشابه، وفيه طَريقتا التَّفويض، والتَّأويل. (بعثنا) بفتح المثلَّثة. (مول)؛ أي: مُعرِضٌ مُدبِرٌ. قال (ط): فيه أنه ليس للإمام أن يشدِّد في النَّوافل، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قَنِعَ بقوله: (أنفسُنا بيَدِ الله)، فهو عُذْرٌ في النَّافلة لا في الفَريضة، وفيه أنَّ نَفْسَ النَّائِم مُمسَكَةٌ بيد الله، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الآية [الزمر: 42]، وأما ضَرْب الفَخِذ فإنَّه يدلُّ أنه ظنَّ أنه أحرجَهم وضيَّق عليهم، وقال (ن): إنه تعجَّبَ مِن سُرعة جوابه، وعدَمِ مُوافقته له على الاعتِذار، وقيل: ضَرَب وقال ذلك تَسليمًا لعُذرهما، وأنَّه لا عتْبَ عليهما. * * * 1128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَدع الْعَمَلَ وَهْوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ

النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُبْحَةَ الضحَى قَطُّ، وإنِّي لأسَبِّحُهَا. الثالث: (إن كان) هي المخففة من الثَّقيلة، وفيها ضمير الشأن. (خشية) متعلِّقٌ بقوله: (لَيَدَع). (لأسبحها) بالسين، والباء الموحَّدة (¬1)، أي: أُصليها، ووقَع في "الموطأ": لأستَحبُّهما، من الاستحباب. ووجْهُ دُخوله في التَّرجمة: أنه - صلى الله عليه وسلم - يُحبُّ صلاة الضحى؛ ومحبة الشَّيء (¬2) تحريضٌ على فِعْله. قال (خ): هذا من عائشة إخبارٌ عمَّا عَلِمَتْه دون ما لم تَعلَم، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلاها يومَ الفتْح، وأَوصَى بها أبا ذَرٍّ وأبا هريرة. * * * 1129 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجدِ فَصَلى بِصَلاَتِهِ ناَسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ الناسُ، ثُمَ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ ¬

_ (¬1) "بالسين والباء الموحدة" ليس في الأصل. (¬2) "ومحبة الشيء" ليس في الأصل.

6 - باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ترم قدماه

الرَّابِعَةِ، فَلَم يَخْرُجْ إِلَيْهِم رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ"، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. الحديث الرابع: (القابلة)؛ أي: الليلة الثانية. (صنعتم)؛ أي: مِن اجتماعكم وحِرْصكم على الجماعة. (وذلك) هو مُدرَجٌ من قول عائشة، وسبقت فوائد فيه (¬1) في (باب صلاة اللَّيل) آخر (أبواب الجماعة). وقال (ط): وفيه أن قِيام رمضان بالجماعة سنَّةٌ خلافًا لمن زَعم أنه من فِعْل عُمر، قال: وأجمعوا أنه لا يجوز تعطيل المساجد عن قيام رمضان، فهو واجبٌ على الكفاية، واختُلف في صلاة رمضان، هل الأفضل الإفرادُ أو الجماعة؟ * * * 6 - بابُ قِيَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى تَرِمَ قَدَماهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. ¬

_ (¬1) "فيه" ليس في الأصل.

وَالْفُطُورُ الشُّقُوقُ. {اَنفَطَرَتْ}: انْشَقَّتْ. (باب قِيام النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى تَرِم)، بلفظ المضارع مِن الوَرَم، وهو بالنَّصب، ورُوي بالرَّفْع. (وقالت عائشة) وصلَه في الباب بلفْظِ التَّرجمة. (تفطر)؛ أي: تشقَّق. * * * 1130 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ زِيَادٍ، قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: إِن كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَتقُولُ: "أفلاَ أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا". (أفلا أكون) مسبب عن محذوفٍ، أي: أَتركُ تَهجُّدي لما غفر لي، فلا أَكونُ، أي: بل المغفرة سببٌ للتهجُّد شُكرًا. قال (ط): فيه التَّشديد في العبادة، وإنْ أَضرَّ ببدَنه، وإنْ كان له الرُّخصة في غيره طلبًا للأفضل، وهذا فيمَن علِم حالَه الكاملة، فكيف بمن لا يَعرفُ أيُعذَّب أم لا؟ وإنَّما أَلزم الأنبياءُ أنفسَهم شُكر الخَوف؛ لعلمهم عِظَم نعمة الله عليهم، وأنه ابتدأَهم بها، فبذَلوا مَجهودَهم في شُكره، مع أنَّ حُقوق الله أعظَمُ مِنْ أن تقوم بها العبادة. * * *

7 - باب من نام عند السحر

7 - بابُ مَنْ نَامَ عِنْدَ السَّحَرِ (باب مَن نامَ عند السَّحَر) 1131 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ داوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا". الحديث الأول: (أحب)؛ أي: أكثَرُ ما يكون مَحبُوبًا، وهذا قليلٌ، والأكثَرُ ما يكون في التَّفضُّل أن يكون من فِعْل الفاعل، ونِسْبة المَحبَّة فيها إلى الله تعالى على معنَى إرادة الخيْرِ لفاعلها. (ويقوم ثلثه)؛ أي: وهو الوقْت الذي فيه يُنادي الرَّبُّ تعالى: هل مِن سائلٍ؟ هل من مُستغفِرٍ؟. (وينام سدسه)؛ أي: يَستدرِكُ من النَّوم ما يَستريح فيه من نَصَب القِيام في بقيَّة اللَّيل، وإنما كان هذا أحبَّ إلى الله؛ لأنه أخْذٌ بالرِّفْق على النُّفوس التي يُخشى منها السآمة التي هي سببٌ إلى تَرْك العبادة، فإنَّه تعالى يحبُّ أن يُديم فضلَه، ويُواليَ إحسانَه. * * *

1132 - حَدَّثَنِي عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ أَشْعَثَ، سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ، قُلْتُ: مَتَى كانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: إِذَا سَمعَ الصَّارِخَ قَامَ فَصَلَّى. الحديث الثاني، والثالث: (الدائم)؛ أي: الدَّوام العُرفي لا شُمول الأزمنة الدَّاخل في ما لا يُطاق، ولذلك عقَّبَتْه بقولها: (فيَقومُ إذا سَمِعَ). (الصارخ)؛ أي: الدِّيْك، قال ابن ناَصِر: وأوَّل ما يَصيح على نِصْف اللَّيل، ففيه أن الدَّائم -وإنْ قلَّ- خيرٌ من المُنقطع الكثير؛ لأن العمَل المُشِقَّ يُؤدِّي إلى القَطْع والتَّرك، بخلاف ما لا مشَقَّةَ شديدةٌ فيه، فإنَّ فيه نشاطَ النفْس، وانشراح القَلْب. * * * 1133 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ذَكَرَ أَبِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا ألفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلَّا ناَئِمًا، تَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -". الرابع: (ألفاه) بالفاء: وجَدَه، والمراد نَومُه بعد القيام على ما هو المُراد

8 - باب من تسحر فلم ينم حتى صلى الصبح

من التَّرجمة، وكذا حديث مَسْروق؛ فإن معناه: يَقوم إذا سَمع الصَّارخَ، ثم يَنام إلى السَّحَر. * * * 8 - بابُ مَنْ تَسَحَّرَ فَلَمْ يَنَمْ حَتَّى صلَّى الصبْحَ (باب مَن تَسحَّر) 1134 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَزيدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى. قُلْنَا لأَنسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولهِمَا فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: كَقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً. (سحورهما) بالفتح والضم. وسبق شرح الحديث في (باب وقْتِ الفجْر). * * * 9 - بابُ طُولِ الْقِيَامِ فِي صَلَاَةِ اللَّيْلِ (باب طُولِ القِيام)، في بعضها: (في قِيام اللَّيل).

1135 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأمْرِ سَوْءً، قُلْنَا: وَمَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتَ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (هممت)؛ أي: قَصدْتُ. (بأمر سوء) بفتح السِّين، والإضافة، ويجوز بالصِّفة، وجعلَه سُوءًا وإنْ كان القُعود في النَّفل جائزًا؛ لأن فيه تَرْكَ الأدَب مع الأئمة والكبار، وصورةَ المُخالفة. * * * 1136 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. الثاني: (يشوص)؛ أي: يَدلُكُ، أو يَغسِلُ، وسبق شرحه في أواخر (كتاب الوضوء)، وفي الأفضل من تطويل القيام في التطوع، أو كثرة الركوع والسجود خلافٌ. ووجهُ دخولِ الحديث في التَّرجمة: أنه إذا كان لا يُخِلُّ بالسِّواك

10 - باب كيف كان صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل

الذي هو تتمة قيام الليل فلا يُخِلُّ بطُول القيام الذي هو أَوكَد منه، ويحتمل أنه أراد حديثَ حُذيفة في "مسلم": أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قَرأَ البقَرة والنِّساء وآل عمران في رَكعةٍ، لكنْ لم يذكُره؛ لأنه ربَّما لا يكون على شَرطه، أو أن رُؤية شَوْصه بالسِّواك هي لليلة التي صلَّى فيها، فحكى البخاريُّ بعضَه تنبيهًا على بقيته، أو تنبيهًا بأَحَد حديثَي حُذيفة على الآخر. * * * 10 - بابٌ كيْفَ كانَ صلاةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَمْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ الليْلِ (باب: كيفَ صلاةُ اللَّيل؟) 1137 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأوترْ بِوَاحِدَةٍ". 1138 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ عَشْرَةَ ركعَةً. يَعْنِي بِاللَّيْلِ.

الحديث الأول، والثاني: (مثنى مثنى) معناه: اثنين اثنين، فتكريره تأكيدٌ. (بواحدة) فيه الاكتفاء في الوتر بركعةٍ. * * * 1139 - حَدَّثنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرناَ إِسرائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصَينٍ، عَن يَحيَى بنِ وَثَّابٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَألتُ عَائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ، فَقَالَتْ: سَبْعٌ وتِسْعٌ وإحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى ركعَتَيِ الْفَجْرِ. الثالث: (ابن حَصِين) بفتح المهملَة، ثم كسرٍ: عُثمان. * * * 1140 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَناَ حَنْظَلَةُ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ ركعَةً، مِنْهَا الْوِتْرُ وَركعَتَا الْفَجْرِ. الرابع: (وركعتا الفجر) في بعضها: (وركعتَي) على أنه نُصب على المفعول معه. * * *

11 - باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل، ونومه، وما نسخ من قيام الليل

11 - بابُ قيامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالليلِ، وَنَوْمِهِ، وَمَا نُسِخ مِنْ قيامِ الليلِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إلا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا}، وَقَوْلهِ: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: نَشَأَ: قَامَ بِالْحَبَشِيةِ، وِطَاءً قَالَ: مُوَاطَأةَ الْقُرْآنِ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ؛ {ليُوَاطِئُوا}: لِيُوَافِقُوا. (باب قِيَام النبي - صلى الله عليه وسلم -) (بالحبشية) إنَّما دخَل في القُرآن مع أنه عرَبي؛ لأنه صار بالتَّعريب داخلًا في لُغة العرب، أو أن القَليل لا يُخرج القرآن عن أن يكون عرَبيًّا. قلتُ: ومَن يَمنع وُقوعَ المُعرَّب في القرآن يقول: إنه مِن تَوافُق الوصفَين، وقد بسطتُ المسألة في "شرح الألفية". (وطْأ) بكسر الواو، وسُكون الطَّاء؛ بمعنى المُواطَأَة، غير

قياسيٍّ، كذا في أصل (ك)، والقراءة إنما هي بكسر الواو، والمَدِّ، أو بفتح الواو، وسُكون الطَّاء، أما كسر الواو، وسكون الطَّاء فقراءةٌ شاذَّةٌ. (بالقرآن)؛ أي: لقُرآنه، أو لمُقتضاه خُشوعًا لأجل حُضور القَلْب واجتماع الحواسِّ. (أشد موافقة) كأنه تفسيرٌ لقوله: (أَشدُّ مُواطَأَةً للقُرآن). قال الزَّمَخْشَرِي: النَّاشئة مصدرٌ مِن نشَأ: إذا قامَ، وهو على فاعِلَة كعاقِبة، وقالت عائشةُ: النَّاشئة: القِيام بعد النَّوم، أو هو اسم فاعلٍ؛ أي: النفْسُ النَّاشئة التي تَنشأ من مَضجَعها للعبادة، أي: تَنهَض، و (أشدُّ وَطْأ)، أي: مُواطأَةَ القلب للسان، أو أشد موافقةَ لِمَا يُراد من الخُشوع، وقُرئ: (وطاءً)، بالفتح، والكسر، أي: أشدُّ ثَباتًا للقَدَم. * * * 1141 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ: أَنَّهُ سَمعَ أَنسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلاَ ناَئِمًا إِلاَ رَأيتَهُ. تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيْدٍ.

12 - باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل

(تابعه سليمان) وصلَها البُخاري في (الصوم). (ابن خالد الأحمر) (قال (ك): في نسُخٍ: (وأبو خالِد الأَحمَر) بالواو، فلا بُدَّ أن يكون سُليمان المذكور عن سُليمان المكنى بأبي خالد، ولولاه لكان شَخصًا واحدًا مذكورًا بالاسم والكُنية والصِّفة، انتهى. وقال غيره: أبو خالد الأحمر هو سُليمان بن حَيَّان، وما وجدتُه من حديث سليمان بن بلال -أي: حتى يُحكَم بالمُغايرة بينهما-، قال: فيحتمل أن الواو زائدةٌ. * * * 12 - بابُ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِالليْلِ (باب عَقْد الشَّيطان) 1142 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيهِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ ناَمَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نشَيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كسْلاَنَ".

الحديث الأول: (يعقد) كنايةٌ عن تَثقيله بالنَّوم وتثبيطه، ورواية ابن ماجه: (يَعقِدُ في حَبْلٍ)، وهو مناسبٌ لقَوله: ليلٌ طَويلٌ، وهو من باب عَقْد السَّواحِر النَّافِثات في العُقَد، وذلك بأنْ يأخُذْنَ خيطًا، فيعقِدْن عليه عُقدةً منه، ويتكلَّمن عليه بالسِّحر؛ ليتأَثَّر المَسحور حينئذٍ بمرَضٍ، أو تحريكِ قَلْبٍ، أو نحوه. قال (ن): قيل: عقْدُ السِّحر للإنسان، ومَنْعه من القيام، فهو قَولٌ يقولُه فيؤثِّر في تَثبيط النائم كتأثير السِّحر، أو كفِعْل النَّافثات في العُقد، وقيل: هو من عَقْد القلب وتصميمه، وكأنه يُوسْوِسُه بأنَّ عليك ليلًا طويلًا، فيتأخَّر عن القيام، وقيل: مجازٌ عن تَثبيط الشَّيطان عن قِيام اللَّيل. قال في "النِّهاية": كأنَّه شدَّ عليه شِدادًا، وعَقَد عليه عُقَدًا. (قافية رأس) مُؤَخَّرهُ، وقافية كلِّ شيءٍ مُؤَخَّره، ومنه قافية الشِّعْر، وقال (ك): أي: القَفا بالقصْر، وهي مؤخَّر العنُق. (ثلاث عقد) قال البَيْضَاوي: الثَّلاث إمَّا للتَّأكيد، وإمَّا ما يُحَلُّ كلٌّ بواحدٍ من الذِّكر، والوضوء، والصلاة. قال: وتخصيص القَفا؛ لأنَّه محلُّ الواهِمة، ومَجال تصرُّفها، وهي أَطْوَعُ القُوى للشيطان وأَسرعها إجابةً لدعوته. (ويضرب كل) رُوي: (عند كل).

(عليك ليل) مبتدأٌ، وخبر مقدَّم، أو فاعلٌ لمحذوفٍ، أي: بقِيَ عليك ليلٌ، والجملة مَقول قولٍ محذوفٍ، أي: قائلًا هذا الكلام. قال (ط): هو تفسير لمعنى العَقْد كأنَّه يقولها إذا أراد النائم الاستيقاظ، وفي رواية لمسلم بالنَّصب على الإغراء، لكنَّ الأوَّل أَولى وأَمكن في المعنى من حيث إنه يُخبره عن طُول اللَّيل، ثم يأمره فيقول له. (فارقد) فإذا كان إغراءً كان أمرًا بمُلازمة طُول الرُّقاد، فلا يبقى لقوله: (فارقُد) معنًى. (فإن صلى انحلت عقدة) رُوي بالإفراد وبالجمع، ويُؤيده رواية البخاري في (بَدء الخلق): (عُقَدُهُ كلُّها). (نشيطًا)؛ أي: لسُروره بما وفَّقه الله من الطاعة. (طيب النفس)؛ أي: لمَا بارك الله له في نفسه من هذا التصرُّف الحسَن. (وإلا أصبح خبيث النفس)؛ أي: بتركه ما كان اعتاده، أو نَواه من فعل الخير، ولا يُعارِض هذا حديث: "لا يَقُلْ أحَدُكم خَبُثَتْ نَفْسي"؛ لأن النهي لمَن يقول ذلك، وهنا إنما أخبَر عنه أنه كذلك. (كسلان)؛ أي: ببقاء أثَر تَثبيط الشَّيطان، ولشُؤْم تفريطه، وظَفَرِ الشيطان به بتَفويته الحَظِّ الأوفَر من قيام اللَّيل، فلا يَكاد تَخِفُّ عليه صلاةٌ ونحوها من القُرَب، وهو غير مُنصرِفٍ؛ للوصْف وزيادةِ الألف

والنون، ومؤنَّثه: كَسْلَى، وظاهر قوله: (وإلا): أنَّ مَن لم يفعل الأُمور الثلاثة يُصبح كذلك، ولو أَتى ببعضها. قال المَازَرِي: ترجمة الباب: العَقْد على رأْس مَن لم يُصلّ، والذي في الحديث: العَقْد على كل المُكلَّفين، فيُؤوَّل ما في التَّرجمة بالذي (¬1) يُستَدام العقْدُ عليه لا ابتداءُ العقْد. * * * 1143 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ فِي الرُّؤْيَا قَالَ: "أَمَّا الَّذِي يثلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ". الحديث الثاني: (مؤمل) بفتح الميم. (يُثْلَغ) بالبناء للمَفعول، وهو بمثلَّثةٍ، ومعجَمةٍ، أي: يَشُقُّ، أو يَشْدَخ، والشَّدْخ: كسْر الشَّيء الأَجْوَف، والاقتِصار هنا في (أمَّا) بلا معادِلةٍ أُخرى، لأنَّه بعض حديثٍ يأتي في (الجنائز) في (باب: أَولاد المُشركين). (فيرفضه) بضمِّ الفاء، وكسرها، أي: يتْرك حِفْظه والعمَل به. ¬

_ (¬1) في الأصل: "فالذي"، والمثبت من "ف" و"ب".

13 - باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه

(عن الصلاة)؛ أي: ذُهولًا عنها، حتى يَخرُج وقتُها، قيل: هي صلاة الصُّبح؛ لأنها التي تَفوت بالنَّوم. * * * 13 - بابٌ إِذَا نَامَ وَلَمْ يُصَلِّ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذنُهِ (باب: إذا نامَ ولم يُصَلِّ بالَ الشَّيطان في أُذُنه) لم يذكر (ك): هذه الترجمة، بل أدخلَها في الترجمة السابقة. 1144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقِيلَ: مَا زَالَ ناَئِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَالَ: "بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ". (أذنه) بضمِّ الذال وسكونها، ثم يحتمل أن بولَه في أذُنه حقيقةٌ، فليس بِمُحالٍ، ويحتمل صَرْفَه عن الصَّارخ بما يُقِرُّه في أذُنه حتى لا يَنتبه، وكأنه ألقَى في أذُنه بولًا اختلَّ بها سمعُه، فهو تمثيلٌ، شُبِّه تثاقلُ نَومه وإغفالُه عن الصلاة بمَنْ يُبال في أذُنه؛ قاله (خ)، ويحتمل أنه كنايةٌ عن استرذاله وجعْل أذُنه كالمحلِّ الذي يُبال فيه، فإنَّ مِن عادة المُستَخِفِّ بالشيء أن يَبول عليه، وقال ابن قُتَيْبَة: معناه: أَفسَد، يقال: بال في كذا: إذا أفسَدَه.

14 - باب الدعاء والصلاة من آخر الليل

قال الطَّحَاوِي: هو استعارةٌ عن تحكُّمه فيه، وانقياده له، وقال التُّوْرِبِشْتي: يحتمل أنه ملأَ سمعه بالأباطيل، فأحدَث في أذُنه وَقْرًا عن استماع دعوة الحقِّ، وخصَّ الأذُن بالذِّكْر وإنْ كانت العين في النَّوم أنسَبَ إشارةً إلى ثِقَل النَّوم؟ فإن المَسامِع هي موارد الانتباه، وخصَّ البول؛ لأنه أسهَلُ في الدُّخول في التجاويف، وأسرعُ نُفوذًا في العُروق، فيُورِثُ الكسَل في جميع الأعضاء. * * * 14 - بابُ الدُّعَاء وَالصَّلاَةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَقَالَ: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}؛ أَيْ: مَا يَنَامُونَ، {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. (باب الدُّعاء والصلاة مِن آخر اللَّيل) (يهجعون)؛ أي: يَنامون، و (ما) إما زائدةٌ، و (قليلًا) ظرفٌ، أو صفةٌ لمصدر، أي: هُجوعًا قليلًا، أو مصدريةٌ، أو موصولةٌ، أي: كانوا قليلًا من اللَّيل، أي: هجوعهم، أو ما يَهجعون فيه، وارتفاعه بـ (قليلًا) على الفاعلية. * * * 1145 - حَدَّثَنا عَبدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَن ابنِ شِهَابٍ،

عَن أَبِي سَلَمَةَ، وأَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَن أَبِي هُريرةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَنْزِلُ رَبنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُوني فَأسْتَجيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ". (عن أبي عبد الله الأغر) كنَّاه احترازًا عن أبي مُسلِم الأَغَرِّ، يرويان عن أبي هريرة. قال الغَسَّانِي: ومنهم مَنْ جعلهما كذلك واحدًا. (ينزل) هو من المُتشابه، بفتح أوَّله لتنزُّهه تعالى عن الحرَكة، وما يليق بالأجْسام، وفيه الطَّريقان: التَّفويض مع التَّنزيه، والتَّأويل. قال (خ): ولما سُئل عن ذلك ابن المُبارك قال بالفارسيَّة: ينزل كما يشاء، فقيل: يَنزل أمرُه، أو ملائكتُه، قيل: استعارةٌ، أي: التلطُّف بالدَّاعِين والإجابة لهم، وقال: البَيْضَاوي: المراد دُنوُّ رحمته، وقد رُوي: "يَهبِطُ من السَّماء العُليا إلى السَّماء الدنيا"، أي: ينتقل من صفات الجلال التي تقتضي الأنَفة من الأَراذل، وقَهْر الأعداء، والانتقام من العُصاة إلى مقتضى الإكرام للرأْفة والرَّحمة والعفْو، وقيل: إنما هو (يُنزَل) بضمِّ أوله، فمفعوله محذوف، أي: يُنزِل ملَكًا، ورواية الحذْف يُحمل عليها على حذْف مضاف كما سبق، نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، ويؤيِّده رواية النَّسائي: (أمَرَ اللهُ ملَكًا يُنادي).

قال في "المُفهِم": وبه يرتفع الإشكال. قال (ش): لكن في ابن حِبَّان: "يَنزِلُ اللهُ إلى سَماءِ الدُّنيا، فيقول: لا أَساَلُ عن عبادي غَيري". (تبارك وتعالى) ما أحسَن الاعتراض بها بين الجُملتين؛ لدلالتها على التَّنزيه في مقام إسنادِ ما لا يَليقُ إسنادُه حقيقة. (الآخر) بالرَّفع صفةٌ لـ (ثلُث)، والتَّخصيص بهذا الثُّلُث؛ لأنه وقْتُ التعرُّض لنفَحات رحمة الله تعالى، وزمانُ عبادة المخلصين، ففيه أن آخِر الليل أفضلُ للدُّعاء والاستغفار، قال تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]. (من يدعوني) إلى آخر الثَّلاثة، إما أنها بمعنًى واحدٍ، فذكَرها للتوكيد، وإما لأن المَطلوب رفْعُ ما لا يُلائم، أو جَلْب المُلائم، وهذا إما دنيويٌّ أو دينيٌّ، فأشير بالاستغفار للأوَّل، وبالسُّؤال للثَّاني، وبالدُّعاء للثالث، وإما أن السؤال فيه طلَب، والدُّعاء ما لا طلَب فيه نحو: يا الله، يا رحمن. (فاستجيب) قال أبو البقاء: الجيِّد نَصْب هذه الأفعال في جواب الاستفهام نحو: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} [الأعراف: 53]، أو يجوز الرفْع على تقدير مبتدأ، أي: فأنا أُعطِيه. * * *

15 - باب من نام أول الليل وأحيا آخره

15 - بابُ مَنْ نَامَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَحْيَا آخِرَهُ وَقَالَ سَلْمَانُ لأَبِي الدَّرْداء - رضي الله عنهما -: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: قُمْ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ سَلْمَانُ". (باب مَن نامَ أوَّلَ اللَّيل وأَحيا)، جعل القِيام كالحياة، والنَّوم كالموت. (وقال سلمان) وصلَه البخاري في (الأدب) من حديث أبي جُحَيْفة. (صدق سلمان) مَنقَبةٌ عظيمةٌ له، لا سيَّما وأَطلَق صدقَه. * * * 1146 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كيْفَ صلاَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ، وَيَقُومُ آخِرَهُ، فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وإلَّا تَوَضَّأ وَخَرَجَ. (فيصلي، ثم يرجع إلى فراشه) دليلٌ أنه إنما يَقضي حاجته من أهله بعد الصلاة؛ لأنَّ العبادة مقدَّمةٌ. (فإن كانت) جواب الشَّرط محذوف، أي: قضَى حاجتَه، ولفظ

16 - باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل في رمضان وغيره

(اغتسَل) يدلُّ عليه. (وثبت) بفتَحاتٍ، أي: نهضَ، فيه الاهتمامُ بالعبادة والإقبالُ عليها بالنَّشاط. * * * 16 - بابُ قيامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالليلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيرِهِ (باب قِيَام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في رمَضان)؛ أي: في لَياليه. 1147 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أنه أَخْبَرَهُ: أنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِه عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ ركْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أتنامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! إِنَّ عَيْنَيَّ تنامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي". الحديث الأول: (إحدى عشرة) لا يُنافي ما سبق من (ثلاثةَ عشَر)؛ لدخول ركعتَي الفجر فيها.

(أربع) لا يُنافي ما سبق من صلاته الثَّلاثَ عشرَ مَثْنى ثم واحدةً؛ لأن ذلك في وقتٍ آخر، فالأَمران جائزان. (أتنام قبل أن توتر) قد يُعارِض هذا ما سبق أن الوِتْر من الثلاث عشرة؛ لأن قولها ذلك كان قَبْل أن يُكمل الإحدى عشرةَ بالوتر، فالفاء في قولها: (فقلتُ) عطفٌ على الإخبار السَّابق، وفي بعضها: (قلتُ) بلا فاءٍ، والغرَض أنه كان يُوتر أحيانًا بعد النَّوم. (ولا ينام قلبي) سبق في (باب: الصَّعيد وَضوء المُسلم) أن نَومه في الوادي حتى طلَعت الشَّمس؛ الجمْع بينه وبين هذا: بأن طُلوع الفجْر متعلِّقٌ بالعين لا بالقلب، أو هو من المَحسوسات لا مِنَ المَعقولات. * * * 1148 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ جَالِسًا، حَتَّى إِذَا كبِرَ قَرَأَ جَالِسًا، فَإذَا بقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلاَثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ ثُمَّ ركعَ. الحديث الثاني: (كَبِرَ) بكسر الموحَّدة، أي: أسَنَّ، أما المضموم، فبمعنى عَظُم. * * *

17 - باب فضل الطهور بالليل والنهار، وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار

17 - بابُ فَضلِ الطُّهُورِ بِالليْلِ وَالنَّهَارِ، وَفَضْلِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْوُضُوء بِالليْلِ وَالنَّهَارِ (باب فَضْل الطُّهور باللَّيل والنَّهار) 1149 - حَدَّثَنا إِسحَاقُ بنُ نصرٍ، حَدَّثَنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَن أَبِي زُرْعَةَ، عَن أَبِي هُريرةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ: "يَا بِلاَلُ! حَدِّثْنِي بِأرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ". قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أتطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نهارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: دَفَّ نَعْلَيْكَ: يَعْنِي تَحْرِيكَ. (بأرْجى) بمعنى المَفعول لا بمعنى الفاعل. (سمعت)؛ أي: في النَّوم؛ فإنه لا يدخل أحدٌ الجنَّةَ، وإنْ كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يدخل يقَظةَ كما دخَل ليلة المعراج إلا أنَّ بلالاَ لم يَدخل، فـ (في الجنَّة) ظَرْفٌ للسَّماع، والدَّفُّ بين يديه يكون خارجًا عنها. (دف)؛ أي: صَوت النَّعْل عند المَشي، والدَّفيف الذَّهاب، وهو السَّيْر اللَّيِّن، ودفَّ الطائرُ إذا حرَّكَ جناحَيه، وقال المُحِبُّ الطَّبَري: هو بإعجام الذَّال، ويُروى بالمهملَة. (أَنِّي) بفتح الهمزة: على تقدير (مِن) قبلَها، وفصَلَ بالظَّرف،

18 - باب ما يكره من التشديد في العبادة

وهو (عندي) بين أَفعل وصِلَته. (كتب)؛ أي: قدَّرَ، أعمُّ من الفرْض والنَّفل، وفيه مَنقَبةٌ عظيمةٌ لبلال. * * * 18 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الْعِبَادَةِ (باب ما يُكرَه من التَّشديد في العِبادة)؛ أي: لخَوف الانقطاع، فيكون كأنه رجَع فيما بذَله من نفْسه وتطوَّع به. 1150 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيتيْنِ فَقَالَ: "مَا هَذَا الْحَبْلُ؟! "، قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدكمْ نشاطَهُ، فَإِذَا فتَرَ فَلْيقْعُدْ". الحديث الأول: (الساريتين)؛ أي: الأُسطُوانتين. (ما) هو سؤالٌ عن الوصْف. (زينب)؛ أي: بنت جَحْش، أم المؤمنين التي نزَل فيها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا} [الأحزاب: 37]، ماتتْ سنةَ عشرين.

(فترت)؛ أي: عن القيام في الصلاة. (لا) إما نفيٌ، أي: لا يكون هذا الحَبْل، أو لا يُمدُّ، أو لا يُحمَد، أو نهيٌ؛ أي (¬1): لا تَفعلوه. (نشاطه) بفتح النُّون. * * * 1151 - قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأةٌ مِنْ أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ "، قُلْتُ: فُلَانَةُ لَا تنامُ بِاللَّيْلِ، فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا فَقَالَ: "مَهْ، عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَإنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا". الثاني: (وقال عبد الله)؛ أي: القَعْنَبي، وصلَه أبو نعيم. (فلانه) غير منصرفٍ، هي الحَوْلاء -بفتح المهملَة، والمَدِّ- بنت تُوَيْت، وكانت عطَّارةً. (مه)؛ أي: اكفُف. (ما تطيقون) مرفوعٌ، أو منصوبٌ بـ (عليكم)؛ لأنَّه اسم فعْلٍ بمعنى: الزَمُوا. ¬

_ (¬1) في الأصل و "ب": "أن"، والمثبت من "ف".

19 - باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه

(يَمل) بفتح الميم، أي: يَترك، والمعنى: لا يترك الثَّواب حتى تَتركوا العمَل بالملَل، وسبقت مباحث في الحديث في (كتاب الإيمان) في (باب: أَحبُّ الدِّين). * * * 19 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ (باب ما يُكرَه من تَرْك قيام اللَّيل) وبعده (بابٌ) لم يذكرهما (ك)، وأدخل الحديث في الترجمة الأُولى. 1152 - حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فترَكَ قِيامَ اللَّيْلِ". 1152 / -م - وَقَالَ هِشَامٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَم بْنِ ثَوْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، مِثْلَهُ.

21 - باب فضل من تعار من الليل فصلى

وَتَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. (وقال هشام) بن عَمَّار، وصلَه الإِسْمَاعِيْلي، وأبو نُعيم في "مستَخرَجهما"، وفي التَّرجمة بباب (¬1). (وتابعه عمرو) وصلَه "مسلم". (هجمت)؛ أي: غارتْ ودخلت في موضعها، مِن قولك: هجَمتُ على القَوم: دخلْتُ عليهم. (نَفِهت) بفتح النُّون، وكسر الفاء، أي: كلَّتْ وأَعيَتْ. (حقًّا) يُروى: (حَقٌّ) بالرفع على أن اسم (أنَّ) ضمير الشأْن. * * * 21 - بابُ فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيلِ فَصَلَّى (باب فضل من تَعَارَّ باللَّيل) بتشديد راء (تَعارَّ)، وهو الانتباه معه صوتٌ باستغفارٍ أو تسبيحٍ أو غيره، مِن عِرار الظَّلِيْم، وهو صَوته، وذلك حكْمة العُدول عن التعيير بالانتباه، فإنَّ مَن هبَّ من نومه ذاكرًا الله تعالى مع الهُبوب وسألَه خيرًا أعطاه، وإنما يكون ذلك لمن تعوَّدَ الذِّكْر، واستأنسَ به وغلَب عليه حتى صارَ حديث نفْسِه في نومه ويقَظته، كما في: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ ¬

_ (¬1) كذا في الأصل و "ف" وفي "ب": "بيا".

سُجَّدًا} [الإسراء: 107]، أي: يسقُطون سُقوطًا يُسمع منه خَريرهم، قالوا: وأصل التَّعارِّ: السَّهَر والتَّقلُّب على الفِراش. * * * 1154 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا الْوَليدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أكبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا اسْتُجيبَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صلَاتُهُ". 1155 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني الْهَيْثَمُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - وَهُوَ يَقْصُصُ في قَصَصِهِ، وَهُوَ يَذْكُرُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أَخًا لَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ، يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ: وَفِينَا رَسُولُ اللهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ

تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ، أَخْبَرَني الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَالأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -. الحديث الأول، والثاني: (قُبلت)؛ أي: صلاته كما هو مُصرَّحٌ به في بعض النُّسخ. (قصصه) بكسر القاف، وفتحها، أي: جملة قَصَصه، وهو متعلق بقوله: (سَمع). (إن أخًا) متعلِّقٌ بـ (سمع) أيضًا، أو بـ (يقصُّ). (الرفث)؛ أي: الباطِل من القَول والفُحش. (ساطع)؛ أي: مرتفعٌ ظاهرٌ، و (من الفجر) بيانٌ للمعروف السَّاطع. (العمى) استعارةٌ للضلالة. (يجافي) يَرفَع. (تابعه عُقيل) بضمِّ المهملَة، وصلَ هذه المُتابعة الطَّبَرانيُّ في "المعجم الكبير" في مسند ابن رَوَاحة. (وقال الزُّبَيدي) بضمِّ الزاي، وفتح الموحَّدة، وصلَه البخاري في "تاريخه الصغير". * * *

1156 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَيتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ، فَكَأَنِّي لَا أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتيَانِي أَرَادا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فتلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ: لَمْ تُرع، خَلِّيَا عَنْهُ. (إستبرق) بقطع الهمزة: دِيْباجٌ غَليظ، وهو فارسيٌّ معرَّب. (اثنين) في بعضها: (آتيين)، تثنية آتٍ، اسم فاعل من الإتيان. (يذهبان) من الإذهاب، والنون للوقاية، وفي بعضها: (يَذهَبا بي)، ثلاثيٌّ وبموحَّدةٍ جارَّةٍ للياء، والفَرْق أن في هذا مصاحَبةً. (تُرعَ) مبنيٌّ للمفعول، وسبق الحديث في (باب فضل قيام اللَّيل). (رؤياي) اسم جنْسٍ مضافٌ لياء المتكلِّم، وفي بعضها: (رؤيا) بالتَّثنية مُدغَمًا، وهو مفهوم من تَكرار رأَيتُ. * * * 1157 - فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى رُؤْيَايَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ"، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ - رضي الله عنه - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. 1158 - وَكَانُوا لَا يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرُّؤْيَا أَنَّهَا في

22 - باب المداومة على ركعتي الفجر

اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَتْ في الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيْهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ". (وكانوا)؛ أي: الصحابة. (إنها)؛ أي: ليلة القَدْر. (تواطت)؛ أي: تَوافقت في أنها في العشر الأخير من رمضان. (متحريًّا)؛ أي: طالبًا مجتهدًا لها. * * * 22 - بابُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى رَكْعَتَي الْفَجْرِ (باب المُداوَمة على ركعتَي الفجْر) 1159 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ ركَعَاتٍ وَرَكعَتَيْنِ جَالِسًا وَرَكعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدَعْهُمَا أَبَدًا. (ثماني) في بعضها: (ثَمانَ) بفتح النُّون، وهو شاذٌّ. (النداءين)؛ أي: أذان الصُّبح، والإقامة، وفيه بيان شرَفٍ

23 - باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر

لسنَّة الصُّبح وفضلِها. * * * 23 - بابُ الضِّجْعَةِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ (باب الضَّجْعة) بفتح الضاد، وفي بعضها بالكسر، إنما أراد المرَّة، أو الهيئة. 1160 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى رَكعَتَيِ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. (أبو الأسود) محمَّد بن عبد الرَّحمن. * * * 24 - بابُ مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَضْطَجِعْ (باب مَن تَحدَّث بعد الركعتَين، ولم يَضطَجع) لم يذكر هذه الترجمة، وذكر الحديث فيها. 1161 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَم، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ

25 - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى

إِذَا صَلَّى فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلَاةِ. (يؤذن): وفي بعضها: (يُؤَذَّن) بلفظ المجهول من الإِفعال، أي: يُعلِم، وفي بعضها بلفظ المجهول من التَّفعيل، والمراد منه: حتى تُقام، والاضطجاع إنما كان للراحة من تعَب القيام؛ فمَن شاء فعلَها، ومن شاء تَرك، ونبَّه البخاري بهذا على عدَم وجوبها، قال الأئمة: لأنه لم يكن يفعلُها دائمًا، وحملوا الأَمْرَ بها -فيما رواه التِّرْمِذي- على الإرشاد إلى الراحة والنَّشاط لصلاة الصُّبح. * * * 25 - بابُ مَا جَاءَ في التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عَمَّارٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَنسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالزُّهْرِيِّ - رضي الله عنهم - وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: مَا أَدْرَكتُ فُقَهَاءَ أَرْضِنَا إِلَّا يُسَلِّمُونَ في كُلِّ اثْنتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ. (باب ما جاءَ في التَّطوُّع مَثْنى) (أرضنا)؛ أي: أرض المدينة؛ لأن يحيى مدنيٌّ. (اثنين)؛ أي: ركعتين. * * *

1162 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الاِستِخَارَةَ في الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكعَتَيْنِ مِنْ غيرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي وَيسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: في عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي. قَالَ: ويُسَمِّي حَاجَتَهُ". الحديث الأول: (الاستخارة)؛ أي: طلَب الخِيْرة، فعلَّمهم كيفيَّتها من صلاةٍ ودعاءٍ. (أستخيرك)؛ أي: أسألُك بيانَ ما هو خيرٌ لي. (وأستقدرك)؛ أي: أسألك أن تجعل لي قُدرةً عليه. (بعلمك) الباء فيه وفي: (بقدرتك) إما للاستعانة، أو للاستعطاف كما في: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص: 17]، أي: بحقِّ قُدرتك، وعِلْمك الشَّاملَين.

(فاقْدِرْهُ) قال (ع): بالكسر والضمِّ في الدال، واقتصر الأَصِيْلِي على الكسر؛ أي: فقدِّره قَدَرًا من التَّقدير، قال القَرَافي في "الفُروق": يتعيَّن أن يكون معناه فيَسِّرْه. (وأرضني)؛ أي: اجعلني راضيًا به. * * * 1163 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْم الزُّرَقيِّ، سَمِعَ أَبَا قتادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكعَتَينِ". 1164 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكعَتَينِ ثُمَّ انْصَرَفَ. الحديث الثاني، والثالث: تقدَّم شرحهما قَريبًا. * * * 1165 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: صَلَّيْتُ

مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَركعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَرَكعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَرَكعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ. والرابع: سبق في (باب: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]). * * * 1166 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالإمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكعَتَيْنِ". 1167 - حَدَّثَنَا أَبَو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، في مَنْزِلِهِ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ دَخَلَ الْكَعْبةَ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ فَأَجِدُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلَالًا عِنْدَ الْبَابِ قَائِمًا، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ! صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْكَعْبةِ؟ قَالَ: نعمْ، قُلْتُ: فَأَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ هَاتَيْنِ الأُسْطُوَانتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ في وَجْهِ الْكَعْبَةِ. قَالَ أَبَو عَبْدِ اللهِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَوْصَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى.

26 - باب الحديث، يعني بعد ركعتي الفجر

وَقَالَ عِتْبَانُ: غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -؛ بَعْدَ مَا امْتَدَّ النَّهَارُ، وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ فَرَكَعَ رَكعَتَيْنِ. والخامس: سبق مرَّاتٍ. (فأجد)؛ أي: وجدْتُ، لكن ذُكر بالمضارع لاستِحضار صُورة الوِجْدان، وحكايةً عنها. (ثم خرج) يحتمل أنَّه من تتمَّة كلام بلال زيادةً على الجواب، وأن يكون من كلام ابن عُمر. (وجه الكعبة)؛ أي: بابها. (وقال أبو هريرة) هو طرَفٌ من حديث الوِتْر المتقدِّم. (وقال عِتْبَان) سبق قريبًا مطوَّلًا في (باب المساجد في البُيوت). * * * 26 - بابُ الْحَدِيثِ، يعني بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ (باب الحَديثِ بعدَ ركعتَي الفجْر) 1168 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ أَبَو النَّضْرِ، حَدَّثَني أبِي، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ

27 - باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماه تطوعا

النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَرْوِيهِ رَكعَتَي الْفَجْرِ، قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ ذَاكَ. (قلت لسفيان) هو من كلام عليٍّ. (ركعتي الفجر)؛ أي: يقول: تلك الركعتان هي سُنَّة الفجْر. (هو ذاك)؛ أي: الأمر هو هذا. (النوافل)؛ أي: التطوُّع ليُطابق قولَه في التَّرجمة: ومَن سمَّاها تطوُّعًا. * * * 27 - بابُ تعاهُدِ ركعتي الفجرِ ومَنْ سمَّاهُ تطوُّعًا 1169 - حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكعَتَيِ الْفَجْرِ. (تعاهدًا) يقال تعاهدَ الشَّيء وتَعهَّده: تفقَّده وأَحدَث العَهْد به. (منه)؛ أي: من النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * *

28 - باب ما يقرأ في ركعتي الفجر

28 - بابُ مَا يُقْرَأُ في رَكْعَتَي الْفَجْرِ (باب ما يُقرَأُ في ركعتَي الفجْر)؛ أي: سنة الفَجْر. 1170 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ كعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْح رَكعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. الحديث الأول: (خفيفتين) إما بأنْ يَقرأ بالفاتحة فقط، أو بأقصَرِ سورةٍ معها. وفيه: أن ركعتي الفجر خارجةٌ عن الثلاث عشرة، وسبق في (باب: صلاة الليل) أنها داخلةٌ، وفي (باب: قيام النبي - صلى الله عليه وسلم -): أنَّه كان لا يَزيد على إحدى عشرة. قال (ن): الاختلاف في حديث عائشة قيل: من الرُّواة، وقيل: منها، بمعنى: أن إحدى عشرة هي الأغلَب، وغيرُها نادرٌ، وأكثرها خمس عشرة بركعتي الفَجْر، وأقلُّه سبعٌ بحسَب ما كان يحصل عن اتساع الوقت وضيقه بطُول القراءة، أو نومٍ، أو مرَضٍ، أو نحوه، أو تارةً اعتَبرت الركعتين الخفيفتَين المفتَتَح صلاةُ الليل بهما، وأُخرى ركعتي الفجر، وحذفهما كليهما أُخرى، وقد تعدُّ

راتبة العشاء، وقد لا تعدُّها. * * * 1171 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمَّتِهِ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (خ) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّفُ الرَّكعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْح، حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ. الحديث الثاني: (حتى إني) بكسر (إِنَّ). (هل قرأ بأم القرآن) سُمِّيت الفاتحة؛ لاشتمالها على كُلِّيات معاني القرآن: المَبدأُ، وهو الثَّناء على الله، والمَعاش، وهو العبادة، والمَعاد، وهو الجَزاء، وليست شاكَّةً في قراءته الفاتحة، بل لمَّا خفَّف القراءة فيها جِدًّا -وعادتُه في النَّفْل بالليل التَّطويل- جَعَلَتْه مبالغةً كأنَّه لم يَقرأ. قال الجُمهور: يُستحبُّ أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بسُورةٍ قصيرةٍ، وصحَّ في حديث أبي هريرة: بسُورة الإخلاص، وفي حديث ابن عباس: بالآيتَين من البقرة، وآل عمران، وأما أبو حنيفة فقال: ربَّما

29 - باب التطوع بعد المكتوبة

قرأْتُ في ركعتَي الفجْر حِزْبي من القُرآن. * * * 29 - بابُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ 1172 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِع: بَعْدَ الْعِشَاءِ في أَهْلِهِ. تَابَعَهُ كثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، وَأَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ. 1173 - وَحَدَّثتنِي أُخْتِي حَفْصَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَكَانَتْ سَاعَةً لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا. تَابَعَهُ كثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ، وَأَيُّوبُ، عَنْ نَافِع. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: بَعْدَ

الْعِشَاءِ في أَهْلِهِ. (باب التطوُّع بعدَ المَكتوبة)؛ أي: الفَريضة. (سجدتين)؛ أي: ركعتين، وحِكْمة هذه التَّوابع تكميل (¬1) الفرض، وجَبْر نقصٍ قد يَعرِض، ولأنَّ أَفضل الأوقات وقت الصلاة، فيه تُفتح أبواب السَّماء، ويُقبل العمل الصَّالح. (فأما) قسيمةُ أمَّا أُخرى محذوفةٌ، أي: وأما الباقية ففي المسجد. (ففي بيته) مفهومُه أنَّ الباقي في المَسجد، ولا يُنافي هذا ما في حديث ابن عُمر: كان لا يُصلِّي بعد الجمُعة حتى يَنصرف؛ لاحتمال إرادة الانصِراف من الصلاة، أو أنَّ ذلك لبَيان جواز الأمرَين. قال (ط): كراهية صلاة النَّفْل في المَسجد؛ لخَوْف أن يظنَّها جاهلٌ فرضًا، أو لئلا يُخلي منْزلَه من الصَّلاة فيه، أو حذَرًا من الرِّياء، فإذا سَلِم من ذلك فالصَّلاةُ في المَسجد حسنةٌ. (لا أدخل)؛ أي: ساعةً لا يَدخل فيها أحدٌ عليه - صلى الله عليه وسلم -؛ لعَدَم اشتغاله فيها بالخَلائق. (وأيوب) متابعتُه وصلَها البخاري بعد أبوابٍ. ¬

_ (¬1) "تكميل" ليست في الأصل.

30 - باب من لم يتطوع بعد المكتوبة

(في أهله)؛ أي: زاد هذه اللفظةَ عَقِبَ قوله: (بعدَ العِشاء). * * * 30 - بابُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ 1174 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الشَّعْثَاءَ جَابِرًا قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَمَانِيًا جَمِيعًا وَسَبْعًا جَمِيعًا، قُلْتُ: يَا أَبَا الشعْثَاءَ! أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّهُ. (باب من لَم يَتطوَّع بعدَ المَكتوبة) لم يَذْكُره (ك) اكتفاءً بالترجمة السابقة، كأنه قال: التَّطوُّع وتَركه. (أبو الشعثاء) بفتح المعجَمة: جابِر بن زيد. (ثمانيًا)؛ أي: الظهر والعصر جَمْعًا، ولو تطوَّع بعد الظُّهر لَزِمَ عدَمُ الجمْع بينهما، وكذا (وسبعًا)؛ أي: المَغرب والعِشاء. قال (ط): السنَّة عند الجمْع تَرْك التَّنفُّل، قيل: أراد - صلى الله عليه وسلم - الإعلام بأَنَّ التطوُّع غير لازِمٍ. * * *

31 - باب صلاة الضحى في السفر

31 - بابُ صَلَاةِ الضُّحَى في السَّفَرِ 1175 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ تَوْبَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أتصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا؟ قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: لَا إِخَالُهُ. (باب صَلاة الضُّحى في السَّفَر) الحديث الأول: (تَوْبة) بفتح المثنَّاة فوق، وسُكون الواو، وبموحَّدةٍ، أي: ابن كَيْسَان. (مُوَرِّق) بضمِّ الميم، وفتح الواو، وكسر الرَّاء مشدَّدةً. (أخالد) بفتح الهمزة وكسرها، أي: لا أَظنُّه، ويجوز كسر غير التَّاء من أحرُف المُضارَعة، وفي التاء اختلافٌ. وهذا الحديث إنما يُناسب ذكره في الباب الذي بعدَه، قال (ط): وأظنُّه من غلَط الناسِخ. وأُجيب: بأنَّ البخاري قصَد الجمْعَ بين الأحاديث، وحَمَلَ أحاديث الإثبات على الحضَر، والنَّفي على السفَر، ويُؤيد حمله حديث ابن عُمر على السفَر أنَّه كان لا يُسبِّح في السفَر، ويقول: لو كنت مُسبِّحًا

32 - باب من لم يصل الضحى ورآه واسعا

لأتممتُ، فيحمل نفيَه لصلاة الضُّحى على عادته في السفَر. * * * 1176 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ أنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى غيْرُ أُمِّ هَانِئٍ، فَإِنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ، وَصَلَّى ثَمَانِيَ ركَعَات، فَلَمْ أَرَ صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. الثاني: سبق شرحه في (باب: من تطوَّع في السفَر). * * * 32 - بابُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحَى وَرَآهُ وَاسِعًا 1177 - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا. (باب مَن لَم يُصَلِّ الضُّحى) اكتفى عنه (ك) بالتَّرجمة السابقة على عادته.

33 - باب صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

(ما رأيت)؛ أي: لأنه لا يكون عندها في وقْت الضُّحى إلا نادرًا، بل في المسجد أو غيره، وأيضًا فكان لها مع نِسائه يومٌ من تسعةٍ أو ثمانيةٍ، أو أن المُراد ما داوم عليها لا أنها نفَت الأَصلَ. (سُبحة)؛ أي: صلاة. * * * 33 - بابُ صَلَاةِ الضُّحَى في الْحَضَرِ، قَالَهُ عِتبَانُ بْنُ مَالِكِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب صَلاةِ الضُّحَى في الحضَر) لم يذكرْه (ك) اكتفاءً كما سبق. (قاله عِتْبان) هو طرَفُ حديثه السَّابق مرَّاتٍ، ولكن ليس في طرَفه أن الرَّكعتين هما الضُّحى، نعَمْ، ذلك في "مسند أحمد"، و"سنن الدَّرَاقُطْني"، ورواه أيضًا الذُّهْلي بلفظ: (أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في بيته سُبحة الضُّحى). 1178 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ؛ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ.

الحديث الأول: (الجُريري) بضمِّ الجيم: عبد الرَّحمن. (خليلي) لا يُنافي قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "لَو كُنتُ مُتخِذًا خَليلًا لاتَّخَذْتُ أبا بكْرٍ"؛ لأن المُمتنع أنَّه هو يتخذ لا أن غيرَه يَتخذه. (صوم ثلاثة أيام) بالجَرِّ بدَلٌ، أو بالرفع خبرُ مبتدأ محذوفٍ، وكذا ما بعده، الظَّاهر أنها أيام البِيْض. (ونوم على وتر)؛ أي: تقديم الوتر على النَّوم، وهو مستحبٌّ لمن لا يَثِقُ باستيقاظه، ويحتمل أن المراد أن يكون الوِتْر بين النَّومين. * * * 1179 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ -وَكَانَ ضَخْمًا- لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا، فَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَنضَحَ لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ بِمَاءٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكعَتَيْنِ، وَقَالَ فُلَانُ بْنٌ فُلَانِ بْنِ جَارُودٍ لأَنسٍ - رضي الله عنه -: أَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى غير ذَلِكَ الْيَوْمِ. الثاني: (جاء رجل) هو عِتْبَان بن مالك. (فلان) هو عبد الحَمِيْد بن مُنذِر بن جَارُود، وسبق مع شرح

34 - باب الركعتان قبل الظهر

الحديث في (باب: هل يُصلِّي الإمامُ بمَنْ حضَر؟). قال (ط): أخَذ قومٌ بحديث عائشة، فلم يرَوا بصلاة الضُّحى، وحملوا صلاته يوم الفتح ثمان ركعاتٍ إنما كان لأجْل الفتح، وهي سنة الفَتْح، ولكنْ لا يدفع هذا التأْويل تواتُرَ الرّوايات بها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعائشةُ إنما أخبَرت بأنها لم ترَ، لا أنَّه لم يُصلِّ، فأخبرتْ بما عَلِمت، ومذهب السلَف الاستتار بها لئلا تُرى واجبةً، ورغَّب فيها أبا هريرة وغيره، ولا يُرغِّب إلا في فعلٍ جزيلِ الأجر. * * * 34 - بابٌ الرَّكْعَتَانِ قبْلَ الظُّهْرِ (باب الركعتين قبلَ الظُّهر) 1180 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ ركَعَاتٍ رَكعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ في بَيْتِهِ، وَرَكعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ في بَيْتِهِ، وَرَكعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْح، كَانَتْ سَاعَةً لَا يُدْخَلُ عَلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا. 1181 - حَدَّثتنِي حَفْصَةُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ

الْفَجْرُ صَلَّى رَكعَتَيْنِ. الحديث الأول: سبق قريبًا. (وحدثتني)؛ أي: قال ابن عُمر: وحدَّثتني. * * * 1182 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكعَتَينِ قَبْلَ الْغَدَاةِ. تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَمْرٌو، عَنْ شُعْبة. الثاني: (أربعًا) لا يُنافي ما سبق من ركعتين؛ لأن المؤكَّد هو الركعتان، والأُخريان سنةٌ غير مؤكَّدةٍ. (قبل الغداة)؛ أي: صلاة الصُّبح. (وتابعه ابن عدي) وصلَها إسحاق. (وعمرو)؛ أي: ابن مَرْزُوق، وصلَها البَرْقاني في "كتاب المُصافَحة" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "الرماني في كتاب الصلاة" مكان: "البرقاني في كتاب المصافحة" والمثبت من "ف" و"ب". وانظر: "تغليق التعليق" لابن حجر (2/ 439).

35 - باب الصلاة قبل المغرب

35 - بابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ (باب الصَّلاة قَبلَ المَغرب) 1183 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ: قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْمُزَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ"، قَالَ في الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ. كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. الحدث الأول: (سنة)؛ أي: واجبةً، أو مؤكَّدةٌ. * * * 1184 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَرْثَدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيَّ، قَالَ: أتيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ فَقُلْتُ: أَلَا أُعْحِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ يَرْكَعُ رَكعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؟ فَقَالَ عُقْبَةُ: إِنَّا كنَّا نفعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ. الثاني: (مَرْثَد) بفتح الميم، والثاء المثلَّثة، بينهما راءٌ ساكنةٌ.

(اليَزني) بفتح المثنَّاة تحت، والزاي، ثم نونٌ. والسَّنَد كلُّهم بصريون، وهو من النَّوادر. (أُعجبك) بضمِّ الهمزة، والتشديد: من التَّعجُّب (¬1)، قال (ش): أو بإسكان العين. (من أبي تميم) بفتح المثنَّاة فوق: عبد الله بن مالِك الجَيْشَانِي، بفتح الجيم، وإسكان المثنَّاة تحت، وبمعجمةٍ، ونونٍ، هاجرَ من اليمن زمنَ عُمر، وكان من العابِدين، مات سنة سبع وسبعين. (الشغل) بضمِّ الغين، وسكونها. وفي الحديث دلالةٌ على اتساع وقت المَغرب عن وضوءٍ وسترٍ وأذانين وخمس ركعاتٍ. قلتُ: وهو القديم الرَّاجح عند النَّوَوي وغيره ممتدًّا إلى غِياب الشَّفَق الأحمر. وأيضًا فيزاد على الحديث في الضِّيق، فيقال: وسبع ركعاتٍ إذا قلنا: إنها سُنُّةٌ، وهو ما رجَّحه (ن) أيضًا. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "العجب"، والمثبت من "ف" و"ب".

36 - باب صلاة النوافل جماعة، ذكره أنس وعائشة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

36 - بابُ صَلَاةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً، ذَكَرَهُ أَنَسٌ وَعَائِشَةُ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (باب صَلاة النَّوافل جماعةً) (ذكره أنس وعائشة) وصلَهما البخاري من طرُقٍ هنا، وقبل، وبعد. 1185 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ أنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا في وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ في دارِهِمْ. (إسحاق) قال الكَلابَاذِي: إسحاق بن راهَوَيْهِ، وإسحاق بن مَنْصُور كلاهما يَروي عن يعقوب، عن (¬1) الزُّهْرِي. * * * 1186 - فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه -وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بِبَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ، إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتيَازُهُ قِبَلَ مَسْجدِهِمْ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي ¬

_ (¬1) "عن" ليست في الأصل.

أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ الْوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَأَفْعَلُ"، فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِس حَتَّى قَالَ: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ "، فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ أصُلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ، فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ، فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتِي، فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ في الْبَيْتِ، فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟ لَا أَرَاهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: ذَاكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقُلْ ذَاكَ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ"، فَقَالَ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللهِ لَا نَرَى وُدَّهُ وَلَا حَدِيثَهُ إِلَّا إِلَى الْمُنَافِقِينَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّ الله قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ". قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا فِيهِمْ أَبو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَتهِ الَّتِي تُوُفِي فِيهَا، وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ، فَأَنْكَرَهَا عَلَيَّ أَبُو أَيُّوبَ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا في مَسْجدِ

قَوْمِهِ، فَقَفَلْتُ فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتيْتُ بَنِي سَالِمٍ، فَإِذَا عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ. (فزعم)؛ أي: قال، فإنَّ الزَّعْم قد يُطلَق على المُحقَّق. (عِتْبان) بكسر المهملَة، وحُكي ضمُّها. (قِبل) بكسر القاف، أي: جِهَةَ. (خَزِيرة) بفتح المعجمة، وكسر الزَّاي: طعامٌ من لَحْمٍ ودقيقٍ غليطٍ. (أهل الدار)؛ أي: أهل المَحَلَّة. (فثاب)؛ أي: جاء. (مالك)؛ أي: ابن الدُّخْشُن. (فحدثها)؛ أي: الحكايةَ، أو القِصَّة. (عليهم)؛ أي: أَمِيْرٌ. (بأرض الروم)؛ أي: القُسطنطينيَّة. (كبر)، بضمِّ الموحَّدة، أي: عَظُم. (أقفُل) بضمِّ الفاء، أي: أَرجِعُ، والمعنى: أنَّه نذَر أن يَسأَل. وسبب إنكار أبي أيُّوب عليه: أنَّه يَستلزم أنْ لا يَدخُل عُصاةُ الأمةِ

37 - باب التطوع في البيت

النَّارَ، والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23]، أو أنَّه حكَم بباطنٍ، وقال: إنا نحكُم بالظَّاهر، أو أنَّه مع كَونه من كبارهم وبين أَظهُرهم، ولو وقَع ذلك لاشتَهر، ونُقِلَ إليه، أو غير ذلك. وسبقتْ فوائد في الحديث في (باب المساجد في البُيوت). * * * 37 - بابُ التَّطَوُّعِ في الْبَيْتِ (باب التطوُّع في البُيوت) 1187 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ - رضي الله عنهما -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوا في بُيُوتكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تتَّخِذُوهَا قُبُورًا". تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ. (من) زائدةٌ، أي: اجعَلُوا صلاتَكم، وقال (ش): للتَّبعيض، وهو ظاهرٌ. (قبورًا)؛ أي: مثل القُبور بأنْ لا يُصلَّى فيها. وقد سبق الحديث وشرحه في (باب الصلاة في المَقابِر).

وقال (ط): شبَّه البيت الذي لا يُصلَّى فيه بالقبْر الذي لا يُتعبَّد فيه، والنائمَ بالميِّت الذي انقطَع منه فِعْل الخير، وقيل: المُراد أن النافلة إذا كانتْ في البيت كان أبعدَ من الرِّياء، ويدلُّ على أن المُراد التطوُّع حديث: "إذا قضَى أحدُكُم صلاتَه فليَجعَلْ لبَيتِهِ نَصِيْبًا مِنْ صَلاتهِ". (تابعه عبد الوهَّاب) وصلَه "مسلم".

20 - أبواب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

20 - أبواب فضل الصلاة في مسجد مكّة والمدينة

1 - باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 20 - أبواب فَضْلِ الصَّلَاةِ في مَسْجِدِ مَكَّة وَالْمَدِينَة 1 - بابُ فضْل الصَّلاةِ في مَسجد مكَّةَ والمَدينة (فضْل الصَّلاةِ في مَسجد مكَّةَ والمَدينة) 1188 - حَدَّثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ قَزَعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبا سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَرْبَعًا قَالَ: سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ثِنتيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً (خ). 1189 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؟ الْمَسْجدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجدِ الأَقْصَى". الحديث الأول: (أربعًا)؛ أي: أربعَ كلماتٍ، أو أحاديثَ، أي: سمعتُ منه، أو سمعتُه يحدِّث أربعًا، وستأتي هذه الأربعة مفصَّلةً في (باب مَسجِد بيت المَقدِس).

(لا تشد) نفيٌ بمعنى النَّهي؛ لكونه أبلَغُ من صَريح النَّهي، أي: كأَنَّه واقعٌ بالامتثال له. (الرحال) جمع رَحْلٍ، وهو للبَعير أصغَرُ من القَتَب، كنَّى بذلك عن السفَر؛ لأنه لازِمُه. (إلا إلى ثلاثة) الاستِثناء مُفرَّغٌ، والمراد: لا تُشَدُّ لمسجدٍ إلا لهذه الثلاثة، لا أن المُراد: لا سفَر إلا لها، ولا زيارة لإبراهيم -عليه السلام- ولا لغيره من الأنبياء، ولا لغير ذلك من الأَسفار، ويَدلُّ على ذلك السِّياق؛ لأنَّ المقدَّر في المُفرَّغ يقدَّر مُناسِبًا للمستثنى معنى ووصفًا، نحو: ما رأيتُ إلا زيدًا، يقدَّر: ما رأيتُ رجلًا أو إنسانًا، ولا يقدَّر حيوانًا أو نحوه، وقد وقَع في هذه المسألة مُناظراتٌ في البلاد الشاميَّة، وصُنِّف فيها رسائل من الطرَفين. (المسجد الحرام) بدَلٌ من ثلاثة، وفي بعضها بالرفْع خبر مبتدأ محذوفٍ، وهو يُطلَق إما على الكعبة نحو: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]، أو مكة نحو: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء:1]، أو الحرَم نحو: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]، أو نفْس المَسجِد، وهو المراد في الحديث. (الرسول)؛ أي: سيدنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فاللام للعَهْد، ولم يَقُل: مسجدي؛ لقصْد تعظيمه، وتعليل التَّعظيم، كقول الخليفة: أميرُ المُؤمنين يَرسُم لك بكذا، مكان: أنا أَرسمُ.

(المسجد الأقصى) بيت المَقدِس، وُصِفَ بذلك لبُعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وقيل: لأنَّه أقصَى موضعٍ من الأرض ارتقاعًا، وقُربًا إلى السَّماء، وقال الزَّمَخْشَرِي: لأنه لم يكنْ حينئذٍ وراءَه مسجدٌ. قال (خ): معنى (لا تُشَدُّ): الإيجاب فيما نذَره الإنسان من صلاةٍ في البِقاع التي يُتبَرَّكُ بها، فلا يَلزم الوَفاءُ حتى يُشدَّ الرَّحْل إليه، ويُقطِع المسافة إلا لهذه الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء عليهم السلام، فمَن نذر الصلاة في غيرها من البِقاع، فهو مخيَّرٌ بين إتيانها والصلاةِ في موضعه، فالشَّدُّ للمسجد الحرام فرْضُ الحج والعُمرة، ولمسجدِه - صلى الله عليه وسلم - في حياته للهِجْرة فرضٌ أيضًا كفايةً، وللبيت المُقدَّس فضيلةٌ واستحبابٌ. وقد يُؤوَّل الحديث أيضًا على أنَّه لا يُدخَل في الاعتكاف إلا للثَّلاثة، حتى ذهَب بعض السلَف أنَّه لا يصحُّ الاعتكاف إلا فيها. قال (ن): ذهَب الشيخ أبو محمَّد إلى تَحريم الشَّدِّ لغيرها كقُبور الصَّالحين ونحوهم، والصَّحيح لا يَحرُم، ولا يَلزَم، وأن الفَضيلة التامَّةَ إنما هي في شدِّ الرحال إلى الثلاثة خاصةً. * * * 1190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صَلَاةٌ في مَسْجدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ

ألْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا الْمَسْجدَ الْحَرَامَ". الحديث الثاني: (ابن أبي عبد الله) اسمه: سُلَيمان. (الأغر) بفتح الهمزة، والمُعجَمة، وبراءٍ مشدَّدةٍ، أي: رَوى مالكٌ عن الاثنين، عن أبي عبد الله مَقرونيَن، كما قاله الكَلابَاذِي. (إلا المسجد الحرام) يحتمل أمورًا ثلاثةً: المساواة لمَسجِده - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أَفضَل، وأنه أَدْوَن باعتبار أنْ تكون الصَّلاة فيه خيرٌ مِن دُون ألف صلاةٍ كتسع مئةٍ مثلًا. قال الجُمهور: مكَّةُ أفضَل من المدينة، ومَسجدُها أفضل من مَسجِدها، وعَكَسَ ذلك مالكٌ، وأوَّلَ الحديث بأن معناه: إلا المَسجِد الحرام، فإنَّ الصلاةَ في مَسجدي هذا تَفضُله بدون الألف. قال (ن): مذهبُنا أن هذا التَّفضيل في الفَرْض والنَّفْل؛ لإطلاق الحديث، وقال الطَّحَاوِي: يختصُّ بالفرْض، والاتفاق على أنَّه فيما رجَع للثواب، فثواب صلاةٍ فيه تَزيد على ثَواب ألفٍ فيما سِواه لا الإِجْزاء عن الفَوائِت، وأن ذلك مُختصٌّ بمسجده الذي كان في زمانه - صلى الله عليه وسلم - دُون ما زِيْدَ فيه. قال القَرَافِيُّ في "الفُرُوق": أنكَر بعض الشافعية على (ع): في قوله: البُقعة التي ضمَّتْ أعضاءَه - صلى الله عليه وسلم - أفضَلُ البِقاع بالإجماع من حيث إنَّ الأَفضليَّة كَثْرة ثواب العمَل، والعمَل هنا متعذِّرٌ، والجواب: أنَّ

2 - باب مسجد قباء

التَّفضيل لا يَنحصر في كثْرة الثَّواب كتَفضيل جِلْد المُصحَف على سائر الجُلود، بل يلزم أن لا يكون نفْس المُصحَف أفضَل من غيره؛ لتعذُّر العمَل فيه، وهو خلافُ المَعلوم من الدِّين ضرورةً. * * * 2 - بابُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ (باب مَسجد قُباء)، بضمِّ القاف، وخِفَّة الباء الموحَّدة: مِن عَوالِي المَدينة، والأشهَر مَدُّه، وصَرْفه وتَذكيره، وجاءَ فيه ضِدُّ الثَّلاثة، وقال (ط): إنْ جُعل للمَوضع صُرِف، أو للبُقعة مُنِع. 1191 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ لَا يُصَلِّي مِنَ الضُّحَى إِلَّا في يَوْمَيْنِ؛ يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ، فَإنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى، فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَيَوْمَ يَأْتِي مَسْجدَ قُبَاءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ، قَالَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا. 1192 - قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا أَصْنَعُ كمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَصْنَعُونَ، وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ في أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نهارٍ، غير أَنْ لَا تتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا.

4 - باب إتيان مسجد قباء ماشيا وراكبا

(من الضحى)؛ أي: في الضُّحى، أو من جهة الضُّحى. (يوم) بالفتح، والكسر. (تقدم) بفتح الدَّال. (المقام)؛ أي: مَقام إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -. (وراكبًا)؛ أي: أَو راكبًا. (أن يصلِّي) بالفتح مصدريةٌ، أي: الصلاة. وفي الحديث: أنَّه لا بأْسَ بالرُّكوب أو المَشْي إليه، وفضْلُ زيارته، وأنَّ النَّفْل بالنَّهار ركعتان كاللَّيل. * * * 4 - بابُ إِتْيَانِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا (باب إِتْيان مَسجد قُبَاء راكبًا وماشيًا) اكتفى عنه (ك) بالباب قبلَه. 1194 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ: فَيُصَلِّي فِيهِ رَكعَتَيْنِ. (زاد ابن نُمير) وصلَه ابن أبي شَيبة، وهو في "مسلم" أيضًا. * * *

5 - باب فضل ما بين القبر والمنبر

5 - بابُ فَضْلِ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ (باب فَضْل ما بين القَبْر والمِنْبَر) أوردَ فيه حديث: (ما بَين بَيتِي ومِنْبَري)؛ لأنَّ المُراد بالبيت القبر كما قاله الطَّبَري، أو أن قَبْره صارَ في حُجْرته، فلا تَفاوُت بين العِبارتَين. 1195 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ الْمَازنيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ". 1196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا بَيْنَ بَيتي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي". (ومنبري)؛ أي: الذي كان في الدُّنيا، وقيل: بل له منبرٌ على حَوْضه يَدعو النَّاسَ عليه إلى الحَوْض. (روضة) قيل: حقيقةٌ، وذلك المَوضع يُنقل إلى الجنَّة، وقيل: مجازٌ، أي: أن العبادة فيه تُؤدي إلى رَوضة الجنَّة، كما في: "الجَنَّةُ تحتَ ظِلالِ السُّيوفِ"، أي: الجِهادُ مآلُه الجنَّة، أو المراد التَّشبيه،

6 - باب مسجد بيت المقدس

أي: كرَوضةٍ، كـ: زيدٌ بَحْرٌ، وذلك لأن زُوَّار قبره من المَلائكة والإنس والجن لا يَزالون في تلْك البُقعة مُكبِّين على ذِكْر الله وعبادته. (حوضي)؛ أي: الكَوثَر. قال (خ): فيه فضْلُ المَدينة، والترغيبُ في المُقام بها، والاستكثارِ من ذكْر الله، والعبادةِ في مَسجِدها، وأنَّ المُطيع بها تَؤُولُ به طاعتُه إلى رَوضة الجنَّة، ومَن لَزِم ذلك عند المِنْبَر يُسقى في القيامة من الحَوض. * * * 6 - بابُ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (باب مَسجد بَيْت المَقدِس) 1197 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ بأَرْبَعٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي، قَالَ: "لَا تُسَافِرِ الْمَرْأةُ يَوْمَيْنِ إِلَّا مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا صَوْمَ في يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ: بَعْدَ الصُّبْح حَتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجدِ الْحَرَامِ وَمَسْجدِ الأَقْصَى وَمَسْجدِي".

(فأعجبنني) بالإفراد، وبزيادة نون الجمْع. (وآنقنني) بمدِّ الهمْزة بعدها نونٌ، وقافٌ ساكنةٌ، أي: أعجَبني، فعُطف عليه تأكيدًا، ورُوي: (أَيْنَقْنني) بياءٍ مثنَّاةٍ من تحت، قال ابن الأَثِيْر: وليس بشيءٍ. (أو ذو محرم)؛ أي: مَحرميَّةٍ، والمُراد المَحْرَم. قال (ن): هي مَن حَرُم نكاحها على التَّأْبيد لسببٍ مباحٍ لحرمتها، فخرَج بالتأْبيد: أُخت المرأة، وتُباح أُمُّ المَوطوءة بشُبهةٍ؛ لأنه لا يُوصَف بإباحةٍ؛ لأنه فعل غير مكلَّفٍ، ولحرمتها: المُلاعنة؛ فإنه عقوبةٌ وتغليظٌ. (مسجد الأقصى)؛ أي: المَكان الأَقْصَى، واختصاص الثَّلاثة بذلك؛ لأنَّ أحدَها إليه حَجُّ النَّاس وقِبْلتهم، والثاني قِبْلةٌ للأمم السَّالفة، والثالث أُسِّسَ على التقوى، وابتناه خَيْرُ البَرِيَّة، وسبَق بيان التَّرتيب في الأفضليَّة، ولهذا مَن نذَر أنْ يعتكف في المَسجد الحرام أو المدينة لا يَخرج عن نذْره بالأَقصى بخلاف العكْس فيهما.

21 - أبواب العمل في الصلاة

21 - أبواب العمل في الصلاة

1 - باب استعانة اليد في الصلاة إذا حان من أمر الصلاة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 21 - أبواب العمل في الصلاة 1 - بابُ اسْتِعَانَةِ الْيَدِ في الصَّلَاةِ إِذَا حَانَ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: يَسْتَعِينُ الرَّجُلُ في صَلَاتِهِ مِنْ جَسَدِهِ بِمَا شَاءَ، وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ قَلَنْسُوَتَهُ في الصَّلَاةِ وَرَفَعَهَا، وَوَضَعَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - كَفَّهُ عَلَى رُصْغِهِ الأَيْسَرِ، إِلَّا أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا. (باب استِعانَة اليَدِ في الصلاة) (رُسْغه) بضمِّ الرَّاء، وبالسِّين، أو الصَّاد المُهمَلتين: مِفْصَل الكَفِّ والسَّاعِد. * * * 1198 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مَخْرَمَةَ ابْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهْيَ خَالَتُهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ عَلَى عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

وَأَهْلُهُ في طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى انتُصَفَ اللَّيلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسَ، فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فتوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا بِيَدِهِ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. (عَرض) هو بفتح العين: خِلاف الطُّول، قيل: إنه المُراد هنا، وبالضمِّ النَّاحية. (الوسادة) هنا: ما يُتوسَّد إليه وعليه، وهو الفِراش، وكان اضطِجاع ابن عبَّاس لا لرؤُوسهما، ولا لأَرجُلهما، وذلك لصِغَره، وهذا وجْه التَّجوُّز بتَسمية الفِراش وِسادةً، بل يَنبغي (¬1) إلقاؤه على حقيقته، ويكون النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - واضِعًا رأْسَه على طُولها، وابن عبَّاس رأْسُه على عرْضها، وقد سبق شرح الحديث في (باب قِراءة القُرآن بعد الحدَث). قال (ط): يُعفى عن يسير العمَل في الصلاة، والاستِعانة في الحديث: المُراد بها وضْعُه - صلى الله عليه وسلم - يدَه على رأْس ابن عبَّاس، وفَتْلُه أذُنه، ¬

_ (¬1) في "ف" و"ب": "يتعين".

2 - باب ما ينهى من الكلام في الصلاة

فاستَنبط منه البُخاريُّ استعانة المصلِّي بما يتقوَّى به على صلاته. * * * 2 - بابُ مَا يُنْهَى مِنَ الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ (باب: ما ينهي من الكلام في الصلاة) 1199 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثنا ابْنُ فُضَيْل، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ: "إِنَّ في الصَّلَاةِ شُغْلًا". الحديث الأول: (ابن نُمير) بضمِّ النون: محمَّد بن عبد الله بن نُمَيْر، وقد سبَق في (باب إتْيان مَسجِد قُباء) ابنُ نُمَيْر، وذاك عبد الله، وعُرِفَ تَغايرهما بشيوخهما وطبقتهما ووفاتهما، ولعلَّ غرَض البخاري في مثل هذا الإبْهام: التَّرغيب في مَعرفة طبقات الرِّجال، وامتِحان استحضارِهم، ونحو ذلك. (شُغلًا) بضمِّ الشين، والغَين، وسكونها، والتَّنوين للتنويع، أي: نوعًا من الشُّغل لا يَليق معه الاشتغال بغيره. * * *

الحديث الثاني: 1199 / -م - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. (ابن نُمير)؛ أي: محمَّد. (هريم) بالضمِّ، وفتح الرَّاء على صُورة المُصغَّر. * * * 1200 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيبَانِيِّ قَالَ: قَالَ لِي زيدُ بْنُ أَرْقَمَ: إِنْ كنَا لنتكَلَّمُ في الصَّلاةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى نزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} الآيَةَ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. (شُبَيل) بضمِّ المُعجَمة، وفتح الموحَّدة. (يُكلِّم) استِئنافٌ. (فأُمِرْنا) بالبِناء للمَفعول، والفاعل. (بالسكوت)؛ أي: عن جميع أنواع الكَلام، ووجْه تَفْريع تَحريم السُّكوت عن الآية: أنَّه قيل: (قانتين) بمعنى: ساكتين، قال عِكْرِمة: كانوا يتكلَّمون في الصَّلاة، فنُهوا عنه.

3 - باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال

والإجماع على بُطلان الصلاة [بالكلام لغير مَصلَحة الصلاة، أو لإنقاذ هالكٍ وشبهه عامدًا عالمًا بالتَّحريم، أما لمصلحةٍ] (¬1)، فقال بعض المالكيَّة: لا تَبطل، وقال أبو حنيفة: كلامُ النَّاسي يُبطل، وكذا عندنا إلا في قَليلٍ سبَق لسانه، أو نسَيَها، أو جَهِل الحُرمة لقُرب عهده بالإِسلام، وسبق قصَّة ذي اليَدَين في (باب: التَّوجُّه نحو القِبْلة). قال (ط): المُصلِّي يُناجي ربَّه، فلا يقطَع ذلك بالكلام، بل يُقبل على ربِّه، وقال أهل التفسير: القُنوت الطَّاعة والخُشوع لله، والكلام يُنافيه إلا أن يكون من أمر الصلاة. * * * 3 - بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ في الصَّلَاةِ لِلرِّجَالِ (باب ما يَجوزُ من التَّسبيح والحَمْد) 1201 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَحَانَتِ الصَّلاةُ، فَجَاءَ بلالٌ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: حُبِسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فتَؤُمُّ النَّاسَ؟ قَالَ: نعَمْ إِنْ شِئْتُمْ، فَأَقَامَ بلالٌ الصَّلَاةَ، فتَقَدَّمَ أَبَو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَصَلَّى، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي في ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيحِ -قَالَ سَهْلٌ: هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ- وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - لَا يَلْتَفِتُ في صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكثَرُوا الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّفِّ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ، مَكَانَكَ، فَرَفَعَ اَبَو بَكْرٍ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ الله، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى. (فتؤم) حُذفت منه همزة الاستِفهام، أي: أَفَتَؤُمُّ. (فصلى)؛ أي: أَسرعَ فيها. (التصفيح) مأْخوذٌ من صَفْحتَي الكَفِّ، وضَرْب أحدهما على الآخَر، قال الفُقَهاء: السنَّة أن تَضرب المرأة بَطْنَ كفِّها الأيمن على الأيسَر. (فأشار)؛ أي: كُنِ الإمامَ كما كُنتَ، ولا تَتغيَّر عما أنت فيه. (فرفع)؛ أي: لأجل الدُّعاء، وذلك سنَّةٌ في الدُّعاء. (فحمد الله)؛ أي: شُكْرًا حيث رفَع مرتبته بتفويض النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الإمامةَ إليه. ووجْهُ تعلُّقه بالتَّرجمة: أن التَّسبيح يُقاس على الحمْد، أو بما ذكر من تَمام الحديث في غير هذه الرِّواية. قال (ط): فيه جواز تأْخير الصلاة عن أوَّل الوقْت، وأن المُبادَرة أَولى من الانتظار، واعتبارُ رِضَا الجماعة في إمامتهم، لقول أبي بكر: إن شِئتُم، وهو يعلم أنَّه أفضلُهم بعد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأن الإقامة إلى

4 - باب من سمى قوما أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة وهو لا يعلم

المؤذِّن، وأن الالتِفات لا يقطَع الصلاة، وأنه لا بأْسَ بالمَشْي للصفِّ الأوَّل لمَن يَصلُح أن يُلقِّن الإمامَ، أو يَصلُح للاستِخلاف. * * * 4 - بابُ مَنْ سَمَّى قَوْمًا أَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ مُوَاجَهَةً وَهُوَ لَا يَعْلَمُ (باب مَن سَمَّى قَومًا أو سلَّم في الصلاة على غَيره) في بعضها: بزيادةِ: (مُواجَهةً) نصبًا على المصدر، وفي بعضها: (على غَيْر مُواجِهِهِ) بلفظ الفاعل المُضاف للضَّمير، وبإضافة غَيْر إليه. (وهو لا يعلم) قال (ط): أي: المُسلَّم عليه لا يَسمع السَّلامَ. 1202 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نقُولُ: التَّحِيَّةُ في الصَّلَاةِ وَنُسَمِّي، وَيُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّكمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صالحٍ في السَّمَاءِ وَالأَرْضِ".

5 - باب التصفيق للنساء

(التحية) بالرَّفْع. (وفي الصلاة) خبَره، وفي بعضها بالنَّصب، وهذا وإنْ كان مُفردًا لكنَّه مُرادٌ به قولهم: السَّلام على فُلان، وذلك جملةٌ، فكان كالقِصَّة والخبَر ونحوهما، وسبَق شرح الحديث في (باب: التَّشهُّد الأخير). قال (ط): يُريد البخاري أن من مُواجهةَ بعضهم بعضًا، ومخاطبتَهم قبلَ الأمر بالتَّشهُّد، ولم يَأْمرهم بإعادة الصلاة، عُلِمَ أنَّ فِعْل ذلك جَهْلًا لا يُفسد، ولما كان خِطَابه - صلى الله عليه وسلم - حيًّا ومَيْتًا من الخُشوعِ وأسبابِ الصَّلاة المَرجُوِّ برَكتُها لم يكن السَّلام عليكَ كخطاب غيره، وأنكر تسمية النَّاس بأسمائهم؛ لأنه تطويلٌ، فلذلك جوَّز المالكيَّة الكلامَ عَمْدًا في أسباب الصلاة. * * * 5 - بابٌ التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ (باب التَّصفِيق للنِّساء) فسَّره الفُقهاء بضَرْب بطْن كفِّها الأيمن على ظَهْر الأيسَر. 1203 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ".

6 - باب من رجع القهقري في صلاته أو تقدم بأمر ينزل به

1204 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءَ". (والتسبيح)؛ أي: قَول: سُبحان الله. (يحيى) إما ابن مُوسَى الختِّي، أو ابن جَعْفَر، وكلاهما يَروي في "الجامع" عن وَكِيْع، وإنما كُره التَّسبيح للنِّساء؛ لأن صَوتَهنَّ فِتْنةٌ، فكذا لا تُؤذِّن. قال (ك): ولا تُقيم، ولا تَجهر بالقِراءة، وفيه نظَرٌ، وقال مالك: للرِّجال والنِّساء. * * * 6 - بابُ مَنْ رَجَعَ الْقَهْقَرَي في صلَاتِهِ أوْ تَقَدَّمَ بأَمْرٍ ينزل به رَوَاهُ سَهَلُ بنُ سَعْدٍ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -. (باب مَنْ رجَع القَهْقَرَى في صَلاته) (رواه سهل بن سعد) وصلَه البخاري في (الجمُعة). * * * 1205 - حدثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أخبرنا عَبْدُ اللهِ، قال يُونُسُ، قال

7 - باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة

الزُّهْريُّ: أخبرني أنسُ بنُ مالِكٍ أنَّ المُسْلِمِين بَيْنَا هُمْ في الْفَجْرِ يَوْمَ الاِثْنَينِ، وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - يُصَلِّي بِهِمْ، فَفَجَأَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فتبسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّلَاةِ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا في صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ، فأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِي ذَلِكَ الْيَوْمَ. (ففجأهم) بفتح الجيم، وكسرها، أي: فاجأَهم. (نكص) بالصَّاد، أو بالسِّين المُهملَتين، أي: رجَع، أي: إلى وَراء بحيث لم يَستدبِر القِبْلةَ. (أن أتموا)، (أنْ) تَفسيريَّةٌ خلافًا لقول (ك): أي التقدير: بالإتمام؛ أي: فتكون مصدرية. * * * 7 - بابٌ إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا في الصَّلَاةِ 1206 - وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَادَتِ امْرَأةٌ ابْنَهَا، وَهْوَ في صَوْمَعَةٍ قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ! قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي،

قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ! قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ! قَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، قَالَتِ: اللهُمَّ لَا يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ في وَجْهِ الْمَيَامِيسِ، وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ، فَوَلَدَتْ، فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، نزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، قَالَ جُرَيْجٌ: أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا لِي؟ قَالَ: يَا بَابُوسُ! مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: رَاعِيِ الْغَنَمِ". (باب إذا دَعَتِ الأُمُّ ولَدَها في الصَّلاة) (وقال الليث) وصلَه الإِسْمَاعِيْلي، وأبو نُعَيْم، وغيرهما. (صومعته) بفتح الميم: فَوْعَلَتُه؛ من صَمَعتُ: إذا وَقَفْتَ؛ لأنها دَقيقة الرَّأْس. (جريج): بضمِّ الجيم، ثم راءٍ مفتوحةٍ، ثم مثنَّاةٍ ساكنةٍ، ثم جيمٍ. (أمي وصلاتي)؛ أي: اجتمَع إجابةُ أُمِّي وإتْمامُ صَلاتي، فوفِّقْني يا رَبِّ لأَيِّهما أُقَدِّم. (لا يموت) نفيٌ بمعنى الدُّعاء. (المواميس) جمع مُوْمِسَة، أي: فاجِرَةٌ مُتجَاهِرةٌ به، أو البَغِيُّ، وقد يُجمَع على مَيَامِيْس، والمحدِّثون يقولون: مَيَامِيْس. (يا بَابُوسُ) بموحَّدتين ثانيتُهما مضمومةٌ، بوزْن فَاعُول: اسمٌ للولَد الرَّضِيع.

قال (ط): إنه بالفارسيَّة كقول الشاعر: حَنَّتْ قَلُوصِي إِلى بَابُوسِها جَزَعًا وآخرُه مضمومٌ؛ لأنه مُنادَى مَعرِفةٌ، فإنْ صحَّتْ رواية كسْر السِّين تكون مُنادى مضافٌ لـ (بُوْس)، أي: يا أَبا الشِّدَّة. قال (ن): فيه أنَّه آثَر الصَّلاة على إجابة الأُمِّ فاستَجاب الله تعالى، فدلَّ أن الأفضلَ كان إجابتُها؛ لأن الاستمرار في صلاة النَّفْل تطوُّعٌ، وإجابةُ الأُمِّ من البِرِّ الواجب، وكان يُمكنُه أن يُخفِّف ويُجيبها، ولعلَّه خَشي أن تَدعُوَه إلى مُفارقة صَومعته، والعَود إلى الدُّنيا وتعلُّقاتها. وفيه عِظَمُ بِرِّ الوالدَين وأنَّ دُعاءَهما مُجابٌ، والبِداءَة بالأَهمِّ في الأُمور إذا تعارضَتْ، وأن الله يَجعل لأوليائه مَخارِج عند ابتلائهم غالبًا، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وقد لا يَجعَل تهذيبًا لهم ولُطفًا، وإثباتُ كرامات الأَولياء. وقال (ط): يُمكن أن يكون نبَيًّا، فيكون ذلك معجزةً، وأنه لم يكن الكلام في الصلاة مَمنوعًا في شريعته، فلمَّا لم يُجب استُجيب دعاؤها، وفي شَرْعنا لا يجوز قَطْع الصلاة لإجابة الأُمِّ؛ إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في مَعصية الخالِق، ثم إنَّ الله تعالى عاقَبَ جُرَيجًا على تَرْك الإجابة بما ابتَلاه به، ثم تفضَّل عليه بما آثَر من التِزام الخشوع، فجعَل له آيةً من كلام الطِّفْل، فخلَّصَه. * * *

8 - باب مسح الحصا في الصلاة

8 - بابُ مَسْحِ الْحَصَا في الصَّلَاةِ (باب مَسْح الحَصَا في الصَّلاة) 1207 - حَدَّثَنَا أَبَو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَيقِيبٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيثُ يَسْجُدُ، قَالَ: "إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً". (فواحدة) بالنَّصب نعتُ مصدرٍ محذوفٍ هو وعاملُه، أي: مسَح مَسحةً واحدةً، أو بالرَّفْع مبتدأٌ حُذف خبَره، أي: فواحدةٌ كافيةٌ، أو خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: فالمَشروع واحدةٌ. قلتُ: هو أَولى من الذي قبلَه؛ لأن النكرة مبتدأٌ لا بُدَّ لها من مُسوِّغٍ، والمُراد الأولى في فِعْله واحدةً لئلا يَلزَم العمَل الكثير. ووجْهُ مطابقة التَّرجمة: أن في التُّراب الحصَا، فيَلزَم من تَسوية التُّراب مَسْح الحصَا. * * * 9 - بابُ بَسْطِ الثَّوْبِ في الصَّلَاةِ لِلسُّجُودِ 1208 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا غَالِبٌ، عَنْ بَكْرِ بْنِ

10 - باب ما يجوز من العمل في الصلاة

عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ. (باب بَسْطِ الثَّوب) اكتفى (ك) عنه بالباب قبلَه، وقال: مباحث الحديث تقدَّمت في (باب السُّجود على الثَّوب في شِدَّة الحَرِّ). * * * 10 - بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْعَمَلِ في الصَّلَاةِ (باب ما يجوزُ من العمَل في الصَّلاة) 1209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَمُدُّ رِجْلِي في قِبْلَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزنِي فَرَفَعْتُهَا، فَإِذَا قَامَ مَدَدْتُهَا. الحديث الأول: مر في (باب الصلاة على الفِراش). * * *

1210 - حدثنا مَحْمُودُ، حدَّثنا شَبَابَةُ، حدَّثنا شُعْبَةُ، عنْ مُحَمَّد ابنِ زيادٍ، عنْ أبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - عنِ النبِي - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ صلَّى صَلَاةً، قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي، فَشَدَّ عَلَيَّ لِيَقْطَعَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَذَعَتُّهُ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثقَهُ إِلَى سَارِيةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فَرَدَّهُ الله خَاسِيًا". ثُمَّ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: فَذَعَتُّهُ بِالذَّالِ؛ أَيْ: خَنَقْتُهُ، وَفَدَعَّتُّهُ: مِنْ قَوْلِ اللهِ {يَوْمَ يُدَعُّونَ}؛ أَيْ: يُدْفَعُونَ، وَالصَّوَابُ: فَدَعَتُّهُ، إِلَّا أَنَّهُ كَذَا قَالَ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ. الثاني: مر في (باب: الأَسير يُربَط في المَسجِد). (فذعته) بفاءٍ، وذالٍ معجمةٍ، ثم عينٍ مُهملةٍ مفتوحةٍ، ثم تاءٍ مُشدَّدةٍ، أي: خَنقْتُه خَنْقًا شديدًا، قال (ط): وقيل: مرَّغْتُه في التُّراب، قال: ورُوي بالدال المُهملة كأنَّه من الدَّعِّ، وهو الدَّفْع، والأصل دَعَعْتُه، فأُدغِمَت العينُ في التَّاء، قال (ك): وجاءَ: دعَّتُّه، بالتشديد في العين وفي التاء. فإنْ قيل: ثبَت أن الشَّيطان يَفِرُّ من عُمر، فيَسلُك فَجًّا غير فَجِّه، ففِراره من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَولى، فكيف شَدَّ عليه، وأَرادَ قطْع صلاته؟ قيل: لأنه يَفِرُّ من الأَذان، ولا يَفِرُّ من الصَّلاة، كما سبَق في

11 - باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة

(باب: الأَذان)، والصلاة أفضَل من الأَذان، وسيأتي في (مناقب عُمر) في النِّسوة اللاتي سَمعْنَ صوته، فابتدَرْنَ الحِجاب، وقال لهنَّ: يا عَدوَّات أَنفُسِهنَّ، أتهبْنَني ولا تَهبْن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقُلْنَ: نعَمْ، أنتَ أَفَظُّ وأَغْلَظُ. أو أنَّ المُراد بفِرار الشَّيطان منه ليس حقيقةً، بل بيان قُوَّة عُمر وصلابتِه على قَهْر الشَّيطان. وهذا الحديث فيه أنَّه - صلى الله عليه وسلم - طرَدَه وقهرَه غايةَ الإمكان، ووقَع في رواية كَرِيْمَة: (ورَواهُ النَّضْر بن شُمَيْل، عن شُعبة: فذَعتُه بالذَّال المُعجَمة) وصلَه "مسلم" من طَريق النَّضْر بن شُمَيْل بدُون هذه الزِّيادة، وهي في "غَرِيْب الحديث" للنَّضْر. (سارية)؛ أي: أُسطُوانة. (خاسئًا)؛ أي: مَطرُودًا مُتحيِّرًا، على أن فِعْل هذا وإنْ كان لا يَقتضي عدَم اختصاص سُليمان - عليه السلام - بملكٍ لا يَنبغي لأحدٍ، أي: مَجموعه من تَسخير الرِّيح والطَّير والوَحْش ونحوه، لكن قصَد الاحتراز عن التَّشريك في جنْس ذلك المُلك. * * * 11 - بابٌ إِذَا انفَلَتَتِ الدَّابَّةُ في الصَّلاةِ وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنْ أُخِذَ ثَوْبُهُ يَتْبَعُ السَّارِقَ وَيَدَعُ الصَّلَاةَ.

(باب: إِذا انفلَتَت الدَّابَّة في الصَّلاة) (يتبع)؛ أي: المُصلِّي، وهو بضمِّ العين وكسرها. * * * 1211 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا بِالأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِّيةَ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نهرٍ إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ، وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا، قَالَ شُعْبَةُ -هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ- فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخ، فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ستَّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبع عَزَوَاتٍ وَثَمَان، وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ، وإِنِّي إنْ كُنْتُ أَنْ أُرَاجِعَ مَعَ دَابَّتيِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقَّ عَلَيَّ. الحديث الأول: (الأزرق) بفتح الهمزة، وسُكون الزَّاي. (بالأهواز) بهمزةٍ مفتوحةٍ، وهاءٍ ساكنةٍ، وزاي: أرضُ خُوْزستَان. (الحرورية) بفتح المُهملة، وضمِّ الرَّاء الأُولى المُخفَّفة: نسبةٌ إلى حَرُورَاء قريةٍ، تُمدُّ وتُقصَر، كان أوَّل اجتماع الخَوارج بها وتحكيمهم فيها.

(جرف) بضمِّ الجيم والرَّاء، وسكونها: كلُّ ما أَكَلَه السَّيْل، ويُروى بحاءٍ مهملةٍ، وراءٍ ساكنةٍ، أي: جانِب. (إذا رجل) في بعضها: (إذْ جاءَ رجلٌ). (الخوارج) جمع خَارِجَة، أي: فِرْقةٌ خارجةٌ على الإمام. (أفعل بهذا)؛ أي: دعا عليه. (ثماني) فيه ثلاث رواياتٍ: هذه: بياءٍ مفتوحةٍ بلا تنوينٍ، قال ابن مالك في "شرح التَّسهيل": كذا ضَبطَه الحُفَّاظ في كتاب البخاري، والأصل: ثمانيَ غَزَواتٍ، فحُذف المضاف إليه وأُبقِي المضاف على هيئته قبل الحَذْف. الثانية: (ثمانيًا)، بالتَّنوين، وهي واضحةٌ. الثالثة: (ثمانَ) بلا ياءٍ، بل تُفتح النون على قَصْد الإضافة. (تيسيره)؛ أي: تَسهيله على النَّاس، قال (ط): فلم يَفعل أبو بُرْدَة ذلك إلا بمشاهدةٍ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها: (سَيْرَه)، أي: سفَره، وفي بعضها: (سِيَرَه) جمع سِيْرة. (وإني) بكسر الهمزة، عطفٌ على (إنَّ) السابقة. (أن كنت) بالفتح: مصدريةٌ بتقدير اللام، أي: لكَوني. (أرجع) في بعضها: (أُراجِع)، وفي بعضها: (أَنْ أَرجِع)، بزيادة (أنْ) في خبر (كان)، ويجوز أنَّ المصدر المؤَوَّل من (أنْ) و (كانَ) في

محلِّ نصبٍ بدلًا من اسم (إنَّ) في: (إني)؛ أي: أنَّ كَوني أرجعُ أحبُّ، وهو أَولى من تقدير لامٍ قبلَها، فتأَمَّلْه. وقال (ش): أَنْ أرجع، بفتح (أَنْ). قلتُ: وحينئذٍ فالظَّاهر زيادتُها في خبر كان، أو تأْويل الإخبار عن اسمها بمصدرٍ بأن يُجعل وصْفًا. (مألفها)؛ أي: مَعْلَفِها. (يشق) بضمِّ القاف وفَتْحها. قال (ط): ففي الحديث أنَّ قَطْع الصَّلاة واتِّباعَه لدابَّته أفضل من تَركها تَرجع إلى مكان علَفها من اصطَبلها في دأره، فعند الخَوف من عدَم الرُّجوع إلى داره أَولى، وفيه أن مَن خَشي تلَف ماله يجوز له قطْع الصَّلاة. * * * 1212 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى قَضَاهَا، وَسَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ في الثَّانِيةِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُ في مَقَامِي هَذَا كُل شَيْء وُعِدْتُهُ، حَتَّى

لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لَحَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ". الحديث الثاني: (فقضاهما)؛ أي: أَدَّى، لا القَضاء الاصطلاحي قَسِيْم الأداء. (ذلك)؛ أي: بأشقَّ من القِيامين والرُّكوعَين. (إنهما)؛ أي: خُسوف الشَّمس والقمَر. (يفرج) بضمِّ أوَّله، وفتح ثالثه. (وعدته) بضمِّ الواو. (ولقد رأيت) في بعضه: (رأَيتُه)، ورواه الحُمَيدي: (رأَيتُني)، قيل: وهو الصَّواب. (قطفًا)، بكسر القاف: ما يُقتَطَف، أي: يُقطَع ويُجتنَى كذِبْحٍ بمعنى مَذْبُوح، والمراد عُنقود عِنَبٍ كما جاءت في "مسلم". (لُحَيٍّ) بضمِّ اللام، وفتح المهملَة، وتشديد الياء، وسيأتي في روايته في قصَّة خُزاعة: "رأَيتُ عَمْرو بن عامِرٍ الخُزَاعيَّ". (السوائب) جمع سائبةٍ، كانوا يَنذرون لقُدوم سفَرٍ، أو بُروءٍ من مرَضٍ، أو غيره أنَّ ناقتَه تكون سائبةً، أي: يُرسلُها تَذْهب وتَجيء كيف شاءَتْ، لا تُركَب ولا تُحلَب، ولا تُمنعَ من كلأٍ ولا ماءٍ. ووجه تعلُّق هذا الحديث بالتَّرجمة: أنَّ فيه ذَمَّ تَسييب الدَّوابِّ

12 - باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة

مُطلقًا في الصلاة وغيرها. * * * 12 - بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْبُصَاقِ وَالنَّفْخ في الصَّلَاةِ وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: نَفَخَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في سُجُودِهِ في كُسُوفٍ. (باب ما يَجوزُ من البُصاق)، فيه الصاد، والسين، والزاي: ما يَخرُج من الصَّدْر. (ويذكر عن ابن عمر) وصلَه أحمد، والتِّرْمِذي، وابن خُزَيْمَة، وابن حِبَّان. * * * 1213 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَة في قِبْلَةِ الْمَسْجدِ، فتغَيَّظَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجدِ وَقَالَ: "إِنَّ الله قِبَلَ أَحَدِكُمْ، فَإِذَا كَانَ في صَلَاتِهِ، فَلَا يَبْزُقَنَّ -أَوْ قَالَ- لَا يَتَنَخَّمَنَّ،، ثُمَّ نَزَلَ فَحَتَّهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنه - إِذَا بَزَقَ أَحَدكمْ فَلْيَبْزُقْ عَلَى يَسَارِهِ. 1214 - حَدَّثَنا مُحمَّد، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ سَمِعْتُ

13 - باب من صفق جاهلا من الرجال في صلاته لم تفسد صلاته

قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا كانَ في الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينهِ، وَلَكِنْ عَنْ شمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى". الحديث الأول، والثاني: سبَقا في (باب: حَكِّ البُزاق باليَد)، وفيما بعدَه من الأبواب. (نُخامة) بضمِّ النُّون: ما يَخرج من الصَّدْر. (يتنخعن): في بعضها: (يَتنخَّمْنَ)، وهو بمعناه. قال (ط): كَرِهَ أحمد النَّفْخَ في الصلاة، وقال مالك: يَقطَع الصلاة كالكلام، وقيل: يجوز كما يجوزُ التَّنخُّم والبُصاق، فليس في النَّفخ من النُّطق بالفاء والألف أكثر مما في البُصاق من النُّطق بالتاء والفاء، ولهذا ذكَر البخاري حديث البُصاق في هذا الباب ليستدلَّ به على جَواز النَّفخ، أما البُصاق اليسير في الصلاة على اليسار، أو تحتَ القدَم فيُحتمَل في الصلاة، لكنْ ينبغي أن يكون بغير نُطْقٍ بحرفٍ كالتاء والفاء. قلتُ: مذهبنا: إنْ بانَ من ذلك كله حرْفان أَبطَلا، وإلا فلا. * * * 13 - بابٌ مَنْ صَفَّقَ جَاهِلًا مِنَ الرِّجَالِ في صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ فِيهِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

14 - باب إذا قيل للمصلي: تقدم أو انتظر فانتظر فلا بأس

(باب مَن صَفَّقَ جاهلًا) (فيه سهل) سيأتي وصْلُه بعد بابين. * * * 14 - بابٌ إِذَا قِيلَ لِلْمُصَلِّي: تَقَدَّمْ أَوِ انتَظِرْ فَانتَظَرَ فَلَا بَأْسَ 1215 - حدثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِير، أخبرنا سُفْيانُ، عن أبي حازمٍ، عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قال: كانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ، فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ: "لَا تَرْفَعْنَ رُؤُسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا". (باب: إِذا قيل للمُصلِّي: تَقدَّمْ) سبق الحديث في (أبواب السُّجود) في (باب: عَقْد الثِّياب). قال (ط): إذا لم يَرفع النِّساءُ رؤوسهنَّ حتى يَستويَ الرجالُ جلوسًا؛ فقد تقدَّمهنَّ الرِّجال، وصِرْنَ مُنتظِراتٍ لهم، ففيه جَوازُ وقُوع فعْل المأموم بعد الإِمام بمُدَّةٍ، وسبْقِ بعض المأْمومين لبعضٍ في الأفعال، انتهى. وفيه: انتظار الإِمام الدَّاخلَ في الركوع كما هو المختار في مذهب الشافعي، قيل: وما أحسَن استنباط هذه الترجمة من القَول للنِّساء:

15 - باب لا يرد السلام في الصلاة

(لا تَرفَعْنَ رؤُوسكُنَّ)؛ لأن ذلك إن كان حالَ الصلاة، فقد أَفادَ خِطاب المُصلِّي وتَربُّصَه بما لا يَضُرُّ، ولم يُنكَر ذلك، وإنْ كان قبلَها فإذا لم يُنكر - صلى الله عليه وسلم - أمرَهُنَّ بذلك، وكأَنَّه الآمِرُ به بأنَّ الانتظار جائزٌ، والإصغاء إليه جائزٌ أيضًا، وبهذا التقدير يحصل الجَواب عن قول الإِسْمَاعِيْلي: رَحِمَ الله أبا عبد الله ظَنَّ أنهُنَّ خُوطبْنَ بهذا وهنَّ في الصَّلاة، وإِنما أُمِرْنَ قبل الدُّخول أن يفعلْنَ هذا؛ لمَا عُرِفَ من ضِيْق أُزُر الرجال لئلا تقَع أعينهنَّ على عَورةٍ، فلا معنى لقول البخاري: (للمُصلِّي). * * * 15 - بابٌ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ في الصَّلَاةِ (باب: لا يَرُدُّ السَّلامَ في الصلاة) 1216 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيهِ فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ وَقَالَ: "إِنَّ في الصلاةِ شُغْلًا". الحديث الأول: (ابن أبي شيبة)؛ أي: محمَّد بن أبي شَيبة إمام الدنيا. * * *

16 - باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به

1217 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا كثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَاجَةٍ لَهُ فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ في قَلْبِي مَا اللهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَقُلْتُ في نفسي: لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ عَلَيَّ أنِّي أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ في قَلْبِي أَشَدُّ مِنَ الْمَرَّةِ الأُولَى، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فرَدَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: "إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أنِّي كُنْتُ أُصَلِّي"، وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. الثاني: (ما الله أعلم به)؛ أي: من الحُزْن العظيم الذي لا يَدخل تحت التَّعبير عن قَدْره. (وجد) من المَوجِدَة، وهي الغَضَب. فيه إثباتُ الكلام النَّفساني، وأن الكبير إذا وقع منه ما يُوجِب حُزْنًا يظهر سبَبه ليَندفع ذلك، وجوازُ التنفُّل على الراحلة لغير القِبْلة. * * * 16 - بابٌ رَفْعِ الأَيْدِي في الصَّلَاةِ لأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ (باب رَفْع الأَيدي) 1218 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ

سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ في أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ حُبِسَ وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نعمْ، إِنْ شِئْتَ، فَأَقَامَ بِلالٌ الصَّلَاةَ، وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي في الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا، حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ في التَّصْفِيح -قَالَ سَهْلٌ: التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ- قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - لَا يَلْتَفِتُ في صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - يَدَهُ، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ في الصَّلَاةِ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ؟! إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءَ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ في صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ"، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث سبق شرحه في (أبواب الإِمامة) في (باب: مَن دخَل ليَؤُمَّ النَّاس).

17 - باب الخصر في الصلاة

(شجر)؛ أي: خُصومةٌ. (فهل لك)؛ أي: رغبةٌ في الإِمامة. (التصفيح) سبَق تفسيره قَريبًا أنَّه الضَّرْب بباطِن الكَفِّ على ظَهر أُخرى، وقيل: بأُصبعَين من أحدهما على الأُخرى، وهذا للإنذار والتَّنبيه، أما بالقاف فالضَّرْب بجميع إحدى الصَّفْحتين على الأُخرى، وهو للَّهْو واللَّعِب. * * * 17 - بابُ الْخَصْرِ في الصَّلاةِ (باب الخَصْر) بفتح المعجَمة، وسكون المهملَة: وسَط الإنسان، والخاصِرة: الشَّاكلة. 1219 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نُهِيَ عَنِ الْخَصْرِ في الصَّلَاةِ. وَقَالَ هِشَامٌ، وَأَبُو هِلَالٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (نهي) بالبناء للمفعول، أي: نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لاقتضاء العُرف أنَّ

الذي ينهى ويأْمر هو الأميرُ لا الآحادُ. قال (ك): بعد تَقريره ذلك، والحديث موقوفٌ على أبي هريرة يبين بالطَّريق الآتي أنَّه مرفوعٌ. وهو عجيبٌ؛ فإن هذا عينُ الرفْع، ولو لم يَرد الذي بعده فهو مبيِّنٌ للمراد أوَّلًا. (الخصر) المنهي عنه، قال (ن): الصَّحيح أنَّه وضْع المصلِّي يدَه على خاصرته، وقال الهَرَوِيُّ: الذي يتوكَّأُ على عصَا، أي: لأن العصا تُسمَّى: المِخْصَرة، وقيل: من الاختصار، أي: يختصر السُّورة، فيَقرأ من أوَّلها آيةً أو آيتين، وقيل: يحذف من الصلاة ولا يمدُّ قيامَها وركوعَها وسجودَها وحُدودَها. قال (ش): وقيل: يقرأُ من آخر السورة آيةً أو آيتين ولا يُتمُّها في عرضه. وحكى غيرُه أن يَقرأ آياتِ السَّجدة مقتصِرًا عليها، وقيل: أنْ يقرأ السَّجدةَ، فهذا انتهى إليها لا يسجُد، وقيل غير ذلك. والأرجح الأول، قيل: لأنَّه فعْل اليهود، أو الشَّيطان، أو أن إبليس هبَطَ من الجنَّة كذلك، أو أنَّه فعْل المتكبِّرين، وروي: أنَّه استراحة أهل النَّار. (وقال هشام) وصلَه أحمد، وأصلُ الحديث عند البخاري. (وأبو هلال) وصلَه الدَّارَقُطْني في "الأَفراد". * * *

18 - باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة

18 - بابٌ يُفْكِرُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ في الصَّلَاةِ وَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: إِنِّي لأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا في الصَّلَاةِ. (باب تفكُّر الرَّجل الشَّيءَ في الصَّلاة) 1221 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عُمَرُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا في وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ: "ذَكَرْتُ وَأَنَا في الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ". الحديث الأول: (تبرًا)، هو ذهَبٌ غير مَضروبٍ، وفيه المُسابَقة للخير، وغايةُ زهده - صلى الله عليه وسلم -. * * * 1222 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ الأَعْرَج، قَالَ: قَالَ أَبَو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُذِّنَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فإذَا سَكَتَ

الْمُؤَذِّنُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ فَإِذَا سَكَتَ أَقْبَلَ، فَلَا يَزَالُ بِالْمَرْء يَقُولُ لَهُ: اذْكرْ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -. الثاني: (ضراط) سبَق في (الأذان) شرح الحديث، وأن هذا إما حقيقةٌ، أو مجازٌ عن شَغْل نفْسه بصوت يمنعه عن سماع الأذان، فسمِّي به تَقبيحًا له. (ثوب)؛ أي: أقامَ الصلاة (¬1). (بالمرء) الباء للإلصاق، أي: مُلتصِقًا به عدَمُ العلم بعدد الركَعات، وحينئذٍ فيأخذ باليَقين، ويأتي بالباقي، ويسجد للسَّهْو سجدتين. * * * 1223 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبَو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: يَقُولُ النَّاسُ: أَكثَرَ أَبَو هُرَيْرَةَ، فَلَقِيتُ رَجُلًا فَقُلْتُ: بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَارِحَةَ في الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقُلْتُ: لَمْ تَشْهدْهَا؟ قَالَ: بَلَى، ¬

_ (¬1) في الأصل: "للصلاة"، والمثبت من "ف" و"ب".

قُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِي، قَرَأَ سُورة كَذَا وَكَذَا. الحديث الثالث: (أكثر)؛ أي: من الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (بما أقرأ) كذا بإثبات الألف مع الاستفهام، وهو قليلٌ. (العتمة)؛ أي: صلاة العِشاء. فيه الإشارة من أبي هريرة إلى سبَب إكثاره أنَّه كان يَضبِط أقوالَه - صلى الله عليه وسلم - وأفعالَه بخلاف غيره. ووجه مطابقة التَّرجمة: إما عدَم ضبْط الرجل لتفكُّره فيما لا يتعلَّق بالصلاة، وإما لضبْط أبي هريرة، فتفكَّرَ حتى حَفِظَ.

22 - أبواب السهو

22 - أبواب السهو

1 - باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 22 - أبواب السهو 1 - بابُ مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ إِذَا قَامَ مِنْ رَكْعَتَي الْفَرِيضَةِ (باب ما جاءَ في السَّهْو) 1224 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيم، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ. 1225 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ مِنِ اثْنتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ.

2 - باب إذا صلى خمسا

الحديث الأول، والثاني: سبق شرحهما في (باب: مَن لم يَر التشهُّد الأوَّل واجبًا). (نظرنا)؛ أي: انتَظرْنا. (بعد ما سلم) سبق أنَّه لا يُنافي أحاديث السُّجود بعد السَّلام؛ فإن الأمرين جائزَين، والخِلاف في الأفضَل، فقال الشافعي: قبلَ السلام مُطلقًا، وأبو حنيفة: بعده مُطلقًا، ومالك: إنْ كان بالنَّقص فقَبلُ، أو بالزيادة فبعدُ. * * * 2 - بابٌ إِذَا صلَّى خَمْسًا (باب: إذا صلَّى خَمْسًا) 1226 - حدثنا أبُو الوَلِيدِ، حدَّثنا شُعْبَةُ، عنِ الحَكَم، عنْ إبْراهِيم، عنْ عَلْقَمَةَ، عنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - أنَّ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ خمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ في الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ. (الحكم) بفتح الكاف. (بعد ما سلم) يدلُّ لمن قال: بعدُ مُطلقًا، أو في الزيادة. قال (خ): كأن الحديث لم يبلُغ من قال من أهل الكوفة: إنْ لم يَقعُد

3 - باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول

في الرابعة قدْر التشهُّد، وجلَس في الخامسة، فصلاتُه فاسدةٌ، وعليه أن يَستأنفَها، وإنْ قعَد فيها فقد تمَّتْ له الظُّهر مثلًا، والخامسة تطوُّعٌ، وعليه أن يُضيف إليها سادسةً، ثم يتشهَّد ويسلم، ويسجد للسَّهْو. * * * 3 - بابٌ إِذَا سَلَّمَ في رَكْعَتَيْنِ أَوْ في ثلاثٍ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِثلَ سُجُودِ الصَّلَاةِ أَوْ أَطْوَلَ (باب: إذا سلَّم في ركعتَين)، (في) بمعنى: مِنْ، أو: على. 1227 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ الله! أَنَقَصَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: "أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ "، قَالُوا: نعمْ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. 1227 / -م - قَالَ سَعْدٌ: وَرَأَيْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى مِنَ الْمَغْرِبِ رَكعَتَيْنِ فَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. 1229 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ -قَالَ مُحَمَّد: وَأَكْثرُ ظَنِّي الْعَصْرَ- رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ في مُقَدَّمِ الْمَسْجدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ، وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: "لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ"، قَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيتَ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكبَّرَ. 1230 - حَدَّثَنَا قتيْبة بْنُ سعيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ في صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا أَتمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَكَبَّرَ في كُلِّ سَجْدَة وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نسَيَ مِنَ الْجُلُوسِ. تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ في التَّكْبِيرِ. (ذو اليدين) اسمه: الخِرْبَاق، كما في رواية "مسلم". (الصلاة) بهمزة الاستفهام، وبتقديرها، مبتدأٌ خبرُه: (نقصت) بالبناء للفاعل، أو المَفعول، لازِمًا ومتعدِّيًا، وفي بعضها: (أَنقُصَت)، بتكرر همزة الاستفهام توكيدًا، أو يقول (¬1) فيها: أنقصت. ¬

_ (¬1) "أو يقول" ليس في الأصل.

(أحق ما يقول) إما مبتدأٌ، وسادٌّ مسَدَّ الخبَر، أو (حقٌّ) خبرٌ مقدَّمٌ، و (ما يقول) مبتدأٌ. (أُخريين) في بعضها: (أُخراوَينِ) على غير القياس، وإنما لم تَبطُل الصلاةُ بالكلام؛ لأنه كان سَهْوًا؛ لأنه على ظَنِّ أنَّه خارجَ الصلاة، وسبق مباحث الحديث في (باب: تَشبيك الأَصابع في المسجد)، فلذلك اختصَر (ك) ترجمة: (باب: مَن لم يتشهَّد في سَجدتَي السَّهْو)؛ لأن فيه حديث ذي اليدَين أيضًا، وذكر فيه: (ثم سجد) ولم يقُل: سجدتَين اختصارًا، أو لإرادة الجنْس. قال: وهو يَهدِمُ قاعدة المالكيَّة في السُّجود بالنَّقص قبل السلام، ويُشكل عليهم بما لو زادَ ونقَص معًا. وحذف (ك) أيضًا: (باب: يُكبِّر في سجدتَي السَّهْو)؛ لأن الذي فيه حديث ذي اليدَين. (صلاتي العشاء)؛ أي: الظُّهر والعَصْر. (سرَعان) بفتح المُهملَة والرَّاء عند الجمهور، كما سبق. (قصرت) بضمِّ، ثم كسْرٍ، ويُروى بفتحٍ، ثم ضم، قال: ومرَّتْ مباحثُه مِرارًا. (تابعه ابن جُريج) وصلَها أحمد، والسَّرَّاج، والطَّبَراني. * * *

6 - باب إذا لم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا سجد سجدتين وهو جالس

6 - بابٌ إِذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ (باب: إِذا لَم يَدرِ كَمْ صلَّى؟) 1231 - حدثنا مُعاذُ بنُ فَضَالَةَ، حدثنا هِشامُ بنُ أبِي عَبْدِ الله الدَّسْتَوائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلَائًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ". (يخطر) بضمِّ الطَّاءِ، وكسرها، أي: يُوسوِسُ. (إن يدري)؛ أي: ما يَدري، وسبَق في (فضْل التَّأذين). * * * 7 - بابُ السَّهْوِ في الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ وَسَجَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ وِتْرِهِ.

8 - باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع

(باب السَّهْو في الفَرْض والتَّطوُّع) 1232 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ". (فلبس) بتخفيف الموحَّدة مفتوحةً، أي: خلَّط عليه أمرَ صلاته، ومنهم من يُشدِّد الموحَّدة؛ نقلَه (ع)، وحكَى صاحب "تَثْقيف اللِّسان" عن بعضهم: أن المُخفَّفة لغةُ القرآن، وأن الرواية بالتَّشديد، ولكنْ أجازوا فيه التَّخفيف لتُوافق القرآن، وإن لم يُرْوَ. قال (ط): الجمهور على السجود في التطوُّع إلا ابن سِيْرِيْن، وقَتادة، قالا: لا سُجود فيه، والحديث أعمُّ، فهو دليلٌ عليهما. قال: وإذا كان الشيطان هو الذي يُلبِّس فلِرَغْم أنفه أُمِرَ السُّجود ليَرجع خاسئًا. * * * 8 - بابٌ إِذَا كُلِّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَاسْتَمَعَ (باب: إذا كُلِّمَ)، بضمِّ الكاف.

1233 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ - رضي الله عنهم - أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكعَتَيْنِ بَعْدَ صلَاةِ الْعَصْرِ، وَقُلْ لَهَا: إنَّا أُخْبِرْنا أنَّك تُصَلِّينَهُما، وقَدْ بَلَغَنَا أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها -وقال ابنُ عَبَّاسٍ: وكنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْها- فَقَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَأخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُوني بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ قُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَأَسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ! سَأَلْتِ عَنِ الرَّكعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإنَّهُ أتانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ". (تصلينهما)؛ أي: الركعتين، وفي بعضها: (تُصلِّينها) بلا ميم، أي: الصلاة، وفي بعضها: (تُصلِّيها) بحذف النُّون بلا ناصبٍ وجازمٍ،

9 - باب الإشارة في الصلاة

وهو جائزٌ بلا ضَعْفٍ. (أضرب الناس مع عُمر عنهما)؛ أي: عن فِعْلهما. (ثم دخل)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (يا بنت أبي أُمية) هي أُمُّ سَلَمَة، واسمها: هِنْد، واسم أبي أُميَّة: سَهْل على الصَّحيح. (فهما)؛ أي: هاتان الركعتان بدَلٌ عن الركعتين الفائتتين بعد الظُّهر، وسبق الحديث بشرحه في (المواقيت)، لكنْ فعْلُ عائشة لهما باجتهادها أدَّاها (¬1) إلى اتّباع فعله - صلى الله عليه وسلم - من غير مُلاحَظة كونهما قضاءً. قال (خ): فيه أنَّ ما له سبَبٌ من التطوُّع لا يُكره بعد العَصْر، وأن النَّوافِل تُقضى، وأنه - صلى الله عليه وسلم - إذا فعَل طاعةً لا يَقطعها أبدًا. * * * 9 - بابُ الإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ قَالَهُ كُرَيْبٌ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب الإشَارةِ في الصَّلاة) (قاله كريب) سيأتي وصْلُه بعد بابٍ. ¬

_ (¬1) "أداها" ليس في الأصل.

1234 - حَدَّثَنَا قُتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ في أُنَاسٍ مَعَهُ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ بلالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نعُمْ، إنْ شِئْتَ، فَأَقَامَ بِلَالٌ، وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي في الصُّفُوفِ، حَتَّى قَامَ في الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ في التَّصْفِيقِ، وَكَانَ أَبَو بَكْرٍ - رضي الله عنه - لَا يَلْتَفِتُ في صَلَاتهِ، فَلَمَّا أَكثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ، فَإذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُهُ أَنْ يُصلِّيَ، فَرَفَعَ أبو بَكْرٍ - رضي الله عنه - يَدَيْهِ فَحَمِدَ الله وَرَجَعَ القَهْقَرى ورَاءهُ حَتَّى قامَ في الصَّفِ، فتقَدَّمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى للنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ على النَّاسِ فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ أَخَذْتُمْ في التَّصْفِيقِ؟ إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءَ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ في صَلَاتهِ فَلْيقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ إِلَّا الْتَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: ما كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: سبق شرحه مرَّاتٍ قريبًا.

(أخذتم)؛ أي: شَرَعتُم. قال (خ): فيه أنهم بادَروا بالصلاة أوَّل وقْتها ولم يُنكره - صلى الله عليه وسلم -، وجوازُ بعض الصلاة بإمامٍ والبعضِ بآخرَ، وكونُ الشَّخص إمامًا في بعضٍ، ومأمومًا في بعضٍ، وجَوازُ الالتفات بلا استدبارٍ، والعمَلِ اليَسير كالخُطوة والخُطوتين، وأنَّ السنَّة للرجال فيما يَنوبُهم التَّسبيح، والنِّساء التَّصفيق، وسبق بيانه، وصلاتُه - صلى الله عليه وسلم - خلْف أُمته، وتفضيلُ الصِّدِّيق والرِّضَا بإِمامته، والدُّعاءُ في أثناء الصلاة، ورفْعُ اليد فيه شُكرًا لنعمةٍ حدَثتْ، وفَهْم أبي بكرٍ أنَّ أَمْره تكريمٌ لا إيجابٌ، وإلا لم يُخالفْه، واعتذارُه بأنه ما كان يَنبغي إمَّا لاستصغارِ نفْسه عن منصبِ الإمامة، أو لمَا يُتوقَّع من تغييرٍ في الصلاة في حياة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -وهو لا يَعلَم به، أو لأنَّه لمَّا شقَّ الصُّفوف دلَّ أنَّه يتقدَّم؛ إذ لو أراد أن لا يتقدَّم لثبَتَ وراءَها. * * * 1235 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهِيَ تُصَلِّي قَائِمَةً وَالنَّاسُ قِيَامٌ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءَ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نعمْ. الثاني: سبق شرحه في (العلم) في (باب: مَن أجابَ الفُتيا بالإشارة). * * *

1236 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْم قِيَامًا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا". الثالث: (شاكٍ)؛ أي: لانحرافِ مزاجه عن الاعتدال. (أن اجلسوا) سبق في (باب: إنَّما جُعل الإِمام ليُؤتَمَّ به) أن ذلك نُسِخَ بصلاتهم قيامًا خلْفَه قاعدًا في مرَض موته، كما قاله الحُمَيديُّ وغيرُه. قال (ط): الإشارة المُفهِمة لا تقطَع الصَّلاةَ لهذه الأحاديث، وأيضًا فكسائر حرَكات الأَعضاء، فإنها لا تُفسد، وقال أبو حنيفة: هي كالكلام، فتقطَع الصلاةَ.

23 - كتاب الجنائز

23 - كتاب الجنائز

1 - باب في الجنائز، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 23 - كتاب الجنائز 1 - بابٌ في الْجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: ألَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إلا لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ. (كتاب الجَنائِز) جمع جَنازةٍ بفتح الجيم وكسرها؛ من جَنَزَ، أي: سَتَر، قيل: بالفتح: المَيِّت، وبالكسر: النَّعْش عليه الميِّت، وقيل: عكسه. (لا إله إلا الله)؛ أي: مع ضَميمَتِها، وهي: محمَّدٌ رسولُ الله (مفتاح) بالرفْع والنَّصب: اسمُ ليس، أو خبرها؛ لأنهما معرفتان. (له أسنان) قال (ط): هي قواعد الإِسلام التي بُني عليها. (وإلا)؛ أي: وإنْ لم تجئْ بمفتاحٍ، أو جئْتَ بمفتاحٍ لكنْ لا أسنانَ له، وحينئذٍ تسميته مفتاحًا مع كَون الأسنان معتبرةً فيه مجازًا

باعتبار أنَّ شأنه ذلك إذا وُجد له أسنانٌ، فهو بالقوَّة لا بالفِعل. (لم يفتح)؛ أي: في أوَّل الأمر، وإلا فمُرتكِب الكبيرة لا بُدَّ أن يدخُل الجنة، وأيضًا فمخصوصٌ بمن يشاءُ الله أن لا يدخُل أَوَّلًا، وقد يَشاءُ الله دُخولَه بأن يَعفُوَ عنه فيُدخله أَوَّلًا. * * * 1237 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُويدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أتانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرني أَوْ قَالَ بَشَّرَنِي أنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قُلْتُ: وَإنْ زنَىَ، وإنْ سَرَقَ؟ قال: وإنْ زَنَىَ وإِنْ سَرقَ. الحديث الثاني: (آت)؛ أي: جبريل. (فقلت: وإن زنا)؛ فيه استفهامٌ مقدَّرٌ، أي: أُدخِلَ، وجملة الشَّرط في محلِّ نصبٍ على الحال. (قال: وإن زنا)؛ أي: يدخُل الجنَّة، ولا يُقال: مفهوم الشَّرط أنَّه إذا لم يَزْنِ، ولم يَسرِق لا يَدخُل؛ لأن هذا على حَدِّ: "نِعْمَ العبدُ صُهَيْبٌ لَو لَم يَخَفِ الله لم يَعْصِه"، فمَن لم يَزْنِ وَيَسرِق أَولى بالدُّخول ممن زنا وسرق.

قلت: أو التقدير كما في السُّؤال: يَدخُل ولَو زنا وسرَق، أي: فيدخل في الحالتَين. وفيه أن الكبيرة لا تَسلُبُ اسمَ الإيمان، فإنَّ غير المؤمن لا يَدخُل، وأربابُها لا يخلَّدون في النار، وذكَر الزِّنا والسَّرقة؛ لأن الحقَّ إما للهِ، أو للعِباد، وقيل: إنما قال ذلك قبلَ نُزول الفَرائض والأَوامر والنَّواهي، وقال البخاري: إنَّ ذلك لمن نَدِمَ وتابَ ومات على ذلك. * * * 1238 - حدثنا عُمَرُ بن حَفْصٍ، حدثنا أبِي، حدثنا الأَعْمَشُ، حدَّثنا شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَن مَاتَ يَشْرِكُ بالله شيئًا دَخَلَ النَّارَ". وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. الثالث: (وقلت أنا) أخذَ ذلك ابن مَسعود من أَنَّ نفْيَ السبَب يلزَم منه نَفْي المسبَّب، فهذا انتفَى الشِّرك لم يدخُل النَّار، فيَلزم دخولُه الجنَّة؛ إذْ لا ثالثَ لهما، أو من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 148]، ونحوه. * * *

2 - باب الأمر باتباع الجنائز

2 - بابُ الأَمْرِ بِاتَّبَاعِ الْجَنَائِزِ (باب الأَمْرِ باتِّباعِ الجَنائِز) 1239 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنهانَا عَنْ سَبعٍ؛ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَم، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنهانَا عَنْ آنِيةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَم الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاج، وَالْقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ. الحديث الأول: (إبرار) بالرَّاء المُكرَّرة: من البِرِّ ضِدُّ الحِنْث، قيل: هو تصديقُ من أَقسَم عليك، وهو أن يفعل ما شاءَ له. (وتشميت) بالمعجَمة، والمهملة، تقول له: يَرحَمك الله، وهو سنةُ كفايةٍ. (والديباج) فارسيٌّ معرَّبٌ. (والقسي) بفتح القاف، وتشديد المهملة: نسبةٌ للقَسِّ بلَدٌ بناحية مصر على ساحِل البحر، وقيل: كتَّانٌ مخلوطٌ بحريرٍ، وقيل: من القَزِّ، وهو رَديء الحَرير، وأنَّ أصلها: القَزِّي، فأُبدلت الزاي سينًا، وفسَّره البخاري في (كتاب اللِّباس): بأنَّها ثيابٌ يُؤتى بها من الشَّام أو

مصْر مُضلَّعةٌ، فيها حريرٌ أمثال الأُتْرُجِّ، قال الجَوْهَرِي: أصحاب الحديث يكسِرون القاف، وأهل مصْر يَفتحونها. فالحرير إنْ كان أكثَر، فالنَّهي للتحريم، وإلا فللكراهة. (والإستبرق) نوعٌ من الدِّيباج، فارسيٌّ معرَّبٌ، وذكر هذه الثلاثة بعد الحَرير خاصٌّ بعد عامٍّ اهتمامًا بحُكْمها، أو دفْعًا لتوهُّم (¬1) أنَّ اختصاصها باسمٍ يُخرجها عن حُكم العام، أو أن العُرف فرَّق أسماءها لاختِلاف مسمَّياتها، فرُبَّما توهِّم أنها غير الحرير. وليس في رواية أبي الوَليد هذه ذِكْر السَّابع، إما اختصارًا أو نِسيانًا، وهو: المِيثَرَة كما ذكره البخاري في (كتاب الأشربة واللِّباس) في (باب: خواتيم الذهَب)، وقال هناك: إنَّ النِّساء تضَعُها لبُعولتهنَّ مثل القَطائِف، وقيل: إنها جُلُود السِّباع. قال (ن): بكسر الميم من الوِثَارة بالمثلَّثة، وهي: اللُّيونة، ووَثِيْرٌ، أي: لَيِّنٌ، فهي وِطاءٌ على السَّرْج يكون من حَريرٍ، أو من صُوفٍ، أو غيره. لكنْ على هذا قد يُعمل بما لا يَحرم، فما وجْهُ النَّهي، وجوابه: أن النَّهي قد يكون للكَراهة كما أنَّ المَأمورات بعضُها للوجوب، ¬

_ (¬1) من قوله هنا: "أو دفعًا لتوهم أن اختصاصها ... " إلى قوله: "بل الدخ نبت موجود بين النخيلات ... إلخ، من باب إذا أسلم الصبي فمات" ليس في "ب" وهو بمقدار (15) لوحة تقريبًا.

وبعضُها للنَّدْب، وإطلاقُ الأَمْر فيها أو النهي استعمالٌ للَّفظ في حقيقته ومجازه، وهو جائزٌ عند الشافعي، ومَن منعَ ذلك يجعلُه لقَدْرٍ مشتركٍ بينهما مجازًا، ويُسمَّى بعُموم المجاز. فإن قيل: فقَول الشَّافعي ذلك مع أنَّ شَرْط المجاز أن يكون معَه قَرينةٌ تَصرِف عن الحقيقة؟، قيل: المُراد قَرينةٌ تقتضي إرادةَ المجاز، أو أنْ يُصرَف عن الحقيقة أولًا، وقد جوَّزوا في الكناية -نحو: كَثِيْر الرَّماد- إرادةَ المعنى الأَصلي مع إرادة لازِمه، فكذا المجاز. واعلم أن إطلاق النَّهي مع كون النِّساء يُباح لهنَّ بعضُها كخاتم الذَّهب دَخَلَهُ التخصيصُ بدليلٍ آخر، كحديث: "هذَانِ -أي: الذَّهب والحَرير- حرامٌ على ذُكور أُمتي حِلٌّ لإناثها". قال (خ): هذه الأُمور لها مَراتبُ مختلفةٌ، فاتباع الجنائز فرْضُ كفايةٍ، وإذا سقَط بفعْل البعض، فما يُفعل بعد ذلك فضيلةٌ وعبادةٌ. قلتُ: فيه نظَرٌ؛ فإن المرجَّح في الأُصول أن الكُلَّ يقَع فَرْضًا. وعِيادة المريض فضيلةٌ لها ثَوابٌ إلا أن لا يكون له متعهِّدٌ، فتعهُّده لازِمٌ، وإجابة الدَّاعي في دَعوة النِّكاح لازمٌ بشروطه، ونصْر المظلوم كذلك، وإبرار القَسَم خاصٌّ بما يَحِلُّ من الأُمور ويتيسَّر، ولا يَحْرَج المُقسَم عليه، ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكرٍ في قصَّة تعبير الرُّؤيا: "لا تُقْسِم"، حين قال: أقسَمتُ عليكَ لتُخبِرَنِّي بالذي أَصبْتُ، وردُّ السلام فرضُ كفايةٍ، فإن انفَرد المسلَّم عليه تعيَّن عليه،

وتشميت العاطِس إنما يجب إذا حَمِدَ الله. قال (ك): ذلك سنةٌ حينئذٍ لا واجبٌ، ونقل (ط) عن الكوفيِّين أنَّ ردَّ السلام فرضُ عينٍ على كلٍّ من الجماعة. * * * 1240 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ. وَرَوَاهُ سَلاَمَةُ عَنْ عُقَيْلٍ. الحديث الثاني: (محمد) قال الكَلابَاذِي: رَوى البخاريُّ عن محمَّد بن أبي سَلَمَة غيرَ منسوبٍ في (كتاب الجنائز)، ويقال: إنه محمَّد بن يحيى الذُّهْلِيُّ. (حق) يعمُّ وجوب العين والكفاية، والنَّدب، قال (ط): أي: حقُّ الحُرمة والصُّحبة. (تابعه)؛ أي: عَمْرو بن أبي سلَمَة. (عبد الرزاق)؛ أي: ابن هَمَّام، وصلَه "مسلم".

3 - باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه

(ورواه سلامة)؛ أي: ابن رَوْح. (عن عُقَيْل) هو عمُّه. * * * 3 - بابُ الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي كَفنِهِ (باب الدُّخول على المَيِّت) 1241 - و 1242 - حَدَثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نزَلَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ! لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - خَرَجَ وَعُمَرُ - رضي الله عنه - يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

{وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ} إِلَى {الشَّاكِرِينَ}. وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا. الحديث الأول: (بالسنح) بضمِّ النون، أو سكونها، وإهمال الحاء: مَوضِعٌ بعَوالي المدينة. (تيمم)؛ أي: قصَدَ. (مُسجى)؛ أي: مُغطَّى. (ببُرْدٍ حِبَرَةٍ) بحاءٍ مهملةٍ مكسورةٍ، وموحَّدةٍ مفتوحةٍ، بوزن عِنَبَة: نوعٌ من بُرود اليمَن، أشرفُ الثِّياب عندهم، وهو الأكثَر، أو بوصفهِ بحِبَرَةٍ. (أكبَّ) لازمٌ مع أنَّ (كَبَّ) الثُّلاثي مُتعدٍّ، فهو من النوادر. (فقبَّله)؛ أي: بين عَينيه كما رواهُ النَّسائي، وترجَم عليه: (المَوضع الذي قُبِّل من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -). (بأبي)؛ أي: أنت مُفدًّى بأبي. (لا يجمع الله) برفْع يجمع. (موتتين) إنما قال ذلك ردًّا لقَول عمر: إنَّ الله سيَبعثُ نبيَّه، فيقطِّع أيديَ رجالٍ وأَرجُلَهم، أي: لا يكون لك في الدُّنيا إلا موتةٌ واحدةٌ.

(كُتِبَتْ)؛ أي: قدِّرت. (مُتَّهَا) بضمِّ الميم وكسرها: مِن مات يموت، ومات يمات، أي: مُتَّ تلك المَوتةَ. (إلا يتلوها)؛ أي: آية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ} إلى آخرها [آل عمران: 144]. قال (ط): فيه تقبيل الميِّت، وأنَّ أبا بكْرٍ أعلَمُ من عُمر، وزيادة عِلْمه ورجاحَة رأْيه، وعِظَم منزلته عند الصَّحابة حين مالوا إليه. قال (ك): ونَدْبُ تَسجية الميت، وحِكْمتها صيانتُه عن الانكشاف وستْر صُورته عن الأعين، وتَركُ تقليد المَفضول عند وُجود الأفضل. * * * 1243 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ -امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً، فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّي وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟ " فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَنْ يُكرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: "أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللهِ

إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَناَ رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي؟ "، قَالَتْ: فَوَاللهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا. 1243 / -م - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ مِثْلَهُ، وَقَالَ ناَفِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ: مَا يُفْعَلُ بِهِ؟ وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَعْمَرٌ. الحديث الثاني: (أم العلاء)؛ أي: بنت الحارِث بن ثابِت الخَزْرَجيَّة، قال التِّرْمِذي: هي أُم خارِجَة، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُها في مرَضها، فإبهامُها لا يخفى أنَّه لغرَضٍ. (اقْتُسِمَ) مبني للمفعول. (فطار لنا)؛ أي: وقَع في سهمنا، ويُروى: (فصَارَ لَنا) بالصَّاد، حكاه عيسى بن سَهْل في "غريب البخاري". (مَظْعُون) بفتح الميم، وسكون الظاء المعجمة: ابن السَّائِب، بالمهملَة وهمزةٍ بعد الألِف، الجُمَحِي القُرَشي، أسلَم بعد ثلاثةَ عشَرَ رجُلًا، وهاجَر الهجرتين، وشَهِد بدْرًا، وهو أوَّل من مات بالمدينة من المهاجرين، ودُفن بالبَقِيْع، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيه: "نِعْمَ السَّلَف هو لنا". (أبا السائب)؛ أي: يا أبا، وهي كُنية عُثمان. (فشهادتي عليك)؛ أي: لك، فلم يَقصد بـ (على) معنى نُصرةٍ،

بل الاستعلاء فقط، وهو مبتدأٌ وخبرٌ، قيل: هذا التركيب يُراد به القسَم، كأنه قيل: أُقسِم بالله لقَد أكرمك، وقيل: (شهادتي) مبتدأٌ، و (عليك) صِلَتُه، والقسَم مقدَّرٌ، والجُملة خبَر المبتدأ، أي: شهادتي عليك قَولي: واللهِ لقَدْ. (فمن يكرمه الله)؛ أي: إذا كان هذا مُؤمِنًا خالِصًا مُطيعًا ولم يُكرمه، فمن هذا الذي يُكرمه الله؟!. (أما) مُقابلها أمَّا محذوفةٌ، أي: وأما غيرُه فخاتمة أمْره غير معلومةٍ، هل يُرجَى له الخير عند اليَقين، وهو الموت أَوْ لا؟. ففيه أنه لا يُجزَم في أحدٍ بأنه من أهْل الجنَّة إلا إنْ نصَّ عليه الشَّارع كالعشَرة، وأمثالُه، لا سيَّما والإخلاصُ أمرٌ قلبيٌّ لا مَطلَع لنا عليه. (ما أدري ما يفعل بي)؛ أي: في الدُّنيا من نفْعٍ وضُرٍّ، وإلا فاليقين القطعيُّ بأنه خير البَرِيَّة يوم القيامة، وأكرمُ الخلق على الله تعالى، سيأتي في (سورة الأحقاف) أن ذلك منسوخٌ بأوَّل (سورة الفَتْح)، و (ما) في: (ما يُفعَلُ بي) إما موصولةٌ، أو استفهاميةٌ، وقيل: المَنفيُّ الدِّراية المفصَّلة، وأصل الإكرام معلومٌ. قلت: وكثيرٌ من التَّفاصيل، فالخَفيُّ بعض التفاصيل. * * * 1244 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،

4 - باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه

قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي، وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ". تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه -. الحديث الثالث: (أو لا تبكين) هو للتَّسوية، أي: الملائكة تُظلُّه، سواءٌ أبكيتِ أو لا، وليستْ (أو) للشَّكِّ من الرَّاوي، وفيه أن البُكاء المُجرَّد غير النِّياحة لا مَضرَّة فيه. (وتابعه ابن جريج) وصلَه "مسلم". * * * 4 - بابُ الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ الْمَيَّتِ بِنَفْسِهِ (باب الرَّجل يَنعَى إلى أَهْل الميِّت بنفْسه)؛ أي: بنفْس الميت، أو بسبب ذهاب نفْسه. قال الجَوْهَرِيُّ: النَّعْي: خبَر المَوت، يقال: نَعاهُ له نَعْيًا، ومقصود البخاري بنعْي الميت إلى المُسلمين وهُم أهله باعتبار أُخوَّة

الإسلام، فكأنَّه سقَط ذكْر الميِّت، وأصله: ينعى الميِّتَ إلى أهله، فحَذَف مفعول (يَنعى)، وهو الميِّت؛ لدلالة الكلام عليه، وذكَر المفعولَ الآخر الذي عُديَ له بحرف الجرِّ، وفي بعضها: (نفْسَه) بالنَّصب، وفي بعضها: (أهلٌ) بالتنوين. * * * 1245 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. الحديث الأول: (النجاشي) بفتح النُّون، وخِفَّة الجيم، وإعجام الشِّين، وتشديد الياء وتخفيفها، وثالثها حكَاها صاحب "دِيْوان الأدَب": كسر النُّون مع خِفَّة الياء: لقَبُ مَلِك الحبَشة، واسمه: أَصْحَمَة بفتح الهمزة، وسكون الصَّاد المهملَة، وفتح الحاء المهملَة. وفيه الصَّلاة على الغائِب، وقولُ مَن منَع أنه كُشِف له عنه، فليس غائبًا؟ لو سُلِّمَ صحَّةُ ذلك، فهو غائبٌ عن الصَّحابة، وفيه معجزةٌ، وهو إخبارٌ عن موته بالغَيب، وأن تكبيرات صلاة الجنازة أربعةٌ. * * *

1246 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ -وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَتَذْرِفَانِ- ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ" الحديث الثاني: (الراية) العَلَم. (زيد)؛ أي: ابن حارِثة بمهملةٍ ومثلَّثةٍ، أعتقَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وتبنَّاه، ولم يذكر في القرآن صحابيٌّ باسمه إلا هو، بعثَه - صلى الله عليه وسلم - أميرَ جيشِ مُوْتَةَ، بضمِّ الميم، وسكون الواو، ومثناةٍ فوق، قلتُ: كذا للبَكْري وغيره، ولكن ابن الأَثِيْر وجمعٌ قالوا: بالهمْز، على مَرْحلتين من بيت المَقدِس، وقال: "إن أُصِيْبَ زَيدٌ فالأميرُ جَعْفَر، فإنْ أُصيبَ فابنُ رَوَاحَة"، فاستُشهدوا ثلاثُتهم سنةَ ثمان، وقال (ش): سنة سبْع، وفيه نظَرٌ. (جَعْفر)؛ أي: ابن أبي طالِب الطَّيَّار، ذُو الجَناحَين، لمَّا قُطعت يداه بمؤْتَة جعَل الله له جناحَين يطير بهما، كان أمير المهاجرين للحبَشة، قال ابن عمر: وجدْناه في قَتلَى مُؤْتة، وفي جسَده بضعٌ وتسعون جِراحةٍ من طعنةٍ ورَمْيةٍ. (عبد الله بن رواحة) خَزْرَجيٌّ، أحد النُّقَباء ليلةَ العقَبة، أوَّلُ خارجٍ

5 - باب الإذن بالجنازة

للغَزْو، وآخر (¬1) قادمٍ. (لتذرفان) بذالٍ معجمةٍ، وراءٍ مكسورةٍ، أي: تَسِيْلان. (من غير إمرةٍ)؛ أي: تأْميرٍ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لكنَّه لمَّا رأَى المصلحة في ذلك لكثْرة العَدوِّ، وشدَّة بأْسهم، وخَوف هلاك المسلمين رضِيَ - صلى الله عليه وسلم - بما فعَل، فصار هذا أَصْلًا في الضَّرورات إذا عَظُم الأمر، واشتَدَّ الخَوف سقَطت الشُّروط. قال (خ): كرجلٍ ماتَ بفلاةٍ وله تركةٌ، فعلى مَنْ شَهده حفْظُ ماله وإيصاله إلى أهله وإنْ لم يُوصِ إليه الميِّت، وذلك من النُّصح الواجب للمسلمين. قال: وفيه جوازُ دخول الخطر في الوَكالات، وتعليقها بالشَّرائط، وفيه معجزةٌ بالإخبار عن قَتْلهم بالتَّرتيب، وفيه جَواز النَّعْي بمعنى الإعلام لا كنَعي الجاهلية المنهيِّ عنه. * * * 5 - بابُ الِإذْنِ بِالجنَازَةِ وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ آذَنْتُمُونِي؟ ". ¬

_ (¬1) في الأصل "وأول"، والتصويب من "ف". وانظر "الكواكب الدراري" (7/ 57).

(باب الإذْنِ بالجَنازة)؛ أي: العلم بها، وفي بعضها: (الأذان) الإعلام. (قال أبو رافع) وصلَه البخاري بتمامه في (باب كَنْس المَسجِد). (رجل) يحتمل أنه طَلْحَة بن البَرَاء. (ألا آذنتموني)؛ أي: هلَّا أَعلَمتُموني بموته. * * * 1247 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَناَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟ "، قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا -وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ- أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ، فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. (أصبح) تامةٌ، أي: دخَل في الصَّباح. (أخبروه)؛ أي: بموته، ودفْنه ليلًا. (كان) تامةٌ. (الليل) فاعلٌ، وكذا في: (وكانت ظلمة). فيه جَواز الدَّفْن باللَّيل، والصَّلاةُ على المَدفون، والإعلامُ بالموت، ونَدْب عيادة المريض. * * *

6 - باب فضل من مات له ولد فاحتسب، وقال الله عز وجل: {وبشر الصابرين}

6 - بابُ فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ، وَقَالَ اللهُ عز وجل: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (باب فَضْل مَن ماتَ له ولَدٌ فاحتَسَب)؛ أي: صبَر راضيًا بقَضاء الله راجيًا رحمتَه وغُفرانه، وما أَورده من الحديث وإن لم يُصرَّح فيه بالاحتساب؛ لكنَّه معلومٌ من مواضع كثيرةٍ من خارج. 1248 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاَثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ". الحديث الأول: (من مسلم)، (مِنْ) زائدةٌ، بخلاف (مِن) في قوله: (من الناس) فإنها للبَيان، أو التبعيض، وعكَسَه (ش)، وفيه نظَرٌ، وسيأتي آخر (الجنائز) توضيح ذلك، وهي: (ما من الناس مسلم يموت له ثلاثةٌ). (يُتوفى) بضمِّ أوله مبنيًّا للمفعول. (ثلاثة)؛ أي: ثلاثةُ أولاد، وفي بعضها: (ثلاث)؛ لكون المُميِّز محذوفًا، فيجوز الأمران. (إياهم) الظَّاهر أنه عائدٌ على الرَّجل لكونه عامًّا؛ لأنه نَكِرةٌ في نفْىٍ، لا على الأولاد. * * *

1250 - وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ. (وقال شريك) وصلَه ابن أبي شَيبة. (ابن الأصبهاني)؛ أي: عبد الرَّحمن بن عبد الله، والأصبهاني: بكسر الهمزة وفتحها، وبالفاء وبالموحَّدة، وفي بعضها بدون لفظ: (ابن). (أبو صالح) ذَكْوان. (لم يبلغوا الحنث)؛ أي: فَزَادَها أبو هُريرة على رواية سعيد، ومعناه: لم يَبلُغوا أن يُكتَب عليهم الحِنْث، وهو الإثْم، وقال الرَّاغِب: عبَّر بالحِنْث عن البُلوغ لما كان الإنسانُ يُؤخذ بما يَرتكبه فيه بخلاف ما قبلَه، وإنَّما لم يقُل: يَبلُغوا الثَّواب، لأنَّ الثَّواب قد يحصُل للصغير، ثم قيل: إنما قيَّد بذلك، لأنَّ الصَّغير حبُّه أَشدُّ، والمشقَّة عليه أعظم، ولهذا مُنِعَ من التَّفريق بين الأُمِّ والولَد، حتى يُميِّز، وقيل: حتى يَبلُغ. * * * 1249 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا. فَوَعَظَهُنَّ، وَقَالَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ

كَانُوا حِجَابًا مِنَ النَّارِ"، قَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَانِ؟، قَالَ: "وَاثْنَانِ". الحديث الثاني: (كن)؛ أي: الأَولاد، وأنَّث الضَّمير، ولم يقُل: كانوا؛ لكون الأطفال كالنِّساء في نقْص العقل، والمراد: كان النِّساءُ محجوباتٍ. (فقالت امرأة: واثنان)؛ أي: وإنْ مات لها اثنان؟ ففيه استفهامٌ مقدَّرٌ. قال (ك): إنه عطفٌ على (ثلاثةٌ)، ويسمى مثلُه: العَطْف التَّلْقيني، أي: قُل: واثنان، ومرَّ الحديث في (كتاب العِلْم) في (باب: هل يَجعل للنِّساء يومًا؟)، وهذه المرأة هي أم مُبَشِّر، قاله ابن بَشْكُوال في حديث جابر. قال: وقيل: أُمُّ هانِئ، وفي "فوائد ابن أبي مُرَّةَ": أنَّ أُمَّ سُلَيم سألتْ عن ذلك، وأُجيبتْ. قال (ط): يحتمل أنه لمَّا قالت المرأة: واثنان؟، نزَلَ الوحي بأن يُجيبها بقوله: (واثنان)، ولا يمتنع أن يكون ذلك في طَرْفة عينٍ. قال: وفيه أنَّ أولاد المسلمين في الجنَّة بخلاف مَن قال: الأَطفال في المَشيئة. * * * 1251 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

"لاَ يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا}. الثالث: (فيلج) قال (ط): بالنَّصب جوابًا للنَّفي بالفاء، ومنَعَ الطِّيْبِيُّ ذلك؛ لأنَّ شَرْطه السَّببيَّة، وليس مَوت الأَولاد ولا عَدَمه سبَبًا لوُلوجهم النَّار، فالفاء بمعنى واو المعيَّة، أي: لا يجتمع الأَمران، فإنْ كانت الرِّواية بالنَّصْب فلا مَحيْد عن ذلك، أو بالرفع فالمعنى: لا يُوجد الوُلوجُ عَقِبَ الموت إلا مِقدارًا يَسيرًا، ومعنى التَّعقيب هنا كمعنى المُضِيِّ في: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44] في أنَّ ما سيكونُ بمنزلة الكائن، انتهى. وقال ابن الحَاجِب ما معناه: أنه ليس مثْل: (ما تأْتينا فتُحدِّثُنا) إذا كان المعنى أن الإتيان سببٌ للتَّحديث؛ لأنَّه يُؤدي إلى عكْس المقصود؛ إذْ يصير المعنى: إن مَوتَ الأولاد سببٌ لوُلوج النَّار، فإنْ حُمل على معنى: إنَّك لا تأْتينا فتُعقِّبَ إتيانَك بحديثك استقامَ؛ إذ يصير المعنى: لا يكون عَقيبَ موت الأولاد مَسُّ النار، بل دُخول الجنَّة؛ إذ لا مَنزلة بين الجنة والنار في الآخرة. (إلا تحلة القسم) قال (ط): المراد به تَقليل مُكْث الشَّيء، شبَّهوه بتحليل القسَم. قال الجَوْهَرِي: التَّحليل ضِدُّ التَّحريم، تقول: حلَّلته تحليلًا،

وتَحِلَّةَ، وتقول: فعلتُه تَحِلَّةَ القَسَم، أي: لم أفعَلْ إلا بقَدْر ما حلَّلت به يميني، ولم أُبالِغ، وفي الحديث: "إلا تَحِلَّةَ القَسَم"، أي: قدْر مَا يُبِرُّ اللهُ قسَمَه فيه بقوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} [مريم: 71]. وقال (خ): إن ذلك تأويلُ الآية، أي: لا يدخُل النَّار ليُعاقَب بها، ولكنْ يجوز عليها، فلا يكون ذلك إلا بقَدْر ما يُبِرُّ الله قسَمَه، والقسَم مضمرٌ، كأنه قال: وإنْ منكم والله إلا واردُها، وقيل: مردودٌ إلى قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: 68]، وقال الطِّيْبِي: هو مثَلٌ في القَليل المُفرِط في القِلَّة، ولعلَّ المراد بالقسَم: ما دلَّ على القَطْع والبَتِّ من الكلام؛ لتَذْييله بقوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71]، ولفظ: (كان)، و (على)، والحتْم، والقَضاء يدلُّ عليه. قال (ك): ففيه حينئذٍ أربعة أوجهٍ: القسَم مقدَّرٌ، وملفوظٌ به، وحكم القسَم في القَطْع به، وحُكْمه في حُصول القَصْد منه بالقَليل. قال: كما أن في: (ما تأْتينا فتُحدِّثُنا)، أربعة أوجهٍ: وجْهان على تقدير الفاء سببيةً الناصبة: نفْي التَّحديث فقط، أو نفْي الإتيان والتَّحديث كليهما، ووجْهان على الرفع العطف على (تأْتينا) فالتَّحديث منتفٍ، أو على (ما تأتينا) فالتحديث ثابثٌ. * * *

7 - باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري

7 - بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ: اصْبِرِي (باب قَول الرَّجل للمَرأَة عند القَبْر: اصْبِري) 1252 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: "اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي". (اتقي الله)؛ أي: بأنْ لا تَجزعي؛ فإن الجزَعَ يُحبط الأجْر. (واصبري)؛ أي: فإنَّ الصَّبْر يُجزِل الأجر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]. (لم تعرفه) هو من قَول أنَس. (الصدمة) هو ضَرْب الصُّلْب بمثله، إما أنَّ المعنى لا تَنفعك هذه المَعذِرة إذْ سمعت النَّصيحة، وكان الواجب عليكِ أن تَصبري عند مُفاجأَة النَّصيحة، أو أن الصَّبْر عند قُوَّة المُصيبة أشدُّ، فالثَّواب عليه أكثر؛ لأنه إذا طالَت الأيَّام تُسلَى المصائب، فيصير الصَّبْر طَبْعًا، فلا يُؤجَر عليه مثل ذلك، كأنه من أُسلوب الحكيم، أي: دَعِي الاعتذار مني، فإنَّ شِيْمتي أن لا أغضَب إلا لله، فانظُري إلى تَفويتك من نفْسك الثَّواب الجَزِيْل بعد الصَّبْر عند مُفاجأَة المُصيبة. قال (ط): أراد - صلى الله عليه وسلم - أن لا يجتمع عليها مُصيبتان: فقْدُ الولَد، وفقْد الأَجْر بالجزَع، فأمرَها بالصبر الذي لا بُدَّ للجازع من الرُّجوع إليه

8 - باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر

بعد سُقوط أجْره، وقيل: كلُّ مصيبةٍ لم يُذْهِبْ فرحُ ثوابها أَلَمَ حُزْنها فهي المُصيبة الدَّائمة، والحزْن الباقي، وقال الحسَن: الحمد لله الذي أَجَرَنا على ما لا بُدَّ لنا منه، وفي الحديث جَوازُ زيارة القُبور. قال (ك): والأَمرُ بالمَعروف، والاعتِذارُ لأهل الفضْل في إساءَة أدبٍ عليهم، وعدَم اتخاذ البَوَّاب. * * * 8 - بابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: الْمُسْلِمُ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا، وَقَالَ سَعِيدٌ: لَوْ كَانَ نَجسًا مَا مَسِسْتُهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ". (باب غُسْل الميِّت ووُضوؤُه بالمَاءِ والسِّدْر) قلتُ: هذا متعلِّقٌ بالغُسل، والضَّمير في (وُضوئه) للغاسِل لا للميِّت لما ذكره بعد الترجمة، ولعَدَم ذكْر الوضوء في الحديث مع ما أَمَر به - صلى الله عليه وسلم -. (وَحَنَّطَ) بتشديد النون، أي: استَعمل الحَنُوط، بفتح المهملة، والطاء مهملةً، وهو ما يُخلَط من الطِّيب للميِّت خاصَّةً.

(ابنًا لسعيد)؛ أي: أحَد العشَرة، واسم الابن: عبد الرَّحمن، كما في "جُزْء أبي الجَهْم". (لا ينجس) بضمِّ الجيم، وفَتْحها. (مَسِسْتُهُ) بكسر السين الأُولى، وإسكان الثانية، وفي لُغةٍ قليلةٍ تُفتَح الأُولى، حكاها الجَوْهَريُّ، ومُضارعها: أمُسُّ بالضمِّ بخلاف الأَوَّل، فإنه بالفتْح، وربما قالوا: مِسْتُ الشَّيءَ بحذف الأُولى، وتحويل كسْرتها للميم، أو بتبقِية الفتحة فلا تَحويلَ. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) سبق وصْلُه في حديث أبي هريرة حين انخنس لمَّا كان جُنبًا. * * * 1253 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ -إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ- بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي"، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَاناَ حِقْوَهُ فَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاها". تَعْنِي إزَارَهُ. (ابنته) هي زَيْنب، أي: الكُبرى كما في "مسلم"، وفي "أبي

داود" و "التِّرْمِذي": أنَّ أُمَّ عَطِيَّة حضَرتْ وفاة أُمِّ كُلثوم بنت النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا تَنافيَ، فقد حضَرت البنتَين. قال (ش): والأصحُّ الأول؛ لأنَّ هذه تُوفِّيت والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائبٌ ببدْرٍ. قلتُ: هو وَهْمٌ، فتِلْك إنما هي رُقَيَّة، وأُمُّ كُلثوم ماتتْ سنة تسع. (آذِنَّنِي) بالمَدِّ، وتشديد النون الأُولى، وكسْر الذَّال، أي: أَعْلِمْنَني. (حَقْوه) بفتح الحاء، وسكون القاف، وهُذَيْل تَكسر الحاء، وهو الإزَار، وأصلُه مَعْقِد الإزَار، لكن تُوسِّعَ فسُمِّي به ما يُشَدُّ على الحِقْو. (أشعرنها) بقطع الهمزة، أي: اجعَلوه شِعَارَها، وهو ما يَلِي الجسَد بخلاف الدِّثار، فإنه الذي يَلي الشِّعار، وإنما فعَل ذلك ليَنالَها برَكةُ ثَوبه - صلى الله عليه وسلم -. فيه ندْب إيتار الغُسل، واستعمال الكافُور في الثالثة، والمعنى فيه طَرْد الهوامِّ، وشدَّة البدَن، أو منعْ إسْراع الفساد مع التَّطيُّب به. قال (ط): عند النَّخَعي أن الكافور يكون في الحَنُوط لا في الغَسْلة الثالثة، وبه قال أبو حنيفة، وصَريح الحديث يُخالِف ما قالاه، وحِكْمة كون الغُسل ثلاثًا، أو خمسًا مع حصول القَصْد بالواحدة المبالغةُ؛ ليَلقَى الله بأكمل الطَّهارة، وتُطيَّب رائحته بالكافور كما أُمِرَ في الجمُعة بالغُسل زيادةً في التَّطهير لمُناجاة الرَّبِّ في الصلاة، فالميت

9 - باب ما يستحب أن يغسل وترا

أَحوَج إلى ذلك للقاء الله تعالى والملائكة. * * * 9 - بابُ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ وِتْرًا (باب ما يُستحبُّ أن يُغسَل وِتْرًا) أدرج (ك) فيه ما في تَرجمتين بعدَه أسقطهما لوُضوح المعنى، هما: (باب: يَبدأُ بميامِن الميِّت)، و (باب: مَواضع الوُضوء من الميِّت). 1254 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنتَهُ فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي"، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ". 1254 / -م - فَقَالَ أَيُّوبُ، وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ وَكَانَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ: "اغْسِلْنَهَا وِتْرًا"، وَكَانَ فِيهِ: "ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا"، وَكَانَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ: "ابْدَؤُا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا"، وَكَانَ فِيهِ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: وَمَشَطْنَاهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ. (ذلك) بكسر الكاف.

12 - باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل

(ابْدَأْنَ) في بعضها: (ابدَؤُوا) بصيغة الخِطَاب للمُذكَّرين تَغليبًا للذُّكور؛ للاحتياج إلى معاوَنَة الرجال في حمل المرأة ونحوه، أو باعتبار إرادة الأَشخاص، والشَّخص مذكَّرٌ، أو باعتبار الناس. (القرون) جمع قَرْنٍ، وهو الخَصْلَة من الشَّعْر، أي ثلاث ضَفائر. قال (ط): حكمة الوِتْر أن ينتشر في جميع أعضاء المؤمن أنَّ الله وِتْرٌ لا شريكَ له، وقال أبو حنيفة: إذا زاد على الثَّلاث سقَط الوتْر، وهو خلاف الحديث. * * * 12 - بابٌ هَلْ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي إِزَارِ الرَّجُلِ (باب: هل تُكفَّنُ المَرأَةُ في إزارِ الرَّجل) 1257 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَناَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَنَا: "اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي"، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَنَزَعَ مِنْ حِقْوِهِ إِزَارَهُ وَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ". (من حقوه إزاره) أراد بالحِقْو هنا مَعقِد الإزار، وهو ما سبق في: (أَعطانا حِقْوه)، فهذا حقيقةٌ، وذاك مجازٌ، أو هو مشتركٌ بينهما.

14 - باب نقض شعر المرأة

وَوَهِمَ (ش) في جعْل هذا مجازًا وذاك حقيقةً بعد أن قرَّر فيما سبَق خلافَه، وأهمل (ك) (باب: هل يجعل في الآخرة كافورًا؟)؛ لأنه قد سبَق. * * * 14 - بابُ نَقْضِ شَعَرِ الْمَرْأَةِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُنْقَضَ شَعَرُ الْمَيِّتِ. (باب نقْضِ شَعْر المرأة) 1260 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ أَيُّوبُ: وَسَمِعْتُ حَفْصَةَ بِنْتَ سِيرِينَ قَالَتْ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثةَ قُرُونٍ، نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلاثَةَ قُرُونٍ. (أحمد) قال الغَسَّانِي: قال ابن السَّكَن: هو أحمد بن صَالِح المِصْري، وقال ابن مَنْدَه: كلُّ ما أطلَق البخاري: (ثنا أحمد)، فهو هذا، وإذا حدَّث عن أحمد بن عِيْسى ذكَره بنسَبه، نعَمْ، في بعض النُّسَخ هنا: حدَّثنا أحمد بن عِيْسى. (وسمعت) العطْف على مقدَّرٍ، أي: أن أَيُّوب قال: سمعتُ كذا، وسمعتُ حفْصة إشعارًا بأنه سمع في الباب غير ذلك.

15 - باب كيف الإشعار للميت

(نقضنَه) استئنافٌ كأنه قيل: كيف جعَلْنَه؟، فقال: نقَضْن شَعرَ رأْسها، فهو المُراد من إطلاق جعلْنَ رأْس، مِن إطلاق المَحَلِّ على الحالِّ، وفائدة النَّقْض إيصال الماء للبشَرة، وأما التَّضْفير، فلأنه أَولى من استرسال الشَّعْر. * * * 15 - بابٌ كَيْفَ الإِشْعار لِلْمَيِّت وقال الحسن: الخِرْقَةُ الخامسةُ تَشُدُّ بها الفَخِذَيْنِ والوَرِكَيْنِ تحت الدَّرْعِ. (باب: كيف الإشْعارُ للميِّت؟) (الخرقة الخامسة) هو بناءٌ على أن الميِّت يُكفَّن في خمسة أثواب. (يشد بها الفخذان) ببناء (يُشَدُّ) للمفعول، ويُروى: (يَشُدُّ) بالبناء للفاعل، ونصب (الفَخِذَين) مفعولًا. (دِرْع) بكسر المهملة، وسُكون الراء، أي: قميصها. * * * 1261 - حدثنا أحمدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَناَ ابنُ جُرَيْجٍ أنَّ أَيُّوْبَ، أَخْبَرَهُ قالَ: سَمِعْتُ ابنَ سِيْرِيْنَ يقولُ: جَاءَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها امرأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ اللَّاتِي بَايَعْنَ، قَدِمَتِ

الْبِصْرَةَ، تُبَادِرُ ابْنًا لَهَا فَلَمْ تُدْرِكْهُ، فَحَدَّثَتْنَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنَي"، قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا أَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ"، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. وَلاَ أَدْرِي أَيُّ بَنَاتِهِ؟ وَزَعَمَ أَنَّ الإِشْعَارَ الْفُفْنَهَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَأْمُرُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُشْعَرَ وَلاَ تُؤْزَرَ. (قدمت) بدَلٌ مِن (جاءت)، أو بيانٌ له. (ذلك) بالكسر، خِطابٌ لأُمِّ عَطيَّة؛ لأنها كانت غاسلة الميتات. (إن رأيتن)؛ أي: احتياجًا لا تَشهِّيًا. (ولم يزد)؛ أي: قال أَيُّوب: لم يَزد ابنُ سِيْرِين على المذكور بخلاف حفْصة فإنَّها زادتْ أشياء، منها: (ابدؤوا بمَيامِنها، ومواضعِ الوُضوء). (أي) هو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، لا يُنافي هذا مَنْ سماها زَيْنب، فبعضٌ عَلِمَ، وبعضٌ ما عَلِمَ. (وزعم)؛ أي: أَيُّوب. (الإشعار الففنَها) ليس المراد تفسير المصدر بالفعل، بل فيه اختصارٌ: الإشعارُ اللَّفُّ، فأشْعِرْنَها: الفِفْنَها.

16 - باب هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون

قال (ط): والمعنى أنه يكفي في الإشعار، فإذا فضَل شيءٌ لُفَّ عليه زيادةً في الستر، وكان ابن سِيْرِين أعلَمَ التابعين بغَسْل الموتَى، ثم أَيُّوب بعده. وفيه التبرُّك بثَوب الصَّالحين. * * * 16 - بابٌ هَلْ يُجْعَلُ شَعَرُ الْمَرْأَةِ ثلاَثةَ قُرُونِ (باب: يُجعَل شَعْر المرأَة ثلاثةَ قُرونٍ) 1262 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: ضَفَرْناَ شَعَرَ بِنْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَعْنِي ثَلاَثَةَ قُرُونٍ، وَقَالَ وَكِيعٌ: قَالَ سُفْيَانُ: ناَصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا. (ضفرنا) الضَّفْر والتَّضفير: نَسْج الشَّعْر عَريضًا. (وقال وكيع) وصلَه الإِسْمَاعِيلي، ومعنى ما رواه عن سفيان: أن يجعل ناصيتها ضفيرةً، وقرنيَها ضفيرتَين، ولا مُنافاةَ بين هذا وبين ما سبَق من ثلاثة قُرونٍ؛ لأنَّ المراد بالقَرنين جانبا الرأْسِ، وبالقُرون الذَّوائب. وفيه استحباب ضَفْر الشَّعر خلافًا للكوفيين. * * *

18 - باب الثياب البيض للكفن

18 - بابُ الثِّيَابِ الْبِيضِ لِلْكَفَنِ (باب الثِّياب البِيْضِ للكفَن) أدرجَ (ك) فيه الكلام في حديث ترجمتين بعدَه هما: (باب: الكفَن في ثَوبين)، و (باب: الحَنُوط للميِّت)؛ لأن الواقِعة في الأثواب الثَّلاثة واحدةٌ. 1264 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ هِشَامُ ابْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. (يمانية) بتخفيف المثنَّاة تحت بعد النُّون؛ لأن الألِف بدَلٌ عن إحدى ياءَي النَّسَب. (سحولية) بفتح المهملَة على الأشهر، ثم مهملةٌ مضمومةٌ، وياء النَّسَب بعد اللام: نِسْبةٌ إلى سَحُول بلَدٌ باليمَن. قال (ن): وفي القرية أيضًا الضمُّ، حكاه ابن الأَثِير في "النِّهاية"، أي: فالمَنسوب إليها يكون بالضمِّ أيضًا، وقال ابن الأَعْرابي: هي بِيْضٌ من القُطْن خاصةً. قال ابن عبد البَرِّ: إذا كان كذلك فيُستغنَى عن ذِكْر البياض، وسيأتي في (باب: الكفَن بغير قميصٍ) الحديثُ: (ثلاثًا في ثلاثة

19 - باب الكفن في ثوبين

أثوابٍ سُحولٍ كُرُسف)، قال ابن قُتَيْبَة: سُحول بالضمِّ جمع سُحْل وهو ثوبٌ أبيض، ولم يُقيِّده بالقُطن. وفي "مسلم" أيضًا رواية: (ثلاثة أثْواب سَحولٍ)، إما بإضافة ثيابٍ إلى سَحول، وإما بوصْفها بسَحول، فتلخَّص أن الفتْح والضمَّ مع ياء النَّسَب، ومع تَركها الضمِّ فقط إنْ لم يُضَف، فإنْ أُضيفَ جاء الوجهان، وإن اقتضَى كلام (ك) عن الأَزْهَري: أنها مع ياءِ النَّسب لا تكون منسوبةً، بل الثِّياب البِيْض. (كُرُسف) بضمِّ الكاف، والسِّين المهملة: القُطن. (ليس فيها قميص ولا عمامة) حملَه الشَّافعي على أنه ليس بموجودٍ في الكفَن، فلا يُقمَّص، وحملَه مالكٌ على أنهما ليسا بمعدودَين من الثَّلاثة، بل زائدان. * * * 19 - بابُ الْكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ 1265 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا".

20 - باب الحنوط للميت

(فوقصته) بالقاف، والمهملة، قال (خ): صرَعتْه وكسَرت عنُقَه، والوَقْص: دَقُّ الرَّقَبة، تقول: وقصَه يقِصُه: كسَره. (أو قال: فأوقصته) قلتُ: قال الجَوْهَرِي الوَقَص -بالتَّحريك-: كسْر العنُق، تقول: وُقِص، أي: بالكسْر يُوقَص، فهو أَوقَصُ، وأَوقصَه الله. * * * 20 - بابُ الْحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ 1266 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ، أَوْ قَالَ: فَأَقْعَصَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا". (فأقصعته) من قصَع القَمْلةَ، أي: قتلَها، وقَصَعَ الماءُ عطَشَهُ، أي: أَذهبَه وسكَّنه؛ قاله الجَوْهَريُّ، ففي هذا ردٌّ لمَا قاله (خ): أنَّ قصَعَ ليس بشيءٍ، وإنْ صحَّت الرواية فالقَصْع: كسْر العطَش، فيحتمل أنه استُعير لكَسْر الرَّقَبة.

21 - باب كيف يكفن المحرم؟

(فأقعصته)؛ أي: بتقديم العين بمعنى: أجهَزتْ عليه مكانَه، والقَعْص: الموت السَّريع. قال (خ): فيه أنه استَبقى له شِعار الإِحرام من كشْف الرُّأْس، واجتِناب الطِّيْب تَكْرِمةً له، كما استبقَى للشَّهيد شِعَار الطَّاعة التي تقرَّب بها إلى الله في جهاد أعدائه، فيُدفن بدمه وثيابه، وأنَّ إحرامَ الرَّجُل في الرأْس دون الوجه. (يحنطوا)؛ أي: يستعملوا الحَنُوط، وسبق بيانه. قال (ط): مفهومه أنه إذا لم يكنْ مُحرِمًا يُحنَّط، وهو موضع استنباط البخاري الحَنُوطَ للميِّت. (فإن الله) قال الأُصوليُّون: هو إيماءٌ إلى العِلَّة. * * * 21 - بابٌ كَيْفَ يُكَفَّنُ الْمُحْرِمُ؟ (باب: كيفَ يُكفَّن المُحْرِم؟) 1267 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَناَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ، وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ

يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا". الحديث الأول: (وهو مُحْرِم)؛ أي: الرجُل المَوقُوص. (تُمِسُّوهُ) بضمِّ التاء، وكسر الميم. (مُلَبِّيًا) في بعضها: (مُلَبِّدًا)، أي: يجعل كاللِّبْد بالصَّمْغ فيلتَصِقُ شَعره، فلا يتشعَّثُ في الإحرام، وأنكر (ع) هذه الرِّواية، وصوَّب: (مُلَبِّيًا) بدليل رواية: (يُلَبِّي). قال: وليس للتَّلبيد هنا معنًى. قال (ش): وسيأتي روايةٌ في (الحجِّ): (فإنَّه يُبعَث يُهِلُّ). قلت: كلُّ هذا لا يُنافي رواية: (مُلَبِّدًا) إنْ صحَّت؛ لأنَّه حكايةُ حاله عند موته. * * * 1268 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، وَأَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: كَانَ رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ، فَوَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَ أَيُّوبُ: فَوَقَصَتْهُ، وَقَالَ عَمْرٌو: فَأَقْصَعَتْهُ، فَمَاتَ، فَقَالَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاء وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَيُّوبُ: يُلَبِّي، وَقَالَ عَمْرٌو: مُلَبِّيًا".

22 - باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف، ومن كفن بغير قميص

الثاني: (كان رجل) هي التامة، وفاعلُها: (فوقصَتْهُ) سبق تفسيره، ولكنْ نسبته للرَّاحلة مجازٌ إنْ مات من الوَقْعة عنها، وإنْ أثَّرتْ فيه ذلك بفعلها فحقيقةٌ. (يُلَبِّي) الفرْق بينه وبين مُلَبِّيًا أن الفعل يدلُّ على التَّجدُّد، والاسم على الثُّبوت. * * * 22 - بابُ الْكَفَنِ فِي الْقَميِصِ الَّذِي يُكَفُّ أوْ لاَ يُكَفُّ، وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصِ (باب الكفَن في القَميص الذي يُكَفُّ أو لا يُكَفُّ) أي: خِيْطت حاشيتُه أو لا؛ لأنَّ الكَفَّ خياطةُ الحاشية، أي: يُكفَّن في الثَّوب مَخِيْطًا كان أو لا، وفي بعضها: (يكفي أو لا يكفي)، وجوَّز التَّيْمي أنَّ المراد بالأوَّل هذا، لكن سقطتْ منه الياء، وقال (ط): إنَّ (يكْفي أو لا يكْفي) هو الصَّواب، ومعناه جواز الكفَن في الثوب طَويلًا كان أو قصيرًا. 1269 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا

تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسولَ الله! أعطِني قميصَكَ أُكَفِّنْه فيه، وصلِّ عليه، واستَغْفِرْ له، فأعطَاهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَهُ فَقَالَ: "آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ"، فَآذَنَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَقَالَ: ألَيْسَ اللهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: "أَنَا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ، قَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} ". فَصَلَّى عَلَيْهِ فَنَزَلَتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}. الحديث الأول: (ابنه) كان اسمه الحُباب بضمِّ المهملة، وخفَّة الموحَّدة الأُولى، فسمَّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عبد الله باسم أبيه. (فأعطاه قميصه)؛ أي: أعطَى ابنه لا الأبَ المُنافِق، أو أن هذا قَبْل النَّهي عن تعظيم المنافقين كآية: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]. قال في "الكَشَّاف": إنه في مُقابَلة إعطائه قميصَه للعبَّاس لمَّا أُسِرَ ببدْرٍ، ولم يجدوا له قَميصًا يصلح له، وكان رجُلًا طويلًا، حتى لا يكون لمنافقٍ عليه يَدٌ، أو أن الإكرام بذلك لابنه، ولعلمه أنه لا يَنفعُ الأبَ ذلك مع كُفره، وسيأتي ذكره في (باب: هل يُخرَج الميِّت من القبر)، وجوابٌ رابعٌ: أنه ما سُئل - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قطُّ فقال: لا. (آذني أصلي): بجزمِ (أُصَلِّ) جوابًا للأمر، وبالرَّفع استئنافًا.

(نهاك): أخذ ذلك عُمر إما من: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]، لا من قوله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]؛ لأنها إنما نزلت بعدُ، أو من قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80]؛ فإنه إذا لم يكُن الاستغفارُ نفعٌ فهو كالنَّهي عن إيقاعه. (خيرتين) تثنيةُ خِيَرَة بوزْن عِنَبَة، أي: أنا مخيَّرٌ بين الأمرين، قال (ك): وفي المَحلِّ مباحثُ ليس هذا مقام بيانها. قال (ش): استُشكِل بأنَّه كان نزل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: 113]، عَقِب موت أبي طالِب، حين قال: والله لأستَغفِرَنَّ لكَ ما لم أُنهَ عنْك، ففيه النهي عن الاستغفار لمن مات كافرًا، وهو متقدم على آية التخيير، وأُجيب: أن الأولى فيما يُراد منه الإجابة كما في أبي طالِب، والثَّانية ليس فيها قصْد حُصول المغْفرة للمنافقين، بل تَطييبُ قلوبهم. * * * 1270 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ - رضي الله عنه - عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ فَأَخْرَجَهُ، فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ وَألْبَسَهُ قَمِيصَهُ. الحديث الثاني: (فأخرجه)؛ أي: من القبْر، ففيه جَواز إخراج الميت لحاجةٍ أو لمصلحةٍ، نعَمْ، وجْهُ الجمْعِ بين هذا وبين ما سبق من تَكفينه بالقَميص

23 - باب الكفن بغير قميص

قبل الدَّفْن: إما أَنَّ جابرًا شاهدَ ما لم يشاهده ابن عُمر، أو أنه أَعطاه قَميصَين، قميصًا للكفَن، ثم أخرجَه فألبسَه آخر. (ينفث) بمثلَّثةٍ. * * * 23 - بابُ الْكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ 1271 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُفِّنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَلاَثَةِ أثْوَابِ سَحُولَ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. 1272 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أثْوَابٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. (باب الكفَن بغَيْر قَميصٍ) أدرجَه (ك) في الباب السابق، وكذا: (الكفَن بلا عِمَامةٍ) سبق شرح الحديث فيهما، وزاد هنا: أن السَّحْل جاء بمعنى الغَسْل، فمعنى: (أثواب سحول): مَغسُولة، أو أنه إنما لم يجعلْه اسم القَرية؛ لأن التَّقدير من سَحولٍ. قال: وحذْف حرف الجَرِّ من الاسم الصَّريح غيرُ فَصيحٍ، ولو

25 - باب الكفن من جميع المال

صحَّت الرِّواية بالإضافة فهو ظاهرٌ. قلتُ: سبَق بيان ذلك واضحًا. * * * 25 - بابٌ الْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَقَتَادَةُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ بِالْوَصِيَّة، وَقَالَ سُفْيَانُ: أَجْرُ الْقَبْرِ وَالْغَسْلِ هُوَ مِنَ الْكَفَنِ. (باب الكفَن مِن جَميع المال) (أجر القبر)؛ أي: حفْر القَبْر. (من الكفن)؛ أي: مما حُكْمُه حُكم الكفَن، أي: من رأْس المال. * * * 1274 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه - يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي.

26 - باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد

(مُصْعَب بن عُمير) بضمِّ الميم، وسكون المهملة الأُولى، وفتْح الثانية: القُرَشِيُّ العَبْدَري مِن جِلَّة الصَّحابة، بعثَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة يُقرئهم القُرآن، ويُفقِّههم في الدِّين، وهو أوَّل من جمَّع الجمُعة بالمدينة قبل الهجرة، كان في الجاهلية من أنْعَم النَّاس عَيْشًا، وأليَنِهم لباسًا، فلمَّا أسلَم زَهِدَ الدُّنيا وتقَشَّف، وفيه نزَل: {رِجَالٌ صَدَقُوا} الآيةَ [الأحزاب: 23]، قُتل بأُحُدٍ. (خيرًا منِّي)، قاله عبد الرَّحمن تَواضُعًا، وإلا فهو أحَد العشَرة المفضَّلين على من سِواهم، كما في حديث: "لا تُفضِّلُوني على يونُسَ بن مَتَّى". (حمزة) عمُّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخوه من الرَّضاعة، يُقال له: أسَدُ الله، أُعِزَّ الإسلام بإسلامه حين أسلَم، واستُشهد بأُحد. * * * 26 - بابٌ إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ (باب: إِذا لم يُوجَد إلا ثَوبٌ واحدٌ) أدرجَ (ك) ما فيه. 1275 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رضي الله عنه - أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ

27 - باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه

فِي بُرْدَةٍ، إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ -أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا- وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ. (أُراه)؛ أي: أَظنُّه. (ترك الطعام)؛ أي: وقْتَ الإفطار. قال (ط): إنما استُحبَّ أن يُكفَّن في تلْك البُردة؛ لأنه قُتل فيها، وفيها يُبعث. وفيه أن العالم يَنبغي له أن يذكُر سِيَر الصَّالحين في تقلُّلهم من الدُّنيا لتَقِلَّ رغبتُه فيها، وإنما بكَى شفَقًا أن لا يلحَق بمن تقدَّمه، وحُزْنًا على تأْخيره عنهم، وأنه يَنبغي للمَرء أن يتذكَّر نِعَمَ الله، ويعترف بالتَّقصير عن أداء شُكرها، ويتخوَّف أن يُقاصَّ بها في الآخرة. * * * 27 - بابٌ إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلَّا مَا يُوَارِي رَأْسَهُ أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى رَأْسَهُ (باب: إذا لَم يَجدْ كفَنًا إلا ما يُواري رأْسَه) 1276 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا

الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، حَدَّثَنَا خَبَّابٌ - رضي الله عنه - قَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُناَ عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا؛ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَناَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ. (خَبَّاب) بفتح المعجمة، وتشديد الموحَّدة: ابن الأَرَتِّ، بالمثنَّاة. (أيْنَعَتْ) بمثنَّاةٍ تحت، ثم نونٍ، أي: أدركتْ ونضَجتْ، ومثله أيضًا يَنِعَ، قال تعالى: {وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99]. (يَهْدِبها) بفتح أوَّله، وبدالٍ مهملةٍ مكسورةٍ، أي: يجتنيها ويقْطِفها، كذا قال (ع)، وأبو الفرَج، وغيرهما، قال (ك): بضمِّ الدال وكسرها، قال (ش): وحكَى السَّفَاقسيُّ: تَثليثها. وقال القُرطُبي: معناه يأكلُها، وأصْلُه من هدَبَ الثَّوب، وهو طرَفه المُتدَلِّي، وكأن الآكِل يأْكُله هُدْبًا هُدْبًا. (قُتل)؛ أي: مُصْعَب، وهو استئنافٌ. قال (ط): فيه أن الثَّوب إذا ضاق، فتَغطية الرأْس أَولى من الرِّجلين؛ لأنه أفضل، وما كان عليه صدْرُ الأُمة من الزُّهد. (لم يأكل)؛ أي: لم يكَتسِب من الدُّنيا شيئًا ولا اقتَناه؛ لينالها في الآخرة موفرةً.

28 - باب من استعد الكفن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر عليه

وفيه الصَّبر على مكابدة الفقر. فإن قيل: الهجرة لله ثوابها في الآخرة، فكيف جعل الدُّنيا أَجْره؟. قيل: الأجر شاملٌ لخير الدَّارَين، أو المراد من الأجْر ثَمرته. * * * 28 - بابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ (باب مَن استَعدَّ الكفَن) (فلم ينكر) بكسر الكاف، ويُروى بفتحها، أي: أَعدَّه. 1277 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ - رضي الله عنه - أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا -أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ- قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي، فَجِئْتُ لأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا! قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ، قَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا سَأَلْتُهُ لأَلْبَسَهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ كَفَنَهُ.

29 - باب اتباع النساء الجنائز

(بِبُرْدَةٍ) هي كساءٌ أبيض تلبَسه العرَب. (الشملة) كساءٌ يُشتمل به. (فحسنها)؛ أي: قال: ما أَحسَنها. (فلان) هو عبد الرَّحمن بن عَوْف كما في "الطبراني". (ما أحسنها) هي تعجُّبية، وأحسَن مِن الحُسْن. (ما أحسنت) نفيٌ للإحسان. (محتاجًا) حالٌ، وفي بعضها: (محتاجٌ)؛ أي: هو محتاجٌ. (لا يرد)؛ أي: مَنْ سألَه شيئًا أعطاه. قال (ط): فيه إعدادُ الشَّيء قبْل وقت حاجته، وقد حفَر قومٌ من الصالحين قُبورهم توقعًا لحُلول الموت، وفيه قَبول السُّلطان هديةَ الفقير، وأنه يَسأل التبرُّكَ به. * * * 29 - بابُ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ (باب اتِّباع النِّساء الجَنائزَ) 1278 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا.

30 - باب حد المرأة على غير زوجها

(نُهينا) رواه ابن شَاهِيْن بسندٍ صحيحٍ: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (لم يَعْزِم)؛ أي: لم يجعل ذلك عَزِيْمة مُتحتِّمًا. قال (ن): ذلك بِدْعةٌ، وفيه أنَّ النَّهي للتحريم، وللكراهة، وإنما قال: ولم يَعْزِم؛ لأنها فَهِمتْ أن النَّهي إنما أُريد به تَرْك ما كانت الجاهليَّة تقولُه من زُور الكَلام، ونسبةِ الأفعال إلى الدَّهْر، وغيره. * * * 30 - بابُ حَدِّ الْمَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا (باب إِحْداد المَرأَة)، في بعضها: (حِدَاد). قال الجَوْهَرِي: أحدَّت المرأَة: امتَنعَتْ من الزِّينة بعد وفاة زَوجها، وكذلك أحدَّت تَحُدُّ -بالضمِّ والكسر-، حِدادًا، ولم يعرِف الأَصْمَعي إلا (أحدَّتْ). 1279 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ، حدَّثَنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حدَّثَنا سَلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ، عنْ مَحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ قال: تُوُفِّيَ ابنٌ لأمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عنها، فلَمَّا كانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ دَعَتْ بِصُفْرَةٍ، فَتَمَسَّحَتْ بِهِ وَقَالَتْ: نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ إِلَّا بِزَوْجٍ. الحديث الأول: (يوم الثالث) من إضافة الموصوف إلى الصِّفة، وفي بعضها:

(اليَوم الثَّالث). (نحد) فيه الأوجه الثلاثة السابقة، أي: تَرْك الزِّينة من لباسٍ، وطِيْبٍ، وحُليٍّ، وكُحْلٍ. (زوج) في بعضها: (بزَوج)؛ أي: بسَببه. * * * 1280 - حَدَّثَنا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنا سُفْيَانُ، حَدَّثَنا أيوبُ بنُ مُوْسى، قال: أَخْبَرَني حُمَيْدُ بنُ نَافعٍ، عَنْ زيْنَبَ بنَةِ أبي سَلَمَةَ قالت: لمَّا جاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّأْمِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً، لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". 1281 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ ناَفِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا".

الثاني: (نَعْي) بسكون العين، وتخفيف الياء، وفي بعضها بكسر العين، وتشديد الياء. (أبي سُفيان) سقَط منه لفظة (ابن)؛ لأنَّ الذي جاءَها نعيُه من الشَّام يزيد بن أبي سُفيان، وقد رواه البخاري من طرُقٍ أُخرى: (لمَّا تُوفي أخوها)، وأما أبو سُفيان فمات بالمدينة بلا خلافٍ، وابنه يَزِيْد مات بالشام أميرًا. (أم حبيبة) اسمها: رَمْلَة. * * * 1282 - ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّي أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ: "لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". الثالث: في معنى الحديث السابق. (أخوها) هو أحمد بن جَحْشٍ المَكْفُوف، وأما أخوه عبد الله بن جَحْش فتُوفي بعد ذلك. * * *

31 - باب زيارة القبور

31 - بابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ (باب زِيَارة القُبور) 1283 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: "اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي" قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِيِ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتَتْ بَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". (إليك عني) أي: تنَحَّ وأَبعِدْ، فهو من أسماء الأفعال. (فقيل لها) القائل لها ذلك: الفَضْل بن العبَّاس كما في "الأوسط" للطبراني. (إنما الصبر)؛ أي: الكامل ليَصحَّ الحَصْر، وسبق معنى الحديث قَريبًا. وفيه إباحة الزِّيارة لعدم إنكاره - صلى الله عليه وسلم - ذلك. * * * 32 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ" إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

"كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسْؤلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ، فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]، وَهُوَ كقَوْلِهِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} ذُنُوبًا {إلَى حِملِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيءُ}، وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا" وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ. (باب قَول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يُعذَّبُ ببُكاء أهله عليه") هو ما وصلَه في الباب عن ابن عبَّاس، عن ابن (¬1) عُمر. (من سنته)؛ أي: من طَريقته وعادته. ووجه الاستدلال بالآية: أن أهل الشخص يقتدون به، فإذا تسبَّب في تبعيَّتهم له بفعْل شيءٍ فلم يقِهم النَّارَ، وبالحديث ما رعَى نفْسه حيث ناحَ، ولا رعتْه أهلُه؛ لأنهم يتعلَّمون منه، ويحتمل أنه أراد بالسُّنَّة وصيَّته لأهله بذلك. (كلكم راع) وصلَه البخاري مرَّاتٍ سبَقتْ، وتأتي. (كما قالت عائشة)؛ أي: مستدِلَّةً بالآية، ومعناها: لا تحمِل نفْسٌ حاملةٌ حِمْلَ أُخرى، أي: لا تُؤاخذ نفسٌ بغير ذنْبها. (وما يرخص) إما عطفٌ على أول التَّرجمة، إما على: (كما ¬

_ (¬1) "ابن" ليست في الأصل.

قالتْ)، أي: فهو كما يرخَّص في عدَم العذاب. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصلَه البخاري عن ابن مسعود في (بَدْء الخلْق). (كِفْلٌ)؛ أي: نَصيبٌ، فهو أيضًا دليلٌ أنه يُعذَّب إذا كان في حياته ينُوح؛ لأنه سنَّ النِّياحة في أهله. فالحاصل مما أراده البخاري أنه لا يُعذَّب بالبكاء عليه إلا بما فيه نَوحٌ، ويكون قد سَنَّ ذلك بفعْله، أو أَومأَ به، فالتَّعذيب على فعْله ونيَّته، ويُجمع بينه وبين: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، وقيل: معنى الحديث أن يُمدحَ الميت في البُكاء بما كان يمدحُ به الجاهليَّة من القتْل والغارات ونحوهما من الذُّنوب التي هو يعذَّب بها حينئذٍ، وقيل معناه: أنه يحزن ببكائهم، أي: يَسوءُه ما يكرهه ربُّه، وقد رُوي: "إنَّ أَعمالَكم تُعرَض على أَقربائكم مِنْ موتَاكُم، فإنْ رأَوا خيْرًا فَرِحُوا به، وإنْ رأَوا شَرًّا كَرِهُوه"، فالتَّعذيب له من الحيِّ لا أنه يعذِّبه الله، وقيل: معناه أنه يحزَن وينكَّد لبكائهم، فهو كتعذيبه كما في: "السَّفَر قِطْعةٌ من العَذاب"، وهو قريبٌ من الذي قبلَه، وقيل: الباء فيه للحَال، أي: يعذَّب عند بُكائهم، وعليه فهي واقعةُ عين. * * * 1284 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالاَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ - رضي الله عنه -

قَالَ: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَائْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: "إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ"، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّبِيُّ وَنفسُهُ تَتَقَعْقَعُ -قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ- فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا هَذَا؟ فَقَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ". الحديث الأول: (عَبْدَان) بفتح المهملة، وسُكون الموحَّدة، اسمه: عبد الله. (ومحمد)؛ أي: ابن مُقاتِل. (عبد الله)؛ أي: ابن المُبارَك. (أبي عُثمان)؛ أي: عبد الرحمن بن مَلٍّ. (بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -) هي زينب. (أن ابنًا لي) يحتمل أنه عليُّ بن العاص بن الرَّبيع؛ قاله الدِّمْيَاطِي، قيل: وفيه نظَرٌ، لأنَّ عليًّا كان معه - صلى الله عليه وسلم - بمكة يوم الفتح، وقد راهقَ، فلا يُقال فيه: صبيٌّ إلا أن يكون قارَبَ الموتَ وهو صغيرٌ، ثم عاشَ بعد ذلك، وقد رواه الدُّولابِي بسنَد البخاري بلفظ: (إنَّ بنتًا لها أو صبيًّا)، وفي روايةٍ للبخاري: (إن بِنتي احتُضِرَت)،

والبنت اسمها: أُمَيْمَة كما في "مُعجَم أبي سعيد بن الأَعرابي" ورواه أحمد أيضًا: (أُتيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأُمَيمَة ابنة زَينب ونفْسُها ...) الحديثَ، ووقَع في (جُزء حديث صعدان بن نصر): أنه أُتي بأُمامة بنت زَينب، فإنْ أُريد بها أُمَيمة فواضحٌ، وإلا فأُمامة عاشتْ حتى تزوَّجها عليٌّ بعد وفاة فاطمة، أو يُقال: كانت وصلتْ إلى النَّزْع، ثم عاشتْ، كما سبق في عليٍّ. قلتُ: وقد يُجمع بين ذلك باحتمال تعدُّد الواقعة في بنتٍ واحدةٍ أرسلتْ، أو بنتين؛ زينب في أُميمة، أو رُقيَّة في عبد الله بن عُثمان، أو فاطمة في ابنها مُحسِن بن علي، وإنْ كان فيه بُعدٌ. (قُبِضَ) سبق رواية البخاري فيه في (الإيمان): (احتُضِرَ)، وهو واضحٌ، وسيأتي الحديث: (ونفْسه تقَعقَعُ)، فيُحمل: (قُبِضَ) على أنه قارَب أن يُقبض. (وكل) بالرفع على الابتداء، والنَّصبِ عطفًا على اسم (إنَّ). (ولتحتسب)؛ أي: تَجعل الولَد في حسابه لله راضيةً بحُكمه قائلةً: إنا لله وإنا إليه راجعون. (تقعقع) كذا وقَع هنا بتاءَين، لكنْ ذكره ابن الأَثِير في "النِّهاية" بتاءٍ واحدةٍ، وقال: معناه: يَضطَرِب ويتحرَّك كلَّما صار إلى حالةٍ لم يَلبث أن ينتقل إلى أُخرى؛ لقُربه من الموت، والقَعْقَعة: حكايةُ أصواتِ الجُلود اليابِسة، ورواه البخاري في (المرضَى) في (باب:

عيادة الصِّبيان): (تُقلْقل). (الشن) القِرْبة اليابسة، وجمعها: شِنَان، وفي المثَل: مِثْلي لا يُقَعقع لي بالشِّنان. (ما هذا)؛ أي: فيضُ الدَّمع، وذاك لما عُلِمَ من عادته - صلى الله عليه وسلم - من مُقاومة المُصيبة، وشدَّة الصبر. (رحمة)؛ أي: أثَر رحمةٍ جعلَها الله في قُلوب عباده، لا أنه جزَعٌ وقلَّة صبْر. (الرحماء) بالنَّصب على أن (ما) في (إنما) كافَّةٌ، وبالرفع على أنها موصولة، أي: إن الذين. * * * 1285 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: شَهِدْناَ بِنْتًا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَقَالَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ: فَقَالَ: "هَلْ منكم رَجُلٌ لم يُقَارِفِ اللَّيلةَ؟ فقال أَبُو طَلْحَةَ: أنا، قالَ: فانْزِلْ، قالَ: فَنَزَلَ في قَبْرِها. الحديث الثاني: (بنتًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال الطَّبَراني: هي أُمُّ كُلثوم، وكذا صحَّحه ابن عبد البَرِّ، ووقَع في "تاريخ البخاري الأَوسط" عن حَمَّاد بن سلَمة،

عن ثابت، عن أنس: أنَّها رُقَيَّة، ثم قال: ما أَدري ما هذا؟، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشهَدْ رُقيَّة، أي: لأنه كان غائبًا ببدْرٍ، صحَّح ابن بَشْكُوال أنها زينب، وهي رواية ابن أبي شيبة. (لم يقارف) قال (خ): لم يُذنِب، وقيل: لم يُجامِع أهله، وأنكره الطَّحَاوِي، وقال: معناه لم يُقاوِل؛ لأنهم كانوا يَكرهون الحديث بعد العِشاء، وقال غيره: حِكْمة تَرْك المُجامَعة أن نُزول القبر لمعالجة النساء لا ينبغي لمن كان قَريب عهدٍ بمخالطة النساء، بل تكون نفسه كالنَّاسية لذلك مطمئنةً بتركه، وقيل: إذا قُلنا: إن ابنته أُمُّ كُلثوم أن عُثمان تلْك اللَّيلة باشَر جاريةً له، وعلِم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فعرَّضَ به أن لا يَنزل في قبرها حيث لم يُعجبه أنه اشتغَل عنها وهي محتضَرةٌ بذلك. (أبو طلحة) اسمه: زَيْد بن سَهْل. فيه نُزول الأجنبي من المرأة قبرَها بإِذْن الوليِّ، وفيه التوسُّل بالصَّالحين في تولِّي شأن دفْن الميِّت، وجوازُ البُكاء حيث لا صياحَ ولا مُنكَر. * * * 1286 - حَدَّثَنا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ ابنُ جُرَيْجٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبي مُلَيْكَةَ قال: تُوفِّيَتِ ابنةٌ لِعُثْمَانَ - رضي الله عنه - بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -، وَإِنِّي

لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا -أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا- ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمَرَ - رضي الله عنهما - لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلاَ تنهَى عَنِ الْبُكَاءَ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". 1287 - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: قَدْ كَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءَ، إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاَءِ الرَّكْبُ قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ادْعُهُ لِي، فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ، فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَاأَخَاهُ، وَاصَاحِبَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: يَا صُهَيْبُ! أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ"؟ 1288 - قَال ابْنُ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ - رضي الله عنه - ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ عُمَرَ، وَاللهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إنَّ اللهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ"، وَقَالَتْ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، قَالَ ابْنُ أَبِيُ مُلَيْكَةَ: وَاللهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَر - رضي الله عنه - شَيْئًا.

الحديث الثالث: (جالس بينهما) فيه جواز الجُلوسُ والاجتماعُ لانتظار الجَنازة، وجُلوسه بينهما وإنْ كانا أفضَلَ منه لعُذْرٍ، إما لكَون الموضع أرفَق بالجائي بعده، أو نحو ذلك. قلتُ: أو كما صرَّح به بعدَه أنه جلَس إلى جنْب أحدهما، ثم جاء الآخَر. (ثم حدث)؛ أي: ابن عبَّاس. (بالبيداء) أصلُها: المَفَازة، والمراد هنا بين مكَّةَ والمَدينة. (الركب) أصحاب الإبِل في السفَر، العشَرة فما فوقها. (سَمُرَة) بفتح المهملة، وضمِّ الميم، أي: العظيمة من شجَر العَضَاه. (صُهيب) بضمِّ المهملة: ابن سِنان. (فالْحَقْ) أمْرٌ من اللُّحوق. (أُصيب)؛ أي: جُرِحَ الجِراحةَ التي مات فيها. (وآخَاهُ) الألِف فيه للنُّدبة لا العلامة في إعراب الأسماء الستَّة، والهاء بعده للسَّكْت لا ضميرٌ، نعم، الشَّرط في المندوب أن يكون معروفًا، فيقدَّر أن الأُخوَّة والصَّاحبيَّة كانا معلومَين معروفَين. (رحم الله عُمر) هو من حُسْن الأدب نحو: عفَا الله عنْك تمهيدًا لدفْع ما يُوحِش مما لا يَليق.

(ولكن) بتشديد النون، وتخفيفها. (والله ما حدث) جزمَتْ بذلك وحلَفت عليه، إما لأنها سمِعَتْ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اختصاصَ العذاب بالكافر، أو فهمَتْه بالقَرائن. (حسبكم)؛ أي: كافِيْكم، لكن الآية عامةٌ للمؤمن والكافر على معنى زيادة عذابه، فكما أنَّ أصلَ العذاب لا يكون بفعل غيره، فزيادتُه كذلك، فوجْهُ استدلالها بالآية: أنَّ عادةَ الكُفَّار الوصيَّة بالنيَاحة، وكان ذلك مشهورًا عندهم. (أضحك وأبكى) غرَضه بذلك في هذا المقام: أن الكُلَّ بإرادة الله، فيُعمل بظاهر الحديث، فإنَّ له أن يُعذِّبه بلا ذَنْبٍ، ويكون البُكاء عليه علامةً له، أو يعذِّبه بذنب غيره، لا سيَّما إذا تسبَّب في وقوع الغير فيه، وتخصيصُ آية الوِزارة بيوم القيامة، وقال الطِّيْبِي: غرَضه تَقدير قَول عائشة، أي: أن بُكاء الإنسان وضَحِكه من الله، فلا أثَر للعبد فيه، فعنْد ذلك أذعَن، وإنما كان أثَره في الكافِر دُون المؤمن، لأنه لا يَرضى بالمعصية لا من نفسه ولا من غيره، بخلاف الكافر. (شيئًا)؛ أي: بعد ذلك. قال (خ): إذا ثبتَت الرِّواية فلا تُدفَع بالظَّنِّ، وقد روى ذلك عُمر وابنه، ولا تدفع قصَّة اليهودية في حديث عائشة روايتهما، إذ لا مُنافاةَ بينهما، واحتِجاجها بالآية، فإنه يؤاخَذ بفعل نفْسه؛ لأنه كان يُوصُون بذلك.

وقال (ن): نَسَبَتْهما عائشةُ إلى النِّسيان والاشتباه، وأَوَّلت الحديثَ بأن معناه: يُعذَّب بذنْبه في حال بُكاء أهله لا بسبَبه، لحديث اليهوديَّة. * * * 1289 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنا مالِكٌ، عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي بَكْرٍ، عَنْ أبيه، عَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّها أَخْبَرتْه أَنَّها سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ: "إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا". 1290 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ - رضي الله عنه - جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ"؟ الرابع، والخامس: (علمت) صريحٌ في أنه ليس خاصًّا بالكافر. قال القَرَافي: الأَولى أنْ يُقال: سَماع صوت البُكاء هو نفْسُ العذاب، كما أنَّا معذَّبون ببُكاء الأطفال، فيبقى الحديث على ظاهره، فلا تخصيصَ وتكلُّف.

33 - باب ما يكره من النياحة على الميت

قال (ك): ووجْهٌ آخر، وهو أن هذا في الدُّنيا، نحو: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، وكذا في الزَّوج، وآيةُ الوِازرة يوم القيامة، وهذان الوجهان أحسَن الوُجوه الثَّمانية في الحديث، والبَواقي فيها تكلُّفٌ، أو بُعدٌ. * * * 33 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ عُمَر - رضي الله عنه -: دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ، وَالنَّقْعُ التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ الصَّوْتُ. (باب ما يُكرَه من النِّياحة)، أي: كراهة تحريم. (على أبي سليمان) هو خالِد بن الوَلِيد، مات بحِمْص، وأوصى إلى عُمر أن نسوةً من نساء بني المُغيرة اجتمعْنَ في دارٍ يَبكين على خالد، فقال: (دعهن)، ووجْهُ الجمْعِ بين هذا وبين منْعه صُهيبًا أنَّه زادَ بقرينة: (واصَاحِبَاهُ)، لكنْ قال محمد بن سلام: أنه لم يبقَ امرأةٌ من بني المُغِيرة إلا وضَعَتْ رأْسَها على قبْر خالدٍ، أي: حلَقَتْ شعْرَها. (والنقع: التراب)؛ أي: وضْع التُّراب على الرأْس، من النَّقْع، وهو الغُبار، هذا قول الفَرَّاء، والأكثر أنه رفْع الصَّوت بالبُكاء. والتَّحقيق أنه مشتركٌ محمولٌ على الأمرين معًا، لكنْ حمله على

التُّراب أَولى، لقَرْنه باللَّقْلقة، وهو الصَّوت بالاضطراب، حتى يكونا متغايرَين. * * * 1291 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْمُغِيرَة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ". 1292 - حَدَّثَنَا عَبْدَان، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ"، تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، وَقَالَ آدَمُ، عَنْ شُعْبَةَ: "الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ". الحديث الأول: (على أحد)؛ أي: غَيري، وكلٌّ منهما وإن كان معصيةً لكنْ الكذب عليه كبيرةٌ لتوعُّده عليه، وهو المُرجَّح في ضابط الكبيرة، وعلى غيره صغيرةٌ، وقوله: (فليَتَبَوَّأْ مَقْعَده)، أي: يُصيِّر مَسكَنًا له ليس يُساويه، فإنَّ له نار جهنَّم لصدْقه بمجرَّد الدُّخول، أو أن المراد في: {وَمَنْ يَعْصِ} [النساء: 14]، الكبيرة، أو الكُفْر بقَرينة الخُلود.

34 - باب

(نيح)؛ مضارعٌ مبنيٌّ للمَفعول، وفي بعضها: (يُنَحْ) ماضيًا مبنيًّا للمفعول، فلذلك جاء في: (يعذب) الجَزْم والرَّفْع، وفي بعضها: (يُنَاحُ)، بالمضارع المبنيِّ للمفعول المرفوع بعد (مَن) الموصولة. (بما نيح)؛ أي: بالذي، ورُوي: (ما نِيْحَ) من غير باء، فتكون (ما) مصدريةً ظرفيةً. * * * 34 - باب 1293 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا، فَذَهَبْتُ أرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ " فَقَالُوا: ابْنَةُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو، قَالَ: "فَلِمَ تَبْكِي أَوْ لاَ تَبْكِي؟ فَمَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ". الحديث الثاني: (مُثِلَ) بتخفيف المثلَّثة، أي: قُطِعَ. (سُجيَ)؛ أي: غُطِّيَ. (صائحة)؛ أي: امرأةٍ صارخةٍ. (بنت عمرو)؛ أي: أُخت المقتول، عمَّة جابِر.

35 - باب ليس منا من شق الجيوب

(أو أخت عمرو)؛ أي: عمَّة المقتول، وسبق في (باب الدُّخول على الميِّت): أن جابِرًا قال: فجعلتْ عمَّتي تَبكي، يحتمل الأول حقيقةً، والثاني مجازًا. * * * 35 - بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ (باب: ليسَ مِنَّا) 1294 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ". النَّفْي في الحديث، إما للتَّغليظ؛ لأن المعصية لا تُخرِج من الأُمة إلا أنْ تكون كُفْرًا، أو المراد بدَعوَى الجاهلية: ما أوجَب الكفر، كتَحليل الحرام، أو عدَم تَسليم القَضاء. (الجاهلية) زمانُ الفَتْرة قبْل الإسلام، أي: قال في بُكائه ما كان يُقال في الجاهلية مما لا يجوز شرعًا. قال (ط): المعنى: ليس مُقتَديًا بنا، ولا مُستَنًّا بسُنَّتنا. قال الحسَن في: {وَلَا يَعصِينَكَ فىِ مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:12] أي: لا يُشقِّقْنَ جُيوبهنَّ، ولا يَدعُون وَيْلًا، وهو دَعْوى الجاهلية. * * *

36 - باب رثى النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة

36 - بابٌ رَثَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ (باب رِثَاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَعْدَ بنَ خَوْلَة) الرِّثاء مصدر رثَا الميِّتَ عدد مَحاسنه، ويُقال فيه: رثاءٌ بالهمز، ويقال: أيضًا رَثَا له، أي: رَقَّ له، وفي بعضها: (رَثْي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) بفتح الراء، وسُكون المثلَّثة، مصدرٌ أيضًا. وخَوْلة بفتح المعجمة، وسكون الواو، وسَعْد بن خَوْلَة من بني عامِر بن لُؤَيٍّ، مُهاجِريٌّ بَدْريٌّ، مات بمكة في حَجَّة الوَداع. 1295 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ وَأَناَ ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لاَ" فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: "لاَ" ثُمَّ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلْثُ كَبِيرٌ أَوْ كثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِّ! أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: "إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ امْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى

أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ". (بلغ بي)؛ أي: أثَّرَ الوجَعُ فيَّ، ووصَل غايته. (ابنة) اسمها: عائشة، لم يكُن له يومئذٍ غيرها، ثم جاء له بعد ذلك أولادٌ، والمراد: لا يَرثُني امرأةٌ من الولَد، أو من أصحاب الفُروض، ولكن ابنته هذه هي أُم الحكَم، وإنَّ من قال: عائشة وَهِمَ؛ لأنه ليس لسَعْدٍ بنتٌ تسمى عائشة، وتكون من الصَّحابة، قاله بعض العَصْريين. (بالشطر)؛ أي: أتصدَّقُ بالنِّصْف، وفي بعضها: (فالشَّطْر) بالفاء. (قال: الثلث) بالنَّصْب على الإغْراء، أو بتقْدير فعْلٍ، أي: أَعْطِ الثُّلُث، وبالرفْع فاعلٌ، أي: يَكفيك الثلُث، أو مبتدأٌ محذوفُ الخبر، أو بالعكس. (كثير) بمثلَّثةٍ، أو موحَّدة. (أن تذر) بفتح الهمزة، أي: لأَنْ، ويحتمل أنه مبتدأٌ، والخبر (خيرٌ) وبكسرها. (عالة) جمع عائِل، أي: فقير. (يتكففون)؛ أي: يَمُدُّون أكُفَّهم للسؤال. (ما تجعل)؛ أي: الذي تجعلُ، و (حتَّى) كُفَّت لـ (مَا) عن النَّصب؛ قاله (ط).

(أخلف) يعني: في مكَّة. (ينتفع) إشارةٌ إلى ما يفتحُ الله على يدَيه من بلاد الشِّرك، ويأخذ المسلمون من الغَنائم. (ويضر بك)؛ أي: المشركون الذين يُهلكهم بيَدِكَ وبجُنْدك. (أمض) بقطْع الهمزة: من الإمضاء، وهو الإنْفاذ، أي: تَمِّمْها لهم، ولا تنقضها عليهم؛ لأنهم كانوا يَكرهون العَود إلى مكانٍ تركُوه لله تعالى، فقوله: (لكن البائِسُ سَعْد ابن خَوْلَة)، ترحَّم عليه إذْ كان يَكره أن يموت بها، ولم يُعْطَ ذلك، فترجَّى لسعدٍ أن لا يموت بها كما مات ابن خَوْلة. (البائس)؛ أي: شديد الحاجة أو الفقر. (يَرْثي) بفتح الياء، أي: يَرِقُّ ويترحَّم. (إن مات) بفتح الهمزة، أي: لأَنْ ماتَ، وهذا مُدرَجٌ هنا من قول سعد بن أبي وقَّاص، كما صرَّح به في الرِّواية الآتية في (كتاب الدَّعَوات)، وقال (ط): هو من كلام الزُّهْرِي تفسيرًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لكنِ البَائِسُ سَعْدُ بن خَوْلَة). قال (ن): إنه قَول الأكثر، وكأن البُخاري أخَذ ترجمتَه من لفْظ: (يَرثي)، لكنْ نازعه الإِسْمَاعِيْليُّ أنَّ هذا ليس من مَراثي المَوتى، إنما هو إشفاقٌ من موته بمكة بعد هجْرته، كما يقال: أنا أَرْثي لك مما جَرَى عليك، أي: أتحزَّنُ، هذا مع كونه موقوفًا لا مرفوعًا.

37 - باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة

قلتُ: يحتمل أن هذا المعنى الذي قصَده البخاري لا مَراثي الموتى. قال (ن): المراد طُول عمُره، وهو من المعجزات؛ فإنَّه عاشَ حتى فتح العراق وغيره، وانتفَع به أقوامٌ في دينهم ودُنياهم، وتضرَّر به الكفَّار كذلك. وفيه استحباب عِيادة المريض للإمام وغيره، وإباحةُ جمع المال، والحَثُّ على صلة الرَّحِم، والإحسانُ للأقارب، وندْبُ الإنفاق في وُجوه الخير، وأن الأعمال بالنيَّات، وأنَّ المباح إذا قُصِد به طاعةُ الله صار طاعةً ويُثاب به، وقد نبَّه عليه بأحسن الحظوظ الدنيوية التي تكون في العادة عند المُلاعبة، وهو وضْع اللُّقمة في فَمِ الزَّوجة، هذا مع أنه أبعد الأشياء، فغيره أَولى. قال (خ): وفيه كراهةُ نقْل الموتى من بلدٍ إلى بلدٍ، وإلا لأَمر بنقْله إلى دار مُهَاجَرِه. * * * 37 - بابُ مَا يُنْهَى عن الْحَلْقِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ 1296 - وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ، حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ،

38 - باب ليس منا من ضرب الخدود

وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَناَ بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ. (باب ما يُنهَى من الحَلْق عند المُصيبة) (وقال الحكم) تقدَّم أن مثل هذا دون (حدَّثنا)؛ لأنه يكون على سبيل المُذاكرة لا بالقصْد للتَّحميل، وقيل: قال البُخاري ذلك؛ لأنه لا يُخرج عن ابن مُخَيْمِرة. (حَجر) بفتح الحاء وكسرها. (امرأة) هي أُم عبد الله بن أبي دُومة زوجتُه كما في "النَّسائي"، وفي "تاريخ البصْرة" لعمر بن شبة أنها صَفيَّة بنت دمون، أم ابنه أبي بُرْدَة. (الصالقة) الشَّديدة الصَّوتِ بالنِّياحة، وقيل: الصَّلْق: الزَّلزلة، وسَلَق لُغةٌ في صَلَق، أي: صاحَ. (والحالقة) التي تحلق شَعرَها. (والشاقة) التي تَشُقُّ ثوبَها. * * * 38 - بابٌ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ 1297 - حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،

39 - باب ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ". (باب: ليس مِنَّا من ضَرَبَ الخُدود) وسبق شرح الحديث فيه قَريبًا. (وشق) الواو بمعنى: أو، وكذا في: (ودعا) فالحُكم في كلِّ واحد لا المجموع؛ لأنَّ كلًّا منها دالٌّ على عدَم صبْره، نعَمْ، الأجْر عامٌّ بعد خاصٍّ، فيصير كأن الكُلَّ خَصلةٌ واحدٌ. * * * 39 - بابُ مَا يُنْهَى مِنَ الْوَيْلِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ الْمُصيِبَةِ 1298 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ". (باب ما يُنهَى من الوَيْل ودَعوى الجاهليَّة) أدرجَ (ك) حديثَه تحت الباب قبلَه، وقال: إنَّ الحديث فيه وإنْ لم يكن فيه ذكْر الوَيْل، لكنَّهُ من دَعوى الجاهليَّة، وأما كَونه منهيًّا عنه

40 - باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن

فمأخوذٌ من: (ليس مِنَّا). * * * 40 - بابُ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ يُعْرَفُ فيه الْحُزْنُ (باب مَنْ جلَسَ عند المُصيبة يُعرَفُ فيه الحُزْن) 1299 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرٍ، وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ، وَأَناَ أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ، وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ، ثُمَّ أتاهُ الثَّانِيَةَ، لَمْ يُطِعْنَهُ، فَقَالَ: انْهَهُنَّ، فَأتاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ: وَاللهِ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ: "فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ" فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْعَنَاءِ. الحديث الأول: (صائر) بمهملةٍ، وهمزة بعد الألف، قال (ط): كذا في النُّسخ، لكن المحفُوظ: صِيْر، كما قاله صاحب "المُجمَل"، و"الصَّحاح"،

وفي الحديث: "مَن نظَرَ مِنْ صِيْر بابٍ ففُقئَتْ عينُه فهو هَدَرٌ"، قال أبو عُبَيد: لم يُسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث. (شق) بفتح الشِّين، قال (ك): وبكسْرها. (إن نساء) خبرُ إنَّ محذوفٌ، أي: يَبكين برفْع الصَّوت والنِّياحة، أو يَنُحْنَ يدلُّ على ذلك السِّياق؛ إذ لو كان مجردَ بكاءٍ لم ينهَ عنه؛ لأنه رحمةٌ، وقيل: بل كان مجرد بكاءٍ إذ يَبعُد أن الصحابيَّات يتَمادَينَ على حرامٍ بعد نهيهنَّ. قال: إلا أن يكون ما أَسندَ النَّهيَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلهذا لم يُطِعْنَه، قيل: أو هو مَن لم يفهم من أَمْره الجزْم بذلك، بل ظنَّ أن المراد أن يُسكّتهنَّ مع المُلاطَفة. (الثانية)؛ أي: المرأة الثانية. (ولم يطعنه) الجملة حاليةٌ. (فزعمت)؛ أي: عائشة، بمعنى: قالتْ. (فأحثُ) بضمِّ المثلَّثة: مِن حَثَا يحثُو، وبكسرها: مِن حَثَا يَحثِي. (فقلت) هو من قَول عائشة. (أرغم) أُلصِقَ بالرَّغام -بفتح الراء- وهو التُّراب، دَعتْ عليه حيث لم يترك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في حُزْنه بل كرَّر عليه مخالفتهنَّ، فاللوم إما على أنه لم يترتب على فعله إمساكهنَّ، فكأنه قصَّر في المبالغة معهنَّ، أو لكونه لم يحثَّ كما أمَره - صلى الله عليه وسلم -. (العناء) بفتح المهملة، والمَدِّ: التعَب والمشقَّة، قال (ن):

معناه: إنَّك قاصرٌ عما أُمرتَ به، ولم تُخبر بأنك قاصرٌ حتى يُرسل غيرك، وتَستريح من العَناء. ووقع لبعض رُواة مسلم: (الغَناء) بغينٍ معجمةٍ، وعند الطَّبَري: (العَيِّ) بفتح العين المهملة، وتشديد الياء، ولبعضهم بكسر العين، والصَّواب ما سبق في البخاري. * * * 1300 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا حِينَ قُتِلَ الْقُرَّاءُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ. الحديث الثاني: (القُرَّاء) جمع قارئٍ، وقصَّته: أنَّ عامرًا قَدِم قبلَ إسلامه، فقال: لو بعثتَ إلى نجْدٍ بعْثًا لاستَجابوا لك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَخافُ علَيهم"، فقال: أنا جارٌ لهم فابعَثْهم، فبعثَ رجالًا من قُرَّاءِ الصَّحابة وفُضلائهم، وأميرهم المُنْذِر بن عَمْرو السَّاعِدي، فلمَّا نزَلوا بئْر مَعُونة -بفتح الميم، وضمِّ المهملة، وبالنُّون- بعَثُوا إلى عامر بن الطُّفَيل بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينظُر فيه، وقتَل رسولهم، وجاء بطائفةٍ من قَبائل عُصَيَّة وذَكْوان على البعْث فقتَلوا أكثرَهم. * * *

41 - باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة

41 - بابُ مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: الْجَزَعُ الْقَوْلُ السَّيِّئُ وَالظَّنُّ السَّيِّئُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}. (باب مَن لم يُظهِرْ حُزنَه) 1301 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَناَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: اشْتَكَى ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئًا وَنَحَّتْهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: كَيْفَ الْغُلاَمُ؟ قَالَتْ قدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وأَرْجُو أنْ يكونَ قَد استراحَ، وظَنَّ أبو طَلْحَةَ أَنَّها صَادِقَةٌ، قَالَ: فَبَاتَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا كَانَ مِنْهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا" قَالَ سُفْيَانُ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلاَدٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ. (ابن لأبي طلحة) هو أبو عُمَيْر كما في "مستدرَك الحاكم". (وهيأت شيئًا) أي: أعدَدْتُ طعامًا وأصلحتُه، وقيل: زَّينَتْ حالَها تعرُّضًا للجماع.

42 - باب الصبر عند الصدمة الأولى

(ونحَّته)؛ أي: أبعدتْه. (هدأ) بالهمز: سكَن. (نفسه) بسكون الفاء: واحدُ النُّفوس، أو بالفتح: واحدُ الأنفاس. (بما كان منها)؛ أي: من إخبارها بالسُّكون المُوهِم لزَوال العِلَّة، ومجيء العافية، وغير ذلك بما فعلَتْه. (لعل) استُعملت كـ (عسَى) بدليل دُخول (أنْ) في خبرها. (رجل من الأنصار) هو عَبَايَة بن رِفَاعة بن رافِع بن خَدِيْج؛ قاله الدِّمْيَاطِي في "أنْساب الخَزْرَج". (تسعة أولاد)؛ أي: من عبد الله الذي حَمَلَتْ به تلك الليلة من أبي طَلْحة، كما قاله القَابِسي، فذكَر ابن المَدِيْني من أسماء أولاد عبد الله بن أبي طَلْحة مَن قرأَ القرآن وحمَل العلم: إسحاق، وإسماعيل، ويعقوب، وعُمير، وعُمر، ومحمد، وعبد الله، وزيد، والقاسم، وذكر غيرهم أيضًا. * * * 42 - بابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى وَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -:نِعْمَ الْعِدْلَانِ وَنِعْمَ الْعِلاَوَةُ، {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ

وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلا عَلَى الْخَاشِعِينَ}. 1302 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". (باب الصَّبْر عند الصَّدْمة) (العدلان) تثنية عِدْلٍ، وهو بالكسر: المِثْلُ، وهو المراد هنا، وبالفتح: ما عادَل الشيء من غير جنْسه. (العلاوة) بكسر العين. قال (ع): العِدْل نِصْف الحِمْل، والعِدْلان حِمْلٌ، والعِلاوة: ما يُجعَل بين الحِمْلين، وقال (ك): العِلاوة: ما عُلِّق على البعير بعد تمام الوِقْر نحو السِّقاء وغيره، وهو فاعلُ (نِعْمَ)، والمخصوص بالمَدْح (الذين)، والظاهر أن المراد بالعِدلَين القَول وجَزاؤه، أي: قول الكلمتين، ونَوعا الثَّواب، وهما متلازمان في أن العِدْل الأول مركَّبٌ من كلمتين، والثاني من النَّوعين من الثَّواب. (صلوات) هي المغفرة. قال المُهَلَّب: العِدْلان هما: إنا لله، وإنا إليه راجعون، والعِلاوة: الثَّواب عليها، وقيل: العِدْلان: الصَّلاة والرحمة، والعلاوة: الرحمة.

43 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنا بك لمحزونون"

وسبَق معنى الحديث قريبًا في (باب قول الرجل للمرأة)، و (باب زيارة القُبور). قال (خ): المراد منه الصَّبر المحمود ما كان عند مُفاجأَة المُصيبة؛ فإنَّ الأيام إذا طالَتْ حصَل السُّلُوُّ، وقال بعض الحكماء: الأَجْر على الاحتساب، والصبر الجميل على المصيبة لا على نفْسها؛ لأنها قد تُصيب الكافر. * * * 43 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّا بكَ لَمَحْزُونُونَ" وَقَالَ ابْنُ عُمَر - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ". (باب قَول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا بكَ لمَحْزُونُونَ") هو طرَفٌ من حديث مَوتِ إبراهيم ولدِه - عليه السلام - الآتي في الباب. (وقال ابن عُمر) وصلَه البخاري بعدُ ببابٍ. * * * 1303 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ -وَكَانَ ظِئْرًا لإبْرَاهِيمَ

عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه -: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: "يَا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ"، ثُمَّ أتْبَعَهَا بِأَخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". رَوَاهُ مُوسَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (قُريش) بضم القاف. (حيان) بمهملةٍ مفتوحةٍ، ومثنَّاةٍ تحت. (على أبي سيف) بفتح السين. (القَين) بفتح القاف: صفةٌ له، وهو الحدَّاد، واسمه: البَراء بن أَوْس الأنصاري. (ظِئرًا)، بكسر الظاء المُعجمة بعدها همزةٌ، وقد تُسهَّل، والجمْع: ظِئَار، أي: مُرضِعًا بمعنى زَوج المُرضِعة غيرَ ولدها، فأُطلق ذلك على صاحب اللَّبَن، وزوجته هي أُم بُرْدة بضمِّ الموحَّدة، واسمها: خَوْلة -بفتح المعجَمة- بنت المُنْذِر بن يَزيد بن لَبِيْد الأَنصاريَّة، وقيل: أبو سَيْف هو البَراء بن مالِك، وزوجتُه المُرضِعة هي أُم سَيْف كما في "مسلم". قال أبو مُوسَى: لعلَّهما أرضَعاه، وقال (ع)، و (ن): خَولة

44 - باب البكاء عند المريض

المذكورة لها كُنيتان. (يجود)؛ أي: يدفع ويخرج، مِن جاد بالمال: إذا أخرجَه. (تذرفان) بكسر الراء، أي: تجريان، أي: يجري دمْعُهما. (وأنت) تعجُّبٌ، أي: وأنت أيضًا تفعل كفعل النَّاس لا يصبرون عند المصائب؟، استغربَه من مخالفة عادته. (رحمة)؛ أي: لا كما تَوهَّمتَ من الجزَع ونحوه. (أتبعها) يحتمل أتبَع الدَّمعة الأُولى بأُخرى، أو أتبَع كلمة: (إنها رحمةٌ) بكلمةٍ أُخرى وهي: (إنَّ العَيْن تَدْمَع) إلى آخره. وفيه استحباب تَقبيل الولَد، والترحُّم على العِيال، والرُّخصة في البُكاء، واستفسار المَفضُول فيما يَستغربه من الفاضِل، والإخبار عمَّا في القَلْب من الحُزن. (والقلب) بالرَّفع، والنَّصب. (رواه موسى) ابن أبي إِسْماعيل التَّبُوذَكي، وصلَه البَيْهَقِي في "الدَّلائِل". * * * 44 - بابُ الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمَرِيضِ (باب البُكاء على المَريض) 1304 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو،

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: اشْتكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأتاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ فَقَالَ: "قَدْ قَضَى؟ "، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَبَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بَكَوْا، فَقَالَ: "أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ، وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ"، وَكانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَضْرِبُ فِيهِ بِالْعَصَا، وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ، وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ. (شكوى) بلا تنوينٍ كحُبْلَى، أي: مرضًا غيَّرَ مِزاجه. (غشية) بسكون الشِّين وتخفيف الياء، أو بكسر الشِّين وتشديد الياء، قال الدَّارَقُطْنِي: هما بمعنَى من الغِشاوة، أي: غُشيَ عليه، ورُوي: (في غاشية). قال: وهو يحتمل وجْهين: ما يَغْشاه من كَرْبٍ، أو الناس الذين يَغشَونه، أي: للخِدْمة ونحوها، وكذا قال (خ). وجزم التُّوْرِبِشْتي بالأوَّل، أي: من كَرْب الوجَع الذي فيه لا الموت؛ لأنه برئ من ذلك المرض، نعَمْ، في بعضها: (وغاشية أهله)، وفي بعضها: (وغَشيَتْه). (أو يرحم) قال (ط): يحتمل وجهين: يَرحمه إنْ لم يَنفُذ فيه

45 - باب ما ينهى عن النوح والبكاء، والزجر عن ذلك

الوعيد، أو يرحم من قال خيرًا واستسلَم لقَضائه. قال (ك): وإن صحَّت روايته بالنَّصب، فـ (أو) بمعنى (إلى)، أي: إلى أنْ يرحمه الله بإدخاله الجنة؛ لأن المُؤمِن لا بُدَّ له من دُخولها. (يعذب) لا يُنافي هذا بكاؤه - صلى الله عليه وسلم - وبكاؤهم معه؛ لأنه بكاءٌ على حيٍّ لا على ميِّتٍ، أو المنهيُّ ما فيه نياحةٌ. وفيه نَدْب عِيادة الفاضِل المفضول، والنَّهي عن المُنكَر، وبيان الوعيد عليه. * * * 45 - بابُ مَا يُنْهَى عنِ النَّوْحِ وَالْبُكاء، وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ (باب ما يُنهَى من النَّوح والبُكاء)؛ أي: الذي برفعْ الصَّوت ونحوه. 1305 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَحيْىَ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ، وَأَناَ أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ، وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ، وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ، فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ ثُمَّ

أَتَى، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنِي -أَوْ غَلَبْنَنَا الشَّكُّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَوْشَبٍ- فَزَعَمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ"، فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ، فَوَاللهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْعَنَاءِ. الحديث الأول: (بفاعل)؛ أي: لمَا أمرَك به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من النَّهي الموجِب لانتهائهنَّ، أو من الحَثْو كما سبق مع شرح باقي الحديث في (باب: مَن جلَس عند المصيبة). (الشك) إلى آخره، هو من كلام البخاري. (من ابن حَوْشَب) نسبَه إلى جَدِّه. * * * 1306 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لاَ نَنُوحَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ: أُمِّ سُلَيْمٍ، وَأُمِّ الْعَلاَءِ، وَابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ، وَامْرَأتيْنِ، أَوِ ابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ، وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ، وَامْرَأَةٍ أُخْرَى. الثاني: (البيعة) بفتح الموحَّدة، أي: المُعاهَدة.

46 - باب القيام للجنازة

(غير) بالنَّصب والرفْع. (أم سليم) بالجر والرفع، وكذا بعدَه، إما بدلٌ، أو استئنافٌ، وهي أم أنَس، واسمها: سَهْلَة. (وأُم العلاء) بالمدِّ. (وابنته أبي سَبْرة) بفتح المهملة، وسكون الموحَّدة، والراء. (امرأة مُعاذ) في "الدَّلائل" لأبي مُوسَى: أُم مُعاذ، فقيل: تصحيفٌ، ورُدَّ بما في "طبقات ابن سعد": امرأة مُعاذ وأُم مُعاذ، فجَمع بينهما، وقيل: ابنة أبي سَبْرة هي امرأة معاذ. قال (ع): لم يَفِ ممن بايَعَ مع أُم عَطِيَّة إلا الخمْس، لا أن المعنى لم يترُك النِّياحةَ من المُسلمات إلا الخمس. * * * 46 - بابُ الْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ (باب القِيام للجَنازة) 1307 - حدثنا عليُّ بنُ عبدِ اللهِ، حدثنا سُفْيَانُ، حَدَّثّنا الزُّهْريُّ، عنْ سَالِمٍ، عنْ أَبِيهِ، عنْ عامِرِ بنِ رَبيعَةَ، عنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم الجَنَازَة فقُومُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ

47 - باب متى يقعد إذا قام للجنازة

عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، زَادَ الْحُمَيْدِيُّ: "حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ". (تُخَلِّفكم) بضمِّ التاء، وفتح المعجَمة، وتشديد اللام مكسورةً، أي: تترُكُكم خلْفَها. (قال الزُّهْرِي: أخبرني سالم) إنه في الأول بالعَنْعنة، وفي الثاني بلفظ الإخبار، فأفاد التَّقْوية. (زاد الحميدي)؛ أي: لفظةَ. (أو توضع) وقد وصلَه أبو نُعيم في "المُستخرَج"، وأدرج المصنِّف في هذه الترجمة اختصار الحديث. * * * 47 - بابٌ مَتَى يَقْعُدُ إِذَا قَامَ لِلْجَنَازةِ 1308 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ جَنَازَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا فَلْيقُمْ حَتَّى يُخَلِّفَهَا، أَوْ تُخَلِّفَهُ، أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَلِّفَهُ". 1309 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ

48 - باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال، فإن قعد أمر بالقيام

سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - بِيَدِ مَرْوَانَ فَجَلَسَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ، فَجَاءَ أَبُو سَعِيدٍ - رضي الله عنه - فَأَخَذَ بِيَدِ مَرْوَانَ فَقَالَ: قُمْ، فَوَاللهِ لَقَدْ عَلِمَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَاناَ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَدَقَ. * * * 48 - بابُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلاَ يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ، فَإِنْ قَعَدَ أُمِرَ بِالْقِيَامِ 1310 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ -يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ-، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ". * * * 49 - بابُ مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ 1311 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ بِنَا جَنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقُمْنَا بِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ؟ قَالَ:

"إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا". 1312 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ ابْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ؛ أي: مِن أهلِ الذِّمَّة، فقالا: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّتْ به جِنازةٌ فقامَ، فقيل له: إنَّهَا جِنازةُ يهوديٍّ فقال: ألَيْستْ نَفْسًا؟ ". 1313 - وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كُنْتُ مَعَ قَيْسٍ وَسَهْلٍ - رضي الله عنهما -، فَقَالاَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ وَقَيْسٌ يَقُومَانِ لِلْجنَازَةِ. (باب: متى يَقعُد إذا قامَ للجَنازة) و (باب: مَن تبع جنازةً فلا يقعُد حتى تُوضَع). و (باب: من قام لجنازةِ يهوديٍّ) فذكر فيها: (فقال: قم)؛ أي: قال أبو سَعيدٍ لمروان. (هذا) إشارةٌ إلى أبي هريرة. (عن ذلك)؛ أي: الجُلوس قبل وضع الجنازة.

50 - باب حمل الرجال الجنازة دون النساء

(القادسية) بالقاف، وكسْر الدَّال، والسِّين المهملتين، وشدَّة المثنَّاة تحت: على مَرْحلتَين من الكُوفة. (أهل الذمة) هم اليهود والنَّصارى. (أليست نفسًا) قال (ط): أي: أليستْ نفْسًا ماتتْ، والمراد أن المعنى بالقِيام لها لصُعوبة الموت وتذكُّره، فإنه إذا قام كان أشدَّ لتذكيره، وفي رواية: (لَستُم تَقومُون لها، إنما تَقُومون لمَنْ معَها مِن الملائكة)، يعني ملائكةِ العَذاب في الكافِر، فهو تعظيمٌ لأمر الموت، وإجلالًا لحكم الله. قال البَيْضَاوي: إنه لتعظيم الموت، أو تهويله، والتَّنبيه على أنه بحالٍ ينبغي أن يضطِرب ويُرعَب. (وقال أبو حمزة) فائدة ذكْرِ هذه الطَّريق التَّقوية؛ لأنها بلفظ: (كُنَّا)، بخلاف الأولى فإنها تحتمل الإرسال. (وقال زكريا) فائدة هذه الطريق أنَّ أبا مَسعود أيضًا كان يقُوم للجنازة. * * * 50 - بابُ حَمْلِ الرِّجَالِ الْجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ 1314 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ

51 - باب السرعة بالجنازة

الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا ويْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ". * * * 51 - بابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ وَقَالَ أَنسٌ - رضي الله عنه -: أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ، وَامْشِ بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا، وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَرِيبًا مِنْهَا. 1315 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَسْرِعُوا بِالْجنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ". * * * 52 - بابُ قوْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ: قَدِّمُونِي 1316 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ،

عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْء إِلَّا الإنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإنْسَانُ لَصَعِقَ". (باب حَمْل الرِّجال الجَنازةَ) سبق أنها بالفتح: الميِّت، وبالكسر النَّعْش، وقيل: بالعكس. (وضعت) يحتمل وضْع الميِّت على النَّعْش، أو النَّعْش على الأَعناق، ويكون قوله: (واحتملها) تأكيدًا، أو إسناد القول إليها في: (قالت) مجازٌ، قاله (ك). وهو عجيب؛ فإن الحديث مَسوقٌ لقَولها حقيقةً؛ لأن القائِل إنما هو الميِّت لا النَّعْش. (قدموني) قال (ط): أي: إلى عمَلي الصَّالح، أي: إلى ثَوابه. (يا ويلها)؛ أي: يا خِزْيَها احضُر بها، فهذا أوَانُكَ، وإنما قال: يا ويلَها، ولمِ يقُل: يا وَيْلي، حملًا على المعنى كأنه لمَّا أبصَر نفْسه غير صالحةٍ نفَر عنها، وجَعَلَها كأنها غيرَه، وكَرِهَ أن يُضيف الوَيْل إلى نفسه. (صُعِق) هو أن يُغشَى على الإنسان من شدَّة الصَّوت، وربَّما مات منه. قال (ط): لأنه صوتٌ مُنكَر، فقولها ذلك حقيقةً، فيحدث اللهُ

53 - باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام

النُّطقَ في الميِّت إذا شاء. وأَدرج (ك) في التَّرجمة ما في بابين للاتحاد كما هو عادته، وهما: (باب: السُّرعة بالجنازة)، و (باب: قَول الميت وهو على الجَنازة: قدِّمُوني). (قريبًا) متعلِّقٌ بمقدَّرٍ، أي: وقال غيره: امْشِ قَريبًا منها، هو قول اللَّيث، وعند الشَّافعية المشْي قُدَّامَها أَولى، وأنه يُستحبُّ الإسراع بها ما لَم يَنتهِ إلى حَدٍّ يُخاف الانفجار، أو نحوه. (فخير) خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هي خيرٌ تقدِّمونها إلى القيامة، أو: فثَمَّ خيرٌ تقدِّمونها إليه، وهو حالُه في القبر، فأسرِعوا حتى يَصِل إلى ذلك قريبًا. (تضعونها)؛ أي: بعيدةٌ من الرحمة، فلا مصلحةَ لكم في مُصاحبتها، فيُؤخذ منه تَرْك صُحبة غير الصَّالحين. * * * 53 - بابُ مَنْ صَفَّ صفَّيْنِ أَوْ ثلاَثَةً عَلَى الْجِنَازَةِ خَلْفَ الإِمَامِ 1317 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ.

54 - باب الصفوف على الجنازة

(باب من صَفَّ صَفَّين أو ثلاثةً على الجَنازة) فيه حديث الصلاة على النَّجاشي، وسبق في (باب: الرَّجل ينعى أهلَ الميِّت) أنه بفتح النُّون، وبكسرها، وبتشديد الياء أو تخفيفها، واختِيار الفَارابي التَّخفيف، وصاحب "التَّكمِلة" التَّشديد، وأما بتشديد الجيم فخطأٌ. * * * 54 - بابُ الصُّفُوفِ عَلَى الْجِنَازَةِ (باب الصُّفوف على الجَنازة)، أَدرج (ك) ما فيها في التي قبلَها. 1318 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نعى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا. الحديث الأول: نَعْي النَّجاشي. * * * 1319 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ

وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -. الثاني: (قبر منبوذ) بإضافة (قبر)، أي: به لَقيطٌ منبوذٌ، أو قبرٌ بالتنوين موصوفٌ بمنبوذ، أي: منبوذٌ عن القُبور معتزِلٌ عنهنَّ بعيدٌ، وهذا أشبه؛ لأن في روايةٍ: (أتى قبرًا منبوذًا)، وسبق الحديث في (باب: وضوء الصبيان) قبل (كتاب الجمعة). ووجه مطابقته للتَّرجمة: أنَّ صفَّهم يدلُّ على صُفوفٍ؛ لكثرة الصحابة الملازمين له - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكونون غالبًا لا صفًّا ولا صفَّين، وكون ذلك على الجَنازة المراد الميِّت، ولو مَدفونًا. * * * 1320 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَناَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ تُوُفِّي الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الْحَبَشِ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ"، قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوفٌ، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي. الحديث الثالث: (الحبش) صِنْفٌ من السُّودان معروفٌ. (فهلمَّ) بفتح الميم: اسمُ فعلٍ، أي: تَعالَ، يَستوي فيه في لُغة

55 - باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز

الحِجاز الواحد فأكثر، وتَميم تقول: هلُمَّا، وهلُمِّي، وهلُمُّوا، وهلْمُمْنَ. (فقال أبو الزُّبَير) هو محمَّد بن مسلم، وقد وصلَ هذا النَّسائي، وابن بِشْران، وأصله في "مسلم". * * * 55 - بابُ صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ علَى الْجنَائِزِ (باب صُفوف الصِّبيان مع الرِّجال في الجَنائز) أَسقطَه (ك)، وأدرجَ ما فيه فيما قبلَه. 1321 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلًا، فَقَالَ: "مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ "، قَالُوا: الْبَارِحَةَ، قَالَ: "أَفَلاَ آَذَنْتُمُونِي"، قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَناَ فِيهِمْ- فَصَلَّى عَلَيْهِ. (عامر)؛ أي: الشَّعْبي، وسبق الحديث في (باب: الإذن بالجنازة)، وفيه جوازُ الدَّفْن باللَّيل. (متى دفن) الضمير لصاحب القبْر. * * *

56 - باب سنة الصلاة على الجنائز

56 - بابُ سُنَّةِ الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ". وَقَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"، وَقَالَ: "صَلُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ"، سَمَّاهَا صلاَةً، لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَلاَ سُجُودٌ، وَلاَ يُتَكَلَّمُ فِيهَا، وَفِيهَا تَكْبِيرٌ وَتَسْلِيمٌ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُصَلِّي إِلَّا طَاهِرًا، وَلاَ يُصَلَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبِهَا، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَأَحَقُّهُمْ عَلَى جَنَائِزِهِمْ مَنْ رَضُوهُمْ لِفَرَائِضِهِمْ، وَإِذَا أَحْدَثَ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ عِنْدَ الْجَنَازَةِ يَطْلُبُ الْمَاءَ وَلاَ يَتَيَمَّمُ، وَإذَا انْتَهَى إِلَى الْجَنَازَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ بِتكْبِيرَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: يُكَبِّرُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَرْبَعًا. وَقَالَ أَنَسٌ - رضي الله عنه -: تَكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةِ اسْتِفْتَاحُ الصَّلاَةِ، وَقَالَ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} وَفِيهِ صُفُوفٌ وَإِمَامٌ. 1322 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ نبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّنَا فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا عَمْرٍو! مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاس - رضي الله عنهما -.

(باب سُنَّة الصَّلاة على الجَنازة) (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصلَه البخاري من حديث أبي هريرة. وجواب الشَّرط فيه محذوفٌ، أي: فله قِيْراطٌ، وإنما لم يذكُره؛ لأن القصد إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة. (وقال: صلوا على صاحبكم) وصلَه أيضًا من حديث سلَمة، والمراد بصاحبكم: الميِّت الذي كان عليه دَينٌ لا يَفِي بماله. (الناس)؛ أي: الصحابة. (رضوهم) في بعضها: (رَضُوه). (بتكبيرة)؛ أي: ويأتي بعد ذلك بالباقي، فاستدلَّ البخاري على غرَضه -وهو جرَيان أحكام الصَّلاة في صلاة الجنازة- بتَسميتها صلاةً، كما في: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 84]، ومشروعيتها وإن لم تكُن بركوعٍ وسجودٍ، وإثباتِ خاصَّة الصَّلاة فيها من افتتاحها بالتَّكبير وختمِها بالتَّسليم، وعدَمِ التكلُّم فيها، وذات صفوفٍ، وإمامٍ، فالصلاة مشتركةٌ بين المعهودةِ وصلاةِ الجنازة، حقيقةٌ شرعيةٌ فيهما، فشَرْطها كالصَّلاة: الطَّهارة، والسَّتْر، واستقبال القِبْلة وغير ذلك. وفيه صلاتُها جماعةً على القبْر، قال الحسَن: نختار للإمامة فيها من رَضِيَ الجماعةُ بدِينه وطَريقته. (أبا عمرو) هي كُنية الشَّعْبي. * * *

57 - باب فضل اتباع الجنائز

57 - بابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -: إِذَا صَلَّيْتَ فَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ. وَقَالَ حُمَيْدُ ابْنُ هِلاَلٍ: مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجَنَازَةِ إِذْنًا، وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ فَلَهُ قِيرَاطٌ. (باب فَضْل اتِّباع الجَنائز) (فقد قضيت)؛ أي: من فَضيلة اتَّباع الجنازة، وإلا فالدَّفْن أيضًا واجبٌ. (إذنًا) بكسر الهمزة، أي: ما ثَبت عندنا أنه يُؤذَّن على الجنازة، ولكن ثبت: (من صلَّى ...) إلى آخره. * * * 1323 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ سَمِعْتُ ناَفِعًا، يَقُولُ: حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: مَنْ تَبعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَقَالَ: أكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا. 1324 - فَصَدَّقَتْ -يَعْنِي عَائِشَةَ- أَبَا هُرَيْرَةَ، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَر - رضي الله عنه -: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. فَرَّطْتُ: ضَيَّعْتُ مِنْ أَمْرِ اللهِ.

58 - باب من انتظر حتى تدفن

(حدث ابن عُمر) بالبناء للمفعول. (قيراط) أصله قِرَّاط -بالتَّشديد-، بدليل جَمْعه بقَراريط، فأُبدل من أحد راءَيه ياءٌ، وهو لغةً: نِصْف دانِقٍ، وقيل: جُزْءٌ من الدِّينار، وهو نِصْف عُشره في أكثر البلاد، وفي الشَّام جُزْءٌ من أربعةٍ وعشرين. (فقال: أكثر أبو هريرة) قائلُ ذلك: ابن عُمر، خافَ من الكثْرة أن يكون اشتبَهَ عليه الأمرُ لا أنه اتَّهمه؛ لأن مرتبتَهما أجَلُّ من ذلك. (بقوله) في قول أبي هريرة. (يقوله) الضمير المستَتِر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والبارز للحديث. (فرطنا)؛ أي: ضيَّعْنا حيث قصَّرنا في اتِّباع الجنائز، مثل: {يَحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ} [الزمر:56]، أي: ضيَّعتُ. * * * 58 - بابُ مَنِ انتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ (باب مَن انتظَر حتَّى تُدفَن) أَدرجَ (ك) ما فيه فيما قبلَهُ اختصارًا. 1325 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي

ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. 1325 / -م - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يُونسُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ"، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: "مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ". (مَسْلَمة) بفتح الميم، واللام. (سعيد بن أبي سعيد) بعضًا بغير (عن أبيه)، وهو صحيحٌ؛ لأنه يَروي عن أبي هريرة بواسطةٍ، وبلا واسطةٍ. (شَبِيب) بفتح المعجمة، وكسر الموحَّدة. (وحدثني عبد الرحمن) عطفٌ على مقدَّر، أي: قال ابن شِهَاب: حدَّثني فلانٌ به، وحدَّثني عبد الرَّحمن أيضًا. (يُصلي) بكسر اللام، وفتحها. (فله قيراطان)؛ أي: بالأول الصلاة قيراطٌ، والاتِّباع إلى الدَّفْن آخَر، كما بُيِّن ذلك في رواية البخاري في (باب: اتباع الجَنائز من الإيمان)، وسبق هناك فوائد كثيرةٌ في الحديث. * * *

59 - باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز

59 - بابُ صَلاَةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْجَنَائِزِ (باب صلاة الصِّبْيان مع النَّاس) 1326 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحيْىَ بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْرًا، فَقَالُوا: هَذَا دُفِنَ -أَوْ دُفِنَتِ- الْبَارِحَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: فَصَفَّنَا خَلْفَهُ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. (أو دفنت) شكٌّ من ابن عبَّاس، وسبق شرحه قريبًا. * * * 60 - بابُ (الصَّلاَةِ عَلَى الجَنائز بِالْمُصلَّى وَالمَسجِد) (باب الصَّلاة على الجَنائز بالمُصلَّى والمَسجِد) أَدرجَ (ك) ما فيه فيما قبلَه. 1327 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ: أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ".

1328 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. 1329 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤُا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ. وفيه حديثان: حديث صلاته على النَّجاشي، وحديث رجْم اليهوديين اللذَين زنيَا. قال (ط): ليس في الحديث دلالةٌ على الصلاة في المسجد، إنما الدَّليل حديث عائشة: - صلى الله عليه وسلم - على سُهَيل بن بَيْضاء في المَسجِد، ولعلَّ إسناده ليس من شَرْط البخاري. قال (ك): قد تأْتي (عند) بمعنى (في)، أو أن غرَض البخاري أنه لا يُصلَّى في المسجد بدليل: عند المَسجد؛ لأنه يدلُّ على أنه خارجَه. قلت: فيما قالَه نظَرٌ ظاهرٌ. * * *

61 - باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور

61 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - ضَرَبَتِ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً، ثُمَّ رُفِعَتْ، فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ: أَلاَ هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا. فَأَجَابَهُ الآخَرُ: بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا. (باب ما يُكرَه مِن اتخاذ المَساجِد على القُبور) (رفعت) بالبناء للفاعل، أو للمفعول. (فسمعت) في بعضها: (فسَمِعوا). (ما فقدوا) في بعضها: (ما طَلَبوا). ووجه مناسبته للتَّرجمة: أن مَسجِدها في تلك السنة كان عند قبره. * * * 1330 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ هِلاَلٍ هُوَ الْوَزَّانُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا"، قَالَتْ: وَلَوْلاَ ذَلِكَ لأَبْرَزُوا قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. (مساجد) في بعضها: (مَسجِد)؛ أي: للجنْس.

62 - باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها

ووجه مطابقة الحديث -وفيه اتخاذ القبر مَسجِدًا- للترجمة، وهي المساجد على القُبور: أنهما مُتلازِمان، وإنْ كان مفهومهما مُتغايرًا. (لولا ذلك)؛ أي: خشية اتخاذ قبْره مَسجِدًا لأُبْرِزَ، لكنْ لم يُبْرَز لوجود ذلك، لأن (لولا) امتناعٌ لوُجودٍ. (لأُبْرِزَ) في بعضها: (لأَبْرَزُوا) بضمير الجمْع، أي: لكشَفوا بلا بناءٍ يمنع من الدُّخول إليه. * * * 62 - بابُ الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا 1331 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. (باب الصَّلاة على النُّفَساء) بضمِّ النون، وفتح الفاء، والمَدِّ: المرأَة الحديثةُ العَهْدِ بالوِلادة، وهو بناءٌ مفردٌ على غير قياسٍ. (امرأة) سبَق أنها أُمُّ كَعْب، وسبق شرح الحديث آخر (كتاب الحيض). * * *

63 - باب أين يقوم من المرأة والرجل؟

63 - بابٌ أَيْنَ يَقُومُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ؟ 1332 - حدثنا عِمْرانُ بنُ مَيْسَرَةَ، حدَّثَنا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنا حُسَينٌ، عنْ ابنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. قال (ك): لم يذكر في الحديث مَوضع القِيام من الرَّجل مع ذكْره في التَّرجمة، إما: لأنه لم يجد فيه حديثًا بشرطه، وإما لقياس الرَّجل على المرأَة. (وسطها) قال في "المُفهِم": قيَّدناه بسكُون السِّين، وكذا أبو بَحْر، والجَيَّاني، ومنهم من فتَحها، والصَّواب أن السَّاكن ظَرْفٌ كحفَرتُ وسْطَ الدَّار بَيتًا، أي: في وسَطها، والمفتوح اسمٌ. قيل: إنما قال (وسْطها) ليكون حائلًا بين القَوم وموضع العَورة، وقال الشافعي: يَقِف عند عَجِيْزة المرأة، وهو يَصدُق على وسط -بالسكون والحركة-. * * * 64 - بابُ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعًا وَقَالَ حُمَيْدٌ: صَلَّى بِنَا أَنَسٌ - رضي الله عنه -، فَكَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ سَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ،

فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ. (باب التَّكبير على الجَنازة أَربعًا) 1333 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يوسُفَ، أخْبَرَنا مالِكٌ، عنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعْيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. 1334 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَعَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ سَلِيمٍ: أَصْحَمَةَ. وَتَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ. الحديث الأول، والثاني: (سَلِيم) بفتح السين، وكسر اللام، ليس في "الصحيحين" غيرُه، والثاني بالضمِّ وفتح اللام. (حَيان) بفتح الحاء، والمثنَّاة تحت. (أصْحَمة) بفتح الهمزة، وسكون الصاد، وفتح الحاء المهملتَين، معناه: عَطِيَّة. (عن سليم: أصمحة) أي: بتَقديم الميم، كذا قال (ك)، وقال

65 - باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة

(ش): إن ذلك صَمْحة، وإنَّ (ن) قال: إنَّ هذان شاذَّان، وإن الصَّواب: أَصْحَمة بالألف. قال (ع) وغيره: إنَّ صوابه صَمْحة -بتقديم الميم-. قال (ك): وفي رواية محمد بن سِنَان في بعض الروايات: (أَصْحَبة) بالموحَّدة بدَل الميم. 65 - بابُ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَنَازَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَسَلَفًا وَأَجْرًا. (باب قِراءَة فاتحة الكِتَاب على الجَنازة) (سلفًا)؛ أي: متقدِّمًا إلى الجنة لأجْلنا. (وفرطًا) أصلُه الذي يتقدَّم الواردةَ، فيُهيِّئ لهم أسباب المَنزِل. 1335 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ

66 - باب الصلاة على القبر بعدما يدفن

عَوْفٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، قَالَ: لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ. (سنة)؛ أي: طريقةٌ للشَّارع، فلا يُنافي أن تكون واجبةً، وقال مالك، وأبو حنيفة: لا تجب قِراءة الفاتحة في صلاة الميِّت. 66 - بابُ الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ 1336 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ، قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -. 1337 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَسْوَدَ -رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً- كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بموتهِ، فَذَكرَهُ ذَاتَ يَومٍ فَقالَ: مَا فَعلَ ذَلِكَ الإنسانُ؟ قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: أَفَلا آذَنتمُونِي؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ كان كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ، قالَ: فَحَقَرُوا شَأْنَهُ، قَالَ: "فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ"، فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ.

67 - باب الميت يسمع خفق النعال

(باب الصَّلاة على القَبْر بعدَ ما يُدفَن) تركَه (ك)، وتكلَّم على الحديثَين فيه في الترجمة قبلَه، ولا يظهر لذلك وجْهٌ، نعَمْ، الحديثُ واحدٌ، وقد تقدَّم مرَّاتٍ. (رجلًا) بدلٌ من أَسود، ويُرفع خبرَ مبتدأ محذوفٍ. (يقمّ)؛ أي: يَكْنُس، والقُمامة الكُناسة، والمِقَمَّة المِكْنَسة، وفي بعضها: (كان يكُون في المسجد يَقُمُّ المسجد) فأحَدُ فِعْلَي الكَون زائدٌ. (ذات يوم) إما بإقحام ذات، أو أنه مِن إضافة المسمَّى إلى اسمه، ولا يُنافي هذا ما في الرِّواية الأُخرى أنه صلَّى عليه يومَ تلْك اللَّيلة؛ لأن (ذاتَ يومٍ) لا يدلُّ على تَراخيه أيَّامًا، بل بعد يومِ تلك اللَّيلة، أو يقال: إنهما قِصَّتان. (قصته) منصوبٌ بمقدَّرٍ، أي: ذكروا قصَّته. (فحقروا شأنه) لا يُنافي ما سبق من التَّعليل بأنهم كَرِهوا أن يُوقظوه - صلى الله عليه وسلم - في الظُّلمة والمشقَّة؛ إذْ لا تَنافي بين التَّعليلَين. (دُلوني) بضمِّ الدال، وفيه حُجَّةٌ على المالكية في منْعهم الصلاةَ على القبر. 67 - بابُ الميتِ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ (باب الميِّت يَسمَع خَفْق النِّعال)؛ أي: صوتَها عند الدَّوْس.

1338 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعَبْدُ إِذَا وُضعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أقولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ". (العبد)؛ أي: المَولى الخالِص. (تولى)؛ أي: أعرَض عنه أصحابه، وهو مِن تَنازُع العاملَين، ويُروى: (تُوُلِّيَ) بضمِّ التاء، والواو، وتشديد اللَّام مكسورةً، أي: وَلَّى عنه أصحابُه. (حتى إنه) بكسر إِنَّ؛ لوُقوعها بعد حتى الابتدائية، كـ: مَرِضَ حتَّى إنَّهم لا يَرجُونه. (قَرْعَ)؛ أي: صوتَ وقْعِهم. (ملكان)؛ أي: مُنكَرٌ ونَكيرٌ. (أقعداه) فيه رَدٌّ لقول من يقول: القُعود ما كان من قِيامٍ بخلاف

الجُلوس، فإنه عن اضطِجاعٍ، فلَيسا مترادفَين. (هذا الرجل) التَّعبير بذلك امتحانٌ للمسؤول؛ إذ لو ذُكِر بصيغة تعظيمٍ ربما يُلقَّن تعظيمَه من ذلك، ثم يُثبِّتُ اللهُ الذين آمنوا بالقَول الثَّابت. (فيراهما)؛ أي: المَقعَدَين. (درَيتَ) بفتح الراء، تَدرِي بكسرها. (تليتَ) أصلُه تَلَوتَ، تقول: تَلَوتُ القرآن، وأُبدلت الواو ياءً لمُزاوَجة: دَرَيْت. قال في "الفائِق": أي: لا عَلِمتَ بنفْسك بالاستِدلال، ولا تكون للنَّاس اتبعتهم فيما يقولون، أو تلَوت الكتُب بمعنى قرأْتها، وقال (ط): دعَا عليه، أي: لا كنْتَ داريًا ولا تاليًا، وكذا قال الجَوْهَرِي: أتْلَتِ الناقةُ إذا تلاها ولَدُها، ومنه قولهم: لا دَرَيْت ولا تَلَيتَ، يدعو عليه بأنْ لا تُتلِيَ إبلُه، أي: لا يكون لها أولادٌ، انتهى. فذكر تَلَيْت بالألف، وهو ما قال (خ) إنها الصَّواب، بوزْن أَفعَلْت، خلافًا لمَا يقوله المحدِّثون من تلَيْت. قال: ومعناه: لا استطعتَ، مِن قولك: ما أَلَوْتُه؛ بمعنى: ما استطَعتَ، ولا آلُو؛ بمعنى: ما أَستَطيعُ. قلتُ: لكن بَقاء التَّاء في أَتلَيت ما قرَّره من آلَى؛ بمعنى استطاع = مُشكِلٌ، وقال ابن بَرِّي: مَن روى تَلَيْتَ فأصله: اتَّليت بهمزة

الوصْل، فحُذفت لمُزاوَجة دَرَيْت. (مِطْرَقة) بكسر الميم. (الثقلين)؛ أي: الجِنُّ والإنس، سُميا بذلك لثِقَلهما على الأرض، والمعنى في عدَم سماعهما الابتلاءُ، فلو سَمعا لكان الإيمان منهما ضَروريًّا، وأيضًا فيُعرِضوا عن التَّدابير والصَّنائع ونحوها مما يتوقَّف عليه بقاؤهما، ويَدخل في قوله (مَن يَليه) الملائكة فقط؛ لأنَّ (مَنْ) للعاقل، وقيل: يدخُل أيضًا غيرهم تَغليبًا، وهو أظهر. وفي الحديث جواز دُخول المقابِر بالنِّعال. قال (ن): وثُبوت عذاب القبر كما هو مذهب أهل السنَّة؛ لأن العقل لا يمنعُه، وورَدَ الشرعُ به، فوجب قَبوله، ولا يمنَع منه تفرُّق الأجزاء، ولا يُنافي في ذلك مشاهدةَ الميِّت إذا كُشف عنه، وبقاءَه على حاله كالنَّائم يَجِدُ الألمَ والشدَّة، ونحن نشاهدُه، ولا نحسُّ بما جَرى له، وكذا كان جبريل يُكلِّم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُدركه الحاضرون. وأما الإقعاد فيُمكن أن يختصَّ بالمقبور، ولا امتناعَ أن يوسَّع القبر لذلك، ويُضرب بالمِطْرَقة. قال البَيْضَاوي: والله تعالى يُعلِّق رُوحه بجزئه الأصلي الباقي من أوَّل عمُره إلى آخره، والبِنْيَة ليس شَرطًا عندنا للحَياة، فلا يُستَبعد تَعليق الرُّوح بكلِّ جُزءٍ من الأَجزاء المتفرِّقة في المَشارِق والمَغارِب؛ فإنَّ تعلُّقه ليس بالحُلول حتى يمتنع أن تَحُلَّ في جُزءٍ مع

68 - باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها

الحُلول في جزءٍ آخر. 68 - بابُ مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأَرْضِ الْمُقَدَّسةِ أَوْ نَحْوِهَا (باب مَن أَحَبَّ الدَّفْن في الأرض المقدَّسة)؛ أي: بيت المَقدِس. 1339 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنةٌ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالآنَ، فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ"، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ". (صكه)؛ أي: ضَربَه بحيث فقأَ عينَه بدليل قوله: (فرَدَّها عليه)، وكذا صرَّح به مسلم في روايته، وإنما فعل ذلك لأنه جاءَ لقبْضه ولم يخيِّرْه، وموسى قد أُعلم أنه لا يَقبضُه حتى يخيِّره، ولذلك لما خيَّره في الثانية، قال: الآنَ، هذا أَولى ما قيل فيه. قيل: أتاه في صُورة آدمي، فلما فَقأَ عينَه ردَّه الله إلى صُورته التي

هو عليها، وردَّ إليه عين الصُّورة البشرية؛ ليرجع إليه على كمال الصُّورة، فيَعتبر موسى بذلك. (ثم ماذا)؛ أي: ثم بعد هذه السِّنين ماذا يكون؟ (يُدنيه)؛ أي: يُقرِّبه. (رمية بحجر)؛ أي: بحيث لَو رمَى رامٍ من موضع قَبره لبيت المقدِس بحجَرٍ لوصَل إليه. (الكثيب)؛ أي: الرَّمْلُ المجتمِع؛ لانصِباب الرَّمل، مِن الكَثْب، أي: انْصبَّ. ففيه بيان موضِع قبر موسى، وفيه أن الملَك يتشكَّل بصورة الإنسان، وفيه جواز دفْع من يقصِده، ولو انتَهى إلى فَقْء عين الصَّائل ونحوه، ولا امتناعَ أن يكون ما فعل بإذْن الله له فيه امتِحانًا للمَظلوم، والله يفعل ما يشاء. قال (ن): أو لم يعلم أنه ملَكُ الموت من عند الله، فظنَّ أنه رجلٌ قصَده فدفَعه عن نفسه، فأدَّى دفْعه للفَقْء، ولمَّا جاءَه ثانيًا عرَف أنه ملَك الموت بعلامةٍ عَلِمَ بها أنه هو فاستَسلَم. قال (خ): من إكرام ربِّ موسى له أنه لم يأْمر الملَك أن يأْخذ روحَه قَهْرًا، لكن أرسلَه على وجْهِ الامتحان في صُورة البشَر، فاستَنكره ودفَعه عن نفْسه، حتى فقَأ عينه قبلُ، وكان في طبْع موسى حِدَّةٌ، فرُوي أنه كان إذا غَصِب اشتعلَتْ قَلنسوتُه نارًا،

69 - باب الدفن بالليل، ودفن أبو بكر - رضي الله عنه - ليلا

والدَّفْع لحفْظ النَّفْس من شَرعه وشَرعنا، وردُّه تعالى عينَه ليعلم موسى إذا رأَى صِحَّة عينه أنه من عند الله. قال (ن): وطلَبُه القُربَ من بيت المَقدِس لشرَفه، ولفضْل مَنْ دُفن فيه من الأنبياء، ولم يسأَل نفْس بيت المَقدِس لئلا يَفتتن الناس بقبره، وفيه نَدْب الدَّفْن في المواضع الفاضلة، والقُرب من مدافن الصالحين. 69 - بابُ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ، وَدُفِنَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - لَيْلًا (باب الدَّفْن باللَّيل)، (ودُفِنَ) بالبناء للمَفعول. 1340 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَجُلٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ بِلَيْلَةٍ، قَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَكَانَ سَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ "، فَقَالُوا: فُلاَنٌ، دُفِنَ الْبَارِحَةَ. فَصَلَّوْا عَلَيْهِ. (فصلوا) كالتَّفصيل لقوله أوَّلًا، فلا يكون تَكريرًا.

70 - باب بناء المسجد على القبر

70 - بابُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَبْرِ 1341 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهما - قَالَتْ لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ -وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ - رضي الله عنهما - أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ- فَذَكَرتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ مِنْهُمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ". (باب بِنَاءِ المَسجِد على القَبْر) أدرج (ك) ما فيه في التَّرجمة قبله لسبق الحديث مرات، وسبق شرحه في (باب: نَبْش قُبور الجاهليَّة). (اشتكى)؛ أي: مَرِضَ. (مارية) بتخفيف المثنَّاة تحت. 71 - بابُ مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ الْمَرْأَةِ 1342 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا

72 - باب الصلاة على الشهيد

هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: شَهِدْناَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: "هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ"، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَناَ، قَالَ: "فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا"، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا. قَالَ ابْنُ مُبَارَكٍ قَالَ فُلَيْحٌ: أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {وَلِيَقتَرِفوُا}؛ أَيْ: لِيَكْتَسِبُوا. (باب مَن يدخُل قَبْرَ المرأَة) حذفه (ك) أيضًا وأدخل ما فيه فيما سبق لسبْق الحديث في (باب: يُعذَّب الميِّت ببُكاء أهله عليه). (أراه)؛ أي: أظنُّه، أي: لم يُذنب، وسبق شرح ذلك. 72 - بابُ الصَّلاَةِ عَلَى الشَّهِيدِ (باب الصَّلاة على الشَّهيد) 1343 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ "، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى

أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: "أَناَ شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. الحديث الأول: (أيهم)؛ أي: أيُّ القَتلى، وفي بعضها: (أيُّهما)؛ أي: أيّ الرجلين. (في ثوب واحد) فيه جوازُ تكفين الرَّجلين في ثَوبٍ للضَّرورة. قال المُظْهِر في "شرح المصابيح": المراد في قبرٍ واحدٍ؛ لأن تَجريدهما بحيث تَتلاقى بشرتُهما لا يجوز، وفيه تقديم الأفضل إلى جِدار اللَّحْد. (أنا شهيد)؛ أي: أشهَدُ لهم بأنهم بذَلوا أرواحَهم لله تعالى. فيه أن الشَّهيد لا يُغسَّل، ولا يُصلَّى عليه. * * * 1344 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَزيدُ ابنُ أَبِي حَبيبٍ، عنْ أَبي الخَيرِ، عَن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا فصلى على أهل أحدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَناَ شَهِيدٌ عليكم، وإنِّي واللهِ لأَنْظُرُ إلى حَوْضِي الآنَ، وإنِّي أُعْطِيْتُ مَفاتيحَ خزائنِ الأرض -أو مفاتيحَ الأرضِ- وإنِّي واللهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ

عَلَيْكُمْ أَنْ تنافَسُوا فِيهَا". الحديث الثاني: (صلى)؛ أي: دعا لهم بدعاءِ صلاة الميِّت، قاله (ن)، وقال (خ): بل هو دليلٌ على أن الشَّهيد يُصلَّى عليه بعد مُدّةٍ كغيره، وبه قال أبو حنيفة، وأوَّلَ عدمَ صلاته - صلى الله عليه وسلم - يوم أحُدٍ بأنه اشتَغل عنهم، وكان يَومًا صعْبًا يُعذر المسلمون بترْك الصلاة يومئذٍ. (فَرَط) بفتح الراء: هو المتقدِّم في طلَب الماء للوارِدة ليُصلِح لهم الحِيَاض والدِّلاء ونحوها، أي: فأنا كالمُهيِّئ لكم الحَوْض. فيه أن الحَوض حقيقيٌّ مخلوقٌ موجودٌ اليوم. (مفاتيح) جمع مِفْتاح، ورُوي: مفاتِح جمع مَفْتَح. وفيه: معجزاته - صلى الله عليه وسلم -: مُلك أمتِهِ خزائنَ الأرض، وعصمتُهم من أن يَرتدُّوا جميعًا، وأن التَّنافُس والتحاسُد وقَع بينهم بعد ذلك، وجَوازُ الحَلِف من غير استحلافٍ للتَّفخيم والتَّوكيد، وأسقَط (ك) (بابَ: دفْن الرجلَين والثلاثة في قبرٍ)، و (باب: مَن لم يرَ غُسل الشَّهيد)، لمَا سبق من شرح الحديث فيهما، وذكَر ما فيهما في الباب السَّابق إلا أنَّ قولَه: (كان يجمع) أنه إنَّ كان المُراد في كفَنٍ، فهو مستلزمٌ للجمْع في القبر، فهو دالٌّ على الترجمة كما لو أُريد به الجمْع في القبر؛ فإنه صريحٌ فيهما.

75 - باب من يقدم في اللحد

75 - بابُ مَنْ يُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ وَسُمِّيَ اللَّحْدَ لأَنَّهُ فِي ناَحِيَةٍ، وَكُلُّ جَائِرٍ مُلْحِدٌ، {مُلتَحَدًا}: مَعْدِلًا، وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضَرِيحًا. (باب مَن يُقدَّم في اللَّحْد)، بسكون الحاء: جانِب القبر. (ملتحدًا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27]، أي: مُلتَجَأً تَعدِل إليه. (ولو كان)؛ أي: القبر، أو الشِّقُّ. * * * 1347 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: "أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ "، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ: "أَناَ شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ"، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ. 1348 - وَأَخْبَرَناَ الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ: "أَيُّ هَؤُلاَءِ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ "،

فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَقَالَ جَابِرٌ: فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حدَّثني مَنْ سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه -. (وأخبرنا الأَوْزَاعِيِ)؛ أي: قال عبد الله: وأخبرنا ... إلى آخره. (نَمِرة) يجوز فيها الأوجُه في نظائرها، وهي بُرْدَةٌ من صوفٍ يلبَسُها الأعراب. (أبي وعمي) قيل: هو تصحيفٌ، وقال الدِّمْيَاطِي: وهمٌ، لم يكن لجابر عمٌّ، وإنما المدفُون مع أبيه عَمْرو بن الجَمُوح الأنْصاري الخَزْرجي السُّلَمي، لكنْ يحتمل أنه أَطلَق أنه عمُّه مجازًا كما هو عادتهم، لا سيَّما وكان بينهما قَرابةٌ. قال في "الاستِيعاب": كان عَمْرو على أخت عبد الله: هنْد بنت عَمْرو بن حَرَام. قال (ن): كان عبد الله وعَمْرو صِهْرَين. (سليمان) قال النَّسائي: ليس به بأسٌ إلا في الزُّهْرِي، واعلم أن الفَرْق بين هذه الطَّريق أن اللَّيث ذكَر عبد الرَّحمن واسطةً بين الزُّهْرِي وجابر، والأَوْزَاعِيُّ لم يذكُر الواسطة بينهما، وسُليمان ذكَر واسطةً مجهولًا. * * *

76 - باب الإذخر والحشيش في القبر

76 - بابُ الإِذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَبْرِ (باب الإذْخِر)، بكسر الهمزة، والخاء: نَبْتٌ طيِّب الرَّائحة. 1349 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "حَرَّمَ اللهُ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلي وَلا لأَحدٍ بَعدِي؛ أُحِلَّت لي سَاعةً مَنْ نَهَارٍ، لا يُخْتَلَى خَلاَها، وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، ولاَ يُنَفَّرُ صَيدُها، ولا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا لِمُعَرَّفٍ" فَقَال العبَّاسُ - رضي الله عنه -: إِلَّا الإذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِناَ، فَقَالَ: "إِلَّا الإِذْخِرَ". وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لِقُبُورِناَ وَبُيُوتنَا". وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: لِقَيْنهِمْ وَبُيُوتِهِمْ. (يختلى)؛ أي: يُجَزُّ ويُقطَع. (خلاها) مقصورٌ: الرَّطْب من الكَلأ، واحدُه خَلاةٌ، والحَشيش اليابِسُ منه. (اللقَطة) بفتح القاف، وسكونها: السَّاقِط الذي يُراد التِقاطُه، فلا تحلُّ إلا لمن يُعرِّفها، ولا يأْخذ للتَّمليك بخلاف سائر البلاد كما

77 - باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة

يُعرَف في الفِقْه. (لصاغتنا) جمع: صائِغ، وأصلُه: صَوْغَة، قُلبت الواو والفاء. (فقال العباس: إلا إلاذْخِر) جوَّز ابن مالك رفْعَه ونصبَه. (القَين) بفتح القاف: الحَدَّاد، أي: يحتاجُه في وُقود النَّار، وفي القُبور ليُسدَّ به فُرَج اللَّحْد، وفي سُقوف البُيوت فوق الأخشاب، وسبق شرح الحديث في (باب كتابة العِلْم). 77 - بابٌ هَلْ يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنَ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّةٍ (باب: هل يُخرَج الميِّتُ من القبْر واللَّحْد لِعِلَّةٍ) 1350 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: أتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا، قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَانِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ: يَا رَسُولَ اللهِ! ألبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ، قَالَ سُفْيَانُ: فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ألْبَسَ عَبْدَ اللهِ قَمِيصَهُ مُكَافَاَةً لِمَا صَنَعَ.

الحديث الأول: (عمرو)؛ أي: ابن دِيْنار. (حفرته)؛ أي: قبْره. (والله أعلم) جملةٌ معترضةٌ، أي: أَعلَم بسبِب الإلباس. (كسا عباسًا)؛ أي: يومَ بدْرٍ. (أبو هارون) هو موسى بن أبي عيسى الخيَّاط، قال الغَسَّانِي: لم يُذكر في الجامع إلا هنا. (ابن عبد الله) اسمه أيضًا عبد الله، كان صالحًا مخلِصًا. (صنع)؛ أي: ابن سَلُول من كِسْوته العبَّاس قَميصًا لمَّا أُسِر، ولم يكن قميص العباس إلا قميصَه، كما سبق بيانه في (باب القميص الذي يُكَفُّ). * * * 1351 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَناَ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَإنِّي لاَ أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا، فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمَ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ.

الحديث الثاني: (استوص) من وصَى الشَّيء: إذا وصلَه، أي: أَطلُب الوَصْلَ بأخواتِك خيرًا. (آخر) هو عَمْرو بن الجَمُوح كما سبق. (هُنَيَّةً غير أُذُنِهِ) قال (ع): فيه قَلْبٌ، وصوابه: ما في نُسخة النَّسَفي: (غير هُنَيَةٍ في أُذُنِهِ)، بتقديم (غير)، ومعناه: غير أثَرٍ يسيرٍ في أُذُنه حصَل من التِصاقها بالأرض. قال (ش): وكذا رواه ابن السَّكَن، أي: غير شيءٍ قليلٍ من أُذُنِهِ أسرعَ إليه البِلاءُ فتغيَّر، وهُنَيَّة: تصغير هَنَةٍ، وهو كنايةٌ عن الشيء الحقير، وسبق بيانه في (باب: ما يُقرأ بعد التَّكبير). قال (ك): وفي بعضها: (هَيْئة)؛ أي: صورة. * * * 1352 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ فَجَعَلْتُهُ في قبرٍ عَلَى حِدَةٍ. الحديث الثالث: (رجل) قال (ك): هو عَمُّ جابِر، وهو عجيبٌ، فقد سبق له أنه تصحيفٌ أو وهمٌ، وأن الصَّواب أنه: عَمْرو بن الجَمُوح.

78 - باب اللحد والشق في القبر

(حِدة) بكسر المهملة، وتخفيف الدَّال، بوزن عِدَة، أي: على حِيَاله منفردًا. * * * 78 - باب اللَّحْدِ والشَّقِّ في القَبْرِ 1353 - حَدَّثنا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنا عبدُ اللهِ، أخْبَرنا اللَّيثُ بنُ سعْدٍ، قالَ: حدَّثَني ابنُ شهابٍ، عَنْ عبدِ الرَّحمنِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ يَقُولُ: "أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؛"، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ فَقَالَ: "أَناَ شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ. (باب اللَّحْد والشِّقِّ في القبْر) أسقطَه (ك)؛ لأن الحديث فيه سبق مرَّاتٍ. * * * 79 - بابٌ إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ؟ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإِسْلاَمُ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَدُ

مَعَ الْمُسْلِمِ، وَكَانَ ابنُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - مَعَ أُمِّهِ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَقَالَ: الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى. (باب: إذا أَسلَم الصَّبيُّ فماتَ) (وقال: الإسلام يعلو ولا يُعلا) يُوهم أن الضَّميرَ لابن عبَّاس، فيكون من قوله، ولكنه حديثٌ مرفوعٌ مستقلٌّ رواه الدَّارَقُطْنِي، ومحمد بن هارُون الرُّويَاني في "مسنده"، والخَلِيْلي في "فَوائده" من حديث عابِد بن عَمْرو المُزَنِيِّ، وزاد الخَلِيْلي في روايته: وكان ممن بايعَ تحت الشَّجَرة. * * * 1354 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُم بَنِي مغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: "تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ "، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَرَفَضَهُ وَقَالَ: "آمَنْتُ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ"، فَقَالَ لَهُ: "مَاذَا تَرَى؟ "، قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ" ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيأً"،

فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، فَقَالَ: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ"، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". 1355 - وَقَالَ سَالِمٌ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابنُ صَيَّادٍ، وهُوَ يَخْتِلُ أنْ يَسمَعَ مِن ابنِ صَيَّادٍ شَيئًا قَبْلَ أنْ يَرَاهُ ابنُ صَيَّادٍ، فرآهُ النبي - صلى الله عليه وسلم -وهوَ مُضْطَجِعٌ، يَعني في قَطِيفَةٍ لهُ فِيها رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ -وَهْوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ- هَذَا مُحَمَّدٌ، - صلى الله عليه وسلم -، فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكَتْهُ بيَّنَ". وَقَالَ شُعَيْبٌ فِي حَدِيثِهِ: فَرَفَصَهُ، رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ. وَقَالَ عُقَيْلٌ: رَمْرَمَةٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَمْزَةٌ. الحديث الأول: (قِبل) بكسر القاف، وفتح الموحَّدة، أي: ناحِيَة. (أُطُم) بضمِّ الهمزة والمهملة، أي: حِصْن. (بني مَغَالَةَ) بفتح الميم، وخفَّة المعجَمة: قَبيلةٌ. قال (ع): هم كلُّ ما كان عن يمينك إذا وقَفْتَ آخرَ البلاط

مستقبلَ مسجدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (الحُلُم) بضمِّ اللام وسكونها. (الأميين)؛ أي: العرب. (فرفضه) بفاءٍ، ومعجمةٍ، أي: ترَك سُؤالَه أن يُسلِمَ؛ ليأْسه منه، ثم شرَع في سؤاله عمَّا يَرى، وفي بعضها: بصادٍ مهملةٍ، قيل: ضرَبه بالرِّجل؛ كرَفَس، وفي بعضها: (رَصَّه)، أي: ضغَطَه حتى ضمَّ بعضَه إلى بعضٍ، ومنه: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]. (آمنت بالله ورسوله) مناسبةُ هذا الجواب لقَول ابن صَيَّاد: (أَتشْهد أنِّي رسول الله): أنَّه لمَّا أراد أن يُظهر للقَوم كذِبَه في دَعواه الرِّسالةَ أخرَج الكلام مَخرَج الإنصاف، أي: آمنتُ برُسُل الله، فإنْ كنتَ رسولًا صادِقًا غير مُلَبَّسِ عليك الأمرُ آمنتُ بك، وإنْ كنتَ كاذبًا وخُلِّط عليك الأمر فلا، ولكنَّكَ خُلِّط عليك الأمرُ فاخْسَأْ. (صادق وكاذب)؛ أي: أرى الرُّؤيا رُبَّما تَصدُق، وربما تَكذِب. (خلط) بتشديد اللام، ورُوي بتخفيفها. (خبأت)؛ أي: في صَدْري. (خبيئًا) بوزن فَعِيْلٍ، أي: لم يُطَّلَع عليه، ويُروى: (خَبْئةً)، وفي بعضها: (خَبْأً)، بوزن فَعْلٍ بمعنى المخْبوء أيضًا. (الدُخُّ) بضمِّ الدَّال، وتشديد الخاء المعجمة: الدُّخان، وهو لغةٌ فيه، قال (ك): وفي بعض نُسَخ البخاري: قال أبو عبد الله: أراد أنْ

يقول: الدُّخان فلَم يُمكنْه؛ لأنه كان في لِسانه شيءٌ، قيل له: فهو الدجال الأَكبر؟، قال: لا، وكان وُلِدَ له وكان يَهوديًّا، وكان حَجَّ أيضًا، انتهى. وزعم بعضهم أنه أراد أنْ يقولَ فزَجَره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أو أن ابن صَيَّاد هابَه، فلم يستطِع أن يُخرج الكلمة تامةً. قال (خ): لا معنى للدُّخان هنا؛ لأنه ليس مما يُخبَّأ في كُمٍّ أو (¬1) كَفٍّ، بل الدُّخُّ نبتٌ موجودٌ بين النُّخيلات، إلا أن يكون معنى خبأت: أضْمَرتُ لك اسم الدُّخان. والمشهور أنه أضمَر له آيةَ الدُّخان وهي: {فَارْتَقِبْ} الآية [الدخان: 10]، وقيل كانتْ مكتوبةً في يده - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَهتدِ ابن صَيَّادٍ منها إلا لهذا اللَّفظ النَّاقص على عادة الكهَنة، ولهذا قال له: لن تُجاوِزَ قَدْرَك، أي: وقَدْرَ أمثالك من الكُهَّان الذين يخطِفون من إلقائه كلمةً من جملةٍ كثيرةٍ مختلطةٍ صدقًا وكذبًا بخلاف الأنبياء، فإنه يُوحَى إليهم ما يُوحى من علْم الغَيب، وتحقيق الحقائق واضِحًا جَليًّا، فلمَّا كان بلَغه ما يدَّعيه أراد بُطلان حاله للصَّحابة، وإنما كان الذي جَرى على لسانه في الجواب شيئًا ألقَاه الشَّيطان إليه حين سَمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يراجع به أصحابه. قال (ش): وقيل: إنَّ الدَّجَّال يقتلُه عيسى بن مريم - عليه السلام - ¬

_ (¬1) هنا ينتهي السقط من النسخة "ب"، والمشار إليه في (ص: 141) من هذه المجلدة.

بجبَل الدُّخان، فيحتمل أن يكون أراد تَعريضًا بقَتْله؛ لأن ابن صَيَّاد كان يظُنُّ أنه الدَّجَّال. (اخسأ) بهمزة وصلٍ، وسكون الهمزة في آخِره، أي: ابْعَدْ، مِن خَسِئَ الكلْبُ إذا أُبعِدَ، وهو خطابُ زجْرٍ واستهانةٍ، أي: أسكُتْ صاغِرًا مَطرُودًا. (فلن تعدو)؛ أي: تُجاوِزَ، ويقال: يَعدُوَ بالياء، فيكون (قدرُك) مرفوعًا به. قال (خ): يحتمل أن يراد: لا يَبلُغ قدْرُه وحيَ الأنبياء، ولا إلهامَ الأولياء، وأن يراد: أنه لم يسبق قَدَرُ الله فيه وفي أمره، وفي بعضها: (فلنْ تَعْدُ) بلا واوٍ، إما تخفيفًا، أو أنَّ (لن) بمعنى لا أو لم، وقال ابن مالك في "الشَّواهد": الجزْم بـ (لَنْ) لغةٌ حكاها الكِسائيُّ، وكذا قال (ط): أظنُّه على لغة قَومٍ يجزمون بـ (لن). (إنَّ يَكُنُه) الوصْل لغةٌ، والفَصْل أرجحُ، فيُقال: كان إيَّاه. قلتُ: وهو ما اختارَهُ ابن مالك في "التَّسْهيل" و"شرحه"، خلافًا لقوله في "الخُلاصة": واتصالًا اختار، وفي بعضها: (إنْ يَكُنْ هو)، فإمَّا أن يكون هو تأْكيدًا للضَّمير المستَتِر، و (كان) تامَّةٌ، أو وُضع هو مَوضع إيَّاه، أو الخبر محذوفٌ، أي: أن يكون هو داخلًا. (يختل) بسكون المعجمة، وكسر المثنَّاة فوق، أي: يَستَغفِلُ ابن صَيَّاد ليَسمَع شيئًا من كلامه الذي يقُوله في خَلْوته، ويعلَم هو والصَّحابةُ حالَه في أنه كاهنٌ ونحوه.

(قطيفة)؛ أي: كِسَاءٌ له خَمَل. (رَمْزَةٌ) براءٍ مفتوحةٍ، وميمٍ ساكنةٍ، ثم زاي: فَعْلَةٌ، وهو بالإشارة. (أو زمرة) بتَقديم الزَّاي: فَعْلَةٌ من المزْمار. (يا صاف) بالمهملة، والفاء المضمومة، والمكسورة؛ لأنَّه مُرخَّمُ: يا صَافِي، والسَّاكنة للوقْف. (فثار)؛ أي: نهَضَ من مَضجَعه، و (بَيَّنَ)؛ أي: ما عندَه وما في نفْسه، قيل: معناه: لو تَركه بحيث لا يَعرف قُدوم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَندهشْ عنه بيَّن لكم باختلاف كلامه ما يُهوِّن عليكم شأْنَه. قال (خ): فإن قيل: لِمَ لم يَترك - صلى الله عليه وسلم - عُمر يَضْرب عنُقه مع أنه ادَّعَى النبوَّة بحضرته؟، فالجواب: أنه كان غير بالِغٍ، أو كان في أيام مُهادَنة اليهود وحُلَفائهم حين كتَب - صلى الله عليه وسلم - عند قُدومه المدينةَ كتاب الصُّلح على أن يُتركوا على أمرهم. (وقال شعيب) وصلَه البخاريُّ في (الأدب)، ووصلَ أيضًا رواية عُقَيْل عن الزُّهْرِي في (الجهاد). (رمرمة) هو بمهملتين: الحرَكَة، وهنا الصَّوت الخَفِيُّ، وكذلك الزَّمْرة بالزَّاي كما قاله (ط). (رفضه): ضغَطَه. (وقال إسحاق الكلبي) وصلَه الذُّهْلي.

(وقال مَعْمر) وصلَه البخاري في (الجهاد). قال العُلماء: قِصَّة ابن صَيَّاد في كونه الدَّجَّال أوَّلًا مشكلةٌ، وأَمْره مشتبِهٌ، ولا شكَّ أنه دجَّالٌ من الدَّجاجِلة، ولذلك كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يقطَع بأنه الدَّجَّال ولا غيره، فلهذا قال: (إنْ يكون هو)، قال البَيْهَقِي: يحتمل أنه كان كالمتوقِّف فيه، ثم جاءَه البَيان بأنه غيره كما صرَّح به في حديث تَميْمٍ الدَّارِي. وفي الحديث كشْفُ حال من يُخاف مفسدتُه، وحال الأُمور المهمَّة. * * * 1356 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهْوَ ابْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ"، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِم، - صلى الله عليه وسلم -، فَاَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ". الحديث الثاني: (غلام يهودي) قال ابن بَشْكُوال: اسمه عبد القُدُّوس، وقد سبق شرح الحديث قريبًا. * * *

1357 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: كُنْتُ أَناَ وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، أَناَ مِنَ الْوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ. الثالث: (وأمي) هي لُبَابَة بنت الحارِث، أُمُّ الفَضْل. (من المستضعفين) أي: الذين في قوله تعالى: {إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} الآية [النساء: 98]، أي: الذين أسلَموا بمكَّة، وصدَّهم المشركون عن الهجْرة، فصارُوا بين أيديهم مُستضْعَفين يَلقَون منهم الأذَى الشَّديد. * * * 1358 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، قَالَ ابْنُ شِهَاب: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كانَ لِغَيَّةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، يَدَّعِي أَبَوَاهُ الإسْلاَمَ أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الإِسْلاَمِ، إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُصَلَّى عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -. 1358 / -م - كَانَ يُحَدِّثُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَولُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -:

{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآيَةَ. الرابع: (لغية)؛ أي: لأجل غَيَّةٍ بفتح الغَين المعجمة: مُفرد الغَيِّ ضِدُّ الرَّشَد، وحَكى ابن دُرَيْد كسرها، وهو أعمُّ من الكُفر وغيره، يقال لولَد الزِّنا: ولَد الغَيَّة، ولغيره: ولَد الرَّشَدة، فالمراد منه وإنْ كان المولودُ لكافرةٍ أو لزانيةٍ. (يدعى) جملةٌ حاليةٌ. (استهل) صاحَ عند الوِلادة. (صارخًا) حالٌ مؤكِّدةٌ مِن فاعِل (استَهَلَّ). (سقط) بكسر السين، وضمها، وفتحها: الجَنِيْن يسقُط قبل تمامه. (من مولود)، (مِن) زائدةٌ في المبتدأ. (يولد) الخبَر. (الفطرة) الخِلْقة، والمراد الدِّين، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} الآية [الروم: 30]، قال في "الكَشَّاف": فِطْرةَ منصوبٌ بـ (الْزَموا) مُقدَّرًا، أي: خلقَهم قائلين للتَّوحيد، ودين الإسلام؛ لكونه على مُقتضى العقْل والنَّظَر الصَّحيح، حتى لو تُرِكوا وطباعَهم لمَا اختاروا عليه دينًا. قلتُ: ولا يخفى ما فيه من نَزْعةٌ اعتزاليةٌ. وقال (ن): هي ما أُخِذَ عليهم وهم في أصْلاب آبائهم، أي: يومَ

قالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172]. وقال محمَّد بن الحسَن: كان في أوَّل الإسلام، فلما فُرضت الفَرائض علم أنه يُولد على دينهما، ولهذا يَرث من الأبَوين الكافرين. وقال ابن المبارك: يولد على ما يَصير إليه من سعادةٍ أو شقاوةٍ، وهي معرفة الله، فليس أحدٌ يُولد إلا وهو يعلم انَّ له صانعًا، وإن سماه بغير اسمه، أو عَبَد معه غيره. والأصح أنَّها تَهيُّؤُه للإسلام، فمن كان أحدُ أبوَيه مسلمًا استمرَّ عليه في أحكام الآخرة والدنيا، ولا يجري عليه حكمها في الدُّنيا، فمعنى قوله: (يهودانه ...) إلى آخره، يُحكَم له بحُكمها في الدُّنيا، فإنْ سبقَت له سعادةٌ أسلَم، وإلا ماتَ كافرًا، فإنْ مات قبل بُلوغه، فالصَّحيح أنه من أهل الجنَّة، انتهى. وقيل: لا عِبْرة بالإيمان الفِطْري في أحكام الدنيا، بل الإيمان الشَّرعي المكتسَب بالإرادة والفعل، فطِفلُ اليهوديين مع وُجود الإيمان الفِطْري محكومٌ بكُفره في الدُّنيا تبَعًا لوالدَيه، فإن قيل: الضَّمير في (أبواه) عائدٌ إلى كل مولودٍ فتقتضي أن كُلًّا يُهودُه أو ينصِّرُه أو يمجِّسُه أبواه، ولكن من يُسلِم خارجٌ من ذلك؛ فإنه باقٍ على فِطْرة الإسلام؟، قيل: المراد أن الضَّلالة ليستْ من ذات المولود وطبْعه، بل لخارجٍ يوجد حيث لم يُسلِم ويَنتفي إذا أسلَم. (كما تُنْتَج) بضمِّ أوَّله، وفتْح ثالثه، مبنيٌّ للمفعول، من قولهم: نُتِجَت الناقةُ نِتاجًا، ومحل الجارِّ والمجرور نصبٌ على الحال، أي:

حال كَونه شَبيهًا بالبَهيمة التي جدَعتْ بعد سلامتها، أو صفةٌ لمصدرٍ لمحذوفٍ، أي: يُصيِّرانه تغييرًا مثل تَغيير البَهيمة السَّليمة، والأفعال الثَّلاثة تَنازعَتْ في (كما) على التَّقديرين، وظاهر كلام (ك) أنَّ ذلك كلَّه في نفْس الكاف، أي: على أنه اسمٌ، وهو محتملٌ. (بهيمة) مفعولٌ ثانٍ لقوله: (نُتِج). (جمعاء) نعتٌ له، أي: تامَّةَ الأَعضاء غيرَ ناقصة الأطراف، أي: لاجتماع السَّلامة. (هل تحسون) بضمِّ أوله، [وكسر ثانيه: مِن أحَسَّ، وهو الأكثر، وقد يقال: حَسَّ بمعناه، أي: فقولا فيها ذلك، فهو صفةٌ، أو حالٌ] (¬1). (جدعاء)؛ أي: التي قُطعت أذُنها أو أنفها، أو مقطوعةُ الأطراف، هو بفتح الجيم، والمدِّ، والحاصل أنه ضرَبَ الجَمْعاء يطرأُ عليها الجدَع للمولود يُولَد على الفِطْرة، وتهيُّئه لقَبول الحقِّ، ثم يَطرأ عليه الضَّلال بعد ذلك بإرادة الله له ذلك أولًا وآخِرًا. * * * 1359 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

80 - باب إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ويُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. الحديث الخامس: معناه كالأول، وفيه الآية: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، وتأْويله مع قوله: (يُهوِّدانِه ...) إلى آخره: ما يَنبغي أن تُبدَّل هذه الفِطْرة، أو من شأْنها أن لا تُبدَّل، أو الخبَر بمعنى النَّهي. 80 - بابٌ إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ (باب: إذا قال المُشرِك عند الموت: لا إلهَ إلا الله) 1360 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَناَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَالِبٍ: "يَا عَمِّ! قُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ"، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ!

أتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: {مَا كاَنَ لِلنَّبِيِّ} الآيَةَ. (إسحاق)؛ أي: ابن مَنْصُور، أو ابن رَاهَوَيْهِ، ولا قَدْحَ بذلك؛ لأن كُلًّا منهما بشَرْطه. (عن أبيه)؛ أي: المُسَيَّب بن حَزْن -بفتْح المهملة، وبالزاي-. وفي الإسناد طَريقتان، رواية الأكابِر عن الأَصاغر، وثلاثةٌ تابعيُّون بعضُهم عن بعضٍ. (حضرت)؛ أي: حضَرتْ علاماتُ وفاته، أي: قبْلَ النَّزْع، وإلا لمَا كان يَنفعُه الإيمان، ولهذا كان يُحاورُهم. (أبا طالب) اسمه: عبد مَنَافٍ. (أبا جهل) اسمه: عَمْرو. (ابن أبي أُمية) بضمِّ الهمزة: هو أَخُو أُمِّ سلَمة، كان شَديد العَداوة للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والبِغْضة له، ثم أسلَم عام الفتْح وحَسُن إسلامُه، ورُمي يوم الطَّائف بسهمٍ فمات منه. (أي عم)؛ أي: يا عَمُّ. (كلمة) نصبٌ على البدَل، أو على الاختصاص.

81 - باب الجريد على القبر

(أشهد) صفةٌ للحكمة. (يعرضها) بكسر الراء. (آخر)؛ أي: في آخِر. (هو) إما لفظُ أبي طالب يُريد نفسَه، أو لفظ الراوي عنه، ولم يَحكِ كلامَه بعينه لقُبحه، وهو من التَّصرُّف الحسَن. (أما) حرف تَنْبيهٍ، وقيل: بمعنى: حقًّا. (ما كان)؛ أي: ما يَنبغي لهم، وهو بمعنى النَّهي فيه الحَلِف بلا استحلاف توكيدًا للعَزْم على الاستِغفار، وتَطييبًا لنفْس أبي طالب، وأنه لم يَمُتْ على الإسلام، وكانتْ وفاته قبلَ الهجرة بقليلٍ. قال (ن): في اتفاق "الصَّحيحين" عليه من حديث سَعيد، عن أبيه، ولم يَروِ عنه إلا ابنُه = ردٌّ لقول الحاكم: إنَّهما لا يُخرِجان عن أحدٍ لم يَروِ عنه غيرُ واحدٍ إلا أن يكون أَراد من غير الصَّحابة. 81 - بابُ الْجَرِيدِ عَلَى الْقَبْرِ وَأَوْصَى بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَانِ، وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فُسطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَحْمَنِ فَقَالَ: انْزِعْهُ يَا غُلاَمُ، فَإنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ، وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ: رَأَيْتُنِي وَنَحْنُ شُبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رضي الله عنه -،

وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى يُجَاوِزَهُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ: أَخَذَ بِيَدِي خَارِجَةُ فَأَجْلَسَنِي عَلَى قَبْرٍ، وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ناَفِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ. (باب الجَرِيْد على القَبْر) هو الذي جُرِّدَ عنه الخُوص. (فسطاطًا) بضمِّ الفاء وكسرها، وبالطَّاء، والتاء مكانَها، وبالسِّين من غير طاءٍ ولا تاءٍ: هو الخِبَاء من شَعْرٍ ونحوه، وأصله عَمود الخِبَاء الذي يقُوم عليه. (عبد الرحمن) هو ابن سَعيد بن زيد الذي سبَق في أوَّل (الجنائز) أنه حَنْظَلة. (رأيتني) بضمِّ التاء، وسبق أن كَون الفاعل والمفعول ضَميرَي واحدٍ من خصائص أفعال القُلوب. (مظعون) بإعجام الظَّاء، وإهمال العين. (خارجة) بمعجمةٍ، وراءٍ، وجيمٍ، هو ابن زَيد بن ثَابِت. (يزيد) هو ابن ثابت أخو زَيد، قُتِلَ يوم اليَمَامَة، ويقال: إنه بَدْريٌّ، قال بعضهم: هذا وهْمٌ؛ لأن خارجَة مات سنة مئةٍ، وهو ابنُ سبعين سنةً.

قال ابن عبد البَرِّ: رَوى عنه خارِجَة، ولا أحسِبُه سَمِعَ منه. قال (ك): لفظة: (عن عمِّه)، لا يستلزم سماعَه منه، فلعلَّه روى عنه مُرسَلًا. (لمن أحدث) قال (ط): التَّأْويل به بعيدٌ؛ لأن الحديث على القَبْر أقْبَحُ من أن يُكره، إنما يُكره الجُلوس المُتَعارَف. * * * 1361 - حَدَّثَنا يَحْيَى، حَدَّثَنا أَبو مُعَاوِيَةَ، عنِ الأَعْمَشِ، عنْ مُجَاهِدٍ، عنْ طَاوُسٍ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مَرَّ بِقَبْرَينِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: "لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا". (يحيى) قال الغَسَّاني: قال ابن السَّكَن: هو يحيى بن مُوسَى، وهو ظاهر كلام الكَلابَاذِي أيضًا. (لعله) بمعنى عَسَى، فلهذا استُعمل استعماله في اقترانه بـ (أَن)، وإنْ كان الغالبُ في (لعلَّ) التجرُّد. (يخفف)؛ أي: العذاب، وسبق شرح الحديث في (باب: من

82 - باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله

الكبائر أن لا يَستَتِرَ من بَوله)، إلا أنَّ هنا عن مجاهدٍ، عن ابن عبَّاس، وهناك عن مجاهدٍ، عن طاوس، عن ابن عبَّاس، وذلك صحيحٌ؛ لأن مجاهدًا يروي عنهما. قال (ط): خصَّ به الجَريد بالغَرْز؛ لأن النَّخلة أَطْول الثِّمار بقاءً، فيَطول مدَّة التَّخفيف، وهي شجرةٌ شبهَّهَا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالمُؤمن، وقيل: إنها خُلِقَت من فَضْل طِيْنة آدم. 82 - بابُ مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ}، الأَجْدَاثُ الْقُبُورُ، {بُعْثِرَتْ} أُثِيرَتْ، بَعْثَرْتُ حَوْضِي؛ أَيْ: جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلاَهُ، الإيفَاضُ الإِسْرَاعُ، وَقَرَأَ الأَعْمَشُ: {إِلَى نَصْبٍ} إِلَى شَيْءٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ، وَالنُّصْبُ وَاحِدٌ وَالنَّصْبُ مَصْدَرٌ يَوْمُ الْخُرُوج مِنَ الْقُبُورِ، {يَنسِلُونَ} يَخْرُجُونَ. (باب مَوعِظَة المُحدِّث عندَ القَبْر) (الأجداث) جمع جَدَث، بفتح الدال المُهملة. (بعثرت)؛ أي: في قوله تعالى: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار: 4]. (أثيرت) بالمثلَّثة. (الإيفاض)؛ أي: من قوله تعالى: {يُوفِضُونَ} [المعارج: 43].

(وقرأ الأعمش: إلى نُصبٍ)؛ أي: بضمِّ النون، وسكون الصَّاد. (فالنَصب والنُصب واحد)؛ أي: يكون واحدًا كما يكون جَمْعًا بلفظٍ واحدٍ، وفي بعضها بضَمِّ الصَّاد أيضًا. (والنصب مصدر)؛ أي: بفتْح النون، وسكون الصَّاد: نصَبْتُ الشَّيء نَصْبًا: أقَمتُه. واعلم أن عادة البخاري [أن] يَذكر تفسير بعض ألفاظ القُرآن المذكور في مناسبة التَّرجمة تكثيرًا للفائدة. * * * 1362 - حدَّثَنا عُثمَانُ، قَالَ حَدَّثني جَرِيرٌ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ سَعدِ بنِ عُبَيدَةَ، عنْ أَبي عَبدِ الرَّحمَنِ، عنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قالَ: كُنَّا في جَنَازةٍ في بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَاناَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَعَدَ وَقَعَدْناَ حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نفسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلاَ نتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ ألَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، قَالَ: "أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيَةَ.

(بقيع) بفتح الموحَّدة. (الغَرْقَد) بفتح المُعجَمة، وسُكون الرَّاء، وفتح القاف: ما عَظُمَ من شجَرِ العَوْسَج كان في البَقِيعْ، وهو مَدفَن أهل المدينة. (مِخْصَرة) بكسر الميم، وسكون المعجَمة، وفتح المُهملَة، وبالرَّاء: كلُّ ما اختَصَره الإنسان بيَده فأَمسكَه، من عَصا ونحوه، وكانت المُلوك تتخصَّر بقُضْبان. (نكس) بتخفيف الكاف وتشديدها، لُغَتان، أي: خفَض رأْسَه وطَأْطأَه إلى الأرض على هيئة المَهموم المُفكر، ويحتمل تَنْكيس المِخْصَرة. (ينكتُ)؛ أي: يَضرِب بها الأرض، فيُؤثِّر فيها. (منفوسة)؛ أي: مَصنوعةٍ مَخلوقةٍ. (مكانها) بالرَّفع. (والنار) الواو بمعنى (أو). (وإلا) في بعضها بلا واو. (شقية أو سعيدة) بالرفْع، أي: هي شَقيةٌ، أو سعيدٌ، ويُروى بنَصبهما. قال (ك): هذا نوعٌ من الكلام غريبٌ، يحتمل أن يكون: (ما مِن نفْسٍ) بدل (منكم)، و (إلا) ثانيًا بدلُ (إلا) أوَّلًا، وأن يكون من باب

اللَّفِّ والنَّشْر، وأن يكون تَعميمًا بعد تخصيصٍ، أو الثاني في كلِّ منهما أعمُّ من الأوَّل. (فقال رجل) هو عليٌّ كما ذكره البخاري في (التَّفسير). (نتكل)؛ أي: نَعتمد، وأصلُه: نُوتَكِلُ فأُدغم بعد القلْب. (على كتابنا)؛ أي: ما كُتِب علينا وقُدِّر. (فسيصير)؛ أي: يُجريه القضاء إليه، ويكون ماَلُ حاله ذلك بدون اختياره. (فييسرون)؛ جَمَع الضَّمير باعتبار معنى الأَهل، ووجْهُ مطابقة الجواب: أنه لمَّا قال: ترك العمل الذي فيه المشقَّة، فإن المُقَدَّر لا بُدَّ منه؛ قال: إذا يسَّر الله فلا مشقَّةَ، فهو يسيرٌ على من يسَّره الله عليه. وقال الطِّيْبِي: الجواب من أُسلوب الحكيم؛ فإنه منعَهم من الاتِّكال، وتَرْك العمل، وأمرَهم بالتِزام ما يجب على العبد من العُبودية، أي: إيَّاكم والتصرُّفَ في الأُمور الإلهية، فلا تجعلوا العبادة وتركَها سببًا مستقِلًا لدُخول الجنة والنار، بل إنها علاماتٌ لها فقط. وقال (خ): لمَّا أَخبَر - صلى الله عليه وسلم - عن سَبْق الكتاب رامَ القومُ أن يتخذوه حُجَّةً في ترْك العمل؛ فأعلَمَهم أن هنا أمرَين لا يُبطِلُ أحدُهما الآخرَ: باطنٌ هو العِلَّة الموجِبة في حُكم الرُّبوبية، وظاهره السِّمة اللازمة في

83 - باب ما جاء في قاتل النفس

حقِّ العُبودية، فهو أمارةٌ، وتبيَّن لهم أن كُلًّا مُيسَّرٌ لما خُلِقَ له، وأن عمَله في العاجل دليلٌ لما في الآجِل، فلذلك تَمثَّل بآية: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} [الليل: 5]، ونظيره الرِّزق المَقسوم مع الأَمْر بالكَسْب، والأجَل المضْروب مع الطِّبِّ، فالباطن على موجبه، والظاهر سببٌ مخيل، ولم يُترك الظاهر للباطن. قال (ك): فالمدْح والذمُّ، والثَّواب والعقاب باعتبار المَحلِّية لا باعتبار الفاعليَّة، وهو المراد بالكسْب المَشهور عن الأشاعرة. قال (ن): في الحديث إثبات القَدَر في جميع الواقِعات: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23]، وأنَّ سِرَّ القدَر ينكشف بدخول الجنة والنار، لا قَبْلَ ذلك. * * * 83 - بابُ مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ (باب ما جاءَ في قاتِل النَّفْس) 1363 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كمَا قَالَ، وَمَنْ قتلَ نَفْسَهُ

بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ". الحديث الأول: (فهو كما قال)؛ أي: يكون على غير مِلَّةِ الإسلام، وهذا على ظاهره إنَّ قَصَدَه إذا وقَع المَحلُوف عليه؛ لأنَّ مُريد الكفر كافرٌ، وإلا فلا، فإنْ قصَد البُعد عن ذلك كبُعده من هذا فيكون هذا اللَّفظ من الزَّجْر والتَّغليظ في كونه لا يتلفَّظ به، فلو قال: إنْ فعَل كذا فهو يهوديٌّ لم تنعقد يمينه، بل عليه أن يستغفر الله، ويقول: لا إلله إلا الله، والكفَّارة سواءٌ فعلَه أو لا، عزَاه (ك) إلى (ن)، وهو قُصورٌ، ثم قال: فيه مجالٌ للمُناقشة؛ لقول الفُقهاء: لو علَّق تَرك الإسلام بمثْل دُخول زيدٍ يَكفُر في الحال. قلتُ: هذا عجيبٌ، فإنَّ مَوضع المسألة حيثُ لم يقصد تعليقَه الكُفر به لا سيَّما وقد ورَد الحديث الصَّحيح صريحًا في ذلك. (بها)؛ أي: بالحَديدة، ففيه أن الجزاءَ من جِنْس العمَل. * * * 1364 - وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ - رضي الله عنه - فِي هَذَا الْمَسْجدِ فَمَا نَسِينَا، وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كان بِرَجلٍ جِرَاحٌ قَتَلَ نَفسَهُ، فقالَ اللهُ: بَدَرَني عَبْدِي بِنَفسِهِ، حرَّمْتُ عَلَيهِ الجَنَّةَ.

الحديث الثاني: (وقال حجاج) وصلَه البخاري بأتمَّ من ذلك في (باب: ذكْر بني إسرائيل) فقال: (حدثنا محمد، ثنا حجَّاج). (هذا المسجد) الظاهر أنه مسجد البَصْرة، وذِكْره، وذِكْر عدَم النِّسيان، والخوف؛ للتأْكيد والتخفيف. (جِراح) بكسر الجيم، وفي بعضها بضمِّ المعجَمة، وتخفيف الرَّاء: ما يَخرج في البدَن من القُروح. (فقتل نفسه)؛ أي: بسبَب فعْله في الجِراح، والجملة صفةٌ، وفي بعضها: (فقُتل). (بدرني)؛ أي: لم يَصبِر حتى أَقبضَ رُوحَه، بل استعجَل وأراد أن يموت قبل الأجَل. (حرمت عليه) مُؤَوَّل بالمُستحِلِّ، أو حرَّمها عليه قبل أن يُعذِّبه بالكبيرة، أو حرَّم عليه جنةً خاصةً؛ لأن الجنان كثيرةٌ، أو هو من باب التَّغليظ، أو أن هذا جزاؤُه، وقد يُعفى عنه، أو هو مقدَّرٌ بمشيئة الله. قلت: الأخير لا يُخلِّص في الجواب عن كون العاصي المؤمن لا بُدَّ له من الجنَّة.

84 - باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين

1365 - حدثنا أبو اليمانِ، أخْبَرنا شُعيبٌ، حَدَّثنا أبو الزِّنادِ، عنِ الأَعرَجِ، عنِ أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قالَ: قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الذي يَخْنُقُ نَفسَهُ يَخنُقُهَا في النَّارِ وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ". الحديث الثالث: (يخنق) بضمِّ النُّون. (يطعنها) بفتح العين وضمها. * * * 84 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالاِستِغْفَارِ لِلْمُشْرِكيِنَ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب ما يُكره من الصَّلاة على المُنافِقين) (رواه ابن عُمر) إشارةٌ إلى ما وصلَه في (الجنائز) في قصة عبد الله ابن سَلُول، فالعجيب من قول (ك) أنه إنما جزَم به، ولم يذكُر إسناده، إما لأنه لم يكن الرَّاوي بشرطه، أو لأنه ذكَره في موضعٍ آخر. * * * 1366 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنهم - أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَثَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ! "، فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: "إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ فَغُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا"، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ {بَرَآءَةٌ} {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَّاتَ أَبَدًا} إِلَى {وَهُمْ فَسِقُون}، قَالَ: فَعَجبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ، وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. (عبد الله بن أُبيٍّ ابن سَلُولَ) أي: بضمِّ الهمزة، والتنوين، و (ابن) بالرَّفع صفةٌ لـ (عبد الله)، وتُكتب الألف؛ لأن سَلُول أم عبد الله، وسَلُول غير منصرف. (دُعِيَ) بالضمِّ للبناء للمفعول. (أعدد)؛ أي: مقالاته القَبيحة في حقِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، وقد سبق شرحه في (باب الكفَن في القَميص الذي يُكَفُّ). * * *

85 - باب ثناء الناس على الميت

85 - بابُ ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ (باب ثَناء النَّاس على الميِّت) 1367 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَجَبَتْ"، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ: "وَجَبَتْ"، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: ما وَجَبَتْ؟ قَالَ: "هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ". الحديث الأول: (مر) في بعضها: (مرُّوا)، قال (ك): بضمِّ الميم، وفتحها. وفيه نظَرٌ. (فأثنوا) بتقديم المثلَّثة أكثَر ما يُستعمل في الخَيْر، وقد يُستعمل في الشَّرِّ، كما في هذا الحديث من ذلك، إنما هو للمُقابَلة والتَّشاكُل، مثل: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ} [الشورى: 40]، أما النَّثا بتقديم النُون، والقَصْر ففي الشَّرِّ خاصةً. * * *

1368 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا داوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: فَقُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ"، فَقُلْنَا: وَثَلاَثةٌ؟ قَالَ: "وَثَلاَثةٌ"، فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: "وَاثْنَانِ"، ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. الحديث الثاني: (حدثنا عفان) قلتُ: في بعض الرِّوايات: (وقال عَفَّان) ولا يكون بذلك تعليقًا. (أُثني)؛ أي: بالبناء للمفعول. (على صاحبها خيرًا) برفع (خيْر) نائبًا عن الفاعل، وفي بعضها: (خيرًا) بالنَّصب. قال (ط): أقام الجارَّ والمجرور مُقام المفعول الأوَّل، وخيْرًا: مقام الثَّاني، والاختيار عكسه، ولعلَّه لغة قَومٍ، وقال ابن مالك: (خيرًا) صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، وأُقيمت مقامه، فنُصبت؛ لأن (أثنى) مستندٌ إلى الجارِّ والمجرور، والتَّفاوت بين الإسناد إلى المصْدر، والإسناد إلى الجارِّ

والمجرور قليلٌ، وقال (ن): نُصِبَ (خيرًا) بإسقاط الجارِّ، أي: بخيرٍ. قال: ويقَع في بعض أصول "مسلم": (خيرٌ) بالرفع، وقال غيره: هو على قراءة: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14]، أي: حتى يكون النَّائب عن الفاعل ضميرَ المصدر، أو غير ذلك. (وجبت) قال (ن): كذا رواه البخاري مرَّةً، ورواه مسلم عن ابن عُلَيَّة، عن عبد العَزيز ثلاث مرَّاتٍ. قال (ط): في تأويل الحديث قَولان للعلماء: أحدهما: أن هذا الثَّناء لمن أثْنى عليه أهل الفَضْل، فكان ثَناؤُهم مطابِقًا لأفعاله من أهل الجنة، وإلا فلا. والثاني: وهو المُختار: أنه على عُمومه: أنَّ كلَّ مسلمٍ ماتَ وألْهَم الله النَّاسَ الثناءَ عليه كان ذلك دَليلًا على أنه مِن أهل الجنَّةِ سَواءٌ كانتْ أفعالُه تَقتضي ذلك أو لا؛ لأن الله يَفعلُ ما يشاء، فيُستَدلُّ على مَغفرة الله له بالثَّناء من عِباده. (ما وجبت)، (ما) استفهاميةٌ، والمراد بالوُجوب هنا الثُّبوت؛ لأن الله -تعالى- لا يجب عليه شيءٌ. (كما قال)؛ أي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أيُّما مُسلِمٍ)، فيكون مرفوعًا، أو ما ذكَره أنَس في الحديث السَّابق، فيكون موقوفًا على عُمر، ويحتمل إرادتَهما معًا، ولكن الظاهر الأوَّل، نعَمْ، ترك الشِّق الثاني، وهو الثَّناء بالشر، إما قياسًا على الخير، أو اختصارًا. * * *

86 - باب ما جاء في عذاب القبر

86 - بابُ مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} هُوَ الْهَوَانُ، وَالْهَوْنُ الرِّفْقُ، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِـ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}. (باب ما جاءَ في عَذاب القَبْر) (الهون)؛ أي: بضمِّ الهاء. (الهوان)؛ أي: الذِّلَّة، قال في "الكَشَّاف" في قوله تعالى: {الْيَوْمَ} [الأنعام:93]، يحتمل الإماتة لمَا فيه من شدَّة النَّزْع، ويحتمل الوقْت الممتدَّ الذي فيه عَذاب البَرزَخ والقيامة. (مرتين)؛ أي: القتل في الدُّنيا، وعذاب القبْر بدليل: {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101]، أي: النَّار. {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [غافر: 46]، قضيَّة دخول العَاطِف تَقتضي المُغايرة، أو لكون عرْض النار قَبل القيامة هو عذَاب القبْر. * * * 1369 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ

مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ، ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا وَزَادَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} نزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ. الحديث الأول: (مَرْثَد) بفتح الميم، والمثلثة. (أُتي) بضمَّ الهمزة، أي: حالَ كونه مأْتيًّا إليه، أي: أَتاه مُنكَرٌ ونَكِيْر. (بالقول الثابت) هو كلمة التَّوحيد؛ لأنها راسخةٌ في قلْب المؤمن، فلا يُزالون عنها لا في الدُّنيا ولا في الآخرة، فإذا سُئلوا في القبْر لَم يتوقَّفوا في الجَواب، فإنْ قيل: فإذا كان كذلك فلا تعذيبَ للمُؤمن في القبر، فما معنى أنها نزَلتْ في عذاب القبْر؟، قيل: لعلَّه سمى ما يكون من أحوال القبْر عَذابًا بالمُلاقاة للملَكين والوَحْشة ونحو ذلك، أو ذُكر تَهويلًا؛ لأن في القبْر العذاب للكافر. قلتُ: لا امتناعَ من تعذيب المؤمن في القبر لمَا يَليق به مما يُريده الله تعالى إلا أن يَعفوَ عنه. * * *

1370 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي ناَفِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ فَقَالَ: "وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُكُمْ حَقًّا؟ "، فَقِيلَ لَهُ: تَدْعُو أَمْوَاتًا؟ فَقَالَ: "مَا أَنتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لاَ يُجِيبُونَ". الحديث الثاني: (القَلِيب)؛ أي: قَلِيب بدْرٍ، وأصله البِئْر. (لا يجيبون)؛ أي: لا يَقدِرون على الجواب، ففيه أن في القبْر حياةٌ يصلُح فيها أنْ يُعذَّب. * * * 1371 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ حَقٌّ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوَتْى} ". الثالث: (إنما قال) مرادُها ما كانت تذهب إليه أنَّ أهل القبور يعلمون ما سمعوا قبل الموت، ولا يسمعون بعد الموت، وكأن حديث: (ما أَنتُم بأَسْمعَ منْهم) لم يَثبُت عندها، وقد ذكر البخاري في (غَزوة بدْر): (قال قَتادة: أَحياهُم اللهُ حتَّى أَسمعَهم قَولَه تَوبيخًا ونِقْمةً)؛ فإما

أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال في بدْرٍ المقالَتين، فحَفِظت عائشة إحداهما، وحَفِظ غيرُها الأُخرى، وكذا سماعهم بعد إحيائهم. * * * 1372 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، سَمِعْتُ الأَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ: "نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ صَلَّى صَلاَةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. الرابع: (فقال: نعم عذاب القبر) حذف الخبَر فيه، أي: حقٌّ، أو ثابتٌ، وهو ما صرَّح به غُنْدَر. (إلا تعوذ)؛ أي: إلا صلاةً تعوَّذ فيها، وكأنه كان يُسِرُّ بذلك، فلمَّا رأَى استِغرابها حين سمعَتْه من اليهوديَّة أعلَن به ليَرسَخ ذلك في عَقائد أُمَّته، ويكُونوا على خِيْفة من فِتْنته، وقال الطَّحَاوِي: سمع اليهوديَّة، ثم أُوحي إليه بعد ذلك بفِتْنة القبر. * * * 1373 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:

أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - تَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً. زادَ غُنْدَرٌ عَذابُ القَبْرِ. الخامس: (ذكر)؛ أي: ذكَر الفِتنة بتفاصيلها، ومن ثم ضَجَّ المسلمون وصاحُوا وجَزِعوا. (ضجة) تَنكيره للتَّعظيم. (زاد غُنْدَر) وصلَه النسائي. * * * 1374 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هذا الرَّجُلِ؟ -لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا"، قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ فِي قَبْرِهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: "وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ

87 - باب التعوذ من عذاب القبر

تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ، غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ". السادس: سبق شرحه في (باب: الميِّت يَسمع خفْق النِّعال). (لمحمدٍ) بيانٌ من الرَّاوي، أي: لأجْل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -. (وذكر) بالبناء للمفعول. (في قبره)؛ أي: (في) زائدةٌ. (رجع)؛ أي: قَتادة. (بمطارق) جمع مِطْرَقة. (ضربة) أفردَه على نحوِ قولهم: مِعا جياعًا، ليُؤذِن بأنَّ كلَّ جُزءٍ من أجزاء تلْك المِطْرَقة مِطْرقَةٌ برأْسها مبالغةً، كذا قال (ك)، وفيه نظَرٌ؛ لأن ذاك لَو جاءَ تعدُّد الضَّرَبات واتحاد مِطْرقةٍ، فتأَملْه! * * * 87 - بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (باب التَّعوُّذ من عَذاب القبْر) 1375 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ

قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رضي الله عنه - قالَ: خَرَجَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وقَدْ وَجَبَتِ الشَّمسُ، فَسَمِعَ صَوتًا فقالَ: يهودُ تُعذَّبُ في قُبورِهَا. وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا عَوْنٌ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: فيه ثلاثٌ صحابيون يَروي بعضهم عن بعضٍ. (وجبت)؛ أي: سقَطَتْ بمعنى: غَربَتْ. (يهود) أصله يُهوديُون، فحُذف منه ياء النَّسَب كزُنْجٍ في زنْجي؛ فَرقًا بين المُفرد والجنْس، ولا يَنصرف؛ لأنه علَم قَبيلةٍ، وقد يَدخلُه الألف واللام. فإنْ قيل: سبق في حديثٍ أن صَوت الميِّت من العَذاب يَسمعُه غير الثَّقَلين، فكيف سمع صَوتَ اليهود تُعذَّب؟ قيل: لأنَّ ذلك في الصَّيْحة المخصوصة، وهذا غيرها، أو أنَّ سماع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معجزةٌ. (وقال النضر) بالمعجَمة، أي: ابن شُمَيْل، والفَرْق بين هذه الطَّريق والتي قبلَها: أنَّ فيها (ابن عَوْنٍ عن أبيه)، وفي هذه: (سمعتُ أبي). والحديث وإنْ لم يكن فيه التعوُّذ، بل مجرَّد عذاب القبْر، فوجْه

دخوله في التَّرجمة: أن العادةَ التعوُّذ مِنْ سَمْعِ هذا الصَّوت، أو تُرك من الحديث اختصارًا. * * * 1376 - حَدَّثَنَا مُعَلًّى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. الحديث الثاني: (مُعَلَّى) بتشديد اللام مفتوحةً. (بنت خالد) هي أم خالد، واسمها: أَمَة، بفتح الهمزة، وخفَّة الميم، القُرَشيَّة المدنيَّة، وُلدت بالحبَشة، وجاءت المدينةَ صغيرةً، فتزوَّجها الزُّبَير. * * * 1377 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيح الدَّجَّالِ". الثالث: (المحيا) مصدرٌ ميميٌّ، أو اسمُ زمانٍ، وكذا: (والممات)، وهو

88 - باب عذاب القبر من الغيبة والبول

تعميمٌ بعد تخصيصٍ، كما أن فِتْنة الدجَّال تخصيصٌ بعد تعميمٍ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وإنْ كان آمِنًا من ذلك كلِّه، لكنَ الدُّعاء بهذا سُنَّةُ عبادةٍ، كما في: "اللَهُمَّ اغْفِرْ لي"، أو هو لتَعليم الأُمة، وسبق الحديث في (باب: الدُّعاء قبْل السَّلام). * * * 88 - بابُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ 1378 - حدثنا قُتَيبَةُ، حَدَّثنا جَرِيرٌ، عنِ الأعْمَشِ، عَن مُجاهِدٍ، عَن طَاوُسٍ، قَالَ ابن عباس - رضي الله عنهما -: مرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلى قَبرَينِ، فَقَالَ: إِنَّهُما ليعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ"، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا، فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ، ثُمَّ قَالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا". (باب عَذاب القبْر من الغِيْبة والبَول) فيه حديث القَبْرين في (كتاب الوضوء)، (باب: من الكبائر أن لا يَستتِر من بَوله)، وسبق شرحه، وأسقط (ك) التَّرجمة، وأشار إلى سبْق الحديث هناك. قال (ش): ليس في الحديث إلا النَّميمة، فكيف تَرجَم بالغِيْبة،

89 - باب الميت يعرض عليه بالغداة والعشي

قال: كأنَّه يُشير إلى أنها أختُها، أو أنه ورَدَ، ولكنْ ليس على شَرطه، وقد رواه الطَّبَراني. * * * 89 - بابُ الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ 1379 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ناَفِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إنَّ أَحَدكُم إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (باب الميِّت يُعرَضُ عليه مَقعَدُه بالغَداةِ والعَشيِّ) أسقطَه (ك) أيضًا لسبْق الحديث، ثم نقل عن التُّوْرِبِشْتي في: (إن كان من أهل الجنة) إلى آخره تقديرُه، أي: جَواب الشَّرط فيه: فمَقْعد من مَقاعد أهل الجنة يُعرَض عليه، وقال الطِّيْبِي: يجوز أن يكون المعنى: إنْ كان من أهلِها فَيُبَشَّر بها، لا يُكْتَنَهُ كُنْهُهُ؛ لأن أهل المنزِل طليعةُ تَباشير السَّعادة الكبرى؛ لأن الشَّرط والجَزاء إذا اتَّحدا دلَّ على الفَخامة، كقولهم: مَن أدرَك الضَّمان فقد أَدرك المَرْعَى، وقال في معنى: (حتَّى يبعثك الله): (حتَّى) للغاية، أي: أنه يَرى بعد

90 - باب كلام الميت على الجنازة

البَعْث من عند الله كرامةً ومنزلةً يَنشأ عندها هذا المقعَد، كما في "الكشَّاف" في: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى} [ص: 78]، أي: إنَّك مذمومٌ مدعوٌّ عليك باللَّعنة إلى يوم الدِّين، فإذا جاء ذلك اليوم عذِّبت بما يَنشأ اللَّعنُ منه. * * * 90 - بابُ كَلاَمِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجَنَازَةِ 1380 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالحِةٍ قالتْ: يَا وَيْلَها! أَينَ يَذهَبونَ بِهَا؟ يَسمَعُ صَوتهَا كُلُّ شَيءٍ إِلا الإِنسانَ، وَلَو سَمِعَها الإِنسانُ لَصَعِقَ. (باب كَلام الميِّت على الجَنازة) أسقطه (ك) أيضًا، وقال: إنَّ حديث أبي سعيد فيه سبق في (باب: حمل الرِّجال الجنازة). * * *

91 - باب ما قيل في أولاد المسلمين

91 - بابُ مَا قِيلَ في أوْلادِ المُسْلِمينَ قالَ أبو هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن مَاتَ لَهُ ثلاثةٌ مِنَ الوَلَدِ لم يَبْلُغُوا الحِنْثَ كانَ له حِجَابًا مِنَ النَّارِ" أو "دَخَلَ الجَنَّةَ". (باب ما قِيْلَ في أَولاد المُسلِمين) (وقال أبو هريرة) سَبَقَ بيانُ وصْلِه أوَّل (الجنائز) في (باب: فضْل مَن ماتَ له ولَدٌ)، وقد رواه بهذا اللَّفظ أبو عَوَانَة في "صحيحه"، وسبق شرحه، وشرح الحديث الذي بعدَه هناك، وفي (كتاب العِلْم) في (باب: هل يجعل للنِّساء يومًا). * * * 1381 - حدَّثَنا يَعْقُوبُ بنُ إبراهِيمَ، حدَّثَنا ابنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنس بنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ". (إياهم)؛ أي: المسلمين، أو الأولاد، فإن قيل: لم يُعلم منه حُكم أولاد المسلمين، فكيف دلَّ على التَّرجمة؟ قيل: حيث دخَل الوالِد الجنَّةَ بسبب الولَد فدُخوله فيها بطريقٍ أَولى، فعُلِمَ حُكمه بفَحوَى الخِطاب.

92 - باب ما قيل في أولاد المشركين

قال المَازَرِي: أولاد الأنْبياء في الجنَّة إجماعًا، وأطفالُ سائر المؤمنين الجمهورُ يقطع لهم بالجنة، ونَقل بعضهم الإجماعَ فيه، وقال بعض المتكلِّمين: لا يُقطع لهم كالمكلَّفين. * * * 1382 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا تُوُفِي إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ". الحديث الثالث: (مُرضعًا) بضمِّ الميم، أي: لها لبَنٌ يتمُّ رضاعه، قال (خ): وروي بفتح الميم مصدرًا، أي: رضاعًا، وتُحذف الهاء من (مرضِع) إذا كانتْ من شأنها ذلك، وتثبت إذا كان بمعنى تجدُّد فعلِها كما قال تعالى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2]، وكذا يُقال في حائضٍ وحائضةٍ. * * * 92 - بابُ مَا قِيلَ فِي أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ (باب ما قِيْل في أَولاد المُشرِكين) 1383 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: "اللهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". الحديث الأول: (حِبان) بكسر المهملة، وبالموحَّدة، ابن موسى. (إذ)؛ أي: حين يحتمل ما تضمَّنه الحديث في حُكمهم أنَّ مَن قُدِّر له عمل السَّعادة ففي الجنَّة، وبالعكس، ويحتمل أنَّ الكلَّ في الجنَّة أو في النَّار، أو البعض والبعض، وحُكيَ فيهم ثلاثة مذاهب، الأكثر أنهم في النَّار، والتوقُّف، والثَّالث الصَّحيح: أنهم في الجنَّة؛ لحديث رُؤية إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في الجنَّة وحولَه أولادُ النَّاس. ويُجاب عن حديث: (اللهُ أَعلَمُ بما كانوا عامِلين) أنه لا تَصريحَ فيه بأنهم من أهل النَّار، وقال البَيْضَاوي: الثَّواب والعِقاب ليسا بالأعمال، والإلزام أنَّ الذَّراري لا في الجنَّة ولا في النَّار، بل المُوجِب لهما اللُّطف الربَّاني، والخُذْلان الإلهي المقدَّر لهم في الأزَل، فالواجب فيهم التوقُّف، فمنهم من سبَق القضاء بأنه سعيدٌ، لو عاش عَمِل بعمَل أهل الجنَّة، ومنهم بالعكس. * * * 1384 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:

أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكينَ، فَقَالَ: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". الثاني: (ذراري) بالذَّال المعجمَة، قال الجَوْهَرِي: ذُرِّيَّة الرَّجل ولَدُه، وقال في موضعٍ آخر: ذَراري خلْق، ومنه الذُّرِّية وهي نَسْل الثَّقَلين. * * * 1385 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ". الثالث: (كمثل) بفتح الميم والمثلَّثة، وفي بعضها بكسر الميم، وسكون المثلَّثة. (تنتج) بالبناء للمفعول. (البهيمة) نصبٌ مفعولٌ ثانٍ، وسبق الحديث في (باب: إذا أسلَم الصبيُّ فماتَ). * * *

93 - باب

93 - بابٌ (بابٌ) هو ساقِطٌ في بعض النُّسخ. 1386 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ "، قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيقُولُ مَا شَاءَ اللهُ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا، فَقَالَ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ "، قُلْنَا: لاَ، قَالَ: "لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ" قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُوسَى إِنَّهُ "يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ، حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ، فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَاْخُذَهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ ناَرًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ،

عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ ناَرٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ، وَأَدْخَلاَنِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأَدْخَلاَنِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالاَ: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّناَةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا، وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ، وَأَناَ جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ، قَالاَ: ذَاكَ مَنْزِلُكَ، قُلْتُ دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي، قَالاَ: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ".

(رؤيا) مقصورٌ غير منصرفٍ. (فسألنا) بفتح اللام. (رجلين) هما جِبْريل ومِيْكائيل، سيأتي في الحديث. (جالس) بالرفْع والنَّصب. (وبيده)؛ أي: شيءٌ، ثم ذكر في الرِّواية الآتية تفسيرَه بـ (كَلُّوب). (قال بعض أصحابنا) لا يضُرُّ إبهامه؛ لأنه قد عُلِمَ أنه لا يَروي إلا عن ثقةٍ بشَرطه، فيُحتمل عدَم تعيينه لتَشابهه أو نحو ذلك، وقد وصلَه الطبراني في "الكبير" عن العبَّاس بن الفَضْل، عن موسى. (كلوب)؛ أي: قال في هذه الرِّواية: بيَده كَلُّوب، وهو بفتح أوله: حَديدةٌ لها شعْبٌ يُعلَّق بها اللَّحْم، ومثله كُلَّاب -بضمِّ الكاف-. (شدقه) بكسر الشين: جانب الفَمِ. (بفهر) بكسر الفاء: حَجَرٌ يَملأُ الكَفَّ. (فيشدخ) بفتح أوله، وبمعجمتَين، والشَّدْخ: كسر الشَّيء الأَجوف. (تدهده)؛ أي: تَدحرج وتَدوَّر. (ثقب) بمثلثةٍ، أو بنونٍ. (التنور) بتشديد النون، وهذه اللَّفظة في جميع اللُّغات، وهو من الغرائب. (نارًا) نصبٌ على التَّمييز.

(اقترب)؛ أي: الوقود والحَرُّ. (قال يزيد)؛ أي: ابن هارُون، وقد وصلَه أحمد في "مسنده". (ووهب) وصلَه مسلم، والترمذيُّ مختصَرًا، وهو في "صحيح أبي عَوَانة" بهذا اللَّفظ. (عن جرير) بالجيم: هو أبو وَهْب الرَّاوي عنه ذلك. (رمى الرجل) برفع (الرَّجل) ونصبه. (ما هذا) قال في الكل: (ما)، إلا المَشدُوخَ فقال فيه: (مَنْ)، إما لأنَّ (من) سُؤالٌ عن الشَّخص، و (ما) عن حالِه، وهما متلازِمان، فلا تَفاوُت في الحاصل منهما، أو عبَّر في القارئ بـ (مَن)؛ لأنه كالعالم وإنْ لم يعمل، وفي الباقي بـ (ما)؛ كأنَّهم لا عَقْل لهم ولا عِلْم. (طوفتماني) بطاءٍ مفتوحةٍ، وواوٍ مشدَّدةٍ، وآخره نونٌ، ويُروى بباءٍ موحَّدةٍ بدلًا من النُّون، يُقال: طاف الرَّجلُ، وطَوَّفته، وطوَّفْتُ به. (فكذاب) قال ابن مالك: دَخَلَتِ الفاء لتضمُّن الموصول العموم؛ إذْ ليس المراد به مُعيَّن بل هو وأمثالُه، وكذا الباقي. (بالكذبة) بكسر الكاف. (فتحُملُ) بتخفيف الميم، وقيل مشدَّدةٌ. (فأولاد الناس) عامٌّ للمشركين وغيرهم، وهو محلُّ ترجمة البخاري، وفي بعضها: (فأَولاد) الفاء فيه لتضمُّن أمَّا أي، وأمَّا الصِّبيان،

وحذْفها على حدِّ قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ} [آل عمران: 7]، إذا قُدِّر الوقْف على: {إلا اللَّهُ}. (دار الشهداء) قال (ك): لم يَذكُر النِّساءَ والصِّبيان؛ لأنَّ الغالِب أنَّ الشَّهيد إما شيخٌ، أو شابٌّ. واعلم أن المُناسَبة في الرِّوايات كلِّها ظاهرةٌ إلا الزُّناة، فوجْهُه: أن العُرْي فضيحةٌ كالزِّنا، ثم إنَّ الزَّاني يطلُب الخَلْوة كالتَّنُّور، ولا شكَّ أنه خائفٌ حَذِرٌ وقْتَ الزِّنا كأن تحته النَّار. وفي الحديث الاهتِمام بأمر الرُّؤيا، واستِحبابُ السُّؤال عنه، وذكرها بعد الصَّلاة، والتَّحذير عن الكَذِب والرِّوايةِ بغير الحَقِّ، وعن تَرْك قِراءة القرآن والعمَل به، والتَّغليظُ على الزُّناة، والرِّبا، وسعادةُ صِبْيان الخلائق كلِّهم، وتَفضيلُ الشُّهداء. قال (ط): فيه وعيدٌ شديدٌ لمن حَفِظ القُرآن، فلم يقْرأه باللَّيل، ولمن لا يَتثبَّت في الرِّواية، وأن مَن قدَّم خيرًا وجدَه يوم القيامة؛ لقوله: (أتَيتَ مَنْزلَك)، وهذه الرُّؤيا مشتملةٌ على حِكَمٍ عظيمةٍ. ووجه الضَّبْطِ في هذه الأمور: أن الحال إمَّا أن يقتضيَ ثَوابًا أو عِقابًا، والثَّواب إما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودرجتُه فوق الكلِّ مثل السَّحابة، وإما للأمة، وهي ثلاث درجاتٍ: الدُّنيا للصِّبيان، والوسطى للعامة، والعُليا للشُّهداء، وإبراهيم - عليه السلام - وإنْ كان رفيعَ الدَّرَجة على الشُّهداء؛ فوجْهُ كونه تحت الشَّجَرة وهو خليل الله وأبو الأنبياء الإشارةُ

94 - باب موت يوم الاثنين

إلى أنه الأصل في المِلَّة، وكلُّ مَن بعدَه من الموحِّدين تابعٌ له، وبممَرِّه يصعدون شجَرةَ الإسلام، ويدخلون الجنة، والعِقاب إما على قولٍ لا يَنبغي، أو عدمِ قولٍ ينبغي، أو فعلٍ إما بدَنيٍّ كالزِّنا، أو ماليٍّ كالرِّبا. (دَعاني) بفتح الدال، أي: اترُكاني. * * * 94 - بابُ مَوْتِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ (باب مَوتِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ) 1387 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُوليَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، وَقَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الاِثْنَيْنِ، قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ، فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا، وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا، قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلَقٌ، قَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ، فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبحَ.

(في كم) لا يُنافي تصدُّرَ (كَمْ) دُخولُ الجارِّ عليها؛ لأنه كالجُزْء. (يوم الإثنين) المذكور أوَّلًا بالنَّصب ظَرفٌ، وفي الثاني بالرَّفْع خبرُ مقدَّرٍ، أي: هو. (أرجو فيما بيني وبين الليل)؛ أي: أتوقَّع الوفاةَ فيما بين ساعتي هذه الليلة، أو فيما بين آخِر يومي وآخر ليلَتي. (يمرض) بالتَّشديد، مِن مرَّضْتُه: أقَمتُ عليه، وقيل: بالتعهُّد والمُداواة. (رَدْع) بفتح الراء، وسكون الدال، وبالعين المهملَتين: لَطْخٌ وأثَرٌ. (فيهما)؛ أي: في المَزيدِ والمَزيدِ عليه، قال (ط): إنْ كانت الرِّواية فيها فالضَّمير عائدٌ إلى الأثواب الثلاثة، وإنْ كانت فيهما فكأنَّه جعلَهما جنْسَين: أحدهما: الثَّوب الذي يُمَرَّض فيه. وثانيهما: الثَّوبان الآخَران. (خَلَق) بفتح المعجمة، واللام، أي: بَالٍ عَتيْق. (للمهلة) قال (ن): بتثليث الميم: القَيْح والصَّديد، ويحتمل أن يُريد بالمُهلة معناها المَشهور، أي: أن الجديد لمن يُريد المُهلة في بَقائه، وفي بعضها بكسر الميم. وفيه التَّكفين في الثِّياب البِيْض والمغسولة، والتَّثليث، وطلَب الموافقة فيما وقَع للأكابر، والدَّفْن باللَّيل، وإِيْثار الحَيِّ بالجَديد،

95 - باب موت الفجأة، البغتة

وفَضْل الصَّديق، ودَلالةُ فِراسته، وتَيسير الله ما يتمنَّاه له. * * * 95 - بابُ مَوْتِ الْفَجْأَةِ، الْبَغْتَةِ (باب مَوْتِ الفُجاءَة)، بضمِّ الفاء، والمَدِّ، وبفتحها، وجاءَ بفتح الفاء مع القَصْر، قال (ك): وفي بعضها بكسْر الفاء؛ مِن فاجأَه الأمرُ مُفاجاةً، وفِجاءً. (البغتة) تفسيرٌ للفَجْأة بالجَرِّ بدَلٌ، أو بالرفْع خبر مبتدأ محذوفٍ، وفي بعضها: (أي: بَغْتةً). 1388 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا، قَالَ: "نَعَمْ". (سعيد) هو ابن أبي مَرْيَم. (محمد بن جعفر)؛ أي: ابن أبي كَثِيْر المدَني، لا محمد بن جَعْفَر غُنْدَر كما قد يُتوهَّم من كَون البخاري يَروي عنه بواسطةِ ابن المُثَنَّى، وبِشْر بن خالد، ومحمَّد بن بَشَّار، وطبقتهم؛ لأن غُنْدَرًا لا روايةَ له عن هشام بن عُروة أصلًا.

96 - باب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -

(أو رجلًا) هو سَعْد بن عُبادة، قاله ابن عبد البَرِّ، واسم أُمه: عَمْرة بنت سَعْد بن عَمْرو، وقيل: عَمْرة بنت مَسعود بن قَيْس بن عَمْرو، وهو من بني النَّجَّار. (افْتُلِتَتْ) بالبناء للمفعول، أي: ماتَتْ فَلْتةً، أي: فَجأةً، يُقال لكل ما ليس فيه مكْثٌ: فَلْتةٌ، ورواه ابن قُتَيْبَة بالقاف، وفسَّره بأنها كلمةٌ تُقال لمن ماتَ فَجأةً، رُوي مرفوعًا: (أكَرَه موتًا كمَوتِ الحِمَار)، قيل: وما مَوتُ الحِمار؟ قال: (مَوتُ الفَجْأَة)، وقيل: إنما كَرِهه لئلا يَلقى المؤمن ربَّه على غَفْلةٍ على غير توبةٍ. (نفسها) بالرفع نائبُ فاعلٍ، وبالنَّصب على التَّمييز، قال (ع): وهو أكثر الرِّوايات، مفعولٌ ثانٍ بإسقاط حرف الجرِّ، والأوَّل ضميرٌ هو نائب الفاعل. * * * 96 - بابُ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرِ وَعُمَر - رضي الله عنهما - {فَأَقبَرَهُ}؛ أَقْبَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا جَعَلْتَ لَهُ قَبْرًا، وَقَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ، {كِفَاتًا} يَكُونُونَ فِيهَا أَحْيَاءً، وَيُدْفَنُونَ فِيهَا أَمْوَاتًا. (باب ما جاءَ في قبْر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) (جعلت له قبرًا) قال الجَوْهَرِي: جعلَه ممن يُقْبَر، ولم يُجعل مُلْقًى للكلاب تكريمًا له.

(كفاتًا)؛ أي: موضِعًا يُكفَتُ فيه الشيء، أي: يُضمُّ ويُجمَع. * * * 1389 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ هِشَامٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ: "أَيْنَ أَناَ الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَناَ غَدًا؟ " اسْتِبْطَاءً لَيَوْمِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنحرِي، وَدُفِنَ فِي بَيْتِي. الحديث الأول: (لتعذر) بالعين، والذال المعجَمة في رواية أبي ذَرٍّ، أي: يَطلُب العُذْر فيما يُحاوله من الانتقال إلى بيت عائشة، ويحتمل أن المُراد يَتعسَّر، أي: فيما كان عليه من الصَّبْر يمتنع، ولسائر الرُّواة: (فقَدَّر) بالقاف، والدال المهملة: مِن التَّقدير ليَومها والانتِظار له. (أين أنا اليوم)؛ أي: النَّوبةُ لِمَن اليوم؟، وأكون في غَدٍ في حُجرة مَنْ مِنَ النِّساء؟. (استبطء)؛ أي: لإرادته الاشتِياق إلى نَوبة عائشة. (سَحْرِي) بفتح المهملة، وبالحاء المهملَة ساكنةً ومفتوحةً، وبضمِّ السِّين، وسُكون الحاء، كَبُرْدٍ: الرِّئَة. (ونحري) هو موضِع القِلادة من الصَّدْر، والمراد بين جَنْبي وصَدْري.

(وفي يومي)؛ أي: الذي لو لم يُمرَّض في بيت عائشة بسُؤال أزواجه أن يُمَرَّض في بيتها، واستمرَّت النَّوبة = لَكَانَ ذلك اليوم هو يومُ نَوبتها، وفي الحديث فَضْل عائشة. * * * 1390 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، لَوْلاَ ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَوْ خُشِيَ أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجدًا. 1390 / -م (1) - وَعَنْ هِلاَلٍ قَالَ: كَنَّانِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يُولَدْ لِي. الحديث الثاني: (الوزان) بفتْح الواو، وتشديد الزَّاي، وبالنُّون. (لولا ذلك) هو من قَول عائشة. (خَشيَ) بالبناء للفاعل، أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (أو خُشِيَ) أي: بالبناء للمفعول، هو، أو هي، أو الصَّحابة. (كناني)؛ أي: جعَل لي كُنيةً، وهي أبو الجَهْم بفتح الجيم، وقيل: أبو أُميَّة، ولعلَّ غرَض البخاري بذلك إثباتُ لِقاءِ هلال عُروة. * * *

1390 / -م (2) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُسَنَّمًا. الحديث الثالث: (مسنمًا)؛ أي: مُرتفِعًا من الأرض مثل السَّنام. قال الشَّافعية: التَّسطيح أَولى من التَّسنيم؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - سطَّح قبر إبراهيم، وفِعْلُه حُجَّةٌ لا فعلُ غيره. * * * 1390 / -م (3) - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْحَائِطُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي بِنَائِهِ، فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا، وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدَمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: لاَ وَاللهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مَا هِيَ إِلَّا قَدَمُ عُمَرَ - رضي الله عنه -. 1391 - وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما -: لاَ تَدْفِنِّي مَعَهُمْ، وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ، لاَ أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا. الرابع: (الحائط)؛ أي: حائط حُجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

(الوليد)؛ أي: ابن عبد المَلِك بن مَرْوان، وَلِيَ بَعْدَ موت والده سنة ستٍّ وثمانين مُدَّةَ عشرين سنةً. (بدت)؛ أي: ظَهرت في القبْر لا في خارجَه. (عبد الله)؛ أي: ابن أُختِها أسماء. قال (ط): تواضعتْ، وكَرِهتْ أن تقول: دُفنت عائشةُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فيكون تعظيمٌ لها. * * * 1392 - حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، حَدَّثَنا حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَمْروِ بنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، قالَ: رأيتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، ثُمَّ سَلْهَا أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ، قَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، فَلأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ لَهُ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمُوا، ثُمَّ قُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَادْفِنُونِي، وإِلَّا فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَمَنِ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهُوَ الْخَلِيفَةُ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، فَسَمَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ

وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ، كَانَ لَكَ مِنَ الْقَدَمِ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَالَ: لَيْتَنِي يَا ابْنَ أَخِي وَذَلِكَ كَفَافًا لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي، أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيْرًا، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالإيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَأَنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ. الخامس: (حُصَين) بمهملتين، مضمومةٍ ثم مفتوحةٍ. (صاحَبيَّ) بتشديد الياء، وإنَّما استأْذنها؛ لأن الحُجْرة لها. (بهذا الأمر)؛ أي: الخلافة. (النفر) رجالٌ من ثلاثةٍ إلى عشَرةٍ. (قَدم) بفتح القاف: السَّابقةُ في الأمر، يُقال: لفُلانٍ قدَمُ صِدْقٍ، أي: أثَرٌ حسَنةٌ، لو صح روايةً بالكسر لكان المعنى صحيحًا أيضًا. (استخلِف) بكسر اللام. (ثم الشهادة)؛ أي: لقَتْلِه ظُلمًا وإنْ لم يكُن في معركة الكُفَّار، فالشَّهيد ثلاثةٌ: شهيد الدَّارَين، وشهيد الآخِرة، وشهيد الدُّنيا، وفي الحديث: "مَن قُتِلَ دُونَ دِيْنه فهُو شَهيدٌ"، وقاتِلُ عُمر - رضي الله عنه - هو فَيروز

أبو لُؤْلُؤة، غُلام المُغيرة، كان يدَّعي أنه مسلمٌ، فسأل عُمرَ أن يُكلِّم مولاه أن يَضَع عنه من خَراجه، فقال: كم خَراجُك؟ قال: دينارٌ، فقال: ما أَرى أنْ أفعل؛ إنَّك عاملٌ مُحسِنٌ، وما هذا بكثيرٍ، فغَضِبَ، فلمَّا خرج عُمَرُ لصلاة الصُّبح طعنَه عَدُوُّ الله بسِكِّينٍ مسمومةٍ ذات طرَفين، فقتلَه. (كفاف) بفتح الكاف، أي: مِثْل. (ليتني) خبرها محذوفٌ، أي: لا ثَوابَ لي ولا عِقابَ عليَّ، أي: أخرُج من الخِلافة رأْسًا برأسٍ، كما قال الشاعر: علَى أنَّنِي رَاضٍ بأَنْ أَحمِلَ ... وأَخلُصَ مِنْهُ لا عَليَّ ولا لِيَا وفي بعضها: (أن عُمَر قال: ولا لِيَا) بإلحاق ألف الإطلاق كأنَّه يُشير إلى البَيت. (بالمهاجرين الأولين)؛ أي: الذين هاجروا قبل بَيعة الرِّضْوان، أو صلَّوا إلى القِبْلتين، أو شَهِدوا بدْرًا. (الذين (¬1) تبوؤوا) صفةٌ للأنصار، ولا يَضُرُّ فَصْله بـ (خيرًا)؛ لأنه ليس أَجنبيًّا من الكلام؛ فإن الذين تَبوَّؤوا همُ الأنصار، وأن يَقبل من مُحسنهم هو المراد بقوله: (خَيْرًا). (بذمة الله)؛ أي: بأهل ذِمَّة اللهِ، وهم عامة المؤمنين، فهو عُمومٌ بعد خُصوصٍ. ¬

_ (¬1) في "ف": "أليس تبوؤا".

97 - باب ما ينهى من سب الأموات

(ورائهم)؛ أي: خلْفهم، ويجيء بمعنى قُدَّام. وفيه أن الخلافة بعد عُمر شُورى، ونَدْب الدَّفْن في أفضل المقابِر، ومُجاورة الصَّالحين. 97 - بابُ مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ (باب ما يُنهَى من سَبِّ الأَموات) 1393 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا". وَرَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الأَعْمَشِ. تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، وَابْنُ عَرْعَرَةَ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ. (أفضوا)؛ أي: وصَلُوا إلى جَزاء أعمالهم. (تابعه علي بن الجَعْد) بفتح الجيم، وسكون المهملة، ووصلَه البخاري في (الرِّقاق). (ورواه عبد الله) إنما لم يقل: وتابعَه؛ لأنه رُوي استِقلالًا وبطريقٍ آخر لا مُتابعةً لآدم. * * *

98 - باب ذكر شرار الموتى

98 - بابُ ذِكْرِ شِرَارِ الْمَوْتَى (باب ذِكْر شِرار المَوتَى) عقَّبه بـ (باب: النَّهي عن سبِّ الأموات)؛ للإشارة إلى أن المنهيَّ سبُّ غير الأَشرار، أو أن السبَّ غير الذِّكْر. 1394 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ أَبُو لَهَبٍ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ. فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}. (أبو لهب) عبد العُزَّى بن عبد المُطَّلِب. (تبًّا) مفعولٌ مطلَقٌ، أي: هلاكًا محذوفٌ عامله. (سائر) نصبٌ بالظَّرفية، أي: باقي الأيام، أو جميعًا، وذلك لمَّا نزَل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ} الآية [الشعراء: 214]، رقَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّفَا، وقال: يا صبَاحاهُ! فاجتمعوا، فقال: يا بَنِي عبد المُطَّلِب، إنْ أَخبرْتُكم أنَّ بسَفْح هذا الجبَل خَيْلًا، أكنتُم مُصَدِّقِيَّ؟، قالوا: نعَمْ، قال: فإنِّي نَذيرٌ لكم بين يدَي السَّاعة، فقال أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ، أَلِهذا دعَوتَنا (¬1). ¬

_ (¬1) هنا ينتهي الجزء الأول من النسخة الخطية لمكتبة فيض الله، بتركيا، والمرموز لها بـ "ف".

24 - كتاب الزكاة

24 - كِتابُ الزَّكَاةِ

1 - باب وجوب الزكاة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 24 - كِتابُ الزَّكَاةِ 1 - باب وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ - رضي الله عنه -، فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَأْمُرُناَ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. (كتاب الزَّكاة) هي لغةً: النَّماء، والتَّطهير، فالمال يُنمَّى بها من حيث لا يُرى، أو ينمِّي أجرَها عند الله، وهي مُطهِّرةٌ لمؤدِّيها من الذُّنوب، وهي مشتركةٌ بين العين المُخرَجة وبين المعنَى، وهو الإخراج، وتسمَّى صدقةً لتَصديق صاحبها في صِحَّة إيمانه. والغرَض بها المواساة، ومحلُّها مالٌ له بالٌ، وهو النِّصاب يُتوقَّع نماؤه، وذلك: النَّعَم، والذَّهب، والفِضَّة، والمُقتات من النَّبات، والقِيم في التِّجارة، وأكثَر المُخرَج فيها زكاة الرِّكَاز، ففيه الخُمُس، ثم

النَّبات ففيه العُشْر أو نصفُه، ثم الذَّهب والفِضَّة عَينًا وقِيمةً، وهو ربُع العُشر، ثم ما لا ضَبْط له بجزئيَّته وهو المَواشي. (قال ابن عباس) سبَق وصْلُ البخاريِّ له في (باب بَدْء الوَحْي)، وسبق شرحه، وسيأتي في (التَّفسير) بهذه الزيادة. * * * 1395 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صيْفِي، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذًا - رضي الله عنه - إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: "ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ". الحديث الأول: (فرض عليهم صدقة) قال (ك): إنْ قيل: توقُّف الصلاة على الشَّهادتين ظاهر؛ لأن الصلاة لا تصحُّ إلا بعد الإسلام، فما وجْهُ توقُّف الزَّكاة على الصلاة مع استوائهما في كونهما رُكنَين من الإسلام، وفَرعين من الدِّين؟ قال (خ): أخَّر ذكْرَ الصدقة؛ لأنها إنما تجب على قومٍ من النَّاس، وبمضيِّ حولٍ على المال، انتهى.

ولكنْ ما نقلَه عن (خ) لا يُلاقي السُّؤال، ولا يحصُل به جوابه، وللنَّاس أجوبةٌ عن هذا، أحسنُها أن المعنى: فإنْ أطاعوا باعتِقاد الصَّلاة فَرْضًا، فاذكُر لهم الزَّكاة، والغرَض بذلك التدرُّج، حتى لا يَنفِروا من كثْرتها لو جُمِعت. (من أغنيائهم) يشمل الصَّغير، فتجب الزَّكاة في ماله، ويتعلَّق به من يَرى الدَّين مانِعًا من وجوب الزَّكاة من حيثُ إنَّ ما معه مُستحَقٌّ للوفاء، فكأنه لا مالَ له. قلت: وجوابه أنه غنيٌّ باعتبار المال الحاضِر، ورجاءِ نمائه، وليس متعيِّنًا لإخراجه من يَدِه في الدَّين. (في فقرائهم) فيه منْع نَقْل الزَّكاة عن بلَد المال، وإنما اقتَصر على الفُقراء ومستَحِقُّ الزكاة أصنافٌ أُخرى لمُقابَلة الأغنياء؛ لأن الفُقراء هم الأغلب، والإضافة تَقتضي منْعَ صرْف الزَّكاة لكافرٍ. وإنما لم يَذكُر في هذا الحديث الصَّوم والحجَّ؛ لأن اهتمام الشَّرع بالصلاة والزكاة أكثر، ولهذا كُرِّرا في القُرآن كثيرًا، وأيضًا فإن الصَّوم قد يسقُط بالفِدْية، والحجَّ بفعل الغير في المعضوب، أو أن الحج لم يكن شُرع. * * * 1396 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رضي الله عنه - أَنَّ

رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: "مَا لَهُ مَا لَهُ"، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَبٌ مَالَهُ، تَعْبُدُ اللهَ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ". وَقَالَ بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُّمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُوبَ بِهَذَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو. الحديث الثاني: (إنَّ رجلًا) حكى ابن قتيبة في "غريب الحديث": أنه أبو أيوب نفسه، وأفاد أبو إسحاق الصُّرَيْفيني: أنه لَقِيط بن صَبِرَةَ وافد بني المُنْتَفِق. (يدخلني) بالرفع؛ لأن الجُملة صفةٌ لقوله: (بعمَلٍ). (ما له)، قال (ط): هو استفهامٌ، وكرَّر للتَّأْكيد. (أرب ماله) قال (ش): فيه أربع روايات: أحدها: أَرِبَ، فعلٌ ماضٍ بوزْن عَلِمَ مِن أَرِبَ يَأْرَب: إذا احتاج، أي: فيسأل عن حاجته، ثم قال: ما لَه، أيُّ شيءٍ به، وقيل: بمعنى تَفَطَّن، أي: عَقَل، فهو أريبٌ، وقيل: دعَا عليه، أي: سقَطتْ آرابُه، أي: أعضاؤُه لا لقَصْد وُقوعه به، بل هو كـ: تَرِبَتْ يداه.

الثانية: أَرِبٌ، بكسر الرَّاء، والرفعِ منوَّنًا: اسم فاعلٍ كحَذِرٍ، ومعناه: حاذِقٌ فَطِنٌ، يسأل عما يعنيه، أي: هو أَرِبٌ، فحُذف المبتدأ، ثم قال: ما لَهُ، أي: ما شأْنه. الثالث: هو بفتح الهمزة والرَّاء، وضمِّ الباء منوَّنًا، كجَمَل، أي: حاجَةٌ جاءتْ به، وهو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: له أَرَبٌ، وتكون (ما) زائدةٌ للتَّقليل، أي: له حاجةٌ يسيرةٌ، وفي سائر الوجوه هي استفهاميةٌ، وقيل: (ما له) إعادةٌ لكلامهم على جهة الإنْكار. الرابعة: أرَبَ، بفتح الجميع، رواه أبو ذَرٍّ. قال (ع): ولا وجْهَ له، انتهى. وقال (ك): في الرواية الأُولى قال النَضْر بن شُمَيل: أَرِبَ الرَّجل في الأمر: إذا بلَغ فيه جُهدَه، وأن تفسيره: سقَطتْ آرابُه، قولُ ابن الأَنْباري، وأن ذلك يُستعمل عند التعجُّب. قال: وقيل: لما رأَى الرَّجلَ يزاحم، دعا عليه دعاء لا يُستجاب في المدعوِّ عليه. قال: وقال الأَصْمَعي: أَرِبَ في الشيء: إذا صار ماهرًا فيه، فيكون المعنى: التعجُّب من حُسْن فِطْنته، والتَّهدِّي إلى مَوضع حاجته، وقال في الثَّانية: إنها ليست بمحفوظةٍ عند أهل الحديث. قال: وفي روايةٍ: قال الناس: ما لَه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَربٌ

ما لَهُ؟ "، أي: حاجةٌ ما له؟ أو أمرٌ مَا له؟. (وتصل الرحم)؛ أي: يحسن لقَرابته، وذكره ذلك كأنه بالنَّظَر إلى حال السَّائل كأنه قاطعًا للرحم فأمره به؛ لأنه المُهمُّ بالنسبة إليه. (وقال بَهْز) بفتح الموحَّدة، وسكون الهاء، وبالزَّاي. (قال أبو عبد الله)، أي: البخاري، قال: أخشَى أن يكون تحدُّث عُثمان غير محفوظٍ لشُعبة؛ إذ الصواب هو: عُمر بن عُثمان. قال الكَلابَاذِي: روى شعبة عن عُمر بن عُثمان، ووَهِمَ في اسمه، فقال: محمد بن عُثمان في أوَّل (الزَّكاة). قال الغَسَّاني: هذا مما عُدَّ على شُعبة أنه وَهِمَ فيه حيث قال: محمَّد بدَل: عُمر، وقد قال البخاري في (الأدب): حدَّثني عبد الرَّحمن، ثنا بَهْز، ثنا شُعبة، ثنا ابن عُثمان بن عبد الله غيرَ مُسمًّى، فيكون أقربَ للصَّواب، وقد خرَّجه مسلم عن عَمْرو بن عُثمان، عن موسَى بن طَلْحة، عن أَيُّوب. * * * 1397 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ أَعْرَابِيًّا أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: "تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ"، قَالَ: وَالَّذِي

نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا". 1397 / -م - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو زُرْعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا. الحديث الثالث: سبق شرحه في (باب: سُؤال جبريل) من (كتاب الإيمان). (دُلَّني) بضمِّ الدَّال، وفتح اللَّام مشدَّدةً. (المكتوبة) مُقتبَسٌ من قوله تعالى: {كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، كما سبَق فيه وفي غيره. (وَلَّى)؛ أي: أَدبَر. (من أهل الجنة) فيه أن المُبشَّر بها أكثرُ من العشَرة كما ورَد النَّصُّ في الحسَن والحُسين، وأُمِّهما، وجَدَّتهما، وأزواج الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، فتُحمل بشارة العشَرة أنهم بُشِّروا دَفعةً واحدةً، أو بلفظ: بشِّرْه بالجنَّة، أو أن العددَ لا يَنفي الزَّائد. * * * 1398 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ

مُضَرَ، وَلَسْنَا نخلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْناَ بِشَيْءٍ نأْخُذُهُ عَنْكَ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَناَ، قَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأنهَكمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإيمَانِ بِاللهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ -وَعَقَدَ بِيَدِهِ هَكَذَا- وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزكَّاَةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأنهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءَ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ"، وَقَالَ سُلَيْمَانُ، وَأَبُو النُّعْمَانِ، عَنْ حَمَّادٍ: "الإِيمَانِ بِاللهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ". الرابع: سبق شرحه في (باب: أداء الخمُس من الإيمان). (أن هذا الحي): في بعضها: (إنَّا هذا الحَيَّ) فهو نصبٌ على الاختصاص، أي: أعني هذا الحيَّ، وقال (ط): إنه رفعٌ خبر إنَّ، وهكذا كما يَعقِد الذي يعدُّ واحدةً. وذكْر الصِّيام هناك وعدَمُ ذكره هنا، فقال (ع): إغْفالٌ من الرَّاوي لا أنَّ ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل الرُّواة يَتفاوتون في الضَّبْط. (في الشهر الحرام) في "سُنن البَيْهقي": إلا في شَهْر رجَب. (وقال سليمان)؛ أي: ابن حَرْب، وصلَه البخاري في (المَغازِي). (وأبو النعمان) وصلَه في (باب: الخمُس)، أي: روياه بلا واوٍ في: و (شهادة)، كما في الرِّواية الأُولى. وجْهُه على الثُّبوت أنه عطفٌ تفسيريٌّ، أو ذكر الإيمان تمهيدًا

للأَربعة؛ لأنه الأَصْل لا سيَّما والوَفْد كانوا مؤمنين عند السُّؤال، فابتداءُ الأربعة بالإيمان والشَّهادة واحدٌ. قال (ط): الواو مُقحَمةٌ كـ: فُلانٌ حسَنٌ وجميلٌ، أي: جميل، وأما كونها خمسًا أو أربعًا فسبَق بيانه هناك. * * * 1399 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ ناَفِعٍ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا تُوُفِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ"؟. 1400 - فَقَالَ وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَعَرَفْتُ أنَّهُ الْحَقُّ. الحديث الخامس: (وكان أبو بكر)؛ أي: خَليفةً، وسبق شرحه في (باب: {فَإِنَّ

تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [التوبة: 5]). (فَرَّق) بالتَّشديد والتَّخفيف، أي قال: أحدُهما واجبةٌ دون الأُخرى، أو منَعَ، ووجْه الجمْع بين هذا المقتضي لإيمانهم لا سيَّما وهم متعلِّقون في المنْع بقوله تعالى: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]، وصلاة غيره ليستْ سكَنًا، بل مثْل هذه الشُّبهة يوجب العُذْرَ لهم، والوقوفَ عن قتالهم، وبين قوله أوَّلًا: (وكفَر من كفَر) = أنَّ بعضهم كفَر، وبعضهم منع الزكاة، والمعنى أن مُناظَرة الشَّيخين واتفاقَهم على قتال مانعي الزكاة حين كان الخليفة أبا بكر، وحين ارتدَّ بعضُ العرب، أو أطلَق لفْظ الكفر على مانعي الزكاة تَغليظًا، وكذا أجاب (خ) بالأوَّل، وأن الذين ارتدُّوا كأصحاب مُسَيلِمَة، والذين منَعوا الزكاة بُغاةً، ولكنْ غلَب على الكلِّ اسمُ الرِّدَّة؛ لأنها كانت أعظم خَطْبًا، وصار مبدأُ قتال أهل البَغْي مُؤرَّخًا بأيام عليٍّ؛ إذ كانوا منفردين في عصره لم يختلطوا بأهل الشِّرك. فإن قيل: كيف يكونون بُغاةً، ومُنكِر الزكاة كافرٌ؟. قيل: هذا إنما هو في زماننا لتقرُّر الأركان، وصارتْ مُجمَعًا عليها معلومةً من الدِّين ضرورةً، وأما أولئك فكانوا قَريبي عهْدٍ بزمان الشريعة التي يقع فيها تبديل الأحكام، وبوُقوع الفَتْرة بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا جُهَّالًا بأمور الدِّين، أضلَّتهم الشُّبهة، فغَدَروا، وسُموا بُغاةً. (فقال عُمر)؛ أي: أخذ بظاهر: (أُمرتُ) الحديثَ، قبل أن ينظُر في آخره، وقال أبو بكر: إن الزَّكاة حقُّ المال، فدخلتْ في قوله: (إلا

بحقِّه)، وقاسَه على المُمتنِع من الصلاة؛ لأنها كانتْ بالإجماع، فيُرَدُّ المختلَفُ فيه للمُتفَق عليه، والعُموم يُخَصُّ بالقياس، على أن هذه الرواية مختصرةٌ من رواية التَّصريح بالزكاة التي فيها: "حتَى يُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتُوا الزَّكاةَ"، وسبَب الاختِصار أن حكايةَ ما جَرى بين الشَّيخين لا جميعَ القصَّة اعتمادًا على عِلْم المُخاطبين بها، أو اكتُفي بما هو الغرَض حينئذٍ. وقال (خ) أيضًا: الخِطاب في كتاب الله ثلاثةٌ: عامٌّ نحو: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6]، وخاصٌّ بالرَّسول نحو: {فَتَهَجَّدْ} [الإسراء: 79]، حيث قيَّد ذلك، وخطابٌ يُواجَه به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو والأُمةُ فيه سواءٌ، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103]، فعلى القائم مقام الأئمة ذلك أيضًا، وأما التطهُّر، والبرَكة، والدُّعاء من الإمام لصاحبها، فإن الفاعلَ فيها يَنالُه ذلك بطاعة الله ورسوله فيها، وكلُّ ثوابٍ موعودٍ على عمَلٍ كان في زمَنه، فهو باقٍ، فيُستحبُّ للإمام أن يَدعوَ للمُتصدِّق، ويُرجى أن يستجيب الله ذلك منه ولا يُخيِّبَه. (عَناقًا) بفتح المهملة: الأُنثى من المَعْز. (شرح)؛ أي: فتَح ووسَّعَ، فلما استقرَّ عنده صحَّةُ رأْي أبي بكر [و] بانَ له صوابُه تابعَه على القِتال، وقال: (فعرفت أنه الحق)؛ أي: الدَّليل الذي أقامَه الصِّدِّيق لا أنَّه قلَّده؛ لأن المجتهِد لا يُقلِّد مجتهدًا. وفيه فَضيلة أبي بكر، وجوازُ القِياس والعمل به، والحَلِفُ وإنْ كان في غير مجلِس الحُكم، واجتهادُ الأئمة في النُّوازِل، والمُناظرةُ،

2 - باب البيعة على إيتاء الزكاة {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}

والرُّجوعُ لقائل الحق، والصَّدَقة في السِّخال ونحوها إذا كانت الماشية صِغارًا، وأنَّ حَوْلَ النَّتاج حَوْلُ الأُمَّهات، وإلا لم يَجُزْ أخْذُ العَناق. 2 - بابُ الْبَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (باب البَيعَةِ)، أي: بفتح الباء، (على إيتاء الزَّكاة). 1401 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْح لِكُلِّ مُسْلِمٍ. سبق شرح الحديث فيه في آخر (كتاب الإيمان). 3 - بابُ إِثمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ولا

يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}. (باب إثْمِ مانِع الزَّكاة) 1402 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ناَفِعٍ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَأْتِي الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا، عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا"، وَقَالَ: "وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ"، قَالَ: "وَلاَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ، فَيقُولُ: يَا مُحَمَّدُ! فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ، وَلاَ يَأْتِي بِبَعِيرٍ، يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ! فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ". الحديث الأول: (الإبل) اسم جمعٍ مؤنثة، وكذا الغَنَم. (على) بَيانٌ لاستعلائها وتَسلطها عليه. (خير ما كانت) أي: في القوَّة والسِّمَن؛ ليكون أثقَل لوَطْئها، وأشدَّ لنِكايتها، فيكون زيادةً في عُقوبته، وأيضًا فكان يَودُّ في الدُّنيا

ذلك، فرآها في الآخرة أكمَل، وتَزداد إليه؛ إذ كان كمالُها عقوبةً له. (بأخفافها) الخُفُّ من الإبِل كالظُّلْف من الغنَم، والقَدَم من الآدمي، والحافِر من الحمار. (وتنطحه) بكسر الطَّاء على الأشهر، ويجوز فتحها. (أن تحلب) بمهملةٍ، أي: ليَحضُرها المساكين النَّازِلون على الماء، ومَن لا لبنَ له، فيُواسى من ذلك اللَّبَن، ولأن فيه الرِّفْق بالماشية؛ لأنه أَهوَن لها وأوسَع عليها. ومناسبة هذا للترجمة؛ لأنَّ الغرَض أداءُ الحُقوق وإنْ كانت الزَّكاة أصلَها وأعظمَها. قال (ط): في المال حَقَّان: فرضُ عينٍ وهو الزَّكاة، وغيرُه وهو مكارم الأخلاق. ورواه بعضهم: (يجلب) بالجيم، وفسَّره بالجَلْب إلى المُصَدِّق، قال ابنُ دِحْيَة: وهو تصحيفٌ. (ولا يأتي) خبرٌ بمعنى النَّهي. (يعار) بمثنَّاةٍ تحت مضمومةٍ، ثم مهملةٍ: صَوْتُ الشَّاة، وقال (ش): صوت المَعْز، تقول: يَعَرَتْ يَعَارًا، أي: صاحتْ صِيَاحًا شديدًا. (أو ثُغاء) بضمِّ المثلَّثة، وبمعجمةٍ، ومَدٍّ: صياح الغنَم أيضًا. (رُغاء) بضمِّ الراء، وبالمعجمة: صوت الإبِل، فالغالب في الأصوات فُعَال كبُكاء، وقد يجيء على فَعِيْل كصَهيل، وعلى فَعْلَلَة

كحَمْحَمَة. (لا أملك لك)؛ أي: في التَّخفيف عنك، وقد بلَّغتُك حُكم الله قبلُ، وفي الكلام نوعُ لَفٍّ ونَشْرٍ غير مُرتَّبٍ. * * * 1403 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَيْهِ -يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَناَ مَالُكَ، أَناَ كَنْزُكَ"، ثُمَّ تَلاَ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآيَةَ. الحديث الثاني: (مُثِّلَ)؛ أي: صُوِّرَ، وقيل: أُقيم؛ من قولهم: مَثَلَ قائمًا، أي: مُنتَصِبًا، وقيل: ضُمِّن (مُثِّل) معنى التَّصيير، أي: صُيِّرَ مالُه على صُورة الشُّجاع. (شُجاعًا) بضمِّ المعجمة: الحَيَّة الذَّكَر، وقيل: الذي يَقومُ على ذنَبه، ويُواثِب الرجُلَ والفارِسَ، وربما بلَغ رأْسَ الفارس، وفي بعضها: (شُجاعٌ) بالرفع خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: والمصوَّر شُجاعٌ. (أقرع)؛ أي: مُعِطَ رأْسُه من كثْرة سُمِّه، وانسَحقَ شعْرُه.

4 - باب ما أدي زكاته فليس بكنز

(له زبيبتان) بفتح الزاي، وكسر الموحَّدة الأُولى، أي: نابان يَخرُجان من فِيْهِ، وقيل: الزَّبيبة: نُكتةٌ سوداء فوق عين الحَيَّة من السُّمِّ، وقيل: الزَّبَد في الشِّدقَين، يقال: تكلَّم فُلانٌ حتَّى زبَّب شِدْقاه، أي: خرَج الزَّبَد عليهما. قال السُّهَيلي: والجملة حالٌ لـ (مُثِّلَ) في هذه الحالة. قلت: ويحتمل أنه صفةٌ ثانيةٌ لـ (شُجاعًا). (يطوقه) بفتح الواو مشدَّدةً، أي: يُجعل طَوقًا في عنُقه. (بلهزمتيه) بكسر اللام، والزاي، واللِّهْزِمَتان: هما العَظْمان في اللَّحيَين تحت الأُذُن، قاله الجَوْهَرِي، لكن الذي في البخاري: (يعني شدقيه) ربَّما يُخالف ذلك؛ فإنهما جانبا الفَمِ. (أنا كنزك) قوله ذلك زيادةٌ؛ لأنه شرٌّ أَتاه من حيث كان يَرجو خيرًا، وفيه نَوعٌ من التَّهكُّم، ومناسبةُ الآية للحديث أنَّ فيها: {سَيُطَوَّقُونَ} [آل عمران: 180]. * * * 4 - بابٌ مَا أُدِّيَ زكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ".

(باب مَن أَدَّى زكاتَه فليس بكَنْزٍ) الكنْز لغةً: المال المَدْفون، والمراد به هنا الكنْز الذي ذُمَّ في آية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ} [التوبة: 34]. (لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -) وجْه الدَّلالة من الحديث على التَّرجمة: أن ما لا زكاةَ فيه ليس بكنْزٍ وإنْ دُفِن، كما لو كان دون خمسِ أواقي؛ للحديث الذي فيه الزَّكاة لبُلوغه نِصابًا وأُدِّيتْ زكاته لا يكون كنْزًا؛ لأن الآية إنما سُمي الكنْزُ فيها ما لم يُنفَق في سبيل، أي: يُخرج زكاتُه، والكنز الذي أراده في الترجمة إنما هو المأْخوذ من الآية كما بينَّاه. (أواقي) بتشديد الياء، وتخفيفها: جمع أُوقِيَّةٍ، بضمِّ الهمزة، وتشديد الياء، وفي بعضها: (أواقٍ) كقاضٍ، وجَوارٍ، ويقال في الأُوقية أيضًا: وَقِيَّة بفتح الواو، وبلا همزٍ، والجمْع وَقَايا، واشتِقاقها من الوِقاية؛ لأن المال مَخزونٌ مصونٌ، أو لأنه يَقي الشَّخص من الضَّرَر، والمراد -في غير الحديث- نصْف سدُس الرَّطْل، وأما في الحديث فقال الجَوْهَرِي: هي أربعون دِرْهمًا، كذا كان، وأما اليوم فيما يُتعارف ويقدِّر عليه الأطبَّاء وَزْنُ عشَرة دراهم وخمسة أَسباع دِرْهم. * * * 1404 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللهِ

ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْني قَوْلَ اللهِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَويلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللهُ طُهْرًا لِلأَمْوَالِ. الحديث الأول: (زكاتها) أَفرد الضَّمير والسَّابق اثنان على وَزْن الآية، وفي "الكشَّاف": أنه تعالى قال: (يُنفقونها): ذهابًا إلى المعنى دُون اللَّفظ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منها جُملة وافيةٌ، وقيل معناه: ولا يُنفقونها والذَّهب كذلك، كما في قوله: فإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيْبُ أي: وقَيَّارٌ كذلك. قلتُ: لكنْ الذي يُقدَّر في الآية مجموع مبتدأ وخبر، وفي البيت خبرٌ خاصةً. وقيل: الضمير في (زكاتها) للأموال، وقيل: للفضَّة؛ لأنها أكثرُ انتفاعًا في المعاملات من الذَّهب، أو اكتفى ببيان حالها عن حال الذَّهب، وكلُّها متقاربةٌ، ربما ترجع لما في "الكشَّاف". (طهرًا)؛ أي: مُطهِّرةٌ، وحاصله: أن حُكم الكنْز منسوخٌ. قال (ط): يُريد بما قبل نزُول الزكاة قولَه تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ

مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، أي: ما فضَل عن الكفاية، فكانت الصَّدقة فرضًا بما فضَل عن كفايته، فلمَّا فُرضت الزكاة نُسِخ. قلتُ: وإذا حُمِل: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا} على: لا يُؤدُّون زكاتها كما قرَّرناه آنِفًا، فلا نسَخَ. * * * 1405 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبُ بْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، أَنَّهُ سَمعَ أَبَا سَعِيدٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". الحديث الثاني: (خمس ذود) بالإضافة على المشهور، ويُروى: تنوين (خمسٍ) و (ذَوْدٍ)، فيكون بدَلًا منه، وبزيادة تاءٍ في (خمسٍ) نظَرًا إلى أن الذَّوْد يُطلق على المذكَّر والمؤنَّث، أو لأنَّ الذَّوْد مؤنَّثٌ، وهو بفتح المعجَمة: الإبل من الثلاثة إلى العشَرة، وقيل: ما بين الثِّنتين إلى التِّسع، ولا واحدَ له مِن لفْظه، إنما يُقال: ناقةٌ وبعيرٌ، وإنما لم يُميِّزوا الجمْع لأنهم قد يتركون ذلك كما في ثلاث مئةٍ، أو لأن ذَوْد في معنى

الجمْع كما في: (تسْعةُ رَهْطٍ). (أوسق) واحدُه وَسْقٌ بفتح الواو على المشهور، وقد تُكسر، وأصلُه لغةً: الحِمْل، والمراد به: سِتُّون صاعًا، وهو تمام حِمْل الدَّواب النَّقَّالة، والصَّاع: أربعة أمدادٍ، والمُدُّ رِطْلٌ وثلُثٌ بالبَغدادي، ورِطْلُ بغداد على الأَظْهر مئةُ درهمٍ، وثمانيةٌ وعشرون درهمًا، وأربعةُ أسباعٍ دِرْهَم، وقيل: بلا أسْباعٍ، وقيل: ثلاثون. ففيه أن نِصاب الفِضَّة: مئتا دِرْهم، وأوَّل نصاب الإبِل: خمسةٌ، والحُبوب والثِّمار: سِتُّون صاعًا، وأنه لا صدَقةَ في الخُضراوات؛ لأنها لا تُوسَق، وقال أبو حنيفة: تجب الزكاة في قليل الحَبِّ وكثيره. * * * 1406 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَناَ حُصَيْنٌ، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَناَ بِأبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفْتُ أَناَ وَمُعَاوِيَةُ فِي الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونها فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: نزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُلْتُ: نزَلَتْ فِينَا وَفيهِمْ، فَكَانَ بَيْني وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكتبَ إِلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - يَشْكُوني، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمِ الْمَدِينَةَ، فَقَدِمْتُهَا فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهمْ لَمْ يَرَوْني قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تنحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا، فَذَاكَ الَّذِي أنزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلَوْ

أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ. الحديث الثالث: (علي) هو ابن أبي هاشم البَغدادي، واسمه: الطِبْرَاخ، بكسر المهملة، وسكون الموحَّدة، وآخره معجمةٌ، قاله الغَسَّاني. (بالربذة) براءٍ، فموحَّدةٍ، فمعجمةٍ، مفتوحات: مَوضع على ثلاث مَراحل من المدينة، وبها قَبْر أبي ذَرٍّ. (أقدم) بفتح الدَّال، إما مضارعٌ فتُقطع همزته، أو أمرٌ فتُحذف وَصْلًا. قال (ط): نظَر معاوية إلى سياق الآية، فإنها نزلَت في الأحبار والرُّهبان الذين لا يُؤتون الزكاة، وأبو بكْرٍ إلى عُموم الآية، وإنَّ مَنْ يَرى وجوب الزكاة، ولا يَرى أداءَها يلحقه هذا الوعيد الشَّديد أيضًا، فخاف معاويةُ أن يقع بين المسلمين خِلافٌ، فشكاه إلى عُثمان، وكان بالشَّام من قِبَله، فكتب عُثمان لأبي ذَرٍّ أن يَقدُم، فلمَّا قَدِم اجتمع عليه الناس يَسألونه عن القِصَّة وما جَرى بينه وبين معاوية خَشِيَ من عَتْب عُثمان، فذكَر له ذلك، فقال له: إنْ كنت تخشى وقوع فِتْنةٍ ما فاسكُن مكانًا قَريبًا، فنزَلَ الرَّبَذَة، وأخبر أن طاعةَ الإمام واجبةٌ، حتى لو أَمَّرَ الإمامُ حبَشيًّا كان على الرعيَّةِ السَّمْعُ والطَّاعة. * * *

1407 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: جَلَسْتُ. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلاَءِ بْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى مَلإٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي ناَرِ جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كتِفِهِ، ويُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يتزَلْزَلُ، ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، وَأَناَ لاَ أَدْرِي مَنْ هُوَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ أُرَى الْقَوْمَ إِلَّا قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ، قَالَ: إِنَّهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا. 1408 - قَالَ لِي خَلِيلِي -قَالَ: قُلْتُ مَنْ خَلِيلُكَ؟ قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا؟ "، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ وَأَناَ أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كلَّهُ إِلَّا ثَلاَثَةَ دَناَنِيرَ"، وَإِنَّ هَؤُلاَءَ لاَ يَعْقِلُونَ، إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا، لاَ وَاللهِ لاَ أَسْألهُمْ دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللهَ. الحديث الرابع: (ثنا أبو العلاء)؛ أي: يزيد بن الشِّخِّير.

(إن الأحْنف) وهذا هو الفَرْق بين الطَّريقَين، فإنَّ في الأوَّل بلفظ: (عن) فيهما. (بملأ)؛ أي: جماعةٍ. (خشن) بالخاء والشين المعجمتين، وهو الصحيح، وللقَابِسِي بالمهملتين من الحُسْن. (الكانزين) في بعضها: (الكنَّازين)، وهما بالنون من الكنْز، وهو الجمْع والدَّفْن ونحوه، وللهَرَوي بالمثلَّثة، قال (ش): والأَوَّل أَولى؛ لأنه إنما يُقال لكثير المال: مُكثِرٌ لا كاثِر. قلت: ممنوعٌ، بل يقال: كاثِر كما في: وَإِنَّما العِزَّةُ للكَاثِرِ أي: للمُكثِر. (بِرَضْفٍ) بفتح الراء، وسكون المعجمة، وبالفاء: الحِجارة المُحمَّاة، واحدُه رَضْفة. (نُغْض) بضمِّ النون، وسكون المعجمة، ثم ضادٍ معجمةٍ، ويسمَّى الغُضْروف، وهو العظْم الرقيق على طرَف الكَتِف، وقيل: أَعلى الكَتِف. قال (خ): وأَصْل النُّغْض الحرَكة، فسمِّي به الشَّاخص من الكَتِف؛ لأنه يتحرَّك من الإنسان في مِشْيته وتصرُّفه، قال تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} [الإسراء:51].

(حلمة): رأْس الثَّدي النَّاتئ منه. (ثديه) يُذكَّر ويؤنَّث. (يتزلزل)؛ أي: يتحرَّك ويضطَرب الرَّضْف. (ولَّى)؛ أي: أدبَر. (السارية)؛ أي: الأُسطُوانة. (يا أبا ذر ...) إلى آخره، متعلِّقٌ بقوله: (قال لي خَليلي). قال (ط): سقَط كلمةٌ من الكتاب وهي: (فقال أبو ذَرٍّ: [قال] النبيّ - صلى الله عليه وسلم -). (ما بقي)؛ أي: أيُّ شيءٍ بَقِيَ. (أُحدًا)؛ أي: الجبَل المشهور. (نعم) هو جوابُ (أتُبصِر). (مثل) إما خبرٌ لأَنَّ و (وذهبًا)، تمييزٌ، أو حالٌ مقدَّمةٌ على الخبر. (ثلاثة) يحتمل أن هذا القَدْر كان دَينًا، أو مقدار كفاية إخراجات تلك الليلة لرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن المراد النَّفقة لحاجة نفسه أو في سبيل الله، وعدَم المحبَّة إنما هو للاستِثناء، أي: ما أُحِبُّ إلا إنفاقَ الكُلِّ. (وإن هؤلاء) عطفٌ على: (إنهم لا يعقلون)، وليس من تتمة كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل من كلام أبي ذَرٍّ، وكُرِّرَ للتأكيد، ورَبْطِ ما بعده عليه.

5 - باب إنفاق المال في حقه

(لا أسألهم دنيا)؛ أي: لا أَطمَع في دنياهم. (ولا أستفتيهم)؛ أي: لا أسألُهم عن أحكام الدِّين، أي: أقنَع بالبُلْغة من الدُّنيا، وأرضى باليسير لما سمعت من العِلْم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال (ك): ويمكن أن يكون أبو ذَرٍّ ذهَب إلى ما يقتضيه ظاهر لفظ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة:34]، فالكنز لغةً: المَدفون، سواءٌ أُدِّيتْ زكاته أم لا، وفي قوله: يجمعون، دليلٌ على أن الكنْز عنده جمْع المال، لكنْ يدلُّ على أن الكنْز ما لم تُؤدَّ زكاته، قوله في الحديث: "أَناَ كَنْزُكَ". وفيه المبالغة في الزُّهد، وكان مذهب أبي ذرٍّ تحريم ادخار ما زاد على الحاجة، ونفْيُ العقْل عن العُقَلاء مجازًا. * * * 5 - بابُ إِنفَاقِ المَالِ فِي حَقِّهِ (باب إنْفاقِ المَالِ في حَقِّه) 1409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا".

7 - باب لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا يقبل إلا من كسب طيب

(لا حسد)؛ أي: لا غِبْطةَ، وسبق شرح الحديث في (باب الاغتِباط في العِلْم). (اثنين) في بعضها: (اثنتين) بالتأنيث، فيُقدَّر في قوله: (رجل) مضافٌ إلى خَصْلة، وفي (رجل) الرفْع والنَّصْب كما سبق. (هلكته) بفتح اللام. قال (ط): أي: لا موضعَ للغِبْطة إلا في هاتَين الخصلتَين؛ فإنَّ فيهما موضع التَّنافس. * * * 7 - بابٌ لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَدَقةً مِنْ غُلُولِ، وَلاَ يَقْبَلُ إِلَّا مِنْ كَسْبِ طَيِّبِ لِقَوْلهِ: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} إلى قوله: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. 1410 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِيِنهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلْوَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ".

تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، وَقَالَ وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَزيدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَسُهَيْل، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب لا يَقبَلُ اللهُ الصَّدَقةَ من غُلُول) لم يذكر فيها حديثًا، ولذلك لم يذكرها (ك) إلا أنه تعرَّض لقوله: (غلول)؛ أي: خِيانة. ووجه التَّعليل بقوله تعالى: {وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263]: أن الصَّدَقة قد يتبعُها أذًى يوم القيامة بسبب الخِيانة. ووجه مطابقة التَّرجمة للآية: أن الأَذى بعد الصَّدَقة يُبطلها، فكيف بالأذى المقارِن لها، وذلك أن الغالَّ تصدَّق بمغصوبٍ، والغاصب مؤذٍ لصاحب المال عاصٍ بتصرُّفه، فهو أَولى بالإبطال. (مُنِير) بضمِّ الميم، وكسر النون. (أبو النضر) بالمعجمة: سَالِم. (بِعَدْلٍ) بالفتح: ما عادَلَ الشَّيءَ من جنْسه، وبالكسر من غير جِنْسه، وقال البصريون: العَدْل والعِدْل لُغتان، وقال (خ): بعَدل تمرةٍ، أي: بقِيمتها، فهذا عَدْلُ هذا -بالفتح- مثلُه في القِيمة، وبالكسر: مثله في المنظر.

قال: وذكر اليمين لأنها في العُرف لِمَا عزَّ، والشِّمال لِمَا هانَ، والله منزَّهٌ عن الجارحة، وقيل: المراد بيمين الذي إليه الصَّدَقة، وأُضيفتْ إلى الله تعالى بقَصْد الاختصاص، أي: أن الصَّدَقة فيها لله تعالى. (ثم يربيها)؛ أي: يُضاعِف أجْرَها، أو الزيادة في كمية عينها، فتكون أثقلَ في الميزان. (فلوه) الفَلُوُّ: المُهْر حين الانفِطام، والأُنثى: فَلُوَّةٌ، كعَدُوٍ وعَدُوَّةٌ، يقال: فَلُوتُه عن أُمه، أي: فطَمتُه، وهو حينئذٍ يحتاج لتربية غير الأُمِّ. قال أبو زيد: إذا فُتحت الفاء شُدِّدت الواو، وإذا كُسِرت خُفِّفت كجَرْوٍ. (تابعه سليمان)؛ أي: ابن بلال، سيأتي وصْلُ البخاري له في (التوحيد). (وقال ورقاء) بفتح الواو، وسكون الراء، وبالقاف، والمد، كذلك يأتي في (التوحيد). قال (ك): إن هذا يحتمل أن لا يكون تعليقًا بل من مَقول أبي النَّضْر؛ لأنه سمع منه كثيرًا. (ابن أبي مريم): هي موصولةٌ في "كتاب الصيام" ليُوسُف بن يَعقوب القاضي. (وزيد بن أسلم) موصولةٌ في "صحيح مسلم".

8 - باب الصدقة من كسب طيب لقوله تعالى: {ويربي الصدقات}

(وسهيل) وصلَها مسلم أيضًا، وقال (ك): الثلاثة متابعاتٌ؛ لأن دينارًا في الرِّواية عن أبي صالح، لكنْ عبَّر في الأول بـ (تابعَه)؛ لأن اللَّفْظ بعينه لفظُه، وفي الثالث: بـ (رَواهُ)؛ لاختلاف اللَّفْظ وإن اتحدَ المعنى، وفي الثاني: (فقال)؛ لأنه على وجْهِ المُذاكرة لا التحديث. * * * 8 - باب الصَّدقة من كسْبٍ طيِّبٍ لقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (باب الصَّدقة من كسْبٍ طيِّبٍ لقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]) فإنه وإنْ كان عامًّا لكن المراد به الصَّدقة من الحَلال بقَرينة سياقِ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267]. * * * 9 - باب الصَّدَقة قبل الرَّدِّ (باب الصَّدَقة قبل الرَّدِّ) 1411 - حَدثَنَا آدَمُ، حَدثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:

"تَصَدَّقُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ، فَلاَ يَجدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِها بِالأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ حَاجَةَ لِي بِهَا". الحديث الأول: (بصدقة) سيأتي فيه زيادةُ: (من الذَّهَب)، وفيه تنبيهٌ على أن ما سِواه أَولى، فأكَّد أنه لا يُقبل بكونه يَعرِضُها، ويَطُوف بها، وهي من ذهَب. (لو جئت)؛ أي: أنه قد استغنى عنها بما أَخرجت الأرض من كُنوزها. * * * 1412 - حَدثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لاَ أَرَبَ لِي". الحديث الثاني: (فيفيض) من الفَيْض، يُقال: فاضَ الإناء: إذا امتَلأَ، وأفاضَهُ مَلأَه. (يُهِمَّ) بضمِّ الياء، وكسر الهاء: مِن الهمِّ، وهو الحُزْن، يُقال:

أَهمَّه: إذا أحزنَه. (رَبَّ) بالنَّصب: مفعوله. (من يقبل) هو الفاعِل، أي: لمَّا كان حُزْنه بسببه جُعل كأنه المُقلِق له، والمُحْزِن. ومنهم من قيَّده بضمِّ الهاء، مِن هَمَّ بمعنى قصَد، و (ربُّ): فاعل، و (مَن يقبل): مفعول، أي: يَقصدُه فلا يَجدُه، حكاه (ع)، و (ن)، وغيرهما، وهو ضعيفٌ؛ إذْ يصير التقدير: يَقصِدُ الرجل من يأْخذ مالَه، فيَستحيل، وليس المعنى إلا على الأَوَّل. (لا أَرَبَ)؛ أي: لا حاجةَ لي (فيه) فكأنَّ: (فيه) سقطتْ من الكتاب. قلتُ: لا حاجةَ لادِّعاء السُّقوط، بل العُموم، وقد وُجِدَ ذلك في زمن الصحابة؛ كان تُعْرض عليهم الصَّدَقة فيأبَون قَبولها. * * * 1413 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أبو عَاصِمِ النَّبِيلُ، أَخْبَرَناَ سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أبْو مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِم - رضي الله عنه - يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَهُ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ، وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فإِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ

أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لاَ يَجدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ، ثُمَّ لَيقفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا؟ فَلَيقُولَنَّ: بَلَى، ثُمَّ لَيقُولَنَّ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا؟ فَلَيقُولَنَّ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِيِنهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". الحديث الثالث: (مُحِلّ) بضمِّ الميم، وكسر المهملَة، وتشديد اللام. (عَدِي) هو ضِدُّ مُحِلٍّ. وفي الإسناد ثلاثةٌ طائيُّون. (العَيلة) بفتح العين: الفَاقَة، وعالَ، أي: افتقَر. (قطع السبيل)؛ أي: فَسادَها بالسُّرَّاق. (العِير) بكسر العين: الإبِل التي تَحمل المِيْرَة. (الخفير): المُجِيْر، أي: يكونون في ضَمانه وذِمَّته، أي: لا يحتاجون في الطّرُق إلى بذْرَقَةً (¬1). (يدي الله) من المُتشابِه، ففيه المذهبان المشهوران. (تَرْجُمان) بفتح التاء وضمِّها، والجيم مضمومةٌ فيهما، والتاء فيه أصلية، وقال الجَوْهَرِي: زائدةٌ، وهو كزَعْفران، فالجيم مفتوحةٌ. ¬

_ (¬1) في "ب": "بدرقة".

(طيبة)؛ أي: يَطِيْب بها القلْب؛ لأنها طاعةٌ أو مباحةٌ، ففيه أنها سبَبٌ للنَّجاة من النَّار، وهو ظاهرٌ في الطاعة، وفي المباحة إذا قُصد بها خيرٌ، وفيه الحَث على الصَّدَقة. * * * 1414 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لاَ يَجدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ، ويُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً، يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكثْرَةِ النِّسَاءَ". الرابع: (أربعون) لا يُنافي ما سبَق في (باب رفْع العِلْم): "يكون لخمسين امرأةً القَيِّمُ الواحِد"؛ لأن العددَ لا يُنافي الزَّائد. (يَلُذْنَ) بضمِّ اللام، وسكون المعجَمة، أي: يلتَجِئْنَ، وَيرْغَبْنَ فيه، وقال (ش): يَستتِرْنَ به، ويحترِزْن الملاذَّ؛ ليقوم بحوائجهنَّ، ولا يُطمع فيهنَّ، وسبب قِلَّة الرِّجال القِتال في آخر الزَّمان كما في "ويكثر الهَرْج". * * *

10 - باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة

10 - بابٌ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرةٍ، وَالْقَلِيلِ مِنَ الصَّدَقَةِ {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآيةَ: وَإلَى قَوِلِه {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}. (باب: اتقُوا النَّارَ) 1415 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أبُوَ النُّعْمَانِ الْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كنا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فتصَدَّقَ بِشَيْءٍ كثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرائِي، وَجَاءَ رَجُل فتصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا، فَنَزَلَتِ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ} الآيَةَ. الحديث الأول: (نحامل)؛ أي: نحمل الحِمْل على ظُهورنا بالأُجرة. (بشيء كثير) قيل: جاء عبد الرَّحمن بن عَوف بأربعين أُوقية من ذهَب، فقالوا: ما أَعطَى إلا رِيَاءً، وجاء أبو عقيل -كما في "أسباب النزول" للواحِدي، وبعض التَّفاسير- بصاعٍ من تمرٍ، فقال: بِتُّ ليلتي أجرُّ بالجرير، أي: الحبْل للاستسقاء على أُجْرة صاعَين، فقالوا: الله ورسوله غَنيَّانِ عن صاعِه، ولكنْ أراد أن يُذكِّر بنفْسه ليُعطى من الصَّدقات.

قلت: لكنْ سيأتي في البخاري في (التفسير): أن أبا عقيل جاء بنصْف صاعٍ، نعَمْ، في "مسلم": أن أبا خَيْثَمة -أي: عبد الله، وقيل: مالكًا- تصدَّق بصاعٍ فلمَزَه المنافقون، وفي "الأوسط" للطَّبَراني، وفي "معجَم ابن قانِع"، و"فوائد" سَمُّوْيَه: أنَّه سَهْل بن رافع البَلَوي، وذكر الواقِدي: أنَّ صدَقة عبد الرَّحمن ثمانيةُ ألافٍ، وقيل: المتصدِّق بالكثير عاصِمُ بن عَدِيٍّ جاء بمئة وَسْقٍ، ولا امتناعَ أن الكُلَّ وقَع. أما اللامِزُون ففي كتاب "المُتفِق" للخطيب: أن زيد بن أَسلَم العَجْلاني جاء بصدَقةٍ، فقال: مُعَتِّب بن قُشَيْر، وعبد الرحمن بن نبتل -بنونٍ، ومثناةٍ فوق مفتوحتَين، بينهما موحَّدةٌ ساكنةٌ، ثم لامٌ-: إنما أَراد الرِّياءَ، فنزلت الآية. (المطوعين)؛ أي: المتبرِّعين، وأصلُه: مُتَطَوِّعين، فأُدغم. * * * 1416 - حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى، حدثنا أبِي، حدثنا الأَعْمَشُ، عنْ شَقِيقٍ، عن أبي مَسْعُودٍ الأَنْصارِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَناَ بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُناَ إِلَى السُّوقِ فتحَامَلَ فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمُ الْيَوْمَ لَمِائَةَ ألفٍ. الحديث الثاني: (فتحَامَل) بفتح المثناة فوق، والمهملة: فعلٌ ماضٍ، أي: تكلَّف الحمْل بالأُجرة ليكسب ما يتصدَّق به، ويُروى بضم المثناة

تحت، فعلًا مضارعًا. (لمائة) هو اسمُ (إنَّ) مفعولٌ بالظَّرف وهو: (اليوم) مِن خبرها وهو (لبعضهم)، ومميِّز الألْف مُقَدَّر، أي: دِرْهَمٌ، أو دينارٌ، أو مُدٌّ. قال (ش): ورُوي برفع (مائة)، ووجْهه: ثم يَقبِض يدَه. قلتُ: يمكن تَوجيهه بأن اسمه ضمير الشَّأْن، و (لمائةٌ) مبتدأٌ خبره (لبعضهم)، والجُملة خبر إنَّ، والمقصود وَصْف زمان النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بشدة فَقْر الدُّنيا، وإنما كثُر الفُتوح والمالُ في أيام الصَّحابة. * * * 1417 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ". الثالث: (بشق) بكسر الشين: النِّصْف، أي: ولو كان الاتقاءُ بتصدُّق شِقِّ تمرةٍ. * * * 1418 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بنِ حَزْمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَن

11 - باب أي الصدقة أفضل، وصدقة الشحيح الصحيح

عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنتَيْهَا وَلَمْ تَأْكلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ". الرابع: (هذه البنات) الظاهر الإشارةُ إلى أمثال المَذكورات في الإفَاقة، ويحتمل جنْس البنات مطلقًا. (بشيء)؛ أي: بنفْس البنات، أو بأحوالهنَّ. (سترًا)؛ أي: جنْس السَّتْر، وإلا لقال: أَستارًا. * * * 11 - بابٌ أيُّ الصَّدَقةِ أفْضَلُ، وصَدَقةُ الشَّحِيحِ الصَّحيحِ لِقَوْلهِ: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآيَةَ، وَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ} الآيَةَ. (باب صدَقَة الشَّحِيْح الصَّحيح) 1419 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا

عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتأْمُلُ الْغنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ". الحديث الأول: (تصدق) بتخفيف الصاد، وحذف إحدى التاءَين، وفي بعضها: (تصَّدَّق) بتشديدها بإدغام التاء فيها. (شحيح) الشُّحُّ: البُخل مع الحِرْص، وقيل: أعمُّ من البُخل، وقيل: هو كوصفٍ لازم من قِبَل الطَّبعْ. (وتأمُل) بضمِّ الميم، أي: تطمَعُ بالغِنَى. (ولا تمهل) بالرفع والنصب، وفي بعضها بالسكون. (بلغت)؛ أي: النَّفس، يدلُّ عليه السِّياق. (الحلقوم) الحلْق، أي: قاربَتْ أن تبلُغ ذلك؛ إذ لو بلَغت ما صَحَّ تصرُّفه، ولا وصيَّتُه اتفاقًا. قال (خ): فيه أن المرَض يقصِرُ يدَ المالك عن بعضِ ملْكه، وأن سَخاوته في مرَضه لا تمحُو عنه سِمَةَ البخيل، ومعنى شُحِّه بالمال: أنْ يجد له وقْعًا في قلْبه لما يأْملُه من طُول العمُر، ويخافه من حدُوث الفَقْر. (الفلان) قال (خ): الأوَّلانِ كنايةٌ عن الموصَى له، والثالث عن الوارث، أي: إذا صار للوارث إنْ شاء أبطلَه ولم يُجِزْه.

11 / م - باب

قال (ك): ويحتمل أنه كنايةٌ عن المورث، أي: خرَج عن تصرُّفه واستقلاله بما شاء من التصرُّف، فليس له في وصيته كثير ثوابٍ بالنِّسبة إلى ما كان وهو كامل التصرُّف، وقيل: كنايةٌ عن الموصَى له أيضًا، أي: كان في تقدير الأزَل له، وسبق القَضاء بذلك، وحاصله أن الشُّحَّ غالبٌ في الصِّحَّة، فالصدقة حينئذٍ أعظَمُ أجرًا. * * * 11 / -م - بابٌ 1420 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: "أَطْوَلُكُنَّ يَدًا"، فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ. الحديث الثاني: (قلن) الضمير لبعض أزواجه - صلى الله عليه وسلم -. (أينا أسرع) مبتدأٌ وخبرٌ، وإنما لم يقُل: أيَّتُهنَّ؛ لقَول سِيْبَوَيْهِ، -كما نقلَه في "الكشاف"، في (سورة لُقمان) -: أنها مثلُ كُلٍّ حتى يكون: (أيَّتُهنَّ) ليستْ بفصيحةٍ مثل: (كلُّتُهنَّ).

(لُحُوقًا) نصبٌ على التَّمييز. (أطولكن) خبر مبتدأ محذوفٍ دلَّ عليه السُّؤال، وكان القِياس طُولًا، لكن جاءتْ أفعَل التَّفضيل مفردًا في مثله كثيرًا. (يذرعونها)؛ أي: يقدِّرونها بذَرْع كلِّ واحدةٍ منهنَّ أيُّها أَطوَل، والضمير راجعٌ لمعنى الجمْع لا للفظ جماعة النِّساء، وإلا لقال: يَذْرعْنَ، أو أنهنَّ، عدَل إليه تعظيمًا لشأْنهنَ، كما قال: وإنْ شِئْت حرَّمْت النِّساءَ سِواكُمُ (سودة)؛ أي: بنت زَمعة، تزوُّجها - صلى الله عليه وسلم - بعد خَديجة على المشهور. (بعدُ) مبنيُّ على الضمِّ. (أنما) بفتح الهمزة. (الصدقة) اسم (كان)، و (طُوْل يدِها) خبرٌ مقدَّم. قال ابن دِحْية وغيره: هذا الحديث وإنْ صحَّ إسناده لكنَّه وهْمٌ بلا شكٍّ، فلا خلافَ بين أهل السِّيَر أن زَينب كانتْ أوَّلَهنَّ مَوتًا، وكذا رواه مسلم عن عائشة قالت: لأنها كانتْ تعمل بيَدها وتتصدَّق، وكأنه سقَط من رواية البخاري ذكر زَينب. وقال (ن) في "التهذيب": إنَّ عائشة قالت: لمَّا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْرَعكُنَّ بي لُحوقًا أطولُكنَّ بَاعًا"، فكنَّا إذا اجتمعنا نمُدُّ أيديَنا في الجِدار نتطَاول، حتى تُوفِّيتْ زينب، وكانت امرأةً قصيرةً، ولم تكن أطولَنا، فعَرفْنا أنَّ المراد بطُول اليد الصَّدقة، وكانت زينب امرأةً

13 - باب صدقة السر

صَنَاعًا، كانت تَدبِغ وتَخرِزُ وتتصدَّق منه في سبيل الله، ماتت سنة عشرين، وقد أجمعوا أنَّ أوَّل نسائه موتًا بعدَه زينب. قال (ك): فما في البخاري اختصارٌ، أو تلفيقٌ بين قِصَّة سَودة وزينب، فصارَتْ ضمائر زينب تَعودُ إلى سَودة، واعتمد على شُهرة القِصَّة، فالضَّمائر تعود إلى زَينب؛ لِمَا هو مقرَّرٌ في الأذهان. قال الطِّيْبِي: اليَدُ استعارةٌ للصَّدقة، والطُّول تَرشيحٌ لها، والجمع بين رواية البخاري، ورواية مسلم وغيره أنها زينب: أنَّ الحاضِر في رواية البخاري بعضُ النِّسوة اللاتي كانتْ سابقةً بموتها عليهنَّ، ورواية مسلم مرادٌ بها كل النسوة. قال (ك): هو جوابٌ رابعٌ، سِيَّما وقال بعض المؤرِّخين: إنَّ سَودة توفيت آخرَ خلافة عُمر بعد زينب قبل باقِيْهنَّ. وفي الحديث من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 13 - بابُ صَدَقَةِ السِّرِّ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَت يَمِينُهُ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.

14 - باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم

(باب صدَقة السِّرِّ) (وقال أبو هريرة) وصلَه البخاري مُطوَّلًا، والواو فيه حكايةٌ لعطفه على ما ذُكر قبله في الحديث. * * * 14 - بابٌ إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنيٍّ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ 1421 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: لأَتصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى زَانِيةٍ، لأَتصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقتكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ الله". (لأتَصَدَّقنَّ) جواب قسَمٍ محذوفٍ، أي: واللهِ.

(تُصُدِّقَ) مبنيٌّ للمفعول، وفيه تَعَجُّبٌ وإنكارٌ. (لك الحمدُ) قدِّم فيه الخبر للاختصاص. (على زانية)؛ أي: على تَصَدُّقِي عليها، ووجْهُ حمدِه -ولا يكون الحمد إلا على جميل- أن ذلك لما كان بإرادة الله لا بإرادتي، وإرادةُ الله جميلةٌ حَسُنَ ذلك. قلتُ: وقد يكون لَحَظَ ما سيأتي، وذلك قُربةٌ، فالحمد على تلك القُربة. وأجاب الطِّيْبِي: لمَّا جزَم أن يتصدَّق على مستحِقٍّ ليس بعده أحق بدليل تنكير (صدقةٍ)، فحَمِد الله على أنه تصدَّق على ما لم يقدَّر أن يتصدَّق على مَن هو أسوأُ حالًا منه، أو أنه أجرَى: (لك الحمْدُ) مُجرَى (سُبحان الله) عند مشاهدة ما يُتعجَّب منه. (أُتي) مبنيٌّ للمفعول، أي: رأَى في مَنامه، أو سَمعَ هاتفًا ملَكًا أو غيره، أو أفتى له عالِمٌ نبيٌّ أو غيره. وفيه أن الله تعالى يُجري العبد على حسب نيَّته في الخير؛ لأنه قصَد بصدقته وجْهَ الله، فلم يضرَّه وضْعها فيمن لا يستحقُّ، وهذا في صدقة التطوُّع، أما الواجبة فلا تُجزئ لغنيٍّ، وفيه اعتبارٌ لمن تصدِّق عليه أن يتحوَّل عن الحال المذمومة إلى المحمودة، و (عَلَّ) تارةً تُستعمل كـ (لَعلَّ)، وتارةً كـ (كادَ). * * *

15 - باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر

15 - بابٌ إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ (باب: إذا تصدَّقَ على ابنِه) 1422 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجُويرِيَةِ، أَنَّ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَناَ وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأنْكَحَنِي، وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ، كَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُل فِي الْمَسْجدِ، فَجئْتُ فَأخَذْتُهَا فَأتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: وَاللهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَكَ مَا نَويتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ". (مَعْن بن يزيد)؛ أي: ابن الأَخْنَس السُّلَمي، يقال: إنه شَهِدَ بدْرًا مع أبيه وجدِّه، ولم يتفِق ذلك لغيرهم، نعم، صاحبٌ ابن صاحبٍ ابن صاحبٍ في بيت الصِّدِّيق، وصنَّف بعضُهم في ذلك جُزءًا. (خطب) من الخِطْبة بالكسر، وهو طلَب النكاح، والفاعل هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أقرب المذكورين؛ لأن مقصوده بيان علاقاته بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مِن مبايعته، وخِطْبته عليه، وإنكاحه، وعرْض الخُصومة عليه. قال التَّيْمِي: يُقال: خطَبتُ المرأةَ إلى فُلانٍ: إذأ أرادها لنفْسه، وخطَبتُها عليه: أذا أرادها لغيره، فمعنى: خَطَب عَلَيَّ: طلَب من وليِّ

16 - باب الصدقة باليمين

المرأة أن يزوِّجها مني. (وخاصَم إليه) كأنه سقط من البخاري ما ثبَت في غيره، وهو لفظة: (فأفْلَجَني)، قال (ش): بالجيم؛ يعني: حكَمَ لي، أي: أظفَرني بمُرأدي، يُقال: فلَجَ الرجل على خَصْمه: إذا ظَفِر به. (خاصمته) الثانية تفسيرٌ لـ (خاصمتُه) الأولى. (لك ما نويت)؛ أي: من أجْر الصَّدقة؛ لأنك نوَيْتَ الصَّدقةَ على محتاج، وابنك محتاجٌ. (ما أخذت يا مَعْن)؛ أي: لأنك أخذتَها محتاجًا إليها. * * * 16 - بابُ الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ 1423 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَبعَة يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاه".

(باب الصَّدَقة باليَمين) أسقطه (ك)؛ لأن الحديث الأوَّل سبق بشرحه في (باب: أداء الخمُس من الإيمان)، فأحاله على ما سبق، وفيه: (عَدْلٌ) ويروى: (عادِل). (فأخفاهما) قيل: من الخِفْية: أن تَشتريَ منه بدرهمٍ ما يُساوي نِصْفًا، ففي الصُّورة قبضَه بصورة البيع، وهو في الحقيقة صدقةٌ. * * * 1424 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، قَالَ أَخْبَرَني مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تَصَدَّقُوا، فَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا مِنْكَ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا". والحديث الثاني: سبق قريبًا، وفيه هنا: (زمان)؛ أي: وقت ظُهور أشراط السَّاعة، أو ظُهور كُنوز الأرض، وقِلَّة الناس، وقِصَر آمالهم، وكثْرة الصَّدقات، والبركة فيها، وتَراكُم المَلاحم، وعدَم الفَراغ لذلك والاهتمام به، والخطابُ وإنْ كان لجنْس الأُمة لكنَّ المُراد بعضُهم. (بالأمس) إنْ قُدِّرت اللام للتَّعريف فكسْرتُه إعرابٌ، أو اغتُفرت

17 - باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه

زيادتها فكسرته بناءٌ. * * * 17 - بابُ مَنْ أَمَرَ خَادِمَهُ بِالصَّدَقَة وَلَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ". (باب مَن أمَرَ خادِمَه بالصَّدَقة) (وقال أبو موسى) سيأتي وصْلُ البخاريِّ له بعد أبوابٍ. (هو)؛ أي: الخادِم. (أحد المتصدقين) هو مِثْل: القَلَمُ أحَدُ اللِّسانيَن مبالغةٌ، أي: الآمِر والخادِم يتصدَّقان، لا ترجيحَ لأحدهما على الآخر في أصل الأجْر، وإنْ اختلف مقدارُه لهما، وقال (ع): يحتمل المُساواة؛ لأنه فضْلٌ من الله يُؤتيه من يشاء. قال (ش): الرواية على التَّثنية، وقال في "المُفْهِم": ويجوز كسر المُضاف على الجمْع، أي: متصدِّق [من] المتصدِّقين. * * * 1425 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ:

18 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا". (أجر)؛ أي: من أجْرٍ، فنُصب بنزْع الخافِض. (شيئًا) هو مفعول (ينقُص)، أو يقال: نقَصَ يتعدَّى لمفعولَين كـ (زَادَ)، فـ (أجْرًا) و (شيئًا) مَفعولاه. ووجه مطابقة التَّرجمة: أن الخازِن هو الخادِم، وكذا المرأَة، وكلُّ ذلك إذا أمرَهما المالِك بذلك، أو جرَت العادةُ به، وكذا قال (خ): أنه على العُرف الجاري، وهو إطلاقُ ربِّ البيت لزَوجته إطعامَ الضَّيف، والتصدُّق على السَّائل، فندَب الشَّارعُ ربَّة البيت لذلك، ورغَّبها في الجَميل، أي: وعلى وجه الإصلاح لا الفَساد والإسراف، والخازِن كذلك؛ لأن الغالب أن الشيء تحت يَدِه، فحَضَّ كُلًّا منهما على الخير، وحِيازَة الأجْر. * * * 18 - بابٌ لاَ صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهْوَ مُحْتَاجٌ، أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ، أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبةِ، وَهْوَ رَدٌّ عَلَيْهِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ

يُتلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أتلَفَهُ اللهُ"، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ كفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ آثَرَ الأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ، وَنهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ كعْبٌ - رضي الله عنه -: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبتَيِ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. (باب: لا صدَقةَ إلا عَنْ ظَهْر غِنًى) (فالدين أحق) هو جواب الشرط، لكنْ لبعض السَّابِق، فجواب الباقي محذوفٌ، والأصل: فهو وأهلُه والدَّين أحقُّ، كما أنَّ في الجَواب ما لم يسبق له شَرطٌ، وهو قوله: (والعتق والهبة)، وكلُّ ذلك لظُهور المعنى المقصود. (رد)؛ أي: لا يُقبل؛ لأن قضاء الدَّين واجبٌ، والصَّدقة تطوُّعٌ، فهو داخلٌ بأخْذه الدَّين ولا يَجِدُ ما يَقضيه تحت وَعِيْد: "مَن أخَذَ أموالَ النَّاسِ"، ولذلك عقَّبه بقوله: (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -) الحديثَ، وصلَه البخاري في (باب الاستقراض). (إلا أن يكون معروفًا) هو استثناءٌ من التَّرجمة، أو من قوله: (ومَن تَصدَّق)، والمعنى: أن الضَّارَّ له أن يُؤثر على نفسه ويتصدَّق،

وليس بغنيٍّ أو محتاجًا. (خصاصة)؛ أي: فَقْر وخلَلٌ. (بماله)؛ أي: بجميع ماله، لأنه كان صابرًا، وقد يُقال: إنه تصدَّق به عن ظَهْر غِنًى، أي: وغِناه بقُوَّة توكُّله، وقد روى أبو داود، والترمذي، والحاكم قِصَّة أبي بكر، وحديثَ عُمر، وكذا عَبْدُ بن حُميد، والدَّارِمي، وأما الأنصار، فسيأتي بيان قصَّتهم في (كتاب الهبة). (ونهى) هو طرَفٌ من حديث المُغيرة، وقد سبق وصْلُ البخاري له في (الصلاة). (وقال كعب) وصلَه أيضًا في حديث تَوْبةِ كَعْب في غَزوة تَبوك، وإنما منعه دون أبي بكر؛ لأنه ليس مثلَه في شِدَّة الصَّبْر، وقوَّة التوكُّل. * * * 1426 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". الحديث الأول: (عن ظهر غنى) قال البَغَوي: أي: غنى يَستظْهِر به على النَّوائب التي تَنوبُه، وقال التُّوْرِبِشْتي: هو مِثْل قولهم: راكبٌ مَتْنَ السَّلامة ونحوه مما يُعبَّر به عن التمكُّن من الشيء والاستعلاء عليه، والتَّنكير فيه للتَّفخيم، وقال (خ): الظَّهْر في مثْل هذا يُراد إشباعًا للكلام،

والمعنى: أفضَلُ الصَّدقة ما أخرجَه من مالهِ بعد استيفاء قَدْر كفاية أهله وعياله، ولذا قال: (وابدأ) بالهمز وتَركه. (بمن تعول)؛ أي: بمن يَلْزمك مؤونته، مِن عَال أهلَه: إذا قام بما يحتاجون إليه من قُوتٍ وكسوةٍ. * * * 1427 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَكِيم بْنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله". 1428 - وَعَنْ وُهيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - بِهَذَا. الثاني: (يستعفف) يَطلُب العِفَّة، وهي الكَفُّ عن الحرام والسُّؤال من الناس. (يُعِفَّهُ) بفتح الفاء. (ومن يَسْتَغْن يُغْنه الله) مجزومان شَرْطًا وجزاءً بحذف الياء، أي: من يَطلُب من الله العفاف والغِنَى يُعطه الله ذلك، وقيل: المراد: مَن يطلُب من نَفْسه العفَّة عن السُّؤال، ولا يُظهر الاستغناء؛ يُصيِّره الله

عَفيفًا، ومن تَرقَّى عن هذه المرتبة، فأظهَر الغنى عن الخلْق ملأَ الله قلبَه غِنًى، لكن إن أُعطي شيئًا لم يَرُدَّه. * * * 1429 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (ح). 1429 / -م - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلةَ: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ". الثالث: (المنفقة) اسم فاعلٍ من أنفَق، ورواه أبو داود: (المتعفِّفة)، بمثناةٍ فوق، وعينٍ مهملةٍ، وفاءين، ورجَّحه (خ)، قال: لأنَّ السِّياق في التعفُف عن السُّؤال، والمراد بالعُلوِّ عُلوَّ الفضائل، وكثْرةَ الثَّواب. قال (ك): وفي السياق النَّفقة أيضًا. وقال (ع): قيل العُليا الآخِذة، والسُّفلى المانحة. قال (ك): ويحتمل أن العُليا الآخذة، و (¬1) أن السُّفلى المنفقة؛ ¬

_ (¬1) "و" ليست في الأصل.

19 - باب المنان بما أعطى

لأن عادة الكُرماء يبسطون الكَفَّ، حتى يأْخذ الفقير منها، فيَدُ الآخِذ حينئذٍ أعلا، ويُقال: إن المالك يُفيد الفقيرَ الدُّنيا، وهي قليلٌ فانٍ، والفقير يُفيد المالك الآخرة، وهي خيرٌ وأبقى. قال (ش): يردُّ ذلك قوله في الحديث: (فاليد العُليا هي المُنفقة، والسُّفلى هي السائلة) نصٌّ يرفع تعسُّف من تأوَّله لأجْل حديث: "إنَّ الصَّدقة تقَع بكَفِّ الرَّحمن"؛ فإنه يقتضي أن العُليا يد السائل، وهذا جهلٌ؛ فإنَّ يد المُعطي هي يد الله بالعطاء، وأما رواية أبي داود فأكثَر الروايات خلافها كما في رواية البخاري. * * * 19 - بابُ الْمَنَّانِ بِمَا أَعْطَى لِقَوْلهِ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا} الآية. (باب المَنَّان ما أَعطَى) ليس فيها حديثٌ، فلذلك أسقطها (ك). * * *

20 - باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها

20 - بابُ مَنْ أَحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا (باب مَن أحَبَّ تَعجيلَ الصَّدَقة) 1430 - حَدَّثَنَا أَبَو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ، فَأَسْرعَ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ، فَقُلْتُ، أَوْ قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "كنْتُ خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ فَقَسَمْتُهُ". (تِبْرًا) هو ذهبٌ غير مضروبٍ، قال (ش): أو فضةٌ كذلك، وقد سبق الحديث في آخر (كتاب الصلاة). قال (ط): فيه أنه يُبادر بالخير، فالآفاتُ قد تَعرِض، والموانِع تمنعَ، والموت لا يُؤمَن، والتَّسويف غير محمودٍ. (أُبيِّته)؛ أي: أتركُه حتى يدخل عليه اللَّيل. * * * 21 - بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا 1431 - حَدَّثنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَدِيٌّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ

جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى ركعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ، ثُمَّ مَالَ عَلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أن يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ. (باب التَّحريض على الصَّدَقة والشَّفاعةِ فيها) أسقطَه (ك)، وذكر ما في الأحاديث فيه في الترجمة السابقة، وقال في الحديث الأول بعد أن ذكر شيئًا منه: مرَّ في (باب عِظَة الإمامِ النِّساءَ). (القُلب) بضمِّ القاف: السِّوار، وقيل: من عَظْم. (الخَرْص) بالضمِّ وبالكسر: الحَلْقة. * * * 1432 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ". الثاني: (اشفعوا تؤجروا)؛ أي: ليَشفَعْ بعضُكم في بعضٍ، فإذا قُضيتْ حاجَةُ طالِبِ الحاجة بما يقضي الله على لساني حصَل له القَصْد،

وللشَّافع الأجْر. * * * 1433 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ". حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدَةَ وَقَالَ: "لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللهُ عَلَيْكِ". الثالث: (لا توكي)؛ أي: لا تَربِطِي على ما عندَكِ، وتمنَعيهِ، من إِوْكاء السِّقاء: شَدُّ فَمِه بالوِكاء، وهو الخَيْط الذي يُشدُّ به فَمُ القِرْبة. (فَيُوكَى) بفتح الكاف مبنيٌّ للمفعول، وبكسرها مبنيٌّ للفاعل، ونصبه؛ لأنه جواب النَّهي بالفاء، والمعنى: قطْع مادَّةِ الرِّزْق عن فاعل ذلك. (لا تحصي) في إعرابه وجوابه ما سبَق، والإحصاء: العَدُّ، أي: عدُّه للتَّبقية، والادِّخار، وتَرْكِ الإنفاق منه في سبيل الله، ومعنى أحصَى عليه: حبْس مادة الرِّزق، وتقليله بقطْع البركة، حتى يصير كالشَّيء المعدود، أو يصير المعنى: يُناقشك في الآخرة عليه. * * *

22 - باب الصدقة فيما استطاع

22 - بابُ الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ 1434 - حدَّثَنا أبو عَاصِمٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ. وحدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيم، عَنْ حَجَّاج بن مُحَمَّدٍ، عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي ابنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لاَ تُوعِي فَيُوعِيَ اللهُ عَلَيْكِ، ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ". (باب الصَّدَقة فيما استَطاعَ) تركه (ك) وأدخل شرح حديثه فيما قبلَه، ومعنى الإبقاء من الله: إمساكُه الرِّزق، فهو مجازٌ، وبالجُملة فالمراد في ذلك ونحوه: النَّهي عن البخل، وإلا فهي من حيث معانيها ليست بحرام. قال (ن): أي: فيما يَرضى به الزُّبَير زوجُها، وتقديره: لك في الرَّضْخ مراتب، وكلُّها يرضاها الزُّبَير، فافعَلي أعلاها. (فيوعي) فيه ما سبق، وأوعاهُ: جعلَه في وِعاءٍ. (ارْضِخي) بهمزةٍ مكسورةٍ إذا لم تُوصل، وبراءٍ، وبمعجمتين: من الرَّضْخ وهي العَطيَّة القَليلة. (ما) مصدريَّةٌ ظرفيةٌ، أي: ما دمتِ مستطيعةً ذلك. قال (ك): الظَّاهر أن تكون موصولةً، أو نكرةً موصوفًة، أي:

23 - باب الصدقة تكفر الخطيئة

الذي استطعته، أو شيئًا استطعته. * * * 23 - بابٌ الصَّدَقَةُ تُكُفِّرُ الْخَطِيئَة (باب الصَّدَقة تُكفِّر الخَطيئة) 1435 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ: عُمَرُ - رضي الله عنه - أَيُكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَناَ أَحْفَظُهُ كمَا قَالَ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ لَجَرِيءٌ، فَكَيْفَ قَالَ؟ قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِه تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَعْرُوفُ، قَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ كانَ يَقُولُ: "الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ"، قَالَ: لَيْسَ هَذِهِ أُرِيدُ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: قُلْتُ: لَيْسَ عَلَيْكَ بِهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَأْسٌ، بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابٌ مُغْلَقٌ، قَالَ: فَيُكْسَرُ الْبَابُ أَوْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: فَإِنَّهُ إِذَا كسِرَ لَمْ يُغْلَقْ أَبَدًا؟ قَالَ: قُلْتُ: أَجَلْ. فَهِبْنَا أَنْ نسألهُ: مَنِ الْبَابُ؟ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ، قَالَ: فَسَألهُ، فَقَالَ: عُمَرُ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْنَا: فَعَلِمَ عُمَرُ مَنْ تَعْنِي؟ قَالَ: نعمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ.

(لَجَرِئٌ) من الجُرأَة، والمراد بذلك: قال (ط): أي: إنك كنتَ كثير السُّؤال عن الفِتْنة في أيامه - صلى الله عليه وسلم -، فأنت اليوم جَرِيءٌ على ذِكْره عالمٌ به. (والمعروف)؛ أي: الخير، فهو عامٌّ بعد خاصٍّ. (والأمر بالمعروف)؛ أي: يقول هذا بدَلَ: (والمعروف) فيما رواه سليمان، أي: الأعْمَش. (ليس هذه)؛ أي: ليست الفِتْنة التي أُريدها. (يُكسر) هو إشارةٌ إلى قتْل عُمر. (لم يُغلق أبدًا) أشار إلى أنه إذا قُتل ظَهرت الفتنة، وأنها إن قُتِل، فلا تَسْكُن أبدًا. (فهبنا)؛ أي: كان حديثُه مَهيبًا، فخاف أصحابه أن يسأَلوه. (من الباب) وكان مَسْروق أَجْرأَ على سُؤاله لكثْرة علمه، وعُلوِّ منزلته. (فسأله فقال) هو: (عُمر)، والباب كنايةٌ عنه. (فعلم عُمر؛ أي: أفعَلِمَ. (أن دون غد الليلة) اسم (أنَّ) هو: (ليلة)، وخبرها (دون)، فقُدِّم، أي: فعلم عُمر ذلك كما يعلم أن ما لم يَنقض ليلةُ اليوم الذي أنت فيه تَسبِق الغَد الذي يأتي بعدَه. (ليس بالأغاليط)؛ أي: لا شُبهةَ فيه، وسبق شرحه أيضًا في (باب: الصلاة كفَّارةٌ) أول (كتاب المواقيت). * * *

24 - باب من تصدق في الشرك ثم أسلم

24 - بابُ مَنْ تَصَدَّق فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ (باب مَن تَصدَّق في الشِّرك) 1436 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ حَكِيم بْنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أتحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلَمْتَ عَلى سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ" (أرأيت)؛ أي: أخبِرْني. (أشياء)؛ أي: كحمْله على مئة بعيرٍ، وإعتاقِه مئة رقبةٍ. (أتَحَنَّثُ)؛ أي: أتَّقِي بها الحِنْث، وهو الإثم، أي: أتقرَّب بها إلى الله تعالى. (ما سلف)؛ أي: اكتسابه، أو احتسابه، أو قَبوله، فقد رُوي: أن حسَنات الكافر إذا خُتم له بالإسلام مقبولةٌ أو محتسَبةٌ، وإنْ مات كافرًا بطَلتْ، قال تعالى: {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5]. * * *

25 - باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد

25 - بابُ أَجْرِ الْخَادِمِ إِذا تَصَدَّقَ بأَمْرِ صاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ 1437 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ". 1438 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَء، حَدَّثَنا أبو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبي بُرْدَةَ، عَنْ أبي مُوْسَى، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ -وَرُبَّمَا قَالَ: يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، طَيِّبٌ بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ". (باب أجْر الخادِم) أسقطَه (ك)؛ لسبْق الحديثين فيه، وتعرَّض لشيءٍ منها فيما قبلَه، وكذا الباب الذي بعده، وهو: * * *

26 - باب أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت بيت زوجها غير مفسدة

26 - بابُ أَجْرِ الْمَرْأَة إِذَا تَصَدَّقَتْ أَوْ أطْعَمَتْ بَيْتِ زوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ (باب أجر المرأة) 1439 - حَدثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبة، حَدَّثَنَا مَنْصُور، وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَعْنِي: إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا. 1440 - حَدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَطْعَمَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ لَهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثْلُهُ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَهُ بِمَا اكتَسَبَ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ". 1441 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَناَ جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ فَلَهَا أَجْرُهَا، وَلِلزَّوْجِ بِمَا اكْتَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ". (طعام) أي: ما أتى به من مَطعومٍ، وجعلَها متصرِّفًة أو جعله في يَدِ الخازِن.

(أجرها)؛ أي: الصَّدقة. (مثل ذلك)؛ أي: الأجْر، وهو متعلِّقٌ بكلٍّ من الزَّوجة والخازن، أي: لكل منهما مثله. والحديث وإنْ لم يكن فيه أمر الزَّوج والسيد لهما، حتى يطابِق بذلك الترجمة، لكن الأمر مستفادٌ من العادة في الحِجاز في إجازة ذلك للزَّوجة والخازِن، وأما التَّقييد بعدَم الإفساد فمُستفادٌ من قوله للزوجة: (غيرَ مُفسِدةٍ)، أو العطف عليه، والمراد بالإفساد الإنْفاق بما لا يَحِلُّ. (ينفذ) بفاءٍ مكسورةٍ مخففةٍ، أو مشدَّدةٍ، والذال معجمةٌ. (يُعْطى)؛ أي: بدَل (يُنفِذ). (طيب نفسه) إما (طيب) خبر مبتدأ محذوفٍ، و (نفسه) فاعلٌ به، أو خبرٌ مقدَّمٌ، و (نفسه) مبتدأ، ويُروى: (طيِّبًا)، قال التَّيْمي: و (طيِّبة) بالنصب على أنه حالٌ من الخازِن. وفيه فضْل الأمانة، وسَخاوة النَّفْس وطِيْبها في فعل الخير. قال: ومعنى كونه أحدَ المتصدِّقين: أن الذي يتصدَّق بماله يكون أجْره مُضاعفًا أضعافًا كثيرًة، والذي يُنفذه له عشْر حسناتٍ فقط. واعلم أن الأوصاف الثلاثة لا بُدَّ منها كون المتصدِّق مسلمًا لتَصِحَّ منه القُرَب أمينًا؛ لأن الخائن مأزورٌ لا مأجورٌ، طيِّب النفْس، وإلا لعدمت النِّيَّة فلا أجْرَ.

27 - باب قول الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى}: "اللهم أعط منفق مال خلفا"

(تعني)؛ أي: عائشة. (إذا تصدقت)؛ أي: إلى آخر الحديث الذي حُوِّل الإسناد إليه. * * * 27 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}: "اللهُمَّ أعْطِ مُنْفِقَ مَالِ خَلَفًا" (باب قَول الله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية [الليل: 5]) 1442 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أمَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا". (اللهم أعْطِ) بقطع الهمزة، وهو معطوفٌ على قول الله، ولكنْ حذَف حرف العطف، وهو جائزٌ، كما مرَّ في حديث التَّشهُّد، أو مذكورٌ على وجْه التَّعداد، فلا يحتاج لعطفٍ مبيِّنٍ للحُسنى، فكأنه يُشير إلى أنه مبيِّنٌ بالحديث. (إلا مَلَكَانِ) استثناءٌ، وخبر (ما) محذوفٌ، أي: [لا] يَنزل فيه

28 - باب مثل المتصدق والبخيل

أحدٌ إلا مَلَكَانِ، أي: ليس يومٌ موصوفٌ بكذا ينزل أحدٌ فيه إلا مَلَكَانِ، فإنهما يَنزلان. (خَلَفًا) وأخلفَ الله عليك، أي: أبدلَك بما ذهَب منك. (أعْطِ مُمْسِكًا) للمُشاكَلة، وإلا فالتلَفُ لا يُعطَى. * * * 28 - بابُ مَثَلِ الْمُتَصَدِّق وَالْبَخِيلِ (باب مَثَل المُتصدِّق والبَخيل) 1443 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كمَثَلِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ". 1443 / -م - وَحَدَّثنا أَبَو اليَمَان، أَخْبَرَنا شُعَيبٌ، حَدَّثَنا أبو الزِّناَدِ، أنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ حَدَّثَه أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَراقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلَّا سَبَغَتْ -أَوْ وَفَرَتْ- عَلَى جِلْدِهِ، حَتَّى تُخْفِي بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانها، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تتَّسِعُ".

تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ فِي الْجُبَّتَيْنِ. 1444 - وَقَالَ حَنْظَلَةُ، عَنْ طَاوُسٍ: "جُنَّتانِ". 1444 / -م - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزٍ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "جُنَّتانِ". (جُبَّتَان) بالجيم، والباء، وفي رواية ابن هُرْمُز، وحَنْظلة: (جُنَّتان) بالنون، أي: دِرْعان، ورُجِّحت لقوله: (من حديدٍ). (ثُديهما) بضمِّ المثلَّثة: جمع ثَدْي كَفَلسٍ وَفُلوسٍ. (وتراقيهما) جمع تِرْقَوَة. (سبغت)؛ أي: امتدَّت وكمُلَتْ. (أو وفرت) بتخفيف الفاء بمعنى: سبَغت. (تُخْفِيَ) بالخاء المعجَمة، وفي بعضها بالجيم والنُّون، أي: يَستُر، وجَنَّ وأَجَنَّ بمعنًى واحدٍ. (بَنَانَهُ) وصحَّفها بعضهم: ثيابه، بالمثلَّثة ثم مثنَّاةٍ تحت، وبفتح الموحَّدة: الأنامِل. (تعفو)؛ أي: تمحو، جاءَ لازِمًا ومتعدِّيًا. (أثره) بفتح الهمزة والمثلَّثة، وبكسر الهمزة، وسكون المثلَّثة، أي: أثَر مَشْيه لسُبوغها وكمالها. قال (خ): مثَلٌ ضرَبه - صلى الله عليه وسلم - برجلين أراد كُلٌّ أن يلبَس دِرْعًا يستَجِنُّ

به، والدِّرع أول ما يُلبس إنما يقع على الصَّدر والثَّديين إلى أن يُخرج يديه من كمَّيه، وقيل: ذيلها، فالجَواد كالذي استرسلتْ عليه، حتى سترتْ جميع بدنه وحصَّنته، والبخيل كالذي أراد لُبسها حالتْ يداه بينها وبين أن تمرَّ سُفلًا على البدن، فاجتمعَتْ في عنُقه، فلزمتْ ترقوتَه، فكانت ثقلًا ووَبًاء عليه من غير وقايةٍ له وتحصينٍ لبدنه، وحاصله: أن الجواد إذا همَّ بالنفقة اتسع لذلك صدْرُه وطاوعتْه يداه فاشتدَّ بالعطاء، والبخيل تشحُّ نفْسه فتضيْقُ وتنقبض يدُه عن الإنفاق. قال (ن): نماء المال بالصدقة والإنفاق، والبخل بضدِّ ذلك، وقيل: وجْهُ ضَربِ المثَل: أن المُنفِق يستره الله بنفَقته ويستر عَوراته في الدنيا والآخرة كستر هذه الجُبَّى لابسَها، والبخيل جُبَّته إلى ثديه، فيبقى مكشوفًا ظاهر العَورة مفتضَحًا في الدَّارَين. وقال (ط): المنفِق تكفِّر صدقتُه ذنوبه كما أن الجُبَّة السابغة تستر وتقي، والبخيل لا تكفَّر آثامه كما أن الجُبَّة تُبقي من بدَنه ما لا تستره، فيكون تعرَّض للآفات. وقال الطِّيْبِي: الكريم كالذي يُريد إخراج يدَيه فيسهل عليه، والبخيل بالعكس. قال: وقيل المشبَّه به بالحَديد إعلامًا بأن القَبْض والشدة من حِيْلة الإنسان، وقابل بالمتصدِّق البخيل، وإنما يُقابله السَّخيُّ للإشعار بأن السَّخاوة فيما أمر به الشَّرع وندب إليه لا التَّبذير. قال (ك): فكان لتوجيه المثَل خمسة أوجهٍ.

30 - باب على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف

(تابعه الحسن بن مسلم) وصلَها البخاري في (اللِّباس). (وحَنْظَلَة) سيأتي بيان متابعته هناك. (حَسَّان)؛ أي: بالنون، وكذا رواية اللَّيث. * * * 30 - بابُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمِ صَدَقَةٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بالْمَعْرُوفِ (باب على كل مُسلِمٍ صدَقةُ) 1445 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ"، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ! فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: "يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ"، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: "يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ"، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: "فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ". (عن أبيه)؛ أي: أبي بُرْدَة عامِر بن أبي مُوسَى الأشْعري عبد الله ابن قَيْس. (الملهوف)؛ أي: المتحسِّر، أو المضطرِّ، أو المظلوم.

31 - باب قدر كم يعطى من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة

(فإنها) تأنيث الضمير، إما باعتبار الخبر، أو الفعلة، وهي الإمساك، أي: إن للمُمسك صدقة على نفسه، فإنه يُؤجر على ذلك، فالحاصل أن الصَّدَقة بالشَّفَقة على خلق الله، إما بمالٍ حاصلٍ، أو مقدورِ التَّحصيل، أو بغير مالٍ، وذلك إما فعلٌ، وهو الإعانة، أو تَركٌ، وهو الإمساك. قال الجمهور: لا حَقَّ في المال سوى الزكاة، إلا على وجْه النَّدب، ومكارم الأخلاق. * * * 31 - بابٌ قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ، وَمَنْ أَعْطَى شَاةً (باب: قَدْرُ كم يُعطي من الزَّكاة والصَّدقة؟) أسقطه (ك)، وأدخل شرح الحديث فيه في الباب السابق. 1446 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ "، فَقُلْتُ: لاَ إِلَّا مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ فَقَالَ: "هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا".

(أبو شهاب) هو عبْد رَبِّه بن نافِع. (بُعِثَ) بضمِّ أوَّله، مبنيٌّ للمفعول. (إلى نُسَيْبَة)؛ أي: بضمِّ النون وفتحها: يعني نفسها، والأصل (إليَّ) بياء المتكلِّم، لكن عبرَّت عن نفسها بالظاهر، إما التِفاتًا، أو على وجه التَّجريد من نفْسها شخصًا يسمى نُسَيْبة. قال الغساني: إنَّ ما وقع للبخاري هنا يُوهم أن نُسَيْبَة غير أم عَطيَّة، ولكنها هي، فقد قال البخاري بعدُ في (باب: إذا تحوَّلت الصَّدقة): نُسَيْبة هي أُم عَطيَّة. ولفظ رواية مسلم: بعَثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليَّ بشاةٍ من الصَّدَقة، فبعثتُ إلى عائشة منها، فلما جاء قال: "هَلْ عِنْدكُم شَيءٌ"، الحديثَ. وجعل (ش) المُوهِم رواية هذا الحديث بلفْظ: بعثت إلى نُسَيْبَة، وقد ذكَره ابن السَّكَن هنا، فقال عَقِبَ هذا: قال البخاري: نُسَيْبَة هي أُم عَطِيَّة. (فأرسلت) يُقرأ بالتكلُّم وبالغَيبة؛ لما سبق. (ذلك الشاة) إنما لم يقُل تلك لصِدْقه على الذَّكَر والأُنثى، فنبَّه بذلك على أن الشَّاة كانت ذكَرًا، وقد قال الجَوْهَرِي: الشَّاةُ من الغنَم تُذكَّر وتُؤنَّث. (هات) في بعضها: (ها) بحذف تاءِ المخاطَبة تخفيفًا. قال الخَلِيْلي: أصل هاتِ من آتَى يُؤْتِي، فقُلبت الهمزة هاءً. (بلغت محلها) بكسر الحاء، أي: موضِع الحِلِّ، وإنْ كان

32 - باب زكاة الورق

مَفْعِل يأْتي للزمان، أي: لأنها صارتْ بملْك المتصدِّق عليها بها حَلالًا، فصحَّ منها هديتُها، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان يحرم عليه أَكْل الصَّدقة. * * * 32 - بابُ زكَاةِ الْوَرِقِ (باب زكاة الوَرِق) 1447 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". 1447 / -م - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرٌو، سَمِعَ أَبَاهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا. (ذَوْد) بفتح المعجمة، وسكون الواو: من الثَّلاثة إلى العشَرة. (من الإبل) بيان للذَّوْد. (أواقي) جمع أُوقية، وهي الشَّرعية، أُوقِيَّة الحجاز أربعون درهمًا.

33 - باب العرض في الزكاة

(أوسق) الوَسْق سِتُّون صاعًا، سبق في (باب: ما أُدِّيَ زكاتُه فليْس بكنْزٍ). (سمعت) هذا وجْهُ هذه الطَّريق، فإنَّ (قال) في الأُولى يحتمل أن يكون بواسطةٍ بخلاف (سمعتُ). * * * 33 - بابُ الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ وَقَالَ طَاوُسٌ، قَالَ مُعَاذٌ - رضي الله عنه - لأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُوني بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ، مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَمَّا خَالِدٌ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ"، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ"، فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا، فَجَعَلَتِ الْمَرْأةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا، وَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنَ الْعُرُوضِ. (باب العَرْض في الزَّكاة) العَرْض -بسكون الراء-: ما سِوى الدَّنانير والدَّراهم، أما بفتح الرَّاء فأعمُّ؛ لأنه ما عرَض لك من مالٍ، قلَّ أو كثُر، ومنه: "الدُّنْيا عَرَضٌ حاضِرٌ".

(قال معاذ) قال (ش): فيه انقطاعٌ، وطاوس لم يَلْقَ مُعاذًا، ولو سلِّم صِحَّته، فقيل: إنَّ ذلك في الجِزْية لا في الصَّدقة، وقال غيره: وصلَه يحيى بن آدم فى"كتاب الخراج". (ثياب) بدَلٌ من (عَرْض)، أو بيانٌ، وفي بعضها بإضافة عَرض؛ كشجَر أَراكٍ، فالإضافة بيانيَّةٌ. (خميص) بفتح المعجَمة، وبالصاد المهملة، وهو أيضًا بيانٌ لما قبلَه، ومعناه: ثِياب خَزٌّ وصُوفٌ مُعلَمةٌ كانوا يلبَسونها، واحدُه: خَمِيْصة، وقال (ك): الخَمِيْص: كِساءٌ أسودُ مربَّعٌ له علَمان. قال (ط): المشهور: ائْتُوني بخَمِيْس، بالسِّين، وهو الثَّوب الذي طُوله خمسةُ أذْرعٍ. (أو لبيس) فَعِيْل بمعنى مَلبُوس، قيل: ولا حُجَّةَ في هذا على أخْذ القِيْمة في الزكاة مطلقًا؛ لأنه لحاجةٍ عَلِمَها بالمدينة رأَى المَصلَحة في ذلك، ويحتمل أنه أخَذ منهم شعيرًا وذُرةً، ثم اشترى بها ثِيابًا، ورأى أن ذلك أرفَق للصحابة، أو أن مؤونة النَّقْل ثقيلةٌ فرأى التَّخفيف في ذلك. (والذرة) بتخفيف الراء. (أهون) خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو أَسْهَل. (عليكم) أتى بـ (على) دون اللام؛ لإرادة تَسلط السُّهولة عليهم. (وأما خالد) سيأتي وصْلُ البخاري له قَريبًا. (فقد احتبس)؛ أي: وقَفَ، فهو يَتعدَّى كـ (حبَسَ)، ولا يتعدَّى

إذا طاوَعَ المُعدَّى. (أدراعه) جمع دَرْع، وهو الزَّرَدية. (وأعتده) بضمِّ المثنَّاة فوق: جمع عَتَاد، وهو المُعَدُّ من السِّلاح والدَّوابِّ للحرب، كعَنَاقٍ، وأَعْنُقٍ، وقد يُجمَع على أَعْتِدةٍ؛ كزَمانٍ وأَزمِنَةٍ، ويُروى: (وأعبُدَهُ) بالموحَّدة جمع عبْدٍ خلاف الحُرِّ، وصحَّحها ابن مُفوَّز، وأفرد فيه مُصنَّفًا. ووجْهُ دلالة الحديث على التَّرجمة: أنه لولا وقْفه لأعطاهما زكاةً؛ إذ صَرْفهما في الزكاة كصرفهما في سبيل الله؛ إذ الكلُّ سبيل الله، أو أنَّ سبيل الله أحَدُ مصارِف الزكاة الثَّمانية. وقال (ن): إنهم طلَبوا من خالدٍ زكاة أعْتَادِه، ظنًّا أنها للتِّجارة، فقال لهم: لا زكاةَ عليَّ، فقالوا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إن خالِدًا منَع، فقال: (إنَّكُم تَظلمُونه)؛ لأنَّه حبَسها ووقَفها في سبيل الله قبل الحَوْل، فلا زكاةَ فيها، ويحتمل لو وجبَت عليه زكاةٌ لأعطاها، فإنه قد وقَف أمواله لله تعالى متبرِّعًا، فكيف يَشِحُّ بواجبٍ عليه؟! قال: وفيه دليلٌ على وقْف المنقول خلافًا لبعض الكوفيين. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تَصَدَّقْنَ) سبَق وصْلُ البخاري له في (العيدين). (حَلْيكُنَّ) بفتح أوله، وسكون ثانيه مفردًا، أو بضمِّ أوله، وتشديد الياء جمعًا. (فلم يستثن) هو بقية كلام البخاري في الاستِدلال.

(خَرْصها) بضمِّ الخاء وكسرها. (وسخابها)؛ أي: القِلادة، وموضع الاحتجاج به أنَّ السِّخاب ليس من فضَّةٍ ولا ذهبٍ. قال ابن زيد: هو قِلادةٌ من قَرَنْفُل أو غيره، ولكنْ جواب الشافعية عن ذلك أن الصدقة المطلقة محمولةٌ على التطوُّع؛ لأنه العُرف. * * * 1448 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ، أَنَّ أَنَسًا - رضي الله عنه -، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، ويُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ". الحديث الأول: فيه التسلسل بالأَنسِيَّة، أي: كلُّهم أنَسِيُّون، فإن: (محمد بن عبد الله) هو ابن المثنَّى بن عبد الله بن أنَس يروي عن أبيه، وأبوه عن (ثُمامة) أي: عمِّه، وهو عن أنَس. (رسوله) في بعضها: (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (بنت مخاض)؛ أى: لأن أُمَّها لحقَتْ بالمَخاض، وهو وجَع

الولادة، وقيل: إنه اسمٌ لجماعة النُّوق الحَوامِل، فهي ذات حمْل كاملٍ فنُسب للجمْع، لا لأنه ولَد الكل، بل لأنَّ أُمه وضعتْه في وقتِ ما حملت النُّوق التي وضعتْ مع أُمه، فنُسب إلى الجماعة بحكم مُجاورة أمه لهنَّ. (بنت لبون) لأنها ولَدتْ غيرها، وصار لها لبَنٌ، فهي ذات حولَين. (المصدق) بكسر الدال: السَّاعي، وكان أبو عُبيدة يَرويه بفتحها: صاحب المال، وخالفَه عامة الرُّواة. (على وجهها)؛ أي: الوجه المفْروض بلا تَعدٍّ. دلالته على الترجمة إعطاءُ سِنٍّ بدَلَ سِنٍّ، أو أن العامل لمَّا أعطى الجُبْران، وكان العكس جائزًا أيضًا كان أخْذ القيمة في الزكاة مُعِينًا على أخذها في التفاوت. * * * 1449 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَأَتَاهُنَّ وَمَعَهُ بِلاَلٌ ناَشِرَ ثَوْبِهِ فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي، وَأَشَارَ أَيُّوبُ إِلَى أُذُنِهِ وَإِلَى حَلْقِهِ. الحديث الثاني: (لصلى) جواب قسَمٍ تضمَّنه لفظ: (أَشْهَدُ)؛ لأنه كثيرًا ما يُستعمل

34 - باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع

في القسَم، أي: أحلِفُ باللهِ لقَد صلَّى. (إلى أذنه)؛ أي: إلى ما في أذُنه، وهو القُرْط. (وإلى حلقه)؛ أي: القِلادة. * * * 34 - بابٌ لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقِ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَيُذْكَرُ عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلُهُ. (باب: لا يُجمَعُ بَينَ مُتفرِّقٍ) بكسر الراء. (مجتمع) بكسر الميم. (ويذكر) إلى آخره، وصلَه أبو يَعلَى، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وهو في "مسند الدَّارِمي"، و"صحيح ابن خُزيمة" مختصرًا. قال (خ): الحديث في زكاة الخُلَطاء. قال مالك: بأن يكون لكلٍّ منهما أربعون، فيجمعانها حتى يكون على الكُلِّ شاةٌ، أو لكلِّ مائةٍ وواحدة، وهما مجتمعان متفرقان، حتى لا يجب ثلاثُ شياهٍ، كل شاةٍ على واحدٍ، وقال الشافعي: هذا خِطَابٌ للمصدِّق وربِّ المال معًا؛ فإن الخشية خَشيتان: خشْية السَّاعي أن تقِلَّ الصدقة، وخشية المالِك أن تكثُر، فأُمر كلٌّ منهما أن لا يُحدث شيئًا من الجمْع والتَّفريق.

35 - باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية

1450 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ، أَنَّ أَنَسًا - رضي الله عنه -، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، ولا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ. (خشية) تنازعَ فيه الفِعلان: يُفرَّق، ويُجمَع. * * * 35 - بابٌ مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ: إِذا عَلِمَ الْخَلِيطَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلاَ يُجْمَعُ مَالُهُمَا، وَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ يَجِبُ حَتَّى يَتِمَّ لِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً، وَلهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً. (باب ما كان من خَليْطَين) أسقطه (ك)، وأدخل حديثه في الباب قبلَه. (وقال طاوس وعطاء)؛ أي: كانا يقولان بعدَم اعتبار خلْطةِ الجِوار، وإنما المعتبر خِلْطة الشُّيوع، وبه قال أبو حنيفة، وكذا ما قاله (سفيان)، كان لا يرى للخِلْطة تأثيرًا. * * *

36 - باب زكاة الإبل

1451 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - كتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ". (التي فرض)؛ أي: قدَّرها. (وما كان) عطفٌ على: (التي فرض)، أو هو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: وفيها هذا الكلام. (يتراجعان)؛ أي: يَرجع كلٌّ منهما بحِصَّته، قال (خ): كأنْ يكون لكلٍّ منهما عشرون شاةً مخلوطاتٍ، فياْخذ السَّاعي الشَّاةَ من أحدهما، فيرجع على خَليطه بقيمة نصْف شاةٍ. وفيه أن الخِلْطة تصحُّ مع تمييز أعيان الأموال. * * * 36 - بابُ زكَاةِ الإِبِلِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهم -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب زكاةِ الإبِل) (ذكره) إلى آخره، أسند البخاري الثلاثة في (أبواب الزكاة)،

وحديث أبي ذَرٍّ في (النذر) أيضًا. * * * 1452 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: "ويحَكَ، إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا". (إن شأنها شديد)؛ أي: إن القِيام بحقِّ الهجْرة شديدٌ لا يستطيع القِيام به إلا القَليل، وهي وإنْ كانت واجبةً لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ أنها متعذِّرةٌ على السائل شاقَّةٌ عليه، وفي إيجابها عليه إضرارٌ به، ولا يُقال: إن ذلك كان بعد نَسْخ وجوب الهجْرة؛ إذ لا هجْرةَ بعد الفتْح؛ لأنه يحتاج لمعرفة تاريخ مجيء الأعرابي، وأيضًا فالمنسوخ إنما هو الهجْرة من مكَّة، وأما غيرها فكلُّ موضعٍ لا يقدر المكلَّف على إقامة حدود الدِّين فالهجْرة عليه فيه واجبةٌ. (من إبل) اقتصَر عليه وإنْ كانتْ الواجبات كثيرة؛ لأن السائل كان من أهْل الإبل، والباقي منقاسٌ عليه. (من وراء البحار) بموحَّدةٍ، ومهملةٍ، أي: وراءَ القُرى والمدُن، وإلا فليس وراء البحار مساكن، والمقصود: اعمَل الخيْر حيثُما كنتَ،

37 - باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده

ولو كنتَ في أبعد مكانٍ، فإن الله لا يضيع أجرَ إحسانك. وفيه أنه يحصُل ثواب الهجْرة لمن وجبَتْ عليه ولكن تعذَّرت، وكذا كلُّ طاعةٍ كالمريض يصلِّي قاعدًا، ولو كان صحيحًا يصلِّي قائمًا، وإنما له ثوابُ صلاة القائم. قال (ش): وعند أبي الهَيْثَم: التُّجَّار، وهو وهمٌ. (يَتِرَك) بكسر التاء: بمعنى ينقُصَك، كما قال تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]، وفي بعضها: (يَتْرك) بسكون التاء من التَّرك. (من عملك)؛ أي: من ثَواب عمَلك. * * * 37 - بابُ مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ (باب مَن بلغَتْ عندَه صدَقةٌ)، بالرفع فاعل (بلَغَ)، (بنت مخاض) بالنَّصب مفعولُه، ورُوي بإضافة (صدقةٍ) إلى (بنْت)، وكذا كُلُّ ما هو مثل ذلك في هذا الباب، وأورده (ط): من بلَغت صدقتُه بنتَ مخاضٍ، وليستْ عنده، ثم قال: لم يأتِ ذكره في هذا الحديث، إنما ذكَره في (باب العُروض في الزكاة)، وهذا غَفْلةٌ من البخاري. قلتُ: لكن وجه أخْذِه من الحديث من قوله: (ومَنْ علَيه بنْتُ لَبونٍ وليستْ عندَه، وعنده بنت مخاضٍ)؛ فإن العكس سائغٌ كما في

الذي سبق، فإنَّ فيه ذكْر كل سنٍّ يُؤخَذ عن أسفل، وعكسه. * * * 1453 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشرِينَ دِرْهَمًا أَو شَاتَينِ، وَمَن بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيسَتْ عِندَهُ، وَعِندَهُ بِنتُ مخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، ويُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ". (من بلغت) مبتدأٌ خبره محذوفٌ؛ أي: فيها. (جَذَعَةٌ)؛ أي: التي لها أربع سنين؛ لأنها جَذَعَتْ، أي: سقَط مقدَّم أسنانها. (حِقَّةٌ)؛ أي: ذاتُ ثلاث سنين؛ لأنها استحقَّت الحمْل، أو النَّزوَان.

(استيسرتا) بمعنى: تيسَّرتا. (المصدق) بتخفيف الصاد: السَّاعي. وفيه أنه لا يُصعد عن الجذَعة إلى سِنٍّ فوقَها مع أخْذ جُبرانٍ من الساعي؛ لأنها أعلى السِّن الواجب؛ لأنها نهاية الإبل في الحُسْن والدَّرِّ والنَّسْل والقُوَّة، وما بعدها رجوعٌ كالكِبَر والهرَم. قلت: هذا على ما حسَّنه الرافعي، لكن الذي في "الروضة" وِفاقًا للجمهور: جَواز الصُّعود للثَّنَيَّة، أما بنتُ المخاض إذا فُقدت فلا نُزولَ منها إلى الفَصِيل اتفاقًا؛ لأن سِنَّ بنت المخاض أوَّل الانتفاع بالإبل، وما دونه لا انتفاعَ به غالبًا، ولهذا كانت أولَ الأسنان المُخرَجة في الزكاة. وفيه أنه لا يصعد ولا ينزل عند وجود الفَريضة، وأن الخيارَ في الشاتين والعشرين للمُعطي، سواءٌ كان المالكَ أو السَّاعيَ، وأن كلًّا من الشاتين والعشرين درهمًا أصلٌ في نفسه لا بدلٌ؛ لأنه قد خُيِّر فيهما، وكان معلومًا لا يجري مجرى تعديل القيمة لاختلاف ذلك في الأزمنة، فهو تعويضٌ قَدَّرَهُ الشارع كالشاة في المُصَرَّاة، والغُرَّة في الجَنين؛ لتعذُّر الوقوف في مثل ذلك على مبلغ الاستحقاق، ولو نزلت إلى ما يَتداعاه الخصْمان لطال النِّزاع، بل والغالِب في الصدقة أن تُؤخذ على المياه، وفي البوادي، ولا سُوقَ هناك، ولا مُقوِّمَ يُرجع إليه فَقُدِّر هذا لقطْع النِّزاع، وإنما لم يُقرَّر مع ابن اللَّبون عن بنت المخاض

38 - باب زكاة الغنم

شيءٌ؛ لأنه وإن زاد بالسِّن فقد نقَص بالذُّكورة، فاعتدلا. * * * 38 - بابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ (باب زكاةِ الغَنَم) 1454 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُثنَّى الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنسٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - كتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي

كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ ناَقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيها شَيْءٌ إلَّا أنْ يَشاءَ رَبُّها. (البحرين) تثنية البحر ضِدُّ البَرِّ، وهو موضعٌ معروفٌ بين بحرَي فارِس والهنْد، مقارب جزيرة العرَب. (وجهها)؛ أي: وجْه الفَريضة التي قدَّرها الله تعالى. (فلا يعطها)؛ أي: الزيادة، وقيل: المعنى: لا يُعطيه شيئًا؛ لأنه فسَقَ بطلب الزِّيادة فيُعزل. قال الطِّيْبِي: وروى جَرِيْر مرفوعًا: "أَرْضُوا مُصَدِّقَكُم وإنْ ظُلِمتُم"، ولا تَنافي بينهما، وإن مصدِّقي الصحابة لم يكونا ظالمين، وإنما أطلق ذلك بالنِّسبة لاعتقاد المزكِّي وزَعْمه، أو على سبيل المبالغة لا حقيقةً، وهذا عامٌّ فلا منافاةَ. قال (ش): فلا يُعطَه، بفتح الطاء، والهاء للسَّكْت، كذا رواه أبو

داود وغيره. قلت: وكأنه سقَط من كلامه شيءٌ، فإنَّ فتْح الطاء إنما يكون مع (فمَن سأَل) المبنيِّ للفاعل. (من الغنم) كأنه متعلِّقٌ بمبتدأ محذوفٍ، أي: زكاتُها من الغنَم، أو نحو ذلك. قال الطِّيْبِي: هو بيانٌ لشاةٍ توكيدًا كما: "في خمْسٍ ذَوْدٍ من الإبل"، ومِنْ في: (كل خمسٍ) لغوٌ ابتدائيةٌ متصلةٌ بالفعل المحذوف، أي: فيُعطي في أربع وعشرين شاةً كائنةً من الغنم لأجْل كلِّ خمسٍ من الإبل. قال (ك): (من) إما زائدةٌ، وإما بيانيةٌ، وإما ابتدائيةٌ واقعةٌ خبرًا لمبتدأ، أي: الزكاة ثابتةٌ في كذا من الغنَم. وقال (ط): في نُسخة البخاري زيادة: (مِن)، وهو غلَطٌ من بعض الكتَبة، ثم المشهور في قوله: (من كل): في كلِّ، قال: وهذا مفسِّر لما أُجمل أولًا من أن واجب الأربع والعشرين فما دونها من الغنَم؛ فإنه لا يُدرى منه قدْر الواجب، وإنْ كان فيه بيانُ أن الواجب فيها الغنَم. وإنما بدأَ بالإبل؛ لأنها الغالِب في أموالهم، وتعمُّ الحاجة إليها، ولأن أعداد نُصبها وأسنانَ الواجِب منها يصعُب ضبْطه. وفيه استحباب التَّسمية في أول الكتُب، فقوله: (هذه فريضةٌ)

أي: هذه نسخة فريضة، وأنَّ اسم الصَّدَقة والزكاة واحدٌ. (أنثى): وكذا قوله: (في ابن لَبونٍ ذكَر) كلُّه توكيدٌ، كما تقول: رأَيتُ بعَيني، و {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13]، وقيل: احترازٌ عن الخُنثى. قال الطِّيْبِي: أو لئلا يُتوهم أنه بنت طبق وابن آوى؛ فإنَّ كُلًّا منها شاملٌ للذكَر والأُنثى، أو أن ذلك تنبيهٌ لربِّ المال لتَطيب نفسُه بالزيادة المأخوذة، وللمصدِّق ليَعلم أن الذَّكَر مقبولٌ من ربِّ المال في هذا الموضع. (طروقة)؛ أي: يعلُو على مثْلها الفَحْل، وطرَقَها الفَحْلُ، أي: ضرَبها، وفي رواية أبي داود: (الفَحْل) بدل (الجمَل). (فإذا بلغت، يعني: ستًّا وسبعين) زاد هنا لفظ: (يعني) إما لأن المكتوب لم يكُن فيه لفظ (ستًّا)، أو أنَّ الراوي الأول تركَه ففسَّره الراوي عنه توضيحًا، وإنما لم يقُل في الكل مثلَ ذلك للإشعار بانتهاء أسنان الإبل فيه، وتعدُّد الواجب عنده. (فإذا زاد على عشرين ومائة) قيل: يدلُّ على استِقرار الحِساب بعد مُجاوَزة العدد المذكور، وهو قول الأكثر خلافًا لقول أبي حنيفة أنه يُستأنَف الحسابُ بإيجاب الشاة، ثم بنت المَخاض، ثم بنت اللَّبون على الترتيب السابق. (إلا أن يشاء ربُّها)؛ أي: يتبرَّع، كما في الأعرابي: "إلا أنْ تَطَّوَّع".

(في سائمتها)، أي: راعيتها، فلا زكاةَ في المَعلوفة، إما عمَلًا بمفهوم الصِّفة، أو لكونه بدلًا مما قبلَه بإعادة الجارِّ، والمُبدَلُ منه في نية الطَّرْح، فلا يجب في مُطلَق الغنَم. أما إعراب التركيب فلا مانعَ أن (شاة) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، و (في صدقة الغنم) خبر مقدَّمٌ، أو (في صدقة) متعلِّق بفرَضَ أو كتَب مقدَّرًا، فيكون (شاةٌ) خبر مبتدأ محذوفٍ: زكاتها شاةٌ، أو بالعكس، أي: ففيها شاة. (زادت على ثلاث مائة)، قال (خ): أي: مائة أخرى حتى تبلُغ أربع مائة، لأن زيادة الصَّدَقة فيها عُلِّقت بمائةٍ مائةٍ، فهذه الزيادة إنما تكون مائةً لا دونهما، وهذا قول عامة الفُقهاء، وعن بعضهم: إذا زادتْ واحدةً كان فيها أربع شياه. (ناقصة) خبرُ (كان). (واحدة) صفةُ (شاة) الذي هو تمييزُ أربعين، وقال (ك): هو منصوبٌ بنزْع الخافِض، أي: بواحدةٍ، أو حالٌ من ضمير ناقصة. قال: وفي بعضها: (بشاةٍ واحدةٍ) بالجرِّ. (وفي الرِّقة) بكسر الراء، وتخفيف القاف: الفِضَّة والدَّراهم المَضْروبة منها، وأصله: وَرِقٌ، حُذفت الواو، وعُوِّض منها الهاء، وتُجمع على رِقَاتٍ ورِقِيْن، وهذا عامٌّ في النِّصاب وما فوقَه. وقال أبو حنيفة: لها وَقْصٌ كالماشية، فلا شيءَ على ما زاد على مئتي درهم، حتى تبلُغ أربعين درهمًا، ففيه حينئذٍ درهمٌ آخر، وكذا

39 - باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس، إلا ما شاء المصدق

في كلِّ أربعين. (إلى تسعين ومئة) قال (خ): ذكر التِّسعين لأنه آخِر فصْلٍ من فُصول المئة، والحساب إذا جاوز الآحادَ كان تَركيبه بالعُقود كالعشَرات والمئات والأُلوف، فلا يُتوهَّم منه وجوب الزكاة قبل أن تتِمَّ المئتان، لحديث: "لا صَدَقةَ إلا في خَمْسِ أَواقِي". * * * 39 - بابٌ لاَ تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسَ، إِلَّا مَا شَاء الْمُصَدِّقُ (باب: لا يُؤخَذ في الصَّدَقة هَرِمَةٌ)، أي: بكسر الراء: الكبيرة السِّنِّ. 1455 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله، قال: حدَّثني أبِي، قال: حَدَّثني ثُمَامةُ: أنَّ أنَسًا - رضي الله عنه - حدَّثَهُ أنَّ أبا بَكْرٍ - رضي الله عنه - كتَبَ لَهُ الَّتي أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ، وَلاَ تَيْسٌ، إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ". (عَوار) بفتح العين، وضمِّها: العَيب، وأسقط (ك) هذه الترجمة، وأدخلَ الحديث في الترجمة قبلَه. (ولا تيس) هو فَحْل الغنَم من المعْز، وهذا إذا كانت ماشيةٌ كلُّها

40 - باب أخذ العناق في الصدقة

أو بعضها إناثًا، وإلا فيجوز أخْذ الذَّكر من الذُّكور، وإنما منع فيما سبق، إما لفَساد لحمه، أو لرغْبة المالك فيه، فيتضرَّر بزَواله، وكذا في أخْذ المريض والمَعِيْب. (المصدق) بتخفيف الصاد، أي: السَّاعي، فالاستثناء إما من التَّيس، لأنه قد يَزيد على خيار الغنَم في القيمة لطلَب الفُحولة، أو من الكُلِّ إذا رآه أنفَع للمستحقِّين، أو الاستثناء منقطعٌ، أي: لكنْ يخرج ما شاء المصدِّق من الكامل. قال (خ): لا يأْخذ المصدِّق شِرار الأموال كما لا يأْخذ كرائمَها، فلا يُجحف بالمالك، ولا يُزْري بالمستحقِّين. * * * 40 - بابُ أَخْذِ العَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ (باب أخْذ العَنَاق في الصَّدَقة)، العَناق بفتح العين: الأُنثى من أولاد المعْز. 1456 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزّهْرِيِّ ح، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ - رضي الله عنه -: وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونها إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

41 - باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة

لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. 1457 - قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - بِالْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ الْحَقُّ. (وقال الليث): وصلَه الذُّهلي في "الزُّهْريات"، وقد مرَّ شرح الحديث في أول (كتاب الزكاة). * * * 41 - بابٌ لاَ تُؤْخَذُ كِرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ (باب: لا تُؤخَذ كرائِم أموالِ النَّاس في الصَّدَقة) أدخل (ك) ما فيه فيما قبلَه، وأسقط الترجمة. 1458 - حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِم، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا - رضي الله عنه - عَلَى الْيَمَنِ قَالَ: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ، فَإذَا عَرَفُوا اللهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهُمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا

بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ". (على اليمن) الإقْليم المعروف، عُدِّيَ بـ (على) وإنْ كان بَعَث متعدِّيًا بـ (إلى)، لتضمُّنه معنى: ولَّاهُ عليهم. (تَقْدَمُ) بفتح الدَّال: مضارعُ قَدِم بالكسر، أي: جاءَ، أي: يقدُم بالضم فمعناه يتقدَّم. (أول) بالنَّصب خبرُ (كان). (عبادة) اسمها، والمُراد بها معرِفة الله، كما في: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ولهذا قال: فإذا عَرفوا. قال (ع): وهذا يدلُّ على أنَّ أهل الكتاب ليسُوا عارِفين لله تعالى وإنْ كانوا يعبدونه، ما عَرف اللهَ مَن جسَّمه من اليهود، أو أضافَ إليه الولَد، أو أجازَ عليه الحُلول والانتِقال، أو أضافَ إليه الصَّاحِبة والولَد، أو الشريك لمَعبودهم، الذي عبَدوه ليس هو الله، وإنما سمَّوه به؛ إذ ليس موصوفًا بصفات الإله الواجبة له. (تؤخذ) في بعضها بإسقاطها، ولا بُدَّ من تقديرها، ويستدلُّ بها على أخْذ الزكاة قَهْرًا من المانِع لها. (توق)، أي: احذَرْ. (خيار) قال في"المَطالِع": أي جامِعة الكمال المُمكن في حقِّها من غَزارة اللَّبَن، وكمال الصُّورة، وكثرة اللَّحم والصُّوف. وفيه العمل بخبر الواحد، وأن الوِتْر غير واجبٍ، لأنَّ بعْثه كان

42 - باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة

قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - بقليل، وأن الكُفَّار يُدعَون إلى التوحيد قبل القِتال، ووعْظُ الإمام وُلاةَ الأمر، وأمرهم بتقوى الله، وتَوقِّي الظُّلم، وأنَّ الزكاة لا تُدفع لكافر. قال ابن الصَّلاح: ما وقَع في حديث مُعاذ من ذِكْر بعض دعائم الإسلام هو من تقصير الرَّاوي، وسبق الحديث أول (الزكاة). * * * 42 - بابٌ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْد صدَقَةٌ (باب: ليسَ فيما دُونَ خَمْسٍ ذَوْدٍ صدقةٌ) أهملَه (ك) لسبْق الحديث فيه. 1459 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالك، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، ولَيْسَ فيما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ، ولَيْسَ فيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإبِلِ صَدَقَةٌ". (محمد بن عبد الرحمن) هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن، لكن نُسب لجدِّه اختصارًا. * * *

43 - باب زكاة البقر

43 - بابُ زكاةِ البَقَرِ وقال أبُو حُمَيْدٍ: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَعْرِفَنَّ ما جاءَ اللهَ رَجُلٌ بِبَقَرَةٍ لَها خُوَارٌ -ويقالُ جُؤَارٌ- (تَجْأَرُونَ): تَرْفَعُونَ أَصْوَاتَكُمْ كَمَا تَجْأَرُ الْبقرة". (باب زكاة البقَر) (وقال أبو حميد) وصلَه البخاري في (الهبة) وغيرها، وسبق في (الصلاة). (لا أعرفن) قال التَّيْمي: هو الأشهر، وفي الكتاب: (لأَعْرفَنَّ)، قال (ش): رُوي كذلك، والمعنى: لا ينبغي أن تكونُوا على هذه الحالة فأعرفَكم بها يوم القيامة وأراكُم عليها، وعلى الأول، أي: لا رأَيتُكم، ولا عرفتُكم، جواب قسَمٍ مقدَّرٍ. (ما جاء)، (ما) مصدرَّيةٌ في موضع نصْبٍ. (خُوار) بضمِّ المعجمة: صَوت البقَر. (ويقال: جُؤار)، أي: بالجيم والهمز: رفْع الصَّوت، ومنه قوله تعالى في (سورة المؤمنين): {يَجْأَرُونَ} [المؤمنون: 64]. قوله (إليه)، أي: إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لسبْقه في حديث أبي جَهْل. * * *

1460 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُويدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَده -أَوْ وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ- مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غنَمٌ لاَ يُؤَدَّي حَقَّهَا إِلَّا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتنطَحُهُ بِقُرُونهَا، كلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ". رَوَاهُ بُكَيْرٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (أُتي) بالبناء للمفعول. (أعظم) مضافٌ إلى (ما) المصدرية، ونصْبه على الحال؛ لأنها أثْقل زيادةً في عقوبته كما في: (تنطحه) بكسر الطاء، لأنه أبلَغُ في الطَّعْن، والخُفُّ للبعير كما أن القَرْن للبقَر والغنَم، ففيه لَفٌّ ونَشْرٌ. (رُدت) بضمِّ الراء، وفي بعضها بفتحها، فالفاعل إما الأُخرى أو الأُولى. (عليه) الضمير للرجل. (حتى يُقضى)، أي: يُفرغَ من الحِسَاب. (رواه بُكير) وصلَه مسلم، وهو بعُلُوٍّ في "مُستخرَج أبي نُعيم"، وسبق الحديث أول (الزكاة). * * *

44 - باب الزكاة على الأقارب

44 - بابُ الزَّكاةِ عَلَى الأَقَارِبِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَالصَّدَقَةِ" (باب الزكاة على الأَقارِب) (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) هو طرَفٌ من حديث زَيْنَب امرأة ابن مَسعود الآتي في الباب، وبهذا اللفظ في (باب الزكاة على الزَّوج) بعده بثلاثة أبوابٍ. * * * 1461 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أكثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ"، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ

يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أبو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. تَابَعَهُ رَوْحٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ: رَايحٌ. الحديث الأول: (أبو طلحة)؛ أي: زَيْد الأنصاري، زَوْجِ أُم أنَس. (مالًا) نصبه على التَّمييز. (من نخل) صفةٌ له، أي: كائنًا من نخلٍ. (بيْرُحَاء) فيه اضطِرابٌ في ضبْطه وإعرابه، فقيل: بكسر الموحَّدة، ثم همزٍ، مضافٌ إلى (حَى) بمهملةٍ وألفٍ مقصورةٍ، و (حَى) اسمُ قَبيلةٍ أو بُستان، والمراد في الحديث البُستان؛ لأن بساتين المدينة تُدعى بالآبار التي فيها، أي: البُستان الذي فيه بِئْر حَا، قاله التَّيْمي. قال: ويجوز أن يُمدَّ حا في اللُّغة، وكذا قاله (ش). قال (ع): الروايات فيه القَصْر، ورويناه بالمدِّ، وهو حائطٌ مسمًّى بهذا الاسم، وليس اسم بِئْرٍ، انتهى. وعلى هذا فـ (بِئْر) إما مرفوعٌ خبرَ إِنَّ، أو منصوبٌ خبرها، والاسم (أحبُّ) بالرفع، والأول أجود؛ لأن المحدَّثَ عنه البِئْر. وقيل بفتح الباء، وضم الرَّاء وفتحها، على أنه اسمٌ مقصورٌ لا تركيبَ فيه، وعلى هذا ففي تقدير الإعراب في ألِفه ما سبَق من الرفع والنصب. وقال الصَّغاني: بيْرحَاء: فيعلى من البراح: اسم أرضٍ كانت

لأبي طلحة بالمدينة، وأهل الحديث يُصحِّفون، ويقولون: بيْرُحاء، ويحسبون أنها بئر من آبار المدينة. وسبق كلام (ع) بمعنى ذلك. قلت: ولا تَنافي بين ذلك، فإن الأرض أو البستان باسم البئر التي فيه، كما سبق تقريره. (مستقبلة)؛ أي: مقابلة لمسجده - صلى الله عليه وسلم -، وقريبة منه. قال (ن): هذا الموضع يُعرف بقَصْر بني جَدِيْرة، بفتح الجيم، وكسر المهملة. (بخ) كلمةٌ تُقال لتفخيم الأمر، والتعجُّب من حُسنه ومدْحه، والرِّضَا به، وكُرِّر للمبالغة، فإنْ وصلتَ كسرتَ، وتؤنَّث، وربَّما شُدِّدت. قال ابن دُريد: هي بالسُّكون كسُكون اللام في هلْ وبلْ، ومَن نوَّنَه شبَّهه بالأَصوات كـ: صَهٍ ومهٍ، وقال (ع): حُكِي الكسْر بلا تَنوينٍ، ورُوي بالرَّفع، وإذا كُرِّرت فالاختِيار تحريك الأوَّل منوَّنًا، وإسكان الثاني. (رابح) بالموحَّدة، أي: ذُو رِبْح كـ: لابِنٍ وتامِرٍ، أي: ربحَ صاحبُه في الآخرة. (وبني عمه) من عطف الخاصِّ على العامِّ. ووجْهُ مطابقته للترجمة مع كونه صدقةً لحُذيفة لا زكاةً: قياسُه على ذلك.

وفيه إنفاقُ ما يجب، ومشاورةُ أهل الفضْل في كيفية الصَّدَقة والطَّاعة. (تابعه روح) يأْتي وصلُها في (البيوع). (ويحيى) وصلَها البخاري في (الوكالة). (رائح)؛ أي: بمثنَّاةٍ تُقلب همزةً، مِن الرَّواح ضدُّ الغُدُوِّ، أي: قَريبُ الفائِدة يصِل نفْعُه إلى صاحبه كلَّ رواحٍ بلا كُلفةٍ، وقال (خ): أي: قَريبٍ يَروحُ، خبره: (ليس بغاربٍ)، وذلك أنفَس ما يكون من الأموال، وأحضَره نفعًا كقوله: سأبْغِيْكَ مالًا بالمَدينةِ إنَّنَي ... أرى عَازِبَ الأَموالِ قلَّتْ فَضائلُه وقال (ن): معناه رائِحٌ عليك منفعته وأجْرُه في الآخِرة، وقال (ك): يحتمل أنَّ مِن شأْنه الرَّواح، أي: الذَّهاب والفَوات، فإذا ذهَب في الخير فهو أَولى. قال (خ): وفيه أن الوَقْف يصحُّ وإنْ لم يُذكَر سبيلُه ومصارفُه. قلتُ: فيه نظَرٌ ظاهرٌ. * * * 1462 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَني زَيْدٌ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -

خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ تَصَدَّقُوا"، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءَ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ ناَقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ"، ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلهِ جَاءَتْ زَيْنَبُ، امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذِهِ زينَبُ، فَقَالَ: "أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ "، فَقِيلَ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "نَعَمِ، ائْذَنُوا لَهَا"، فَأُذِنَ لَهَا، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ! إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أتصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ". الحديث الثاني: سبَق في (باب تَرْك الحائض الصَّومَ). (الحازم) بإهمال الحاء: العاقِل الضابِط. (أي الزيانب)؛ أي: أيُّ زينبٍ منهنَّ، فعُرِّف باللام مع كونه علَمًا لمَّا نُكِّر، حتى جُمع. ووجْه مطابقته للتَّرجمة: شُمول الصَّدَقة للفَرْض والنَّفْل وإنْ كان

45 - باب ليس على المسلم في فرسه صدقة

السِّياق قد يُرجِّح النَّقلَ، لكن القياس يقتضي عُمومه. * * * 45 - بابٌ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ 1463 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ". (باب: ليسَ على المُسلِم في فَرَسه صدَقةٌ) أي: لنَفْي ذلك في الحديث الذي أَورده خلافًا لقول أبي حنيفة في إناثها، أو ذكورها وإناثها، في كلِّ فرَسٍ دينارٌ، أو ربُع عُشر قِيْمتها. قال (ن): وهو أصْل مال القُنْية، لا زكاةَ فيه، أي: فإنَّ الأموال ثلاثةٌ: المُعَدُّ للقُنية كالدابَّة والعبْد، والمالُ النَّامي بنفْسه كالأنْعام، والمُرصَدُ للنَّماء كالنَّقْد وعرض التِّجارة. * * * 46 - بابٌ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ 1464 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خُثَيْمِ بْنِ

47 - باب الصدقة على اليتامى

عِرَاكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 1464 / -م - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا خُثَيْمُ بْنُ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فَرَسِهِ". (باب: ليسَ على المُسلِم في عبْده (¬1) صدَقةٌ) اكتفى (ك) عنه بالذي قبلَه، والإطلاق في قوله: (عبده) مقيَّدٌ بما في "مسلم": "في العبد إلا صدَقةَ الفِطْر". قال (خ): المراد بنفْي الصَّدَقة في الفَرَس، والصَّدقة في العبد، أي: في أعيانها، أما التِّجارة فتجب في القِيْمة. * * * 47 - بابُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَتَامَى (باب الصَّدَقة على اليَتامَى) 1465 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، ¬

_ (¬1) "في عبده " ليس في الأصل.

وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ: "إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ يُكَلِّمُكَ؟ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ " وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ، فَقَالَ: "إِنَّهُ لاَ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ -أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (ما يفتح) في محلِّ نصْب خبر إِنَّ، والجار والمجرور قبله الخبر. (أوَيأتي) الهمزة للاستفهام، والواو مفتوحةٌ للعطف، قال (ك): على مقدَّرٍ بعد الهمْزة، أي: على طريقِه، كما سبق مرارًا. قال التَّيْمي: أي: أتَصير نِعْمة الله التي هي زَهرةُ الدُّنيا عُقوبةً ووَبالًا. قال (ن): أي: كمال الغَنيمة المفتوح علينا خيرًا ثم يُرتَّب عليه الشرُّ، فأجاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: بأن الخير الحقيقيَّ لا يأتي إلا بالخير، وهذه الزَّهرة ليس خيرًا حقيقيًّا؛ لِمَا فيها من الفِتْنة والمُنافَسة، والاشتِغال عن كمال الإقْبال على الآخِرة.

ثم ضرَب المثَلَ الآتي، وحاصله: أن مَن استكثَر منه غيرَ صارفٍ له في وُجوهه، فهو ضارٌّ له، ومَنْ لم يأْخُذْ إلا يسيرًا، أو أخذ كثيرًا ولكنْ صرَفه في مصارفه كما تَثْلِط الدَّابَّة فلا يضرُّه. (فسكت)؛ أي: انتِظارًا للوحْي. (فقيل له)؛ أي: للسائل، لامُوه في ذلك ظنًّا أنه أنكر مسألته. (فرأينا)؛ أي: ظننَّا أنه يَنزل عليه الوحي. (الرُّحَضاء) بضمِّ الراء، ومهمَلةٍ مفتوحةٍ، وضادٍ معجَمةٍ ممدودةٍ: العَرَق الكثير. (أين السائل) علِموا بسُؤاله عنه سُؤالَ راضٍ أنه حَمِدَه. (لا يأتي الخير بالشر)؛ أي: ما قضَى الله أنْ يكون خيرًا [يكون] خيرًا، وعكسه، وأن الذي أخافُ عليكم تضييعَكم نعمتَه، وصرفَكم إياها في غير ما أمرَكم به، ولا تعلُّق لذلك بنفْس النِّعمة، ثم ضرب المثَل. (وإن مما ينبت الربيع) كأنَّه قال: وأضرِبُ لكم مثَلًا لذلك، فلذلك أتَى بواو العَطْف، وإسنادُ الإنْبات للرَّبيع مجازٌ، والفاعل الحقيقيُّ هو الله تعالى، والمرادُ بالرَّبيع: الجَدول الذي يُستقَى به، وجمْعُه أَربُعًا. (يقتل) صفةٌ لمفعولٍ محذوفٍ، أي: شيئًا، أو نباتًا. قال (خ): أو ما، أي: ما يُقتَل.

قال (ك): لا حاجةَ لذلك لصحَّة أن بعضَ ما ينبُت كما قال الزَّمَخْشَري في: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا} [مريم: 53]، أي: بعضَ رحمتِنا، أي: وأُعطي في مواضع كثيرةٍ للحرْف حُكمَ الاسم الذي هو متعلَّق معناه. قلتُ: لكن الأوَّل أَوْضَح. (أو يُلِمُّ) بضمِّ أوله، أي: يقرِّب من القَتْل، وسقَط منه شيءٌ ذكره في (كتاب الرَّقائق)، فقال: (ما يقتُل حَبَطًا أو يُلِمُّ)، والحَبَط بالمهملة: انتِفاخ البَطْن من داءٍ يُصيب الآكِلَ مما أكَلَ، يقال: أَحبَطت الدَّابَّةُ تَحبِط حبَطًا إذا أصابتْ مرعًى طيِّبًا فاطَّردتْ في الأكل حتى تَنتفخَ فتَموت، ويُروى بالخاء المعجَمة من التَّخبُّط، وهو الاضطِراب. (إلا) بالتَّشديد: استثناءٌ عند أكثر الرُّواة، ورُوي: (أَلا) على الاستِفتاح، أي: ألا انظُروا ذلك واعتبِروا. (الخَضِر) بفتح الخاء، وكسر الضَّاد: ضَرْبٌ من الكَلأ هو أفضَلُ المَراعي، واحدُه خَضِرَةٌ، مثْل: النَّصي والصِّلِّيان، وهما من أفضَل المَراعي، ويُروى: (الخُضَر) بضمِّ الخاء، وفتح الضَّاد: جمع خُضْرة، وروي: (الخضراء) بالمدِّ. (خاصرتاها)؛ أي: جنْباها، أي: امتلأتْ شِبَعًا وعَظُم جَنْباها. (فَثَلِطَتْ) بمثلَّثةٍ، ولامٍ مفتوحةٍ، أي: ألقَتْ السِّرْقِين سَهْلًا رَقِيْقًا، كذا قيَّده الجَوْهَرِي، وقال السَّفَاقُسِيُّ: بكسر اللام.

(رتعت)؛ أي: اتسعَتْ في المرعَى. (خضرة حلوة) أُنِّثَا مع أنَّ المال يُذكَّر باعتبار أنه زَهْرة الدُّنيا، وخصَّ لَون الخُضرة؛ لأنه أحسَن الألوان، وقال (خ): باعتبار أنَّ صورةَ الدُّنيا حسَنة المنْظَر مُونَقةٌ تُعجِب النَّاظِر، والعرَب تُسمِّي المشْرق خَضِرًا تَشبيهًا له بالنَّبات الأخضَر، وقيل: وبه سُمِّي الخَضِر - عليه السلام - لحُسْنه وإشراق وجْهِه. قال (ط): أو باعتبار البَقْلة شُبِّهت بالخَضِرة كما تقول للسُّجود حسَنةٌ، أي: فِعْلةٌ حسَنةٌ. قال (ك): ووجْهٌ رابعٌ: أن التَّاء للمُبالَغة كَرَاويةٍ وعَلَّامةٍ. قال (خ): فشُبِّه المُستكثِر من الدُّنيا الحَريص عليها بالتي استحلَتْ نبَات الرَّبيع لنُعومته، فاستكثَرتْ منه، وكان سبَبًا لهلاكها، والمُقْتصِد في الدُّنيا القانِع منها بقدْر الكفاية بآكِلَةِ الخَضِر، وهو من كَلأ الصَّيف، ولا تَستكثِرُ منه الماشية، بل تَرتعَ شيئًا فشيئًا، وجعل ما يكون من ثَلَطِها وبولها مثلًا لِمَا يصرفه من المال في الحقوق، والحاصل أن جمع المال غير محرَّمٍ، ولكن الاستكثار منه مع البُخل مذمومٌ، والاقتصاد محمودٌ، وصَرْفه في وُجوه الخير كذلك. وقال (ط): يعني أن المال يُعجِب الناظرين إليه، ويحلُو في أعينهم فيدعُوهم حُسْنُه للاستكثار، فتضرَّروا به، كالماشية إذا استكثَرتْ من المَرْعَى ثلَطَتْ، وردَّه (ك) بأنَّه لا يبقى حينئذٍ لاستثناء

48 - باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر

آكِلَة الخَضِر معنًى؛ لشُمول التضرُّر لهم. (ويكون شهيدًا عليه) الظَّاهر أنه يمثَّل له شُجاعٌ أقْرعُ في صورةِ مَن يَشهد عليه؛ لأنه معجزةٌ، ولا أكبر من شهادة المعجزات. وفي الحديث: الحَضُّ على الاقتصاد في المال، وعلى الصَّدقة، وتَرْك الإمساك، وجوازُ ضرْب الأمثال، وسُؤال التِّلميذ العالم عن المجمَل ليُبيِّنه له، وأنَّ السُّؤال إذا لم يكُن في موضعه يُنكَر على سائله، وأن العالم يُؤخِّر الجواب حتى ينكشف له بيانُه، وأنَّ كسْب المال من غير حِلِّه غير مُبارَكٍ، كما قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]، وأن للعالم أن يُحذِّر مُجالِسيه فِتْنة المال، ويُنبِّههم على مواضع الخَوف، وبيانِ ما به الأمان. قال (ن): وفيه حُجَّةٌ لمن يُرجِّح الغنيَّ على الفقير. * * * 48 - بابُ الزَّكَاةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالأَيْتَامِ فِي الْحَجْرِ قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب الزَّكاة على الزَّوج والأَيتام في الحَجْر)، بفتح الحاء وكسرها. (قاله أبو سعيد) وصلَه في (باب: الزكاة على الأقارب). * * *

1466 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شفيقٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زينَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زينَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بِمِثْلِهِ سَوَاءً، قَالَتْ: كُنْتُ فِي الْمَسْجدِ فَرأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ"، وَكَانَتْ زينَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللهِ وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا، قَالَ: فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللهِ: سَلْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ، فَقُلْنَا سَلِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي؟ وَقُلْنَا: لاَ تُخْبِرْ بِنَا، فَدَخَلَ فَسَأَلهُ فَقَالَ: "مَنْ هُمَا؟ "، قَالَ: زَينَبُ، قَالَ: "أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ "، قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: "نَعَمْ لَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ". 1467 - حدثنا عُثْمانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ، حدَّثنا عَبْدَةُ، عن هِشامٍ، عن أبيه، عن زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ! أَلِيَ أجْرٌ أنْ أُنْفِقَ علَى بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ، فَقَالَ: "أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ". الحديث الأول: (عمرو بن الحارث) هو أخو زَينب أُم المؤمنين.

(امرأة عبد الله)؛ أي: ابن مَسعود. (فذكرته لإبراهيم)؛ أي: النَّخَعي، والقَصْد أنه رواه عن شيخين: شَقيقٍ، وإبراهيم. (حليكن) بالفتح: مفردٌ، وبالضمِّ مشدَّدًا: جمعٌ. (أيجزي) بفتح أَوَّله، أي: أيَكْفي. قال (ك): الظَّاهر يقتضي أن تقول: عنا، ولكنْ أرادتْ كلَّ واحدةٍ منا، أو اكتفتْ بالحكاية عن نفسها، وفيه نظَرٌ. (امرأة من الأنصار) روى ابن مَنْدَه: أنَّ اسمها أيضًا زَينب. (لا تخبر)؛ أي: لا تُعيِّنْ اسمَنا، بل قُل: تسالُك امرأتانِ. (من هما) هذا السُّؤال هو المقتضِي لبِلالٍ أن يُعيِّن؛ وإنْ كانت أَمَرَتاه أن لا يُعيِّن. (قال: زينب) إنما لم يَذكُر في الجواب معها الأُخرى اكتفاءً باسم مَن هي أكبَر وأعظَم. قال التَّيْمي: حَمَلَ البخاري الصَّدقةَ هنا على الزكاة، ولعلَّه بقرينةِ: (أَيَجزِي)؛ فإنَّ ذلك إنما يُقال في الفَرْض، وحمل إضافة الأيتام إليها على التَّربية لا الولادة. قال (ط): أجاز الشَّافعيُّ صرْفَ المرأة زكاتَها للزَّوج الفقير لهذا الحديث، ومنَع أبو حنيفة، ومالك حَمْلًا على التطوُّع، وأجمعوا على أنه لا يجوز أن تُنفِق على ولَدها من الزكاة، فلمَّا كان على ولدها من

49 - باب قول الله تعالى: {وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله}

غير الزكاة كان كذلك على زَوْجها. قلتُ: قد سبق أن إضافة الأيتام لها إضافةَ تربيةٍ لا ولادةٍ؛ فاستَووا مع الزوج. (بني)؛ أي: من أبي سلَمة زَوجها قبْل النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال (ك): ووجه أخْذ التَّرجمة من ذلك: قياسُ الأيْتام من ولَد غير المزكِّي على الذين هو ولَد المزكِّي. قلت: وفسَاد هذا الجَواب ظاهرٌ. قال: أو أن هذا الحديث ذكر في الباب لمُناسبة الحديث الأوَّل في الإنفاق على اليَتيم فقط، والبخاري كثيرًا يعمَل مثلَه. * * * 49 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ جَازَ، وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ، وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ تَلاَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآيَةَ فِي أَيِّهَا أَعْطَيْتَ أَجْزَأَتْ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خَالِدًا احْتبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ"، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي لاسٍ: حَمَلَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ.

(باب قَولِ الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60]) (تعتق)؛ أي: لقَوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}. (ويعطي)؛ أي: لقَوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّه}. (في أيها)؛ أي: إلى مَصرِفٍ من المَصارف الثَّمانية. (أعطيت) مبنيٌّ للفاعل، أو المفعول، وكذا: (أجزأت). وقوله: (إن خالدًا) سيأْتي موصولًا قريبًا. (ويذكر عن أبي لاسٍ) بسينٍ مهملةٍ منوَّنةٍ، قال ابن عبد البَرِّ: اسمه: عبد الله، وقيل: زياد، انتهى. قال (ك): وقيل محمد الخُزاعي المدَني. ووصَلَ حديثَ أبي لاسٍ أحمد، وإسحاق في "مُسنَديهما"، وصحَّحه ابن خُزَيمة، والحاكم. (للحج)؛ أي: قِسْم سَبيل الله يُصرف في الجهاد، والوقْف، والحجِّ. * * * 1468 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ

فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهْيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا". تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّناَدِ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّناَدِ: هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ عَنِ الأَعْرَجِ بِمِثْلِهِ. (ابن جميل) هو رجلٌ من الأنصار. قلتُ: قال في "جامع الأُصول" تبَعًا لابن مَنْدَه: لا يُعرف اسمه. ونقَل ابن الجَوزي أنه قيل: إن اسمه: حُمَيد، ونقَل غيره أنه أبو جَهْم، أو أبو جُهَيم. قال المُهلَّب: كان منافقًا، فقال الله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا} الآية إلى: {فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} [التوبة: 74]، فقال: استَتابني الله، فتابَ وصلَحتْ حالُه. (ينقم) بكسر القاف، ونقَم بالفتح، ويقال: نَقِم بالكسر، ينقَم بالفتح. (إلا أنه كان فقيرًا)؛ أي: لا ينبغي له أن يمنع الزكاة؛ لأنه كان فقيرًا فأغناه الله، فليس هذا جزاءَ النعمة، أي: فلا ينقِم شيئًا من أمر الزكاة إلا أن يَكفُر النِّعمة، فكأنَّ غِنَاهُ أدَّاه لذلك. (وأعْبُدَهُ) بالموحَّدة، أو بالمثنَّاة فوق، سبَق قريبًا. (تابعه ابن أبي الزِّنَاد)؛ أي: عبد الرَّحمن بن عبد الله، وقد وصلَه

أحمد، وأبو عُبَيد في "كتاب الأموال". (وابن إسحاق) قال (ك): والظَّاهر أنه محمد صاحب "المغازي"، وقال غيره: وصلَه الدَّارَقُطْني. (وقال ابن جريج)؛ أي: عبد الملِك. قال (خ): قِصَّةُ خالد تُؤوَّل على وُجوهٍ: أنه إذا احتَبس أدراعه في سبيل الله تقرُّبًا، وليس بواجبٍ، فكيف يمنع الزكاة؟! أو أنه طُولب بزكاةِ أثمانِ الأدراع بناءً على أنها للتجارة، فأجاب عنه: بأنه احتبسَها، فلا زكاةَ فيها، وحينئذٍ فيدلُّ على الزكاة في مال التجارة، وجواز احتباس آلات الحرب، ويُقاس به الثِّياب، أو أنَّ ما احتبسَه يُحسب له من الزكاة؛ لأن أحَدَ الأصناف سَبيل الله، وهم المجاهدون، فَصَرْفُها في الحال كصرفها في المآل. وفيه دليلٌ على جواز أخْذ القيمة عن أعيان الأموال، ووضْع الصدقة في صنفٍ واحدٍ. وأما قصة العبَّاس فلفظة: (صدَقة) قلَّ المُتابعون فيها لشُعَيب، ورواية ابن إسحاق أَولى؛ لأن العبَّاس لا تحلُّ له الصدقة، وقال أبو عُبيد: أرى -والله أعلم- أنه كان قد أخَّر عنه الصدقة عامين لحاجة العبَّاس إليها، وفي رواية: (فهيَ عليَّ، ومثلُها)، ويُتأوَّل بأنه كان تسلَّف منه صدَقة عامين: العام الذي شكاه العامل فيها، والذي قبْلَه، ففيه دليلٌ على جواز التَّعجيل، وقال المُهَلَّب: المراد أنه يُعطيها عنه، أي: فللإمام أن يضمن الزكاة، وأما رواية: (فهي عليَّ)، فمعناه:

50 - باب الاستعفاف عن المسألة

أُؤدِّيها عنه إحسانًا إليه، وبِرًّا به. قال (ك): وقيل: إنَّ معناه: سيتصدَّق بها ومثلِها معها كرَمًا، وقيل: المعنى: فأموالُه عليه كالصَّدَقة؛ لأنه استَدانَ في مُفاداة نفْسه وعَقِيْل، فصار من الغارِمين الذين لا زكاةَ عليهم، وقيل: القِصَّة في صدَقة التطوُّع. وقال (ط): اختُلف في المراد بالرِّقاب، فقال مالك: تُشترى رقابٌ وتُعْتَق، وقال أبو حنيفة، والشافعي: يُصرَف للمكاتبين؛ لأنه عبَّر في غيرهم بما يقتضي التَّمليك، فكذلك الرِّقاب، وأيضًا فقد جمَع اللهُ كلَّ اثنين متقارِبين في المعنى كالفقير والمسكين، وكالعاملين والمؤلَّفة؛ لما فيها من المُعاوَنة، وكابن السَّبيل وسبيل الله؛ لاشتراكهما في قطْع المسافة، والرِّقاب والغارِمين؛ لأن كُلًّا منهما عليه دَينٌ، وقال مالك: لو أريد ذلك لاكتفَى بالغارمين. واختُلف في (سبيل الله)، فقال الأكثر: الغُزاة؛ لأنه حيثُما أُطلق سبيل الله فالمراد الجهاد، وسبق ما قاله ابن عبَّاس. * * * 50 - بابُ الاِسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ (باب الاستِعفاف عَن المَسأَلة) 1469 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - إنَّ ناَسًا مِنَ الأَنْصَارِ سأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: "مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وما أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْر". الحديث الأول: (نفد) بكسر الفاء، أي: فَنِيَ. (ما يكون)، (ما) موصولةٌ متضمِّنةٌ معنى الشرط. (أدخره) أجعلُه ذَخيرةً لغيركم، وهو بإهمال الدال في الفَصيح، وجاء بإعجامها مُدغمًا، وغير مدغمٍ. (عطاء)؛ أي: يُعطي، أو شيئًا من العَطاء، وهو المفعول الثاني لـ (أَعطَى). (خيرًا) بالنَّصب صفةٌ، وبالرفع خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هو خيرٌ، (وأوسع) عطفٌ عليه، فأعطاهم - صلى الله عليه وسلم - لحاجتهم، ثم نبَّههم على موضع الفَضيلة. فيه الحَثُّ على الصَّبر على ضِيْق العيش وغيره من المَكارِه، وأن الغنى والعِفَّة والصبر بيد الله. قال الطِّيْبِي: مَن عَفَّ لكنْ إن أُعطيَ شيئًا لم يَرُدَّه؛ يملأُ الله قلبَه

غنًى، ومَن فاز بالقدَح المُعلَّى وتصبَّر، وإن أُعطي لم يَقبلْ؛ فهو هو؛ إذ الصبر جامعٌ لمكارم الأخلاق. * * * 1470 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا مالِكٌ، عن أبي الزِّنادِ، عنِ الأَعْرَجِ، عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ". الثاني: (خير له) لأنه إن أعطاه ففيه ثِقَل المِنَّة، وذلُّ السُّؤال، وإنْ منعه فذُلٌّ وخَيْبةٌ، وكان السلف إذا سقَطَ سَوطُ أحدهم لا يسأل مَن يُناوله. وفيه التحريض على الأكْل من عمَل اليد، والاكتسابِ من المباحات. * * * 1471 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ". الثالث: (لأن) إما لام الابتداء، أو جواب قسمٍ محذوفٍ.

(حُزْمة) بضمِّ المهملة، وسكون الزاي. (فيكف) (¬1) أي: فيمنع الله بها وجْهَه من أن يُريق ماءَه بالسُّؤال من الناس، فهو إنْ لم يجد من الحِرَف إلا الاحتطابَ فهو مع ما فيه من الامتهان خيرٌ من المَسأَلة. * * * 1472 - وَحَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا حَكِيمُ! إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"، قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - يَدْعُو حَكِيمًا إلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تُوُفِّيَ. ¬

_ (¬1) "فيكف" ليس في الأصل، وفي "ف": "فكيف"، والمثبت من "ب".

الرابع: (خضرة)؛ أي: رَوْضةٌ خَضْراء، أو شجرةٌ ناعمةٌ، وسبق في تأنيثه وتأنيث (حلوة) -أي: مُستحلاةٌ- أَوجهٌ، وجمع بينهما حُسن المنظَر، وحلاوة الطَّعم. (بسخاوة)؛ أي: بطِيْب (نفس) من غير حرصٍ عليه، قال (خ): أي: أخذَه ليُنفقه ويتصدَّق به، وأصل السَّخاوة: السُّهولة والسَّعَة. قال (ع): فيحتمل عَوده للأخْذ بلا حرصٍ وطمَعٍ، وإلى الدَّافع، أي: بانشِراحٍ وطيب نفْسٍ. (بإشراف)؛ أي: بتعرُّضٍ له، واطلاعٍ عليه، والإشراف على الشيء الاطلاع عليه، ومنه الشَّرَف وهو العُلوُّ. (كالذي)؛ أي: لذي الجُوع الكاذب، ويسمَّى جُوع الكلب كلما ازدادَ أكلًا ازداد جُوعًا. (واليد العليا) سبق بيانه في (باب: لا صدقةَ إلَّا عن ظَهْر غنًى). (أرزأ) بتقديم الراء على الزاي المفتوحة، ثم همز، أي: نقص، قاله الجَوْهَرِيّ، ومعناه: أُصيبُ، يقال: رزَأْتُه، أي: أَصبْتُه منه. (بعدك)؛ أي: بعد سُؤالك، أو لا أرزأُ غيرَك، وامتناعه من الأخذ مطلقًا مع أنَّه بسَعة الصَّدر وعدَم الإسراف مبارك = مبالغةٌ في التحرُّز؛ إذ مقتضى الجِبلَّة الإسراف والحِرْص، ومَن حامَ حول الحِمَى يُوشك أن يقَع فيه.

51 - باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس

(الفيء) أصله الخَراج والغَنيمة، ثم صار عُرفًا للفقهاء فيما كان من الكفَّار بغير قَهْر وقِتَال. قال (ط): فيه إعطاء السَّائلين مال واحدٍ مرتين، وما كان - صلى الله عليه وسلم - عليه من الكرَم، وفيه الاعتذار للسائل إذا لم يجد ما يُعطيَه، وموعظتُه، والحضُّ على الاستغناء عن النَّاس بالصبر، والتوكُّل على الله، وأنَّ الإجْمال في الطلَب مقرونٌ بالبركة، وفضْل الغنيِّ على الفقير -على تفسير اليد العُليا بالمُعطية-، والتعفُّف إنْ فُسِّرت بالمتعفِّفة، وأنه لا يستحقُّ من بيت المال إلَّا بإعطاء الإمام، ولا يُجبر أحدٌ على الأخْذ، وإنما أشهَدَ عُمر على حَكِيْم خشيةَ سُوء تأوُّله، فبرَّأ ساحتَه بالإشهاد. * * * 51 - بابُ مَنْ أَعْطَاهُ اللهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ 1473 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأقولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إلَيْهِ مِنِّي، فقال: "خُذْهُ، إذا جاءَكَ مِنْ هذا المالِ شَيْءٌ وأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ولا سائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ".

(باب مَن أعطَاهُ الله شيئًا من غَيْر مسألةٍ) وفي بعضها: (باب: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]). (خذه) إطلاق الأمر بالأخذ محمولٌ على المقيَّد بعده بالشَّرط. (مُشْرِفٍ)؛ أي: طامعٍ. (سائل)؛ أي: طالبٍ له. (وما لا)؛ أي: لا يكون كذلك بأن لا يَجيئك، وتميل نفسك إليه. (فلا تتبعه نفسك)؛ أي: في طلبه، واتركه، وفي الحديث منقبة لعُمر، وبيان زهده. قال (ط): وأن للإمام أن يُعطي الرَّجل وغيرُه أحوجُ منه، وأن ما جاءه من الحلال بلا سؤالٍ فأخْذه خيرٌ من تَرْكه، وأن ردَّ عطاء الإمام ليس من الأَدب. قال الطَّبَري: ندَب - صلى الله عليه وسلم - إلى القَبول سواءٌ أكان المعطي سُلطانًا أو غيره مطلقًا إلَّا ما عُلِمَ أنَّه حرامٌ، وقد قَبلت الصحابةُ الهدايا، وقال عُثْمان: جَوائزُ السُّلطان لحمُ ظَبْي زَكي، وقال عِكْرمة: لا يقبل إلَّا من الأُمراء، وقيل: ما كان من مَأْثَمٍ فعليهم، ومن مَهْنأ فلَنا، وحرَّم بعضُهم جوائزه، وكَرِهها آخرون. قال (ن): المشهور استحباب قَبول غير عَطيَّة السُّلطان، وأما

52 - باب من سأل الناس تكثرا

عطيَّته فإنْ غلَب الحرام حرُمتْ، وإلا فلا، وقيل: القَبول واجبٌ من السلطان دون غيره. * * * 52 - بابُ مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا (باب مَن سأل النَّاسَ تَكَثُّرًا)، بالمثلَّثة، أي: استكثارًا لا من حاجةٍ، ونصْبه على المصْدر. 1474 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ". 1475 - وَقَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -". وَزَادَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ: "فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كلُّهُمْ".

وَقَالَ مُعَلًّى: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْأَلةِ. (مُزْعَة) بضم الميم، وسكون الزاي، وبالمهملة: القِطْعة اليَسيرة، وخُصَّ الوجه بهذا؛ لأن الجنايةَ به وقعتْ؛ لأنه بذَل من وجهه ما أُمر بصَونه. قال (خ): يحتمل أنَّه يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقِطًا، لا قَدْر له، فهو كنايةٌ عن ذلك، كما يُقال: فُلان ليس له وجْه عند النَّاس، وأن يكون قد نالتْه العُقوبة في وجْهه حتَّى سقَط لحْمه مشاكلةً للذنب بالعقوبة، كما جاء ممن رآهم - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ الإسراء تُقرَض شفاهُهم، وقال له جبريل: إنهم الذين يقولون ولا يَفعلون، وأن ذلك علامةٌ له وشعارٌ يُعرف به لا مِن عُقوبةٍ مسَّتْه في وجهه. قال (ط): وإذا لم يكن فيه لحمٌ فتُؤذيه الشَّمس يوم القيامة أكثر من غيره. (حتَّى يبلغ العرق)؛ أي: يسخُن النَّاس من قُربها، فيَعرقون، فيَبلغ العَرَق. (ثم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -) في الحديث اختصار، فإنهم يستغيثون قبلَه بغير من سبَق، وكلُّ ذلك لبيان رِفْعته وعَجْز غيره عن هذه الشَّفاعة. (وزاد عبد الله) قال (ش): يُريد به ابن صالح أبو صالح بن

الجُهَني كاتِب اللَّيث، وقيل: عبد الله بن وَهْب المصري، كذا رواه ابن شاهِيْن عن عبد العَزيز بن قَيْس المِصْري، ثنا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وَهْب، قال: حدَّثني عَمِّي، قال: حدَّثني اللَّيث، فذكَره. قال (ك): هذا يحتمل التَّعليق حيث لم يقُل: زادني، وأنَّ عبد الله هو كاتِب اللَّيث، مات سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين، قال: ولعلَّ المراد بما حكَى الغَسَّاني عن الحاكم أنَّ البُخَارِي لم يُخرج عنه شيئًا في "الصحيح": أنَّه لم يُخرج حديثًا تامًّا مستقِلًا، انتهى. وقال غيرهما: إن زيادة عبد الله بن صالح عن اللَّيث وصلَها البزَّار، والطبراني في "الأوسط"، وابن مَنْدَهْ في "كتاب الإيمان" له. (بحلقة الباب) بإسكان اللَّام، أي: باب الجَنَّة، أو هو مجازٌ عن القُرب من الله تعالى. (مقامًا محمودًا) هو مَقام الشَّفاعة العُظمى في إراحة أهل المَوقِف، وهي مختصةٌ به - صلى الله عليه وسلم -. (أهل الجمع)؛ أي: أهل المحْشَر الذي يُجمع فيه الأوَّلون والآخِرُون. (وقال مُعلَّى) بفتح اللام المشدَّدة، وقد وصلَه يعقوب بن سُفيان عنه، والمراد أن هذه الرِّواية ليس فيه زيادةُ عبد الله بن صالح. قال (ط): في الحديث ذَمُّ السُّؤال، أي: لغير فقْرٍ واضطرارٍ واحتياجٍ، ويُرجى له أن يؤجر إذا لم يجد عنه بُدًّا. * * *

53 - باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا}، وكم الغنى؟ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يجد غنى يغنيه" {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} إلى قوله {فإن الله به عليم}

53 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، وَكَم الْغِنَى؟ وَقَوْل النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا يَجدُ غنًى يُغْنِيهِ" {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ {فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (باب قول الله عز وجل: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]؛ أي: لا يكون إلْحاحًا وإبْرامًا، ثم قيل: المعنى: يَسألون ولا يُلحِفون في المسألة، وقيل: لا يسألون أصلًا، كقوله: لا ضَبَّ بها ينجحر أي: لا ضَبَّ ولا انجحار، أي: لا يكون منهم سؤالٌ حتَّى يكون فيه إلحافٌ. (غنى) بكسر الغين، والقَصْر: ضدُّ الفَقْر، وإن صحَّت الرواية بالفتح والمدِّ فإنَّه الكِفاية. (للفقراء) عطفٌ على (لَا يَسألون)، وحرفُ العطف مقدَّرٌ، أو هو حالٌ، أي: قائلًا، نعَمْ، في بعضها: (لقَول اللهِ تعالى: للفقراء)، فيكون معناه: أنَّه شرط في السُّؤال عدَم وُجدان الغنى لوصف الله الفقراءَ بقوله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 273] أي: فإنَّ من استطاع ذلك فله نوعُ غنًى. * * *

1476 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَني مُحَمَّدُ ابْنُ زِيَاد قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأُكْلَةُ وَالأُكْلَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي، أَوْ لا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا". الحديث الأول: (الأُكلة) بضمِّ الهمزة: المأكولة، أي: اللُّقمة، وبفتحها: المَرَّة مع الاستِيفاء، ولكنْ لا معنى له هنا كما قال (ش)، قال: ويشهد للأول رواية: (اللُّقمة واللُّقمتان). (ويستحيي) بياءَين، وبياءٍ واحدةٍ. (أو لا يسأل) لا زائدةٌ، وفي بعضها: (ولا يَسأَل)، فـ (لا) غيرُ زائدةٍ. وفيه أن المَسكَنة إنما تكمُل مع العِفَّة عن السؤال، والصبرِ على الحاجة، واستحبابُ الحياء في كل الأَحوال. قال (ط): يُريد: ليس المسكين الكاملُ الذي هو أحقُّ بالصَّدقة، وأحوجُ إليها؛ لأن (الأَكلة والأَكلتان) لا تُخرج عن أصْل المَسكَنة. ثم قال أبو حنيفة، ومالك: إنَّ المسكين أسوأُ حالًا من الفقير، وقال الشَّافعي: الفقير أسوأُ حالًا. * * *

1477 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنِي كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ". الحديث الثاني: (أشوع) بالشين المعجَمة السَّاكنة، غير منصرفٍ. (كره) قال (ن): الرِّضَا والكَراهة من الله أَمْره ونهيُه، أو ثوابه وعقابه، أو أراد الثواب والعقاب. (قيل: وقال) إما فعلَان، وإما مَصْدران، ولكن كُتبا بغير ألفٍ على لغة رَبِيْعة. قال صاحب "المُحْكَم": القَول في الخير، والقَال والقيل في الشرِّ خاصةً. قال (ح): والمراد إما حكاية أقوال النَّاس كقال فلانٌ وقيل له، من باب ما لا يَعني، وإما نقل أمْر الدِّين بلا حُجَّةٍ ولا بيانِ مَن يُسمِّيه ولا يحتاط فيه. (وإضاعة المال)؛ أي: الإسْراف كدَفْعه لغير رشيدٍ، أو احتمال الغُبن، أو سوء القِيام به في الرَّقيق ونحوه حتَّى يضيع، أو قسمة ما لا ينتفع به الشريك، ويحتمل أن المراد: أنْ يتخلَّى الرَّجل عن كلِّ ماله

وهو محتاجٌ غيرُ قويٍّ على الصَّبْر، ويحتمل أن إضاعة جنْسه عن حقِّه والبُخل به. (وكثرة السؤال) قال (خ): أي: الإكثار من سُؤال النَّاس أموالَهم، أو سؤال المرء عما نُهي عنه من المُتشابه الذِي تُعبِّدنا بظاهره، أو السُّؤال عن أمور النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[التي] لا حاجةَ لهم بها، ونحو ذلك كما في: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء: 85]، ولهذا قال تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101]، فهذا مذمومٌ، بخلاف السُّؤال عما يُحتاج إلى معرفته في الدِّين، نحو: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 219] ونحوه. وذكر (ن): رابعًا، وهو سُؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره؛ لأنه يتضمَّن حُصول الحَرَج في حقِّ المسؤول عنه، فإنَّه قد لا يُريد إخبارَه بحاله، فإنَّه إنْ أخبَره شَقَّ عليه، أو ترَك جوابَه فسُوء أدبٍ. * * * 1478 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَخْبَرَني عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، قَالَ: فتَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ، وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ وَاللهِ إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِنًا، قَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا"، قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا،

ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ وَاللهِ إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِنًا، أَوْ قَالَ: "مُسْلِمًا" قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ وَاللهِ إنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِنًا، أَوْ قَالَ: "مُسْلِمًا -يَعْنِي فَقَالَ- إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ". 1478 / -م - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ هَذَا، فَقَالَ فِي حَدِيثهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكتِفِي، ثُمَّ قَالَ: "أَقْبِلْ أَيْ سَعْدُ! إنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {فَكُبْكِبُوا}: قُلِبُوا، {مُكِبًّا}: اَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ، فَإذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قُلْتَ: كَبَّهُ اللهُ لِوَجْهِهِ، وَكَبَبْتُهُ أَنَا. الحديث الثالث: (غُرير) بضمِّ المعجَمة. (لَا أُراه) بضمِّ الهمزة، أي: أَظُنُّه، وسبق الحديث في (باب: إذا لم يكن الإسلامُ على الحقيقة)، وأنَّ الرَّجل الذي لم يُعطِه: جُعَيْل بن سُراقة. (وعن أَبيه) عطفٌ على مَقول يَعقُوب، أي: أن يَعقُوب رواه بالطَّريقين.

(سمعت أبي) هو محمَّد بن سَعْد بن أبي وَقَّاص، فيكون مُرسَلًا؛ لأنه لم يُسنِده إلى سعد، وجوابه: أنَّ قوله: (فهذا) إشار إلى حديث سعد السَّابق، فهو متصلٌ. (في حديثه)؛ أي: في جملةِ حديثه. (بجُمْعٍ) بالباء الجارَّة، وضمِّ الجيم، وسكون الميم: في محلِّ نصبٍ على الحال، أي: ضَرَب بيده حالَ كونها مجموعةً، وفي بعضها: (فجمع) بالفاءِ، وفعلِ الماضي، وفي بعضها: (مَجمَع) بلفظ المَفْعَل، فيكون مضافًا إلى: (بين) اسمًا لا ظَرفًا كقوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] على قراءة الرَّفْع. (وكتفي) فيه اللُّغات الثلاثة المشهورة. (أقْبِل) يُروى بهمزة وصْلٍ تُكسر في الابتداء، وفتْح الموحَّدة، من القَبُول، أي: لا تعتَرض، ورُوي بقطع الهمزة مفتوحةً من الإِقْبال. قال التَّيْمي: كأنه لمَّا قال ذلك تَولى ليذهب، فأمرَه بالإقبال ليتبيَّن له وجه الإعطاء والمنْع. ورواه مسلم: (أإقبالًا) بهمزة استفهام، ونصب (إقبالًا) على المصدر، أي: أتُقاتل قتالًا، أي: أتُعارض فيما أقول مرَّةً بعد مرةٍ كأنَّك تُقاتل، قال (ش): ويصحُّ أن يكون مفعولًا لأجله. ثم إنما أعطى الرَّجل ليتألَّفه ليستقرَّ الإيمانُ في قلبه، وعَلِم أنَّه إن لم يُعطه قال قولًا أو فعل فعلًا دخَل به النارَ، فأعطاه شفَقةً عليه، ومنَع

الآخَر عِلْمًا منه برُسوخ الإيمان في صَدْره، ووُثوقًا بصبره. (أي سعد) منادى بـ (أَيْ) مبنيٌّ على الضمِّ؛ لأنه مفردٌ. قال (ك): ومناسبة الحديث للتَّرجمة بما فيه من تَرْك السُّؤال، ولعلَّه مستفادٌ من تَرْك الرَّجل المَشْفوع له ذلك. قال (ط): فيه الشَّفاعة من غير أن يَسأَلها المشفوع له، وأنه لا يُقطَع لأحدٍ بحقيقة الإيمان، وأنَّ الحِرْص على هداية غير المُهتدي آكَدُ من الإحسان إلى المهتدي، والأمر بالتعفُّف والاستغناء، وتَرْك السؤال. (فكبكبوا ...) إلى آخره، فَسَّر به المذكور في آية الشُّعراء، يُريد أن كبَّ متعدٍّ، وأكبَّ لازمٌ، وهو غريبٌ أن يكون القاصِر بالهمزة والمتعدِّي بحذْفها، ويجوز أن تكون همزةُ (كَبَّ) للضَّرورة. (فكبوا) من الكَبِّ، وهو الإلْقاء على الوجْه، وفي بعضها: (قُلبوا) بالقاف، واللام، والموحَّدة. (مكبًّا) إشارةٌ للمذكور في (سورة المُلك)، وعادة البُخَارِيّ إذا كان في القُرآن لفظٌ يُناسب لفظَ الحديث يذكُره استطرادًا. (غير واقع)؛ أي: غير لازمٍ. (وقع)؛ أي: كان متعديًا. (أكبر)؛ أي: أسَنُّ، فإن عمُره مائةٌ وستون سنةً، والإشارة بهذا إلى أنَّه من رواية الأكابِر عن الأصاغِر. * * *

1479 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لا يَجدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيُسْأَلُ النَّاسَ". الحديث الرابع: (ولا يفطن)؛ أي: لا يُعلم بحاله حتَّى يُتصدَّق عليه. (فيتصدق) بالنَّصب، وكذا قوله: (فيسأل)، لأنها في جواب النَّفي. قال (ش): ويجوز في (يسأل) الرَّفع. * * * 1480 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، ثُمَّ يَغْدُوَ -أَحْسِبُهُ قَالَ- إِلَى الْجَبَلِ فَيَحْتَطِبَ، فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: صَالِحُ بْنُ كيْسَانَ أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ. الخامس: (أحسبه)؛ أي: أظنُّه (قال: يغدو إلى الجبل)؛ أي: موضِع الحطَب.

54 - باب خرص التمر

واعلم أن تسمية الغني من جملة التَّرجمة، ولم يذكر فيما ذكره ما يدلُّ عليها، إما لأنَّه لم يجدْه على شَرطه كحديث "المصابيح" للبغَوي مرفوعًا: "مَن سأل وعندَهُ ما يُغْنيه؛ فإنما يَستكثِر من النَّار"، قالوا: يَا رسول الله! وما يُغنيه؟، قال: "قَدْر ما يُغدِّيه ويُعشِّيه"، وفي أخرى: "شِبَعُ يومٍ وليلةٍ"، وفي أُخرى: "خمسون دِرْهمًا، أو قيمتُها"، وفي أخرى: "أُوقيَّةٌ، أو عَدْلها"، ويحتمل أن ذلك يُستفاد من لفظ: (غنًى يُغنيه)؛ فإنَّ معناه شيئًا يقَع موقعًا من حاجته، فمَن له ذلك فهو الغنيُّ. * * * 54 - بابُ خَرْصِ التَّمْرِ (باب خَرْص التَّمْر) 1481 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: "اخْرُصُوا"، وَخَرَصَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا: "أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا"، فَلَمَّا أتيْنَا تبوكَ قَالَ: "أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ"، فَعَقَلْنَاهَا وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلقَتْهُ بِجَبَلِ

طَيِّيءٍ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ، فَلَمَّا أَتى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ: كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ؟ "، قَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ"، فَلَمَّا -قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كلِمَةً مَعْنَاهَا- أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: "هَذِهِ طَابَةُ"، فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ: "هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ" قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "دُورُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ، أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَج، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ يَعْنِي خَيْرًا". 1482 - وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو: "ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ". 1482 / -م - وَقَالَ سُلَيْمَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبَّاس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهْوَ حَدِيقَةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يَقُلْ: حَدِيقَةٌ. (تَبُوك) بفتح المثنَّاة فوق، وخِفَّة الموحَّدة المضمومة، والكاف، غير منصرفٍ: بينها وبين المدينة أربع عشرة مرحلةً من طرَف الشَّام.

(إذا امرأة) قال ابن مالك: سوَّغ الابتداءَ بالنَّكِرة الاعتمادُ على (إذا) الفُجائية، فمتى كانتْ قرينةٌ صحَّ الابتداء. (اخرَصوا) بفتح الراء، والخَرْص بفتح الخاء: حَزْرُ التَّمْر، مِنَ الخَرْص، وهو الظَّنُّ؛ لأن الخَرْص يُقدَّر بظَنٍّ. (أحصي)؛ أي: عُدِّيه، واحفَظي قدْره. (أما) بتخفيف الميم. (إنها) بكسر (¬1) الهمزة إنْ جُعلت (أمَا) استفتاحيةً، وبفتحها إنْ جُعلتْ بمعنى حقًّا. (فليعقله)؛ أي: يشُدُّه بعِقَال. (فعقلناها) ويُروى: (ففَعلْنا). (بجبل طيءٍ) في بعضها: (بجبلَي)، أي: وهما: أَجَاء -بفتح الهمزة، والجيم، والمدِّ- وسَلْمى. (ملك أيلة) بفتح الهمزة، وسكون المثنَّاة تحت، وباللام: قَلْعةٌ على ساحِل البحْر، آخرَ الحجاز، وأوَّل الشَّام، واسم المَلِك: يُوحَنَّا بن رُوْبَة؛ قاله الحَرْبي في "كتاب الهدايا"، نعَمْ، في "مسلم": جاءَ رسولُ ابنُ العَلْمَاء صاحب أَيْلَة، يُستفاد منه أنَّ العَلْماء أُمُّه، وذاك اسمه، واسم البَغْلة: دُلْدُل، وذلك سنة تسْعٍ، أما البغلة التي كان عليها في حُنَين، ويقال لها: النَّدى، فأهداها له فَرْوة بن نعامَة الجُذَامي كما في "مسلم". ¬

_ (¬1) في الأصل: "بفتح"، والمثبت من "ف" و"ب".

(وكساه)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كسَى ملِكَ أَيْلَة. (ببحرهم)؛ أي: بأرضهم وبلْدتهم، تقول العرب: هذه بَحريُّنا، وفي بعضها: (ببحْرتهم)، كأنه - صلى الله عليه وسلم - أقطعه ذلك، وفوَّض إليه حُكومته. (جاء حديقتك)؛ أي: قدْر ثَمَر حديقتك. (عشرة) نصب بنَزْع الخافض، أي: جاءَت، بمقدار كذا، أو خبر (جاء) بإجرائها مَجرى كان. قال (ش): وجوَّز بعضهم أن يكون حالًا. (خَرْص) منصوبٌ بدلٌ من عشَرة، أو بيانٌ، وجاء الرفْع فيهما، أي؛ الحاصل عشرة، أو ثمرتها، وجاء الرَّفع في خَرْص خبرَ مبتدأ محذوفٍ، ورُوي بالفتح مصدرًا، وبالكسر اسمًا. (فلما) هو مِن قَول ابن بكَّار. (قال ابن بكار) هو مَقول البُخَارِيّ. (طابة)؛ أي: المدينة، فهو من أسمائها كطَيْبة غير منصرفٍ للعلَمية والتأنيث، بمعنى الطَّيِّبة، وكان اسمها يَثْرِب، فسماها - صلى الله عليه وسلم - بذلك. (يحبنا ونحبه) قيل: على حَذْف مضافٍ، أي: يُحبُّنا أهلُه ونحبُّه، وأهلُه الْأَنصار سكَّان المدينة، أو على المجاز، أي: نفْرح برُؤيته وقُربه منا، ويَفْرح هو بنا لو كان ممن يَعقل، وقيل: بل حقيقةٌ، جعَل الله فيه إدراكًا ومحبَّةً كما في تَسبيح الحصَا، وحَنيْن الجِذْع، وثبَت أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كلَّمه، فقال: "اُثْبُت أُحُد، فليس عليكَ إلَّا نبيٌّ، أو شهيدٌ".

55 - باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري

(دور) جمع دار، كأُسْد وأَسَد، أي: القبائل الذين يَسكنون الدُّور بمعنى المَحالِّ. (النَجَّار) بفتح النُّون، وتشديد الجيم. (الأشهل) بفتح الهمزة، وسكون المعجَمة، وفتح الهاء، وباللام. (سَاعِدة) بكسر العين المهملَة. (الخزرج) بفتح المعجَمة، وسكون الزَّاي، وفتح الراء، وبالجيم. (وقال سليمان)؛ أي: مِنْها تقديم بني الحارِث علي بني ساعِدة، وصلَه البُخَارِيّ في (الحجِّ). (وقال سليمان عن سعد) وصلَه أبو علي أَحْمد بن الفَضْل بن خُزَيْمة في "فوائده"، ومن طريقه أخرجه الحافِظ الضِّيَاء في "الأحاديث المُختارة". (بمعنى: خيرًا)؛ أي: كان لفْظه خيرًا، وإنْ لم يذكُرها النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فهي مقدَّرةٌ في كلامه. وفيه قَبول هدايا المشركين، وأن الإمام يُعَلِّم أصحابَه أمورَ الدُّنيا كما يُعلِّمهم أمور الآخرة، وفيه مُعجِزتان للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومَدْح الأَنْصار. * * * 55 - باب الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَبِالْمَاءِ الْجَارِي وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا.

(باب العُشْر فيما يُسْقَى) (في العسل) قيل: وجْهُ دُخوله في الباب أن مقتضى الحديث أن ما لا سَقْيَ فيه أصلًا كالعسَل لا زكاةَ فيه. قال (ط): أوجَب أبو حنيفة الزَّكاةَ في العسَل، وليس فيه خبرٌ ولا إجماعٌ، وكذلك إيجابُه الزكاة في البُقُول والرَّياحين، وما لا يُوسَق، وقال الجمهور بخلافه؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانت البُقول في زمَنه، ولو أخذ الزكاةَ منها مرَّةً لم يَخْفَ. * * * 1483 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْح نِصْفُ الْعُشْرِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هذا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتُ في الأَوَّلِ؛ يَعْنِي حَدِيثَ ابنِ عُمَرَ، وفِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ، وبَيَّنَ في هذا وَوَقَّتَ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَم إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ، كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ بِلَالٌ: قَدْ صَلَّى، فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلَالٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ. (عَثَريًّا) بمهملةٍ، ومثلثةٍ مفتوحتين، وراءٍ، ومثنَّاةٍ تحت مشدَّدةٍ.

قال (ح): ما يَشْرب بعُروقه، أي: وهو المسمَّى بالبَعْل في الرواية الأُخرى، وقال الأكثر: هو الذي يشْرب بماء السَّماء الذي تَنكسِر حولَه الأرض وبغَير حَرْثه، قيل: مأخوذٌ من العَاثُور، وهو السَّدُّ الذي يُصنعَ ليَرجع الماءُ إلى الزَّرع، وقال التَّيْمي: لأن الماشي يتعثَّر بالحُفَرِ التي تجتمع من المطَر. (العُشْر) في تفرقته - صلى الله عليه وسلم - بذلك الرِّفقُ بأرباب الأموال، وبالمُستحقِّين. (بالنضح) هو شُربٌ دون رِيٍّ، والناضح: البَعير يُستقَى عليه، والمراد: ما سُقِي بالسَّواني، أي: النَّواضح. (قال أبو عبد الله)؛ أي: البُخَارِيّ، ومحلُّ هذا الكلام كما قالَه التَّيمي: الباب الثاني عَقِبَ حديث أبي سعيد، ولعلَّ هذا من غلَط النَّاسِخ، وغرَضه أن حديث أبي سعيد فيه القَدْر الذي تجب فيه الزكاة، فهو مبيِّنٌ لإطلاق حديث ابن عُمر: "العُشْر ونِصْف العُشْر" من غير ذكْره النِّصاب. قال (ك): وفي نسخة الفِرَبْرِيّ ذكْره هناك. قال: وبتقدير أن يكون مذكورًا في هذا الباب، فليس غلَطًا؛ لأن حديث أبي سَعيد قد سبق في (باب ما أُدِّي زكاته فليس بكنْز)، فصحَّ قوله. (هذا تفسير الأول)؛ أي: السابق في ذلك الباب، وإنْ كان يُعاد في الباب الآتي.

قلتُ: وهو معكوسٌ؛ لأن غرَض البُخَارِيّ أن حديث أبي سَعيد يقضي على حديث ابن عُمر لا العَكْس، وقائلُه؛ نعَمْ، هو يقضي عليه من حيث بيان القَدْر الواجِب، لكنْ ليس غرَضَ البُخَارِيّ. (والمفسَّر)؛ أي: بفتْح السِّين. (يقضي على المبهم)؛ أي: الخاصُّ يقضي على العامِّ بالتَّخصيص، لا أن مُراده أنها من المُجمَل والمُبيَّن؛ لأن الغَرَض أن حديث ابن عُمر دلالتُه واضحةٌ، على أن هذا اللَّفْظ ليس في نُسْخَة الفِرَبْرِي. (إذا) يتعلَّق بـ (مقبولةٌ). (الثبت) بتحريك الموحَّدة: الثَّبات. قال (ط): اتفقوا على اعتبار النِّصاب سِوى أبي حنيفة، فإنَّه يُوجِب الزكاةَ في قَليله وكثيره، وهو خِلاف السنَّة، قيل: وخِلاف الإجماع، وقد ناقَض ذلك في الرِّقَةَ، أي: حيث جاء فيها ربُع العُشْر، وجاء: "ليسَ فيمَا دُونَ خَمْسِ أَواقٍ صدَقةٌ"، فجعَل النصابَ قاضٍ على الإطلاق هناك، ولم يُوجِب الزكاة إلَّا في خمْسِ أواقي. قلتُ: إن ادَّعى في الثِّمار أن حديث ابن عُمر متأخِّرٌ، والعامُّ إذا تأخَّر كان عنده ناسِخًا للخاصِّ المتقدِّم، ولم يَثبت عنده تأخُّر حديثه: "في الرِّقة ربُع العُشر"، عن حديث: "ليسَ فيما دُونَ خمسِ أَواقٍ"، يكون ذلك جَوابًا له. (كما روى الفضل) وصلَه أَحْمد.

56 - باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة

قلت: ويؤخذ من ذكر البُخَارِيّ ذلك أنَّ الفضْل كان مع النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين دخَل البيت، وبلالٌ، وأُسامةُ، وقد صرَّح به النَّسائي في روايته. (وقال بلال) وصلَه البُخَارِيّ في (باب الحجِّ). (فأُخِذَ) بالبناء للمَفعول، ومُراده: زيادةُ بلالٍ عُمِل بها، ولا يُقال: إنها منافيةٌ لقَول الفَضْل: (لم يُصَلِّ)، فليس من باب زيادة الثقة؛ لأنا نقول: مُراده بأنه لم يُصَلِّ لم أرَه صلَّى. ووجْه الشَّبَه بينه وبين زكاة الثَّمَر: أنَّه عمَلٌ بالزيادة في الموضعين لا أنَّ أحدهما مُبهَمٌ، والآخَر مفسَّرٌ. * * * 56 - بابٌ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسقٍ صَدَقَةٌ (باب: ليسَ فيما دُوْن خمسةِ أوَسُقٍ صدقَةٌ) 1484 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا أقلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقةٌ، وَلَا فِي أقلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الإبِلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي أقلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ". قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ إِذَا قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ

57 - باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة؟

خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" وَيُؤْخَذُ أَبَدًا فِي الْعِلْم بِمَا زَادَ أَهْلُ الثَّبَتِ أَوْ بيَّنُوا. (فيما أقل)، (ما) زائدةٌ، و (أقل) مجرورُ (في) بالفتحة، بدليل قوله بعده: (ولا في أقلَّ). قال (ش): ومنهم من قيَّده بالرفع، أي: فيكون (ما) موصولةً حُذِفَ صَدْر صِلَتها. (خمسة أوَسق) هي ألفٌ وستُّمائةِ رَطْلٍ. (أواقي) جمع أُوقِيَّةٍ بالتَّشديد والتَّخفيف، وفُعِل بأَواقٍ كإعلالِ قاضٍ، وإنما اعتُبر النِّصاب ليبلغ حدًّا يحتمل المواساةَ. * * * 57 - بابُ أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، وهَلْ يُترَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ تَمْرَ الصَّدَقَةِ؟ (باب أخْذ الصَّدقَة عند صِرَام النَّخْل)، بكسر الصَّاد، قال (ك): وفتْحها: جَداده، أي: قَطْع ثمره، وأَصْرَم، أي: جاء وقْتُ صِرامه. قال الإسماعيلي: قوله: (عند صِرَام النَّخْل)، أي: بعد أن يجِفَّ في المِرْبَد ويصيرَ تمرًا، ولكنَّ ذلك لا يَتطاول، فحسُن أن يُنسب إليه كما قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، فيمن قال: إن

ذلك في الزكاة، وإنما ذلك بعد أن يدَاس ويُنَقَّى. * * * 1485 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ فَيَجيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ، حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ - رضي الله عنهما - يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً، فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ فَقَالَ: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يَأْكلُونَ الصَّدَقَةَ؟ ". (من ثمره) هو معنى قال في الأول: من ثمره؛ لأنهما متلازمان، وإنْ تغاير مَفهوماهما. (ينحى) بالنَّصب. (كومًا) بضمِّ الكاف: القِطْعة العظيمة من الشَّيء. قال الجَوْهَري: يُقال: كوَّمتُ كُومةً بالضمِّ إذا جمعتَ قِطعةً من تُرابٍ ورفعتَ رأسها، وفي بعضها بفتح الكاف، وفي بعضها: (كومٌ) بالرفع. (فجعلها) في بعضها: (فجعله)؛ أي: المَأْخُوذ، وسيأتي في (باب: ما يُذكر في الصَّدَقة): أن الآخِذ هو الحسَن. (أما علمت) في بعضها: (ما عَلِمْتَ) بتقدير همزة الاستفهام.

58 - باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة

(آل مُحَمَّد) هم بَنُو هاشِم، وبنو المُطَّلِب عند الشَّافعيّ، وأبو حنيفة ومالك: بنو هاشِم خاصةً، وقيل: قُرَيش كلُّها. (صدقة) ظاهره يَعمُّ الفَرْض والنَّفْل، لكن السِّياق يخصُّها بالفَرض؛ لأن الذي يحرم على آله إنما هو الواجبات. وفيه تمكين الصِّبيان من اللَّعِب بما لا يَملكونه حالةَ الفرَح بالأحوال المتجدِّدة إذا لم يكن فيه ضرَرٌ. قال (ط): ودفْع الصَّدقات للسُّلطان، وأن المَسجِد يُنتفع به في أمر جماعة المسلمين بجمْع الصدقة فيه، ولذلك كان يقعُد (¬1) للوفود، والحُكْم بين النَّاس، ولَعِب الحبَشة بالحِرَاب، وتعلُّم المُثاقَفة، وإدخالُ الأطفال المَساجد، وأن الطِّفْل يتجنَّب الحِرَاك كالكبير، وأنهم يُعَرَّفون سبَب النَّهي ليبلِّغوا وهم على عِلْمٍ منه. * * * 58 - بابُ مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ أَوْ نَخْلَهُ أَوْ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوِ الصَّدَقَةُ فَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بَاعَ ثِمَارَهُ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا"، فَلَمْ ¬

_ (¬1) في الأصل: "يفعل" والمثبت من "ف" و"ب".

يَحْظُرِ الْبَيع بَعْدَ الصَّلَاحِ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجبْ. (باب مَن باعَ ثِمارَه أو نَخْله (¬1) أو أَرْضَه) ذكَرهما مع أنهما لا زكاةَ فيهما على إرادة ما فيهما من ثَمَرٍ وزَرْعٍ، أي: إذا بِيْعا معًا؛ لأن البَيع قد يقَع فيهما، وقد يقَع في الثَّمر أو الزَّرع وحدَه. (يبدو)؛ أي: يظهَر، والمراد: إذا بِيْعتْ (¬2) وحدَها، أما مع النَّخْل فيجوز إجماعًا. (فلم يحظر) هو من قَول البُخَارِيّ، أي: لم يحرِّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيعَ بعد البدوِّ على أحدٍ سواءٌ وجَب عليه الزكاة أَوْ لا، فكأنه تفسيرٌ، وعقَّبه بالفاء إشارةً إلى أنَّه يُستفاد من لفْظ (حتَّى) التي للغاية؛ إذْ ما بعدَها مخالفٌ لما قبلَها. قال (ط): غرَضه الرَّدُّ على الشَّافعي حيث منعَ البيعَ بعد الصَّلاح، حتَّى تُؤدَّى الزكاة منه، فخالف إباحةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له. قال (ك): المستحِقُّ شريكٌ، فبيع حصَّته بيعٌ باطلٌ إلا بإذنٍ، فلا يصحُّ البيع إلَّا فيما سِوى الواجب، وأيضًا فالمفهوم لا عُمومَ له، فلا ¬

_ (¬1) "أو نخله" ليس في الأصل. (¬2) في الأصل: "أينعت"، والمثبت من "ف" و"ب".

يَلزم كون كلِّ ثمرةٍ بدا صلاحُها يجوز فيها البيع لجوازِ مانعٍ آخر. * * * 1486 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا قَالَ: "حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ". الحديث الأول: (وكان) يحتمل عَود الضَّمير للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولابن عُمر، فقائله إما ابن عمر، وإما ابن دِيْنار. (عاهته)؛ أي: آفتُه، أي: فيصير على الصِّفة المطلوبة فيه كظُهور النُّضْج، ومبادئ الحَلاوة بأن يتلوَّن ويَلين، أو يتلوَّن بحُمْرةٍ، أو صُفرةٍ، أو سوادٍ، ونحوه، فإنَّه حينئذٍ يأْمَن من العاهات، وقبل ذلك رُبَّما تتلَف لضَعْفها، فلم يَبْقَ شيءٌ في مُقابلَة الثمن، فيكون مِن أكل أموال النَّاس بالباطِل، نعَمْ، يُخصُّ من عُموم ذلك ما إذا شرَط القَطْع، فإنَّه جائزٌ إجماعًا. * * * 1487 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ ابْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاء بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا.

59 - باب هل يشتري صدقته؟

1488 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيع الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ، قَالَ: حَتَّى تَحْمَارَّ. الثاني: (تُزهي) بضمِّ أوَّله: مِن أَزْهتْ الثَّمرة. (حتَّى تَصْفَار)؛ أي: أو تصفَرَّ، أو تَسوَدَّ، أو نحو ذلك، فهو للتَّمثيل، ويُقال أَيضًا: زهَى النَّخْل: ظهَرت ثمرتُه، وأزهى: احمرَّ أو اصفرَّ، وقال الأَصْمَعي: لا يُقال: أَزْهى بل زَهى. قال الخَلِيْل: أي: بَدا صلاحُه. قال ابن الأَثِيْر: منهم مَن أنكر يُزهي، كما أن منهم من أنكر يَزهو. قال (ك): والحديث الصَّحيح يُبطل قَول مَن أنكَر الإزْهاء. * * * 59 - بابٌ هَلْ يَشْتَرِي صَدَقَتَهُ؟ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقتهُ غَيْرُهُ؛ لأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا نهى الْمُتَصَدِّقَ خَاصَّةً عَنِ الشِّرَاءَ وَلَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ.

(باب: هل يَشتَري صدَقتَه؟) 1489 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْمَرَهُ، فَقَالَ: "لا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ" فَبِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - لَا يَتْرُكُ أَنْ يَبْتَاعَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِهِ إلا جَعَلَهُ صَدَقَةً. الحديث الأول: (استأمره): استشَاره. (لا تعد)؛ أي: اقطَع طمَعك منه، ولا تَرغبْ فيه. (فبذلك)؛ أي: فلهذا كان ابن عُمر إذا اشتَرى شيئًا كان قد تصدَّق به إنما يشتريه ليتصدَّق به ثانيًا لا ليَنتفع. (يترك)، في بعضها: (لا يترك)، فيُؤوَّل على معنى التَّخْلية بتقدير: من، أي: لا يخلي الشخص من أن يبتاعه في حالٍ إلَّا حال صدقة، أو لغرضٍ إلَّا لغرض الصدقة. * * * 1490 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ،

60 - باب ما يذكر في الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -

وَظَننتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لا تَشْتَرِي، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئهِ". الثاني: (حملت) المراد تَمليكه للغازي لا أنَّه وقَفه، وإلا لمَا صحَّ أن يَبتاعه. (في سبيل الله) المُتبادر إرادة الجهاد. (فأضاعه)؛ أي: لم يَعرف قدْره، فأراد أن يَبيعه بالوَكْس. (لا تشتره) في بعضها: (لا تَشتريه) وهو إشباع الكسرة هاءً. (كالعائد) الغرَض من التشبيه بذلك: تَقبيح هذا الفِعل كما يَقبُح أن يَقيءَ ثُمَّ يأْكلَه. * * * 60 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب ما يُذكر في الصَّدَقة) 1491 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كِخٍ كِخٍ" لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ

قَالَ: "أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ". (كخ) بفتح الكاف وكسرها، وسكون الخاء، ويجوز كسرها مع التَّنوين، وهي كلمةٌ يُزجَر بها الصِّبيان، أي: اتْرُكْه وارمِ به، وأشار البُخَارِيّ في (باب: مَن تكلَّم بالفارسية) إلى أنَّها أعجميةٌ مُعرَّبةٌ. (أما شعرت) هذه الكلمة تُقال في الشَّيء الواضح، وإنْ لم يكن المُخاطَب عالمًا به، أي: كيف خَفِيَ عليك مع ظُهور تحريمه؟ وهو أبلَغُ في الزَّجْر. والحِكْمة في تحريمها عليهم؛ لأنها مطهِّرة كما قال تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فهي كغُسالة الأوساخ، وآلُ محمد - صلى الله عليه وسلم - منزَّهون عن أوساخ النَّاس، وإما لأن أخْذها مَذلَّةٌ؛ لأنها اليد السُّفلى، ولا يَليق بهم الذلُّ والافتقار إلى غير الله تعالى، ولهم اليد العُليا، وإما أنَّهم لو أخذوها لطالَ لسان الأعداء أن محمدًا يَدعونا إلى ما يأْخذه، فيُعطيه لأهل بيته، قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90]، ولهذا أمر أن يصرفه إلى فُقرائهم في بلدتهم. قال الطَّحَاوِي: قال أبو حنيفة: تحلُّ الصدقة لهم فَرضًا أو نَفلًا؛ لأنها إنما كانت محرمةً من أجْل أن لهم الخمُس من سهم ذي القُربى، فلمَّا انقطع ذلك بموت النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حلَّ بذلك لهم ما كان حرامًا، وقال صاحباه: تَحرُم عليهم كلاهما. * * *

61 - باب الصدقة على موالي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -

61 - باب الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب الصدَقة على مَوالي أَزواج النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الإِسْماعِيلي: ساق فيه حديث مولاة مَيْمُونة، فلو عبَّر فيه بالإفراد كان أَولى من التَّعبير بالجمْع. قلتُ: فيه قصَّة بَرِيْرة، فناسبَ التعبير بالجمع. 1492 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبِّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: وَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلَّا انتفَعْتُمْ بِجلْدِهَا". قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: "إِنَّمَا حَرُمَ أَكلُهَا". الحديث الأول: (مولاةٌ)؛ أي: عَتِيْقة، وهو مرفوعٌ نائبٌ عن الفاعل لـ (أُعطِيَ). (لميمونة) صفةٌ لـ (مولاة). (من الصدقة) متعلِّقٌ بـ (أُعْطِيت)، أو صفةٍ لـ (شاةٍ). (إنما حرم أكلها) وجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أن الأكل غالبٌ في اللَّحم، فكأنه قال: اللَّحم حرامٌ لا الجِلْد. * * *

1493 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبة، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، وَأَرَادَ مَوَالِيهَا أَنْ يَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، قَالَتْ: وَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ فَقُلْتُ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلنا هَدِيَّةٌ". الثاني: (مواليها)؛ أي: ساداتها، إما بمعنى المُتسبِّبين في عِتْقها بالكتابة، وكأنهم أعتَقوها، والمَولى يُطلق على المُعتِق، وله إطلاقات أُخَر في المعتَق، وابن العَمِّ، والناصِر، والجَارِ، والحَلِيْف. قلتُ: أو المراد مالكُها؛ لأن المكاتَب لم يخرج عن مِلْك سيِّده، ومواليها هم بنو هِلال. (اشتريها)؛ أي: بما يُريدون من الاشتراط، فإنْ قيل: هذا الشَّرط يُفسِد البيع، فكيف قال: (اشتَرِطي لهم)؟ ويصير أَيضًا في صُورة المُخادَعة. قيل: أجاب بأن هذا من خصائص عائشة، أو المراد الزَّجْر والتَّوبيخ؛ لأنه كان بَيَّنَ لهم حُكم الوَلاء، وأن هذا الشَّرط لا يَحلُّ، فلمَّا ألَحُّوا فيه، وخالَفوا الأمر؛ قال لعائشة: لا تُبالي سواءٌ شرَطْتيهِ أو لا، فليس: (اشتَرطي) للإباحة. (يُصدق) مبنيٌّ للمفعول، والهَدِيَّة ما يُنقَل لبَيت المُتَّهِب إكرامًا،

62 - باب إذا تحولت الصدقة

وأما الصدقة فهي هبةٌ لثَواب الآخرة. * * * 62 - بابٌ إذَا تَحَوَّلَتِ الصَّدَقَةُ (باب إذا تَحوَّلت الصدقة) أدخل (ك) حديثَه في الترجمة السابقة، وأسقطَه. 1494 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ "، فَقَالَتْ: لَا، إلا شَيْءٌ بَعَثَت بِهِ إِلَيْنَا نُسَيْبَةُ مِنَ الشَّاةِ الَّتي بَعَثَتْ بِهَا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: "إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". الحديث الأول: (إلا شيء) استثناءٌ من محذوفٍ، أي: لا شَيءَ إلا شيءٌ كذلك. (نُسيبة) بضم النُّون: اسمُ أُمِّ عَطِيَّة. (بعثت) بالخِطَاب. (محِلها) بكسر الحاء: مِن حَلَّ: إذا وجَب، قال الزَّمَخْشَري: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] أي: مكانَه الذي يَحِلُّ فيه، أي:

يجب أن يُنحَر فيه، وقال التَّيْمي: أي: بلَغتْ حيث يَحِلُّ أكلها، مَفْعِل من حَلَّ الشيء. والمعنى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - بعَث إلى أُم عَطِيَّة بشاةٍ من الصَّدَقة، فبعثتْ هي إلى عائشة من تلك الشاة هديَّةً، وهو معنى قول البُخَارِيّ: (تَحوَّلَتْ). * * * 1495 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلَحْمٍ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، سَمعَ أَنسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (عليها صدقة) قدَّم الخبر لإفادة الاختصاص، أي: لا علَينا، وحاصلُه: أنَّه إذا قبضَها المتصدِّق عليه زال عنها وصْف الصَّدقة، فيَجوز للغني شراؤها منه، وللهاشميِّ أكلُه منها. (وقال أبو داود) أي: لسُليمان الطَّيَالِسِي، وهو في "مسنده". (سمع) بيَّن به أن قَتادة صرَّح بالسَّماع بخلاف قوله: (عن) في الأُولى، فإنَّه مدلَّسٌ. قال (ط): لا يدخل أزواجه - صلى الله عليه وسلم - في آله بالاتفاق، وأما أكله - صلى الله عليه وسلم -

63 - باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا

الهديَّةَ فلِتأَلُّف القلوب، والدُّعاءِ للمحبَّة، ويُثيب عليها بمثْلها، وبأعظمَ منها، فلا مِنَّةَ بخلاف الصدقة. * * * 63 - بابُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ وَتُرَدَّ في الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا 1496 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أطاعُوا لَكَ بِذلِكَ فَأخْبِرْهُمْ أنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيائِهِمْ فترَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ". (باب أخْذ الصَّدَقة من الأَغنياء، وتُرَدُّ في الفُقراء حيث كانوا) قيل: يُريد بذلك أنَّه يجوز نقل الزكاة عن بلَد المال مع وُجود المستحقِّين فيه كما يَقولُه أبو حنيفة، وقال الإِسْماعِيْلي: ظاهره أراد منْع النَّقْل كما قال الشَّافعي.

64 - باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، وقوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}

قال (ك): أي: يرَدُّ على فُقراء أولئك الأغنياء حيث وُجِدوا هناك ولا يُنقل، وإلا لجازَ النَّقْل، وسبق بيان الحديث في (أبواب الزكاة). (أهل الكتاب) بدلٌ مما قبلَه لا صفةٌ، وذكَرهم -وإنْ كان في اليمَن غيرُهم من المُشركين- تَغليبًا. (أطاعوا): انقادوا. (كرائم): نَفائِسَ. (اتق) تذييل مما يشتمل الظُّلم بأَخْذ الكَرائم وغيره. (حجاب) تعليل الاتقاء بنفْي الحِجاب تمثيلٌ للدَّعوة بمن يَقصد السُّلطان متظلِّمًا، فلا يُحجب عنه. وفيه إجابة دعاء المظلوم، ووَعْظ الإمامِ الولاةَ في أمور الرعيَّة، والتخويف بعاقبة الظُّلم، قال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]. * * * 64 - بابُ صَلَاةِ الإمَام وَدُعَائه لصَاحب الصَّدقَة، وَقَوْلِهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (باب صلاة الإمامِ ودُعائه) 1497 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ

عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أتاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ". فَأَتاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوفَى". (اللهمَّ صل)؛ أي: ارْحَمْ واغْفِر، فالصلاة من الله مغفرةٌ، فهو امتثالٌ لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}، أي: استغفِرْ لهم، ولا يُحسُن لغير النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (اللهمَّ صَلِّ على فُلانٍ) -إلَّا الأنبياء والرُّسل- إلَّا تبَعًا، كما لا يقال: محمَّدٌ عز وجل، بل ذلك مخصوصٌ بالله تعالى، فقوله ذلك لأَبي أَوفى وغيرِه مختصٌّ به، واختُلف هل هو حرامٌ، أو مكروهٌ، أو أدبٌ؟ ثلاثة أوجهٍ، نعَمْ، يُستحب الدعاء للمالِك بأن يُقال: آجَرَك الله فيما أعطَيتَ، وباركَ لك فيما أبقَيتَ، أو يقال: اللَّهمَّ تقبَّلْ منه واغفِرْ له، وأوجَب الظاهريةُ الدُّعاء له. وقال (ط): معنى: (صَلِّ عليهم)، أي: عند الموت صلاةَ الجنازة حملًا على معناها الشَّرعي، أو أن ذلك من خصائص النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُنقل أنَّه أمَرَ السُّعاة بذلك، ولو وجَب لأمرَهم به، وعلَّمهم كيفيته، وبالقياس على استيفاء سائر الحُقوق؛ إذ لا يجب الدعاء فيه. قال (خ): ومعنى الصلاة لغةً: الدُّعاء، وذلك مختلفٌ، فصلاته لأمته دعاءٌ بالمغفرة، وصلاتهم عليه دعاءٌ بزيادة القُربة، ولا يليق بغيره - صلى الله عليه وسلم -. * * *

65 - باب ما يستخرج من البحر

65 - بابُ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: لَيْسَ الْعَنْبَرُ بِرِكَازٍ، هُوَ شَيءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ الْخُمُسُ، فَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ، لَيْسَ فِي الَّذِي يُصَابُ فِي الْمَاءَ. (باب ما يُستَخرج من البَحْر) (العَنْبر) بسكون النُّون، وفتح الموحَّدة: معروفٌ، بخلاف العبير، بكسر الموحَّدة، وسكون المثناة تحت، فإنَّه أخلاطٌ تجمع بالزَّعفران. (دَسَره) بفتح المهملَتين: دفَعَه، ورَماهُ إلى شاطئه، والظَّاهر أنَّه زبَدُه، وقيل: هو رَوث دابَّةٍ بحريَّة، وقيل: نباتٌ في قَعْر البحر تأكله بعض دوابِّه، ثم تقذِفُه رَجيْعًا، وقال ابن سِيْنا: نَبْعُ عينٍ في البحر، وقيل: من كُور النَّحل يخرج من السَّيل بجزائر البحر. (وإنما) إلى آخره، وصلَه البُخَارِيّ من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد، وقصَد بذلك الردَّ لقَول الحسَن، أي: لمَّا قال: في الرِّكَاز، وقدَّمه (¬1) كان للحصر، فخرَج ما يُوجد في الماء، أو أنَّ لفْظ الزكاة لا يَتناول ما في الماء، بل ما رُكِزَ في الأرض. ¬

_ (¬1) أي: لفظ: "في الركاز".

قال (ط): اللُّؤلؤ والعَنْبر متولِّدان من حيَوان البحر، فأشبَها السَّمَك، فلا يكونان رِكازًا. قال التَّيْمي: ليس فيه دليلٌ على وُجوب الزكاة، ولا على عدَمه فيهما، لكنْ لمَّا كان في ذكر البحر لم يُذكر الزكاة معه، ولا الخُمُس عُلِمَ أن حكمه ليس كالرِّكَاز. * * * 1498 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بني إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُسْلِفَهُ ألفَ دِينَارٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يَجدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ- فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ". (وقال الليث) وصلَه البُخَارِيّ في (البيوع). (فرمي بها) يقصد أن الله يُوصِلُها إلى صاحب المال، وسيجيء الحديث مطوَّلًا في (باب الكفالة بالقَرْض). قال (ط): في أخْذ الرَّجل الخشَبة حَطَبًا دليلٌ أن ما يُؤْخَذ من البحر لا شيءَ فيه، وهو لمن يستَحِقُّ، وأن الله متكفِّلٌ بعَون مَنْ أراد أداءَ الأمانة، وأن الله يُجازي أهلَ الإرفاق بالمال يحفظه عليهم مع أَجْر

66 - باب في الركاز الخمس

الآخرة، وركُوب البحر بأموال النَّاس والتِّجارة. * * * 66 - بابٌ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ: الرِّكازُ دِفْنُ الْجَاهلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكثِيرِهِ الْخُمُسُ، وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكازٍ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكازِ الْخُمُسُ". وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائتَيْنِ خَمْسَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كانَ مِنْ رِكازٍ فِي أَرْضِ الْحَربِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْمَعْدِنُ رِكازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهلِيَّةِ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ: أَرْكَزَ الْمَعْدِنُ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، قِيلَ لَهُ: قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ: أَرْكَزْتَ، ثُمَّ نَاقَضَ وَقَالَ: لا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلَا يُؤَدِّيَ الْخُمُسَ. (بابٌ: في الرِّكَاز الخُمُس) الرِّكَاز: هو المال المَدفُون تحت الأرض.

(وابن إدريس) قال البَيْهقي: أراد به الإمام محمَّد بن إِدْريس الشَّافعي، وبذلك جزَم أبو زَيْد المَرْوَزي في روايته عن الفِرَبْرِي، وقيل: إنما هو عبد الله بن إدريس الأَوْدِي، ولا يَصحُّ. (دِفْن) بكسرٍ، ثم سكونٍ: بمعنى مدفُونٍ، كرِبْحٍ وطِحْنٍ، أما بفتح الدَّال فمصدرٌ. (في قليله) ولو لم يبلُغ نِصابًا، لكنْ هذا قول الشَّافعي القَديم، والجديد: اعتبارُ النِّصاب في الرِّكَاز. (وليس المعدن) سُمي بذلك لإقامة التِّبْر فيه، مِن عَدِنَ، أي: أقامَ، أي: ليس بزكاةٍ حتَّى يجب فيه الخمُس؛ لاحتياج استخراجه إلى مَؤُونةٍ، فيجب فيه ربُع العُشر، وعادة الشَّرع التَّخفيف فيما فيه مَؤونة، وقيل: إنما كان في الرِّكَاز الخمُس؛ لأنه مال كافرٍ، فأُنزل واجدُه مَنزلة الغانِم، فله أربعة أخماسه. (خمسة)؛ أي: خمسة دراهِم، وهو ربُع العشر. (السِلْم) بكسر السين، وسكون اللام، أي: دار الإِسْلام، ودار العَهْد، والأَمان. (الزكاة)؛ أي: المَعهودة، وهي ربُع العشر، لكنْ عُموم الحديث -الرِّكَاز- (¬1) يَدفع هذا التفصيل. (اللقَطة) بفتح القاف وسكونها، وسبَق أنَّ قياسه الفتح: للَّاقِط، ¬

_ (¬1) أي: حديث: "في الركاز الخمس".

والسكون: للمَلْقُوط، والمراد أنها إذا كانت في أرْض العدوِّ، فيحتمل أن تكون للمُسلمين، وأما الرِّكَاز فلا يحتاج للتعريف، بل يُملَك وبجب الخمُس. (وقال بعض النَّاس) قيل: أراد الإمام أبو حنيفة، فإنَّه يُوجب الخمُس في المَعْدِن أَيضًا. (أركز) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للفاعل، قاله (ك)، وفيه نظرٌ، فلو بُني للمفعول شاعَ بدليل ما بعدَه برفع: (شيءٌ). (قيل له)؛ أي: فيلزم عليه أن الموهوب والرِّبْح والتَّمر يكون ركازًا، ويقال: لصاحبه: (أركزت)؛ أي: بتاء الخِطَاب، لكن الإجماع على خِلافه، وأنه ليس فيه إلَّا ربُع العُشر، يقال: أَرْكَز، فالحُكم مختلفٌ، وإن اتفقَت القِسمة. (ثم ناقض) هو إلزامٌ آخر، ووجْه المُناقضة: لأنه قال أوَّلًا: المعدِن رِكَاز، ففيه الخمُس، وقال ثانيًا: (لا بأس أن يكتمه)؛ أي: عن السَّاعي. (ولا يؤدي خمسه)؛ أي: الخمُس في الرِّكَاز، وهو عنده شاملٌ للمعدِن. قال الطَّحَاوِي: قال أبو حنيفة: مَن وجَد رِكَازًا فلا بأْسَ أن يُعطي الخمُس للمساكين، وإنْ كان محتاجًا جاز أن ياْخُذه لنفْسه، وفي "الهداية": قال - صلى الله عليه وسلم -: "في الرِّكَاز الخمُس"، وهو من الرَّكْز، فانطلَق على المعدِن، وفيها أَيضًا: ولو وجَد في داره معدِنًا، فليس فيه شيءٌ

عنده، والاعتِراض الأوَّل نقْضُ الدَّليل، والثَّاني نقْض الحُكم. قال (ط): إلْزامه إما لأبي حنيفة بتَسمية من وُهِب ونحوه، فحُجَّةٌ قاطِعةٌ، لأنَّ اشتراك المسمَّيات في الأسماء لا يدلُّ على اشتراكها في الأحكام، وأما قوله (¬1): (وتناقضه) فتعسُّفٌ؛ إذْ مُراده كما قال الطَّحَاوِي: أنْ يأْخُذه لنفْسه عِوَضًا مما له من الحُقوق في بيت المال لا أنَّه أسقَط الخمُس من المَعدِن بعد ما أوجَب فيه. * * * 1499 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ". (وعن أبي سلمة) عطفٌ على (سَعيد). (العجماء)؛ أي: البَهيمة؛ لأنها لا تتكلَّم. (جُبَار) بضمِّ الجيم، وخِفَّة الموحَّدة، أي: هَدَرٌ، ولا بُدَّ من تقدير مضافٍ في المبتدأ لصحة الكلام، أي: فِعْل العَجْماء ونحوه، والمراد أنها إذا انفلَتتْ فصدَمتْ إنسانًا فأتلَفتْه، أو أتلفتْ مالًا، فلا غُرْمَ على مالكها، أما إذا كان معَها فيَلزمه. ¬

_ (¬1) أي: البُخَارِي.

67 - باب قول الله تعالى: {والعاملين عليها} ومحاسبة المصدقين مع الإمام

(والبئر جبار) صادقٌ بأمرَين: بأن يُحفر بئْرٌ في مَواتٍ، فيسقُط فيها إنسانٌ، أو يَستأجر من يَحفِر له بئرًا في ملْكه، فتَنهار عليه، فلا يلزمه شيءٌ في ذلك. (والمعدن)؛ أي: بالأمر الثَّاني في البئْر، لا مَغَرم عليهم، وفي عطف الرِّكَاز على المعدِن دليلٌ على أنَّه غيره، وأن الخمُس في الرِّكَاز لا في المعدِن. * * * 67 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} وَمُحَاسَبَةِ الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الإِمَامِ 1500 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنَ الأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ. (باب قَول الله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]) (المصدقين) أي: المتصدِّقين، اسم فاعلٍ من التَّفعيل. (الأَسْد) بفتح الهمزة، وسكون المهملَة، أي: الأَزْد، فالسِّين والزاي يَتعاقبان.

68 - باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل

قال التَّيْمِي: أما قَبيلة أَسَد، فبفتح السين بلا أَلْفٍ ولامٍ. (سُليم) بضم السِّين. (ابن اللُّتْبية) بضمِّ اللام، وحكَى ابن دُريد فتحها، قيل: وهو خطأٌ، وبسكون المثنَّاة فوق، وحكى ابن الأَثِيْر في "الجامع" فتْحها، وياء النِّسبة، ويقال: الأُتَبيَّة، بهمزةٍ مضمومةٍ، قيل: إنها اسمُ أُمِّه عُرف بها، واسمه: عبد الله. قال (ط): فيه أن مَن شُغل بشيءٍ من أعمال المسلمين أخَذ الرِّزْق على عمَله، ومُحاسبة المُؤتَمن، وأن المُحاسبة تصحِّح أمانته، وتقديم المَفضُول في الإمارة مع وجود الفاضل. * * * 68 - بابُ اسْتِعْمَالِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَلْبَانِهَا لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ (باب استِعمال إبِل الصَّدَقة) 1501 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ ألْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَقتلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ

أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ. تَابَعَهُ أَبُو قِلَابَةَ وَحُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنسٍ. (عُرَيْنة) بضم المهملة، وفتح الراء، وسكون المثنَّاة تحت، ونون: قَبيلةٌ. (اجتووا)؛ أي: كَرِهوا، وهو بالجيم افتعالٌ من الجَوَى، وهو مرَضٌ. (الذود)؛ أي: الإبِل. (وأبوالها) فيه عُلْقةٌ لمن قال: بَول ما يُؤكل طاهرٌ، وأُجيب: بأن الدُّواء يُبيح ما كان حرامًا. (الحَرَّة) بفتح المهملة: أرضٌ ذات حِجارةٍ سُودٍ كأنها احترقت بالنَّار. وروي أنَّهم كانوا مُرتدِّين، وسبق الحديث في (باب: أبوال الإبِل) من (الطهارة)، وأنهم كانوا ثمانيةً، وأن الرَّاعي: يَسَار وغير ذلك، وقطع الأطراف؛ لأنهم قُطَّاع طريقٍ، وسَمَرَ أعيُنَهم لما رُوي أنَّهم سَمروا أعيُن الرُّعاة، وقيل: كان قبْل نُزول الحُدود. وقال (ط): قصْد البخاريِّ أنَّه يجوز إعطاء الزكاة لصنفٍ واحدٍ، كما أعطى هؤلاء وهم أبناء سبيلٍ، وهو حُجَّةٌ قاطعةٌ. قال (ك): لا حُجَّةَ فيه أصلًا؛ إذ الصدقة لم تكُن منحصرةً عليها، ولا بالابتياع؛ إذ الرقَبة تكون لغيرهم، ولا الانتفاع بتلك المدَّة ونحوها.

69 - باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده

قلتُ: مع رِكَّته لا يخفى ما فيه، وإنما الجواب ما قاله (ط). (تابعه أبو قِلابة) وصلَه البُخَارِي في (الجهاد)، وغيره. (وحُميد) وصلَه مسلم، والنَّسائيّ، وأبو داود، وابن ماجه، وابن خُزيمة. (وثابت) وصلَه البُخَارِي في (كتاب الطِّبِّ). * * * 69 - بابُ وَسْمِ الإِمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِ (باب وَسْم الإمام) 1502 - حَدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ، حَدَّثنَا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ. (بعبد الله)؛ أي: أخي أنس لأمه، وهو صحابيٌّ، وسَها (ن) فجعلَه تابعيًّا، وهو الذي دعا لأبوَيه في ليلة الوِقَاع فحمَلتْ به، فقال: "باركَ الله لكُما في لَيلتِكُما"، قال رجلٌ من الْأَنصار: رأيتُ تسعةً أو عشرةً من أولاد عبد الله كلُّهم قرؤوا القُرآن، قُتل بفارس شهيدًا.

(ليحنكه) هو أن يَمضَغ التَّمْرة ويجعلَها في فم الصَّبي، ويحكَّ بها في حنَكه بسبَّابته، حتَّى تتحلَّل في حلْقه، والحنَك أعلى داخِل الفَمِ. (فوافيته)؛ أي: أتيتُه. (الميسم) حَديدةٌ تُكوَى بها الدابَّة، مِن الوَسْم، وهو التَّأْثير بعلامةٍ، والسِّمَة: العلامة. وفيه: أن هذا مخصوصٌ من عموم النَّهي عن تعذيب الحيوان؛ لما في الوسم من الفوائد تميُّزه من ماله، وإذا وجَده بعد الإخراج لا يشتريه؛ لئلا يكون عائدًا فيما أخرجه لله تعالى، ولا يَسِمُ في الوجْه؛ لورود النَّهي عنه، وأنْ يقصد بالطِّفل أهل الفَضْل والصَّلاح ليُحنِّكوه ويَدعُو له، وكانت عادةً في زمنه - صلى الله عليه وسلم - تبرُّكًا برِيْقه، ويَدِه، ودُعائه. * * *

70 - باب فرض صدقة الفطر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 70 - باب فَرْضِ صدَقَةِ الْفِطْرِ وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً (باب صدَقة الفِطْر) (ورأى) في بعضها: (ورَوى). * * * 1503 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ صاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوج النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ. (السَكَن) بفتح المهملَة، والكاف. (صاعًا) هو أربعة أمدادٍ، والمُدُّ: رِطْلٌ وثلثٌ بالعراقي. (إلى الصلاة)؛ أي: صلاة العيد. قال (ك): قال الظَّاهرية: هي سُنَّةٌ. ووهِمَ في ذلك، فإنهم قالوا: فرضٌ، وإنما قال: سنة مالكٌ، وقال أبو حنيفة: واجبةٌ لا فرضٌ على

71 - باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين

قاعدته في الفَرْق بينهما، ولفْظ الحديث فرضٌ يقتضي أنها فرضٌ؛ فإنَّ الرَّاوي لا يجوز أن يُعبِّر عن النَّدْب بالفَرْض مع عِلْمه بالفَرْق بينهما، ثم قيل: لا تجب على الصَّغير لأنها طُهرةٌ، وهو لا إثْمَ عليه، ورُدَّ بأن التعليل بحسَب الغالِب، كما يجب على من لا ذنْبَ له ككافرٍ أسلَم قُبيل الغُروب، وقال أبو حنيفة: لا تجب إلَّا على مَن ملَك نِصابًا، لكنْ عامٌّ له ولغيره. (من المسلمين) قال التِّرمِذي: انفرَد بها مالكٌ دون سائر أصحاب نافِع، ورُدَّ بأنه قد وافقَه فيها عُمر بن نافِع كما يُروى، والضَّحَّاك بن عُثْمان كما في "مسلم" عنه. * * * 71 - بابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (باب صدَقة الفِطْر على العبْد وغيره)؛ أي: على سيِّد العبد عنه؛ لأنه لا يَملِك مالًا، وأوجبَها بعضهم على نفْس العبد، وعلى السيِّد تمكينُه من كسْبها كتمكينه من صلاة الفَرْض. 1504 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

72 - باب صاع من شعير

(أو عبد) قيل: بمعنى: عن العبْد، فـ (على) بمعنى: عن، وقيل: تجب عليه ابتداءً، ثم يتحمَّلُها السيِّد. أما الزَّوجة، فقال الكوفيون: فِطْرتها عليها، وقال غيرهم: على الزَّوج كالنَّفَقة، وكذا كل مَنْ وجبَتْ نفَقته عليه، وتكون (على) فيه بمعنى: عن، وقال الطِّيْبِي: المذكورات جاءتْ مزدوجةً على التضادِّ؛ للاستيعاب لا للتَّخصيص، كأنه قال: فرْضٌ على جميع المسلمين، أما كونها فيمَ وجبتْ؟ وعلى مَن وجبَتْ؟ فيُعلَم من نصوصٍ أُخرى. * * * 72 - بابُ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ (باب صدَقة الفِطْر صاعٌ من شَعير) أهمله (ك)، وأدخل حديثَه في ما قبلَه. 1505 - حدَّثنا قَبِيصَةُ، حدَّثنا سُفْيانُ، عن زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عن عِيَاضِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عن أبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نُطْعِمُ الصَّدَقَةَ صاعًا مِنْ شَعِيرٍ. (كنا)؛ أي: وأمرَنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فكان دليلًا، أو المراد الإجماع.

74 - باب صدقة الفطر صاعا من تمر

(الصدقة)؛ أي: الفِطْر، فاللام للعَهْد. * * * 74 - بابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ (باب صدَقة الفِطْر صاعٌ من تَمْرٍ) في بعضها: (صاعًا) بالنصب خبر (كان) محذوفًا، أو حكايةٌ عما في الحديث. 1507 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ - رضي الله عنه -: فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ. (فجعل النَّاس)؛ أي: مُعاوية كما فُسِّر في الرواية الأخرى، ولا يُحمل على العموم حتَّى يكون إجماعًا سُكوتيًّا، لا سيَّما وفي حُجَّيته خلافٌ، وفي "مسلم": أن أَبا سَعيد قال: فأخَذ النَّاس بذلك، أما أنا فلا أَزال أُخرجه كما كنْتُ أُخرجه أبدًا. وقال (ن): كيف يكون حُجَّةً وقد خالفَه أبو سعيد وغيره مَن هو أَطْول صُحبةً، وأعلم بأحوال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. (عَدله) بفتح العين، وفي بعضها بكسرها، قال الأخْفَش: بالكسر:

75 - باب صاع من زبيب

المِثْل، وبالفتح مصدرٌ، وقال الفَرَّاء: بالفتح: ما عادَلَ الشَّيءَ من غير جِنْسه، وبالكسر: المِثْل. * * * 75 - بابُ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ (باب صاعٍ من زَبيْبٍ) اكتفى (ك) فيه بالتَّرجمة السابقة. 1508 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ يَزِيدَ الْعَدَنِيَّ، حَدَّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْراءُ قَالَ: أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ. (السمراء): الحِنْطة، ومجيئها: رُخصُها وكثْرتها. (من هذا)؛ أي: الحَبِّ. (مُدَّين)؛ أي: من سائر الحُبوب، وبهذا احتجَّ أبو حنيفة في قوله: من الحِنْطة نصْف صاعٍ، ولكنْ أوَّلُ الحديثِ: صاع من طَعام، وهو في الحِجَاز الحنْطة فقَطْ صريحٌ في أن الواجِبَ منها صاعٌ، وقد عدَّد الأقوات فذكَر أفضلَها قُوتًا عندهم، وهو البُرُّ، لا سيَّما وعُطفت

76 - باب الصدقة قبل العيد

بـ (أو) الفاصِلة، فالنظَر إلى ذواتها لا قِيْمتها، ومعاوية إنما صرَّح بأنه رأْيُه، فلا يكون حُجَّةً على غيره. وقال (خ): ذكْر الأصناف المختلفة القِيْمة دليلٌ أنَّه لا يجوز إخْراج القِيْمة، وأن النظَر لأعيانها لا قيمتها. قال (ط): قيمة التَّمْر والشَّعير أَيضًا مختلفةٌ، ولم يُنظر إلى ذلك، بل المِقْدار، فكذا البُرُّ، فاعتبار القيمة لا وجْهَ له. * * * 76 - بابُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْعِيدِ (باب الصدَقة قَبْل العِيْد) 1509 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِزكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوج النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ. 1510 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ، عَنْ زيدٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ.

77 - باب صدقة الفطر على الحر والمملوك

(أمر)؛ أي: نَدْبًا؛ لأن المندوب مأمورٌ به، فلذلك رخَّص الشَّافعي تأْخيره إلى آخِر النَّهار؛ لأنه في الحديث الآتي أطلَق يوم الفِطْر، فشمل جميع النهار قبل الصلاة وبعدَها، وقال أَحْمد: أرجو أن لا يكون بأْسٌ بالتأخير عن يوم الفِطْر، وقال ابن المُسَيَّب في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]: هو صدَقة الفِطْر. (كان طعامنا)؛ أي: بحسب اللُّغة، فلا يُنافي تخصيصَ الطَّعام فيما سبَق بالبُرِّ؛ لأنه قد عُطف عليه الشعير، فدلَّ على التغايُر، وهذا كالوَعْد، فإنَّه الخبَر بخيرٍ أو شرٍّ، فإذا عُطف عليه الوعيد كان مرادًا به الخير، ولا يُجعل من عطْف خاصٍّ على عامٍّ، نحو {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ} [الرحمن: 68]، وملائكته وجبريل؛ فإن ذلك إذا كان الخاصُّ أشرَفَ، وهنا بالعكْس. * * * 77 - بابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الْمَمْلُوكِينَ لِلتِّجَارَةِ: يُزكَّى فِي التِّجَارَةِ، ويُزكَّى فِي الْفِطْرِ. (باب صدَقة الفِطْر على الحُرِّ والمَمْلُوك) (يزكى)؛ أي: يُؤدِّي الزكاة؛ (في التجارة)؛ أي: باعتِبار القِيْمة آخِر الحَول.

(في الفطر) باعتِبار بدَنه، أي: في لَيلة الفِطْر، وقال أبو حنيفة: لا يَلزمه زكاة الفِطْر، وعُموم الحديث لعبْد التِّجارة وغيره عليه. * * * 1511 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَةَ الْفِطْرِ -أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ- عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُعْطِي التَّمْرَ، فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونها، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. (فأُعْوِز) بالبناء للفاعل وللمَفعول؛ لأنه لا يُقال: أعوزَه الشَّيء إذا احتاج إليه، فلم يَقْدر عليه، وعَوِزَ الشيء إذا لم يُوجَد، وأَعوَزَ، أي: افتقَر، والمراد: أن أهل المدينة فقَدوه فلم يجدوه. (من التمر) قال التَّيْمِي: (مِن) زائدةٌ. (إن كان) روي بفتح (أَنْ) وكسرها، لكن المشهور في التَّخفيف تلزمها اللام في الخبَر، والمفتوحة تلْزمها قَدْ، فأجاب (ك): بتقدير اللام أو قد، أو تُجعل مصدريةً، وكان زائدة. (عن بني) جمع (ابن)، وهذا من قَول نافع: إنْ كان ابن عُمر يُعطي

78 - باب صدقة الفطر على الصغير والكبير

عن أولادي، وهم موالي عبد الله، وفي نفقته، فكان يُعطي فِطْرتهم. (يقبلونها)؛ أي: بدعواهم الفَقْر، فكان يُعطيه ولا يتجسَّس، وقال (ط): المراد بالذين يقبلونها الذين تجتمع عندهم، ويقولون تفريقها صبيحة يوم العيد؛ لأنه السُّنَّة. (يُعطون) مبنيٌّ للفاعل، أو للمفعول. قال التَّيْمِي: فيه جواز تقديم صدقة الفِطْر قبل يوم العِيْد. قال (ط): وأنه لا تُعطَى إلَّا من قُوته؛ لأنهم لمَّا لم يجدوا التمْر أعطَوا الشعير. * * * 78 - بابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ (باب صدَقة الفِطْر على الصَّغير) أدخل (ك) حديثَه في الترجمة السابقة، وأسقط الباب. 1512 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ. (على الصغير)؛ أي: على وَليِّه من ماله، أو على مَن تلزَمه نفَقتُه.

25 - كتاب الحج

25 - كتاب الحج

1 - باب وجوب الحج وفضله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 25 - كِتَابُ الحَجِّ (كِتَابُ الحَجِّ) هو لغةً: القَصْد، واصطلاحًا: قَصْد الكعْبة بعبادةٍ فيها وقوفٌ بعرَفة. 1 - باب وُجُوب الْحَجِّ وَفَضْلِه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (باب وُجوب الحَجِّ وفَضْله) 1513 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتِ امْرَأةٌ مِنْ خَشْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتنظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نعمْ". وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

(شيخًا) حالٌ. (لا يثبت) صفةٌ لـ (شيخًا)، أو حالٌ مداخلةٌ للتي قبلَها، ومعنى إدراك فريضة الحج: أنَّ هذه الحالة إما لأنَّ إسلامَه أو استطاعتَه بالمال حينئذٍ. (رديف)؛ أي: رِدْفًا له راكبًا خَلْفَه على الدابَّة. (خَثْعم) بمعجمةٍ مفتوحةٍ، ومثلَّثةٍ، غير منصرفٍ؛ للعلَمية، ووزْن الفِعْل: حيٌّ من بَجِيْلة من قَبائل اليمَن. (أفاحج) العطْف على مقدَّرٍ بعد الهمزة؛ لأن لها الصَّدْر، أي: أأَنُوبُ عنه فأَحُجَّ، وسبق مثله مرَّاتٍ. (حِجة) بكسر الحاء وفتحها. (الوداع) لأنه - صلى الله عليه وسلم - ودع النَّاسَ فيها، لا لكونه حجَّ قبْل ذلك وهذه وداعها؛ إذ لم يحجَّ بعد الهجرة غيرها. وفي الحديث جواز الإرْداف حيث أطاقَت الدابَّة، وسماع صَوت الأجنبيَّة للحاجة في استفتاءٍ ونحوه، وتحريم النَّظَر إليها، وإزالة المُنكَر بيده لمَنْ أمكنَه، والنِّيابة في الحجِّ عن العاجِز، ومنعَ مالكٌ الحجَّ عن المَعضُوب مع أنَّه راوي الحديث، قال الشَّافعي: لا يَستنيب الصَّحيح لا في فرضٍ ولا في نفلٍ، وجوَّزه أبو حنيفة، وأَحمد في النَّفْل، وحجُّ المرأة عن الرَّجل، وبِرُّ الوالدَين بالقيام بمصالحهما من قضاءِ دَينٍ وغيره، وعدَمُ كراهة أن يُقال: حَجَّة الوَداع، وتعليمُ الصَّبي تَرْك المحرَّم على غيره؛ لأن الفَضْل كان غُلامًا وصَرَفه عن رُؤية الأجنبية. * * *

2 - باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (27) ليشهدوا منافع لهم}

2 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} {فِجَاجًا}: الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ. (باب قَول الله عز وجل: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج: 27])، جمعُ راجِل كصاحبٍ وصِحَاب. (ضامر): هو الخَفيفُ اللَّحمِ المَهزول. (فج)؛ أي: طريقٌ واسعٌ، وهو معنى تفسير البُخَارِي جمعه المذكور في قوله تعالى: {فِجَاجًا} [الأنبياء: 31] فأفاد جمعَه، وتفسيرَه، وموضعَه في القرآن. * * * 1514 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً. الحديث الأول: (راحلته) هي المرَكَب من الإبِل ذكرًا كان أو أُنثى، ويقال أَيضًا: للناقة التي تصلُح أن تَرحَل.

(الحُلَيْفة) بضمِّ مهملةٍ، وفتح لامٍ، وسكون ياءٍ، وبفاءٍ: موضِعٌ على ستة أميالٍ من المدينة. (يُهِل) بضم أوَّله: برفْع صوته بالتَّلبية، والمراد الإحرام مع ذلك. (قائمة) حالٌ. * * * 1515 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا الْوَليدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ إِهْلالَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلتهُ. رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -. الثاني: فيه كالذي قبلَه أنَّ ذا الحُلَيْفة ميقات أهل المدينة، وأن ابتداء الإحرام حين الرُّكوب. (رواه أنس) وصلَه البُخَارِي في (باب: من باتَ بذي الحُلَيفة). (وابن عباس) في (باب: ما يَلبَس المُحرِم). * * *

3 - باب الحج على الرحل

3 - بابُ الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ (باب الحجِّ على الرَحْل) بفتح الراء، وسكون المهملَة: أصغَر من القَتَب، قال التَّيْمِي: بمنزلة الشَرْج للفرَس. 1516 - وقال أبَانُ: حدَّثنا مالِكُ بنُ دِينارٍ، عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عن عائِشةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مَعَهَا أخاهَا عبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيم، وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ. وَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجهَادَيْنِ. الحديث الأول: (وقال أَبان) منصرِفٌ وغير منصرفٍ، لم يقُل: حدَّثني؛ لأنه لم يذكُره له تحميلًا وتحديثًا. (فأعمرها)؛ أي: حملَها على العُمرة حتَّى اعتمَرتْ. (التَنْعِيم) بفتح المثنَّاة، وسكون النُّون، وكسْر المهملَة: موضعٌ عند طرَف حرَم مكَّة من جِهَة المدينة على ثلاثة أميالٍ من مكَّة. * * * 1517 - وَقال مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنسٍ، قَالَ: حَجَّ أَنَسٌ عَلَى

رَحْلٍ، وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ. الثاني قال فيه: (حدثنا مُحَمَّد بن أبي بكر)؛ أي: المُقدِّمي، كذا لأبي ذَرٍّ، وغيره: (وقال مُحَمَّد بن أبي بكر)، قال بعض العصريين: عدَّها الضِّياء المَقْدِسي من المُعلَّقات، وجعلَها في كتاب "الأحاديث المختارة مما ليس في الصَّحيحين أو أحدهما"، بلْ وصلَه في "مسند أبي يَعلَى"، و"معجم الطَّبَراني الكبير". (شحيحًا)؛ أي: بخيلًا، أي: ما ترَك الهَوْدَج واكتفَى بالقتَب بُخلًا، بل اقتدى بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولمَا رُوي: "حجُّ الأبرار على الرِّحال". (وكانت)؛ أي: الرَّاحلة وإنْ لم يسبِق لها ذكْرٌ، لكنْ دلَّ عليها الرَّحْل، والمُراد تَرْك الترفُّه في جعْلِهِ متاعَه تحته وهو يَركَب عليه. (زاملتَه): هو البعير الذي يستَظهر به الرَّجل في حَمْل متَاعه وطعامه. * * * 1518 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ، فَقَالَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ"، فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ.

4 - باب فضل الحج المبرور

الثالث: (فأعمرها) بقطْع الهمزة: أمْرٌ من الإعْمار، أي: حَمَلَها حتَّى اعتمرت. (فأحقبها)؛ أي: حملَها على حقِيْبة الرَّحْل وأردفَها خلْفَه، ويُروى: (أعقبَها) بعينٍ مهملةٍ بمعناه. * * * 4 - بابُ فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ 1519 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ". (باب فضل الحَجِّ المَبْرور) هو اسم مفعولٍ مِن بَرَّ المتعدِّي، يُقال: بَرَّ اللهُ حَجَّك، وتَبنيه للمفعول فتقول: بُرَّ حَجُّك بضمِّ أوله، فلا معنى حينئذٍ لقول (ع): إنه لا يتعدَّى إلَّا بحرف الجرِّ. وسبَق الحديث الأول في (باب: مَن قال: إنَّ الإيمان هو العمَل)،

وأن الحجَّ المَبْرور: ما لا إثْمَ فيه، أو: ما يُقبَل، أو: الذي لا رِياءَ فيه. * * * 1520 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! نَرَى الْجهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: "لا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ". الثاني: (نَرى) بفتح النُّون، ويُروى بفتح المثنَّاة. (لكُنَّ) بضمِّ الكاف، وتشديد النُّون، عند أبي ذَرٍّ، وهو خبر المبتدأ الذي بعدَه، وهو: أفضَل، وعند غيره بكسر الكاف، وزيادة ألفٍ قبلَها، وإسكان النُّون، فـ (أفضَل) مرفوعٌ مبتدأٌ خبرُه: (حجٌّ مبرورٌ)، ويجوز تشديد النُّون مع كسر الكاف، فيكون (أفْضَل) منصوبًا على أنَّه اسمها، وعلى هذَين يكون الاستِدراك مما استُفيد من السِّياق، أي: ليس لكُنَّ الجهاد لكنْ أفضل منه. * * * 1521 - حدَّثنا آدَمُ، حدَّثنا شُعْبَةُ، حدَّثنا سَيَّارٌ أبو الحَكَم، قال: سَمِعْتُ أَبا حازِمٍ، قال: سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قال: سَمِعْتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".

5 - باب فرض مواقيت الحج والعمرة

الحديث الثالث: (يَرفث) بفتح الياء وضمِّها؛ لأنه يُقال: رفَث وأرفث، قال تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ} [البقرة: 197]، فقيل: الرَّفَث الجِمَاع. قال الأَزْهَري: هو كلمةٌ جامعةٌ لكلِّ ما يُريده الرَّجل من المرأة، وقيل الرَّفَث: الفُحشُ من الكلام، والفُسوق: الخُروج عن حُدود الشَّريعة، ولم يذكر في الحديث الجِدال اعتمادًا على ما أشار إليه من الآية المذكورِ فيها الكُلُّ. (كيوم) بجرِّه، أو فتحه بناءً: مُشابِهًا لنفْسه في أنَّه يخرُج بلا ذَنْب كما خرَج بالوِلادة، وهذا شاملٌ للصَّغائر والكبائر، أو أنَّ خرَج بمعنى: صارَ. * * * 5 - بابُ فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرةِ (باب فَرْض مَواقيْت الحجِّ والعُمرة)، أي: المَكانيَّة، واحدها: مِيْقات. 1522 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ،

فَسَأَلْتُهُ: مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ؟ قَالَ: فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَلأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّاْمِ الْجُحْفَةَ. (فُسْطاط) بيتٌ من شَعْرٍ ونحوه، ويُقال فيه: فُستَاط، وفُسَّاط بالإدغام مع ضمِّ الفاء في الثَّلاثة، وكسرها صارتْ ستَّةً. (وسُرَادِق) واحد السُّرَادِقات التي تُمَدُّ فَوق صَحْن الدَّار، وكل بيتٍ من كُرْسُف فهو سُرَادِق. (فرضها)؛ أي: قَدْرُها وسِنُّها. (نجد): هو ما ارتفَع، والمراد هنا: ما ارتفَع من تِهَامَة إلى أرض العِراق. (قَرْن) بسكون الراء، وقال الجَوْهَرِي: بفتْحها، وغَلَّطوه. قال القَابِسِيُّ: مَن سكَّن أراد الجبَل، ومن فتَح أراد الطَّريق التي بقُربه، وهي على قَدْر مرحلَتين من مكَّة، ويُكتب في بعض النُّسَخ بلا أَلف، إما على لغة ربيعة في الوقْف على المنصوب بدونها، لكنْ إذا وصَل في القِراءة يُنوِّن، وإما على أنَّه غير مُنْصرِف للعلَمية والتَّأْنيث وإنْ كان في مثله وجْهان كـ (هِنْد)؛ لأن المنعْ أرجَح. (الجُحْفة) بضمِّ الجيم، وسكون المهملة، وبالفاء: قَريةٌ بطَريق المدينة على ثَلاث مراحِل من مكة، وعلى نحو سِتة أميالٍ من البَحْر، وكان اسمها: مَهْيَعَة، فأجْحفَها السَّيْل فسُمِّيت بذلك. وهذه المواقيت لمَن لم يكُن من مكة، وإلا فمِيْقات حَجَّة مكة

6 - باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}

وعمرته أدنى الحِلِّ، ثم ظاهِر الحديث وإنْ كان في العُمرة، لكنْ لا فَرْقَ بينهما، فلذلك جمع بينهما البخاريُّ في التَّرجمة. * * * 6 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (باب قَول الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا} [البقرة: 197]) أسقطَه (ك)، وأدخل حديثَه في الباب قبلَه. 1523 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بِشْرٍ، حدَّثنا شَبَابَةُ، عنْ وَرْقاءَ، عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا. (شَبابة) بفتح المعجَمة، وتخفيف الموحَّدة. (مكة) هو الصَّحيح، لا ما يقَع في بعضها: (المدينة). وفي الحديث الزجر عن التكفُّف، وكثْرة السُّؤال، والترغيب في التعفُّف، والقَناعة بالإقلال، وليس فيه مذمةٌ للتوكُّل؛ لأن ما فعلوه تأَكُّلٌ لا توكُّلٌ؛ إذ التوكل قطْع النظَر عن الأسباب مع تهيئَتها، لا تَرْك الأسباب بالكُلِّية، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "قَيِّدْها وتَوكَّلْ"، وعرَّفه بعضهم:

7 - باب مهل أهل مكة للحج والعمرة

بأنه تَرْك السَّعْي فيما لا تسَعُه قُدرة البشَر. * * * 7 - بابُ مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ 1524 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أتى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. (باب مُهَلِّ أَهل مكَّة) بضمِّ ميم (مُهَلِّ)؛ أي: مكان الإهلال، أي: رفع الصوت بالتَّلْبية، والمراد الإحرام -وإنْ كان التَّلبية فيه سُنَّةً-، لكنْ جرَى على الغالِب، فقول (ك): إنها إنْ قيل: فرْضٌ وسنَّةٌ لا يخلو الإحرامُ منهما = ظاهر الفَساد، وقال أبو البَقاء: (مَهَلٌّ) مصدرٌ بمعنى إِهْلال؛ كمَدْخَل ومَخْرَج. (وقَّت)؛ أي: حدَّ إحرامَ ذلك، وإنْ كان مأْخوذًا من الوقت، إلَّا أن العُرف يستعمله في مُطلَق التحديد.

(المنازل) جمع مَنْزِل، فالعلَم مركَّبٌ منه وما أُضيف إليه، ورُبَّما اقتُصر على المضاف كما في الحديث السابق، وغيره. (يَلَمْلَم) بفتح الياء، واللامين، وسكون الميم الأُولى، غير منصرفٍ: على مَرحَلتَين من مكَّة، وقد تُقلَب ياؤه همزةً. (هُنَّ)؛ أي: المواقيت. (لهن)؛ أي: لأهلِهنَّ، وفي نسخة: (لهم)، وهو واضحٌ، وعلى الأُولى فهو إما على حَذْف مضافٍ، أو الضمير للجَماعات المتقدِّمة من أهل المدينة، وأهل الشَّام، وما بعدها. (أتى عليهن)؛ أي: مرَّ بهنَّ. (أنشأ)؛ أي: قصَد وابتَدأَ. (حتَّى أهل) بالرفع على أنَّ (حتَّى) ابتدائيةٌ واضحٌ، وقال (ك): رُوي مرفوعًا ومجرورًا، وهذا مخصوصٌ بغير مقيم مكَّة في العُمرة؛ فإنَّه يُحرِم من أَدْنى الحِلِّ، أو لأن العُمرة حجٌّ أصغر، والحجُّ قصْدٌ، فيَخرج من الحرَم ليقصِدَ. قال (خ): جُعلت المَواقيت حُدودًا لا يَتجاوزها مَنْ يُريد الإحرام، ولو أحرَم قبْلَها جازَ، وقد يكون المِيْقات بالعكْس لا يتقدَّم عليه، ويجوز التأْخير لمَا بعد دُخوله كمواقيت الصلاة. قال (ك): ومثْلُه مِيْقات الحجِّ الزَّماني. قال (خ): وفي الحديث أن النَّجْديَّ إذا جاءَ من اليمَن كان مِيْقاته

8 - باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلوا قبل ذي الحليفة

يَلَمْلَم ونحوه، وأنَّ مَن لم يُرِد الإحرامَ إلا بعد مُجاوزة الميقات يُحرم من حيث قصَد ولا دَمَ، وأنَّ مَن داره دون المواقِيْت يحرم من داره، وأهل مكَّة بالحجِّ من مكَّة، وبالعُمرة من أَدنى الحِلِّ؛ لأن أعمال العُمرة كلَّها في الحرَم، فالقَصْد يكون قبْل الحرَم، والحجُّ مِن أعماله ما هو في الحِلِّ، وهو عرَفة، فيحصُل القصد وهو في الحرَم. * * * 8 - بابُ مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُهِلُّوا قَبْل ذِي الْحُلَيْفَةِ 1525 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا مالِكٌ، عنْ نافِعٍ، عنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ". (باب مِيْقات أَهْل المَدينة ولا يُهِلُّوا قَبْل ذي الحُلَيْفة) يحتمل أنَّه كان يَرى المنْع من الإحرام قبْل المِيْقات كما هو ظاهرُ قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ومُهَلُّ أهْلِ المَدينةِ)، أو أنَّه قصَد الأفضلَ من الميقات لا مِن دُوَيْرة أهله.

9 - باب مهل أهل الشأم

قلتُ: كما هو الرَّاجِح عند (ن)؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُحرم حتَّى خرَج من المدينة، وأتَى ذا الحُلَيْفة، ويحتمل [أنَّ المُراد] بقَبْل ذي الحُلَيفة: ما قُدَّامَها من ناحية مكَّة. (وبلغني) يحتجُّ بمثْل ذلك؛ لأن الظَّاهر أنَّه لم يَروِه إلَّا عنْ صحابيٍّ، وكلُّهم عُدولٌ. * * * 9 - بابُ مُهَلِّ أَهْل الشَّأْمِ (باب مُهَلِّ أَهْل الشَّام) أسقطَه (ك)، وذكر ما فيه فيما قبلَه. 1526 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أتى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونهنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا. (دونهن)؛ أي: أقْرب إلى مكَّة.

10 - باب مهل أهل نجد

(وكذلك)؛ أي: وكذا مَن كان أقربَ إلى الوُصول لمكة، فيكون مُهَلُّ أهلها منها. * * * 10 - بابُ مُهَلِّ أَهْلِ نَجْدِ 1527 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ وَقَّتَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. 1528 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّأْمِ مَهْيَعَةُ وَهِيَ الْجُحْفَةُ، وَأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ"، قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -قَالَ -وَلَمْ أَسْمَعْهُ-: "وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ". * * * 11 - باب مُهَلِّ مَنْ كَانَ دُونَ الْمَوَاقِيتِ 1529 - حَدَّثَنَا قُتيْبةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَن عمرٍو، عَنْ طاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ،

12 - باب مهل أهل اليمن

وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا. * * * 12 - باب مُهَلِّ أَهْلِ الْيَمَنِ 1530 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ، حدَّثنا وُهَيْبٌ، عن عَبْدِ اللهِ بنِ طاوُسٍ، عن أبِيهِ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لأَهْلِهِنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. * * * 13 - بابٌ ذَاتُ عِرْقِ لأَهْلِ الْعِرَاقِ 1531 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ

14 - باب

أتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ. * * * 14 - بابٌ 1532 - حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسِفَ، أخبرنا مالِكٌ، عن نافِعٍ، عن عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَنَاخَ بالبَطْحَاءِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما يَفْعَلُ ذَلِكَ. (باب مُهَلِّ أهل نَجْد) و (باب مُهَلِّ مَن كان دُون المواقيت) و (باب مُهَلِّ أَهْل اليمَن) و (باب: ذاتُ عِرْق لأهل العِراق) و (باب) أسقطَها (ك)، وأدخلَها في الباب السابق؛ لأن أحاديثها كلَّها بمعنًى واحدٍ. (مَهْيَعة) بفتح الميم، وسكون الهاء، وفتح الياء، وإهمال العين،

وقيل: بكسْرها بوَزْن جميلة، والصَّحيح المشهور الأَوَّل، وفي "دلائل النبوة": أنها قَريةٌ قَريبةٌ من الجُحْفَة. (زعموا)؛ أي: قالوا؛ فإنَّ الزَّعم يُستعمل بمعنى القَول المُحقَّق. (ولم أسمعه) اعتراضٌ بين: قالَ ومَقُولِه. ([فتح] هذان المصران)؛ أي: البَصْرة والكُوفة، قال (ش): بالبناء للفاعل، وفاعلُه ضميرٌ عائد إلى الله تعالى، قاله (ع)، فيكون هذَين بالياء على النَّصْب، وقال ابن مالِك: تَنازَع (فتَح) و (أتوا)، وهو على إِعْمال الثاني، وإسنادِ الأوَّل إلى ضمير عُمر. (جَوْر) بفتح الجيْم، وسكون الواو: المَيْل عن القَصْد. (حَذْو) بفتح المهملَة، وسكون المعجَمة: الحِذَاء، أي: المُقابِل، يُقال: حذَوْتُ النَّعْلَ بالنَّعل، قدَّرتَ كلَّ واحدةٍ بصاحبَتِها. (ذات عِرْق) بكسْر العين المهملَة، وسكون الرَّاء، وبالقاف: على مَرحلتَين من مكَّة، فهذا مِيْقات أهل العِرَاق، -بكسر العين- الإقْليم المَعروف، سُمي بذلك لاستِواء أرضه وخُلوِّها من جبالٍ تَعْلُو وأَوْديةٍ تَنخفِض، والعِرَاق لغةً: الاستِواء، وقيل: لأنه على شاطِئ دِجْلة والفُرات، حتَّى يتصل بالبَحْر، وكلُّ شاطئ ماءٍ عِرَاقٌ، وقيل: هو مُعرَّب إِيْران، وقيل: لتواشُج عُروق الأشْجار. قال (ن): قال الشَّافعيُّ: الإجماع على أنَّ ذاتَ عِرْق ميقاتهم، ولو أَهلُّوا من العَقِيْق كان أفضَل، وهو أَبعَدُ من ذات عِرْق بقليلٍ،

15 - باب خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - على طريق الشجرة

فأَستحِبُّه لأثَرٍ فيه، ولمَا نُقل أن ذات عِرْق كانتْ في موضعه، ثم حُوِّلت وقُرِّبت إلى مكة. واختُلف في توقيت ذات عِرْق، هل بتوقيت النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو باجتهاد عُمر؟، والثاني أصحُّ، وهو ظاهر لفْظ الصَّحيح، وعليه نصُّ الشَّافعيِّ. * * * 15 - بابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى طَرِيقِ الشَّجَرَةِ (باب خُروج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على طَريق الشَّجَرة) 1533 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرةِ ويَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ المُعَرَّسِ. 1533 / -م - وأنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كان إذَا خَرَجَ إلى مَكَّةَ يُصَلِّي في مَسْجدِ الشَّجَرةِ، وإذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي، وَبَاتَ حَتَّى يُصْبحَ. (يخرج)؛ أي: من المدينة من طَريق الشجَرة التي عند مَسجِد ذي الحُلَيْفة. (رجع)؛ أي: إلى المدينة، أي: من طَريق المُعرَّس، بفتح

16 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العقيق واد مبارك"

الراء، مِن التَّعريس، وهو مَوضعُ النُّزول مطلقًا، وقيل: آخِرَ اللَّيل، وهو أسفَل مَسجِد ذي الحُلَيفة، وعكَس التَّيْمِي، فقال: يخرج من مكَّة من طريق الشَّجَرة، ويدخُل من طريق المُعرَّس، وتمام الحديث لا يُساعده، وقال (ن): هو موضعٌ معروفٌ على ستَّة أميالٍ من المدينة. (وبات)؛ أي: بذي الحُليفة. (حتَّى يصبح)؛ أي: فيدخل المدينة حينئذٍ لئلا يَفْجَأ النَّاسُ أهاليهم ليلًا. * * * 16 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَقِيقُ وَادٍ مبَارَكٌ" (باب قول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العَقِيق وادٍ مبارك") والعَقِيْق -بفتح المهملة، وكسر القاف الأُولى-: وادٍ يدفُق ماؤه في غَوْر تِهَامَة، وقال الجَوْهَرِي: هو وادٍ بظاهر المَدينة، وكلُّ مَسِيْلٍ شقَّه ماءُ السَّيْل، وفي بعضها: (المُبارَك)، أي: وادي الموضع المُبارَك. 1534 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -

بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: "أتانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ". الحديث الأول: (صل) الظاهر أنها سُنَّة الإحْرام. (عُمرة) بالرفع، وقد تُنصَبُ على الحكاية، أي: قُلْ: جعَلتُها عُمرةً. (في حجة)؛ أي: مع حَجَّةٍ، أو مُدرَجةً فيها باعتبار أن أعمالَهما واحدةٌ، ففيه فَضْل القِرَان. * * * 1535 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ رُؤِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَاركَةٍ، وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ يَتَوَخَّى بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللهِ يُنِيخُ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ. الثاني: (رأى) بالبناء للفاعل من الرُّؤْيا، وفي بعضها: (أُريَ) مبنيًّا

للمفعول، وتقديم الهمْز فيه إمَّا للقَلْب، أو لغيره. (يتوخى)؛ أي: يَتحرَّى، أو يَقصِد. (بالمُناخ) بضمِّ الميم: المَوضع الذي يُنيخ به ناقتَه. (أسفل) الرِّواية بالنَّصب، ويجوز الرفع. (بينه) أي: بين المُعَرَّس، وفي بعضها: (بينهم)، أي: بين المُعَرِّسين. (وسط) هو خبرٌ ثالثٌ للمبتدأ، فالأول: أسفَل، والثاني: بين، والثالث: وسَطَ، ويجوز أن يكون (وسَط) بدلًا، وهو بفتح السين، أي: يتوسَّط بين بَطْن الوادي وبين الطَّريق، ووسَط وإنْ كان معلومًا مما قبْله، وهو بين؛ ففيه بيان أنَّه في حاقِّ (¬1) (الوسَط) الأقرب له إلى أَحَد الجانبَين كما هو المشهور في الفَرْق بين تحريك سين (الوسَط) وتسكينه. ووجْهُ تعلُّق هذا الحديث بالتَّرجمة مع كَون العَقيق بقُرب مكَّة، وذو الحُليفة بقُرب المدينة: أنَّه لعلَّ الوادي ممتدٌ من هذا إلى هذا، أو هما عَقِيْقان، أو العَقِيْق ما سبَق عن الجَوْهَرِي. * * * ¬

_ (¬1) في "ب": "حلق".

17 - باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب

17 - باب غَسْلِ الْخَلُوقِ ثلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ (باب غَسْلِ الخَلُوق) بمعجمةٍ مفتوحةٍ، ولامٍ مضمومةٍ، وبقافٍ: طِيْبٌ يُعمل فيه زَعْفران. 1536 - قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني عَطَاءٌ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ - رضي الله عنه -: أَرِنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ - رضي الله عنه - إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى، وَعَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهُوَ يَغِطُّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: "أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ " فَأُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ: "اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاصْنع فِي عُمْرتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ". قُلْتُ لِعَطاءٍ: أَرادَ الإنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أنْ يَغْسِلَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ؟ قال: نعَمْ. (قال أبو عاصم) في روايةٍ: (ثنا أبو عاصِم). (الجِعْرانة) بكسر الجيم، وسكون العين، وتخفيف الراء، ومنهم من يكسِر العين، ويُشدِّد الراءَ، والتَّخفيف هو ما صَوَّبه الشافعيُّ،

والأَصْمعيُّ، وأهلُ اللُّغة، ومحقِّقو المحدَّثين، ولكن التَّشديد عليه أكثَر المحدِّثين. قال صاحب "المَطالِع": وكلاهما صوابٌ. (رجل) اسمه: عَطاء، كما في "الذَّيْل" لابن فَتْحون، وعزاه للطَّرطوشي، وقيل: فيه نظَرٌ. (مُتَضَمِّخ) بالضاد، والخاء المعجَمتين، أي: مُتلَطِّخٌ به. (أُظِلَّ) مبنيٌّ للمفعول، أي: جُعل له كالظُّلَّة يستظِلُّ به. (يَغِطُّ) بكسر الغين المعجَمة، وبطاءٍ مهملةٍ مشدَّدة: من الغَطِيْط وهو صوتٌ معه نُخوخةٌ كغَطِيْط النائم، أي: نَخِيْره وصَوته، وسبَب ذلك شِدَّة الوحْي، قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]. (سُرِّيَ)؛ أي: كُشِف عنه ما تَغشَّاه، يُقال: سَرَرْتُ الثَّوب، وسَرَّيته: نَزعتُه، رُوي بتخفيف الراء المكسورة وتشديدها، وهي أكثر؛ لإفادة التَّدريج. (كما كنت تصنع في حجتك) في بعض الرِّوايات ما يُوضِّح ذلك، وهو أنَّه سألَه: ما كنتَ تصنَع في حَجِّك؟ فقال: أَنزِعُ عني هذه الثِّياب، وأَغسِل عني هذا الخَلُوق، فقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما كُنتَ صانِعًا في حَجِّك؛ فاصنَعْه في عُمْرتكَ"، أي: فلمَّا ظنَّ أن العُمرة ليستْ كالحجِّ في ذلك. قال (ن): فيه تحريم الطِّيْب على المُحرِم دوامًا، فالابتداء أَولى،

ولكنْ إذا أصابَه في إحرامه ناسيًا أو جاهلًا فلا كفارةَ عليه، وكذا إذا كان عليه مَخِيْطٌ فنَزَعه ولا كفارةَ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأْمره بكفارةٍ، وقال الشَّعْبِي: يَلزَمه شَقُّ الثَّوب، ولا يجوز إخراجُه من رأْسه لئلا يكون مُغطِّيًا رأْسَه، وفيه أن العُمرة كالحجِّ في اجتناب المُحرَّمات، ويحتمل أنَّه أَرادَ مع ذلك الطَّوافَ والسَّعْيَ والحَلْقَ بصفاتها، ويُخصُّ منها ما يختصُّ بالحجِّ كالوُقوف، وظاهِر الحديث أنَّ السَّائل كان عارِفًا بالحجَّ دون العُمرة، وأن المعنى إذا لم يُعلَم يقِفُ حتَّى يَعلَم، وأن مِن الأحكام ما لا يُتْلَى فيه الوحْي، وأمَرَه بالثَّلاث للمُبالغة في إزالة أثَر الطِّيْب، ويحتمل أنَّ (ثلاثًا) يتعلَّق بالقَول، أي: قالَه ذلك ثلاثًا، وإدْخالُ يَعْلَى رأْسَه، وإِذْنُ عُمر له محمولٌ على علْمهما أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لا يَكْره الاطَّلاع عليه في ذلك الوقْت؛ لأن فيه تقويةَ الإيمان بمشاهدة حالةِ الوحي الكريم، انتهى. فتبويب البُخاريِّ بغَسْل الخَلُوق ثلاثًا إنما هو على أنَّ (ثلاثًا) راجِعٌ للغَسل. قال الإِسْماعِيْلي: ليس في الخبَر أنَّ الخَلُوق كان في الثَّوب؛ إذْ لا يُقال لمن طيَّبَ ثَوبه أو صَبَغه به: تضمَّخ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اغْسِلْ الطِّيْب الذي بكَ ثلاثَ مرَّاتٍ" يُعيِّن أن الطِّيْب لم يكن في ثَوبه، بل في بدَنه، وإلا لكان في نزَعْ الجُبَّة كفايةٌ. * * *

18 - باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدهن

18 - بابُ الطِّيبِ عِندَ الإِحْرَامِ، وَمَا يَلْبَسُ إذا أرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: يَشَمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ، وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ، وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهمْيَانَ. وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ. وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا. (باب الطِّيْب عند الإحرام) (ويَتَرَجل)؛ أي: يُسرِّح شَعْر رأسه. (ويَدهن) بضمِّ الهاء، على أنَّه ثلاثيٌّ، وبكسرها مع تشديد الدَّال مِن الافتِعال، أي: يطلي بالدُّهن، وهو مرفوعٌ عطفًا على يَلبس، و (ما) مصدريةٌ، ويُروى بالنَّصب بتقدير (أَنْ) على أنَّه عطفٌ على اسمٍ، كما في: ولُبْسُ عَباءَةٍ وتقَرَّ عَيْنِيْ ... أحبُّ إليَّ مِنْ لُبسِ الشُّفوفِ (يشَم) بفتح المعجمة. (المرآة) بوزن مِفْعال.

(الزيت والسمن) المشهور فيهما النَّصب، وعن ابن مالكٍ الجَرُّ، وصحَّح عليه، أي: بدَلًا مِن (ما) الموصولة، فإنَّها مجرورةٌ، والمعنى عليه لا على النَّصب؛ فإنَّ الذي يأكل هو الآكِل لا المأْكول. قال (ك): أو بيانٌ. (والهِميان) بكسر الهاء، مُعرَّبٌ، وهو شَبيهٌ بتِكَّة السَّراويل يُحمل فيها الدَّراهم، ويُشدُّ على الوسَط. (وقد حزَم) بفتح الزاي، أي: شَدَّ. (التُبَّان) بضمِّ المثنَّاة، وتشديد الموحَّدة: ثَوبٌ سَراويلٌ قَصيرٌ مقدار شِبْر، يَستر العَورة المُغلَّظة فقط. (يرحلون) بحاءٍ مكسورةٍ مشدَّدةٍ. (هودجها) مركَبٌ من مَراكِب النِّساء، مُقتَب وغير مُقتَب. * * * 1537 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ، حدَّثنا سُفْيانُ، عن مَنْصُورٍ، عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، قال: كانَ ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَدَّهِنُ بالزَّيْتِ، فَذَكَرْتُهُ لإبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: 1538 - حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ.

الحديث الأول: (بالزيت)؛ أي: لا يُطيب، فقد سبق في (الغُسل): أنَّه قال: ما أُحِبُّ أن أُصبح مُحرِمًا أَنضَخُ طِيْبًا. (فذكرته)؛ أي: قال منصور: فذكرتُ امتناعَ ابن عُمر من الطِّيْب لإبراهيم النَّخَعي. (يقوله)؛ أي: ما يصنع ابن عُمر بقوله ذلك حيث ثبت ما ينافيه من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو الضمير في (بقوله) للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وسُمي فعلُه وتقريره قَولًا؛ لأن ذلك لبيان الجواز كأنه قولُه. (الأسود) هو خال إبراهيم. (وبيص) بإهمال الصَّاد، أي: بَرِيْق، والمراد أثَر الطَّيْب لا جِرْمه. (مفارق) المَفْرِق: وسَط الرأْس، وإنما جمع لتعميم جوانِب الرأس التي يُفرق فيها. قال الجَوْهَري: كأنهم جعَلُوا كلَّ موضعٍ من الرَّأْس مفرقًا. * * * 1539 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لإحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.

19 - باب من أهل ملبدا

الحديث الثاني: (ولعله)؛ أي: لتحلُّله من محظورات الإحرام قبل طَواف الإفاضة. وفيه أن للحجِّ تحلُّلين، وأن الطِّيْبَ قبل الإحرام لا يضُرُّ بقاءُ أثَره بعده، ولا يُنافي هذا ما سبق من الأمر بغَسْل ما كان من التضمُّخ قبل الإحرام الباقي أثَره؛ لأنه كان تضمُّخًا بالزَّعفران، وهو حرامٌ على الرَّجال في حالتَي الإحرام والحِلِّ، كذا أجاب به البَغَوي. قلتُ: لكن قوله: (متضمِّخًا بطِيْبٍ) لا يُشعِر بذلك، لا سيَّما إذا قُلنا في البَدَن؛ لبعد التضمُّخ بالزَّعْفُرَان. * * * 19 - باب مَنْ أَهَلَّ مُلَبَّدًا 1540 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ مُلَبِّدًا. (باب مَن أَهلَّ مُلَبِّدًا) حذفَه (ك)، وأدخل حديثه فيما قبلَه. (مُلَبِّدًا) التَلْبِيد: جعْل شيءٍ من الصَّمْغ في رأْسه؛ ليجتمع ولا يَتشعَّث في الإحرام، ولئلا يقَع فيه القَمْل. * * *

20 - باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة

20 - بابُ الإِهْلاَلِ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ (باب الإهْلال عند مَسجد ذي الحُلَيْفة) أسقطه (ك)؛ لسبْق حديثه. 1541 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمعَ أَبَاهُ يَقُولُ: مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجدِ. يَعْنِي مَسْجدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ. * * * 21 - بابُ مَا لا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ (باب ما لا يَلبَس المُحرِم) أسقطه (ك) أَيضًا؛ لسبْق الحديث آخرَ (كتاب العِلْم) كما أحال عليه. 1542 - حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا مالِكٌ، عنْ نافِعٍ، عنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّ رَجُلًا قال: يَا رسولَ اللهِ! ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ

22 - باب الركوب والارتداف في الحج

الثِّيابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ، إلا أَحَدٌ لا يَجدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ". (يَلْبَسُ) بفتح الموحَّدة. (البَرَانسَ) جمع بُرْنُس: قَلَنْسوةٌ طويلةٌ، وقيل: ما رأْسه مُلزَقٌ به. واعلم أنَّه -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل عما يجوز، فأجابَ بما لا يجوز؛ لأنه أحصَر وأخْصَر، فإنَّه أقلُّ وأضبَط، ونبَّه بالقَميص والسَّراويل على ما يُحيط بالبدَن، وبالعَمائم والبَرانس على ما يستُر الرأْس معتادًا وغير معتاد، وبالخِفاف على ما يُحيط ببعْض البدَن. (وَرْسٍ): نبتٌ أصفر يُصبغ به في اليَمَن الثِّياب. وفيه تحريمُ الطِّيب للمُحْرِم في ثيابه كبدَنه، وكذا في طَعامه وكُحْلِه. * * * 22 - بابُ الرُّكُوبِ وَالاِرْتِدَافِ فِي الْحَجِّ (باب الرُّكوب والارتِداف) 1543 - و 1544 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ

23 - باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر

جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونَس الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ أُسَامَةَ - رضي الله عنه - كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قَالَ: فَكِلاَهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. (رِدفٍ) بكسر الراء، أي: رَديْف. (مُزْدَلِفة) لأن الحاجَّ إذا أفاضوا من عرَفاتٍ يَزدلِفون إليها، أي: يقرُبوا منها ويقدموا إليها، وقيل: لمجيئهم إليها في زُلَفٍ من اللَّيل. (الفضل)؛ أي: ابن العبَّاس. وفيه جَواز الإرداف إذا أطاقَتْه الدابَّة. (جَمرة العقبة) هي حدُّ مِنَى من الجانب الغَربي من جِهة مكَّة، ويُقال لها: الجَمْرة الكُبرى، والمراد مجتمَع الحَصا؛ لأن الجَمْرة هي الحصاة. * * * 23 - بابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثَّيَابِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ وَلَبِسَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ وَهْيَ مُحْرِمَةٌ

وَقَالَتْ: لا تَلَثَّمْ، وَلَا تَتَبرْقَعْ، وَلَا تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَانٍ. وَقَالَ جَابِرٌ: لا أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا. وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالْحُلِيِّ وَالثَّوْبِ الأَسْوَدِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لا بَأْسَ أَنْ يُبْدِلَ ثِيَابَهُ. (باب ما يَلبَس المُحرِم من الثِّياب والأَرْديَة والأُزُر)، هو بضمِّ الزاي، جمعُ إزارٍ كخمُرٍ وخِمَار، وهو للنِّصف الأسفل، والرِّداء للنِّصف الأعلى، وعَطْفُها على الثِّياب من عَطْفِ الخاصِّ على العامِّ. (المُعَصْفَرَة)؛ أي: المصبوغة بالعُصْفُر. (تلْثَم)؛ أي: تتلْثَّم، فحُذفت إحدى التاءَين تخفيفًا، واللِّثام: ما يُغطي الشَّفَة. (ولا تُبرقع) محذوفة أَيضًا إحدى التاءَين، والبُرقُع بضمِّ القاف، وفتحها: ما يُغطَّي الوجْه. (طِيبًا)؛ أي: مُطيَّبًا؛ لأنه خبَرٌ في الأَصْل عن مُعَصْفَر، ولا يُخبر بالمعنى عن اسم عينٍ. (بالحُليّ) بضم الحاء، وتشديد الياء: جمع حَلْي، بفتح الحاء، وسكون اللام. (المورد)؛ أي: المصبوغ بلَون الوَرْد. * * *

1545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُما- قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزْرِ تُلْبَسُ إلا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدعُ عَلَى الْجلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءَ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ لأَنَّهُ قَلَّدَهَا، ثُمَّ نزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ وَهْوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُؤُسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلَالٌ، وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ. (تَرْدَع) بفتح التاء، والدال المهملة، وبعدها مهملةٌ، وبضم التاء وكسر الدال، أي: التي كثُر فيها الزَّعفران، حتَّى تلطخه وتنفضه من يلبسها، وفتحُ التاءِ أَوْجَهُ، ومعنى الضمِّ: أن يَبقى أثَره على الجِلْد، كذا قاله (ع)، ورواه بالعين المهملة، وذكر (ط) إهمالَه، وإعجامه، مِن قولهم: أرَدْعَت الأرض: كثُر رَدْعُها، وهي منابع المياه، كما يُقال: أزْرعت الأرض: كثُر زَرْعُها.

(على الجلد) قال أبو الفَرَج: كذا للبخاري، وصوابه: تَرْدعُ الجلد، أي: تصبغُه، وتنفِض صبْغَها عليه، وأصل الرَّدْع في هذا: الصَّبغ والتأْثير، وثوب رَدِيع، أي: مصبوغ. (البيداء)؛ أي: الشَّرَف الذي قُدَّام ذي الحُليفة إلى جهة مكة؛ لأن كلَّ مَفازةٍ تُسمَّى بَيداء. (وقلد) وهو أن يُعلَّق شيءٌ في عنُقه يُشعِر بأنه هَدْيٌ. (بَدَنتَهُ) قال الجَوْهَري: البُدْنَة: ناقةٌ أو بقرةٌ تُنحَر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يُسمِّنونها، وجمعه: بُدْن، وقال الأَزْهَري: تكون من الإبِل، والبقَر، والغنَم، وجمعها: بُدُن، بضمِّ الدال وإسكانها. وقال (ن): هي البَعير ذكرًا كان أو أُنثى بشَرط أن تكون في سِنِّ الأُضحية، أي: تستكمل خمسَ سنين. (لخمس بقين) فيه حُجَّةٌ لأحَد القَولين اللُّغويين: أنَّه لا يحتاج أن يستثني فيقول: إنْ بقِيْن كما هو القَول الآخر؛ لاحتمال نقْصِ الشهر. (لم يحل)؛ أي: لم يَصِرْ حَلالًا؛ لأن صاحب الهدْي لا يتحلَّل حتَّى يبلُغ الهَدْي مَحِلَّه. (الحَجُون) بفتح الحاء، وضم الجيم الخفيفة، والنُّون: جبَلٌ يُشرف على المسجِد الحَرام بأَعلى مكَّة عن يَمينك وأنت تُصعِد. (تطوفوا) قيل: بتشديد الطاء. (يحلوا) لأنهم متمتِّعون (¬1)، ولا هَدْيَ معهم. ¬

_ (¬1) في الأصل: "ممتنعون"، والمثبت من "ف" و"ت".

24 - باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح

(والطيب) مبتدأٌ حُذف خبره، أي: حلالٌ، والجُملة عطفٌ على الجُملة. * * * 24 - بابُ مَنْ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب من بات بذي الحُليفة) (عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) تقدَّم وصْلُ البخاريِّ له من قبلُ بأبوابٍ. * * * 1546 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ. 1547 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ، حدَّثنا أَيُّوبُ، عن أبي قِلاَبَةَ، عن أنَس بنِ مالِكٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكعَتَيْنِ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ.

25 - باب رفع الصوت بالإهلال

الحديث الأول: (ركعتين)؛ أي: العصر؛ لأنه أنشأَ السَّفَر، فيقصر، والتي في المدينة أربعًا الظُّهر، وكذا صرَّح به في الحديث الآتي. * * * 25 - بابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالإِهْلَالِ (باب رفع الصوت بالإهلال) أدرج (ك) حديثَه في الذي قبلَه، وأَسقَطَهُ. 1548 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَن أَبِي قِلَابَةَ، عَن أَنسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا. (يصرخون)؛ أي: يرفعون أصواتهم بالإحرام بالحج والعمرة. (بهما)؛ أي: بالتوزيع: بعضٌ بالحج، وبعضٌ متمتِّعٌ يصرخ بالعمرة، ويحتمل غير ذلك مما يأتي بيانه. * * *

26 - باب التلبية

26 - بابُ التَّلْبِيَةِ (باب التَّلْبية) 1549 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ تَلْبِيةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ. 1550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنِّي لأَعْلَمُ كَيفَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ. تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنا سُلَيْمَانُ: سَمِعْتُ خَيْثَمَةَ: عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. الحديث الأول: (لبيك) قال سيبويهِ: ثُنِّي للتكثير، ودليلُ كونِه مثنًى قلْبُ الألف ياءً مع المظهر، وقال يونسُ: لفظٌ مفردٌ، وانقلابُ الألف لاتصالها

بالضمير، وأصله من لَبَّ بمعنى: واجَه، أو: أَلبَّ، أي: أحبَّ، أو من اللُّباب، وهو الخالص، أو مِنْ لبَّ بالمكان: أقام به، فمعناه: اتجاهي إليك، أو محبتي لك، أو إخلاصي لك، أو إقامتي على إجابتك مرةً بعد مرةٍ. (إن) بكسر الهمزة وبفتحها، والكسرُ أَجود. قال (خ): لأنه أعمُّ وأوسع، وقال ثعلبٌ: مَنْ فَتَحَ خَصَّ، ومَن كَسَرَ عَمَّ؛ لأنه يجعل الحمدَ لله على كلِّ حال، ومَن فَتَحَ يجعله لهذا السبب؛ لأنه على تقدير حذف التَّعليل البناءُ. قلتُ: وإذا كَسَرَ كان للتعليلِ مِن حيث إنّه استئنافُ جوابٍ عن سؤالٍ عن العلة على ما تقرر في البيان، حتّى إن الإمامَ الرازيَّ وأتباعَه جعلوا (أن) تُفيد التعليلَ نفسها، ولكنه مردودٌ بما ذكرناه. (والنعمة) بالنصب على المشهور. وجوَّز (ع) الرفعَ، مبتدأٌ حُذف خبرُه؛ لدلالة خبر (إنَّ)، وجوَّز ابنُ الأَنْبَاري أن يكون الموجودُ خبرَ المبتدأ، وخبرُ (إنَّ) هو المحذوف، وحاصلُه: أن النِّعمةَ والشُّكرَ عليها كلاهما لله تعالى، والوجهان في: (المُلك). وحكمُ التَّلْبية أنها مشروعةٌ إجماعًا، ثمّ قال الشَّافعيُّ، وأحمد: سنةٌ، وقال مالك: تجبُ، ويجب على تاركها دمٌ، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد الحجُّ إلا بانضمامِ التَّلْبية إلى النية، أو سَوْق الهَدْي.

(تابعه أبو مُعاوية) وصلَه مُسَدَّد في "مسنده"، والخُوَارِزْميُّ في "المُتفق". (وقال شعبةُ) وصلَه أحمد، وأبو داودٍ الطيالسيُّ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [6]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

27 - باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة

تَابع كِتَابُ الحجِّ 27 - بابُ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبيحِ وَالتَّكْبيرِ قَبْلَ الإِهْلَالِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب التَّحميد ...) إلى آخره. قال (ش): قَصَدَ بذلك الردَّ على أبي حنيفة في قوله: أنَّ مَنْ سَبَّح أو كبَّر أجزأَه من إهلالِه، فأثبتَ أنَّ ذلك إنّما كان من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قبْل الإهلال. 1551 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيَّوبُ، عَنْ أَبي قِلَابَةَ، عَنْ أَنسٍ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنحنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءَ، حَمِدَ الله وَسَبَّحَ وَكبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، قَالَ: وَنَحَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ كبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنسٍ. (البيداء): الشَّرَف قُدَّام ذي الحُليفة. (قدمنا)؛ أي: إلى مكّة. (النَّاس)؛ أي: الذين لم يسوقوا الهَدْي. (يحلوا)؛ أي: صاروا حلالًا، وإنما أَمَرَهم بالفَسْخِ وهم قَارِنون؛ لأنهم كانوا يرون العمرةَ في أشهر الحجِّ مُنكَرةً كما هو رَسْم الجاهلية، فأمرَهم بالتحلُّل من حَجِّهم، والانفساخ إلى العمرة؛ تخفيفًا لمخالفةِ رسمهم، وتصريحًا بجواز الاعتمارِ في تلك الأشهر. ثم اختُلِفَ في جواز ذلك بعد تلك السَّنة، فقال أحمد: يجوز لكل محرمٍ بالحج ولا هديَ معه أن يَقلبَ إحرامه عُمرةً، وأنَّ هذا الحكم مستمرٌّ إلى يوم القيامة، وقال الآخَرون: ذلك خاصٌّ بتلك السَّنَة. (يومُ) بالضم؛ لأنَّ (كان) تامةٌ. (التروية)؛ لأنهم يَرْتَوون فيه من الماء، ويحملونه إلى عرَفات. (بدنات)؛ أي: المُهداة إلى مكّة. (قيامًا)؛ أي: قائمًا. (أملحين)؛ أي: في أُضحيةِ يوم العيدِ بالمدينة، الأَمْلَح: الّذي

28 - باب من أهل حين استوت به راحلته

يُخالطه سوادٌ. * * * 28 - بابُ مَنْ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ (باب مَنْ أهَلَّ حين استَوتْ به راحلتُه) حذفَه (ك)، وأدخله فيما قبلَه. 1552 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَالِحُ بن كَيْسَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَهَلَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلتهُ قَائِمَةً. (استوت)؛ أي: رفعَتْه مستويًا على ظهرِها. (به) حالٌ، أي: تَلبُّسه به. * * * 29 - بابُ الإِهْلَالِ مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ (باب الإهلال مستقبلَ القِبْلة)، بنصب (مستقبلَ) على الحال. قال الإِسْمَاعِيْلِيُّ: ليس في حديث فُلَيْحٍ عن نافعٍ استقبالُ القبلة.

1553 - وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا صَلَّى بِالْغَدَاةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا، ثُمَّ يُلَبي حَتَّى يَبْلُغَ الْمَحْرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبحَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذَلِكَ. تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبُ فِي الْغَسْلِ. * * * 1554 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن داوُدَ أَبُو الرَّبيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجدَ الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْكَبُ، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلتهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. (وقال أبو مَعْمَر) وصلَه أبو نُعَيم في "المُستخرَج". (الغداة)؛ أي: صلاةُ الغَداة، وفي بعضها: (بالغَداة)، أي: صلَّى في هذا الوقت. (قائمًا)؛ أي: منتصبًا غيرَ مائِل. (حتّى يبلغ المحرم) رُوي: (الحرَمَ). (يمسك)؛ أي: عن التَّلْبية، وهذا وإنْ فُهِمَ من الغاية، لكنْ قصدَ

التصريحَ به، نعَمْ، الإمساكُ محمولٌ على أنه في صَبيحة يوم العِيْد في مِنَى أنه بمجرَّدِ بُلوغِ الحرمِ أمسَكَ، أو أراد بالحرَم منى، أو كان ذلك عند التمتع. (حتّى إذا جاء) هذه الغايةُ لقوله: (استقبل)، والمراد بالحرَم هو المتبادِر للذهن أولُ جزءٍ منه، أي: أمسك فيما بين أوّلهِ وذي طُوى، فتكون (حتّى) حينئذٍ غايةً لـ (يُمسِك). (طِوَى) بكسر الطاء وضمها وفتحها، وصوَّبه (ع)، والواو مفتوحةٌ مخفَّفةٌ: وادٍ معروفٌ بقُرب مكّة ألِفُه مقصورةٌ، وقال ثابتٌ: ممدودةٌ. وقال (ن) في "التّهذيب": هو موضعٌ عند باب مكّة بأسفلها في صَوب طريقِ العمرةِ المعتادة، ومسجد عائشةَ، ويُعرف اليوم بآبار الزَّاهر، يُصرَف ولا يُصرَف. وكذا قال في "شرح مسلم" في (باب: استحباب المبيتِ بذي طِوى)، لكنْ قال في (باب جوازِ العمرةِ في أشهرِ الحجِّ): أنه مقصورٌ منوَّنٌ، انتهى. وفي بعضها: (حَاذَى طِوَى) مِن المُحاذاة بحذْف كلمة (ذي)، والأول هو الصّحيح؛ لأن اسمَ الموضعِ ذي طِوَى، لا طِوَى. (زعم)؛ أي: قال. (تابعه إِسماعيلُ) وصلَه البخاريّ بعدُ. * * *

30 - باب التلبية إذا انحدر في الوادي

30 - بابُ التَّلْبيَةِ إِذَا انحَدَرَ فِي الْوَادِي (باب التَّلْبية إذا انحدَر في الوادي) أسقطه (ك)، وأدرجَ حديثَه فيما قبله. 1555 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أَبي عَدِيٍّ، عَنِ ابن عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابن عَبَّاسٍ، فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ أَنَّه قَالَ: "مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ". فَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لَمْ أسْمَعْهُ، ولَكِنَّهُ قال: "أمَّا مُوسَى كأنِّي أنْظُرُ إليْهِ إِذ انْحَدَرَ في الْوادِي يُلَبي". (أنه)؛ بفتح الهمزةِ. (وقول)؛ أي: النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (كأنِّي) جوابُ (أمَّا)، وحُذِفت منه الفاءُ، فهو حجَّةٌ على النُّحاة في منعْ حذْفها. قال التَّيْمِيُّ: فيه أنَّ موسى -عليه السّلام- كان يحجُّ، وقال المُهَلَّبُ: لفظُ (موسى) وهْمٌ من الرُّواة، إنما هو عيسى؛ لأنه حيٌّ، وذلك على رواية: (إذا انحدَر)؛ لأنه إخبارٌ عمَّا يكونُ في المستقبل، وأمَّا مَنْ رواه بلفظ: (إذا) التي للماضي، فيَصِحُّ موسى بأن يكون النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - رآه في المَنام أو بوحي إليه. قال (ك): المناسبُ لذكر الدجَّالِ أن يكون عيسى. * * *

31 - باب كيف تهل الحائض والنفساء

31 - بابٌ كَيْفَ تُهِلُّ الحائِضُ والنُّفَساءُ أهلَّ: تَكَلَّمَ بِهِ. واسْتَهْلَلْنا وأهْلَلْنا الهِلالَ: كُلُّهُ مِنَ الظُّهُورِ. واسْتَهَلَّ المَطَرُ: خَرَجَ منَ السَّحَابِ {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه} وهوَ مِنِ اسْتِهْلالِ الصَّبيِّ. (باب: كيفَ تُهِلُّ الحائِض والنُّفَساء؟)؛ أي تُحْرِم. (كله)؛ أي: كُلُّ ما ذكرَ من هذه الألفاظ. (من الظهور)؛ أي: مأخوذٌ من معنى الظهورِ، فإنَّه إذا تكلَّمَ أظهرَ ما في قلبه، وإذا طلَع الهلالُ ظهَر من الخفاء. قال الجَوْهَرِيُّ: أَهَلَّ الهلالُ، واستُهِلَّ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، ويقال أيضًا: استَهلَّ بالبناء للفاعل بمعنى تَبيَّن. {وَمَا أُهِلَّ} أي: نُودي على المذبوح بغير اسم الله، وأصله رفْعُ الصوتِ، واستَهَلَّ الصبيُّ: صاحَ عند الولادة. * * * 1556 - حدَّثنا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، حدَّثنا مالِكٌ، عنِ ابن شِهابٍ، عنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عنْ عائشةَ رضي الله عنها زَوْجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَتْ: خَرَجْنا مَعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ

حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا" فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "انْقُضي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ"، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيم فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: "هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ"، قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. (بعمرة) لا يُنافي ما سبق في (باب الحيض)، ويأتي في (التَّمتع) أنهم كانوا لا يرون إلا الحجّ: أنَّ ذلك عند الخروج قبل أن يُحرموا، ثم أمرهم - صلى الله عليه وسلم - بالاعتمارِ رفعًا لمَا اعتقدوه من حُرمة العمرة في أشهر الحجِّ. (هَدْي) بسكون الدال أو بكسرها مع تشديد الياء: ما يُهدَى للحرَم من النَّعَم. (انقضى) بالقاف، ويجوز بالفاء إنْ صحتِ الروايةُ. (ودعي العمرة)؛ أي: اتركي أعمالَها؛ لأنَّها إذا أَدخلَت الحجَّ عليها وصارت قارِنةً دَخَلَتْ أعمالُها في أعمال الحجِّ، هذا تأويلُ الشّافعي. قال (خ): وهو مُشكِلٌ جدًّا؛ لأن: (انقُضي رأْسَكِ وامتَشِطي) لا يُشاكل هذا، ولو تُؤوِّل على أنَّه رخَّص لها في فسْخ العمرة كما أذِن

32 - باب من أهل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -

لأصحابه في فسخ الحجِّ لكان له وجهٌ. قال (ش): ويشهد لتأويل الشّافعي قولُه في الحديث الآخر: "طَوافُكِ وسعيُك كافيك". قال (ك): وأما قوله لها: (انقُضي وامتَشِطي) فليس بموْهِنٍ له، فإنهما جائزانِ في الإحرامِ حيث لا يَنْتِفُ شَعرًا، أو أنّ ذلك بسبب أذًى برأسها، فأُبيح كما أُبيح لكعبٍ الحلقُ للأذى، والمراد بالامتِشاط تسريحُ الشَّعر بالأصابع لغُسل الإحرام بالحجِّ، ويلزم منه نقْضُه. (التنعيم) بفتح المُثَنَّاة، وسكون النُّون: بطرَف الحرم، ويُسمَّى: مسجد عائشة. (وهذا مكان عمرتك) مبتدأٌ وخبرٌ، فالمشهورُ رفعُ (مكان) على الخبرية، أي: عوضُ عمرتك الّتي تركتِها لأجْل حيضتك، ويُنصب على الظَّرفية، وعاملُه المحذوفُ هو الخبرُ، أي: كائنةٌ، أو مجعولةٌ، ورجَّح (ع) الرَّفع؛ لأن الظَّرفية غيرُ مرادةٍ، بل العِوَضية عمَّا فاتَها من عمرةٍ مستقلةٍ كبقية أمَّهاتِ المؤمنين، وعيَّن بعضُهم النَّصب، وقال السُّهَيْلِيُّ: إنّه الوجهُ؛ لأن العمرة ليست لمكان عمرةٍ أُخرى إلا إنْ جُعلتْ (مكان) بمعنى: عِوَض، أو بدَل مجازًا، فيجوز الرفعُ حينئذٍ. * * * 32 - بابُ مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَإِهْلَالِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَهُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب مَنْ أَهَلَّ في زَمانِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كإهلاله) تَقْييده في التَّرجمة بزَمانه إشارةٌ إلى أنه لا يجوز بعده ذلك، كما هو مذهبُ مالك، [و] دليلُ الأكثرِ أنَّ الأصلَ عدمُ الخُصوصية. (قاله ابن عُمر) وصلَه البخاريُّ في (المَغَازي) في (بابِ بَعْث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عليًّا إلى اليمَن). * * * 1557 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بن إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابرٌ - رضي الله عنه -: أَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا - رضي الله عنه - أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ. (إحرامه) الضمير لعليٍّ. (وذكر) الضمير إمَّا لمَكيٍّ، فهو من مَقول البخاريّ، أو لجابرٍ فهو من مَقول عَطاءٍ. (قول سُرَاقة)؛ أي: قولُه بعد قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ ليس معه هَدْي فليجعلْ، أو ليجعلْها عُمْرةً لعامنا هذا، أو للأبد، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: أي: دخلَت العُمْرة في الحجِّ، "لا لأبَد الأبَد"، أي: أنَّ أفعالَ العمرةِ تدخلُ في أفعالِ الحجِّ للقارنِ دائمًا إلا في خصوص تلك السَّنة، وقيل: معناه: يجوز فِعْلُ العُمرة في أشهر الحجِّ على الأبَد، أو أنَّ فَسْخَ الحجِّ للعمرة يجوز على الأبَد، فيكونُ عُلْقةً لمن أجاز ذلك مطلقًا. * * *

1558 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ الْخَلَّالُ الْهُذَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بن حَيَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأَصْفَرَ، عَنْ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْيَمَنِ، فَقَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ "، قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ". وَزَادَ مُحَمَّدُ بن بَكْرٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ "، قَالَ: بِمَا أهَلَّ بِهِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قال: فاهْدِ وامْكُثْ حَرَامًا كما أنْتَ. الحديث الأوّل: (الخلال) بمعجمةٍ. (سَلِيم) بفتح السين، وكسر اللام. (حَيَّان) بفتح الحاء، وبياءٍ مثنَّاةٍ. (بما) هو على القليل في إثباتِ الألف مع الاستفهام. (لا حللت)؛ أي: من الإحرام، أي: وتمتَّعْت؛ لأن صاحب الهَدْي لا يتحلل، حتّى يبلغَ الهَدْيُ مَحِلَّه، وهو في يوم النَّحر. (وزاد محمّد بن بكر) يحتمل اتصاله بدُخوله تحت السَّنَد الأوّل، ويحتمل أنه تعليقٌ، وقد وصلَه الإسماعيليُّ، وأبو عَوَانة في "صحيحه". (فأهد) بقَطْع الهمزة. (كما أنت)؛ أي: في الإحرام إلى الفَراغ من الحجِّ، وفي الحديث:

أن عَليًّا كان قارِنًا؛ لأن الدَّم إمَّا على متمتِّعٍ، أو قارِنٍ، وليس متمتِّعًا لقوله له: (امكُثْ). * * * 1559 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حدَّثنا سُفْيانُ، عنْ قَيْسِ بن مُسْلِمٍ، عنْ طارِقِ بن شهابٍ، عنْ أبي مُوسَى - رضي الله عنه -؛ قَالَ: بَعَثنَي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى قَوْمٍ بِالْيَمَنِ، فَجئْتُ وَهْوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ "، قُلْتُ: أَهْلَلْتُ كَإِهْلَالِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ "، قُلْتُ: لَا، فَأَمَرَني فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ، فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي، أَوْ غَسَلَتْ رَأْسي، فَقَدِمَ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ الله فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ قَالَ الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَإِنْ نَأَخُذْ بِسُنَّةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ. الحديث الثّاني: (فأحللت) يُؤخذ منه أنه فسَخَ الحجَّ سواءٌ أكان مُفْرِدًا أو قارنًا؛ لأنه تابعٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (امرأة) محمولٌ على أنها كانت مَحْرَمًا له، وسيأتي في (أبواب العُمرة): أنها من قَيْسٍ. (فمشطتني أو غسلت رأسي) لم يذكرِ الحَلْقَ، إمّا لكونه معلومًا عندهم، أو لدخوله في أمرِه بالإحلال. (فقدم)؛ أي: جاء زمانُ خِلافته، فأنكر فسخ الحجِّ إلى العُمرة،

33 - باب قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}

ويحمل نهيه عن التمتع على هذا، وقيل: إنّما نهى عن التمتُّع المعروف، لكن نهيَ تنزيهٍ لا تحريمٍ. (أن نأخذ بكتاب الله)؛ أي: بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، أي: ومن جملة الإتمام المأمورِ به أن يُحْرِم بالحجِّ من الميقات، والمتمتعُ إنّما إحْرامُه من مكّة، أو أن المرادَ بالإتمام امتدادُ زمانِ العمرة إلى وقتِ تحلُّل الحجِّ؛ لكونها في سِلْك واحدٍ. واعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - إنّما أمَر أبا موسى بالإحلال؛ لأنه ليس معه هَدْيٌ، بخلاف عليٍّ حيث أمرَه بالبقاء؛ لأن معه الهدي، مع أنهما أحر ما كإحرامِه، لكنْ أَمَرَ أبا موسى بالإحلال تشبيهًا بنفسِه لو لم يكن معه هديٌ، وأمر عليًّا مُشبَّهًا به في الحالة الراهنة. وفي الحديث صحة الإحرام المُعلَّق، وقيل: يحتمل أنهما نَوَيا القِرَان تأسيًّا، فلما سأَلهما أجابا: بأنهما قَرَنا بمثل ما قَرَن، لا أنهما علَّقا إحرامهما بإحرامه. * * * 33 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وَقَالَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّال وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ

مِنْ ذِي الْحَجَّةِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَكَرِهَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ. (باب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]) قولُ ابن عُمر: (وعشر) [ذهب] إليه أبو حنيفة، وقال الشَّافعيُّ: تسعٌ وليلةُ النَّحر، وقال مالك: ذو الحِجَّة بكماله، وإنّما جعَل بعضَ الشهر مع الأوَّلَين شهرًا تنزيلًا للبعض منزلةَ الكُلِّ، أو أنَّ الجمْع يَصدُق بكلِّ ما وراءَ الواحد. (من السنة) وصلَه ابن خُزَيْمَة في "صحيحه"، والدَّارَقُطْنِي، والحاكم، ومعناه: من الشَّريعة، أنَّ ذاك واجبٌ، فلا ينعقد الإحرامُ عند الشَّافعيِّ إلا في أشهره، وأمّا غيرُه فلا يصحُّ شيءٌ من أفعاله إلا في أشهُره. (خُرَاسان) بضم الخاء: المَمْلكَة المعروفة، موطِن كثيرٍ من علماء المسلمين. (كِرمان) بكسر الكاف، وقيل: بفتْحها، قال (ك): منْزِل الكَرَم والكرام، ودار أهل السنة والجماعة إلى جانب خُرَاسان، وهما مثَلٌ للبَعيد كالهند والصين ونحو ذلك. فوجْهُ الكراهة ما فيه من الحرَج والتضرُّر، ولا حرَجَ في الدِّين

ولا إضرارَ، ويحتمل: أن مثل ذلك في البُعد إذا أحرم منه لا يكون الإحرامُ إلا قبل أشهر الحجِّ، وهو: إمّا حرامٌ، أو مكروهٌ على الخلاف، ويحتمل: أنه لكون الإحرام من دُوَيْرَة أهله، ولا أفضلَ من الميقات عند الكثير اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، لكنَّه لا يُناسب التّرجمة. * * * 1560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِي، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بن حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيَالِي الْحَجِّ، وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابهِ فَقَالَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَا"، قَالَتْ: فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ، وَكَانَ مَعَهُمُ الْهَدْيُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهْ؟ "، قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَصْحَابكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ، قَالَ: "وَمَا شَأْنُكِ؟ "، قُلْتُ: لَا أُصَلِّي، قَالَ: "فَلَا يَضيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ بناتِ آدَمَ كَتَبَ الله عَلَيْكِ مَا كتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى الله أَنْ يَرْزُقَكِيهَا"، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا

عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرٍ فَقَالَ: "اخْرُجْ بِأخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَة، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أنظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي" قَالَتْ: فَخَرَجْنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ، وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئتهُ بِسَحَرَ، فَقَالَ: "هَلْ فَرَغْتُمْ؟ "، فَقُلْتُ: نعمْ، فَأَذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ. ضَيْرِ: مِنْ ضَارَ يَضيرُ ضَيْرًا، وُيقَالُ: ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا، وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا. (وحُرُم) بضم المهملة، والراء، قال (ن): أي: أزْمنته وأمكِنته وحالاته، وبفتح الراء: جَمْع حُرْمة، أي: ممنوعات الشَّرع ومحرَّماته. قال (ش): وبهذا ضبطه الأَصِيْلِي. (سَرِف) بفتح السين، وكسر الراء، وفتح الفاء، غيرُ منصرفٍ؛ لأنه عَلَمُ البُقعة، وهي على عشر أميالٍ من مكَّة. (فالآخذ) مبتدأ، (من أصحابه) خبرُه. (يا هنتاه)؛ أي: يا هذه، وهو بفتح النُّون، وتُسكَّن، وبضمِّ الهاء الأخير، وتُسكَّن، وأصلُه: (هَنٌ) كنايةٌ عن شيءٍ لا يُذكَر باسمه، والأُنثى هَنَةٌ، فإنْ ناديتَ مذكَّرًا قلت: يا هَنٌ، ولك أن تُدخل فيه السَّكْت لبَيان الحركة، وتُشبع حركة النون ألفًا فيصير: يا هَنَاهْ، أو مؤنثًّا قلتَ: يا هَنْت، بسكون النون، أو يا هنتَاه، على ما سبق

في المذكَّر، ولا يُستعملان إلا في النِّداء، وقال التَّيْمِيُّ: الألف والهاء في آخِره كالألف والهاء في النُّدبة، والأصلُ على الأوّل في الهاء السُّكون؛ لأنها للسَّكْت، لكنْ شبَّهوها بالضمير فأثبتُوها وَصْلًا وضمُّوها، وقيل: معناه يا بَلْها عن مُكايدة النَّاس. (لا أُصلّي) كنايةٌ عن الحيض، وفيه رعايةُ الأدب، وحُسْن المعاشرة. (يضيرك)؛ أي: يضرُّك، وكذا يضُورك، الثّلاثةُ بمعنى. (يرزقكها) في بعضها بإشباع كسرة الكاف ياءً. (النفر) بإسكان الفاء: الانطِلاق، والرُّجوع. (الآخر) بكسر الخاء، أي: ثالثَ عشَر الحِجَّة، أما الأوّل ففي الثّاني عشر. (المُحَصَّب) بميم مضمومةٍ، وحاءٍ، وصادٍ مهملتين، والصاد مشدَّدة: موضعٌ بقُرب مكّة، سمي بذلك لاجتماع الحصَا فيه بحمْل السَّيْل؛ لأنه مُنْهَبطٌ، وهو الأبْطَح والبَطْحاء، وحدُّه: ما بين الجبَلَين إلى المَقابر، وليست المقبرة منه، ويُسمَّى موضعَ الجِمار أيضًا من مِنَى المُحَصَّب، وليس مرادًا هنا. (أفرغا) يدلُّ على أن عبد الرَّحمن اعتمَر معها أيضًا. (أنظركما)؛ أي: أنتَظِرُكما. (تأتيان) أصلُه: تأتياني بنون الوقاية، وياء المتكلِّم، فحُذفت الياء اكتفاءً بالكسرة.

34 - باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي

(فرغت)؛ أي: من العمرة. (وفرغت من الطواف)؛ أي: للوَداع، فكرَّرت: فرغت؛ لأنهما فراغان، وفي بعضها: (وفرغ)؛ أي: عبد الرّحمن، فلا تكرارَ أصلًا، بل قال بعضُهم: لعلَّ الأَولى هو هذا: أن يُراد به فراغ عبد الرّحمن؛ لأن بعده: (أفَرغتم؟)، وفي أول الحديث: "ثمّ أفرغا، ثمّ ائتيا". (بسحر) بفتح الراء غير منصرف، وبكسرها مع التَّنوين، وهو: قُبيل الصُّبح الصادق؛ لأنك إن أردتَ سَحَر ليلتك منَعتَ؛ للعَدْلِ وهو علمٌ له، وإنْ أردتَ نكرةً صرَفتَ، والأُولى أَولى. (فرغتم)؛ أي: أنتُما ومَن معكما من العُمَّار، أو أن أقلَّ الجمْع اثنان. (فأذن)؛ أي: أعلَمَ. وفيه أن مَنْ كان بمكةَ فمِيْقات عُمرته الحِلُّ جمعًا بين الحِلِّ والحرَم كما يجمع الحاجُّ؛ فإنَّ عرَفات من الحِلَّ. * * * 34 - بابُ التَّمَتُّعِ وَالإقْرَانِ وَالإِفْرَادِ بالْحَجِّ وَفَسْخِ الْحَجِّ لِمَنْ لم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (باب التمتُّع)، وهو أن يُحْرِمَ بالعُمرة في أشهر الحجِّ، ثمّ بعد الفراغ منها يُحْرِم بالحج.

(والإقران) يريد القِرَان، وهو أن يُهِلَّ بالحج والعُمرة معًا، أو بالعمرة ثمّ يدخل الحجِّ قبل فعْل شيءٍ منها. (والإفراد): أن يفرغَ من الحجِّ، ثمّ يعتمر. قال السَّفَاقُسِيُّ: التعبيرُ بالإقِرَان غيرُ ظاهرٍ، وصوابه القِرَان. قال (ش): لم يُسمَع في الحجِّ إقرَانٌ، ولا في مَصدر (قَرَن) فيه إقران، بل يقال: قِرَان، ونحوه ما قاله (ع): إن في أكثَر الرِّوايات: "نهى عَنِ الإقْرَانِ في التَّمْرِ"، وصَوابه: القِران. ثمّ قال السَّفَاقُسِي: ومضارع قَرَن: يَقْرِن بكسر الراء، قال (ش): والذي في "المُحْكَمِ"، و"الصحاح"، وغيرِهما: الضمُّ، وقيل: المراد أنها تُريد بذلك غيرها من الصّحابة؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون العُمرة في أشهر الحجِّ، فلم يخرجوا مُحْرِمين بالحجِّ. * * * 1561 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا نُرَى إلا أنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: "وَمَا طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ "، قُلْتُ: لَا،

قَالَ: "فَاذْهَبي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيم فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا"، قَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِي إلا حَابسَتَهُمْ، قَالَ: "عَقْرَى حَلْقَى، أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "لَا بَأسَ، انْفِرِي"، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: فَلَقِيَنِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنًا مُنْهَبطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنًا مُصْعِدَةٌ وَهْوَ مُنْهَبطٌ مِنْهَا. (لا نُرى) بضم النون، أي: نظُنُّ، وسبق الجمع بينه وبين: "فأهلَلْنا بعُمرة" في (باب: كيف تُهِلُّ الحائض؟). (أن يُحل)؛ أي: بأن، وهو بضمِّ الياء، وهو مناسبٌ لقوله: (فأحللن)، وفي بعضها: بفتحها، أي: يصير حَلالًا، وهو مناسبٌ لقوله: (فحلَّ)، نعَمْ، هنا أنه أمرَهم به بعد دُخول مكةَ، وسبَق أنه أمرَهم به بسَرِف، ولا منافاةَ؛ لأنه أمرَهم مرَّتين ثانيهما توكيدٌ. (فلم أطف) لا يُنافي قولها قبل ذلك: (تطوَّفْنا)؛ لأنها عَنَتْ بذلك الصَّحابة، وهذا تخصيصٌ بذاك، وليس المراد بنفيها الطواف طوافَ الحجِّ بل طوافَ العمرة الّذي كان عليها لو استمرَّتْ معتمرةً، أما طوافُ الحجِّ فقد قالت فيه: (ثُمَّ خرَجتُ من مِنَى فأفضْتُ بالبَيْت). (ليلة الحَصْبة) بسُكون الصاد، وجاء فيها الكسر، والفتح، أي: اللَّيلةَ الّتي بعد ليالي التَّشْريقِ الّتي ينزِلون فيها بالمُحَصَّب. (بحجة)؛ أي: بلا عُمرةٍ مفردةٍ، كما رجَع النَّاس بها. (فأهلي) المراد أصلُ التَّلْبية؛ لأن المرأةَ لا تَرفع صوتها.

(صفية)؛ أي: أمُّ المؤمنين. (أُراني): بضمِّ الهمزة، أي: ما أظُنُّ نفْسي. (حَابسَتهم)؛ أي: حابسةً القومَ عن التوجُّه للمدينة؛ لأني حِضْتُ وما طُفْتُ، أي: فيتوقَّفون بسبَبي حتّى أطوفَ، وإسنادُ الحبْس إليها مجازٌ. (عَقْرَى حَلْقَى) فيه أوجهٌ: أحدها: أنهما وصفان لمؤنَّثٍ بوزن فَعْلَى على معنى مفعولٍ، أي: عقَرَها الله في جسَدها وحلْقها: أصابَها بوجَعٍ في حلْقها، أو حُلِق شَعرها، فهي مُعْقَرةٌ مَحلُوقةٌ، وهما مرفوعان خبرٌ عن مبتدأ، أي: هي. ثانيها: كذلك إلا أنه بمعنى فاعِل، أي: أنها تَعْقِرُ قَومَها، وتحلقهم بشُؤْمها، أي: تستأْصلُهم، فكأنه وصفٌ من فِعْلٍ مُتَعَدٍّ، وبه قال الزَّمَخْشَرِيُّ. ثالثها: كذلك، أي: أنه جمعٌ كجَريحٍ وجَرْحَى، أي: ويكون وصف المفرَد بذلك مبالغةً. رابعها: أنه وصفُ فاعلٍ، لكنْ بمعنى: لا تَلِدُ؛ كعاقِر، وحَلْقَى، أي: مَشؤُومة. قال الأَصمعيُّ: يُقال: أصبحتْ أمُّه حالِقًا، أي: ثَاكِلًا، وهذه الأربعةُ لا تنوين فيها؛ لأنَّ الألف فيها للتأنيث.

قال (ن): إن المحدِّثين يَروُونه بالألف للتأنيث، ويكتبونه بالياء، ولا يُنوِّنونه. خامسها: قاله أبو عُبيدةَ: إنّه صوابه خلافًا للمحدثين، عَقْرًا، حَلْقًا -بالتنوين-، أي: مصدرين، قال: لأنَّ فَعْلَى تَجيء نعْتًا، ولم تجئْ في الدُّعاءِ هذا، وهذا دعاءٌ. سادسها: قاله صاحب "المُحْكَم" عن معناه كما سبق: مِن عَقَرَها الله وحَلَقها، أي: شَعْرَها، أو أصابَها في حَلْقها، لكنه مصدرٌ كدَعْوى، أي: فيكون نصبُه مفعولًا مطلقًا بحركةٍ مقدرةٍ على قاعدة المقصورِ، وليس بوصفٍ. قال إن): وعلى الأقوال كلِّها هي كلمةٌ اتسعتْ فيها العرَب، فتُطلقها ولا تُريد حقيقةَ معناها، أي: لا وصفٌ ولا دعاءٌ، بل هي كـ: تَرِبَتْ يداه، وقاتَلَه الله، ونحو ذلك. (انْفِري) بكسر الفاء، أي: اذهبي لا حاجةَ لك إلى طواف الوداعِ؛ لسُقوطه عن الحائض. * * * 1562 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الْوَداعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ

أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. الحديث الثّاني: سَبَق الجمْع بين هذا التَّقسيم الّذي فيه وبين حديثِ (لا نريد إلا الحجِّ) في (باب: كيف تُهِلُّ الحائض والنُّفَساء؟). * * * 1563 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حدَّثنا غُنْدَرٌ، حدَّثنا شُعْبَةُ، عنِ الحَكَم، عنْ عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ، عن مَرْوانَ بن الْحَكَمِ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رضي الله عنهما - وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، قَالَ: مَا كنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِقَوْلِ أَحَدٍ. الحديث الثّالث: (المتعة) المراد بها فسخُ الحجِّ؛ لأنه كان مخصوصًا بتلك السَّنة، وقيل: التمتُّع المشهور، والنهي للتَّنزيه تَرغيبًا في الإفراد. (وأن يُجْمع) بضم أوّله، وهو القِران، سماه تمتُّعًا؛ لمَا فيه من التمتُّع بإسقاط سفَره للنُّسُك الآخَر. قال (ن): كَرِه عُمر، وعُثمان، وغيرُهما التمتُّعَ، وبعضهم: التمتُّعَ والقِران، ثمّ انعقَد الإجماع على جواز الثّلاثة، وإنّما اختلفوا في الأفْضل.

(عليّ) فاعل رأَى، وحُذف مفعوله، أي: النَّهي. (أهَلَّ) جوابٌ لـ (ما). (لَبَّيْكَ)؛ أي: قائلًا لبَّيك، فهو مقول القَول المقدَّر. (قال) استئنافٌ، أي: قال عَليٌّ، وكأنَّ قائلًا قال له: لِمَ خالفْتَه؟، فأجاب بذلك؛ لأن المجتهدَ لا يُقلِّدُ مجتهدًا، لا سيَّما والسُّنَّة موجودةٌ. * * * 1564 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ صَبيحَةَ رَابعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "حِلٌّ كُلُّهُ". الحديث الرّابع: (كانوا)؛ أي: أهلُ الجاهلية. (يَرون)؛ أي: يعتقدون. (المُحَرَّمَ صَفَرًا)؛ أي: يجعلون صَفَر من الأشهر الحرُم لا المُحَرَّم. قال الزَّمَخْشَرِيُّ: النَّسِيءُ هو: تأخير حُرْمَةِ الشهر إلى شهرٍ آخَر،

وربما زادوا في عدد الشُّهور، فيجعلونه ثلاثةَ عشر، أو أربعةَ عشَر، فيتَّسع لهم الوقْت. أي: لأنهم إذا توالتْ عليهم ثلاثةُ أشهرٍ حُرُمٍ ضاق الوقت على أحوالهم وذكر الطِّيْبي نحو ذلك، وفي التركيب لَطافةُ إرادة المعنى اللُّغوي في المحرَّم، فهو من الإيهام. قال (ن): و (صفَر) مصروفٌ بلا خلاف، ولكن كتَبوه بلا ألف، قال (ك): أي: على لغة رَبيْعَةَ في الوقْف على المنصوب المنوَّن، لكنْ حكى (ش) عن بعضهم: أنه غيرُ مصروفٍ، ثمَّ قال (ن): إنَّ هذهِ الألفاظَ تُقرأ كلُّها ساكنةَ الآخِر موقوفةً؛ لأجْل السَّجْع. (بَراء) بفتح الراء. (الدَّبَر) بمهملةٍ وراءٍ مفتوحتين، أي: ما يَلحق ظُهورَ الإبل من جُرحٍ ونحوه من الأثَر باصطِكاكِ الأقْتابِ، فيَبْرأ ذلك الدَّبَر إنْ حصَل في زمَن الحجِّ بعد الانصِراف منه. (وعفا الأثر)؛ أي: ذهبَ أثرُ ذلك الدَّبَر، يُقال: عفَا الشَّيء: إذا ذهَب. قال (خ): لكنَّ المعروف في عامة الرِّوايات: (عفَا الوَبَر)، أي: كَثُر، كقوله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95]، أي: كثُروا، أي: فهو من الأضْداد، قال (ش): وكذا رواه أبو داوُدَ: (وعفَا الوَبَر). وقيل: المراد بالأثَر: أثَر الإبل، والسَّيْر، أي: آثار مشي الحاجِّ في الطَّريق من وُقوع الأمطارِ وغيرِها لطُول الأيَّام.

(حلت العُمرة)؛ أي: صارتْ حَلالًا. ووجه تعلُّق انسلاخ صفَر بالاعتمار في أشهر الحجِّ الّذي هو المقصود في الحديث -مع أن المُحَرَّم وصفر ليسا من أشهر الحجِّ-: أنَّهم لمَّا سمَّوا المحرَّم صفَرًا لزِمَ من تصرُّفهم عن السَّنَة ثلاثةَ عشَرَ شهرًا أن يصير المحرَّم الّذي سمَّوه صفَرًا آخِرَ السنَة، فيكون آخر أشهر الحجِّ، أو يقال: إن المراد أن بَراء الدَّبَر إنّما هو بمضيِّ الحِجَّة والمحرَّم؛ إذ لا بُرْء بأقلَّ من ذلك غالبًا، وأمّا انسلاخُ صفر فلانه من الأشهر الحُرُمِ بزعمهم، فلو وقَع قِتالٌ في طريق مكّة؛ لقَدَروا على المُقاتَلة، فكأنه قال: إذا انقضَى شهرُ الحجِّ، وأثَرُه، والشهرُ الحرامُ جازَ الاعتمارُ، أو يقال: المراد بصفَر: المحرَّم، ويكون قوله: (إذا انسَلخَ صفَر) كالبَيان أو البَدَل من قوله: (إذا بَرأ الدَّبَر)؛ لأنه لا يحصُل إلا في هذه المُدَّة ما بين نحو أربعين يومًا إلى خمسين. قال (ك): وهذا أَظهرُ، لكنْ بشرط أن يكون مرادُهم بكراهة العُمرة في أشهر الحجِّ هي والزَّمانُ الّذي فيه الأثَر بعدها. (رابعة)؛ أي: ليلةَ رابعةٍ من ذي الحِجَّة. (ذلك)؛ أي: الاعتمارُ في أشهر الحجِّ. (أيُّ الحل)؛ أي: أيُّ شيءٍ يحلُّ لنا. (كُله)؛ أي: كُلُّ ما كان حرامًا على المُحْرِم، حتّى الجِماع. * * *

1565 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بن مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بن شِهَابٍ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ. الحديث الخامس: (فأمره) مقتضى الظاهرِ: فأمَرَني، لكنَّ الراوي رواه بالمعنى لا بحكايةِ لفظِه. * * * 1566 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ - رضي الله عنهم - زَوْجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ". السادس: (لبدت) سبق أن معناه جَعْل صمغٍ ونحوِه في شَعْر الرأْس ليجتَمعَ ولا يقَع فيه قَمْلٌ. (وقلدت)؛ أي: تعليقُ شيءٍ في عنُق المُهدَى من النِّعَم علامةً أنه هَدْيٌ، وذكرَه وإنْ كان أجنبيًّا من الحِلِّ، وعدمُه بيانٌ، لأنه من أول الأمر مستعد لدوام إحرامه حتَّى يبلغَ الهديُ مَحِلَّه، والتلبيدُ مُشْعِرٌ بمدةٍ

طويلةٍ، أو ذَكَر ذلك لبيان الواقِع، أو للتأكيد. وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارِنًا. * * * 1567 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ نصرُ بن عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: تَمَتَّعْتُ، فَنَهَانِي نَاسٌ، فَسَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فَأَمَرَنِي، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وعُمْرُةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخبَرْتُ ابن عَبَّاسٍ فقال: سُنَّةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: أَقِمْ عِنْدِي فأجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مالِي، قال شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فقال: لِلرُّؤْيا الَّتِي رَأَيْتُ. السابع: (فأمرني)؛ أي: بالتمتع. (حج) هو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هذا، وفي بعضها: (حَجَّةٌ -بالتأنيث- مبرورةٌ). (سنة) بالرفع: خبرُ مبتدأ محذوفٍ، وبالنصب: على الاختصاص. (وأجعل) جملةٌ حالية، أي: وأنا أجعل، وفي بعضها: (وأجعلَ) بالنصب. (رأيت) بتاء المتكلمِ، أي: لأجل موافقةِ أمره، ولسنَّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * * *

1568 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلَاثَةِ أيَّامٍ، فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابرُ بن عَبْدِ الله أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: "أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً"، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: "افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ"، فَفَعَلُوا. الثّامن: (مكية)؛ أي: فتكونُ قليلةَ الثّواب لقلَّة مَشقَّتها. (البُدُن) بضم الدال وإسكانها. (مُفْرَدًا) بفتح الراء وكسرِها باعتبارِ كلِّ واحد. (أحلوا) في الكلام حذفٌ، أي: اجعَلُوا إحرامَكم عُمرةً، ثمّ حُلُّوا. (بين الصفا)؛ أي: وبالسَّعي بين الصفا، أو سماه طوافًا. (قدِمتم) بكسر الدال. (متعة)؛ أي: عُمرة، ووجْهُ التَّجَوُّز في إطلاقه ظاهرٌ.

(إلا هذا)؛ أي: هذا الحديث، وقيل: المرادُ ليس له بسنَدٍ عن عَطاءٍ إلا هذا لا مُطلقًا. * * * 1569 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنْ شُعْبة، عَنْ عَمْرِو بن مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ قَالَ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ - رضي الله عنهما - وَهمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إلا أَنْ تنهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا. التّاسع: (بِعُسْفان) بضم المهملة الأُولى، وسكون الثّانية: قريةٌ بين مكّة والمدينة، بها بئرٌ على نحوِ مرحلتين من مكّة. (في المتعة)؛ أي: القِرَان كما سبق بدليل آخِرِ الحديث؛ لمَا فيها من التمتُّع بالتخفيف. (ألى أن)؛ أي: ما تريد إرادةً منتهيةً إلى ذلك، أو ضَمَّن الإرادةَ معنى المَيْل. (بهمًا) أي: قِرَانًا، ويحتمل أن القِرَانَ عند عُثمانَ التمتُّع كما سبق آنفًا في قوله: (وأن يجمَع)، أو المرادُ بالمتعة العُمرةُ في أشهر الحجِّ، ولو في ضمْن قِرَان. * * *

35 - باب من لبى بالحج وسماه

35 - بابُ مَنْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَسَمَّاهُ 1570 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنَا جَابرُ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً. * * * 36 - بابُ التَّمَتُّعِ 1571 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. (باب مَنْ لبَّى بالحجِّ) (وسماه) فيه حديثان، وفي بعضها بينهما (باب: التمتع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (فأمرنا)؛ أي: أن نفسخَ الحجَّ. (ونزلت)؛ أي: قولُه تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} الآية [البقرة: 196]،

37 - باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}

ظاهر السِّياق أن المراد عُثْمان؛ لكنْ قال (ن): فيه التصريحُ بإنكاره على عُمَر مَنعْ التمتُّع، وأُوِّل قول عُمَر بأنه لم يُرِد إبطالَ التمتُّع، بل ترجيحَ الإفراد عليه. * * * 37 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (باب قول الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:196]) اكتفى (ك) بالترجمةِ السابقةِ عن هذا. 1572 - وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بن حُسَيْنٍ الْبَصْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن غِيَاثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَداعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إلا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ"، طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأتيْنَا النِّسَاءَ وَلَبسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: "مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ"، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا، وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ، كَمَا قَالَ الله

تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} إِلَى أَمْصَارِكُمْ، الشَّاةُ تَجْزِي، فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الله تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كتَابهِ وَسَنَّهُ نبَيُّهُ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ الله: {ذلِكَ لِمَن لَمْ يَكُن أَهْلُهُ حَاضِرِى المَسْجِدِ الحَرَامِ} وَأَشْهُرُ الْحَجِّ التي ذَكَرَ الله تَعَالَى: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ، فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ، وَالرَّفثُ الْجمَاعُ، وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي، وَالْجدَالُ الْمِرَاءُ. (البَرَّاء) بتشديد الراء. (طفنا) استئنافٌ، أو جوابٌ لـ (ما)، أو حالٌ بتقدير: قد. (المناسك)؛ أي: وقوف عرفةَ، ومَبيت مزدلفةَ، ورمي يوم العيد، والحَلْق. (إلى أمصاركم) تفسيرٌ من ابن عبّاس لمعنى: {رَجَعْتُمْ}. (الشاة) تفسيرٌ منه أيضًا لمعنى: {الْهَدْيِ}، والجملةُ حاليةٌ بلا واوٍ؛ لأنه فصيحٌ. (يَجزي) بفتح أوَّله، أي: يَكفي، وكذا فسَّر الشّافعيُّ الرجوعَ بأنه إلى أهالِيْكم، وقال أبو حنيفة: الرجوعُ: الفراغُ من أعمال الحجِّ. (ذلك) هو على قول الشّافعيّ إشارةٌ للحكم الّذي هو وجوب الهَدْي أو الصِّيام، وحاضرو المسجدِ الحرام: أهلُ الحرَم، ومَن كان منه على ما دُون مسافةِ القَصْرِ، وأمّا على قول أبي حنيفة: فذلك إشارةٌ إلى التمتُّع لا إلى حُكمه، فلا متعةَ للحاضرين، قال: وهم أهل

38 - باب الاغتسال عند دخول مكة

المواقيت، ومَنْ دونها، وقال مَالِكٌ: هم مَنْ كان بمكةَ، أو بذي طِوى دون غيرهما. (من الحجِّ والعُمرة) هذا وإنْ فُهم أوَّلًا لكنْ ذُكِرَ للتأكيد. (أنزله)؛ أي: في آية: {فَمنَ تَمتَّعَ}. (وسنة)؛ أي: شَرَعَهُ حيث أمر الصّحابة بالتمتُّع. (غير) بالنصب والجرِّ، وقد يتعلَّق بذلك أبو حنيفة في أن ذلك إشارةٌ إلى التمتُّع لا لحكمه، لكنَّ مذهبَ الصحابيِّ ليس بحجَّةٍ عند الشّافعيّ؛ إذ لا يُقَلِّد المجتهدُ مجتهدًا. (ذكر الله)؛ أي: في الآية الّتي بعد آية التمتُّع، وهي: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] إلى آخرها. (في هذه الأشهر) فإنّه ذكَرَ ذلك أنه إذا اعتمرَ قبلَ أشهر الحجِّ، ثمّ حجَّ في أشهره أنَّهُ ليس متمتِّعا، ولكن لا يُوجب دمًا ولا صيامًا. (والفسوق: المعاصي) يُشْعِر بأنَّ (فسوقَ) جمعٌ لا مصدرٌ. * * * 38 - بابُ الاِغْتِسَالِ عِندَ دُخُولِ مَكَّةَ (باب الاغتِسال عند دُخول مكَّة) 1573 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابن عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا

39 - باب دخول مكة نهارا أو ليلا

أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا دَخَلَ أَدْنْىَ الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبيَةِ، ثُمَّ يَبيتُ بِذِي طِوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نبَيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. (الحرم)؛ أي: أولُ موضعٍ منه. (أمسك) تَرَكَ التَّلْبية وإنْ كان يوم النَّحر إلا أنه محمولٌ على مَنْ فرضه ذلك، أو يمسك بمعنى: ثمّ يَستأنِف. * * * 39 - بابُ دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا بَاتَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي طِوًى حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ، وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَفْعَلُهُ. 1574 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَاتَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي طُوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ، وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَفْعَلُهُ. (باب دُخول مكَّة نهارًا وليلًا) أَدْخَلَ (ك) ما فيه في الّذي قبلَه، وحذَفَ هذه الترجمةَ. (طُوًى) سبق بيانه. (ثمّ دخل) صريحٌ في أنه بالنَّهار، فقوله في التّرجمة: (وليلًا)،

40 - باب من أين يدخل مكة

إمّا أنَّ (ثمّ) للتراخي، فيحتمل أن الدُّخولَ تَأخَّر إلى اللَّيل، وأنَّ دُخوله ليلًا كان معلومًا في عُمرة الجِعرَانَة، أو أنه أراد أن يأْتي بحديثٍ في الدُّخول ليلًا فما وجَد فيه حديثًا على شرْطه، ثمّ قيل: الدُّخول ليلًا ونهارًا سواءٌ، ولكنَّ الأكثرَ على أنه بالنَّهار أفْضل. * * * 40 - بابٌ مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ 1575 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. (باب: مِن أينَ يَدخُل مكَّة؟) وبعده: * * * 41 - بابٌ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ 1576 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ بن مُسَرْهَدٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ

عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُليَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءَ، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: كَانَ يُقَالُ: هُوَ مُسَدَّدٌ كَاسْمِهِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِينٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن سَعِيدٍ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ مُسَدَّدًا أَتَيْتُهُ فِي بَيْتِهِ فَحَدَّثْتُهُ لَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ، وَمَا أُبَالِي كُتُبي كَانَتْ عِنْدِي أَوْ عِنْدَ مُسَدَّدٍ. 1577 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ دَخَلَ مِنْ أَعْلَاهَا وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا. 1578 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بن غَيْلَانَ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْح مِنْ كَدَاءٍ، وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ. 1579 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ هِشَامِ ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْح مِنْ كَدَاءٍ أَعْلَى مَكَّةَ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلَى كِلْتَيْهِمَا مِنْ كدَاءٍ وَكُدًا، وَأَكثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ، وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ. 1580 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ هِشَامٍ،

عَنْ عُرْوَةَ: دَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْح مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ عُرْوَةُ أَكثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ، وَكَانَ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ. 1581 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبيهِ: دَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْح مِنْ كَدَاءٍ، وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، وَأَكثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ أَقْرَبهِمَا إِلَى مَنْزِلِهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: كَدَاءٌ وَكُدًا مَوْضعَانِ. (باب: مِن أين يَخرُج؟) أهملَهما (ك)، وأدخَل ما فيهما فيما قبلَهما؛ لتقارُبِ الكلِّ في المعنى. (العليا) هو الّتي يُنزَلُ منها إلى مقابر مكَّة، وهي بجنْب المُحَصَّب. (السفلى) الّتي في أسْفَل مكّة، وإنّما فَعَل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك -وهو مُخالفة الطَّريقَين- تفاؤُلًا بتغيُّر الحالِ إلى أكمَلَ منها، أو ليَشهدَ له الطَّريقان، أو ليَتبرَّك به أهلُهما، أو لغير ذلك، أي: كما هي عادتُه في العِيْد وغيره، ثمّ قال الرَّافِعِيُّ: إن في ذلك سُنَّةً في حقِّ مَنْ طَريقه ذلك، قال (ن): وكذا مَنْ ليس ذلك طريقُه، فهو سُنَّةٌ مطلقًا. (كدا)؛ أي: العُليا الّتي دخَل منها على المشهور، وعليه الجمهور، فيها فتح الكاف، والمدُّ، بخلافِ السُّفْلى الّتي خرجَ منها، فإنها بضَم الكاف، والقَصْر. قال (ن): وأمّا كُديٌّ بضم الكاف، وتشديد الياء، فهي في طريقِ

الخارجِ إلى اليمن، وليستْ من هذه الطريقينِ في شيءٍ، ووقَع في الرَّافِعِيِّ: أن السُّفلى بالمدِّ، وللقاضي حُسين: أنها بالفتح مِن غير تَعرُّضٍ من أحدٍ منهما لِمَا ذكره الآخَر، وكلاهما خلاف قَول الجمهور، وكذا وقَع للتَّيْمِيِّ ضَبْطُ كُدَيٌّ بالضمِّ، وتشديد الياء على التَّصغير. قال (خ): المحدِّثون قَلَّ ما يُقيمون هذين الاسمين، وهما: كَدا وكُدا، قال الشَّاعر وأنشده الخَليل: أَنْتَ اِبن مُعْتَلَجِ البطَا ... حِ كُدَيِّها وكَدائِها قال (ك): إنَّ قولَه في بعض أحاديث الباب: (أنه خرج مِن الّتي من أعلى مكةَ) مخالفٌ لما في الروايات، ثمَّ جمَع بين ذلكَ: بأن الدُّخولَ والخروجَ من أعلاها لعلَّه كان في عام الفتْح، والخروجَ من أسفلها في الحجِّ. قال: هذا إذا كان (كَدًا) بالفتح أوَّلًا وثانيًا، أنها إنْ كان الثّاني بالضمِّ فوجهُه: أنَّ (مِن أعلى) متعلِّقٌ بـ (دخَل)، و (خرَج)، و (من كَدًا) حالٌ مقدَّرة بينهما، ولا يحتاج إلى التَّخصيص بعد عام الفتْح. (أحمد) قيل: ابن عيسى العَنْبَرِيِّ، لكنْ قال ابن مَنْدَه: كلُّ ما قال البخاريّ: أحمدُ عن ابن وَهْبٍ فهو ابن صالحٍ المِصْرِيُّ. (أقربهما) بدلٌ من (كَدَا)، أو بيانٌ، وفي بعض النُّسخ كلاهما بالألف، وهو مذهب مَنْ يُجريها في الأحوال الثّلاثة على صورةٍ واحدةٍ. * * *

42 - باب فضل مكة وبنيانها وقوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود (125) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير (126) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (127) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم (128) ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}

42 - بابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبَنيَانِهَا وَقَوْلهِ تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (بابُ فضْلِ مكةَ) 1582 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بن دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا بنيَتِ الْكَعْبةُ ذَهَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءَ، فَقَالَ: "أَرِنِي إِزَارِي". فَشَدَّهُ عَلَيْهِ. الحديث الأوّل: (فخر)؛ أي: وقعَ إلى الأرضِ لمَّا انكشفتْ عورتُه.

(فطَمَحتْ) بفتح الميم، أي: رجَعَ بصره، يُقال: فلانٌ أَطْمَحَ بصرَه، أي: رفعهُ وعلاه. (أرِني) بكسر الرَّاء وسكونها، أي: أعطِني؛ لأن الإِراءَة مِن لازمها الإِعطاءُ. (فشد)؛ أي: العباس، أو النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وسبق الحديث في (باب: كراهة التعرِّي). وبناء الكعبة كان خمس مرات: بناء الملائكة، ثمّ آدم، ثمّ إبراهيم، ثمّ قريش في الجاهلية، وحضرَه - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمسٍ وثلاثين سنةً، وقيل: ابن خمسةٍ وعشرين، ثمّ بناءُ ابن الزُّبَير، ثمّ الحَجَّاجِ، وهو الموجود اليوم، وقد سبق في (كتاب العلم) في (باب: الأخبار). * * * 1583 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بن عَبْدِ الله، أَنَّ عَبْدَ الله بن مُحَمَّدِ بن أَبي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ الله ابن عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - زَوْج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: "أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بنوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: "لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ". فَقَالَ عَبْدُ الله - رضي الله عنه -: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ما أُرَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ

يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. الحديث الثّاني: (ألم تري) أصله: تَرَيْنَ، فحُذفتْ النون للجزم، أي: ألم يَصِلْ علمُ ذلك إليك. (حِدثان) بكسر الحاء: مصدر حدَثَ يحدُث، وهو مبتدأٌ حُذفَ خبَرُه وجوبًا، أي: موجودٌ. (إن كانت) ليس ذلك شكًّا في قولها، ولا تضعيفًا لحديثها؛ فإنها السيِّدة الحافظة، بل جرَى على ما يُعتادُ عليه من كلام العرب من الترديدِ للتَّقريرِ واليقين، كما في: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء: 111]، وفي {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} [سبأ: 50]. (استلام) هو مسُّ الحَجَر ومسحُه، إمّا من التَّسلُم، أو من السَّلام. (الحِجْر) بكسر المهملة، وسكون الجيم: ما تحت الميْزابِ، عليه نصفُ دائرةٍ، تدويره تسعٌ وثلاثون ذراعًا. قال أصحابنا: ستةُ أذرعٍ منه من البيت بلا خلافٍ، وفي الزائدِ خلافٌ. (لم يتمم)؛ أي: ما نقَصَ من البيت، وهو الرُّكن الّذي كان في الأصل، والذي هو الظَّاهر في ركن الحجَر لم يَسنَّه إبراهيم عليه السّلام، والمرادُ: أن الركنينِ اللذَين يليان الحِجْر ليسا بركنين، وإنما هما بعض الجِدار الّذي بنتْه قريش، فلذلك لم يستلمهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. * * *

1584 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بن يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: سَألتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْجَدْرِ: أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: "إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ"، قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: "فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تنكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ". الحديث الثّالث: (الجَدر) بفَتح الجيم، وفي بعضها تُضَمُّ، أي: الجِدَارُ كما هو مصرَّحٌ به في بعضها بدلَ الجدر، والمرادُ جدار الحِجْر؛ لما فيه من أصول حائطِ البيت. (قصرت) بفتح الصَّاد المشدَّدة، وفي بعضها بضمِّها، أي: لم يتسعوا لإتمام البيت؛ لقُصور النفقة وقِلَّةِ ذاتِ يَدِهم، يُقال: قَصَّر عنه: إذا ضَعُف. (ذلكِ) بكسر الكاف. (ليدخلوا)؛ أي: حَجَبَةُ البيت وخَدَمَتُه، وهم بنو عبد الدَّار. (ولولا) جوابُها محذوفٌ، أي: لَفعلتُ ذلك. (ألصق)؛ أي: يكون على وجْهِ الأرضِ غيرَ مرتفعٍ. * * *

1585 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ ثُمَّ لَبنيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَإنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بناءَهُ، وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا". قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: خَلْفًا يَعْنِي بَابًا. الحديث الرّابع: (استقصرت)؛ أي: قَصَّرتْ عن تمام بنائها، واقتصرَتْ على هذا القَدْر؛ لقُصور النَّفَقة بهم عن تمامها. (وجَعلتُ) بتاء المتكلِّم. (خَلْفًا) بفتح المُعْجَمَة، وسكون اللام، أي: بابًا من خَلْفِه يُقابل هذا البابَ الّذي هو مقدَّمٌ، حتّى يدخُلوا من المقدَّم ويخرُجوا من الّذي خَلْف. * * * 1586 - حَدَّثَنَا بَيَانُ بن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بن حَازِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ النَّبيِّ قَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ، لَؤلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ وَألْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ". فَذَلِكَ الَّذِى حَمَلَ ابن الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - عَلَى هَدْمِهِ، قَالَ يَزِيدُ:

وَشَهِدْتُ ابن الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبناهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإبلِ، قَالَ جَرِيرٌ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ مَوْضعُهُ؟ قَالَ: أُرِيكَهُ الآنَ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: هَا هُنَا، قَالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُع أَوْ نَحْوَهَا. الخامس: (لولا أن قومك حديث عهد) بنضافة (حديث)، أو بتنوينه ورفعِ (عهد) فاعلًا به. قال (ش): كذا رُوي بالإضافة من غير واوٍ في (حديث). قال المُطرِّزي: وهو لحنٌ، والصَّواب: (حديثُو عَهْدٍ) بواو الجمْع. قلت: قد يُوجَّه بأنَّ فَعيلًا يُستعمل للمُفرد، والجمْع، والمؤنَّث، والمذكَّر، كما في: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، وخُرِّجَ عليه: خَبيْرٌ بنو لِهْبٍ إذا قلنا: خبرٌ مقدَّم، فإذا صحَّت الرِّواية وجبَ التأْويلُ. (ما أخرج)؛ أي: من الحِجْر. (بابين بابًا شرقيًّا) هو بابُه اليوم. (وبابًا غربيًّا) هو الخَلْف، وقال (ش): إنَّه (ولجعلت لها خَلْفين)، قال: وهو بفتح الخاء على المشهور، وقيَّده الحَرْبيُّ: خِلفين بكسرها، وقال: الخَالِفَةُ: عَمودٌ في مُؤخَّر البَيت، يُقال: وراءه

43 - باب فضل الحرم

خَلْفٌ جيدٌ، والصَّواب الأوّل. (كأسنمة) جمع سَنَامٍ. (فحزرت) بحاء مهملةٍ، وزايٍ، ثمّ راءٍ، أي: قَدَّرتُ. قال (ك): فيه اليومَ ثلاثُ شرفاتٍ على خلاف بناء إِبْرَاهيمَ. قال (خ): في الحديثِ أن بعض الواجبات يُترَك إذا خِيْف منه مفسدةٌ، وأن النَّاس لا يُحجَبون عن البيت، ففي أيِّ وقتٍ شاؤوا دخَلُوا. * * * 43 - بابُ فَضْلِ الْحَرَمِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وَقَوْلهِ جَلَّ ذِكرُهُ: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. (باب فَضْل الحرَم)؛ أي: حرَم مكّة المحيط بها، فله حكمها في الحُرمة تشريفًا لها، وله حدودٌ معروفةٌ من طريق المدينة على ثلاثة أميالٍ، ومن اليمَن والعِراق: سبعةٌ، ومن جُدَّة: عشرةٌ. (حرمها الله) لا يُنافي ما ثبت مرفوعًا: "إنَّ إبراهيم حَرَّمَها"؛ إذ المعنى: حرمها الله على لسانه، أو هو حرَّمها بإذن الله.

44 - باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها

1587 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بن عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ الله، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلا مَنْ عَرَّفَهَا". (يعضد)؛ أي: يُقطع. (ينفر)؛ أي: يُزْعَج من مكانه، وهو تنبيهٌ بالأدنى على الأعلى، فلا يُضرَب ولا يُقتل بالأَولى. (لقَطته) بفتح القاف، وسبق بيانه، ويأتي أيضًا. (إلا من عرَّفها) استثناءٌ مُفرَّغٌ، فهو فاعلُ يلتقط، والمعنى: عَرَّفَها فقط، ولا يَتَمَلَّك، وإلا فاللُّقَطَة في غير الحرَم حكمها التعريفُ، إلا أنه يجوز تملُّكها بشرْطه، وفي لُقَطَة الحرم يمتنع، فهي خاصيَّةٌ. * * * 44 - بابُ تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وبَيْعِهَا وشِرائِها وَأَنَّ النَّاسَ فِي مَسْجدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. الْبَادِي: الطَّارِي، مَعْكُوفًا: مَحْبُوسًا.

(باب توريث دُوْرِ مكةَ وبَيْعها وشِرائها) أسقطه (ك)، وأدخل حديثه فيما قبله. (خاصة)؛ أي: المساواةُ إنّما هي في المسجد نفسه، لا في سائر مواضعِ مكةَ. (الطارئ) يريدُ المسافر، كما أن العاكِفَ هو المقيمُ. (معكوفًا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25]. * * * 1588 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بن عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بن زيدٍ - رضي الله عنهما - أنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَيْنَ تنزِلُ فِي دارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ"، وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ - رضي الله عنهما - شَيْئًا؛ لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ، فَكَانَ عُمَرُ بن الْخَطَابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، قَالَ ابن شِهَابٍ: وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} الآيَةَ. (ابْن عُثمان)؛ أي: أمير المؤمنين. (دارك) استدلَّ به الشَّافِعيُّ على أن دُوْرَ أهلِ مكةَ مُلْكٌ لهم؛ إذ الأصل في الإضافة ذلك.

(رباع) جمع رَبْع، وهو المَحَلَّة، أو المنزِل، أو الدَّار، فيكون قولُه عَقِبَه: (أو دور) للتوكيدِ أو شكًّا من الراوي، والعمومُ وإن كان مُستفادًا من النكرة في النَّفْي إلا أنه أتى بلفظ الجمع للإِيماء إلى أنه لم يترك من الربوع المعدودة شيئًا، فيكون (مِن) للتبعيض. (وكان عقيل) هو مُدرَجٌ من بعض الرواة، ولعلَّه من أُسامة، وطالبٌ أسَنُّ منه بعشر سنين، كما أنه أسنُّ من جَعْفَرٍ بعشرٍ، وجعفرٌ أسَنُّ من عليٍّ بعشر، وهو من النَّوادر. (كافرين)؛ أي: عند وفاة أبيهما، وإلا فقد أسلَم عَقِيْلٌ بعد ذلك، قيل: كان أبو طالب أكبرَ ولد عبد المُطَّلِب احتوى على أملاكه، وحازَها وحْدَه على عادة الجاهلية من تَقديم الأسَنِّ، فتسلَّط عَقِيْلٌ بعد هجرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. قال الدَّاوُدِيُّ: باعَ عقيلٌ ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولمن هاجَر من بني عبد المُطَّلِبِ كما كانوا يفعلون بدُورِ مَنْ هاجر من المؤمنين، فإمضاؤُه - صلى الله عليه وسلم - تصرفاتِ عَقِيْلٍ إمّا كَرَمًا عليه، وإما استمالةً له، وإما تصحيحًا لتصرُّفات الجاهلية كتصحيح أَنْكِحَة الكفار. قال (خ): وعندي أن تلك الدُّور إنْ كانت قائمةً على ملك عَقِيْلٍ، فلم يتركها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها دورٌ هجَروها في الله. قال: واحتج الشَّافِعِيُّ بإجازة بيع عَقِيْلٍ الدُّورَ الّتي ورِثَها في الله في حال كفره، ثمّ باعها بعد أن أسلم على جواز بيع دور مكّة. (وكانوا)؛ أي: السَّلَف يفسِّرون الوِلايةَ بولاية الميراث حتّى

45 - باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة

لا يرث المؤمنُ الكافرَ. ووجْهُ الدلالة منها -وإنْ كان الّذي فيها أن المؤمنين يرثُ بعضُهم بعضًا- أنَّ اسمَ الإشارة قد يُوضع موضع الضمير، فكأنه أتى بضميرِ الفصلِ بين المبتدأ والخبر، فأفاد الحَصْرَ، أي: لا يرث إلا بعضُهم بعضًا، أو أن ذلك يُستفاد من معنى الآية، وهو: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72]، إذ المُهاجَرَةُ كانت أوَّل عهد البعثة من تمام الإيمان، فمَن لم يكن مهاجِرًا فإنّه ليس مؤمنًا، فلهذا لم يرثِ المؤمّن المهاجر منه. * * * 45 - باب نُزُولِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ (باب نُزولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 1589 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبَو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ: (مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ الله بِخَيْفِ بني كِنَانةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ". الحديث الأوّل: (إن شاء الله) تبرُّكٌ، وامتثالٌ لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} الآية [الكهف: 23].

(بخَيْف) بمعجمة مفتوحةٍ، وياء ساكنة، وفاءٍ: ما انحدر من الجبل وارتفع عن السيل. (كِنانة) بكسر الكاف، والمراد به: المُحَصَّب -بمهملتين مفتوحتين-. (تقاسموا)؛ أي: تَحَالفوا. (على الكفر)؛ أي: المذكورِ في الحديث الآتي. * * * 1590 - حدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، حدَّثنا الأَوْزاعيُّ، قالَ: حَدَّثَني الزُّهْرِيُّ، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هُرَيْرةَ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الغدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بني كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ"، يَعْنِي ذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَة تَحَالَفَتْ عَلَى بني هَاشِمٍ وَبني عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -أَوْ بني الْمُطَّلِبِ- أَنْ لَا يُنَكحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ سَلَامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ، وَيَحْيَى بن الضَّحَّاكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، أَخْبَرَنِي ابن شهَابٍ، وَقَالَا: بني هَاشِمٍ وَبني الْمُطَّلِبِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: بني الْمُطَّلِبِ أَشْبَهُ. الحديث الثّاني: (من الغد) أصله غَدَوٌ، فحُذفت لامُه، وهو أوَّل النهار، وقال الجَوْهَرِي: الغُدْوَة -بضمِّ الغين-: ما بين صلاة الصُّبح وطلوع الشّمس.

(يوم) بالنصب، أي: قال ذلك في غَدَاةِ يوم النَّحر حالَ كونِه بمِنَى، والمرادُ بالغد: الثالثَ عشَرَ من ذي الحجة، لأنه يوم النزول بالمُحَصَّب، فهو مجازٌ في إطلاقه كما يُطلق (أمسِ) على ماضٍ مُطلقًا، وإلا فثاني العيدِ هو الغدُ حقيقةً، وليس مرادًا. (أن قُريشًا وكنانة) إذا كان قُريشُ بني النَّضْرِ فهم قسمٌ من كِنَانة، فيكون من ذِكْر عامٍ بعد خاص. قال (ك): يَحْتَمِل أن يريد بكِنانة غيرَ قُريش، فقُريش قَسِيمٌ له لا قِسْمٌ منه. قلت: هو بَعيدٌ. (يَسْلموا) بإسكان السين وتخفيف اللام. (وقال سلامة) بتخفيف اللام: ابن رَوْحٍ. (عُقَيل) بضم العين وفتح القاف عَمُّ سَلَامة، وقد وصله ابن خُزَيْمَة في "صحيحه". (ويحيى) وصله أبو عَوَانة في "صحيحه"، أي: ففي هاتين الروايتين الجزْمُ بأنهم بني المُطَّلبِ، والأُولى متردِّدَةٌ، فقال البُخَارِيُّ: (بني المطلب أشبهُ)؛ أي: بالصواب، لأن عبدَ المُطَّلِبِ هو ابن هاشِمٍ، ولفظةُ (هاشمٍ) مغني عنه، وأمّا المُطَّلِبُ فهو أخو هَاشِم، وهما ابنان لعبد مَنَافٍ، فالمقصود أنهم تحالفوا علي بني عبد مناف. قال (خ): ويُشْبهُ أنه - صلى الله عليه وسلم - إنَّما اختار النزولَ هناك شكرًا لله تعالى على النعمة في دخول مكّة ظاهرًا ونقضًا لِمَا تعاقَدَ قريشٌ عليه أن لا يكلموا بني هاشم ولا يجالسوهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم.

46 - باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (35) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم (36) ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} الآية

قال ابن الأثير: تظافرتْ قريش علي بني هاشِمٍ والمُطَّلِب، حتّى حَصروهم في الشِّعْب بعد المَبْعِث بست سنين، فمكثوا في ذلك الحصار ثلاثَ سنين. قال (ن): الأمرُ الّذي تعاقدوا عليه إخراجُ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبني هاشم، والمطَّلبِ من مكةَ إلى هذا الشِّعْبِ، وهو خَيْف بني كِنانة، وكتبوا بينهم الصحيفةَ المشهورة فيها أنواع من الباطل، فأرسل الله تعالى عليها الأَرَضَةَ فأكلت ما فيها من الكفر، وتركت ما فيها من ذِكْرِ الله، فأخبرَ جبريلٌ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأخبر به عمَّه أبا طالب، فأخبرهم عمُّه عنه بذلك، فوجدوه كما قال. * * * 46 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} الآيَةَ (بابُ قولِ الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} [البقرة: 126]) لم يذكر البخاريّ فيها حديثًا، إمّا لكونه لم يجدْه على شرطه، أو أنه من التراجمِ الّتي ذكرها لِيُوْرِدَ فيها حديثًا فما ساعدَه القَدَرُ. * * *

47 - باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم (97)}

47 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)} (باب قولهِ تعالى) {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ} [المائدة: 97]) 1591 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بن سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُخَرِّبُ الْكَعْبةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ". الحديث الأوّل: (ذو السُّويقتين) الساقُ مؤنثة، فلذلك أتى في تصغيره بتاء التأنيث، وإنّما صَغَّر لأن في سِيْقَان الحَبَشَة دِقّةٌ وخُمُوشَةٌ، والمراد: يخرّبها ضعيفٌ من هذه الطائفة، ولا ينافي هذا قوله تعالى {حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: 67]، لأن الأمْنَ إلى قرب القيامة وخراب الدنيا، وحينئذٍ فيأتي ذو السُّوَيْقتين. * * * 1592 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ ابن مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الله هُوَ ابن الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ ابن أَبي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا

قَالَتْ: كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبةُ، فَلَمَّا فَرَضَ الله رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يترُكَهُ فَلْيتركْهُ". الحديث الثّاني: (عاشوراء) ممدودٌ وغيرُ منصرف. قال (ك): وفيه نَسْخُ السُّنةِ بالكتاب، والنسخُ بلا بدلٍ. قلت: مذهبُ الشَّافِعِيِّ وجَمْعٌ: أن عاشوراءَ لم يَجِب حتّى يُنسخ، وبتقدير أنه كان واجبًا فلا معارضةَ بينَه وبين رمضان، فلا نسخ، وأمّا قوله: (بلا بدل)، فعجيب! فإنهم يمُثِّلون به لما هو ببدل أثقل إذا قلنا بالنسخ. * * * 1593 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الْحَجَّاج ابن حَجَّاجٍ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بن أَبي عُتْبَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوج يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ). تَابَعَهُ أَبَانُ وَعِمْرَانُ عَنْ قتادَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ"، وَالأَوَّلُ أكثَرُ، سَمِعَ قتادَةُ عَبْدَ الله، وَعَبْدُ الله أَبَا سَعِيدٍ.

الثّالث: (لِيُحَجنَّ) بضم الياء، وفتح الحاء والجيم. (يأجوج مأجوج) بمنع الصرْفِ لأنهما أعجميان، وقُرئ بالهمز فيهما وبقلب الياء همزة، قيل: يأجوجُ من التُّرْك، ومأجوجُ من الجَبَلِ والدَّيْلَم، وقيل: إنهما صِنفان مُفْرِطوا الطُّول، ومفرطوا القِصَر. (سمع قتادة) فائدةُ ذلك: أن قتَادَةَ لمَّا كان مُدَلِّسًا بيَّنَ البخاريُّ أن عَنْعَنتَه قريبٌ من السماع. (تابعه أبان)؛ أي: العَطَّار، وصله أحمد. (وعمران)؛ أي: القَطَّان بقاف ونون، ووصله أحمد أيضًا، وأبو يَعْلَى، وابن خُزَيْمَةَ. (وقال عبد الرّحمن)؛ أي: ابن مَهْدِي، وصله أحمد أيضًا. (والأول أكثر)؛ أي: الّذي يقتضي أن البيتَ يُحَجُّ بعد أَشْراط السّاعة، بخلاف الثّاني فإنه يقتضي أن لا يُحَجَّ بعدها، إذ قبلها هو محجوجٌ قطعًا، فالعمل بمقتضاه صحيحٌ ظاهرٌ، أو المراد أنه يُحَجّ بعد يأجوجَ مدة، ثمّ يصير عند ظهور قرب السّاعة متروكًا، ومعنى (أكثر): أي: عدد رواته أكثرُ من رواة الثّاني، فرُجِّح عليه، وقال التَّيْمِيُّ: معناه أن البيتَ يُحج إلى يوم القيامة. * * *

48 - باب كسوة الكعبة

48 - بابُ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ 1594 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ. وَحَدَّثَنَا قَبيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسيِّ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إلا قَسَمْتُهُ، قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا، قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِي بِهِمَا. (باب كُسْوَةِ الكعبةِ) (شيبة)؛ أي: ابن عُثمان الحَجَبيّ، أسلم يوم الفتح، وأعطاه - صلى الله عليه وسلم - هو وابن عمِّه عُثمانَ بن طَلْحَةَ مفتاحَ الكعبة، وقال: "خُذوها يا بني أبي طلحةَ خالدةً تالدةً إلى يوم القيامةِ لا يأخذُها منكم إلا ظالمٌ"، وهو الآن بيد بني شيبةَ، مات سنةَ تسعٍ وخمسين. (الكرسي) بضم الكاف وكسرها. (صفراء ولا بيضاء)؛ أي: ذَهبًا وفضة، أي: ما يُهدى إلى البيت، كانوا يطرحونه في صندوق في البيت، ثمّ يقتسمه الحَجَبَةُ، فأراد عُمَرُ أن يَقْسِمه بين المسلمين، فقال له شَيْبَةُ: (إن صاحبيك)؛ أي: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بَكْرٍ - رضي الله عنه -.

49 - باب هدم الكعبة

(لم يفعلا)؛ أي: لم يَقْسِماهُ، ولم يتعرَّضا له، فقال عُمر - رضي الله عنه -: (هما المَرْءَان)؛ أي: الكاملان، لا أخرج عنهما بل (أقتدي بهما). واعلم أن بعضَهم توهَّم أن المراد بالصفراء، أو البيضاء حُلِيُّ الكعبة، وغَلِطَ صاحبُ "المُفْهِم" لأن ذلك مُحبَّسٌ عليها كالحُصْر والقناديل، وإنَّما ذلك الكنز الّذي كان يُهدى إليها فاضلًا عما كانت تحتاجه، فلما فتح - صلى الله عليه وسلم - مكةَ تركه رعايةً لقلوب قريش، ثمّ بقي كذلك في زمن الصدِّيق وعمر. قال: ولا أدري ما صنع به بعد ذلك. وأمَّا ترجمة البخاريّ عليه بكسوة الكعبة فلا تصريح فيه بذلك، فيكون مقصودُه التنبيهَ على أن حكم الكسوة حكمُ المال بها، فيجوز قِسْمتها على أهل الحاجة استنباطًا مِن رَأْيِ عُمرَ قسمةَ الذهب والفضة الكائنَين بها. وقيل: بل وجهُ مناسبةِ الحديث للترجمة: أن الكعبةَ لم تزل مُعظَّمةً تُقصد بالهدايا تعظيمًا لها، فالكسوة من باب التعظيم لها أيضًا، وقال (ك): لعلّها كانت مَكسوّة وقت جلوس عُمَرَ، فحيث لم يُنكره وقررَها دلَّ على جوازها، والحديث مختصر، والمراد من الكسوة تموُّهُها بالذهب والفضة. * * * 49 - بابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَغْزُو جَيْشٌ

الْكَعْبَةَ، فَيُخْسَفُ بِهِمْ". (بابُ هَدْمِ الكعبة) أسقطه (ك)، وأدخل حديثه فيما قبله. (قالت عائشة) الحديثُ يأتي أوائل (الصوم). قال (ك): يأتي في (البيع) في (باب ما ذكر في الأسواق). (جيش) بجيم ومثناةٍ، لا بحاء وموحدة. * * * 1595 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن الأَخْنَسِ، حَدَّثَنِي ابن أَبي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ، يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا". 1596 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّويقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ". الحديثُ الأولُ، والثّاني: (كأني به)؛ أي: بالبيت مُتَلبس به. (أسود) مبتدأ خبره: (يقلعها)، والجملة حالٌ بلا واو، والأسودُ خبرٌ لمبتدأ محذوف، أي: القالعُ له أسود، ويدلُّ عليه سياق الكلام، وروي (أسودَ) بالنصب على الذم والاختصاص، فلا يضر كونه نكرة،

50 - باب ما ذكر في الحجر الأسود

فقد قال الزَّمَخْشَرِيُّ في {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]: أنه منصوبٌ على الاختصاص؛ أو الضمير فيه للقالع، والأسود بدلٌ منه، فإن الظاهرَ يُبْدَلُ من ضمير الغَيْبة، نحو: ضربته زيدًا، وقال الطِّيْبي: إنّه ضميرٌ مُبْهَم يفسره ما بعده، فهو نصب على التمييز نحو: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]، فـ (سبعَ) تمييزٌ للضمير، وقال التُّوْرِبشْتيُّ: هما حالان. (أفحج) بسكون الفاء وفتح المهملة، أي: تتقارب صدورُ قدميه وتتباعد عَقِبَاه، وقال (خ): البعيدُ ما بين الرِّجلين، وذلك من نُعُوت الحبش. (حجرًا حجرًا) حالٌ، نحو: بَوَّبْتُه بابًا بابًا، أي: مُبَوَّبًا، أو هو بدل من الضمير. * * * 50 - بابُ مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الأَسْوَدِ (بابُ ما ذُكِرَ في الحَجَرِ الأَسْوَدِ) ويقال: الركنُ الأسود، وارتفاعهُ عن الأرض ذراعًا وثُلُثَا ذراعٍ، قال - صلى الله عليه وسلم -: "نزلَ من الجنَّة أشدُّ بياضًا من اللَبن فسَوَّدَتْه خطايا بني آدم"، رواه التّرمذيّ.

1597 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَابسِ بن رَبيعَةَ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبيَّ - رضي الله عنه - يُقَبلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ. (يقبلك) فيه استحبابُ تَقْبيْلِهِ في الطّواف، وكذا وَضْع الجبهة عليه خلافًا لِمَالِك، وهو من مَفَاريدِ مذهبه. (لا تضر ولا تنفع) ذَكَر ذلك لدفع توهُّم قريبِ عهدٍ بإسلام ما كان يُعتقد في حجارة أصنام الجاهلية من الضرر والنفع، والمراد بذاته لا ينفع وإن كان امتثالَ ما شُرِعَ فيه يُنْتَفَع في الثّواب، ولكن لا قدرةَ له على النفع ولا الضر، لأنه حجر كسائر الأحجار، وأشاع عُمَرُ هذا في الموسم ليُشهَر في البلدان، ويحفظه المتخلِّفون في الأقطار. قال (خ): فيه تسليم الحُكْم، وترك طلب العِلل. وحسنُ الاتباع فيما لم يُكشف لنا عنه من الشّريعة ضربان: ما كُشف عن علته، وما لم يكشف، والثّاني ليس فيه إلا التسليمُ، فالله يُفَضل ما يشاء كما فضَّل تلك البقعةَ على سائر البقاع، ويومَ عرفة على سائر الأيَّام، قال الرَّاجز: ما أنتِ يا مَكَّةُ إلا وادِيْ ... شَرَّفَكِ الله علَى البِلادِ * * *

51 - باب إغلاق البيت، ويصلي في أي نواحي البيت شاء

51 - بابُ إِغْلَاقِ الْبَيْتِ، وَيُصَلِّي فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ (بابُ إغلاقِ، البيتِ ويُصلّي في أي نواحيه) أسقطه (ك)، وأدخل حديثه فيما قبله. 1598 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبيهِ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ ابن زيدٍ وَبلَالٌ وَعُثْمَانُ بن طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فتحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيْتُ بِلَالًا فسَأَلْتُه: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالَ: نعمْ بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ. (عُثمان بن طلحة)؛ أي: حاجِب الكعبة، وسبق شرح الحديث في (باب: الأبواب والغَلق)، في (كتاب الصّلاة). (ولج)؛ أي: دَخَل. (اليمانيين) بتخفيف الياء لجعلهم الألف إحدى ياءي النسب، وجوَّز سيبويهِ التشديدَ، فالحديثُ وإن دل على تعيُّن مكانِ الصّلاة، وهو ضد التّرجمة إلا أن ذلك لِما لَمْ يكن يقصد بل اتفاقٌ = دلَّ أن نواحيَ البيت من داخله سواءٌ كما في خارجه. * * *

52 - باب الصلاة في الكعبة

52 - بابُ الصَّلاةِ في الكَعْبَةِ (باب الصّلاةِ في الكعبة) 1599 - حدَّثَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنا مُوسى ابن عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أنَّه كانَ إذا دَخَلَ الكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ الْوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَيَجْعَلُ الْبَابَ قِبَلَ الظَّهْرِ، يَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ، فَيُصَلِّي يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلَالٌ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ. (قريب) في بعضها: (قريبًا) على أن اسم (كان) مقدَّر، أي: المقدار، أو الساحة. (يتوخى)؛ أي: يقصد، وسبق الحديث في (باب: الصّلاة بين السَّوَاري). * * * 53 - بابُ مَنْ لَمْ يَدْخُلِ الْكَعْبَةَ وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَحُجُّ كَثِيرًا وَلَا يَدْخُلُ. 1600 - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حدَّثَنا خالِدُ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا إسماعيلُ

54 - باب من كبر في نواحي الكعبة

بن أبي خالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن أبي أَوْفَى قال: اعْتَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فطافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ ركعَتَيْنِ، وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَدَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: لَا. (باب مَنْ لم يدخلِ الكعبة) حذفه (ك)، وحذف: * * * 54 - بابُ مَنْ كَبَّرَ فِي نوَاحِي الْكَعْبَةِ 1601 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَاتَلَهُمُ الله، أَمَا وَالله قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ". فَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. (باب مَنْ كَبَّر في نوَاحي البيت) وأدخلَ أحاديثَهما فيما قبلَهما؛ لتقارُب الأحاديث في المعنى. (اعتمر)؛ أي: عمرةَ القضاء سنةَ سبع. (المقام)؛ أي: مَقَام إبراهيمَ -عليه السّلام-، وسببُ عدم دخوله البيتَ

ما كان فيه حينئذٍ من الأصنام، ولم يكن المشركون يتركونه ليُغَيّرَها. (الآلهة)؛ أي: الأصنام على ما كانوا يسمونها، وإن كان ذلك باطلًا. (الأزلام) جمع زَلَم -بفتح الزاي وضمها وفتح اللام-: السِّهام، أي: القِداح الّتي كانوا يضربونها على المَسير، وكانوا أيضًا يضعونها في وعاء لهم، ويكتبون عليها الأمرَ والنهيَ، فإذا أراد الرَّجل سفرًا أو حاجةً أخرج منها قِدْحًا، فإن خرج الأمرُ مضى لوجهه، وإن خرج النّهي انصرف. (قاتلهم)؛ أي: لعنَهم الله على تصويرهم صورةَ إِبْرَاهيمَ وَإِسْمَاعِيْلَ، ونسبوا إليهما الضَّرْبَ بالقداح، وهما بريئان منه، وإنما أَحدَثه الكفارُ الذين غيَّروا دينَ إبراهيم وأحدثوا إحداثًا. (أما) بالتخفيف حرفُ ابتداء، وقد تُحذف ألفه تخفيفًا. (لم يستقيما) هو طَلَبُ معرفة ما قُسم له بالأزلام، وكذا معرفة ما أَمَرَ به ونُهِيَ عنه كما سبق، وقيل: هو قسيمتهم الجَزُور على الأَنْصِبَاء المعلومة. (بها) في بعضها: (بهما)، باعتبار أن الأزلام نوعان: خير وشر. (قَطُّ) بتشديد الطاء مبنيٌّ على الضم، قال (ش): معناه: أبدًا، وهو سَبْق قلم؛ لأن (أبدًا) للمستقبل، و (قَطُّ) للماضي. (ولم يصل) سبق أن رواية: (أنه صلّى) مقدَّمةٌ؛ لأن المُثبتَ مقدَّمٌ لزيادة علمه، وقد قرّر البُخَارِيُّ مثلَه في (باب: العُشر فيما يُسقى

55 - باب كيف كان بدء الرمل

من ماء السَّماء) في (كتاب الزَّكاة). * * * 55 - بابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ (باب كيف كان بَدْءُ الرَّمَل) بفتح الراء، والميم: إسراعُ المشي مع تقارُبِ الخُطى، وقيل: الهَرْوَلة. 1602 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابن زَيْدٍ-، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَن يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كلَّهَا إلا الإبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. (يقدَم) بفتح الدال مضارع قدِم بكسرها، وقال (ش): بضم الدال، أي: بمعنى يتقدَّم كما في {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [هود: 98]. (وَفْد) بفتح الواو وسكون الفاء جمع وَافِدٌ، وفي بعضها بدلُه: (وقد)، بقاف، أي: بحرفِ عطفٍ، وحرف تقريبٍ. (وهنتهم) بفتح الهاء يتعدى، وجاء بكسرها، وروي بالتشديد،

56 - باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف، ويرمل ثلاثا

أي: أَضْعَفَتْهم، ويقال: أَوْهَن رباعيًّا. قال الفراء: يقال: وَهَنَه الله وأَوْهَنَه. (يثرب) غيرُ منصرفٍ، اسمُ المدينة في زمن الجاهلية. (يَرْمُلوا) بضم الميم. (الأشواط) نُصِبَ على الظرف، وهو جمع شَوْط بفتح الشين، وهو الطَّلَق بفتح الطاء واللام، أجرى مرّة إلى الغاية، فمعناه هنا الطَّوْفَة. (كلها) تأكيد. (الركنين)؛ أي: اليَمَانِيَّيْنِ. (الإبقاء) بكسر الهمزة وسكون الموحدة وبالقاف والمد: الرِّفق والشفقة، أي: لم يمنعه من أمرهم بالرَّمَل في الكل إلا الرفقُ بهم، ويجوزُ نصبُه على أنه مفعولٌ لأجله، ويكون في: (يمنَعهُ) ضميرٌ عائد إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو فاعله، كذا قال (ش)، وفيه نظرٌ. * * * 56 - بابُ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، وَيَرْمُلُ ثلَاثًا (باب استلامِ الحجَرِ الأَسْود) حذفَه (ك)، وذكر ما فيه فيما قبلَه.

(استلام): مَسُّ؛ من السَّلَم أو من السّلام كما سبق. * * * 1603 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بن الْفَرَجِ، أَخْبَرَنِي ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ. (إذا) ظرفٌ لا شرطٌ، وهو بدلٌ من: (حين). (أول) ظرفُ الاستلام. (يَخُبُّ) بضم المعجمة: من الخَبَبِ، وهو ضَرْبٌ من العَدْوِ، والمراد الرَمَّل، فهو دليل أنهما مترادفان. (ثلاثة)؛ أي: الأُولى من السبع كما في الرِّواية الأُخرى، وإن أبهم في هذه. (السبع)؛ أي: الطَّوفَات السَّبْع، وفي بعضها: (السبعة) باعتبار الأطواف، وأيضًا فإذا حُذِف المميَّز جاز التذكيرُ والتأنيث. واعلم أن هذا يقتضي الرَّمَل في كلِّ من الثلاثةِ من أوَّله إلى آخره، وقد سبق أنه يمشي فيها بين الركنين اليمانيين. قال (ن): إن ذلك كان ونُسخ، لأنه كان في عُمْرَة القضاء سنةَ سبع، وكان بالمسلمين ضَعْفٌ في أبدانهم فَرَمَلوا إظهارًا للقوة، والاحتياجُ إلى ذلك كان في غير ما بين اليمانيين، لأن المشركين كانوا

57 - باب الرمل في الحج والعمرة

جُلوسًا في الحِجر ولا يرونهم فيما بين هذين الركنين، ويرونهم فيما سواهما، فلمَّا حجَّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّة الوداع رَمَلَ من الحِجْر إلى الحِجْر، فوجب الأخذ بالمتأخِّر. * * * 57 - بابُ الرَّمَلِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (باب الرَمَّل في الحجِّ والعمرة) 1604 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بن النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَعَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى أَرْبَعَة فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. تَابَعَهُ اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بن فَرْقَدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأوّل: (محمّد)؛ أي: ابن يَحْيَى الذُّهْلِي كما نقله الغَسَّانِيُّ عن الحَاكِم. وقال ابن السَّكَن: هو مُحَمَّدُ بن سَلَام، لكنَّ الأشبهَ عندي أنه محمدُ بن رَافِعٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، انتهى. قال (ك): الثّلاثة على شرط البخاريّ، فلا يَقْدَح ذلك في الإسناد. (سعى)؛ أي: رمَل.

(ثلاثة)؛ أي: الأُول. (وتابعه اللَّيث) وصلَه النَّسائيُّ. * * * 1605 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بن أَسْلَمَ، عَنْ أَبيهِ، أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَالله إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ فَاسْتَلَمَهُ. 1605 / -م - ثُمَّ قَالَ: فَمَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ؟ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ الله، ثُمَّ قَالَ: شَيءٌ صَنَعَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا نُحِبُّ أَنْ نترُكَهُ. الحديثُ الثّاني: (للركن)؛ أي: الحَجَر الأَسود. (والرَّمَل) بفتح الميم، وهو منصوبٌ على المفعول معه وجوبًا، نحو: ما لكَ وزيدًا، وجوَّز الكوفيون جرَّه عطفًا على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، ويروى: (وللرَّمَل)، بإعادة حرف الجر. (رأينا) فَاعَلْنا، وأصلُه من الرؤية، أي: أَرينَاهم بذلك أنَّا أشداءُ؛ قاله (ع)، وقال ابن مَالِكٍ: معناه أَظْهَرْنا لهم، ونحن ضعفاء، فجعل ذلك رياءً، لأن المرائيَ يُظهر غير ما هو عليه.

قال: وروي: (رَأيَيْنا)، بيائين حملًا على رياء، والأصل رِئاء، فقلبت الهمزة ياءً لفتحتها وكسر ما قبلها، وحُمِل الفعلُ على المصدر، وإن لم يوجد الكسر كما قالوا في: ءاخيت وآخيت حملًا على تواخي ومُواخَاة، والأصل تآخي ومُؤاخَاة، فقلبت الهمزة واوًا لفتحتها بعد ضمة. (وقد أهلكهم الله)؛ أي: فما لنا حاجةٌ اليوم لذلك. (شيء) خبر مبتدأ محذوف، ولا يُجعل مبتدأً ويكون (فلا نحبُّ) خبره، لأن (شيئًا) هنا لِمُعَيَّن، وشَرْطُ المبتدأ المضمَّن معنى الشرط أن لا يكون مُعيَّنًا، نحو: كلُّ رجل يأتيني فله درهم، اللهُمَّ إلا أن يُقال: المرادُ كل شيء صنعه. قال (خ): كان عُمَرُ طَلوبًا للآثار بَحُوْثًا عنها، فلذلك استند في تقبيل الحجر لمجرَّد الاتباع لَمَّا لم يظهرْ له فيه سبب، ولمَّا رأى الرَمَّل ارتفع سببُه هَمَّ بتركه، ثمّ لاذَ باتباع السنة مُتَبَرِّكًا به، وقد يَحدث الشيء من الدين بسبب، فيزول السبب ويبقى الحكم كالعَرَايا، وغُسْلِ الجمعة. قال: وفيه دليل على أن فعلَه - صلى الله عليه وسلم - للوجوبِ، حتَّى يقومَ دليل على خلافه، وأن في الشّرع ما هو تَعَبُّدٌ وما هو معقول المعنى. * * * 1606 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِعٍ،

58 - باب استلام الركن بالمحجن

عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُمَا، قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابن عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي لِيَكُونَ أَيْسَرَ لاِسْتِلَامِهِ. (الركنين)؛ أي: اليمانيين. (ليكون أيسر)؛ أي: يَرْفق بنفسه فلا يَرْمل؛ ليقوى على الاستلام عند الازدحام. * * * 58 - بابُ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ بِالْمِحْجَنِ (باب استلامِ الرُّكن بالمِحْجَن)، بكسر الميم: خشبةٌ في طَرَفِها انعقافٌ كالصَّوْلَجَان، من الحَجَنِ وهو الاعوجاج. 1607 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن صالِحٍ وَيَحْيَى بن سُلَيْمَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: طَافَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ، تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ ابن أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ. (يستلم الركن بِمِحْجَن)؛ أي: يُومِئ بِمِحْجَنِهِ إلى الركن حتّى يصيبَه.

59 - باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين

(تابعه الدَّرَاوَرْدِي) وصله الإِسْمَاعِيْلِيُّ. (عن ابن أخي الزّهريُّ) هو مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله. * * * 59 - باب مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إلا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ (باب مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إلا الرُّكنينِ اليَمَانِيين) هو بتخفيف الياء، لأن الألفَ عوضٌ عن إحدى ياءي النسب، فلو شَدَّدَ لَجَمَع بين العِوَضِ والمُعَوَّض، وجوَّز سيبويهِ تشديدَه، وقال: الألف زائدة كما زيدت النون في صنعاني. ولم يذكر (ك) البابَ، وشَرَحَه فيما قبله. 1608 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بن بَكْرٍ: أَخْبَرَنَا ابن جُرَيْرٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو ابن دِينَارٍ، عَنْ أَبي الشَّعْثَاءَ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ الْبَيْتِ؟ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتلِمُ الأَرْكَانَ، فَقَالَ لَهُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إِنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا. وَكَانَ ابن الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - يَسْتَلِمُهُنَّ كلَّهُنَّ. 1609 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ بن عَبْدِ الله، عَنْ أَبيهِ قَالَ لَمْ أَرَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ

60 - باب تقبيل الحجر

إلا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. الحديث الأولُ، والثّاني: (ومن يبقى)، (مَنْ) استفهاميةٌ استفهامُ إنكار، فإن قيل: ففي بعضها: (فكان) بالفاء، فهو دليلُ أنها شرطيةٌ؟ قيل: لأنه يكون على مَذْهب مَنْ لا يُوجب الجزم فيه. (أنه) الهاء ضمير الشأن. (يستلم) بنون المتكلمِ أو بياءِ الغائبِ مبنيًّا للمفعول. (مهجورًا) بالنصب وبالرفع صفةٌ لشيء، وغَرَضُه أن الركنينِ الشامييّن ينبغي أن يُسْتَلما أيضًا، ولكنّ الجمهورَ على أفضلية الأَسْود، لأن فيه الحَجَر، وعلى قواعدِ إبراهيم، واليَمَانِيُّ فيه فضيلةُ كونه على قواعد إبراهيم، والآخَران انتفت فيهما الفضيلتان. قال التَّيْمِيُّ: لو رُفع جدارُ الحَجَر وضُمَّ إلى الكعبة في البناء كما كان علي بناء إبراهيم كانا يُستلمان، وهذه القصة لابن عَبَّاسٍ ومُعَاوِيَة، وصلها أحمد. * * * 60 - بابُ تَقْبيلِ الْحَجَرِ (بابُ تقبيلِ الحَجَر) 1610 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن سِنَانٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا

وَرْقَاءُ، أَخْبَرَنَا زيدُ بن أَسْلَمَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَبَّلَ الْحَجَرَ وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ. 1611 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الزُّبَيْرِ بن عَرَبيٍّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ استِلَامِ الْحَجَرِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبلُهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ؟ قَالَ: اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِالْيَمَنِ، رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُ ويَقَبلُهُ. الحديثُ الأوّلُ، والثّاني: (أرأيت)؛ أي: أَخْبرْني. (زُحمت) بضم الزاي بلا إشباعٍ، ويُروى: (زُوْحِمْتُ) بإشباعها واوًا. (غُلِبتُ) بالبناء للمفعول وياء المتكلم، أي: أخبرني عن حكمه عند الازدحام والغلبة. (اجعل أرأيت) أي: قال له (¬1) ابن عُمَرَ: اجعل هذه اللَّفظة ونحوها في اليمن، لأن السائلَ كان يمنيًّا، والمعنى: أنك إذا جئتَ طالبا للسُّنَّة، فاترك الرأي، واترك: (أرأيت) ونحوه، واجعل ذلك في بلدكَ، واتَّبعِ السُّنَّة ولا تتَعرَّض. * * * ¬

_ (¬1) "له" ليس في الأصل.

61 - باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه

61 - بابُ مَنْ أَشَارَ إِلَى الرُّكْنِ إِذا أَتَى عَلَيْهِ (باب من أشار إلى الركن) 1612 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: طَافَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ. (على الركن)؛ أي: محاذيًا له مستعليًا عليه، وفيه جواز الطّواف راكبًا، وقيل إنّما ركب ليراه النَّاس ويسألوا منه، أو لبيان الجواز، أو كان مريضًا. وفيه أن مَنْ عَجَزَ عن استلامه بيده استلم بعود ونحوه وأشار به إليه، وفيه دُخول البعيرِ في المسجد، قيل: وطهارةُ بوله ورَوثِه، ورُدَّ بأنه ليس من ضرورته أن يبول ويروث، وعلى تقدير وقوعه ينظَّفُ المسجد منه. * * * 62 - بابُ التَّكْبيرِ عِندَ الرّكْنِ (باب التكبير عند الركن) حذفه (ك) وما فيه. 1613 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا خَالِدٌ

63 - باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته ثم صلى ركعتين، ثم خرج إلى الصفا

الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: طَافَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بن طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ. (تابعه إبراهيم) وصلَه البخاريّ في (الطّلاق). * * * 63 - بابُ مَنْ طَافَ بالْبَيْتِ إِذا قَدِمَ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ ثمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا (باب من طاف بالبيت) 1614 - و 1615 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، عَنِ ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ، قَالَ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا أَنَّ أَوَّلَ شَيْء بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رضي الله عنهما - مِثْلَهُ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبي الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما -، فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا. الحديث الأوّل: (ذكرت)؛ أي: ما قيل في حق القادم إلى مكّة.

(النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -) تنازع في رفعه عاملان: قدم، وبدأ. (لم تكن عُمْرَةً) بنصب (عُمْرَة) خبر كان، ويجوز الرفع على أن (كان) تامة. قال (ع): كأن السائل لعروة إنّما سأله عن فسخ الحجِّ عُمْرَة عند مَنْ يراه، فأخبره أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك بنفسه ولا مَنْ جاء مَنْ بعده. (مع أبي) الياء للمتكلم. (الزُّبَير) بدل من (أب)؛ أي: إنِّي حججتُ مع الزُّبَير بن العوَّام الّذي هو أبي. (أمي)؛ أي: أسماء بنت الصدِّيق أخت عائشةَ - رضي الله عنهم -. (حلوا)؛ أي: صاروا حَلالًا. قال (ن): لا بدَّ من تأويل الحديث؛ لأنَّ الركْنَ هو الحجرُ الأسودُ، ومَسْحُه يكون في أول الطّواف، ولا يحصل التحلُّل بمجرد مسْحِه إجماعًا، والتقديرُ: فلما مسحوا الركنَ وأتموا طوافَهم وسعيَهم وحَلَقوا أَحلّوا، وحُذفتْ هذه المقدَّرات لظهورها، فقد أجمعوا على أنه لا تُحلَّل قبل تمام الطّواف، والجمهورُ على أنه لا بد من السعي، ثمّ الحَلْق أو التقصير. قال (ك): لا حاجةَ للتأويلِ، لأنَّ مسحَ الركنِ كِنايةٌ عن الطّواف كلِّه؛ لأنه من الأَطْوِفَة السبعة، وأمّا السعيُ والحلق فعند بعض العلماء ليسا بِرُكْنين، فنقل (ع): عن ابن عَبَّاسٍ وابن رَاهَوَيْه: أن المُعْتَمِر يتحلَّل بعد الطّواف، وإن لم يَسْعَ.

قلت: ما هذا إلا جوابٌ رَكيْكٌ، ومناسبةُ ذِكر إهلالِ أُمِّه لِما قبله: أن الحاج يُسَنُّ له طوافُ القدوم، وليس له فسخُ الحجِّ إلى العُمْرَة، وأَمْرُه - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه بالفسخ كان من خصائص تلك السَّنَة لغير أصحاب الهَدْي، وأن طواف المُعْتَمِر في أوَّل قدومِه يقع ركنًا للعُمْرَة بدليل تحلُّلِهم بذلك، حتّى لو نَوى به طوافَ القدوم لَغَتْ نيَّتُه، وإنما يُستَحَبّ طواف القدوم للحاج، ويسمى: طواف القادم، والورُوْدِ، والوَارِد، والتَّحِيَّة. * * * 1616 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. الحديث الثّاني: (سجدتين)؛ أي: ركعتين للطواف، من إطلاق الجزء على الكل. * * * 1617 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بن عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا طَافَ

64 - باب طواف النساء مع الرجال

بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعَةً، وَأنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. الحديث الثّالث: (الطّواف الأوّل) يُريد به طوافًا بعده سعيٌ، احترازًا عن طواف الوَداع. (يَخُبُّ)؛ أي: يَرْمُل. (يسعى)؛ أي: يَعدُو. (والبطن) نصبٌ على الظرفية. (المسيل): الوادي الّذي بين الصَّفا والمَروة، وهو قَدْرٌ معروفٌ قبْل الوصول للمِيْل الأخضر الّذي برُكْن المسجد إلى أن يُحاذي الميلَين الأخضرَين، أحدهما بفِناء المسجد، والثّاني بدار العبَّاس. وفيه استحباب السَّعي في بطْن الوادي، والمشي فيما قبلَه وبعدَه، وعن مالك: لو تركَه لزِمتْه إعادتُه. * * * 64 - بابُ طَوَافِ النِّسَاء مَعَ الرِّجَالِ (باب طَواف النِّساء مع الرِّجال) 1618 - وَقَالَ عَمْرُو بن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ ابن جُرَيْجٍ،

أَخْبَرَنَا قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابن هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ، وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْركْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ، قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: عَنْكِ، وَأَبَتْ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ، فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ، وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا، وَعُبَيْدُ ابن عُمَيْرٍ، وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبيرٍ، قُلْتُ: وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لَهَا غِشَاءٌ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا. الحديث الأوّل: (قال عمرو بن علي) كذا في رواياتٍ كثيرةٍ، ورواه أبو داود وغيره: (قال لي عمرو بن علي)، وكذا أخرجه البَيْهقي من رواية حَمَّاد ابن سالِم عن البخاريّ، وكذا أبو نُعَيم في "مُستخرَجه"، ثمّ قال بعده: هذا حديثٌ عزيزٌ ضيِّق المَخرَج. (أخبرني عطاء) مفعوله الّذي هو مخبَرٌ به هو قوله بعد ذلك: (قال كيفَ) إلى آخره. (أو منع ابن هشام) هو إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام ابن الوليد بن المُغيرة المَخْزومي، وكان أمير مكَّة أيّام هِشَام بن عبد

الملِك بن مَرْوان، وهو خاله. (كيف يمنعهن) بلفْظ الخِطَاب، وبلفْظ الغَيبة، أي: كيف يمنعهنَّ المانِع؟ (قلت) هو من مَقول ابن جُرَيج. (بعد الحجاب)؛ أي: بعد آية الحِجَاب، وهي: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} [النور: 31]، أو: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا} [الأحزاب: 53]. (أو قبل) بالضمِّ، أو بالتَّنوين. (أدركت)؛ أي: طواف النِّساء معهم. (حَجْرة) نُصب على الظَّرف، وهو بفتح الحاء، وسكون الجيم، وراء مهملة، أي: ناحِيَة معتزلة، ويُروى بالزاي، أي: مَحجُوزًا بينها وبين الرِّجال بثوبٍ ونحوه. (يستلم) بالرفع والجزم. (تستلمي) بحذف النون. (عنك)؛ أي: عن جِهَة نفْسك. (أبت)؛ أي: منَعَتْ عائشةَ الاستلامَ. (حين) في بعضها: (حتّى)، ومعنى هذا التركيب: إذا أرَدْنَ الدُّخول وقفْن قائماتٍ حتّى يدخلْنَ حالة كون الرجال مُخرَجين منه. (وكنت) هو من قَول عَطاء. (وعُبيد) بالتَّصغير، ولدَ زمان النّبي - صلى الله عليه وسلم -.

(ثَبير) بفتْح المثلَّثة، وكسر الموحَّدة: جبَلٌ عظيمٌ بالمُزدلِفة على يَسَار الذَّاهب منها إلى مِنَى وعلى يمين الذَّاهب من مِنَى إلى عرَفاتٍ، وللعرَب جِبَال أُخرى تسمَّى ثَبير أيضًا. (قبة)؛ أي: خَيْمة. (تركية) قال (ط): أي: صغيرةٌ من لُبُودٍ، وقال صاحب "المُفْهِم": هي الّتي لها بابٌ، ويُعبَّر عنها بالخَيْمة. (غير ذلك)؛ أي: غير الخَيْمة، أي: كانت مُحتجزةً عنا بهذه الخَيْمة فقط. (درعًا) هو القَميص. (موردًا)؛ أي: أحمر، وليس المراد أنَّه رآها، بل رأَى ما عليها على سَبيل الاتفاق، وقال (ط): ثبَت في بعض الرِّوايات أنه قال: (وأنا صبيٌّ). * * * 1619 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ زينَبَ بنتِ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضيَ الله عَنْهَا زَوْج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: "طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ"، فَطُفْتُ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهْوَ يَقْرَأُ: {وَالْطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}.

65 - باب الكلام في الطواف

الحديث الثّاني: (اشتكى)؛ أي: مَرِضَ. (من وراء النَّاس)؛ أي: لأنَّ سنَّة النِّساء التَّباعد عن الرجال، وأيضًا فربما يتأذَّى النَّاس بدابَّتها، وإنّما طافتْ في حال صلاته ليكون أسترَ لها، وهذه الصّلاة كانت الصُّبح، وسبَق الحديث في (باب: إدخال البَعير المسجد). * * * 65 - بابُ الْكَلَامِ فِي الطَّواف (باب الكَلام في الطَّواف) وبعده في معناه. 1620 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ، أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بِخَيْطٍ، أَوْ بِشَيءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَطَعَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "قُدْهُ بِيَدِهِ". * * *

66 - باب إذا رأي سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه

66 - بابُ إِذا رَأَي سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ (باب: إذا رأَى سيرًا أو شيئًا يُكره في الطَّواف قطَعه) وأدخلَه (ك) لذلك. 1621 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ. (سير) بفتح المهملة، وسُكون الياء، وبالراء: ما يُقَدُّ من الجِلْد، والقَدُّ: الشَّقُّ طُولًا، قيل: إنَّ الجاهليَّة كانوا يتقرَّبون بجرِّ الطَّائف بمثْل ذلك إلى الله تعالى. (فقطعه)؛ أي: لأنَّ القَوْد بالأزِمَّة إنّما هو للبهائم. (قدْهُ) أمْرٌ من القَوْد، وهو الجَرُّ، قيل: ليس فيه ما يُترجم عليه البخاريّ من الكلام في الطَّواف. قلت: بل فيه، وهو قوله: (قُدْهُ بيَدِه)، وإنّما ظَنَّ المعترِض أن المراد بيده: أشار بيده أن قُدْه، والإشارة وإنْ نُزِّلتْ منزِلة الكلام، لكنْ ليس بكلامٍ حقيقةً، لكنْ قد ورَد في الحديث الآتي عن ابن عبَّاس رواية: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - مرَّ وهو يطُوف بالبَيت بإنسانٍ يقُود إنسانًا بخزامٍ في أنفه، فقطَعه وأمرَه أن يقوده بيده. قال (ك): قيل: اسم الرَّجل المَقُود: ثَوَاب -ضدُّ العِقَاب-،

67 - باب لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج مشرك

وقال غيره: إنَّ القائِد والمَقُود لم يُسمَّ واحدٌ منهما، بل أخرج ابن مَنْدَه بإسنادٍ غريبٍ عن خَليْفة بن بِشْرٍ، عن أبيه: أنه أسلَمَ، فذكَر حديثًا، قال: ثمّ لقيَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هو وابنه مقرونيَن، فقال: ما هذا؟، فأخَذ الحبْلَ فقطَعه. * * * 67 - بابُ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَحُجُّ مُشْرِكٌ (باب: لا يطُوف بالبَيت عُريانٌ (¬1)، ولا يحُجَّ مشركٌ) أسقطه (ك)، وأدخل حديثَه في ترجمة الكلام في الطَّواف، وقال: إن الحديث مرَّ في (باب: ما يستر من العَورة). 1622 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ يُونُسُ، قَالَ ابن شِهَابٍ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه - بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: "أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ". (في الحجة)؛ أي: سنة تسْعٍ. (يوم النَّحر) ظرفٌ لقَوله: (بعثَه). ¬

_ (¬1) "عريان" ليس في الأصل.

68 - باب إذا وقف في الطواف

(في رهط)؛ أي: في جُمْلةِ رهْطٍ. (يؤذن) راجعٌ إلى الرَّهْط باعتبار اللَّفظ، ويجوز (أن) يكون لأبي هُريرة على الالتِفات. (أن لا يحج) بالنَّصب وبالرفع على أنَّ أن مخفَّفةٌ من الثَّقيلة، أي: أنَّ الشأْن وما عُطف عليه مثله، وقال التَّيْمِي: يجوز أن يكون: (لا يَحُجَّ) نهيًا، فيكون: (ولا يطوف) بالجزم، أي: بتشديد الواو، كما في: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]. * * * 68 - بابٌ إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ، أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ: إِذَا سَلَّمَ يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ. وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابن عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنهم -. (باب: إذا وقَفَ في الطَّواف) أسقطه (ك)، وقال: إن البخاريَّ لم يذكُر فيه حديثًا إشارةً إلى أنه لم يجِدْ فيه حديثًا بشرطه. (فيبني) (¬1) أي: يَعتبرُ بما مضَى ويَبني عليه ولا يَستأنِف. * * * ¬

_ (¬1) كذا وقع هذا اللّفظ هنا، وهو كذلك في "الكواكب الدراري" (8/ 131)، وهو من تتمّة كلام عطاء رحمه الله.

69 - باب صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لسبوعه ركعتين

69 - بابٌ صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكعَتَيْنِ، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بن أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبةُ مِنْ رَكعَتَي الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُبُوعًا قَطُّ إلا صَلَّى رَكعَتَيْنِ. (باب: صلَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِسُبُوعِه)، بضمِّ السين، أي: لأُسْبوعه، يُقال في الطوافِ سبع مرَّاتٍ: أُسبُوع وسُبُوع، لكنْ هي لغةٌ قليلةٌ، وكلام ابن الأَثِير يقتضي أنَّه بضمِّ السين؛ إذْ قال: قيل: إنّه سُبْعٌ، أو سُبوع كبُرْدٍ وبُرودٍ، وضَرْب وضُروب، ووقَع في "حاشية الصِّحاح" مضبوطًا بفتح السِّين. * * * 1623 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَأَلنَا ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ ركعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. الحديث الأوّل: (يجزيه) بفتح الياء وضمها.

70 - باب من لم يقرب الكعبة، ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة ويرجع بعد الطواف الأول

(المكتوبة)؛ أي: المفروضة، وقال الشّافعيّ: تتأدَّى سنَّته بالفَريضة، نَواها أم لا، وما استَدلَّ به الزُّهْرِي ليس بصريحٍ أن الركعتين نَفْلٌ، فيحتمل أنهما الصُّبح ونحوها من الفرض. * * * 1624 - قَالَ: وَسَأَلْتُ جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - فَقَالَ: لَا يَقْرَبِ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. الحديث الثّاني: (حتّى يطوف بين الصفا والمروة) إطلاق الطَّواف على ذلك مجازٌ، أو حقيقةٌ لغويةٌ، وغرَضه أنه لا يجوز أن يقَع على امرأته قبْل السَّعي؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، ولنا فيه أُسوةٌ حسنةٌ. * * * 70 - بابُ مَنْ لَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ، وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الأَوَّلِ (باب مَنْ لم يقرب الكعْبة) مِن قَرُب -بالضمِّ-: إذا دنَا، وقَرِبْتُه -بالكسر- أَقْرَبُه، أي: دنَوتُ منه، والقُرب المقصود أن الحاجَّ لا يطُوف بعد طواف القُدوم حتّى يرجِعَ من عرَفة، وبذلك قال مالكٌ. * * *

71 - باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد

71 - بابُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَصَلَّى عُمَرُ - رضي الله عنه - خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ. (باب مَنْ صلَّى ركعتَي الطَّواف خارجًا من المَسجد) أدخل (ك) ما فيه فيما قبله، وأسقطه. * * * 1626 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زينَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. 1626 / -م - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بن أَبي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضيَ الله عَنْهَا زَوْج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهْوَ بِمَكَّةَ، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ، وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتِ الْخُرُوجَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْح فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ"، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ. (الغساني) بمعجمةٍ مفتوحةٍ، وبمهملةٍ مشدَّدةٍ، وبنونٍ، قال ابن السَّكَن: وصحَّفه بعضهم بضمِّ المهملَة، وتشديد المعجَمة، وقال بعضهم: العُثْماني بمثلَّثةٍ.

72 - باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام

واعلم أنَّ الدَّرَاقُطْني استدرك على البخاريّ أنه لم يذكُر زَيْنَب في هذا الطَّريق بين عُروة وأم سلَمة، وقد وصلَه غيره. قال (ك): عُروة سمع من أُم سلَمة، فلعلّه روى عنها تارةً بواسطةٍ، وتارةً بدونها. (فلم تصل) يحتمل أنها طافتْ حين أُقيمت الصَّلاة، ثمّ صلَّت الفَريضة ورأَتْه مُجزِئًا عن ركعتَي الطّواف. * * * 72 - بابُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ 1627 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا، وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. (باب مَنْ صلَّى ركعتَي الطَّواف خلْف المَقام) أسقطه (ك) أيضًا؛ لأن الأحاديث متقاربة في المعنى، وكذا أسقط: * * *

73 - باب الطواف بعد الصبح والعصر

73 - بابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُصَلِّي رَكعَتَيِ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ الصُّبْح، فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكعَتَيْنِ بِذِي طُوًى. (باب الطَّواف بعد الصُّبْح والعصْر) وذكر ما فيه في التّرجمة السابقة. * * * 1628 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن عُمَرَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُريْعٍ، عَنْ حَبيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْح، ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ، حَتَّى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: قَعَدُوا حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَامُوا يُصَلُّونَ. 1629 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ الله - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبهَا. الحديث الأول، والثّاني: (المذكر)؛ أي: الواعظ.

(السّاعة)؛ أي: عند الطُّلوع، لكن المكروه ما لا سبَب له، وهذه لها سبَبٌ، وهو الطّواف إلا أنهم كانوا يتحرَّون ذلك الوقْت ويُؤخِّرونها قصْدًا إليه، فلذلك رمَتْه؛ لأن التحرِّيَ له -وإنْ كانت الصَّلاة لها سبَبٌ- مكروهٌ. ووجْهُ تعلُّق الحديث بالترجمة: أن الطَّواف صلاةٌ، أو مُستلزِمٌ للصلاة المسنونة بعده. * * * 1630 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بن مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبيدَةُ ابن حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بن رُفَيع، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ الله بن الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ، ويُصَلِّي رَكعَتَيْنِ. 1631 - قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَرَأَيْتُ عَبْدَ الله بن الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَيُخْبرُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إلا صَلَّاهُمَا. الثّالث: (إلا صلاهما)؛ أي: الركعتين، وسبَق الحديث في (باب: ما يُصلّى بعد العصر). * * *

74 - باب المريض يطوف راكبا

74 - بابُ الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا (باب المَريْض يطُوف راكِبًا) أسقطه (ك)؛ لسبْق الحديث قريبًا، وشرحِه. 1632 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - طَافَ بِالْبَيْتِ وَهْوَ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أتى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ. 1633 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زينَبَ بنةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أَشْتكِي، فَقَالَ: "طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ"، فَطُفْتُ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهْوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. * * * 75 - بابُ سِقَايَةِ الْحَاجِّ (باب سِقاية الحاجِّ) 1634 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن أَبي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بن عَبْدِ

الْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه - رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. الحديث الأوّل: (ليالي منى) هي ليلة الحادي عشَر، والثّاني عشَر، والثّالث عشَر. قال (ن): يدلُّ على أمرين: أن المبيت ليالي التَّشريق مأمورٌ به، [وهل هو واجب أو سنة] (¬1) قال أبو حنيفة: سنَّةٌ، والآخرون: واجبٌ، وأنَّ أهل السِّقاية يجوز لهم أن يتركُوه، ويذهبوا إلى مكّة يستَقُوا باللّيل الماءَ من زَمْزَم للحاجِّ، ولا يختصُّ عند الشّافعيّ بالعبَّاس بل كلُّ من وَليَ السِّقاية له ذلك، وقيل: يختصُّ به، وقيل: بآل العبَّاس، والسِّقاية كانت للعبَّاس في الجاهلية، فأقرَّها النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - له، فهي حقٌّ لآل العباس أبدًا. قال الأَزْرَقي: كانتْ بيد عبْد مَنَاف، يحمل الماء في المزاوِد، والمزاوِد إلى مكَّة، يُسكَب منها في حِيَاضٍ بفِناء الكعبة للحُجَّاج، ثمّ وليَها هاشم، ثمّ عبد المطَّلب، حتّى حفَر زَمْزَم، فصار يشتري الزَّبيب فَيَنبِذُه في ماء زَمْزَم وَيَسقِي النَّاسَ، وكان أيضًا يسقِي اللَّبن بالعسَل في حوضٍ آخر، فقام بأمْرٍ السِّقاية بعده العبَّاس في الجاهلية، ثمّ أقرَّها النّبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتْح، ولم تزَلْ في يده حتّى مات، فوليَها عبد الله، ثمّ ابنه علي، وهلُمَّ جرًّا. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين من "الكواكب الدراري" (8/ 137).

1635 - حَدَّثنا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ! اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا، فَقَالَ: "اسْقِنِي"، قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّهمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، قَالَ: "اسْقِنِي"، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: "اعْمَلُوا، فَإنَّكمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ"، ثُمَّ قَالَ: "لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لنزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ"، يَعْنِي عَاتِقَهُ، وَأَشَارَ إلَى عَاتِقِهِ. الحديث الثّاني: (السقاية) موضع سَقْي الماء. (يا فضل)؛ أي: ابن العبَّاس. (فقال: اسق) الفاء فَصيحةٌ، أي: فذهَب فأتَى به، فقال له: اسْقِ. (ويعملون فيها)؛ أي: يَنْزَحون الماء. (لولا أن تغلبوا)؛ أي: مِن ازدِحام النَّاس عليكم، أو تُغلَبوا بأن يجِبَ عليكم ذلك بسبَب فِعْلي. قال التُّوْرِبِشْتي: أو تُغلَبوا بأن ينْزِعها الولاةُ منكم حِرْصًا على حِيَازة هذه المأْثَرة.

76 - باب ما جاء في زمزم

قال (خ): ففيه أنَّ فِعْله في أمر الشّريعة للوُجوب، وفيه أنه لم يحرم عليه الصَّدقة الّتي سبيلها المَعروف كالشُّرب من السِّقايات المُعدَّة للمَارَّة، وفيه إثبات أمْرِ سقاية الحاجِّ. * * * 76 - بابُ مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ (باب ما جاءَ في زَمْزَم) بينها وبين الكعبة قَريبٌ من أربعين ذراعًا، سُميت بذلك لكثرة مائها، وإنّما الزَّمْزم هو الكثير، وقيل: لِزَمِّ هاجرَ ماءَها حين انفجَرت، أي: ضمِّها، وقيل: لزَمْزمَة جبريل وكلامه، وسيأتي في (كتاب الأنبياء) بَحْثُ الملَك إيَّاها بعَقِبه أو بجَناحه. 1636 - وَقَالَ عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَنسُ بن مَالِكٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ".

77 - باب طواف القارن

الحديث الأوّل: سبَق بشرحه أول (كتاب الصّلاة). * * * 1637 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابن سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ أَنَّ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - حَدَّثَهُ قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ، قَالَ عَاصِمٌ فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ: مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إلا عَلَى بَعِيرٍ. الثّاني: (قائم) فيه الرُّخصة في الشُّرب قائمًا، وقيل: الشُّرب من زَمْزم من غير قيام يشقُّ؛ لارتفاع ما عليها من الحائط. (ما كان)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 77 - بابُ طَوافِ الْقَارِنِ (باب طَواف القارِن) 1638 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ

وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا"، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ"، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. الحديث الأوّل: (أهللنا)؛ أي: أحرمنا. (بعمرة) سبقت رواية: "لا نُريدُ إلا الحَجَّ"، ورواية: (فمنا من أهلَّ بعُمْرَة، ومن أهلَّ بحجة، ومن أهلَّ بهما)، ووجه الجمع: أنهم أحرموا بالحج، ثمّ أمر بالفسخ إلى العُمْرَة، ففسخ أكثرهم وصاروا متمتِّعين، وبعضهم بسبب الهْدي بقِي على ما كان عليه، وبعضهم صار قارِنًا. (قضاء حجنا)؛ أي: بعد أن طَهُرت، وطافت بالبيت. (التنعيم) قال التَّيْمي: هو أقرب الحِلِّ إلى الحرَم. (مكان) ظرفٌ، أي: بدلٌ، وقيل: قال ذلك تَطييبًا لقَلْبها. وفيه أن المرأة لا تُسافر بغير مَحرَم. وهذه العُمْرَة مستحبَّةٌ، خلافًا لقول أبي حنيفة: أن القارِن يطُوف طوافَين ويسعَى سعيَين. (طوافًا آخر)؛ أي: للحج، فإن الأوّل كان طواف العُمْرَة.

(طافوا طوافًا واحدًا) فيه حُجَّةٌ على أبي حنيفة في إيجاب طوافين وسعيَين. وإسقاط الفاء من (طافُوا) فيه رَدٌّ على اشتراط النُّحاة إثباتَها في جواب (أمَّا)، وقال بعضهم: لا يُحذَف مستقِلًا، بل مع قَولٍ محذوفٍ، أى: نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106]؛ أي: فيُقال لهم: أكفَرتُم، قال ابن مالك: هذا ونحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمَّا مُوسَى كأَنِّي أنظُرُ إليه"، "أمَّا بعدُ؛ ما بالُ رجالٍ" يُعلم بأنَّ مَنْ خصَّه بحذْف القَول معه مقصِّرٌ في فَتواه، وعاجزٌ عن تصوُّر دعواه. * * * 1639 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابن عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - دَخَلَ ابنهُ عَبْدُ الله بن عَبْدِ الله، وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: إِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ الْعَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ، فَيَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَلَوْ أقمْتَ، فَقَالَ: قَدْ خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، ثُمَّ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا، قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا. الحديث الثّاني: (وظهره)؛ أي: رِكَابه، وهي الإبل الّتي تُركب، والغرَض أنه

كان عازِمًا مُستَوفِزًا أحضَر مَركوبَه لذلك. (لا آمن) بفتح الهمزة وكسرها، كما تقُول في: اعِلم المضارِع أعلَمُ، وفي بعضها: (لا أَأْمَن) على الأصل. (العام) نصبٌ على الظَّرف، و (كان) تامةٌ، وفاعلها (قِتال). (فلو) جوابها محذوفٌ، أي: لكان خيرًا، أو هي للتمنِّي فلا جوابَ لها. (فإن يحل) مبنيٌّ للمفعول، وفي بعضها: (فإنْ حِيْلَ) بلفْظ الماضي، فعلى الأوّل جوابه يُرفَع ويُجزم، وعلى الثّاني يُجزم فقط، والإشارة بما فعلَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هو تحلُّله في الحُدَيبيَة حيث منَعُوهُ. (أشهدكم) لم يكتَفِ بالنيَّة، بل أراد إعلامَ من يُريد الاقتداء به. * * * 1640 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نزَلَ الْحَجَّاجُ بِابن الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، إِذًا أَصْنَعَ كمَا صَنَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أني قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحْلِقْ، وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ

وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ، وَقَالَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الثّالث: (نزل الحجاج)؛ أي: الثَّقَفي لقِتَال ابن الزُّبَير. (كائن) بالرفع خبر (إِنَّ)، وبالنَّصب على التَّمييز، أو الاختصاص. (إذن أصنعَ) بالنصب لا غير. (البيداء) موضعٌ بين مكّة والمدينة، والمراد قُدَّام ذي الحُلَيفة، وأصله: الأَرْض المَلْساء، والمَفَازة. (إلا واحدًا) بالرفع، وفي بعضها بالنصب على مذْهب يُونس على حَدِّ: ومَا الدَّهْرُ إلا مَنْجَنُونًا بأَهْلِهِ ... وما صاحِبُ الحاجَاتِ إلا مُعذَّبًا والمعنى: أن حكمهما واحدٌ في جواز التحلُّل منهما بالإحصار، ففيه صحَّة القياس؛ لأنه قاسَ الحجَّ بالعُمرة الّتي تحلَّل [منها]- صلى الله عليه وسلم - بالحُديبيَة. (قُدَيد) بضم القاف، وفتح المهملة الأُولى: ماءٌ، ويُسمَّى مَوضعه به. (ولم يرد)، إذا لم يَجِبْ عليه دمٌ بارتكاب محظوراتِ الإحْرام. (حتّى) غايةٌ للأفعال الأربعة.

78 - باب الطواف على وضوء

(قضى)؛ أي: أَدَّى. (بطوافه الأوّل) لم يُرد به طوافَ القُدوم؛ إذ لا معنى له، بل أراد أنه لم يطُف في قِرانه إلا طَوافًا واحدًا. ففيه دليلٌ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا. * * * 78 - بابُ الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ (باب الطَّواف على وُضوءٍ) 1641 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عِيسَى، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بن الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ، أنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ فَقَالَ: قَدْ حَجَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا أنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ، ثُمَّ عُمَرُ - رضي الله عنه - مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ - رضي الله عنه -، فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ الله بن عُمَرَ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبي الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءِ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَة، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَة، ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابن عُمَرَ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً، وَهَذَا ابن عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلَا يَسْأَلونَهُ، وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ

مَضَى، مَا كَانُوا يَبْدَؤُنَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ، وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لَا تَبْتَدِئَانِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنَ الْبَيْتِ، تَطُوفَانِ بِهِ، ثُمَّ لَا تَحِلَّانِ. 1642 - وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا. (لم تكن عُمْرَة) بالرفع والنَّصب. قال (ع): كأنَّ السائل لعُروة إنّما سأله عن فَسْخ الحجِّ، فأعلمَه أنَّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك بنفسه، ولا مَنْ جاءَ بعدَه. (أول) بدَلٌ عن الضَّمير، والطَّواف هو المفعول الثّاني. (الزُّبَير) بدلٌ من (أبي). (لم ينقضها)؛ أي: لم يفسخها. (فلا يسألونه)؛ أي: أفلا، فحَذَف الاستفهام. (حين) في بعضها: (حتّى)، وهو أظهر في المعنى. (من الطّواف) قال (ط): لا بُدَّ هنا من تقدير أوَّل، أي: أوَّل مِن الطَّواف، قال (ك): لا حاجةَ لذلك؛ إذ معناه: ما كان أحدٌ منهم يبدأ بشيء آخر حين يضع قدمه في المسجد، لأجل الطّواف، أي: لا يشتغلون بتحية المسجد ولا غيرها، وفي بعضها: [(حتّى) بدل (العين)، وهو أظهر، وأمّا كون] (¬1) (من) بمعنى (لأجل) كثيرًا، لا يقال: ما كانوا يؤول ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين مستدرك من "الكواكب الدراري" (8/ 144).

79 - باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله

إلى كانوا يبدؤون بالشيء الآخر، لأن نفي النَّفْي إثبات، وهو نقيض المقصود، لأنا نقول هو تأكيد للنفي السابق أو هو ابتداء كلامٍ. (ولا أحد) عطفٌ على فاعل (لم ينقضها)، أي: لا ابن عُمر ولا أحدٌ. قال: وفيه حُجَّةٌ لمن اختار الإفرادَ؛ لأن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -ولا أحدًا [من صحبه]- لم يَعدِل إلى تمتُّعٍ ولا قِرَانٍ. (مسحوا) مؤوَّل بأنهم طافوا، أو سعوا وحَلَقوا، فحذف للعلم به كما سبق بيانه قريبًا، ولا يُنافي هذا قوله: إنهما لا يحلان؛ لأن الأوّل في الحجِّ، والثّاني في العُمْرَة، وغرَضه انهم كانوا إذا أحرموا بالعُمْرَة يحلُّون بعد الطَّواف ليُعلم أنهم إذا لم يحلُّوا بعده لم يكونوا معتمِرين ولا فاسخِين للحج، وذلك لأن الطَّواف في الحجِّ للقُدوم، وفي العُمْرَة للرُّكْن. * * * 79 - بابُ وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ الله (باب وُجوبِ الصَّفا والمَروةِ) هو على حذْف مضافٍ، أي: وجوب سَعْي الصفا والمروة؛ لأن الحكم إنّما يتعلَّق بالأفعال لا بالذَّوات، وكذا في قوله: (وجعل)؛ أي: السَّعي بينهما، وفي بعضها: (وجعلا).

(شعائر) جمع شعيرةٍ، وهي العلّامة، أي: جُعِلا من علامات طاعة الله. * * * 1643 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ، سَألْتُ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فَوَالله مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابن أُخْتِي! إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَّةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونها عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا كنَّا نتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الطَّوَافَ بَينَهُمَا، فَلَيسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْم، يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إلا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ، كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ الله تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ،

وَإِنَّ الله أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَذْكرِ الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَأنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كلَيْهِمَا؛ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الله تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ. (أرأيت)؛ أي: أخبرْني عن هذه الآية؛ إذ مفهومها عدَم وُجوب السَّعي بينهما؛ لأن فيها نفْي الجُناح، وهو الإثم في الطّواف بهما، فمِنْ أين الإثْم في ترك ذلك؟، فأجابته بأنه: (لو كانت كما أولتها عليه كان: لا جناح عليه أن لا يطوف)؛ أي: فكان ينتَفي الإثم عمَّن لم يطُف، فيُعرف أنه غير واجبٍ. قال (ن): وهذا من بَدِيْع عِلْمها، وثاقِب فهمها، وكثرة معرفتها بدقائق الألفاظ؛ لأن الآية دلَّتْ على رفْع الجُناح عن الطائف، فلا دلالةَ فيها لا على الوُجوب، ولا على عدَمه، وبَيَّنت السبَبَ في نُزولها، والحكمةَ في نظْمها، وقد يكون الفعل واجبًا، ويعتقدُ الإنسان أنه يمتنع إيقاعه على صفةٍ مخصوصةٍ، كمَنْ عليه صلاة الظُّهر فظنَّ أنه لا يجوز فعْلُها عند الغُروب، فسأَل، فقيل في جوابه: لا جُناحَ عليك إنْ صلَّيتَها في هذا الوقت، فإنَّ الجَواب صحيحٌ، ولا يقتضي نفْيَ

وجوب صلاة الظهر. (لِمَناةَ) بفتح الميم، وخِفَّة النون: اسمُ صنَمٍ كان نصَبه عَمْرو بن لُحَيٍّ بالمُشَلَّل ممّا يلي قُدَيدًا، فجرُّه بالفتحة للعلَّمية والتَّأْنيث. (الطاغية) فاعلُه، من الطُّغيان، صفةٌ لها، ولو رُوي بكسر (مَنَاة) وإضافتها للطَّاغِية، ويكون موصوفُ الطاغية محذوفًا، أي: الفُرقة الطَّاغية، وهم الكفَّار = لجازَ. (المُشَلَّل) بضم الميم، وفتح المشدَّدة: موضعٌ قريبٌ من قُدَيد قريب البحر، فلمَّا كان صنم الأنصار بالمُشَلَّل، ولغيرهم صنَمان بالصَّفا: إِسَافٌ بكسر الهمزة، وخفَّة السين، وبالمَرْوَة نائِلَة، بالنُّون، والهمزة، والمَدِّ، تَحرَّجوا من الطَّواف بينهما كراهيةً لذَينِكَ الصَّنَمَين، وحُبهم صنَمهم الّذي بالمُشَلَّل. (يتحرج) بمهملةٍ، ثمّ جيمٍ، أي: يَخافُ الحرَج، ومقصود عائشة: أنَّ نفْي الحرَج لم ينصرف إلى نفي الفعل، بل إلى مَحَلِّ الفِعل. قال (ش): لأنهم كانوا يعبُدون في تلك البُقعة الأصنامَ، فتحرَّجوا أن يتخذونها مَعبَدًا لله سبحانه وتعالى. قلتُ: سياق ما ذكَرتْه عائشةُ مِنْ أنَّ لهم صنَمًا بالمُشَلَّل يُنافي أن التحرُّج كان لأنهم كانوا يعبدون الأصنامَ عند الصَّفا والمروة، فكرِهوا أن يُعبد الله في ذلك الموضع المكروه، إنّما هذا سبَبٌ آخر محتملٌ خارجٌ عن السَّبَب الّذي ذكرتْه عائشة، والمذكورِ بعده.

(وقد سن)؛ أي: شرَع وجعلَه رُكنًا، واستِفادةُ ذلك إمّا من فِعْله مع انضمام: "خُذُوا عنِّي مَناسِكَكُم"، أو فهِمتْ بالقَرائن أنَّ فِعْله للوُجوب، أو أنَّ مَذْهبهما أنَّ مجرَّد فِعْله للوجوب كما قال به من العُلماء: ابن سُرَيْج وغيره، فالسَّعي ركنٌ عند الشَّافعي، ومالك، وأحمد، وقال أبو حنيفة: واجبٌ يصحُّ الحجُّ بدُونه، ويُجبر بدمٍ. (ثمّ أخرت) هو من قول الزُّهْرِي. (لعلم) بفتح اللام الأُولى، وتنوين علمٍ، وفي بعضها: (إن هذا العِلْمَ)، منتصبٌ صفةً لهذا. (كنت) بتاء المتكلِّم، وقال (ك): إنها تاء المخاطَب على النُّسخة الأُولى، وهي: (لعِلْمٌ). قال: (وما) موصولةٌ، نصبٌ على الاختصاص، أو رفعٌ صفةً، أو خبر بعد خبر، و (ما) نافيةٌ، و (كنتُ) بصيغة المتكلِّم، وحاصلُه استِحسان قَولها. (كلاهما) هو على لُغة مَنْ يُلزمها الألف دائمًا، أي: فالآية لردِّ معتقَد الفريقَين صريحًا. (حتّى ذكر ذلك)؛ أي: الطَّوافَ بينهما بعد ذِكْر الطَّواف بالبيت، وفي بعضها: (بعد ذلك)، أي: إن لفْظَ (ما ذَكَر) يدلُّ على ذلك، و (ما) مصدريةٌ، والكاف مقدرةٌ كما في: زيدٌ [أسدٌ] (¬1)، أي: ذكر السَّعي بعد ذِكْر الطَّواف، فذكر الطَّواف واضحًا جليًّا، ومَشروعًا ¬

_ (¬1) انظر: "الكواكب الدراري" (8/ 147).

80 - باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة

مأْمورًا به. * * * 80 - بابُ مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: السَّعْيُ مِنْ دارِ بني عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ بني أَبي حُسَيْنٍ. (باب ما جاءَ في السَّعْي) (بني عَبَّاد) بفتح المهملة، وشَدَّة الموحَّدة، وبالمهملَة: مِن طرَف الصَّفا. (زقاق بني حسين) هو من طرَف المَرْوة. * * * 1644 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُبَيْدِ بن مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بن يُونُس، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقُلْتُ لِنَافِعٍ: كَانَ عَبْدُ الله يَمْشِي إِذَا بَلَغَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ؟ قَالَ: لَا، إلا أَنْ يُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ.

الحديث الأوّل: [(الطّواف الأول): سواءٌ القُدوم [أو] الرُّكن. (خب)؛ أي: رمَلَ في الأَشْواط الثّلاثة]. (¬1) (ومشى)؛ أي: لا يَرْمُل. (اليماني) المشهور فيه تخفيف الياء. (يَدعه) يَتركُه، والغرَض أنه كان يمشي بين اليمَانيين عند الازدِحام ليَكون أيسرَ لاستِلامه، وسبق في (باب الرَّمَل). * * * 1645 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بن دِينَارٍ، قَالَ: سألْنَا ابن عُمَرَ - رضي الله عنه - عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: أَيَأْتِي امْرَأتهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكعَتَيْنِ، فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. 1646 - وسَألْنَا جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - فَقَالَ: لَا يَقْرَبنهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. الحديث الثّاني: (قال: قدم) وجْه مطابقة الجَواب للسُّؤال: أنَّه يجب متابعته - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

وهو لم يتحلَّل من عُمْرَته، حتّى سعَى، فلا يَحِلُّ إتْيان المرأة قبلَه. * * * 1647 - حَدَّثَنا المَكِّيُّ بن إِبْرَاهِيمَ، عنِ ابن جُرَيْجٍ، قالَ: أَخْبَرني عَمْرُو بن دِينارٍ، قالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ صَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ تَلَا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. الثّالث: في معنى ما قبله. * * * 1648 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَنسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: نعمْ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى أنْزَلَ الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. الرابع: (من شعائر الجاهلية) قال (ك): بخلاف الطَّواف؛ فإنه لم يكُنْ من شعائرهم، وفيه نظَرٌ. (زاد الحُميدي)؛ أي: لفظَ: (حدَّثنا)، وسمعتُ بدَلَ العَنْعنة؛

81 - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وإذا سعى على غير وضوء، بين الصفا والمروة

فإنَّ سُفيان من المُدلِّسين، فيرتفع بذلك الخِلاف في عنْعنته. * * * 1649 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. زَادَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، سَمِعْتُ عَطَاءً، عَنِ ابن عَبَّاس مِثْلَهُ. الخامس: (ليُرِي) بضمِّ أوله، وكسر ثانيه. * * * 81 - بابٌ تَقْضي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلا الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَإِذَا سَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (باب تقْضي الحائِضُ المناسِكَ كلَّها إلا الطَّواف) 1650 - حَدَّثنا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن الْقَاسِمِ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ

لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي". الحديث الأوّل: (غير أن لا تطوفي)، (لا) زائدةٌ. * * * 1651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب، قَالَ، وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَبيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءِ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله قال: أَهَلَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ وأَصْحَابهُ بالحَجِّ، ولَيسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُم هَدْيٌ غَيرَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالُوا: ننطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟ فَبَلَغَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ". وَحَاضَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! تنطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيم، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ. الثّاني: (وقال لي خليفة)؛ أي: على سَبيل المُذاكرة، ولو كان على

سَبيل التَّحمُّل لقال: حدَّثنا. (ويطوفوا)؛ أي: بالبيت، وبالصَّفا والمَرْوة. (يقطر)؛ أي: مَنِيًّا بسبَب قُرب عهدنا بالجِماع؛ لتمتُّعنا بالنِّساء. (فبلغ)؛ أي: ذلك (النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -) بالنصب، وهو أنهم تمتَّعوا، وقُلوبهم لا تَطيْب به؛ لأنهم كانوا يُحبُّون موافقتَه - صلى الله عليه وسلم -. (لو استقبلت)؛ أي: لو عرَفْتُ أوَّلَ الحال ما عرَفتُه آخِرًا من جواز العُمْرَة في أشْهر الحجِّ لَمَا أهديتُ، وكنتُ متمتِّعًا؛ لمُخالفَة الجاهلية، ولا حلَلْتُ، لكنَّ المُهدي يمتنِعُ ذلك عليه، وهو المُفرِد والقارِن، حتّى يَبلُغَ الهدْيُ مَحِلَّه، وذلك يومَ النَّحر لا قَبْلَه. قال (ن): احتجَّ به من قال: التمتُّع أفضَل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يتمنَّى إلا الأفْضَل، وأُجيب: بأنَّه إنّما قال ذلك لأجْل فَسْخ الحجِّ إلى العُمْرَةِ الّذي هو خاصٌّ بهم في تلْك السَّنَة فقَطْ مُخالفةً للجاهلية يُطَيِّب بذلك قُلوبَ أصحابه، أي: ما منَعني من مُوافقتكم إلا هذا. (طهرت) بفتح الهاء وضمِّها، وسبَق شرح الحديث في (كتاب الحَيْض)، في (باب: امتِشاط المرأة). * * * 1652 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بن هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ، فَقَدِمَتِ امْرَأةٌ،

فَنَزَلَتْ قَصْرَ بني خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ أَنْ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غَزَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثِنْتَي عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟ قَالَ: "لِتُلْبسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابهَا، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ"، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضيَ الله عَنْهَا سَأَلْنَهَا -أَوْ قَالَتْ: سَأَلنَاهَا- فَقَالَتْ: وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قَالَتْ: بِأَبي، فَقُلْنَا: أَسَمِعْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نعمْ، بِأَبي، فَقَالَ: "لِتَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ -أَوِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ- وَالْحُيَّضُ، فيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى"، فَقُلْتُ: الْحَائِضُ؟ فَقَالَتْ: أَوَ لَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ؟ وَتَشْهَدُ كَذَا؟ وَتَشْهَدُ كَذَا؟. الحديث الثّالث: (الكَلْمَى) جمْع كَلِيْم، أي: جَرِيْح. (الجلباب): الإزار. (أن لا تخرج)؛ أي: في فَجْر يوم العيد. (بأبي)؛ أي: مُفَدَّى بأَبي، وقد تُقلَب همزة أبي ياءً، يُقال: بِيَبي، وقد يُبدَل آخره ألِفًا، ويُروى: (بأَبَا)، وهي لغةٌ بإبدال الياء

82 - باب الإهلال من البطحاء، وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج إلى منى

المُبدَلة من الهمزة ألِفًا، وسبق الحديث في (باب شُهود الحائِض). * * * 82 - بابُ الإِهْلَالِ مِنَ الْبَطْحَاءِ، وَغَيْرِهَا لِلْمَكِّيِّ وَلِلْحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ الْمُجَاوِرِ يُلَبي بِالْحَجِّ، قَالَ: وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُلَبي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ، وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -: قَدِمْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ. وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابرٍ: أَهْلَلْنَا مِنَ الْبَطْحَاءَ. وَقَالَ عُبَيْدُ بن جُرَيْجٍ لاِبن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ حَتَّى تنبَعِثَ بِهِ رَاحِلتُهُ. (باب الإهْلال مِن البَطْحاء) أي: الإحْرام من وادٍ بمكة. (للمكي)؛ أي: الخارِج بقَرينة إذا خرَج إلى منى بخلاف المُعتمِر؛ فإنّه إنّما يُحْرِم من أَدْنى الحِلِّ.

83 - باب أين يصلى الظهر يوم التروية؟

(وللحاج)؛ أي: الآفَاقِيِّ؛ لأنه قَسيمٌ للمَكِّي، فالمراد به المتمتِّع؛ فإن مِيْقاته نفس مكّة لا غيرها، سواءٌ في الحِلِّ أو الحرَم. (المجاور)؛ أي: المُقيم بمكة. (حتّى يوم التروية)؛ أي: ثامِن الحِجَّة بجرِّ يومٍ بـ (حتّى)، بمعنى: إلى. ووجه دلالته على التَّرجمة: أنَّ الاستِواء على الرَّاحلة كنايةٌ عن السَّفَر، فابتداء الاستِواء هو ابتداء الخُروج في البلَد. (بظهر)؛ أي: مِن ورائنا يومَ التَّرْوية حالَ كوننا مُلَبين، يُعلم أنهم حين الخُروج كانوا مُحْرِمين، وسبق شرح الحديث في (باب غَسْل الرِّجْلين في النَّعلَين) من (كتاب الوُضوء). (تنبعث) من بَعثْتُ النَّاقةَ، أي: أَمرتُها فانْبعثَتْ. * * * 83 - بابٌ أَيْنَ يُصَلِّى الظُّهْرَ يَوْم التَّرْوِيَة؟ (باب: أَينَ يُصلِّي الظُّهر يَوم التَّروية؟) 1653 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن رُفَيْعٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قُلْتُ: أَخْبرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ

التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى، قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ، ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. الحديث الأوّل: (علقته)؛ أي: أَدركتُه، وفَهمتُه. (النَفْر) بسكون الفاء: الرُّجوع من مِنَى. (بالأبطح) مكانٌ متَّسِعٌ بين مكَّة ومِنَى، وهو المُحَصَّب. وفيه مُتابعة الأُمراء، والتَّحرُّز عن مُخالفتهم الجَماعةَ، وأنَّ ذلك ليس بنسُكٍ واجبٍ عليه. * * * 1654 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ: لَقِيتُ أَنَسًا، وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بن أَبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَلَقِيتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - ذَاهِبًا عَلَى حِمَارٍ، فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْيَوْمَ الظُّهْرَ؟ فَقَالَ: انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ. الحديث الثّاني: هو في معنى الأوّل. * * *

84 - باب الصلاة بمنى

84 - باب الصَّلَاةِ بِمِنَى (باب الصَّلاةِ بمِنَى) أسقطَه (ك)، وأضاف ما فيه إلى ما في الباب قبلَه. 1655 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونس، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بن عَبْدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ أَبيهِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى رَكعَتَيْنِ، وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ. الحديث الأوّل: (ركعتين)؛ أي: قَصْرًا. (وعُثمان صدرًا)؛ أي: لأنه بعد ستِّ سنينَ مِن خلافته أَتَمَّ. * * * 1656 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ حَارِثَةَ بن وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى بنا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ بِمِنًى رَكعَتَيْنِ. الثّاني: (قَطُّ) فيه أنه يُستَعمل في غير النَّفْي، قال ابن مالِك: وقد خَفِيَ على كثيرٍ من النَّحويين استعمالُه من غير سبْق نفْيٍ، وقد جاء في هذا

الحديث، وله نظائِر. قال (ك): أو استعملَه بمعنى (أبدًا) مجازًا، أو متعلِّقٌ بمحذوفٍ، أي: ما كُنَّا أكثرَ من ذلك قَطُّ، ويجوز أن تكون (ما) نافيةً، والجُملة خبرُ المبتدأ، و (أكثَر) منصوبٌ خبر (كان)، والتقدير: ونَحنُ ما كُنَّا قَطُّ في وقْتٍ أكثرَ مِنَّا في ذلك الوقْت، ولا آمَنَ مِنَّا فيه، وجاز إعمالُ (ما) فيما قبلَها إذا كانت بمعنى (ليس)، كما جازَ تَقديم خبَر (ليس) عليه. (آمنه) بالرفع، قال (ك): ويجوز النَّصْب على أن يكون فِعْلًا ماضيًا، وفاعلُه: الله تعالى. قلت: كأنه أَراد بالنَّصْب الفتْح، حتّى يَستقيم كلامُه، نعَمْ، لو جُوِّز نصبهما معًا على حَدِّ: (ونَحَنُ عُصبَةً) [يوسف: 8] على قراءة النَّصْب لكان مُتَّجِهًا. * * * 1657 - حَدَّثَنَا قَبيصَةُ بن عُقْبةَ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنه - رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَفرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ، فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ ركْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ. الحديث الثّالث: (ثمّ تفرقت)؛ أي: في قَصْر الصّلاة وإتمامها، فمنهم مَنْ يَقصرُ، ومنهم مَنْ يُتِمُّ.

85 - باب صوم يوم عرفة

(ركعتان متقبلتان) في بعضها: (ركعتين) على نصْب (لَيْتَ) الجُزأَين، وبه قال الفَرَّاء، وخبَر (كان) مقدَّرةٌ. قالوا: غرَضه: أنه صلَّى ركعتَين بدَل الأربع كما كان - صلى الله عليه وسلم - وصاحباه يفعلُونه، وقال (ك): معنَى (قائمًا): أي: أتَمَّ مُتابعتَه ركعتان، ولَيْتَ أنَّ الله قَبلَ منِّي من أربَعٍ ركعتين. * * * 85 - بابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ (باب صَومِ يَوم عَرَفة) 1658 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا سَالِمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ. قول سفيان: (ثنا سالِم)، في بعضها: (عن الزُّهري، عن سالِم)، فإنْ صَحَّ أن الزُّهري سمع من سالم، فيكون رواه بالطَّريقين. (أم الفضل) هي لُبَابَة، أُمُّ عبد الله بن عبَّاس. فيه: أنَّ صَوم يوم عرَفة لا يُستحبُّ للحاجِّ. * * *

86 - باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة

86 - بابُ التَّلْبيَةِ وَالتَّكْبيِرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنى إِلَى عَرَفَةَ (باب التَّلْبية والتكبير) أسقطَه (ك)، وأدخله فيما قبلَه، وقال: مرَّ الحديث في (العيد)، في (باب: التكبير أيامَ مِنَى). 1659 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بن أَبي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بن مَالِكٍ وَهمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبرُ مِنَّا الْمُكَبرُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ. (نُهِل)؛ أي: نُلَبي، قال مالكٌ: يُكبر حين تَزول الشَّمس يومَ عرَفة. وفي الحديث: استِحباب التَّلْبية في الذَّهاب من مِنَى إلى عرَفات يومَ عرَفة، وفيه الرَّدُّ على مَنْ قال بقَطْع التَّلْبية بعد صُبْح عرَفة. قال (خ): السنَّة لا يقطَعها حتّى يَرميَ جَمْرة العقَبة، ويحتمل أنَّ تكبيرهم هذا كان شيئًا من الذِّكْر يتخلَّل التَّلْبية، وسبق بيانُ هذا كلِّه في (باب العِيد). * * *

87 - باب التهجير بالرواح يوم عرفة

87 - بابُ التَّهْجِيرِ بِالرَّوَاحِ يَوْمَ عَرَفَةَ (باب التَّهجير بالرَّواح يوم عَرَفة) أسقطَه (ك)، وأضافه لما قبلَه. 1660 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: كتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاج أَنْ لَا يُخَالِفَ ابن عُمَر فِي الْحَجِّ، فَجَاءَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنه - وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاج، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: الرَّوَاحَ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجَ، فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الْخُطْبةَ وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَى عَبْدِ الله، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ الله قَالَ: صَدَقَ. (عبد الملك)؛ أي: ابن مَروان الخَليفة الأُموي. (الحجَّاج)؛ أي: ابن يُوسُف، وكان واليًا بمكَّة لعبد الملِك، وأميرَ الحاجِّ بها. (لا تخالف) بلفظ النَّهي والنَّفي. (سُرداق)؛ أي: خَيْمة.

88 - باب الوقوف على الدابة بعرفة

(مِلحفة)؛ أي: إزارٌ كبيرٌ. (مُعَصْفَرة) مصبوغةٌ بِعُصفر. (يا أبا عبد الرّحمن) هو كُنية ابن عُمر. (الرواح) بالنَّصب، أي: عَجِّلْ، أو رُحِ الرَّواحَ. (فَأَنْظِرْنِي) بكسر الظَّاء. (أفيض)؛ أي: أغتسِلَ. (فسار) بالصَّاد وبالسِّين. (فأقصر) بهمزة وصْلٍ، وكسر الصَّاد. * * * 88 - باب الْوُقُوفِ عَلَى الدَّابَّةِ بِعَرَفَةَ (باب الوُقوف على الدَّابَّة) حذفَه (ك)، وأدخلَه فيما قبله. 1661 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبي النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بن الْعَبَّاسِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بنتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبن وَهْوَ

89 - باب الجمع بين الصلاتين بعرفة

وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ. (وقال اللَّيث) وصلَه الإِسْمَاعِيْلي. (مولى عبد الله) سبَق أنه مَوْلَى أُمِّ الفَضْل، فإمَّا أن يكون مَولاهما، أو مَولى أحَدِهما، ونُسِبَ للآخَر توسُّعًا، واسم أُم الفَضْل: لُبَابَة بنت الحَارِث. (فأرسلت) بلفْظ التكلُّم والغَيبة. * * * 89 - بابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الإمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. (باب الجَمْع بين الصَّلاتَين بعرَفة) أسقطَه (ك)، وأدخلَه فيما قبله. * * * 1662 - وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ الْحَجَّاجَ بن يُوسُفَ عَامَ نزَلَ بِابن الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - سَأَلَ عَبْدَ الله - رضي الله عنه -: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقَالَ عَبْدُ الله بن عُمَرَ: صَدَقَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ، فَقُلْتُ

90 - باب قصر الخطبة بعرفة

لِسَالِم: أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ تَتَّبعُونَ فِي ذَلِكَ إلا سُنَّتَهُ؟ (بابن الزُّبير)؛ أي: لمُحارَبته. (فهجر) بتشديد الجيم، أي: صلَّى وقْت الهاجِرة، هي شِدَّة الحَرِّ. (في السُّنة)؛ أي: في الشَّريعة النبويَّة. (إنهم كانوا يجمعون) وجْهُ مُطابقته لكلام ولَدِه سالِم: أنَّ الجمْع كان بالتَّهجير بهما معًا، وكأنه أمَرَ الحجَّاجَ بذلك فصَدَّقَه أبوه. (في السُّنة) قال الطِّيْبي: أي: مُتوغِّلين في السنَّة، قالَه تَعريضًا بالحجَّاج. (وهم يتبعون بذلك) في بعضها: (في ذلك)، أي: في الجَمْع، أو في التَّهجير، وفي بعضها بدون (في)، فهو مقدَّرٌ، قال الطِّيْبي: أو لفْظ: (سُنَّتَه) منصوبٌ بنزع الخافِض. * * * 90 - بابُ قَصْرِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ (باب قصر الخُطْبة بعَرَفة) أسقطه (ك)، وأدخلَه في ما قبله. 1663 - حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنا مَالِكٌ، عنِ ابن شِهَابٍ،

عَنْ سَالِمٍ بن عَبْدِ الله أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بن مَرْوَانَ كتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ الله بن عُمَرَ فِي الْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ زَالَتْ، فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ: أَيْنَ هَذَا؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَقَالَ ابن عُمَرَ: الرَّوَاحَ، فَقَالَ الآنَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَلَيَّ مَاءً، فَنَزَلَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - حَتَّى خَرَجَ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ، فَقَالَ ابن عُمَرَ: صَدَقَ. (يأتم)؛ أي: يَقتدي. (زاغت)؛ أي: مالَتْ. (أو) شكٌّ من الرَّاوي. (فُسْطاطه) بيتٌ من شَعْر، وسبَقت لُغاته. (هذا) فيه تحقيرٌ له، ولعلّه لتقصيره في تَعجيل الرَّواح ونحوه. (أفض) جوابٌ للأمْر، وفي بعضها: (أُفِيضُ) على الاستِئناف. (لو) ليست هنا حرْفَ امتناعٍ، بل بمعنى: إِنْ، كما في بعضها بدلَها: (إنْ). قال (ك): واعلَمْ أنَّ في بعض النُّسَخ هنا زيادةَ: (باب: التَّعجيل إلى المَوقف) -كأنَّه يُريد أنه بدَل التَّرجمة الّتي ذكرناها، وهي: (باب: قِصَر الخُطبة) - وفيه: قال أبو عبد الله: يُزاد في هذا الباب هَمْ هذا

91 - باب الوقوف بعرفة

الحديث: حديث مالكٍ، عن ابن شِهَاب، ولكنْ أُريد أن لا أُدخِل فيه مُعادًا. قال (ك): هذا تصريحٌ منه أنه لم يُعِدْ حديثًا في "الجامع"، ولم يُكرِّر، فما اشتُهر أنَّ تكريرًا قريبًا من النِّصْف كلامٌ إقْناعيٌّ (¬1) على سَبيل المُسامَحة، وعند التَّحقيق لا بُدَّ من تَقييدٍ، أو إهمالٍ، أو زيادةٍ، أو نقصٍ، أو تفاوُتٍ في الإسناد. وكلمة: (هَمْ)، بفتح الهاء وسكون الميم، قيل: فارسيَّةٌ، وقيل: عربيّةٌ، ومعناها قَريبٌ من معنى لفظ: أيضًا. * * * 91 - بابُ الْوُقُوف بِعَرَفَةَ (باب الوُقوف بعرَفة) 1664 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِم، عَنْ أَبيهِ: كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي. وَحَدَّثنا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو: سَمعَ مُحَمَّدَ بن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبيهِ جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ ¬

_ (¬1) في "ف": "الشافعي" وفي "ب" و"ت": "الساعي".

عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: هَذَا وَالله مِنَ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا؟ الحديث الأوّل: (أضللت) مِن أَضَلَّ البَعيرَ، أي: أضاعَهُ، أو هو ذهَب عنه. (الحُمْس) بضمِّ المهملة، وسكون الميم: جمْع أَحْمَس، وهو من الحَماسَة، وهو الشِّدَّة. قال الجَوْهَرِي: فسُمِّيت قريشٌ بذلك؛ لأنهم تَحَمَّسُوا في دينهم، أي: تشدَّدوا فيه، فكانوا لا يستظِلُّون لأيام مِنَى، ولا يدخُلون البُيوت من أَبوابها، وغير ذلك. (فما شأنه هنا) وجْه السُّؤال والتَّعجُّب من جُبَيْر مع أنه أَسلَم عامَ خَيْبَر، إمّا لأنَّه لم يبلُغه قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، أو قصَد السُّؤال عن حِكْمة المُخالَفة للحُمْس، أو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان لَه بها وِقْفةٌ قبْل الهجرة. * * * 1665 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بن أَبي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إلا الْحُمْسَ، وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ، وَكَانَتِ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ، يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا، وَتُعْطِي الْمَرْأةَ الْمَرْأةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا، فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا،

وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَني أَبي عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ فِي الْحُمْسِ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، قَالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ. الثّاني: (وما ولدت)؛ أي: وأَولادهم، وإنّما عبَّر بـ (ما) دون (مَنْ)؛ لقَصْد التَّعميم، وقيل: المُراد والدُهم، وهو كِنايةٌ؛ لأن الصَّحيح أنَّ قُريشًا ولَد النَّضْر بن كِنَانَة. (يحتسبون)؛ أي: يُعطُون النَّاسَ الثِّيابَ لله تعالى. (ويفيض) الإفاضَة الدَّفْعُ بكثْرةٍ. قال الزَّمَخْشَري: مِن إفاضة الماءِ، فالأَصْل في أفَضْتُم، أي: أنفسَكم؛ بتَرْك ذكْر المَفعول. (جماعة النَّاس)؛ أي: غير الحُمْس. (عَرَفَات) علَمٌ للمَوقِف، إمّا لأنَّها وُصِفَتْ لإبراهيم -عليه السّلام- فلمَّا رآها عَرَفها، أو لأنَّ جِبْريل كان يُعرِّفُه المَشاعِر، ويقول له: عرَفْتَ؟ أو أُهبط آدم من الجنَّة في الهِنْد، وحَوَّاء بجُدَّة، فالتقَيَا فتَعارفا في أرْض المَوقِف، أو لأن النَّاسَ فيها يَتعارَفون، أو لأَنَّ إبراهيم عرَف حقيقة رُؤْياه في ذَبْح ولَده هناك، أو لأن الخَلْق يعترِفون فيها بذُنوبهم، أو لأنَّ فيه جِبَالًا، والجِبَال الأَعْراف، وكلُّ عالٍ فهو عَرْفٌ.

92 - باب السير إذا دفع من عرفة

(جَمْع) بفتح الجيم، وسُكون الميم: المُزْدَلِفة، إمّا لأنَّ آدم اجتَمع مع حَوَّاء بها، أي: دَنَا منها، أو (¬1) يُجمَع فيها بين الصَّلاتين، وأهلُها يَزدَلِفُون، أي: يتقرَّبون إلى الله بالوُقوف فيها. (فدفعوا) مبنيٌّ للمَفعول، أي: أُمِروا بالذَّهاب إلى عَرَفَات حيث قيل لهم: أَفِيْضُوا، وذلك أن الحُمْس كان يترفَّعون على النَّاس عن أنْ يُساوُوهم في المَوقِف، ويقولون: نحن أهْلُ الله وقُطَّان حرَمه، فلا نَخرُج منه، ولا نحلُّ الحرَم، ويقِفون بجمْعٍ، وسائرُ النَّاس بعرَفاتٍ، فنزلت الآيةُ في أَمْرهم بأن يَقفوا بعرَفات، ويُفيضوا منها كسائر النَّاس. * * * 92 - بابُ السَّيْرِ إذَا دَفعَ مِنْ عَرَفَةَ (باب السَّير إذا دفع من عَرَفَةَ) في بعضها: (من عَرَفَاتٍ)، والمراد مكان الوقوف، عَرَفَات: اسمٌ في لفْظ الجمْع، لا واحدَ له، فقول النَّاس: (نزَلْنا عرَفَة) شَبيةٌ بالمُولَّد، وليس بعرَبيٍّ مَحْضٍ. 1666 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ بَأَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنا جَالِسٌ: كيْفَ كَانَ ¬

_ (¬1) في الأصل: "أي"، والمثبت من "ف" و"ت".

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ، فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ، وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاءٌ، وَكَذَلِكَ رَكوَةٌ وَرِكَاءٌ، مَنَاصٌ لَيْسَ حِينَ فِرَارٍ. (العَنَق) بمهملَةٍ، ونونٍ مفتوحتين، وقافٍ: السَّيْر السَّريع، أي: يسير العَنَق، فهو كقولهم: رجَعَ القَهْقَرى، وقيل: هو المُنْبَسِط. (فَجْوة) بفتح الفاء، وسكون الجيم، أي: مُتَّسِعًا خاليّا من المَارَّة، وفَجْوة الدَّار: ساحَتُها. (والنَّصّ) بفتح النُّون، وتشديد الصاد: السَّيْر الشَّديد الّذي يبلُغ فيه الغايةَ، قال الجَوْهَرِي: حتّى يَستَخرِج أقْصَى ما عندَه. (فوق)؛ أي: أرفَع منه في السُّرعة. وفيه أنَّ السَّكينة المأْمور بها إنَّما هي للرِّفْق بالنَّاس. (مناص) هذا يقَعُ في بعض النُّسَخ، ووجْه ذكره هنا: رفْعُ توهُّم أن يكونَ النَّصُّ والمَنَاص أحدهما مشتقًّا من الآخَر، ويُقرأ بالجَرِّ على الحِكاية للَفظ الآية. (ليس حين فرار) بنصْب (حينَ) خبرَ (ليس)، واسمُها محذوفٌ، أي: ليس الحِيْنُ حينَ هرَبٍ، وهو قَول سِيْبَوَيْهِ. * * *

93 - باب النزول بين عرفة وجمع

93 - بابُ النُّزُولِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْع (باب النزول بين عَرَفَةَ وجَمْعٍ) 1667 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بن زيدٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَالَ إِلَى الشِّعْبِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، فتوَضأ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَتُصَلِّي؟ فَقَالَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَكَ". الحديث الأول: (مال)؛ أي: عدَلَ. (الصّلاة) بالنَّصب بفعلٍ مقدَّرٍ، أي: صلَّى الصّلاة، أو بالرَّفْع مبتدأٌ حُذف خبَرُه، أي: الصّلاة حضَرتْ، أو فاعلٌ بفعْلٍ محذوفٍ، أي: حضَرت الصَّلاةُ، وأمّا قوله: (الصّلاة أمامك) فبالرَّفْع: مبتدأٌ، والخبَر (أمامَك)، أي: الصَّلاة فيما بَين يدَيْكَ، وهو المُزْدَلِفة، يُصلِّي فيها المَغرِب والعِشاء. وفيه: يُذَكِّرُ التابع المَتبوعَ حيْثُ خالَفَ عادتَه؛ ليُبيِّن له وجْهَ الصَّواب، وسبق الحديث في (باب: إسْباغ الوُضوء). * * * 1668 - حَدَّثَنا مُوْسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنا جُويرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ

قالَ: كَانَ عَبْدُ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ والْعِشَاءَ بِجَمْعٍ، غَيْرَ أَنَّهُ يَمُرُّ بالشِّعْبِ الَّذِي أَخَذَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَيَدْخُلُ فَيَنْتَفِضُ وَيَتَوَضَّأُ، وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ بِجَمْعٍ. الحديث الثّاني: (بجَمْعٍ)؛ أي: بالمُزْدَلِفة. (غير أنه) في معنى الاستثناء المُنقطِع، أي: كان يَجمَع بمُزْدَلِفَة بين المَغرِب والعِشاء، لكنْ هذه الهَيْئة لا مُطلَقًا، وفيه أنَّه جمْع تأْخيرٍ. (أخذه)؛ أي: سلَكَه. (فينتفض)؛ أي: يَقضي حاجتَه، فهو كنايةٌ عنه؛ لاستِلزامه نقْض الفعل، أو لأَنَّ الاستِنْفاضَ الاستِنجاء. قال التَّيْمي: هذا تَرخيصٌ عزيمةٌ، وأوجَب أصحاب الرَّأْي إعادةَ الصّلاة على مَنْ صلاها قبل أن يأْتيَ المُزْدَلِفة. * * * 1669 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن أَبي حَرْمَلَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بن زيدٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَاتٍ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الشِّعْبَ الأَيْسَرَ الَّذِي دُونَ المُزْدَلِفةِ أَنَاخَ، فَبَالَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ، تَوَضَّأ وُضُوأً خَفِيفًا، فَقُلْتُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَكَ"، فَرَكِبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أتى المُزْدَلِفةَ، فَصَلَّى ثُمَّ

94 - باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكينة عند الإفاضة، وإشارته إليهم بالسوط

رَدِفَ الْفَضْلُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ جَمْعٍ. 1670 - قَالَ كُرَيْبٌ، فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الله بن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَزَلْ يُلَبي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ. الثّالث: (الشِّعْب) بكسر الشين: الطَّريق بين الجبَلَين. (فصببت) فيه الاستِعانة، وسبَق أنها ثلاثة أقسامِ. (خفيفًا) إمّا بأنَّه مرَّةً مرَّةً، أو خفَّف استعمال الماءِ على خِلاف عادته. (عادة جَمْع)؛ أي: عادة اللَّيلة الّتي كان فيها بجمْعٍ، والمُراد صَبيحة يوم النَّحْر. وفيه استحبابُ الرُّكوب، وجوازُ الإرداف على الدَّابة المُطيقة. (الجَمْرَة)؛ أي: جمْرة العقَبة. وفيه أن قطْع التَّلْبية حين بلُوغِها، لا الرَّميِ إليها. * * * 94 - بابُ أَمْرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالسَّكِينَةِ عِنْدَ الإفَاضَةِ، وَإِشَارَتِهِ إِلَيْهِمْ بالسَّوْطِ (باب أَمْر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالسَّكينة)؛ أي: الوَقار.

95 - باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة

1671 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سُوَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بن أَبي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ مَوْلَى وَالِبَةَ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنِي ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإبلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبرَّ لَيْسَ بِالإيضَاعِ". أَوْضَعُوا أَسْرَعُوا، خِلَالَكُمْ مِنَ التَّخَلُّلِ بَيْنَكُمْ، وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا: بَيْنَهُمَا. (والبة) بلامٍ مكسورةٍ، وموحَّدةٍ. (أوضعوا) إشارةٌ إلى تفسير الإيْضَاعِ في الحَديث بالإسراع، كما في قوله تعالى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ} [التوبة: 47]، ثمّ استَطردَ في تَفسير خِلال، ثمّ ذكَر: {خِلَالَهَا} [النمل: 61]، في الآية الأُخرى، كلُّ ذلك لتكثير الفَوائد. * * * 95 - بابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالمُزْدَلِفَةِ 1672 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُوسَى ابن عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْب، عَنْ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ، فَنَزَلَ الشِّعْبَ، فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأ، وَلَمْ يُسْبغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةُ، فَقَالَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَكَ"، فَجَاءَ المُزْدَلِفةَ،

96 - باب من جمع بينهما ولم يتطوع

فتوَضَّأ فَأَسْبَغَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنًاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا. (باب الجَمْع بين الصَّلاتَين بمُزْدَلِفَة) أسقطَه (ك)؛ لأنَّ الحديث فيه كالذي قبلَه، وكذا الباب الّذي بعدَه وهو: * * * 96 - بابُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَطَوَّعْ 1673 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ ابن عَبْدِ الله، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَمَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بإقامَةٍ، وَلَمْ يُسَبحْ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. (باب مَنْ جَمَع بينهما ولم يَطَّوَّع) (ولم يصل بينهما) وفي الحديث الآخر الّذي هو أوَّل حديثَي التَّرجمة الثّانية: (ولم يسبح بينهما)؛ أي: لم يتَنفَّل. (إثر) بكسر الهمزة: بمعنى أثَر بفتحتين، وهذا لا يُنافي قَولَ الفُقهاء (¬1): يستحبُّ تأْخير سنَّة المَغربَين عنها خلافًا لمَا يُوهِم مقتضَى: ¬

_ (¬1) "قول الفقهاء" ليس في الأصل.

97 - باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما

(ولا على إِثْر): أنَّه لا يتنفَّل لا بينَهما ولا بعدَهما؛ لأنَّ المُراد أنه لم يُصلِّ بعد كلِّ واحدةٍ منهما؛ وإنْ صلَّى بعدَهما معًا، أو أنَّ المَنْفيَّ تَعقيبُه لا المُهْلة. قلتُ: هذا أصلَحُ من الأوَّل؛ فإنَّ لفْظَ: (واحدةِ) شاملٌ لكلٍّ من الأُولى والثَّانية. * * * 1674 - حَدَّثَنا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنا سُلَيمانُ بن بِلالٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بن سَعِيدٍ، قال: أخبرني عَدِيُّ بن ثَابتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله ابن يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالمُزْدَلِفَةِ. الحديث الثّاني: في معنى ما قبلَه. * * * 97 - بابُ مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةِ مِنْهُمَا (باب مَنْ أَذَّن وأَقامَ) أسقطَه (ك) أيضًا؛ لتقارُب الأحاديث.

1675 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ يَقُولُ: حَجَّ عَبْدُ الله - رضي الله عنه - فَأَتَيْنَا المُزْدَلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأقامَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فتعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ -أُرَى- فَأَذَّنَ وَأقامَ. قَالَ عَمْرٌو: لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إلا مِنْ زُهَيْرٍ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكعَتَيْنِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ: إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إلا هَذِهِ الصَّلَاةَ، فِي هَذَا الْمَكَانِ، مِنْ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ عَبْدُ الله: هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ المُزْدَلِفَةَ، وَالْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. (بالعتمة)؛ أي: وقْت العِشاء الأَخيرة. (ثمّ صلّى بعدها ركعتين) هي سُنَّة المَغرِب؛ لأن هذا في جَمْع تأخيرٍ، والذي تقدَّم أنه لم يُصلِّ بينهما هو في جَمْع التَّقديم. (بعشائه) بفتح العين: ما يُتعَشَّى به من المأْكول. (أُرَى) بضمِّ الهمزة، أي: أظُنُّ أنه أَمَر رجلًا بالتَّأْذين والإقامة، وهذا هو المُراد من الشَّكِّ. (فلما طلع)، في بعضها: (فلَمَّا حِيْنَ طَلَعَ)؛ أي: لمَّا كان حين طُلوعه، والجَواب محذوفٌ، أي: صلَّى صلاةَ الفَجْر، والمذكور جَزاء هو على سَبيل الكِناية؛ لأن هذا القَول رديفُ فعل الصّلاة.

98 - باب من قدم ضعفة أهله بليل، فيقفون بالمزدلفة ويدعن، ويقدم إذا غاب القمر

(الساعة) بالنَّصب. (الصّلاة) بالنَّصب أيضًا. (تحولان عن وقتيهما) أنها تَحويل المَغرِب فهو تأْخيرها إلى وقْت العِشاء، وأمّا تحويل الصُّبح فهو تَقديمها عن الوقْت الظَّاهر طُلوعه لكلِّ أحَدٍ كما هو العادة في أَداء الصَّلاة، فقُدِّمت إلى وقتٍ منْهم مَنْ يقول: طلَع الفَجْر، ومنهم من يقول: لم يَطلُع، لكنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تحقَّقَ الطُّلوعَ بوحْيٍ أو غيره، أو أنَّ المراد أنه في سائر البلاد كان يُصلِّي بعد الطُّلوع، وفي ذلك اليوم صلَّى حالَ الطُّلوع، أو المراد المُبالغة في التَّبكير؛ لإرادة الاشتغال بالمناسك. وفي الحديث الأَذان لمَا يُبدَأ به في جمْع التَّأخير سواءٌ الأُولى أو الثَّانية، وهو ما قالَه النَّووي، خلافًا لمَا قاله الرَّافعي، وتبعه "الحاوي": أنَّه إنْ قدَّم الأَخيرة أذَّنَ لها، وإلا فلا، على أن هذا الحديثَ ليس فيه جزْمٌ بأذان، ونقَل التَّيْمِي عن الشَّافعي: أنه يُصلِّيهما بأذانٍ وإقامتَين، وعن أصحاب الرأْي: أنَّه يُقيم لهما، وعن مالك: يُصلِّيهما بأذانٍ وإقامتين، وقال (ن): يجمع بينهما وإقامةٍ واحدةٍ، وقال أحمد: أيَّها فعَلتَ أجزأَك. * * * 98 - بابُ مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلِ، فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُنَ، ويُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ (بابُ مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أهْلِهِ)؛ أي: ضُعفاءَهم، وهم النِّساء والصِّبيان.

(يقدم) بالبناء للفاعل، أو المفعول. * * * 1676 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ الله مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأوّل: (المَشْعَر) بفتح الميم، وهو الرِّواية، وحكَى الجَوْهَري كسْرَها، أي: مَعْلَمٌ للعبادة. (الحرام)؛ أي: المُحرَّم الّذي يحرُم فيه الصَّيد وغيره؛ لكونه مِن الحرم، أو معناه ذو الحُرمة، وهو قُزَح، بضم القاف، وفتح الزَّاي، وبحاءٍ مهملةٍ: جبَلٌ معروفٌ بالمُزدَلِفَة، والحديث يدلُّ عليه، وقيل: هو المُزْدَلِفَة. (بدا) بلا همزٍ، أي: ظهَرَ، وسنَحَ لهم في خَواطرهم، وأَرادُوه. (يرجعون)؛ أي: إلى مِنَى. (يقف)؛ أي: بالمُزْدَلِفَة.

(يدفع)؛ أي: إليها. (الجمرة)؛ أي: العَقَبة، وتُسمَّى الجَمْرة الكُبرى. (رخص) في بعضها: (أَرْخَصَ)، قال (ك): الأوَّل أصحّ، أي: خِلاف العَزيمة، وأمّا الإِرْخَاص فمِن الرُّخْص ضدُّ الغَلاء. * * * 1677 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. 1678 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بن أَبي يَزِيدَ: سَمعَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. 1679 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله مَوْلَى أَسْمَاءَ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بنيَّ! هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نعمْ، قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا، وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهْ! مَا أُرَانَا إلا قَدْ غَلَّسْنَا، قَالَتْ: يَا بنيَّ، إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لِلظُّعُنِ.

الحديث الثّاني، والثّالث: (في ضعفة)؛ أي: من جُملة ضُعفائهم من النِّساء والصِّبيان، وذلك لئلَّا يتأَذَّوا بالزِّحام. (يا بنيَّ) تصغير (ابن). (في منزلها)؛ أي: بمِنَى. (يا هنتاه) سبق بيانه قريبًا. (أُرانا) بضمِّ الهمزة، أي: نظُنُّ. (غلَّسنا) من التَّغليس، وهو السَّيرُ بغَلَسٍ، أي: ظُلْمةِ آخِر اللَّيل، أي: تقدَّمْنا على الوقْت المشروع. (الظُّعُن) بضمِّ الظاء، والعين، وقد تسكَّن: النِّساء، شُبهنَ بذلك لأنهنَّ يظْعَنَّ بارتحالِ أزْواجهنَّ ويُقِمْن بإقامتهنَّ، وقال الجَوْهَرِيُّ: الظَّعيْنة: الهَوْدجَ كانتْ فيه امرأةٌ أو لم تكن، والمرأةُ ما دامَتْ في الهَوْدَج. قال (ن): أَصْل الظَّعِيْنة الهَوْدَج الّذي فيه المرأة على البَعير، ثمّ سُميت المرأةُ به مجازًا، واشتُهر حتّى خفِيَت الحقيقة. * * * 1680 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كَثيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابن الْقَاسِم، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَت: اسْتَأْذَنَتْ

سَوْدهُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ جَمْعٍ، وَكَانَتْ ثَقِيلَةً ثَبْطَةً، فَأَذِنَ لَهَا. الحديث الرّابع: (ثَبطة) بفتح المثلَّثة، وكسر الموحَّدة أو سكونها، وبمهملةٍ، أي: بَطِيئةً مِن التَّثْبيط، وهو التَّعويق. وفيه جَواز الرَّمي بعد نِصْف اللَّيل عند الشّافعيّ خلافًا لمن قال: لا يجوز قبْل الفَجْر، أنها مَنْعُه قبْل نصْف اللَّيل فباتفاق. * * * 1681 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بن حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِم بن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: نزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً، فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ، ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ. الخامس: (الحَطْمة) بفتح الحاء، وسكون الطاء المُهملَتين، أي: الزَّحْمة؛ لأنَّ بعضَهم يَحطِم بعضًا. (بدفعه)؛ أي: بدفْع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (فلأن أكون) بفتح اللام مبتدأٌ خبرُه: (أحب)، ومعنى: (مفروح

99 - باب من يصلي الفجر بجمع

به): ما يُفرَح به. ففيه أن الضُّعَفاء يجوز دفْعهم قبْل الفَجْر، وأمّا الأَقْوياء فيجب عليهم المَبيت بِمُزدَلِفَة، ومن تَركَه لَزِمَه دمٌ، وحُكي عن النَّخَعي أنه لا يُحسَب حَجُّه، وقيل: سنَّةٌ، وقال عَطَاء: ليس برُكْنٍ ولا واجبٍ ولا سُنةٍ بل ينزَّل كسائر المنازِل لا فَضيلةَ فيه. ثمّ اختُلف في المبيت الواجب، فالصَّحيح عند الشَّافعي: أنه ساعةٌ في النِّصف الثّاني من اللَّيل، وعن مالك ثلاثُ رواياتٍ: كلُّ اللَّيل، مُعظَمه، أقَلُّ زَمانٍ. * * * 99 - بابُ مَنْ يُصَلِّي الْفَجْرَ بِجَمْعٍ (باب: متَى يُصلِّي الفجْر بجَمْعٍ) 1682 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بن حَفْصِ بن غِيَاث، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلا صَلَاتَيْنِ؛ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا. الحديث الأوّل: (عبد الله)؛ أي: ابن مَسعود.

(لغير ميقاتها) سبق في الباب الّذي قبلَه تفسيرُ ذلك، وتأْويلُ تقديم الصُّبْح على وقتها المُعتاد صلاتُه فيه وتَبكيرُها قبل الفجر لأجْل المَناسك، فقد صرَّح في الحديث الّذي بعدَه أنه صلَّى الصُّبح حين طلَع الفَجْرُ، ففي غير هذا كان يتأَخَّر بالصُّبح حتّى يأتيَه بلال، وفي هذا اليوم لم يتَّأخَّر. قال (ن): وقد احتجَّ أبو حنيفة بقول ابن مَسعود: (وما رأَيتُ إلا صلاتَين) على مَنعْ الجمْع بين الصلاتين في السَّفَر، وجوابه: أنه مَفهومٌ، وهم يقولون به، ونحن إنّما نقول به إذا لم يُعارضْه منطوقٌ، وقد تَظاهَرت الأحاديثُ بجَواز الجمْع، ثمّ هو متروكُ الظَّاهر بالإجماع في صلاتَي الظُّهر والعصر بعرَفاتِ. * * * 1683 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا، فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، كُلَّ صَلَاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، قَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ"، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ

الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ، فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ - رضي الله عنه -؟ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبةِ يَوْمَ النَّحْرِ. الحديث الثّاني: (والعَشاء بينهما) بفتح العين، وما يُوجَد في بعض النُّسَخ بكسر العين فخِلاف الصَّواب؛ لأن المعنى أنه تَعشَّى كما سبق في الباب قبلَه: أنَّه دَعَا بعَشائه فتعشَّى، ثمّ صلَّى العِشَاءَ، قاله (ع) (¬1) في "المَشَارِق"، قال: وفعَل ذلك ليُنبه على أنَّه يُغتفَر الفَصْلُ اليَسير بينهما. (المغرب) بالنَّصب. (يُعْتِموا) من الإِعْتام، وهو دُخول وقْت العِشاء الأخيرة. (حُوِّلتا) قال شيخنا شيخ الإسلام البُلْقِيْني: لعلَّ هذا مُدرجٌ من كلام ابن مَسعود، ففي (باب: مَنْ أذَّن وأقام): قال عبد الله: هما صلاتانِ مُحوَّلتان. قال: وقد حكَى البَيْهَقي عن أحمد تَردُّدًا في أنه مرفوعٌ، أو مُدرَجٌ، ثمّ جزَم البَيْهقي بأنه مُدْرَجٌ. قال شيخنا: وهو في "السنن الكبرى" للنَّسائي أيضًا. قلتُ: لا تَنافيَ بين الأمرَين، فمرَّة رُفِعَ ومرَّةً وُقِفَ. (هذه السّاعة)؛ أي: قبل الظُّهر للعامَّة، ولكنْ بعد طُلوعه كما بينَّاه. ¬

_ (¬1) "ع" ليس في الأصل.

100 - باب متى يدفع من جمع

(فما أدري) هو من مَقول ابن مَسعود. * * * 100 - بابٌ مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعِ (باب: متى يَدفَعُ مِن جَمْع؟) أسقطه (ك)، وأدخَلَ حديثه فيما قبلَه. 1684 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَمْرَو بن مَيْمُونٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - صَلَّى بِجَمْع الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبيرُ، وَأَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. (أشرق) بلفظ الأمر، أي: لتَطْلُعْ عليك الشَّمسُ، مِن أشْرَق الرَّجُل: إذا دخَل في وقْت الشُّروق. (ثَبيْر) حُذِفَ منه حرْف النِّداء، أي: يا ثَبيْرُ، وهو بفتح المثلَّثة، وكسر الموحَّدة، وسكون الياء: جبَلٌ عظيمٌ بالمُزدَلِفَة على يَسَار الذَّاهِب منها إلى مِنَى، هذا هو المُراد، وإنْ كان للعرَب ثَبيْرٌ غيره. قال محمَّد بن الحسَن: لهم أَربعةُ جِبَال حِجَازيَّةٍ كلٌّ منها اسمُه: ثَبيْر.

101 - باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة، والارتداف في السير

(كيما نُغِير)؛ أي: نَذهبَ سَريعًا. قال (خ): أي: لكي نَدفَعَ ونُفيضَ بعد الشُّروق، فخالفَهم النبيُّ فأفاضَ قبْلَ الإشراق، يُقال: أغارَ يُغِيْر: أَسْرَعَ في العَدْوِ، وقيل: نُغِير على لُحُوم الأَضاحي، مِن النَّهب، وقيل: نَدخُل في الغَوْر، وهو المُنْخَفِض من الأرض على لُغةِ مَنْ يقول: أَغارَ، أي: أتَى الغَوْرَ. * * * 101 - بابُ التَّلْبيَةَ وَالتَّكْبيِرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يِرْمِي الْجَمْرَةَ، وَالاِرْتِدَافِ فِي السّيْرِ (باب التَّلْبية والتَّكبير) 1685 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بن مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا ابن جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْدَفَ الْفَضْلَ، فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ. 1686 - و 1687 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بن جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبي، عَنْ يُونس الإيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ أُسَامَةَ بن زيدٍ - رضي الله عنهما - كَانَ رِدْفَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قَالَ: فَكِلَاهُمَا

102 - باب

قَالا: لَمْ يَزَلِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. الحديث الأوّل، والثّاني: (رِدْف) بكسر الراء، وسُكون الدَّال، ورُوي بفتح الرَّاء، وكسر الدَّال: اسم فاعِل كحَذِر. (فكلاهما) خبره محذوفٌ، أي: مُرْدَفان. واعلم أن هذَين الحديثَين ليس فيهما ذكْر التكبير الّذي تَرجَم به، لكنْ سبَق في الحديث بأطْوَل من ذلك، وأنَّه التكبير الّذي قد يقَع في خِلال التَّلْبية كالذِّكْر، فيكون هذا مختصرًا منه، أو أنَّ غرَضه أن يستدلَّ بهذا الحديث على أنَّ التَّكبير غير مَشرُوعٍ يدلُّ عليه لفْظ: (لَم يَزَلْ) الدَّالُّ على الدَّوام، وسبَق أنَّ مالِكًا يقول: انتِهاء التَّكبير بزَوال يوم عرَفة، والجُمهور: حتّى يبلُغ الجَمْرة، وأحمد: حتّى يَرميَها، فيكون هذا مستنِدًا لأحمد، لكن الجمهور حملُوه على الشُّروع في الرَّمي جمعًا بينه وبين حديث الفَضْل السَّابق في (باب: النُّزُول بين عرَفة وجمْعٍ): أنَّه لم يزَل يُلبي حتّى بلَغ الجمْرة. * * * 102 - بابٌ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ

إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. (باب قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196]) حذفَه (ك)، وأدخل حديثه فيما قبلَه؛ لسبقه في (باب التمتُّع). * * * 1688 - حَدَّثنا إِسحَاقُ بن مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثنا أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَأَلتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلتُهُ عَنِ الْهَدْيِ فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إنْسَانًا يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ، وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَيْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: الله أَكبَرُ، سُنَّةُ أَبي الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَقَالَ آدَمُ، وَوَهْبُ بن جَرِيرٍ، وَغُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبة: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ. (الجَزور) بفتح الجيم يقَع على الذَّكَر والأُنثى من الإبل، وقال صاحب "المُحكَم": هو النَّاقة المَجْزُورة. (أو شرك)؛ أي: لأن البَدَنَة تُجزئ عن سَبْعةٍ، فإذا شارك غيره في سُبُع أحدهما أجزأَه. (سنة) خبر مبتدأ محذوفٍ، ويجوز نصبه. (الله أكبر) فيه تعجُّبٌ مِن رُؤياه الّتي وافقَت السنَّةَ، وسبَق تفسير الحجِّ المَبْرور في (باب: من قال: إِنَّ الإيمان هو العمَل). (قال آدم) وصلَه البُخاري في (التمتُّع والقِرَان).

103 - باب ركوب البدن

(ووهب) وصلَه البَيْهَقي. (وَغُنْدَر) أخرجها أحمد عنه. * * * 103 - باب رُكُوبِ الْبُدْنِ لِقَوْلهِ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}، قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتِ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا. وَالْقَانِعُ السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، وَشَعَائِرُ: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ وَاسْتِحْسَانها، وَالْعَتِيقُ عِتْقُهُ مِنَ الْجَبَابرَةِ، وَيُقَالُ: وَجَبَتْ سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ، وَمِنْهُ: وَجَبَتِ الشَّمْسُ. (باب ركُوب البُدْنِ) بسكون الدَّال وضمِّها. (لِبَدَنها) بفتحتين، وروي بضمِّ الموحَّدة، وسُكون الدال، أي: لضَخامَتِها، وروي: (لبَدانتَها). قال الجَوْهَري: البُدْن: السِّمَن، وبَدُن، أي: ضَخُم، وكانوا

يُسمِّنون الناقة. (المُعْتَرُّ) الّذي يتعرَّض للمَسأَلة، ولا يَسأَل، وقال الزَّمخشَريُّ: وهو المتعرض بالسُّؤال بخلاف القَانِع؛ فإنّه الرَّاضي بما عندَه، وبما يُعطَى. قال: والشَّعائِر: الهَدايَا، لأنها من مَعالم الحجِّ، وتَعظيمُها اختيارُ عِظَام الأجْرام الحِسَان غاليةِ الأثْمان. (والعتيق) فيه أقوالٌ: القَديم؛ لأنه أوَّل بيتٍ وُضعَ للنَّاس، (عتقَه من الجبابرة) هو قَولُ قَتادة: كَمْ مِن جبَّارٍ سار إليه ليَهدِمه فمنَعه الله، وقال مُجاهِد: أُعتِقَ من الغَرَق. * * * 1689 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: "ارْكَبْهَا"، فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ: "ارْكَبْهَا"، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: "ارْكَبْهَا، ويلَكَ"، فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ. الحديث الأوّل: (بَدَنَةً) قال (ن): حيث أُطلِقَتْ في الفقه والحديث فهي البَعير ذكرًا كان أو أُنثَى بشَرْط سِنِّ الأُضحيّة، وهي الّتي دخلَتْ في السَّادسة، وقال صاحب "العَيْن": هي ناقةٌ تُهدَى إلى مكَّة.

104 - باب من ساق البدن معه

فيه دليلٌ على رُكوب البدَنة المُهْداة، قال الشَّافعي: يَركبها عند الحَاجة، وقال أحمد: وبدُونها، وقال أبو حنيفة: لا يركَب إلا عند الضَّرورة، وقيل: يجب الرُّكوب لمطلَق الأمر، ولمُخالفة الجاهليَّة، وإكْرام البَحِيْرة والسَّائبة. (ويلك) كلمةٌ تُقال لمَن وَقَع في مَهْلَكةٍ كما هنا؛ فإنَّه وقَع في تعَبٍ وجُهدٍ، وقيل: هي تَجري على الأَلسنة مِن غير قَصْدٍ إلى ما وُضعتْ له، وقيل: تُدغِم العرَب بها الكلامَ، كقَولهم: لا أَبَ له، ولا أُمَّ له. وقال التَّيْمِي: الهَدْي إنْ كان تطوُّعًا فهو على مِلْكه وتصرُّفه، حتّى يَنحَر، أو نَذْرًا زال وصار للمَساكين، ولكنْ له أن يَركبه بالمعروف إذا احتاج له، ولعلَّه امتَنع من ركوبها شفَقًا من إثْمٍ أو غُرْمٍ، فقال: (اركَبْ)؛ ليُعلِمه أنه لا إثْمَ عليه ولا غُرْمَ. * * * 104 - بابُ مَنْ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ (باب مَنْ ساقَ البُدْنَ) 1691 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابن شِهَابٍ، عن سَالِمٍ بن عَبْدِ الله، أنَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ

الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فتمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُم أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِشَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ هَدْيّا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ"، فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرّكْنَ أَوَّلَ شَيْء، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعًا، فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْء حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ. 1692 - وَعَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا، أَخْبَرتَهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فتمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَني سَالِمٌ عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. (تمتع)، قال (ن): معناه: أنَّه أحرَم بالحجِّ مُفرِدًا، ثمّ بالعُمرة، فصار قارِنًا، فالقِرَان فيه تمتُّعٌ في المعنى، فسُمِّي به من حيث اللُّغة

والمعنى؛ لأنه تَرفَّهَ باتحاد المِيْقاتِ والإحرامِ والفِعْلِ جمعًا بين الأحاديث، فأمَّا لفظ (أهَلَّ بالعُمرة ثمّ أَهلَّ بالحجِّ)، فمَحمولٌ على التَّلْبية في أثناء الإحرام لا أنه أحْرَم بالعمرة ثمّ أَدخَلَ الحجَّ عليها؛ لأنه يؤدِّي لمخالفة الأحاديث الأُخرى. ويُؤيِّد هذا التأويل لفظ: (وتمتَّع النَّاسُ معَه)، فمن المعلوم أنَّ أكثَرهم أحرَموا بالحجِّ، وإنّما فسَخُوا إلى العُمرة آخِرًا، وصاروا متمتِّعين. (يقصر) بالرفع والجزم، وإنّما لم يَذكُر الحَلْق وإنْ كان أفضلَ؛ ليَبقَى له شعْرٌ يحلِقُه في الحجِّ؛ فإنَّ الحَلْق في تحلُّل الحجِّ أفضَلُ منه في تحلُّل العُمرة. (ليحْلِلْ)؛ أي: يصير حلالًا، فيفعَل ما حُظِرَ من طِيْبِ ونحوه. (لمن لم يجد)؛ أي: لم يجد الهَدْيَ؛ لعدَمه، أو لأنه يُباعُ بأكثَر من ثَمن المِثْل. (اسْتَلَم)؛ أي: مسَحَ. (خَبَّ)؛ أي: رَمَلَ. (وَقَضَى حَجَّهُ)؛ أي: وقَف بعرفة، ولذا عطَف عليه: (وأفَاضَ فطَافَ بالبَيتِ). (من أهدى) هو فاعلٌ وفعلٌ، وفي بعضها هنا: (باب: مَنْ أَهدَى)، فعليه يكون فاعلٌ وفعلٌ ضميرٌ يَعود على ابن عُمر، فلذلك قال (ش): إن هذا من تمام الحَديث الّذي قبلَه، وليس بترجمةٍ. * * *

105 - باب من اشتري الهدي من الطريق

105 - بابُ مَنِ اشْتَرَي الْهَدْيَ مِنَ الطَّرِيقِ (باب مَنْ اشتَرى الهَدْيَ من الطَّريق) أراد مَذْهب ابن عُمر أنَّ الهَدْي ما أُدخِل مِن الحِلِّ إلى الحرَم؛ لأنَّ قُدَيدًا من الحِلِّ. 1693 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بن عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهم - لأَبيهِ: أَقِمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنِ الْبَيْتِ، قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ قَالَ الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، فَأَنا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي الْعُمْرَةَ، فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءٍ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلا وَاحِدٌ، ثُمَّ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ، ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. (لا آمَنُها) الضَّمير للجماعة الصَّادِّين وكذا في: (أن تُصَدَّ)، قال (ك): وفي بعضها: (سَتُصَدُّ)، بالرفع كأنه يُريد بدون (أَنْ)، أي: فيكون مبنيًّا للمفعول، وفي بعضها: (اِيْمَنُها) بكسر أوَّل المضارع، فتَنقلب الألف ياءً. قال سِيْبَويهِ: يجوز كسر حرف المُضارَعة إذا كان الماضي على

106 - باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم

فَعِلَ ومُستقبَله على يَفْعَل؛ كـ: أنا أَعلَمُ، وأنت تَعلَم، ونحن نعلَمُ. (إذن أفعل) بالنَّصْب. (قُدَيْد) بضم القاف، وفتح المهملَة الأُولى، وسُكون الياء: مَوضعٌ، وسبَق الحديث في (باب: طَوَاف القَارِن). * * * 106 - بابُ مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثمَّ أَحْرَمَ وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا أَهْدَى مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، يَطْعُنَ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ، وَوَجْهُهَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ بَارِكَةً. (باب مَنْ أشْعَرَ وقَلَّدَ بذي الحُلَيفة) الإشعار: الإعلام بأنْ يَضرِب صفْحة سنَامِها اليُمنى بحديدةٍ حتّى تتلطَّخ بالدَّم، وهو سمه، وإنْ كان فيه إيلامُ الدَّابَّة؛ إذْ لا مانِعَ إلا ما منَعه الشَّرع، ومِن فوائده التَّمييز عند الاختِلاط، وأنْ تُعْرَف إذا ضلَّت، ويَتبعُها المساكين للمَنْحَر، حتّى يَنالُوا منها، وتَعظيم شِعار الشَّرع، وحَثُّ الغير عليه، والتَّقليد: أن يُعلِّق في عنُق المُهْدَى شيءٌ؛ ليُعلَم أنه هَدْيٌ. قال أبو حنيفة: الإشعار بِدْعةٌ؛ لأنه مُثْلَةٌ. قال (ن): وهو مخالِفٌ للأحاديث الصَّحيحة، وليس مُثْلةٌ، بل

هو كالخِتَان والفَصْدِ وغيرهما، وقال (خ): أشْعَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بُدنَه آخِرَ حياته، ونَهْيُه عن المُثْلَة كان أوَّلَ مَقدَمه المدينةَ مع أنه ليس من المُثْلة بل مِن بابٍ آخر. (يَطْعُنُ) بضمِّ العين: يَضرِب برُمحٍ ونحوه. (شِقِّ) بالكسر: النِّصْف، والنَّاحية. (بالشفرة) هي السِّكِّين العَظيمة، وقال (ش): العَريضة. * * * 1694 - و 1695 - حَدَّثَنا أحمدُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالَا: خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابهِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ. 1696 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْم، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: فتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ. الحديث الأوّل والثّاني: (من المدينة) في بعضها بدل هذا: (زمَنَ الحُدَيْبيَة). (بضع) بالكسر وبالفتح: ما بين الثَّلاث إلى التِّسْع. * * *

107 - باب فتل القلائد للبدن والبقر

107 - بابُ فَتلِ الْقَلَائِدِ لِلْبُدْنِ وَالْبَقَرِ (باب فَتْل القلائد للبُدْنِ والبقَر) 1697 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ - رضي الله عنهم - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ؟ قَالَ: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ". 1698 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُهْدِي مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ. الحديث الأوّل، والثّاني: (لَبَّدْتُ) هو أن يجعل صَمْغًا في شَعْره كاللِّبْد. ووجْه مُطابقة التَّرجمة: أن التَّقليد لا بُدَّ له من الفَتْل. * * * 108 - بابُ إِشْعَارِ الْبُدْنِ وَقَالَ عُروَةُ، عَنِ الْمِسْوَرِ - رضي الله عنه -: قَلَّدَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ

109 - باب من قلد القلائد بيده

وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ. 1699 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بن حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: فتلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا -أَوْ قَلَّدْتُهَا- ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ. (باب إشْعَارِ البُدْنِ) (وقال عروة) هو من حديثٍ طويلٍ، وصلَه البخاريّ في (الشُّروط). * * * 109 - بابُ مَنْ قَلَّدَ الْقَلَائِدَ بِيَدِهِ 1700 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الله بن أَبي بَكْرِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنَّهَا أَخْبَرَتَهُ أَنَّ زِيَادَ بن أَبي سُفْيَانَ كتَبَ إِلَى عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: إِنَّ عَبْدَ الله بن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ، قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابن عَبَّاسٍ، أَنا فتلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا معَ أَبي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ أَحَلَّهُ الله حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ.

110 - باب تقليد الغنم

(باب مَنْ فتَلَ القَلائدَ بيَده) (من أهدى)؛ أي: بعَث إلى مكّة هَدْيًا. (على الحاج) في بعضها: (مِنَ الحاجِّ). (حتّى نحر)؛ أي: أبو بكرٍ، وفي بعضها بالبناء للمَفعول، وهذه الغَاية وإنْ كان مُقتضاها أنَّ نفْي تحريم شيءٍ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا مستمرة بعدها مع أنَّ الحُكم استِمرارها لمَا بعد الغايَةِ: أنَّه في مَعْرِض رَدِّ قَول ابن عبَّاس: أن مَنْ أَهْدَى يَحرُم عليه محرَّماتُ الإحرام حتّى ينْحَرَ هَدْيَه، فهو غايةٌ لـ (نحر) لا لـ (يحرم)، ثمّ إن ابن عبَّاس قالَه قياسًا، فردَّتْه عائشة: بأنَّه لا اعتبارَ بالقِياس مع مُخالفة النَّصِّ. * * * 110 - بابُ تَقْلِيدِ الْغَنَمِ 1701 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: أَهْدَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّة غَنَمًا. 1702 - حَدَّثَنا أَبُو النُّعْمَان، حَدَّثَنا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنا إبراهيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالتْ: كُنْتُ أفتِلُ القَلَائِدَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ، ويُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا. 1703 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بن

111 - باب القلائد من العهن

الْمُعْتَمِرِ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ الْغَنَم لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَبْعَثُ بِهَا، ثُمَّ يَمْكُثُ حَلَالًا. 1704 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: فَتَلْتُ لِهَدْيِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -تَعْنِي الْقَلَائِدَ- قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ. (باب تَقْليد الغَنَمِ) أحاديثه الأربعة متقاربةُ المعنى، وفيها دليلٌ للجُمهور على جَواز تَقْليد الغَنَم خلافًا لمالك. قال (ع): لعلَّه لم يَبْلُغْه الحديث، والاتفاق أن الغَنَم لا تُشْعَر لضَعْفها عن الجَرْح، ولأنه يستَتِر بالصُّوف. * * * 111 - بابُ الْقَلَائِدِ مِنَ الْعِهْنِ (باب القَلائِد مِنَ العِهْن)؛ أي: الصُّوف المَصبوغ أَلْوانًا في الغالِب، وهذا ليكون أبلَغَ في العَلامة. * * *

112 - باب تقليد النعل

112 - بابُ تَقْلِيدِ النَّعْلِ (باب تَقْليد النَّعْل) 1706 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بن عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بن أَبي كثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ نبَيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، قَالَ: "ارْكَبْهَا"، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةً، قَالَ: "ارْكَبْهَا"، قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا. 1706 / -م - تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بن الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (محمّد) قال الغَسَّاني: قال ابن السَّكَن: أي: ابن سَلام، ولعلَّه ابن المُثَنَّى، فسيأْتي في (باب: الذَّبْح بعد الحَلْق): (حدَّثنا محمَّد بن المُثنَّى، ثنا عبد الأَعْلى). (راكبها) حالٌ؛ لأن إضافته لفظيةٌ، فهو نكرةٌ، أو بدلٌ من الضَّمير في: (رأَيتُه). قال التَّيْمِي: تُقلَّد الغَنَم؛ لأنَّ النِّعال تَثقُل عليها.

113 - باب الجلال للبدن

(تابعه محمّد بن بشار) أخرج الإِسْماعِيْلِي الحديثَ من هذه الطَّريق. * * * 113 - بابُ الجِلَال لِلْبُدْنِ (باب الجِلَال للبُدْنِ) الجِلَال: أَكيسَةٌ تُجْعل على ظُهورها، واحدُه: جُلٌّ. وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - لَا يَشُقُّ مِنَ الْجلَالِ إلا مَوْضعَ السَّنَامِ، وإذَا نَحَرَهَا نزَعَ جِلَالَهَا، مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا. 1707 - حَدَّثَنَا قَبيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أتصَدَّقَ بِجلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نَحَرْتُ وَبجُلُودِهَا. (لا يشق) فائدةُ شَقِّ مَوضع السَّنام إظهارُ الإشْعار. (أن أتَصَدَّقَ) فيه منع بيع الجِلَال والجُلود للهَدْي والأُضحية؛ لأن الأَمْر حقيقةٌ في الوجوب. قلتُ: وفيه نظَرٌ، فذاك صيغة افْعَلْ لا لفْظ أَمَرَ. * * *

114 - باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها

114 - بابُ مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ وقَلَّدَها (باب من اشْتَرَى هَدْيَهُ من الطَّريق وقَلَّدَها) أَنَّث ضمير الهَدْي باعتبار إرادة الجنْس، أو أنَّ ممّا يصدُق عليه الهَدْيُ البَدَنة، ولهذا في بعضها بدل (هَدْيَهُ): (بُدْنَةُ) بباءٍ، والهَدْي: بسكون الدَّال وبكسرها مع تشديد الياء. 1708 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَرَادَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - الْحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِّيةِ فِي عَهْدِ ابن الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما -، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ، أُشْهِدُكُمْ أنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، حَتَّى كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ حَتَّى قَدِمَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا، وَلَمْ يرِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ صَنَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (الحَرُورِّية)؛ أي: الخَوارج، نسبةً إلى حَرُورَاء مِن قُرى الكُوفة، كما سبق بيانه في (باب: لا تقضي الحائِضُ الصلاةَ).

115 - باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن

(البَيْدَاء): الشَّرَفُ قُدَّام ذي الحُلَيفة إلى جِهَة مكَّة، وسبق شرح الحديث في (باب: طواف القَارِن). (طواف الحجِّ) في بعضها: (طوافه الحجَّ) بنصْب (الحج) على نَزْع الخافِض، أي: للحجِّ، كما صُرِّح به في بعض النُّسخ. (بطواف الأوّل) ليس المراد: أنَّه قبل الوُقوف، بل المُراد: بعدَه، وأنه اكتفَى به في القِرَان، فأراد بالأوَّل الواحِد. قلتُ: لأنَّ (أوَّل) لا يحتاج أن يكون بعدَه شيءٌ، فلو قال: أوَّل عبْدٍ يدخُل فهو حُرٌّ، فلم يدخُل إلا واحدٌ = عَتَقَ، وقد سبق الخِلاف في الاكتفاء بطوافٍ واحدٍ. * * * 115 - بابُ ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ (باب ذَبْح الرَّجل البقَر عن نِسائه) 1709 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، لَا نُرَى إلا الْحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمٍ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: نَحَرَ

116 - باب النحر في منحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسم، فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. (ولا نُرى) بضمِّ أوله، أي: لا نَظُنُّ، وذلك كان ظَنَّ بعضهم لا كلهم. (أن يَحِل) بكسر الحاء، أي: يصير حَلالًا بأنْ يتمتَّع. (أَتَتْك)؛ أي: عَمْرةُ. (على وجهه)؛ أي: على ما هو من غير نقصٍ ولا زيادةٍ. قال (ن): هذا محمولٌ على أنَّه استأذنهنَّ؛ لأن التَّضحية عن الغَير لا تجوز إِلَّا بإذنه. قلتُ: وكأنَّ البخاريّ عَمِلَ بأَنَّ الأصْل عدَم الاستئذان. * * * 116 - بابُ النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى (باب النَّحْرِ في مَنْحَرِ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -) 1710 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ، سَمعَ خَالِدَ بن الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ الله - رضي الله عنه - كَانَ يَنْحَرُ فِي الْمَنْحَرِ، قَالَ عُبَيْدُ الله: مَنْحَرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

117 - باب من نحر بيده

1711 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بن عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمُ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ. الحديث الأول، والثّاني: (جَمْع)؛ أي: مُزْدَلِفَة. * * * 117 - باب مَنْ نَحَر بيَدِه (باب من نحر بيده) 1712 - حَدَّثَنا سَهْلُ بنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ عن أيُّوبَ عن أَبي قِلابَةَ عن أنسٍ، وَذَكَرَ الحديثَ، قال: ونَحَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيده سَبْعَ بُدْنٍ قِيامًا وضَحَّى بالمدينة كَبْشَيْنِ أَمْلَحَينِ أَقْرَنَينِ. مُخْتَصَرًا (¬1). (الحديث)، اللام للعَهْد، وهو ما يأْتي بعدُ في (باب: نَحْر البُدْن قائمةً). (سبعة أبْدُن) أنَّث العدَد على إرادة أبْعِرَةٍ، قالَه التَّيْمِي، وفي بعضها: (سبع). (قيامًا) حالٌ. (أملحين)؛ أي: أبيضَين يُخالطُهما سَوادٌ. (أقْرَنين) هو كبير القَرْن. ¬

_ (¬1) هذا الحديث على هامش اليونينية.

118 - باب نحر الإبل مقيدة

118 - بابُ نَحْرِ الإِبلِ مُقَيَّدَةً (باب نَحْر الإبل المُقيَّدة) 1713 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ زِيَادِ بن جُبَيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَتَى عَلَى رَجُلٍ، قَدْ أَنَاخَ بَدَنتَهُ يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ شُعْبةُ، عَنْ يُونس: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ. (قيامًا)؛ بمعنى: قائمةً، وهو حالٌ مقدَّرةٌ، أو أنَّ (ابعثْها) بمعنى: أَقِمْها، أو عاملُه محذوفٌ، أي: انْحَرْها. (مُقيدة) مصدرٌ، أي: مَعْقُولَة. (سُنَّة) مفعولٌ لمحذوفٍ، أي: اتْبَعْ سُنَّةَ. وفيه أنَّ هذا السُّنَّة، ويُستحبُّ أن تكون مَعْقُولةَ اليُسرى، وسَوَّى أبو حنيفة بين كونها قائمةً وباركةً، وقال عَطاء: البارِكة أفْضل، أنها البقَر والغَنَم فيُستحبُّ أن تكون مُضطجعةً على جانبها الأَيْسَر، وتُترك رجلُها اليُمنى، وتُشَدُّ قوائمها الثلاث. (وقال شعبة) وصلَه إسحاق بن راهَوَيْهِ في "مسنده"، أي: فإنَّ الطَّريق الأوَّل كان مُعَنْعنًا. * * *

119 - باب نحر البدن قائمة

119 - بابُ نَحْرِ الْبُدْنِ قَائِمَةً وَقَالَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {صَوَافَّ} قِيَامًا. (باب نَحْر الإبل قائِمةً) (صَواف)؛ أي: صَفَفْنَ أيديهن وأرجلَهن. * * * 1714 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بن بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلَابَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكعَتَيْنِ، فَبَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ ركبَ رَاحِلَتَهُ، فَجَعَلَ يُهَلِّلُ وَيُسَبحُ، فَلَمَّا عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا، وَنَحَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ سَبع بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنينِ. الحديث الأوّل: (لبى بهما)، فيه أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان قَارِنًا. (وأمرهم)؛ أي: مَنْ لم يكُن معه هَدْيٌ. * * * 1715 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي

120 - باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئا

قِلَابَةَ، عَنْ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكعَتَيْنِ. وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ. الثّاني: (عن رجل) احتُملتْ جَهالتُه؛ لأنه متابعةٌ، وقيل: المراد به أبو قِلابَة. * * * 120 - بابٌ لَا يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنَ الْهَدْيِ شَيْئًا (باب: لا يُعطي الجَزَّارَ شيئًا) بكسر الطاء وفتحها، ونصب الجَزَّار ورفعه مرتَّبٌ عليهما، وهو بجيمٍ ثمّ زاي، أي: القَصَّاب الّذي يَنحَر. 1716 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن أَبي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُمْتُ عَلَى الْبُدْنِ، فَأَمَرَني فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلَالَهَا وَجُلُودَهَا.

121 - باب يتصدق بجلود الهدي

1716 / -م - قَالَ سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيم، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَمَرَنِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أقُومَ عَلَى الْبُدْنِ، وَلَا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا. (في جُزَارتِها) هي بضمِّ الجيم: أُجرة الجَزَّار، وبكسرها: عمل الجَزَّار، وقيل: ما سقَط من الجَزُور، فإن صحَّت الرِّواية بالضمِّ فالمعنى: لا يُعطي مِن بعض الجَزُور أُجرةً له، كما لا (¬1) يجوز بَيعْ جُزءٍ من الهَدْي، نقَل ذلك (ك) عن التَّيْمي بعد أن قال: إنَّ الجُزَارة أَطْراف البعير: اليَدانِ، والرِّجْلان، والرُّؤوس، سُمِّيتْ بذلك لأنَّ الجزَّار يأْخذُها، فهي جُزارته كما يُقال: أخَذَ العامِل عَمالتَهُ. وقال (خ): الجُزارة: اسمٌ لما يسقُط؛ كنِشَارةٍ: اسمٌ لمَا يسقُط من الخشَب ونحوه حين يُنشَر. * * * 121 - بابٌ يُتَصَدَّقُ بِجُلُودِ الْهَدْيِ (بابُ يُتَصَدَّقُ بجُلُودِ البُدْنِ) 1717 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: ¬

_ (¬1) "لا" ليست في الأصل.

122 - باب يتصدق بجلال البدن

أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بن مُسْلِمٍ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ: أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُمَا: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنه كُلَّهَا؛ لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا. * * * 122 - بابٌ يُتَصَدَّقُ بِجِلَالِ الْبُدْنِ (بابُ يُتَصَدَّقُ بجلَالِ البُدْنِ) 1718 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بن أَبي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابن أَبي لَيْلَى: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: أَهْدَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجلَالِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا. عُلِمَ شرح حديثهما ممّا سبق. * * * 123 - بابٌ {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ

124 - باب ما يأكل من البدن وما يتصدق

رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}. * * * 124 - بابُ مَا يَأْكُلُ مِنَ الْبُدْنِ وَمَا يُتَصَدَّقُ وَقَالَ عُبَيْدُ الله: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ، ويُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَأَكُلُ وَيُطْعِمُ مِنَ الْمُتْعَةِ. (بابُ {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ} [الحج: 26]) (لا يؤكل)؛ أي: لا يُأْكُل المالكُ من الّذي جعلَه جَزاءً للصيد، ولا من النُّذور، بل يجب عليه التصدُّق بالكُلِّ. (من المتعة)؛ أي: دم التمتُّع. * * * 1719 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، سَمعَ جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - يَقُولُ: كُنَّا لَا نَأكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا

فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لنا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "كُلُوا، وَتَزَوَّدُوا"، فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ: حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: لَا. الحديث الأوّل: (ثلاث منى)؛ أي: الأيَّام الثَّلاثة الّتي يُقام بها بمِنَى. * * * 1720 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثتنِي عَمْرَةُ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَا نَرَى إلا الْحَجَّ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيتِ ثُمَّ يَحِلُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَزْواجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ، فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. الثّاني: (إذا) جوابها محذوفٌ، أي: يتمُّ للعُمرة أو نحو ذلك، أو هي ليخصَّ الظَّرفية لقَوله: (لمن لم يكُنْ معَهُ هَدْيٌ)، أما جَواب (مَنْ) في: (مَنْ لم يكُن)، فمحذوفٌ، أو جوابها: (يُحِلَّ) بتقدير زيادة: ثمّ، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] على ما قال الأَخْفَش:

125 - باب الذبح قبل الحلق

أنَّ (تابَ) جوابُ (إذا ضاقتْ)، و (ثمّ) زائدةٌ، وفي بعضها: (إذا) ساقطةٌ، وهو ظاهرٌ. * * * 125 - بابُ الذَّبْحِ قَبْلَ الْحَلْقِ (بابُ الذَّبْح قَبْل الحَلْقِ) وجْه مُطابقتها لمَا أَورده من الحديث الأوّل ونحوه: (فمَن حَلَقَ قبْل الذَّبْح لا حرَجَ): أنَّ نفْيَه الحرج يقتضي أن الأصل سبقُ الذَّبح على الحَلْق. 1721 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله بن حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَنَحْوِهِ، فَقَالَ: "لَا حَرَجَ، لَا حَرَجَ". 1722 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونس، أَخْبَرَنَا أبُو بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابن رُفَيعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: "لَا حَرَجَ"، قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: (لَا حَرَجَ)، قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: "لَا حَرَجَ". وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الرَّازِيُّ، عَنِ ابن خُثَيْمٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

وَقَالَ الْقَاسِمُ بن يَحْيَى: حَدَّثَنِي ابن خُثَيْمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَفَّانُ: أُرَاهُ عَنْ وُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابن خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ حَمَّادٍ: عَنْ قَيْسِ بن سَعْدٍ، وَعَبَّادِ بن مَنْصُورٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول، والثّاني: (زرت)؛ أي: طُفْتُ طَواف الزِّيارة. قال (ش) تبَعًا لقَول (خ): وهذا كان ناسيًا، فلذلك لم يُوجِب عليه الفِدْية، كان ابن عبَّاس يُوجبها على مَنْ قَدَّم أو أخَّر. قلت: المتعمِّد والنَّاسي في ذلك عند الجمهور سواءٌ. (وقال عبد الرحيم) وصلَه الإِسْمَاعِيْلي، والطَّبَراني في "الأوسط". (وقال عَفَّان) أخرجه أحمد. (وقال حَمَّاد) أخرجه النَّسائي، والطَّحَاوي، وابن حِبَّان. * * * 1723 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: "لَا حَرَجَ"، قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ،

قَالَ: "لَا حَرَجَ". الحديث الثّالث: (فقال)؛ أي: السَّائل الّذي حذَفه، وأقامَ المفعولَ مُقامه. * * * 1724 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بن مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بن شِهَابٍ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإهْلَالٍ كَإهْلَالِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَحْسَنْتَ، انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ"، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءَ بني قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلَافَةِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، فَذَكَرْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: إِنْ نَأخُذْ بِكِتَابِ الله؛ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ نَأخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. الرابع: (ففلت) بوَزْن: رُمْتُ، أي: استَخرجتُ ما في رأْسي من القَمْل، ومُراده الّتي تحلَّلت من العُمرة، ثمّ أَحرمَتْ بالحج، فصِرْتُ متمتِّعًا؛ لأني لم يكُن معي هَدْيٌ. (به)؛ أي: بالتمتُّع المفهوم من السِّياق.

127 - باب الحلق والتقصير عند الإحلال

(بكتاب الله)؛ أي: قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية [البقرة: 196]، وسبَق بيانه في (باب: مَنْ أهَلَّ في زَمان النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -). ووجْه دلالة هذا على التَّرجمة: أن بلُوغ الهَدْي مَحِلَّه عبارةٌ عن الذَّبْح، لمحلو تقدَّم الحَلْق عليه صار يتحلَّل قبْل الذَّبح، وتقديم الذَّبْح هو الأصل، وإنّما تأخيره رُخْصةٌ. قال (ن): أعمال يوم النَّحر أربعةٌ: رمْي جَمْرَة العقَبة، ثمّ الذَّبْح، ثمّ الحَلْق، ثمّ الطَّواف، وتَرتيبُها هكذا سنَّةٌ، فلو قدَّمَ مُؤخَّرًا جازَ ولا فِدْيةَ؛ لأنَّ: (لا حرَجَ) معناه: لا شَيءَ عليك، خلافًا لبعض النَّاس في إيجابه الدَّمَ، وحمَلَ: (لا حرَج) على: (لا إِثْمَ). * * * 127 - بابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلَالِ (باب الحَلْق والتَّقْصير) 1726 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بن أَبي حَمْزَةَ، قَالَ نَافِعٌ: كانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: حَلَقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّتِهِ. الحديث الأول: (في حجته)؛ أي: حَجَّة الوداع. * * *

1727 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللهمَّ ارْحَم الْمُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "اللهمَّ ارْحَم الْمُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "وَالْمُقَصِّرِينَ". وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: "رَحِمَ الله الْمُحَلِّقِينَ"؛ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ الله: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، وَقَالَ فِي الرَّابعَةِ: "وَالْمُقَصِّرِينَ". الثّاني: (والمُقصرين) تقديره: قيل: وارْحَم المُقَصِّرين؛ لأن الشَّرط أن يكون المَعطوفُ والمَعطُوف عليه من كلامِ واحدٍ، ويُسمَّى مثْلُه العَطْف التَّلْفيقي، كما في: {قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124]. وفيه تَفْضيل الحَلْق؛ لأنه أبلَغُ في العبادة، وأدلُّ على صِدْقه النِّيِّة؛ فإنَّ المقَصِّر يبقى عليه شَعْرٌ، وهو زينةٌ، والحاجُّ إنّما هو أشْعَثُ أغْبَر، ففي التَّقصير تقصيرٌ. ثمّ المذهب: أنَّ الحَلْق أو التقصير نُسُكٌ وركنٌ في الحجِّ والعُمرة، لا يحصُل كلٌّ منهما إلا به خلافًا للحنفية، وأقلُّ ما يُجزئ عندنا: ثلاث شَعراتٍ، وعند أبي حنيفة: ربُع الرَّأْس، وعند أبي يوسف: النِّصف، وأحمد: أكثَرها، وفي روايةٍ لمالك: الكل، والمُلبد يلزمه الحَلْق عند الجمهور، والصّحيح عندنا: يُستحبُّ. قال (خ): كانت عادتهم اتخاذ الشَّعر على الرؤُوس وتوفيرَه

وتربيتَه، ويرَون الحَلْقَ نَوع شُهرةٍ، فمالوا إلى التَّقصير، فمنهم مَنْ حلَقَ، ومنهم من قَصَّرَ، فدَعَا لهم - صلى الله عليه وسلم - بالرَّحمة للمُحلِّقين دون المقصِّرين، حتَّى استُعطِفَ عليهم فعمَّهم بعد ذلك بالدُّعاء. (وقال اللَّيث) وصلَه مسلم وغيره. * * * 1728 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بن الْوَليدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بن الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: "اللهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ؛ قَالَهَا ثَلَاثًا. قَالَ: "وَللْمُقَصِّرِينَ". 1729 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدِ بن أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ بن أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ الله قَالَ: حَلَقَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. 1730 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ بن مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنهم -، قَالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمِشْقَصٍ. الثالث، والرابع، والخامس: (بِمِشْقَص) بكسر الميم: سَهْمٌ فيه نَصْلٌ عَرِيْضٌ، وقال (ش):

128 - باب تقصير المتمتع بعد العمرة

نصْل السَّهم إذا كان طَويلًا، فإنْ عُرِّض سُمِّي مِعْبَلةً، أي: بكسر الميم، وسكون المهملة، وفتح الموحَّدة، ومراده: قصَّرتُ عنه في بعض عُمره. * * * 128 - باب تَقْصِيرِ الْمُتَمَتِّع بَعْدَ الْعُمْرَةِ (باب تَقْصِير المُتمتَّع بعد العُمرة) 1731 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَبي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بن سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقْبَةَ، أَخْبَرَني كُرَيْبٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا، وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا. (يحلقوا أو يقصروا) ليس المراد أنهما سواءٌ في الفضل، بل سواءٌ في سُقوط الوجوب. * * * 129 - بابُ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَخَّرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الزِّيارَةَ إِلَى اللَّيْلِ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي حَسَّانَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ

النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى. (باب الزِّيارة يومَ النَّحر)؛ أي: في زيارة البَيت والطَّواف به. (وقال ابن الزُّبَير) وصلَه أبو داود، والترمذي. (ويُذكر عن أبي حَسَّان) وصلَه الطَّبَراني في "الكبير"، والبيهقي. (يَزُور)؛ أي: يطُوف بالبَيت في أيام التَّشريق. * * * 1732 - وَقَالَ لنا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ يَقِيلُ، ثُمَّ يَأْتِي مِنًى؛ يَعْنِي: يَوْمَ النَّحْرِ. وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله. 1733 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بن رَبيعَةَ، عَنِ الأَعْرَج، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّهَا حَائِضٌ، قَالَ: "حَابسَتُنَا هِيَ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ: "اخْرُجُوا". وَيُذْكَرُ عَنِ الْقَاسِم، وَعُرْوَةَ، وَالأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَفَاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ.

130 - باب إذا رمى بعد ما أمسى، أو حلق قبل أن يذبح؛ ناسيا أو جاهلا

(ورفعه)؛ أي: إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فأفضنا)؛ أي: طُفْنا. (حابستنا هي) خبرٌ مقدَّمٌ، ومبتدأٌ مؤخَّرٌ، ويجوز أن تكون: حابسة مبتدأً، وهي فاعلٌ سدَّ مسَدَّ الخبَر؛ لأن همزة الاستفهام فيه مقدَّرةٌ. قلتُ: يجوز أن يكون ضَميرًا متصلًا نحو: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ} [مريم: 46]. قال التَّيْمي: ظَنَّ - صلى الله عليه وسلم - أنها لم تَطُف طَوافَ الزِّيارة، فتحبسُهم إلى أن تطهُر، فلمَّا قالوا له: إنها طافَتْ يوم النَّحْر؛ قال: (اخرُجُوا)، ورخَّص لها في تَرْك طَواف الوداع؛ لأنه ليس بواجبٍ عند الأكثَر. قلت: أو بعُذْر الحَيْض، ولو كان واجِبًا. * * * 130 - بابٌ إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى، أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ؛ نَاسيًا أَوْ جَاهِلًا (باب: إذا رَمَى بعدَ ما أَمْسَى) 1734 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا ابن طَاوسٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قيل له فِي الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ: "لَا حَرَجَ".

131 - باب الفتيا على الدابة عند الجمرة

الحديث الأوّل: (والتقديم والتأخير) أي: في بعضها على بعضٍ. * * * 1735 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُريعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، فَيَقُولُ: "لَا حَرَجَ"، فَسَألهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: "اذْبَحْ، وَلَا حَرَجَ"، وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: "لَا حَرَجَ". الثّاني: (يسأل)؛ أي: عن التَّقديم والتَّأْخير في أفعال يَوم العِيْد، نعَمْ، ليس في الحديث ما في التَّرجمة من كونه ناسيًا أو جاهلًا؛ لأنه مختصرٌ من الحديث الآتي في الباب بعدَه وهو: * * * 131 - بابُ الْفُتيَا عَلَى الدَّابَةِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ (باب الفُتْيا على الدَّابة عند الجَمْرة) 1736 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ،

عَنْ عِيسَى بن طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بن عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُل: لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: "اذْبَحْ، وَلَا حَرَجَ"، فَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: "ارْمِ، وَلَا حَرَجَ"، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: "افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ". الحديث الأوّل: (عن شيء)؛ أي: من هذه الأمور المذكورة. * * * 1737 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن يَحْيَى بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عِيسَى بن طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بن عَمْرِو بن الْعَاصِ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ: أَنَّهُ شَهِدَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: كنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: كنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ"، لَهُنَّ كلِّهِنَّ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إلا قَالَ: "افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ". 1738 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عِيسَى بن طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ الله: أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن عَمْرِو بن الْعَاصِ - رضي الله عنه - قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَاقَتِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

132 - باب الخطبة أيام منى

تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. الثّاني: (لَهُنَّ) إمّا متعلِّقٌ بـ: قال، أي: قال لأجْلِهنَّ كلِّهنَّ: افعَلْ ولا حرَجَ، أو بمحذوفٍ، أي: يوم النَّحْر لَهُنَّ، أو يتعلَّق بـ: لا حرَجَ، أي: لا حرج لأجْلِهنَّ عليكم، أما كونه كان عند الجمْرة في الحديث المطوَّل الّذي اختُصر هذا منه، سبق في (كتاب العِلْم): (رأيتُه - صلى الله عليه وسلم - عند الجَمْرة)، وأمّا كونه على الدابَّة فمِن حديث: (على ناقته)، فالأحاديث المُطلَقة تُحمَل على المقيَّدة. * * * 132 - بابُ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى (باب الخُطْبة أَيَّامَ مِنَى) 1739 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنِي يَحْيَى بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بن غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءِكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ

هَذَا"، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: فَوَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ: "فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كفَّارًا؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". الحديث الأوّل: (بلد الحرام)؛ أي: يَحرُم القِتَال فيه لذلك اليَوم وذلك الشَّهر. (بعدي)؛ أي: بعد فِرَاقِي من هذا الموقف، أو بعد حياتي. (كُفارًا)؛ أي: كالكُفَّار، أو لا يُكفِّرْ بعضُكم بعضًا، فتَستحلُّوا القتالَ. (يضرب) بالرفع، ويُروى بالجزم، وسبقَ في (الإيمان). * * * 1740 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بن عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ جَابرَ بن زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. تَابَعَهُ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو. الحديث الثّاني: (تابعه ابن عُيَيْنة) وصلَه أحمد، ومسلم. * * *

1741 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سيرِينَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ، وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَبنا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَننَا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَننا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: "أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَننَا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبكُّمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، قَالُوا: نعمْ، قَالَ: "اللهمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". الثّالث: (ورجل) بالرفع عطفًا على عبد الرَّحمن. (حُميد) بدَلٌ مِن (رَجُل)، أو عطفُ بيانٍ. (يوم النَّحر) بالنَّصْب خبر (ليس)، أي: أَلَيسَ اليوم يوم النَّحر، ويجوز الرَّفْع على أنه اسمُها، أي: ألَيْس يوم النَّحر هذا اليوم؟

قال (ش): وعلى هذا قال: (ذو الحجة)؛ أي: ألَيسَ ذو الحِجَّة هذا الشَّهر؟. (بالبلدة الحرام)؛ أي: مكّة، وُصفت بالحَرام، وهو للمُذكَّر؛ لأنه اضمَحلَّ فيه معنى الوصفية وصار اسمًا، وفي بعضها سُقوط الحَرام، قيل: لأنَّها اسمٌ خاصٌّ بها، قال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل: 91]، أو اللام منها للعَهْد عن هذه الآية، وقال الطِّيْبي: المُطلَق محمولٌ على الكامل، أي: الجامِعة للخير المُستحِقَّة للكمال كما أن الكعْبة تُسمَّى بالبيت المُطلَق. (يوم تلقون) بفتح (يومٍ) وكسره مع التَّنوين وعدَمه، واعلَم أن هذا الحديث لم يُجيبوا فيه كما أجابوا في الحديث السابق بأَنَّه يومٌ حرامٌ ونحوه؛ لأن [في] هذا فخامةً ليست في ذاك بسبب زيادة لفْظ: (أَتدرُون)، ولذلك سكَتوا، أو أنَّ السُّكوت كان أوَّلًا، والجَواب بالتَّعيين كان آخِرًا، وإنما نسبه بهذه الأشياء؛ لأنهم كانوا لا يَرَون كُنْهها. (اللهُمَّ اشهد) لمَّا أوجَب الله عليه التَّبليغ وبلَّغَ؛ أشهَد الله على أدائه الواجب. (مُبلِّغ) بفتح اللام، أي: رُبَّ شخصٍ بلَغ إليه كلامي وهو أحفَظ له من السامع مني، وسبَق الحديث في (كتاب العلم) في (باب: قَول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: رُبَّ مُبلَّغٍ). * * *

1742 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثنا يَزِيدُ بن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بن مُحَمَّدِ بن زَيْدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: "فَإنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "بَلَادٌ حَرَامٌ"، أَفَتَدْرُونَ أيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قَالُوا: الله ورَسُولُهُ أعلمُ، قال: "شَهْرٌ حَرَامٌ" قال: "فإنَّ الله حَرَّمَ عليكُمْ دِمَاءِكُمْ وأمْوَالَكُمْ وأعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا". وَقَالَ هِشَامُ بن الْغَازِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: وَقَفَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، بِهَذَا، وَقَالَ: "هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ"، فَطَفِقَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهمَّ اشْهَدْ"، وَوَدَّعَ النَّاسَ، فَقَالُوا: هَذ حَجَّةُ الْوَدَاعِ. الحديث الرابع: هو بمعنى الّذي قبله. (وقال هشام بن الغَازِ) بالمعجمة، والزاي: اسم فاعِل من الغَزْو، وقد وصلَ ذلك أبو داود، وابن ماجه. (بهذا)؛ أي: مُلْتبسًا بهذا الكلام المذكور. (الحجِّ الأكبر) سُمي بذلك قيل: لمُقابلة العُمْرَة الّتي هي الحجُّ الأصغر، وقيل: لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان واقِفًا فيه، وقيل: لاجتِماع المسلمين والمشركين فيه، وموافقتِه لأعياد أهل الكتاب.

133 - باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟

(حجة) بفتح الحاء على المعروف في الرِّواية، وهو القِياس؛ لأنه للمرَّةِ لا للهَيْئة. (الوداع) بفتح الواو، وجاء كسرها، سُميت بذلك لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَدَّع النَّاس فيها، ولم يتفِق له وقْفةٌ أُخرى، ولا اجتماعٌ مثل ذلك. * * * 133 - باب هَلْ يَبيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى؟ 1743 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُبَيْدِ بن مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بن يُونس، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: رَخَّصَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. 1744 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ. 1745 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن عبدِ الله بن نُمَيْرٍ، حَدَّثنا أَبي، حَدَّثنا عُبَيْدُ الله، قالَ: حَدَّثني نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّ الْعَبَّاسَ - رضي الله عنه - اسْتَأْذَنَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِيَبيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَعُقْبَةُ بن خَالِدٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ.

134 - باب رمي الجمار

(باب: هل يَبيت أَصحابُ السِّقَاية أو غيرُهم؟) الحديث فيه سبَق في (باب: سِقاية الحاجِّ). (تابعه أبو أُسامة) وصلَه مسلم. (وأبو ضَمْرَة)؛ أي: أنَس بن عِيَاض، وصلَه البُخاري في (باب: ما جاءَ في سِقاية الحاجِّ). * * * 134 - بابُ رَمْيِ الْجِمَارِ وَقَالَ جَابرٌ: رَمَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ. (باب رَمْي الجمَار) سبع حصَياتٍ. الجِمار: جمع جَمْرة، والمراد: الثلاث الجمَرات، وأصْل الجمرة الحصَاة. (وقال جابر) رواه مسلم، وابن خُزَيمة، وابن حِبان. * * * 1746 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ وَبَرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: مَتَى أَرْمِي الْجمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ

135 - باب رمي الجمار من بطن الوادي

فَارْمِهْ، فَأعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْألَةَ، قَالَ: كُنَّا نتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا. (يتحين): يتفعَّل من الحين، أي: يُراقب الوقْتَ. (فإذا زالت)؛ أي: في غير يوم النَّحْر. * * * 135 - بابُ رَمْيِ الْجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي (باب رَمْي الجمَار مِن بطْن الوادي) 1747 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كثِيرٍ، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ قَالَ: رَمَى عَبْدُ الله مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ ناَسًا يَرْمُونها مِنْ فَوْقهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غيْرُهُ، هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورة الْبقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَبْدُ الله بن الْوَليدِ: حَدثنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا. (يا أبا عبد الرحمن) هي كُنية ابن مَسعود. (سورة البقرة) خُصَّت بالذِّكْر؛ لأن مُعظَم المَناسِك فيها خُصوصًا وقْت الرَّمي؛ فإنه في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، ففيه جَواز أنْ يُقال: سُورة البقَرة.

136 - باب رمي الجمار بسبع حصيات

قال (ن): نَدْبُ كون الرَّمي مِن بطْن الوادي، وأنْ تكون مكَّة عن يَساره إنما هو في رمي يوم النَّحر، ورمي التَّشريق يُستحبُّ من فَوقها. * * * 136 - بابُ رَمْيِ الْجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَات ذكَرَهُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 1748 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بن عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -: أَنَّهُ انتهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِه، وَمِنًى عَنْ يَمِينهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -. (باب رمي الجمَار بسَبْعِ حصَيَاتٍ، ذكَره ابن عُمر) وكذا قال في (باب: يُكبر مع كلِّ حصَاةٍ)، وفي (باب: مَن رمَى الجِمَار)، ولم يقِفْ، وقد وصلَه البخاري في (باب: إذا رمَى الجمرتين يقوم). (الجمرة الكبرى)؛ أي: جمْرة العقَبة، وهي آخِر الجمَرات بالنِّسبة للمُتوجِّه من مِنَى إلى مكَّة. * * *

137 - باب من رمى جمره العقبة، فجعل البيت عن يساره

137 - بابُ مَنْ رَمى جَمْرَهَ الْعَقَبَةِ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ 1749 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ: أنَّهُ حَجَّ مَعَ ابن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، فَرَآهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِه، وَمِنًى عَنْ يَمِينهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبقَرَةِ. (باب رمي جَمْرة العقَبة) سبق شرح الحديث فيه. * * * 138 - بابٌ يُكبرُ مَعَ كلِّ حَصَاةٍ قَالَهُ ابن عُمَر - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب يُكبر معَ كلّ حَصاةٍ) 1750 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: السُّورَةُ الَّتي يُذْكَرُ فِيهَا الْبقَرَةُ، وَالسُّورَةُ الَّتي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، وَالسُّورَةُ الَّتي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ:

140 - باب إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة

أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبةِ، فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا، فَرَمَى بِسَبعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَاهُنَا وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم - (اسْتَبْطَن)؛ أي: دخَل في بطْن الوادي. (يُحاذي بالشجرة)؛ أي: قابلَها، فالياء زائدةٌ. (قام)؛ أي: للرَّمي. * * * 140 - بابُ إِذَا رمَى الْجَمْرَتَيْنِ يَقومُ ويسْهِلُ مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ (باب: إذا رمَى الجَمْرتين)، (ويُسْهِلُ) بضمِّ أوله، وإسكان ثانيه، أي: يَنزِل إلى السَّهْل من بطن الوادي، يُقال: أَسهَلوا: نزَلُوا من الجبَل إلى السَّهْل. 1751 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن أَبي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بن يَحْيَى، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَات، يُكَبرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يتقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ، فَيقُومَ مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَة، فَتقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو

141 - باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى

وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَيَسْتَهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ، فَيقُومُ طَوِيلًا، وَيَدْعُو، وَيرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقومُ طَوِيلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. (الجمرة الدنيا)؛ أي: التي تَلي مَسجِد الخَيْف، وهي أقرب الجمَرات إلى مِنَى، وأبعدُها من مكَّة. (ذات الشمال) بكسر الشِّين، أي: جانِب الشِّمال. (جمرة ذات العقبة)؛ أي: جمرة العقَبة. * * * 141 - بابُ رَفْعِ الْيَدَيْن عِندَ جَمرة الدنيَا وَالْوُسطَى (باب رَفْع اليدَين) 1752 - حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يُونس بن يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بن عَبْدِ الله: أَنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يُكَبرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاة، ثُمَّ يتقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ

142 - باب الدعاء عند الجمرتين

مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. (أثَر) بفتحتين، وبكسرٍ، ثم سُكونٍ. * * * 142 - بابُ الدعَاء عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ (باب الدُّعاء عند الجَمْرتَين)؛ أي: الدُّنيا والوُسطى، فاللام للعَهْد. 1753 - وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن عُمَرَ، أَخْبَرَناَ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا، فَوَقَفَ مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ، ثُمَّ يَأتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَتقِفُ مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأتِي الْجَمْرَةَ الَّتي عِنْدَ الْعَقَبةِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا.

143 - باب الطيب بعد رمي الجمار، والحلق قبل الإفاضة

قَالَ الزُّهْرِيُّ: سَمِعْتُ سَالِمَ بن عَبْدِ الله يُحَدِّثُ مِثْلَ هَذَا، عَنْ أَبيهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ ابن عُمَرَ يَفْعَلُهُ. (وقال محمد) قال ابن السَّكَن: هو ابن بَشَّار، وقال الكَلابَاذِي: إما هو، وإما ابن المُثنى، وقال غيرهما: وصلَه الإِسْماعِيْلِي مِن حديث ابن المُثنَّى. (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هو مِن مَراسِيْل الزُّهْري. قال (ك): ولا يَصير مُسنَدًا بما ذكَره آخرًا؛ لأنه قال: يُحدِّث بمثله، أي: لا به نفْسِه. قلتُ: فيه نظَرٌ، فإنَّهم إنما يُطلِقون المثل غالبًا على الشَّيء نفسه. * * * 143 - بابُ الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَالْحَلْقِ قَبْلَ الإِفَاضَةِ (باب الطيْب عند رمي الجمَار، والحَلْق قبْل الإفاضة)؛ أي: طَواف الرّكن، فالمُحرِم يتحلَّل باثنين من الثَّلاث، وهو أَول تحلُّلَي الحجِّ. 1754 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الْقَاسِم: أنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ -وكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ- يَقُولُ:

144 - باب طواف الوداع

سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا تَقُولُ: طَيَّبْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ. وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا. (عبد الرحمن بن القاسم) بن محمَّد بن أبي بكْرٍ الصِّدّيق. (حين أحْرَم)؛ أي: حين أراد الإحْرَامَ. (حين أحل)؛ أي: حقيقة الحِلِّ؛ لأنَّ التَّطيُّب إنما هو خبر كان، أي: طَواف الوداع واجب إلا على الحائِض. * * * 144 - بابُ طَواف الودَاعِ 1755 - حَدَّثنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثنا سُفيانُ، عَنْ ابن طَاوسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قال: أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ. 1756 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بن الْفَرَج، أَخْبَرَناَ ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بن الْحَارِثِ، عَنْ قتَادَةَ: أَنَّ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ ركبَ إِلَى الْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ. تَابَعَهُ اللَّيْثُ. حَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتَادَةَ: أَنَّ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

145 - باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت

الثاني: (المُحَصَّب) بفتح المشدَّدة: مكانٌ متسِعٌ ما بين مِنَى ومكَّة بين الجبَلين إلى المقابر؛ لاجتِماع الحصَا فيه بحمْل السَّيل. (تابعه الليث) وصلَه الطَّبَراني في "الأوسط"، وسمويه في "فوائده"، والفَرق بين هذا والطريق السابقة: أنَّ في تلك قال: (حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وفي الثاني: (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). * * * 145 - بابٌ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَمَا أَفَاضتْ (باب: إذا حاضَت المرأَة بعدَما أفاضَت) 1757 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْقَاسم، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَاضَتْ، فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَحَابسَتُنَا هِيَ؟ " قَالُوا: إنَّهَا قَدْ أفاضَتْ. قَالَ: "فَلاَ إِذًا". الحديث الأول: (فلا إذن)؛ أي: فلا تَحبسنا، فننتظِرَها حتى تطُوف؛ فإنها قد طافت طواف الركن. * * *

1758 - و 1759 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيَّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَألوا ابن عَبَّاس - رضي الله عنهما - عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ، ثُمَّ حَاضَتْ، قَالَ لَهُمْ: تنفِرُ، قَالُوا: لاَ نأخُذُ بِقَوْلكَ وَندَعَ قَوْلَ زيدٍ، قَالَ: إِذَا قَدِمْتُمُ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا، فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَألوا، فَكَانَ فِيمَنْ سَألوا أُمُّ سُلَيْم، فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيةَ. رَوَاهُ خَالِدٌ، وَقتادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ. الثاني: (فتدع) بالنَّصب جواب النَّفي، وكذا على روايةِ: (وندَع) بالواو. (زيد)؛ أي: ابن ثابت، فإنَّه أفتى بوجوب طَواف الوداع على الحائض. (أم سُليم)؛ أي: أم أنَس، وكانت من فاضلات الصَّحابيات، وفي بعضها: (أُم سلَمة)، أي: أُم المؤمنين. (خالد)؛ أي: الحَذَّاء، وصلَه البَيْهقي. (وقتادة) وصلَه الإسماعيلي، وسبق شرح الحديث في (باب: المرأة تحيض). * * * 1760 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيب، حَدَّثَنَا ابن طَاوُس، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تنفِرَ إِذَا أفاضَتْ.

1761 - قَالَ: وَسَمِعْتُ ابن عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تنفِرُ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لَهُنَّ. الحديث الثالث: (قال)؛ أي: ابن عبَّاس. * * * 1762 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ نُرَى إِلَّا الْحَجَّ، فَقَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ، وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابهِ، وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَحَاضَتْ هِيَ، فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! كُلُّ أَصْحَابكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غيْرِي؟ قالَ: "مَا كنْتِ تَطُوفي بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا؟ "، قُلْتُ: لاَ، قَالَ: "فَاخْرُجِي مِعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيم، فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا"، فخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيم، فَأهْلَلْتُ بِعُمْرَة، وَحَاضَتْ صَفِية بنتُ حيي، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْرَى حَلْقَى! إِنَّكِ لَحَابسَتُنَا، أَمَا كنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: "فَلاَ بَأسَ، انْفِرِي"، فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَناَ مُنْهَبطَة، أَوْ أَناَ مُصْعِدَةٌ، وَهُوَ مُنْهَبطٌ، وَقَالَ مُسَدَّدٌ: قُلْتُ: لاَ.

تَابَعَهُ جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلهِ: لاَ. الرابع: (ليلة الحَصَبة) بفتح المهملَة، وفتح الصَّاد أيضًا، وكسرها وسكونها. (النَّفَر) بفتح الفاء، وسكونها، أي: يوم يَنفِر الناس من مِنَى، وهو بعد يوم القَرِّ. (تطوفين) في بعضها: (تَطُوفي) بحذف النُّون تخفيفًا، وقيل: حَذْفُها بلا ناصب وجازمٍ لغةٌ فصيحةٌ. (قلت: لا)؛ أي: لمَّا سأَلها أكانتْ متمتِّعةٌ؟؛ قالتْ: لا، ونفْي التمتُّع وإنْ كان لا يلزم منه الحاجة للعُمرة لجَواز القِرَان، وهي قد كانتْ قارنةً عند الأكثَر كما هو صريحٌ في رواية مسلم، لكنْ أمرَها - صلى الله عليه وسلم - بالعُمرة تَطييبًا لقَلْبها حيث أرادت عُمْرَةً منفردةً، أما إن كانت مُفْرِدَةً فأمرها بالعُمْرَة على سبيل الإيجاب، نعم في بعضها: (قلت: بلَى)، وتوجيهه: أنها قد تُستعمل كـ (نعَمْ) عُرْفًا، فيكون تقريرًا للنَّفي السابق، فيكون حينئذٍ بمعنى (لا). (عَقْرَى حَلْقَى) سبق إيضاحه في (باب: التمتُّع). (مصعدًا)؛ أي: صاعِدًا، فـ (أصعَد) لغةٌ في (صَعِدَ). * * *

146 - باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح

146 - بابُ منْ صلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالأَبْطَح (باب مَنْ صلَّى العصْر يوم النَّفْر بالأَبْطَح) 1763 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثنى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن رُفَيع، قَالَ: سَألْتُ أَنس بن مَالِكٍ: أَخْبرْني بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الترْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى، قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَح، افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. الحديث الأول: سبق في (باب: أين يُصلِّي الظُّهر يوم التَّرْوية؟). * * * 1764 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُتَعَالِ بن طَالِبٍ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بن الْحَارِثِ: أنَّ قتادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ. الثاني: (المُحَصَّب) سبق تفسيره مرَّات. * * *

147 - باب المحصب

147 - بابُ الْمحصَّبِ (باب المُحَصَّب)؛ أي: الأَبْطَح. 1765 - حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْزِل يَنْزِلُهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ. يَعْنِي: بِالأَبْطَح. 1766 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قالَ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نزَلَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. (منزلًا) في بعضها: (منْزِل). قال ابن مالك: وفي فيه ثلاثة أوجهٍ: أحدها: أن (ما) بمعنى: الذي، واسم كان ضميرٌ يعود على المُحَصَّب، والخبر محذوفٌ، أي: إيَّاه، كما سبق في: "ألَيس ذُو الحِجَّة؟ ". الثاني: أن (ما) كافةٌ، و (منْزِل) اسم كان، وخبره ضميرٌ يعود على المُحَصَّب، فحذف الضمير، وكون الاسم يصير نكرةً جائزٌ، كقوله: كأَنْ سَبَئيَّةٌ مِن بيتِ رأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَها عَسلٌ وماءُ

148 - باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة إذا رجع من مكة

الثالث: أنه منصوبٌ، لكنْ كُتب بلا ألفٍ على لغة ربيعة. (بالأبْطَح) متعلِّق بـ (نزَل)، وفي بعضها: (الأبْطَح). (أسْمَح)؛ أي: أسْهَل؛ لخُروجه راجعًا إلى المدينة. (التحصيب): قال (ح): أن يَهجَع ساعةً بالمُحصَّب إذا نفَر من مِنَى إلى مكَّة للتَّوديع، ثم يدخل مكَّة. (وليس بشيء)؛ أي: ليس بشيءٍ من مَناسِك الحجِّ، إنما نزلَه النبي - صلى الله عليه وسلم - للاستراحة. * * * 148 - باب النُّزُولِ بذِي طُوى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكةَ وَالنُّزُوَلِ بالْبَطْحاء التِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ (باب النُّزول بذِي طَوى) بفتح الطاء على الأفصح، وبكسرها وضمِّها، يُصرف ولا يُصرف. (البَطْحَاء) بالمَدِّ: التُّراب الذي في مَسِيْل الماء، أو هو مَجرى السَّيْل إذا جَفَّ واستحْجَر. 1767 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقْبةَ، عَنْ ناَفِعٍ: أَنَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَبيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ

الثَّنِيَّتَيْنِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأعْلَى مَكَّةَ. 1767 / -م - وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقتهُ إِلَّا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجدِ، ثُمَّ يَدْخُلُ، فَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، فَيبْدَأُ بِهِ، ثمَّ يَطُوفُ سَبْعًا؛ ثَلاَثًا سَعْيًا، وَأَرْبَعًا مَشْيًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ ينطَلِقُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. 1767 / -م - وَكَانَ إِذَا صدَرَ عَنِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، أَناَخَ بِالْبَطْحَاءَ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ، الَّتِي كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ينيخُ بِهَا. الحديث الأول: (الثنيتين)، الثَّنيَّة: طريقُ العقَبة. (سجدتين)؛ أي: ركعتَي الطَّواف. * * * 1768 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن الْحَارِثِ، قَالَ: سُئِلَ عُبَيْدُ الله عَنِ الْمُحَصَّبِ، فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله، عَنْ ناَفِعٍ، قَالَ: نزلَ بِهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَعُمَرُ وَابن عُمَرَ. وَعَنْ ناَفِعٍ: أَنَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - كانَ يُصَلِّي بِهَا -يَعْنِي: الْمُحَصَّبَ- الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، أَحْسِبُهُ قَالَ: وَالْمَغْرِبَ، قَالَ خَالِدٌ: لاَ أَشُكُّ فِي الْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

149 - باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة

الثاني: (نزل بها) هو مُرسَل تابعيٍّ. (وأحسبه)؛ أي: أظنُّه، والشكُّ إنما هو في المغرب لا العِشاء. (يَهْجَع)؛ أي: يَنام. * * * 149 - باب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوى إِذا رَجَعَ مِنْ مَكة 1769 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بن عِيسَى: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيوبَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوًى، حَتَّى إِذَا أَصبَحَ دَخَلَ، وإذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى، وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبحَ، وَكَانَ يَذْكُرُ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. (باب مَن نزَلَ بذي طَوى) حديثه في معنى حديث الذي قبله. * * * 150 - بابُ التِّجَارة أيامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيع فِي أسوَاق الْجَاهِلِيَّةِ (باب التِّجارة أيامَ المَوسِم)، سُمي مَوْسِمًا؛ لأنه مُعَلَّم من السِّمة،

151 - باب الإدلاج من المحصب

أي: العَلامة يجتمع إليه النَّاس. * * * 1770 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن الْهَيْثَم، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ عَمْرُو ابن دِينَارٍ: قَالَ ابن عَبَّاس - رضي الله عنهما -: كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلاَمُ كَأنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِم الْحَجِّ. (ذو المَجَاز) كلفْظ ضدِّ الحَقيْقة: مَوضعٌ بمِنَى كان له سُوقٌ في الجاهليَّة. (عُكَاظ) بضمِّ المهملَة، وخِفَّة الكاف، وبالمعجمة، غير منصرف: سُوقٌ للعرَب بناحية مكَّة في كل سنة يُقيمون به شَهْرًا يتبايَعون، ويتناشَدون الشعر، ويتفاخَرون، فهَدَم الإسلام ذلك. (في مواسم الحج) ذكَره الرَّاوي تفسيرًا للآية. * * * 151 - بابُ الإدِّلاجِ مِنَ الْمُحَصَّبِ (باب الإدْلاج مِن المُحَصَّب) (الإِدْلاج) بسكون الدَّال: سَيْر أوَّل اللَّيل، وبكسرها مشدَّدةً: آخِر اللَّيل.

1771 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بن حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: حَاضَتْ صفِيةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ، فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلَّا حَابسَتكُمْ. قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْرَى حَلْقَى! أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْر؟ " قِيلَ: نعمْ، قَالَ: "فَانْفِرِي". 1772 - قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَزَادني مُحَمَّد: حَدَّثَنَا مُحَاضرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَناَ أَنْ نَحِلَّ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صفِيةُ بنتُ حُيَيٍّ، فَقَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "حَلْقَى عَقْرَى! مَا أُرَاهَا إِلَّا حَابسَتكُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "كنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قَالَتْ: نعمْ، قَالَ: "فَانْفِرِي"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي لَمْ أكَنْ حَلَلْتُ، قَالَ: "فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيم"، فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا، فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا، فَقَالَ: "مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". (عَقْرَى) سبق شرحه في (باب التمتُّع). وفيه أن للرجل تَوبيخ أَهْله على ما يدخُل بسببها على النَّاس، كما وبَّخَ أبو بكرٍ عائشةَ في قصَّة العِقْد. (وزادني محمد) قال الغَسَّاني: أي: ابن يَحىَ الذُّهْلِي، وقال ابن السَّكَن: هو ابن سلام. (لم أكُنْ حَلَلْتُ)؛ أي: لم أتمتَّع، بل كنْت قَارِنة، والمراد: أنه طيَّب قلْبَها بعُمرةٍ منفردةٍ كسائر أُمَّهاتِ المؤمنين، وأما كَونه من التَّنعيم -

وإنْ كان أَطْراف الحِلِّ كلُّها سواءً- فإما لأنَّه كان أسْهَل، وإما لغرَضٍ آخر. وقال (ع): يجب الإحرام منه، وجعَله مِيْقات المعتمِر من مكَّة. (مُدْلِجًا) بسكون الدال. (مكان) بالرفع خبرٌ عن مَوعِدك، وهو مصدرٌ بمعنى المَوعود، والمكان مقدَّرٌ، أو -الوَعْد الذي في ضمْن اسم المَكان- بمعنى المَوعود.

26 - أبواب العمرة

26 - أبواب العمرة

1 - باب العمرة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 26 - أبواب العمرة 1 - بابُ العُمْرَةِ وُجُوبُ الْعُمْرَةِ وَفَضْلُهَا. وَقَالَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إِنَّهَا لَقَرِينتهَا فِي كتَابِ الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}. (أبواب العُمْرةِ) (باب وُجوب العُمْرَة وفضْلها) (لقرينتها)؛ أي: في إيجاب إتمامها، وذلك يقتضي وجُوب الشُّروع؛ لأنَّ ما لا يتِمُّ الواجِب إلا به واجبٌ. * * * 1773 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبي بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي صَالح السَّمَّانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا

2 - باب من اعتمر قبل الحج

بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ". (المبرور)؛ مِنْ بَرَّهُ: أحسَن إليه، وبَرَّ الله عمَلَه، أي: قَبلَه، كأنه أحسَن إلى عمَله إذْ قَبلَه ولم يَرُدَّه، وسبق ذلك مرَّاتٍ. (إلا الجَنَّة)؛ أي: لا يقتصر لصاحبه من الجَزاء على تكفير ذُنوبه، بل لا بُدَّ أن يدخل الجنَّة. * * * 2 - بابُ مَنِ اعْتَمَرَ قبْلَ الْحج (باب مَن اعتَمَر قبْل الحجِّ) 1774 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ: أَنَّ عِكْرِمَةَ بن خَالِدٍ سَألَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ: لاَ بَأسَ. قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ ابن عُمَرَ: اعْتَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنِ ابن إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بن خَالِدٍ، سألتُ ابن عُمَرَ، مِثْلَهُ. 1774 / -م - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ بن خَالِدٍ: سَألْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، مِثْلَهُ.

3 - باب كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

(لا بأس)؛ أي: جائزةٌ. (وقال إبراهيم) وصلَه أحمد. * * * 3 - بابٌ كَمِ اعْتَمَرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -؟ (باب: كم اعتَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟) 1775 - حَدَّثَنَا قتيْبة، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَناَ وَعُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ الْمَسْجدَ، فَإِذَا عَبْدُ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وإذَا ناَسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجدِ صَلاَةَ الضُّحَى، قَالَ: فَسَألنَاهُ عَنْ صَلاَتهِمْ؟ فَقَالَ: بِدْعَةٌ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَم اعْتَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَرْبَعٌ، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَكَرِهْنَا أَنْ نرُدَّ عَلَيْهِ. 1776 - قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ! يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَات، إِحْداهُنَّ فِي رَجَبٍ. قَالَتْ: يَرْحَمُ الله أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَب قَطُّ. 1777 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْج، قَالَ: أَخْبَرَني

عَطَاءٌ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، قَالَ: سألتُ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي رَجَبٍ. الحديث الأول: (أُناس) في بعضها: (نَاسٌ)، وهما بمعنى. (بِدْعَة) إنما قال ذلك مع أن البدْعَة ما لم يكُن في عهده - صلى الله عليه وسلم -، وقد صلَّاها في بيت أم هَانِئ، إما لأنَّ ذلك لم يثبُت عند عمر، أو أنَّها من البدع المُستحسَنة كما قال في صلاة التَّراويح: نِعْمَت البدْعة هذه، والبدْعَة تكون واجبةً، ومندوبةً، ومباحةً، ومكروهة، وحرامًا كما سبق بيانها، أو أن مُراده -وهو الظَّاهِر- أن إظهارها والاجتِماع لها في المسجِد هو البدْعَة لا أنَّ نفْس الصلاة بِدْعَةٌ. (أربع) خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: عُمَرُهُ أربعٌ، وفي بعضها: (أربعًا). قال ابن مالك: الأكثر في جَواب الاستفهام بأسمائه مُطابَقَةُ اللَّفظ والمعنى، وقد يُكتفَى بالمعنى في الفَصيح، فمِن الأوَّل: {هِيَ عَصَايَ} [طه: 18]، جوابًا لقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} [طه: 17]، ومن الثَّاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أربعَين يومًا) جَوابًا لقَول السَّائل ما لبثَه في الأرض، فأضمر: (يلبث)، ونصب به (أربعين)، ولو قصد تكميل المطابقة لقِيْل: أربعون؛ لأنَّ اسم المُستفهم به في مَوضع رفْعٍ، فالوجهان جائزان إلا أنَّ النَّصب أقيَس وأكثَر نظائِر.

قال: ويجوز أنْ يكون: أربع كُتبت بالألف على لغة ربيعة في الوقْف بالسُّكون على المنصوب المنوَّن إنْ قُدِّرت على نية الإضافة، أي: أربع عُمَرٍ، فحذف المضاف إليه وترك المضاف على ما كان عليه من حذف التنوين ليُستدلَّ به على الإضافة (¬1). ثم قيل: قَول البَراء: (أنَّه - صلى الله عليه وسلم - اعتَمر عُمْرَتين) أشبَه مِن قول أنَس: (أربع)، على أنَّه كان قَارِنًا، وفيه خلافٌ طويلٌ. (اسْتِنَان)؛ أي: استياكها مأخوذ من السن. (يا أُماه) في بعضها: (يا أُمَّهْ)، بسكون الهاء فيهما. (أبو عبد الرحمن) هو كُنية ابن عُمر. (في رجب)، قال (ن): سُكوته عن هذا لمَّا ردَّت عليه عائشة دليلٌ على أنه اشتبَهَ عليه، أو نسِيَ، أو شَكَّ. قال: وفي الحديث دليلٌ أنه كان قِرَانًا، هذا الصّواب، وإنما اعتمَر في ذي القَعْدة؛ لفَضيلة هذا الشَّهر، ولمخالفة ما كان الجاهلية يَرَونه أنه مِن أفْجَر الفُجور. * * * 1778 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بن حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادة، سَألْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه -: كَم اعْتَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَرْبَعٌ؛ عُمْرَةُ الْحُدَيْبيَةِ ¬

_ (¬1) "الإضافة" ليس في الأصل.

فِي ذِي الْقَعْدَةِ، حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامٍ الْمُقْبلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، حَيْثُ صالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الْجعْرَانَةِ إِذْ قَسَمَ غنِيمَةَ -أُرَاهُ- حُنَيْنٍ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: وَاحِدَةً. 1779 - حدثنا أبو الوَليدِ هِشَامُ بن عَبْدِ الْمَلِكِ، حدَّثنا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، قالَ: سَألْتُ أنَسًا - رضي الله عنه -، فَقالَ: اعْتَمَرَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ رَدُّوهُ، وَمِنَ الْقَابلِ عُمْرَةَ الْحُدَيبية، وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. 1780 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، وَقَالَ: اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرتهُ مِنَ الْحُدَيْبيَةِ، وَمِنَ الْعَامِ الْمُقْبلِ، وَمِنَ الْجعْرَانَةِ، حَيْث قَسَمَ غنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. 1781 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن يُوسُفَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: سألتُ مَسْرُوقًا، وَعَطَاءً، وَمُجَاهِدًا، فَقَالُوا: اعْتَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. وَقَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بن عَازِبٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ. الحديث الثاني: في معنى الذي قبله. * * *

الثالث: (الحُديبية) بتخفيف الياء على الفَصيح. (القَعْدَة) بسكون العَين. (من العام المقبل) هي عُمْرَة القَضاء. (الجعْرَانَة) بسُكون العين على الأصحِّ. (حُنين) منصرِفٌ. (أراه) اعتراضٌ بين المُضاف والمُضاف إليه، والعُمْرَة الرَّابعة إنْ كان قَارِنًا؛ فهي مع حَجَّته كما هو قَول الأكثر، أو مُفْرِدًا؛ فالأفضل أن يعتمِر من عامهِ، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يترُك الأفضل. (ردوه)؛ أي: ردَّه المشركون عامَ الحُدَيْبيَة. قال (ن): الأولى: في ذي القَعْدة سنة ستٍّ، تحلَّلوا وحُسبت لهم عُمْرَة. والثانية: في ذي القَعْدة سنة سبعٍ، وهي عُمْرَة القَضاء. والثالثة: في ذي القَعْدَة سنة ثمانٍ، وهو عام الفتح. والرابعة: مع حَجَّته إحرامها في ذي القَعْدة، وأعمالها في ذي الحِجة. (مرتين) لا يدلُّ على نفي غيره؛ لأن مَفهوم العدَد لا اعتِبارَ له. * * *

4 - باب عمرة في رمضان

4 - بابُ عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ (باب عُمْرَةِ رمَضان) 1782 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابن جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - يُخْبرُناَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ سَمَّاهَا ابن عَبَّاسٍ، فَنَسِيتُ اسْمَهَا: "مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا؟ " قَالَتْ: كَانَ لَنَا ناَضحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلاَنٍ وَابنهُ -لِزَوْجِهَا وَابنهَا- وَتَرَكَ ناَضحًا ننضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: "فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ؛ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّة"، أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ. (لامرأة من الأنصار) هي أُمُّ سِنَان كما عند البخاري، ومسلم، والزَّوْج أبو سِنَان، والابن سِنَان، وفي "النَّسائي"، و"الطَّبَراني": في قصَّة نسبة هذه اسمها أم مَعْقِل زينب، واسم أبي سنان مَعْقِل: الهيثم، ووقع مثله لابن أبي شيبة، وابن السَّكَن: أنها أم طَليق، وأبي طَليق، وفي "ابن حِبان": (قالت أم سُلَيم: حجَّ أبو طَلْحة وابنه وتركاني)، ونحوه في "ابن أبي شَيبة"، وحينئذٍ فالظاهر أن المرادَ بالابن أنَسٌ مجازًا؛ لأنَّ أبا طَلْحة لم يكُن له ابن كبيرٌ يحجُّ، ويُؤيِّده ما في حديث البخاري أنها من الأنصار، ولم تكُن أم مَعْقِل أنصاريَّةً، بل وفي أبي داود: أنَّ أبا مَعْقِل لم يحجَّ معهم، بل تأخر في مرَضه فمات، وأما أُم سِنَان فأنصاريةٌ، وبالجُملة فيحتمل أنها وقائع متعدِّدةٌ، وقال (ش): أُم سِنَان هي أم مَعْقِل، لها كُنيتان.

5 - باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها

(أن تحجي) في بعضها: (أَنْ تحجِّين) بدون النَّصب على إهمالِ (أنَّ)، قراءة: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] بالرفْع، ونحوه: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] على قراءة تَسكين الواو. (ناضح)؛ أي: بعيرٌ نسَتَقي عليه، ويَسقي الأرض. (كان رمضان) برفعه على أنَّ (كان) تامةٌ. (عُمْرَة في رمَضان حجة)؛ أي: كحَجَّةٍ في الفَضْل، أي: عند كون ذلك تطوُّعًا، وإلا فالنَّفْل دون ثواب الفَرْض قطعًا، فالظاهر أنَّ الذي ندبَها إليه كان تطوُّعًا؛ لأن العُمْرَة لا تجزئ عن حَجَّة الفَريضة. * * * 5 - بابُ الْعُمْرَةِ لَيلَةَ الْحصْبَة وَغَيرِهَا (باب العُمْرَة ليلةَ الحَصْبة) هي ليلة النَّفْر الأخير؛ لأنها آخِر أيام الرَّمي، وقد سبق بيان ذلك. 1783 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَلاَمٍ، أَخْبَرَناَ أبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ لنا: "مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَة، فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ". قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَج، وَكنْتُ مِمَّنْ

6 - باب عمرة التنعيم

أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَناَ حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ارْفُضي عُمْرتكِ، وَانْقُضي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ". فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيم، فَأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرتي. (موافين)؛ أي: مُكمِلين ذا القعدة مُستقبلين ذا الحِجَّة. قال الجَوْهَرِي: وافَى فُلان إليَّ، ووَفَّى: تَمَّ. (وأهلي بالحج)؛ أي: مع عُمْرَتك، فتكونين قَارِنةً. (مكان عمرتي)؛ أي: التي أَحرمتُ بها من سَرِف، وسبق شرح الحديث مرَّاتٍ في (الحيْض)، في (باب: نقض المرأة شَعْرَها)، وغير ذلك. * * * 6 - بابُ عُمْرة التنْعِيمِ (باب عُمْرة التَّنْعيم) 1784 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عَمْرَو بن أَوْسٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْر - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يُردِفَ عَائِشَةَ، ويُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيم.

قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: سَمِعْتُ عَمْرًا، كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو. الحديث الأول: (عن عَمرو)؛ أي: ابن دِيْنار. (سمع عَمرًا)؛ أي: ابْنِ أَوْس، أي: تحمَّل بلفْظ السَّماع لا بالعَنْعنة، وإنْ كان العَنْعنات في البُخاري كلّها سماعٌ. * * * 1785 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثنى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بن عَبْدِ الْمَجيدِ، عَنْ حَبيبٍ الْمُعَلِّم، عَنْ عَطَاءٍ، حَدَّثَنِي جَابرُ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُم هَدْيٌ، غَيْرَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَلْحَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ، وَمَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. وَإِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لأَصْحَابهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالُوا: ننطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِناَ يَقْطُرُ، فَبَلَغَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ". وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، قَالَ: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! أتنطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأنطَلِقُ بِالْحَجِّ؟! فَأمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيم، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحَجَّةِ،

7 - باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي

وَأَنَّ سُرَاقَةَ بن مَالِكِ بن جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالْعَقَبةِ، وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقَالَ: ألكُمْ هَذ خَاصَّةً يَا رَسُولَ الله؟! قَالَ: "لاَ، بَلْ لِلأبدِ". الثاني: (لأحللت) كذا للحَمُّوي، أي: لأَحْلَلتُ من حَجَّتي، وأهلَلْتُ بعُمْرَة، ولغيره: (لأهلَلْتُ) بالهاء، وهو بمعناه. قال (ك): (لو) الأُولى لتمنِّي ما فاتَ، و (لولا) الثَّانية لحُكْم الحال. (ألكم هذه)؛ أي: الفِعْلة، وهي القِرَان، أو العُمرة في أشهر الحجِّ، أو فَسْخ الحجِّ إلى العُمْرَة، ويُروى أنه - صلى الله عليه وسلم - شبك أصابعَه بعد سُؤاله، وقال: "دخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ للأبَدِ". وفي الحديث جَواز تعليق الإحرام بإحرام الغَير، والتمتُّع، ولو في التأسُّف على فَوات أمرٍ في الدِّين، وأما حديث: (لَو تَفْتَحُ عمَلَ الشَّيْطانِ)، فذاك في حُظوظ الدُّنيا. * * * 7 - بابُ الاِعْتِمَارِ بَعْدَ الْحجِّ بِغَيْرِ هَدْي (باب الاعتِمار بعدَ الحجِّ بغير هَدْي) 1786 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرني أَبي، قَالَ: أَخْبَرتْنِي عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ:

خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلاَ أنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ". فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَة، وَمِنْهُمْ مِنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأدْركنِي يَوْمُ عَرَفَةَ، وَأَناَ حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "دَعِي عُمْرتكِ، وَانْقُضي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجّ". فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيم، فَأرْدَفَهَا، فَأهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرتهَا، فَقَضَى الله حَجَّهَا وَعُمْرتهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلاَ صَدَقَةٌ، وَلاَ صَوْمٌ. (فأدركني) في بعضها: (فأَظَلَّني). قال (ش): أي: قُرب مِنَى، فقال: أظلَّني فُلانٌ، فكأنَّ ظِلَّه من قُربه وقَع عليه. (ولم يكن في شيء من ذلك هَدْي) يجب تأْويله لمَا في "مسلم" التَّصريح بأنها قارِنةٌ، بأن المنْفيَّ دمُ مَحظورات الإحرام ونحوه، وسبَق أن هذه العُمْرَة إنما كانت لموافقة سائر أُمَّهات المؤمنين في تحصيل عُمْرَةٍ مستقلةٍ لنفسها. قال (ش): أو يكون هذا إخبارٌ عن نفسها أنَّها أَحرمَت بالحجِّ، ثم فسَختْه إلى عُمْرَةٍ، فلمَّا حاضتْ رجَعتْ إلى حَجِّها، فلمَّا أكملَتْه اعتمَرت، ومَنْ قال: (إنَّها قارِنةٌ) حَمَلَ قَولها في صدْر الحديث:

8 - باب أجر العمرة على قدر النصب

(فكُنْتُ فيمَن أهَلَّ بعُمرةٍ) على أنها أشارتْ إلى الوقْت الذي نَوَتْ فيه الفسخ. * * * 8 - بابُ أَجْرِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ (باب أَجْر العُمْرَة على قَدْر النَّصَب)؛ أي: التَّعَب. 1787 - حَدَّثنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثنا يَزِيدُ بن زُريعٍ، حَدَّثَنَا ابن عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِم بن مُحَمَّدٍ، وَعَنِ ابن عَوْنٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالاَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: يَا رَسُولَ الله! يَصْدُرُ النَّاسُ بنسُكَيْنِ وَأَصدُرُ بنسُكٍ؟! فَقِيلَ لَهَا: "انتظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ، فَاخْرُجِي إِلَى التنْعِيم، فَأهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نفَقَتِكِ، أَوْ نَصَبكِ". (يَصْدُر) بضمِّ الدال: يَرجِع. (طَهَرت) بفتح الهاء وضمِّها. (أو نصبك) هذا إما تَنويعٌ من كلامه - صلى الله عليه وسلم -، أو شكٌّ من الرَّاوي، أي: الثَّواب في العِبادة يكثُر بكثْرة التَّعب أو النَّفَقة، فالمراد تعَبٌ أو نفَقةٌ لا يذُمُّها الشَّرْع. * * *

9 - باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج، هل يجزئه من طواف الوداع؟

9 - بابُ الْمُعْتَمِرِ إذَا طَاف طَواف الْعُمْرة ثُم خَرَجَ، هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَواف الْوَدَاعِ؟ (باب المُعْتَمِر إذا طاف طَواف العُمْرَة، ثم خرَجَ) 1788 - حَدَّثَنَا أبو نعيْمٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بن حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا سَرِفَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابهِ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي، فَأحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي فَلاَ". وَكَانَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابهِ ذَوِي قُوَّةٍ الْهَدْيُ، فَلَم تَكُنْ لَهُم عُمْرَةً، فَدَخَلَ عَلَيّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ أَبكِي، فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكِ؟ " قُلْتُ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ لأَصحَابكَ مَا قُلْتَ، فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. قَالَ: "وَمَا شَأنُكِ؟ " قُلْتُ: لاَ أُصلِّي. قَالَ: "فَلاَ يُضرَّكِ؛ أَنْتِ مِنْ بناتِ آدَمَ، كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُوني فِي حَجَّتِكِ عَسَى الله أَنْ يَرْزُقَكِهَا". قَالَتْ: فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْناَ مِنْ مِنًى، فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: "اخْرُجْ بِأخْتِكَ الْحَرَمَ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغا مِنْ طَوَافِكُمَا، أَنتظِرْكُمَا هَاهُنَا". فَأتيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ. فَقَالَ: "فَرَغْتُمَا؟ " قُلْتُ: نعَمْ. فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصحَابهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ، قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْح، ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ.

(وحُرُم الحج) بضمِّ الحاء والراء، أي: الحالات، والأماكن، والأوقات التي للحجِّ، ويُروى بفتح الراء جمع: حُرْمة، أي: مُحرَّمات الحجِّ. (سَرِف) بفتح المهملة، وكسر الراء: موضع بقُرْب مكَّة. (فلم يكن لهم عُمْرَة)؛ أي: مُستقِلَّة؛ لأنهم قَارِنون. (الحرم)؛ أي: مِن الحرَم، فنصَبه على نزع الخافض. (فأتينا) لا يُخالِف هذا رواية: "فلقِيتُه مُصعِدًا وأنا مُنْهبطةٌ"؛ لأنه كان خرَج بعد ذهابها ليَطُوف للوداع لقِيَها وهو صادرٌ بعد الطَّواف، وهي داخلةٌ لطواف عُمرتها، ثم لقِيْتُه بعد ذلك وهو في منْزِله بالمُحصَّب. (بالرحيل) في بعضها: (الرَّحِيْلَ) بالنَّصب على الإغراء. (ومن طاف) مِنْ عطْف الخاصِّ على العامِّ؛ لأن الناس أعمُّ من الذين لا طَوافَ وداعٍ عليهم كالحائض، أو هو صفةٌ للنَّاس، ويجوز توسُّط العاطِف بين الصِّفة والموصوف؛ لتأكيد لُصُوقها بالموصوف، نحو: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأنفال: 49]. قال سِيْبَوَيْهِ: هو مثْل: مرَرتُ بزيدٍ وصاحبك، إذا أردتَ بالصاحب زيدًا، وصرَّح في "الكشَّاف" بجوازه في مواضع، نحو: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4]. قلتُ: ولكنْ ضعَّفوا قولَه في ذلك. * * *

10 - باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج

10 - بابٌ يَفْعَل فِي الْعُمْرَةِ مَا يَفْعَل في الْحَجِّ (باب: يفْعَلُ بالعُمْرة ما يَفعلُ بالحجِّ) 1789 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ, قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بن يَعْلَى بن أُمَيَّةَ؛ يَعْنِي: عَنْ أَبيهِ: أَنَّ رَجُلًا أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالْجعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أثَرُ الْخَلُوقِ، أَوْ قَالَ: صُفْرَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ تأمُرني أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرتي؟ فَأنْزَلَ الله عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَوَدِدْتُ أني قَدْ رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَقَالَ عُمَرُ: تَعَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ تنظُرَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أَنْزَلَ الله الْوَحْيَ؟ قُلْتُ: نعَمْ. فَرَفَعَ طَرَف الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَغَطِيطِ الْبَكْرِ. فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرتكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكِ". الحديث الأول: (الخَلُوق) بفتح المعجَمة، وخِفَّة اللام المضمومة، وبالقاف: ضَرْبٌ من الطِّيْب. (صفرة) بالجرِّ، والرفع عطْفًا على المُضاف إليه، أو المضاف. (أيسُرك) بضمِّ السِّين.

(غطيط)؛ أي: نَخِيْرٌ وصوتٌ فيه بُحُوحةٌ. (البَكر): الفتيُّ من الإبل، والأُنْثى بَكْرةٌ، والقَلُوص كالجارِية، والبَعير كالإنسان، والجمَل كالرَّجل، والنَّاقة كالمرأة. (سُرِّيَ) بضمِّ السين، وكسر الراء مشدَّدةً ومخففةً، أي: كُشِفَ. (وأنق) من الإنْقاء، أي: طَهِّرْ، وبالمثنَّاة المشدَّدة بعد همزةِ الوَصْل، أي: احْذَرْ، وسبق الحديث بشرحه في (باب: الخَلُوق) أوائل (كتاب الحجِّ)، وأنَّ الرَّجُل قيل: اسمه: عَطاء. * * * 1790 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ: أنهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا زَوْج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فَلاَ أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا، لَوْ كَانَتْ كمَا تَقُولُ كَانَتْ: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يتحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلاَمُ سَألوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَأنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].

11 - باب متى يحل المعتمر؟

زَادَ سُفْيَانُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ: مَا أتمَّ الله حَجَّ امْرِئٍ ولا عُمْرتهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. الحديث الثاني: (كما يقول)؛ أي: مِن عدم وُجوب السعي. (يتحرجون) وهو تجنُّب الحرَج، أي: الإثْم الذي في الطَّواف باعتِقادهم، أو يتحرَّزون عنه لأجْلِ الطَّواف، أو يتكلَّفون الحرَج في الطَّواف، وَيرَونه فيه. (زاد سفيان) قال (ك): هو ابن عُيَيْنة، وقال غيره: هو الثَّوري، قال: ورويناها في "جامعه". (وأبو مُعاوية) وصلَه مسلم. * * * 11 - بابٌ مَتَى يَحل الْمُعْتَمِرُ؟ وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -: أَمَرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا. (باب: متَى يَحِلُّ المُعتمِر؟)؛ أي: مِن إحرامه. (وقال عطاء) وصلَه البخاري في (باب: تَقضي الحائِضُ المَناسِكَ

كلها إلا الطَّواف). * * * 1791 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الله بن أَبي أَوْفَى، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَاعْتَمَرناَ مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَاف وَطُفْنَا مَعَهُ، وَأتى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأتيْنَاهَا مَعَهُ، وَكنَّا نستُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِي: كانَ دَخَلَ الْكَعْبةَ؟ قَالَ: لاَ. 1792 - قَالَ: فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ. قَالَ: "بَشِّرُوا خَدِيجَةَ ببَيْتٍ منَ الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ". الحديث الأول: (قال: لا)؛ أي: لم يَدخُل الكعبة في تلك العُمْرَة وإنْ كان قد دخَل في غيرها. ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ المعتمِر لا بُدَّ له من الطَّواف والسَّعي حتى يَحِلَّ. (قَصَب)؛ أي: قصْرٌ من دُرٍّ مُجَوَّفٍ. (لا صخَب)؛ أي: صِيَاحٍ؛ إذ ما مِن بيتٍ في الدُّنيا يجتمع فيه أهلُه إلا وفيه صخَبٌ وجَلَبَةٌ. (ولا نَصَب)؛ أي: كبُيوت الدُّنيا، فإنَّ في بنائها وإصْلاحها

التَّعَب، فقُصور الجنَّة ليس فيها شيءٌ من ذلك. * * * 1793 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بن دِينَارٍ، قَالَ: سَألنَا ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنْ رَجُلٍ طَاف بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَروَةِ، أيأْتِي امْرَأتهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَطَاف بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنةٌ. 1794 - قَالَ: وَسَأَلْنَا جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - فَقَالَ: لاَ يَقْرَبنهَا حَتَّى يَطُوف بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. الحديث الثاني: (لا يقربنها)؛ أي: لا يُباشِرها، وسبق الحديث في (أبواب الطَّواف). * * * 1795 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ قَيْسِ بن مُسْلِم، عَنْ طَارِقِ بن شهَابٍ، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَطْحَاءَ وَهُوَ مُنِيخٌ، فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ؟ " قُلْتُ: نعمْ. قَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ " قُلْتُ: لَبَّيكَ بإهلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: "أَحْسَنْتَ. طُفْ بِالْبيتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَحَلَّ".

فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ، وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أتيْتُ امْرَأةً مِنْ قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ. فَكُنْتُ أُفْتي بِهِ، حَتَّى كَانَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنْ أَخَذْناَ بِكِتَابِ الله، فَإِنه يَأمُرُناَ بِالتَّمَامِ، وَإِنْ أَخَذْناَ بِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإنه لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يبلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. الثالث: سبق أيضًا في (باب: الذَّبْح قبل الحَلْق)، وأنَّ (فَلَتْ) بوزْن رَمَتْ؛ بمعنى: فتَّشَتْ واستَخرجَت القَمْل. * * * 1796 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عِيسَى، حَدَّثَنَا ابن وَهْب، أَخْبَرَناَ عَمْرٌو، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ: أَنَّ عَبْدَ الله مَوْلَى أَسْمَاءَ بنتِ أَبي بَكْرٍ حَدَّثَهُ: أنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ، لَقَدْ نزَلْنَا مَعَهُ هَاهُنَا، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُناَ، قَلِيلَةٌ أَزْوَادنا، فَاعْتَمَرتُ أَناَ وَأُخْتي عَائِشَةُ وَالزُّبَير وَفلانٌ وَفلانٌ، فَلَمَّا مَسَحنَا الْبَيتَ أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِي بِالْحَجِّ. الرابع: (الحَجون) بفتْح الحاء، وخِفَّة الجيم، وبنون: جبَلٌ بمكَّة، وهو مقبرةٌ. (خفاف) جمع خَفيفٍ.

12 - باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو

(ظهرنا)؛ أي: مَراكبنا. (مسحنا البيت)؛ أي: طُفْنا؛ لأنَّ الطَّواف فيه مَسْحٌ، وسبق أنه حُذف من الحديث السَّعي والحَلْق؛ للعِلْم به، كما يُقال: لمَّا زَنَا رُجِم، أي: وأُحصِنَ رُجِم. * * * 12 - بابُ مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْحجِّ أَوِ الْعُمْرة أَوِ الْغَزوِ (باب ما يقُول إذا رجَعَ) 1797 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غزْوٍ أَوْ حَج أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاَثَ تَكْبيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبنا حَامِدُونَ، صَدَقَ الله وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَه". (قَفَلَ)؛ أي: رجَع، ومنه القافِلة. (الشَرَف): المكان العالي. (آيِبُون)؛ أي: نحن، فحذف المبتدأ، أي: راجعُون إلى الله،

13 - باب استقبال الحاج القادمين، والثلاثة على الدابة

وفيه إيهام الرُّجوع إلى الوطَن. (لربنا) إما متعلِّقٌ بـ (ساجِدون)، أو عامٌّ لسائر الصِّفات على سَبيل التَّنازُع. (الأحزاب)؛ أي: الطَّوائف المتفرقة الذين تجمَّعوا عليه - صلى الله عليه وسلم - على باب المدينة، فهزَمَهم الله بلا مُقاتَلةٍ. * * * 13 - بابُ اسْتِقْبَالِ الْحاجِّ الْقَادِمِينَ، وَالثَّلاَثةِ عَلَى الدَّابَّةِ 1798 - حدَّثنا مُعَلَّى بن أَسَدٍ، حدثنا يَزِيدُ بن زُريعٍ، حدَّثنا خَالدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قال: لَمَّا قَدِمَ النِّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، اسْتَقْبَلَتْهُ أُغيلْمَةُ بني عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَآخَرَ خَلْفَهُ. (باب استِقبال الحاجِّ القادِمين) صفةٌ للحاجِّ باعتبار الجِنْس، نحو: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]. (والثلاثة) عطفٌ على استقبالٍ، وفي بعضها: (الغلامين)، وتوجيهه مع إشكاله: أن يقرأ (الحاج) بالنَّصب، ويكون (استقبال) مضافًا للغلامين، نحو قراءة: {قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137]،

14 - باب القدوم بالغداة

بنصب أولادهم وجَرِّ الشُّركاء، ويكون الاستقبال مضافًا للحاجِّ، والغلامين مفعولٌ، وذلك لأنَّ الاستقبال يكون من الطَّرَفين، مَن استقبلَك فقد استَقبلتَه. (أُغيْلِمَة) قال الجَوْهَرِي: تَصغير غِلْمة على غير مكَبَّرِه، كأنهم صغَّروا أَغْلِمةً، وإنْ كانوا لم يقُولوه. وقال (خ): وكان قياسه: غُلَيْمة، لكنْ رَدُّوه إلى أَفْعِلة كما في أَصبيَة تصغير صِبْيَة. وفيه أنه لا حرَجَ في الحمْل على الدَّابة ما أَطاقَتْ. * * * 14 - بابُ الْقُدُومِ بِالْغَدَاةِ 1799 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الْحَجَّاج، حَدَّثَنَا أَنسُ بن عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجدِ الشَّجَرَةِ، وإذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ ببَطْنِ الْوَادِي، وَبَاتَ حَتَّى يُصْبحَ. (باب القُدوم بالغَداة) سبق شرح الحديث فيه. * * *

15 - باب الدخول بالعشي

15 - بابُ الدُّخُولِ بِالْعَشِيِّ (باب الدُّخُول بالعَشِيِّ) 1800 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّام، عَنْ إِسْحَاقَ ابن عَبْدِ الله بن أَبي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لاَ يَدْخُلُ إِلَّا غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً. (يَطْرُق) بضمِّ الراء من الطَّرْق، وهو الإتْيانُ لَيلًا. (عشية)، قيل: من صلاة المغرب إلى العَتَمة، وقيل: من الزَّوال. * * * 16 - بابٌ لاَ يَطْرُقُ أَهْلَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينة 1801 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا. (باب: لا يطْرُق أهلَه إذا بلَغ المَدينةَ) هو بمعنى حديث ما قبلَه، والنَّهي فيه للتَّنزيه لا للتَّحريم، وذلك لئلَّا يكون فيه تَطلُّب عثَراتها، أو كشْفُ أستارها. * * *

17 - باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة

17 - باب مَنْ أَسْرَع نَاقَتَهُ إذَا بَلَغَ الْمَدِينَة (باب مَنْ أسْرع ناقتَه)؛ أي: بناقته، فنصبَه بنزع الخافِض، قال (ش): وأنكَر عليه الإِسْماعِيْلي تعديتَهُ بنفسه، ورُدَّ بأنَّ في "المُحكَم": أسْرعَ يتعدَّى بحرفٍ وبغير حرفٍ. 1802 - حدَّثنا سَعيدُ بن أبي مَرْيَمَ، أخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ، قالَ: أخْبَرني حُمَيدٌ: أنَّه سَمعَ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَأبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ، أَوْضَعَ ناَقتهُ، وإنْ كَانَتْ دابَّةً حَرَّكَهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: زَادَ الْحَارِثُ، بن عُمَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ: حَرَّكَهَا مِنْ حُبهَا. 1802 / -م - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: جُدُرَاتٍ. تَابَعَهُ الْحَارِثُ بن عُمَيْرٍ. (دوحات) جمع دَوْحَة بمهملتين: الشَّجَرة العَظيمة، وفي بعضها: (دَرَجات)، براءٍ، وجيم، أي: طرُقها المرتفِعة. (أوْضَع)؛ أي: أَسْرَعَها وحَمَلَها على السَّيْر السَّريع، ووضَع البعيرُ: أسْرعَ في مَشْيه.

18 - باب قول الله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها}

(حُبهَا)؛ أي: المدينة. (زاد الحارث) وصلَه أحمد، وابن أبي شَيبة. (جدرات) جمع جُدُر، بضمَّتين وهو جمع الجِدار. * * * 18 - بابُ قولِ الله تعالَى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (باب قَول النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]) 1803 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: نزَلَتْ هَذ الآيَةُ فِينَا، كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. (قِبَل) بكسر القاف، وفتح الموحَّدة. (عُيِّرَ) مبنيٌّ للمفعول، من التَّعيير، وهو التَّعْييب. قال الجَوْهَري: يُقال: عَيَّرَه كذا، والعامة تقول: عَيَّره بكذا. * * *

19 - باب السفر قطعة من العذاب

19 - بابٌ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ (باب: السَّفَر قِطْعةٌ من العَذاب) 1804 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبي صَالح، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذابِ، يَمْنَعُ أَحَدكمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فإذَا قَضَى نَهْمَتَهُ، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ". (طعامه)؛ أي: لذَّة طَعامه، قال (خ): أي: في الوقْت الذي يَستوفيه منه لعَشائه وغَدائه، قال: (ونومه)؛ أي: كذلك، واستِيفاء القَدْر الذي يحتاجه من ذلك. (نَهْمَته) بفتح النون، وسكون الهاء، أي: هِمَّته، والمراد الحَاجة التي قصَدها. ففيه الترغيب في الإقامة، وتَرْك الإكثار من السَّفَر لئلا تَفوتَه الجمُعة، والجماعات، والحُقوق الواجبة للأهل، والقرابات، وهذا في غير الأسفار الواجبة. * * *

20 - باب المسافر إذا جد به السير يعجل إلى أهله

20 - بابُ الْمُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ يُعَجِّلُ إلى أَهْلِهِ (باب المُسافِر إذا جَدَّه السَّفَر) 1805 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرني زيدُ بن أَسْلَمَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: كنْتُ مَعَ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بنتِ أَبي عُبَيْدٍ شِدةُ وَجَعٍ، فَأسْرع السَّيْرَ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ غرُوبِ الشَّفَقِ نزَلَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ، جَمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا. (صَفية) هي زوجة عبد الله بن عُمر. (السير)؛ أي: في السَّيْر. (الشفق): بقيَّة ضَوء الشَّمس وحُمرتها في أول الليل. (وجمع) إما جملةٌ حاليةٌ، أو استئنافيةٌ، ومرَّ الحديث في (باب: تقصير الصلاة). وفيه دليلٌ للشَّافعي في جَواز الجمع في السفَر.

27 - أبواب المحصر

27 - أبواب المحصر

1 - باب المحصر وجزاء الصيد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 27 - أبواب المحصر 1 - بابُ الْمُحصَرِ وَجَزَاء الصَّيْدِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، وَقَالَ عَطَاءٌ: الإحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبسُهُ. (أبواب المُحْصَر)؛ أي: الممنوع من الحجِّ والعُمْرَة. (كل شيء)؛ أي: لا يختصُّ بمنع العدوِّ فقط، وقال أبو حنيفة: كلُّ منع من عدو أو مرَض أو غيرهما، فهو إحصارٌ، وخصَّه الشافعيُّ ومالكٌ بمنعْ العدوِّ فقط. * * * 1 / -م - بابٌ إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ (باب إذا أُحْصِرَ المُعْتَمِر) 1806 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ نَافعٍ: أَنَّ

عَبْدَ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَأهَلَّ بِعُمْرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبيةِ. الحديث الأول: (في الفتنة)؛ أي: فتنة مُقاتلة ابن الزُّبَير والحَجَّاج. (صنعنا)؛ أي: أحْلَلْنا كما أحلَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الحُدَيبيَة من عُمْرَته. * * * 1807 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدِ بن أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ: أَنَّ عُبَيْدَ الله بن عَبْدِ الله، وَسَالِمَ بن عَبْدِ الله أَخْبَرَاهُ: أَنَّهُمَا كلَّمَا عَبْدَ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - لَيَالِيَ نزَلَ الْجَيْشُ بِابن الزُّبَيْرِ، فَقَالاَ: لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تحُجَّ الْعَامَ، وإنَّا نخافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَحَالَ كفَّارُ قُرَيشٍ دُونَ الْبَيتِ، فَنَحَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ، إِنْ شَاءَ الله أَنْطَلِقُ، فَإنْ خُلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ، وإنْ حِيلَ بَيْني وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ مَعَهُ. فَأهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا شَأْنهمَا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أني قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرتي. فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَهْدَى، وَكَانَ يَقُولُ:

لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ. 1808 - حَدَّثَنِي مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ: أَنَّ بَعْضَ بني عَبْدِ الله قَالَ لَهُ: لَوْ أقمْتَ، بِهَذَا. الحديث الثاني: (عبيد الله) في بعضها: (عبد) بالتكبير، وهي موافقة للرِّواية الآتية في (باب: النَّحْر قبْل الحَلْق)، والمُصغَّر أكبر سِنًّا من المُكبَّر. (الجيش)؛ أي: القادمين مع الحجَّاج من الشَّام لمكة على ابن الزُّبَير وهو فيها. (إن شاء الله) قالَه تبرُّكًا؛ لأنه كان جازمًا بالإحرام بقرينة: (أُشهدُكم)، ويحتمل أنه منقطِعٌ عما قبلَه، وهو شرطٌ، والجزاء: انطلق. (شأنهما)؛ أي: الحج والعُمرة. (واحدًا)؛ أي: فإنَّ القَارِن لا يحتاج لطَوافين، وسبق الحديث مرَاتٍ. (بهذا)؛ أي: في هذا المكان، أو في هذا العام، وهو إما شرطٌ جزاؤه محذوفٌ، أو تَمنٍّ. * * * 1809 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن صَالح، حَدَّثَنَا

2 - باب الإحصار في الحج

مُعَاوِيَةُ بن سَلَّام، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أَبي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: قدْ أُحْصِرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قابلًا. الثالث: (محمد) قال الغَسَّاني: إنه ابن يحيى الذُّهْلي، وقال الكَلابَاذِي: هو أبو حاتم بن إدريس الرازي، وقال أبو مَسْعود الدِّمَشْقي: هو محمَّد ابن مُسلِم الرَّازي. (فقال) عطفٌ على مقدَّرٍ، أي: قلت، أو سألتُ عنه، فقال. * * * 2 - بابُ الإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ (باب الإحْصار في الحَجِّ) 1810 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني سَالِمٌ، قَالَ: كَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: أليْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، إِنْ حُبس أَحَدكمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْت وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قابلًا، فَيُهْدِي، أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجدْ هَدْيًا.

1810 / -م - وَعَنْ عَبْدِ الله، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، نَحْوَهُ. (أحمد) هو ابن محمد السِّمْسَار. (سنة) بالرَّفْع خبر: (حسبُكم)، أو فاعلٌ بمعنى: يَكفيكُم، ويكون ما بعدَه تفسيرًا للسنَّة، لكنْ قال (ع): ضبَطناه بالنَّصب على الاختصاص، أو على إضْمار فعْلٍ، أي: تمسَّكوا، وشبهه، وخبرُ حسْبُكم: طافَ بالبيت. وقال السُّهَيْلي: من نصَبَ (سنَّةَ)، فالكلام أمرٌ بعد أمرٍ، كأنه قال: الْزَمُوا سُنَّةَ نبيّكم - صلى الله عليه وسلم -، كما قال: يا أيُّها المَائِحُ دلوي دُونَكَا فـ (دلوي) عندهم منصوبٌ بإضمار فِعْل الأمر، و (دونك): أمرٌ آخر. (طاف)؛ أي: لأنه إنما هو مُحْصَر عن الوقُوف بعرَفة، وقد جاء: "الحجُّ عرَفة". (فيهدي)؛ أي: يَذبَح شاةً؛ إذ التحلُّل لا يحصُل إلا بنيَّة التحلُّل، والذَّبح، والحَلْق، وإن لم يجد الهَدْي فيَصومُ بدلَه بعدَدِ أمدادِ الطَّعام الذي يحصل من قيمته. * * *

3 - باب النحر قبل الحلق في الحصر

3 - بابُ النحرِ قَبْلَ الْحلْقِ فِي الْحصْرِ 1811 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصحَابَهُ بِذَلِكَ. 1812 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَناَ أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بن الْوَليدِ، عَنْ عُمَرَ بن مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيّ، قَالَ: وَحَدَّثَ ناَفِعٌ: أَنَّ عَبْدَ الله وَسَالِمًا كَلَّمَا عَبْدَ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَمِرِينَ، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بُدْنه، وَحَلَقَ رَأْسَهُ. (باب النَّحْر قبل الحَلْق في الحَصْر) لا يُقال: قضيَّة قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، فأخَّر الحَلْق عن النَّحْر، فكيْف يكون متقدِّمًا؟ لأنَّ ذاك في غير الإحْصار، أما نَحْر هدْي المُحصَر؛ فحيثُ أُحصِر، وهناك قد بلَغ مَحِلَّه، فقد ثبَتَ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - تحلَّل بالحُدَيْبيَة، ونحرَ بها بعد الحَلْق، وهي من الحِلِّ لا من الحرَم. قال التَّيْمِي: قال مالك: لا هَدْيَ على المُحصَر، ودليلنا الحديث

4 - باب من قال: ليس على المحصر بدل

حيثُ نُقِل فيه حُكمٌ وسبَبٌ، فالسَّبَب الحَصْر، والحُكم النَّحْر، فاقتضَى الظَّاهر تعلُّق الحكم بذلك السبَب. * * * 4 - بابُ مَنْ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَدَلٌ (باب مَن قال: لَيْسَ على المُحْصَر بدَلٌ)، أي: قَضاءٌ. 1812 / -م - وَقَالَ رَوْحٌ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابن أَبي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إِنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ، فَأمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ، أَوْ غيْرُ ذَلِكَ، فَإنَّهُ يَحِلُّ وَلاَ يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ -وَهُوَ مُحْصَرٌ- نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ، وإنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ، حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَغيْرُهُ: يَنْحَرُ هَدْيَهُ، وَيَحْلِقُ فِي أَيِّ مَوْضعٍ كَانَ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لأَن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصحَابَهُ بِالْحُدَيْبيةِ نَحَرُوا، وَحَلَقُوا، وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا، وَلاَ يَعُودُوا لَهُ، وَالْحُدَيْبية خَارِجٌ مِنَ الْحَرَمِ. 1813 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ: إِنْ

صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ الله - عز وجل -، فَأهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبيةِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ نظرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِد. فَالْتَفَتَ إِلَى أَصحَابهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدكمْ أنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَأَهْدَى. (بالتلذذ)؛ أي: بالجِماع. (عذر) ما يَطرأُ على المكلَّف يقتضي التَّسهيل، ولعلَّ المُراد به هنا نَوعٌ منه كالمرَض؛ ليصحَّ عطف أو غير ذلك عليه. (ولا يرجع)؛ أي: لا يقضي، وهذا في النفل، إذ الفريضة ثابتة في ذمته كما كانت، فيرجع لأجلها في سنة أخرى وإنما وجب قَضاء الذي يَفسُد بالجِماع؛ لتقصيره بخلاف الإِحصار. قال التَّيْمِي: قال أبو حنيفة: يلزم المُحْصَرَ إذا تحلَّل القَضاء نفْلًا كان أو فرضًا. (يبعث)؛ أي: إلى الحرَم. (في أي موضع كان)؛ أي: الحصْرُ لا الحَلْق. (قبل الطواف) لا يقال: إن ظاهره يقتضي وُجود طوافٍ، ووصولَ هَدْي للحرَم، والفرض أنهم نَحروا بالحُديبية، ولا طوافَ ولا وُصولَ؛ لأنَّا نقول: لا يَلزم ذلك؛ لأنه يصدُق بأنْ لا طوافَ

ولا وُصولَ، ويصدُق بوجودهما متأَخِّرَين، والواقِع هو الأوَّل. (ولا يعودوا)، (لا) زائدةٌ، كما في: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]. (الحُديبية) بتخفيف الياء الأخيرة عند المحقِّقين كالشافعي وغيره، وقيل: مشدَّدة، وهي على مَرحلَةٍ من مكَّة، وهذه الجُمْلة يحتمِل أن تكون من تَتمَّة كلام مالك، وأن تكون من كلام البخاري ردًّا على مَن قال: لا يجوز النَّحْر حيثُ أُحْصِرَ، بل يجب البَعْثُ إلى الحرَم، فلمَّا أُلزموا بنحره - صلى الله عليه وسلم - بالحُدَيْبيَة؛ أجابوا: بأنَّها من الحرَم، فرَدَّ ذلك بقوله: (والحُديبية خارجة من الحرم)، وأما عُمْرَة القَضاء، فإنها سُميت بذلك من المُقاضاة؛ لأنه كان كتَب: (هذا ما قاضَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -)، لا أنها تقضي عن العُمرة التي أُحْصُروا فيها، وهي عُمْرَة الحُديبية، وعلى تَقدير أنها قَضاءٌ، فهو على وجه الاستِحباب، ولا نِزَاعَ فيه، إذْ لا دليلَ على الوُجوب، بل عدَم الأمْر بذلك للصَّحابة دليلُ عدَمِ الوجوب. (أن ذلك مجزئًا) وهو على نصْبِ (أنَّ) الجُزأَين، أو خبر (كان) محذوفةً، أي: يكون مُجزِئًا، ويجوز الرَّفْع على أنه خبرٌ، والمُجزِئ بضمِّ الميم: مِن الإجْزاء، وهو الأداء الكافي لسُقوط التعبُّد. ووجْهُ ذكْرِ حديث ابن عُمر في هذا الباب: استِغناؤُه بشُهرة قصَّة صَدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحُدَيبيَة، وأنهم لم يُؤمروا بالقَضاء في ذلك. * * *

5 - باب قول الله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}

5 - بابُ قولِ الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وَهُوَ مُخَيَّرٌ، فَأمَّا الصَّوْمُ فَثَلاَثَةُ أيَّامٍ. (باب قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 196]؛ أي: مرضًا يضرُّه تَرْك الشَّعر على رأْسه من جِراحٍ، أو صُداعٍ، أو به أَذًى من رأْسه من هامَّةٍ فتُؤذيه. (فأما الصوم) حُذف منه مُعادِلُ (أمَّا)، أي: وأمَّا النُّسُك فأقلُّه شاةٌ، وأما الصَّدقة فإطعامُ ستَّة مساكين. * * * 1814 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ بن قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ: "لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟ " قَالَ: نعمْ يَا رَسُولَ الله! فَقَالَ رَسُولُ الله - عز وجل -: "احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ". (هوامك) جمع هامَّةٍ بالتشديد، وهو المَخُوف، والمراد هنا القَمْل؛ لأنَّه يَهِمُّ على الرأْس، أي: يَدِبُّ، والهَمِيم: الدَّبيب. * * *

6 - باب قول الله تعالى: {أو صدقة}، وهي: إطعام ستة مساكين

6 - بابُ قولِ الله تَعَالى: {أَوْ صَدَقةٍ}، وَهْيَ: إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ (باب قول الله - عز وجل -: {أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 196]) 1815 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى: أَنَّ كعْبَ بن عُجْرَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالْحُدَيبيَةِ، وَرَأْسِي يتهَافَتُ قَمْلًا، فَقَالَ: "يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ " قُلْتُ: نعَمْ. قَالَ: "فَاحْلِقْ رَأْسَكَ"، أَوْ قَالَ: "احْلِقْ". قَالَ: فِيَّ نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} إِلَى آخِرِهَا. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ". (بفَرْق) بفتح الفاء، وسكون الراء وفتحها: مِكْيالٌ معروفٌ بالمدينة، وهو سِتة عشَر رِطْلًا، قاله التَّيْمي. قال الأَزْهَري: هو بالفتح في كلام العرَب، والمحدِّثون يسكِّنونه. (أو انسك)؛ أي: اذْبَح، وفي بعضها: (نُسُك) بلفظ الاسم، والأول هو المُناسِب لأخوَيه إلا أن يقدَّر: أو انسُك بنسُك، أو هو من باب:

7 - باب الإطعام في الفدية نصف صاع

عَلَفْتُها تِبنًا ومَاءً بَارِدًا * * * 7 - بابٌ الإِطْعَامُ فِي الْفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ (باب الإطعام في الفِدية) 1816 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الأَصْبهَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بن مَعْقَلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كعْبِ بن عُجْرَةَ - رضي الله عنه -، فَسَألْتُهُ عَنِ الْفِدْيَةِ، فَقَالَ: نزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَمْلُ يتنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: "مَا كنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، أَوْ مَا كنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، تَجِدُ شَاةً؟ " فَقُلْتُ: لاَ. فَقَالَ: "فَصُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ". (نزلت)؛ أي: الآيةُ، والقَصْد أنه مِن باب خُصوص السَّبَب وعُموم اللَّفْظ. (أُرَى) الأوَّل بضمِّ الهمزة، أي: أَظُنُّ، والثاني بفتحها، أي: أُبصِرُ. (أو) شكٌّ من الراوي. (الجهد) بفتح الجيم: الطَّاقة والمشَقَّة.

8 - باب النسك شاة

(فصم ثلاثة أيام) بيانٌ لقوله في الآية: {صِيَامٍ} وكذا التصدُّق على ستة مساكين بالفَرْق بيانٌ لقوله تعالى: {أَوْ صَدَقَةٍ}، لا يُقال: الفاء تدلُّ على التَّرتيب، والآية تخييرٌ؛ لأن عنْد عدَم الشَّاة إنما التَّخييرُ بين أمرَين لا بين ثلاثةٍ. قال (ن): ليس المراد أنه لا يُجزئ كالصَّوم إلا لعادِمِ الهَدْي، بل سأَله عن النُّسُك، فإنْ كان موجودًا فالتَّخيير بين ثلاثةٍ، وإلا فبين اثنين. (نصف صاع)؛ أي: لأن الصَّاع أربع أَمْدادٍ، والمُدُّ رِطْلٌ وثلُثٌ، فهو موافقٌ لرواية الفَرْق الذي هو ستَّة عشَر رطلًا، وكذا قاله الشَّافعي، إنما يُشكِل على من يُفسِّر الصَّاع بغير ذلك. * * * 8 - بابٌ النُّسُكُ شَاةٌ (باب النُّسُك شاةٌ) 1817 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى، عَنْ كعْبِ بن عُجْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَآهُ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ " قَالَ: نعمْ. فَأمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبيَةِ، وَلَمْ يتبيَّنْ لَهُمْ: أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ

يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأنْزَلَ الله الْفِدْيَةَ، فَأمَرَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ. الحديث الأول: (وإن قمله) بكسر الهمزة، وفي بعضها: (وإنَّ دوابَّه)، وفي بعضها: (وإنه) فالضمير للقمل يدلُّ عليه السِّياق، أو لكَعْب كأنَّ نفْسه تسقُط مبالغةً في كثْرة القمل، أو كثرة الوجَع والأذَى. (ولم يتبين)؛ أي: لم يَظهر لهم بعد في ذلك الوقْت أنهم يحلون بها؛ لأنهم كانوا على طمَعٍ أنْ يدخلوا مكة. * * * 1818 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى، عَنْ كعْبِ ابن عُجْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَآهُ، وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، مِثْلَهُ. الثاني: في معنى الأول الذي قبله. * * *

9 - باب قول الله تعالى: {فلا رفث}

9 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {فَلَا رَفَثَ} (باب قَول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197]): هو الجِمَاع، والفُسوق: الخُروج عن حُدود الشريعة. 1819 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُهُ". (يَرْفُث) بضم الفاء وكسرها وفتحها، وهو عطفٌ على الشَّرط، وجوابه: (رجَعَ). (كيوم) بالفتح والكسر، وهو حالٌ، أي: مُشابهًا لنفْسه في البراءة من الذُّنوب في يوم الولادة، أو رجَع بمعنى: صارَ، والظَّرف خبَره. وإنما أُمر باجتناب ذلك في الحج وإنْ كان حرامًا في جميع الحالات؛ لأنه في الحج أسمج كلُبْس الحرير في الصلاة، وإنما لم يذكُر الجِدال في الحديث اعتمادًا على أنَّه في الآية، ثم المراد بالذُّنوب ما لم يكُن حقَّ آدميٍّ؛ فإنه يحتاج لاستِرضائه. * * *

28 - أبواب جزاء الصيد ونحوه

28 - أبواب جزاء الصّيد ونحوه

1 - باب قول الله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام (95) أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون}

28 - أبواب جزاء الصيد ونحوه 1 - بابُ قولِ الّله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وَلَمْ يَرَ ابن عَبَّاسٍ وَأَنسٌ بِالذَّبْح بَأْسًا، وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ نَحْوُ الإبلِ وَالْغَنَم وَالْبقَرِ وَالدَّجَاج وَالْخَيْلِ، يُقَالُ: عَدْلُ ذَلِكَ؛ مِثْلُ، فَإِذَا كُسِرَتْ (عِدْلٌ) فَهُوَ زِنَةٌ ذَلِكَ. قِيَامًا: قِوَامًا. يَعْدِلُونَ: يَجْعَلُونَ عَدْلًا. (باب قَول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} إلى آخر الآية [المائدة:95]) (بالذبح)؛ أي: بذبح المحرِم غيرَ الصَّيد. (عَدْل)؛ أي: بالفتح. (رنة)؛ أي: مُوازِن.

2 - باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد أكله

قال في "الكشَّاف": الفَرْق أنه بالكسر: ما عادل الشَّيءَ من غير جنسه كالصوم، وبالكسر: ما عُدِلَ به في المِقْدار. (قِوامًا) بكسر القاف، أي: نِظَام الشيء وعِمَاده، وهو تفسيرٌ لـ (قِيَامًا) في قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ} الآية [المائدة: 97]، قال في "الكشَّاف": أي: مَعاشًا لهم في أمر دينهم ودُنياهم، ويُقال: القَوام بالفتح: العَدْل بين الشَّيئين، وبالكسر: ما يُقام به الشيء. (يعدلون)؛ أي: من آية الأنْعام، ذكَره هنا لمناسبة: (أو عَدْل). * * * 2 - بابٌ إذا صاد الحلالُ فأهدى للمُحرمِ الصيدَ أكلَه (باب: إذا صادَ الحَلالُ فأهدَى للمُحرِم الصَّيدَ أكَلَه) 1821 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الله بن أَبي قتَادَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبي عَامَ الْحُدَيْبيَةِ، فَأحْرَمَ أَصحَابهُ، وَلَمْ يُحْرِمْ، وَحُدِّثَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ، فَانْطَلَقَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَمَا أَناَ مَعَ أَصْحَابهِ تَضَحَّكَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَناَ بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَطَعَنتُهُ، فَأثْبَتُّهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَأكلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، فَطَلَبْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْفَعُ فَرَسِي شَأوًا، وَأَسِيرُ شَأْوًا، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بني غِفَارٍ

فِي جَوْف اللَّيْلِ، قُلْتُ: أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ، وَهُوَ قَايِلٌ السُّقْيَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ أَهْلَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَرَحْمَةَ الله، إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ، فَانتظِرْهُمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضلَةٌ. فَقَالَ لِلْقَوْمِ: "كلُوا"، وَهُمْ مُحْرِمُونَ. (ولم يُحرم)؛ أي: أبو قَتادة، إما لأنَّ المواقيت لم تكُن وُقِّتت حتى يُقال: إنه جاوَز ميقات المدينة بلا إحرامٍ، أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثَه لكشف حال عَدوٍّ لهم بجِهَة السَّاحل، أو لم يكن خرَج مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إنما بعثَه أهل المدينة لإعلام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن بعض العرَب يقصِدُ الإغارةَ على المدينة. (يغزوه)؛ أي: يقصده. (إلى بعض)؛ أي: منتهيًا، أو ناظِرًا إليه، وإنما كان ضحكُهم تعجُّبًا من عُروض الصَّيد مع عدَم تعرُّضهم له. (أثبتَهُ)؛ أي: جعلَه ثابتًا، المعنى: أسقَطَه لا حَراكَ به، يقال: رماه فأثْبتَه، أي: حبَسَه مكانَه. (ننقطع)؛ أي: نصير مقطوعين منه - صلى الله عليه وسلم -. (أرفع) من رفَعت الفرس -مشدَّدًا-، أو مخفَّفًا: كلَّفته السَّير. (شأْوًا) بمعجمةٍ، وهمزةٍ ساكنةٍ، وواوٍ، أي: مقدار عدوه، أي: راكضةً شديدًا تارةً، وأسوقه بسهولةٍ أُخرى.

(غِفَار) بكسر الغين، وخفَّة الفاء، يصرف ولا يصرف. (بتِعْهِنَ) بكسر المثنَّاة فوق وفتحها، وسكون المهملة، وكسر الهاء، وبالنُّون: عينُ ماءٍ على ثلاثة أميالٍ من السُّقْيا -بضم المهملة، وإسكان القاف-: قريةٌ بين مكة والمدينة مِن أعمال الفُرْع بضم الفاء، وسكون الراء، وبالمهملة، وقيل: على مِيْلٍ من السُّقْيا، وهو وادي القَباديد، على ثلاثة مراحل من المدينة، والموضع الذي ذلك الماءُ فيه يُسمَّى القَاحة، وصحَّفه بعضهم بالفاء. قال أبو ذَرٍّ: وسمعْنا أهلَ ذلك الماء -أي: تَعْهِن- يفتحون الهاء، وقال غيره: وقد سُمع من العرَب من يضمُّ التاء، ويفتَح العين، ويكسر الهاء. وقال أبو مُوسَى المَدِيني: بضمِّ التاء، والعين، وتشديد الهاء، منهم مَن يكسر الهاء، وأهل الحديث تقولُه بكسر التاء، وسكون العين، انتهى. (قائل) اسم فاعلٍ من القَيلولة، قال (ش): مِن القَول، هو المراد هنا. (السُّقْيا) مفعولٌ بفعلٍ مضمَرٍ، كأنه قال: اقصِدُوا السُّقْيا، وقال (ك): المراد تركته بِتِعْهِن، وفي عزمه أن يُقيل بالسُّقْيا، وروي بالموحَّدة، وهو غريبٌ، فإنْ صحَّ فمعناه: أن تِعْهِن موضعٌ مقابل للسُّقْيا (¬1). ¬

_ (¬1) في الأصل و"ب" و"ت": "السقيا" والمثبت من "ف".

3 - باب إذا رأى المحرمون صيدا، فضحكوا، ففطن الحلال

(فاضلة)؛ أي: فضَلتْ قطعةٌ. وفيه أن لحم الصَّيد مباحٌ للمحرِم إذا لم يُعِنْ عليه، وفيه أنهم لم يُخبروه بمكان الصَّيد، ولم يدلُّوه عليه إنما هو رآهُ. * * * 3 - بابٌ إِذا رَأَى الْمُحرِمُونَ صَيْدًا، فَضَحِكُوا، فَفَطِنَ الْحلاَلُ (باب: إذا رأَى المُحرِمون صَيْدًا) 1822 - حدثنا سَعِيدُ بن الرَّبيعِ، حدَّثنا علِيُّ بن المُبَارَكِ، عنْ يَحْيَى، عنْ عَبْدِ الله بن أبي قتادَةَ: أنَّ أبَاه حَدَّثَهُ قالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الحدَيبيةِ، فَأحْرَمَ أَصْحَابُهُ، وَلَمْ أُحْرِمْ، فَأُنْبئْنَا بِعَدوٍّ بِغَيْقَةَ، فتوَجَّهْنَا نَحْوَهمْ، فَبَصرَ أَصْحَابي بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَجَعَلَ بَعْضهمْ يَضْحَك إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتهُ، فَحَمَلْت عَلَيْهِ الْفَرَسَ، فَطَعَنتعُ، فَأثْبته، فَاسْتَعَنتهمْ، فَأبوْا أن يعِينوني، فَأكلْنَا مِنْه، ثمَّ لَحِقْت بِرَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَخَشِينَا أَنْ نقْتَطَعَ، أَرْفَع فَرَسي شَأوًا، وَأَسِير عَلَيْهِ شَأوًا، فَلَقِيت رَجلًا مِنْ بني غفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقلْت: أَيْنَ تَرَكتَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا. فَلَحِقْت بِرَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أتيْتُهُ، فَقلْت: يَا رَسولَ الله! إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلوا يَقْرَءونَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَرَحْمَةَ

4 - باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد

الله وَبَرَكَاتِهِ، وَإنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمُ الْعُدُوُّ دُونَكَ، فَانْظُرْهُمْ، فَفَعَلَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا اصَّدْناَ حِمَارَ وَحْشٍ، وَإنَّ عِنْدَناَ فَاضلَةً. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابهِ: "كُلُوا". وَهُمْ مُحْرِمُونَ. (أنبئنا)؛ أي: أخبرنا. (بغَيْقَة) بفتح المعجمة، وسكون التحتانية، وبالقاف: موضعٌ من بلاد بني غِفَار بين الحرَمين. (فانظُرهم) بضم الظاء، أي: انتَظِرهم، قال تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ} [الحديد: 13]. (صدنا) في بعضها: (اصْطَدْنا)، وفي بعضها: (اصَّدْنا)، بوصل الألف وتشديد الصاد، وأصله: اصتدنا، وفي بعضها بفتح الهمزة وتخفيف الصاد ويقال: أصدني الصيد مخففًا، أي: أرنيه، وفيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب. قال أصحابنا: ويجب على الرسول تبليغه، وعلى المرسل إليه رد الجواب. * * * 4 - بابٌ لاَ يُعِينُ الْمُحْرِمُ الْحلاَلَ فِي قَتلِ الصَّيْدِ (باب: لا يُعين المُحْرِم الحلال) المُحْرِم مفعولٌ مقدَّم.

1823 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا صَالحُ ابن كَيْسَانَ، عَنْ أَبي مُحَمَّدٍ ناَفِعٍ مَوْلَى أَبي قتادَةَ، سَمِعَ أَبَا قتادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقَاحَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلاَثٍ (خ) وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا صَالح بن كيْسَانَ، عَنْ أَبي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي قتادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقَاحَةِ، وَمِنَّا الْمُحْرِمُ، وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابي يترَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ -يَعْنِي: وَقَعَ سَوْطُهُ- فَقَالُوا: لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، إِنَّا مُحْرِمُونَ. فتنَاوَلْتُهُ، فَأخَذْتُهُ، ثُمَّ أتيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءَ أكَمَةٍ، فَعَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تأكلوا، فَأتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ أَمَامَنَا، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: "كُلُوهُ حَلاَلٌ". قَالَ لَنَا عَمْرٌو: اذْهَبُوا إِلَى صَالحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ، وَقَدِمَ عَلَيْنَا هَاهُنَا. (عن أبي محمد) هو نافِع مَولى أبي قَتادة. (القاحة) سبق بيانه. (يترَاءَوْن) بصيغة جمعٍ، مضارع التَّفاعل. (يعني) من كلام الرَّاوي، تفسيرٌ لمَا يدلُّ عليه: (لا نُعينُكَ عليه)، أي: على أخْذ السَّوط حين وقَع. (فأخذته)؛ أي: تكلَّفتُ الأَخْذ. (أمامنا)؛ أي: قُدَّامنا.

5 - باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال

ففيه جَواز الاجتهاد في المَسائل الفُروعية والاختِلاف فيها. (عمرو) هو ابن دِيْنار، وقائلُ ذلك هو سُفيان. * * * 5 - بابٌ لاَ يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إِلى الصَّيْدِ لِكَي يَصْطَادَهُ الْحَلاَلُ (بابٌ: لا يُشير المُحْرِم إلى الصَّيْد) 1824 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة , حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابن مَوْهَبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الله بن أَبي قتادَةَ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ حَاجًّا، فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ، فِيهِمْ أَبُو قتادَةَ، فَقَالَ: "خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نلتَقِيَ". فَأخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قتادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أبو قتادَةَ عَلَى الْحُمُرِ، فَعَقَرَ مِنْهَا أتانًا، فَنَزَلُوا فَأكلُوا مِنْ لَحْمِهَا، وَقَالُوا: أَنأكلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنحنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بقِيَ مِنْ لَحْم الأَتَانِ، فَلَمَّا أتوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا، وَقَدْ كَانَ أَبُو قتادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قتادَةَ، فَعَقَرَ مِنْهَا أتانًا، فَنَزَلْنَا فَأكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنأكلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟

6 - باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل

فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا. قَالَ: "مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا". قَالُوا: لاَ. قَالَ: "فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا". (إلا أبا قتادة) وفي بعضها: (أبو) بالرَّفع مبتدأٌ، خبره: (لم يُحْرِم)، و (إلا) بمعنى: لكنْ، ونظيره -لكنْ مع حذْف الخبَر- قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إلا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249]، وقيل: هو فاعل المحذوف، أي: وامتنَع قليلٌ، وقال ابن مالك: وهذا مما أغفَلوه، ولا يعرف أكثرهم فيه إلا النَّصب، أو هو على مذهب من جَوَّز: قال علي بن أبو طالِب. قال ابن مالك: وللكوفيين في مثله مذهبٌ آخر، وهو أن يكون (إلا) حرف عطْفٍ، وما بعدَها عطْفٌ على ما قبلَها. (أتانًا) فيه أنَّ المراد بحمار في سائر الرِّوايات الأُنثى منه. * * * 6 - بابٌ إِذا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ (باب: إذا أَهدَى للمُحرِم حِمارًا) 1825 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنِ ابن شهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله بن عُتْبةَ بن مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عَبَّاسٍ، عَنِ

الصَّعْبِ بن جَثَّامَةَ اللَّيْثيِّ: أنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: "إِنَّا لَمْ نرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أنَا حُرُمٌ". (بالأبْواء) بفتح الهمزة، وسكون الموحَّدة، والمدِّ: جبَلٌ من عمَل الفُرُع، بينه وبين الجُحْفة مما يَلي المدينة ثلاثةٌ وعشرون مِيْلًا، قيل: سُمي بذلك لوبائه على القَلْب، والأصل: أَوْباء، وقيل: إن السُّيول تتبوَّأه، أي: تَحلُّه، وهناك تُوفيت آمنة أُم النبي - صلى الله عليه وسلم -. (بوَدَّان) بفتح الواو، وتشديد الدَّال المهملة، وبالنون: هو مِن الجُحْفة، فهو من أعمال الفُرُع، بضمِّ الفاء، والراء، ثم عينٍ مهملةٍ. (إنا) الأُولى مكسورةٌ ابتداءً به، والثانية مفتوحةٌ؛ لتقدير لام التَّعليل قبلَها. (لم نردده)؛ وفي بعضها: (لم نرَدَّ) بالإدغام. قال (ع): رواية المحدِّثين بفتح الدال، وقال المحقِّقون من النُّحاة: غلَط، والصَّواب ضم آخر المضاعَف من كلٍّ مضاعفٍ مجزومٍ، أو موقوفٍ اتصَلَ به ضميرُ المذكَّر مراعاةً للواو المتولِّد عن ضمةِ الهاء، وكأنَّهم قالوا: رُدُّوا، كما فَتحوها مع هاء المؤنَّث مراعاةً للألف، وكأنهم قالوا: رَدُّوا، ومنه حديث: "مَنْ عُرِضَ عليه ريحانٌ فلا يَرُدَّهُ"، وقال ابن الأَثِيْر: يجوز بالفتح، والكسر، والضمِّ. (حُرُم) بضم الحاء، والراء، أي: مُحرِمون، والتَّقدير: لم نَردَّه

7 - باب ما يقتل المحرم من الدواب

لعلَّةٍ من العِلَل إلا أننا حُرُمٌ. واعلم أنَّ تبويب البخاري يدلُّ على أنه فَهِمَ من الحديث أنه كان حيًّا، وأكثَر الرّوايات تُصرِّح بأنه كان ميْتًا، وأنه أَتاه بعُضْوٍ منه، فيحتمل أنه أَتاهُ به حيًّا، فرَدَّه، ثم أرسَل إليه بعضْوٍ منه، فردَّه إعلامًا بأن حُكم الجُزْء حُكم الكُلِّ، وحينئذٍ فالقَبول من صيْد أبي قَتادة دون الصَّعب، إما لأنه كان حيًّا، والمُحْرِم لا يتملَّك صيدًا أصلًا، وأما على ما قال (ن): إنَّ أكثر أهل الحديث على أنه على حَذْف مضافٍ، أي: لحم حمار، أو جُزْء حمار، كما هو صريحٌ في رواية مسلم، وتَواترتْ عليه الرِّوايات أنه ظَنَّ أنه صِيْدَ لأجله؛ فإنَّ الصَّعْب قصدَهم باصطياده. قال: وأما قولهم: إنه علَّل بأنَّا حُرُمٌ، فلا يمنَع كونَه صِيْدَ له، إنما يحرم الصيد على الإنسان إذا صِيْد له بشرط أنه مُحْرِمٌ، فبيَّن الشَّرط الذي يَحرم به. وفيه أنه يُستحبُّ لمن امتنَع من قَبول الهدية أن يَعتذر للمُهدي تطييبًا لقلبه. * * * 7 - بابُ مَا يَقْتُل الْمُحْرِم مِنَ الدَّوَابِّ (باب: ما يقتل من الدواب) 1826 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ

عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - عز وجل - قَالَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ". وَعَنْ عَبْدِ الله بن دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ. 1827 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ زَيْدِ بن جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: حَدَّثتنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ". 1828 - حَدَّثَنَا أَصبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الله بن وَهْبٍ، عَنْ يُونس، عَنِ ابن شِهَاب، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَالَتْ حَفْصَةُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَمسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ قتلَهُنَّ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأة، وَالْفَأرَةُ، وَالْعَقرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقورُ". 1829 - حَدثَنَا يَحْيَى بن سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني يُونس، عَنِ ابن شِهَاب، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُن فَاسِقٌ، يَقْتُلُهُن فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأة، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". (وعن عبد الله) عطفٌ على نافعٍ.

(إحدى نسوة) تعيَّن في الطريق الآخر أنها حَفْصة، على أن جَهالة عين الصَّحابي لا تضرُّ؛ لأن الصحابة عدولٌ. (الغراب) قيل: المراد به الأَبْقَع الذي في ظَهْره وبطْنه بياضٌ. (والحِدَأة) بكسر المهملة، مهموزٌ، والجمع حِدَا -بلا همزٍ- كعِنَبَة وعِنَب، وأما رواية: (الحُدَيَّا)، فقال ثابت: صوابه الهمز على معنى التَّذكير، وإلا فحقيقته الحديئة، وكذا قُيِّد في البخاري؛ قاله صاحب "المُفهِم". (العَقَوُر)؛ أي: الجارِح، والعَقْر الجَرْح، فقيل: هو الكلب المعروف، وقيل: هو مفترِسٌ كالنَّمِر والذِّئْب. (كلُّهُنَّ فَاسِق)؛ لأن الفِسْق هو الخُروج، وهذه خرجتْ بالإيذاء والإفساد عن معظَم الدوابِّ، فالغُراب يَنقُر ظَهْر البعير، ويَنزِع عينَه، ويختلِس، وكذا الحِدَأة أَطعِمَةَ النَّاسِ واللَّحم، والعَقْرب تَلْدغ وتُؤلم، والفَأْرة تَسرِق وتأخُذ الفَتِيْلةَ، فتُضرِمُ البيت، والعَقُور يَجرَح. وتذْكير (فاسقٍ)؛ لأنَّ: (كلُّ) مذكَّرٌ، وقوله بعدُ: (يُقْتلن) إما على معنى: (كلُّ)، لا لفظِه، أو خبرٌ عن (خمْسٌ). والاتفاق على جواز قتلهنَّ في الحِلِّ، والحرَم، والإحرام، قال مالك: لأنهنَّ مُؤذِيات، فكلُّ مُؤْذٍ يُقتَل قياسًا عليهنَّ. * * * 1830 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بن حَفْصِ بن غيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، قَالَ:

بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نزَلَ عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلَاتِ}، وَإِنَّهُ لَيتلُوهَا، وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْتُلُوهَا". فَابْتَدَرْناَهَا، فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا". 1831 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْوَزَغِ: "فُويسِقٌ"، وَلَم أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. الحديث الثاني: (لأتلقاها)؛ أي: أتلقَّنُها من فَمِه وأتعلَّمُها منه. (لرطب) قال التَّيْمِي: الرَّطْب: الغَضُّ الطَّريُّ، كأنَّ معناه: قبْل أن يَجِف ريقُه بها. (شركم) مفعولٌ ثانٍ لـ (وُقي) المبني للمفعول، أي: سلَّمها الله منكُم كما سلَّمكم منها. (الوَزَغ) بفتح الواو، والزاي، وبالمعجمة، قيل: إنها تأْخُذ ضَرْع الناقة، فتشرَب من لبنها، قيل: وكانتْ تنفُخ في نار إبراهيم -عليه السلام- لتَلْتهب. (فُويسق) تصغير فاسقٍ للتَّحقير والذمِّ. * * *

8 - باب لا يعضد شجر الحرم

8 - بابٌ لاَ يعْضَدُ شَجَرُ الْحرَمِ وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ". 1832 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ: أنَّهُ قالَ لِعَمْرِو بن سَعيدٍ، وَهْوَ يَبْعَثُ الْبعُوُثَ إلَى مَكَّةَ: إئْذَنْ ليِ أيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قامَ بِهِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْح، فَسَمِعَتْهُ أُذُناَيَ، وَوَعَاهُ قَلْبي، وَأَبْصَرتهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ الله، وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا الله، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَة، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ الله أَذِنَ لِرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نهارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". فَقِيلَ لأَبي شُرَيْح: مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَناَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ! إِنَّ الْحَرَمَ لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبةٍ. خَرْبَةٌ: بَلِيَّةٌ. (باب: لا يُعضَدُ شجَر الحرَم) سبق في (كتاب العِلْم)، في (باب: لِيُبلِّغ الشَّاهد) شرْح الحديث.

9 - باب لا ينفر صيد الحرم

(عمرو بن سعيد) هو الأَشْدَق، كان أمير المدينة أيامَ مُعاوية. (البعوث) جمع بَعْثٍ، وهو الجَيْش، أي: الجُيوش التي جهَّزَها يزيد بن مُعاوية إلى عبد الله بن الزُّبَير. (ولا يُعْضَد)، (لا) زائدةٌ لتوكيد النَّفْي. (يُعيذ)؛ أي: يَعصِم. (بخربة) بتثليث المعجمة، وسُكون المهملَة: العَيْب، والمراد هنا: الذي يفِرُّ بشيءٍ يُريد أن ينفرد به، ويغلِبَ عليه مما لا تُجيزه الشَّريعة، قال صاحب "الأَحْوَذي": ولو رُوي بكسر الخاء والزاي والياء باثنتين من تحتٍ كان عائدًا للمعنى، وأيضًا، أي: شيء يُخزي. * * * 9 - بابٌ لاَ يُنَفرُ صيْدُ الْحرمِ 1833 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وإنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نهارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ". وَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ الله! إِلَّا الإذْخِرَ لِصَاغتِنَا وَقُبُورِناَ؟ فَقَالَ: "إِلَّا الإذْخِرَ".

وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا؟ هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّل، يَنْزِلُ مَكَانه". (باب: لا يُنَفَّر صَيْدُ الحَرَم) (يُخْتَلا)؛ أي: يُجَزُّ، ويُؤخَذ. (خَلاها) بفتح المعجمة، مقصورٌ: الرُّطَب مِن الكَلأ. (تُلتقط) بالبناء للمَفعول، أو للفاعل. (لُقَطَتُهَا) قال القُرْطُبي: المحدِّثون يفتحون القاف، وهو غلَطٌ عند أهل اللِّسان؛ لأنه بالسُّكون: ما يُلتَقط، وبالفتح: الأَخْذ كصَرْعه، وصَرَعه. (لمعرف): اللام زائدةٌ، أو ضُمِّن: (لا يُلتَقط) معنى: لا يَحلُّ الالتِقاط، ثم المُراد: إلا لمُعرِّفٍ فقط لا يتملَّكُ بعدَه بخلاف لُقَطة سائر البلاد؛ فإنَّه إذا عَرف وقصَد التملُّك كان له ذلك. (الإذْخِر) بكسر الهمزة، والمهملة، ثم معجمةٍ: نبْتٌ معروفٌ. (لصَاغتِنا) جمع صائِغ، والاستِثناء مِن: (لا يُختَلَى)، ويُسمَّى مثلُه: الاستِثناء التَّلْقيني، وسبق مباحث الحديث في (كتاب العلم). (ما لا يُنَفَّر) استفهامٌ عن مضمون ما بعدَه. * * *

10 - باب لا يحل القتال بمكة

10 - بابُ لاَ يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكةَ وَقَالَ أَبُو شُرَيحٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَسْفِكُ بِهَا دَمًا". (باب: لا يَحِلُّ القِتالُ بمكَّة) 1834 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن أَبي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: "لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنيَّةٌ، وَإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَام بِحُرْمَةِ الله إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وإنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نهارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ الله إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا". قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ الله! إِلَّا الإذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَينهِمْ وَلبُيُوتهِمْ؟ قَالَ: قَالَ: "إلاَ الإذْخِرَ". (لا هجرة)؛ أي: من مكة، وإلا فالهجرة مِن بلاد الكُفر للإسلام حكمُها باقٍ، ففيه معجزةُ الإخبار عن بقائها دار إسلامٍ لا يتصوَّر منها هجرة. (ولكن)؛ أي: لكنْ لكم طريقٌ إلى تحصيل الفَضائل في معنى الهجرة، وذلك بالجِهادِ، ونيَّة الخيْر في كل شيءٍ من لِقَاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،

11 - باب الحجامة للمحرم

ونحوه، وقال الطِّيْبي: هو عطْفٌ على مَحلِّ مَدْخُولِ: لا. (وإذا استنفرتم)؛ أي: طَلبَكم الإمامُ للخُروج للغَزْو؛ فاخرُجوا، في معنى الخُروج للجهاد وهجْر الوطَن لطلَب العِلْم ونحو ذلك. (لقينهم) بفتح القاف، وسكون الياء، وبالنُّون: الحَدَّاد. (يُعْضَدُ شوكه)؛ أي: الذي فيه نفْعٌ، وعلى روايةٍ: بناء (يَعْضد) للفاعل، قال أبو الفَرَج: أصحاب الحديث يضمُّون الضَّاد، وقال لنا ابن الخَشَّاب: بكسرها. (ولبيوتهم)؛ أي: لسُقوفها يجعل فوق الخشَب، وقال التيْمِي: معناه يُوقدونه في بُيوتهم. (الإذْخِر) قال التَّيْمِي: نبتٌ طيِّبٌ إذا يبسَ دُقَّ، وغُسِلتْ به اليد. * * * 11 - بابُ الْحجَامَةِ لِلْمُحرِم وَكَوَى ابن عُمَرَ ابنهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. ويَتَدَاوَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ. (باب الحِجَامة للمُحرِم) أي: يكون المُحرِم مَحجُومًا، والحديث يدلُّ على هذا وإنْ كانت الترجمة محتملةً.

(ويتداوى) فاعلُه إما المُحرِم، وإما ابن عُمر. * * * 1835 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاس - رضي الله عنهما - يَقُولُ: احْتَجَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي طَاوُسٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا. الحديث الأول: (أول شيء)؛ أي: أوَّل مرَّةٍ بقرينةِ: (ثم سمعته يقول)؛ أي: سمعتُ عَطاءً يقول، أي: ففي الأوَّل: روى عن ابن عبَّاس بلا واسطةٍ، وفي الثاني بواسطة طاوُس. * * * 1836 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن بِلاَلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بن أَبي عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنِ ابن بُحَيْنَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: احْتَجَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. الثاني: (بلحى جمل) بفتح الجيم، والميم: اسم موضعٍ قُرب المدينة، وأما لَحَى بفتح اللام، وكسرها مُفرَدًا، وعلى لفْظ المثنَّى، قيل:

12 - باب تزويج المحرم

المراد به عَقَبة الجُحْفة، وقيل: ماءٌ. قال الرَّاجز: لَوْلا رَسُولُ الله ما زُرْنا مَلَلْ ... ولا الرُّوثيات ولا لَحَى جَمَلْ ووَهِمَ مَن ظنَّه فكَّي الجمَل، أي: الحيَوان. (وسط) بفتح السين: مِن مركَز الدَّائرة، وبسُكونها أعمُّ من ذلك، فالأول اسمٌ، والثاني ظرفٌ، فالمراد هنا بتوسُّطه، وهو ما فَوق اليافُوخ بينه وبين القَرنيَن. * * * 12 - بابُ تَزْويج المحرم (باب تَزْويج المُحرِم) 1837 - حَدَّثَنَا أبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بن الْحَجَّاجِ، حَدَّثنَا الأَوْزَاعيُّ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بن أَبي رَبَاحٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَ مَيْمُونةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. سيأتي بيان اختلاف روايةِ: أنه تزوَّجها حَلالًا، أو مُحْرِمًا. * * *

13 - باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة

13 - بابُ مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: لاَ تلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ. (باب ما يُنْهَى من الطيْب) 1838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يَزِيدَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ناَفِعٌ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَاذَا تأمُرُناَ أَنْ نلبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ الْعَمَائِمَ، وَلاَ الْبَرَانِسَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلاَ الْوَرْسُ، وَلاَ تنتَقِبِ الْمَرْأة الْمُحْرِمَةُ وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازينِ". تَابَعَهُ مُوسَى بن عُقْبةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بن إِبْراهِيمَ بن عُقْبةَ، وَجُوَيْرِيَةُ، وَابن إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازينِ. وَقَالَ عُبَيْدُ الله: وَلاَ وَرْسٌ، وَكَانَ يَقُولُ: لاَ تتنَقَّبِ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازينِ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: لاَ تتنَقَّبِ الْمُحْرِمَةُ. وَتَابَعَهُ

لَيْثُ بن أَبي سُلَيْم. الحديث الأول: (الوَرْس) نبْتٌ أصفَر يُصبَغ به. قال أصحابنا: النَّبات ثلاثةٌ: ما ينبُت للطيب ويتخذ منه كالوَرْس، والزَّعْفُران، وما في معناهما، فيحرُم، وفي استعمال المُحْرِم له الفِدْية، وما لا يَنبُت له، ولا يتخذ منه، فهو حلالٌ، وما ينبُت له ولا يتخذ منه، وفيه الفِدْية على الصَّحيح. (يلبَس) بفتح الموحَّدة. (القَمُص) بضمِّ الميم، وبسُكونها. (البرانس) جمع بُرنسُ: ثوبٌ رأْسه مُلتزِقٌ به، وقيل: قَلَنْسُوة، وسبق ذلك آخر (كتاب العلم)، وأول (الحجِّ). (القُفَّازين) بضمِّ القاف، وتشديد الفاء: لِبَاسٌ للكَفِّ يتخذ من الجُلود تلبَسُه نِساءُ العرَب؛ ليَحفَظ نُعومة اليَد، وتلبَسُه أيضًا حمَلة الجَوارح من البُزَاةِ وغيرها. (وتابعه)؛ أي: وتابَع اللَّيثَ هؤلاء الأربعةُ في الرِّواية عن نافِع، وقد وصَلَ مُتابعة (موسى) النَّسائيُّ. (وإسماعيل) أبو الحُسَين بن بِشْران في "فَوائده". (وجُويرية) البُخاري في (اللِّباس)، لكنْ ليس فيه القَصْد من التَّرجمة، نعَمْ، وصلَه أبو يَعْلى بتَمامه.

(وابن إسحاق) أحمد، وأبو داود، والحاكم. (وقال عبيد الله)؛ أي: ابن عُمرَ، وصلَه النَّسائيُّ، وابن خُزَيمة. (وكان يقول) كأنَّه كان يُكرِّر ذلك، فإنَّ (كان) تُشعِر بالدَّوام بخلاف ما سبَق من أنَّه قالَ؛ فإنَّه يصدُق بقَول ذلك مرَّةً، والفَرْق بين المرَّتين: إما مِن جِهَة حذْف لفظِ المرأة، أو أن الأوَّل بلفْظ تنقَّبَتْ من التَّفعُّل، والثاني مِن الافتِعال، أو أن الثَّاني بضمِّ الباء على سبيل النَّفْي لا غير، والأول بالضَّمّ والكسر: نفيًا، ونهيًا. (وقال مالك) هو في "الموطَّأ". * * * 1839 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ ناَقتُهُ، فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "اغْسِلُوهُ، وَكَفِّنُوهُ، وَلاَ تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ". الحديث الثاني: (وقصت)؛ أي: كَسرَت رقَبتَه. (يهل)؛ أي: مُهِلًّا قائلًا: لبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيك، وسبق الحديث في (أبواب الكفَن). * * *

14 - باب الاغتسال للمحرم

14 - بابُ الاِغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ. وَلَمْ يَرَ ابن عُمَرَ، وَعَائِشَةُ بِالْحَكِّ بَأسًا. (باب الاغتِسالِ للمُحرِم) 1840 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بن أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن عَبْدِ الله بن حُنَيْنٍ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ عَبْدَ الله بن الْعَبَّاسِ وَالْمِسْوَرَ بن مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ الله بن عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لاَ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. فَأرْسَلَنِي عَبْدُ الله بن الْعَبَّاسِ إِلَى أَبي أيُّوبَ الأَنْصَارِيّ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنينِ، وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَناَ عَبْدُ الله بن حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ الله ابن الْعَبَّاسِ، أَسْأَلكَ: كَيْفَ كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَأْسَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَاَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لإنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ. فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَ حَركَ رَأْسَهُ بِيَدَيهِ، فَأقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. (الأبواء) قُربَ مكَّة، سبق.

15 - باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين

(القرنين) هما جانِبَا البنَاءِ على رأْس البئْر تُوضَع خشَبة البَكَرة عليها. (طاطأ)؛ أي: خفَضَ. (الخفين) سيأتي التَّقييد بقَطْع الأسفَل، فيُحمَل المطلَق على المقيَّد. * * * 15 - بابُ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ إذا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ (باب لبس الخفين) 1841 - حَدَّثَنَا أبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بن دِينَارٍ، سَمِعْتُ جَابرَ بن زيدٍ، سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ". 1842 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابن شهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: "لاَ يَلْبَسِ الْقَمِيصَ، وَلاَ الْعَمَائِمَ، وَلاَ السَّراوِيلاَتِ، وَلاَ الْبُرْنُسَ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ، وإنْ لَمْ

16 - باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل

يَجدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُوناَ أَسفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ". (المُحْرِم) بالرفع فاعل لبس، وفي بعضها: للمُحْرِم، بلام البيان كالتي في نحو: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]. (عن سالم عن عبد الله) في بعضها: (ابن)، والصَّواب: (عن). (نعلين) مفهومُه أنَّه لا يَلبَس في إحدى رجلَيه نَعْلًا، والأُخرى خُفًّا، كما لا يجوز أن يغْسِل في الوُضوء رِجْلًا، ويمسَح على الخُفِّ الأُخرى. * * * 16 - بابٌ إِذا لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ 1843 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن دِينَارٍ، عَنْ جَابرِ بن زَيْدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: خَطَبنا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: "مَنْ لَمْ يَجدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَس الْخُفَّيْنِ". (بابٌ: إذا لم يَجد الإزارَ) الحديث فيه بمعنى ما سبَق. * * *

17 - باب لبس السلاح للمحرم

17 - بابُ لُبْسِ السِّلاَحِ لِلْمُحْرِمِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِذَا خَشِيَ الْعَدُوَّ لَبسَ السِّلاَحَ وَافْتَدَى. وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِي الْفِدْيَةِ. (باب لُبْس السِّلاح للمُحْرِم) (ولم يُتابَع) بفتح الموحَّدة، أي: لم يقُل به غيره، وقال (ن): لعلَّه أراد إذا كان مُحْرِمًا فلا يكون مُخالِفًا للجماعة. * * * 1844 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -: اعْتَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ سِلاَحًا إلَّا فِي الْقِرَابِ. (يدعوه)؛ أي: يتركُوه. (قاضاهم) من القَضاء، يعني الفَصْل والحُكْم. (القِرَاب) هو جِرَابٌ يُوضَع فيه السَّيْف بغِمْده، وقال (ش): شِبْهُ جِرابٍ يُطرَح فيه الزَّاد إذا كان راكِبًا من تمرٍ وغيره. * * *

18 - باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام

18 - بابُ دُخُولِ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَدَخَلَ ابن عُمَرَ. وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالإهْلاَلِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْحَطَّابينَ وَغَيْرِهِمْ. (باب دُخُول الحرَم ومكَّة بغَير إحرامٍ) (ودخل ابن عُمر)؛ أي: حَلالًا. (وغيرهم) ممن يتكرَّر دُخوله للحاجَة كالحشَّاشين، والسَّقَّائين، ونحوهم. * * * 1845 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أتى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. الحديث الأول: سبَق شرْحه كثيرًا، وأنَّه يُقال فيه: يَلَمْلَم، وألَمْلَم. ووجْهُ دلالته على التَّرجمة من قوله: (لمَنْ أَرادَ)، كأنَّ مَفهومَه

أنَّ مَن لم يُرِد يدخُلْ بلا إحرامٍ إذا لم يعيِّن له ميقاتًا. * * * 1846 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْح، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ ابن خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". الثاني: (المِغْفَر): ما يُلبس تحت القَلَنْسُوة، وهو زَرَدٌ يُنسج من الدُّروع على قَدْر الرأْس. (رجل) قال بعض العصريين: لم يُسَمَّ، وقال (ك): هو أبو بَرْزَة الأَسْلَمي. قلتُ: كذا ذكَره ابن طاهر وغيره، وقيل: سعيد بن حُرَيث، وقيل: أبو بُرْدة، كما أَوضحتُ ذلك في "شرح الزهر في رجال العمدة". (ابن خَطَلٍ) بفتح المعجَمة، والمهملة، بعدها لامٌ، اسمه: عبد الله، أو عبد العزيز، كانَ ارتدَّ، وقتَل مسلمًا كان يخدمُه، وكان يهجُو النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والمُسلمين. ووجْهُ دلالته على الترجمة: دُخوله بالمِغْفَر؛ إذ لو كان مُحرِمًا لكشَفَ رأْسَه، والقاتِل لابن خَطَل: سعيد بن حُرَيث، بضمِّ المهملة،

19 - باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص

وفتح الرَّاء، وبالمثلَّثة. وفيه جَواز إقامة الحَدِّ، والقِصَاص في حرَم مكة، وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأَوَّل الحديث بأنَّه كان في الساعة التي أُبيْحت له، وأجاب أصحابنا: بأنه إنما أُبيحت له ساعةَ الدُّخول حتى استولى عليها، وقتَل ابن خَطَلٍ بعد ذلك. قلتُ: في كتاب "الأَمْوال" لأبي عُبَيد: أنها كانتْ من ضَحْوة العَصْر، فلا يستقيم الجواب بذلك. (بأستار) لا يُنافي حديثَ: "مَنْ دخَلَ المَسجِدَ فو آمِنٌ"، بل يكون فعلُه - صلى الله عليه وسلم - تخصيصًا لهذا العامِّ، وقيل: يمتنِع دُخول مكة بغير إحرامٍ، ولكنَّه - صلى الله عليه وسلم - دخلَها كذلك يوم الفتْح؛ لأنه كان خائِفًا. * * * 19 - بابٌ إِذَا أَحْرَمَ جَاهِلًا وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبسَ جَاهِلًا أَوْ ناَسِيًا فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (باب: إذا أحْرَمَ جاهلًا وعليه قَميصٌ) * * * 1847 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، قَالَ:

حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بن يَعْلَى، عَنْ أَبيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ أثَرُ صُفْرَةٍ أَوْ نَحْوُهُ، كَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِي: تُحِبُّ إِذَا نزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَنْ تَرَاهُ؟ فَنَزَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: "اصْنَعْ فِي عُمْرتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ". 1848 - وَعَضَّ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ -يَعْنِي: فَانتزَعَ ثَنِيَّتَهُ- فَأَبْطَلَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (به أثر صفرة)؛ أي: بالرَّجل، وفي بعضها: (عليها)، أي: على الجبَّة. (سُري) بضم السين، أي: كُشِفَ. (وَعَضَّ رَجُل) هو يَعلَى. (يَدَ رَجُلٍ) أي: [أجيره] (¬1) كما في "مسلم". (ثنيته)؛ أي: سِنه. (فأبطله)؛ أي: حَكَم بأنه هَدَر، لأنه نزعها دفعًا للصائل، بل وذكر هذا هنا، لأنه من تتمة الحديث، وذكره في الحديث: الجبة، والترجمة: القميص، لأن حكمهما واحد (¬2) لا سيما والجبة قميص وزيادة، وسبق شرح الحديث بطوله في أول (الحج)، في ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وانظر: "هدي الساري" لابن حجر (ص: 276). (¬2) في الأصل: "حكمهما داخل".

20 - باب المحرم يموت بعرفة، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤدى عنه بقية الحج

(باب: غَسل الخَلُوق). * * * 20 - بابُ الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بعَرَفَةَ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الْحَجِّ (باب المُحْرِم يَمُوت بعرَفةَ) 1849 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ، عَنْ عَمْرِو بن دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَقْعَصَتْهُ- فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ -أَوْ قَالَ: ثَوْبَيْهِ- وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ الله يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبي". الحديث الأول: (أو) شكٌّ من الرَّاوي. (فأقْعَصَتْهُ) بالقاف، ومهملَتين، أي: قتلَتْه في مكانه. (تخمروا): تُغطُّوا. (تحنطوا) تجعلوا فيه حَنُوطًا، وهو أخلاطٌ من الطِّيْب للميت مِن

21 - باب سنة المحرم إذا مات

كافورٍ، وذَرِيْرةِ قصَبٍ، وصَنْدَلٍ. * * * 1850 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ- فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، فَإنَّ الله يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبيًّا). الثاني: بمعناه، وفيه أنَّ التَّلْبية لا تُقطَع حتى يَرميَ الجمْرة. * * * 21 - بابُ سُنَّةِ الْمُحْرِمِ إِذَا مَاتَ (باب سنَّة المُحْرِم إذا ماتَ) 1851 - حَدَّثنا يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَناَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَقَصَتْهُ ناَقَتُهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلاَ تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبيًّا".

22 - باب الحج والنذور عن الميت، والرجل يحج عن المرأة

الحديث فيه بمعنى ما سبق. * * * 22 - بابُ الْحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ الْمَرْأَةِ (باب الحجِّ والنُّذُور عن المَيِّت، والرَّجُل يحُجُّ عن المَرأَة) 1852 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى ماتَتْ، أفأَحُجُّ عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كانَ على أُمّكِّ دَيْنٌ، أكُنْتِ قاضيَةً؟ اقْضُوا الله، فَالله أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ". (اقضوا الله)؛ أي: حقَّ الله. (فالله أحق بالوفاء)؛ أي: بوفاءِ حقِّه من غيره. فيه جَواز القِياس، وأنَّ الحجَّ الواجِب كالدَّين الواجِب يُقضَى وإنْ لم يُوص به. ووجْهُ مطابقة الحديث التَّرجمة: أنَّه إذا جاز حجُّ المرأة عن الرجل، فالرجل عن المرأَة أَولى، وفي بعضها: (المرأَة تحجُّ عن المرأَة)، وقال (ط): خاطَب بلفْظٍ يعمُّ الرِّجالَ والنِّساء، وهو: (اقضوا الله). * * *

23 - باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة

23 - بابُ الْحَجِّ عَمَّنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ (باب الحجِّ عمَّن لا يَستطِيعُ) 1853 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -: أَنَّ امْرَأَةً (خ). 1854 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن أَبي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابن شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكتْ أَبي شَيْخًا كَبيرًا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". * * * (يقضي)؛ أي: يُجزئ، أو يَكفِي، أو يَنفُذ. وفيه جَواز الإرْداف، وسماع صَوت الأجنبيَّة عنْد الحاجة في الاستِفتاء وغيره، وتحريم النَّظَر إليها، وإزالة المُنكَر باليَدِ، وجَواز النِّيابة، والحجُّ عن العاجِز، وبرُّ الوالدَين بالقِيام بمصالحهما من قَضاء

25 - باب حج الصبيان

دينٍ، وحجٍّ، وخدمةٍ، وغير ذلك، ووُجوب الحجِّ عن المَعضُوب، وحجُّ المرأَة بلا محرمٍ عند الأَمْن، وقال مالكٌ: لا تحجُّ إلا عن الميِّت الذي لم يحجَّ حَجَّة الإسلام. * * * 25 - بابُ حَجِّ الصِّبْيَانِ (باب حَجِّ الصِّبْيان) 1856 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله ابن أَبي يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: بَعَثَنِي -أَوْ: قَدَّمَنِي- النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. الحديث الأول: (الثَقَل) بمثلَّثةٍ، وقافٍ مفتوحتين: الأَمتِعة، والمراد هنا آلاتُ السَّفَر، ومتَاع المُسافِرين. (جمع)؛ أي: من مُزدَلفة. * * * 1857 - حَدَّثَنَا إِسحَاقُ، أَخْبَرَناَ يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابن أَخِي ابن شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بن عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَقْبَلْتُ وَقَدْ ناَهَزْتُ الْحُلُمَ،

أَسِيرُ عَلَى أتانٍ لِي، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يُصَلِّي بِمِنًى، حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ نزَلْتُ عَنْهَا فَرتَعَتْ، فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وقالَ يُوْنُسُ، عنِ ابنِ شِهَابٍ: بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ. الثاني: (ناهزت)؛ أي: قاربْتُ. (الحُلُم) بضمِّ اللام وسُكونها: البُلوغ. (فرتعت)؛ أي: الأَتَان. (وقال يونس) وصلَه مسلم. * * * 1858 - حدثنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بن يُوْنسُ، حدَّثنا حاتِمُ بن إسْماعِيلَ، عنْ مُحَمَّدِ بن يُوسُفَ، عنِ السَّائِبِ بن يَزِيدَ، قالَ: حُجَّ بيِ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ ابن سَبْعِ سِنِينَ. الثالث: (حُج بي) بالبناء للمفعول. * * * 1859 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن زُرَارَةَ، أَخْبَرَناَ الْقَاسِمُ بن مَالِكٍ، عَنِ الْجُعَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَقُولُ لِلسَّائِبِ بن يَزِيدَ، وَكَانَ قَدْ حُجَّ بِهِ فِي ثَقَلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

26 - باب حج النساء

الرابع: (يقول) معمولُه يأتي بعدَ هذه الجُملة الاعتراضية، وهي: (للسائب بن يزيد)؛ أي: لأجْله، وفي حقِّه ذلك. (وكان السائب قد حج به) والواو كأنها عطفٌ على مقولٍ آخرَ سبَق من عُمر بن عبد العَزيز. * * * 26 - بابُ حَجِّ النِّسَاءِ (باب حَجِّ النِّساء) 1860 - وَقَالَ لِي أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَذِنَ عُمَرُ - رضي الله عنه - لأَزْوَاجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ. الحديث الأول: (إذن)؛ أي: في خروجهنَّ للحج. (بعث معهن) المَبعُوثان وإنْ لم يكونا مَحْرَمَين، والمرأَة منهيةٌ عن السَّفَر بغير مَحْرَمٍ أو زوجٍ، لكنْ كان معهنَّ نسوةٌ ثِقاتٌ، فقُمْنَ مَقام المَحْرَم، أو أنَّ كل الرِّجال مَحْرَمٌ لهنَّ؛ لأن المَحْرَم مَن حَرُمَ نكاحُها على التَّأْبيد بسببٍ مُباحٍ لحُرمتها، فخرَج بالتَّأْبيد أُخت المرأَة، وبمباحٍ

أُمُّ الموطوءَة بشُبهةٍ، ولحُرمتها المَلاعَنة؛ لأنَّ تحريمها تغليظٌ وعُقوبةٌ، بل قال الشَّافعي: لا يُشترط المَحْرَم بل الأَمْن على نفْسها، ولو كانتْ وحدَها في القافلة آمنةً مطمئنةً، وكأنَّه نظَر للعلَّة. * * * 1861 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدُّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا حَبيبُ بن أَبي عَمْرَةَ، قَالَ: حَدَّثتْنَا عَائِشَةُ بنتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَلاَ نَغْزُوا وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: "لَكُنَّ أَحْسَنُ الْجهَادِ وَأَجْمَلُهُ الْحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلاَ أَدعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (نغزو ونجاهد) جمع بينهما لتَغايُرهما، فإنَّ الغَزْو القَصْدُ إلى القِتال، والجِهاد بذْل المقدُور في القتال، ويحتمل الترادُف، فيكون تأْكيدًا. (لكنّ) بتشديد النُّون ضميرِ النِّسوة، وهو خبرٌ عن المبتدأ، وهو (أحسَن)، و (الحجُّ) بدَلٌ، و (حجٌّ) بدلُ البدَلِ، وقال التَّيْمِي: هو بتخفيف النُّون وسُكونها، و (أحسَن) مبتدأٌ، و (الحجُّ) خبره. * * * 1862 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ

أَبي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كذَا وَكذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ؟ فَقَالَ: "اخْرُجْ مَعَهَا". الثالث: (مَحْرَم) يحتمل محْرَم لها، وأن يُرادَ لها أوله، والحديث مخصوصٌ بالزَّوج لما في آخِر الحديث، فإنه إذا كان معها لا تحتاج لِمَحْرَمٍ من بابٍ أَولى، فتجويز الفقهاء الدُّخولَ عليها إذا كان زوجٌ أو نسوةُ ثقاتٌ فبالقياس أيضًا على المَحرَم لعلَّة وُجود الأَمْن، ولذلك عمَّمَ الشافعي في قولٍ سفَرَها عند الأمْن كما سبق. (أخرج معها) فيه تقديم الأهمِّ عند المُعارَضة، فرجَّح الحج؛ لأن الغَزْو يقوم غيره فيه مَقامَه بخلاف الحجِّ معها. * * * 1863 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ يَزِيدُ بن زُريعٍ، أَخْبَرَناَ حَبيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: "مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ؟ " قَالَتْ: أَبُو فُلاَنٍ -تَعْنِي: زَوْجَهَا- كَانَ لَهُ ناَضحَانِ، حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضي حَجَّةً مَعِي".

رَوَاهُ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 1863 / -م - وَقَالَ عُبَيْدُ الله: عَنْ عَبْدِ الْكَرِيم، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابرٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: سبق في أول (كتاب العُمْرَةِ)، وأن المراد بأنها تُجزئ: محمولٌ على الثَّواب. (رواه ابن جُريج) وصلَه البخاري في (باب العُمْرَة في رمضان). (وقال عبيد الله) وصلَه أحمد، وابن ماجه. * * * 1864 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ابن عُمَيْرٍ، عَنْ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً- قَالَ: أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - -أَوْ قَالَ: يُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْجَبننِي وَآنَقْنَنِي: "أَنْ لاَ تُسَافِرَ امْرَأةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلاَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ؛ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَتَيْنِ؛ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الصُّبْح حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ؛ مَسْجدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجدِي، وَمَسْجدِ الأَقْصَى".

الخامس: سبق شرحه في (كتاب الصلاة)، في (باب: فضْل الصَّلاة بمَسجِد مكَّة). (وآنَقْنَنِي) بفتح النُّون الأُولى، وسُكون القاف، وفتح النُّون الثانية، أي: أعجَبنني. قال (ن): تُكرِّر العرَب تكريرَ المعنى باختلاف اللَّفْظ كقوله تعالى: {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]. (أن لا تُسافر) بالرفْع لا غيرُ، فـ (أنْ) مُفسِّرةٌ لا ناصِبةٌ. (زوج) عُلِمَ به أنه مفهوم: لا تُسافِر إلا مع مَحْرَمٍ عُمومُه مخصوصٌ بما جاءَ هنا من سفَرها مع زَوجٍ، أو أن مفهوم المُخالفة ساقِطٌ إذا كان ثَمَّ مُوافقةٌ؛ لأن ذلك من شُروط العمَل بالمخالفة، فإنَّ سفَر الزَّوج معَها أَولى من المَحْرَم. (ذو مَحْرَم)؛ أي: مَحْرَم، فالمعنى فيهما واحدٌ، كما قاله الجَوْهَرِي. (ولا صوم يومين)، (صَوم) اسمُ (لا)، و (يومين) خبَرها، أي: لا صومَ في هذين اليومَين، ويجوز أن يكون صوم مُضافًا ليَومَين، أي: لا يصُوم صومهما، أو لا صومَ يومين ثابتٌ، أو مشروعٌ، وسبق كثيرٌ من مباحث الحديث. * * *

27 - باب من نذر المشي إلى الكعبة

27 - بابُ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى الْكَعْبَةِ (باب مَنْ نذَر المَشْيَ) 1865 - حَدَّثَنَا ابن سَلاَمٍ، أَخْبَرَناَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابتٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى شَيخًا يُهَادَى بَيْنَ ابنيْهِ قَالَ: "مَا بَالُ هَذَا؟ " قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ. قَالَ: "إِنَّ الله عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ"؛ أَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ. الحديث الأول: (يُهادى) بالبناء للمفعول، أي: يمشي بينهما معتمِدًا عليهما. (أن يمشي)؛ أي: راجِلًا. (فأمره أن يركب)؛ لأنَّ الوفاء بالنُّذور وإنْ كان واجِبًا إلا أنَّ هذا معذورٌ، هذا إنْ قُلنا: المشي أفْضَلُ، فإنْ قُلنا: الرُّكوب أفْضَل، فيكون نَذْرًا لغير الأفضل، فلا يصحُّ. قلتُ: النَّذْر صحيحٌ كما صرَّح به أصحابنا، فيُكتفى بالجواب السابق. * * * 1866 - حدثنا إبْراهِيم بن مُوْسَى، أخْبَرَناَ هِشَامُ بن يُوسُفَ: أنَّ ابن جُرَيْحٍ، أخْبَرَهُمْ قالَ: أخْبَرَنِي سَعِيدُ بن أبيِ أيُّوبَ: أنَّ يَزِيدَ بن

أبيِ حَبيبٍ أخْبَرَهُ: أنَّ أبَا الخَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِي إِلَى بَيْتِ الله، وَأَمَرتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: "لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ". قَالَ: وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لاَ يُفَارِقُ عُقْبَةَ. 1866 / -م - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجِ، عَنْ يَحْيَى بن أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. الثاني: سبق شرحه.

29 - أبواب فضائل المدينة

29 - أبواب فضَائل المدينة

1 - باب حرم المدينة

29 - أبواب فضَائل المدينة 1 - باب حَرَمِ الْمَدِينَةِ (باب حَرَمِ المدينة) 1867 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ثَابتُ بن يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَحْوَلُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". 1868 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَأَمَرَ ببنَاءِ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: "يَا بني النَّجَّارِ! ثَامِنُونِي". فَقَالُوا: لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى الله. فَأَمَرَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ، فَنُبشَتْ، ثُمَّ بِالْخِرَبِ فَسُوِّيتْ، وَبالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجدِ. الحديث الأول: (لا يُحدث) بالبناء للمفعول، والفاعل، أي: لا يُعمل فيها عمَلٌ

مخالفٌ للكتاب والسنَّة. (يا بني النجار) هم بطْنٌ من الأنصار. (ثامنوني)؛ أي: بايعُوني بالثَّمَن. (بالخَرِب) بفتح المعجمة، وكسر الراء: جمع خَرِبَة كنَبِق، وفي بعضها بكسر ثم فتحٍ كنِعْمَة، ونِعَم، ورُوي بفتح المهملَة والثاء المثلَّثة، أي: الموضع المَحرُوث للزِّراعة، وسبق الحديث في (باب: هل تُنبش قُبور المشركين ليُتخذَ مكانُها مساجدَ؟). * * * 1869 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "حُرِّمَ مَا بَيْنَ لابَتَيَ الْمَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي". قَالَ: وَأَتَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بني حَارِثَةَ فَقَالَ: "أَرَاكُمْ يَا بني حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الْحَرَمِ"، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَقَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ". الحديث الثاني: (لابتي) اللَّابَة بتخفيف المُوحَّدة: الحَرَّة، وهي أرضٌ لبسَتْها حجارةٌ سُودٌ، والمدينة بين حَرَّتَين، شرقيَّةٍ وغربيَّةٍ، وقيل: المراد بذلك: حرَّمَ المدينة ولابتَيها جميعًا. (يا بني حارثة) قَبيلةٌ من الأنصار ظنَّ أنهم خارجون من الحرَم،

فلمَّا تأَمَّل مواضعَهم رآهم داخلين، فقال: (بل أنتم فيه). * * * 1870 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَا عِنْدَناَ شَيْءٌ إِلَّا كتَابُ الله، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ"، وَقَالَ: "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ". الثالث: (شيء)؛ أي: من أحكام الشَّريعة، أي: مكتوبٌ، وإلا فالشَّريعة كثيرةٌ إلا أن السُّنن في ذلك الوقت لم تكُنْ مكتوبةً في الكتُب مُدَوَّنة في الدَّواوين، نعَمْ، تقدَّم في (كتاب العِلْم): أن في الصَّحيفة العَقْل، وفِكَاك الأَسير، وليس بمُنافٍ ما هنا أنَّ فيها المدينة حرَم ... إلى آخره؛ لجَواز كون الكُلِّ فيها. (عائر) بمهملةٍ، وألفٍ، وهمزةٍ، وراءٍ: جبَلٌ بالمَدينة، وفي

بعضها: (عَيْر) بلا ألف، قال (ع): وأكثَر رُواة البخاري ذكَره. وأما ثَوْر، أي: وهو ما في "مسلم": ما بَيْن عَيْرٍ إلى ثَوْر، فمِن رُواة البُخاري مَن كنَّى عنه بكذا بذالٍ معجمةٍ، ومنهم من يَترك مكانَه بَياضًا؛ لأنهم أعتقَدوا أنَّ ذِكْر ثَوْرٍ خطأٌ؛ إذْ ليس بالمدينة موضعٌ يسمَّى ثَورًا، إنما ذلك بمكة، وقال بعضهم: الصَّواب: (مِن عَيْرٍ إلى أُحُدٍ). قال (ش): قال مُصعب الزُّبَيري، وغيره: ليس في المدينة عَيْرٌ ولا ثَورٌ، إنما هو بمكَّة، وأجاب (ن) عن الإشكال: بأنَّه يحتمل أنَّه كان بالمدينة ثَوْرٌ اسمًا لجبَل، إما أُحُد أو غيرُه، لكنْ خَفِيَ اسمه، وقال الطِّيْبي: المُراد أنَّ حرَم المدينة قدْر ما بين عَيْرٍ وثَوْرٍ من حرَم مكة فهو بتقدير حذف المضاف. قلتُ: وذكر ذلك أيضًا المُنذِري في "حَواشي السُّنن" قال: أو يكون المُراد أنَّه حرم من المدينة كالتَّحريم لمَا بين عَيْرٍ وثَوْرٍ من مكة، أو يكون (إلى) هنا بمعنى: (مع)، أي: حرامٌ ما بين عائِرٍ مع ما حُرِّم في مكَّة إلى ثَورٍ، انتهى. (آوى) بالمدِّ على الأفْصح في المُتعدِّي، وعكسه في اللازِم. (مُحدثًا) قال (خ): -بفتْح الدال- الرأي المُحْدَث في أمْر الدِّين والسُّنَّة، وبكسرها، أي: صاحِبُه الذي أحدَثَه وابتدَعه، وقال التَّيْمِي: مَن ظَلَم فيها، أو أعانَ ظالمًا.

(صَرْف)؛ أي: فَريضَة. (عَدْل)؛ أي: نافِلَة، وقال الحسَن: بالعكس فيهما، وقال الأَصْمَعي: الصَّرْف: التَّوبة، والعَدْل: القُرْبة، قالوا: معناه: لا يَقبَل قَبولَ رِضًا، وإنْ قُبلتْ قَبول جَزاءٍ. (لعنة) المراد بها هنا: البُعْد من رحمة الله، وعن الجنَّة أوَّل الأَمْر بخلاف لَعْنة الكافِر؛ فإنها البُعد أوَّلًا وآخِرًا. وفيه وَعيْد شَديدٌ، فَيُستدلُّ بها على أنها كبيرةٌ. (ذمة)؛ أي: العَهْد والأَمان، أي: أَمان المسلم للكافِر صحيحٌ، والمسلمون كنفْسٍ واحدةٍ، وشُروط الأمان مذكورةٌ في الفِقه. وفيه أمانُ العبد والمرأَة جائزٌ. (أخفر)؛ أي: نقَضَ عَهْدَه، ويُقال: خفَرتُ الرجلَ: أمنتَه، وأَخْفَرتُه: نقضْتُ عَهْدَه، فالهمزة للإزالة. (تولى)؛ أي: اتخذَهم أولياءَ. (بغير إذن) ليس بقَيْدٍ على الغالِب. قال (خ) (¬1): أو أنه تأْكيدٌ للتَّحريم؛ لأنه لو استأْذنَهم في ذلك منَعُوه، وحالُوا بينه وبين ما يَفعل. وفيه تحريم انتِماء الإنسان إلى غير أبيه، أو العَتِيْق إلى غير ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل.

2 - باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس

مُعْتقِه؛ لمَا فيه من كُفْر النِّعمة، وتضييع حُقوق الإرث، والوَلاءِ، وغير ذلك، مع ما فيه من قَطيعة الرَّحم والعُقوق. * * * 2 - بابُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاسَ (باب فَضْل المَدينة) 1871 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بن يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وَهْيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". (بقرية)؛ أي: بالهجرة إليها، والنُّزول بها. (تأكل) كنايةٌ عن كَون أهلها تَغلِبُ أهلَ سائر البلاد؛ لأن الآكِل غالبٌ على المأكول، قال (ن): لأنها مركَز جُيوش الإسلام في أوَّل الأمر، عنها فُتِحت البلاد، وغُنِمت أموالُها، وأن أكْلها يكون من القُرى المُفتَتحة، وإليها تُساق غنائمُها. (يثرب)؛ أي: كانوا يسمُّونها يثْرِب، ولكن كَرِه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -

3 - باب المدينة طابة

تسميتَها به؛ لأنها من التَّثْريب الذي هو التَّعيير، فأَحَبَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُقال لها: المَدينة، أي: فهي الكامِلة التي تَستحقُّ أن يُقال لها: المَدينة على الإطْلاق كالبَيْت للكَعْبة، وأما تسميتها في القُرآن: يَثْرِب؛ فإنما هو حكايةٌ عن المُنافقين. (تَنْفِي الناس)؛ أي: الخَبيْثَ الرَّديءَ منهم، وقَرينتُه التَّشبيه بخبَث الحديد. و (الكِيْر): هو ما يَنفخ به الحدَّاد، معروفٌ. قال (ك): وأما المبنيُّ من الطِّين، فهو الكُور. (الخَبَث) بفتح الخاء، والباء، ويُروى بضمٍ، ثم كسْرٍ. * * * 3 - بابٌ الْمَدِينَةُ طَابَةُ (باب المَدينة طَابَة) تأْنيث طَاب، وكذا طَيْبة تأْنيث طيب غير منصرفَين. 1872 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بن يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بن سَهْلِ بن سَعْدٍ، عَنْ أَبي حُمَيْدٍ - رضي الله عنه -: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تَبُوكَ حَتَّى أَشرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: "هَذِهِ طَابَةُ".

4 - باب لابتي المدينة

(تبوك) بطرَف الشَّام بينه وبين المدينة أربعةَ عشَر مَرحلةً، غير منصرفٍ. * * * 4 - بابُ لاَبَتَيِ الْمَدِينَةِ (باب لابَتَيَ المَدينة) 1873 - حدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أخْبَرَناَ مالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابِ، عَنْ سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّهُ كانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ". (ذَعَرْتُهَا) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ، وراءٍ، أي: أَفْزعتُها ونفَّرتُها. * * * 5 - باب مَنْ رَغِبَ عَن الَمدينةِ (باب مَنْ رَغِبَ عن المَدينة) 1874 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -

يَقُولُ: "يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لاَ يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِ -يُرِيدُ: عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ- وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجدَانِهَا وَحْشًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا". الحديث الأول: (على خير ما كانت)؛ أي: أعمَرَها وأكثَرَها ثمارًا. (لا يغشاها)؛ أي: لا يسكُنها. (إلا العَوَاف) جمع: عافِيَة، وهو كلُّ طالبِ رزْقٍ من إنسانٍ، أو بهيمةٍ، أو طائرٍ، وعافية الماء، وارِدَتُه، والمراد هنا السِّباع والطُّيور. (يُحشر)؛ أي: يُساقُ، ويُجلَى من الوطَن، وقيل: آخِر مَن يموت يُحشر؛ لأنَّ الحشْر بعد الموت، ويحتمل أن يتأخَّر حشْرُهما لتأخُّر موتهما، والقَول الأوَّل هو لفْظٌ رواه مسلم، وفي "كتاب العُقَيلي": هما عافِيَا هذه الأُمة وآخرُها حشْرًا، وهما يَنزِلان بجبَلٍ من جبال العرَب يُقال له: ورقان. (مُزَيْنَة) بضمِّ الميم، وفتح الزاي: قَبيلةٌ من مُضَر. (يَنْعِقَان) بكسر العين وفتحها، مِن النَّعيق: هو صَوت الرَّاعي، ونَعِقَ -بالكسر-: صاحَ بها وزجَرها. (يَجدَانها)؛ أي: يجدان أهلَها وُحوشًا، أو يجدان أنَّ المدينة ذاتُ وُحوشٍ، وقيل: تصير غنَمُها وُحوشًا، إما بانقِلاب ذاتها، أو أنها

تتوحَّش وتَنفِر من أصواتهما، وقال ابن الجَوْزِي: الوَحوش بفتح الواو، والمعنى: أنها خاليةٌ، ويُروى: (وَحْشًا)، أي: كثيرة الوحوش لمَّا خلَتْ من سُكَّانها. (الوداع) عقَبَةٌ عند حرَم المدينة؛ لأن المودِّعين يمشُون إليها في الوداع لمن يخرُج من المدينة، وهذا سيقَع عند قُرب الساعة، وقال (ع): هذا جرَى في العَصْر الأول وانقضَى، وقد تُركت المدينة على أحسَن ما كانتْ حين انتقلَت الخِلافة عنها إلى الشَّام، وذلك الوقْت خير ما كانت للدِّين لكثْرة العُلماء بها، وللدُّنيا لعِمارتها واتساع حال أهلها، وذكَر الأخْباريُّون في بعض الفِتَن التي جرَت بالمدينة: أنه رحَلَ عنها أكثَرُ النَّاس، وبقِيَتْ أكثَر ثمارها للعَوافي، وخلَتْ مدَّةً، ثم تراجَع الناس إليها. * * * 1875 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بن أَبي زُهَيْرٍ - رضي الله عنه - أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ، فَيَأْتِي

قَوْمٌ يُبسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ". الحديث الثاني: (يُبسون) بمثنَّاةٍ مضمومةٍ، ثم موحَّدةٍ مكسورةٍ، وسين مهملةٍ رُباعيًّا، وبفتْح أوله، وكسْر ثانيه ثُلاثيًّا، قال ابن مالك: أي: يَسيرون، وحكَى (ط) عن أبي عُبَيد: أن أهل اليمَن إذا ساقُوا حمارًا وغيرَه يقولون: بَسْ بَسْ، وفيه لُغتان مشهورتان: بَسَّ وأَبَسَّ، وقال الحَرْبي: بَسَسْتُ الغنَم: دعَوتُها، فالمعنى: يَدعُون النَّاسَ إلى بلاد الخِصْب، وهذا أليَقُ بمعنى الحديث، أي: يسُوقون أموالَهم، وهو أحَد الأقوال في قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: 5]، أي: سِيْقت، كما قال تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} [النبأ: 20]، والمعنى: أنَّهم يتحمَّلون من المدينة إلى هذه البلاد المُفتَتحة لسَعَة العَيْش. فالمراد: أن المدينة خيرٌ لهم؛ لأنها حَرَمُ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومَهْبط الوَحْي، ومَنْزِل البركات. وجواب (لَو) محذوفٌ دلَّ عليه ما قبلَه، أي: لو كانوا من أَهل العِلْم لعرَفوا ذلك، ولَمَا فارَقُوا المدينة، أو هي للتَّمنِّي فلا جوابَ لها. وفيه مُعجزةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - في إخباره بفتح هذه الأقاليم، وأنَّ الناس يتحمَّلون بأهاليهم، ويُفارِقون المدينة، وأنَّ هذه الأقاليم تُفتَح على هذا الترتيب، ووُجِد جميع ذلك.

6 - باب الإيمان يأرز إلى المدينة

وقال المطرِّزي: أخبر أن اليمَن تُفتَح فيأْتي منها قومٌ للمدينة، حتى يكثُر أهلُها، والمدينةُ خيرٌ لهم من غيرها، وكذا الشَام والعِراق. * * * 6 - بابٌ الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ 1876 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بن عِيَاضٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ الله، عَنْ خُبَيْبِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بن عَاصِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الإيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا". (باب: الإيمان يأْرِزُ إلى المَدينة) (يأرِز) بكسر الراء، وبالزَّاي: ينضمُّ، ويجتمع بعضُه إلى بعضٍ. * * * 7 - بابُ إِثمِ مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ 1877 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بن حُرَيْثٍ، أَخْبَرَناَ الْفَضْلُ، عَنْ جُعَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْدًا - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ".

8 - باب آطام المدينة

(باب إثْم مَن كادَ أهْلَ المَدينة) (انْمَاع): انْفَعَلَ مِن الميَعان، ويجوز بإدغام النُّون في الميم، أي: ذابَ وجَرَى على وجه الأرض مُتلاشِيًا. قال (ن): يعني مَن أرادَ المَكْر بهم لا يُمهله الله، ولم يكُن له كما انقضَى شأْن مَن حاز بها أيَّام بني أُمية، مثْل مسلِم بن عقبة، فإنه هلَكَ في مُنصَرَفه عنها، ثم هلَك مَن أرسلَه إليها يَزِيْد بن مُعاوية على إثْر ذلك، وغيرهما ممن صنَع صنيعهما. وقيل: المُراد: مَن كادَها اغتيالًا، وعلى غفْلةٍ من أهلها لا يتمُّ له أمرٌ. * * * 8 - بابُ آطَامِ الْمَدِينَةِ (باب آطَامِ المَدينة) جمع أُطُم، بضمَّتين، أو بسكون الطَّاء، وهو جمعُ أطَمَةٍ كأكَمَةٍ وأُكُم. قال (ع): الآطَام بالمدِّ واحدٌ وجمعٌ، ويُقال: إِطَام بالكسر: الأبنية المرتفِعة كالحُصون، وهي حُصون لأهل المدينة. 1878 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابن شِهَابٍ، قَالَ:

9 - باب لا يدخل الدجال المدينة

أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، سَمِعْتُ أُسَامَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَشْرَفَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ". تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَسُلَيْمَانُ بن كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (خلال) جمع خَلَلٍ، وهو الفُرْجَة بين الشَّيئين. ووجْهُ الشَّبَه العُموم والكثْرة. (تابعه مَعْمَرٌ) وصلَه البخاري في (الفِتَن). (وسليمان) وصلَه في كتاب "بر الوالدين" خارج الصَّحيح. * * * 9 - بابٌ لاَ يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ (باب: لا يَدخُل الدَّجَّال المَدينةَ)، من الدَّجَل، وهو الكَذِب والخَلْط؛ لأنَّه كذَّابٌ خلاطٌ. 1879 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ".

الحديث الأول: (رعب)؛ أي: خَوف، وإذا لم يدخُل رُعْبُه، فأَولى اْنْ لا يدخُل. (المسيح) سُمي بذلك؛ لأنه يمسَح الأرضَ، أو ممسُوح العَين؛ لأنه أَعْوَر. (الدجال) ذكَر وصْفه بذلك ليُميَّز عن عيسى - عليه السلام -. * * * 1880 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نُعَيْمِ بن عَبْدِ الله الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ، لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلاَ الدَّجَّالُ". الثاني: (أنقاب) جمع نِقْبٍ، وجمعه في الكثْرة: نِقَاب، والنِّقْب: الطَّريق في الجبَل، وقيل: الطَّريق على رأْس الجبَل. قال الأخْفَش: المراد هنا: طرُق المدينة وفِجَاجها. (الطاعون): المَوت، والوَباء، وهذه الجُملة مستأنَفةٌ بيانٌ لموجِب كون الملائكة على الأنْقاب. * * * 1881 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو

عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنِي أَنسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ صَافِّينَ، يَحْرُسُونها، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ الله كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ". الثالث: (إلا مكة) مستثنًى من المستثنى لا مِن بلَدٍ، أي: في اللَّفْظ، وإلا ففي المعنى منه؛ لأن الضمير في: (سيَطَؤُه) عائدٌ إلى بلَد. * * * 1882 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بن عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه -، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ: "يَأْتِي الدَّجَّالُ -وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ- بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، هُوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ: مِنْ خَيْرِ النَّاسِ- فَيقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ، الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيتَ إنْ قتلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ. فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْييهِ، فَيقُولُ حِينَ يُحْييهِ: وَالله مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَقْتُلُهُ فَلاَ أُسَلَّطُ عَلَيْهِ؟! ".

10 - باب المدينة تنفي الخبث

الرابع: (السِّبَاخ) جمع سَبْخَة، وهي أرضٌ تعلُوها مُلوحةٌ، والمُراد ينزِل خارجَ المدينة. (رجل) قال مَعْمَر في "جامعه": بلغَني أنه الخَضر - عليه السلام -. (فيقولون لا) هم اليَهود، ومَنْ صدَّقه من أهْل الشِّقاوة، أو العُموم يقُولون ذلك خوفًا منه لا تصديقًا له، أو قصَدوا بذلك عدَم الشَّكِّ في كُفْره، وأنه دجَّالٌ. (أشد بصيرة) في بعضها: (أشَدَّ منِّي بَصيرةً)، فالمفضَّل والمفضَّل عليه واحدٌ باعتبارَين، وإنما يقول ذلك؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأنَّ علامة الدَّجَّال أن يُحييَ المقتولَ، فزادتْ بصيرتُه بحصُول تلك العَلامة. (فلا يُسلط عليه)؛ أي: لا يَقدِرُ على قَتْله بأن يجعل الله بدَنَه كالنُّحاس لا يَجري عليه السَّيْف ونحو ذلك، وفي بعضها: (فلا أُسَلَّطُ عليه)، أي: أقْتُله، ففيه همزةُ إنكارِ مقدَّرةٌ، وفي بعضها ظاهرةٌ، وكأنه يُنكِر إرادتَه القَتْلَ، وعدَمَ تَسلُّطه عليه. * * * 10 - بابٌ الْمَدِينَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ (باب: المدينةُ تَنْفِي الخَبَثَ) 1883 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا

سُفْيانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بن المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -: جَاءَ أعْرَابيٌّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَايَعَهُ عَلَى الإسْلاَمِ، فَجَاءَ مِنَ الْغَدِ مَحْمُومًا، فَقَالَ: أَقِلْنِي، فَأَبَى؛ ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَقَالَ: "الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا". الحديث الأول: (أقلني)؛ أي: مِن المُبايَعة على الإسلام. (ثلاث) تَنازَعَه الفِعْلان قبْلَه، أي: قال ذلك ثَلاثَ مرَّاتٍ، وهو - صلى الله عليه وسلم - يأبى من إقالته. (كالكير) إما المنفخ، فهو لشِدَّة نفْخه ينفي عن النَّار السِّخَام، والدُّخان، والرَّماد، حتى لا يبقَى إلا خالِصُ الجَمْر، وإما الموضع المشتمِل على النَّار، وهو المعروف في اللُّغة، فهو لشِدَّة حَرارته ينزعُ خَبَثَ الحديد، والذَّهب، والفِضَّة، ويُخرج خلاصةَ ذلك، فالمدينة كذلك؛ لمَا فيها من شِدَّة العَيْش، وضيْق الحال تُخلِّصُ النَّفْس من شَهواتها وشَرَهها. (وينصع) من النُّصوع بمهملَتين، وهو الخُلُوص، والنَّاصِع: الخالِص، ويُروى أوَّله بمثنَّاة فوق مفتوحةٍ، ومضمومة، ومثنَّاةٍ تحت مفتوحةٍ. (طَيِّبُهَا) بفتح الطاء، وتشديد المُثنَّاة تحت مرفوعًا، ويُروى بكسر الطَّاء، وتسكين الياء، وهو أَليَقُ بقوله: (وينصَع)، نعَمْ، قال القَزَّاز:

إن (يَنْصَع) لم أجِدْ له في الطِّيْب وَجْهًا، وإنَّ الكلام يَضُوع، أي: يَفُوحُ، قال: ورُوي: (يَنْضَخ) بضادٍ، وخاءٍ معجمَتين، وبحاءٍ مهملةٍ، وفي "الفائِق": يُبضع، بياءٍ مضمومةٍ، بعدها موحَّدةٌ، ثم ضادٌ معجمةٌ، أي: مِن بضَعْتُ اللَّحم، أي: قطَعتُه. قال الصَّاغَاني: وخالَف بهذا جميعَ الرُّواة. قال (ك): وفي بعضها بالموحَّدة مع المهملتين، من البَضْع، وهو الجَمْع. * * * 1884 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بن ثَابتٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بن ثَابتٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: لَمَّا خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ ناَسٌ مِنْ أَصْحَابهِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نقتُلُهُمْ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لاَ نَقتُلُهُمْ. فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}، وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهَا تنفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". الحديث الثاني: (يقتلهم)؛ أي: يقتُل الرَّاجعين. (تنفي الرجال) اللام فيه للعَهْد عن شِرارهم وأخْباثهم، والمراد بالنَّفْي: الإظهار والتَّمييز بقَرينة المشبَّه به، ويُروى: (الدَّجَّال) بالدال. * * *

1885 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بن جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبي، سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللهمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ". تَابَعَهُ عُثْمَانُ بن عُمَرَ، عَنْ يُونس. الثالث: (ضعْفَي)؛ أي: مِثْلَيه كما قال الجَوْهَري، لكنَّ الفُقهاء قالوا: ضعْف الشَّيء: مِثْلاه، وضعْفاه: ثلاثَةُ أمثالِه، وسبَق بيانه في (الإيمان) في (باب حُسْن إسلام المَرء). (البركة)؛ أي: كثرة الخَيْر، وهذا مُجمَلٌ فسَّره: "اللهمَّ بارِكْ لَنا في صَاعِنَا ومُدِّنَا"، فَعُرف منه أنها البرَكة الدُّنيوية، حتى لا يُقال: إنَّ مقتَضى إطلاق البركة أنْ يكون ثَواب صلاة المدينة ضعْفَي ثَواب الصَّلاة بمكة، أو المراد عُموم البركة، لكنْ خُصَّت الصَّلاة ونحوُها بدليلٍ خارجيٍّ. (تابعه عُثمان) وصلَه صاحب "الزُّهْرِيات". * * * 1886 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ، أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ، حَرَّكهَا مِنْ حُبهَا.

11 - باب كراهية النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعرى المدينة

الرابع: (جُدُرات) بضمَّتين: جمع جُدُرٍ، وهو جمْع جِدار. (أوضع)؛ أي: حَمَلَها على السَّير السَّريع. * * * 11 - بابُ كَرَاهِيَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ (باب كَراهة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ تُعْرَى المدينة) بضمِّ أوَّل (تُعرى)، أي: تُخْلَى، وأَعرَيْتُ المكانَ: جعلتُه خاليًا، أي: يجعل حوالَيها خاليًا، ورُوي: (تَعْرُو) بفتح أوله، أي: تَخلُو، وتصير عَراءً، وهو الفَضاء من الأرض الذي لا سُتْرةَ به. 1887 - حَدَّثَنَا ابن سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَرَادَ بنو سَلِمَةَ أَنْ تتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ، وَقَالَ: "يَا بني سَلِمَةَ! أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكمْ؟ " فَأَقَامُوا. الحديث الأول: (يا بني سَلِمة) بكسر اللام. (تحتسبون)؛ أي: تعدُّون الأجْرَ في خُطاكم إلى المسجد؛ فإنَّ لكُل خُطوةٍ أجْرًا، وفي بعضها: (تحتَسِبُوا) بلا نُونٍ؛ لأن حذْفَها بدُون

جازمٍ وناصبٍ فصيحٌ. * * * 1888 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بن عَاصِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضي". الثاني: (بيتي)؛ أي: قَبْري، أو الحُجْرة، وهو بمعناه؛ لأنَّ فيها القبر. (روضة)؛ أي: كرَوْضَةٍ في نُزول الرَّحمة، وحُصول السَّعادة؛ إذ العِبادة فيه تُؤدِّي إلى الجنَّة، أو الموضع يُنقَل بعينه إلى الجنَّة، فهو إما تَشبيهٌ، أو مجازٌ، أو حقيقةٌ. (على حَوْضي) قال أكثر العلماء: أي: مِنْبَره بعَيْنه يُوضَع على حَوْضه، وقيل: يُوضَع له هناك مِنْبَر، وقيل: إنَّ مُلازَمة مِنْبره للأعمال الصَّالحة تُورِد صاحبَها الحَوْضَ، وهو الكَوثَر، فيَشرب منه. * * * 1889 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبلاَلٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:

كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ: اللهمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بن رَبيعَةَ، وَعُتْبهَ بن رَبيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بن خَلَفٍ، كمَا أَخْرَجُوناَ مِنْ أَرْضنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ حَببْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَفِي مُدِّناَ، وَصَحِّحْهَا لنا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ". قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَهْيَ أَوْبَأُ أَرْضِ الله. قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا. تَعْنِي: مَاءً آجِنًا. الثالث: (وُعِكَ) بضمِّ الواو، وكسر المهملة، أي: حُمَّ، والمَوعُوك المَحمُوم. (مُصَبَّحٌ) بلفْظ المَفعول، أي: يُقال له: صبَّحَك الله بالخير، أنْعَم الله صبَاحَك، والحال أنَّ المَوت يَفجَؤُه، فلا يُمسي حيًّا، ويحتمل أنه صباح في أهله، أو يُسقى صباحه، وهو شُرْب الغَداة. والبَيْت لحَكِيْم النَّهْشَلي، كان يَرتجِزُ به في يوم الوقيط. (شِرَاك) بكسر المعجمة: إحدى سِيُور النَّعْل التي على وَجْهها.

(أقلع)؛ أي: كَفَّ، وفي بعضها بالبناء للمفعول. (عَقِيرَتهُ) بفتح المهملة، وكسر القاف، أي: صوتَه، قيل: إنَّ رجُلًا قُطعت رجلُه، فكان يرفَع المقطوعة على الصَّحيحة، ويَصيح من شِدَّة وجَعها بأعلى صوته، فقيل لكُلِّ رافعٍ لصَوته من شدَّةٍ: رفَعَ عَقيرتَه، وهي فَعِيْلةٌ بمعنى: مَفْعولة. (بوادٍ) يُروى: (بفَيْح). (وحولي) مبتدأٌ، وما بعدَه الخبَر، والجُملة حاليَّةٌ، نعم، أنشده الجَوْهَري: (بمكَّة حَولي) بلا واوٍ، وهو حالٌ أيضًا. (إذْخِر) بمعجمَتين، وكسر الهمزة: نَبْتٌ، سبَق بيانه. (وجَلِيل) بفتح الجيم، وكسر اللام الأُولى: النَّمَّام، وهو نَبْتٌ ضعيفٌ يُحشَى به خَصَاصُ البيت، وقيل: إذا عَظُم النَّمَّام وجَلَّ يُقال له: الجَلِيل، واحده جَليلة. (مياه) بالهاء: جمعُ ماءٍ كجِبَاهٍ. (مَجَنَّة) بفتح الميم، والجيم، والنُّون: موضع على أميالٍ من مكَّة كان سُوقًا في الجاهليَّة، وقال (ش): بفتح الميم وكسرها، والميم زائدةٌ: سُوق هَجَر. (شامة) بالمعجمة. (وطَفيل) بفتح الطَّاء: جبَلان بناحيةِ مكَّة. قال (خ): كنْتُ أحسَبهما جبَلَين حتى مرَرْتُ بهما وجدتُهما

عينَيْن من ماءٍ، وكذا قال أبو الفَرَج: إنهما عَيْنان لا جبَلان، وفي "العُباب": شابة -بموحَّدةٍ-: موضعُ بلاد هُذَيل، قال: والمحدِّثون يقولونه بالميم، وفي شِعْر أبي ذُؤَيب يُروى بالباء والميم، وقال الأسيري في "شرح أبيات النَّوادِر": ويُروَى: (قَفيل) بالقاف بدلَ الطَّاء، وكلُّها مواضع بمكَّة وما يَليها. (كما)؛ أي: اللهمَّ أبعِدْهم مِن رحمتِكَ كما أبعَدُونا من مكَّة. (الوباء) بالقَصْر، والمدِّ: مرَضٌ عامٌّ، وقال (ن): الموت الدُّرِيْع، وقال الأطِبَّاء: عُفونة الهواء. (صاعنا)؛ أي: صاع المدينة، وهو كِيْلٌ يسَع أربعة أمدادٍ، والمُدُّ: رِطْلٌ وثلُثٌ عند أهل الحِجَاز، ورِطْلان في غيرهما، وقيل: يحتمل أنْ تَرجع البركة إلى التصرُّف بها في التِّجارة وأرباحِها، وإلى كثْرة ما يُكال بها من غَلَّاتها وثمارها، أو في المكيل بها؛ لاتساع عَيْشهم عند الفُتوح، حتى كثُر الحَمْل إلى المدينة، وزادَ مدُّهم وصار هاشميًّا مثل مُدِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرَّتين، أو مرَّةً ونصفًا. وفيه إجابة دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -. (الجُحْفة) بضمِّ الجيم، وسُكون المهملة: مِيْقات أهل مصر، وكان سكَّانها يومئذٍ يَهود. وفيه دليلٌ من دلائل النبوَّة، لا يشْربُ أحدٌ من مائها إلا صارَ مَحمومًا.

قال الأَصْمَعي: لم يُولد أحدٌ بغَدِيْر خُمٍّ -وهو من الجُحْفة- فعاشَ إلى أنْ يحتلِمَ إلا أن يتحوَّل منها. فإنْ قيل: ما الجمْع بين قُدومهم على الوَباء وحديث النَّهي عنه؟. قيل: إما لأنَّ القُدوم كان قبْل النَّهي، أو أن المنْهيَّ عنه الأمرُ العامُّ، والذي في المدينة كان للغُرَباء. وفي الحديث الدُّعاء على الكفَّار بالأمراض، وللمسلمين بالصِّحة، وكشْفِ الضُّرِّ عنهم، ورَدٌّ لقَول بعض المتصوِّفة: إن الدُّعاء قَدْحٌ في التوكُّل، وقَولِ المعتزلة: لا فائدةَ في الدُّعاء مع سبْق القَدَر، والمَذْهب أنَّ الدُّعاء عبادةٌ مستقلةٌ، ولا يُستجاب منه إلا ما سبَق به التقدير. (بُطْحَان) بضمِّ الموحَّدة، وسكون المهملة: وادٍ في صحراء المدينة. (نَجْلًا) بفتح النون، وإسكان الجيم: الماءُ الذي يظهر على وجه الأرض، والآجِن: الماء المتغيِّر الطَّعْم واللَّون. قال (ش) فيما سبق: إنَّه ضبطُ أكثرِهم، أي: يظهر، ويجري، وينبسط، وضبطها الأَصِيْلي: بفتح الجيم، وهو وهمٌ. قال ابن السِّكِّيْت: النَّجْل: النَّزُّ حين يظهَر وينبُع عين الماء، وقال الجِرْمِي: نَجْلًا، أي: واسِعًا، ومنه عينٌ نجلاء، وقيل: الغَدِير الذي لا يَزال فيه الماء، وقول البخاري في تفسيره: (يعني ماءً آجنًا) هو خطأٌ

في التفسير، وإنما الآجِن: الماء المُتغيِّر. * * * 1890 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بن يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبي هِلاَلٍ، عَنْ زيدِ بن أَسْلَمَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: اللهمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ - صلى الله عليه وسلم -. 1890 / -م - وَقَالَ ابن زُرَيْعٍ: عَنْ رَوْحِ بن الْقَاسِمِ، عَنْ زيدِ بن أَسْلَمَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ حَفْصَةَ بنتِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَتْ: سَمِعْتُ عُمَرَ نَحْوَهُ. وَقَالَ هِشَامٌ: عَنْ زيدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ حَفْصَةَ، سَمِعْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه -. الحديث الرابع: (ارزقني الشهادة) قد اسْتُجِيبتْ فيما حصَل له في قتْله من ثَواب الشهادة؛ لأنه قُتل مظلومًا. (عن أبيه)؛ أي: فالاختلاف بين ذلك والطَّريقِ الثَّانية: أنَّ في تلك: (عن أبيه)، وهي المشهورة.

30 - كتاب الصوم

30 - كِتابُ الصَّومِ

1 - باب وجوب صوم رمضان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 30 - كِتابُ الصَّومِ (كتاب الصَّوم) هو لغةً: الإمساك، وشرعًا: إمساكٌ عن وُصولِ عينٍ جوفَه، واستِمناءٍ من الفجْر إلى الغُروب بنيَّةٍ مُعتبرةٍ. 1 - بابُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. (باب وُجوب صَوم رمَضان) 1891 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عَنْ

أَبي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ الله: أَنَّ أَعْرَابيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَخْبرْنِي مَاذَا فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: "الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا أَنْ تَطوَّعَ شَيْئًا". فَقَالَ: أَخْبرْنِي مَا فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: "شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا". فَقَالَ: أَخْبرْنِي بِمَا فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: فَأَخبَرَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعَ الإسْلاَمِ. قَالَ: وَالَّذِي أكْرَمَكَ لاَ أتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أنقُصُ مِمَّا فَرَضَ الله عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ: دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ". 1892 - حدثنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ناَفعٍ، عَن ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: صَامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ. وَكَانَ عَبْدُ الله لاَ يَصُومُهُ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ. الحديث الأول: (أعرابيًّا) واحد الأَعراب، وهم سكَّان البادية. (ثَائِر)؛ أي: منْتَفِشَ. (تَطُّوع) بشدة الطاء وخفَّتها، واختُلف في الاستِثناء، هل هو منقطعٌ أو متصلٌ؟. (شرائع الإسلام)؛ أي: كالحجِّ إنْ قُلنا: كان فُرض مُطلقًا، أو

قلنا: فُرض على غير السائل، ونُصُب الزكاة، ومقاديرها، وغير ذلك، وبهذا يزول الإشكال عن الإخبار بِفَلاحِهِ مع أنَّ للإسلام فرائض غير المَذكورة في الحديث. وقيل: دلَّ على أن الفَرائض تُوجِبُ الجنَّةَ، والسُّنَن تُوجب الزِّيادة فيها. وسبَق الحديث في (الإيمان)، وأنَّ هذا الأَعْرابي هل هو ضمَامُ ابن ثَعْلبَة، أو غيره. (عاشوراء) ممدودٌ ومقصورٌ، وهو عاشِر المُحرَّم، وقيل: تاسِعُه، مِن أسماء الإبل، فإنهم يُسمُّون خامس أولاد الإبل ربْعًا، وهكذا، فيكون التَّاسِع عاشُورًا، وسبَق ردُّه. ثم الاتفاق على أنَّ صومَهُ سُنَّةٌ في زماننا، وأما في زمانه فاختُلف فيه، كان واجبًا أم لا؟، وعلى الأول فهل نُسِخَ برمَضان، فيكون ببدَلٍ أثقَل، أو نُسِخَ لا ببدَلٍ، وسبَق بيان ذلك. * * * 1893 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بن أَبي حَبيبٍ: أَنَّ عِرَاكَ بن مَالِكٍ، حَدَّثَهُ: أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ".

2 - باب فضل الصوم

الحديث الثاني: بمعنى ما قبله. * * * 2 - بابُ فَضْلِ الصَّوْمِ (باب فَضْل الصَّوم) 1894 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ؛ مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله تَعَالَى مِنْ رِيح الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَناَ أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا". (جُنة) بضمِّ الجيم، أي: التُّرس، أي: فيكون مانِعًا من النَّار، أو من المَعاصي؛ لأنه يَكسِر الشَّهوة، ويُضعف القوَّة. (يَرْفُث) بضم الفاء، وكسرها، على أنَّ ماضيه (رَفَثَ) بالفتْح، فأما على أنَّه بالكسر، فالمضارع: يَرفُث بالفتح رفْثًا بالسكون في المصدر، والفتْح في الاسم، أي: يُفْحِش في الكلام.

(يجهل)؛ أي: يَفعل فِعْل الجُهَّال كالصِّياح والسُّخرية، أو يَسفَه. (فليقل) أي: بقلبه، ولسانه: الأوَّل لكَفِّ نفْسه عن مُقاتلة خصمه، والثاني لكَفِّ خصمه عن الزِّيادة، وهو من أسرار الشريعة، فهو مِن حمل اللَّفظ على حقيقتيه، أو حقيقته ومَجازِه، وذلك واجبٌ عند الشَّافعي، وهذا وإنْ لم يختصَّ بالصَّائم إلا أنَّه في الصِّيام أَوْكَد. وقال الأَوزاعي: يُفطِر بالسَّبِّ والغِيْبة، فقيل: معناه: يصير كالمُفطِر في سُقوط الأجْر لا أنه يُفطِر حقيقةً. (لَخُلُوف) بضمِّ الخاء على الصَّحيح المشهور، وهو تغيُّر رائحة الفَمِ. (عند الله) قال (ط): أي: في الآخِرة كما في: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ} [الحج: 47]، أي: مِن أيام الآخرة. قال المَازَرِي: هذا استعارةٌ؛ لأنَّ استِطابةَ بعض الرَّوائح من صفات الحيَوان الذي له طبيعةٌ تميل إلى الشَّيء، وتَستطيبه وتنفِر عنه، فتَستقْذره، والله مُقدَّسٌ عن ذلك، لكنْ جرَتْ عادتُنا بتقريب الرَّوائح الطَّيِّبة، فاستُعير ذلك في تَقْريب الصَّوم. وقيل: المعنى: لَجزاء خُلُوفه أطيَبُ منه، أي: فيُجازيه في الآخرة بكون نكْهته أطيَب من المِسْك، وقيل: المراد: عند ملائكة الله، فهو على حَذْف مضافٍ، وقيل: أكثَر له قَبولًا من قَبول رِيْح المِسْك عندكم؛ لأنَّ الطِّيب مُستلزِمٌ للقَبول عادةً، أو على وجْه

الفَرْض، أي: لو تُصوِّر الطِّيْب عند الله لكان الخُلُوف أَطيب، أو المقصود من التركيب زُبْدتُه، وهو الثَّناء على الصائم، والرِّضَا بفِعْله؛ لئلا يمنعَه الخُلُوف المتغيِّر من مُواظبة الصَّوم. وقال (ن): الأصحُّ أن الخُلُوف أكثَر ثَوابًا من المِسْك حيث نُدب إليه في الجُمَع والأعياد. وقال البَيْضاوي: هو تفضيلٌ لمَا يُستكرهُ من الصَّائم على أطْيَب ما يُستلَذُّ من جنْسه، وهو المِسْك؛ ليُقاس عليه ما فَوقه من آثار الصَّوم (¬1). (من أجلي) هذا يحتاج لتقديرٍ، حتى لا يتَّحِدَ المتكلِّم في: (والذي نفْسي) مع: (لأَجْلي)، أي: قال الله، وقَول الله في مثل ذلك، وهو المسمَّى بالقُدسي، والإلهي، والربَّاني، يُفارِق لفْظ القُرآن أنَّ ذلك معجزةٌ بقصده مُتعبَّدٌ بتلاوته. وعبارة (ك) في نفي الإعجاز فيه بالكُلِّية، وأنَّه لم يأْتِ به جبريل ليس بجيِّدٍ فيها، نعَمْ، الفَرْق بينه وبين الأحاديث النَّبويَّة -مع أنَّه ما ينطِقُ عن الهَوَى، وكلُّها وَحْيٌ- أنَّ هذا أيضًا يُضاف (¬2) إلى الله تعالى ¬

_ (¬1) نسبة الاستطابة إليه -سبحانه وتعالى- كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فكما أن ذاته - عز وجل - لا تشبه ذوات خلقه، فصفاته لا تشبه صفات المخلوقين وأفعالهم، فكذا يقال في نسبة الاستطابة إليه والرضا والغضب والكراهية وغير ذلك مما ورد في القرآن وصحيح السنة النبوية المطهرة. (¬2) "يضاف" ليس في الأصل.

بخلاف لفظ الأحاديث. قال: ويُفرَّق بأن القُدسيَّ ما يتعلَّق بتنزيه ذات الله تعالى، وبصفاته الجَلاليَّة والجَمالية، منسوبٌ إلى الحَضْرة المقدَّسة. قلتُ: إنْ أراد: غيرُهما لا يتعلَّق بتنزيه الله تعالى وصفاته؛ فليس بصحيحٍ، بل الأحاديث النبويَّة تتعلَّق بذلك، وإنْ أراد أنها لا تُضاف لله تعالى؛ فهو عين الفَرْق الأول. ونُقل عن الطِّيْبي: أنَّ القُدسيَّ خاصٌّ بالمَنام، أو بالإلهام، والقُرآن نزَلَ به جِبْريل، [و] فيه نظَرٌ؛ فإنَّ الأحاديث القُدسية قد نَزل بها جِبْريل، لكنْ إنما يَفترقان في قَصْد الإعجاز، والتعبُّد بتلاوته. (الصوم لي) بمعنى: لم يُتعبَّد به أحدٌ غيري، وإنْ كانت العبادات كلُّها لله تعالى، وإنْ كان الكفار يُعظِّمون آلهتهم بسجودٍ، وصدقةٍ، ونحو ذلك، أما بالصِّيام فلا، أو أنَّ الصَّائم ليس له فيه حظٌّ؛ إذ لا يطَّلِع عليه أحدٌ. وفيه كَسْر النَّفْس، وتعرُّض البدَن للنَّقص، والصَّبر على حُرقة العطَش، ومضَضِ الجُوع. وقيل: هو إضافة تشريفٍ كـ: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13]. وقال (خ): الصَّوم عبادةٌ خالصةٌ لا يَستولي عليها الرِّياء والسُّمعة؛ لأنه عمَلُ سِرٍّ لا يطَّلِعُ عليه إلا الله، كما رُوي: "نيَّةُ المؤمِنِ خيرٌ مِن عمَلِه"؛ فإنَّ مَحلَّها القَلْب، أي: النيَّة منفردةً خيرٌ من عمَلٍ خالٍ عن النيَّة كما في: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، أي:

3 - باب الصوم كفارة

ألفٍ ليس فيها ليلةُ القَدْر. قلتُ: وسبق أوَّلَ الكتاب تَقرير أنَّ لذلك لطيفةً. قال: وقيل: إنَّ معناه الاستغناء عن الطَّعام مِن صفات الله تعالى، فإنه يُطْعِم ولا يُطْعَم، فكأنه يقول: الصَّائم يتقرَّب لي بأمرٍ هو متعلِّقٌ بصفةٍ من صفاتي، وإنْ كانت صفات الله تعالى لا يُشبهُها شيءٌ. (وأنا أجزي به) معناه: مضاعَفة الجزاء من غير عدَدٍ ولا حِسابٍ، وإنما عقَّبه بقوله: (والحسنة بعشر أمثالها) إعلامًا بأن الصَّوم يُستثنى من هذا الحُكم كأنَّه قال: وسائر الأَعمال الحسنَة بعشر أمثالها بخلاف الصَّوم، فإنه كثيرُ الثَّواب جِدًّا؛ لأنَّ الكَريم إذا أخبَر بأنه يتولَّى بنفسه الجزاء اقتضَى عظمتَه وسعتَه، والتَّقديم في و (أناَ) يحتمل التَّخصيص، أي: بخلاف سائِر الأعمال، فإنَّ جزاءَها قد يُفوَّض للملائكة، وأما حذْفُ التاء من عشرٍ مع أن المِثْل مذكَّرٌ؛ فإنَّه بمنزلة حسَنةٍ، وهي مؤنَّثة كأنه قيل: بعَشْر حسَناتٍ، والمراد: أن هذا أقلُّ التَّضعيف، وقيل: يكون بسَبعْ مئةٍ، والله يُضاعِف لمن يشَاءُ. * * * 3 - بابٌ الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ (باب: الصَّوم كفَّارةٌ) 1895 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَامِعٌ،

4 - باب الريان للصائمين

عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: أَناَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ". قَالَ: لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ ذِهِ، إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ. قَالَ: وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: فَيُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: ذَاكَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: نعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ. (ذِه)؛ أي: ذي، فأتَى فيه بهاء السَّكْت. (ذاك أجدر)؛ أي: الكسر أَولى من الفتْح في أنْ لا يُغلَقَ إلى يوم القيامة، أي: إذا وقَعت الفِتْنة، فالظَّاهر أنها لا تَسكُن. وسبق الحديث في أول (مَواقيت الصلاة). * * * 4 - بابٌ الرَّيَّانُ لِلصَّائِمِينَ (باب الرَّيَّان للصَّائمِين) رَيَّان بوَزْن فَعْلان، أي: كَثير الرِّيِّ نقيض العَطَش، سُمي به لأنَّه جَزاء الصَّائمين على عطَشهم، أي: وَجُوعهم، لكِن اكتفَى

بذلك عنه لاستِلزامه، ثم ليس ذلك قاصِرًا على صائمِ رمضان، وكذا في الزكاة، والصلاة المَفروضة، بل مُلازَمة النَّوافِل وكثرتها من ذلك. * * * 1896 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن بِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ". الحديث الأول: (غلق) مخفَّفًا ومُشدَّدًا، وأغلَق من الإغْلاق. (فلم يدخل) إنما أتَى بـ (لم) وكان القِياس (فلا)؛ لأنَّه لمَّا عُطف على الجَزاء كان في حُكم المُستقبَل. * * * 1897 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبيلِ الله نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ الله! هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ

مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله! مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: "نعمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". الحديث الثاني: (زوجين) دِرْهَمَين، أو دِيْنارَين، فالمراد اثنَين من أيِّ شيءٍ كانَ، صِنْفَين، أو مُتشابهَين، وقد جاءَ تفسيره مرفوعًا: "بَعيرَين، شاتَين، حِمَارَين، درهمين"، قيل: ويحتمِل تكرارَ الإنفاق مرَّةً بعد أُخرى، أي: يصير عادةً، كما في: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4]. (سبيل الله) قيل: عامٌّ في أنواع الخَير، وقيل: المراد الجِهاد. (خيرٌ)؛ أي: من الخَيرات، والتَّنوين فيه للتَّعظيم، وليس المراد به اسم التَّفْضيل. (من أهل الصلاة)؛ أي: الذي الغالِب عليه ذلك، وإلا فكُلُّ المؤمنين أهلٌ للكُلِّ. (ومن كان من أهل الصدقة) ليس تَكرارًا لمَا في صَدْر الحديث؛ لأن ذاك في أنَّ الإنفاق ولو بالقَليل خيرٌ من الخيرات العَظيمة، وذاك حاصِلٌ من كلِّ أبواب الجَنَّة، وهنا استدعاءُ الدُّخول من بابٍ خاصٍّ.

ففيه فَضْل الإنْفاق حيث افتَتَح به وختَم. (بأبي)؛ أي: مُفَدًّى. (ما عَلَى)؛ أي: مَن لم يكن إلا مِن أهل خَصْلةٍ واحدةٍ، ودُعِيَ من بابها لا ضرَر عليه؛ لأن القصد دُخول الجنة. (من ضرورة)؛ أي: ضرَرٍ وخَسارة، أي: قدْ سَعِدَ من دُعِيَ من أبوابها جميعًا. قال (ط): هذا التَّقسيم فيمَن أنفَق زوجَين أَدخل فيه الصَّوم والصَّلاة باعتبار أنه أفنى فيهما نفسه ومالَه، وهما المراد بزَوجين، فالعرَب تقول: أنفَقْتُ في ذلك عُمُري، فجعَل إتْعاب الجسم في الصلاة والصوم إنْفاقًا، وبانضمام ما يُنفقه في قُوَّته وستْر عَورته يصير مُنْفقًا لزَوجَين نفسَه ومالَه، وقد يكون الإنْفاق في الصَّلاة ببناء المسَاجِد، وفي الصَّوم بتفْطير الصُّوَّام عنده. (نعم)؛ أي: يُدعَى مِن كلِّها إكرامًا بتخييره في الدُّخول مِن أيِّها شاءَ؛ لاستحالة الدُّخول من الكُلِّ معًا. قال (ك): ويحتمل أن الجنَّةَ كقَلْعةٍ لها أسوارٌ يُحيط بعضها ببعضٍ، وعلى كل سُورٍ بابٌ، فمنْهم من يُدعَى من الباب الأوَّل فقط، ومنهم مَن يَتجاوَزُ عنه إلى الباب الدَّاخلانيِّ، وهَلُمَّ جَرًّا. * * *

5 - باب هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان" وقال: "لا تقدموا رمضان"

5 - بابٌ هَلْ يُقَالُ: رَمَضَانُ، أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا، وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ" وَقَالَ: "لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ" (باب: هل يَقول: رمَضان؟) يُريد بذلك أنه لا يُكره أن يقول: رمضان، بدُون لفْظ: شَهْر، سواءٌ كان بقرينةِ إرادة الشَّهر كـ: صُمْتُ رمَضانَ، أو بدونها نحو: أُحِبُّ رمَضانَ، ومنَع المالكيَّةُ أن يُقال إلا شَهْر رمَضان؛ لأن رمضان اسمٌ من أسمائه تعالى، وقال أكثَر الشافعية: إنْ لم تكُن قَرينةٌ كُرِهَ، أو كانتْ قرينةٌ فلا. وأما تسميته بذلك، فقيل: لأنه تُرْمَض فيه الذُّنوب، أي: تُحْرَق؛ لأن الرَّمْضَاء شِدَّة الحَرِّ، وقيل: وافَق ابتداءُ الصَّوم فيه زَمانًا حارًّا. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصلَه البخاري في الباب الذي بعد هذا. (وقال: لا تقدموا) رواه مسلم، وأصْل تُقَدِّموا: تتَقَدَّموا، فحُذفت إحدى التاءين. قلت: وهو في البخاري أيضًا بعد أبواب بلفظ: (لا يتقدَّمنَّ أحدُكم رمَضَان بصومِ يَومٍ، أو يومين)، والمعنى: لا تَتقدَّموا الشَّهر بصوم يومٍ تُقَدِّمونه منه، ويُروى: (لا تُقَدِّموا) بضمِّ أوله، وكسر

الدَّال، أي: لا تُقدِّموا صومًا قبلَه ليَكون منه تَجعلونَه احتياطًا. * * * 1898 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عَنْ أَبي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ". الحديث الأول: (فُتِحَت) بتخفيف التاء وتَشديدها، والأظهر أنَّ المراد: فُتِحَ بالخفيفة لمَنْ مات فيه، أو عَمِل عملًا لا يُفسد عليه، وقيل: مجازٌ، أي: العمَل فيه يُؤدِّي إلى ذلك، أو كثرة الرحمة والمغفرة؛ بدليل رواية مسلم: "فُتِحَتْ أبوابُ الرَّحمَةِ" إلا أن يُقال: الرحمة من أسماء الجنَّة. واعلم أن التِّرمذي رَوى هذا الحديثَ بترْك: شَهْر، وزيادةُ الثِّقَة مقبولةٌ، فتكون رواية البخاري مختصرةً منه، فلا يبقَى له حُجَّةٌ فيه على إطلاقه بدون: شَهْر. * * * 1899 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن أَبي أَنسٍ مَوْلَى التَّيْمِيينَ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا

دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءَ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". الثاني: (أبواب السماء) قال (ط): أي: الجنَّة بقَرينة ذكْر جهنَّم في مُقابلَته، وقال التُّوْرِبِشْتي: كنايةٌ عن تَنْزيل الرَّحمة، وإزالة الغَلْق عن مَصاعِد أعمال العِباد تارةً ببذْل التَوفيق، وأُخرى بحُسْن القَبول، وقال في: (وغلقت أبواب جهنم) إنه كنايةٌ عن تنزُّه أنفُس الصُّوَّام عن رِجْس الفَواحش، والتخلُّص من البَواعث على المعاصي بقَمْع الشَّهوات، وكذا قال (ع): إنَّ التَّغليق والتَّصفيد مجازٌ عما ينكَفُّون عنه. وقال الطِّيْبي: فائدة الفتْح توفيق الملائكة على استِحْماد فِعْل الصَّائمين، وإنْ كان من الله بمنزلةٍ عظيمةٍ، وأنَّ المكلَّف إذا عَلِمَ ذلك بإخبار الصَّادق زادَ نشاطُه، ويتلقَّاه بأَربحيَّته. (وسلسلت الشياطين) قال (ع): يحتَمِلُ أيضًا الحقيقة ليمتَنِعوا من إيذاء المؤمنين، والمجازَ إشارةً إلى أنهم تَقِلُّ أعوانُهم، فيَصيروا كالمسَلسَلِيْن. * * * 1900 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ: أَنَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ

رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". وَقَالَ غَيْرُهُ، عَنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، وَيُونُسُ: لِهِلاَلِ رَمَضَانَ. الحديث الثالث: (رأيتموه)؛ أي: الهلال، وإنْ لم يَسبق له ذكْرٌ؛ لدلالة السِّياق عليه، وليس المراد رُؤيةَ جميع المُسلمين بل رجُلان، وكذا واحدٌ؛ لحديث ابن عُمر: تَراءَى النَّاسُ الهلالَ، فأخْبرتُه - صلى الله عليه وسلم - بأَنِّي رأيتُه، فصامَ، وأمَر بصِيَامه. قال (خ): أوجَب على كلِّ قومٍ أن يَعتبروه بوقْت الرُّؤية في بلادهم دُون بلادِ غيرهم؛ فإنَّ البلادَ تختلِفُ أقاليمُها بالارتفاع والانخفاض. (غُمَّ) بضمِّ الغَين، وتشديد الميم، مبنيٌّ للمفعول، وفيه ضميرٌ للهِلال، أي: سُتِرَ، مِن غَمَمْتُ الشَّيءَ: سَتَرتهُ، وليس من الغَيْم، ويُقال فيه: غَمِيَ وغُمِّي، مخفَّفًا ومشدَّدًا، رباعيًّا وثلاثيًّا. (فاقدُروا) بهمزة وصلٍ، وضمِّ الدال وكسرها، أي: حقِّقوا مقاديرَ أيام شَعْبان، حتى تُكمِلُوه ثلاثين يومًا، كما فُسِّرَ في الرواية الأُخرى، ولذا أخَّره البخاريُّ كمالكٍ في "الموطَّأ"؛ لأنه مُفَسِّرٌ له. وقيل المعنى: قَدِّروا له مَنَازِل القمَر وَمَسِيْره؛ فإنَّ ذلك يدلُّ على أنَّ الشَّهر تسْعٌ وعشرون، أو ثلاثون، فهو خِطَابٌ لمن يَعرِفُ هذا العِلْمَ.

6 - باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية

والوجْهُ وقَولُ الجُمهور هو الأوَّل. (وقال غيره) أي: عن يحيى، وقد وصَلَ ذلك الإِسْماعِيْليُّ من حديث كاتِب اللَّيث عنه، والذُّهْلي في "الزُّهْريات" عن أبي صالح، عن اللَّيث. * * * 6 - بابُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ". (باب مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا) في نصبهما وجهان: أحدهما: مصادر وقعت أحوالًا، كقوله تعالى: {يَأْتِينَكَ سَعْيًا} [البقرة: 260]، أي: ساعياتٍ. ثانيهما: مفعولٌ لأجله، ومعنى (إيمانًا): تصديقًا بوُجوبه، و (احتِسابًا): من الحِسْبة، قال الجَوْهَري: هي بالكسر: الأَجْر، واحتَسبْتُ بكذا، أي: أجْرًا عند الله، وقال البَغَوي: طلَبًا للأجر في الآخِرة، وقال (خ): أي: عَزيمةً، أي: يصُومه على معنى الرَّغْبة في ثَوابه طيِّبةً نفْسه بذلك غير مُستثقلةٍ لصيامه، ولا مستطيلةً لأيامه.

7 - باب أجود ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون في رمضان

(وقالت عائشة) هو طرَفٌ من حديثٍ ذكَره البخاري في (البُيوع). (يبعثون)؛ أي: يوم القِيامة على حسَب نيَّاتهم إنْ كانوا مخلِصين يُثابون، وإلا فلا، قالوا: فالكافِر يخلُد فى النَّار؛ لأنه على نيَّةِ لَو عاشَ مخلَّدًا كان كافرًا. * * * 1901 - حَدُّثَنَا مُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ". (من قام) سبق الحديث بشرحه في (الإيمان). * * * 7 - بابٌ أَجْوَدُ مَا كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَكُونُ فِي رَمَضَانَ 1902 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، أَخْبَرَناَ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ: أَنَّ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ

8 - باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم

فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. (باب أجْوَدُ ما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يكُون في رمَضان) (ما) مصدرَّيةٌ، أي: أجودُ أكوانه يكون في رمضان، والأَجْود الأَسْخَى، ومرَّ الحديث بشرحه في (كتاب الوحي). * * * 8 - بابُ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ 1903 - حَدَّثَنَا آدَمُ بن أَبي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابن أَبي ذِئْبٍ، حَدَّثنا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". (باب مَنْ لَم يدَعْ قَول الزُّور والعمَلَ به في الصَّوم) أي: لم يترُك، والزُّور: الكذب، والمَيْل عن الحقِّ، والعمَل به، أي: بمُقتضاه مما نهى الله عنه. قال البَيْضاوي: ليس المراد من شَرعيَّة الصوم نفس الجُوع والعطَش، بل ما يتبَعُه من كسْر الشَّهوات، وتطْويع النَّفْس الأمَّارة للنَّفْس المطمَئنَّة، فإذا لم يحصُل له ذلك لا ينظر الله إليه نظَر القَبول،

9 - باب هل يقول: إني صائم إذا شتم

فلذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فليس لله حاجة) إلى آخره، فهو مجازٌ عن عدَم الالتفات والقَبول، فنفى السَّببَ، وأراد نفْيَ المسبَّب، وقال (ط): وضَع الحاجة موضع الإرادة؛ إذ الله تعالى لا يحتاجُ إلى شيءٍ. * * * 9 - بابٌ هَلْ يَقُولُ: إِنِّي صَائِمٌ إِذا شُتِمَ (باب: هل يقُول: إنِّي صائمٌ إذا شُتِم؟) 1904 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، أَخْبَرَناَ هِشَامُ بن يُوسُفَ، عَنِ ابن جُرَيْج، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ أَبي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ الله: كُلُّ عَمَلِ ابن آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإنَّهُ لِي، وَأَناَ أَجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِم أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيح الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ". (كُلُّ عمل ابن آدم) قال (خ): أي: كلُّ عمَله له فيه حَظٌّ ومَدخَلٌ لاطلاع الناس عليه، فهو يتعجَّل به ثَوابًا من الناس، ويحوز به حظًّا من الدُّنيا جاهًا وتعظيمًا ونحوه بخلاف الصَّوم، فإنَّه خالصٌ

10 - باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة

لي لا يطَّلِع عليه أحدٌ. (له) فالسَّيِّئات وإنْ كانتْ عليه لا له، لكن المُراد أنَّ أعمالَه مختصَّةٌ به، أو المراد هنا بعمَله الصَّالح. (يَصْخب) بالصاد، والسين المهملتين، والخاء المعجَمة: الصِّيَاحُ والخُصُومة، وتقدَّم قريبًا، وعند الطَّبَري: لا يَسْخَر، أي: بالنَّاس، ولكن المعروفُ الأوَّل. (يفرحهما) فيه تَوسُّعٌ بحذف الجارِّ، والأصل: يفْرحُ بهما، كما في قوله تعالى: {فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، أي: فيه، أو هو مفعولٌ مطلَقٌ، أي: يَفرَح الفَرحتين، فجَعَل الضَّمير بدلَه، نحو: عبد الله أظنُّه منطلِقٌ. (إذا أفطر فرح)؛ أي: لإتمامه الصَّوم وخُلوِّه عن المُفسِد، أو لتَناوله الطَّعامَ. (وإذا لقي ربه فرح)؛ أي: بلقاء ربه، أو برؤية ثَوابه على الاحتمالَين، فهو مسرورٌ بقَبُوله. * * * 10 - بابُ الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُزُوبَةَ (باب الصَّوم لمَن خافَ على نفْسه العُزوبَةَ) قال الجَوْهَري: العَزَب: الذي لا أهلَ له، والعَزَبة: التي لا زَوْجَ

لها، والاسم العُزْبة، والعُزوبة. * * * 1905 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَيْنَا أَناَ أَمْشِي مَعَ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْج، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". (فقال) جواب (بَيْنَ)، وإنْ كان أصله إمَّا بـ (إذا)، أو بالفِعْل المجرَّد، لكنْ أُقيمتْ الفاء هنا مقام إذا، أو أنَّ لفظ: (قال) مقدَّرةٌ، والمذكور تفسيرٌ له. (الباءة) سُمي النِّكاح باءَةً؛ لأنَّ الرجل يتبَوَّأُ من أهله، أي: يستَمكِنُ كما يَتبوَّأ مِن دَارِه. قال التَّيْمِي: هو ممدودٌ، والمحدِّثون يقولونَه بالقَصْر والهاء. قال (ن): فيه أربع لُغاتٍ: المشهورة، وهي بالمدِّ والهاء، وبلا مدٍّ، وبالمدِّ بلا هاءٍ، وباهَه بهائين بلا مَدٍّ، أصلها في اللُّغة: الجِمَاع، مشتقَّةٌ من المَباءَة وهي المنْزِل، ومَباءَة الإبل مَعاطِنُها، ثم قيل: المُراد بقُدْرة الباءَة: قُدرة مُؤَن النكاح، وعجزها: العجز عنها. (فعليه بالصوم) قيل: مِن إغْراء الغائِب، وسَهَّلَه تقدُّم المُغْرى به

11 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"

في: (مَن استطاع منكم)، فكان كإغراء الحاضر، وقال ابن عُصْفُور: الباء زائدةٌ في المبتدأ، ومعناه الخبر لا الأَمر، أي: فعليه الصَّومُ، وقيل: من إغراء المخاطَب على معنى: دُلُّوه على الصَّوم، أي: أَشيروا عليه به. (أغض)؛ أي: أَدْعَى إلى غَضِّ البصَر. (وأحصن)؛ أي: أَدْعَى إلى إحصان الفَرْج. (وِجاء) بكسر الواو، والمدِّ: رَضُّ الخِصْيتين، وقيل: رَضُّ العُروق والخِصيتان بحالها، والمراد: أن الصَّوم يقطَع الشَّهوة كما يقطَعه الوِجَاء. قال (ك): وقد يستدلُّ به على جواز العِلاج بقطْع الشَّهوة بكافورٍ ونحوه. قلت: لكنْ فيه نظَرٌ؛ فلا قياسَ على ما لا ضرَرَ فيه. * * * 11 - بابُ قَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا، وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا" وَقَالَ صِلَةُ، عَنْ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب قَول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِذا رأَيْتُمُ الهِلالَ) كذا عبر عن الحديث في الترجمة، وهي رواية مسلم، وذكره البخاري كما سبق بلفظ: "إذا رأَيتُموهُ". (وقال صِلَة) بكسر المهملَة، وفتح اللام الخَفيفة، غير منصرفٍ، وصلَه ابن خُزَيمة، وابن حِبَّان، والأربعة، وأحمد، والحاكم. (يوم الشك) هو اليوم الذي يَشهَد فيه مَن لا يُقبَل بالرُّؤية، أو يجري على ألْسِنَة الناس أنه رُئي الهلال. (أبا القاسم) ذكر الكُنية إشارةً إلى أنه الذي يَقْسِم أحكامَ الله بين عباده زمانًا ومكانًا وغيرهما. * * * 1906 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: "لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَاقْدُرُوا لَهُ". الحديث الأول: سبق شرحه. * * * 1907 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الله بن دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الشَّهْرُ تِسْعٌ

وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيكُمْ، فَأكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ". الثاني: (الشهر)؛ أي: الذي نحن فيه، أو جنس الشَّهر. (العدة)؛ أي: شعبان، وهو كما سبَق مبيِّنٌ لإجمال حديث: "فاقْدُرُوا لَه". وفيه التصريح بأنه لم يُرِد اعتبار ذلك بالنُّجوم. * * * 1908 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ بن سُحَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا"، وَخَنَسَ الإبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ. الثالث: (وخنس) بالمعجمَة، والنون، أي: قبَضَ، ويُروى: (فحبَسَ) بالمهملة، والموحَّدة. * * * 1909 - حَدَّثنا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقولُ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإنْ غُبيَ عَلَيْكُمْ،

فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ". الرابع: (غَبيَ) بفتح المعجمة، وتخفيف الموحَّدة لأبي ذَرٍّ، وقيَّده الأَصِيْلي: بضمِّ الغَين، وتشديد الباء المكسورة، والأُولى أبين، أي: خَفِيَ عليكم، وهو من الغَباوة، وهي عدَم الفِطْنة، وفي بعضها: (عُمِّي) من العَمَاء، يُقال: عُمِّيَ عليه الأمر، أي: التبَس، أو من التَّعمية، وفي بعضها: (أُغْمِي) من الإغْماء بالمعجَمة، يُقال: أُغْميَ عليه الخبَر، أي: استَعجَم، وفي بعضها: (غُمَّ)؛ أي: استتَر بالغَمام. * * * 1910 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بن عَبْدِ الله ابن صَيْفِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا أَوْ رَاحَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ شَهْرًا. فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا". الخامس: (آلى)؛ أي: حلَفَ لا يَدخُل عليهنَّ. * * * 1911 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله، حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ بن بِلاَلٍ،

12 - باب شهرا عيد لا ينقصان

عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: آلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! آلَيْتَ شَهْرًا. فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ". السادس: (انفكت)؛ أي: انفَرجتْ قدَمه. (مَشْرَبة) بفتح الميم، وسكون المعجَمة، وفتح الرَّاء وضمِّها، وموحَّدة: الغُرفة. * * * 12 - بابٌ شَهْرَا عِيدِ لاَ يَنْقُصَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: قَالَ إِسْحَاقُ: وَإِنْ كَانَ ناَقِصًا فَهْوَ تَمَامٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ يَجْتَمِعَانِ كِلاَهُمَا ناَقِصٌ. 1912 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، قَالَ: أَخْبَرنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ شَهْرَا عِيدٍ؛ رَمَضَانُ، وَذُوا الْحَجَّةِ".

13 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكتب ولا نحسب"

(باب: شَهْرا عيْدٍ لا يَنقُصان) أي: لو كان أحدهما تامًّا لكان الآخَر ناقصًا، فلا ينقُصان معًا في سنةٍ واحدةٍ غالبًا، وصحَّحه (ن)، وقيل: المعنى: لا ينقُص ثَواب ذي الحِجَّة عن ثَواب رمضان؛ لأنَّ فيه المَناسِك، وقيل: كامِلان في الأَجْر والثَّواب، أي: فإنَّهما وإنْ نقَص عدَدُهما في الحِسَاب، فحكمُهما على الكمال في العبادة، وذلك لئلا يقَع في صُدورهم إذا صاموا تسعةً وعشرين، أو إنْ وقَع الخطأ في عرَفة، ولم يكُنْ في حَجْمهم نقَص، نعَمْ، هذا في ذي الحِجَّة إنما هو في العَشْر الأوَّل، ولا عُلْقة له بمجيء الشَّهر ثلاثين، أو تسع وعشرين إلا بأنْ يُؤوَّل بأنَّ الزِّيادة أو النَّقْص إذا وقَعتْ في ذي القَعدة يلزَم منها نقص عشر ذي الحِجَّة الأوَّل أو زيادته، فيقِفُون الثَّامِنَ، أو العاشِر، فلا ينقُص أجرُ وُقوفهم عما لا غلَطَ فيه. قلت: كذا قال (ك)، ولكن وقُوف الثامن غلَطٌ لا يُعتبر على الأصَحِّ. * * * 13 - بابُ قَوْلِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ" (باب قَول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لا نَكتُب) 1913 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بن قَيْسٍ،

14 - باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن عَمْرٍو: أَنَّهُ سَمِعَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ قَالَ: "إِنَّا أُمَّة أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا"؛ يَعْنِي: مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ. (أُمة)؛ أي: باقُون على الحالة التي ولَدتْنا عليها الأُمهات من عدَم الكتابة والقِراءة، وهو نِسْبةٌ إلى الأُمِّ، وصفتِها؛ لأن هذه صفة النِّساء غالبًا، وقيل: النِّسبة إلى أُمة العرَب؛ لأنهم ليسُوا أهلَ كتابةٍ. (لا نكتب)؛ أي: باعتبار الغالِب في العرَب، والكاتب فيهم نادرٌ. (ولا نحسب)؛ أي: لا نعرف الحِسَاب، أي: حِسَاب النُّجوم، وقال (ط): لا يحسُبون بالقَوانين الغائبة عنَّا، ولكن يحسُبون بالموجودات عِيَانًا. * * * 14 - بابٌ لاَ يَتَقَدَّمَنَّ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ (باب: لا يتقدَّمُ رمضانَ بصَومِ يومٍ أو يومَين) 1914 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ

15 - باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم}

كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ". (صومه)؛ أي: المعتَاد من نَذْرٍ، أو قضاءٍ، أو وِرْدٍ، أو كفَّارةٍ، أي: لا تستقبلُوه بنيَّة رمضان. فيُكره صوم يومٍ أو يومين لغير ذلك من آخِر شعبان؛ ليَدخُل في صوم رمضان بنشاطٍ وقوَّةٍ، فلا يثقُل عليه، وقيل: لئلَّا يختلِطَ صَوم النَّفْل بالفرْض؛ فإنَّه قد يُورِث الشَّكَّ بين الناس، وقيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا قيَّد الصَّوم بالرُّؤية كان كالعِلَّة للحُكم، فمن تقدَّم فقد حاولَ الظَّنَّ في العِلَّة، إما لقضاءٍ، أو نذْرٍ فضرورةٌ، أو لوِرْدٍ بعد إِلْفٍ، فحاصلُه أن ذلك ليس بتقدُّم رمضان بصومٍ. * * * 15 - بابُ قَوْل الله جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (باب قَول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]) 1915 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلاَ يَوْمَهُ،

حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بن صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإفْطَارُ أتى امْرَأتهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ، فَأَطْلُبُ لَكَ. وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأتُهُ، فَلَمَّا رَأتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ. فَلَمَّا انتصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}. (قيس بن صِرْمة) بكسر الصاد المهملة. قال الدَّاوُدي، وابن التِّيْن: يحتمل أنَّ هذا غير محفوظٍ، وإنما هو صِرْمَة، أي: كما هو في "الصحابة" لأبي نُعَيم: صِرْمة بن أبي أنس، وقيل: ابن قَيْس الخَطَمي. (فغلبته عيناه)؛ أي: فنامَ، وفي بعضها: (عينُهُ) بالإفْراد. (خيبة)؛ أي: حِرْمان، وخابَ: إذا لم ينَلْ ما طلَبَ، وهو مفعولٌ مطلَقٌ حُذِف عاملُه وجوبًا. قال بعض النُّحاة: إذا كان بدُون لامٍ وجَب نصْبه، أو معها جازَ النَّصب. (فنزلت) ووجْهُ المُناسبة في نُزولها مع حكاية قَيْس أنه إذا جاز الرَّفَثُ كان الأكل والشُّرب حلالًا بالأَولى، ثم نزل بعده: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}، ليُعلم ذلك بالمنطوق تصريحًا بتَسْهيل الأمر عليهم، ورفْعًا

16 - باب قول الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}

لجِنْس الضَّرر الذي وقَع لصِرْمة، أو أنَّ المراد نُزول الآية بتَمامها، والغرَض: نزلَتْ ثانيًا لفظ: {مِنَ الْفَجْرِ}. * * * 16 - بابُ قَوْل الله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فِيهِ الْبَرَاءُ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قَول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}) (فيه البراء) لكنْ لمَّا لم يكُن حديثه في الباب على شرْطه لم يذكُره، كذا قال (ك)، وهو عجيبٌ؛ فإن البخاري قد أخرجه في الباب الذي قبلَه، وفي غيره. * * * 1916 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عَدِيِّ بن حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ، فَلاَ يَسْتَبينُ لِي، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ".

1917 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ابن أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ (ح) حَدَّثَنِي سَعِيدُ بن أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بن مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}، وَلَمْ يَنْزِلْ (مِنَ الْفَجْرِ)، فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ الله بَعْدُ: {مِنَ الْفَجْرِ}، فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ النَّهَارَ. الحديث الأول، والثاني: بمعنى متقاربٍ. (علموا)؛ أي: بعد نُزول: {مِنَ الْفَجْرِ}، وليس في هذا تأخير البَيان عن وقْت الحاجة؛ لأن استِعمال الخَيْطَين، أي: الأبيض الذي أوَّل ما يمتدُّ من الفجْر المعترِض في الأفُق شبيهًا بالخَيْط، والأسود الذي يمتدُّ معه من غَلَسِ اللَّيل شبيهًا بالخَيْط أيضًا = كان شائعًا لا يحتاج لبَيانٍ، فاشتَبَه على بعضهم، فحملَه على العِقَالَيْن. قال (ن): فعل ذلك مَن لم يكن مُخالِطًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل هو من الأعراب، ومَن لا فِقْهَ عنده، أو لم يكن مِن لُغته استِعمالهما في اللَّيل والنهار، انتهى. وبالجُملة فاستعمال الخَيْطَين في الليل والنهار على ما قرَّرناه كان استعمالُه قبل نُزول قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ}، وبعدها صار من

التَّشبيه؛ لأن الطَّرَفين مذكوران، والاستِعارة وإنْ كانت أبلَغَ من التَّشبيه، لكن الكامِل من التَّشبيه أبلَغ من الاستعارة الناقِصة، وهي ناقصةٌ لفَوات شَرْطِ جِنْسِها، وهو كَوْن المُستَعار والمُستَعار له جَليًّا بنفسه معروفًا بين سائر الأَقْوام، وهذا كان مشتَبهًا على بعضهم، وإنما كان: {مِنَ الْفَجْرِ} بيانًا لهما مع أنه متعلِّقٌ بالخَيْط الأبيض؛ لأنَّ بيان أحدهما مُشعِرٌ ببيان الآخر. قال (ش): حديث عَدِيٍّ يقتضي نُزول: {مِنَ الْفَجْرِ} متصِلًا، وحديث سَهْل يقتضي نُزولها منفصلةً، فإنْ كان حَمْلًا على واقعتَين في وقتَين فلا إشْكالَ، وإلا فيحتمل أن حديث عَدِيٍّ متأخِّرٌ عن حديث سَهْل، وأن عَدِيًّا لم يسمَع ما جَرى من حديث سَهْل، وإنما سمع الآيةَ مجرَّدةً، ففهمها على ما وصَل إليه ذهنُه حتى تبيَّن له الصَّواب، وعلى هذا فيكون: {مِنَ الْفَجْرِ} متعلِّقًا بـ {يَتَبَيَّنَ}، وعلى حديث سَهْل يكون في موضع الحال متعلِّقًا بمحذوفٍ، قاله في "المُفْهِم". (رِءيتهمَا) بكسر الراء، وهمزةٍ ساكنةٍ، ومثناةٍ تحت مرفوعةٍ: بمعنى النَّظَر كقوله تعالى: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74]، قال (ع) وغيره: هذا صوابُ ضبْطه، ولبعضهم: بفتح الرَّاء، وكسر الهمزة، ولا وجْهَ له هنا؛ لأنه التَّابع من الجِنِّ، وحكى (ن) ثالثةً، وهي: راءٌ مكسورةٌ، وياءٌ مشدَّدةٌ بلا همزٍ، ومعناه: لَونهما. * * *

17 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال"

17 - بابُ قَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلاَلِ" (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يَمنَعنَّكُم مِنْ سَحُوركُم أَذانُ بِلالٍ) السَّحور بفتح السين: ما يُؤكَل في السَّحَر، وبالضمِّ المصْدر. قال (ش): قال (ط): لم يصحَّ عند البخاري لفظ الترجمة، فاستَخرج معناه من حديث عائشة، ولفظُها قد رواه الترمذيُّ، وقال: حسَنٌ. 1918 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ. 1919 - وَالْقَاسِمِ بن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ بِلاَلًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ". قَالَ الْقَاسمُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا ويَنْزِلَ ذَا. (ابن أم مَكْتوم) هو عَمْرو بن قَيْس. (ولم يكن) إلى آخره، هو مُشكِلٌ مع سياق الحديث؛ فإنَّه يقتضي أنَّ بين وقت أذان بلال والفَجْر زمنٌ طويلٌ، وتأْويل: بين

18 - باب تأخير السحور

أذانهما أنَّ المراد بينهما كما في حديث ابن عُمر: لم يكُن بين نُزول بلالٍ وبين صُعود ابن أُمِّ مَكْتومٍ زمنٌ طويلٌ، بل بنفْس ما يَنزِلُ أحدُهما يصعَدُ الآخر. (يَرْقَى) بفتح القاف، أي: يصعَد. * * * 18 - بابُ تَأخِيرِ السَّحُورِ (باب تَعجيل السَّحُورِ) (¬1) قال (ط): أي: تَعجيل الأكل، ولو تَرجَم بتأْخير السُّحور لكان حسَنًا، أي: لأنه المَسنُون، فالمعنى: تَعجيل الأكْل إذا خافَ أن يَدهمه الفَجْر، فعلى هذا يُقرأ بضم السِّين، وهذا الحديث، وحديث الباب الذي قبلَه تقدَّما في (باب: وقْت الفَجْر). (باب إدْراك السُّجود) أي: الصلاة. 1920 - حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُبَيْدِ الله، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بن أبيِ ¬

_ (¬1) كذا وقع في جميع النسخ، وليس في "الكواكب الدراري" للكرماني (9/ 97) ما يدل عليها إلا ما ساقه المصنف هنا نقلًا عن ابن بطال كما ذكره الكرماني في الموضع المشار إليه.

19 - باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر

حازِمٍ، عَنْ أَبي حَاِزمٍ، عنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أتسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجُودَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. (ثم تكون سُرْعَة بي)؛ أي: غاية ما يُفيد إسراعي إدراك الصَّلاة، أي: بقُرب سُجوده من الفجْر بقَدْر ما يصِل من مَنْزله للمَسجد، وأَورد (ع): (أنْ أُدرِكَ الصَّلاةَ)، وفي بعض النُّسخ: (السُّحور)، وهو قَريبٌ من المعنى المقصود. * * * 19 - بابُ قَدْرِ كَمْ بَيْنَ السَّحُورِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ (باب: قَدْرُ كَمْ؟) 1921 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زيدِ بن ثَابتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: تَسَحَّرْناَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. (قَدْرَ) بالنَّصب خبر كانَ مقدَّرةٍ في كلام زيد، وبالرفع خبر مبتدأ. * * *

20 - باب بركة السحور من غير إيجاب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا، ولم يذكر السحور

20 - بابُ بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَاب؛ لأَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا، وَلَمْ يُذْكَرِ السَّحُورُ (باب بَرَكة السُّحور) (واصَلوا)؛ أي: بين الصَّومَين من غير إفطارِ باللَّيل. (ولم يذكر) بالبناء للمفعول، أو: (يَذكُروا) بالبناء للفاعِل مِن ضمير الجمع. قال (ط): نَفْي البخاريِّ أنَّه لم يذكُر غَفلةً منه؛ لأن حديث أبي سعيد الآتي في (باب: الوِصَال إلى السَّحَر) فيه: (فأَيُّكم أَرادَ أنْ يُواصِلَ فليُواصِلْ حتى السَّحَر)، فهو تفسيرٌ لهذا المُجْمَل الذي لم يُذكر فيه السُّحور. 1922 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَاصَلَ، فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمْ. قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ! قَالَ: "لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى". الحديث الأول: (كهيئتكم)؛ أي: ليست حالي كحالِكُم، أو لفظ الهيئة زائدٌ، والمراد: لَستُ كأحَدِكم.

وسبَب النَّهي عنه ما فيه من حُصول الضَّعْف، والعَجْزِ عن مُواظَبة كثيرٍ من الطَّاعات، والقيام بحقوقها. والأصحُّ أنَّ النَّهي فيه للتحريم، والفَرْق بين النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبينَهم: أنَّ الله تعالى يُفيض عليه ما يسُدُّ مَسَدَّ طَعامه وشَرابه، فلا يحسُّ بجوعٍ ولا عطَشٍ، ويُقوِّيه على الطَّاعة، ويحرُسُه من ضعف القُوى، وكَلالِ الحَواسِّ، أو أنه يُطعمه ويَسقيه حقيقةً من الجَنَّة. قال (ن): الصَّحيح الأول؛ إذ لو أكَل حقيقةً لم يكُن مُواصِلًا، ويوضحه أنه قال: (أظل أُطْعَم وأُسْقَى) وأظَلُّ إنما يكون لمَا في النَّهار، ولا يجوز الأكل الحقيقيُّ في النَّهار. قال (ك): ظَلَّ تأْتي بمعنى: صارَ كما في: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58]، وقد يكُون بمعنى الوقْت المُطلَق لا المُقيَّد بالنَّهار، وأيضًا ففي الرِّواية الأُخرى: (أَبيْتُ)، والجمْع بين الرِّوايتين أَولى. * * * 1923 - حَدَّثَنَا آدَمُ بن أَبي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابن صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً". الحديث الثاني: (السحور) ينبغي أنْ يكون بالضَّم مصدرًا بمعنى التَّسحُّر،

ولا يمتَنِعُ الفتح، بل منهم من يقول: إنَّ الفِعْل فيه الوَجْهان. (بركة)؛ أي: أجرٌ وثَوابٌ، وقيل: لأنَّه يُقوِّي على الصَّوم، ويُخفِّف المشقَّة، ويُنشِّط، وقيل: لمَا يتضمَّنه من الاستيقاظ والذِّكْر والدُّعاء في ذلك الوقْت الشَّريف وقْتَ نُزول الرَّحمة، وقد أثْنى الله تعالى على المُستغفِرين بالأَسْحار. قال (ط): خُصَّت الأُمة بالسُّحور ليَكون لهم قُوَّةً على صيامهم، فهو مُستحبٌّ لا إثمَ في تَرْكِه. واعلم أن هذا الحديث يدلُّ على صَدْر التَّرجمة، والحديث الأول يدلُّ على آخِر الترجمة من حيثُ إنه لو كان السُّحور واجِبًا لَمَا واصل - صلى الله عليه وسلم -. قال (ك): والأَولى أن يُقال: الأَصْل عدَم إيجاب السُّحور، وأما كَونه واصَلَ؛ فلأَنَّ إباحة الوِصَال من خَصائصه، فلا يدلُّ على عدَم الوُجوب مطلقًا، بل إذا حُمل الإطعام والسَّقْي (¬1) على الحقيقة لا يبقَى في ذلك دلالةٌ بالكليَّة، فإنْ قيل: لفْظ: نهاهم دليلٌ لإيجاب التَّسحُّر؛ لأن النَّهي أمرٌ بالضدِّ، وضدُّ الوِصَال الأَكْل؟، قيل: الأَكْل يَصْدُق على ما ليسَ بتَسحُّرٍ كالأَكَل أوَّلَ اللَّيل. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل و"ب": "السعي" والمثبت من "ف" و"ت".

21 - باب إذا نوى بالنهار صوما

21 - بابٌ إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا وَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءَ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا. وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابن عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ - رضي الله عنهم -. (باب: إذا نَوى بالنَّهار) اسمُ (أم الدَرْدَاء) خَيْرة، بسُكون الياء. (وأبي الدَرْداء) عُوَيْمِر. * * * 1924 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بن أَبي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ ابن الأَكوَعِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: "أَنْ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ". (رجلًا) قال ابن بَشْكُوال: هو هنْدُ بن أَسْمَاء السُّلَمي، وفي "مسند أحمد": أنه أَسْماء بن جَارِيَة. (فليتمَّ) بكسر اللام وسُكونها، وهو بلفْظ الأَمْر للغائِب، وبفتْح الميم تَخفيفًا، أي: ليُمْسِك بقيَّة يَومه حُرْمةً للوقْت كما يُمسِك لو أصبَح يوم الشَّكِّ مُفطِرًا، ثم ثبَت أنَّه من رمضان، وكفاقِد الطَّهورَين يُصلِّي احترامًا للوقت.

22 - باب الصائم يصبح جنبا

قال (خ): يُستحبُّ تَشبيهًا بأهل الطَّاعة، فصوم بعض النَّهار لا يصحُّ، وقد استدلَّ بهذا أبو حنيفة أن الفَرْض يجوز بنيَّةٍ من النَّهار؛ لأنَّ صوم عاشوراء كان فرْضًا، ورُدَّ بأن ذلك إمساكٌ لا صومٌ، وأيضًا فصوم عاشوراء لم يكُن فَرْضًا عند الجُمهور، وأيضًا فليس فيه أنَّه لا قَضاءَ عليهم، بل في "أبي داود": أنَّهم أتَمُّوا بقيَّة اليوم وقضَوه، وقال (ط): غرَض البخاري جَواز صوم النَّفْل بغير تبييتٍ، وقال مالك: يجب فيه التَّبييت كالفرْض؛ لإطلاق حديث: "مَنْ لم يُبيِّتِ الصِّيَامَ فلا صِيَامَ لَهُ"، ولحديث: "الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ"، فالإمساك أوَّل النَّهار عمَلٌ بلا نيَّةٍ، وقياسًا على الصلاة؛ إذ نفْلُها وفرضها في النيَّة سواءٌ، وحكم حديث عاشوراء مَنْسوخٌ. قال: ولا دلالةَ في: (إِنِّي صائِمٌ إذَنْ)؛ لاحتمال أنَّ المُرادَ من السُّؤال أن يجعل ذلك للإفْطار، حتى تطمئنَّ نفْسه للعبادة، ولا يتكلَّف لتحصيل ما يُفطر عليه، ولمَّا قالوا له: لا، قال: إنِّي صائمٌ كما كنت، أو أنه عزَم على الفِطْر لعُذْرٍ، فلمَّا قيل له؛ تمَّمَ الصَّوم، انتهى. وهذا الحديث من ثُلاثيَّات البخاري. * * * 22 - بابُ الصَّائِمِ يُصْبحُ جُنُبًا (باب الصائم يُصبح جُنبًا) 1925 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى

أَبي بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْحَارِثِ بن هِشَامِ بن الْمُغِيرَةِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ أَناَ وَأَبي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. 1926 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْحَارِثِ بن هِشَامٍ: أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ: أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرتَاهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْحَارِثِ: أُقْسِمُ بِالله لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قُدِّرَ لنا أَنْ نَجْتَمعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَكَانَتْ لأَبي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَبي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا، وَلَوْلاَ مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ. فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ ابن عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ، وَقَالَ هَمَّامٌ وَابن عَبْدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ. وَالأَوَّلُ أَسْنَدُ. (لتفزعن) بالفاء، والزاي: من الفَزَع، وفي بعضها: بالقاف، وفي بعضها: (لتُقَرِّعنَّ) بفتح القاف وكسر الراء المشددة، أي: يُعَنِّفُه، وذلك لأنَّ أبا هريرة كان يَروي: "مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فلا صَوْمَ لَهُ"، ويُفتي به. (على المدينة)؛ أي: حاكمٌ عليها.

(قُدِرَ) بالبناء للمفعول. (كذلك)؛ أي: حديث: "مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فلا يَصوم". (حدثني الفضل) في "النَّسائي": حدَّثني أُسامة بن زَيْد، فليُحمل على أنه سمعَه منهما، وكان حديثُهما متقدِّمًا. (وهو أعلم)؛ أي: بروايته من غيره، فالعُهْدة عليه، والضَّمير راجِعٌ إلى الله، وفي بعضها: (وهُنَّ أَعلَمُ)؛ أي: أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصرَّح مسلم في روايته: أنَّه لمَّا حدَّث عن عائشة، وأم سلَمة قال: فما أَعلَمُ، وذكر أنَّ أبا هريرة رجَع عن ذلك، وقال: لم أسمعْه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فمعنى قوله: (أعلم): أنَّهنَّ صاحبات الواقِعة. (وقال هَمَّام) وصلَه أحمد. (وابن عبد الله) قال (ك): لعبد الله بن عُمر سِتُّ بنين، والظَّاهر أنَّ هذا سالم؛ لأنه يروي عن أبي هريرة، وقال غيره: إنه عُبَيد الله بن عبد الله، ووصلَ حديثَه الطَّبَرانيُّ في "مسند الشاميين"، وهو في "النَّسائي الكبير"، وقيل: عبد الله، -بالتَّكبير- بن عبد الله. (والأوُّل)؛ أي: حديث أُمهات المؤمنين. (أسْنَد)؛ أي: أصحُّ إسنادًا. قال (ن): رجَع أبو هريرة عن روايته عن الفَضْل لحديث عائشة، وأُمِّ سلَمة؛ لأنهما أعلَمُ بمثْل هذا من غيرهما، ولأنَّه مُوافقٌ للقرآن، وهو قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187]، وإذا جازت المباشَرة إلى الفجْر لَزِمَ

23 - باب المباشرة للصائم

منه أن يُصبح جُنُبًا، ويصحَّ صومه، وأُوِّل حديثُه، بأنه إرشادٌ إلى الأَفْضل، وهو الغُسل قبل الصُّبح، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد يَفعل غيرَ الأفضل لبَيان الجَواز، ويكون بَيانًا لناسٍ، وقد يجب عليه البَيان، أو محمولٌ على مَنْ أَدركَه الفجْر مُجامِعًا فاستَدامَ بعد طُلوعه عالمًا، فإنَّه لا صومَ له، أو أنه كان في أوَّل الأمر حين كان الجِماع مُحَرَّمًا في اللَّيل بعد النَّوم، ثم نُسِخ ذلك، ولم يَعلَمْه أبو هريرة، فلمَّا بلَغه النَّاسِخ رجَع، وأما كَراهة عبد الرَّحمن تبليغَ الحديث إلى أبي هريرة مع أن الكتْمان ممتنعٌ؛ لأن الكراهة إنما هي للتَّقريع، وأما الكِتمان فهو حيث يسأَله سائل ولا يُبيِّن له. * * * 23 - بابُ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا. (باب المُباشَرة للصَّائم) المراد اللَّمْس باليد ونحوِه من التِقاء البشَرتين لا الجِماع. * * * 1927 - حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ بن حَرْبٍ، قالَ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ الْحَكَم، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإرْبهِ. وَقَالَ: قَالَ

24 - باب القبلة للصائم

ابن عَبَّاسٍ: {مَآرِبُ}: حَاجَة. قَالَ طَاوُسٌ: {أُولِي الْإِرْبَةِ}: الأَحْمَقُ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءَ. (لإرْبهِ) قال (ن): يُروى بكسر الهمزة، وإسكان الراء وبفتحها، أي: الحَاجَة، ولكنَّه يُطلَق على العُضْو، وقيل: المراد: أملَكُ لعَقْله، أي: ينبغي لكم التحرُّز عن القُبْلة، ولا تتوهَّموا أنكم مثْل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه يملِكُ نفْسَه، ويأْمَنُ الوقوعَ فيما يتولَّد منه الإنْزال، وأنْتُم لا تملكون ذلك. (مأْرَب) بسكون الهمزة، وفتح الراء. (أولي الإربة: الأحمق)؛ أي: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31]، فإن الأحمق تفسيرٌ له، فلو ذكَر البُخاري: (غير) لكَان أظهَر. قلتُ: يُوجَد في بعض النُّسَخ ذلك. * * * 24 - بابُ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَقَالَ جَابرُ بن زيدٍ: إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ. (باب القُبْلة للصَّائم) 1928 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ،

قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (ح) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُقَبلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ. ثُمَّ ضَحِكَتْ. الأول: (بعض أزواجه) هي عائشة، كما في "مسلم"، وأُمُّ سلَمة كما عند البخاري. (فضحكت)؛ أي: نبَّهتْ بضَحِكها أنها صاحبة القِصَّة؛ ليكون أبلَغَ في الثِّقَة بحديثها. قال (ع): أو التَّعجُّب مما يُخالِف، أو من نفْسها حيث تجيء بحديثٍ يُستَحيا منه، لكنْ ذكَرتْهُ للاضطِرار، وقيل: ضَحِكتْ سُرورًا بتذكُّر مَكانها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 1929 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بن أَبي عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ زينَبَ ابنةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا - رضي الله عنهما - قَالَتْ: بَيْنَمَا أَناَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ أَنُفِسْتِ؟ " قُلْتُ: نعَمْ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ، وَكَانَتْ هِيَ

25 - باب اغتسال الصائم

وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِناءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ يُقَبلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. الثاني: (الخَمِيْلة) هي ثَوبٌ من صُوفٍ له علَمٌ. (نفَسَت) بفتح النون، وكسر الفاء على الصَّحيح، وسبق شرح الحديث في (باب: مَن سَمَّى النِّفاس حَيْضًا). * * * 25 - بابُ اغْتِسَالِ الصَّائِمِ وَبَلَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - ثَوْبًا، فَألْقَاهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَائِمٌ. وَدَخَلَ الشَّعْبيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ، أَوِ الشَّيْءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِم. وَقَالَ ابن مَسْعُودٍ: إِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا. وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِي أَبْزَنَ أتقَحَّمُ فِيهِ وَأَناَ صَائِمٌ. وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ ابن عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَلاَ يَبْلَعُ رِيقَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لاَ أقُولُ: يُفْطِرُ. وَقَالَ ابن سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ، قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ، قَالَ: وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ، وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ. وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِم بَأْسًا.

(باب اغتسال الصَّائم) (يتطعَّم) بالتشديد، أي: يتعرَّف الطَّعم بذَوقه بطرف لسانه. (القدْر)؛ أي: ما فيها. (أو الشيء) من عطف العامِّ على الخاصِّ. (مترجلًا)؛ أي: متمشِّط الرأس. (ويذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم) يأْتي بَيانُ وصْله في (باب: سِواك الرَّطْب واليابس). (إن لي أبْزَن) هو شِبْه الحَوض الصغير، أي: يتبرَّد فيه وهو صائمٌ، يستعين به على الحَرِّ والعطش، قال (ع): بفتح الهمزة وكسرها، ثم موحَّدة ساكنة، ثم نون، وهي كلمةٌ فارسيةٌ. قال (ك): مركَّبٌ من: (أب) وهو الماء، (وزَنْ) وهو المرأة؛ لأن ذلك تتخذه النِّساء غالبًا، وفي بعضها بقصر الهمزة، فهو يدلُّ على أنه بالمدِّ والقَصْر. قال: وحيث عُرِّب أُعْرب. قال (ش): بالنَّصب اسم (إنَّ)، وبالرفع على أنَّ اسمها ضميرُ الشَّأْن، والجملة بعدها الجزاء. (أتقحم)؛ أي: أُلقِي نفْسي فيه، وأنغَمِس، وفي بعضها: (وأَقْتَحِم) أفتعل. (والماء له طعم) قال في "المُجمَل": الطَّعام يقَع على كلِّ

ما يُطْعَم حتَّى الماء، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249]. * * * 1930 - حَدَّثَنَا أحمَدُ بن صَالح، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَأَبي بَكْرٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْها: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلُم، فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. 1931 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنْ سُميٍّ مَوْلَى أَبي بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ بن الْحَارِثِ بن هِشَامِ بن الْمُغِيرَةِ: أنَّهُ سَمعَ أَبَا بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ: كُنْتُ أَناَ وَأبَي، فَذَهبْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: أَشْهدُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِنْ كَانَ لَيُصْبحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احتِلاَمٍ، ثُمَّ يَصُومُهُ. 1932 - ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. (حُلُم) بضم الحاء واللام، وسكونها، أي: من جَنابةٍ غير حُلُمٍ، فاكتفَى بالصِّفة عن الموصوف لظُهوره، فيلزمه أنَّ الأنبياء يحتلِمُون، لكنْ الأشهر امتناعه؛ لأنه من تلاعُب الشَّيطان، وهم معصومون، وقولها: (غير احتِلامٍ) لا يَلزم منه أنه يقَع أصلًا منه، بل هو صفةٌ لازمةٌ مثل: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61].

26 - باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا

26 - بابُ الصَّائِمِ إِذا أَكلَ أَوْ شَرِبَ نَاسيًا وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ اسْتَنْثَرَ، فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ، لاَ بَأسَ، إِنْ لَم يَملِكْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ، فَلاَ شَيءَ عَلَيهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ ناَسِيًا، فَلاَ شَيءَ عَلَيهِ. (باب الصَّائِم إذا أكَلَ أو شَرِبَ ناسيًا) (استنثر): هو إخْراجُ الماءِ من الأنْف بعد الاستنشاق، وقيل: هو الاستنشاق، وسبق بيانه. (لم يملك) استئنافُ كلامٍ تعليلًا لمَا قبْلَه، وفي بعضها: (إنْ لم يملِك). (لا بأس) ليس هو جوابَ الشَّرط، وإلا لكان بالفاء، بل هو مفسِّرٌ لجوابه المحذوف، والجُملة كقوله: مَنْ يَفعَلِ الحسَناتِ الله يَشْكُرُها * * * 1933 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ يَزِيدُ بن زُريع، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا ابن سِيْرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: "إِذَا نسَيَ فَأكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاه". (أطعمه الله) إشارةٌ إلى لُطْف الله تعالى بعِباده بدَفْع الحرَج عنهم.

27 - باب سواك الرطب واليابس للصائم

وفيه دليلٌ على مالك في قوله: إنَّ الصَّوم يبطُل بذلك نِسْيانًا، نعَمْ، عند الشَّافعي بالأكل الكثير؛ لأنَّ التحرُّز عنه سَهْلٌ، ويَندُر النِّسيان فيه، فوُقوعه يُشعِر بالتَّفريط في التحفُّظ. قال (خ): النِّسيان ضرورةٌ، والأفعال الضرورية غيرُ مُضافة في الحكم إلى فاعلها، ولا مُؤاخَذٌ بها، والقياس مُطَّرِدٌ إلا أنْ يكثُر النِّسيان، فإنَّه إذا تتابَعَ خرَجت العبادة عن حدِّ القُرَب. قلتُ: رجَّح (ن) أنَّ النِّسيان لا يُفطر به قَلَّ الأكْلُ أو كثُرَ؛ لظاهر إطلاق الحديث. 27 - بابُ سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابسِ لِلصَّائِمِ وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بن رَبيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لاَ أُحصِي أَوْ أَعُدُّ. وَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُم بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ". ويُرْوَى نَحوُهُ عَنْ جَابرٍ، وَزيدِ بن خَالِدٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وَلَم يَخُصَّ الصَّائِمَ مِن غَيرِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَطْهرَةٌ لِلْفَم، مَرضَاةٌ لِلرَّبِّ". وَقَالَ عَطَاءٌ وَقتادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ. (باب سِوَاكِ الرَّطْبِ واليَابس) (ويُذكر عن عامر) وصلَه أحمد، وأبو داود، والتِّرمِذي، وابن

خُزيمة، والدَّارَقُطْنِي، وغيرهم بسندٍ فيه ضعفٌ. (وقالت عائشة) رواه النَّسائي، وابن حِبَّان، وغيرهما. (وقال أبو هريرة) رواه ابن خُزَيمة. (وجابر) رواه ابن عَدِي في "الإِكْليل". (مِزيد) رواه أحمد، والثلاثة، وحكَى التِّرمِذيُّ أن البُخاري صحَّحه. (مطهرة) بكسر الميم وفتحها: مصدرٌ ميميٌّ بمعنى اسم الفاعِل، من التَّطهُّر، أو اسمُ للآلة. (مرضاة)؛ أي: سببٌ للرِّضَا من حيث إنَّ المَندوب مُثابٌ عليه، أو أنه مقدِّمةٌ للصلاة، ومنها مناجاة الرَّب تعالى، فطيب الرائحة يقتضي رِضَا صاحب المُناجاة، أو أنَّ مرْضاة بمعنى: مُرضيَة للرَّبِّ، أو بمعنى: مَظِنَّة، كما في: "الوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبنةٌ"، أي: السِّواك مَظِنَّةٌ للطَّهارة والرِّضَا، أي: يحمل الرجل على الطَّهارة، ورِضَا الله، ثم يحتمل التَّرتيب بأنْ تكون الطهارة به عِلَّةَ للرضا، وأن يكونا مُستقلَّتين بالعِلِّية. (لأمرتهم)؛ أي: أمر إيجابِ؛ لأنَّه مندوبٌ. قلتُ: فلا يُستدلُّ به على أنَّ الأمر للإيجاب؛ لأنَّ ذاك في صيغة: افْعَلْ. وفيه جَواز اجتهاده - صلى الله عليه وسلم -، ورِفقُه بالأُمَّة، وسبَق الحديث في (الجمعة).

(ولم يخص)؛ أي: هو مُتناوِلٌ للصائم أيضًا كما أنه عامٌّ في الرَّطْب واليابس، وفي كلِّ وقتٍ، وقال الشافعي: يُكرَه بعد الزَّوال؛ لأنَّ الخُلُوف إنما يحصُل بعده، وقال مالك، وأحمد: يُكره أن يَستاك بخشبةٍ رطْبةٍ؛ لأنها تحلب الفَمَ، فهو كمَضْغ العِلْك. * * * 1934 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ مَعمَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاء بن يَزِيدَ، عَنْ حُمرَانَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْههُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرفقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيمنَى ثَلاَثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ نَحوَ وَضُوئي هذَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئي هذَا، ثُمَّ يُصَلِّي ركعَتَيْنِ، لاَ يُحَدّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ". حديث حمران عن عثمان: سبق في (باب: الوُضوء ثَلاثًا). ووجه تعلقه بالترجمة: أن معناه: توضَّأَ وُضوءًا كاملًا جامعًا للسُّنن من جُملتها السِّواك، قال (ط): هو حُجةٌ واضحةٌ في إباحة السِّواك رَطْبًا ويابسًا كما قدَّمَه عن ابن سِيْرِين، وذلك لأنَّ الماءَ أَرَقُّ من ريق السِّواك، وقد أُبيحتْ المَضمَضة للصَّائم.

28 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء" ولم يميز بين الصائم وغيره

(غفر له) في بعضها: (إلا غُفِرَ له) فيكون استثناءً من الاستِفهام الإنكاريِّ المفيدِ للنَّفْي، ويحتمل: لا يُحدِّثُ نفْسَه بشيءٍ من الأشياء في شأن الركعتَين إلا بأنَّه قد غُفِرَ له. 28 - بابُ قوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا تَوَضَّأَ فَلْيسِتَنْشق بمَنْخِرِهِ الْمَاء" وَلَم يميِّزْ بين الصَّاَئِمِ وَغيرِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِم إِنْ لَم يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ، وَيَكْتَحِلُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنَ الْمَاء لاَ يَضيرُهُ، إِنْ لَم يَزْدَرِد رِيقَهُ، وَمَاذَا بقِيَ فِي فِيهِ، وَلاَ يَمضَغُ الْعِلْكَ، فَإِنِ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ لاَ أقولُ: إِنَّهُ يُفْطِرُ، وَلَكِنْ يُنْهى عَنْهُ فَإِنِ اسْتَنْثَرَ، فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ، لاَ بَأسَ، لَم يَملِكْ. (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا تَوضَّأ فليَسْتنْشِقْ) هذا الحديث وصلَه مسلم. (المَنخِر) بفتح الميم، وكسْر الخاء، وقد تُكسَر الميمُ إتْباعًا للخاء. (السَّعَوط) بفتح السين، ويُروى بضمها: دَواءٌ يُصَبُّ في الأنْف.

29 - باب إذا جامع في رمضان

(يضره) في بعضها: (لا يضُرُّه)، وهما بمعنًى. (يزدرد)؛ أي: يبْتَلِع. (وما بقي) جُملةٌ منفيَّةٌ وقَعتْ حالًا، وقيل: (ما) موصولةٌ. قال (ط): أظنُّ أنه سقَطتْ كلمةُ: (ذا) مِن النَّاسِخ، وأصلُه: وماذا بقِيَ في فيه، وكذا رواه عبد الرَّزَّاق، وزاد عَطاء: أنَّه إذا تمضْمَضَ ثم انتَزع ما بقيَ في فيه من الماء لا يضُرُّه أنْ يَزدرِدَ ريقَه خاصَّة؛ لأنه لا ماءَ فيه بعدَ تَفْريغه له، ولهذا قال: وماذا بقِيَ في فيه؟. (لا يمضغ) في بعضها: (يَمضَغُ) بدُون (لا)، وهو بفتح الضَّاد وضمِّها عند ابن سِيْدَه. (العِلك) بكسر العين: ما يُمضَغُ كالمَصْطَكي. قال الشَّافعي: يُكرَه؛ لأنه يُجفِّف الفَمَ ويُعطش، وإنْ وصَلَ منه شيءٌ للجَوف يُبْطِلُ الصَّومَ. * * * 29 - بابٌ إِذا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ ويُذْكرُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَم يَقْضهِ صِيَامُ الدَّهْرِ، وَإِنْ صَامَهُ". وَبهِ قَالَ ابن مَسْعُودٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعبي، وَابن جُبَيْرٍ، وَإِبْراهِيمُ، وَقتادةٌ، وَحَمَّادٌ: يَقْضي يَوْمًا مَكَانهُ.

(باب: إِذَا جامَعَ في رمَضانَ) (ويذكر عن أبي هريرة) وصلَه أصحاب السُّنَن، وفيه اضطِراب. (رفعه)؛ أي: رفَع الحديثَ الآتي، وهو: "من أفْطَر"، إلى آخره، وهو جملة حالية متأخِّرةٌ رُتبةً عن مفعولِ ما لم يُسمَّ فاعلُه لقوله: (يُذكَر)، وفي بعضها: (رَفْعُه) بلفْظ الاسم مرفوعًا بأنه مفعول يُذكَر، فيكون الحديث بدلًا عن الضَّمير، نحو: ما متَّعتُ به سمعي وبصَري إلا بدُعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّ السَّمع بدلٌ عن الضَّمير، فيُجوِّز مثْلَه النُّحاة، والمقصود: أنه ليس مَوقوفًا على أبي هريرة، بل مرفوعٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والحديث سبَق في (باب: التَّشديد والمُبالَغة). (يقضي يومًا) قال (ط): اختَلفوا فيما يجِبُ على الوَاطِئ عمدًا في نَهار رمضان، فنَقَل البخاريُّ عن جماعةٍ من التابعين: القَضاء بلا كفَّارةٍ. 1935 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُنِيرٍ، سَمعَ يَزِيدَ بن هارُونَ، حَدَّثَنَا يَحيَى هُوَ ابن سَعِيدٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحمَنِ بن الْقَاسِم أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بن جَعفَرِ بن الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ بن خُويلِدٍ، عَنْ عَبَّادِ بن عَبْدِ الله بن الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها تَقُولُ: إِنَّ رَجُلًا أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّهُ احْتَرَقَ. قَالَ: "مَا لَكَ؟ " قَالَ: أَصبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. فَأُتِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِكْتَلٍ يُدْعَى الْعَرَقَ، فَقَالَ: "أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ؟ "، قَالَ:

أَناَ. قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهذَا". (إن رجلًا) قيل: هو أبو سلَمة بن صَخْر، رواه ابن أبي شَيبة، وابن الجارُود، وجزم به عبد الغَنِيِّ، وانتُقِدَ بأنَّ ذاك هو المُظاهِر في رمضان أتى أهلَه في اللَّيل، رأَى خلخالًا لها في القَمَر، وفي "تمهيد" ابن عَبْدِ البَرِّ، عن ابن المُسيَّب: أنَّ المُجامع في رمضَان سَلْمان بن صَخْر أحدُ بني بَيَاضَة. قال: وأظنُّه وهمًا أتَى من الرُّواة، أي: لأَنَّ ذلك إنما هو المظاهر، وأما المُجامع فأعرابيٌّ، نعَم، اشتركا في أن ذلك في رمَضان، وإنْ كان ذلك نهارًا وهذا ليلًا، وأمرِهم بالكفَّارة والإتيان بالتَّمر والإعطاء، وقولِ كل منهما: على أفْقَرَ منِّي. (احترق) يدلُّ على أنَّه كان عامِدًا؛ لأنَّ الناسي لا إثمَ عليه إجماعًا، والاحتراق مجاز عن العصْيان، أو المراد أنه يحترق يومَ القيامة، فجَعَل المتوقَّعَ كالواقع، وعبَّر عنه بالماضي. (المِكْتَل) بكسر الميم، وفتح المثنَّاة: شِبْهُ الزَّنْبيْل، يسَعُ خمسةَ عشَرَ صاعًا. (العَرَق) بفتْح المهملَة، والراء، ويُروى بسكون الرَّاء: المنسوج من الخُوْص، واحدُه عَرَقَةٌ، وهو الظفيرة كَعَلَقةٍ وعَلَق. (تصدق)؛ أي: على ستِّين مِسْكينًا كما في باقي الرِّوايات. ففي الحديث وُجوب الكفَّارة على المُجامِع عَمدًا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَيْنَ المُحْتَرِق؟ "، فإنْ قيل: الكفَّارة مُرتَّبةٌ، والإطعام إنما هو بعْدَ

30 - باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء، فتصدق عليه فليكفر

العَجْز عن العِتْق، وصِيام الشَّهرين؟، قيل: الحديث مختصَرٌ من المُطوَّل الآتي، وفيه رَدٌّ على المالكيَّه في قولهم: الكفَّارة مخيَّرةٌ. * * * 30 - بابٌ إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلم يَكُنْ لَهُ شَيءٌ، فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ (بابٌ: إذا جامَعَ في رمَضان ولم يكُن له شيءٌ) 1936 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني حُمَيْدُ بن عَبْدِ الرَّحمنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! هلَكْتُ. قَالَ: "مَا لَكَ؟! ". قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امرَأَتِي وَأَناَ صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هلْ تَجدُ رَقَبَةً تُعْتِقها؟ " قالَ: لاَ. قَالَ: "فَهلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابعَيْن؟ " قَالَ: لاَ. فَقَالَ: "فهلْ تَجدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمَكُثَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيها تَمرٌ -وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ- قَالَ: "أَيْنَ السَّائِل؟ " فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: "خُذْها فتَصَدَّقْ بِهِ". فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ الله؟ فَوَالله مَا بَيْنَ لاَبتيها -يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَطْعمهُ أَهْلَكَ".

31 - باب المجامع في رمضان: هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟

(أين السائل) سمَّاه سائلًا مع أنه إنما أخبَر بأنَّه احترَقَ إلا أنه تضمَّن سؤالَه عن حكم الله تعالى فيه. (أعلى أفقر)؛ أي: أتصدَّقُ به على أفْقَر. (لابتيها) سبق قريبًا. (أطعمُه) ليس المراد عن الكفَّارة، بل لأنَّه عجَز عن العِتْق لإعساره، [و] عن الصيام لضعفه، فلمَّا حضَر ما يتصدَّق به ذكَر أنه وعيالُه محتاجون، فتصدَّق به النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، لشِدَّة حاجتهم حالًا، وصارت الكفَّارة في ذِمَّته. قال (خ): كانتْ رخصةً له خاصةً، أو منسوخٌ، لأنها على التراخي. وقد استنبط العلماء من هذا الحديث ألْفَ مسألةٍ وأكثر. 31 - بابُ الْمُجَامِعِ فِي رَمضانَ: هلْ يُطْعِمُ أَهْلَهُ مِنَ الْكَفَّارة إِذَا كَانُوا مَحَاويج؟ (باب المُجامِع في رمَضان، هل يُطْعِم؟) 1937 - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بن أبيِ شَيْبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: جَاءَ

32 - باب الحجامة والقيء للصائم

رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ الأَخِرَ وَقَعَ عَلَى امرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: "أتجدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبةً؟ " قَالَ: لاَ. قَالَ: "فتسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابعَيْنِ؟ " قَالَ: لاَ. قَالَ: "أفتجدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لاَ. قَالَ: فَأُتِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تمر -وَهُوَ الزَّبيلُ- قَالَ: "أَطْعِمْ هذَا عَنْكَ". قَالَ: عَلَى أَحوَجَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ لاَبَتَيها أَهْلُ بَيْتٍ أَحوَجُ مِنَّا. قَالَ: "فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك". (الأخِر) بفتح الهمزة المقصورة، وكسر الخاء، بوَزْنِ كَتِف، أي: مَن هو في آخر القَوم، وقيل: المُدبر المتخلِّف، وقيل: الأرذل، وعن ابن القُوْطِيَّة: بمدِّ الهمزة، وهو غريبٌ. (الزَّبيل) بفتح الزاي، وكسر الموحَّدة المخفَّفة من غير نونٍ: القُفَّة، ورُوي: (الزِّنْبيل) بالنون، بمعناه بكسر الزاي، وحكى صاحب "المُفْهِم" فَتْحَها، وقال: لأنه يُحمَل فيه الزِّبْل، ذكَره ابن دُريد، وقال الجَوْهرِي: [إنْ] كسَرتَه شدَّدتَه، فقلتَ: زِبيل، أو زِنْبيل؛ لأنه ليس في الكلام فِعليل بالفتح. 32 - بابُ الْحِجَامَةِ وَالْقيْء لِلصَّائِمِ (باب الحِجَامة) 1937 / -م - وَقَالَ لِي يَحيَى بن صَالحٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بن سَلَّامٍ،

حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ عُمَرَ بن الْحَكَم بن ثَوْبَانَ، سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: إِذَا قَاءَ فَلاَ يُفْطِرُ، إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلاَ يُولجُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أنَّهُ يُفْطِرُ. وَالأَوَّلُ أصحُّ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ: الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ. وَكانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَحتَجمُ، وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَكَانَ يَحتَجمُ بِاللَّيْلِ. وَاحتَجَمَ أبو مُوسَى لَيْلًا. وَيُذْكَرُ عَنْ سَعدٍ، وَزيدِ بن أَرْقَمَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ احْتَجَمُوا صِيَامًا. وَقَالَ بُكَيْرٌ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نحْتَجمُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلاَ تنهى. ويُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا، فَقَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحجُومُ". وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعلَى، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ، قِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نعم. ثُمَّ قَالَ: الله أَعلَمُ. (قاءَ)؛ أي: بلا اختِيارٍ، وهذا محلُّ الخِلاف، أما الاستِقاءة فمُبطِلةٌ للصَّوم اتفاقًا. (ويذكر عن أبي هريرة) هو إشارةٌ إلى ما ذكَره أصحاب السُّنن عنه مرفوعًا: "مَنْ ذَرَعَه القَيءُ وهو صائِمٌ؛ فلَيْسَ عليه قَضاءٌ، ومَن استَقاءَ فليَقْضِ". (والأول)؛ أي: عدَم الإفْطار، أو الإسناد الأوَّل. (والصوم مما دخل)؛ أي: الإمساكُ واجبٌ مما يدخُل في الجَوف لا مما يخرج. (ويروى عن الحسن) إلى آخره، وصلَه البَيْهقي.

(عن غير واحد)؛ أي: من شيوخه، كذا أبهم شُيوخ الحسَن سُليمان التَّيْمِي، وهم: شدَّاد بن أَوْسٍ، وأُسامَةُ بن زيد، وأبو هُريرة، وثَوْبان، ومَعْقِل بن يَسار، ويحتمل أنه سمعَه من كلِّهم. (أفطر الحاجم والمحجوم) أخذَ بظاهرِ أنهما يُفطِران: أحمد، وخالفَهُ الثلاثة، وحملوا الحديثَ -كما قال البَغَويُّ- على معنى: أنهما تَعرَّضا للإفْطار، المَحجُوم للضَّغف، والحاجِمُ لأنَّه لا يأْمَنُ أنْ يصِلَ إلى جَوفه شيءٌ بمصِّ المَحْجَم. وقال (ط): ليس فيه أن الفِطْر للحِجامة، بل لمعنًى آخَر كانا يَفعلانه، وقيل: إنَّ الاثنين كانا يَغتابان فنقَصَ أجرُهما بذلك، فصارا كالمُفطِرَين، لا الفِطْر حقيقةً، كما يقال: الكَذِب يُفطِر الصائم. قال (ك): أو لأنهما فعَلا مكروهًا فيه، وهو الحِجَامة، فكأنهما لم يتلبَّسا بعبادة الصَّوم. الحديث الأول: (وقال لي عياش) لفظه في "تاريخه": حدّثني عَيَّاش، والله أعلم، وعَيَّاش بالياء والمعجَمة. (والله أعلم) هذا يُستعمل في مقام التردُّد، فكيف قالَه بعد الجزْم بقوله: نعم؟، وجوابه: منع أنَّ استعمال ذلك إنما هو عند التردُّد، أو أن الجزم من حيث سماعُه مرفوعًا، والتردُّد من حيث إنَّ خبر الواحد لا يُفيد اليقين، أو أنه حصَل له بعد الجَزْم تردُّدٌ. * * *

33 - باب الصوم في السفر والإفطار

1938 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بن أسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عنْ أيُّوبَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابن عَبَّاس: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - احتَجَمَ وهوَ مُحْرِمٌ، وَاحتَجَمَ وَهْوَ صَائِمٌ. 1939 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعمرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيَّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: احتَجَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ صَائِمٌ. 1940 - حَدَّثَنَا آدَمُ بن أَبي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: سَمِعتُ ثَابتًا الْبنانِيَّ يَسْأَلُ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أكُنتمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِم؟ قَالَ: لاَ، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. وَزَادَ شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ: عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: وما بعده ظاهرٌ. (وزاد شبابة) هو في "غرائب شُعبة" لابن مَنْدَه. 33 - بابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ (باب الصَّوم في السَّفَر) 1941 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، سَمعَ ابن أَبي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -

فِي سَفرٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ: "انْزِلْ فَاجْدَح لِي". قَالَ: يَا رَسُولَ الله! الشَّمسَ. قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَح لِي". قَالَ: يَا رَسُولَ الله! الشَّمْسَ. قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي". فَنَزَلَ، فَجَدَحَ لَهُ، فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هاهُنَا، ثُمَّ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هاهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَأَبُو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابن أَبي أَوْفَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ. الحديث الأول: (لرجل) هو بلالٌ المؤذِّن، قاله ابن بَشْكُوال. (فأجدح) هو أمرٌ من الجَدْح، بجيم ثم مهملتَين، وهو الخَلْط، والمراد هنا: أَخلِطُ السَّويقَ بالماء، أو اللَّبن والماء، وحَرَّكَه، والمِجْدَح: العُود الذي يُحرَّك به في طرَفه عُودان، وقال الدَّاوُدي: معنى أَجْدَحُ: أَخلُب. قال (ع): وليس كما قال. (الشمس) بالرفع والنَّصب، أي: نُور الشَّمس باقٍ، وإنْ غاب جِزمُها ظنَّ أن ذلك يمنَع من الإفْطار، فأجابه - صلى الله عليه وسلم - بما معناه: أنَّ ذلك لا يَضُرُّ؛ لأن المُعتبر غَيبة القُرص. (هاهنا)؛ أي: المشرق، أي: لأن أوَّل الظُّلمة إنما يأتي منه. (أفطر الصائم)؛ أي: دخَل في وقْت الفِطْر كـ: أصبح، ويحتمل أنه أفطَر حُكمًا وإنْ لم يَطْعَم شيئًا، وفيه تعجيل الفِطْر.

(تابعه جَرير) وصلَه البخاري في (الطلاق). (وأبو بكر) وصلَه في (باب: تعجيل الإفطار). 1942 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ حمْزَةَ بن عَمرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ. 1943 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها زَوْج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ حَمزَةَ بن عَمرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أأصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ. فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَصُم، وإنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ". الحديث الثاني: (أسْرُدُ)؛ أي: أتابع، ففيه صوم الدَّهر لا يُكره لمن لا يتضرَّر به، وإنما أنكَر على ابن عمرو بن العاص صومَ دهْره؛ لعلْمه أنه سيَضعُف عن ذلك بخلاف حمزة؛ فإنه وجَد فيه القُوَّة. (فأفطر) بهمزة قطعٍ. * * *

34 - باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر

34 - بابٌ إِذَا صَامَ أَيامًا مِنْ رَمَضَانَ ثمَّ سَافَرَ (باب: إذا صامَ أيَّامًا من رمضان) 1944 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ، فَأفْطَرَ النَّاسُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَالْكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ. (الكَدِيد) بفتح الكاف، وكسر المهملَة الأُولى: عينٌ جاريةٌ، بينها وبين مكة نحو مَرحلتين، وقال (ش): اثنان وأربعون مِيْلًا. (عُسْفان) بضمِّ المهملة، وسكون الثانية: قَريةٌ على أربعة بُرُدٍ من مكة. (وَقُدَيْد) بضم القاف، وفتح المهملة الأُولى، وسكون الياء بعدها. * * *

35 - باب

35 - باب (بابٌ) 1945 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا يَحيَى بن حَمزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بن يَزِيدَ بن جَابرٍ: أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بن عُبَيْدِ الله، حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْداء، عَنْ أَبي الدَّرْداءِ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَومٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَابن رَوَاحَةَ. رواة الحديث فيه كلُّهم شاميُّون، وهو من اللَّطائف. 36 - بابُ قَوْلِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الحرُّ: "لَيْسَ مِنَ الْبرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ" 1946 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعتُ مُحَمَّدَ بن عَمرِو بن الْحَسَنِ بن عَلِيٍّ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَا هذَا؟ " فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: "لَيْسَ

مِنَ الْبرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ". (باب قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمن ظُلِّل عليه (¬1): "لَيسَ مِنَ البرِّ الصَّومُ في السَّفَر") (ورجلًا) هو أبو إسرائيل العامِري، واسمه: قَيْس. (ليس من البر) تعلَّق به بعضُ الظاهرية في أن الصوم لا ينعقد في السفر، ويردُّه حديثُ صومه - صلى الله عليه وسلم - حتى بلَغ الكَدِيد، وحديث: (فمِنَّا الصَّائِم، ومِنَّا المُفْطِر)، وغير ذلك، نعَم، اختُلف في الأفضل، قيل: الصَّوم مطلقًا، وقيل: الفِطْر مطلقًا، والأكثر أن الصوم أفضل لمن لا يتضرَّر به، وعليه يُحمَل ليس من البرِّ، أي: لمن تضرَّر به. وقال (ط) (¬2): إن قيل: إذا لم يكن من البرِّ يكون من الإثْم، أُجيب: بأن المعنى: ليس أبَرُّ البرِّ، فقد يكون الإفْطار أبَرَّ منه إذا كان في حجٍّ، أو جهادٍ؛ ليتقوَّى عليه كما في: "لَيْسَ المِسْكينُ الذي تَرُدُّه التَّمرةُ والتَّمرتَانِ"، ومعلومٌ أنه مسكينٌ، وأنه من أهل الصدقة، فمعناه: الشَّديد المَسْكَنة، وقال الطَّحَاويُّ: خرَج هذا الحديث على شخصٍ معيَّنٍ، وهو مَنْ ظُلِّل عليه، وهو يجود بنفْسه، أي: ليس البرُّ أن يبلُغ الإنسان هذا المَبلَغ، والله قد رخَّص له في الفِطْر. ¬

_ (¬1) "لمن ظلل عليه" ليس في الأصل. (¬2) "ط" ليس في الأصل.

37 - باب لم يعب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضهم بعضا في الصوم والإفطار

قال (ش): (مِنْ) زائدةٌ لتأكيد النَّفْي، وقيل: للتَّبعيض، وليس بشيءٍ. قلتُ: الذي يَظهر أن التَّبعيض أَرجَح. قال: ورواه أهل اليمَن بإبدال لام البرِّ والصَّوم والسَّفَر ميمًا، وهي لغةٌ قليلةٌ. قال (ك): ورواه كذلك بعض النُّحاة. 37 - بابٌ لَم يَعِبْ أصحَابُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بَعْضُهُم بَعْضًا فِي الصَّوم وَالإِفْطَارِ 1947 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنسِ بن مَالِكٍ قَالَ: كنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِم. (باب: لَم يَعِبْ أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بعضُهم بعضًا) فيه الرَّدُّ على من أبطَل صوم المُسافِر كما سبق. * * *

38 - باب من أفطر في السفر ليراه الناس

38 - بابُ مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ (باب مَن أفطَر في السَّفَر ليَراه النَّاسُ) 1948 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُس، عَنِ ابن عَبَّاس - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دعَا بِمَاءٍ، فرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ؛ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ ابن عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَد صَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاء صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. (إلى يديه) كذا لأكثَرهم، وعند ابن السَّكَن: (إلى فِيْهِ)، وهو أظهر إلا إن تأوَّل الرِّواية الأُولى أنَّ (إلى) بمعنى: (على). قال (ك): المعنى: رفَعَه إلى غاية طُول يدِه، وهو حالٌ، أو فيه تضمينٌ، أي: انتهى الرَّفْع إلى أقصَى غايتها، وقصَّته: أنه - صلى الله عليه وسلم - خرَج إلى مكة عام الفتْح في رمضان، فصام الناس، فقيل له: إن الصوم شقَّ عليهم، وهم ينظُرون إلى فِعلك، فدعا بقدَح من ماءٍ فرفَعه حتى ينظُر النَّاسُ، فيَقتدوا به، وكان لا يأْمنُ عليهم الضعف عن القِتال عند لِقاء عدوِّهم، قيل: وابن عبَّاس لم يكن حاضرًا سفَر مكة، فاتصال الحديث بأنَّه لا يَروِه إلا عن صحابيٍّ. * * *

39 - باب {وعلى الذين يطيقونه}

39 - بابٌ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قَالَ ابن عُمَرَ وَسَلَمَةُ بن الأكوَعِ: نَسَخَتْها {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. (باب: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184]) (نسختها) قيل: النَّاسِخ: {فَمَن شَهِدَ} [البقرة: 184]، وقيل: الثانية مُحكَمةٌ، وقيل: مخصوصةٌ. (وسلمة) وصلَه البخاري في (تفسير سورة البقَرة). 1948 / -م - وَقَالَ ابن نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا الأعمَشُ، حَدَّثَنَا عَمرُو بن مُرَّةَ، حَدَّثَنَا ابن أَبي لَيْلَى، حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -: نزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهم، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُم فِي ذَلِكَ، فَنَسَخَتها: {لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، فَأُمِرُوا بِالصَّوم. (قال ابن نمير) وصلَه البخاري في الباب مختصرًا كالطَّبَري في

40 - باب متى يقضى قضاء رمضان؟

"تفسيره"، وفيه المقصود. الحديث الأول: (ثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -) قد رأى ابن أبي لَيْلَى كثيرًا من الصَّحابة كعُمر، وعُثمان، وعلي، وغيرهم، فلا يضُرُّ جَهالة مَن روى عنهم؛ لأنهم كلُّهم عُدولٌ. (فنسختها، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ} [البقرة: 184] وجْه النَّسْخ بذلك مع أن الخَيرية لا تقتضي الوجوب: أن الصَّوم كان خيرًا من التطوُّع بالفدية، ولا يكون شيٌ خيرًا من السُّنَّة إلا الواجِب. * * * 1949 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَرَأَ: (فِديَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ). قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. الثاني: هو بمعنى الأول. * * * 40 - بابٌ مَتى يُقْضَى قضَاءُ رَمَضَانَ؟ وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ؛ لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ

مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وَقَالَ سَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ: لاَ يَصُلحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا، وَابن عَبَّاسٍ: أنَّهُ يُطْعِمُ. وَلَم يَذْكُرِ الله الإطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. (باب: متَى يقْضي قَضاءَ رمَضان) (فعدة) أي: فعِدَّةٌ متفرِّقًا كان أو متتابعان. (العشر) أي: الأول من ذي الحِجَّة، وهو المسمَّى بالمعلومات. (برمضان) أي: بقَضاء صَومه. (حتى جاء)، في بعضها: (جازَ) من الجَواز، وفي بعضها: (حانت) من الحين. (وابن عباس) عطْفه على أبي هُريرة يقتضي أنه يكون أيضًا مُرسَلًا؛ لأن الأصحَّ اشتراط المَعطوف والمَعطوف عليه في قَيْده، وللأُصوليين خلافٌ في المُطلَق المَعطوف على مقيَّدٍ، هل يتقيَّد أو لا؟. (ولم يذكر) هو من كلام البخاري، والمراد من الإطعام: الفِدْية؛ لتأخير القَضاء. * * * 1950 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بن يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهيْرٌ، حَدَّثَنَا يحْيَى،

عَنْ أَبي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبيِّ أَوْ بِالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (كان يكون) المعنى في تكرير الكَون تحقيقُ القضيَّة وتعظيمُها، وتقديره: كان الشأن يكون كذا، وذكر الثَّاني بلفْظ المُستقبَل لإرادة الاستِمرار، وتكرُّرِ الفعل، وقيل: إنه زائدٌ كما في: وجِيْرانٍ لَنا كانُوا كِرامٍ (الشغل)؛ أي: تهيُّؤُها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مترصِّدةً لاستِمتاعه حيث أراد، وأما في شَعبان فهو صائمٌ، فتتفرَّغ حينئذٍ عائشةُ لقَضاء صومها، أو لأن الصَّوم يُضيَّق عليه فيه، والشُّغل مرفوعٌ فاعل فعلٍ محذوفٍ، أي: قالتْ يمنعُني الشُّغل، أو أوجب ذلك الشُّغل، أو أن يحيى قال: الشُّغل هو المانِع لها، فهو مبتدأٌ محذوف الخبَرِ. (من النبي - صلى الله عليه وسلم -)، (من) للتعليل، أي: من أَجْل، وهذا من البخاري بيانُ أن هذا ليس من قول عائشة بل مُدرَجٌ من قول غيرها. واستُشكِل برواية مسلم: (فما تَقْدِرُ أن تَقضيه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ فإنه نصٌّ في كونه من قولها، وفيه نظَرٌ؛ لأنه ليس فيه تصريحٌ بأنه من قَولها، بل الاحتِمال باقٍ. وقال (ك): إنْ قيل: (شغل) بمعنى: فرغ عنه، وهو عكس المقصود؛ إذ الغرَض أنَّ الاشتغال به هو المانِع لا الفَراغ؟ قيل: المراد

41 - باب الحائض تترك الصوم والصلاة

بالشُّغل الحاصِل من جِهته. قلتُ: كأنَّ عنده أن (مِن) لابتداء الغاية. وفي الحديث: أن القَضاء موسَّعٌ ويتضيَّق في رمضان، وأنَّ حقَّ الزَّوج من العِشْرة والخِدمة يقدَّم على سائر الحقوق ما لم يكنْ فرضًا محصورًا في الوقت. 41 - بابُ الْحائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْم وَالصَّلاَةَ وَقَالَ أَبُو الزِّناَدِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لتأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنِ اتِّبَاعِها، مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضي الصَّلاَةَ. (باب الحائِض تترك الصَّوم) (من ذلك)؛ أي: مِنْ جُملة ما هو خلف الرَّأْي، وأنَّ قضيَّته تساوي الصوم والصلاة في القَضاء؛ لأن كُلًّا تركٌ للعُذْر، لكن قال الفقهاء: الفرق أن الصوم لا يقَع في السنَة إلا مرةَ، فلا حرَج في قضائه بخلاف الصلاة، فإنها تكرَّر كلَّ يومٍ. * * * 1951 - حَدَّثَنَا ابن أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ، قَالَ:

42 - باب من مات وعليه صوم

حَدَّثَنِي زيدٌ، عَنْ عِيَاضٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أليْسَ إِذَا حَاضَتْ لَم تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُم؟ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا". حديث أبي سَعيد سبق في شرح (الحَيْض). * * * 42 - بابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاَثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ. (باب مَن ماتَ وعليه صَومٌ) (يومًا)؛ أي: في يوم، أي: فيقع قضاء رمضان كلُّه في يومٍ واحدٍ. 1952 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن خالدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُوسَى ابن أَعْيَنَ، حدَّثَنَا أبيِ، عَنْ عمرو بن الحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن أبيِ جَعْفَرٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بن جَعْفَرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَليُّهُ". تَابَعَهُ ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمرٍو. رَوَاهُ يَحيَى بن أيُّوبَ، عَنِ ابن أَبي جَعْفَرٍ. الحديث الأول: سنده يَماني، وهو قليلٌ في البخاري.

(لوليه) الصحيح أن المراد به القَريب عصبةً كان أو وارثًا أو غيرهما، وقيل الوارِث، وقيل: العصَبة. وقد اختُلف في قَضاء صوم الفَرْض عن الميِّت، فأشهر قولي الشَّافعي: لا يُصام عنه، ولا يصحُّ، والثاني مُستحبٌّ، ولا يجب، وَيبْرأُ به الميِّتُ، ولا يحتاج للإطعام. قلتُ: ورجَّح (ن) هذا، ونقلَه (خ) عن أحمد. قال: وقال أكثرهم: لا يصومُ أحَدٌ عن أحدٍ كما لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ، فكلٌّ مِن عمَل البدَن، وأوَّلوا الحديثَ: بأنَّ المراد الإطعام، فيُقام ذلك مُقام الصِّيام عنه. (تابعه ابن وهب) (¬1)؛ أي: تابَعَ مُوسَى، ووصلَ ذلك مسلم. (ورواه يحيى) وصلَه ابن خُزيمة، وأبو عَوَانَة، والدَّارَقُطْني. * * * 1953 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بن عَمرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَاءَ رَجلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أفأقْضيهِ عَنْها؟ قَالَ: "نعم"، قَالَ: "فَدَيْنُ الله أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى". قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ، ¬

_ (¬1) في الأصل: "وهيب"، والمثبت من "ف" و"ب" و"ت".

وَنحنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بهذَا الْحَدِيثِ، قَالاَ: سَمِعنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هذَا عَنِ ابن عَبَّاسٍ. 1953 / -م - ويُذْكَرُ عَنْ أَبي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْحَكَم، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ، وَسَلَمَةَ بن كُهيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبيرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امرَأةٌ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُخْتي مَاتَتْ. وَقَالَ يَحيَى، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنْ مُسْلِم، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امرَأةٌ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ. وَقَالَ عُبَيْدُ الله، عَنْ زيدِ بن أَبي أُنيسَةَ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ سَعِيدِ ابن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امرأة لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْها صَوْمُ نَذْرٍ. وَقَالَ أَبو حَرِيزٍ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: قَالَتِ امرَأةٌ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَاتَتْ أُمِّي، وَعَلَيْها صَوْمُ خَمسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. الحديث الثاني: (إن أُمي) ذكَر ابن طاهِر: أن الميِّتة عائشةُ، أو عائِنَة. (أحق)؛ أي: مِن دُيون العباد وحقوقهم، يفسِّره رواية: أرأَيتِ لو كان عليها دَينٌ، أكُنتِ تَقضيهِ؟، قالت: نعم، قال: فدَين الله أَحَقُّ. (عن الحكم) إلى آخره، ظاهرُه روايةُ الكُلِّ عن الكُلِّ لا بالتَّوزيع. (قالت امرأة) فيه سماع كلام الأجنبية في استفتاءٍ ونحوه، وصحة

43 - باب متى يحل فطر الصائم؟

القِياس، وتنبيهُ المُفتي المُستفتيَ على وجه الدَّليل، وقضاءُ الدَّين عن الميِّت. واعلم أن الاختلاف الواقِع: أن السائل رجلٌ أو امرأةٌ، وأن أُمَّها ماتت أو أختُها، وأن الذي عليها صومُ شهر أو خمسَة عشَر يومًا محمولٌ على تعدُّد الوقائع. (وقال عبيد الله)؛ أي: ابن عُمر وصلَه مسلم. (وقال أبو جرير) بفتح المهملة، وكسر الراء، وصلَه البيهقي. * * * 43 - بابٌ مَتى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ؟ وَأَفْطَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ. (باب: متَى يَحِلُّ فِطْر الصَّائم؟) 1954 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حدَّثَنَا هِشَامُ بن عُرْوَةَ، قَالَ: سَمعْتُ أَبي، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيلُ مِنْ هاهُنَا، وَأَدبَرَ النَّهارُ مِنْ هاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمسُ، فَقَد أَفْطَرَ الصَّائِمُ". 1955 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ،

عَنْ عَبْدِ الله بن أَبي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ: "يَا فُلاَنٌ! قُمْ، فَاجْدحْ لنا". فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! لَوْ أَمسَيْتَ. قَالَ: "انْزِلْ، فَاجْدَحْ لَنَا". قَالَ: يَا رَسُولَ الله! فَلَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ: "انْزِلْ، فَاجْدحْ لَنَا". قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نهارًا. قَالَ: "انْزِلْ، فَاجْدَح لنا". فَنَزَلَ، فَجَدَحَ لَهُم، فَشَرِبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَد أَقْبَلَ مِنْ هاهُنَا، فَقَد أَفْطَرَ الصَّائِمُ". الحديث الأول: (من هاهنا)؛ أي: من المَشرِق، وفي الثاني: أي: من المَغرِب، ومرَّ الحديث في (باب: الصَّوم في السَّفَر). (فلو أمسيت) الجواب محذوفٌ، أي: لكنت مُتِمًّا، أو (لَو) للتمنِّي. واعلم أن القائل في: (فقال: يا رسولَ الله)، إمَّا ابن أبي أَوْفَى، وعدَلَ عن حكاية نفسه من باب الالتِفات، وإما رجلٌ يدلُّ عليه السِّيَاق، وأما مُراجعَته فلظَنِّه أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينظُر إلى ذلك الضَّوء نظَرًا تامًّا، فقصَد زيادة الإعلام ببقَاء ذلك الضَّوء. (بأصبعه) فيه عشْرُ لُغاتٍ مشهورةٍ. * * *

45 - باب تعجيل الإفطار

45 - بابُ تعْجِيلِ الإِفْطَارِ 1957 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ". 1958 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بن يُونس، حَدَّثَنَا أبو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابن أَبي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: كنْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَصَامَ حَتَّى أمسَى، قَالَ لِرَجُلٍ: "انْزِلْ، فَاجْدَح لِي". قَالَ: لَوِ انتظَرْتَ حَتَّى تُمسِيَ. قَالَ: "انْزِلْ، فَاجْدَحْ لِي، إِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قَد أَقْبَلَ مِنْ هاهُنَا، فَقَد أَفْطَرَ الصَّائِمُ". (باب تَعجيل الإفْطار) فيه حديثان عُلم شرحهما مما سبق. (ما عجلوا)؛ أي: ما داموا على إقامة السنَّة. * * * 46 - بابٌ إِذا أفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، ثمَّ طَلَعَتِ الشَّمسُ (باب: إذا أفطَر في رمضانَ ثم طلَعت الشَّمس) 1959 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، عَنْ

47 - باب صوم الصبيان

هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بنتِ أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: أَفْطرْناَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمسُ. قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ. وَقَالَ معْمَرٌ: سَمِعتُ هِشَامًا: لاَ أَدرِي أَقْضَوْا أَمْ لاَ. (بد) بتقدير استفهامٍ إنكاريٍّ، أي: هل بُدٌّ من القضاء؟ بمعنى: لا بُدَّ منه. (وقال مَعْمَر) وصلَه عَبْدُ بن حُمَيْد. * * * 47 - بابُ صَوْمِ الصِّبْيَانِ وَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ: ويلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ. فَضَرَبَهُ. (باب صَوم الصِّبْيان) (النشوان)؛ أي: السَّكْران، أو المُنتَشي من السُّكر، وجمعه نَشَاوَى، وعند تجريده من اللام يُصرَف ولا يُصرَف. (ويلك) مفعولٌ مطلَقٌ فعلُه لازم الحَذْفِ، أي: أَشَرِبْتَ الخَمْرَ، وصبياننُا الصِّغار صيامٌ، فضربَه حدَّ الخَمر. * * *

48 - باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام؛ لقوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم، وما يكره من التعمق

1960 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بن الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: "مَنْ أَصبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُم". قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَاننا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعبةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُم عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَارِ. (مُعَوِّذ) بكسر الواو، وإعجام الذَّال، وقال الغَسَّاني: بفتح الواو، ويقال: بكسر بها. (يصومه)؛ أي: عاشوراء. (اللعبة) بضم اللام: ما يُلعَب به. (العِهْن) الصُّوف المصبوغ، وهو من تمرين الصِّغار على الطَّاعات، وأبعَدَ صاحب "المُفْهِم" فقال: هو مِن فعْل النِّساء بأولادِهِنَّ، ولم يثبُت عِلْمُه - رضي الله عنه - بذلك، فإنَّه يَبعُد تعذيب الصِّغار بعبادةٍ مُشِقَّةٍ غير متكرِّرةٍ في السَّنَة. * * * 48 - بابُ الْوِصَالِ، وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي اللّيْلِ صِيَامٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَنَهى النَّبَيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنهُ رحمَةً لَهم وَإِبْقَاءً عَلَيْهم، وَمَا يكرَهُ مِنَ التَّعَمقِ 1961 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحيَى، عَنْ شُعبةَ، قَالَ:

حَدَّثَنِي قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تُوَاصلُوا". قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصلُ. قَالَ: "لَسْتُ كأَحَدٍ مِنْكُم، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى، أَوْ إِنِّي أَبيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى". 1962 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: نهى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْوِصَالِ. قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصلُ. قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُم، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى". 1963 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابن الْهادِ، عَنْ عَبْدِ الله بن خَبَّابٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -: أنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ تُوَاصلُوا، فأيُّكُم إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصلْ حَتَّى السَّحَرِ". قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ كَهيْئَتِكُم، إِنِّي أَبيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وَسَاقٍ يَسْقِينِ". 1964 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن أَبي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدٌ، قَالاَ: أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: نهى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْوِصَالِ رَحمَةً لَهُم، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصلُ. قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ كهيْئَتِكُمْ، إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبي وَيَسْقِينِ". لَم يَذْكُرْ عُثْمَانُ: رحمَةً لَهُمْ. (باب الوِصَال) (عنه)؛ أي: عن الوِصَال.

49 - باب التنكيل لمن أكثر الوصال

(لهم)؛ أي: للأُمة. (وما يكره) عطْفٌ، إما على الضمير المجرور، وإما على رحمة، أي: للكَراهة. (التعمق) من العُمق، وهو قَعر الوادي، والمراد التكلُّف. وذكَر في الباب أربعة أحاديث متقارِبَة المعنى، سبَق بيانها قريبًا. * * * 49 - باب التَّنْكِيلِ لِمَنْ أكثرَ الْوِصَالَ رَوَاهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبيِّ - رضي الله عنه -. (باب التَّنْكيل لمَن أكثَرَ مِن الوِصال) وفي بعضها: (التَّنكير) بالراء. * * * 1965 - حَدَّثَنَا أَبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نهى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْوِصالِ فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصلُ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "وأيُّكُم مِثْلِي؟ إِنِّي أَبيتُ يُطْعِمُنِي رَبي وَيَسْقِينِ". فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصلَ بِهِم يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ، فَقَالَ: "لَوْ تأخَّرَ لَزدتُكُم"؛ كالتَّنْكِيلِ لَهُم، حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا.

1966 - حَدَّثَنَا يحيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعمَرٍ، عَنْ همَّامٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِيَّاكُم وَالْوِصالَ" مَرَّتَيْنِ، قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: "إِنِّي أَبيتُ يُطْعِمُنِي رَبي وَيَسْقِينِ، فَاكلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ". فيه حديثان قريبان أيضًا مما سبق. (حين أبوا) لم يُخالفوا نهيَه إلا ظنًّا أنه تَنزيهٌ لا تحريمٌ. (لو تأخر)؛ أي: الهلال لزدْتُكم في الوِصَال إلى أن تَعجَزوا. (كالتنكيل)؛ أي: لإرادة التَّعذيب، يُقال: نكَّلَ به تَنكيلًا، جعَلَه نكَالًا وعِبْرةً لغيره، وإنما جوز لهم ذلك لمصلحةِ زجْرهم، وبيانًا للمَفسَدة المترتِّبة على ذلك، وهي المَلَل من العِبادة والتعرُّض للتَّقصير في سائر الوظائِف. (يحيى) إما ابن مُوسَى البَلْخِي، وإما ابن جَعفَر البخاري. (اكْلَفُوا) بفتح اللام، أي: تكَلَّفُوا، ويُقال: كَلِفْتُ بهذا الأمر، أي: أُولِعْتُ به، فهمزتُه وصْلٌ، ولبعضهم قَطْعٌ، ولامٌ مكسورةٌ، ولا يصحُّ عند اللُّغويين؛ قاله (ع). ومباحِث الإطْعام والسَّقْي، وكونهما حقيقةً أو مجازًا، وأحكام الوِصَال، تقدَّمتْ في (باب: لا يمنَعنَكم من سُحوركم). * * *

51 - باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له

51 - بابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِيِ التَّطَوُّعِ، وَلَم يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ أوْفَقَ لَهُ (باب مَن أَقْسَم على أَخيْه) (أوْفق) في بعضها: (أَرْفَق) بالراء، والمعنى: يُفطِر إذا كان الإفطار أرفَق للمُقسِم الذي هو صاحِب الطَّعام، فـ (إذا) متعلِّقةٌ بما استَلزمه قَوله: (لم يَرَ عليه قَضاءً) مِن جَواز إفطاره. قال أصحابنا: إنْ شَقَّ على الدَّاعي صومُه استُحِبَّ له الفِطْر في التطوُّع، وإلا فلا، أما الواجِب فيَحرم عليه الإفْطار. 1968 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثنا جَعْفَرُ بن عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبو الْعُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ بن أَبي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبيهِ قَالَ: آخَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبي الدَّرْداءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْداءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْداءِ مُتبَذِّلَةً. فَقَالَ لَها: مَا شَأنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أبو الدَّرْداءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أبو الدَّرْداءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا. فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: فَإِنِّي صائِمٌ. قَالَ: مَا أَناَ بآِكَلٍ حَتَّى تأكلَ. قَالَ: فأَكَلَ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذهبَ أبو الدَّرْداءِ يَقُومُ. قَالَ: نَم. فَنَامَ، ثُمَّ ذَهبَ يَقُومُ. فَقَالَ: نَم. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُم الآنَ. فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فأتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ سَلْمَانُ".

52 - باب صوم شعبان

(أم الدرداء) هي خَيْرَة الصَّحابية، أما أُمُّ الدَّرداء الصُّغرى فاسمها: هُجَيْمَة. (مبتذلة)؛ أي: لابسَةً ثِياب البذْلة، بالمعجَمة، أي: المِهْنَة، ورُوي بتقديم المثنَّاة على الموحَّدة: تاركةً للزِّيْنة. (فيأكل)؛ أي: أبو الدَّرداء، وفي بعضها: (فأكَلا). (فصليا) فيه مَنْقَبةٌ عظيمةٌ لسَلْمان. ووجهُ مطابقة التَّرجمة: أن السِّياق يقتضي تقدير قَسَمٍ في قوله: (ما أَنا بآكِلٍ). * * * 52 - بابُ صوْمِ شَعبَانَ 1969 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبي النَّضْرِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أكثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعبَانَ. 1970 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحيَى، عَنْ

أَبي سَلَمَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها حَدَّثتهُ قَالَتْ: لَم يَكُنِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا أكثَرَ مِنْ شَعبَانَ، فَإنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعبَانَ كلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: "خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا"، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً داوَمَ عَلَيها. (باب صَوْم شَعبان) فيه حديثان، في أحدهما: لم يَستكمِل صيام شهْر إلا رمَضان، وفي الآخر: أنه صام شَعبان كلَّه، والجمع بينهما: أنَّ المُراد من الكُلِّ الأكثَر، وهو تخصيصٌ آخَر بعد التَّخصيص بالاستِثناء. (أكثر صيامًا) ورُوي بالخفْض. قال السُّهيْلي: وهو وَهمٌ، كأنه بناه على كتابتها بغير ألفٍ على لُغة مَن يقِفُ على المنصوب المنوَّن بلا ألفٍ، لا سيَّما وصيغة (أفْضَل) تُضاف كثيرًا، فتوهَّمَها مضافةً، ولكن الإضافة هنا ممتنِعةٌ قطْعًا. (لا يمل) فيه مجازٌ، والمراد ترْك الجَزاء، وسبق في (الإيمان)، في (باب: أحَبُّ الدَين) فيه تقريراتٌ. (دُووِمَ) مبنيٌّ للمفعول، مِن المُداوَمة. * * *

53 - باب ما يذكر من صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإفطاره

53 - بابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْم النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِفْطَارِهِ (باب ما يُذكَر من صَوم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 1971 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَا صَامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لاَ وَالله لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لاَ وَالله لاَ يَصُومُ. الحديث الأول: (غير رمضان) سبق في الباب قبلَه الجمع بينه وبين شعبان كلِّه أن المراد الأكثَرُ، ويحتمل هنا ما رأَى إلا رمَضان، وأخبر بذلك على حسَب اعتقاده. * * * 1972 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن جَعفَرٍ، عَنْ حُمَيدٍ: أنَّهُ سَمعَ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لاَ تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلاَ ناَئِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ: أنهُ سَأَلَ أَنَسًا فِي الصَّوْمِ.

54 - باب حق الضيف في الصوم

1973 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد، أَخْبَرَناَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، أَخْبَرَناَ حُمَيْدٌ، قَالَ: سَاَلْتُ أَنسًا - رضي الله عنه - عَنْ صيَامِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَا كنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلاَ مُفْطِرًا إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلاَ مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ، وَلاَ مَسِسْتُ خَزَّةً وَلاَ حَرِيرَةً أليَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ شَمِمتُ مِسْكَةً وَلاَ عَبيرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (أن لا يصوم) بالنَّصب والرَّفع، ومعنى أنَّه متى شاءَ يَراهُ مصلِّيًا، ومتى شاء يَراه نائِمًا: أنه يُكثِر من هذا فيكونُ أكثَرَ من الآخَر، ومرَّةً بالعكس. (قال سليمان)؛ أي: أبو خالد الأَحْمر، قد وصلَه البخاري في الباب. (مَسِسْتُ) بكسر السِّين على الفَصيحة، وحكَى أبو عُبَيدة فتْحها، وكذا (شَممْتُ) الفَصيح بالكسْر، وحكى أبو عُبَيدة الفتح. * * * 54 - بابُ حَقِّ الضَّيف فِي الصَّوم (باب حَقِّ الضَّيْف في الصَّوم) 1974 - حَدَّثَنَا إِسْحاقُ، أَخْبَرَناَ هارُونُ بن إسْماعِيلَ، حَدَّثنا

55 - باب حق الجسم في الصوم

عَلِيٌّ، حدثنا يَحيَى، قَالَ: حَدَّثَني أبو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَني عَبْدُ الله بن عَمرِو بن الْعاصِ - رضي الله عنهما - قال: دَخَلَ عَلَيَّ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ؛ يَعْنِي: "إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا". فَقُلْتُ: وَمَا صَوْمُ داوُد؟ قَالَ: "نِصْف الدَّهْرِ". (إسحاق) قال الغَسَّاني: لم يَنسِبْه أبو نَصْر ولا غيرُه من شيوخنا. (الحديث)؛ أي: الآتي في الباب الذي هو عَقِبَ هذا. (لزَوْرك) بفتح الزاي: مصدرٌ بمعنى زائِر، كركْبٍ وراكِب، والزَّائر هو الضَّيف، ففيه أنَّ ربَّ المنزِل إذا نزَل به ضَيْفٌ يُفطِر لأجله إيناسًا له وبَسْطًا. * * * 55 - بابُ حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصوْم (باب حَقِّ الجسْم في الصَّوم) 1975 - حَدَّثَنَا ابن مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ الأَوْزَاعيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحيَى بن أَبي كثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن عَمرِو بن الْعَاصِ - رضي الله عنهما -: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.: "يَا عَبْدَ الله! ألم أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "فَلاَ تَفْعَلْ، صُم وَأَفْطر،

وَقُمْ وَنَم؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أيامٍ، فَإنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمثَالِها، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كلِّهِ". فشَدَّدتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "فَصُم صِيَامَ نبي الله داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَلاَ تَزد عَلَيْه". قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نبيِّ الله داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟ قَالَ: "نِصفَ الدَّهْرِ". فَكَانَ عَبْدُ الله يَقُولُ بَعدَ مَا كَبرَ: يَا لَيْتَنِي قَبلْتُ رُخْصَةَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (لِجسدك)؛ أي: جسْمِك، وهو ما تَرجَم به البخاري، وإنما ذكرت هذه الحُقوق؛ لأنَّ الصيام والقِيام يمنعُها، فإذا تَعارضتْ قدَّم الأُولى. (بِحَسَبك) الباء فيه زائدةٌ، وهو بفتح السِّين، وحُكي إسكانها، والمعنى: أنَّ صوم ثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهرٍ يكفيك. (فإذن ذلك) رُوي بالتَّنوين، وبلفْظ: (إذا) الفُجائية. (كَبرَ) بكسر الموحَّدة. (نصف) بالنَّصب على الأفْصح. * * *

56 - باب صوم الدهر

56 - بابُ صومِ الدَّهْرِ (باب صَوْم الدَّهر) 1976 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عَمرٍو قَالَ: أُخْبرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أقولُ: وَالله لأَصُومَنَّ النَّهارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقُلْتُ لَهُ: قَد قُلْتُهُ بأَبي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ: "فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُم وأَفْطِرْ، وَقُم وَنَم، وَأمي مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أيامٍ، فَإنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمثَالِها، وَذَلِكَ مِثْلُ صيَامِ الدَّهْرِ". قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُم يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ". قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُم يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صيَامُ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَهْوَ أَفْضَلُ الصِّيَام"، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ". (لا أفضل من ذلك)؛ أي: في حقِّك، وإلا فمعلومٌ أنه ليس ما هو كالصفة لا يكون أفضل من حقيقة الصوم.

57 - باب حق الأهل في الصوم

57 - بابُ حَقِّ الأَهْل فِي الصَّوْم رَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. (باب حَقِّ الأهْل في الصَّوم) 1977 - حَدَّثَنَا عَمرُو بن عَلِيٍّ، أَخْبَرَناَ أَبُو عَاصِم، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، سَمِعتُ عَطَاءً: أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله ابن عَمرٍو - رضي الله عنه -: بَلَغَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصلِّي اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرسَلَ إِلَيَّ، وَإِمَّا لَقِيتُهُ، فَقَالَ: "ألم أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ وَلاَ تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي، فَصُم وَأَفْطِرْ، وَقُم وَنَم، فَإنَّ لِعَيْنكَ عَلَيْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا". قَالَ: إِنِّي لأَقْوَى لِذَلِكَ. قَالَ: "فَصُم صِيَامَ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: "كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى". قَالَ: مَنْ لِي بِهذه يَا نبَيَّ الله؟ قَالَ عَطَاءٌ: لاَ أَدرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ؟ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ" مَرَّتَيْنِ. (أسْرد)؛ أي: أَصومُ متتابعًا. (ولا يفطر)؛ أي: بالنَّهار. (حَقًّا) في بعضها: (حظًّا). (لأقْوَى) مضارعٌ مبدوءٌ بالهمزة المفتوحة، وفي بعضها: (لذلك) وبعضها: (على ذلك).

58 - باب صوم يوم وإفطار يوم

(صوم داود) أفضَل، أي: لأنه لا يُضعِف البدَن بخلاف سَرْد الصَّوم. (لاقَى)؛ أي: العدوَّ، أي: لا يهرُب من قتال الكفَّار. (بهذه)؛ أي: خَصْلة داود، لا سيَّما عدَم الفِرار، أي: مَن يتكفَّل لي بذلك. (لا صام)؛ أي: لأن منه العِيْد والتَّشريق، وهو حرامٌ. قال (خ): هو بمعنى الدُّعاء عليه، أو أنَّ (لا) بمعنى: لم، نحو: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} [القيامة: 31]، وكقول أُميَّة: إنْ تَغفِر اللهمَّ تَغْفر جَمَّا ... وأيُّ عبْدٍ لكَ لا ألَمَّا أي: لم يُلِمَّ، فتكون بمعنى الجزاء. وقيل: المعنى: لا يَجِدُ من المشقَّة ما يَجدُها غيره، انتهى. وهذا الحديث في ابن ماجه بهذا اللَّفظ، وقد رواه البخاري، لكن بلفظ: "لا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ". * * * 58 - بابُ صوْمِ يَومٍ وَإِفْطَارِ يَومٍ (باب صوم يومٍ وإفطارِ يومٍ) 1978 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ

59 - باب صوم داود عليه السلام

مُغِيرَةَ، قَالَ: سَمِعتُ مُجَاهِدًا، عَنْ عَبْدِ الله بن عَمرٍو - رضي الله عنها -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ". قَالَ: أُطِيقُ أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: "صُم يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا"، فَقَالَ: "اقْرَإ الْقُرآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أكثَرَ. فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: "فِي ثَلاَثٍ". (اقْرَأ) فعل أمرٍ. (في ثلاث)؛ أي: فيستحبُّ أن لا يَقرأ في أقلَّ من ثلاثة أيامٍ. قال (ن): اختلفتْ عادة السَّلَف فيه، فكان بعضهم يختِم في كلِّ شهرٍ، وهو أقلُّه، وأكثَره ثمان ختَماتٍ في يومٍ وليلةٍ على ما بلَغنا، انتهى. نعم في "مسلم": "اقْرأْهُ في سَبْعٍ ولا تَزِد"، ولذا منَع كثيرٌ من العلماء الزِّيادةَ على السَّبْع. * * * 59 - بابُ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ (باب صَوْمِ داود) 1979 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، حَدَّثَنَا حَبيبُ بن أَبي ثَابتٍ، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمَكِّيَّ -وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثهِ- قَالَ: سَمِعتُ عَبْدَ الله بن عَمرِو بن الْعَاصِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ لتصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ "، فَقُلْتُ: نعم. قَالَ:

"إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ، وَنَفِهتْ لَهُ النَّفْسُ، لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ". قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُم صَوْمَ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى". الحديث الأول: (لا يتهم)؛ أي: لكونه شاعِرًا، وقد قال تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224]، بل هو صادقٌ داخلٌ في المستثنى في قوله تعالى: {إلا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [الشعراء: 227]، فلا يُنافي صدقَه كونُه شاعرًا. (هجمت)؛ أي: غارَتْ لأجله عينُك، وضعُف بصرُها. (ونهكت)؛ أي: ذَبُلت وهزُلتْ، وفي بعضها: (نَفِهتْ) بفتح النُّون، وكسر الفاء، أي: كلَّتْ وأَعْيَتْ، وقال التَّيْمي: نَهثَت، بالنُّون، والمثلَّثة، ولا أعرف هذه الكلمة، وفي اللُّغة: نهثَ الرجل بمعنى: شُغِلَ، وهو بعيدٌ أيضًا. قلت: يحتمل أنه بإبدال الفاء مثلَّثة؛ فإنه كثيرٌ في اللُّغة كثومٍ وفُوم. قال (خ): التعبُّد لا يختصُّ بالصوم، فإذا استفَرغَ المكلَّف جُهده في الصوم فوَّت نحو الحجِّ والجهاد وغير ذلك من الطَّاعات، فأمرَه - صلى الله عليه وسلم - بالاقتصاد في الصوم؛ ليَستبقيَ بعضَ القُوة لسائر الأعمال، ولهذا قال

في داوُد: "لا يَفِرُّ إذا لاقَى"، أي: فصومه يَومًا وفِطْره يومًا أبقَى له قُوَّة للجهاد. * * * 1980 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، قَالَ: أَخْبَرني أَبُو الْمَلِيح، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبيكَ عَلَى عَبْدِ الله بن عَمرٍو، فَحَدَّثَنَا: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُها لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْني وَبَيْنَهُ. فَقَالَ: "أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أيَّام؟ "، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "خَمسًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "سَبْعًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "تِسْعًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "إحدَى عَشْرَةَ". ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ شَطْرَ الدَّهْرِ، صُم يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا". الحديث الثاني: (مع أبيك) الخطاب لأبي قِلابَة، وأبوه هو زَيد بن عَمرو الجَرْمِي. (يا رسول الله) الجواب في ذلك مقدَّرٌ، أي: لا يا رسولَ الله. وفي الحَديث إكرام الضَّيف، وبَيان ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من التَّواضُع، وتجنُّب الاستيثار على صاحبه. * * *

60 - باب صيام أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة

60 - بابُ صِيَامِ أيَّامِ الْبيضٍ: ثلاَثَ عَشرة وَأَربَعَ عَشْرة وَخمسَ عَشْرَةَ (باب صِيَام البيْض) أي: الأيام الذي ليالِيْهنَّ مُقمِرةٌ، لا ظُلْمةَ فيها، أي: المذكورة، وهي: لَيلة البَدر، وما قبلَها، وما بعدَها، وفي "الترمذي": أنَّها الثَّاني عشَر، والثالث عشَر، والرَّابع عشَر. 1981 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أبو التَّيَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاَثٍ: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أيامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَركعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوترَ قَبْلَ أَنْ أَناَمَ. (خليلي)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وسبق الحديث في (باب: مَن لم يُصلِّ الضُّحى). (ثلاثة) فقيل: البيْض كما قاله البخاريُّ، والجُمهور، وقيل: أوَّل الشَّهر، وقيل: آخره، وعن ابن عمر: أوَّل إثنَين من الشَّهر، وخَميسان بعدَه، وعن أُم سلَمة: أوَّل خميسٍ ويوما إثنَين بعدَه، وقيل: أوّله، وعاشرُه، والعِشْرون، وهو صَوم مالِك، وقال ابن شَعبان المالِكيُّ: أوَّل يوم، والحادي عشَر، والحادي والعِشْرون. * * *

61 - باب من زار قوما فلم يفطر عندهم

61 - بابُ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَم يُفْطرْ عِنْدَهم (باب مَنْ زارَ قَومًا فلَم يُفْطِر عندَهم) في بعضها: (فأَفْطَر عندَهم). 1982 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالدٌ هُوَ ابن الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: دَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأتتهُ بِتَمرٍ وَسَمنٍ، قَالَ: "أَعِيدُوا سَمنَكُم فِي سِقَائِهِ، وَتَمرَكُم فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ". ثُمَّ قَامَ إِلَى ناَحِيةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبةِ، فَدَعَا لأمِّ سُلَيم وَأَهْلِ بَيْتها، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْم: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ لِي خُوَيصَّةً، قَالَ: "مَا هِيَ؟ ". قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنسٌ. فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَة وَلاَ دُنْيَا إلَّا دَعَا لِي بِهِ، قَالَ: "اللهمَّ ارزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا وَبَارِكْ لَهُ". فَإنِّي لَمِنْ أكثَرِ الأَنْصَارِ مَالًا، وَحَدَّثتنِي ابنتِي أُمَيْنَةُ أنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبيِ مَقْدَمَ حَجَّاج البصرة بضع وعشرون ومئة. 1982 / -م - حَدَّثَنَا ابن أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَناَ يَحيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (خويصة) تصغير خاصَّة، وهو مما اغتُفِر فيه التِقاء الساكنَين، أي: يختصُّ بخِدمتك، وصغَّرَتْه لصِغَر سِنِّه يومئذٍ.

(خادمك) أشارت به إلى جِهة خُصوصيَّةٍ، أي: فادعُ له دعوةً خاصةً، فهذه مبتدأٌ، خبرُه: (أنس) بيانٌ، أو بدلٌ مِن (خادِمك)، والخبَر محذوفٌ، أي: خادمُك الذي هو ولَدي يَرجُو منك الدُّعاء له. (خَيْرَ آخِرَةٍ) القَصْد بتنكير الآخِرة تَنكيرُ خير المُضاف إليها، أي: خيرًا مِن خُيور الآخرة، ولا خيرًا من خُيور الدُّنيا. قال الزَّمَخْشَري في: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} [طه: 69]، أنه نكَّر ساحِر مِن أجْل تنكير المُضاف، لا تَنكيرِه في نفْسه، قال: كقَول عُمر: لا في أمْر دنيا ولا في أَمْر آخرةٍ، فالمُراد كَيْدُ سحرٍ، أو دنيويٌّ وأُخرويٌّ، أي: لو عُرِّف لصار المُضاف معرفةً، والمراد التَّنكير، والمعنى: في أمرٍ ما. (مالًا وولدًا)، هما من الدُّنيا، وأما الآخِرة فذكر في حديثٍ هذا المختصر منه، وهو: (اللهمَّ اغْفِرْ لهُ، وارحمهُ)، أو أنَّ لفْظ: (بارَكَ) إشارةٌ إلى خير الآخرة، أو المال والولَد الصالحان من جُملة خير الآخِرة؛ لأنهما يَستلزِمانها. (أُمَيْنَة) بضمِّ الهمزة، وسُكون التَّحتانيَّة، وبالنون. (حجاج)؛ أي: ابن يُوسُف الثَّقَفي. (البصرة) نُصب بـ (مَقْدَم) بمعنى: قُدوم، ويُقدَّر قبلَه: زمان، أي: زمان قُدومه البَصرةَ؛ إذ لو جُعل (مَقْدَم) اسمَ زمانٍ لم يَنصب مفعولًا، والأَشْهر في باء البصرة الفتح، وتُضمُّ، وتُكسر.

62 - باب الصوم آخر الشهر

(بِضع) قال الجَوهري: بكسر الباء، وبعض العرَب تَفتحها: ما بين الثَّلاث إلى التِّسْع، تقول: بضْعة عشَر، وإذا جاوزْتَ لفظ العِشْرين ذهب البضْع، لا تقول: بضْعٌ وعِشْرون، وهو سَهْوٌ منه؛ لأن أنسًا من فُصحائهم، وقال ذلك. قلتُ: وقال ذلك أفصَح الخَلْق - صلى الله عليه وسلم - "الإِيْمانُ بِضْع وسَبْعون شُعبةً"، والقَصْد أن دُعاءه - صلى الله عليه وسلم - اسْتُجيب في أنَس، فرُزِق في أولاده كثْرةً، ومالًا كثيرًا، قيل: وكان له بُسْتانٌ يحمل في السنَة مرَّتين. (قال ابن أبي مريم) وقَع التَّحديث بها من رواية كَرِيْمَة عن الكُشْمِيهني. * * * 62 - بابُ الصَّوْم آخِرَ الشَّهْرِ (باب الصَّوم من آخِر الشَّهر) 1983 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلاَنَ، وَحَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ بن مَيْمُون، حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بن جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمرَانَ بن حُصَين - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ سَألهُ -أَوْ سَأَلَ رَجُلًا وَعِمرَانُ يَسْمَعُ- فَقَالَ: "يَا أَبَا فُلاَنٍ! أَمَا صمتَ سَرَرَ هذَا الشَّهْر؟ " قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: يَعْنِي رَمَضَانَ. قَالَ الرَّجُلُ: لاَ يَا رَسُولَ الله!

قَالَ: "فَإذَا أَفْطَرْتَ فَصُم يَوْمَيْنِ". لَم يَقُلِ الصَّلْتُ: أَظُنُّهُ يَعنِي رَمَضَانَ. قَالَ أبو عَبْدِ الله: وَقَالَ ثَابثٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمرَانَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ سَرَرِ شَعبَانَ". (سأله) السائِل هو النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (سَرَرِ) قال (ن): ضبْطه بفتْح السِّين وكسرها، والاستِسْرار. قال الجُمهور: هو آخِر ليلةِ في الشَّهر، لاستِسْرار القَمَر فيها، ولكنْ يُحمَل على أنه كان مُعتادًا بصيام آخر كلَّ شهرِ، فلذلك أمَره به، وإلا فقد نَهى عن تقدُّم رمضان بيومِ أو يومين. وقيل: وسَطه، فالسَّرَر، والسُّرَّة بمعنى وسَط، وذلك أيام البيْض، وروى أبو داود عن الأَوْزَاعي: أن سَرَرَهُ أوَّلُه. (أظنه) هو مَقُول أبي النُّعمان، ولم يَقُل أبو الصَّلْت ذلك. (أصح)؛ أي: أثْبت إسنادًا، وقال (ح): إذ لا معنى لأمْره بصيام سَرَرِ رمَضان؛ إذْ كان ذلك مستحَقًّا عليه من جُملة الشَّهر. (فإذا أفطرت فصم يومين) قال أبو عُبَيدة: الاستِسْرار قد يكون ليلةً، وقد يكون ليلتَين، فأمرَه - صلى الله عليه وسلم - بالقَضاء يومين بعد العِيْد، أي: عِوَضًا من آخِر يومٍ من شَعبان. (وقال ثابت) وصلَه مسلم. * * *

63 - باب صوم يوم الجمعة، فإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر

63 - بابُ صوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَة، فإِذَا أَصبَحَ صَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَعَليهِ أنْ يفْطِرَ (باب صَوم يَوم الجمُعة) 1984 - حدَّثنا أبُو عاصِمٍ، عنِ ابن جُرَيْحٍ، عنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بن جُبَيْرٍ، عنْ مُحَمَّدِ بن عَبَّادٍ، قال: سَألْتُ جابرًا - رضي الله عنه -: نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنْ صَوْمِ يَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قالَ: نعم. زَادَ غَيْرُ أبي عاصمٍ: أنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ. الحديث الأول: (زاد غيره)؛ أي: غيرُ أبي عاصِم من الشُّيوخ، أي: يَنفرِدُ بصومه، هو يحيى بن سَعيد القَطَّان، رواه النَّسائي، فقيل: الحِكْمة فيه أنَّه لا يتشبَّه باليهود في إفرادهم يوم الاجتِماع في مَعبَدهم. * * * 1985 - حَدَّثَنَا عُمرُ بن حَفْصِ بن غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأعمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صالح، عَنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَصُومَنَّ أَحدكم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعدَه". الثاني: (إلا يومًا) هو ظَرفٌ لـ (يَصوم) مقدَّرًا، أو بنزع الخافِض، وهو

باءُ المُصاحَبة، أي: بيومٍ، وإلا فلا يصحُّ أن يكون استثناءً من يوم الجمُعة، ولا ظرفًا لـ (يَصوم) المَذكورة. * * * 1986 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شعْبَةَ (ح) وَحَدَّثَنِي مُحَمدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدرٌ، حَدَّثَنَا شعبةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبي أيُّوبَ، عَنْ جُويرِيَةَ بنتِ الْحَارِثِ رَضيَ الله عَنْها: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْها يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْيَ صائِمَةٌ، فَقَالَ: "أَصُمتِ أَمسِ؟ " قَالَتْ: لاَ. قَالَ: "تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِينَ غَدًا؟ " قَالَتْ: لاَ. قَالَ: "فَأَفْطِرِي". 1986 / -م - وَقَالَ حَمَّادُ بن الْجَعْدِ: سَمِعَ قتادَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو أيُّوبَ: أَنَّ جُويرِيَةَ حَدَّثتهُ، فَأَمَرَها فَأفْطَرَتْ. الثالث: (جُويرية) كان اسمها: بَرَّة، فسمَّاها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: جُوَيْرية، تزوَّجها - صلى الله عليه وسلم -، وهي من سَبايا بني المُصْطَلِق، فأرسَل كلُّ الصحابة ما في أيديهم من سَبْي المُصْطَلقِيين، فلا امرأة أعظَمُ بركةً على قومها منها، ماتت سنة ستٍّ وخمسين. (وقال حماد) رواه البَغَوي من حديث هُدبة بن خالِد. وفي الحديث أنَّه لا يجب إِتْمام صَوم التطوُّع، ولا قَضاؤُه خلافًا لأبي حنيفة فيهما، وقال مالك: إنْ أفطَر بلا عُذْرٍ لَزِمَه القَضاء، وإلا

64 - باب هل يخص شيئا من الأيام

فلا، وقال أيضًا: لم أسمع أحدًا يَنهى عن صَوم الجمُعة، وصيامُه حسَنٌ. قال الدَّاوُدي المالكي: لم يبلُغْ مالكًا هذا الحديثُ، ولَو بلَغه لم يُخالفْه. قال العلماء: حِكْمة النَّهي عن صومه أنَّه يوم دُعاءٍ وذِكْرٍ وعبادةٍ، من غُسْلٍ، وتبكيرٍ، واستِماع خُطبةٍ، وأمثالها، فالإفْطار أعوَن له على ذلك، والنَّشاطِ فيه، وعدَمِ السَّآمة، ولا يقْدَح في ذلك إلا مَن يصوم يومًا قبْلَه أو يوما بعدَه؛ لأن ذلك يَجبُر ما قد يحصُل من فُتورٍ في وظائف يوم الجمُعة بسبب صَومه، أو خَوف المُبالَغة في تعظيمه من أن يُفتَتن به كما افتُتِنَ أهل السَّبْت. قال (ن): وهذا ضعيفٌ مُنتقِضٌ بصلاة الجمُعة. * * * 64 - بابٌ هلْ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأيَّام (باب: هلْ يخُصُّ شيئًا من الأيَّام) 1987 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها: هلْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْتَصُّ مِنَ الأيامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لاَ، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُطِيقُ؟!

65 - باب صوم يوم عرفة

(دِيمة) بكسر الدَّال، أي: دائمًا لا ينقَطِع، كما يُسمَّى المطَر الذي يَدومُ دِيْمَةً، وأصله بواوٍ، ولكنْ قُلبت بعد الكسرة ياءً. * * * 65 - بابُ صوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ (باب صَوم عرَفة) 1988 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ: أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثتهُ (خ) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ أَبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ ابن عُبَيْدِ الله، عَنْ عُمَيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بن الْعَبَّاسِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بنتِ الْحَارِثِ: أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَها يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَقَالَ بَعضُهُم: هُو صائِمٌ، وَقَالَ بَعضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَح لَبن وَهْوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ. الحديث الأول: (مولى أم الفضل) سبَق الجمع بين هذا وبين نسبته تارةً لابن عبَّاسٍ في (باب: التيمُّم في الحضَر). (تماروا)؛ أي: تجادَلُوا وشَكُّوا. (فأرسلت) بلفظ المتكلِّم والغَيبة.

وفيه استحباب فِطْر يوم عرَفة للحاجِّ، والوُقوفُ راكبًا، والشُّرْبُ قائِمًا، وإباحةُ الهديَّة له - صلى الله عليه وسلم -، وقبولُها، وهديَّة الزَّوجة الموثوق بدِيْنها، وتصرُّف المرأة في مالها من البَيْت؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسأَلْ، هل هو من مالها، أو مِنْ مال زَوجها؟، وغير ذلك. * * * 1989 - حَدَّثَنَا يَحيَى بن سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ -أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ- قَالَ: أَخْبَرَني عَمرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونةَ رَضيَ الله عَنْها: أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأرْسَلَتْ إلَيْهِ بِحِلاَبٍ وَهْوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. الحديث الثاني: (أو قرئ عليه) الشَّكُّ من يحيى. (بِحِلاب) بكسر الحاء المهملَة، وخِفَّة اللام: الإناَء الذي يُحلَب فيه اللَّبن، أي: يملؤُه قَدْرَ حَلْبة ناقةٍ، ويحتمل أن يكون بمعنى: المَحْلوب، أي: اللبن نفْسه، والسِّرُّ في فِطْر عرَفة أنه أرفَقُ بالحاجِّ في آداب الوقوف ومُهِمَّات المَناسِك، وهو مخصَّصٌ بحديث: في صَوْمُ عرَفَةَ يُكَفِّرُ سنَتين". * * *

66 - باب صوم يوم الفطر

66 - بابُ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ (باب صَومِ يَومِ الفِطْر) 1990 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنِ ابن شِهاب، عَنْ أَبي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابن أَزْهرَ قَالَ: شَهدتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: هذَانِ يَوْمَانِ نهى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صيَامِهِمَا؛ يَوْمُ فِطْرِكُم مِنْ صيَامِكُم، وَالْيَوْمُ الآخَرُ تأكلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُم. الحديث الأول: (يوم) بالرفع خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: أوَّلهما، أو آخرهما، وحُذِف لدلالة الآخَر عليه؛ لأنَّ الآخِر لا يُستعمل إلا بعد أوَّل. (نُسُكِكُم) بضمِّ السِّين وسُكونها، أي: أضحيتِكم. (قال ابن عُيَيْنة)؛ أي: نسبتُه إلى أنَّه مَولى كل منهما صحيحةٌ، أي: لأنَّ عبد الرَّحمن بن الأَزهر بن عَوْف هو ابن عَمِّ عبد الرَّحمن بن عَوف بن عبْد عَوفٍ. * * * 1991 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمرُو بن يَحيَى، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -

67 - باب الصوم يوم النحر

عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبي الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. 1992 - وَعَنْ صَلاَةٍ بَعدَ الصُّبْح وَالْعَصْرِ. الحديث الثاني، والثالث: سبق في (باب: ما يستر من العَورة)، وغيره يُفسِّر ما فيها من اشتِمال الصَّمَّاء، والاحتِباء، والمُلامَسَة، والمُنابَذة. * * * 67 - بابُ الصَّوْمِ يَوْمَ النَّحْرِ 1993 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، أَخْبَرَناَ هِشَامٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمرُو بن دِينَارٍ، عَنْ عَطَاء بن مِينَا، قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: يُنْهى عَنْ صِيَامَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ؛ الْفِطْرِ وَالنَّحرِ، وَالْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. 1994 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، أَخْبَرَناَ ابن عَوْنٍ، عَنْ زِيَادِ بن جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابن عُمَرَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا، قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: الإثْنَيْنِ، فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ. فَقَالَ ابن عُمَرَ: أَمَرَ الله بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ هذَا الْيَوْمِ.

1995 - حدَّثَنَا حَجَّاجُ بن مِنهالِ، حَدَّثنا شُعبةُ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بن عُمَيْرٍ، قال: سَمعتُ قَزَعَةَ، قال: سَمِعْتُ أبا سَعِيدٍ الْخُدرِيَّ - رضي الله عنه -وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً- قَالَ: سَمِعْتُ أَرْبَعًا مَنَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْجَبننِي، قَالَ: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَها زَوْجُها أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ؛ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْح حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ، وَلاَ بَعدَ الْعَصرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجدِ الأَقْصَى، وَمَسْجدِي هذَا". (باب صَوم يوم النَّحر) فيه أحاديث سبَق ما فيها مما ذُكر فيما قبلَه. (فقال)؛ أي: للرَّجل الجَائِي. (وأمر الله)؛ أي: حيثُ قال: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ونحوه، وحاصله: أن ابن عُمر توقَّفَ عن الجَزْم بجوابه لتعارُض الأدلَّة عنده، ويحتمل أنه عرَض للسَّائل بأنَّ الاحتِياط لك القَضاء، فيَجمَع بين أمرِ الله، وأمرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال (ح): تورَّعَ عن القَطْع بالفُتْيا فيه. واختَلف أهل الأمصار فيه على قَولين: فإذا نذَرَ أنْ يصوم اليَومَ الذي يَقدم فيه فُلانٌ فقَدِمَ يوم العِيْد، فلا صَومَ ولا قَضاءَ، وقيل: يَقضي، وقيل: إذا التقَى الأمْرُ والنَّهْي في محلٍّ قُدِّم النَّهي، وقد سبَق

68 - باب صيام أيام التشريق

شرح الحديث الأخير في (باب: فضل الصَّلاة في مَسجِد مكَّة). * * * 68 - بابُ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْريق (باب صِيَام أيَّام التَّشْريق)؛ أي: الحادي عشَر، والثَّاني عشَر، والثَّالث عشَر مِن ذي الحِجَّة؛ لتشْريق اللَّحْم فيها، ونشره في الشَّمس، أو لأنها مُشْرِقات، وهي أيَّام مِنَى. 1996 - وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبي: كَانَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْها تَصُومُ أيَّامَ منًى، وَكَانَ أَبُوها يَصُومها. الحديث الأول: (أبوه) أي: عُروة بن الزُّبَير. * * * 1997 - و 1998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ عَبْدَ الله بن عِيسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وعنْ سالِمٍ، عنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهم - قالا: لَم يُرَخَّصْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يُصَمنَ إلَّا لَمِنْ لَم يَجدِ الهديَ.

69 - باب صيام يوم عاشوراء

1999 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ سَالِم بن عَبْدِ الله بن عُمَرَ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَم يَجن هديًا وَلم يَصُف صَامَ أيَّامَ مِنًى. وَعَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ. الثاني: (أن يصمن)؛ أي: أن يُصامَ فيهنَّ. (وتابعه إبراهيم بن سعد) رواه الشَّافعي في "المُسنَد". * * * 69 - بابُ صيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاء (باب صِيَام يوم عاشُوراء)، هو بالمَدِّ: عاشِرُ المُحرَّم، وقيل: التاسِع. 2000 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بن مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَاشُورَاءَ: "إِنْ شَاءَ صَامَ". 2001 - حَدَّثَنَا أَبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

قَالَ: أَخْبَرني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. 2002 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاء تَرَكَهُ. سبق أوَّل الصِّيام الحديثُ الأوَّل، والثَّاني، والثَّالث. (من شاء صام)؛ أي: نسَخَه رمَضان، وهو نسْخٌ بالأَثْقَل. قال (ك): وفيه إذا نسُخَ الوُجوبُ يَبقَى النَّدب. قلت: قد سبق مرات أن المرجَّح: أنه لم يكن واجبًا ولا نسخ برمضان. * * * 2003 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بن أَبي سُفْيَانَ - رضي الله عنهما - يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَة! أَيْنَ عُلَمَاؤُكُم؟! سَمِعتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "هذَا يَومُ عَاشُورَاءَ، وَلَم يُكْتَبْ عَلَيْكُم

صِيَامُهُ، وَأَناَ صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطر". الحديث الرابع: (أين علماؤكم) قال (ن): الظَّاهر أنَّ مُعاوية قالَه لمَّا سَمعَ من يُوجبُه، أو يُحرِّمه، أو يكرهه، فأرادَ إعلامَهم بنفي الثلاثة. (يقول) كلُّ ما بعدَه مِن كلام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما جاءَ مبيَّنًا في "النَّسائي"، قاله (ك). * * * 2004 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "مَا هذَا؟ "، قَالُوا: هذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذَا يَوْمٌ نَجَّى الله بني إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهم، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: "فَأَناَ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم". فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. الخامس: (من عدوهم)؛ أي: فِرعَون حيثُ غَرِقَ في اليَمِّ. (أحق)؛ أي: لاشتراكهما في الرِّسالة والأُخُوَّة في الدِّين، وللقَرابة الظَّاهرة دونهم، ولأنه أطْوَع وأتْبَعُ للحق منهم. (فصامه) يُشعِر بأنَّ هذا ابتداءُ صيامه، لكنْ سبَق أنه كان يصومُه

قبْلَ قُدومهم المدينة، فليُحمل قوله: (فصامَه) على المُداوَمة لا الابتِداء، قيل: أو كانَ تَركَه، ثم لمَّا عَلِمَ ما عند أهل الكتاب فيه عادَ وصامَه، أو لعلَّ ابن عباس ما كان يَعلَم أنه كان يَصومُه قبل القُدوم. واعلَم أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يَعتمِد على قَول اليهود في ذلك؛ لجَواز أنَّ الوحي نزَلَ على وَفْقه، أو صامَه باجتهادٍ، أو أخبره مَنْ أسلَم منْهم كابن سَلاَمٍ، أو كان المُخبرون منهم عدَد التَّواتُر؛ إذْ ليس من شَرْط التَّواتر الإسلام. (أمر بصيامه) دليلُ مَن قال: كان قَبْل النَّسْخ واجبًا، كما أنَّ: (ولم يُكتَب عليكُم) حُجَّةُ مَن قال بعَدَم الوُجوب. * * * 2005 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثنا أبو أُسَامَةَ، عَنْ أَبي عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بن مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بن شِهابٍ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُوراءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَصُومُوهُ أنتمْ". السادس: (عيدًا)، قد سبَق أن اليَهود تصومه، والعِيْد لا يُصام، وأيضًا: فصُومُوا أنْتُم، يُشعِر بأنَّ الصَّوم لمُخالفتهم، وسبق أنه كان لمُوافقتهم، فيُجمَع بأنه لا يَلزم من عَدِّهم إياه عِيْدًا أن يكون عيدًا حقيقةً، وأيضًا فيحتمل أن العيْد لا يمتَنِعُ صومُه؛ إذ هؤلاء اليهود غير يَهود المدينة،

فوافَق المدنيين حيث عرَف أنه الحقُّ بوحيٍ، وخالفَ غيرَهم بخلافه. * * * 2006 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن مُوسَى، عَنِ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله ابن أَبي يَزِيدَ، عَنِ ابن عَباسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -يتحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غيْرِهِ، إِلَّا هذَا الْيَوْمَ؛ يَوْمَ عَاشورَاءَ، وَهذَا الشَّهْرَ. يعنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ. السابع: (وهذا الشهر) عطفٌ على هذا اليوم، وهو وإنْ لم يَدخُل في لفْظ المُستثنى؛ لكنْ بتقدير: وصِيَام شهْر فضله على غيره، وهو من اللَّفِّ والنَّشْر التَّقديري، أو يُعتبر في الشَّهر أيامه يومًا فيومًا موصوفًا بهذا الوصْف. قالوا: وسبَبُ تخصيصهما: أنَّ رمضان فَريضةٌ وعاشُوراء كان فَريضةً، نعَمْ، ورَدَ: (أنَّ أفْضَل الأيام يوم عرَفة)، وهذا: (أنَّ أفْضلَها عاشوراء)، فيُجاب: بأنَّ عاشوراء أفْضل من حيث العُموم، وعرفة أفضل من جهةٍ أُخرى، أو لذاته من حيثُ هو، ولو أُعيد الضَّمير في فضْله إلى الصِّيام لكان سُقوط السُّؤال ظاهرًا. * * * 2007 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ بن

الأكوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أذِّنْ فِي النَّاسِ: أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُم بقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَم يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصم، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. الثامن: وهو من ثُلاثيَّات البخاري. (من أسلم) قَبيلةٌ من العرب. (فليصم)؛ أي: فليُمسك؛ إذ الصَّوم الحقيقيُّ هو الإمساك من أوَّل النَّهار إلى آخره، وسبق مباحث الحديث أوَّل (كتاب الصوم).

31 - كتاب صلاة التراويح

31 - كتاب صلاة التَّراويح

1 - باب فضل من قام رمضان

31 - كتاب صلاة التراويح 1 - بابُ فَضْل مَنْ قَامَ رَمَضَانَ (باب فَضْل مَن قامَ رمضانَ)، قيامُه: صلاةُ التراويح باتفاقٍ. 2008 - حَدَّثنا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثنا اللَّيْثُ، عنِ عُقَيْلٍ، عنِ ابن شِهابٍ، قال: أَخْبَرَني أبُو سَلَمَةَ: أنَّ أبا هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِرَمَضَانَ: "مَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ". الحديث الأول: (لرمضان)؛ أي: لفضْله، أو لأجْله. قلت: أو اللام بمعنى: عن، نحو: {للَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا} الآية [الأحقاف: 11].

(إيمانًا)؛ أي: تصديقًا بأنه حقٌّ، واعتقاد الفَضيلة. (واحتسابًا)؛ أي: طالبًا للأجر، وقال (خ): نيَّةً وعزيمةً، وقال (ن): إخلاصًا. قالوا: واتفَقوا على استِحباب التَّراويح، واختلفوا هل الأفضَل صلاتُها منفرِدًا أو جماعةً؟ (غفر)؛ أي: الصَّغائر على المعروف. * * * 2009 - حَدَّثنا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرنَا مالِكٌ، عن ابن شِهابِ، عنْ حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمنِ، عنْ أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ". قَالَ ابن شِهابٍ: فتوُفيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالأَمرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبي بَكْر وَصدرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَر - رضي الله عنهما -. 2010 - وَعَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بن عَبْدٍ الْقَارِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ، فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ:

إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هؤُلاَءَ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمثَلَ. ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بن كعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارئهمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعمَ الْبدْعَةُ هذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْها أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ. يُرِيدُ: آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. الثاني: (أوزاع) بالزاي، والمهملة، أي: جماعاتٌ متفرِّقةٌ، لا واحدَ له من لفظه. (الرهط)، قال (خ): ما بين الثلاثة إلى العشَرة من الرِّجال، ورَهْط الرَّجلِ: قَومُهُ. (أمثل)؛ أي: أفْضل. (البدعة): ما لم يَسبق له مثالٌ، وسبق أنها خمسةٌ: واجبةٌ، ومندوبةٌ، ومحرَّمةٌ، ومكروهةٌ، ومباحةٌ، وحديثُ: "كلُّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ" من العامِّ المَخصُوص، وسمَّاها بدعةً؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسُنَّها لهم، ولا كانتْ في زمن أبي بكرٍ على هذا الوجه، ولا أوَّلَ اللَّيل، ولا كلَّ ليلةٍ، ولا هذا العدَد، ورغَّب فيها بقوله: (نِعمَ)؛ ليَدُلَّ على فَضْلها، ولئلا يمنَع هذا اللَّقَب من فِعْلها، فإنَّ: (نِعمَ) كلمةٌ تَجمع المَحاسِن، و (بئْسَ) تجمَع المَساوي. فقِيام رمَضان ليس ببدعةٍ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقتَدُوا باللَّذَينِ مِنْ

بَعْدِي: أبي بكْرٍ، وعُمَر". قلتُ: إذا أجمَع الصَّحابة معه عليه زالَ عنه اسم البدْعة. (ينامون)؛ أي: فارغِين عنها، فالصَّلاة أوَّلَ اللَّيل أفْضل من آخره، وقيل: بالعَكْس، وقيل: يُفصَّل بين مَن يَثِقُ بانتباهه، وبين مَن لا يَثِقُ. * * * 2011 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها زَوْج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. 2012 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها أَخْبَرتْهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في المَسْجدِ، وصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاتِهِ، فأصْبَحَ النَّاسُ فتحَدَّثُوا، فاجْتَمَعَ أكثَرُ مِنْهُم، فَصَلَّوْا مَعَهُ، فأصْبَحَ النَّاسُ فتحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابعَةُ عَجَزَ الْمَسْجدُ عَنْ أَهْلِهِ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْح، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فتشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَم يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ، فتعْجزُوا عَنْها". فَتُوُفي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ.

الرابع، والخامس: (مكانكم)؛ أي: مرتَبتُكم، واهتمامُكم بالطاعة، أو كونُكم في الجَماعة. وفيه النَّفْل في المَسجِد، وبالجَماعة، والاقتداء بمن لم يَنْوِ الإمامةَ، وتقديمُ الأهمِّ في مصلَحتين تعارضتا، أو مصلحةٍ ومفسدةٍ؛ فإنه خَشِيَ أن تُفرَض عليهم، فيَعجَزوا، وهذه مفسدةٌ عظيمةٌ، واستِحبابُ التَّشهُّد في صَدر الخُطْبة، وقول: أمَّا بعْدُ فيها، واستِقبال الجَماعة. (فتعجزوا) بجيمٍ مكسورةٍ. * * * 2013 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها: كيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ فِي غَيْرها عَلَى إِحدَى عَشْرَةَ رَكعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أتنامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبي".

السادس: (غيره)؛ أي: غير رمضان، وفي بعضها: (غيرها)، أي: غير لَياليه. والتَّراويح عِشْرون ركعةً، وقال مالك: ستةٌ وثلاثون، وكأنَّ ذلك بالوِتْر، وهذا الزَّائد هو الذي ورَد عليه السُّؤال والجَواب في هذا الحديث، أو يُقال: إنَّ هذا معارَضٌ بما رُوي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قامَ بالنَّاس عشْرين ركعةً ليلتَين، فلمَّا كان في الثَّالثة قالَ ما قالَ، والمُثبتُ مُقدَّمٌ على النَّافي، وسبَقت مباحث الحديث في (كتاب التَّهجُّد)، في (باب: قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - باللَّيل).

32 - أبواب فضل ليلة القدر

32 - أبواب فضل ليلة القدر

1 - باب فضل ليلة القدر

32 - أبواب فضل ليلة القدر 1 - باب فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدرِ وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}. قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ فِي الْقرْآنِ {وَمَا أَدْرَاكَ} فَقَد أعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ: {وَمَا يُدرِيك}، فَإِنَّه لَم يُعْلِمْهُ. (باب فَضْل ليلةِ القدْر) سبق بيانُ تَسميتها بذلك، وغيرُ ذلك من المباحث في (باب: قيام ليلة القَدْر). (فقد أعلمه)؛ أي: أعلَمَ الله رسولَه - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف ما كان بلفْظ المُضارع نحو: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: 17]، والمَقصود أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يَعرفُ ليلةَ القَدْر. * * *

2 - باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر

2514 - حَدَّثنا عليٌّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنا سُفْيانُ قالَ: حَفِظْناهُ، وإنَّمَا حَفِظَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عنْ أبيِ سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ". تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بن كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (وأيما حفظ) برفْعِ (أيٌّ)، وإضافته إلى (حِفْظ)، و (ما) زائدةٌ، وهو مبتدأٌ، وخبرُه: (حَفِظْناهُ) مقدَّرًا بعدَه، و (من الزُّهْرِي) متعلِّقٌ بـ (حَفِظْناه) المذكور قبلَه، وفي بعضها بالنصب، وهو مفعولٌ مطلَقٌ لـ (حَفِظْناه) المقدَّر. (تابعه سليمان) وصلَه في "الزُّهْريات". * * * 2 - بابُ الْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدرِ فِي السبعِ الأَوَاخِرِ (باب التِمَاس لَيلَةِ القَدْر) 2015 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبع الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَى رُؤْيَاكم قَد تَوَاطَأَتْ فِي السَّبع الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَها فَلْيتَحَرَّها فِي السَّبع الأَوَاخِرِ".

الحديث الأول: (أُرُوا) بالبناء للمفعول. (في السبع) ليس ظَرْفًا لـ (أُرُوا)، أي: بل لحالٍ محذوفٍ، أي: كائنةً، أو موجودةً. (رؤياكم) قال (ع): كذا جاءَ بالإفْراد للجِنس، والمراد الجمع؛ إذ لم تكُن رؤيا واحدةً. قال السَّفَاقُسِيُّ: كذا يَرويه المحدِّثون بالتَّوحُّد؛ لأنه مصدرٌ، وقيل: إنما هو رُؤاكم، جمع: رُؤْيا، فيكون جمعًا في مقابَلة جمعٍ أصحَّ. (تواطت)؛ أي: توافَقتْ، وأصلُه تَواطأَتْ، فحَذَف الهمزة. (متحريها) من التَّحرِّي، وهو القَصْد، والاجتهاد في الطَّلَب. * * * 2016 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يحيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، قَالَ: سَألتُ أَبَا سَعِيدٍ وَكَانَ لِي صَدِيقًا، فَقَالَ: اعْتكَفْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبيحَةَ عِشْرِينَ، فَخَطَبنا وَقَالَ: "إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدرِ، ثُمَّ أُنْسِيتها، أَوْ نُسِّيتُها، فَالْتَمِسُوها فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوتْرِ، وإنِّي رَأَيْتُ أنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعتكَفَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلْيَرجِع". فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجدِ، وَكَانَ مِنْ

جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَرأيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهتِهِ. الحديث الثاني: (الأوسط) تذكيره باعتبار الوقت ونحوه، أو باعتبار تَذْكير لفظ العَشْر، وإلا فالمشهور والقياس في العَشْر: التَّأنيث، فيُقال: الوُسْطَى، ولهذا في الرِّواية الأُخرى: (العَشْر الأَواخِر)، وروي: (الوُسُط) -بضمَّتين- جمع: واسِط، كنازِلٍ ونُزُلٍ، وبضمِّ الواو، وفتح السِّين، جمع وُسْطَى ككُبَر وكُبْرى. (أو نُسِّيتُها) بضمِّ النُّون، وتشديد السين، وفي بعضها: (نُسِّيْتُها) مِن النِّسيان، والمراد في الكلِّ نِسْيان تعيينها، وهذا إنما هو فيما لم يجبْ عليه تبليغُه؛ فإنَّ ما وجَبَ عليه تبليغُه لا يُنَسَّى فيه، ولو نُسِّيَ فلا بُدَّ أنْ يذكِّرَه الله تعالى. (في الوتر)؛ أي: أَوْتار اللَّيالي، كالحادية والعِشرين، والثَّالثة والعِشرين. (فليرجع)؛ أي: إلى مُعتكَفَه في العَشْر الأوسَط؛ لأنهم كانوا مُعتكِفين في العشر المتقدِّم على العشر الآخِر. (قَزَعَة) بمفتوحاتٍ: قِطْعةٌ رَقيقةٌ مِن سَحابٍ. (جريد)؛ أي: سَعَفٍ جُرِّدَ عنه خُوْصُه. * * *

3 - باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر

3 - بابُ تحرِّي لَيْلَةِ الْقَدرِ فِي الْوِتَرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِيهِ عُبَادةٌ. (باب تَحرِّي لَيلةِ القَدْر في الوِتْر) (فيه: عَنْ عُبادةَ)، وصلَه البخاري في (باب: رفع معرفة ليلة القَدْر). * * * 2017 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أبو سُهيْلٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ". 2018 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن حَمزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أَبي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَعِيد الْخُدرِيِّ - رضي الله عنه -: كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كانَ حِينَ يُمسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمضي، وَيَسْتَقْبلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ، وَرَجَعَ مَنْ كانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ، وَأنَّهُ أقامَ فِي شَهْرٍ جَاوَرَ فِيهِ اللَّيْلَةَ الَّتي كانَ يَرْجِعُ فِيها، فَخَطَبَ

النَّاسَ، فَأَمَرَهم مَا شَاءَ الله، ثُمَّ قَالَ: "كُنْتُ أُجَاوِرُ هذِهِ الْعَشْرَ، ثُمَّ قدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هذِهِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتكَفَ مَعِي فَلْيثبُتْ فِي مُعْتكَفِهِ، وَقَد أُرِيتُ هذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُها، فَابْتغُوها في العَشْرِ الأَوَاخرَ، وابْتَغُوها في كُلِّ وِتْرٍ، وقَدْ رَأيْتُني أسْجُدُ في ماءٍ وَطِينٍ، فَاسْتَهلَّتِ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَأمطَرَتْ، فَوَكَفَ الْمَسْجدُ فِي مُصَلَّى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيني نَظَرتُ إِلَيْهِ انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْح، وَوَجْهُهُ مُمتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً. الحديث الأول، والثاني: (يجاور)؛ أي: يعتكف. (حين) بالرفع اسم كان، وبالنَّصب ظرفٌ، و (يستقبل) عطْفٌ على يمشي لا على يمضي. (بدا لي)؛ أي: ظهرَ بوحْيِ، أو اجتهادِ. (فابتغوها)؛ أي: اطلُبُوها. (رأيتُني) سبَق أنَّ كون الفاعل والمفعول ضَميرَي واحدٍ من خصائص أفعال القُلوب. (فاستهلت) وذلك أوَّل المطَر، وقيل: صَوت وَقْعه. (بصرت عيني) مِن التَّوكيد، كأخَذْتُ بيَدي، يُقال في الأمر الذي يَعِزُّ الوصول إليه إظهارًا للتعجُّب من تلك الحالة الغَريبة. * * *

2019 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبي، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْتَمِسُوا". 2020 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَيَقُولُ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ". 2021 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاس - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْتَمِسُوها فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدرِ؛ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى". 2022 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن أَبي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبي مِجْلَزٍ، وَعِكْرِمَةَ، قَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنها -: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ فِي الْعَشْرِ، هِيَ فِي تِسْعٍ يَمضينَ، أَوْ فِي سَبعٍ يَبْقَيْنَ"؛ يَعنِي: لَيْلَةَ الْقَدرِ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أيُّوبَ، وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ: الْتَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ.

الثالث، والرابع، والخامس: (العشر الأواخر) وصفَه وهو مُفردٌ بلفْظ الجمع؛ لإرادة الجنس، كالدِّرْهم البيْض، أو المراد أيام العَشْر الأواخر، فجُمعَ باعتبار الأيام. وهذا الحديث وإنْ لم يكن فيه لفْظ الوِتْر المترجَم به؛ لكنَّه محمولٌ على الحديث المذكور فيه ذلك حملًا للمُطلَق على المقيَّد، أو المقصود دلالتُه على جُزءِ التَّرجمة، والجُزْء الآخَر دلَّ عليه الحديث الآخَر. (التمسوها)؛ أي: ليلةَ القَدْر المذكور بعده، نحو: {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29]، وليس ضميرَ الشَّأن؛ لأنَّ ذلك إنما يُفسَّر بجملةٍ. (في تاسعه) بدَلٌ من قوله: (في العَشْر). (تبقى) صفةٌ لـ (تاسِعهِ)، وكذا الباقي، الأولى ليلة إحدى وعشرين، والثانية ليلة ثلاثٍ، والثالثة ليلة خمسٍ، كذا قالَه مالك، وقال بعضهم: إنما يكون كذلك إذا كان الشَّهر ناقِصًا، فيكون في هذه الأَوتار، أما إذا كان ثَلاثينَ، فالتي تبقَى بعدها ثمانٍ، وتكون هي تاسعتَهنَّ هي ليلةُ اثنين وعشرين، والخامسة بعد أربع ليالٍ هي ليلة ستةٍ وعشرين، والسابعة بعدَها ستٌّ هي ليلة أربعةٍ وعشرين على ما ذكَره البخاري بعدُ عن ابن عبَّاس، وهذا على طريقة العرَب في التَّاريخ إذا جاوَزُوا نصْفَ الشَّهر، فإنما يُؤرِّخون بالباقي منه لا بالماضي.

قال (ك): ما معناه: إنه محمولٌ على النُّقصان؛ لأنه المُحقَّق المَقطُوع بوجوده بعد العِشْرين من رمضان، وليُوافقَ الأحاديث الدالَّة على أنها في الأوتار. (في سبع يمضين)؛ أي: ليلة السابع والعشرين، وفي بعضها: (في تسعٍ)، أي: ليلة التاسع والعشرين، أو هي مع سائر اللَّيالي التي بعدها إلى آخر الشَّهر كلهن، أي: فلا يكون فيها تعيينٌ. (تابعه عبد الوهاب) وصلَه أحمد، وابن أبي عُمر في "مسنديهما". فإنْ قيل: الترجمة بالأوتار، وهذا شفْعٌ؛ قيل: القَصْد: التَمِسُوها في تمام أربعةٍ وعشرين، وهي ليلة الخامسة والعِشْرين، على أنَّ البخاري كثيراَ ما يعقِدُ ترجمةَ ويذكُر فيها ما بينه وبين الترجمة أَدنى مُلابَسةٍ لغرَضٍ كالإشعار بأنَّ خِلافَه قد ثبت أيضًا. فإنْ قيل: ما وجه الجمع بين رواية: التَمِسُوها في السَّبع الأواخر، وفي العشْر الأواخر، وفي تاسعةٍ تبقَى، والخمس الأُوَل من العَشْر، والسَّبع الأُوَل، وفي الرابع والعشرين؟. قيل: إنَّ مَفهومَ العدَد لا اعتِبارَ له، فلا مُنافاةَ. قال الشافعي: والذي عندي أنه - صلى الله عليه وسلم - يُجيب على نحو ما يُسأل عنه، فيُقال له: أنلتمِسُها في ليلةِ كذا؟ فيقول: التَمِسُوها في ليلةِ كذا. وقال بعضهم: إنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يحدِّث (¬1) بميقاتها جَزْمًا، وذهب كلٌّ ¬

_ (¬1) "لم يحدث" ليس في الأصل.

4 - باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس

من الصحابة بما سمعه، والذَّاهب إلى سبْعٍ وعشرين هم الأكثَرون. * * * 4 - باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس (باب: رفْعِ مَعرفَة لَيلة القَدْر لتَلاحي النَّاسِ) أي: تخاصُمِهم. (ملاحاة)؛ أي: مُخاصَمةً. 2023 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُخْبرَناَ بِلَيلَةِ الْقَدرِ، فتلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: "خَرَجْتُ لأُخبرَكُم بِلَيْلَةِ الْقَدرِ، فتلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوها فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابعَةِ وَالْخَامِسَةِ". (رجلان) هما عبد الله بن أبي حدرَد، وكَعْب بن مالِك. (رفعت)؛ أي: معرفتُها. قال الطِّيْبي: ولعلَّ مَن قدَّر هذا المُضافَ رأَى أنَّ رفعها يقتضي وُقوعَها، وإذا وقَعتْ فلا معنى لرفعها، ويُمكن أن يُقال: المراد برفعها أنها شَرَعَتْ أنْ تقَع، فلمَّا تلاحيَا ارتفعتْ، فنُزِّل الشُّروع منزلة الوُقوع. * * *

5 - باب العمل في العشر الأواخر من رمضان

5 - بابُ الْعَمَل فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ (باب العمَلِ في العَشْر الأواخِر) 2024 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. (مئزره)؛ أي: إزاره كمِلْحَف ولِحَاف، وهو كنايةٌ عن تَرْك الجِمَاع، أو عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد لها زائدًا على ما هو عادتُه، وإما عنهما معًا، ولا يُنافي شَدَّ المِئْزَر حقيقةً. (وأحيا)؛ أي: تَرَكَ النَّوم الذي هو أخو الموت، وأحيا نفْسَه بقِيام اللَّيل، أو أنَّه لمَّا قامَ ليلَهُ جعلَه حَيًّا بالطَّاعة، نحو: {يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد: 17].

33 - أبواب الاعتكاف

33 - أبواب الاعتكاف

1 - باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 33 - أبواب الاعتكاف وهو لغةً: الإقَامَةُ، وحبْسُ النَّفْس على الشَّيء، واصطلاحًا: لُبْث مُسلمٍ عاقلٍ في مَسجِدِ بنيَّةٍ، ويُقال له: مُجاوَرة، والإجماع على استِحبابه، وأقلُّه مُكْث يزيد على طُمَأنينة الركوع أدنىَ زِيادةٍ، ولا حَدَّ لأكثَره. 1 - بابُ الاِعتِكَاف في الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالاعتكَاف فِي الْمَسَاجِدِ كلها لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. (باب الاعتِكاف في العَشْر الأواخِر) 2025 - حَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونس: أَنَّ ناَفِعًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. 2026 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْل، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها زَوْجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتكِف الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله، ثُمَّ اعتكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. 2027 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنْ يَزِيدَ بن عَبْدِ الله بن الْهادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بن إِبْراهِيمَ بن الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعتكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتي يَخْرُجُ مِنْ صَبيحَتها مِنِ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتكَفَ مَعِي فَلْيَعْتكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُها، وَقَد رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاء وَطِينٍ مِنْ صَبيحَتها، فَالْتَمِسُوها فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوها فِي كُلِّ وِتْرٍ". فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَبْهتِهِ أثَرُ الْمَاء وَالطِّينِ مِنْ صبْح إِحْدَى وَعِشْرِينَ. الحديث الأول، والثاني، والثالث: (ليلة إحدى وعشرين ...) إلى آخره.

2 - باب الحائض ترجل المعتكف

قلت: استُشكل ذلك بأنَّ المُعتكِفَ العشْر الأَوسَط إنما يخرُج قبْلَ دُخول ليلة الحادي والعشرين؛ فإنَّها من العشر الأخير، وأُجيْب وقال (ك): هذا يُفهم منه أن صُدور قوله: (مَنْ كانَ اعتكَفَ مَعِي) كانَ قبل الحادي والعشرين، وسبق في (باب: تحرِّي ليلةِ القَدْر) أنَّ صُدوره كان بعدَه، حيث قال: جاوَزتُه اللَّيلةَ التي كانَ يَرجِعُ فيها، فيُجاب: بأنَّ معنى جاوَرَ: أرادَ المُجاوَرةَ. (هذه الليلة) مفعولٌ به لا ظَرْفٌ. (عريش) وهو ما يُستَظَلُّ به لا مِنْ سقفٍ أو خشَبٍ. وسبق الحديث قريبًا. * * * 2 - بابُ الْحَائِضِ تُرَجِّلُ الْمُعتكفَ (باب الحائِضِ تُرجِّلُ المُعتكِفَ)؛ أي: تمشِّط شعرَه وتُسَرِّحه. 2028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبي، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهْوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَناَ حَائِضٌ. (يُصغي)؛ أي: يُدني ويُميل. ففيه أن بدَن الحائض طاهرٌ إلا موضعَ الدَّم، وأن يَدَ المرأة ليستْ

3 - باب لا يدخل البيت إلا لحاجة

بعورةٍ؛ لأنَّ المَسجِد لا يخلو عن بعض الصَّحابة، فإذا غسَلتْ رأْسَه شاهدُوا يدَها، وأنَّ الاعتكاف لا يَصحُّ في غير المسجد، وألا يخرُجَ منه لترجيل الشَّعْر، وأنَّ إخراج البعض ليس كالكُلِّ، فمَن حلَفَ: لا يدخُل بيتًا، فأدخَل رأْسَه لا يحنَث. * * * 3 - بابٌ لاَ يَدخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجةٍ (بابٌ: لا يَدخُل البَيتَ إلا لحاجةٍ)؛ أي: البول والغائط كما فسَّره الزُّهْري راوي الحديث. 2029 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: وَإِنْ كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُدخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكانَ لاَ يَدخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ، إِذَا كانَ مُعتكِفًا. (وإن كان) هي الخفيفة من الثَّقيلة، واسمها ضميرُ الشَّأْن. * * *

4 - باب غسل المعتكف

4 - بابُ غَسْلِ الْمُعْتَكفِ (باب غُسْل المُعتكِف) بفتح الغين لا بضمِّها. 2030 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُبَاشِرُني وَأَنَا حَائِضٌ. 2031 - وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجدِ وَهْوَ مُعْتكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَناَ حَائِضٌ. (فيباشرني)؛ أي: يمسُّ بشَرتي، أي: من غير جِمَاعٍ، فإنَّ تلْك تُفسِد الاعتكافَ، وبلا شَهوةٍ بأنْ يُقبل زوجتَه إكرامًا لها لا أثَرَ لها في الاعتكاف، وبشَهوةٍ بأنْ يلمَسها بشَهوةٍ، الصَّحيح أنه لا يُفسِد الاعتكافَ. * * * 5 - بابُ الاِعْتِكاف لَيْلًا (باب الاعتِكافِ ليلًا) 2032 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله، أَخْبَرْنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كنْتُ

6 - باب اعتكاف النساء

نَذَرْتُ فِي الْجَاهِليةِ أَنْ أَعْتكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: "فَأَوْفِ بنذْرِكَ". (في الجاهلية) ظاهره: أنَّه الوقْت الذي كان هو فيه على الجاهليَّة. ففيه أنَّ نذْر الجاهلية إذا كان على وَفْق الإسلام يُعمَل به، كذا قال (ك)، وهو عجيبٌ؛ فالصَّحيح فَساد نَذْر الكافر. قال: وفيه أنَّ مَن حلَف في كُفْره، ثم أسلَم فحنِثَ: أنَّ الكفَّارة تجب عليه. قلتُ: واضحٌ، وقيل: قَوله: (في الجاهلية)، أي: نذَرَ بعد إسلامه في جاهليَّةِ أهل مكَّة الذين منَعُوهم من دُخول مكة، ومن الوُصول للحرَم، قيل: وهو بعيدٌ. قلتُ: بل قَريبٌ؛ لأنهم حينئذٍ لا يتمكَّنون من دُخول المسجد، فيُوفي نذْرَه، وأما قبْل الهجرة فكانوا ممنوعين من المسجد، فكان يُمكنه أن يُوفيَ نذْرَه لا سيَّما قبْل أن يُسلِم. وفيه أنه لا يُشترط لصِحَّة الاعتكاف صيامٌ. * * * 6 - بابُ اعتكاف النِّسَاءِ (باب اعتِكافِ النِّساءِ) 2033 - حَدَّثَنَا أبو النُّعمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،

عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً، فَيُصَلِّي الصُّبْحَ، ثُمَّ يَدخُلُهُ، فَاسْتَأذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً، فَأَذِنَتْ لَها، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأتْهُ زينَبُ ابنةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصبَحَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى الأَخْبيةَ فَقَالَ: "مَا هذَا؟ "، فَأُخْبرَ، فَقَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "آلْبرُّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟! "، فتَرَكَ الاِعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. (خِباء) بكسر المعجَمة، والمدِّ: أي: خَيْمة مِن وَبَرٍ، أو صُوفٍ، لا مِن شَعْرٍ، وهو على عَمُودين أو ثلاثةٍ، ويُجمَع على أخْبيَةٍ، كخِمَارٍ وأخْمِرةٍ. (آلبرَّ) بهمزة استفهامٍ، ومعناه: الطَّاعة، وهو مفعولٌ مقدَّمٌ لقوله: (يرون) وهو مبنيٌّ للفاعل من الرَّأْي، أو للمَفعول بمعنى الظَّنِّ، ويجوزُ الرفع، وإلغاءُ الفاعِل؛ لتوسُّطه بين المفعولَين، ويُروى: (يُرِدْنَ) من الإرادة. وفيه: أن للرجُل منْعَ زوجته من الاعتكاف، وجوازُ اتخاذِ المُعتكِف لنفْسه مَوضعًا في المسجد يَنفردُ به مدَّةَ اعتكافه ما لم يُضيِّقْ على النَّاس، وأنَّ ما ليس بخالصٍ لله لا قَدرَ له عند الله تعالى. قال (ع): أنكَرَ عليهنَّ؛ لخَوف أن يكُنَّ غيرَ مُخلِصاتٍ في الاعتكاف، وهنَّ مُحتاجاتٌ للدُّخول والخروج فيتبذلْنَ بذلك، ولأنَّه - صلى الله عليه وسلم -

7 - باب الأخبية في المسجد

رآهُنَّ عنده في المسجد فصارَ كأنَّه في مَنْزله حاضرًا مع أزواجه، والاعتِكافُ إنما هو للتَّخلِّي عن الأزْواج، ومتعلَّقات الدُّنيا، أو لأنهنَّ ضيَّقْنَ المسجدَ بأخْبيتهنَّ. * * * 7 - بابُ الأَخْبيَةِ فِي الْمَسْجِدِ (باب الأَخْبيَةِ في المَسجد)، جمع: خباءٍ. 2034 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرَادَ أَنْ يَعْتكِفَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتكِفَ إِذَا أَخْبيةٌ؛ خِبَاءُ عَائِشَةَ، وَخِبَاءُ حَفْصَةَ، وَخِبَاءُ زَيْنَبَ، فَقَالَ: "آلْبرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟ " ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَم يَعتكِفْ، حَتَّى اعتكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّال. (عَمرة بنت عبد الرحمن) هي تابعيَّةٌ لا صحابيةٌ، فروايتها مُرسَلةٌ، نعَمْ، في بعضها: (عن عَمرةَ، عن عائشَةَ). (إذا أخبية) خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، أي: حاضرةٌ، أو مُفاجِئةٌ، أو مضروبةٌ.

8 - باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟

(يقولون)؛ أي: يعتقدون، أو يظُنُّون، والعرَب تُجري: (يقُول) مُجرى: (يظُنُّ) في العمَل، والمفعول الثاني: (بهنَّ)، أي: متلبسًا بهنَّ، وإنما قال: يقولُون، ولم يقل: يقُلْنَ؛ لأنَّ الخِطاب عامٌّ للرجال والنِّساء الحاضرين، ويجوز أنْ يُرفَع (البرُّ) مبتدأً، وخبرُهُ: (يقُولُون). * * * 8 - بابٌ هلْ يَخْرُجُ الْمُعتَكِفُ لِحوَائِجهِ إِلَى بَابِ الْمَسجِدِ؟ (باب: هل يَخرُج المُعتكِفُ لحَوائجه؟) 2035 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عَلِيُّ بن الْحُسَيْنِ - رضي الله عنها -: أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرتْهُ: أَنَّها جَاءَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجدِ، فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فتحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تنقَلِبُ، فَقَامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَها يَقْلِبها، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُمَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صفِيَّةُ بنتُ حُييٍّ". فَقَالاَ: سُبْحَانَ الله يَا رَسُولَ الله! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبكُمَا شَيْئًا".

9 - باب الاعتكاف

(رسلكما) بكسر الراء، أي: هِيْنَتِكُما، يُقال: افعَلْ كذا على رِسْلِكَ، أي: اتَّئِدْ، كما يُقال: على هِيْنَتِكَ. (سبحان الله)؛ أي: أُنَزِّهُ الله على أنْ يكُون رسولُه متَّهمًا بما لا ينبغي، أو مما يُطلَق عند التعجُّب. (كَبُرَ) بضمِّ الموحَّدة، أي: عَظُمَ، وشَقَّ عليهما. (مبلغ الدم)؛ أي: كمَبْلَغ الدَّمِ، ووجْهُ الشَّبَه شدَّة الاتصال، وعدَم المُفارَقة، وقال الشَّافعي في معناه: إنَّه خافَ عليهما الكُفْر لو ظَنَّا به ظَنَّ التُّهمة، فبادَرَ إلى إعلامِهما بمكانها نَصيحةً لهما في أمْر الدِّين قبْل أنْ يَقذِفَ الشَّيطانُ في قُلوبها أمرًا يَهلِكان فيه. * * * 9 - بابُ الاِعتِكَاف وَخَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صبيحَةَ عِشْرِينَ. (باب الاعتِكافِ) 2036 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن مُنِيرٍ، سَمعَ هارُونَ بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن أَبي كَثِير، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيّ - رضي الله عنه - قُلْتُ: هلْ سَمِعْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ لَيلَةَ الْقَدرِ؟ قَالَ: نعم اعْتكَفْنَا

10 - باب اعتكاف المستحاضة

مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا صبيحَةَ عِشْرِينَ، قَالَ: فَخَطَبنا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صَبيحَةَ عِشْرِينَ فَقَالَ: "إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدرِ، وإنِّي نُسِّيتُها، فَالْتَمِسُوها فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، وَمَنْ كانَ اعْتكَفَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلْيَرْجِعْ". فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجدِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، قَالَ: فَجَاءَتْ سَحَابةٌ، فَمَطَرَتْ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَسَجَدَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الطينِ وَالْمَاءِ، حَتَّى رَأَيْتُ الطينَ فِي أَرْنبَتِهِ وَجَبْهتِهِ. (أرنبة) بفتْح الهمزة، وبالنون، والموحَّدة المفتوحتين: طَرَف الأنف، ومرَّ الحديث قَريبًا. * * * 10 - بابُ اعتكَاف الْمُسْتَحَاضَةِ (باب اعتِكافِ المُستَحاضة) 2037 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتِ: اعتكَفَتْ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - امرَأةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعنَا الطَّسْتَ تَحتها وَهْيَ تُصَلِّي.

11 - باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه

(أمر المستحاضة) قيل: هي سَوْدةُ، وقد سبق في (باب الحَيْض) بيانُ إنكار ذلك. * * * 11 - بابُ زيارَةِ الْمَرْأَةِ زوجها فِي اعتكَافِهِ (باب زِيَارةِ المرأَةِ زَوجَها في اعتِكافهِ) 2038 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحمَنِ بن خَالِدٍ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ صَفِيَّة زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرتَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ، وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ، فَرُحْنَ، فَقَالَ لِصَفِيّة بنتِ حُيَيٍّ: "لاَ تَعجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ". وَكَانَ بَيْتُها فِي دارِ أُسَامَةَ، فَخَرَجَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَها، فَلَقِيَهُ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَنَظَرَا إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَجَازَا، وَقَالَ لَهُمَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَالَيَا، إِنَّها صَفِيةُ بنتُ حُيَيٍّ". قَالاَ: سُبْحَانَ الله يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا". (عن علي بن حسين) هو تابعيٌّ كوفيٌّ، فيكون الحديثُ من طَريقه مُرسلًا.

12 - باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه

(فَرُحْنَ) النُّون للنِّسوة، وهو من الرَّواح. (أجازا)؛ أي: مضَيَا، وقال الجَوْهرِي: أجازَ بمعنى: خَلَّفَ، وقَطَع، وفي بعضها: (جَازَا) بدون الهمزة. (أنفسكما) هو مثل: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، فقيل: يدلُّ على أنَّ أقلَّ الجمع اثنان، ورُدَّ بأنه عَدَلَ عند التَّلازُم، فإنَّه لا يُجمَع بين علامتَي تثنيةٍ، فلذلك جازَ الإفراد أيضًا. * * * 12 - بابٌ هل يَدرَأُ الْمعتكِفُ عَنْ نفْسِه (بابٌ: هل يَدرَأُ المُعتكِفُ عن نفْسه؟) 2039 - حَدَّثنا إسماعِيلُ بن عَبْد الله، قَالَ: أَخْبَرَني أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن أبي عَتيقٍ، عنْ ابن شِهابٍ، عنْ عَلِيِّ بن الحُسَيْن - رضي الله عنهما -: أَنَّ صَفِيَّة أَخْبَرْتْهُ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمعْتُ الزُّهْرِيَّ، يُخْبرُ عَنْ عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ: أَنَّ صَفِيّة رَضيَ الله عَنْها أتتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُعْتكِفٌ، فَلَمَّا رَجَعَتْ مَشَى مَعَها، فَأبْصَرَهُ رَجلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُ، دَعَاهُ فَقَالَ: "تَعَالَ هِيَ صَفِيَّةُ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: هذِهِ صَفِيَّةُ- فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابن آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ". قُلْتُ لِسُفْيَانَ: أتَتْهُ لَيْلًا؟ قَالَ: وَهلْ هُوَ إِلَّا لَيْلٌ؟!

13 - باب من خرج من اعتكافه عند الصبح

(رجل) وفيما سبق: (رجُلان)، فيحتمل مجيء واحدٍ، ثم آخَر، أو أنهما واقِعتان، ولم يُسمَّ واحدٌ من ذلك. (ابن آدم) لا يختصُّ هنا بالذُّكور، بل المراد: وَلَد آدَم، كما في: بني إسرائيل. (إلا ليلًا)؛ أي: فهل الإتْيان في وقْتٍ إلا في اللَّيل. 13 - بابُ مَنْ خَرَجَ مِنَ اعْتِكافِهِ عِنْدَ الصُّبْحِ (باب مَن خرَجَ مِن اعتِكافه عند الصُّبْح) 2040 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ خَالِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ. قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ. قَالَ: وَأَظُنُّ أَنَّ ابن أَبي لَبيدٍ، حَدَّثَنَا عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: اعْتكَفْنا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - العَشْرَ الأَوْسَطَ، فَلَمَّا كَانَ صَبيحَةَ عِشْرِينَ، نَقَلْنَا مَتَاعَنَا، فأَتانا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "مَنْ كَانَ اعْتكَفَ، فَلْيَرجِعْ إِلَى مُعْتكَفِه، فَإِنِّي رَأَيْتُ هذهِ اللَّيْلَةَ، وَرَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ". فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُعْتكَفِهِ، وَهاجَتِ السَّمَاءُ، فَمُطِرْناَ،

14 - باب الاعتكاف في شوال

فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ هاجَتِ السَّمَاءُ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ الْمَسْجدُ عَرِيشًا، فَلَقَد رَأَيْتُ عَلَى أَنْفِهِ وَأَرنبَتِهِ أثَرَ الْمَاءِ وَالطينِ. (وهاجت السماء)؛ أي: طلَعَتِ السُّحُب. (أنفه وأرنبته) جمَع بينهما تأكيدًا، أو على أنَّ الأَنْف الوسَط، والأرنبَة الطَّرَف. * * * 14 - بابُ الاِعتِكافِ فِي شَوال (باب الاعتِكافِ في شَوَّال) 2041 - حَدَّثنا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بن فُضَيْلِ بن غَزْوَانَ، عَنْ يَحيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، وإذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانه الَّذِي اعْتكَفَ فِيهِ، قَالَ: فَاسْتَأذَنتهُ عَائِشَةُ أَنْ تعْتكِفَ، فَأَذِنَ لَها، فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِها حَفْصَةُ، فَضَرَبَتْ قُبةً، وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِها، فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْغَدِ أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ، فَقَالَ: "مَا هذَا؟ " فَأُخْبرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: "مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هذَا الْبرُّ، انْزِعُوها فَلاَ أَرَاها"، فنزِعَتْ، فَلَم يَعتكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعتكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ.

15 - باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف

(مكانه)؛ أي: الخاصَّ الذي خصَّصه بالاعتكاف، وهو مَوضعُ جبهته، فرآها، وثلاثُ قِبَابٍ لعائشة، وصَفيَّة، وزينب. (ما حملهن)، (ما) نافيةٌ، و (البر) فاعلُ (حمَلَ) أو (ما) استفهاميَّة، و (آلبر) بهمزةِ استفهامٍ: مبتدأ خبره محذوفٌ. (انزعوها) بكسر الهمزة. ففيه إبطال تطوُّع الاعتكاف، وقيل: إنَّما كان ذلك قبْل أنْ يدخُل فيه، فلا دليلَ فيه، وهو ظاهرُ تَرجمة البخاري الآتية، وهي: (باب: مَن أراد أنْ يعتكفَ ثم بَدَا له). (فلا أراها) بالرَّفع، والجَزم. * * * 15 - بابُ مَنْ لَم يَرَ عَلَيْهِ صَوْمًا إِذا اعْتكَفَ 2042 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَبْدِ الله، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أعْتكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجدِ الْحَرَامِ. فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْفِ نَذْرَكَ". فَاعتكَفَ لَيْلَةً.

16 - باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف، ثم أسلم

(باب مَنْ لم يَرَ عليه إذا اعتكَفَ صَومًا) (صومًا): مفعولُ (يَرَ)، والضَّمير في (عليه) عائد للشَّخص، أو نحوه، أي: لم يَشْتَرِطْ في الاعتكاف صَومًا. (عن أخيه)؛ أي: عبد الحَمِيْد. * * * 16 - بابٌ إِذَا نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعتكِفَ، ثمَّ أَسْلَمَ (بابٌ: إذا نذَرَ في الجاهليَّة) سبق المراد بها. (ثم أسلم) عطفٌ على: (نَذَرَ). 2043 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: أَنَّ عُمَر - رضي الله عنه - نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيةِ أَنْ يعْتكِفَ فِي الْمَسْحدِ الْحَرَامِ، قَالَ: أُرَاهُ قَالَ لَيْلَةً، قَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْفِ بنذْرِكَ". (أُراه) بضمِّ الهمزة، أي: أظُنُّه، والظاهر أنَّه من مَقُول البخاري. * * *

17 - باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان

17 - بابُ الاِعتِكَاف فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ (باب الاعتِكافِ في العَشْر الأَوسَط) 2044 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبو بَكْرٍ، عَنْ أَبي حَصِينٍ، عَنْ أَبي صَالحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَان عَشْرَةَ؛ أيامٍ، فَلَمَّا كانَ الْعَامُ الَّذِي قُبضَ فِيهِ اعْتكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا. (عشرة أيام) ليس فيه تعيينُ أنَّه الوَسَط حتى يُطابقَ الترجمة إلا أنْ يُقال: قد قُيِّد في غير هذه الرِّواية، والمُطلَق يُحمَل على المُقيَّد، أو أنَّ الظَّاهر مِن إطلاق العشرين أنها متواليةٌ، والعشْر الآخِر منها، فبالضَّرورة يدخُل العشر الأوسَط فيها. * * * 18 - باب مَنْ أرَادَ انْ يَعتَكِفَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ (باب مَن أَرادَ أنْ يعتكِفَ ثُمَّ بَدَا لَهُ)؛ أي: ظهرَ له أنْ لا يَفعَل. 2045 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثتنِي عَمرَةُ

بنتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ أَنْ يَعْتكِفَ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاسْتَأذَنتهُ عَائِشَةُ، فَأَذِنَ لَها، وَسَألتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَسْتَأذِنَ لَها، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زينَبُ ابنةُ جَحْشٍ أَمَرَتْ ببنَاءٍ، فَبُنيَ لَها، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى انْصَرَفَ إِلَى بنائِهِ، فَبَصُرَ بِالأَبنيَةِ، فَقَالَ: "مَا هذَا؟ " قَالُوا: بناءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزينَبَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "آلْبرَّ أَرَدْنَ بهذَا؟! مَا أَناَ بِمُعتكِفٍ". فَرَجَعَ، فَلَمَّا أَفْطَرَ اعتكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. (ذكر)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للنَّاس أنَّه يُريد أن يعتكفَ، فاستأذنته عائشة في مُوافقتِها له. (بيتًا)؛ أي: يضرب خيمةً. (إلى بنائه)؛ أي: الذي هو أوَّل ما بنأنه قبل الاعتكاف، والأَولى أنه كان يُبنى له في كلِّ عامٍ خِباءٌ، فينصرِفُ من الصَّلاة فيَدخلُه. (آلبرَّ) بالنَّصب، وهمزةِ الاستِفهام، وسبَق أسباب الإنكار عليهنَّ. (فرجع)؛ أي: تَرَك ذلك، ولا يُنافي ما سبَق مِن أنه اعتكَفَ العشر الآخِر؛ لجَواز أنَّ ذلك في وقتَين جمعًا بين الحديثَين. * * *

19 - باب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل

19 - بابُ الْمُعتَكفِ يُدخِلُ رَأْسهُ الْبَيْتَ لِلْغَسْلِ (باب المُعتكِف يُدخِلُ رأْسَه) 2046 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَناَ مَعمرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضي الله عَنْها: أنَّها كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حَائض، وَهْوَ مُعْتكِفٌ فِي الْمَسْجدِ، وَهْيَ فِي حُجْرتها، يُنَاوِلُها رَأْسَهُ. (تُرَجِّلُ)؛ أي: تمشِّط شَعْرَه - صلى الله عليه وسلم -. (يناولها)؛ أي: يُميل إليها رأْسَه، وكان بابُ الحُجْرة إلى باب المَسجِد، وكانتْ عائشةُ تقعُد في حُجْرتها مِن وراء القُبَّة، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في المسجد خارجَ الحُجْرة، فيُمِيلُ رأْسَه إليها.

34 - كتاب البيوع

34 - كتاب البيوع

1 - باب ما جاء في قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين}، وقوله: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 34 - كتاب البيوع وقَولِ الله - عز وجل -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقوله: {إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة: 282]. 1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، وَقولهِ: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}. (كتاب البُيوع) جمع: بَيْعٍ، يُطلَق مرَّةً بمعناه المشهور، وتارة بمعنى الشِّراء، كما يُطلَق الشِّراء بمعنى البَيْع.

ومعنى البيع اصطلاحًا: قال الرَّافِعي: مُقابَلَة مالٍ بمالٍ، وزاد بعضُهم: على وجه التَّمليك الأَبَديِّ، ومنهم من تعقَّب هذا، وضبْطُ ذلك في الفِقْه. * * * 2047 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ، وَأبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أبا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّكم تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ؟! وَإِنَّ إِخْوَتي مِنَ الْمُهاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُم صَفْق بِالأَسْوَاقِ، وَكنْتُ ألزمُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوتي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَموَالِهِم، وكُنْتُ امرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ، أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَد قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ: "إِنَّهُ لَنْ يبسُطَ أَحدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضيَ مَقَالَتي هذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ"، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَقَالتهُ، جَمَعْتُها إِلَى صَدرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ. الحديث الأول: (ما بال)؛ أي: ما حالُ؟

(إخوتي)؛ أي: في الدِّين. (يشغلهم) بفتْح أوَّله: مِن شغَلَه الشَّيءُ، وأما أَشْغَل فلُغةٌ رديئةٌ. (سفق) يُقال بالسِّين، قال (ح): قال الخَلِيْل: كلُّ سينٍ أو صادٍ قبْل القاف فيها اللُّغتان، ولو فُصِلتْ ولكن اجتمعتَا في كلمةٍ، لكنَّ الصَّاد في بعضها أحسَنُ، وفي بعضٍ السِّين أحسَن. قال: وكانُوا إذا تَبايعوا تَصَافَقوا بالأكُفِّ أمارةً على انتقال كلٍّ من يدِه إلى يدِ الآخَر؛ لأنَّ القَبْض ونحوه بالأَيدي، وكان المُهاجِرون تُجَّارًا، والأنصار أصحابَ زَرْعٍ، فيَغيبُون بسبَبها عن حضْرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في أكثَر أحواله، فلا يُحدِّثون إلا بما كان في وقْت حُضورهم، وأبو هُريرة حاضرٌ دَهْرَه لا يَفوتُه شيءٌ منها إلا ما شاءَ الله، ثم لا يَستَولي عليه النِّسْيان لصِدْق عِنَايته بضَبْطه، وقِلَّةِ اشتِغاله بغيره، وقد لحقَتْه دَعوةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقَامَتِ الحُجَّة على مَن أنكَر أمرَه واستَغْربَ شأْنَه. (عمل أموالهم)؛ أي: الزِّراعة. (الصُّفَّة)؛ أي: مَأوَى فُقَراء المُهاجِرين، ومَنْ لا سكَنَ له، وهو موضعٌ مُظَلَّلٌ في المسجد. (أعي)؛ أي: أضْبط، وهو استئنافٌ، أو حالٌ من الضَّمير في (كنْتُ) وإنْ كان مضارعًا وكان ماضيًا؛ لأنه لحكاية الحالِ الماضية. (حين ينسون) ولم يذكُر في حقِّهم ما قال في المُهاجِرين: (أشْهدُ

إذا غابُوا)، إما لأنَّ المدينة بلَدُهم ووقْت الزِّراعة معلومٌ، وإما أن يُجعل: أَعِي ما يَنسَونَ، عائدًا للطَّائفتين، كما في: أشْهدُ إذا غابُوا، وأحفَظُ إذا نسُوا، بأن يُقَدَّرا في قصَّة الأنصار أيضًا بقَرينة السِّياق وسائرِ الروايات المعجمة (¬1) كما سبق في (باب: حِفْظ العِلْم). (نمرة)؛ أي: كِسَاءَ ملوَّنًا كأنَّه من النَّمِر؛ لمَا فيه من سوادٍ وبياضٍ. وفيه فَضْل أبي هريرة، وكان حافِظَ الأمَّة، لكنْ لا يَلزم من كَونه أكثَر أخْذًا للعِلْم وأزهدَ أفضليَّته على غيره مُطلَقًا؛ لأنَّ جِهات الأفضليَّة لا تَنحصِر في ذلك، فلغَيره الذي هو أفْضَلُ منه أمورٌ أُخرى غير ذلك. * * * 2048 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ - رضي الله عنه - لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ: آخَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْني وَبَيْنَ سَعدِ بن الرَّبيعِ، فَقَالَ سعدُ بن الرَّبيعِ: إِنِّي أكثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هوِيتَ نزَلْتُ لَكَ عَنْها، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَها. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ. قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: ثُمَّ ¬

_ (¬1) في "ب": "المقحمة".

تَابَعَ الْغُدُوَّ، فَمَا لَبثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَزَوَّجْتَ؟ "، قَالَ: نعم. قَالَ: "وَمَنْ؟ " قَالَ: امرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: "كَم سُقْتَ؟ " قَالَ: زِنة نواةٍ مِنْ ذهبٍ، أَوْ نواةً مِنْ ذَهبٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَولم وَلَوْ بِشَاةٍ". الحديث الثاني: (آخى)؛ أي: جعلَنا أخَوَين من أَخَوْتُ الرَّجُلَ إخاوةً: صِرْتُ له أخًا، وقد استُشهد سَعْد بن الرَّبيعْ هذا في أُحدٍ. (أيُّ امرأتيَّ) بالتثنية، و (أيُّ) إذا أُضيفتْ إلى المؤنَّث تُذكَّر وتُؤنَّث، فيُقال: أيُّ امرأة، وأيَّةُ امرأة. (هويت)؛ أي: أردتَ نكاحَها. (نزلت)؛ أي: طلَّقْتُ. (حلت)؛ أي: انقَضَتْ عِدَّتها. (قَيْنُقِاع) بفتح القاف الأُولى، وسُكون الياء، وضمّ النُّون، أو فتحها، أو كسرها، وبالقاف، والمهملة، يَنصرف ولا يَنصرف، على إرادةِ الحيِّ، أو القَبيلة، وهم شَعْث من يَهود المدينة أُضيفَتْ إليهم السُّوق. (تابع العدو)؛ أي: الذهاب، فهو مصدرٌ، أي: في اليوم الثاني وهكذا، وفي بعضها: (الغَد) ضدُّ الأَمْس. (صُفْرة)؛ أي: من الطِّيْب الذي استعملَه عند الزَّفاف.

(ومن)؛ أي: من التي تَزوَّجتَها. (امرأة) هي بنت أبي الحسَن بن أبي رافِع، ولم تُسمَّ هي. (سقت)؛ أي: أعطَيتَ. (نواة) اسمٌ لخمسةِ دراهم، كما أنَّ النَّشَّ اسمُ لعِشْرين درهما، والأُقِيَّة لأربعين درهمًا، أي: أصدقها وزْنَ خمسة دراهم من الذَّهب، أي: ثلاث مَثاقيل ونصْف، وقيل المراد: وَزْن نوَاةِ التَّمْر من ذهبٍ، وقال أحمد: النَّواة ثلاثُ دراهم وثلُث، وقال بعض المالكية: ربُعُ دينارٍ. (أولم)؛ أي: اتخذ وليمةً، وهي طعامٌ في العُرس، والأمر فيه للنَّدب، وقيل: للوجوب. (بشاة) هذا مع القُدرة، وإلا فقد أَوْلَمَ - صلى الله عليه وسلم - في بعض نِسائه بسَويقٍ وتمرٍ. * * * 2049 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونس، حَدَّثَنَا زُهيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ الْمَدِينَةَ، فآخَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعدِ بن الرَّبيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعدٌ ذَا غنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصفَيْنِ، وَأُزَوِّجُكَ. قَالَ: بَارَكَ الله لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمنًا، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ، فَمَكَثْنَا يَسِيرًا، أَوْ: مَا شَاءَ الله، فَجَاءَ

وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَم؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ الله! تَزَوَّجْتُ امرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: "مَا سُقْتَ إِلَيها؟ " قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهبٍ. قَالَ: "أَوْلم وَلَوْ بِشَاةٍ". الحديث الثالث: (استفضل)؛ أي: رَبحَ. (وَضَر) بفتح الواو، والمعجَمة، ثم راء: لَطْخٌ من خَلُوقٍ، أو طِيْبٌ له لونٌ، وقال (ش): هو أثَرٌ من غير الطِّيْب. (مَهْيَم) بفتح الميم والياء، وبينهما هاءٌ ساكنة: كلمةٌ يُستَفهم بها، أي: ما شَأنُك؟، وقيل: إنها يمانِيَةٌ، وهي مبنية على السُّكون. (نواة) وفي بعضها: (وَزْنَ نَواةٍ) والأحسَن نصبه؛ لأنَّ السُّؤال جملةٌ فعليةٌ، فيكون الجواب كذلك للتَّشاكُل، ويجوز الرفْع لتُشاكِل (ما)؛ فإنها مبتدأٌ. * * * 2050 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمرٍو، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإسْلاَمُ، فَكَأنَّهمْ تأثَّمُوا فِيهِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِم الْحَجِّ، قَرَأهَا ابن عَبَّاسٍ.

2 - باب الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبهات

الرابع: (عُكَاظ) بضمِّ المهمَلة، وخِفَّة الكاف، وبمعجمةٍ. (ومَجَنَّة) بفتح الميم، والجيم، وتشديد النُّون، قال (ش): وتكسر الميم أيضًا: هو سُوقُ هجَر. قال البَكْرِيُّ: على أميالٍ يسيرةٍ من مكَّة بناحية مَرِّ الظَّهْران، وكان سُوقه عشرةَ أيامٍ آخِرَ ذي القَعدة، والعِشرون منه قبْلَها سُوق عُكَاظٍ. (وذو المجاز) سوقٌ يقُوم بعدَه هلالُ ذي الحِجَّة. (كان الإسلام)؛ (كان) تامةٌ. (تأثموا)؛ أي: اجتَنبُوا. (مواسم) جمْع مَوْسِم؛ لأنَّه مَعلَمٌ يجتمع الناس إليه، وزيادة (هذه) قراءةٌ شاذَّةٌ لابن عبَّاس. * * * 2 - بابٌ الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشَبَّهاتٌ 2051 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابن أَبي عَدِيٍّ، عَنِ ابن عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بن بَشِيرٍ - رضي الله عنه -، سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -.

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبي فَرْوَةَ، عَنِ الشَّعْبيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعمَانَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبي فَرْوَةَ، سَمِعْتُ الشَّعبي، سَمِعتُ النُّعمَانَ بن بَشِيرٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كَثِيرٍ، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنْ أَبي فَرْوَةَ، عن الشَّعبيِّ، عنِ النُّعمانِ بن بَشِيرٍ - رضي الله عنه -، قال: قال النبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الحَلالُ بيِّنٌ، والحَرَامُ بيِّنٌ، وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبهةٌ، فَمَنْ تَرَكَ ما شُبهَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْم، كَانَ لِمَا اسْتبَانَ أترَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإثْم، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى الله، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ". (بابٌ: الحَلالُ بيِّنٌ) فائدةُ التَّحوُّلات في هذا الإسناد التَّقْويةُ والتأكيدُ، لا سيَّما مع لفْظ: (سمعتُ)؛ فإنَّ ابن مَعِيْن حكَى عن أهل المدينة أنَّ النُّعمان لم يَصِحَّ له سماعٌ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قال القَابسِي: عدَّد الطُّرُقَ ردًّا على مَن زعَم ذلك. (مشبهة)؛ أي: على بعض النَّاس لا أنَّها في نفْسها مشبَّهة؛ لأن الله تعالى بعَث رسولَه مُبيِّنًا للأُمة جميع ما يحتاجونه في دينهم. فالأشياءُ ثلاثةٌ: حلالٌ واضحٌ كأكْل الخُبْز، وحرامٌ واضحٌ

كالسَّرِقة، وما ليس بواضحٍ فيه أحدُهما، ولا يعرفُه إلا العُلماء، وسبق شرح الحديث في (الإيمان)، في (باب: مَن استَبْرأَ). قال (خ): كلُّ شيءٍ يُشبه الحلال من وَجْهٍ والحرامَ من وجْهٍ، فهو شُبهة، فالحلال البيِّن ما عُلم ملكه يَقِيْنًا، والحَرام البيِّن ما عُلِم ملكه لغَيره، والشُّبهة ما لا يَدري أَهو له أو لغَيره؟، فالورَع اجتِنابه، وهذا الورَع واجبٌ، والورعَ المنْدوب اجتِناب مُعاملة مَنْ أكثَرُ ماله حرامٌ، والمكروه كترك رُخَصِ الله تعالى، والهدايا، وكخُراسانيٍّ دخَل بغداد فيَجتنبُ التَّزويج بها مع حاجةٍ؛ لأنَّ أباه كان بها، فرُبَّما وُلِدَ بها بنتٌ، فتكون أُخته. (استبان)؛ أي: ظهر حُرمته. (يشك)؛ أي: يُشتَبَهُ فيه. (أوشك)؛ أي: قَرُبَ مِن كثرة تعاطي الشُّبُهات، يصادف الحرام، وإنْ لم يتعمَّده، أو يعتاد التَّساهُل، ويتمرَّن عليه، حتى يقَع في الحرام عمدًا. (الحِمى) بكسر المُهمَلة، وخِفَّة الميم، مقصورٌ: موضعٌ للإمام يمنَع الغيرَ منه، فشَبَّه المعاصي بالحِمَى؛ لوُجوب الامتِناع منها. وهذا الحديث أجمَعوا على عِظَم مَوقعهِ، وأنَّه مما يَدُور عليه الإسلامُ.

3 - باب تفسير المشبهات

3 - بابُ تَفْسِير الْمُشَبهاتِ وَقَالَ حَسَّانُ بن أَبي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرعَ، دع مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ. (باب تَفسير المُشبَّهات) (دع ما يريبك) قال بعضهم: الورَعِ كلُّه في هذا، ويَرِيْبُ -بفتح أوَّله-: مِن الرَّيْب، وهو الشَّكُّ، وقد يُضمَّ، لكنَّ الفتح أفصح. * * * 2052 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كَثِيرٍ، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبة بن الْحَارِثِ - رضي الله عنه -: أَنَّ امرَأَةً سَوْداءَ جَاءَتْ، فَزَعَمَتْ أنَّها أَرْضَعَتْهُمَا، فَذَكَرَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأعْرَضَ عَنْهُ، وَتَبَسَّمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كيْفَ وَقد قِيلَ؟! " وَقَد كَانَتْ تَحتَهُ ابنةُ أَبي إِهابٍ التمِيمِيِّ. الحديث الأول: (أرضعتهما)؛ أي: عُقْبَة وامرأَته، وإنْ لم يَسبق لها ذكْرٌ، لكنْ يُفهم بالقَرينة، وقد فُسِّرت آخرَ الحديث بأنَّها بنت أَبي إهاب، بكسر الهمزة، واسمها: عُتْبة، واسم أَبي إِهاب: عَزِيْز، بفتح المهملة، وكسر الزاي الأُولى. ووجه دلالته على التَّرجمة: أنَّ قوله: (كيف وقد قيل) يُشعِر

بإشارته عليه بتركها تَورُّعًا، ولهذا فارقَها. * * * 2053 - حَدَّثَنَا يَحيَى بن قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالكٌ، عَنِ ابن شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: كَانَ عُتْبةُ بن أَبي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بن أَبي وَقَّاصٍ: أَنَّ ابن وَليدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبضْهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْح أَخَذَهُ سَعْدُ بن أَبي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: ابن أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَامَ عَبْدُ بن زمعَةَ، فَقَالَ: أَخِي، وَابن وليدَةِ أَبي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فتسَاوَقَا إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ الله! ابن أَخِي، كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَالَ عَبْدُ بن زَمْعَةَ: أَخِي، وَابن وَليدَةِ أَبي، وُلدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بن زَمعَةَ". ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَللْعَاهِرِ الْحَجَرُ". ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بنتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "احتَجبي مِنْهُ"؛ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبةَ، فَمَا رآها حَتَّى لَقِيَ الله. الحديث الثاني: (عتبة) هو الذي شَجَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ أُحُدٍ وكسَر رَباعيتَه، والجمهور [على] أنه مات كافِرًا. (عَهِدَ)؛ أي: أَوْصَى. (وليدة)؛ أي: جارية.

(زَمَعَة) -بزايٍ، وميمٍ، ومهملةٍ، مفتوحاتٍ كما صوَّبه الوَقْشِي، وقيل: بسُكون الميم- ابن قَيْس العامِري. (ابن أخي) بالرفع، أي: هو ابن أخي. (فتساوقا)؛ أي: تتَابَعًا. (هو لك)؛ أي: أَخوكَ. (يا عبد بن زمعة) هو الصَّواب في الرِّواية، وفي "النَّسائي" بلا حرْفِ نداءٍ، وحرَّفَه بعضُهم فنَوَّن: (عبد)، إما على النِّداء، فـ (ابن) نصبٌ فقط، ويجوز فتح (عبد) وضمُّه، كما يجري ذلك في: يا زيد ابن عَمرو. (للفراش)؛ أي: للزَّوج، أو للسَّيِّد، أو تَبَعٌ لفِراشها، وقيل: على حذف مضافٍ، أي: لصاحب الفِرَاش. (وللعاهر)؛ أي: الزَّاني. (الحَجَرُ) قيل: على ظاهره، أي: الرَّجْم بالحِجارة، وضُعِّف بأنه ليس كل زانٍ يُرجَم، بل المُحصَن، وأيضًا فلا يَلزم من رجمه نفي الولَد عنه، والحديث إنما هو في نفيه عنه، بل المراد كما قال أبو عُبَيد: أن له الخَيْبة، ولا حقَّ له في الولَد، فالعرَب تقول في حِرْمان الشَّخص: له الحَجَر، وله التُّراب. (احتجبي منه)؛ أي: من ابن زَمعَة المُتَنازَع فيه، وهذا أمرٌ بالتورُّع والاحتياط، وإلا فهو في ظاهر الشَّرع أخوها.

قال (ن): الزَّوجة فِراشٌ بمجرَّد العقْد، وشَرط لَحَاق الولَد فيه إمكانُ الوطء بعد ثُبوت الفِراش، والأَمة لا تفسير فراشًا إلا بالوطء، وحديث عبْد ثبَت فيه الفِراش، إما ببيِّنةٍ على إقراره في حياته، وإما بعِلْم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك. وفي الحديث جَواز استِلْحاق الوارِث نسَبًا للمُورِّث، وأنَّ الشَبَهَ وحُكم القَافَة إنما يُعتمَد إذا لم يكُن هناك أَقوى منه كالفِراش، فلذلك لم يُعتبر الشَّبَه الواضح. قال (ع): كانت عادةُ الجاهلية إلحاقَ النَّسَب بالزِّنا، فتُستأْجَر الأَمة للزِّنا مع أنَّ السيِّد لا يجتنبُها، فمَن اعترفت الأُم بأن الولَد منه ألْحَقُوه به، فأبطَل الإسلام ذلك، فلمَّا قام سَعْدٌ بما كان في الجاهليَّة بعَهْد أخيه، ولم يَعلَم بُطلانَه في الإسلام، ولم يكُن حصل إلحاقُه في الجاهلية؛ لعدَم الدَّعوى، أو لعدَم اعتراف الأُمِّ، وأما عبْدٌ فاستَنَد للفِراش كما هو في الشَّرع = [فـ]ـحكَم له به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 2054 - حَدَّثَنَا أبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الله ابن أَبي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عَدِيِّ بن حَاتِم - رضي الله عنه -، قَالَ: سَألْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: "إِذَا أصابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أصابَ بِعَرْضهِ فَلاَ تأكُلْ؛ فَإنَّهُ وِقيذٌ" قُلْتُ: يا رَسُولَ الله! أُرسِلُ كَلْبي وأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلى الصَّيْدِ كلْبًا آخَرَ لَم أُسَمِّ عَلَيْهِ، ولا أدْرِي

4 - باب ما يتنزه من الشبهات

أيُّهُمَا أَخَذَ. قَالَ: "لاَ تأكلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبكَ، وَلم تُسَمِّ عَلَى الآخَرِ". الحديث الثالث: سبق في (باب: الماء الذي يُغسَل به) في (كتاب الوضوء). (المِعرَاض) بكسر الميم، وسكون العين المهملَة، وإعجام الضَّاد: سَهْمٌ لا ريشَ عليه، وقيل: عَصًا رأْسُها مُحَدَّدٌ، وقيل: خشَبة ثَقيلةٌ، وقيل: عُودٌ دقيْقُ الطَّرَفَين، غَليظُ الوسَط إذا رُمي به ذهب مُستويا. (وقيذ) بمعنى: مَوْقُوذ، وهو المقتُول بغير مُحدَّدٍ من عصًا أو حجَر أو غيرهما، وذالُه معجمةٌ. * * * 4 - بابُ مَا يُتَنَزَّهُ مِنَ الشُّبُهاتِ 2055 - حَدَّثَنَا قَبيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مرَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بِتَمرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَالَ: "لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ صدَقَةً لأكَلْتُها". وَقَالَ همَّامٌ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَجِدُ تَمرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي".

(باب ما يتنزَّهُ من الشُّبُهات) (مسقوطة) بمعنى: ساقِطةٌ، فقد يجيء مَفْعولٌ بمعنى: فاعِل، كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61]، قاله (خ)، ويُروى: (مُسقَطة). قال (ك): القِياس وإنْ كان ساقِطة، ولكنْ قد يُجعل اللازِمُ كالمتعدِّي بتأويل قراءة: {عَمُوا وَصَمُّوا} [المائدة: 71] بالبناء للمفعول. قال التَّيْمِي: ويجوز أنْ يكون مِن مجيء (سَقَطَ) متعدِّيًا نحو: {ولَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: 149]. وفيه أنَّ التمرة وما نحوها مما يُلقَط ليس فيه تعريفٌ حَوْلًا، بل يجوز لواجِدها أنْ يأكُلها، وأنه لا يجب على واجِدِها أن يتصدَّق بها؛ إذ لو كان كذلك لمَا قال: (لأكَلتُها). (وقال همام) وصلَه البخاري في (اللُّقَطة). (أجد) ذكَره بلفظ المضارع استِحضارًا للصُّورة الماضية. ووجه تعلُّق هذا الحديث بالباب: أنه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا ارتابَ في التَّمْرة أن تكون من الصَّدَقة التي تحرُم عليه، أو مِن مالِهِ = ترَكَ أكلَها تنزُّهًا عن الشُّبهة.

5 - باب من لم ير الوساوس ونحوها من المشبهات

5 - بابُ مَنْ لَم يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحوَها مِنَ المُشَبَّهاتِ 2056 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيمٍ، حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بن تَمِيم، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ يَجدُ فِي الصَّلاَةِ شَيْئًا، أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: "لاَ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجدَ رِيحًا". وَقَالَ ابن أَبي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: لاَ وُضُوءَ إِلَّا فِيمَا وَجَدتَ الرِّيحَ، أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ. (باب مَنْ لَم يَرَ الوَساوِسَ ونحوَها مِن الشُّبُهات) الحديث الأول: (شيئًا)؛ أي: وَسْوسةً في بُطلان الوضوء، ففيه أنَّ اليقين لا يَزول بالشَّكِّ. (وقال ابن أبي حَفْصة)؛ أي: محمَّد بن أبي حَفْصة، لا أخو سالم وعُمارة ابنا أبي حَفْصة، ووصلَ حديثَه السَّرَّاج في "مسنده". * * * 2057 - حَدَّثَنِي أحمَدُ بن الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ

6 - باب قول الله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها}

رَضيَ الله عَنْها: أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ قَوْمًا يَأتُوننا بِاللَّحْم لاَ نَدرِي: أَذَكَرُوا اسْمَ الله عَلَيْهِ أم لا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا الله عَلَيْهِ وَكُلُوه". الثاني: (سموا)؛ أي: اذكُروا الله عليه. فيه أنَّ التسمية عند الذَّبْح لا تجب، أو هذه التَّسمية هي المأمور بها عند الأكل والشرب. * * * 6 - بابُ قَوْلِ الله تعالى: {وإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} 2058 - حَدَّثَنَا طَلْقُ بن غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابرٌ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّأمِ عِيرٌ، تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفتوا إِلَيْها، حَتَّى مَا بقِيَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ: {وإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}. (باب قَول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة: 11])

(يصلي)؛ أي: صلاةَ الجمُعة، نعَم، المُفارَقة كانت في الخُطبة لكن المُنتظِر للصلاة كالمُصلِّي. (عِير) بكسر العين: هي الإبل التي تحمل المِيْرة. (إلا اثني عشرَ) في بعضها: (اثنا عشَر) على أنَّ الاستثناء من ضمير نفْيِ عائدٌ إلى المصلِّي المُستَفاد مِن: (يُصلِّي)، أي: ما بقِيَ يُصلِّي إلا اثنا عشَر، فإنه يجوز حينئذٍ الرفْع والنَّصب، أو المُستثنى محذوفٌ، أي: ما بقِيَ أحدٌ إلا طائفة، أعني: اثنا عشَرًا، وأعطَى اثنا عشَرًا لبقيَّة إخوانه من التركيب، ولهذا أطلَق في "المفصَّل" العدَد المُنيف على العشَرة أنَّ الأصْل فيه أن يُعطَف عليه، لكنْ مزج الاسمان، ولم يَستثْن منه اثني عشَر، وقد سبق في (باب: إذا نفَر الناس) في (كتاب الجمُعة). (انفضوا)؛ أي: تفرَّقوا. قال الزَّمَخْشَري: رُوي أنَّ أهل المدينة أصابهم جُوعٌ وغلاءٌ شديدٌ، فقَدِمَ دِحْيَة بن خَليفة بتجارةٍ من زيت الشَّام، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطُب يوم الجمعة، فقاموا إليه خشْيةَ أن يُسْبَقُوا إليه، فما بقِيَ معه إلا يَسيرٌ، ثم أجاب عن قوله: إليها، ولم يقل: إليهما، بأنَّه حذَف من أحدهما: انفضُّوا إليه؛ لدلالة المذكور عليه.

7 - باب من لم يبال من حيث كسب المال

7 - بابُ مَن لَم يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ الْمَالَ 2059 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابن أَبي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي الْمرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلاَلِ، أَم مِنَ الْحَرام؟! ". (باب مَن لم يُبالِ مِن حيثُ كسَبَ المالَ) (منه) الضَّمير عائد إلى (ما). (أَمِنَ الحَلال) هذا وإنْ لم يكن مذْمومًا، لكنَّه ذُكر لقصْدِ: لا يُفرِّق بين الحلال والحرام. * * * 8 - بابُ التِّجَارَةِ فِي الْبَرِّ وَقولهِ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}. وَقَالَ قتادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يتبايَعُونَ، وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُم إِذَا ناَبَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الله لَم تُلْهِهِم تِجَارَةٌ وَلاَ بَيعٌ عَنْ ذِكْرِ الله، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إلَى الله. 2060 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمرُو

ابن دِينَارٍ، عَنْ أَبي الْمِنهالِ قَالَ: كُنْتُ أتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زيدَ ابن أَرْقَمَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. 2061 - وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بن يَعقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بن مُحَمَّدٍ، قَالَ ابن جُرَيْجٍ: أَخْبَرَني عَمرُو بن دِينَارٍ، وَعَامِرُ بن مُصْعَب: أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا الْمِنْهالِ يَقُولُ: سَاَلْتُ الْبَرَاءَ بن عَازِب وَزَيْدَ بن أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألْنَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: "إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأس، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلا يَصلُحُ". (باب التِّجارة في البَزِّ (¬1) وغيرِه) هو بفتح الموحَّدة، وتشديد الزاي، أي: أمتعَة البزاز، وعند بعضهم: (البر) بالراء، وهو تصحيفٌ، قال (ك): في بعضها: (في البَرِّ) بفتح الباء، وبالراء، وهو المناسب لمَا يأْتي بعده: (باب: التِّجارة في البحر)، قال: وفي بعضها بعده: (وغيره)؛ أي: غير البَرِّ، وهو البحر. (نابهم)؛ أي: عرَضَ لهم. (ولا بيع) عطفه على (تجارة) مع كونها أَعمَّ؛ لأنَّ البَيع كما أشار ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ب": "قال الحافظ قطب الدين الحلبي: وقد أخطأ من زعم أنه بالراء تصحيف، وبيَّنَ وجه الخطأ".

9 - باب الخروج في التجارة

إليه في "الكشاف" في الإلْهاءِ أَدخَل؛ لأنَّ التاجِر إذا اتجهت له بيعةٌ رابحةٌ، فهي طِلْبتُهُ بخِلاف الشَّراء، فإنَّه يتوقَّع فيه ربح في المُستقبل، فهذا مظنونٌ، وذاك يقينٌ، ويحتمل أن المُراد بالتجارة الشِّراء من إطلاق اسم الجنس على النَّوع، وقيل: التِّجارة لأهْل الجَلَبِ. (يدًا بيد)؛ أي: متقابضَين في المَجلِس. * * * 9 - بابُ الْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}. 2062 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَلاَمٍ، أَخْبَرَناَ مَخْلَدُ بن يَزِيدَ، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرني عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عُمَيْرٍ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ اسْتَأذَنَ عَلَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَكَأنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا، فَرَجَعَ أبو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ، فَقَالَ: ألم أَسْمَع صَوْتَ عَبْدِ الله ابن قَيْسٍ؟ ائْذَنُوا لَهُ. قِيلَ: قَدْ رَجَعَ. فَدَعَاهُ، فَقَالَ: كنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: تأتيني علي عَلَى ذَلِكَ بِالْبيِّنَةِ. فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ، فَسَألهُمْ. فَقَالُوا: لاَ يَشْهدُ لَكَ عَلَى هذَا إِلَّا أَصغَرُناَ أبُو سَعِيدٍ الْخُدرِيُّ. فَذَهبَ بِأبي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِي عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟! ألهانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. يَعنِي: الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ.

(باب الخُروج في التِّجارة) (صوت عبد الله) هو اسم أبي مُوسَى الأَشْعري. (بذلك)؛ أي: بالرُّجوع حيث لم يُؤذَن للمُستأذِن. (على ذلك)؛ أي: على ما قُلتَ من الأمر بالرُّجوع. وليس في قَول عمر ذلك أن خبَر الواحِد لا يُقبل، بل فيه دليلٌ أنه حُجَّةٌ؛ لأن انضمام خبر أبي سَعيد إليه لم يُخرجه عن الآحاد إلى التَّواتُر. (إلا أصغرنا)؛ أي: أن هذا أمرٌ مشهورٌ، حتى إنَّ أصغَرنا يحفظُه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. قال (ن): وليس فيه رَدٌّ لخبَر الواحد، بل خَشِيَ عُمر مُسارعةَ الناس إلى القَول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ كلَّ مَن وقَعت له قصَّةٌ وضَع فيها، فأراد سَدَّ الباب خَوفًا من غير أبي مُوسَى لا شكًّا في روايته، وإنْ كان ما رواه لأمرٍ يتعلَّق به، فهو عند عُمر أجلُّ من أن يُتَّهم، ولكنْ مَن دُونَ أبي موسى إذا بلغَتْه القَضيَّة يَخاف، فيتحرَّزُ في روايته. (ألهاني)؛ أي: شغَلَني.

10 - باب التجارة في البحر

10 - بابُ التِّجَارة فِي الْبَحْرِ وَقَالَ مَطَرٌ: لاَ بَأسَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الله فِي الْقرْآنِ إلَّا بِحَقٍّ، ثُمَّ تَلاَ: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. وَالْفُلْكُ: السُّفُنُ، الْوَاحِدُ وَالْجَمعُ سَوَاءٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ، وَلاَ تَمخَرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إِلَّا الْفُلْكُ الْعِظَامُ. 2063 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بن رَبيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن هُرْمُزَ، عَنْ أَبي هُريرة - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بني إِسْرائِيلَ، خَرَجَ فِي الْبَحرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (باب التِّجارة في البَحر) (مطر) الظَّاهر أنه ابن أبي الفَضْل المَروَزِي شيخ البخاري. (به)؛ أي: بالبحر لأجْل التجارة. (إلا بحق)؛ أي: وهو ابتغاءُ الفَضْل الشامل للتجارة وغيرها، ومقصودُه: أنَّ الرُّكوب في البَحر لم يُذكَر في القرآن مَذْمومًا. {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر: 12] هذه آيةُ سورة فاطِر، أما آية النَّحل ففيها تأخير (فيه) عن (مواخِر)، وزيادة الواو في: {وَلِتَبْتَغُوا} [النحل: 14].

(الواحد والجمع سواء) يحتمل أنَّ الفُلْك يكون جمْعًا كأُسْد، ومُفرَد كقُفْل، وأن الفُلْك يُطلَق على الواحد وأكثَر، وهو في الآية جمعٌ على كلِّ حالٍ بدليل: (مَواخِر)، بالجمع. (مخر) قال الجَوْهرِي: مَخَرَتِ السَفينةُ: إذا جرَتْ مع صوتٍ، ومنه الآية، وقال الزمَخْشَري: مَواخِر، أي: شَوَاقَّ للماءِ بجَريها. (الريح) قال (ع): كذا لهم بالنَّصب، وضم الرِّيح على أنه الفاعل، وصوَّبَه بعضهم، لكنْ عند الأَصِيْلِي بالعكس، وهو الصَّواب، دليله قوله تعالى: {مَوَاخِر} فجعَل التصرُّف لها. قال الخَلِيْل: مَخَرَت السَّفينة الرِّيح: استقْبلَتْه، وقال أبو عُبَيْد وغيره: أي: يشُقُّها الماء، ولهذا قال: (ولا يمخر من السفن)؛ أي: شيءٌ من السُّفُن، فالجارُّ والمجرور صفةٌ، (إلا الفلك العظام) بالرفع بدلًا من المُستثنى منه؛ لأنه منْفيٌّ، ويجوز فيه النَّصب، أي: لمُقاومتها الرِّيح، أو لأن مخرها الماء أعظَم، وإلا فكلُّ سفينةٍ تشُقُّ الماء. قال (ك): ولبعضهم: (تمخُر السُّفُن من الرِّيح)، فهو نحو: قد كان من مطرٍ، أو مِن: للتبعيض. (وقال الليث) وصلَه البخاري هنا على رواية المُستَملِي حيث قال: (حدثني عبد الله بن صالح حدثني الليث بهذا)؛ أي: بحديث أبي هريرة، ووصلَه أيضًا الإِسْماعِيْلي. قلتُ: في بعض النُّسَخ تقديم ذلك على: (وقال اللَيْث)، ويُعزَى

11 - باب {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها}، وقوله جل ذكره: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}.

ذلك لرِواية الحَمُّوِي، ولكن الصَّواب أن تكون مؤخَّرةً عنه، حتى [يكون] وصلًا لمَا ذكَره شاهدًا، فإنَّ البخاري لم يخرج عن عبد الله بن صالح كاتِبِ اللَّيث في "الجامع" مُسنَدًا ولا حرفًا واحدًا، بل ولا مُسلِمٌ، إلا أنَّ البخاري استَشهد به في موضعٍ، وهذا معنى قول أبي ذَرٍّ: إنَّ كلَّ ما قالهُ البخاري: عن اللَّيث، فإنما سمعه من عبد الله بن صالح كاتِب اللَّيث، أي: في الاستشهاد، نعَمْ، سيأتي حديث اللَّيث بطُوله في (باب الكَفالة). 11 - بابٌ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}. وَقَالَ قتادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهم كَانُوا إِذَا ناَبَهُم حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الله لَم تُلْهِهم تِجَارةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى الله. 2064 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِم بن أَبي الْجَعْدِ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ، وَنحنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الْجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلَّا اثْنَي عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هذهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}.

(باب: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [الجمعة: 11]) قد سبقت هذه الترجمة بعينها قبْلُ بأبوابٍ إلا أنَّ البخاري زاد هنا: (وقوله - عز وجل -: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ} [النور: 37]) إلى آخره، وسبَق في (باب: التِّجارة في البَزِّ) بيانُ عطْف: (ولا بَيْع) على: (تِجارة)، وذكَر البخاري هنا الحديثَ، لكن مع تخالف لبعض السَّنَد والمتن.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [7]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

12 - باب قول الله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم}

تابع (34) كتاب البيوع 12 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (باب قَوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]) التلاوة: أنفِقوا، فذكْر: (كُلوا) في بعض النُّسَخ سَهوٌ. 2065 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن أَبي شَيبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أنفَقَتِ الْمَرْأة مِنْ طَعَامِ بَيْتها غيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَها أَجْرها بِمَا أنفَقَتْ، وَلزَوْجِها بِمَا كسَبَ، وَللْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعضُهُم أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا". الحديث الأول: (غير مفسدة) بنصبِ (غَيْر) على الحال.

(كان) رُوي: (وكان)، فتكون الواو زائدةً. (شيئًا) منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ، أي: من غير أن ينقص الزوج من أجر المرأة، والخازِن شيئًا، ورواية مسلم: (مِنْ غَير أَنْ يَنقُصَ مِن أُجُورِهم شَيئًا)، أي: بأنْ يُنفق في وجهٍ لا يَحِلُّ، والمراد الطَّعام للزَّوج، وكانتْ عادتهم يأْمرون أزواجَهم بالإنفاق من طعام البَيت، وإلا فلو كان طَعامَها لم يكُن للزَّوج دخْلٌ فيه. * * * 2066 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمرْأة مِنْ كسْبِ زَوْجِها عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ، فَلَهُ نِصفُ أَجْرِهِ". الثاني: (من غير أمره) قد يُستَشكَل أنْ يكُون لها أجْرٌ، وهو بغير أَمْره، بل تكُون مأزورةً لا مأجورةً، فيُجاب: بأنه قد يكُون بإذنه لا بأمره. (نصف أجره)؛ أي: جُزْء لا حقيقة النِّصف؛ إذ المُراد المُشاركة وإنْ كان أحدُهما أكثَر، وقيل: بل النِّصف حقيقةً، وذلك فضل الله يُؤتيه من يَشاء، وقيل: إنما هذا كنايةٌ عن بَقاء ذِكْره الطَّيِّب، وثَنائه الجَميل، وقد سبَق أنه لا يَنقُص بعضهم أجرَ بعضٍ، فطريق الجمع أنَّ ذاك فيما كان بأمره، وأجرها هو نصف الأجْر، ولا ينقص عما هو

13 - باب من أحب البسط في الرزق

أجره الذي هو النِّصف. * * * 13 - بابُ مَنْ أَحَبَّ الْبَسْطَ فِي الرَزْقِ 2067 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَبي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ، حَدَّثَنَا يُونس، حَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". (باب مَن أَحبَّ البَسْطَ في الرِّزْق) (الكرماني) قال (ن): بفتح الكاف، قال (ك): نحن أعلَمُ ببلَدنا، وأهلُها متفقون على الكسر. قال (ش) عن السَّمْعاني: إنه بكسر الكاف، وقيل بفتحها. (ينسأ) من الإنساء وهو التأْخير، ومنه النَّسيء. (في أثَره) بفتح الهمزة، والثاء، أي: باقي عمُره. (فليصل)؛ أي: يُحسِن بالمال، والخِدمة، والزِّيارة، ونحو ذلك. (رحمه) قيل: ذي رَحِمٍ مَحْرَم، وقيل: وارِث، وقيل: القَريب مُطلقًا. * * *

14 - باب شراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسيئة

14 - بابُ شِراءِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّسِيئَةِ 2068 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بن أسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، قال: ذَكَرناَ عِنْدَ إبْراهِيمَ الرَّهْنَ في السَّلَمَ، فَقَالَ: حَدَّثَني الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. (باب شِراء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالنَّسيئَة) الحديث الأول: (من يهودي) هو أبو الشَّحْم، وهو من بني ظفر، رواه البَيْهقي. (طعامًا) سيأْتي في روايةٍ للبخاري أنَّه ثَلاثُون صاعًا، وفي رواية: (عِشْرون)، وكأنه بينهما، فأُلقي زائد العِشْرين تارةً، وجُبر إلى الثَّلاثين تارةً. قال (ك): وهذا عكْس السَّلَم؛ لأنه عَقْدٌ على موصوفٍ في الذِّمَّة، وهنا الثَّمَن في الذِّمَّة، ثم قال: السَّلَم: السَّلَف، وهو أعمُّ من ذلك. * * * 2069 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ (ح) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله بن حَوْشَب، حَدَّثَنَا أَسْبَاط أبو الْيَسَعِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثنا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيّ، عَنْ قتادةٌ، عَنْ أنس - رضي الله عنه -: أنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -

بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وإهالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهنَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِي، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَهْلِهِ، وَلَقَد سَمِعتُهُ يَقُولُ: "مَا أَمسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - صَاعُ بُرٍّ، وَلاَ صَاعُ حبٍّ"، وإنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ. الحديث الثاني: (إهالة) بكسر الهمزة: ما يُؤْتَدَمُ به من الأَدْهان؛ قاله أبو زيد، وقال الخَلِيل: الأليَة تُقطع ثم تُذاب. (السَّنِخة) بفتح المهملَة، وكسر النُّون، وبالمعجَمة: المتغيِّرة الرَّائحة من طُول الزَّمان. وفيه جواز الرَّهن في الحضَر وإنْ كان في التَّنزيل مقيَّدًا بالسفَر، ومعاملة مَن يُظَنُّ أن أكثر ماله حرامٌ ما لم يُتيقَّن أن المَأْخوذ بعَيْنه حرامٌ، وبَيان ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من التقلُّل من الدُّنيا، ورَهْنُ آلة الحَزب عند الذِّمِّي ومعاملتُه، فبيَّن بفِعْله أنَّ ذلك جائزٌ، أو لأنه لم يكُن عند غيره طعامٌ فاضلٌ عن حاجته، أو لأَنَّ الصَّحابة لا يأْخُذون رهنَه ولا ثمنَه، فلم يُرِد التَّضييقَ عليهم، أو لغير ذلك. (ولقد سمعته) هو من كلام قَتادة، وفاعل يقول: أنَس. (آل محمد) لفْظ (آل) مُقحَمةٌ. (حب) ذكْر عامٍّ بعد خاصٍّ، وأما ما رُوي أنه كان يَدَّخِر لنفَقات أزْواجه كفايةَ سنةٍ، فالمراد به من غير الحَبِّ. * * *

15 - باب كسب الرجل وعمله بيده

15 - بابُ كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ 2070 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتْ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حرفَتي لَم تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَؤُنَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأمرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيأَكلُ آلُ أَبي بَكْرٍ مِنْ هذَا الْمَالِ، وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ. (باب كسْب الرَّجُل وعمَله بيَده) الحديث الأول: (حرفتي)؛ أي: الاحتراف، وهو الكسب، وقيل: التصرُّف في المَعاش والمتجر. (وشغلت) بضمِّ الشين. قال (ح): فيه أنَّ للعامل أن يأْخُذ من المال الذي يعمَل فيه قدر عَمالته إذا لم يكن فوقه إمام عَمالته يقطع له أجرةً معلومةً منه. (ويحترف للمسلمين)؛ أي: يَكسَب لهم ما ينفعُهم حتى يَعود عليهم من رِبْحه بقَدر ما أخَذ، وبهذا تطوُّع منه، فإنَّه لا يجب على الإمام الاتّجار في مال المُسلمين بقَدْر مُرتَّبه؛ لأنها فرْضٌ في بيت

المال، أو يكون المعنى: يُجازيهم، يقال: احترف الرَّجل: إذا جازَى على خَيْرٍ أو شَرٍّ. * * * 2071 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو الأَسْوَدِ، عَنْ عُروَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْها: كَانَ أَصحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عُمَّالَ أَنْفُسِهم، وَكَانَ يَكُونُ لَهُم أروَاحٌ، فَقِيلَ لَهم: لَوِ اغْتَسَلْتُم. رَوَاهُ همَّامٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. الثاني: (محمد) قال الغَسَّاني: لعلَّه ابن يَحيَى الذُّهْلي. (فكان يكون) في (كان) ضمير الشَّأن، وأتى بعده بالمُضارع استِحضارًا للماضي، أو إرادةً للاستِمرار. (الأرواح) جمع: رِيْح، وأراح اللَّحمُ، أي: أنتُنَ، وهو أكثر من أرياح خِلاف ما يقتَضيه كلامُ الجَوْهري. (لو اغتسلتم) جوابه محذوفٌ، أو هو للتَّمنِّي. (رواه همام) أخرجه أبو نُعَيْم في "المُستَخرَج".

2072 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، أَخْبَرَناَ عِيسَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بن مَعدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأكلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نبَيَّ الله داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأكلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ". 2073 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامِ بن مُنَبهِ، حَدَّثَنَا أبُو هُرَيرَةَ، عنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ لاَ يَأكلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يده". الثالث: (خيرًا)؛ أي: لمَا فيه من إيصال النَّفْع إلى الكاسب وإلى غيره، وللسَّلامة عن البَطالة المؤدِّية إلى الفُضول، ولكسر النَّفْس به، وللتعفّف عن ذُلّ السّؤال. (من عمل يده)؛ أي: كان يعمَل السَّرد، ويَبيعه لقُوته. * * * 2074 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهاب، عَنْ أَبي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدكم حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمنَعَهُ".

16 - باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف

الرابع: (حزمة) بضم المهملَة، وسكون الزَّاي، وحَزمتُ الشَّيء، أي: شددته. (خير) لمَا في ذلك السُّؤال من الذِّلَّة، وإنْ مُنع فمعَ ذلك ألَم الحِزمان. * * * 2075 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عُروَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يَأخُذَ أَحَدكم أَحْبُلَهُ". الخامس: (أحْبُلَهُ) جمع: حَبْل، كفَلْسٍ وأفْلُس، أي: أخْذُ الحَبْل للاحتطاب خيرٌ من السُّؤال، وتمام الحديث: (خيرٌ مِنْ أَنْ يَسأَلَ النَّاسَ)، كما سبَق في (كتاب الزكاة). * * * 16 - بابُ السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاء وَالْبيع، وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ (باب السُّهولة والسَّماحَة) (في عفاف) هو الكَفُّ عمَّا لا يَحِلُّ.

17 - باب من أنظر موسرا

2076 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أبو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بن مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَحِمَ الله رَجُلًا سَمْحًا إِذَا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى". (رحم الله) ظاهره أنَّه إخبارٌ عن حال رجلٍ كان سَمحًا، لكن قَرينة الاستقبال المستفادة من (إذا) تجعلُه دُعاءً، وتقديره: رجلًا يكون سمحًا، وقد يُستفاد العُموم من تقْييده بالشَّرط. (سمحًا) بسكون الميم، أي: جَوادًا مُسَاهِلًا مُوافِقًا على ما يُطلَب منه. (اقتضى)؛ أي: طلَب قَضاءَ حقِّه. * * * 17 - بابُ مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا (باب مَنْ أَنظَرَ مُوسِرًا) 2077 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بن يُونس، حَدَّثَنَا زُهيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ: أَنَّ رِبْعِيَّ بن حِرَاشٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُم، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُوسِرِ؟ " قَالَ:

"قَالَ: فتجَاوَزُوا عَنْه". وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ: "كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعسِرَ". وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعيٍّ. وَقَالَ أَبُو عَوَانةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعيٍّ: "أُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأتجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِر". وَقَالَ نُعَيْمُ بن أَبي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ: "فَأَقْبَلُ مِنَ الْمُوسِرِ، وَأتجَاوَزُ عَنِ الْمُعسِرِ". (تلقت)؛ أي: استَقبلَتْ. (أعملت) في بعضها بلا همزٍ، فتكون مقدَّرةً. (فتياني)؛ أي: غِلْماني الذين يقُومون بأمري. (أن ينظروا)؛ أي: يُمهِلوا المُعسِر. (ويتجاوزوا)؛ أي: تتسامَحوا في الاستيفاء. (عن الموسر) متعلِّقٌ بـ (يتجَاوَزوا)، لكنْ هذا يُخالف الترجمة بمن أنظَر مُوسِرًا، فيقتضي أنَّ (عن الموسِر) يتعلَّق بـ (يُنظِروا) أيضًا، ولا يخفى ما فيه. (فتجاوزا) بلفظ الأمر، وهو مِن قول الله تعالى. (وقال أبو مالك) رواه ابن أبي عُمر في "مسنده".

18 - باب من أنظر معسرا

(وتابعه شعبة) وصلَه البخاري في (الاستِقراض). (وقال أبو عوانة) وصلَه في (ذكْر بني إسرائيل). (وقال نعيم) وصلَه مسلم. * * * 18 - بابُ مَنْ أَنظَرَ مُعْسِرًا (باب مَن أنظَر مُعسِرًا) 2078 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحيَى بن حَمزَةَ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبيدِ الله بن عَبْدِ الله: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كاَنَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعسِرًا قالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ الله أَنْ يتجَاوَزَ عَنَّا، فتجَاوَزَ الله عَنْهُ". سبق شرحه في الباب قبلَه. واعلم أنَّ اليسار أمرٌ اعتباريٌّ يختلف باختلاف الأَحوال، وقيل: مالكُ نصاب الزكاة، وقيل: مَن لا تحلُّ له الزكاة، وقيل: مَن يجد فاضلًا عن ثَوبه، ومَسْكنه، وخادِمه، ودينه، وقُوت من (¬1) يَمُونه، والعُسر مقابلُه في الكُلِّ، وقيل المراد: العُرف. ¬

_ (¬1) "من" ليس في الأصل.

19 - باب إذا بين البيعان، ولم يكتما، ونصحا

قلتُ: هو قَريبٌ من القَول الأول. * * * 19 - بابٌ إِذا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ، وَلَم يكتُمَا، وَنَصَحَا وَيُذْكَرُ عَنِ الْعَدَّاءَ بن خَالِدٍ، قَالَ: كتَبَ لِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّد رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْعَدَّاءَ بن خَالِدٍ، بَيْعَ الْمُسْلِم الْمُسْلِمَ، لاَ داءَ، وَلاَ خِبْثَةَ، وَلاَ عائِلَةَ". وَقَالَ قتادةُ: الْغَائِلَةُ الزِّناَ وَالسَّرِقَةُ وَالإبَاقُ. وَقِيلَ لإبْراهِيمَ: إِنَّ بَعضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ وَسِجسْتَانَ، فَيقُولُ: جَاءَ أَمسِ مِنْ خُرَاسَانَ، جَاءَ الْيَوْمَ مِنْ سِجسْتَانَ. فَكَرِههُ كَرَاهِيةً شَدِيدَةً. وَقَالَ عُقْبة بن عَامِرٍ: لاَ يَحِلُّ لاِمرِئٍ يَبيعُ سلْعَةً، يَعْلَمُ أَنَّ بِها داءً، إِلَّا أَخْبَرَهُ. 2079 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ صَالح أَبي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الْحَارِثِ، رَفَعَهُ إِلَى حَكِيم بن حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْبيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَم يتفَرَّقَا -أَوْ قَالَ: حَتَّى يتَفَرَّقَا- فإنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا". (باب: إذا بيَّن البَيِّعان) أي: أظْهر ما في المَبيع من العَيْب، و (البَيِّعان) بتشديد الياء،

وأطلق على المشتري تَغليبًا، أو هو مِن إطلاق المُشترك وإرادةِ معنيَيه؛ لأن البيع جاءَ بالمعنيين. (ويُذكر عن العَدَّاء) سيأْتي بيانُ وصله، وهو بفتح العين المهملَة، العامِري، أسلَم بعد الفتح، وكان يسكُن البادية، وقال (ك): من بني رَبيعة من أَعراب البَصْرة. قال المُطَرِّزي: فرَس عَدَّاء، بوَزْن فَعَّال، وبه سُمي العَدَّاء الذي كتَب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتابَ المَشهور. قال: وهو المشتري، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو البائِع، كذا في "الفائِق"، و"مُشكِل الآثار"، و"معجَم الطَّبَراني"، و"الصَّحابة" لابن مَنْدَه والدغولي، و"الفِردوس" بطُرُقٍ كثيرةٍ. قال (ش): وكذا التِّرمذي، وقال: حسَنٌ. قلتُ: وكذا النَّسائي، وابن ماجه، وكذا قال (ع): أنَّ ما في البخاري مَقلُوبٌ، وصوابه: هذا ما اشترى العَدَّاءُ من محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولا يَبعُد أن يكون ما في البخاري أيضًا صوابٌ، ولا يُنافي ما في باقي الرِّوايات؛ لأن (اشتَرى) يكون بمعنى (باعَ). (بيع المسلم المسلم) نُصب الثاني بالمَصْدر، وهو بيع، وليس المراد به أنَّه إذا بايَعَ ذِمِّيًّا يغشُّه، بل هذا مبايعة المُسلمين مُطلقًا لا يغشُّ مُسلِمًا ولا غيره. قال التَّيْمي: و (بيع) نصبٌ على المصدر، لكن بغير فِعْله؛ لأنَّ البَيع والشِّراء مُتقارِبان، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوفٍ.

(لا داء) قال المُطرِّزي: هي كلُّ عيْبٍ باطنٍ ظهر منه شيء، أو لا كوَجَع الكَبد والسُّعال. (ولا خِبْثة) بكسر المعجَمة، وإسكان الموحَّدة، ثم مثلَّثة، قال (ك): بوزْن النَّوع من المصدر. قال (ش): فسَّره المُطَرِّزي بأن يكون مَسْبيًّا من قومٍ لهم عَهْدٌ، وفسَّرها غيره بالحرام، كما عبَّر عن الحَلال بالطَّيِّب، وقيل: الأخلاق الخَبيثة كالإِبَاق، وقال صاحب "العَين": هي الرِّيْبة. (ولا غائلة) هو الإباق، والفُجور، وأصله من الغَول، أي: الهلاك. قال (ك): فإنْ قلتَ: العادة أن البائع يكتُب مثل هذه الحُجَّة. قلتُ: قد يكتب المُشتري أيضًا، وكلاهما عادةٌ، وأما إذا كان الثَّمَن في الذِّمَّة فالبائع هو الكاتِب ألبتَّة، فجَرى على ظاهر رواية البخاري، وإنْ وردَتْ رواية: (هذا ما اشتَرى العَدَّاء) لكن رواية البخاري هي المشهورة. (النَخَّاسِين) جمع: نَخَّاس، بفتح النون، وشدَّة المعجَمة، وكسر المهملَة، أي: الدَّلَّالين. (يُسمي أرى خُرَاسَان) (قال (ك): أُرَى بضمِّ الهمزة، أي: أَظُنُّ، وخُراسان الإقليم المعروف، موطِن الكثير من علماء المسلمين. (وسِجسْتَان) بكسر المهملة الأُولى، والجيم، وسُكون الثَّانية،

وبالفوقانية: اسمٌ للدِّيار التي قصَدها زَرَنْج، بفتح الزاي، والراء، وإسكان النُّون، وبالجيم، وهذه المَملكة خَلْف كِرْمان بمسيرة مائة فَرسخ، وهي إلى ناحية الهند، ويُقال لها: سِجْز بكسر المُهملة، وسُكون الجيم، وبالزاي. قال: وفي بعض النُّسخ: (آري) بوزن: فاعُول، فقُلبت الواو ياءً، وأُدغم، وهو مَحبَس الدَّابَّة، وقد يُسمى الحبل الذي تُشدُّ به الدابة في مَحبَسها. وقال التَّيمي: الآري: المَعلَف، وأصله: من قولهم: تأَرَّيتُ في المكان: إذا احتَبستُ. قال: وهذه الكراهة من باب كراهية تزيين السِّلْعة. قال (ش): إنَّ آري بالمدِّ، وكسر الراء، وتشديد الياء، هو الصّواب كما قاله (ع) وغيره. ووقع عند المَرْوَزي: بفتْح الهمزة، والراء، مثل: دعا، وليس بشيءٍ، وهو مَربط الدابَّة، وقال الخَليل: مَعلفها، وقال الأصمعي: حَبْلٌ يُدفَن في الأرض، ويُبرز طرَفه تُشَدُّ به الدابَّة، أصله من الحَبْس والإقامة، من قولهم: تَمَارَى الرَّجل بالمكان إذا أقامَ به. وبالجملة فالمعنى: أن النخَّاسين كانوا يُسمُّون مَرابط دوابهم بهذه الأسماء تدليسًا على المشتري أنه جاء الآن من خُرَاسَان، وسِجِسْتَان، يَعنُون مَربطها، فيحرص عليها المُشتري، ويظنُّها طريَّة الجَلَب.

20 - باب بيع الخلط من التمر

قال (ع): وأرى أنه نقَصَ من الأصل بعد آري: دوابهم. قال (ش): وقد رواه ابن أبي شَيبة في "مصنفه": حدَّثنا هشام، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قيل له: إنَّ ناسًا من النَّخَّاسين وأصحاب الدَّواب يُسمِّي أحدُهم إسْطَبْلَ دوابه خُراسان وسِجِسْتان، ثم يأْتي بدابَّته إلى السُّوق، فيقول: جاءتْ من خُراسان وسِجِسْتان، قال: إنِّي أَكرة هذا. (بالخيار)؛ أي: خيار المَجلِس. (ينصرفا)؛ أي: عن المَجلِس. (صدَقَا)؛ أي: في بيان العَيْب. (بورك)؛ أي: يَكثُر لهما نفع كل من العِوَضَين، فأُطلق على كلٍّ منهما بيع بمعنى: مَبيع. * * * 20 - بابُ بَيع الْخِلْطِ مِنَ التَّمرِ 2080 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْم، حَذَثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تمرَ الْجَمعِ، وَهْوَ الْخِلْطُ مِنَ التَّمرِ، وَكُنَّا نبَيعُ صَاعَينِ بِصَاعٍ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلاَ درهمَيْنِ بِدرْهَمٍ".

21 - باب ما قيل في اللحام والجزار

(باب بَيع الخِلْط) بكسر المعجمة، هو الدَّقَل من التَّمر، كأنه خُلِطَ من أنواع متفرِّقةٍ، وإنما خُلِطَ لرَداءته، وهو معنى: الجَمع بفتح الجيم، وقيل: كلُّ لَون من النخيل لا يُعرف اسمه فهو جَمْعٌ. * * * 21 - بابٌ مَا قِيلَ فِي اللَّحَّامِ وَالْجَزَّارِ (باب ما قِيْل في اللَّحَّام) أي: بَيَّاع اللَّحم. (والجَزَّار) أي: الذي يَجزر، أي: يَنحَر الإبل. 22 - بابُ ما يمحقُ الْكَذِبُ وَالكِتمَانُ فِي الْبيع 2082 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بن الْمُحَبَّرِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ قتادَةَ، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا الْخَلِيلِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الله بن الْحَارِثِ، عَنْ حَكِيم بن حِزَامٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْبيَّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَم يتفَرَّقَا -أَوْ قَالَ: حَتَّى يتفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وإنْ كتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".

23 - باب قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون}

(باب ما يَمحَق الكَذِب والكِتْمان) سبق شرح الحديث فيه قَريبًا. * * * 23 - بابُ قوْلِ الله تَعَالى: {يَاأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُم تُفْلِحُونَ} (باب قَول الله - عز وجل -: {يَاأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [ال عمران: 130]) 2083 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيَأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ، أَمِنْ حَلاَلٍ، أَم مِنْ حَرَامٍ؟ ". (بما أخذ) إثبات ألف (ما) الاستفهامية من غير الغالب، وهو الحَذْف. 24 - بابُ آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبهِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ

فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}. 2084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْها، قَالَتْ: لَمَّا نزَلَتْ آخِرُ الْبقَرَةِ قَرأهُن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِم فِي الْمَسْجدِ، ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمرِ. 2085 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بن حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أبو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أتيْنَا عَلَى نهرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، وَعَلَى وَسَطِ النَّهْرِ رَجُل بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارةٌ، فَأقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ، رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ، رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهرِ آكِلُ الرِّبَا". (باب آكِل الرِّبا وكاتِبه وشاهِده) الحديث الأول: ليس فيهما ولا فيما بعدهما ذكْر كاتبٍ ولا شاهدٍ، بل في آكل الربا فقط، إلا أنهما لمَّا كانا مُعَاوِنان لآكله نُزِّلا منزلةَ الآكل، فترجَم البخاري بالثلاثة، أو أنهما رضِيا به، والرِّضا بالشيء كفاعله، أو أنهما بفِعلهما كأنهما قائلان: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وهو العلَّة في قيامهم

25 - باب موكل الربا

مُتخبطين، أو عقَد الترجمة لهما ولكنْ لم يجِد فيهما حديثًا على شرطه. (مقدسة) يحتمل الإطلاق، ويحتمل إرادة المسجد، ولكنه نُكِّر للتعظيم، كما قاله الزَّمَخْشَري في تنكير: {كتابٍ مُّبِينٍ} [النمل: 75] في النَّمل. (على وسط) متعلِّقٌ بقوله: (قائم)، وفي بعضها: (وعلى) بالواو، أي: وهو على وسط، فحذف المبتدأ، والجملة حاليةٌ، ولا يجوز أن يكون خبَرًا مقدَّمًا على المبتدأ بعدَه، وهو رجلٌ؛ لمخالفة سائر الرِّوايات: أنَّ الرجل الذي بين يدَيه الحِجَارة على شَطِّ النَّهر، كما سبَق في آخر (كتاب الجنائز)، لا في وسطه، وفي بعضها: (ورجلٌ)، ولا يُفصل بين المبتدأ والخبر، فإنْ قيل: فما ربْطُ (رجل) بما قبلَه؛ قيل: هو مبتدأ، والخبر محذوفٌ، أي: هناك على الشَّطِّ، أو نحو ذلك، والجملة حاليةٌ، سواءٌ كانت بالواو أو بدونها. (رمى)؛ أي: الرجلُ الذي في شَطِّ النَّهر في فَمِ الذي في وسط النَّهر بحَجَرٍ من الحِجارة التي بين يدَيه، فردَّه إلى حيث كان، ولا يُخَلِّيه حتى يخرُج منه. * * * 25 - بابُ مُوكِلِ الرِّبَا لِقَوْلهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ

كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: هذه آخِرُ آيَةٍ نزَلَتْ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب مُوْكِل الرِّبا) (قال ابن عباس) وصلَه البخاري في (التفسير). 2086 - حَدَّثَنَا أبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ عَوْنِ بن أَبي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبي اشْتَرى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَألتُهُ، فَقَالَ: نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنهى عَنِ الْوَاشمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ، وَآكلِ الرِّبَا، وَمُوكلِهِ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ. (ثمن الدم)؛ أي: أُجْرة الحَجَّام، فسمَّاه ثمَنًا مجازًا، وعلى هذا فإنما اشترى الحَجَّام؛ ليمنَعه من الحِجَامة، وفي بعضها: (فأمَرَ بمَحاجِمهِ فكُسِرَتْ). (فسألته)؛ أي: عن الكَسْر. (الواشمة) من الوَشْم، وهو أن يَغرِز بإبْرةٍ، ثم يذرُّ عليه النيلج،

وهو دُخان الشَّحم يُعالج به الوَشْم حتى يخضَرَّ، فإذا بَرِيء بقِيَ الأثَر. (الآكل)؛ أي: فاعلُه، فهو على حذف مضافٍ؛ لأن النَّهي لا يكون عن ذات الآكِل والمُوكِل. (والموكل)؛ أي: المُطعِم، أي: يُعطيه لمن يأْكلُه. وخَصَّ الأكل من بين سائر الانتِفاعات؛ لأنه أَعظَم المقاصِد، وقال (خ): نهيُه عن ثمَن الكلْب يُوجِب فَساد البَيع؛ لأنَّ أحَد طرَفيه الثَّمَن، والآخَر المثمَّن، وإذا بطَل أحدُهما بطَلَ الآخَر، والنَّهي للفَساد ما لم يقُم دليلٌ على خِلافه، وأما ثَمَن الدَّم، أي: أُجرة الحَجَّام؛ فللتَّنزيه، وإلا فهو - صلى الله عليه وسلم - أعطَى الحَجَّام أجْرَه. وأما الوَشْم فتغيير الخِلْقة. وأما الرِّبا فقد أغلَظَ الله الوَعيدَ فيه، وشرَّك فيه الآكِل والمُوكِل؛ لاشتراكهما في التَّعاون. وأما لَعْن المُصوِّر، أي: تَصوير الحيَوان لا الشَّجَر، فإنَّ الفِتْنة فيه أعظم، قال (ك): أو لأنَّ الأصنامَ التي عُبدت كانت على صُوَر الحيوانات. وجوَّز أبو حنيفة بيع الكِلاب، وأكْل ثمنها، وأنها تُضمَن بالقِيْمة عند الإتلاف، وعن مالك رواياتٌ. * * *

26 - باب {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم}

26 - بابٌ {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (باب: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]) 2087 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهابٍ، قَالَ ابن الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمعتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ". (منفقة للسعلة)؛ أي: المَتاع. (ممحقة) من المَحق، وهو الإذهاب، وكلاهما بلفظ المكان، ونفَق البَيع، أي: راجَ، ومُحِق، أي: مُحِيَ، وفي بعضها بلفظ اسم الفاعل فيهما، أي: بضمِّ الميم، وفتح ما بعدها، وكسر الثالث، والمراد هنا اليَمين الفاجِرة كما صرح به في رواية أحمد: "اليَمين الكاذِبة"، ودلَّ عليه السِّياق أيضًا. ووجه مُطابقته للتَّرجمة: أنَّ طلَب المال بالمعصية مُذهِبٌ للبركة مالًا، وإنْ كان محصِّلًا له حالًا، أو قصَد بيانَ أنَّ المراد من مَحق الرَّبا محق البركة، أو أنَّ هذا كالتَّفسير للآية؛ إذ يُقال: كيف يجتَمع المُحاق والزيادة، فبيَّن بالحديث أنَّ اليمينَ تَزيد في الثَّمَن وتَمحق البركة منه، والبركة زائدةٌ على العدد. * * *

27 - باب ما يكره من الحلف في البيع

27 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْحَلِفِ فِي الْبَيع (باب ما يُكرَه من الحَلِف في البَيع) 2088 - حَدَّثَنَا عَمرُو بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَناَ الْعَوَّامُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الله بن أَبي أَوْفَى - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً، وَهُوَ فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِالله لَقَدْ أَعطَى بِها مَا لَم يُعطِ، لِيُوقِعَ فِيها رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلًا}. سند الحديث فيه كله عراقيون. (أقام)؛ أي: رَوَّجَ، يقال: قامت السُّوق، أي: راجَتْ، ونفَقَت. (بالله) يحتمل أن يكون هو اليَمين، وقوله: (لقد) جوابه، وأن يكون صلةً لـ (حَلَف)، و (لقد) جوابُ القَسَم المحذوف، أي: فقال: والله. (أعطى) بفتح أوَّله وثالثه، أو بضمِّ أوله وكسر ثالثه. (بها)؛ أي: بدلَها يُرَوِّج بذلك سلْعتَه. (يُعطَ) بفتح الطاء وكسرها على الوجْهين، والقَصْد أنه يُروِّج السِّلْعة بذلك. * * *

28 - باب ما قيل في الصواغ

28 - بابُ مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغ وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنها -: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُخْتَلَى خَلاَها". وَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الإذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقينهِم وَبُيُوتهم" فَقَالَ: "إلاَ الإذْخِرَ". (باب ما قِيْل في الصَوَّاغ) بفتح الصاد، وتشديد الواو، والغين المعجمة، قال الجَوْهرِي: رجلٌ صائغٌ، وصَوَّاغٌ، وصَيَّاغٌ أيضًا في لغة الحِجَاز، انتهى. وهذا تفسيرٌ لقَيْنهم في الحديث، لكن الذي قاله الجَوْهري وغيره: أنه الحَدَّاد، فينبغي أن يكون قصد البخاري بترجمته إنما هو الحَديثان. (وقال طاوس) وصلَه البخاري في (الحجّ)، وسبق شرحه. * * * 2089 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ يُونس، عَنِ ابن شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرني عَلِيُّ بن حُسَيْنٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بن عليٍّ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيًّا -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبي مِنَ الْمَغْنَم، وَكَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمسِ، فَلَمَّا أَرَدتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ -عَلَيْها السَّلاَمُ- بنتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَاعَدتُ رَجُلًا صَوَّاغًا

مِنْ بنيِ قَيْنُقاعَ أنْ يَرتَحِلَ مَعِي، فَنأتِيَ بِإذْخِرٍ أرَدتُ أنْ أَبيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَليَمَةِ عُرُسِي. الحديث الأول: (شارف) هي المُسِنَّة من النُّوق. (أبتني بفاطمة)؛ أي: أدخل بها، ففيه رَدٌّ على الجَوهري في قوله: لا يُقال: بنى بها. (قَيْنقَاع) مثلَّث النون كما سبق قَريبًا، وهو أبو سِبْط مِن يهود المدينة. * * * 2090 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن عَبْدِ الله، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ، وَلَم تَحِلَّ لأَحدٍ قَبْلِي، وَلاَ لأَحَدٍ بَعدِي، وإِنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاها، وَلاَ يعضَدُ شَجَرُها، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُها، وَلاَ يُلْتَقَطُ لُقَطَتُها إِلَّا لِمُعَرِّفٍ". وَقَالَ عَبَّاسُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلَّا الإذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَلِسُقُفِ بُيُوتنَا؟ فَقَالَ: "إِلَّا الإذْخِر". فَقَالَ عِكْرِمَةُ: هلْ تَدرِي مَا يُنَفَّرُ صَيْدُها؟ هُوَ أَنْ تُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ، وَتنزِلَ مَكَانه. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ: لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِناَ.

29 - باب ذكر القين والحداد

الحديث الثاني: (خالد) الأول هو الطَّحَّان، والثاني هو الحَذَّاء. (لصاغتنا) جمع: صائِغٍ، وسبق شرح الحديث في (كتاب العلم). * * * 29 - بابُ ذِكرِ الْقَيْنِ وَالْحَدّادِ (باب ذكر القين)، أي: الحَدَّاد. 2091 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثنا ابن أَبي عَدِي، عَنْ شُعبةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بن وَائِلٍ دينٌ، فَأتيْتُهُ أتقَاضَاهُ قَالَ: لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. فَقُلْتُ: لاَ أكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ الله، ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا، فَأقْضيكَ، فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}. (وائل) بهمزةٍ بعد الألف. (حتى يميتك) إلى آخره، أي: والكُفر بعد ذلك غير ممكِن، فكأنَّه قال: لا أكفُر أبدًا، فيكون مثل قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]، أي: وهي لا تمكن لسَبْقها، فلا موتَ

30 - باب ذكر الخياط

أصلًا، وأيضًا فالعاصي لا يُقِرُّ بالبَعث، فكأنه عُلِّق على مُحالٍ. * * * 30 - بابُ ذِكر الْخَيَّاطِ (باب الخَيَّاط) 2092 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ ابن عَبْدِ الله بن أَبي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمعَ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنسُ بن مَالِكٍ: فَذَهبْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ، قَالَ: فَلم أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. (الدُّباء) بضمِّ المهملة، وبالموحَّدة، والمَدِّ: القَرْع، واحده دُبَّاءة. (حوالي) بفتح اللام. فيه إجابة الدَّعوة، وأنَّ الصَّحْفة التي قُرِّبت إليه كانت مختصَّةً به، أما في المُشترك فالمستحبُّ أنْ يأْكُل مما يَليه. وفيه فَضْل أنَس؛ إذ كان يُحبُّ ما أَحبَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأطعمة.

31 - باب ذخر النساج

قال (ح): وفي الخَيَّاط معنًى ليس في غيره؛ لأنه غالبًا يأتي بخيطٍ من عنده، فيجمَع بين الصَّنْعة والآلة، ففيه تجارةٌ وإجارةٌ، جُوِّز للحاجة، وفي تَغْييره مشقَّةٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - اطلَع، ولم يُنكر، ونحوه من الصَّبَّاغ الغالب أنْ يأتيَ بالصَّبغْ من عنده بخلاف القَيْن، والنَّجَّار، والصَّائغ، فإنَّ الذي منهم مُجرَّد الصَّنْعة، وهو يعرف حدَّها، ولا يختلط بها غيرُها. * * * 31 - بابُ ذِخرِ النَّسَّاجِ (باب النَّسَّاج) 2093 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يعقُوبُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بن سَعد - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَتِ امرَأةٌ ببُرْدَةٍ -قَالَ: أتدرُونَ مَا الْبُردَة؟ فَقِيلَ لَهُ: نعم، هِيَ الشَّملَةُ، مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيتها- قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي نَسَجْتُ هذِهِ بِيَدِي أكسُوكَها. فَأخَذَها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجًا إِلَيْها. فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّها إِزَارُهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ الله! اكسُنِيها، فَقَالَ: "نعم". فَجَلَسَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاها، ثُمَّ أرسَلَ بِها إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحسَنْتَ، سَألْتَها إِيَّاهُ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلًا. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالله مَا سَألتُهُ إِلَّا لِتكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.

32 - باب النجار

(منسوجة) هي خبر مبتدأ، وفي بعضها: مَنْسوجٌ، أي: [له] هدب. (في حاشيتها) ويحتمل أن يكُون من القَلْب، أي: منسوجةٌ فيها حاشيتُها، وسبق الحديث بغير هذا اللَّفْظ في (الجنائز)، في (باب: مَن استَعدَّ الكفَن). (محتاجًا) في بعضها بالرفع خبَر مبتدأ محذوفٍ، أو أنه مكتوبٌ على لُغة ربيعة في الوقْف على المنصوب المنوَّن. (رجل) سبق أنه عبد الرَّحمن بن عَوْف. (ما أحسنت)؛ أي: لم تُحسِن. فيه أنَّ كسب النَّساج حلالٌ، وإعدادُ الكفَن قبل الموت، وكرَمُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإيثارُه على نفسه مع الاحتياج إليه. * * * 32 - بابُ النَّجَّارِ 2094 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، قَالَ: أتى رِجَالٌ إِلَى سَهْلِ بن سَعدٍ يَسْألونهُ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى فُلاَنة -امرَأةٍ قد سَمَّاها سَهْلٌ-: "أَنْ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ، يعمَلُ لِي أَعوَادًا، أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمتُ النَّاسَ". فَأمَرتهُ يَعْمَلها مِنْ طَرفَاءَ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِها، فَأرسَلَتْ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -

بِها، فَأَمَرَ بِها، فَوُضعَتْ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ. 2095 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بن يَحيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بن أَيْمَنَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: أَنَّ امرَأةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لرسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ الله! أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا. قَالَ: "إِنْ شِئْتِ". قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدها حَتَّى كَادَتْ أَنْ تنشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَخَذَها، فَضَمَّها إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبي الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: "بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذكْرِ". (باب النَّجَّار) فيه حديثان سبَق شرحهما. (يعملُ لي أعوادًا أجلسُ) برفْع الفعلَين، ويُروى بالجزم فيهما. (طرفاء) شجَرٌ. (الغابة) مخفَّف الباء: الأَجَمَة، واسم موضعٍ بالحِجَاز. (النخلة) الجِذْع. (يسكَّت) بفتح الكاف مشدَّدةً. (على ما كانت)؛ أي: على فِراقِ ما كانت، ليَصحَّ المعنى بهذا التَّقدير.

33 - باب شراء الحوائج بنفسه

وفيه فضل سماع الذِّكر، ومعجزةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهرة، ولا تَنافيَ بين كونه بَعَث إليها وبين كونها جاءت وقالت؛ لأنها جاءتْ ووعدت، فأَرسَل يَستنجِزُ وَعْدها بعد أن كان قد أضرَبَ عما قالَهُ أوَّلًا فَرآهُ صَوابًا. * * * 33 - بابُ شِراءِ الحوَائِجِ بنفسِهِ وَقَالَ ابن عُمَر - رضي الله عنها -: اشْتَرَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَلًا مِنْ عُمَرَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنها -: جَاءَ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ، فَاشْتَرَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ شَاةً. وَاشْتَرَى مِنْ جَابر بَعِيرًا. 2096 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن عِيسَى، حَدَّثَنَا أبو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْها قَالَتِ: اشْتَرَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بنسِيئَةٍ، وَرَهنَهُ درعَهُ. (باب شِراء الحَوائج) فاعلُ شراء محذوفٌ، أي: شراء الرَّجل. (وقال ابن عُمر)، يأْتي. (وقال عبد الرحمن) وصلَه في (الأطعمة). (واشترى جابر) يأتي قريبًا، وسبق أنَّ البعير من الإبل كالإنْسان من

34 - باب شراء الدواب والحمير، وإذا اشتركا دابة أو جملا وهو عليه، هل يكون ذلك قبضا قبل أن ينزل؟

النَّاس للذَّكَر والأُنثى، وأن الغنَم اسم جنْسٍ للذُّكور والإناث، وسبق الحديث بشرحه. * * * 34 - بابُ شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالحَمِيرِ، وَإِذَا اشْتَرَكا دَابَّةً أَوْ جَمَلًا وَهُوَ عَلَيْهِ، هل يَكُونُ ذلِكَ قَبْضًا قَبْلَ أَنْ يَنزِلَ؟ وَقَالَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنها -: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "بِعْنِيهِ"؛ يَعْنِي: جَمَلًا صَعْبًا. (باب شِراء الدَّوابِّ والحَمِيْر) من عطف الخاصِّ على العامِّ. (وهو عليه)؛ أي: والبائع راكبٌ عليه. * * * 2097 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله، عَنْ وَهْبِ بن كَيْسَانَ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنها - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غزَاةٍ، فَأَبطأَ بِي جَمَلِي، وَأَعْيَا، فَأتى عَلَي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "جَابرٌ؟ "، فَقُلْتُ: نعَم. قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ "، قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعيَا، فتَخَلَّفْتُ. فَنَزَلَ يَحجُنُهُ بِمِحجَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبْ".

فَرَكِبْتُ، فَلَقَد رَأَيْتُهُ أكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "تَزَوَّجْتَ؟ " قُلْتُ: نعم. قَالَ: "بِكْرًا أَم ثَيِّبًا؟ " قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: "أفلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُها وَتُلاَعِبُكَ". قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحبَبْتُ أَنْ أتزَوَّجَ امرَأةُ تَجْمَعُهُنَّ، وَتَمشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ. قَالَ: "أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْس". ثُمَّ قَالَ: "أتبيعُ جَمَلَكَ" قُلْتُ: نعم. فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجئْنَا إِلَى الْمَسْجدِ، فَوَجَدتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجدِ، قَالَ: "آلاَنَ قَدِمتَ؟ " قُلْتُ: نعم. قَالَ: "فدَع جَمَلَكَ، فَادخُلْ فَصَلِّ ركعَتَيْنِ". فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلًا أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ، فَأرجَحَ فِي الْمِيزَانِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ فَقَالَ: "ادعُ لِي جَابرًا". قُلْتُ: الآَنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الْجَمَلَ، وَلَم يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ. قَالَ: "خُذْ جَمَلَكَ، وَلَكَ ثَمَنُهُ". (أعيا) لازمٌ ومتعدٍّ، تقول: أعيَا الرجلُ، وأعياه الله. (جابر) خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: أنت جابرٌ، لا منادًى، ولا فاعل (قال). (يحجنه بمحجنه)؛ أي: يجذبه بالمِحْجَن، وهو كالصَّولَجان. (أكفه)؛ أي: أمنَعُه مُتجاوِزًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (بكرٌ أو ثيبٌ) بالرفع خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: أزَوْجَتُكَ، أو بالنَّصب، أي: أتزوَّجتَ. المرأة التي تزوَّجَها هي: شَهيدة بنت سَمعون الأَوْسيَّة.

(أفلا جارية)؛ أي: أفلا تَزوَّجتَ جاريةً. (أما) حرف تنبيهٍ. (الكَيْس) بفتح الكاف، وسُكون التَّحْتانيَّة، نصبٌ على الإغْراء، أي: الْزَم، وقيل: الجِمَاع، وقيل: العَقْل، وقال البخاري فيما سيأْتي: إنَّه الولَد. قال (خ): وهو مشكلٌ، وله وجهان، إما أن يكون على حَضَّهُ على طلَب الولَد، واستِعمال الكَيْس والرِّفق فيه؛ إذ كان جابرٌ لا ولَدَ له إذ ذاك، أو أمرَه بالتحفُّظ والتوقِّي عند إصابة أهله مخافةَ أن تكون حائضًا، فيُقدم عليها بطُول الغَيبة وامتداد الغُربة، والكَيْس شِدَّة المُحافَظة على الشيء. (أُوقية) سبق أنها أربعون درهمًا أو ما يتعارَف، وهو عشْرة دراهم وخمسة أسباع. ووجه مطابقة الحديث للترجمة: قياسُ ما سِوى الجمَل من الحَمِيْر والدَّوابِّ عليه، أو أراد أنْ يضَع في الترجمة حديثًا فيه فلم يجده بشَرْطه. (وليت)؛ أي: أَدبَرتُ. وفي الحديث أنه لا بأْسَ بطلَب البَيع من المالك، وتفقُّد الكبير أحوالَ أصحابه، والإشارةُ عليهم بالمَصلَحة، ونكاح البكْر، ومُلاعَبة الزَّوجين، والابتداءُ بالمَسجِد للقادِم من السَّفَر، وأداء الركعتَين، وأنَّ نافلة النَّهار ركعتان، والزِّيادةُ في الأداء، وإرجاحُ الوزْن، وجوازُ الوكالة

35 - باب الأسواق التي كانت في الجاهلية، فتبايع بها الناس في الإسلام

في أداء الحُقوق، وفضيلةُ جابر حيث بذَل حظَّ نفْسه لمصلحةِ أخَواته، وفيه أنَّ أُجْرة وزْن الثُّمَن على المُشتري، وكَرَمُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعجزةٌ واضحةٌ في انْبعاث الجمَل وإسراعه بعد إعيائه. * * * 35 - بابُ الأَسْوَاقِ التِي كَانتْ فِي الْجَاهِليَّةِ، فَتَبَايَعَ بِها النَّاسُ فِي الإِسلاَمِ (باب الأَسْواق التي كانت) (بها) أي: فيها. 2098 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عمرٍو، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَتْ عُكَاظ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإسْلاَمُ، تأثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيها، فَأَنْزَلَ الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} فِي مَوَاسِم الْحَجّ، قَرَأَ ابن عَبَّاسٍ كَذَا. (تأثموا): تجنَّبوا الإثمَ. (من التجارة) متعلقة بالإثم، وهو حالٌ، أي: حاصلًا من التِّجارة، أو بيانًا، أي: الإثم الذي هو التجارة، أو المعنى: احترزوا عن الإثْم من جِهة التجارة.

36 - باب شراء الإبل الهيم أو الأجرب؛ الهائم المخالف للقصد في كل شيء

(كذا) أي: بزيادة: (في مَواسِم الحجِّ)، لا أنَّ المراد أنه نقَص: {أَنْ تَبْتَغُوا} [البقرة: 198]؛ إذ هو متواترٌ. وسبق الحديث أول (البيع). 36 - بابُ شِرَاء الإبِلِ الْهِيمِ أَوِ الأَجْرَبِ؛ الْهائِمُ الْمُخالِفُ لِلْقَصدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ (باب شِراء الإبل الهِيْم) جمع أَهْيَم، وهو: (المخالف للقصد)؛ أي: للوَسَط، وقال (ح): العَطْشان الذي لا يُروى، وقد يكون من الهُيام، وهو جُنونٌ، فلا يَلزم القَصد في سيرها. (أو الأجرب)؛ أي: الجنس من الإبل الأَجْرب، فذكَره مفرَدًا مذكرًا، وإنْ كان قد وُصِف أولًا بالهِيْم باعتبار الإفراد، ولهذا قال: الأجْرب، ولم يقُل: الجَرباء بالتأْنيث، ولا الجُرُب بالجمع، أو يقال: إنَّ عطْف الأجْرب على نفْس الإبل لا على صِفَتها، وهو الهِيْم. 2099 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عَمرٌو كَانَ هاهُنَا رَجُل اسْمُهُ نوّاس، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبلٌ هِيمٌ، فَذَهبَ ابن عُمَر - رضي الله عنهما - فَاشْتَرَى تِلْكَ الإبلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ، فَقَالَ: بِعنَا

تِلْكَ الإبلَ. فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتها؟ قَالَ: مِنْ شَيْخ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: ويحَكَ ذَاكَ وَالله ابن عُمَرَ. فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبلًا هِيمًا، وَلَمْ يَعْرِفْكَ. قَالَ: فَاسْتَقها. قَالَ فَلَمَّا ذَهبَ يَسْتَاقُها، فَقَالَ: دَعها، رَضينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لاَ عدوَى. سَمعَ سُفْيَانُ عَمرًا. (ممن بعتها) يُقال: بعتُه، وبعتُ منه. (استقها) فعل أمرٍ من افتِعال، من السَّوْق. (عدوَى) هو المُجاوَزة. قال الجَوْهري: العَدوَى: طلَبك إلى والٍ ليُعْديَك على مَن ظلَمك، أي: يَنتقِم منه، وما يُعدي مِن جرَبٍ أو غيره؛ لأنه ينتقل من صاحبه إلى غيره. قال (خ): المعنى: رضيتُ بقَضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأرضَى بالبيع مع ما اشتَمل عليه من التَّدليس والعَيب، فلا أُعدِي عليكُما حاكِمًا، ولا أرفعُكما إليه. قال (ك): أو المعنى: رضيتُ بقَضائه، ولا ظُلْم في ذلك القَضاء، أو لا ظُلم عليَّ؛ لأن هذه الإبل تساوي الثَّمن الذي أدَّيتُه، ومَضَرَّة هذا العَيب مهملةٌ، والظَّاهر هذا المعنى، لكن بأن يكون: (لا عَدوَى) تفسيرًا للقَضاء حكاية عن كلام رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: رضيْتُ بقَضائه، وهو أنه لا عَدوَى، وسيجيء في (كتاب الطِّبِّ): أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا عَدوَى ولا طِيَرَةَ". * * *

37 - باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها

37 - بابُ بيع السِّلاَحِ فِي الْفِتنةِ وَغَيْرها وَكَرِهَ عِمرَانُ بن حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الْفِتْنَةِ. (باب بَيع السِّلاح في الفِتْنة وغيرِها) 2100 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحيَى بن سَعِيدٍ، عَنِ ابن أَفْلَحَ، عَنْ أَبي مُحَمّدٍ مَوْلَى أَبي قتَادَةَ، عَنْ أَبي قتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حُنَيْنٍ، فَأعطَاهُ -يَعنِي: دِرْعًا- فَبعتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بني سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تأثَّلْتُهُ فِي الإسْلاَمِ. (حُنين) مُنصرِفٌ، وادٍ بين مكَّة والطَّائف، وراءَ عرَفات. (ابتعت)؛ أي: اشتريت. (مَخْرَفًا) بفتح الميم، وسكون المعجمة، وفتح الراء: البُستان الذي يُخترف منه التَّمر. (سلِمة) بكسر اللام. (تأثلته)؛ أي: اتخذتُه أصلًا للمال، وقد اختصَر هنا ما لا يتِمُّ الكلامُ إلا به، وهو: أنه قتَلَ رجلًا من الكفَّار فأعطاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هذه الدِّرْعَ وسلَبَه، وسيأتي ذلك في (المغازي)، في (غزوة حُنين). * * *

38 - باب في العطار وبيع المسك

38 - بابٌ فِي الْعَطَّارِ وبيع الْمِسْكِ (باب: في العَطَّار وبيع المِسْك) 2101 - حَدَّثَنِي مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا أَبُو بْردَةَ بن عَبْدِ الله، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ بن أَبي مُوسَى، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالح وَالْجَلِيسِ السَّوْءَ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ؛ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجدُ مِنْهُ رِيحًا خَبيثَةً". (كِير) بكسر الكاف، أي: المنْفَخ، وفي الكلام لفٌّ ونشرٌ، ثم ظاهر اللَّفظ أن المُشَبَّة به الكِيْر، والمنايسب للتَّشبيه أن يكون صاحب الكِيْر. (يعدَمك) بفتح الدَّال، والماضي: عَدِمَ -بالكسر-، أي: فُقِد، وفاعل (يَعدِم) مستترٌ يدلُّ عليه إما، أي: يَعدِمُك أحَدُ الأمرين، أو أنَّ (ما) زائدةٌ، و (تشتريه) هو الفاعِل بتأويله بمصدرٍ، وإنْ لم يكُن فيه حرْفٌ مصدريٌّ، كما في قوله: وقالُوا مَا تَشاءُ قُلْتُ أَلْهُو هذا معنى كلام (ك)، وفي الجوابَين نظَرٌ، والظَّاهر أن الفاعِل

39 - باب ذكر الحجام

موصوفُ (تشتري)، أي: إما شيءٌ تشتريه، كقوله: لو قُلتُ ما في قَومِها لم تِيْثمِ ... يفْضُلُها في حَسَبٍ ومَبْسَمِ نعَمْ، لكونه مؤوَّلًا بمصدرٍ بعض قُوَّةٍ. * * * 39 - بابُ ذِكْرِ الْحَجَّامِ 2102 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: حَجَمَ أَبُو طَيبةَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تمرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ. (باب دِكْر الحَجَّام) الحديث الأول: (أبو طَيبة) بفتح المهملة، وسكون المثنَّاة تحت، اسمه: نافع، وقيل: دِيْنار، وقيل: مَيْسرة، وهو مَولى مُحَيِّصَة بن مَسْعُود الأنصاري، وأهلُه هم بنو بَيَاضَة. (خراجه)؛ أي: ما يُقَرِّره سيِّدُ العبد عليه من شيءٍ في اليوم أو في الشَّهر أو نحو ذلك، وكان خَراجُه: ثلاثةَ آصُعٍ، فوضع عنه صاعًا. ففي الحديث جَواز ذلك، وجواز وضع الضَّريبة عليه، والتَّخفيفُ،

40 - باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء

رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "كَم ضَريبتُكَ؟ "، قال: ثلاثَةُ آصُعٍ، فوضَع عنه صاعًا، وإنما أُضيف الوَضْع إليه؛ لأنه كان الآمِرَ به. * * * 2103 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ ابن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا خَالدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنها - قَالَ: احْتَجَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَم يُعطِهِ. الثاني: (أعطى) مفعوله الثاني: شيئًا، أو صاعًا، أو تمرًا؛ بقَرينة الحديث السَّابق، وقد سبق أنه لا يُنافي النَّهي عن ثمَنِ الدَّم، أي: أُجْرة الحَجَّام ونحوه بأنَّ النَّهي للتَّنزيه بدليل هذا الحديث، أو يقال: الأمْر على ظاهره، ولا شكَّ أن ثمَنَ الدَّمِ حرامٌ. * * * 40 - بابُ التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَه لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (باب التِّجارة فيما يُكرَهُ لُبْسُه) 2104 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أبو بَكْرِ بن حَفْصٍ، عَنْ

سَالِم بن عَبْدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: أَرْسَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عُمَر - رضي الله عنه - بِحُلَّةِ حَرِيرٍ -أَوْ سِيرَاءَ- فَرآها عَلَيْهِ، فَقَالَ: "إِنِّي لَم أُرْسِلْ بِها إِلَيْكَ لِتَلْبَسَها، إِنَّمَا يَلْبَسُها مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيكَ؛ لِتَسْتَمتِعَ بِها"؛ يَعنِي: تَبيعُها. الحديث الأول: (سِيَراء) بكسر المهملة، وفتح التَّحتانية، وبالمدِّ: بُردٌ فيه خُطوطٌ، سبق شرح الحديث في (كتاب الجمُعة)، نعَم، الحُرمة في الرِّجال، فيكون هذا الحديث دالًّا على بعض الترجمة، والذي بعده على تمامها، أو الكراهة للتَّنزيه. * * * 2105 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ الْقَاسِم بن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضيَ الله عَنْها: أَنَّها أَخْبَرتهُ: أنَّها اشْتَرَتْ نُمرُقَةً فِيها تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَلَم يَدخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أتوبُ إِلَى الله وَإِلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَاذَا أَذْنبتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ هذِهِ النُّمرُقَةِ؟ " قُلْتُ: اشترَيْتُها لَكَ؛ لِتَقْعُدَ عَلَيْها وَتَوَسَّدها. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَصْحَابَ هذِهِ الصُّوَرِ يَومَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُم: أَحيُوا مَا خَلَقْتم". وَقَالَ: "إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ".

41 - باب صاحب السلعة أحق بالسوم

الثاني: (نَمرُقة) بضمِّ الراء، وأما النُّون فحُكي فيها التَّثليث، وهي: وِسادةٌ صغيرةٌ، والشِّراء وإنْ كان أعمَّ من التِّجارة، لكنَّه دلَّ على الترجمة؛ لأنَّ حُرمة الجُزء تَستلزم حُرمة الكُلِّ. قال (خ): فيه أن الصُّورة محرَّمةٌ في سَقْفٍ، أو جِدارٍ، أو غيرِ بِساطٍ، أو غيرها، سواءٌ كان لها شخْصٌ ماثلٌ أو لا. (خلقتم)؛ أي: قدَّرتُم تصويرَ الحيَوان. (الملائكة) يحتمل شموله الكرامَ الكاتبين، ويحتمل أنَّه عامٌّ مخصوصٌ. * * * 41 - باب صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بالسَّوْم (باب: صاحِبُ السِّلْعة أحقُّ بالسَّوم): هو طلَب تعيين الثَّمَن وتَقديره. 2106 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبي التَّيَّاح، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بني النَّجَّارِ! ثَامِنُوني بِحَائِطِكُم". وَفِيهِ خِرَبٌ وَنَخْلٌ. (ثامنوني)؛ أي: قدِّروا في ثمَنَ حائطكم، أي: قيمتَه، وثامَنَهُ بكذا، أي: قدَّر معه الثَّمَن، وهذا الحائط بنى فيه - صلى الله عليه وسلم - مَسجِدَه، ومساكنَه، وتقدَّم

42 - باب كم يجوز الخيار؟

شرح الحديث في (كتاب الصلاة)، في (باب: هل تُنبَش القُبور؟). * * * 42 - بابٌ كم يَجُوزُ الْخِيَار؟ (باب: كم يَجُوزُ الخِيَارُ؟) هو اسمٌ من الاختِيار، وهو طلَب خَيْر الأمرَين: إمضاءِ البَيع أو فَسْخه، أو مِنَ التَّخيير. 2107 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ ناَفِعًا، عَنِ ابن عُمَر - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَم يتفَرَّقَا، أَوْ يَكُونُ الْبَيع خِيَارًا". قَالَ ناَفِعٌ: وَكَانَ ابن عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعجبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ. 2108 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بن عُمَرَ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، عَنْ قتَادة، عَنْ أَبي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الْحَارِثِ، عَنْ حَكِيم بن حِزَامٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَم يَفْتَرِقَا". 2108 / -م - وَزَادَ أحمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، قَالَ: قَالَ همَّامٌ: فَذَكرْتُ ذَلِكَ لأَبي التَّيَّاح، فَقَالَ: كنْتُ مَعَ أَبي الْخَلِيلِ لَمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ الله بن الْحَارِثِ بِهذَا الْحَدِيثِ.

43 - باب إذا لم يوقت في الخيار، هل يجوز البيع؟

الحديث الأول، والثاني: سبق شرحهما. (وزاد أحمد)؛ أي: ابن حَنْبَل؛ قاله (ش)، وقال: إنَّ هذا أحد الموضعَين اللَّذَين ذُكر أحمد فيهما، وهو ظاهرُ تصرُّف (ك) أيضًا استنادًا إلى قَول ابن أبي حاتم في "الجَرْح والتَّعديل": إنَّ بَهْزًا يَروي عن هَمَّام بن يحيى، وَيروي عن بَهز أحمدُ بن حَنْبَل، لكنْ قال غيرُهما: إنَّ هذا الحديث وصلَه أبو عَوَانة عن أبي جَعْفَر الدَّارِمي، وهو أحمد بن سَعيد، قال: ثنا بَهْز بسنَده. * * * 43 - بابٌ إِذَا لَم يُوَقِّتْ فِي الْخِيَارِ، هلْ يَجُوز الْبيع؟ (بابٌ: إذا لم يُوقتْ في الخِيَارِ)؛ أي: مدَّة الخيار بيومٍ أو نحوه، هل يكون ذلك البيع لازِمًا، أو جائزًا فيه الفَسْخ؟. 2109 - حَدَّثَنَا أَبو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَم يتفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ: اخْتَر". وَرُبَّمَا قَالَ: "أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ".

44 - باب "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"

(البيعَان) سبق قريبًا بيانه. (اختر) قال الرَّافعي: فإنْ قال له الآخر: اختَرتُ، انقطَع خيارُهما، وإنْ سكَت انقطَع خيارُ الأوَّل دونَه على الأصح؛ لأنَّ قولَه: اخْتَر رضىً منه باللّزوم. (أو يكون بيع خيار)؛ أي: شُرِطَ فيه خِيارٌ؛ فإنَّ الخيار يبقَى في المُدَّة إنْ تفرَّقا أو أَلزما العَقْدَ. * * * 44 - بابٌ "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَم يَتَفَرَّقَا" وَبهِ قَالَ ابن عُمَرَ، وَشُرَيْحٌ، وَالشَّعْبيُّ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَابن أَبي مُلَيْكَةَ. (باب: البَيِّعانِ بالخِيَارِ ما لم يتفَرَّقا) 2110 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخبَرَناَ حَبَّانُ، حَدَّثَنَا شعبةُ، قَالَ قتادَةُ أَخْبَرَني عَنْ صَالحٍ أَبي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعتُ حَكِيمَ بن حِزَام - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْبيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَم يتَفَرَّقَا، فإِنْ صَدَقَا وَبيَّنا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإنْ كَذَبَا وَكتمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".

2111 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبهِ مَا لَم يتفَرَّقَا، إِلَّا بَيع الْخِيَارِ". الحديث الأول: (إسحاق) قال الغَسَّاني: لعلَّه ابن منْصُور، فقد روى مسلمٌ عنه عن حَبَّان بن هِلال، وسبق شرحه قريبًا. (إلا بيع الخيار) أصحُّ الأقوال فيه: أنه استِثناءٌ منْ أَصْل الحُكم، أي: إلا بَيْعًا جَرى فيه التَّخايُر، أي: إمضَاءُ العقْد، فإن العقْد يَلزم وإنْ لم يتفرَّقا بعدُ. ثانيها: أنه من مَفهوم الغَايَة، أي: إلا بَيْعًا شُرط فيه خيارٌ مدَّةً، فإنَّ الخِيار بعد التفرُّق يبقَى إلى مُضيِّ المدَّة المشرُوطة. وثالثها: أن المراد: إلا بيعًا شُرِط فيه أنْ لا خِيَارَ مجلس، فإنَّ البَيع يَلزم بنفْس العَقْد، لكن هذا على خلافِ المُرجَّح عند الشافعية. قال الرافعي: والاستثناء على هذا التأويل من لفْظ: (بالخِيَار). قال (ح): هذا الحديث رواه مالك مع أنه لا يقُول بخيار المَجلِس، فهو حُجَّةٌ عليه. * * *

45 - باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع، فقد وجب البيع

45 - بابٌ إِذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبيع، فَقَد وَجَبَ الْبيع (باب: إذا خَيَّر أحَدُهما صاحبَه) 2112 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَر - رضي الله عنهما - عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ قَالَ: "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، مَا لَم يتَفَرَّقَا، وَكَاناَ جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فتبايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يتبَايَعَا، وَلَمْ يتْرُكْ وَاحدٌ مِنْهُمَا الْبَيع، فَقد وَجَبَ الْبَيع". (وكانا جميعًا) قال (خ): هذا يُبطل كلَّ تأويلٍ مُخالفٍ ظاهرَ الحديث من أهل العِراق وغيرهم. وفيه أبْيَنُ دلالةٍ على أنَّ التَّفريق بالبَدَن هو القاطِع للخِيَار، وأنَّ للمُتبايعَين أنْ يترُكا البيعَ بعد عَقْده ما داما في مجلسِهما، ولو كان معناه التفرُّق بالآراء لخَلا الحديثُ عن الفائدة؛ لأنَّ النَّاس يخلون، وآراؤهم في أملاكهم قبْل أن يعقِدوا عليها عقْدًا، فأيُّ فائدةٍ في ذكْر البَيع حينئذٍ، وإذا كان حقيقةُ البيع العقد، فليس بعدَه إلا التَّزايُل بالأبدان مع أنَّ راوي الحديث ابن عُمر فسَّرَ معناه، فكان إذا اشترى شيئًا يُعجبُه: فارَقَ صاحبَه، أي: فتأويل من يُبقي خيار المَجلِس يحمل المُتبايعَين على

46 - باب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع؟

المُتساوِمَين، وأنَّ التَّفرُّق -أي: بالقَول، وهو الفَراغ من العَقْد- فيه مُخالفة للظاهر بلا ضرورةٍ، مع أنَّ الحديث المذكور هنا لا يَقبَل التأْويل المذكور، وقال التَّيْمِي: إنَّ أبا حنيفة، ومالكًا يَنفِيان خيار المَجلس، ولكنْ تسمية مُتبايعَين قبل أن يُوجد البيع ارتكابُ مجازٍ قطْعًا بلا ضرورةٍ. (أو يخير) بالجزم والنَّصب. (ولم يترك)؛ أي: لم يَفْسَخ البيع. * * * 46 - بابٌ إِذَا كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ هلْ يَجُوزُ الْبَيع؟ (باب: إذا كانَ البائِعُ بالخِيَارِ، هل يَجُوزُ البَيع؟) معناه: هل يكون العَقْد جائزًا حينئذٍ أم لازمًا؟ 2113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الله بن دِينَارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: "كُلُّ بيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يتفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ". 2114 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ أَبي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الْحَارِثِ، عَنْ حَكِيم بن

حِزَامٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَم يَتَفَرَّقَا" -قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْتُ في كتَابي: يَخْتَارُ ثَلاَثَ مِرَارٍ- "فَإنْ صَدَقَا وَبيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا، ويُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا". 2114 / -م - قَالَ: وَحَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن الْحَارِثِ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ حَكِيمِ بن حِزَامٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول، والثاني، والثالث: (وجدت في كتابي)؛ أي: المَحفوظُ الذي رَويتُه، ولكنْ وجدتُ في كتابي: (بخيارٍ) أي: بلا ألفٍ ولامٍ. (ثلاث مرار)؛ أي: وهو مكتوبٌ ثلاثَ مِرارٍ، وفي بعضها: بإضافته إلى ثَلاث مِرارٍ، وفي بعضها: (يختار) بلفْظ الفِعل، وحينئذٍ يحتمل أن يكون ثلاث يتعلَّق بقوله: (يختار). (فإن صدقا) يحتمل أنْ يكون مما وجَده في كتابه، ويحتمل أن يكون مما رَواه من حِفْظه، لكنَّ الظَّاهر الثاني، وإنما قال هنا: (حدَّثنا)، وفيما قبلَه: (قال هَمَّام)؛ لأن الأول على وجْه المُذاكرة لا التَّحمل. * * *

47 - باب إذا اشترى شيئا، فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا، ولم ينكر البائع على المشتري، أو اشترى عبدا فأعتقه

47 - بابٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا، فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَقَالَ طَاوُسٌ فِيمَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا، ثُمَّ بَاعَهَا: وَجَبَتْ لَهُ، وَالرِّبْحُ لَهُ. (باب: إذا اشتَرى شَيئًا فوَهَبَ مِن ساعَتِه) (فأعتقه) هو قياسٌ على ما في الحديث من الهبَة. (على الرضا)؛ أي: على شَرْط أنَّه إنْ رَضيَ به أجاز العَقْدَ. (وجبت)؛ أي: السِّلْعة، أو المُبايعة. * * * 2115 - وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْروٌ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبني، فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "بِعْنِيهِ". قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "بِعْنِيهِ". فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ الله بن عُمَرَ! تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ". 2116 - قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن

خَالِدٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بن عَبْدِ الله، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالًا بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي الْبَيْعَ، وَكَانَتِ السُّنَّةُ: أَنَّ الْمُتبايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، قَالَ عَبْدُ الله: فَلَمَّا وَجَبَ بَيْعِي وَبَيْعُهُ رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبنتُهُ بِأَنِّي سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودٍ بِثَلاَثِ لَيَالٍ، وَسَاقَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ لَيَالٍ. (وقال الحُميدي) هو في "مُسنَد الحُمَيدي"، وفي "الصحيح" من رواية ابن عَسَاكِر: (قال لنا الحُمَيْدي). (البَكْر)؛ أي: الفَتِيُّ من الإبل. (صعب) يُقال: أصعَبَ البعيرُ: لم يُركَب، ولم يَمسَسْه حبْلٌ. (وقال الليث) وصلَه الإِسْماعِيْلي. (مالًا)؛ أي: عَقارًا. (بالوادي) اللام للعَهْد لوادٍ معروفٍ عندهم. (عَقِبي) بلفْظ الإفراد والتَّثنية، وهذا صريحٌ في أنَّ التفرُّق بالأَبدان. (يُرادّ) بتشديد الدَّال. (السُّنَّةُ)؛ أي: طَريقة. (بيعي وبيعه) فيه أنَّه إذا فارقَ أحدُهما لَزِمَ البَيع من الحابس.

48 - باب ما يكره من الخداع في البيع

(ثمود) قَبيلة من العرَب الأُوَل، وهم قوم صالحٍ، يُصرَف ولا يُصرف، وأرضُهم قَريبةٌ من تَبُوك. ووجه مناسبة الحديث للتَّرجمة: أنَّ للمُتبايعَين التصرُّف على حسَب إرادتهما قبْل التَّفرُّق إجازةً وفسخًا. * * * 48 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْخِدَاعِ في الْبَيع (باب ما يُكرَهُ مِن الخِداع في البَيْع) 2117 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الله بن دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ: "إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ". (أن رجلًا) هو: حَبَّان، بمهملةٍ مفتوحةٍ، وتشديد الموحَّدة، ابن مُنْقِذٍ، بضمِّ الميم: من الإنْقاذ، صحابُّي ابن صحابيٍّ أنصاريٌّ مازنيٌّ، شَهِدَ أُحُدًا وما بعدَها، مات في زمَن عُثمان، قيل: بلَغ مئةً وثلاثين سنةً، وقد شُجَّ في بعض مَغازيه مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ببعض الحُصون بحجَرٍ فأصابَه في رأْسه مَأْمُومةً فتغيَّر بها لِسانُه وعقْلُه، لكنْ لم يخرُج عن التَّمْييز. (لا خِلابة)؛ أي: لا خِدَاعَ، وفي بعض الرِّوايات: (لا خِيَابَةَ)

49 - باب ما ذكر في الأسواق

بالياء، وكأنها لُثْغةٌ من الرَّاوي أَبدلَ اللامَ ياءً، وفي بعضها: (خِيَانةَ) بالنون، وفي بعضها: (خِذَايَةَ) بإعْجام الذَّال، وكان الرجل ألثَغ يقُولها بهذه العِبَارة. قال (خ): جعل - صلى الله عليه وسلم - هذا القَول من حَبَّان بمنزلة شَرْط الخِيَار؛ ليكون له الرَّدُّ إذا تبيَّن أنه قد خُدِعَ، وقد قيل: إنَّه جاء فيه خاصَّةً، وقيل: عامٌّ في كُلِّ أحَدٍ، وحُكي عن أحمد: أنَّه إذا قال: لا خِلابَةَ، فله الرَّدُّ، وقال بعض الفُقهاء: إنما يكون هذا فيما يُتغابن به لكثرته، وأما اليَسير فلا يُرَدُّ منه. * * * 49 - بابُ مَا ذُكِرَ في الأَسْوَاقِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قُلْتُ: هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ. وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. وَقَالَ عُمَرُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. (باب ما ذُكِر في الأَسْواق) (قَيْنُقَاع) بتثليث النُّون، سبَق. 2118 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سُوقَةَ، عَنْ ناَفِعِ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي

عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا ببَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ". قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟! قَالَ: "يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ". الحديث الأول: (يغزو)؛ أي: يَقصِد تخريب الكَعْبة. (ببيداء) هي المَفازَة التي لا شيءَ فيها، والمراد هنا: موضعٌ مخصوصٌ بين مكَّة والمدينة. (أسواقهم)؛ أي: أهل أسواقهم، أو رَعاياهم، وربَّما تصحَّفت بـ (أشرافهم) بالمعجمة والفاء، وفَهِم البخاري منه أن أَسواق جمعُ: سُوق، ونبَّه به على أنه ليس مِن شرطه حديث: "أَبْغَضُ البلادِ إلى الله أَسْواقُها"، وقد رواه مسلم في (الصلاة). ويحتمل أنَّ الأسواق هنا الرَّعايا، قال صاحب "النِّهاية": السُّوقَة من النَّاس: الرَّعيَّة ومَن دُون المَلِك، قال: وكثيرٌ من الناس يظنُّون أن السُّوقة أهل الأسواق، انتهى. لكنْ هذا يتوقَّف على أنَّ سُوقة يُجمع على أسواق، وذكَر صاحب "الجامع": أنها تُجمَع على سُوَق كقُثَم. (ومن ليس منهم)؛ أي: من ليس ممن يَقصِدُ التَّخريب، بل هم الضُّعفاء والأُسارى.

(بأولهم وآخرهم) لم يَذكُر الوسَط؛ لأنه أمرٌ نِسْبيٌّ، فهو داخلٌ إما في الأوَّل، أو الآخِر، ويَشهَد لذلك العُرف. (على نياتهم)؛ أي: يُخسَف بالكُلِّ لشُؤْم الأشرار، ثم إنَّه تعالى يُجازيهم في الآخِرة على حسَب قُصودهم من خيرٍ وشَرٍّ. * * * 2119 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ أَحَدِكُمْ في جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ في سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لاَ يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَالْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ في مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ؛ اللهمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللهمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ". وَقَالَ: (أَحَدُكُمْ في صَلاَةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبسُهُ". الحديث الثاني: (لا ينهزه) بالنُّون، والزَّاي: لا يُزعِجُه، ويُحرِّكه، وهذه الجُملة كالبيان للجُملة السابقة. (اللهم صل عليه) هو بيانٌ لقَوله: (تُصلِّي)، وكذا: (اللهمَّ ارحَمْهُ).

(ما لم يؤذ)؛ أي: الملائكةَ بنتن الحَدَث، ومرَّ في (باب: الصَّلاة في مَسجِد السُّوق). * * * 2120 - حَدَّثَنَا آدَمُ بن أَبي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكَنَّوْا بكُنْيَتِي". الثالث: (هذا)؛ أي: شَخصًا آخَر غيرك. (سموا) أمرٌ من التَّسمية. (ولا تكنوا) من الكُنْية، والأمر هنا والنَّهي ليسَا للوُجوب والتَّحريم، كما سبَق بيانه في (باب: إثْم مَن كذَب على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) في (كتاب العِلْم). * * * 2121 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: دَعَا رَجُلٌ بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: لَمْ أَعْنِكَ. قَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي".

الرابع: بمعنى ما قبلَه. (لم أَعْنِك)؛ أي: لم أقْصِدْك. ووجه مُناسَبتها للتَّرجمة: أنه كان في البَقِيعْ حينئذٍ سوقٌ. * * * 2122 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن أَبي يَزِيدَ، عَنْ نافِعِ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في طَائِفَةِ النَّهَارِ، لاَ يُكَلِّمُنِي وَلاَ أُكَلِّمُهُ، حَتَّى أتى سُوقَ بني قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَالَ: "أثَمَّ لُكَعُ؟ أثَمَّ لُكَعُ؟ " فَحَبَسَتْهُ شَيْئًا، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبسُهُ سِخَابًا، أَوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: "اللهمَّ أَحْببْهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ". قَالَ: سُفْيَانُ قَالَ: عُبَيْدُ الله أَخْبَرَنِي: أَنَّهُ رَأَى ناَفِعَ بن جُبَيْرٍ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ. الخامس: (الدوسي) بفتح الدَّال، المراد نِسْبته لا التَّحرُّز عن آخَر. (طائفة)؛ أي: قِطْعة، وفي بعضها: (طائفَة النَّهار)؛ أي: جُزْء النَّهار، يُقال: يَومٌ صائِفٌ، أي: حارٌّ.

(أثَمَّ) بفتح المثلَّثة. (لُكَع) بضمِّ اللَّام، وفتح الكاف، وبالمهملَة: الصَّغير بلُغة تميم، وإنْ كان قد يُطلَق بمعنى اللَّئيم، كما في حديث: "لا تَقُومُ السَّاعةُ حتَّى يكُونَ أسْعَدَ النَّاسِ بالدُّنْيا لُكَعُ بن لُكَع". والمراد في حديث البخاري الاستِصغار على سَبيل التَّقليلِ، والمَرحَمة عليه، والمَقصود بذلك الحسَن بن عَليٍّ، وقيل: الحُسَين، أما عدَم التَّنوين في (لُكَع) فلتَشبيهه بالمَعدُول، أو أنه مُنادى مفردٌ معرفةٌ، وتقديره: أَثَمَّةَ أنتَ يا لُكَعُ. (فحبسته)؛ أي: حبَسَتْ فاطمةُ -عليها السلام- الصَّغيرَ شيئًا من الزَّمان. (سِخَابًا) بكسر المُهملَة، وبالمعجَمة، والموحَّدة: قِلادةٌ تُتَّخَذُ من طِيْبٍ. (يَشْتَدُّ)؛ أي: يَعْدُو. (أحبَّه) هو فعلُ أمرٍ مِن أحَبَّ، ويُروى: (أحِبِبْهُ) بالفَكِّ. (هو) بيانٌ، أو بدَلٌ؛ لقوله: (قال عُبَيد الله)، وفي بعضها: (أُخِّرت)، بالبناء للمفعول. ووجه ذِكْر الوِتْر هنا: أنَّه لمَّا روى الحديث عن نافِع؛ انتهَزَ الفُرصة لبَيان ما ثبَتَ منه مما اختُلف في جَوازِه. * * *

50 - باب كراهية السخب في السوق

2123 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثنا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ ناَفِعٍ، حَدَّثَنَا ابن عُمَرَ: أنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَبْعَثُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ، حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ. 2124 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ إِذَا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ. الحديث السادس: (الرُّكْبَان): أصحاب الإبل في السَّفَر. (يستوفيه)؛ أي: يَقبضُه. وفيه أنه لا يَجوزُ بيعُ المَبيع قبْل القَبْض. * * * 50 - بابُ كَرَاهِيَةِ السَّخَبِ في السُّوقِ (باب كَراهة السَّخَب) بمهملةٍ، ثم معجمةٍ مفتوحتَين: الصِّيَاح. 2125 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بن يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ الله بن عَمْرِو بن الْعَاصِ - رضي الله عنه -، قُلْتُ: أَخْبرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في التَّوْرَاةِ. قَالَ: أَجَلْ، وَالله إِنَّهُ

لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ ببَعْضِ صِفَتِهِ في الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبيُّ! إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبضَهُ الله حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا الله. وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن أَبي سَلَمَةَ، عَنْ هِلاَلٍ. وَقَالَ سَعيدٌ: عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابن سَلاَمٍ. غُلْفٌ كُلُّ شَيْءٍ في غِلاَفٍ، سَيْفٌ أَغْلَفُ؛ وَقَوْسٌ غُلْفَاءُ، وَرَجُلٌ أَغْلَفُ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا. (أجل) جوابٌ مثْلُ: نعَمْ، لكنْ شرْطُه أنْ يكون تصديقًا للمُخبر، فيؤوَّل هنا بأَحد الطَّرَفين. (الحِرْز) بكسر المهملة، وسُكون الرَّاء: الموضع الحَصِيْن، ويُسمَّى التَّعويذُ حِرْزًا. (بِفَظٍّ)؛ أي: غَليظٍ، وإنما لم يقُل: (لستَ) بالخِطاب؛ للالتِفات. (يقيم)؛ أي: يَنفي الشِّرك ويُثبت التَّوحيد. (أعين عُمي) بالوصفيَّة والإضافة.

51 - باب الكيل على البائع والمعطي

(الغلاف): الساتِر المُغطِّي. (تابعه عبد العزيز) وصلَه البخاري في (سورة الفتح). (وقال سعيد) وصلَه الدَّارمي في "مسنده". * * * 51 - بابُ الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُعْطِي لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}؛ يَعْنِي: كَالُوا لَهُمْ وَوَزَنُوا لَهُمْ، كَقَوْلهِ: {يَسْمَعُونَكُمْ}؛ يَسْمَعُونَ لَكُمْ. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا". وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ". (باب الكَيْل على البَائِع) (يعني: كالوا هم)؛ أي: فحَذف الجارَّ، وأوصَل الفِعْل، ويجوز وجهٌ آخر، أي: مَكيلهم وموزُونهم، فحَذَف المُضاف. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) هو طرَفٌ من حديث طارِق بن عبد الله المُحارِبي (¬1). (ويذكر عن ابن شهاب) وصلَه أحمد، وغيره. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "البخاري"، وهو خطأ، والصواب.

(فَكِل) الفَرْق بين اكتالَ وكَالَ: أنَّ الاكتيال لنفسه، كما يُقال: يَكتسِبُ لنفْسه ولغَيره، واستَوى: اتخذ سَواءً لنفْسه، وسَوَّى أعمُّ، والغرَض أنَّه لا بُدَّ من الكَيل احتِرازًا عن المُجازَفة، نعَمْ، الأنْسَب في التَّرجمة الاكتِيال، يعني: المُطاوَعة، يعني: إذا بعْتَ فكُن كائِلًا، وإذا اشتريتَ فكُن مَكيلًا عليك، أي: الكَيْل على البائع لا المُشتري. * * * 2126 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". 2127 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الله بن عَمْرِو بن حَرَامٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ، فَطَلَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَالَ لِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا، الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَيَّ". فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَسَ عَلَى أَعْلاَهُ، أَوْ في وَسَطِهِ، ثُمَّ قَالَ: "كِلْ لِلْقَوْمِ". فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبقِيَ تَمْرِي، كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ.

52 - باب ما يستحب من الكيل

وَقَالَ فِرَاسٌ، عَنِ الشَّعْبيِّ، حَدَّثَنِي جَابرٌ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّاهُ. وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ وَهْبٍ، عَنْ جَابرٍ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "جُذَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ". الحديث الأول، والثاني: (العَجْوة): ضَرْبٌ مِن أجوَد التَّمْر بالمَدينة. (وَعَذَق) بفتح المهملة، والذَّال المعجمة: نُسِبَ إلى شخصٍ يُسمَّى زيدًا، وهو نوع من التَّمْر رَديءٌ، وقال الجَوْهَرِي: العَذْق بالفتح: النَّخلةُ، وبالكسر: الكبَّاسة. (وقال فراس) وصلَه البخاري في (الوصايا). (وقال هشام) وصلَه في (الصُّلح). * * * 52 - بابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْكَيْلِ (باب ما يُستَحبُّ من الكَيْل) 2128 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بن مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بن مَعْدِ يَكْرِبَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ".

53 - باب بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومدهم

(يبارك لكم فيه) محمولٌ على حالة البَيعِ، ويُحمَل حديث عائشة في (الرَّقائق)، وغيره عن عائشة: فكِلْتُه ففنِيَ؛ فإنَّه مُشعِر بأنَّ الكيل سبَبُ عدَم البَرَكة على أنَّ ذلك حالَة الإنفاق. * * * 53 - بابُ بَرَكَةِ صَاعِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمُدِّهم فِيهِ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب بَركَةِ صاع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومُدِّهم)؛ أي: مُدِّ أهْل المدينة، ويُروى: (ومُدَّه). (فيه عائشة) وصلَه البخاري في (الحجِّ)، و (الهجرة)، و (الطِّبِّ). * * * 2129 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بن تَمِيمٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بن زَيْدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَدَعَا لَهَا، وَحَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا في مُدِّهَا وَصَاعِهَا، مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِمَكَّةَ". 2130 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بن عَبْدِ الله بن أَبي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -

54 - باب ما يذكر في بيع الطعام، والحكرة

قَالَ: "اللهمَّ بَارِكْ لَهُمْ في مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ في صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ"؛ يَعْنِي: أَهْلَ الْمَدِينَةِ. الحديث الأول، والثاني: (وحرمت المدينة)؛ أي: في أنْ يُصْطَاد منها، ويكفي ذلك في التَّشبيه. (في صاعهم ومدهم)؛ أي: ما يُكال بالصَّاع والمدِّ، من باب تَسمية الحالِّ باسم المَحَلِّ. * * * 54 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ، وَالْحُكْرَةِ (باب ما يُذكَر في بَيعْ الطَّعام والحُكْرَة) بضمِّ الحاء: الاحتِكار، أي: حبْسه يُتربَّص به الغَلاءَ، وله شُروطٌ في الفقه مستنبطةٌ. (أن يبيعوه)؛ أي: كراهية أنْ يَبيعُوه، أو فيه: (إلا) مُقدَّرةٌ، كما في قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء:176]. 2131 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُهُ إِلَى رِحَالِهِمْ.

2132 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَبَيعَ الرَّجُلُ طَعَامًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ. قُلْتُ لاِبن عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: ذَاكَ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ، وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ. الحديث الأول، والثاني: (والطعام مُرْجَأٌ)؛ أي: مُؤخَّرٌ، ويجوز ترك الهمزة، قال صاحب "النِّهاية": قال (خ) على اختلافٍ في نُسَخ كتابه: (مُرجًّا) بالتشديد للمبالغة. معنى الحديث: أنْ يَشتريَ من إنسانٍ طعامًا بدينارٍ إلى أجَلٍ، ثم يَبيعُه منه، أو من غيره قبْل أنْ يَقْبضَه بدينارَين مثلًا، فلا يجوز؛ لأنَّه في التَّقدير: بَيعُ ذهَبٍ بذَهبٍ، والطَّعام غائبٌ، كأنه باعَه الدِّينارَ الذي يشتري به الطَّعامَ بدينارَين، فهو رِبَا، ولأنه بيعُ غائبٍ بناجزٍ. قال (ش): فيكون: (وهو مُرجأ) مبتدأٌ وخبرٌ في مَوضع نصبٍ على الحال، وفَسَّر غيرُ ابن عباس أن المُراد: أنْ لا يَبيع المَبيعَ قبْل القَبْض، أي: يَبيع الدِّرهم بالدِّرهم، والطَّعام لا دَخْلَ له محذوفٌ من البَين، وهو إشارةٌ إلى عِلَّة النَّهي، وفي بعض الرِّواية عن ابن عبَّاس قال: ألا تَراهم يَتبايعون بالذَّهب، والطَّعام مُرْجأ. * * * 2133 - حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن دِينَارٍ،

قَالَ سَمِعْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبيعْهُ حَتَّى يَقْبضَهُ". الثالث: عُلِمَ شرحه مما سبق. * * * 2134 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كَانَ عَمْرُو بن دِينَارٍ يُحَدِّثُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بن أَوْسٍ: أنَّهُ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ صَرْفٌ، فَقَالَ طَلْحَةُ: أَناَ حَتَّى يَجيءَ خَازِنُنَا مِنَ الْغَابَةِ. قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ. فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بن أَوْسٍ، سَمِعَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يُخْبرُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ". الرابع: (أوس) بفتح الهمزة، وسكون الواو. (صرف)؛ أي: دراهم يُصرَف بها دنانير، وهو مأْخوذٌ من تَصويتها في المِيْزان، وقال الجَوْهَري: الصَّرِيْف: الفِضَّة. الغابة): الأَجَمَة. (قال سُفيان) إلى آخره، القَصْد منه مُوافقة عُمر.

55 - باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك

(هاءِ) بكسر الهمزة، أي: هاتِ، وبفتحها: بمعنى خُذْ، وكذلك: هَاءْ بالهمزة الساكنة، وإذا قيل لك: هَاءَ بالفتح؛ قلتَ: ما أَهاءُ، أي: ما آخَذُ، فيقول لك صاحبك: هاءَ مُتقابضان في المَجلِس. وقال (ن): فيه القَصْر والمد، والهمزة مفتوحةٌ، ويُقال: بالكسر. قال ابن مالك: حقُها أنْ لا تقَع بعدَ (إلا) كما لا يقَع بعدها خُذْ، فإذا وقَع يُقَدَّرُ قولٌ، أي: إلا مَقولًا عند المُتعاقدَين: هاء وهاء. * * * 55 - بابُ بَيْع الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (باب بَيْع الطَّعام قبْل أنْ يُقبَض) 2135 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بن دِينَارٍ، سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: أَمَّا الَّذِي نهى عَنْهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَهْوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَلاَ أَحْسِبُ كُلَّ شَيْء إِلَّا مِثْلَهُ. 2136 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفيَهُ".

56 - باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يؤويه إلي رحله، والأدب في ذلك

زَادَ إِسْمَاعِيلُ: "مَنِ ابتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبيعُهُ حَتَّى يَقْبضَهُ". (الذي حفظناه) لمَّا كان سُفيان منسوبًا إلى التَّدليس أراد أنه صرَّح بالسَّماع والحِفْظ، وسيجيء شرح الحديث مستوفًى قريبًا. (أن يُباع) محلُّه رفْعٌ بدلًا من الطَّعام، وإنما أُبدلت النكرة من المعرفة بلا نعتٍ؛ لأن المضارع مع (أنْ) متوغِّلٌ في التَّعريف. (إما الرِّبا) قسيمه مقدَّرٌ، دلَّ عليه السِّياق، أي: وإما غير ما نهى عنه، فلا أظنُّه إلا مثله في أنه لا يُباع أيضًا قبل القبض، ووجه حُسْبان ابن عبَّاس ذكر أن العلَّة مشتركةٌ، وهو كونه بيع الدِّرهم بالدِّرهم، وإرجاء المبيع. (زاد إسماعيل) أي: زاد روايةً أُخرى، وهو جَعْلُ: (يقبضَه) مكان: (يَستوفيَه)، وإلا فهو عين الحديث السابق؛ إذ معنى الاستيفاء القَبْض (¬1)، والرِّجال أربعةٌ، وبالجُملة فهذه الطَّريق وصلَها البَيْهَقي. * * * 56 - بابُ مَنْ رَأَى إِذَا اشْتَرَى طَعَامًا جِزَافًا أَنْ لاَ يَبيعَهُ حَتَّى يُؤْوِيَهُ إِلَي رَحْلِهِ، وَالأَدَبِ في ذَلِكَ 2137 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ¬

_ (¬1) "القبض" ليس في الأصل.

57 - باب إذا اشترى متاعا أو دابة، فوضعه عند البائع، أو مات قبل أن يقبض

ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بن عَبْدِ الله: أَنَّ ابن عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ في عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَبْتَاعُونَ جِزَافًا -يَعْنِي: الطَّعَامَ- يُضْرَبُونَ أَنْ يَبيعُوهُ في مَكَانِهِمْ حَتَّى يُؤْوُهُ إِلَى رِحَالِهِمْ. (باب من رأَى إذا اشتَرى طَعامًا) (جُزافًا) هو فارسيٌّ معرَّبٌ، مثَّلث الجِيْم، وهو البَيع بلا كَيْلٍ ونحوه. ففي الأحاديث في الباب، والذي قبلَه: النَّهيُ عن بيعِ المَبيع حتى يَقبضَه المشتري. قال الشافعي: لا يصحُّ سواءٌ كان طعامًا، أو عقارًا، أو منقولًا، وأبو حنيفة: لا يصلُح إلا في العَقار، ومالك: لا يصحُّ في الطَّعام، وأحمد: لا يصحُّ في المَكيل، والمَوزون. وفيه تَعزير الإِمام مَن يتعاطَى بيعًا فاسدًا، وتأْديبُه بالضَّرب ونحوه. * * * 57 - بابٌ إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أوْ دَابَّةً، فَوَضَعَهُ عِندَ الْبَائِعِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَالَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: مَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنَ الْمُبْتَاعِ.

(باب: إذا اشتَرى مَتاعًا) هو اسم مفعولٍ لا اسمُ فاعلٍ. (ما أدركت الصفقة) الإسناد فيه مجازيٌّ، أي: ما كان عند العقد غير ميِّتٍ، وغير منفصلٍ عن المَبيع، فهو من جملة المَبيع. * * * 2138 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بن أَبي الْمَغْرَاءَ، أَخْبَرَناَ عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عَنْ هِشام، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيتَ أَبي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ في الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا إِلَّا وَقَدْ أتَانَا ظُهْرًا، فَخُبرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا جَاءَناَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا لأَمْرٍ حَدَثَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لأَبي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ". قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّمَا هُمَا ابنتَايَ؛ يَعْنِي: عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ. قَالَ: "أَشَعَرْتَ أنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ". قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "الصُّحْبَةَ". قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ عِنْدِي ناَقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا. قَالَ: "قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ". (لقلَّ) اللام جوابُ قسمٍ محذوفٍ، وقَلَّ: فعلٌ ماضٍ، وفيه معنى النَّفْي، أي: ما يأْتي يومٌ عليه إلا يأْتي فيه بيتَ أبي بكر - رضي الله عنه -. (لم يَرُعْنا) من الرَّوْع وهو الفَزَع، أي: أتانا بَغْتةً وقْتَ الظُّهر. (حدث)؛ أي: حادثةٍ حدثت له.

58 - باب لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، حتى يأذن له أو يترك

(ما عندك) على لغة مَن يُعمِّم (ما) في العُقلاء وغيرهم، وفي بعضها: (مَن عندك). (الصحبة) بالنَّصب، أي: أُريدُ، أو أَطلُبُ، وبالرفْع، أي: مُرادي، أو مَطْلوبي، وكذلك لفْظ: الصُّحبة ثانيًا يقدَّر في الأَمرَين ما يَليق. (أعددتهما) يُروى: (عدَدْتُهما). قال المُهلَّب: وجه استدلال البخاري: أنَّ قوله: (قد أخذتها) ليس أخْذَ اليَدِ، ولا بالحِيَازة، بل بالابْتياع بالثَّمن، وإخراجِها من مِلْك أبي بكر، فأخذتُها يُوجِب أخْذًا صحيحًا، وقبْضًا من الصِّدِّيق بالثَّمن الذي هو عِوَضٌ. وقال (ك): وجه دلالته على التَّرجمة: أما على الجُزء الأول فظاهرٌ؛ لأنه لم يقبض النَّاقةَ بعد الأخْذ بالثَّمَن الذي هو كنايةٌ عن البَيع، وتَركَه عند البائع، وأما الجُزء الثاني فإما للإشعار بأنه لم يجد حديثًا بشَرْطه فيما يتعلَّق به، وإما للإعلام أنَّ حُكم الموت قبْل القَبْض حُكمُ الوضْع عنده قياسًا عليه. * * * 58 - بابٌ لاَ يَبيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ (باب: لا يَبيعُ على بَيْع أَخيه، ولا يَسُومُ على سَوْمِ أخيه) السَّوم على السَّوم: أن تَقول لمن اتفَق مع آخر في بيعٍ ولم يعقِداه:

أنا أشتريه بأكثَر، أو أبيعُك خيرًا منه بأرخَص منه، وهذا حرامٌ بعد استِقرار الثَّمَن، بخلاف ما يُباع فيمَن يَزيدُ؛ فإنَّه قبْل الاستِقرار، ودلَّ على ذلك القِياسُ على الخِطْبة، وإنْ لم يُصرِّح به في الباب. * * * 2139 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَبيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ". الحديث الأول: (لا يبع) في بعضها: (لا يَبيعُ) خبَرٌ بمعنى النَّهي، وهو أنْ يقُول في زمَن الخِيار للمُشتري: افسَخْه، وأنا أبيعُك مثلَه بأقلَّ منه، وكذا يحرُم الشِّراء على شِراء أخيه، بأن يقول للبائع: افْسَخْ، وأنا أشتريه بأكثَر. (أخيه)؛ أي: أُخوَّة الإِسلام، وهذا خرَج مَخرَج الغالِب، وإلا فالحُكم جارٍ في الذِّمِّي أيضًا. * * * 2140 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبيعَ حَاضرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْع أَخِيهِ،

وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلاَ تَسْاَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا؛ لِتكْفَأَ مَا في إِناَئِهَا. الحديث الثاني: (لبَادٍ)؛ أي: آتٍ من البادية بمتاعٍ ليَبيعَه بسعرِ يَومه، فيقول له بلَديٌّ: اتْركهُ عنْدي لأبيعَه لك على التَّدريج بأَغْلى، وهذا الفعل حرامٌ، ولكن يَصحُّ البيع؛ لرجوع النَّهي لأمرٍ خارجٍ، وقيل: لا يكون الحاضر سِمسَارًا للبدَويِّ، فهو أعمُّ من البيع والشِّراء. (تناجشوا) من النَّجْش، بالنُّون، والجيم، والمعجَمة، وهو أنْ يَزيد في الثَّمَن لا لرغبةٍ في الشِّراء بل ليَخدَع غيرَه، فيَزيدُ، وأصلُه الإِثَارة كأنَّ الناجِش يُثير الرَّغْبة، والجُملة معمولٌ لـ (قالَ) مقدَّرةً، أي: وقال: (ولا تَناجَشوا). (ولا يَخْطُبُ) من الخِطْبة بكسر الخاء، وهو حرامٌ إذا صُرِّح بالإجابة للخاطِب. (ولا تسأل) بالرفع خبرٌ بمعنى النَّهي، وبالكسر على أنَّه نهيٌ حقيقيٌّ، أي: لا تَسأَلِ الزَّوجَ أن يُطلِّقَ امرأتَه ويتزوَّج بها، ويكونَ لها من النَّفَقة والمعاشرة ما كان لها، وهو معنى: (لتكفَأ ما في إنائها) بفتح الفاء، أي: تَقلِبَ، وقد سبق أنه يُقال: كفأْتُ الإناءَ: قلَبتُه، وأَكفأْتُه: أَمَلْتُه، قال التَّيْمِي: ويُروى: (لتَكتَفئ) تَفْتَعِل مِن كفَأْتُ. * * *

59 - باب بيع المزايدة

59 - بابُ بَيْع الْمُزَايَدَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لاَ يَرَوْنَ بَأْسًا ببَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ. (باب بَيْع المُزايَدة)؛ أي: من الزِّيادة. 2141 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ، عَنْ عَطَاءِ بن أَبي رَبَاحٍ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَاحْتَاجَ، فَأَخَذَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي"، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بن عَبْدِ الله بِكَذَا وَكَذَا، فَدَفَعَهُ إلَيْهِ. (رجلًا) هو أبو مَذْكُور. (أعتق غلامًا) اسمه يَعْقُوب كما في "مسلم". (فاشتراه)؛ أي: بثمانِ مائةِ درهمٍ كما في الرِّواية الأُخرى في "الصَّحيحين". (نُعَيْم)؛ أي: النَحَّام بفتح النون، وشدَّة المهملة، العَدَويُّ القُرَشيُّ، ووُصِف بالنَّحَّام لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "دخَلْتُ الجَنَّةَ، فسَمِعتُ نَحمَةَ نُعَيْم"، أي: السَّعْلة، أسلَم قديمًا، وأقام بمكَّة إلى قبل الفتْح، وكان قومُه يمنعونَه من الهجرة لشرَفه فيهم؛ لأنه كان يُنفِق عليهم، فقالوا:

60 - باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع

أَقِمْ عندنا على أي دينٍ شِئْتَ، ولمَّا قَدِم المدينة اعتنقَه - صلى الله عليه وسلم - وقبَّلَه، استُشهد يوم اليَرموك سنة خمسَ عشرةَ. وفيه جَواز بيْع المدبَّر. قال الإِسْماعِيْلي: ليس في الحديث المعنى المُترجَم له بأنَّ المُزايَدة أن يدفَع شيئًا، ويَدفع آخَر أزْيدَ منه. * * * 60 - بابُ النَّجْشِ، وَمَنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَقَالَ ابن أَبي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ، وَهْوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ، لاَ يَحِلُّ. قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ"، وَ "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُناَ فَهْوَ رَدٌّ". (باب النَجْش) بنونٍ مفتوحةٍ، وجيمٍ ساكنةٍ، ثم معجمة: الزِّيادة في الثَّمَن خِداعًا، وقيَّده المُطرِّزي بتحريك الجيم، ثم قال: ورُوي بالسُّكون. (آكل الرِّبا)؛ أي: كآكلِه. (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الخديعة في النَّار) هو في "مُعجَم الطَّبَراني الصغير"؛ أي: صاحب الخَديعة، ويحتمل أنه فَعِيْلٌ بمعنى فاعِل، والتاء للمُبالغة كعَلَّامَة.

61 - باب بيع الغرر وحبل الحبلة

(ومن عمل) وصلَه البخاري في (الصُّلح). * * * 61 - بابُ بَيْعِ الْغَرَرِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ 2143 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيِّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي في بَطْنِهَا. (باب بَيْع الغَرَر) هو شاملٌ لما لا ينحصِر كبَيع الآبق، والمَعدوم، والمَجهول، وما لا يُقدَر على تسليمه، والمُبْهَم، فالكلُّ باطلٌ، نعَمْ، إذا دعَت إليه حاجةٌ جازَ؛ كأُسِّ الدَّارِ، وحَشْوِ الجُبَّة، ونحوها. (وَحَبَلُ الحَبَلَة) عطفُ خاصٍّ لشُهرته في الجاهليَّة، أُفرد بالتَّنصيص عليه، وكذا يأتي في تراجمَ مما يَدخُل في الغَرَر أمورٌ؛ لهذا المعنى، كالمُلامَسة، والمُنابَذة ونحوهما. وحَبَل: بالمهملة، وموحَّدةٍ مفتوحتَين، وكذا الحبَلَة، الأوَّل مصدرٌ، والثَّاني جمعُ حابل، كظَلَمةٍ جمعُ ظالم، وقيل: بل هو مصدرٌ أيضًا سُمي به المَحبُول كما سُمي المَحمُول بالحَمْل.

62 - باب بيع الملامسة

قال (ن): وقال بعضهم: الهاء في الحَبَلة للمُبالغة، واتفقوا على أنَّ الحبَل مختصٌّ بالآدميات، ويقال في غيرهنَّ: حَمْلٌ، قال أبو عُبَيد: إلا ما في هذا الحديث. واختُلف في المراد منه، فقال الشَّافعي: البَيع بثمَنٍ مؤجَّلٍ بأنْ تَلِدَ النَّاقةُ، ويلِدَ ولَدُها، وهو تفسير ابن عُمر، وقيل: بيع ولَدِ ولَدِ النَّاقة، وهذا أقْربُ لفْظًا، والأول أَقْوى؛ لأنَّه تفسير الرَّاوي، وليس مُخالِفًا للظَّاهر، فإنَّ ذلك هو الذي كان في الجاهليَّة، والنَّهي واردٌ عليه، وهو أَعْرفُ، واستُشكل بأنه إنما يُقدَّم إذا لم يُخالف الظَّاهر، والفَساد فيه على التَّفسيرَين ظاهرٌ؛ لأنه على الأوَّل بيعٌ إلى أجلٍ مجهولٍ، والأجَلُ يُقابلُه قِسْطٌ من الثَّمَن، وعلى الثاني بيعُ معدومٍ. (وكان بيعًا) إلى آخره، هو ما أشَرْنا إليه من سبَب النَّهي. (الجَزور) من الإبل، يقَع على الذَّكَر والأُنثى. (تُنْتِج) مبنيٌّ للمَفعول، قال الجَوْهَري: نُتِجَت النَّاقةُ، على ما لم يُسمَّ فاعلُه. * * * 62 - بابُ بَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ وَقَالَ أَنسٌ: نَهَى عَنْهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.

2144 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بن سَعْدٍ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُنَابَذَةِ، وَهْيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ، أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَنَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الثَّوْبِ، لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ. 2145 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نُهِيَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أن يَحْتَبيَ الرَّجُلُ في الثَّوْبِ الوَاحِدِ، ثُمَّ يَرْفَعَهُ علَى مَنْكِبهِ، وعنْ بَيْعَتَيْنِ: اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ. (باب بيع المُلامَسَة) سبق في أوائل (الصلاة)، في (باب: ما يُستَر من العَورة) تفسيرُه، وتفسير المُنابَذة المذكور هنا في الحديث الأوَّل، والاحتِبَاء، واشتِمال الصَّمَّاء المذكور في الحديث الثاني، نعَمْ، تفسيره هنا اللِّبْستَين بشيءٍ واحدٍ إنما هو تفسيرٌ لأحدهما، واختصَر تفسير الأُخرى، وهو اشتِمال الصَّمَّاء كأنَّه لشُهرته، ولأصحابنا في تَفسير المُلامَسة والمُنابَذة أوجُهٌ مشهورةٌ. وسبق أن لِبْستين بكسر اللام: الهَيْئة، وكذا الوجه في بيعتَين أيضًا كسرُ الباء؛ لأن المراد الهيئة، واللِّمَاس والنِّبَاذ، بكسر أوَّلهما: مصدران. * * *

64 - باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم وكل محفلة

64 - باب النَّهْيِ لِلْبَائِعِ أَنْ لاَ يُحَفِّلَ الإِبلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ وَالْمُصَرَّاةُ: الَّتِي صُرِّيَ لَبنهَا، وَحُقِنَ فِيهِ، وَجُمِعَ فَلَمْ يُحْلَبْ أَيَّامًا. وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ: حَبْسُ الْمَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: صَرَّيْتُ الْمَاءَ. (باب النَّهي للبائع أنْ لا يُحْفِّل) بشدَّة الفاء، مبنيٌّ للمفعول من الحَفْل وهو الجَمْع، ومنه المَحْفَل لمَجْمَع الناس، ولا يحتمل أنها زائدةٌ، ويحتمل أن تكون تفسيريةً، فيكون: (لا يحفِّل) تفسيرٌ للنَّهي. (وكل مُحفلة)؛ أي: مِن شأْنها أن تُحفَّل، وهو عطفٌ على الإبل وما بعده، فإنَّ النُّصوص وإن وردتْ في النَّعَم، لكن أُلحق بها غيرها قياسًا، نعَمْ، غيرُ المأْكول كالجَاريَة والأَتان وإنْ شاركَه في النَّهي، وثُبوت الخيار للتَّغْرير والإضْرار؛ لكنْ لا يُردُّ في اللَّبن صاعٌ من تمرٍ؛ لعَدَم ثُبوته، وتسمَّى المُحفَّلة مُصَرَّاةً أيضًا. (التي صُرِّيَ) هو تفسير الشَّافعي خلافًا لأبي عُبَيدة. (وَحُقِنَ) عُطِفَ على: (صُرِّيَ) وإنْ كان معناهما واحدًا للتَّفسير. * * * 2148 - حَدَّثَنَا ابن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بن رَبيعَةَ،

عَنِ الأَعْرَج، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصَرُّوا الإِبلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا؛ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وإنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ". وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي صَالِحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْوَلِيدِ بن رَبَاحٍ، وَمُوسَى ابن يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَاعَ تَمْرٍ". وَقالَ بَعْضُهُم عَنِ ابن سِيرِينَ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَهْوَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابن سِيرِينَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلاَثًا. وَالتَّمْرُ أكْثَرُ. الحديث الأول: (لا تُصَرُّوا) بضم التاء، وفتح الصاد، على الرِّواية الصَّحيحة، بوَزْن: تُزَكُّوا، وأصله: تُصَرِّيُوا، فاستُثقلت الضَّمَّة على الياء فنُقلتْ إلى الراء، ثم حُذفت لالتِقاء السَّاكنين. (الإبل) بالنَّصب، قال (ع): ورَويناه عن بعضهم بدُون الواو بعد الرَّاء، ورفْعِ الإبل من الصَّرِّ، وهو الرَّبْط. قال أبو عُبَيد: لو كان من الصَّرِّ لكانت مَصْرُورةً، أو مُصَرَّرَةً، فأُجيب: بأنه يحتمل أنها مُصرَّرة فأُبدلت إحدى الرائين ألفًا، نحو: {مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10]، أصلُه: دسَّسَها، كَرِهوا اجتماعَ ثلاثة أحرُفٍ من جنْسٍ واحدٍ. (بعد)؛ أي: بعد التَّصْرية، وقيل: بعد العِلْم بالنَّهي، وقال الدِّمْياطِي: بعد أنْ يَحلِبَها، كذا رواه ابن لَهِيعة عن جَعْفر بن رَبيْعة، عن

الأعرج، وبه يصحُّ المعنى، انتهى. لكنَّ هذا مصرَّحٌ به في البخاري آخر الباب من حديث أبي الزِّناَد، فلا حاجةَ لعَزْوه لرواية ابن لَهِيْعة، وهو ليس من شَرْط البخاري. (وصاع تمر) إما أنَّ الواو بمعنى (مع)، أو لمُطلَق الجمْع، ولا يكون منصوبًا على المفعول معه؛ لأنَّ شَرْطَه أن يكُون فاعِلًا، نحو: جئْتُ أنا وزَيدًا. (ويذكر عن أبي صالح) رواه مسلم. (ومجاهد) في "الأوسط" للطَّبَراني. (والوليد) في "مسند أحمد بن مَنِيْع". (وموسى) رواه أحمد ومسلم. (عن ابن سيرين) هو في "مسلم"، وذكر ثَلاثًا بناءً على الغالِب في إمكان (¬1) تبيُّن التَّصرية؛ لاحتمال أن النَّقْص من اختلاف العلَف، أو تبدُّل الأَيدي، أو غير ذلك. قلتُ: على أنَّ الشَّيخ تَقِيَّ الدِّين السُّبْكيَّ وغيرَه من المُحقِّقين رجَّح القَول بأن الخِيَار فيها ثلاثٌ. ورواية تعيينِ التَّمْر (عن ابن سيرين) أيضًا في "مسند الشافعي"، وابن أبي عُمر، و"مسلم"، و"النَّسائي". ¬

_ (¬1) "في إمكان" ليس في الأصل.

(أكثر)؛ أي: من الطَّعام، وقيل: صاعٌ من قُوت البلَد، وأما التَّقدير بصاعٍ، فلتعذُّر التَّمييز فيما يختلِطُ من اللَّبن الحادِث، وقد لا يُوجَد من يَعرف القِيْمة هناك، وقد يَتلَف اللَّبن، فلا يُعرف مقداره، فضُبط لقَطْع النِّزاع بذلك، كالغُرَّة في الجَنين مع اختلاف الأجِنَّة ذكورةً وأنوثةً، وتمامًا ونقصًا، وحُسنًا وقُبْحًا، وكالجبران في الزكاة مع تَفاوُت أسنان الإبل. * * * 2149 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً، فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا، وَنَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُلَقَّى الْبُيُوعُ. الحديث الثاني: (فليرد معها)؛ أي: حيث كانتْ من المأْكُولات كما سبَق، وإنْ كان (مُحفَّلةً) عامًا، لكن خُصَّ بدليلٍ. (ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم -) هو حديث النَّهي عن تلَقِّي الرُّكبان المذكُور بعدَه. (تُلقى) على البناء للمَفعول، وأصلُه: تتلَقَّى، فحُذفت إحدى التاءَين، يعني: يَستقبل القادِمَ مَن يَشتري منه. * * * 2150 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَلَقَّوُا

الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهْو بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أنْ يَحْتَلِبهَا؛ إنْ رَضيهَا أمْسَكَها، وإنْ سَخِطَها رَدَّها وصاعًا منْ تَمْرٍ". الحديث الثالث: (تلقوا)؛ أي: تَتلقَّوا، فحُذفت إحدى التاءين. (وصاعًا) قال (ك): فإنْ قلتَ: الرَّدُّ بعد الأَخْذ، فما معنى الرَّدِّ في الصَّاع؟ قلت: مِنْ قَبيل: عَلَفْتُها تِبنًا ومَاءً بَارِدًا أي: وسقَيتُها، أو بتضمين علَف معنى: أنالَ، انتهى. ولا أدري معنى السُّؤال ولا الجَواب. قلتُ: لمَّا قرَّر (ك) أنَّ الرَّدَّ لا يكُون إلا بعد الأَخْذ؛ وجدناه ظاهِرًا في الشَّاة، وأما الصَّاع لمَّا لم يتقدَّم فيه أخْذ من البائِع، فكيف (خ) يقول فيه برده، فهو إذًا مشكل، فأجاب (ك) عنه: بأنه يخرج على قول الشاعر: عَلَفْتُها تِبنًا ومَاءً بَارِدًا أي: فيقدَّر فيه قبلَه ما يَنتظم به الكلام كهذا البَيت، وهذا ما ظهَر لي. * * *

65 - باب إن شاء رد المصراة، وفي حلبتها صاع من تمر

65 - بابٌ إِنْ شَاءَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ، وَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ (باب: إِنْ شاءَ رَدَّ المُصَرَّاةَ) 2151 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرٍو، حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ: أَنَّ ثَابتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن زَيْدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اشْتَرى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا؛ فَإِنْ رَضيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ منْ تَمْرٍ". (أن ثابتًا) هو ابن عِيَاض الأَحْنَف. (مولى عبد الرحمن) في "جامع الأُصول"، والكَلابَاذِي: أنه مَولى عُمر بن عبد الرَّحمن. (غَنَمًا) مؤنَّثٌ اسم جنْسٍ شاملٌ للذُّكور والإناث. (حلبتها) بإسكان اللَّام: اسمٌ للفِعْل، أي: بسبَب حلْبَتها، ويجوز الفتح على إرادة المَحلُوب. ففيه أنَّ القَليل والكَثير في ذلك سَواءٌ، وذلك في المَأْكول كما سبق، وقال الحنَفيَّة: لا خِيارَ للمُشتري في المُصَرَّاة، ولا ولاية رَدِّها، وقال (ن): في "شرح مسلم": قال أبو حنيفة: يَردُّها بدُون الصَّاع؛

66 - باب بيع العبد الزاني

لأن الأَصْل أنه إذا أتلَف شيئًا لغَيره رَدَّ مثلَه إنْ كان مِثْليًّا، وإلا فقيمتَه، وأما جِنْسٌ آخَر فخلاف الأُصول، وأجاب الجمهور: بأن السنَّة إذا وردَتْ لا يُعتَرض عليها بالمَعقول. * * * 66 - بابُ بَيْعِ الْعَبْدِ الزَّانِي وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ شَاءَ رَدَّ مِنَ الزِّناَ. (باب بَيْع العَبْد الزَّاني) أي: الرَّقيق؛ فإنَّ الذي في الحديث الأَمَة، ولا فَرْقَ، أو أنَّ العبد شامِلٌ للذَّكَر والأُنثى. * * * 2152 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبيَّنَ زِناَهَا فَلْيَجْلِدْهَا، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ". الحديث الأول: (فليجلدها) فيه أن السيِّد يُقيم الحَدَّ على رقيقه خلافًا لأبي حنيفة.

(ولا يثرب) بمثلَّثةٍ، أي: يُوبخُ، ويُقَرِّع؛ لارتفاع اللَّوم بالحدِّ، أو التَّوبة، وقال (خ): معناه لا يكتَفي بالتَّثريب، بل يجلدُها. * * * 2153 - و 2154 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بن خَالِدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ، قَالَ: "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ". قَالَ ابن شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابعَةِ. الثاني: (ولم تُحصن) بفتح الصَّاد، المراد بالإحصان هنا العِفَّة كما في: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور:4]، نعَمْ، نقَل البغَوي عن الأكثر تفسيرَ الإحصان في الآية بالإِسلام، وإلا فلا رَجْمَ في الرَّقيق أُحصِن أو لا؛ لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 125]، والرَّجْم لا يُنَصَّف. قال (خ): أو المُراد بالإحصان العِتْق، فإنَّ ذِكْره هنا غريبٌ مُشكلٌ جدًّا، فإنها لا تُرجم بالإجماع. (ثم إن زنت)؛ أي: بعد أن جُلِدت، أما مَن زَنا مِرارًا ولم يُجلَد فلا يُجلَد إلا مرَّةً واحدةً.

67 - باب البيع والشراء مع النساء

وفيه أنَّ الأمر بعدَم مُخالَطة الفاسق بل نُفارِقه. وهذا البَيع مستحبٌّ لا واجبٌ خلافًا للظَّاهرية، وبَيْع الثَّمين بالثمَن اليَسير لا سيَّما لمصلحةٍ، وأما كونه يَكره شيئًا لنفْسه، ويَرضاه للمُشتري، فإنما هو لتوقُّع أن تَستعفِفَ عند المشتري بأن يُزوِّجَها، أو يُعفَّها بنفْسه، أو يَصونَها لهَيْبته، أو بالإحسان إليها. (بضفير)؛ أي: منسوجٌ، مِن ضفَرت الشَّعر ونحوه، أي: فَتلْتُه، أو نسجته. * * * 67 - بابُ البَيْعِ والشِّراء مَعَ النِّسَاءِ (باب الشِّراء والبَيْع مع النِّساء) 2155 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرِي وَأَعْتِقِي، فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْعَشِيِّ، فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ أُناَسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ في كِتَابِ الله؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ في كِتَابِ الله فَهْوَ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ، شَرْطُ الله أَحَقُّ وَأَوْثَقُ".

الحديث الأول: قد سبق شرح حديث بَرِيْرة في (باب: ذِكْر البَيع على المِنْبر في المَسجِد). (فذكرت)؛ أي: قصَّة بَرِيْرة وشِرائها، وأنَّ أهلَها شَرطوا أن يكون الولاءُ لغير المعتِق، أي: للبائِع. (في كتاب الله)؛ أي: في حُكم الله؛ لأنه مكتوبُ الله على العِباد سواءٌ في القُرآن أو السُّنَّة. * * * 2156 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بن أَبي عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ناَفِعًا، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّ عائِشَةَ رضي الله عنها ساوَمَتْ بَرِيرَةَ، فَخَرَجَ إلى الصَّلاَةِ، فَلَمَّا جاءَ قَالَتْ: إنَّهُمْ أَبَوْا أنْ يَبيعُوهَا إلَّا أنْ يَشْتَرِطُوا الوَلاَءَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". قُلْتُ لِنَافِعٍ: حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، فَقَالَ: مَا يُدْرِينِي. الثاني: (ما يدريني)، (ما) استفهاميةٌ، أي: لا أَعلَم ذلك، نعَمْ، ثبَتَ أنه كان عبْدًا كما في "مسلم" عن ابن عبَّاس، وعائشة. * * *

68 - باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟ وهل يعينه أو ينصحه؟

68 - بابٌ هَلْ يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ؟ وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ؟ وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ". وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ. (باب: هل يَبيعُ حَاضرٌ لبَادٍ؟) قصد البخاري بهذا الباب والذي بعدَه جَواز بَيْع الحاضر للبادي بغير أُجرةٍ، وامتناعه بالأُجرة، يدلُّ عليه؛ سِمسارًا أو غير السِّمسار بقَصْد النُّصح، فاستنبطَه من ذلك، وإلا فالحديث لا تعرُّضَ له لا لأُجرةٍ ولا لغيرها. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) رواه أحمد عن حَكِيْم بن يزيد، عن أبيه، والبَيْهَقي عن جابر. (فلينصح) النُّصح الإخلاص عن شَوائب الفَساد، والمُراد حيازة الحظِّ للمَنْصوح له (¬1). * * * 2157 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جَرِيرًا - رضي الله عنه -: بَايَعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَهَادَةِ أَنْ ¬

_ (¬1) "له" ليس في الأصل.

لاَ إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. الحديث الأول: (السمع والطاعة)؛ أي: لأحكام الله ورسوله، وسبق الحديث في آخر (كتاب الإيمان)، وفي سنده ثلاثةٌ كوفيُّون يُكنون كلٌّ أبو عبد الله. * * * 2158 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الله بن طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ". قَالَ: فَقُلْتُ لاِبن عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: لاَ يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. الثاني: (سمسارًا)؛ أي: دَلَّالًا، وهو يشمَل البائعَ والمُشتري، والمشهور أن يَقدم غَربٌ، فيقول له البلَديُّ: لا تَبعْ حتى أبيعَ لك على التَّدريج بأَعلى، والبَيْع صحيحٌ مع ارتكاب التحريم، وهذا وإنْ كان نُصْحًا للقادِم فقط، لكنْ ليس نُصحًا لعُموم البلَد؛ لعُموم الضَّرر، وقال أبو حنيفة: يجوز بَيع الحاضِر للبادي مُطلَقًا؛ لحديث: "الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ"، وحديث

69 - باب من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر

بيع الحاضر للبادي مَنْسوخٌ. * * * 69 - بابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبيعَ حَاضرٌ لِبَادٍ بِأَجْرٍ 2159 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَبْدِ الله بن دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبيعَ حَاضرٌ لِبَادٍ. وَبهِ قَالَ ابن عَبَّاسٍ. (باب مَن كَرِه أن يَبيعَ حَاضرٌ لِبَادٍ) سبق شرح الحديث فيه. * * * 70 - بابٌ لاَ يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ وكَرِهَهُ ابن سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ؛ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: بِعْ لِي ثَوْبًا، وَهْيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ. 2160 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن جُرَيْجٍ، عَنِ

ابن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبْتَاعُ الْمَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ". 2161 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابن عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ أَنَسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: نُهِينَا أَنْ يَبيعَ حَاضرٌ لِبَادٍ. (بابٌ: لا يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ بالسَّمْسَرة)، في بعضها: (لا يشتري). (وإبراهيم)؛ أي: النَّخَعي. (للبائع والمشتري)؛ أي: كَره ذلك للبائعِ والمُشتري. (وهي تعني الشراء)؛ أي: فيَجوز على قَول مَن يَرى استِعمالَ المُشترك في معنَييه، قال (ك): إلا إنْ قيل: هما ضِدَّان، وطريقُه أن يُقال فيه بعُموم المَجاز. قلتُ: لا تَضادَّ في استعمالهما كالقُرء للطُّهر والحَيْض، كما حرَّرنا ذلك في "شرح الألفيَّة". ووجه استفادة السَّمْسَرة المبوَّب عليها من الحديث: أنه الغالب من البيع لغَيره، فالحاصل أنَّ الحديث واحدٌ ذكَره في الأبواب بطَريق التَّقْوية والتَّأْكيد، واستُدلَّ به للأجر، ولتقدُّم الأجر والسَّمْسَرة بالاستِنباط كما بينَّاه، فأشار باختلاف الطُّرُق مع اختلاف المُستنبَط إلى استِناد كلِّ حكمٍ إلى راويةٍ عنه. * * *

71 - باب النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود؛ لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما، وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز

71 - بابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ؛ لأَنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا، وَهوَ خِدَاعٌ في الْبَيْعِ، وَالْخِدَاعُ لاَ يَجُوز (باب النهي عن تلَقِّي الرُّكْبَان)؛ أي: استقبالهم قبْل أن يقدموا الأسواقَ، وسبق بيانه. (مردود) لعلَّ هذا مذهب البخاري أن النَّهي يَقتضي الفَسادَ مُطلقًا سواءٌ أكان لخارجٍ أو لا، كما قاله بعض الأصوليين، وإنْ كان الجمهور على أن الفَساد إذا كان النَّهيُ لعَيْنِ الشيء، أو لازِمِه، لا لخارجٍ عنه كهذا. (إذا كان عالمًا) أي: بالنَّهي، فهو شرطٌ لكل منهيٍّ عنه. 2165 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَبيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ". (على بيع) عُدِّيَ بـ (على) تضمينًا له معنى الاستعلاء والغلَبة. (السلع) جمع: سِلْعة، وهي المَتاع. قال (خ): نُهي عن بيع الحاضر نهيَ كراهةٍ؛ فإنَّ فيه قطْعَ مَرافِق

72 - باب منتهى التلقي

الناس، وأما التَّلَقِّي فالغِشُّ فيه غير مأْمونٍ، والغُبن غير مرفوعٍ. * * * 72 - بابُ مُنْتَهَى التَّلَقِّي (باب مُنتَهى التلَقِّي)؛ أي: مُنتَهى جوازه، وهو إلى أعلى سُوق البلَد، أما التلقِّي المُحرَّم فما كان إلى خارج البلد. 2167 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ: كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ، فَيَبيعُونَهُ فِي مَكَانِهِمْ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبيعُوهُ في مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ. ووجْه مطابقة الحديث للترجمة: أنه ليس فيه إلا المنع من بيعهم في مكانه، فعُلم أن مثْل هذا التلقِّي غير منهيٍّ، وهو معنى قول البخاري بعد ذلك: (هذا في أعلى السُّوق)، أي: فإنه يفهم أن المنهيَّ هو التلقِّي خارجَ البلَد. (حتى ينقلوه) الغرَض: حتى يَقبضوه؛ لأنه العُرف في قَبْض المَنقول. ففيه أن البيع قبْل القَبض غير صحيحٍ. * * *

73 - باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل

73 - بابٌ إِذَا اشْتَرَطَ شُرُوطًا في الْبَيْعِ لاَ تَحِلُّ (بابٌ: إذا اشتَرط في البَيع شُروطًا لا تَحِلُّ) 2168 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ في كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في النَّاسِ، فَحَمِدَ الله وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كِتَابِ الله؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ في كِتَابِ الله فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ الله أَحَقُّ، وَشَرْطُ الله أَوْثَقُ، وإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". الحديث الأول: (كاتبت) ظاهره أن الكِتابة كانتْ وُجدت، فما وقَع من شِرَاءِ

عائشة فسخٌ لها عند مَن يقول به. قلت: هو وجْهٌ ضعيفٌ تفريعًا على القَول بجواز بَيع المكاتَب، والأصح تفريعًا على ذلك: أنه ينتقل للمُشتري مُكاتَبًا، فإذا أدَّى النُجوم له عتَق، وأما إذا قُلنا: لا يجوز بيع المُكاتَب، وهو قَول الشافعي الراجِح وغيره، فيُشكِل الحديث؛ فمنهم مَن قال: لم يكُن عقد الكِتابة وقَع، إنما راوضَهم عليها، ولكنه خِلاف ظاهر الأحاديث، بل صريحُ بعضها التي فيها: أنها أعطَتْ بعضَ النُّجوم دون الباقي، وقيل: بل لأنها عجَّزت نفسَها، فيفسخ السيِّد بذلك الكتابةَ، وهو المختار. قلت: ويحتمل أن الكتابة كانت فاسدةً؛ لخلَلٍ في الصِّيغة، أو تعليقٍ بشرطٍ مُفسِدٍ، والممتنع بيعه إنما هو المكاتَب صحيحةً. (أُواقي) بتخفيف الياء وتشديدها: جمع أُوْقِيَّة بضم الهمزة، وتشديد الياء، وهي على الأصح: أربعون درهمًا. (في كل عام) دليلٌ على أن مال المُكاتَبة بنجومٍ متعدِّدةٍ. (أعدها)؛ أي: أشتَريكِ، وأَزِنُ الأَواقي ثمنَك، وأُعتقُكِ، ويكون وَلاؤُك لي. (من عندهم) في بعضها: (من عندها)؛ أي: من أهلها. (فأخبرت) أخبرته عائشة مفصَّلًا، وإنْ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع ذلك من بَريْرة مُجْمَلًا. (واشترطي لهم الولاء) قد استُشكل بأن الشرط إذا كان فاسدًا؛ فكيف يأذَن فيه؟!

قال (ن): هو مُشْكِلٌ من هذا، ومن حيث إنها تَخدع البائعَ، وشَرْط ما لا يصحُّ، حتى إن بعضَهم أنكر من الحديث هذه اللَّفظة بجُملته، وهو منقولٌ عن يحيى بن أَكْثَم -بفتح الهمزة، والمثلَّثة- قاضي بَغْداد. قال: لأنها ساقطةٌ في كثيرٍ من الرِّوايات، فأوَّلَه العلماء بتأويلاتٍ، إما أنَّ (لهم) بمعنى: عليهم، نحو: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7]، أو المراد: أظْهِري لهم حكم الوَلاء، أو التَّوبيخ لهم؛ لأنَّه قد بُيِّن لهم فَساد الشرط، ولَجُّوا في اشتراطه، أي: فلا تُبالي إن شرطتِه أو لا، ويكون ذلك من خصائص عائشة، وهي قصَّة عينٍ لا عُمومَ فيها، أو أنه أذِنَ في ذلك ثم أبطلَه؛ ليكون أبلَغ في زَجْرها عليه، كما أمرَهم بفَسْخ الحجِّ للعُمْرَة زجرًا عما كانوا يعتقِدونه من منعها في أشهر الحجِّ، وقد يحتمل المفسدة اليسيرة لتَحصيل مصلحةٍ عظيمةٍ. قال (خ): أو أنه لمَّا كان الوَلاء لُحْمةً كلُحمة النَّسَب؛ فإذا أعتَق عبدًا ثبت له الولاء عليه كما إذا وُلد له ولد ثبَت نسبُه، فكما لا يَقدح في نسَبه من يَنقله لغير أبيه كذلك لا يَقدح في الولاء من يَنقله لغير المُعتِق، فشرْطه بمنزلة اللَّغْو في الكلام، وتكون الإشارة بردِّه وإبطاله قولًا يُخطب به على رؤُوس الأشهاد، فهو أبلغَ في النَّكير وأَوْكَد في التعيير، أو أن هذا الأمر للتهديد الذي باطنُه النَّهي نحو: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]. (ما بال) سُقوط الفاء منه وهو جوابُ (أمَّا) مِن النُّدور، وإنْ كان

جائزًا، كما سبق نحوه في (الحج)، في (باب: طواف القَارِن) في: (وأما الذين جمعوا بين الحجِّ والعُمْرَة طافُوا). (في كتاب الله)؛ أي: مَكتُوبهِ ولو كان في السُّنَّة. (مائة شرط)؛ أي: ولو ذكَر الشَّرط الفاسدَ مائةَ مرَّةٍ كما صرَّح به في الرِّواية الأُخرى، فيكون: (شَرْط) مصدرًا بمعنى: الاشتراط. (إنما) للحصر، فلا يَثبُت الولاء للحَلِيْف ونحوه. وفيه جواز السَّجْع إذا لم يتكلَّفْه، وإنما نُهي عن سَجْع الكُهَّان لمَّا فيه من التكلُّف، وفي الحديث مباحث كثيرةٌ سبق بعضها في (باب: ذكْر البَيع على المِنْبر) في (أبواب المساجد)، وصنَّف فيه ابن جَرِيْر مُجلَّدًا كبيرًا. * * * 2169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً، فتعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نبَيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". الحديث الثاني: (فيعتقها) بالنصب عطفٌ على المنصوب. * * *

74 - باب بيع التمر بالتمر

74 - بابُ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ (باب بَيعِ التَّمْر بالتَّمْر) بالمثنَّاة، وسكون الميم فيهما. * * * 75 - بابُ بَيع الزَّبيبِ بِالزَّبيبِ، وَالطعَام بِالطَّعَامِ (باب بيعِ الزَّبيب بالزَّبيب) قال الإِسْماعِيْلي: ليس في الحديث من جِهَة النَّصِّ بيع الزَّبيب بالزَّبيب، ولا الطَّعام بالطَّعام إلا من جِهَة المعنى، قال (ك): هو مفهومٌ من نهي بيع الزَّبيب بالعِنَب، أي: فيجوز بيع الزَّبيب، ويُقاس بيع الطَّعام بالطَّعام عليه. قلت: وله مفهومٌ آخر منهيٌّ، وهو الرُّطب بالرُّطب، فلا يتعيَّن الأول إلا أن يُقال: خرج ذلك بدليلٍ. * * * 2171 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابنةِ. وَالْمُزَابنةُ بَيعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كيْلًا، وَبَيْعُ الزَّبيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلًا. الحديث الأول: (المزابنة) مِن الزَّبن، بالزاي والموحَّدة، وهو الدَّفْع؛ لأن كُلًّا

يدفَع صاحبَه عن حقِّه، وذلك لأنَّ مَدارَه على الخَرْص الذي لا يُؤمَن فيه التَّفاوُت، فتقَع فيه المُخاصَمة أكثر من غيره. (الثَمَر) بفتح المثلَّثة، والميم. (بالتَّمْر) بالمثنَّاة فوق، وسُكون الميم، أي: بَيْع الرُّطب على رؤُوس النَّخل بالتَّمْر، وإلا فسائر الثِّمار يجوز بيعُها بالتَّمْر، وإنْ أُريد بالبيع الشِّراءُ جاز (¬1) أن يُقرأَ اللَّفظان بالعكس، كما سبق. (كيلًا) جاز ذا على ما كان في عادتهم، وإلا فالمنع عامٌّ بكيلٍ أو غيره. (بالكَرْم) بسكون الراء، أي: شجَر العِنَب. * * * 2172 - حَدثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابنةِ. قَالَ: وَالْمُزَابنةُ أَنْ يَبيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلٍ؛ إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ. 2173 - قَالَ: وَحَدَّثَنِي زيدُ بن ثَابتٍ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا. الحديث الثاني: (بكيل)؛ أي: من الزَّبيب، أو التَّمْر معيَّن. ¬

_ (¬1) "جاز" ليس في الأصل.

76 - باب بيع الشعير بالشعير

(إن زاد فلي) في محل نصبٍ بالحال، أي: قائلًا: إِنْ زادَ التَّمْر المَخْروصُ على ما يُساوي. (والعَرَايا) يأتي شرحه قريبًا. (بخرصها) الباء للسَّببية، أي: بسبَب خَرْصها، وهو بفتح الخاء مصدرٌ، وبكسرها: المَخرُوص. قال (ن): الفتح أشهَر، وقال القُرطبيُّ: الرِّواية بالكسر، يُقال: كم خَرْصُ أرضكَ؟، أو للإلصاق، أي: رخَّص متلبسًا به. * * * 76 - بابُ بَيْعِ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ (باب بَيْع الشَّعير بالشَّعير) 2174 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بن أَوْسٍ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَدَعَانِي طَلْحَةُ ابن عُبَيْدِ الله، فترَاوَضْنَا، حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي، فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنَ الْغَابَةِ، وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَالله لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ).

77 - باب بيع الذهب بالذهب

(صرفًا) قال العلماء: هو بيع الذَّهب بالفِضَّة؛ لصرفه عن مُقتضى البيَاعات من التفرُّق قبل التَّقابض، وقيل: من صَريفِهما وهو تصويتهما في الميزان، أما بيع الذَّهب بالذَّهب، والفِضَّة بالفِضَّة؛ فيُسمَّى: مُراطَلةً. (فتراوضنا) بإعجام الضاد، أي: تجاذَبنا في البيع والشراء، وهو ما يجري بين البائع والمشتري من الزِّيادة والنُّقصان، كأنَّ كلَّ واحدٍ يَرُوض صاحبَه على ما يُريد مِن رياضة الدابَّة، وقيل: هو المواصَفَة بالسلعة بأن يصِفَها ويمدحَها عنده. (حتى يأتي)؛ أي: اصِبرْ حتى يَأْتي، وإنما قال ذلك ظنًّا أنه يجوز كسائر البُيوع، فلمَّا أبلغَه عُمر حُكم المسألةِ تَرَك المُصارَفة. (من الغابة) بالموحَّدة. * * * 77 - بابُ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ (باب بَيْع الذَّهب بالذَّهب كيف شِئْتُم)؛ أي: متساويًا، أو متفاوِتًا، لا في الحُلول والتَّقابُض في المَجلس؛ فإنهما واجبان. * * *

78 - باب بيع الفضة بالفضة

78 - بابُ بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ (باب بَيْع الفِضَّة بالفِضَّة) 2176 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا ابن أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بن عَبْدِ الله، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلَقِيَهُ عَبْدُ الله بن عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ في الصَّرْفِ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلًا بِمِثْل". الحديث الأول: (مثل ذلك)؛ أي: مثل حديث أبي بَكْرة في وُجوب المساواة. (تلقيه)؛ أي: مرَّةً أُخرى، وإلا فقد عُلم لقيُّه إيَّاه من تحديثه له. (ما هذا) إنما أَنكَر؛ لأنه كان يعتقِد قبل ذلك جَواز المُفاضَلة. (في الصرف)؛ أي: في شأن الصَّرْف. (الذهب) بالرفع، أي: بيع الذَّهب، فحذف المُضاف للعِلْم به، وبالنَّصب، أي: بِيعُوا الذَّهبَ. (والوَرِق) الدراهم المَضْرُوبة، وقد تُسكَّن الراء، وقد تُكسر الواو مع إسكان الراء، فهي ثلاث لغاتٍ كما في نظائره.

لكن كيف يكُون هذا صرفًا، والصَّرفُ إنما هو بيع الذَّهب بالفِضَّة؟ وجوابه: أن مفهومه الجواز في الذَّهب بالفِضَّة، وهو الصَّرف، مثل ذلك يَشهَد له السِّياق. * * * 2177 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَبيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بناجِزٍ". الحديث الثاني: (مثلًا) جوَّز أبو البَقاء في نصبه أن يكون مصدرًا حالًا، أي: مُمَاثِلًا، وأن يكون مصدرًا مؤكِّدًا، أي: يُماثِل مثلًا، وكذا في: (وَزْنًا بوَزْن)، إما بمعنى: مُوازِنًا، أو يُوزَن وزْنًا. (ولا تُشِفُّوا) بضم التاء، وكسر الشين المعجَمة، وتشديد الفاء، أي: تُفضِّلوا، والشِّفُّ بالكسر: الزِّيادة، ويُطلَق على النَّقص، مِن الأضداد. (بناجز)؛ أي: بحاضرٍ، من النَّجز بالنُّون، والجيم، والزاي، مُقابل الغَائِب، وهو المُؤخَّر، أي: لا تَبيعوا مُؤخَّرًا بحاضرٍ، بل لا بُدَّ من التَّقابُض في المَجلس. * * *

79 - باب بيع الدينار بالدينار نسأ

79 - باب بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ نَسْأ (باب بَيعْ الدِّينار بالدِّينار نَسَاء) بفتحتَين، ممدودةٌ، أي: مؤجَّلًا. 2178 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بن مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بن دِينَارٍ: أَنَّ أَبَا صَالِحٍ الزَّيَّاتَ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - يَقُولُ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ. 2179 - فَقُلْتُ لَهُ: فَإنَّ ابن عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُهُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ الله؟ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لاَ أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي، وَلَكِنَّنِي أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ رِبًا إِلَّا في النَّسِيئَةِ". (لا يقوله)؛ أي: إنما كان يقول بأنَّ الرِّبا فيما إذا كان أحَد العِوَضَين نسيئةً، أما التَّفاضُل فلا رِبَا فيه عنده، فيَجوز بيع الدِّرْهم بدرهمَين، لكنَّه رجع عن ذلك حين بلغَه حديثُ أبي سعيد. (كل ذلك) بالرفع، أي: لم يكُن لا السَّماع ولا الوِجْدان، فهو سلبٌ كليٌّ، بخلاف ما لو نُصِب، فإنه حينئذٍ لسَلْب الكُلِّ لا لعُموم السَّلْب.

81 - باب بيع الذهب بالورق يدا بيد

(أنتم أعلم)؛ أي: لأنكم كُنتُم بالِغِيْن كامِلِين عند مُلازَمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا كنتُ صغيرًا. واعلم أنَّ الجمع بين حديث أُسامة وحديث أبي سَعيد من وُجوهٍ: أحدها: أن ذلك بحسَب اختلاف اعتِقاد السَّامع، فلعلَّه كان يعتقد الرِّبا في غير الجِنس حالًا، فقِيل ذلك ردًّا لاعتِقاده: لا رِبا إلا في النَّسيئة، أي: فيه مُطْلَقُه، أو أنه محمولٌ على غير الرِّبَويَّات كبَيع الدَّين بالدَّين مؤجَّلًا، بأنْ يَبيع ثَوبًا مَوصوفًا بعبدٍ موصوفٍ مؤجَّلًا، فإنْ باعَه به حالًا جاز، أو محمولٌ على الأجناس المختلفة، فإنَّ التفاضل فيها ليس فيه ربًا، ولكنه مجمَلٌ فبيَّنه حديث أبي سعيد، أو هو منسوخٌ فقد أجمَعوا على تَرْك العمَل بظاهره. قال (خ): أو أنه سَمع كلمةً من آخِر الحديث، ولم يذكُر أوَّلَه، كأنْ سُئل عن التَّمْر بالشَّعير، أو الذَّهب بالفِضَّة مُتفاضلًا، فقال: إنما الرِّبا في النَّسيئة، وهو صحيحٌ؛ لاختلاف الجِنس. * * * 81 - بابُ بَيْع الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ (باب بَيْع الوَرِق بالذَّهب) 2182 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بن مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بن الْعَوَّامِ، أَخْبَرَناَ

يَحْيَى بن أَبي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَهَبِ، بِالذَّهَبِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَناَ أَنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كيْفَ شِئْنَا. (نسيئة) بوَزْن: كَرِيْمَة، وبالإدغام نحو: بَرِيَّة، وبحذف الهمزة، وكسر النُّون نحو: جِلْسَة. (الذهب بالوَرِق) هذا عكسُ التَّرجمة إلا أن يُقال: إذا كان العِوَضان نقدَين فلا يَفترق الحالُ بين دُخول الباء على أيِّهما كان. قال أصحابنا: ويكون الثَّمَن حينئذٍ ما دخلَتْ عليه كما لو كانا عَرضَين. (دينًا)؛ أي: غير حالٍّ حاضرٍ في المَجلِس. (في الفضة كيف شئنا) في بعضها: (الفِضَّة)، ومعنى: كيف شِئْنا، أي: مُتفاضلًا أو مُتَساويًا، فلا يُنافي التَّرجمة بقوله: (يدًا بيَدٍ)؛ لأن هذا مختصَرٌ من حديث اعتِبار التَّقابُض فيما هو من جِنْسه وغير جِنسه إذا اشتَركا في عِلَّة الرِّبا، أو أنه لمَّا بيَّن الفَرْق بين البَيع بجنسه وبغير جِنسه في اشتراط المُساواة عُلِمَ أنَّ باقي الشُّروط على حَالِها. * * *

82 - باب بيع المزابنة، وهي: بيع الثمر بالتمر، وبيع الزبيب بالكرم، وبيع العرايا

82 - بابُ بَيْعِ الْمُزَابنةِ، وَهْيَ: بَيْعُ الثَّمَرِ بالتَّمْر، وَبَيْعُ الزَّبيبِ بِالْكَرْمِ، وَبَيْعُ العَرَايَا قَالَ أَنَسٌ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُزَابنةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. (باب بَيْع المُزابنة) سبق بَيانُه، وكذا بيان معنى الثمر بالتَّمْر. (قال أنس) سبَق وصْلُ البخاري إيَّاه. (والمحاقلة) بالمهملَة، والقاف، مِن الحَقْل وهو الزَّرع، ومَوضعُه، وهي بَيعْ الحِنْطة في سُنْبلها بحنطةٍ صافيةٍ، وقيل: بيع الزَّرع قبْل إدراكه. وتحريم المُزابنة والمُحاقَلة؛ لأنَّ بَيع الجنس بجنسه يُشتَرط فيه المُماثَلة، وقال (خ): المُحاقَلة: بيع الزَّرع القائِم في الأَرْض بالحَبِّ اليابس، ومنع بَيْعِها؛ لأن معرفة التَّماثُل فيها متعذِّرةٌ. * * * 2183 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بن عَبْدِ الله، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَبيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَلاَ تَبيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ". 2184 - قَالَ سَالِمٌ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الله، عَنْ زيدِ بن ثَابتٍ: أَنَّ

رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ في بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ في غَيْرِهِ. الحديث الأول: (بالرُّطَبِ أو بالتَّمْرِ) قيل: الشَّكُّ من الزُّهْري. قال (ن): فيه عُلْقةٌ لوجْهٍ عندنا: أنه يجوز بيع الرُّطَبِ على النَّخْل بالرُّطَبِ على الأرض، والأصحُّ عند الجُمهور بطلانه، ويقولون: (أو) في الحديث للشَّكِّ، أو للتَّخيير، أي: شكَّ الراوي هل قال: بالرُّطَبِ، أو بالتَّمْر، لكن أكثَر الرِّوايات: بالتَّمْر، فهو المَعمول به. قال: والعَرَايا جمع: عَرِيَّة، مُشتقَّةٌ من العُري، وهو التجرُّد؛ لأنها عَرِيت من حُكم باقي البُستان. قال الجمهور: هي فَعِيْلة بمعنى: فاعِلة، وقال الهَرَويُّ: بمعنى: مَفْعُولة، مِن عَراهُ يَعرُوه: إذا أتاه وتردَّد إليه؛ لأنَّ صاحبَها تردَّد إليها. قال: وهي اصطلاحًا: أن يَخْرِصَ نخلاتٍ بأنَّ رُطَبَها إذا جفَّ يكون ثلاثةَ أُوسقٍ مثلًا، فيَبيعه بثلاثة أُوسُقٍ من التَّمر، وكذا في الكُرُوم. 2185 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابنةِ. وَالْمُزَابنةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبيبِ كَيْلًا. 2186 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بن

83 - باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة

الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبي سُفْيَانَ مَوْلَى ابن أَبي أَحْمَدَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابنةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. وَالْمُزَابنةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ في رُؤُوسِ النَّخْلِ. 2187 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابنةِ. 2188 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بن ثَابتٍ - رضي الله عنهم -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبيعَهَا بِخَرْصِهَا. الحديث الثاني: عُرِفَ شرحه مما سبق، وكذا الثالث، والرابع. (بخرصها) سبق أنه بفتح الخاء مصدرٌ، وبكسرها المَخرُوص. * * * 83 - بابُ بَيْعِ الثَّمَرِ عَلَى رُؤوسِ النَّخْلِ بِالذَّهَبِ والْفِضَّةِ (باب بيْع التَّمْر على رُؤوسِ النَّخْل بالذَّهَب والفِضَّة) 2189 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَناَ ابن

جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ، وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلَّا الْعَرَايَا. الحديث الأول: (يطيب)؛ أي: طَعْمُه، والمراد: حتى يَبدُوَ صَلاحُه. (منه)؛ أي: من الذي يَطيْب. * * * 2190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، وَسَأَلَهُ عُبَيْدُ الله بن الرَّبيعِ: أَحَدَّثَكَ دَاوُدُ، عَنْ أَبي سُفْيَانَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ في بَيع الْعَرَايَا في خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. الثاني: (أُوسق) جمع: وَسْقٍ، بفتح الواو وكسرها: سِتُّون صاعًا، والصاع: خمسة أرطالٍ وثلُث. (أو دون) قال الشافعي: الأَصْل تَحريم المُزابنة، ورخَّص في العَرايا، والرَّاوي شكَّ في الخَمسة، فوجَبَ الأخْذُ باليقين، وطَرْح المَشكُوك، فبقيت الخمسة على التَّحريم الذي هو الأصل. * * *

2191 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى ابن سَعِيدٍ، سَمِعْتُ بُشَيْرًا، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بن أَبي حَثْمَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا، يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ في الْعَرِيَّةِ يَبيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا، يَأكلُونَهَا رُطَبًا. قَالَ: هُوَ سَوَاءٌ. قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِيَحْيَى وَأَناَ غُلاَمٌ: إِنَّ أَهْلَ مَكَةَ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا. فَقَالَ: وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكَّةَ؟ قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابرٍ. فَسَكَتَ. قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ؟ قَالَ: لاَ. الثالث: (بُشَيْرًا) بضمِّ الموحَّدة، وفتح المعجَمة. (يسار) بالمثنَّاة تحت، والمهملة. (أن تباع) بدَلٌ من العَرِيَّة. (رُطبًا) بضم الراء، وفي بعضها: بفتحها، فيتناول العِنَب. (يأكلها أهلها)؛ أي: المُشتَرون الذين صاروا مُلَّاك الثَّمَرة بخلاف قوله بعده: (يَبيعها أهلُها)، فإنَّهم البائعون؛ لأنهم حينئذٍ أهلها. (هو سواء)؛ أي: مساوٍ للقَول الأول؛ لأنها في المعنى واحدٌ، ويحتمل أن المراد به المُساواة بين الرُّطَب والتَّمْر على تقدير الجَفاف.

84 - باب تفسير العرايا

(قيل) القائل: عليُّ بن المَدِيْنِي. (وليس فيه)؛ أي: في هذا الحديث. * * * 84 - بابُ تَفْسِيرِ العَرَايَا وقال مَالِكٌ: العَرِيَّةُ أنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَة، ثُمَّ يَتأذَّى بِدُخُولِهِ عليهِ فَرُخِّصَ له أنْ يَشْتَريَها مِنْهُ بِتَمْرٍ. وقال ابن إدْرِيسَ: الْعَرِيَّةُ لاَ تَكُونُ إِلَّا بِالْكَيْلِ مِنَ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، لاَ يَكُونُ بِالْجزَافِ. وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بن أَبي حَثْمَةَ بِالأَوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ. وَقَالَ ابن إِسْحَاقَ في حَدِيثهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: كَانَتِ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ في مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ. وَقَالَ يَزِيدُ، عَنْ سُفْيَانَ بن حُسَيْنٍ: الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ، فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا، رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبيعُوهَا بِمَا شَاؤُوا مِنَ التَّمْرِ. (باب تَفْسير العَرَايَا) أي: التي رخَّص - صلى الله عليه وسلم - فيها، واستَثناها من المُزابنة. (أن يُعْرِيَ)؛ أي: يجرِّد الرجل للرجل نَخْلةً من نَخلات بُستانه، ويَهبَها له يتملَّكُها؛ لأن عند مالك أنَّ الهِبَة تَلزم بنفْس العقد، ثم يتأذَّى الواهِب بدُخوله البستان لأَخْذ الثَّمَرة الموهوبة والتقاطِها، فيشتريها منه

بتَمْرٍ، ولا يجوز ذلك لغَيره، ومثْلُه قَول أبي حنيفة: إن العَرِيَّة أن يَهبَه نخلةً، ويشقَّ عليه تردُّد الموهوب له إلى بُستانه، ويَكره أن يَرجعَ في هِبَته، أي: بناءً على مَذْهبه في أنَّ الواهِب الأجنبيَّ يَرجع في هبته متى شاء، لكن يُكره، فيَدفع إليه بدلَها تمرًا، ويكون هذا في معنى البيع لا أنه بيعٌ حقيقةً. وكِلا القَولين بعيدٌ عن ألفاظ الأحاديث؛ لأن لفظ إِرْخاص العَرِيَّة فيها عامٌّ، وهما يُقيِّدانها بصورةٍ، وأيضًا فقد صرَّح بلفْظ البَيع، فنفيُ كونه بيعًا مخالفٌ لظاهر اللَّفْظ. (وقال ابن إدريس) هو الإِمام الشَّافعي محمَّد بن إدريس - رضي الله عنه -. قال البَيْهَقي وغيره: إن مراد البخاري بذلك تفسيرها ببَيع الرُّطَب على رؤُوس النَّخْل بالتَّمْر على الأَرْض بالخَرْص، أي: بأن ذاك الرُّطب إذا جَفَّ يكون مقدَّرًا بالكيل مثل التَّمر الذي يُشترى به، وهو معنى قول البخاري. (بالكيل من التَّمْر)؛ أي: لتُعلَم المُساواة. (لا بالجُزَاف) لفَقْد العِلْم بالتَّساوي. (يدًا بيد)؛ أي: مع التَّقابُض في المَجلس، لكن قبْض الرُّطَب على النَّخْل بالتَّخلية، وقبض التَّمْر بالنَّقل كغيره، وتفسير الشَّافعي هو المُوافِق لتفسير يحيى بن سعيد راوي الحديث، وقوَّى البخاري ذلك بقول سَهْلٍ: (بالأوسق الموسقة) وفائدةُ (المُوسَقة) التَّأْكيد، كما في:

{وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران:14]، وقولهم: ألوفٌ مؤلَّفةٌ، أي: لأنه لو أُريد ما قالَه مالكٌ، وأبو حنيفة ما كان يعبر فيه دُون خمسة أوسُق؛ لوُجود العلَّة المذكررة في الأقلِّ من ذلك. (أن ينتظروا)؛ أي: جُدادها، والجمهور على أنه بعكْس ذلك، وهو أن سبَب الرُّخصة أن المَساكين ليس لهم نَخْلٌ ولا نَقْدٌ يشترون به رُطَبًا، وفضَلَ عن قُوتهم تمرٌ، وهم وأهلُهم يشتَهون الرُّطَب، فرخَّص لهم شِراءَ الرُّطَب على رُؤوس النَّخْل بالتَّمْر ياْكُلونه أولًا فأولًا. * * * 2192 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بن ثَابتٍ - رضي الله عنهم -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كيْلًا. قَالَ مُوسَى بن عُقْبَةَ: وَالْعَرَايَا نَخَلاَتٌ مَعْلُومَاتٌ تأْتِيهَا فَتَشْتَرِيهَا. (وقال موسى بن عقبة) ليس غرَضُه عُمومَ العَرايا لكلِّ مبتاعٍ من ثمرة النَّخْل بأيِّ عوضٍ كان، بل بيانَ أنَّها مشتقَّةٌ من عَرَوْتُ: إذا أتَيْتُ وتَردَّدت، لا من العُري بمعنى التَّجرُّد، وقد سبق بيان اشتقاقها، أو قَصْده اشتِراء الرُّطَب بالتَّمر بشُروطه التي قد عُرفت. * * *

85 - باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

85 - بابُ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا (باب بَيعْ الثِّمار قَبْل أن يَبدُوَ صَلاحُها)؛ أي: يَظهَر بالصِّفة المَطلوبة من تلك الثَّمَرة بظُهور النُّضْج والحَلاوة، وبزَوال العُفونة والتَّمَوُّهِ واللِّين، وبطِيْب الأكل، ونحو ذلك في كلِّ شيءٍ بحسَبه، وعليه تَتنزَّل ألفاظُ الأحاديث. 2193 - وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ: كَانَ عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَهْلِ بن أَبي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيِّ مِنْ بني حَارِثَةَ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ زيدِ بن ثَابتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّاسُ في عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإذَا جَدَّ النَّاسُ، وَحَضَرَ تَقَاضيهِمْ، قَالَ الْمُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ، أَصَابَهُ مرَاضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ؛ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا كثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ في ذَلِكَ: "فَإِمَّا لاَ فَلاَ تَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ". كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا؛ لِكثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ. وَأَخْبَرَني خَارِجَةُ بن زيدِ بن ثَابتٍ: أَنَّ زيدَ بن ثَابتٍ لَمْ يَكُنْ يَبيعُ ثِمَارَ أَرْضهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، فَيَتَبَيَّنَ الأَصْفَرُ مِنَ الأَحْمَرِ. 2193 / -م - قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: رَوَاهُ عَلِيُّ بن بَحْرٍ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ زيدٍ.

(وقال الليث) قال عصْرِيُّنا: لم أقِفْ له على إسنادٍ إليه، وأظنُّه في نُسْخة أبي صالح كاتِبه عنه، لكنْ رواه سَعيد بن مَنْصور عن عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناَد، عن أبيه، عن خَارجة بن زيد، انتهى. وقد أشار البخاري إلى وَصْل الحديث من غير طَريقه، فهو الحديث الأول من الباب. (جَد الناس) بفتح الجيم، أي: قطَعوا ثِمارَهم، وهو الجُداد. (الدُمَان) بضم الدال، وتخفيف الميم، وآخره نون: فَساد التَّمْر، وعَفَنُه قبْل إدراكه حتى يَسْوَدَّ، مأْخوذٌ من الدِّمْن، وهو السِّرْقِين، ويُقال: الدُّمال، باللام، وقيَّده الجَوْهَري، وصاحب "المُجمَل" بفتح الدال، لكنَّ الضم هو ما في "غَريب خ"، قال ابن الأَثِيْر: وكأنه أشْبَه، كما في غيره من الأَدْواء والعاهات كالسُّعال، والزُّكام. قال (خ): ويُروى: (الدِّيان) بالياء، ولا معنى له. (مُرَاض) بضم الميم، وتخفيف الراء، وضاد معجَمة: داءٌ يُصيب النَّخْل، وقيل: هو اسمٌ لكل مرَضٍ، وضمُّه كصُداعٍ، وسُعال، وزُكام، وكسَر بعضهم الميم مِن مِراض. (قُشَام) بضم القاف، وخِفَّة المُعجَمة: أن تَنتفِض ثمرةُ النَّخْلة قبْل أن تَصير بَلَحًا، ويُقال: قُشَام المائدة لِمَا يُنفَض مما بقي فيها، ولا خيرَ فيه، وأما تَكرير: (أَصابَه) فكلٌّ بدَلٌ مما قبلَه. (آفات)؛ أي: عاهاتٌ، وهو خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هذه الثلاث عاهاتٌ.

(يحتجون) جمَع الضَّمير باعتبار جنس المُبتاع الذي هو مفسِّرهُ. (فإما لا) بكسر الهمزة، أي: أن تَتركوا هذه المُبايَعة، فزِيدتْ (ما) توكيدًا، وأُدغمت النون في الميم، وحُذف الفعل. قال سيْبَوَيْهِ في: إمَّا لا: كأنه يقول: افعَلْ هذا إنْ كنت لا تَفعل غيرَه، ولكنَّهم حذَفوا لكثرة استعمالهم إيَّاه وتصرُّفه حين استَغنَوا عنه بهذا، ويجوز إمالة (لا) لتضمُّنها الجُملة، وإلا فالقياس أن لا تُمال الحُروف، وقد تُكتب لا بلامٍ وياء لأجْل إمالتها، ومنهم مَن يكتُبها بالألف ويجعل عليها فتحةً محرَّفةً علامةً للإمالة. وقال الجواليقي: العامة تَقول: إمَّا لَي، بفتْح الألف واللام، وتسكين الياء، وصوابه بكسر الهمزة، أي: ولا بالألف بلا إمالةٍ، أو بإمالةٍ. (كالمشورة) بفتح الواو، ويُقال بضمِّ الشِّين، ذكَره الجَوْهَري. (وأخبرني) قائل ذلك أبو الزِّناَد. (علي بن بحر) هو شيخ البخاري. (الثُريا) بضمِّ المثلَّثة: تصغير الثَّرْوى، صار علَمًا [للنجم] المخصوص، وهو زَمان بُدُوِّ الصَّلاح في الثِّمار. * * * 2194 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ

عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ. الحديث الثاني: (نهى)؛ أي: لأنه لا يُؤمَن أن يُصيبَها آفَةٌ فتَتلَف فيضيعَ مالُ صاحبه، بخلاف ما إذا بَدَا صلاحُها، فإنَّه يُؤمَن من التَّلَف، هذا إذا أُطلق البَيع، أو شُرط فيه التَّبقيَة، فإنْ شُرط القَطْع جاز إجماعًا. (البائع والمبتاع) قيل: لأنَّ البائع يأْكل المالَ بالباطِل، والمُبتاع يُوافقه على أكله حَرامًا، وأيضًا فبصدد أن يُضيِّع مالَه. * * * 2195 - حَدَّثَنَا ابن مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: يَعْنِي حَتَّى تَحْمَرَّ. الثالث: (تزهو) رُوي: (تُزْهي)، وصوَّبها (خ). قال ابن الأثير: منهم من أنكَر: (تُزهِي)، كما أن منهم من أَنكَر: (تَزهُو)، والصَّواب الرِّوايتان على اللُّغتين: زَهَتْ تَزْهُو، وأَزهَتْ تُزهي.

86 - باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها

2196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ سَلِيمِ بن حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن مِينَا، قَالَ: سَمِعْتُ جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ. فَقِيلَ: مَا تُشَقِّحُ؟ قَالَ: تَحْمَارُّ، وَتَصْفَارّ، ويُؤْكَلُ مِنْهَا. الرابع: (تُشْقِح) بضم أوله، وسُكون المعجَمة، وكسر القاف، مِن أشْقَحَت البُسْرة، أي: تغيَّرت إلى الحُمرة أو الصُّفرة، وفي "المُجمَل": تَشْقيح النخل: زُهوُّه، وضبَطه أبو ذَرٍّ بفتح القاف، قال (ع): فإنْ كان هذا فيَجب أن تكون مشدَّدةً، والتاء مفتوحةً، تفعُّلٌ منه. قال (ك): والشُّقْحة لونٌ غير خالصٍ في الحُمْرة والصُّفْرة. * * * 86 - بابُ بَيْعِ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا (باب بَيعْ النَّخْل قبْل أن يَبدُوَ صلاحُها) 2197 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بن الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَناَ حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَعَنِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا يَزْهُو؟ قَالَ: يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارُّ.

87 - باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ثم أصابته عاهة فهو من البائع

(معلى): قال (ك): قال البخاري: إنما كتَبتُ عنه هذا الحديث لمَّا كتبت عنه (¬1)، قالوا: لم يحدِّثْ عنه في "الجامع" بشيءٍ، وإنما حدَّثَ بواسطةِ رجلٍ عنه. (وعن النخل)؛ أي: وعن بَيعْ ثمر النَّخل، وليس تَكرارًا مع ما قبلَه؛ لأن المراد بالأول غير ثمَر النَّخل بقَرينة عطفه عليه، ولأن الزُّهوَّ مخصوصٌ بالرُّطَب. (وما تَزهي) يُقرأ بفتح التاء على الحِكاية، ويحتمل أنْ يقال: وضَع الفِعل موضع المصدر، أي: ما الإزْهاءُ، كقوله: قَالُوا مَا تَشَاءُ فقُلْتُ ألْهُو * * * 87 - بابٌ إِذا بَاعَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، ثمَّ أَصَابَتهُ عَاهَةٌ فَهُوَ مِنَ الْبَائِعِ (باب: إذا باعَ الثِّمارَ قبْل أنْ يَبدُوَ صَلاحُها) 2198 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى ¬

_ (¬1) كذا جاء في الأصول، وفي "الكواكب الدراري" للكرماني (10/ 56): قال البخاري: إنما كتبت عن معلى، لكن هذا الحديث ما كتبت عنه.

تُزْهِيَ. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ. فَقَالَ: "أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ الله الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ". (أرأيت)؛ أي: أخبرْني، أو أَخبروني، وإنما ضمَّت العرب إلى التاءِ كافَ الخِطاب، قال تعالى: {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} [الأنعام: 40]، ومن تَجَرُّده عنها قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43]. واعلم أنَّ هذا مُدرَجٌ في الحديث من قَول أنَس، وقد بيَّنه البخاري بعدُ في الباب السادس، أُطلِق اللَّازم وأُريد المَلْزوم، فهو كِنايةٌ؛ إذ الإخبار مُستلزِمٌ للرُّؤية غالبًا، ومن إطلاق أحَد نَوعَي الطَّلَب على الآخَر حيث استَفْهمَ، وأراد الأمْرَ. (بم يأخذ)؛ أي: لأنه إذا تلِفَت الثَّمرة لا يَبقَى للمُشتري في مُقابَلة ما دفَعه شيءٌ، فيكون البائع أخذَه بالباطل. * * * 2199 - قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ ثَمَرًا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ، كَانَ مَا أَصَابَهُ عَلَى رَبهِ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بن عَبْدِ الله، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تتبايَعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَلاَ تَبيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ". (على ربه)؛ أي: واقعٌ على بائعه مَحسوبٌ عليه.

88 - باب شراء الطعام إلى أجل

(ولا تبيعوا) خُصَّ منه العَرايا، كما سبق. * * * 88 - بابُ شِرَاءِ الطَّعَامِ إِلىَ أَجَلٍ (باب شِراء الطَّعامِ إلَى أجَلٍ) 2200 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بن حَفْصِ بن غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: ذَكَرْناَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ في السَّلَفِ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. (في السَّلَفِ) قال (ك): هو السَّلَمُ، وفيه نظَرٌ؛ فالمراد أعمُّ من ذلك بدليل الحديث، فإنَّه ليس سلَمًا، وسبق شرحه في (شِراء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) أوائل (البُيوع)، وأنَّ اليهوديَّ يُسمَّى: أبا الشَّحْم. * * * 89 - بابٌ إِذَا أَرَادَ بَيْعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ خَيْرٍ مِنْهُ (بابٌ: إذا أَراد بَيعْ تَمْرٍ بتَمْرٍ خَيْرٍ منه) 2201 - و 2202 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بن سُهَيْلِ

ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ " قَالَ: لاَ وَالله يَا رَسُولَ الله! إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَفْعَلْ، بعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا". (رجلًا) هو سَواد بن غَزِيَّة، بفتح المعجمة، وكسر الزاي، وتشديد الياء، الأَنْصاري، وقيل: مالكُ بن صَعْصَعة، حكاه الخَطيب. (جَنِيب) نوعٌ جيِّدٌ من التَّمر معروفٌ. قال (خ): أجْوَد تُمورهم، سُمِّي جَنِيْبًا لغَرابته فيما يُعهد من الثِّمار، كما قالوا: الجَارُ الجُنُب، قاله التَّيْمي. (والصاعين)؛ أي: غير الصَّاعَين اللذَين هما عِوَض الصَّاع الذي هو من الجَنِيْب، وإنما لم يجعل هو الأول مع أنَّ المَعرفة إذا أُعيدت معرفةً كانت عينَ الأول كما ذكره النُّحاة؛ لأن ذلك حيث لا قَرينةَ تقتضي المُغايَرة نحو: {تُؤْتِي الْمُلْكَ} الآية [آل عمران: 26]. (الجمع) نوعٌ رديءٌ من التمور، يُقال: هو أخْلاطٌ رديئةٌ، فسُمِّي جَمْعًا؛ لأنه من أنواعٍ متفرِّقةٍ، وإنما أمرَه - صلى الله عليه وسلم - بذلك لأنه إذا كان صَفْقتَين فلا رِبا فيه بخِلاف الواحدة. * * *

90 - باب من باع نخلا قد أبرت، أو أرضا مزروعة، أو بإجارة

90 - بابُ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبرَتْ، أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً، أَوْ بِإِجَارَةٍ (باب مَن باعَ نخلًا قد أُبرَت)، بضم الهمزة، وكسر الموحدة (¬1) مخففةً ومشددةً. والإِبَار، أو التَّأْبير: هو أن يُشَقَّ طَلْع الإناث ويُؤخَذ من طَلْع الفَحْل، ويُنزل بين ظَهرانيَه، فيكون ذلك صلاحًا بإذن الله تعالى. (أو بإجارة)؛ أي: أو أخذ بإجارةٍ، ليكون ذلك عطْفًا على (باعَ). 2203 - قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: أَخْبَرَناَ هِشَامٌ، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن أَبي مُلَيْكَةَ يُخْبرُ عَنْ ناَفِعٍ مَوْلَى ابن عُمَرَ: أَنَّ أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبرَتْ لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَرُ، فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ. سَمَّى لَهُ ناَفِعٌ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَ. الحديث الأول: (وقال لي إبراهيم) كذا وقَع في طريق أبي ذَرٍّ، ولم يقُل: حدَّثني؛ لأنه ذكَره له على سَبيل المُحاوَرة، وهو إبراهيم بن مُوسَى الفَرَّاء. ¬

_ (¬1) في الأصل: "الهمزة".

(لم يذكر الثَّمَر)؛ أي: والحال أنهم لم يَتعرَّضوا للتَّمْر بأن أطلقوا؛ إذ لو اشتَرطُوه للمُشتري كان له لا للبائع الذي أبَّرَها، وفي حُكم تأبُّرِهِا أن تتشقَّق، فالمراد بالتَّأْبير هو الظُّهور كيف كان. (وكذلك العبد)؛ أي: إذا بِيْعت الأُم الحامِل ولها ولَدٌ رقيقٌ منفصِلٌ، فهو للبائع، وإنْ كان جَنينًا لم يَظهر بعدُ فهو للمُشتري، هذا المُناسِب لمَا في الحديث من الثَّمَرة، ويحتمل: أن العبد إذا بِيْعَ وله مالٌ على رأي مَن يقول: إنَّه يَملِك؛ فإنه للبائع، وقد ثبَت في الحديث أنَّ: "مَن ابتاعَ عبدًا وله مالٌ؛ فمالُه للبائع إلا أنْ يَشترط المُبْتَاعُ". قال البَغَوي: إضافة المال للعبد مجازٌ، كسَرْج الفَرَس بدليل: (فمالُه للبائِع)؛ إذ لا يصحُّ أن يكون مِلْكًا لكلٍّ منهما في حالةٍ واحدةٍ، فالإضافة للعبد مجازٌ بمعنى الاختِصاص، وإلى السيِّد حقيقةٌ. (والحرث)؛ أي: الزَّرْع، فإنَّه للبائع إذا باع الأرضَ المزروعةَ. (الثلاث)؛ أي: الثَّمَر، والعَبْد، والحَرْث، وذلك موقوفٌ على نافِع. * * * 2204 - حَدّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ بَاعَ نَخْلًا قدْ أُبرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ".

91 - باب بيع الزرع بالطعام كيلا

الحديث الثاني: (قد أُبرَت) سبَق معناه. قال (خ): هو كالولَد المُجْتَنِّ في بطن الحامِل إذا بِيْعت كان الحَمْل تبَعًا لها، فإذا ظهَر تميَّز حُكمه عن والدته. قال: وفي معنى المُؤبَّر كلُّ ثمرٍ بارزٍ يُرى في الشَّجَر كالعِنَب والتُّفَّاح إذا بِيْعَ الشَّجَر لا يدخُل إلا أن يُشترط، ومثلُه الزَّرع القائم في الأرض إذا بِيْعت الأرض. (لا أن يشترط المُبْتَاع)؛ أي: المُشتري، أي: ويُوافقُه البائع على شَرطها، فيكون للمُشتري، والمراد أنْ يَشترطه للمُشتري وإنْ كان اللَّفْظ مطلقًا، إلا أنَّ تحقيق الاستثناء يُبين المُراد، وأيضًا لفْظ الافْتِعال يدلُّ عليه، يُقال: كسَبَ لعِياله، واكتسَبَ لنفْسه. ووجه دلالة الحديث على القَبْض المذكور في التَّرجمة في بعض النسخ أنَّ معناه: أن قَبْض المشتري للنَّخْل صحيحٌ وإنْ كان ثمر البائع عليه، أو معناه أن للبائع أن يقبض ثمر النَّخل إذا كان تقديرًا. * * * 91 - بابُ بَيْعِ الزَّرْعِ بِالطَّعَامِ كَيْلًا (باب بَيْع الزَّرع بالطَّعام كَيْلًا) 2205 - حدثنا قُتَيْبَةُ، حدَّثنا الليْثُ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -

92 - باب بيع النخل بأصله

قَالَ: نهى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُزَابنةِ؛ أَنْ يَبيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبيعَهُ بِزَبيبٍ كَيْلًا، أَوْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. (أن يبيع) هو بدَلٌ من المُزَابنة، والشُّروط تفصيلٌ له، ويُقدَّر جزاء الشَّرط الثاني: نهى أن يَبيعه؛ لقَرينة السِّياق، وكذا يقدَّر جزاء الشَّرط الأول. (وإن كان كَرْمًا) يحتمل أنه قبْل النَّهي عن تسمية العِنَب كَرْمًا، فيكون مَنْسوخًا. (أو كان زرعًا) هذا مُحاقَلَةٌ، ولكنْ أُطلق عليه هنا مُزابنة تَغليبًا، أو تشبيهًا. * * * 92 - بابُ بَيْعِ النَّخْلِ بِأَصْلِهِ (باب بَيْع النَّخْل بأصْله)؛ أي: ثمر النَّخْل مع النَّخْل. 2206 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلًا ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا، فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ".

93 - باب بيع المخاضرة

(أصلها) الضَّمير عائدٌ إلى النَّخْل، فإنَّه قد تُؤنَّث نحو: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق:10]، والإضافة بَيانيَّةٌ، أي: الأصل التي هي النَّخل، نحو: شَجَر الأَراكِ، إلا أنَّ المراد: أَصْلُ النَّخلِ الأرضُ. * * * 93 - بابُ بَيْعِ الْمُخاَضَرَةِ (باب بَيْع المُخَاضَرَةِ)، بخاءٍ، وضادٍ معجَمتين: مُفاعَلة من الخُضْرة؛ لأنهما تَبايَعا (¬1) شيئًا أخْضَر، أي: بَيعْ الثِّمار وهي خُضْرٌ لم يَبدُ صلاحُها كالأَرطاب، والبُقول، وأشباهها. 2207 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بن يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بن أَبي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَنسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَةِ، والمُلامَسَةِ، والمُنابَذَةِ، والمُزَابنةِ. الحديث الأول: (المحاقلة) بالمهملَة، والقاف: بَيعْ الزَّرع في سُنْبله بالحَبِّ الصَّافي، ¬

_ (¬1) في الأصل: "يتبايعا".

94 - باب بيع الجمار وأكله

والبواقي: تقدَّم شرح المُخاضَرة في الترجمة، والثلاثة قريبًا. * * * 2208 - حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا إسْماعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عنْ حُمَيْدٍ، عنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى تَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ الله الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟! الثاني: (ثَمَر التمر) لعلَّ الثانية بالمثنَّاة، وأُضيفت المثلَّثة إليها مَجازًا. (بم يستحل) سبَق معناه: أنَّ تلَفهُ لا يحصل للمُشتري شيءٌ، فيأكل البائع المالَ بالباطِل، وإنما اختصَّ ذلك بما قبْل الزُّهوِّ مع إمكان تلَفه بعده: أنَّ ذاك أكثَر وأغلَب وأسرَع. * * * 94 - بابُ بَيْعِ الْجُمَّارِ وَأَكْلِهِ 2209 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بن عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا، فَقَالَ: "مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ كَالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ"، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ. فَإذَا أَناَ أَحْدَثُهُمْ، قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ".

95 - باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة

(باب بَيْع الجُمَّار وأكْله) بضم الجيم، وتشديد الميم: شَحْم النَّخْل، وإنما تَرجَم على بيعه وأكله، وإنْ كان لا يُحتاج في إثباته لدليلٍ خاصٍّ كغَيره من المُباحات لنَفْي تخيُّل أنَّ تَجمير النَّخْل إفسادٌ للمال، وتَضييعٌ له، أو لأنه يُستثنى من بَيْع التَّمر قبل زُهوِّه. (أحْدَثَهَم)؛ أي: أصغَرهم سِنًّا، فمعنى ذلك: أن أتقدَّم على الأكابر وأتكلَّم بحُضورهم. ووجه دلالة الحديث على جَواز بيع الجُمَّار جَواز أكله، أو لعلَّ الحديث مختصرٌ مما فيه ذلك، أو غرَضه الإشارة إلى أنَّه لم يجد حديثًا يدلُّ عليه بشرطه. * * * 95 - بابُ مَنْ أَجْرَى أَمْرَ الأَمْصَارِ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ في الْبُيُوعِ وَالإِجَارَةِ وَالْمِكْيَالِ وَالْوَزْنِ وَسُنَنِهِمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَمَذَاهِبهِمِ الْمَشْهُورَةِ وَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْغَزَّالِينَ: سُنَّتُكُمْ بَيْنَكُمْ رِبْحًا. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ: لاَ بَأْسَ الْعَشَرَةُ بِأَحَدَ عَشَرَ، وَيَأْخُذُ لِلنَّفَقَةِ رِبْحًا. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِهِنْدٍ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ".

وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}. وَاكْتَرَى الْحَسَنُ مِنْ عَبْدِ الله بن مِرْدَاسٍ حِمَارًا، فَقَالَ: بِكَمْ؟ قَالَ: بِدَانَقَيْنِ. فَرَكبَهُ، ثُمَّ جَاءَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: الْحِمَارَ الْحِمَارَ. فَرَكبَهُ، وَلَمْ يُشَارِطْهُ، فَبَعَثَ إلَيْهِ بنصْفِ دِرْهَمٍ. (باب مَن أَجرَى أَمْر الأمْصَار) (وسنتهم) عطفٌ على: (ما يَتعارَفُون)، أي: طريقتهم الثَّابتة، والتَّقدير بأنَّ مَن أجرَى أهالي الأمْصَار على عُرفهم، وقُصودهم، وعَوائدهم. (للغزالين)؛ أي: البَيَّاعين للمَغْزُولات. (سنتكم) نصبٌ بنحو: الْزَموا، أو رفيعٌ بالابتداء، أي: عادتُكم معتبرةٌ بينكم في معاملاتكم. (المعتبرة) بالرفع والنصب، أي: إذا كان عُرف البلَد أن المُشتري بعشرة دراهم يَبتاع بأحد عشَر فيَبيعه على ذلك العُرف فلا بأسَ به، ويأْخذ لأجل النفقة رِبْحًا. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) هو طرَفٌ من حديث عائشة، وذكره البخاري في هذا الباب (في النفقات). (لهند) بالصَّرْف وتَرْكه، وهي أُم مُعاوية. (بِدَانقَيْن) الدَّانَق بفتح النون وكسرها: سُدُس الدِّرهم.

(الحِمَارَ) بالنصب، أي: هاتِ الحِمَار، أو أطلبُ الحِمَارَ، أو أُريدُ، وبالرفع، أي: المَطلوب، أي: فلم يُشارِطْه اعتمادًا على العادة في أُجرته. (بنصف)؛ أي: زادَه على العادة دَانَقًا آخَر كَرَمًا ومُسامَحةً. * * * 2210 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: حَجَمَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. 2211 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: قَالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا؟ قَالَ: (خُذِي أَنْتِ وَبنوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ). الحديث الأول: (أبو طَيْبة) بفتح المهملَة، وسُكون الياء، ثم موحَّدة: نافِع، سبق حديثه قريبًا. (وبنيك) يجوز رفعه ونصبه على المفعول معه. قال (ك): وعَطْفًا، وفيه نظر؛ فلم يتقدَّم منصوبٌ، ولا مخفوضٌ.

قال: ومقتضى المَقام أن يُقال: وما يَكفي بنيْكِ، أو ما يكفيكُم، ولكنَّ التقدير: ما يكفيكِ لنَفْسك ولبنيك، فاقتصَر عليها؛ لأنها الكافِلَة لأمورهم، وهذا الذي قالَه - صلى الله عليه وسلم - كان فُتْيا لا حُكمًا؛ لأن أبا سُفيان كان بمكَّة والقَضيَّةُ فيها. قلتُ: على ما في المسألة من اضطِرابٍ في أنه حُكم أو فَتْوى. وفيه نفقة الزوجة والأولاد الصِّغار، وأنها مُقدَّرةٌ بالكِفاية، وسَماع كلام الأجنبيَّة عند الإفتاء، وذِكْر الإنسان بما يَكرَهُ للحاجة، وأخْذ الحقِّ من مال الغَريم بغير إذْنه، وتعليق الفَتْوى بما يقولُه المُستفتي، وأنَّ للمرأة مَدْخَلًا في كفالة أولادها، واعتِماد العُرف فيما ليس فيه تحديدٌ شرعيٌّ، وخروج المتزوِّجة من بَيتها لحاجتها إذا عَلِمَتْ رضا الزَّوج به. * * * 2212 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا ابن نُمَيْرٍ، أَخْبَرَناَ هِشَامٌ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بن فَرْقَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بن عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا تَقُولُ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} أُنْزِلَتْ في وَالِي الْيَتِيمِ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ، وَيُصْلِحُ في مَالِهِ، إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ. الحديث الثاني: (إسحاق) قال الغَسَّاني: لم أجده مَنْسوبًا لأحدٍ من الرُّواة.

96 - باب بيع الشريك من شريكه

(والي اليتيم)؛ أي: الذي يَلي أمرَه. (الذي) كالتَّعريف له. (ويقوم) في بعضها: (يُقِيْم) أي: يعتكف عليه، ويُلازمه، ويُقيم نفسَه عليه. * * * 96 - بابُ بَيْعِ الشَّرِيكِ مِنْ شَرِيكِهِ (باب بَيْع الشَّريك مِن شَريكه) 2213 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -: جَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الشُّفْعَةَ في كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ. (فإذا وقعت الحدود)؛ أي: صارتْ مَقسومةً غير مُشاعةٍ. (وَصُرِّفَت) بتشديد الراء وتخفيفها. ففيه أنَّ الشُّفعة لا تكون إلا في العَقار، وأنه لا شُفعةَ للجَارِ، قال (خ): لأنها لنَفْي الضَّرر، ولا ضررَ على الجار، فلا وجْه لنَزْع المِلْك عنه. * * *

97 - باب بيع الأرض والدور والعروض مشاعا غير مقسوم

97 - بابُ بَيْعِ الأَرْضِ وَالدُّورِ وَالْعُرُوضِ مُشَاعًا غَيْرَ مَقسُومٍ (باب بَيْع الأَرض والدُّور) بالهمز، وتركه، (والعروض) بضادٍ معجمةٍ، (مشاعًا) كأن القياس: مُشاعةً، إلا أن المُشَاع صار كالاسم، وقُطِع النَّظَر فيه عن الوصْفيَّة، واعتُبر المذكور، أو كلُّ واحدٍ. 2214 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ: قَضَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ في كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ. 2214 / -م - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بِهَذَا وَقَالَ: فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ. تَابَعَهُ هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: في كُلِّ مَالٍ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. الحديث الأول، والثاني: (في كل ما لم يُقسم) والحديث الثاني: (في كلِّ مالٍ) عامٌّ مخصوصٌ؛ إذ المراد العَقار المحتمِل للقِسْمة، وهذا كالإجماع إلا ما شذَّ به عَطاء من إجراء الشُّفعة في كل شيءٍ حتى في الثَّوب، وأما

98 - باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي

ما لا يحتمِل القِسْمة كحَمَّام ونحوه، فلا شُفْعةَ فيه؛ لأنه بقِسمته يَبطُل، والمَنفَعة تَضيع، وسيأتي بَسْط ذلك وشرح الأحاديث قَريبًا في (باب: الشُّفعة). (تابعه هشام) وصلَه البخاري في (باب ترك الحِيَل). (قال عبد الرزاق) وصلَه قبل هذا ببابٍ. (رواه عبد الرحمن) هو في "مسند مُسَدَّد". قال (ك): الفرق بين هذه الأساليب الثلاثة أن المُتابَعة أن يَروي الراوي الآخرُ الحديثَ بعينه، والرِّواية أعمُّ منها، والقَول إذا كان على سبيل المُذاكَرة. * * * 98 - بابٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضيَ (باب: إذا اشتَرى شيئًا لغَيره بغَير إذْنه) 2215 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَرَجَ ثَلاَثَةٌ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ، فَدَخَلُوا في غَارٍ في جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ. قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا الله بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ. فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللهمَّ! إِنِّي كَانَ لِي

أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالْحِلاَبِ، فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجئْتُ فَإِذَا هُمَا ناَئِمَانِ، قَالَ: فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبيْةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبي وَدَأْبَهُمَا، حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، اللهمَّ! إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. قَالَ: فَفُرِجَ عَنْهُمْ. وَقَالَ الآخَرُ: اللهمَّ! إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بناتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ. فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتِ: اتَّقِ الله، وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً. قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ. وَقَالَ الآخَرُ: اللهمَّ! إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ، فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الله! أَعْطِنِي حَقِّي. فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا، فَإِنَّهَا لَكَ. فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ. اللهمَّ! إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا. فَكُشِفَ عَنْهُمْ". (عليهم)؛ أي: على بابِ غارِهم. (أبوان) أبٌ وأمٌّ، فغُلِّب في التَّثنية.

(بالحِلاب) بكسر الحاء المهملة،، أي: المَحْلَب، وهو الإناء الذي يُحلَب فيه، والمراد هنا اللَّبن المَحلوب فيه كالخِرَاف لمَا يُختَرَف. (وأهلي) المراد به هنا الأقارب كالأخ، والأُخت. (يتضاغون) بمعجَمتين: يَتفاعَلون من الضُّغَاء، وهو الصِّياح بالبُكاء، وقدَّم الأبوَين مع أن نفَقة الولَد مقدَّمةٌ؛ إما لأنه كان في شَرْع أُولئك تقديم نفَقة الأُصول، أو كانوا يَطلبون الزَّائد على سَدِّ الرَّمَق، أو لم يكُن الصِّياح من الجُوع. (دأبي ودأبهما)؛ أي: شأني وشأنهما، ويجوز فيها الرفع والنَّصب، اسم زَالَ، أو خبرها، كما في قوله تعالى: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء: 15]. (ابتغاء وجهك) منصوبٌ على أنه مفعولٌ لأجله، والمراد من الوجه: الذَّات، ويحتمل أن يُراد به جِهَة التقرُّب إليك، أي: أَطلُب رضاك. (فُرْجَة) بضم الفاء والفتح. (ففرج)؛ أي: بقدر ما دعا، وهي التي بها يَرى السماء. (كَأَشَدِّ) الكاف زائدة، أو أُريد تَشبيه محبَّته بأشدِّ المَحبَّات. (تفض) بفتح الضاد وكسرها. (الخاتم) بكسر التاء وفتحها: كنايةٌ عن بَكارتها.

(بحقه)؛ أي: بالنِّكاح، أي: لا تُزِلْ بَكارتي إلا بحلالٍ. (بِفَرَق) بفتح الراء وإسكانها: مِكْيالٌ معروفٌ يسَع ثلاثة آصُعٍ. (ذُرَة) بذالٍ معجمةٍ مضمومةٍ، وراءٍ مخفَّفةٍ، وجواب الشَّرط الأول محذوفٌ دلَّ عليه جواب الثاني، أو الشَّرط الثاني تأكيدٌ للأول. وفيه نَدْب الدُّعاء حالَ الكَرْب، والتوسُّلُ بصالح العمَل إلى الله تعالى كما في الاستِسقاء، وفَضْل بِرِّ الوالدَين، وخدمتهما، وإيثارهما على غيرهما من زوجةٍ وولدٍ، وفضْل العَفاف، والانكِفاف عن المُحرَّمات لا سيَّما بعد القُدرة، وجوازُ الإجارة بالطَّعام، وفضْل أداء الأمانة، وإثبات كرامات الأَولياء. أما دلالته على جَواز بَيْع الفُضولي فيُبنى على أنَّ شَرع مَن قبْلَنا حُجَّةٌ لنا أو لا، بل ولو قُلنا: حُجَّةٌ؛ فيحتمل أنه استأجَره بفَرَقٍ في الذِّمة، ولم يُسلِّمه إليه، بل عرضه عليه فلم يقبضه لرداءَته، فبقِيَ على مِلْك المستأجِر؛ لأنَّ ما في الذِّمة لا يتعيَّن إلا بقبضٍ صحيحٍ، فتصرُّف المُستأجِر صحيح؛ لأنه تصرَّف في مِلْكه، سواءٌ اعتدَّه لنفْسه أو للأَجير، ثم تبرَّع بما اجتمَع منه على الأجير بتراضيهما. قال (خ): إنما تطوَّع به وتقرَّب إلى الله تعالى، ولذلك توسَّل به في الخَلاص، ولم يكُن يَلزمه في الحكم إلا الفَرَق الذي استأجره عليه. * * *

99 - باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب

99 - بابُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ (باب الشِّراء أو البَيع مع المُشرِكين وأهل الحَرْب) في بعضها: (أهل) بلا واو؛ بدَلٌ، أو بَيانٌ. 2216 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بن سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ " أَوْ قَالَ: "أَمْ هِبَةً؟ " قَالَ: لاَ بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. (مُشْعَانٌّ) بضم الميم، وسكون المعجَمة، وإهمال العين، وبالنُّون المشدَّدة: مُنتفِش الشَّعر مُتفرِّقُه. قال الجَوْهَري: اشْعَانَّ شَعْرُه اشعِينانًا، فهو مُشْعَانٌّ: إذا كان ثائرَ الرَّأْس أشْعَث. (بيعًا) نصبٌ على المصدر، أي: أبيع بَيْعًا، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: أهذه بَيْعٌ. (بل بيع)؛ أي: هو بَيْعٌ، وأُطلق البيع عليه باعتبار العاقِبة. وفيه جواز بيع الكافر، وإثبات يَدِه ومِلْكه على ما في يَدِه، وجواز قَبول الهديَّة. * * *

100 - باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه

100 - بابُ شِرَاءِ الْمَمْلُوكِ مِنَ الْحَرْبيِّ وَهِبَتِهِ وَعِتقِهِ وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِسَلْمَانَ: كَاتِبْ. وَكَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ. وَسُبيَ عَمَّارٌ، وَصُهَيْبٌ، وَبلاَلٌ، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}. (باب شِرَاءِ المَمْلُوك من الحَرْبي) (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسَلْمان) رواه أحمد، والطَّبَراني، وغيرهما، وهو بهذا اللَّفْظ في ابن حِبَّان. (كاتب)؛ أي: اشتَرِ نفْسك بنجْمَين فأكثر. (وكان حرًّا)؛ أي: في الأصل قبْل أن يَظلِموه، والجُملة حالٌ مِنْ (لسَلْمان)، وذلك أنه كان هرَبَ من أبيه لطلَب الحقِّ، وكان مجوسيًّا، فلَحِق براهبٍ، ثم براهبٍ، ثم بآخر بعد مَوت كلٍّ منهم، حتى دلَّه الأخير على الحِجَاز، وأخبرَه بظهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقصَدَه مع بعض الأعراب فغَدَرُوا به، فباعُوه في وادي القُرى ليهوديٍّ، ثم اشتراه يهوديٌّ آخر من بني قُريظة فقدم به المدينةَ، فلمَّا قدمها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ورأَى علامات النُّبوَّة أسلَمَ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كاتِبْ عن نَفْسِك). قال (خ) (¬1): قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كاتِبْ) وهو خبر بمعنى: أوجِدْ صُورة ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل و"ب".

الكتابة لا حقيقتَها، أي: افْدِ نفْسَك وتخلَّصْ. قلتُ: إذا قهَر حربيٌّ حربيًّا ملَكه؛ لأن استيلاءَهم عليه وظُلمه بالبَيع كان قبْل مجيئه وإسلامه، فالكتابة (¬1) صحيحةٌ، وهو أول مكاتَبٍ في الإِسلام ذُكِر، وبَرِيْرة من الإناث. (وسبي)؛ أي: أُسِرَ. (وصهيب)؛ أي: وسبي صُهيب، وقد أشار إليه البخاري في هذا الباب، وكان رُوميًّا، ومنازِل قَومه بالموْصِل، فأغارتْ الرُّوم على ناحيتهم، فسبت صُهيبًا وهو صغيرٌ، فابتاعته كَلْبٌ، فقدِمَتْ به مكة، فاشتراه ابن جُدْعان فأعتقَه. (وبلال) ذكر قصَّة سَبْيه عبد الرَّزَّاق في "مصنَّفه"، ومُسَدَّد في "مُسنده"، وأبو نُعيم في "الحِلْية" بألفاظٍ مختلفةٍ، اشتراه الصدِّيق. * * * 2217 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فَيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ، أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابرَةِ، فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ، هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ! مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي. ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: لاَ تُكَذِّبي حَدِيثِي؛ فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أنَّكِ أُخْتِي، ¬

_ (¬1) في الأصل: "الكتاب"، والمثبت من "ف" و"ب".

وَالله إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ. فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فَقَالَتِ: اللهمَّ! إِنْ كنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي، فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ. فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ". قَالَ الأَعْرَجُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتِ: اللهمَّ! إِنْ يَمُتْ يُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ. فَأُرْسِلَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي، وَتَقُولُ: اللهمَّ! إِنْ كنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي، فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ هَذا الْكَافِرَ، فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَتِ: اللهمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ، فَأُرْسِلَ في الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: وَالله مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلَّا شَيْطَانًا، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ. فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ الله كَبَتَ الْكَافِرَ، وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً؟! الحديث الأول: (سارة) وقيل: فيها التَّشديد أيضًا، وهي أُم إسحاق، إسحاق أصغَر من إسماعيل بأربع عشرة سنةً. (قرية) قيل: مصر، وقال ابن قُتَيبة في "المَعارِف": هي الأُرْدُنُّ. (ملك) اسمه صادُوق، وقال ابن هشام في "التِّيجان": إنه عمرو

ابن امرئ القَيْس، كان إذ ذاك ملِك مصر، قاله السُّهَيلي، وقيل اسمه: سُفيان بن علوان. (أُختي)؛ أي: في الدِّين، أو أراد واحدةً منا، ففي "الكشاف" في: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28]، أنه كما يُقال: يا أخا مِهْران، أي: واحدٌ منهم، أو جازَ لإبراهيم ذلك؛ لأن مثْلَه جائزٌ لدفْع أعظم الضررَين بأهونهما، كما لو طلَب ظالمٌ وديعةً يأْخذُها غَصْبًا، فإنه يجب الإنكار والإخبار بأنه لا يَعْلَمُ موضعَها، نعَمْ، قوله: (أُختي) إنما كان دفْعًا للظالم عن أخْذها لمَا عَلم من دينه أنه لا يتعرَّض إلا لذَوات الأزواج، أو أنه إذا عَلِم أنها زوجته يُلزمه بطلاقها، أو يقتلُه حرصًا عليها. قال (خ): فيه أن مَن قال لامرأته: أنت أُختي، ولا يُريد طلاقها لا يكون [طلاقًا]، أو مثل أُختي ولا يُريد الظِّهار لا يكون ظِهارًا. (إن على الأرض) نافية بمعنى (ما). (وغيرك) في بعضها: (غيرك) بدلًا من المَحَلِّ، وفي بعضها: (مَن مؤمنٌ) بكلمة مَن الموصولَة، وصَدْرُ صِلَتها محذوفٌ. (إن كنت آمنت بك) هي قاطعةٌ بإيمانها، فليس ذلك للشَّكِّ، بل على سَبيل الفرض هضمًا لنفسها. قلت: الأحسن أن هذا تَرَحُّمٌ وتوسُلٌ بإيمانها لقَضاء سُؤلها. (فَغُطَّ) بضم المعجمة، وتشديد المهملة، أي: خُنِقَ وصُرِعَ حتى سُمع له غَطِيْط.

(وركض)؛ أي: حرَّك رجْلَه وضرَب بها الأرض. (عبد الرحمن)؛ أي: الأعْرَج. (يقل) في بعضها: (يُقال) إما لأن الفتحة أُشبعت ألفًا، وإما على حَدِّ قراءة: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78] بالرفع، وقد قال الزَّمَخْشَري: فيه أنَّه بتقدير الفاء، ويجوز أن يُقال: حمل على ما يقَع موقِع: {أَيْنَمَا تَكُونُوا}، وهو أينما كُنتم، كما حُمل: (ولا ناعِب) على ما يقَع موقع مُصلِحين، وهو لمصلحين في قول الشاعر: مَشَائِمُ لَيسُوا مُصلِحينَ عَشِيرةً ... ولا ناعبٍ إلا ببَينِ غُرابهَا قال: وهو قول سيبويَهِ. (شيطانًا)؛ أي: متمرِّدًا من الجِنِّ، وكانوا يَهابون الجِنَّ ويُعظِّمون أمرهم. (أرجعوها)؛ أي: رُدُّوها، فهو متعدٍّ ولازمٌ. (آجَر) بهمزةٍ ممدودةٍ، وجيمٍ مفتوحةٍ، ويُقال: أَصْلُه: هاجَر، فأُبدلت الهاء همزةً، وهي جارية نبَطية هي أم إسماعيل. (كبت)؛ أي: صرَفه وأذلَّه وردَّه خائبًا خاسرًا. (وأخدم)؛ أي: مكَّن من الخِدْمة. (وليدة)؛ أي: جاريةً بالتَّمليك.

ففيه جواز اتِّهاب المسلم من الكافر، وقَبول هديَّة السُّلطان الظَّالم. * * * 2218 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بن أَبي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بن زَمْعَةَ في غُلاَمٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ الله ابن أَخِي عُتْبَةَ بن أَبي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أنَّهُ ابنهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بن زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ الله، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبي مِنْ وَلِيدَتِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ! الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بنتَ زَمْعَةَ! ". فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ. الحديث الثاني: (زَمْعة) بفتح الزاي، والميم، وسكونها، وبالمهملة. (أخي)؛ أي: عُتْبة، وسبَق شرح الحديث في أوائل (البيع)، في (باب: تفسير المشبهات). ووجه دلالته على التَّرجمة: ثُبوت الولَد لزَمَعة وأُمه مُستولَدةٌ. * * * 2219 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ

سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ - رضي الله عنه - لِصُهَيْبٍ: اتَّقِ الله وَلاَ تَدَّعِ إِلَى غَيْرِ أَبيكَ. فَقَالَ صُهَيْبٌ: مَا يَسُرُّنِي أَن لِي كَذَا وَكَذَا، وَأنِّي قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي سُرِقْتُ وَأَناَ صَبيٌّ. الثالث: (يدعِي) بإشباع كسرة العين ياءً، وفي بعضها: (لا يَدَّعِ)؛ أي: يَنتسِب. (ذلك)؛ أي: الادعاء إلى غير الأب، وأبوه هو سُفيان بن مالك. (سُرِقتُ)؛ أي: فصار لساني كلسان الأعاجم، قال له عُمر: إنَّك تَنتسِب عربيًّا، ولسانُك أعجميٌّ، فقال: أنا من النَّمر بن قاسط، وإنَّ الرُّوم سبَتْني صغيرًا، فأخذتُ لسانهَم. ووجه دلالته على الترجمة تتمَّة القِصَّة، وهو أن كَلْبًا بتاعته من الرُّوم، فاشتراه ابن جُدْعان، فأَعتقَه. 2220 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ حَكِيمَ بن حِزَامٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيْتَ أُمُورًا كنْتُ أتحَنَّثُ -أَوْ: أتحَنَّتُ بِهَا- في الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ".

101 - باب جلود الميتة قبل أن تدبغ

الرابع: (أتحنث) بالحاء المهملة، والنون، والثاء المثلَّثة، أي: أتجنَّبُ الحِنْثَ، وهو الإثم. (أو أتحنت)؛ أي: بالمثنَّاة بدَل المثلَّثة، قيل: كلاهما بمعنًى. قال (ش): قال (ع): المثنَّاة غلَطٌ من جهة المعنى، وإن كانت الرواية صحيحةً، والوهم من شيوخ البخاري بدليل قوله في (كتاب الأدب): ويُقال أيضًا عن أبي اليَمَان: الحنتُ، وكذا في (البيوع) عن أبي اليمان: الحنت، أو الحنث على الشَّك، والصحيح الذي رواه الكافَّة بمثلَّثةٍ، ويُروى بالجيم، والنون، والموحَّدة، أي: أتجنَّبُ الإثْمَ، وروي في (الفتن)، وفسر الحنث بها بمعنى: أتبَرَّر بها. (على ما سلف)؛ أي: مع ما سلَف، أومتعليًا عليه. 101 - بابُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ (باب جُلود المَيْتة قبل أن تُدْبَغَ) 2221 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن شِهَابٍ: أَنَّ عُبَيْدَ الله بن عَبْدِ الله

102 - باب قتل الخنزير

أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِشَاةٍ ميِّتَةٍ فَقَالَ: "هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهابهَا؟ " قَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ. قَالَ: "إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا". (بإهَابها) هو الجِلْد قبْل الدِّباغ. * * * 102 - بابُ قَتلِ الْخِنْزِيرِ وَقَالَ جَابرٌ: حَرَّمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْعَ الْخِنْزِيرِ. (باب قتْل الخِنْزير) حديث جابر سيأْتي مَوصولًا. * * * 2222 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنِ ابن الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ". (بيده) من المُتَشابه، وفيه المذهبان المشهوران: التَّفويض، والتَّأْويل.

103 - باب لا يذاب شحم الميتة، ولا يباع ودكه

(ليوشكن)؛ أي: ليَقربن نُزوله. (مقسطًا) من أقْسَطْ، أي: عدَل بخلاف: قسَطَ، أي: ظَلَم. (يكسر الصليب) بفتح المهملة، أي: يُبطل شريعة النَّصارى. (ويقتل الخنزير)؛ أي: يحرِّم أكلَه، فيَقتله فيُفنيه. (ويضع الجزية)؛ أي: عن دينهم، أي: يحمل اليَهود والنَّصارى على الإِسلام، فتَسقُط الجزية، وقيل: يَضربُها ويُلزمها للنَّصارى، وقيل: لا يَقبلُها لاستغناء الناس عنها بما أخرجَت الأرض من الأموال. (ويفيض)؛ أي: يكثُر ويتَّسِع. * * * 103 - بابٌ لاَ يُذَابُ شَحْمُ الْمَيْتَةِ، وَلاَ يُبَاعُ وَدَكُهُ رَوَاهُ جَابرٌ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (بابٌ: لا يُذابُ شَحْم المَيْتة) 2223 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ: أَنَّهُ سَمِعَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ فُلاَنًا بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ: قَاتَلَ الله فُلاَنًا، ألمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَاتَلَ الله الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا"؟!

2224 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ يُونُس، عَنِ ابن شِهَابٍ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بن الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَاتَلَ الله يَهُودَ؛ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أثْمَانَهَا". (فلانًا) هو سَمُرَة بن جُنْدُب، ثم قيل: إنَّه كان يخلِّلُها ويبيعها، فيحتال، فلهذا ذكر عمر جَمْل الشُّحوم؛ لمَا فيه من التحيُّل على البيع. قال (خ): وإلا فكيف يجوز على مِثل سَمُرَة أنْ يَبيعَ عَين الخَمْر، وقد شاعَ تحريمها. قلتُ: وقد حكَيتُ في "شرح الزهر" في عُذره قَولين آخرين: أن يكُون باعَ العَصير ممن يتخِذُه خَمرًا ظانًّا حِلَّ ذلك، وأنه كان يأخذُ من أهل الذِّمة الخمر في الجِزية على ظَنِّ أنه يُجزئ، ويبيع ذلك، وبيَّنت أن تفسيره بِسَمُرَة رواه مسلم وغيره. (قاتل) قيل: بمعنى قتَلَهم فأُخرج في صورة المُبالغة، أو عبَّر عنه بما هو مسبَّبٌ عنه، فإنهم لمَّا اختَرعوا من الحِيَل انتصَبوا لمُحاربة الله ومقاتلته، ومن قاتلَه قتلَه. وقيل: بمعنى عاداهم، وقيل: بمعنى لعنَهم، وأبعدَهم. (اليهود) في بعضها: (يَهُود) علَمٌ على القَبيلة المعروفة، فيُمنع من الصَّرْف، وإذا كان باعتبار الحَيِّ ينصرف، وقد تدخلُه اللام نحو: الحسَن.

104 - باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك

(جملوها) بالجيم، وتخفيف الميم، أي: أَذَابُوها، والجَمْل: الشَّحم المُذاب، وفيه لغةٌ أُخرى: أَجملوها. قال (ك): وجه استدلال عُمر به على حُرمة فعْله القياسُ على فعلهم، والمراد ما يُذاب للبَيع، أما المُذاب للاستِصباح، فليس بحرامٍ؛ لأن الدُّعاء عليهم إنما رُتِّب على المجموع. وفيه إبطال الحِيَل إلى فِعْل المُحرَّمات، وأنَّ الشيء إذا حَرُم عينُه حَرُم ثمنه. (قال أبو عبد الله: قاتلهم الله: لعنهم) هو تفسيرٌ لـ (قاتَلَ) في اليهود لا لـ (قاتَلَ) الواقِع من عمر في حقِّ فُلانٍ، فسقط سُؤال (ك): كيف جوَّز عُمر لَعْنَهُ على تفسير البخاري إياه باللَّعن؟ وجوابه بأن المراد التَّغليظ. * * * 104 - بابُ بَيْعِ التَّصَاوِيرِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رُوحٌ، وَمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ (باب بَيعْ التَّصاوير)؛ أي: المُصوَّرات. 2225 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، أَخْبَرَناَ عَوْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبي الْحَسَنِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابن

عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - إِذْ أتاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ! إِنِّي إِنْسَانٌ، إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ. فَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإنَّ الله مُعَذِّبُهُ، حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بنافِخٍ فِيهَا أَبَدًا". فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْء لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: سَمِعَ سَعِيدُ بن أَبي عَرُوبَةَ مِنَ النَّضْرِ بن أَنَسٍ هَذَا الْوَاحِدَ. (بنافخ) بإعجام الخاء، أي: لا يُمكنه النَّفْخ قطُّ، فيكون مُعذَّبًا أبدًا. (فربا)؛ أي: أصابَه الرَّبو، أي: علا نفَسه، وضاقَ صدْرُه، والرَّبوة بتثليث الراء. (كل شيء) بالجَرِّ، وظاهره أن يكون بدَلَ كلٍّ من بعضٍ، وهو قِسْمٌ جوَّزه بعض النُّحاة في البدَل كقوله: [الخفيف] نَضَّرَ الله أَعْظُمًا دَفَنُوهَا ... بسِجِسْتَانَ طَلْحةَ الطَّلْحاتِ أو بمضافٍ محذوفٍ، أي: عليك بمثْل الشَّجَر، أو واو العطف مقدَّرةٌ، أي: وكلِّ شيء، كما في: "التحيَّات المُبارَكات، الصَّلَوات"؛ أي: والصَّلوات.

105 - باب تحريم التجارة في الخمر

قال الطِّيْبي: إنه لمَّا منعَه من التصوير، وأرشدَه إلى الشَّجَر رآه غيرَ وافٍ، فأوضحَه به، ويجوز النَّصْب على التَّفسير. (قال أبو عبد الله) إلى آخره، يُشير إلى ما خرَّجه في (اللِّباس) من جِهَة سعيد، عن النَّضْر، عن ابن عبَّاس، وليس لسعيد ولا للنَّضْر عن ابن عبَّاس سِوى هذا الحديث الواحِد. * * * 105 - بابُ تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ في الْخَمْرِ وَقَالَ جَابرٌ - رضي الله عنه -: حَرَّمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيع الْخَمْرِ. (باب تَحريم التِّجارة في الخَمْر) (وقال جابر) سيأْتي بَيان حديثه بعد ستَّة أبوابٍ. * * * 2226 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: لَمَّا نزَلَتْ آيَاتُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنْ آخِرِهَا خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "حُرِّمَتِ التِّجَارةُ فِي الْخَمْرِ". (آيات سورة البقرة)؛ أي: من أوَّل آية الرِّبا إلى آخر السُّورة، وسبق شرحه في (باب تحريم الخَمْر في المسجد). * * *

106 - باب إثم من باع حرا

106 - بابُ إِثمِ مَنْ بَاعَ حُرًّا (باب إثْم مَن باعَ حُرًّا) 2227 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بن مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ الله: ثَلاَثَةٌ أَناَ خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ". (أعطى بي)؛ أي: أعطَى العَهْد باسمِ الله، واليَمينِ به، ثم نقَض العهد، ولم يَفِ به. (فأكل ثمنه)؛ أي: تصرَّف، ولكن ذُكر الأَكْل؛ لأنه أعظَم مقصودٍ. (فاستوفى)؛ أي: العمَل منه. * * * 107 - بابٌ أمر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود ببيعِ أَراَضِيْهِمِ حِيْنَ أَجْلاَهُم فيه الحقُبري، عن أبي هريرة.

108 - باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة

(باب أمْر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - اليَهود ببَيعِ أرَاضيهم) جمع أرضٍ، وسبق أنَّ فيه شُذوذٌ من كونِه لمَا لا يَعقِل، وتحريكِ الرَّاء. (حين أجلاهم)؛ أي: نقَلَهم عن المدينة، وهم بنو النَّضِيْر. (فيه المقبري) وصلَه البخاري في (الجزية)، آخر (الجهاد)، فلا معنى حينئذٍ لقول (ك): إنه لم يَذكُر الحديثَ بعينه؛ لأنه لم يَثبُت على شرطه. * * * 108 - باب بَيْعِ الْعَبيدِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَاشْتَرَى ابن عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: قَدْ يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنَ الْبَعِيرَيْنِ. وَاشتَرَى رَافِعُ بن خَدِيجٍ بَعِيرًا ببَعِيرَيْنِ، فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: آتِيكَ بِالآخَرِ غَدًا رَهْوًا إِنْ شَاءَ الله. وَقَالَ ابن الْمُسَيَّبِ: لاَ رِبَا في الْحَيَوَانِ الْبَعِيرُ، وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ. وَقَالَ ابن سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بَعِيرٌ ببَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً. (باب بَيْع العَبْد والحيَوان بالحيَوان نَسيئةً) بوزن فَعِيْلَة، سبق بيانه، والظاهر عَود: (نسيئةً) للأمرين، لا سيَّما

عند من يُعيد القَيد في المتعدِّد قبلَه للكُلِّ، وأما إطلاق بَيْع العَبْد، فيحتمل بأيِّ شيءٍ كان، ويحتمل العبد بالعبد؛ ليُناسب الحيوان بالحيوان. قلت: ويحتمل أيضًا أن يكون بالحيوان متعلِّقًا بهما، ويكون عطف الحيوان على العبد عطفَ عامٍّ على خاصٍّ. (راحلة) هي النَّاقة التي تَصلُح أن تَرحَل، أو المَركَب ذكرًا أو أُنثى؛ قولان سبَقَا. (مضمونة عليه)؛ أي: على البائع. (يوفيها)؛ أي: يُسلِّمها إلى صاحبها. (بالربذة) بالراء، والموحَّدة، والمعجَمة المفتوحات: مَوضع بقُرب المدينة. (رَهْوًا) بفتح الراء، وسُكون الهاء: السَّيْر السَّهْل، والمراد: أنا آتيْكَ به سَهْلًا بلا مُماطَلةٍ وشِدَّةٍ، أو أن المأْتيَّ به يكون سَهْل السَّير رَفيْقًا. (ودرهم بدرهم نسيئة) قال (ط): هذا خطَأٌ في النقْل عن البخاري؛ لأن الصَّحيح عن ابن سِيْرِيْن ودرهم بدرهمين، كذا نقلَه (ك)، وقال (ش): إن الصَّواب عنه: درهم بدرهم نسيئةً، كما رواه أبو الهَيْثَم، والحَمُّوي، قال: وفي نُسخةٍ: (بدرهمين)، وهو خطأٌ، والصَّحيح عن ابن سِيْرين ما رواه عبد الرَّزَّاق عن مَعْمَر، عن ابن سِيْرين، قال: لا بأْسَ ببعيرٍ ببعيرَين، ودرهمٍ بدرهمٍ نسيئةً. * * *

109 - باب بيع الرقيق

2228 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ في السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (في السبي)؛ أي: سبي خيبر، ووجه دلالة الحديث على الترجمة: أنه لما جمع السبي بخيبر وأخذ دِحية صفيةَ في قَسْمه، قيل له - صلى الله عليه وسلم -: إنها سيدة بني قُرَيْظة والنَّضيْر ما تصلُح إلا لكَ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: خُذْ جاريةً من السَّبْي غيرها، وروى مسلم: أنه اشتراها منه بسبعة أرؤس، فيعلم منه إشارة البخاري إليه هنا، وهذا أولى من قول (ط): إن ترك دحية لها عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ جارية من السبي بيعًا لها بجارية نسيئة، حتى يأخذها ويستحسنها، وحينئذ، فيتعين له وليس ذلك يدًا بيد، والترجمة وإن كانت في العبد، لكن العَبْد أعم من الذَّكَر والأُنثى، أو أنهما في الحُكم سواءً. * * * 109 - بابُ بَيْعِ الرَّقِيقِ (باب بَيْع الرَّقِيق) 2229 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن مُحَيْرِيزٍ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ

جَالِسٌ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا، فَنُحِبُّ الأَثْمَانَ، فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: "أَوَ إِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كتَبَ الله أَنْ تَخْرُجَ إِلاَ هِيَ خَارِجَةٌ". (أن رجلًا) هو نَجْديُّ بن عمْرو الضَّمْري، كما سيأتي في (القدَر). (نصيب)؛ أي: نُجامِع. (فنحب الأثمان)؛ أي: فنَعزِلُ عنهنَّ خَوفًا من الاستيلاد، والمُستولَدة لا تُباع. (فكيف ترى في العزل)؛ أي: أَهو جائزٌ أو لا؟. (أو إنكم) بفتح الواو، وكسر (إنَّ)، والهمزة للاستفهام. (لا عليكم ألا تفعلوا)؛ أي: ليس عدَم الفِعْل واجِبًا عليكم، وقال المُبرِّد: (لا) زائدةٌ، أي: لا بأْسَ عليكم في فِعْله، ومَنْ منَع العَزْل قدَّر أنَّ (لا) نَفَيٌ لما سأَلوه، و (عليكم) كلامٌ مستأنَفٌ مؤكِّدٌ له. وقال (ن): أي: ما عليكم ضرَرٌ في تَرْك العَزْل؛ لأنَّ كلَّ نفْسٍ قدَّر الله خَلْقها لا بُدَّ أن يخلُقها، سواءٌ عزلتُم أم لا. (نَسَمة) بفتح النون، والمهملة: النَّفْس، والإنسان، والغرَض منه: أن العَزْل لا يمنَع الإيلاد المقدَّر. * * *

110 - باب بيع المدبر

110 - بابُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ (باب بَيْع المُدبَّر)؛ أي: الذي عُلِّقَ عِتْقه بمَوت السَّيِّد. 2230 - حَدَّثنا ابن نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ سَلَمَةَ ابن كُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَاعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُدَبَّرَ. 2231 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - يَقُولُ: بَاعَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول، والثاني: سبقا قريبًا. * * * 2232 - و 2233 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَ ابن شِهَابٍ: أَنَّ عُبَيْدَ الله أَخْبَرَهُ: أَنَّ زيدَ بن خَالِدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَخْبَرَاهُ: أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُسْئَلُ عَنِ الأَمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ: "اجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابعَةِ". 2234 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِناَهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ،

111 - باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها

وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِناَهَا، فَلْيَبعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ". والثالث: سبق أيضًا في (باب بَيْع العبْد الزَّاني). (تحصن) بفتح الصاد وكسرها. (تبين)؛ أي: ثبَتَ. ووجه تعلُّقه بالتَّرجمة بالمدبَّر: أنَّ الأَمَة شاملةٌ للمُدبَّرة وغيرها. * * * 111 - بابٌ هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا. وَقَالَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: إِذَا وُهِبَتِ الْوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطَأُ، أَوْ بِيعَتْ، أَوْ عَتَقَتْ، فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ، وَلاَ تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ. وَقَالَ الله تَعَالَى: {إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}. (باب: هل يُسافِر بالجارِيَة قبْلَ أنْ يَستبرِئَها) (يباشرها) من البشَرة، أي: يُلامسُها قبْل الاستِبراء.

(فليستبرأ) بالبناء للمفعول، وللفاعل، أي: يَستبرئ المُتَّهِب، والمُشتري، والمتزوِّج بها غير المُعتِق. (ولا تستبرأ) بضم الهمزة وكسرها. (العذراء) البكْر؛ إذ لا شكَّ في بَراءة رَحِمها. (الحامل) إشارةٌ إلى أنَّ استبراءَها بالوَضْع لا بالحَيْضة. (قال الله عزَّ وجلَّ) الآيةَ، لكنَّها تقتضي جَواز إصابَة الفَرْج أيضًا، وهو خِلاف قَول عَطاء. قال (ك): لكنَّ الآية لمَّا دلَّت على جواز سائر الاستِمتاعات ضِمْنًا، فخُروج جواز الوَطْء منها بسبَب اشتِغال الرَّحِم بالغَير لا يُنافيه. * * * 2235 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بن دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بن أَبي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ الْحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بنتِ حُيَيِّ بن أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا، حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءَ حَلَّتْ، فَبنى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا في نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ". فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ

يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ، حَتَّى تَرْكَبَ. (صفية) سبق أنه قيل: كان اسمها: زينب، فسُميت صَفيَّة؛ للاصطِفاء من السَّبْي. (حيي) بضم الحاء وكسرها. (فاصطفاها)؛ أي: أخذها صَفيًّا، والصَّفِيُّ: سَهْمُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المَغْنَم يَأْخذُه قبل أن يقسم ما يَختاره من جاريةٍ، أو دابَّةٍ، أو سلاحٍ. (سَد الرَوْحَاء) بفتح السين وضمها: جبَلَها، ويُقال: ما كان خَلْفَه، فهو بالضمِّ، والرَّوحاء بفتح الراء، وسُكون الواو، وبالمهملَة، والمَدِّ: موضعٌ قريبٌ من المدينة، وقيل: الصَّواب: سَدُّ الصَّهْباء لا سدُّ الرَّوْحاء. (حَيْسًا): أخلاطُ تمرٍ، وأَقِطٍ، وسَمْنٍ. (نِطَع) بكسر النون، وفتح الطاء في أفصح لُغاته السَّبْع. (آذن) بهمزةٍ ممدودةٍ، وذالٍ معجمةٍ مكسورةٍ، أي: أَعْلِمْهم، وادْعُهم. (وليمة) بالنَّصب والرفع كالوجهَين في: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء:15] على ما قالَه الزَّجَّاج. (يحوي)؛ أي: يُهيِّئ لها من وَرائه بالعَباءة مَرْكَبًا وَطِيًّا، ويُسمَّى

112 - باب بيع الميتة والأصنام

ذلك حَويَّةً، وقال صاحب "المُجمَل ": الحَويَّة: كِساءٌ يُحوَّى حَول سَنام البَعِير. (بعباءة) بعينٍ مهملةٍ ممدودةٍ: الكِساء الصَّغير، وسبق الحديث. * * * 112 - بابُ بَيْع الْمَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ (باب بيْع المَيتة) 2236 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بن أَبي حَبيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بن أَبي رَبَاحٍ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ الله وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: "لاَ، هُوَ حَرَامٌ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ الله الْيَهُودَ، إِنَّ الله لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ". 2236 / -م - قَالَ أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، كتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ، سَمِعْتُ جَابرًا - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

113 - باب ثمن الكلب

(إن الله ورسوله) أفرَدَ الضَّمير للحَذْف في أحدهما، أو لأنَّهما في التَّحريم واحدٌ، والعِلَّة في تحريم بيع الميتة النَّجاسةُ، فيُعدَّى لكلِّ جنْسٍ، وفي الأصنام كونها لا مَنفعةَ فيها مباحةٌ. (يستصبح)؛ أي: يُنوَّر بها المِصْباح. (لا هو حرام)؛ أي: لا تَبيعوها؛ فإنَّ بيْعَها حرامٌ. (أجملوا)؛ أي: أذابُوا، وجَمَلْتُ أفصح من أجْمَلْتُ، أي: أذبْتُه، واستَخرجتُ دُهنَه. (باعوه) راجعٌ للشُّحوم باعتبار التَّأْويل بالمذكور، أو باعتبار مُفْرَد شَحْم في ضمْنها. (قال أبو عاصم) وصلَه مسلم، وأحمد، وأبو داود. * * * 113 - بابُ ثَمَنِ الْكَلْبِ (باب ثَمَن الكَلْب) 2237 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ.

(الكلب) في الحديث يشمَل ما فيه منفعةٌ، ففيه حُجَّةٌ على الحنَفية في تجويزهم بَيْع الكلاب التي فيها المنفعة. (البغي) فَعولٌ بمعنى: فاعِلَة، يَستوي فيها المذكَّر والمؤنَّث، أو فَعِيْل، والمراد بمَهْرها: ما تأْخذُه الزَّانية على صُورة عِوَضٍ عن مُحرَّمٍ، فهو أَكْل مالٍ بالباطل. (حلوان) ما يُعطَى على الكَهانة، يُقال: حَلَوْتُه وأحْلُوه، أي: أُعطيه، وقيل: الرِّشْوة. (الكاهن) قال (خ): هو الذي يَدَّعي مُطالَعة عِلْم الغَيب، ويُخبر النَّاس عن الكَوائن، وكان في العرَب كهَنَةٌ، فمِن زاعمٍ أن له رِئِيًّا من الجِنِّ يُلقي إليه الأخبار، ومن مُدَّعٍ أنه يَستدرك الأُمور بفهمٍ أُعْطيَه، ومنهم من يُسمَّى عَرَّافًا، أي: يتعرَّف الأمور بمقدَّماتٍ يُستدلُّ بها على مَواقعها كالشَّيء يُسرَق، فيَعرف المَظنُون به السَّرِقة، ومنهم من يُسمَّي المُنجِّم كاهنًا. قال: فالحديث شاملٌ لهؤلاء كُلِّهم. * * * 2238 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْنُ بن أَبي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبي اشْتَرَى حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ،

وَكَسْبِ الأَمَةِ، وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ. (ثمن الدم)؛ أي: لأنه نجِسٌ، أو محمولٌ على أُجرة الحَجَّام. (وكسب الأَمة)؛ أي: من وجْهٍ لا يَحِلُّ كالزِّنا لا الخِيَاطة ونحوها، ولهذا جاء في رواية رافِع بن خَدِيْج: (حتى تعلمَه مِن أَين هو؟)، وفي رواية أبي داود: (إلا ما عَمِلَتْ بيَدِها، وقال بأصابعه هكذا نحو الغَزْل والنَّفْش) يعني: نَفْش الصُّوف، وفي حديثٍ: "إلا أن يكونَ بها عمَلٌ واصِبٌ"، أي: كسْبٌ يُعْرَف. (الواشمة) من الوَشْمة، وهو أنْ يُغرَز الجِلْد بالإبرة، ثم يُحشَى بكُحلٍ. (وموكله)؛ أي: لأنه يُعين على أكل الحَرام، فهو شَريكٌ في الإثم كما أنه شريكٌ في الفعل. (المصور)؛ أي: صُوَرَ الحيَوان، كما سبق بيانه.

35 - كتاب السلم

35 - كتاب السلم

1 - باب السلم في كيل معلوم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 35 - كتاب السَّلم 1 - بابُ السَّلَمِ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ (كتابُ السَّلَمِ) هو بيعُ موصوفٍ في الذِّمَّة ببدَلٍ يُعطى عاجِلًا، وسمي سلَمًا لتَسليم رأْس المال الذي في المَجلِس، وسلفًا لتَقديم رأْس المال. 2239 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن زُرَارَةَ، أَخْبَرَناَ إِسْمَاعِيلُ ابن عُلَيَّةَ، أَخْبَرَناَ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن كَثِيرٍ، عَنْ أَبي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ في الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ -أَوْ قَالَ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. شَكَّ إِسْمَاعِيلُ- فَقَالَ: "مَنْ سَلَّفَ في تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". الحديث الأول: (عبد الله بن كثير) قال الكَلابَاذي: هو المُقرئ، أحَد السَّبْعة، وقال الغَسَّاني: كان القابسِيُّ يَزعُم أن هذا ليس بصحيحٍ، وإنما هو عبد الله بن

2 - باب السلم في وزن معلوم

كَثِير بن المُطَّلِب السَّهْمي، هكذا يقول أهل النَّسَب والمحدِّثون، وليس له في "الجامع" غيرُ هذا الحديث. (التَّمْر) بالمثنَّاة، وفي بعضها: بالمثلَّثة، قال (ن): وهو أعمُّ. * * * 2239 / -م - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَناَ إِسْمَاعِيلُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ بِهَذَا: "في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". الثاني: كالذي قبله. * * * 2 - بابُ السَّلَمِ في وَزْنٍ مَعْلُومٍ (باب السَّلَمِ في وَزْنٍ معلومٍ) 2240 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبرَناَ ابن عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَناَ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن كَثِيرٍ، عَنْ أَبي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَقَالَ: "مَنْ أَسْلَفَ في شَيْء فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ".

2240 / -م - حَدَّثَنَا عَلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أَبي نَجَيحٍ، وَقَالَ: "فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". الحديث الأول: (إلى أجل معلوم) ليس ذِكْر الأجَل لاشتِراطه في السَّلَم حتى لا يجوز السَّلَم الحالُّ كما قال به قومٌ؛ فإنَّه إذا جازَ مُؤجَّلًا مع الغَرَر، فالحالُّ أَولى؛ لأنه أبْعَد من الغَرَر، بل معناه: إنْ كان مؤجَّلًا فليكُن مَعلُومًا كما أنَّ الكَيْل ليس بشرطٍ ولا الوَزْن، بل يجوز في الثِّياب بالذَّرْع، بل إذا كان في مكيلٍ أو موزونٍ فليَكُن ذلك معلومًا. قال (خ): القصْد أن يخرج المُسْلَم فيه من الجَهالة، حتى لو أسلَفَ فيما أصْلُه الكيل بالوَزْن جازَ؛ لأنه صار مَعلومَ القَدْر، فلا حُجَّةَ فيه حينئذٍ لمن منَع الحالَّ، ولا لمن منَع السَّلَم في الحيوان. * * * 2241 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عنِ ابن أَبي نَجيحٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن كَثِيرٍ، عَنْ أَبي الْمِنْهَالِ، قالَ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقالَ: "في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". 2242 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابن أَبي الْمُجَالِدِ، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن أَبي المُجَالِدِ،

3 - باب السلم إلى من ليس عنده أصل

حَدَّثَنَا حَفْصُ بن عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ، أَوْ عَبْدُ الله ابن أبي المُجَالِدِ، قال: اخْتَلَفَ عَبْدُ الله بن شَدَّادِ بن الهادِ، وأَبُو بُرْدَةَ فِي السَّلَفِ، فَبَعَثُونِي إِلَى ابن أَبي أَوْفَى - رضي الله عنه -، فَسَاَلْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ في الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبيبِ، وَالتَّمْرِ. 2243 - وَسَأَلْتُ ابن أَبْزَى فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. الثاني، والثالث كذلك. الرابع: في بعض طرُقه: (محمَّد أو عبد الله) التردُّد في اسمه، هل هو محمَّد أو عبد الله، وفي الطَّريق الآخَر جزَم شُعبة بأن ابن أبي المُجالِد محمَّد، وفي طريقٍ من غير تسميةٍ أصلًا. (فبعثوني) هو مَقُول ابن أبي المُجالِد، وجمَع الضَّمير إما باعتبار أنَّ أقلَّ الجمع اثنان، أو باعتبارهما ومَن معَهما. * * * 3 - باب السَّلَمِ إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ (باب السَّلَمِ إلى مَن ليس عنْدَه أصلٌ) وأصل الحُبوب الزَّرْع، وأصل الثِّمار الأشجار. 2244 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا

الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَبي الْمُجَالِدِ، قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ الله بن شَدَّادٍ وَأَبُو بُرْدَةَ إِلَى عَبْدِ الله بن أَبي أَوْفَى - رضي الله عنه -، فَقَالاَ: سَلْهُ: هَلْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْلِفُونَ فِي الْحِنْطَةِ؟ قَالَ عَبْدُ الله: كُنَّا نُسْلِفُ نبَيطَ أَهْلِ الشَّأْمِ في الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّيْتِ، فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. قُلْتُ: إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُهُ عِنْدَهُ، قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. 2245 - ثُمَّ بَعَثَانِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبْزَى، فَسأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ: أَلَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لاَ؟ 2245 / -م - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن عَبْدِ الله، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بن أَبي مُجَالِدٍ بِهَذَا، وَقَالَ: فَنُسْلِفُهُمْ في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. وَقَالَ عَبْدُ الله بن الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، وَقَالَ: وَالزَّيْتِ. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، وَقالَ: في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبيبِ. الحديث الأول: (يُسْلِفون) من الإسلاف، أو من التَّسليف. (نبَيط) بفتح النون: أهْل الزِّراعة، وقيل: قومٌ ينزلُون البَطائِحَ،

وسُمُّوا به لاهتدائهم لاستِخراج المياه من اليَنابيع ونحوهما. قال الجَوْهَري: النَّبط والنَّبيط: قَومٌ ينزلون بالبَطائح بين العراقين، والجمع أنباط، وقال غيره: هم نَصارى الشَّام الذين عمَروها. * * * 2246 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَناَ عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيَّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، قال: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ إِلَى جَانِبهِ: حَتَّى يُحْرَزَ. 2246 / -م - وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَهُ. الثاني، الثالث: مثل ما سبق. (الرجل) كان الأصل أن يقول: رجُل بالتَّنكير، لكن أراد به أبا البَخْتَري السائل نفسه، فأتى فيه بلام العَهْد. (وأي شيء)؛ أي: لأنه لا يُمكن وَزْن الثَّمرة على النَّخيل. (إلي جانبه)؛ أي: جانب ابن عبَّاس. (يحزر) يأتي بيانه في الباب بعدَه.

4 - باب السلم في النخل

(وقال عبد الله بن الوليد) هو في "جامع سُفيان" روايته. * * * 4 - بابُ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ (باب السَّلَمِ في النَّخل)؛ أي: في ثمرته. 2247 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ السَّلَم في النَّخْلِ، فَقَالَ: نُهِيَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ نَسَاءً بناجِزٍ. 2248 - وَسَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ، أَوْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوْزَنَ. 2249 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبي الْبَخْتَرِيِّ، سَأَلْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَنَهَى عَنِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسَاءً بناجِزٍ. 2250 - وَسَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ، فَقَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يُؤْكَلَ، وَحَتَّى يُوزَنَ. قُلْتُ: وَمَا يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حَتَّى يُحْرَزَ.

الحديث الأول، والثاني: (عن بيع النخل، حتى يصلح)؛ أي: يظهَر صلاحُه، وهذا لا يُطابق الترجمة بالسَّلَمِ؛ لأنه بيع مُعيَّنٍ، والسَّلَم: بيع موصوفٍ في الذِّمَّة، إلا أن يُريد بالسَّلَمِ معناه اللُّغوي، وهو السَّلَف، أو هذه الثَّمرة لمَّا كانت قبل بُدوِّ صلاحها، فكأنها موصوفةٌ في الذِّمَّة، أو لوُقوعه على التَّعيين لتلك الثَّمَرة وقع النَّهي لكون السَّلَم ليس مسترسِلًا في الذِّمة، لكن مقتضاه حينئذٍ أنه بعد أكل الذي هو كنايةٌ عن بُدوِّ الصَّلاح يَصِحُّ، ولكنه لا يصحُّ أيضًا، فيُجاب: بأنه ذكَر الغايةَ لكونها الواقع؛ لأنهم كانوا يُسْلفونه قبل صَيرورته مما يُؤكل، أي: والقيد إذا خرَجَ مَخرَج الغالب سقَط اعتبارُ مفهومه. قال (ط): حديث ابن عبَّاس الذي في آخِر الباب ليس هو من هذا الباب، وإنما هو من الباب الذي بعدَه، وغَلِطَ فيه النَّاسِخ. (يحزر) بتقديم الزاي على الراء، وهو الخَرْص والتَّقدير، والقَصد به، وبالتعبير به، وبالأكل، وبالوزْن: ظُهورُ الصَّلاح، فكُنِّي عنه بهذه الألفاظ. قال (ش): وفائدة الخَرْص أن يَعلَم كمِّية حُقوق الفُقراء قبل أن يتصرَّف المالك، وفي رواية أبي زَيْد: (يُحْرِزُ) بتقديم الراء على الزاي، وصوَّبَه (ع)، وقال: معناه: حِفْظه وصِيَانته ممن يجُدُّهُ، وقيل: ما يكون ذلك إلا بعد صَلاحه.

5 - باب الكفيل في السلم

(الورق) بكسر الواو وسكون الراء، وبفتح الواو وكسر الراء وسكونها: الدَّراهِم المَضرُوبة. (نساءً) بالمَدِّ وبالقَصْر، قال الجَوْهَري: نَسَأْتُ عنه دَينَه: أخَّرتُه، نَساءً. (بناجز) هو الحاضر سواءٌ كان ذهبًا أو فِضَّةً؛ إذ لا بُدَّ في جَوْهَرَي الثَّمَنية من الحُلول والتَّقابُض في المَجلِس، ونهي ابن عُمر إما بسماعٍ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو عن اجتهاده، وفي بعضها: (نهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -). قلت: أي: قال أبو البَخْتري: قلتُ لابن عبَّاس. * * * 5 - بابُ الْكَفِيلِ في السَّلَمِ (باب الكَفِيْل في السَّلَمِ) 2251 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتِ: اشْتَرَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بنسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ. الحديث فيه سبق في (باب شِراء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -)، ووجْهُ دلالته على الكَفيل: أن الرَّهن متكفِّلٌ بالوَفاء من حيث إنه يُباع فيه، فسُمِّي كفيلًا مجازًا، وإما أنه أراد قياسَه على الرَّهن بجامع أنَّ كلًّا منها وثيقةٌ، ولهذا

6 - باب الرهن في السلم

كلُّ ما صحَّ الرَّهن به صحَّ ضَمانه، وبالعكس، نعَمْ، الحديث ليس فيه عَقْدُ سلَمٍ، لكنَّه فيه سلَفٌ، فهو المراد لا حقيقة السَّلَم. * * * 6 - بابُ الرَّهْنِ فِي السَّلَمِ 2252 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: تَذَاكَرْناَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ في السَّلَفِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَارْتَهَنَ مِنْهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. (بابُ الرَّهْنِ في السَّلَمِ) وبعده: * * * 7 - بابُ السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَبهِ قَالَ ابن عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَالأَسْوَدُ، وَالْحَسَنُ. وَقَالَ ابن عُمَرَ: لاَ بَأْسَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ

مَعْلُومٍ، مَا لَمْ يَكُ ذَلِكَ فِي زَرْعٍ لَمْ يبْدُ صَلاَحُهُ. 2253 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن كَثِيرٍ، عَنْ أَبي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ في الثِّمَارِ السَّنتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَقَالَ: "أَسْلِفُوا في الثِّمَارِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". 2253 / -م - وَقَالَ عَبْدُ الله بن الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابن أَبي نَجِيحٍ، وَقَالَ: "فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". 2254 - و 2255 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بن أَبي مُجَالِدٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو بُرْدَةَ وَعَبْدُ الله بن شَدَّادٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبْزَى وَعَبْدِ الله ابن أَبي أَوْفَى، فَسَأَلْتُهُمَا عَنِ السَّلَفِ، فَقَالاَ: كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّأْمِ، فنسْلِفُهُمْ في الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبيبِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. قَالَ: قُلْتُ: أكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالاَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. (باب السَّلَمِ إلى أجَلٍ معلومٍ) وفيه حديثان، وهما بمعنى الحديث السابق، وفيه: (وقال أبو الوليد) وسبق في الباب الذي قبلَه بيانُ وصْلِه. (أنباط) سبق شرحه.

8 - باب السلم إلى أن تنتج الناقة

(لم يَك) أصله: لم يكُنْ، فحُذفت النون تخفيفًا. قال (ك): قال (ط): وجْهُ احتِجاج النَّخَعي بحديث عائشة: أنَّ الرَّهن لمَّا جازَ في الثمن جاز في المثمَّن، وهو المُسْلَم فيه؛ إذ لا فَرْقَ بينهما. * * * 8 - بابُ السَّلَمِ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ (باب السَّلَم إلى أنْ تُنتَج النَّاقةُ) 2256 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَناَ جُويْرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ: كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْجَزُورَ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، فَنَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ. فَسَّرَهُ ناَفِعٌ: أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا. (حَبل الحَبَلة) بمهملةٍ، وموحَّدةٍ مفتوحتين: نتَاج النَّتاج. (تُنْتج) مبنيٌّ للمفعول. (ما في بطنها) بدَلٌ من النَّاقة، وهذا هو الموافِق لتفسير نافِعٍ له في (باب بَيْع الغَرَر)، وقال الشافعي: هو بيْعُ الجَزُور بثمَنٍ مؤجَّلٍ إلى أن تَلِد الناقة ويَلِد ولَدُها، وهو تفسير ابن عُمر، وقيل: هو بَيْع ولَد الولَد. * * *

36 - كتاب الشفعة

36 - كِتَابُ الشُّفْعَة

1 - باب الشفعة ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 36 - كِتَابُ الشُّفْعَة 1 - بابُ الشُّفْعَةِ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ (كتاب الشُّفْعة) مشتقَّةٌ مِن شفَعتُ كذا بكذا: جعَلْتُه شَفْعًا، وكأن الشَّفيع يجعل نصيبَه شَفْعًا بضمِّ نصيب صاحبه له، وفي الاصطلاح: تملُّكٌ قَهريٌّ في العَقار بعِوَضٍ يَثبت على الشَّريك القَديم للحادث، وقيل: تملُّكُ العَقار على مُشتريه جَبْرًا بمِثْل ثمنِه. 2257 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - قَالَ: قَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ. (ما لم يقسم) فيه أنه لا بُدَّ أن يكون قابلًا للقِسمة لا كحمَّامٍ صغيرٍ.

2 - باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع

(وصرفت)؛ أي: مُنِعت الطُّرُق، أو غُيِّرت، وقال مالك: أي: خلَصَتْ وثبتَتْ، مِن الصِّرْف وهو الخالِص. وفيه أن لا شُفعةَ إلا في العَقار، وخُصَّ بذلك؛ لأن حِكْمة الشُّفْعة إزالة الضَّرَر عن الشَّريك، وهو أكثَر الأنواع ضرَرًا؛ لأنه يُراد للتَّأبيد، وتثبت الشُّفعة في النَّخْل تابعًا للعَقار لا كالطَّعام، وقال مالكٌ بثُبوت الشُّفْعة فيه، وسبق الحديث قَريبًا. * * * 2 - بابُ عَرْضِ الشُّفْعَةِ عَلَى صَاحِبهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الْحَكَمُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ. وَقَالَ الشَّعْبيُّ: مَنْ بِيعَتْ شُفْعَتُهُ وَهْوَ شَاهِدٌ لاَ يُغَيِّرُهَا، فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ. (باب عَرْضِ الشُّفْعَةِ على صاحبها قبل البَيْع) 2258 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بن إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بن مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بن الشَّرِيدِ، قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بن أَبي وَقَّاصٍ، فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بن مَخْرَمَةَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَيَّ، إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا سَعْدُ! ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ. فَقَالَ سَعْدٌ: والله ما أَبْتَاعُهُما. فَقَالَ المِسْوَرُ: والله لتبْتاعَنَّهُمَا. فَقَالَ سَعْدٌ: والله لاَ أزِيدُكَ عَلَى أرْبَعَةِ آلاَفٍ مُنَجَّمَةٍ أَوْ

مُقَطَّعَةٍ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبهِ" مَا أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، وَأَناَ أُعْطَى بِهَا خَمْسَ مِائَةِ دِينَارٍ. فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ. (بيتي) بلفظ المفرد، وبالتَّثنية، ولهذا جاءت الضَّمائر بعدَه بالتَّثنية، وبالإفْراد مؤنَّثًا بتأويل البيت بالبُقعة. (بنجمة)؛ أي: موظَّفةً، والنَّجْم هو الوَقْت المَضْروب. (أو) شكٌّ من الراوي. (خمس مائة دينار) لعلَّه أراد أنه أعطَى له مائةَ دينارٍ زائدٍ على أربعةِ الآف دِرْهم؛ إذ الغالِب أنَّ الأربعة آلاف تُساوي أربعَ مائة دِيْنارٍ، كلُّ دينارٍ بعشرة دراهم. (بِصَقْبهِ) بالسين، وبالصاد، وبقافٍ ساكنةٍ أو مفتوحةٍ: القُرْب، والمُلاصَقة. قال التَّيْمي: قال الشافعي: الشُّفعة إنما هي للشَّريك، وأبو حنيفة: للجَار، وهذا الحديث حُجَّة عليه بالبداية، وهو أن الشُّفعة فيما لم يُقسَم، وبالنِّهاية في قوله: (إذا وقَعَت الحُدود). وأما: (أحقُّ بِصَقبهِ) فلا حُجَّةَ فيه؛ لأنه لم يقُل أحقُّ بشُفعته، بل بِصَقبهِ، وهو يحتمل أن يُراد به: أحقُّ بما يَليه ويَقرُب منه، أي: أحقُّ بأن يتعهَّده ويتصدَّق عليه، ويُعينه ويَبرَّه كما في حديث: "إنَّ لي جارَيْنِ، فإلى أَيِّهما أُهدِي؟ قال: إِلى أَقْربهما مِنْكَ بابًا"، ولهذا عقَّبه

3 - باب أي الجوار أقرب؟

البخاري به، أو يُراد بالجارِ الشَّريك، قال (ك): ويجب الحَمْل عليه جَمْعًا بين مُقتضى الحديثَين مع أن هذا الحديثَ مَتْروك الظَّاهر؛ لأنه ملتزِمٌ أن يكون الجارُ أحقَّ من الشَّريك، وليس كذلك اتفاقًا، وقال (ط): أراد أبو رافع -وهو راوي الحديث- بالجَارِ الشَّريك؛ لأنه بينه في دار سَعْد، وسلَّمه الحاضرون، وهم أهل العرَبية، وأيضًا يُقال لامرأةِ الرَّجل جارَة؛ لما بَينهما من الاختِلاط، فالجارُ هو الخَليط. * * * 3 - بابٌ أَيُّ الْجِوَارِ أَقْرَبُ؟ (باب: أيُّ الجوار أَقْربُ؟) بضم الجيم وكسرها. 2259 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ح) وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بن عَبْدِ الله، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أَقْرَبهِمَا مِنْكِ بَابًا". (وحدثني علي) قال الكَلابَاذي: هو ابن سلَمة اللَّبَقِي، بفتح اللام، والموحَّدة، وبالقاف. (أقربهما منك بابًا)، (مِن) يتعلَّق بالقُرب في أقْرب، لا أنه صلةٌ التَّفضيل؛ لأنَّ أَفْعل التفضيل قد أُضيف فلا يُجمع بينه وبين صِلَةٍ بـ

(مِن)، ويُروى: (أَقْرب) بدون إلى، ويُقرأ بجرِّ القُرب على حَذْف الجارِّ وبقاء عمَله. وفيه أنَّ الاعتبار في الجِوار بقُرب الباب لا قُرب الجِدار، ولعلَّ السِّرَّ فيه أنه يَنظُر ما يدخل داره، وأنه أسْرَعُ إجابةً لجاره عندما يَنوبُه من الحاجات في أوقات الغفَلات، وليس فيه دلالةٌ على أن الشُّفعة للجار؛ لأنَّ المعنى فيه ظاهرٌ.

37 - كتاب الإجارة

37 - كتاب الإجارة

1 - باب في الإجارة؛ استئجار الرجل الصالح، وقول الله تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين} والخازن الأمين، ومن لم يستعمل من أراده.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 37 - كتاب الإجارة 1 - بابٌ فِي الإِجَارَةِ؛ اسْتِئْجَارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} وَالْخَازِنِ الأَمِينِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مَنْ أرَادَهُ. (كتاب الإجارة) هي اصطلاحًا: تمليك المَنافِع بعِوَضٍ. (باب استئجار الرجل الصالح) (ومن لم يستعمل)؛ أي: الإِمام، من أراد العمَل لا يفوِّض الأمر إلى الحَريص عليه. 2260 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبيهِ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ".

الحديث الأول: (طَيِّبَةً) بالنَّصب، وفي بعضها: (طيبَ نفْسه)، بنصبه مضافًا إلى النفس، وإنما ساغَ وُقوعها حالًا؛ لأن الإضافةَ فيها لفظيَّةٌ، وفي بعضها برفعهما بأن يكون (طيِّب) خبر مبتدأ محذوفٍ، ونفسه فاعله، أو تأكيد. (المتصدقين) بالتَّثنية، أو الجمع، وسبَق الحديث في (باب: أجر الخادِم). ووجْهُ تعلُّقه بالإجارة: أنَّ صارِف مال الغَير كالأجير لصاحب المال، أو لأنَّ الأجير أمينٌ، فلا يَضمن إلا بتقصيرٍ. * * * 2261 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ بن خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بن هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيينَ، فَقُلْتُ: مَا عَملتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ. فَقَالَ: "لَنْ أَوْ لاَ نستَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ". الحديث الثاني: (عَمِلْتُ) بتاء المتكلم. (أو) شكٌّ من الراوي. (عملنا)؛ أي: الحُكومة والوِلاية، وذلك لمَا فيه من التُّهمة بسبَب حِرْصه، ولأنَّ مَن سأل الولاية يُوكَل إليها، ولا يُعان عليها. * * *

2 - باب رعي الغنم على قراريط

2 - بابُ رَعْيِ الْغَنَمِ عَلَى قَرَارِيطَ (باب رَعْي الغَنَم على قَراريط) جمع: قِرَّاط بالتشديد، وقد يُبدل أحَد حَرْفي التَّضعيف ياءً، وهو نصف الدَّانِق، وقيل: نصف عُشْر الدِّينار، وقيل: جزءٌ من أربعةٍ وعشرين جُزءًا. 2262 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن يَحْيَى، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا بَعَثَ الله نَبيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ". فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ". (إلا رعى الغنم) حِكْمة ذلك أنهم إذا خالَطوا الغنَم زادتهم الحِلْم والشَّفَقة، وأنهم إذا صبَروا على مشقَّة الرَّعْي، وجمعها مع اختلاف طباعها، وتفرُّق مَرعاها، ومع ضَعْفها واحتياجها، وصبرهم على مَشاقِّ الأُمة مع الاختلافات التي في أصنافهم وطِباعهم، وعلى الاهتمام بشأْنهم، وحفظ أحوالهم كان أَولى أن لا تتضجَّر نفوسُهم من الأُمم؛ لأنهم قد تعوَّدوا بذلك. (كنت أرعاها) قالَه تواضُعًا، وتَعريضًا بمنَّته تعالى عليه حيث جعلَه بعد ذلك سيِّد الأكوان - صلى الله عليه وسلم -. (على قراريط) قيل: الأجْر قَراريط، ولفظ رواية ابن ماجه

3 - باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام

بالقَراريط، ثم قال: قال سُوَيْد -يعني ابن سَعيد أحد رُواته-: يعني: كلُّ شاةٍ بقِيراط، وهذا ظاهر ترجمة البخاري، لكن قال إبراهيم الحَرْبي: قَراريط اسم موضعٍ، ولم يُرد بذلك القَراريط من الفِضَّة. قال ابن ناصر: هذا هو الصحيح، وأخطأَ سُوَيْد في تفسيره. قال (ش): ويدلُّ له رواية النَّسائي: (وأَناَ أَرْعَى غنَمًا لأَهلي بجِيَادٍ)، ذكره في تفسير (سورة طه). وقال صاحب "مِرآة الزَّمان": إنَّ أهل مكَّة يُنكرون أنَّ يكون بنواحي مكَّة موضعٌ يُقال له: قراريط، وإنما أراد قَراريط من فِضَّة، ثم ذكَر رواية: (لأَهْلهِ بجِيَادٍ)، وجِيَاد: اسم موضعٍ بظاهر مكة، ودلَّ هذا على أنه إنما كان رِعايتُها لأهله لا بقَراريط كما قالوه. قلت: لا يمتَنع أنَّه كان معه غنَمٌ لأهله، وغنَمٌ لغيرهم من أهل مكة يَرعى بقَراريط، أو باعتبار زمنَين، ولا يمتنع أن يكون بمكَّة موضعٌ يُسمَّى قَراريط، ثم نُسِيَ، أو صارَ يُعرف بغير هذا الاسم، فلا تَبايُن حينئذٍ بين الرِّوايات. * * * 3 - بابُ اسْتِئْجَارِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، أوْ إِذا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ الإِسْلاَمِ وَعَامَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَهُودَ خَيْبَرَ.

(باب استِئْجار المُشرِكين عنْد الضَّرورة) (وعامل النبي - صلى الله عليه وسلم -) موصولٌ في (المَغازي). * * * 2263 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، أَخْبَرَناَ هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: وَاسْتَأْجَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بني الدِّيلِ ثُمَّ مِنْ بني عَبْدِ بن عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا -الْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بن وَائِلٍ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبيحَةَ لَيَالٍ ثَلاَثٍ، فَارْتَحَلاَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بن فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ، وَهْوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ. (واستأجر) بالواو، دليلُ سبْقِ كلماتٍ غيره في أمر الهجْرة عَطَفَ هذا عليه، فكأنَّ البخاري اقتطَعَه من أمر الهجرة، وأتى بالواو تنبيهًا على ذلك، لكن رواية ابن السَّكَن بلا واوٍ، وهو أبْيَن. (من بني الدِّيل) بكسر الدال، وإسكان الياء، وبضمِّ الدال، وهمزةٍ مكسورةٍ: بطْنٌ من بني بكر، واسمه: عبد الله بن أُرَيْقِط، وقيل: سَهْم بن عَمْرو. (هَادِيًا خِرِّيتًا) بكسر الخاء المعجمة، وتشديد الراء. (الماهر) كذا لهم، وفيه وَهْمٌ، وصوابه: رواية ابن السَّكَن،

والمُسْتَملي: (وهو الماهِر)، وهو تفسير الخِرِّيْت لا الهادي، وكذا هو للجميع في الرِّواية الآتية في الباب الذي بعدَه، وهو الذي يَهدي لأُخْرات المَفازة، وهي طرُقها الخفيَّة ومَضايقُها، وقيل: أراد أنه يهتدي لمثْلِ خُرْتِ الإبْرةِ من الطَّريق، وأُريْقِط: تصغير أَرْقَط، براءٍ، وقافٍ، ومهملةٍ. (وهو على دين) مُدرَجٌ، الظَّاهر أنه من قَول الزُّهْرِي. (غَمَسَ) بالغين المعجمة. (حلف) قيل: بفتح الحاء، وكسر اللام، والأَشْهر بكسر الحاء، وسكون اللام، أي: أخَذ بنصيبٍ من عَقْدهم وحِلْفهم يأْمن به، كان عادتهم أن يَغمِسُوا أيديَهم عند الحِلْف في جَفْنةٍ فيها طِيْبٌ أو دمٌ ليتِمَّ عَقْدهم عليه باشتراكهم في شيءٍ واحدٍ، وقيل: إنه أراد بالغَمْس الشِّدَّة. (العاصي) بالياء وبدونها. (وائل) بهمز بعد الألف. (فآمناه) هو ثلاثيٌّ مصدره: الأَمْن، قال التَّيْمي: بنو الدِّيْل: بطْنٌ من بني بكر. (ثور) بالمثلَّثة: هو غارٌ أَطْحَل استَتر به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر من المُشركين. (عامر بن فُهَيْرة) بضم الفاء، وفتح الهاء، وسكون الياء، وبالراء: الأَزْدي، كان أسود اللَّون مملُوكًا للطُّفَيل بن عبد الله، فاشتراه أبو بكر الصِّدِّيق منه فأعتقَه، وكان إسلامه قبْل دُخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأَرْقم، وكان حسَن الإِسلام، وهاجَر معهما إلى المدينة، وكان

4 - باب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام -أو بعد شهر أو بعد سنة- جاز وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل

ثالثهما، قتل يوم بئْر مَعُونَة -بفتح الميم، وبالنون-. (فأخذ بهِم)؛ أي: سلَكَ مُتلبسًا بهم طريقَ ساحل البحر، وفي بعضها: (فأخَذَهم)، وهو طريق السَّاحل، أي: أخَذ الدَّليلُ وعامرٌ بهم، وعلى هذا لا بُدَّ أن يُقال: أقلُّ الجَمْع اثنان؛ لأن الاثنين إذا أخَذَا بقِيَ المأْخوذ بهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر. * * * 4 - بابٌ إِذا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ ثلاَثَةِ أَيَّامٍ -أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ- جَازَ وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا الَّذِي اشْتَرَطَاهُ إِذا جَاءَ الأَجَلُ (بابٌ: إذا استَأْجَر أجيرًا ليعمَل له بعد ثلاثة أيامٍ، أو بعد شَهْرٍ، أو بعد سنَةٍ) أَورد الحديث فيه، أي: ويكُون غيره قياسًا عليه. 2264 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ: قَالَ ابن شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بني الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ.

5 - باب الأجير في الغزو

(صبح ثلاثًا) نُصب على الظَّرفية، والعامل فيه: واعَدَاهُ، وكذا العامل في: (غار ثور)، وقد نازَعَ الإِسْماعِيْليُّ البخاريَّ في التَّرجمة على ذلك بالاستِئجار عليه، وقال: مِن أين في الخبَر أنهما استأْجَراه على أنْ لا يعمَل إلا بعد ثَلاثٍ؟ بل الذي فيه أنَّهما استأْجراه، وابتدأَ في العمل من وقْته بتسليمهما إليه الرَّاحلتين يَرعاهما، ويحفظُهما عليهما، وكان خُروجه وخُروجهما بعد ثلاثٍ على الراحلتَين اللَّتين قامَ بأمرهما إلى ذلك الوقت. * * * 5 - بابُ الأَجِيرِ في الْغَزْوِ (باب الأَجيْر في الغَزْو) 2265 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن عُلَيَّةَ، أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ صَفْوَانَ بن يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى بن أُمَيَّةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَكَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَعْمَالِي في نَفْسِي، فَكَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا إِصْبَعَ صَاحِبهِ، فَانتُزَعَ إِصْبَعَهُ، فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَسَقَطَتْ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، وَقَالَ: "أَفَيَدَعُ إصْبَعَهُ في فِيكَ تَقْضَمُها؟ " قالَ: أحْسبُهُ قالَ: "كمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ".

2266 - قَالَ ابن جُرَيْجٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ جَدِّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ: أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَهْدَرَهَا أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -. (العُسْرَة) هي غزوة تَبُوك، سُمي بها؛ لأنه ندَب الناس إلى الغَزو في شدَّة القَيْظ، وكان وقت طِيْب الثَّمَر، فعسُر عليهم ذلك وشقَّ. (يَعْلى بن أُميَّة) بضم الهمزة، وتشديد الياء، ويُقال له أيضًا: ابن منية نسبة لأُمه. (أصبع) لغاته العَشْر مشهورٌ. (فأندر) بنونٍ، ومهملةٍ، أي: أَسقَط. (فأسقط)؛ أي: أَهدَر أسنانَ العاضِّ، فلم يُوجب له ديةً ولا ضمانًا. (يقضمها) بفتح المعجمة، والقَضْم: الأكْل بأطْراف الأسنان، يُقال: قضِمَت الدَّابَّةُ الشَّعيرَ -بالكسر-. (الفحل)؛ أي: الذَّكَر من الإبل ونحوه. (عبد الله بن أبي مُليكة) قال الدِّمْيَاطيُّ: هو عبد الله بن عبد الله بن أبي مُلَيْكة زُهير بن عبد الله بن جُدْعان، قاضي الطَّائف لابن الزُّبير، وقد خالَف البخاريَّ ابن مَنْده، وأبو نُعيم، وأبو عُمر فرَوَوه في كتُب "الصَّحابة" في ترجمة أبي مُلَيكة زُهير بن عبد الله من حديث ابن جُرَيْج، عن ابن أبي مُلَيكة، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي بكر: أن رجلًا عضَّ يد

6 - باب من استأجر أجيرا، فبين له الأجل، ولم يبين العمل

رجل فسقطت، فأبطلها أبو بكر. * * * 6 - بابُ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَبَيَّنَ لَهُ الأَجَلَ، وَلَمْ يُبَيِّنِ الْعَمَلَ لِقَوْلِهِ: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} إلَى قَوْلِهِ: {عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}. يَأْجُرُ فُلاَنًا: يُعْطِيهِ أَجْرًا، وَمِنْهُ في التَّعْزِيَةِ: أَجَرَكَ الله. (باب: إذا استَأْجَر أجيرًا فبيَّنَ له الأَجل، ولم يُبيِّنْ له العمَل) (تأَجُرُ) بضم الجيم، تفسيرٌ لقوله تعالى: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27]. (ومنه التعزية: أجرك الله) يُريد البخاري: أنَّ (آجْرَتُك) ممدودٌ، بل حُكِيَ فيه القَصْر، ولا يحسُن منه الاستشهاد بالتَّعزية؛ لأن المعنى فيها مختلفٌ، وفرقٌ بين الأَجْر والأُجرة. وقال المُطَرِّزي: ما كان من فاعلٍ في معنى المُعاملة كالمُشاركة، والمُزارعة لا يتعدَّى إلا إلى مفعولٍ واحدٍ، فإذا قلتَ: مِن أجَّره الدَّار، فهو مِن أفْعل لا غير، وإذا قلتَ: أُجر الأَجْر كان موجهًا. ولم يذكر فيه حديثًا بل ذكَر حُكمًا، وهو جواز مثْل هذه الإجارة،

7 - باب إذا استأجر أجيرا على أن يقيم حائطا يريد أن ينقض جاز

واستدلَّ له بالآية؛ لكنْ قال: ليس كما تَرجم؛ لأنَّ العمَل كان معلومًا عندهم عادةً. * * * 7 - بابٌ إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يُقِيمَ حَائِطًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ جَازَ (باب: إذا استَأْجر أجيرًا على أن يُقيم حائِطًا) 2267 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، أَخْبَرَناَ هِشَامُ بن يُوسُفَ: أَنَّ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بن مُسْلِمٍ، وَعَمْرُو بن دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبهِ، وَغَيْرُهُمَا قَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: حَدَّثَنِي أُبَيُّ ابن كعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ". قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَاسْتَقَامَ، قَالَ يَعْلَى: حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ، لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ. (أحدهما)؛ أي: يَعْلى، وعَمْرو. (سمعته) الضَّمير راجعٌ للغير، أي: قال ابن جُريج: وسمعت غيرهما أيضًا يحدِّث عن سعيد بن جُبَير، فإنْ قيل: يَلزم من زيادة

8 - باب الإجارة إلى نصف النهار

أحدهما على صاحبه نوعُ محالٍ، وهو أن يكون الشيء مَزيدًا ومزيدًا عليه، قيل: إنْ أُريد بأحدهما معيَّنٌ فظاهرٌ، وإنْ أُريد كلٌّ منهما فمعناه أنه يُريد شيئًا غيره زادَه الآخر فهو من مزيدٍ باعتبار شيءٍ مزيدٍ عليه باعتبار شيءٍ آخر، نعَمْ، عُلِمَ عين الزِّيادة من سِياقةِ يَعْلى؛ إذ قال: حسبْتُ. (بيده)؛ أي: أشارَ بيَده إلى الجِدار فاستقَامَ، وهو تفسيرٌ لقوله تعالى: {فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77]. * * * 8 - بابُ الإِجَارَةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ (باب الإجارةِ إلى نِصْف النَّهار) 2268 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، فَأَنْتُمْ هُمْ، فَغَضبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لنا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ".

9 - باب الإجارة إلى صلاة العصر

(كمثل رجل) هو من تشبيه مركَّبٍ بمركبٍ، أي: مَثَلي معَكم كمثَل رجُلٍ مع أُجَراء، فالاعتبار بالمَجموعَين، وإلا كان يَلزم من كونه تشبيهَ متعدِّدٍ لمتعدِّدٍ أنْ يُقال: كمثْل أُجَراء. (أكثر عملًا وأقل عطاءً) بنصبِ: (أكثَرَ) و (أقلَّ) على الحال نحو: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49]. وقال (ك): إنه بالرَّفع والنَّصب، ثم قال: فإنْ قيل: كيف كانوا أكثَر عمَلًا، ووقْت الظُّهر إلى العصر مثْل وقْت العَصْر إلى المَغرِب؟ قلتُ: لا يَلزم من أكثَرية العمَل أكثَرية الزَّمان، انتهى. وكرَّر هذا السُّؤال والجَواب مِرارًا، وهو عجيبٌ؛ فإنَّ ما بين العَصْر والمَغرِب أقلُّ قطعًا لإجماع أهل الميقات، وبالحسِّ أيضًا. (واليهود) عطفَ المجرورَ بلا إعادة الخافِض فهو جائزٌ، وجوَّز ابن مالك رفْعَه أيضًا على أنَّ (مثَل) حُذف وأُقيم المُضاف إليه مُقامه. (حين) يجوز رفعه وفتحه. (قيراطًا) كرَّره ليدلَّ على تقسيم القَراريط على جميعهم. * * * 9 - بابُ الإِجَارَةِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ 2269 - حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بن أبيِ أُوَيْسٍ، قالَ: حَدَّثَني مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الله بن دِينَارٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ بن

الخَطَّابِ - رضي الله عنه -: أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ أَنتمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَغَضبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ. فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ". (باب الإجارة إلى صلاةِ العَصْر إلى مَغارِب الشَّمس) جمعَه باعتبار الأزمنة المتعدِّدة باعتبار الطَّوائف المختلفة الآتية إلى يوم القيامة. (وقالوا) قال (ط): هو من مَقول اليهود خاصةً، نحو: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61]، وإنما الناسي يُوشَع فقط، و: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، وهو لا يخرج إلا مِن المَالِح، أو يكون إلى العَصْر ونحوه، ليس فيه أنَّه إلى أوَّلها، أي: بل قد يكون إلى تمامها، فيَزيد حينئذٍ. قلتُ: لما قرَّره من أن ما بين الظُّهر والعَصْر مساوٍ لمَا بين العصر والمغرب، وفيه ما قدَّمناه.

10 - باب إثم من منع أجر الأجير

قال (ط): إنما كان للمُؤمنين قيراطان لإيمانهم بموسى وعيسى؛ لأن التصديق أيضًا عمَلٌ. * * * 10 - بابُ إِثْمِ مَنْ مَنَعَ أَجْرَ الأَجِيرِ (باب إثْم مَن منَع أجْرَ الأجير) 2270 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ الله تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَناَ خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ". (خصمهم) الخصم مصدرٌ، أو صفةٌ مشبَّهةٌ. (أعطى بي)؛ أي: العهد موثَّقًا باسمي، والقرينة المخصِّصة للمفعول لفظ: (غدَر). والحديث سبق في (باب إثْم مَن باع حُرًّا). * * *

11 - باب الإجارة من العصر إلى الليل

11 - بابُ الإِجَارَةِ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ (باب الإجارة من العصر إلى اللَّيل) (إلي الليل) إنْ قيل: هذا يُخالف ما سبق أنَّ اليهود استُؤجروا إلى نصف النَّهار؛ قيل: إنَّ ذاك محمولٌ على مَن عَجَز عن الإيمان بالموت قَبْلَ ظُهور دينٍ آخر، وهذا بالنسبة إلى مَن أدرك دين الإِسلام، ومَن لم يُؤمن به. 2271 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لنا، وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ. فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا، أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلًا. فَأَبَوْا وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ لَهُمَا: أكمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا، وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ. فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالاَ: لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لنا فِيهِ. فَقَالَ لَهُمَا: أكْمِلاَ بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسيرٌ. فَأَبَيَا، وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، واسْتكْمَلُوا أجْرَ الفَرِيقَيْنِ كلَيْهِمَا، فَذلِكَ مَثَلُهُمْ ومَثَلُ ما قَبلوُا مِنْ هَذَا النُّورِ".

12 - باب من استأجر أجيرا فترك أجره، فعمل فيه المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره فاستفضل

وسبق الحديث في (باب: مَن أدرك ركعةً من العصر). (لا تفعلوا)؛ أي: إبطالُ العمَل، وتَرْك الأجْرِ المشروط، لا يُقال لهم: سبَق أنهم أخَذوا قيراطًا قيراطًا، فهو مخالفٌ للمفهوم هنا، وهو أنَّ أهل الكتابَين لم يَأْخُذوا شيئًا؛ لأنا نقول: الآخِذون هم الذين ماتُوا قبل النَّسْخ، والتَّاركون هم الذين كفَروا بالنبيِّ الذي بعد نبيِّهم، وبالجملة فالقَصْد من الأول: بيانُ أنَّ أعمال هذه الأُمة أكثر ثَوابًا من أعمال سائر الأُمم، ومن الثاني: أنَّ الذين لم يُؤمنوا بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أعمالهم السَّالِفة على دينهم لا ثَواب عليها. (فأبَيا) بفتح الباء على المشهور، وحكى الجَوْهَري، وابن سِيْدَه كسرَها، وفي نُسخة: (فأبَوا) بواو الجمع. (كلاهما) بالألف على لُغة مَن يجعل المثنَّى بالألف في الأحوال الثلاثة. (هذا النور)؛ أي: نُور الهداية إلى الحقِّ. * * * 12 - بابُ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَتَرَكَ أَجْرَهُ، فَعَمِلَ فِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ فَزَادَ، أَوْ مَنْ عَمِلَ في مَالِ غَيْرِهِ فَاسْتَفْضَلَ (باب مَن استَأجَر أجيرًا فترَكَ أجْرَه) 2272 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي

سَالِمُ بن عَبْدِ الله: أَنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا الله بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللهمَّ! كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلاَ مَالًا، فَنأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى ناَمَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غُبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا ناَئِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللهمَّ! إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ". قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَقَالَ الآخَرُ: اللهمَّ! كَانَتْ لِي بنتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فتحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللهمَّ! إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غير أنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا". قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَقَالَ الثَّالِثُ: اللهمَّ! إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ

واحِدٍ، تَرَكَ الَّذِي لَهُ وذَهَبَ، فَثَمَرَّتُ أَجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ: يا عَبْدَ الله! أَدِّي إلَيَّ أجْرِي. فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ؛ مِنَ الإبلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الله! لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ. فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللهمَّ! فَإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ". (أووا) ثلاثيٌّ ورباعيٌّ، والأكثر في اللَّازم القَصْر، والمتعدِّي المَدُّ، يُقال: أوَى إلى منزله أَويًا بوزن: فَعُول. (أن تدعوا) بسكون الواو؛ لأن الواو للجمع، وأصله: يَدعُون، فحُذفت النون للنَّصب. (أغبق) مضارعُ: غبَقَ -بمعجمةٍ، وموحَّدةٍ-. قال (ك): من غبَقْتُ الرجل أَغبُقه بالضم، والغَبوق: شُرب العَشيِّ مُقابل الصَّبوح، وقال (ش): إنَّ: أغْبَق بفتح الموحَّدة، فمعناه: أنَّ ماضيه مكسور العين، أي: ما كنتُ أقدِّم عليهما أحدًا في شُرب نصيبهما من اللَّبن. (مَالًا)؛ أي: رقيقًا. (فنأى) أصله: ناءَ، أي: بَعُدَ، فقُلب فصار: نأَى يَنأَى كرعَى يَرعى، وأما: ناءَ، فيُقال فيه: ناءَ كحارَ يَحارُ، وناءَ يَنُوءُ، كقالَ يَقُول. (فلم أُرح) بضم الهمزة، وكسر الراء: مِن الرَّواح. (بَرِق) بفتح الموحَّدة، وكسر الراء وفتحها.

(غبوقهما)؛ أي: كان مُعدًّا للغَبوق، وإلا فهو الآن صَبُوح؛ لأنه يُشرب وقتَ الصَّباح. (ابتغاء) مفعولٌ لأجله. (عن نفسها)؛ أي: بسبَب نفسها، وفي بعضها: (على نَفْسها)، أي: مستعليةً عليها. (ألَمَّتْ)؛ أي: نَزلت بها سَنَةٌ من سِني القَحْط. (عشرين)؛ أي: دينارًا، لكنْ سبَق في (باب: إذا اشتَرى شيئًا لغيره): أنَّ الكُلَّ مائةُ دينارٍ، ولا تَنافيَ؛ فإنَّ المائة لا تَنفي الزائدَ، أو أنَّ المائة هي التي طلبَتْها، والعِشْرون تبرُّعٌ منه زيادةً. (تفض) بالفاء، والمعجَمة، أي: لا أُجوِّز لك إزالةَ البَكارة. (إلا بحقه)؛ أي: وهو النِّكاح. (تحرجت) تحرَّزت من الحرَج، وهو الإثم. (ثمرت) أي: كثَّرت (¬1). (من أجرك) هو خبر المبتدأ، وهو (كلُّ). (من الإبل) إلى آخره، بيانًا لـ (ما ترى)، نعَمْ، قال في ذلك الباب: (بقرًا وراعيَها)، وزاد هنا: (الإبل والغنَم)، ولا منافاةَ، وسبق بقيَّةُ مباحثه هناك. (فَأفرِجْ) بهمزة قطعٍ، وكسْر الرَّاء، أي: اكشِفْ، ورواه غير البخاري ¬

_ (¬1) في الأصل: "أكثرت"، والمثبت من "ت".

13 - باب من آجر نفسه ليحمل على ظهره، ثم تصدق به، وأجرة الحمال

بهمزة وصْلٍ، وضمِّ الرَّاء، مِن فَرَجَه يَفرُجه. * * * 13 - بابُ مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِهِ، ثمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، وَأُجْرَةِ الْحَمَّالِ (باب مَن أجَّر نفْسَه ليَحملَ على ظَهْره) 2273 - حَدَّثَنَا سَعيد بن يَحْيَى بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَش، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُناَ إِلَى السُّوقِ، فَيُحَامِلُ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضهِمْ لَمِائَةَ أَلْفٍ، قَالَ: مَا تَرَاهُ إِلَّا نَفْسَهُ. (تحامل) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمفعول، مِن المُفاعلة، أي: يحمل المتاعَ بالأُجرة مدٍّ من طعامٍ أو نحوه، فيتصدَّق به، والمفاعلة بين اثنين؛ لأنَّ الحَمْل من أحدهما، والأجْر من الآخَر كمُساقاةٍ، ومزارعةٍ؛ لأن السَّقْي والزَّرع من أحدهما، والأجْرة من الآخر، وفي بعضها بلفظ مضارع المُفاعَلة. (لمائة) اللام فيه لام الابتداء، دخلتْ على اسمِ إنَّ لوُجود شرطه، وهو تقدُّم الخبر، نحو: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [آل عمران:13]. (نُراه) بضمِّ النون وفتحها، أي: قال شَقيق: أراد أبو مَسعود

14 - باب أجر السمسرة

بذلك نفْسَه، وأنه هو الذي يملك مائةَ ألفٍ، لكن في (الزكاة)، في (باب: اتقُوا النار): (وإنَّ لبعضهم اليومَ لمائةَ ألفٍ)، والمراد: أنهم كانوا فُقراء، وهو اليوم أغْنياء. * * * 14 - بابُ أَجْرِ السَّمْسَرَةِ (باب أجْر السَّمْسَرة)؛ أي: الدَّلالة، والسِّمسار -بكسر السين-: الدَّلَّال. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصلَه أحمد، وأبو داود، والحاكم عن أبي هريرة، والدَّارَقُطْني عن عَمْرو بن عَوف. (شروطهم)؛ أي: الجائِزة شرعًا. وَلَمْ يَرَ ابن سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ، فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابن سِيرِينَ: إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا، فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهْوَ لَكَ، أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُسْلِمُون عِنْدَ شُرُوطِهِمْ". 2274 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ

15 - باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب

يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَلاَ يَبيعَ حَاضرٌ لِبَادٍ. قُلْتُ: يَا ابن عَبَّاسٍ! مَا قَوْلُهُ: "لاَ يَبيعُ حَاضرٌ لِبَادٍ"؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. (ولا يبيع) بالنَّصب على أنَّ (لا) زائدةٌ، وبالرفع بتقدير: قال قبلَه عطفًا على نَهى، وسبق أوساط (كتاب البَيع). (لا يكون له سمسارًا)، قال (ط): أي: مِن أجْل مضرَّته للناس، لا مِن أجل أُجرته. * * * 15 - بابٌ هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ في أَرْضِ الْحَرْبِ (باب: هل يُؤاجِر الرَّجل نفْسَه من مُشرك في أرضِ الحَرْب)؛ أي: دار الكفْر. 2275 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بن حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا خَبَّابٌ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بن وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ أتقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ وَالله لاَ أَقْضيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: أَمَا وَالله حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ تُبْعَثَ فَلاَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ، ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نعمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأَقْضيكَ. فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي

16 - باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب

كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}. (قَيْنًا)؛ أي: حدَّادًا. (وائل) بالهمز. (أما) بالتخفيف للتَّنبيه، وجواب القسَم محذوفٌ، وتقديره: لا أَكفُر، أو نحوه. (حتى تموت) غايةٌ له، ومراده: التَّأْبيد، وإلا فبعْد البَعْث لا يُمكنه الكُفْر كقولك: على إبْليسَ اللَّعنة إلى يوم القيامة، وفي بعضها: (فلا أَكفُر)، فيكون تفسيرًا لجَواب القسَم المقدَّر؛ لأن الفاء لا تَدخل جواب القسَم، وفي بعضها: (أمَّا) بتشديد الميم، وتقديره: أمَّا أنا فلا كفُر والله، وأما غيري فلا أعلَمُ حالَه. (وإني لميت)؛ أي: أَوَإني، فحُذفت همز الاستِفهام، ووجْهُ تأكيده بـ: إنَّ واللام، والمخاطَبُ به -وهو خَبَّاب- لا مُتردِّدٌ، ولا مُنكِرٌ لذلك: أنَّ العاصي فَهِم من خبَّاب التَّأْكيد في مُقابلة إنكاره، فكأنه قال: أتَقُولُ هذا الكلام المؤكَّد، ومرَّ في (باب: ذكر الفِتَن). * * * 16 - بابُ مَا يُعْطَى في الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا

كِتَابُ الله". وَقَالَ الشَّعْبيُّ: لاَ يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ إِلَّا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا، فَلْيقْبَلْهُ. وَقَالَ الْحَكَمُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ. وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً. وَلَمْ يَرَ ابن سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا. وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: السُّحْتُ الرِّشْوَةُ في الْحُكْمِ. وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ. 2276 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ أَبي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبي سعيد - رضي الله عنه - قَالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أتيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضُهُمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ! إِنَّ سَيِّدَناَ لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَالله إِنِّي لأَرْقِي، وَلَكِنْ وَالله لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ، فَلَمْ تُضيِّفُونَا، فَمَا أَناَ بِرَاقٍ لَكُمْ، حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا. فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا. فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا، حَتَّى نَأْتِيَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُناَ. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ "، ثُمَّ

قَالَ: "قَدْ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا"، فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ بِهَذَا. (باب ما يُعطَى في الرُّقْية) بضم الراء، وسكون القاف: هي العوذة. (إلا أن يُعطى) بفتح (أنْ)، والاستثناء منقطِعٌ، أي: لكن الإعطاء بدُون الاشتراط جائزٌ. (فيقبله) في بعضها: (فليَقبلْهُ)، وفي بعضها بكسر همزة (إنْ) لكنْ إن يُعطَ شيئًا بدون الشَّرط؛ فليَقبلْه، وثُبوت الألِف حينئذٍ في (يُعطى) كقِراءة قُنْبُل: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف:90]، أو مِن إشباع الفَتْحة. (القسام) جمع قاسِم. (السحت) بضمِّ الحاء وسكونها: الرِّشْوة -بكسر الرَّاء وضمها-. (على الخرص)؛ أي: أُجْرة الخارِص. (فلذع) بمعجمتين، كذا قاله (ش)، لكن الذي في "الصِّحاح": أنَّ لذع بالمعجَمة داله مهملةٌ، وبالعين المهملة، ذاله معجمةٌ. (فسعوا)؛ أي: عالجُوه طلَبًا للشِّفاء، وفي نُسخةٍ: (فسقوا له)، وليس بمحفوظٍ. (لو) جوابها محذوفٌ، أو للتمني.

(بعضهم) هو أبو سعيد نفْسه كما في غير هذه الرِّواية صريحًا: أنَّه الرَّاقي بذلك. (أرقِ) بكسر القاف. (جُعلًا) بضم الجيم: ما جُعل للإنسان من مالٍ على فعلٍ. (قطيع) طائفةٌ، والغالب أنه ما بين العشَرة والأربعين، والمراد هنا: ثلاثون، كما جاء مبيَّنًا في الرِّوايات. (يَتْفُلُ) بمثناةٍ، وضم الفاء وكسرها، أي: يَبزُق بريقٍ قليلٍ، وسبق أنَّ أوَّله البَزْق، ثم التَّفْل، ثم النَّفْث، ثم النَّفْخ. (نشط) بالتخفيف، أي: حلَّ، ورُوي: (انتشَطَ)، وهو أفصح. قال أهل اللُّغة: أَنشطْتُ العُقدة: إذا حلَلْتَها، ونشَطتها، أي: عقَدتها بأُنشوطةٍ، وأصل النَّشْط النَّزْع، فيحتمل نشَط التخفيف، أي: نزع، [و] التشديد، أي: للتكثير، أي: حلَّ شيئًا فشيئًا. (عِقال) بكسر العين: الحَبْل الذي تُشدُّ به الوَظيْفُ من الذِّراع. (قَلَبَةٌ) بقافٍ، ولامٍ، وموحَّدةٍ، مفتوحاتٍ، أي: عِلَّةٌ يقلب إليها ليُعلَم موضع الدَّاء، فيُنظَر إليه، قاله في "المُجمَل". (أوفوهم) من الإيفاء، وهو الإتمام، وفي بعضها بالرَّاء، والمَوفُور هو الشَّيء التَّامُّ، يقال: وفَرت الشَّيءَ، وَفْرًا، ووفَر الشَّيءُ بنفسه وُفُورًا. (رقَى) بفتح القاف. (اقسموا) أمرٌ بما هو من المُروءات، ومكارم الأخلاق، وإلا

فالجميع ملكٌ للرَّاقي، وقال: (واضربوا لي) تطييبًا لقُلوبهم، ومبالغةً في أنه حَلالٌ لا شُبهةَ فيه. وفيه التَّصريح بأنَّ الفاتحة رُقيةٌ، واستحبابُ قراءَتها على اللَّديغ، والمريض، وسائر الأسقام، ولا يُعارض هذا ما في حديث الذين يَدخُلون الجنَّة بغير حِسَاب: "ولا يَرقُون"؛ لأنَّ المراد بالرُّقَى المذمومة التي تكون من كلام الكُفَّار، أو التي لا يُعرف معناها، المُحتملة أن تكون كُفْرًا أو قَريبًا منه، كالتي بالعِبْرانيَّة، وأمَّا الرُّقَى بالقرآن والأذكار المشهورة فممدوحةٌ إجماعًا، وقد يُجمع بأن المَدْح بترك الرُّقى من جِهَة الأفضليَّة، وبيان التوكُّل، والذي أَذِن فيه فهو لبَيان الجَواز، وإنْ كان التَّرْك أفضَل، أو أنَّ النَّهي لقومٍ يعتقدون تأثيرَ ذلك كما كانت الجاهليَّة تعتقد في أشياء كثيرةٍ. قال (ط): فيه أنَّ من القرآن ما يختصُّ بالرُّقْيَةِ، وإنْ كان الكُلُّ مَرجوَّ البرَكة، لكنْ إذا كان في الآية تعوُّذٌ أو دعاءٌ كان أخصَّ بالرُّقية، فأراد بقَوله: (وما يُدرْيكَ) أن يَختبر عِلْمه بذلك، وموضع الرُّقية فيها: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحه:5]؛ أي: على كشْف الضُّرِّ، وسُؤال الفَرَج، والإقرار بالحاجَة إلى عَوْنه، فهو في معنى الدُّعاء، ويحتمل من جِهَة الافتتاح بالحمد الذي هو ثناءٌ على الله، فاستفتح بالثَّناء فجاءَ الفرَج. (وقال شعبة) موصولٌ في (الطِّبِّ). * * *

17 - باب ضريبة العبد، وتعاهد ضرائب الإماء

17 - باب ضَرِيبَةِ الْعَبْدِ، وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الإِمَاءِ (باب ضَريبَة العَبْد)؛ أي: ما يُعيِّن السيد أن يُعطيه كلَّ يومٍ مثلًا مِن الخَراج، فَعِيْلةٌ بمعنى مَفعولةٍ، وجمعه: ضَرائِب. (وتعاهد) أشار البخاري بذلك إلى ما في "تاريخه": حدَّثنا محمَّد ابن كَثِيْر، ثنا شَدَّاد ابن أبي العَالِيَة، ثنا أبو داود الأَحْمَري، أي: واسمه مالك بن داود مِن أهل المَدائِن، قال: خطَبنا حُذَيفة حين قَدِم المَدائِن، فقال: تعاهَدُوا ضَرائب أرِقَّائكُم. 2277 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ، فَخَفَّفَ عَنْ غَلَّتِهِ، أَوْ ضَرِيبَتِهِ. (أبو طيبة) اسمه دِينار، وقيل: نافِع، وقيل: ميسرة. (مواليه)؛ أي: ساداتُه، وجمَعه إما لكونه يُجمع، أو هو كما يُقال: قتَل تميمٌ فُلانًا وإنْ كان القاتِلُ منهم واحدًا، وكان مَولاه مُحَيِّصَةُ ابن مَسْعود الأنصاريُّ، (أو) شكٌّ من الرَّاوي. (من طعام) لا يُنافي ما سبَق في أثناء (البيع): (صاعٌ من تمْر)؛

18 - باب خراج الحجام

لأنَّ الطَّعام يصدُق على التَّمْر أيضًا، أو أن القِصَّة متعدِّدةٌ. (غَلته) بفتح المعجَمة: الحاصِل من مِلْكه. (أو) شكٌّ من الرَّاوي أيضًا، وكان خَراجه ثَلاثَة آصُعٍ، فوضَعوا عنه صاعًا. ووجه ما في التَّرجمة من ضَرائب الإماء القياسُ عليه، وذلك حين لا تَكونُ ضرائبهنَّ من الزِّنا ونحوه، وهو المراد بتَعاهُدها. * * * 18 - بابُ خَرَاجِ الْحَجَّامِ (باب خَراج الحَجَّام) 2278 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: احْتَجَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ. 2279 - حَدَّثَنَا مُسَدَّةٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: احْتَجَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيةً لَمْ يُعْطِهِ. 2280 - حَدَّثَنَا أَبو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بن عَامِرٍ،

19 - باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه

قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه -، يَقُولُ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَجمُ، وَلَمْ يَكُنْ يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ. فيه ثلاثة أحاديث: الأول: عن ابن عبَّاس، والثالث: عن أنس متقاربةُ المعنى. ووجه مطابقة ما فيها مِن لفْظ: (أجْرَةً) وهو بسُكون الجيم؛ للتَّرجمة بخَراج: أن المراد بالخَراج ما يخرج إليه من الأَجْر، أو تَرك تتمَّة الحديث اعتمادًا على سائر الرِّوايات. قال (ط): فيه الشَّفاعة للعَبْد في الضَّريبة، وإنْ لم يكن دَينًا ثابتًا، لكنَّه مُطالَبٌ به، وفيه استِعمال العَبْد بغير إذْن سيِّده إذا كان مَعروفًا به. قلتُ: إذا كان عليه ضَريبةٌ فهي إذْنٌ ضمْنيٌّ. * * * 19 - بابُ مَنْ كَلَّمَ مَوَالِيَ الْعَبْدِ أنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ 2281 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ ابن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَعَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - غُلاَمًا حَجَّامًا، فَحَجَمَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ، أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ، فَخُفِّفَ مِنْ ضَرِيبَتِهِ.

20 - باب كسب البغي والإماء

(باب مَن كلَّم مَوالي العَبْد) الحديث في معنى ما سبق. * * * 20 - بابُ كَسْبِ الْبَغِيِّ وَالإِمَاءِ وَكَرِهَ إِبْرَاهِيمُ أَجْرَ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ. وَقَوْلُ الله تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33]. {فَتَيَاتِكُمْ}: إمَاؤُكُمْ. (باب كَسْب البَغِيِّ) (تحصنًا)؛ أي: تعفُّفًا، والشَّرط في الآية خَرج مَخْرَج الغالِب، فلا يُعمل بمفهومه، أو يقال: انتفَى حُرمة الإكراه لانتِفاء تصوُّر الإكراه حينئذٍ؛ إذ هو اللَّازِم على خِلاف المراد. (حُلْوَان) بضم الحاء: ما يَأْخُذه المتكهِّن على كهانته، ومرَّ آخر (البيع). * * * 2282 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْحَارِثِ بن هِشَامٍ، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ

21 - باب عسب الفحل

الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. 2283 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بن جُحَادَةَ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَسْبِ الإمَاءِ. الحديث الأول، والثاني: (كسبهن)؛ أي: مِن غير الزِّنا خُصَّ بالقَرينة. * * * 21 - بابُ عَسْبِ الْفَحْلِ (بابُ عَسْبِ الفَحْلِ) 2284 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، وَإِسْمَاعِيلُ بن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيِّ بن الْحَكَمِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ. (نهى عن عَسْبِ الفَحْلِ) بفتح العين، وسكون السين المهملة، أي: ضرَابه، المعنى: عن كِرَاء عَسْبِ الفَحْلِ، فحُذف المضاف، وقيل: العَسْبُ: الكِراء، ولم يَرِد النَّهي عن الإعارة لذلك؛ لمَا فيه من

22 - باب إذا استأجر أرضا، فمات أحدهما

قَطْع النَّسْل، وإنما حرُم الكِراء للغَرَر فيه؛ إذ هو غير معلومٍ، ولا يُدرى هل يُلقِّح أو لا؟، وهل تعلَقُ النَّاقة أو لا؟. * * * 22 - بابٌ إِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ ابن سِيرِينَ: لَيْسَ لأَهْلِهِ أَنْ يُخْرِجُوهُ إِلَى تَمَامِ الأَجَلِ. وَقَالَ الْحَكَمُ وَالْحَسَنُ وَإِيَاسُ بن مُعَاوِيَةَ: تُمْضَى الإِجَارَةُ إِلَى أَجَلِهَا. وَقَالَ ابن عُمَرَ: أَعْطَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُذْكَرْ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ جَدَّدا الإجَارَةَ بَعْدَمَا قُبضَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (بابٌ: إذا استأجَر أرْضًا فماتَ أحدُهما)؛ أي: المؤجِّر، أو المستأْجِر. (لأهله)؛ أي: لو رثَته. (أن يخرجوه) من عقد إجارته، ويتصرَّفوا في مَنافعه. (وقال ابن عمر) موصولٌ في الباب إلا قولَ عُبيد الله عن نافِع فموصولٌ في (المُزارعة). (بالشطر)؛ أي: النِّصْف له - صلى الله عليه وسلم -، والنِّصْف للزَّارع. * * *

2285 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بن أَسْمَاءَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَيبَرَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَأَنَّ ابن عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ الْمَزَارِعَ كانَتْ تُكْرَى عَلَى شَيءٍ سَمَّاهُ ناَفِعٌ لاَ أَحْفَظُهُ. 2286 - وَأَنَّ رَافِعَ بن خَدِيجٍ حَدَّثَ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ. وَقَالَ عُبَيْدُ الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ. (وأن ابن عُمر) عطفٌ على: (عن عبد الله). (سماه نافع)؛ أي: سمَّى مِقدارَ ذلك الشيء، إلا أنَّ جُوَيْريَة لم تحفظْه. (حدث) إنما لم يَقُل: حدَّثه كما قال هناك؛ لأن ابن عُمر حدَّث نافعًا بخلاف رافِع؛ فإنه لم يحدِّثه خُصوصًا، وسيأتي في (المزارعة)، على أنه يحتمل أن يكون حَذَف الضَّمير من حدَّثه، وأما النَّهي فإنه كان عن الكِراء ببعْضِ ما يحصُل من المزارع بالنَّقْد وغيره. (وقال عبيد الله) قال (ك): هو كلام مُوسَى، ومن تتمَّة حديثه، ومنه تحصل التَّرجمة، أي: فلا يكون تَعليقًا، وسبق على تقدير التَّعليق أنه وصلَه. قال (ط): اختَلفوا، فقال مالك، والشافعي، وأحمد: لا تَنفسخ الإجارة بموت أحدهما، ولا بموتهما، وقال الكوفيون: تَنفسخ بموت

أيِّهما مات محتجِّين بأنَّ استيفاء المَنْفعة حينئذٍ للمُكتري، وهو ملْك المُكري، وإذا مات زالَ مِلْكه، وأما الوارِث فلا عَقْدَ له معه، وجوابه: أن المستأْجِر ملَك المنفَعة بالعقْد، فلا مِلْكَ فيها للمُورِّث، ولا للوارِث حتى تنقضيَ المدَّة.

38 - كتاب الحوالة

38 - كتاب الحوالة

1 - باب في الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 38 - كتاب الحَوالة 1 - بابٌ في الْحَوَالَةِ، وَهَلْ يَرْجِعُ في الْحَوَالَةِ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقتادَةُ: إِذَا كَانَ يَوْمَ أَحَالَ عَلَيْهِ مَلِيًّا جَازَ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: يَتَخَارَجُ الشَّرِيكَانِ وَأَهْلُ الْمِيرَاثِ، فَيَأْخُذُ هَذَا عَيْنًا وَهَذَا دَيْنًا، فَإِنْ تَوِيَ لأَحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبهِ. (كتاب الحَوَالَة) هي نقْلُ الدَّين من ذِمَّةٍ إلى ذِمَّةٍ أُخرى. (وهل يرجع)؛ أي: المُحتال على المُحيل، وفي بعضه بناؤُه للمَفعول. (كان يوم) بالنَّصب، أو مبنيٌّ على الفتح، يعني: إذا كان المُحال عليه يومَ الحَوالة غنيًّا ثم أفلَسَ بعدها جازَ رُجوع المُحتال على المُحيل، وهو خلاف قَول الشَّافعي، وأحمد، وقال أبو حنيفة: يَرجع إذا ماتَ المُحال عليه مُفْلِسًا.

(يتخارج)؛ أي: يَخرج هذا الشَّريك مما وقَع في نَصيْب صاحبه، وذلك الآخَر كذلك. (تَوِيَ) بفتح المثنَّاة، وكسر الواو: هلَكَ. * * * 2287 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ، فَلْيَتْبَعْ". (أُتْبعَ) مبنيٌّ للمفعول، وهو بسُكون المثنَّاة قبل الموحَّدة: من الإتْباع. قال (خ): يقولونَه بالتَّشديد، والصَّواب التَّخفيف. (ملي) كغَنيٍّ لفْظًا ومعنًى، وفي بعضها بالهمز بوَزْن فَعِيْل بلا إدغامٍ. (فليتبع) بالسُّكون أيضًا أمرٌ من التَّبعيَّة، وذكره (ك): يَتْبع مضارعًا مبنيًّا للفاعل، قال: وعن بعضهم بتشديده من الافتعال، ومعناه: إذا أُحِيْل بالدَّين على غَنيٍّ؛ فليَقْبل الحَوالةَ. وفيه أنَّ المَطْلَ -وهو منع أداء ما استُحقَّ أداؤُه- ظُلمٌ، فلو تكرَّر ذلك كان مُسقِطًا للشَّهادة، ومفهوم الصِّفة أنَّ مَطْلَ الفقير فيه ليس بظُلْمٍ، وكيف وهو معذورٌ، وفي بعض النُّسخ: (فهذا أُتْبعَ) فالترتيب

2 - باب إذا أحال على ملي، فليس له رد

فيه من حيْث (¬1) المَطْلَ إذا كان المَطْلُ فليَقبل الحَوالة، وأنَّ الظاهر أنه يُحترزُ بها عن الظُّلم، وهذا الأمر للإرشاد، أو النَّدب لا للوُجوب خلافًا للظَّاهريَّة. قال (خ): واشتِراط المَلاءَة دليل أنَّه لا رُجوعَ للمُحتال على المُحيل إذا أفْلَسَ المُحال عليه أو مات، وإلا لم يكنْ لاشتراطها معنَى؛ إذ الحَوالة جائزةٌ على مَن كانت له ذِمَّةٌ من غنيٍّ أو فقيرٍ. وقال (ط): الحَوالة رُخصةٌ من بيْع الدَّين بالدَّين كالعَرِيَّة من المُزَابنة. * * * واعلم أنَّ في نُسخة الفَرَبْرِي زيادة: 2 - بابٌ إِذَا أَحَالَ عَلَى مَلِيٍّ، فَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ 2288 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن ذَكْوَانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُتْبعَ عَلَى مَلِيٍّ، فَلْيَتَّبعْ". (بابٌ: إذا أحَالَ على مَلِيٍّ فليسَ لهُ رَدٌّ، وَمَنْ أُتْبعَ على مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعُ) ¬

_ (¬1) في الأصل زيادة: "أن".

3 - باب وإن أحال دين الميت على رجل جاز

ومعناه: إذا كان لأحدٍ عليك شيءٌ فأحلتَه على رجلٍ مَلِيٍّ فقَبلَ ذلك منك؛ فإنْ أفلَسْتَ بعد ذلك؛ فله أن يَتبَع صاحِب الحَوالة، فيَأْخُذَ منه. ثنا محمَّد بن يوسُف، ثنا سُفيان، عن ابن ذَكْوان، عن الأَعْرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُتْبعَ على مَلِيٍّ فَلْيَتْبع". * * * 3 - بابٌ وَإِنْ أَحَالَ دَيْنَ الْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ (بابُ إذا أحَالَ دَيْنَ الميِّتِ على رَجُلٍ جَازَ) 2289 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن أَبي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا. فَقَالَ: "هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " قَالُوا: لاَ. قَالَ: "فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ " قَالُوا: لاَ. فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! صَلِّ عَلَيْهَا. قَالَ: "هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ " قَالُوا: ثَلاَثَةَ دَنَاَنِيرَ. فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا. قَالَ: "هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ " قَالُوا: لاَ. قَالَ: "فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " قَالُوا: ثَلاَثَةُ دنَاَنِيرَ. قَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبكُمْ". قَالَ أَبُو قتادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ

يَا رَسُولَ الله! وَعَلَيَّ ديْنُهُ. فَصَلَّى عَلَيْهِ. الحديث فيه من ثُلاثيَّات البخاري. (ثلاث دنانير) صلاتُه - صلى الله عليه وسلم - على الأَوْسط الذي عليه دين تَرك ثلاثةً؛ لأنه عَلِم بقَرائن الأحوال وغيرها أنَّها تَفي بدَينه. (عليَّ دَينُهُ) هذا ضمانٌ، فما وَجْهُ دُخوله في التَّرجمة بالحَوالة؟! وجوابه: أنه في معنى الحَوالة؛ لأنه نقَل الدَّيْنَ من ذِمَّته إلى ذِمَّة نفْسه، أو أنَّ الضَّمان والحَوالة متقاربان في المعنى؛ لأن كُلًّا منهما يتضمَّن مطالبةَ غير الأَصيل، أشار إلى ذلك (ط)، قال: فالكَفالة في الحديث بَراءةٌ لذِمةٍ، وصار كالحَوالة سواءً. قال (خ): فيه أن الضَّمان عن الميِّت يُبرئه إذا كان معلومًا، سواءٌ خَلَّفَ الميتُ وَفاءً أو لا، وذلك أنه إنما امتنَع من الصلاة عليه لارتهان ذمته بالدَّيْنِ، فلو لم تَبرأ بضمان أبي قَتادة لَمَا صلَّى عليه، والعِلَّة المانعة قائمةٌ، وفيه فَساد قول مالك: أن المؤدَّى عنهُ الدَّيْنُ يملكُه أولًا عن الضَّامِن؛ لأن الميِّت لا يَملِك، وإنما كان هذا قبل أنْ يكون للمُسلمين بيت مالٍ، أما بعدَه فالقَضاء عليه. قال البَيضاوي: لعلَّه - صلى الله عليه وسلم - امتنَع من الصَّلاة على المَديُون حيث لم يَترك وفاءً تحذيرًا من الدَّيْنِ وزجْرًا عن المُماطلة، أو كراهةَ أن يُوقف دعاؤه عن الإجابة بسبَب ما عليه من مَظْلَمَةِ الخَلْقِ.

وفي الحديث حُجَّةٌ على أبي حنيفة في مَنْعه الضَّمان عن الميِّت إذا لم يَترك وفاءً.

39 - أبواب الكفالة

39 - أبواب الكفالة

1 - باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 39 - أبواب الكفالة أبواب الكفالة 1 - بابُ الْكَفَالَةِ فِي الْقَرْضِ وَالدُّيُونِ بِالأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا (باب الكَفالَة في القَرْض والدُّيون)، أي: دُيون المعاملات ونحوها، أو هو مِن عطْف العامِّ على الخاصِّ. 2290 - وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بن حَمْزَةَ بن عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَوَقَعَ رَجُل عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَأَخَذَ حَمْزَةُ مِنَ الرَّجُلِ كَفِيلًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَصَدَّقَهُمْ، وَعَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ. وَقَالَ جَرِيرٌ وَالأَشْعَثُ لِعَبْدِ الله بن مَسْعُودٍ في الْمُرْتَدِّينَ: اسْتَتِبْهُمْ، وَكَفِّلْهُمْ. فَتَابُوا، وَكَفَلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ. وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذَا تَكَفَّلَ بنفْسٍ، فَمَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَكَمُ: يَضْمَنُ. 2291 - قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ

ابن رَبيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن هُرْمُزَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بني إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بني إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِالله شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِالله كَفِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ في الْبَحْرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا، يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً، فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ، فَقَالَ: اللهمَّ! إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَتَي دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِالله كَفِيلًا، فَرَضيَ بِكَ، وَسَألَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِالله شَهِيدًا، فَرَضيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا، أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَهْوَ في ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا، يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَالله مَا زِلْتُ جَاهِدًا في طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ. قَالَ: أُخْبرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإنَّ الله قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا".

(مصدقًا) بتخفيف الدال، أي: آخذًا للصدقة عاملًا فيها. (فصدقهم) جوَّز فيه (ك) ثلاثة أوجهِ: أحدها: أنه بالتَّخفيف، والمعنى: أن الرَّجل الذي وقَع على جاريةِ امرأته اعتَرف بما وقَع عليه منه، لكن اعتذَر بجهله بحُرمة ذلك ظنًّا أنَّ جاريتَها كجارية نفسه، أو كزوجته، أو أنها التَبستْ عليه بزوجته، أو جاريةِ نفسه. ثانيها: أنه بالتَّشديد، وأن المراد: فصدَّق عُمر الكُفَلاء فيما كانوا يَدَّعونه أنه قد جُلِد مرَّةً لذلك، وعلى هذا اقتصر (ش)، وأنَّ البخاري اختصَره مما في "الموطَّأ" -روايةِ ابن وَهْبٍ- عن عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيه قال: حدَّثني حمزة بن عَمْرو الأَسْلَمي، عن أبيه حمزة: أنَّ عُمرَ بعثَه مُصدِّقًا علي بني سَعْد بن هُذَيْم، فأتى حمزة بمال ليصدقه، قال: فإذا رجل يقول لامرأة: صدِّقي مال مولاك، وإذا امرأة تقول له: أنت أدِّ صدقة مال ابنك، فسأل حمزة عن أمرها؟ فأخبر أن الرجل زوج المرأة، وأنه وقع على جارية لها، فولدت ولدًا فأعتقته امرأته، فهذا المال لابنه من جاريتها، وقال حمزة: لأرجمنك كجاريتك، فقال له أهل المال: أصلحك الله إن أمره رفع إلى عُمرَ فجلده مائة، ولم يرَ عليه رجمًا. قال: فأخذ حمزة بالرجل كُفلاء، حتى قدم على عُمرَ فسأله عما ذكر أهل المال فصدقهم عُمر، وإنما درأ عنه الرَّجْم؛ لأنه عذره بالجهالة، انتهى. وهذا يحتمل أن يكونوا هم الكفُلاء، حتى يوافق من قال:

فصدق الكفُلاء. ثالثها: أن معنى فصدَّقهم: أكرمهم، كما في: {مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر:55]، أي: كريم، والمعنى: إكرام عُمر الكُفلاء، وعُذْر الرجل بجَهالة الحُرمة أو الاشتباه، لكنْ يُشكِل جَلْد عمر إيَّاه حينئذٍ، فيُجاب إما بأنَّ ذلك كان قبْل الإحصان بإصابته الزَّوجة، أو أنه اقتضَى اجتهادُه جلد الجاهِل بالحُرمة. (وَكَفَلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ)؛ أي: ضمَّنَهم. واعلم أنَّ أخذ حمزة، وتَكفيل التائبين من الرِّدَّة المراد به التَّعهُّد والضَّبْط، وإلا فمَن احتمل أنَّ عليه حدًّا، ومَن تاب من الرِّدَّة لا معنى للكَفالة فيه؛ لأنه أمرٌ لم يقَع، ولا يُعلم أنه سيقَع أو لا، فالمراد: يَتعاهدون أَحوال الرجل لئلَّا يَهرُب، ويضبطُون الناس حتى لا يَرجعوا للرِّدَّة. قال (ط): هو على سَبيل الترهيب على المكفول ببدَنه، والاستيثاق، لا أنَّ ذلك لازمٌ للكَفيل إذا زالَ المكفول به. قلتُ: كأنَّه يعرض بأنَّ الكَفيل في غير ذلك كالدَّين يقُوم به عن المكفول كما هو مذهب مالك. (وقال الليث) سبَق وصْلُه أوائل (البُيوع). (مَرْكبًا)؛ أي: سَفينةً. (يَقْدَمُ) بفتح الدال.

(صَحِيْفَة)؛ أي: مَكتُوبًا. (زَجَّجَ) بزاي، وجيمين، أي: أصلَح موضع النَّقْر وسوَّاه، ولعلَّه مِن تزجيج الحواجب، وهو التِقاط زَوائد الشَّعْر الخارِج عن الخَدَّين، فإنْ أُخذ مِن الزُّجِّ، وهو سِنان الرُّمح، فيكون النَّقْر قد وقَع في طرَفٍ من الخشَبة، فسدَّ عليه رجاءَ أن يُمسكه، ويحفظ ما في باطنه. (تسلفت فلانًا) المشهور أنَّ تعدية هذا إنما هي بحَرْف الجرِّ. (جَهَدْتُ) بفتح الجيم، والهاء. (نَشَرَهَا)؛ أي: قَطَعها بالمِنْشار، ورواهُ النَّسائي: (كسَرها). (بالألف دينار) هو جائزٌ عند الكوفيين. (راشدًا) حالٌ من فاعِل: انصَرَف. قال (خ): إنَّ فيه دليلًا على دُخول الأجَل في القَرْض، وهو قوله: (إلى أجَل)، وذهب كثيرٌ إلى وُجوب الوَفاء بها، وفيه أنَّ جميع ما يُوجد في البحر هو لواجِده ما لم يَعلمْه مُلكًا لأحدٍ. قال (ط): وفيه أنَّ مَن توكَّل على الله؛ فإنَّه يَنصرُه، فإنَّ الذي نقَر الخشَبة، وتوكَّل على حفْظ الله مالَه، والذي سلَّفَه، وقنِع بالله كفيلًا أوصَل الله مالَه إليه. * * *

2 - باب قول الله تعالى: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}

2 - بابُ قَوْلِ الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} 2292 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ طَلْحَةَ بن مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قَالَ: وَرَثَةً، {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نزَلَتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نَسَخَتْ، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إلَّا النَّصْرَ وَالرِّفَادَةَ وَالنَّصِيحَةَ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ، ويُوصِي لَهُ. (باب قَول الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33]) (يرث المهاجر الأنصاري)؛ أي: وبالعَكْس لشُمول الأخوَّة الجانبَين. (دون ذوي رحمه)؛ أي: أقاربه. (بينهم)؛ أي: بين المُهاجرين والأنْصار. (نسخت)؛ أي: آيةُ المَوالي آيةَ المُعاقدة. (ثم قال) أي: ابن عبَّاس: الآية منسوخةٌ. (إلا النصر) يُستثنى من الأحكام المقدَّرة في الآية المَنْسوخة،

أي: نسَخت تلك الآيةُ حُكمَ نَصيب الإرثِ لا النَّصْر. (والرِّفادة) بكسر الراء، أي: المُعاونة، والرِّفادة أيضًا شيءٌ كان تَترافَدُ به قُريشٌ في الجاهليَّة يخرج مالًا يُشترى به للحاجِّ طعامٌ وزبيبٌ للنَّبيذ، أو (إلا النَّصْر) استثناءٌ منقطِعٌ، أي: لكن النَّصر ونحوه باقٍ ثابثٌ. (وقد ذهب الميراث)؛ أي: مِن بين المعاقِدَين. فإن قيل: ما وجْهُ تعلُّق هذا الباب بالحَوالَة؟ قيل: فيه معناها حيث تحوَّل استِحقاق الوِراثة من القَريب إلى المُعاقِد، أو بالعكس، وهو باعتبار أنَّ أحَد المتعاقدَين كفيلٌ عن الآخَر؛ لأنه كان من جُملة المُعاقَدة؛ لأنهم كانوا يذكُرون فيها: تُطْلَبُ بي، وأُطْلَبُ بك، وَتَعْقِلُ عني، وأعْقِلُ عنك. وقيل: وجه الدَّلالة على الكَفالة: أنها مُلتزَمٌ فيجب الوفاء به كما يجب الوفاء في عَقْد الأُخوَّة، فيُشبه الالتزام في الوَفاء. * * * 2293 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ، فَآخَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بن الرَّبيعِ. الحديث الأول: (بينه وبين سعد) مرَّت قِصَّته أول (كتاب البَيع). * * *

3 - باب من تكفل عن ميت دينا، فليس له أن يرجع

2294 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ حِلْفَ في الإسْلاَمِ"؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي. الثاني: (حِلْف) بكسر المهملَة، وسكون اللام: العَهْد يكون بين القَوم. ووجه الجمع بين "لا حِلْفَ في الإِسلام"، وبين مُحالفته - صلى الله عليه وسلم - بين قُريش والأنصار: أنَّ الجائِز المؤاخاة للرِّفْق والرِّفادة، والممتنِع المعاقَدة على باطِلٍ كما كانوا يفعلونه في الجاهليَّة من الأنْساب، والتَّوارث، ونحو ذلك، وأَصْله من الحِلْف؛ لأنَّهم كانوا يتقاسَمون عند عقده على التِزامه. والواحد حَلِيْفٌ، والجمْع حُلَفاء وأَحْلاف، وقيل: إن المُحالَفة كانتْ أول الإِسلام وزالتْ. * * * 3 - بابُ مَنْ تَكَفَّلَ عَنْ مَيِّتٍ دَيْنًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَبهِ قَالَ الْحَسَنُ.

(باب مَن تكفَّل عن ميِّتٍ دَيْنًا فليْسَ له أنْ يَرجِعَ) 2295 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بن أَبي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِجَنَازَةٍ؛ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ " قَالُوا: لاَ. فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: "هَلْ عَلَيْهِ مَنْ دَيْنٍ؟ " قَالُوا: نعمْ. قَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبكُمْ". قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ الله! فَصَلَّى عَلَيْهِ. الحديث الأول: من ثلاثيات البخاري، وسبَق قريبًا في (الحَوالة) للمناسَبة السَّابقة، ولأنَّه - صلى الله عليه وسلم - أَولى بالمؤمنين من أنفُسهم، فإنَّه أحالَ غَريم الميِّت على أبي قَتادة، ولكنْ هذا موضعُه بالحقيقة؛ لأنه كفالةٌ حقيقةً. * * * 2296 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، سَمِعَ مُحَمَّدَ بن عَلِيٍّ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ، قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا". فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبض النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا. فَأَتَيتنُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لِي حَثْيَةً، فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا

هِيَ خَمْسُ مِائَةٍ، وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا. (لو قد) معنى (قد) هنا التَّحقيق، أي: المَجِيء بوَعْده - صلى الله عليه وسلم - بالعَطاء. (مثليها) بالتَّثنية، وفي بعضها بالإفراد. قال (ط): الجُمهور على جَواز التكفُّل عن الميِّت وإنْ لم يترك شيئًا يَفي به، وشذَّ أبو حنيفة في منعه ذلك، حتى قال الطَّحاويُّ بأنَّ هذا مخالِفٌ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما الاحتِجاج به على عدَم الرُّجوع، فإنه لو كان له الرُّجوع لقامَ الكَفيل مَقام الطَّالِب، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي عليه بعد ضَمان أبي قَتادة، وأما تحمُّل أبي بكرٍ بعِدَة من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فلأنَّ الوَعْد منه يَلزَم إنجازُه؛ لأنه من مَكارم الأخْلاق، وإنه لعلَى خلُقٍ عظيمٍ. وقد استدلَّ به على وُجوب وَفائه - صلى الله عليه وسلم - بالوَعْد، وعدَّه بعض أصحابنا من خَصائصه، وأما تصديق أبي بكرٍ جابرًا في دَعواه فلقَوله: "مَنْ كذَبَ عليَّ مُتعمِّدًا فلْيتَبَوَّأْ مَقْعدَه مِن النَّارِ"، ولا يُظَنُّ بأن مثْلَه يقَع فيه، انتهى. أما دلالته على عدَم الرُّجوع؛ فلأنه لو كان لأبي بكر الرُّجوع للَزِمَ خِلاف مقصوده، وهو بَراءةُ ساحةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن حُقوق النَّاس، مع أنه لو بقِيَ منه - صلى الله عليه وسلم - تَرِكَةٌ لكان صدَقةً، فلا مَجالَ للرُّجوع إليها. * * *

4 - باب جوار أبي بكر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقده

4 - بابُ جِوَارِ أَبي بَكْرِ فِي عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَقْدِهِ (باب جِوارِ أبي بكرٍ في عَهْد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعَقْده) جوار: بكسر الجيم وضمها، أي: الأَمان، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] أي: آمِنْهُ، ومنه: {وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الانفال: 48]؛ أي: مُجيرٌ. 2297 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ: قَالَ ابن شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الله، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ، إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ؛ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبَو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابن الدَّغِنَةِ -وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ- فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَناَ أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، فَأَعْبُدَ رَبي. قَالَ ابن الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ

الْحَقِّ، وَأَناَ لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ ببلاَدِكَ. فَارْتَحَلَ ابن الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ، وَلاَ يُخْرَجُ، أتخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابن الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لاِبن الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبناءَناَ وَنِسَاءَناَ. قَالَ ذَلِكَ ابن الدَّغِنَةِ لأَبي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ وَلاَ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبناؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابن الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْناَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبناءَناَ وَنِسَاءَناَ، فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبي بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابن الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ،

فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ: أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ له. قَالَ أبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إليْكَ جِوارَكَ، وأرْضَى بِجوَارِ الله، ورَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةَ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ". وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكَ؛ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبي أَنْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَحَبَسَ أَبو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. (فأخبرني) عطفٌ على مقدَّرٍ، أي: قال ابن شِهَاب: أخبرني بكذا وكذا عَقِبَ ذلك أخبرني بهذا. (وقال أبو صالح)؛ أي: سُليمان بن صالِح المُلقَّب بـ: سَلَمُويه. (عبد الله)؛ أي: ابن المُبارك، وقد وصلَ هذا التَّعليقَ الذُّهْليُّ في "الزُهْريات". (فلم أعقل) لم أَعرِف، ولم أَعْهَد. (الدِّيْن)؛ أي: دين الإسلام. (قط) قال (ط): يجزم إذا كان بمعنى التَّقليل، نحو: ليس عندي

إلا هذا فقَطْ، ويُضمُّ ويثقَّل إذا كان في معنى الزَّمان نحو: لم أَرهُ قَطُّ. (ابتلي)؛ أي: بإيذاءِ المشركين لهم. (بَرك) بفتح الموحَّدة على الأكثَر، وفي بعضها بالكسر. (الغِماد) بكسر المعجَمة، أو ضمِّها، وآخره مهملةٌ: موضعٌ باليمَن، وقيل: وراء مكَّة بخمس لَيالٍ، وقيل: في أقاصِي هَجَر، قال الجَوْهَري: موضعٌ بناحية اليمَن، وغامِد: حيٌّ من اليمَن، وغَمدان بها، أي: باليمَن. (ابن الدَّغِنَة) قال الغَسَّاني: بفتح الموحَّدة، وكسر المعجَمة، وخِفَّة النُّون، بوَزْن: كَلِمَة، ويُقال: بضمِّ الدال، والغين، وتشديد النُّون، وبالوجهَين رويناه في "الجامِع"، ويقال: بفتح الدال، وسكون الغَين. وقال ابن إسحاق: اسمه رَبيْعة بن رُفيع، والدَّغِنَة اسم أُمِّه، ومعناه لغةً: الغيم الممطِر. وقال (ش) (¬1): إنَّ الأول هو ما لكافَّتهم، وعند أبي زَيْد المَرْوَزي فتح الغين. قال الأَصِيْلي: وكذا قرأَه لنا؛ لأنه كان في لسانه استِرخاء لا يَقدِر على ملكه، وحُكي ضمُّ الدال والغين، وتشديد النون عن القابسِيِّ، وأن الوجهَين حكاهما الجَيَّاني. ¬

_ (¬1) "ش" ليس في الأصل.

فالحاصل من الكلِّ في ضبطه أربعةٌ. (القارة) بالقاف، وتخفيف الراء: قَبيلةٌ موصوفةٌ بجُودة الرَّمي، وهم بنو الهُون بن خزيمة. (أسيح)؛ أي: أسيرُ، مِن السِّياحة. (لا يَخرج) بفتح أوَّله. (ولا يُخْرَج) بالبناء للمفعول. (تَقْوى) بفتح التاء. (وتَكسب) بفتح التاء وضمها. (المعدوم)؛ أي: الفقير الذي بفَقْره كأنه هالكٌ عن الوجود، والمعنى: تكسِب مُعاونتَه. وسبق في أول "الجامع" مباحثُ في مثْله، وأورده (ش) هنا: العديم الفقير، فقيل: بمعنى فاعل. قال: وهذا أحسن من الرِّواية السابقة أوَّل الكتاب في حديث خديجة: (تَكسِب المعدُوم). (الكَل) بفتح الكاف: الثِّقَل، أي: ثِقَل العَجْز. (جار)؛ أي: مُجيْزٌ، قال الجَوْهَري: الذي أجَرْتَه من أن يَظلمه ظالمٌ. (فرجع مع أبي بكر) قيل: كان القياس: فرجَع أبو بكر معه، إلا أنه أطلَق الرجوع، وأراد لازمَه الذي هو المَجيء، أو من قَبيل المُشاكَلة؛

لأن أبا بكر كان راجِعًا، أو أطلَق الرُّجوع باعتبار ما كان قبْلَه بمكة. (فأنفذت)؛ أي: رضُوا بجِواره، ولم يتعرَّضوا لنقضه، وهو بإعجام الذال. (فليعبد) إنما دخلت الفاء؛ لأن التقدير: مُرْ أبا بكرٍ ليَعبُد ربَّه، فليَعبُد. (أن يفتن) من الفتنة والإفتان، ومن التَّفتين. (فَطَفِقَ) بفتح الفاء وكسرها. (بدا)؛ أي: نشأَ له رأْيٌ. (بفناء) بكسر الفاء، والمدِّ، وهو ما امتدَّ من جوانب الدَّار. (فيتقصف)؛ أي: يَزدحمُ حتى يَسقُط بعضهم على بعضٍ، وأصل التقصُّف التكسُّر. (أجرنا أبا بكر) كذا لأكثرهم، ورواه القابسِي بالزَّاي. (نُخْفِرَكَ) بضمِّ أوله، أي: ننقُضَ عَهْدك ولا نَفِيَ به. (سَبخَة) بفتح الموحَّدة، أي: أرضًا مالحةً، وإذا وُصف به الأرض كُسرت الباء. (لابَتين) اللَّابَة بتخفيف الموحَّدة: أرضٌ فيها حِجارةٌ سوداء كأنما أُحرقت بالنَّار، وهي الحَرَّة -بفتح المهملة-. (قِبل) بكسر القاف. (مهاجرًا) حالٌ مقدَّرةٌ.

5 - باب الدين

(رسلك) بكسر الراء، أي: هِيْنَتك من غير عَجَلةٍ. (ترجو ذاك بأبي أنت) إما أن يكون (أنت) مبتدأً، و (بأبي) خبره، أي: مُفَدَّى بأبي، أو (أنت) تأكيدٌ لفاعلِ تَرجُو، و (بأبي) قسَمٌ. (السمُر) بضم الميم: شجَر الطَّلْح. ومناسبة الحديث للتَّرجمة: أن المُجِير مُلتزِمٌ للمُجار أن لا يُؤذى من جهة مَنْ أجاره، وضامنٌ له ذلك، وأنَّ العُهدة في ذلك عليه، قال (ط): هذا الجِوار كان مَعروفًا بين العرب. وفيه أنه إذا خشِيَ المؤمن على نفْسه من ظالمٍ جازَ له أن يَستجير بمن يَحميه وإنْ كان كافرًا، وأنَّ مَن اختار الرِّضا بجِوار الله وقاهُ الله عز وجل بما وَثِقَ فيه، ولم ينَلْه مكروهٌ، وفيه فضيلة أبي بكرٍ وتقدُّمه. * * * 5 - بابُ الدَّيْنِ 2298 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: "هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟ " فَإِنْ حُدِّثَ: أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً، صَلَّى، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبكُمْ". فَلَمَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: "أَنَا أَوْلَى

بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فترَكَ دَيْنًا، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا، فَلِوَرَثَتِهِ". الحديث الثاني: سبق شرحه قريبًا.

40 - كتاب الوكالة

40 - كِتابُ الوَكَالَةِ

1 - باب وكالة الشريك الشريك في القسمة وغيرها، وقد أشرك النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا في هديه، ثم أمره بقسمتها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 40 - كِتابُ الوَكَالَةِ (كتابُ الوَكالة) بفتح الواو وكسرها، أي: التَّفويض؛ مِن وكَلتُ إليه الأمرَ، وَكْلًا ووكولًا: فوَّضتَه، وجعلتَه نائبًا. 1 - باب وَكَالَةُ الشَّرِيكِ الشَّرِيكَ فِي الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ أْشْرَكَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِسْمَتِهَا (باب وَكالةِ الشَّريك في القِسْمة) (وقد اشترك) إلى آخره، ملفَّقٌ من حديثَين وصلَ أحدهما في (الحجِّ)، وهو حديث أمْره أنْ يُقيم على بُدْنِهِ ويقسمَها، ووصلَ الآخَر في (كتاب الشِّرْكة)، وهو حديث: (وأشْرَكَه معه في الهَدْي). 2299 - حَدَّثَنَا قَبيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن أَبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَمَرَنِي

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أتصَدَّقَ بِجلاَلِ الْبُدْنِ الَّتِى نُحِرَتْ وَبجُلُودِهَا. الحديث الأول: (جِلال) بكسر الجيم: جمع جُلٍّ، وهو ما تلبَس الدابَّة. (البُدُن) بضم الدال وسكونها. (نُحِرت) بضم أوله، وكسر ثانيه، وقيل: بفتحهما، والضمير لعليٍّ. ووجه دُخوله في التَّرجمة: ما عُلم من أنه - صلى الله عليه وسلم - أشركَه معه في هَدْيه. * * * 2300 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ضَحِّ أَنْتَ". الثاني: (عَتُود) بفتح المهملَة، وضمِّ المثنَّاة: ما بلَغ من أولاد المعْزِ إلى الرَّعْي وقَوِي. قال (ط): وكالة الشَّريك جائزةٌ كما يجوز شركة الوكيل، نعَمْ، ليس في حديث عُقْبة ذِكْر الشَّريك، ولكن لمَّا وكَّله - صلى الله عليه وسلم - في قِسْمة الضَّحايا وكان شَريك الموهوب إليهم، فتوكيلُه على ذلك كتوكيل

2 - باب إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب -أو في دار الاسلام- جاز

شُركائه الذين قسَم بينهم الأضاحي. * * * 2 - بابٌ إِذَا وَكْلَ الْمُسْلِمُ حَرْبيًّا فِي دَارٍ الْحَرْبِ -أَوْ فِي دَارِ الاِسْلاَمِ- جَاز (بابٌ: إذا وكَّل المُسلم حَرْبيًّا في دار الحَرْب أو في دار الإسلامِ جازَ) 2301 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بن الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بن إِبْرَاهِيمَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ، وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ: لاَ أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبني بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَكَاتَبْتُهُ عَبْدُ عَمْرٍو، فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ؛ لأُحرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ، فَأَبْصَرَهُ بِلاَلٌ، فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: أُمَيَّةُ بن خَلَفٍ؟! لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ. فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي آثَارِناَ، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُوناَ خَلَّفْتُ لَهُمُ ابنهُ؛ لأَشْغَلَهُمْ، فَقتَلُوهُ، ثُمَّ أَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُوناَ، وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا، فَلَمَّا أَدْرَكوناَ قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ. فَبَرَكَ، فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نفسِي لأَمْنَعَهُ، فتخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي، حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ. وَكَانَ عَبْدُ

الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الأثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِه. (صاغيتي) بمهملةٍ، ثم معجمةٍ: خاصَّته ومن يُصغي إليه، أي: يميل إليه، ومنه: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، فالمراد أتباعه، وهو أشْبَه، وقيل: المراد بها المال. (لأحوزه) من الحِيَازة، أي: الجَمْع، وفي بعضها: مِن الحِرْز، أي: الضَّبْط، والحِفْظ، وفي بعضها: مِن التَّجويز، أي: التَّنفيذ. (أُمية) بالرفع، أي: هذا أُميَّةُ، وبالنصب، أي: الزَمُوا أُميةَ. (أتوا) من الإتيان، وفي بعضها: من الإِبَاء. (فتجللوا) وهو بالجِيْم للأَصِيْلي، وأبي ذَرٍّ، أي: علَوه وغَشُّوه، وعند الباقين بالخاء المعجَمة، وهو أظْهَر؛ لقَول عبد الرحمن: فألقَيتُ عليه نفسي، فكأنهم أدخَلُوا أسيافَهم خِلالَه حتى وصَلُوا إليه وطعَنوا بها من تحته، من قولهم: خلَّلتُه بالرُّمح، وأخْللتُه: طعَنْتُه. ولما قتلَه قال أبو بكرٍ أبياتًا منها: هَنِيْئًا زادَكَ الرَّحمن فَضْلًا ... فقَدْ أدْركْتَ ثَأْركَ يا بِلالُ قال المُهلَّب: وترك عبد الرحمن أن يكتب إليه لفظ الرحمن؛ لأنَّ التَّسمية عَلامةٌ، كما فعَل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك يوم الحُدَيبية، وأما سعي بِلالٍ في قتْل أُميَّة، واستِصراخ الأنصار، وإغراؤُهم به؛ فلأنه كان عذَّب بلالًا كثيرًا على الإسلام، وكان يُخرجه إلى الرَّمْضاء إذا حمِيتْ

3 - باب الوكالة في الصرف والميزان

فيُضْجِعُه على ظَهْره، ثم يأْخُذ الصَّخْرة العظيمة فيضعُها على صَدْره، يقول: لا تَزال هكذا حتى تُفارق دِيْنَ محمَّدٍ، فيقول بلالٌ: أحَدٌ أحَدٌ. (سمع يوسف صالحًا وإبراهيم) بالرفع عطفًا على يوسُف، وفائدته -مع أنه قد عُلم سماعهما من الإسناد- تحقيقُ معنَى السَّماع، حتى لا يُظنَّ أنه عنْعنَ بمجرَّد إمكان السَّماع كما هو مذْهب بعض المحدِّثين كمسلمٍ وغيره. * * * 3 - بابُ الْوَكَالَةِ فِي الصَّرْفِ وَالْمِيزَانِ وَقَدْ وَكَّلَ عُمَرُ وَابن عُمَرَ فِي الصَّرْفِ. (بابِ الوَكالَةِ في الصَّرْف والمِيْزان)؛ أي: بيع النَّقد بالنَّقد. 2302 - و 2303 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَجيدِ بن سُهَيْلِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ " فَقَالَ: إِنَّا لَنأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ. فَقَالَ: "لاَ تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا".

4 - باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد ذبح وأصلح ما يخاف عليه الفساد

وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ. (الجَنِيب) بفتح الجيم، وكسر النون: الخِيَار من التَّمْر. (الجمع) المُختلِط من الجيِّد والرَّديء. (في الميزان)؛ أي: في المَوزونات. (مثل ذلك)؛ أي: لا تَبعْ منه رطْلًا برطلَين، بل بعِ بالدَّراهم، ثم ابتَعْ بالدَّراهم. وسبق شرح الحديث، ووجه دلالته على التَّرجمة: أنَّه لما منَع الوكيل عن التَّقابُض عُلم منه جوازُ بيعه صاعًا بصاعٍ، فيكون بيع الدِّرهم بالدِّرهم، والدِّينار بالدِّينار كذلك؛ إذ لا قائلَ بالفَضل. قال (ط): والتَّرجمة صحيحةٌ، وبيع الطَّعام بالطَّعام يدًا بيدٍ مثْل الصَّرف سواءً، وهو شَبيهه في المعنى. * * * 4 - بابٌ إِذَا أَبْصَرَ الرَّاعِي أَوِ الْوَكِيلُ شَاةً تَمُوتُ أَوْ شَيْئًا يَفْسُدُ ذَبَحَ وَأَصْلَحَ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ (بابٌ: إذا أبصَرَ الرَّاعي أو الوكيلُ شاةً) (أصلح) هو جواب الشَّرط، وفي بعضها: (فأصلَحَ)، وهو عطْفٌ

على: (أبصَر)، والجواب محذوفٌ، أي: جازَ، أو نحو ذلك. * * * 2304 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ، سَمعَ الْمُعْتَمِرَ، أنبَأَناَ عُبَيْدُ الله، عَنْ ناَفِعٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابن كَعْبِ بن مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبيهِ: أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا، فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يَسْأَلُهُ. وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَاكَ، أَوْ أَرْسَلَ، فَأَمَرَ بِأكلِهَا. قَالَ عُبَيْدُ الله: فَيُعْجبني أنَهَا أَمَةٌ، وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ. تَابَعَهُ عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ الله. (أنبأنا) لا فَرقَ بينه وبين: أخبَرَنا. (ابن كعب) الظاهر أنَّه من أولاده عبدُ الرَّحمن، وولدُه أيضًا: عبد الله، وعُبيد الله. (بسلع) بفتح المهملَة، وسكون اللَّام، وبمهملةٍ: جبَلٌ بالمَدينة، وفيه تَصديق الرَّاعي، والوكيل فيما ائتُمِنَ عليه حتى يَظهر عليه دليلُ الخِيَانة، وأنَّ ذَبيحة الحُرَّة والأمَة جائزةٌ، والذَّبح بكل جارِحٍ إلا السِّنَّ والظُّفُر. (فكسرت حجرًا) محمولٌ على أنَّ الحجَر كان له حَدٌّ يمُورُ كمَوْر الحَديد.

5 - باب وكالة الشاهد والغائب جائزة

(تابعهُ عَبدة)؛ أي: ابن سُليمان بن عبد الله بن عُمر بن الخطَّاب، وهو موصولٌ في (الذَّبائح). * * * 5 - بابٌ وَكَالَةُ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَكتَبَ عَبْدُ الله بن عَمْرٍو إِلَى قَهْرَمَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ: أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ؛ الصَّغِيرِ وَالْكَبيرِ. (باب وَكالَة الشَّاهِد والغائِب) (قَهْرَمانه) بفتح القاف، والراء: الخادِم، أي: القائِم بالحَوائج. (يُزَكي)؛ أي: زكاة الفطر. * * * 2305 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِنٌّ مِنَ الإِبلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: "أَعْطُوهُ". فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا. فَقَالَ: "أَعْطُوهُ". فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى الله بِكَ. قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". (أوفيتني)؛ أي: أعطيتَني حقِّي. (بك) مِن زيادة الباء في المفعول تأكيدًا.

6 - باب الوكالة في قضاء الديون

(خياركم) يحتمل أنه مُفردٌ بمعنى المُختار، وأنه جمْعٌ. (أحسنكم) أخبر عن الجمع به لا أنَّ أفعَل التَّفضيل المُضاف يجوز فيه المطابقَةُ والإفْرادُ. ووجه مطابقته للتَّرجمة: أنَّ (أعطُوه) خِطابٌ للوكلاء للعُرف وإنْ كان ظاهره أنه خِطَابٌ للآخَرين. * * * 6 - بابُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ (باب الوكالَة في قَضاء الدُّيون) 2306 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ، فَأَغْلَظَ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا". ثُمَّ قَالَ: "أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِلَّا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ. فَقَالَ: "أَعْطُوهُ؛ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً". (فأغلظ) إما شدَّدَ في المطالَبة من غير كلامٍ يقتضي الكُفْر ونحوه، أو أن المُتقاضي كان كافِرًا، فهو يقول ما يشَاءُ.

7 - باب إذا وهب شيئا لوكيل أو شفيع قوم جاز؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لوفد هوازن حين سألوه المغانم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نصيبي لكم"

(فهمُّوا به)؛ أي: فقصَدوا أن يُؤذوه باللِّسان، أو باليَدِ، أو نحو ذلك. (إلا أمثل) هو استثناءٌ من مقدَّرٍ دلَّ عليه السِّياق، أي: لا نَجِدُ الأمثَلَ، أي: لا نجدُ إلا سِنًّا أفضَلَ من سِنِّهِ. وفيه جَواز إقراض الحيَوان مطلَقًا خلافًا لأبي حنيفة. (خيركم)؛ أي: خيركم عند التَّساوي فيما سِوى هذا، لا أنَّه خيرُ الأُمة مطلَقًا، وفيه (مِن) مقدَّرةً، أي: من خيار الناس، وقد جاء كذلك في بعضها. * * * 7 - بابٌ إِذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَكِيل أَوْ شَفِيعِ قَوْمٍ جَازَ؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ الْمَغَانِمَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نَصِيبي لَكُمْ" (بابٌ: إذا وهَب شيئًا لوكيلٍ)؛ أي: بالتنوين، ويجوز بالإضافة نحو: بَينَ ذِرَاعَيْ وجَبْهةِ الأَسَدِ (هَوَازِن) بفتح الهاء، وخفَّة الواو، وكسر الزاي، وبنونٍ: قَبيلةٌ من قَيْس. * * *

2307 - و 2308 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ: أَنَّ مَرْوَانَ ابن الْحَكَم وَالْمِسْوَرَ بن مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَ أَصْدَقُهُ. فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ؛ إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ". وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُوناَ تَائِبينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ الله عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ". فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبنا ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ". فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرُوهُ: أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. (زعم)؛ أي: قال، ثم تُستعمل في القَول المُحقَّق.

(واسْتَأنَيْتُ به)؛ أي: انتظرتُه، ويقال للمتمكِّن في الأُمور: مُتأَنٍّ، ومُسْتأْنِ، والأناة: الرِّفْق. (قَفَل)؛ أي: رجَع. (يطيب) من الثُّلاثي، ومن الإفعال، ومن التَّفعيل، أي: يردُّ الشَّيء مجانًا برضا نفْسه وطِيْب قَلْبه. (مَا يُفِيءُ)؛ أي: يَرجع، وهو شاملٌ للفَيء والغَنيمة، وفرَّقَ الفُقهاء بينهما، أي: حيث اجتمَعا. (عُرَفاؤكُم) جمع عَرِيْفٍ، أي: الذي يَعرف أُمورَ القَوم وأحوالَهم، وهو النَّقيب، وهو دُون الرَّئيس، وفى بعضها: (يَرفعوا) على لُغةِ: أكَلُوني البَراغيث. قال (خ): فيه جَواز سَبْي العرَب واسترقاقِهم كالعجَم، واستدلَّ به أيضًا مَن يَرى قَبول إقرار الوكيل على موكِّله؛ لأنَّ العُرَفَاء بمنزلة الوكَلاء عنهم في أمورهم. (طَيَّبنا)؛ أي: بقُلوبنا، أي: طابتْ أنفُسنا بذلك، فلمَّا سمع - صلى الله عليه وسلم - ما نقَلُوه إليه من القول أنفذَه عليهم، ولم يسأَلْهم عمَّا قالوه، وكان في ذلك تحريم فُروج النِّساء على مَنْ كانت حلَّتْ لهم. وفيه قَبول خبر الواحد. * * *

8 - باب إذا وكل رجل أن يعطي شيئا، ولم يبين كم يعطي، فأعطى على ما يتعارفه الناس

8 - بابٌ إِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِي، فَأَعْطَى عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ (باب إذا وكَّل رجلًا أن يُعطيَ شيئًا) 2309 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاء ابن أَبي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يُبَلِّغْهُ كلُّهُمْ، رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ، إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، فَمَرَّ بِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ "قُلْتُ: جَابرُ بن عَبْدِ الله. قَالَ: "مَا لَكَ؟ " قُلْتُ: إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ. قَالَ: "أَمَعَكَ قَضيبٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "أَعْطِنِيهِ". فَأَعْطَيْتُهُ، فَضَرَبَهُ، فَزَجَرَهُ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ أَوَّلِ الْقَوْمِ، قَالَ: "بعْنِيهِ". فَقُلْتُ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "بعنِيهِ، قَدْ أخَذْتُهُ بِأرْبَعَةِ دنَانِيرَ، ولَكَ ظَهْرُهُ إلى الَمدِينَةَ"، فَلَمَّا دنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ. قَالَ: "أَيْنَ تُرِيدُ؟ " قُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً قَدْ خَلاَ مِنْهَا. قَالَ: "فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ". قُلْتُ: إِنَّ أَبي تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بناتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلاَ مِنْهَا. قَالَ: "فَذَلِكَ". فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: "يَا بِلاَلُ! اقْضهِ، وَزِدْهُ". فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَاَنِيرَ، وَزَادَهُ قِيرَاطًا. قَالَ جَابرٌ: لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَلَمْ يَكُنِ

الْقِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ جَابرِ بن عَبْدِ الله. (بعضهم) الضمير فيه لـ (غير)؛ لأنه بمعنى الجمع. (لم ينقله) الضمير للحديث، أو للرسول. (رجل) بدَلٌ من: كُل. (عن جابر) متعلِّقٌ بعَطاء، وفي أكثر الروايات بلفظ: (الغير) أي: بالجرِّ، وأما رفعه فعلى الابتداء، و (يزيد) خبَره، ويحتمل أن يكون (رجل) فاعلَ فعلٍ مقدَّرٍ نحو: بلَّغه، وعلى التَّقادير لا يخفى ما في هذا التركيب من التَّعجْرُف، ولو كان بدَّل كلهم بضمير المفرد لكان ظاهرًا، وأما الزِّيادات والتَّفاوت فستأتي في (باب الشُّروط). (ثُفَال) بالمثلَّثة، وخفة الفاء، وباللام: البَطيء السَّير الثَّقيل الحركة، قاله (ع)، ورواه بكسر الثاء، وهو خطأٌ. (فكان)؛ أي: الجمل من مكان الضَّرب في أوائل القَوم في مبادئهم ببركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث تبدَّل ضعفُه بالقوَّة. (ولك ظهره)؛ أي: لك أن تَركَب، وهذا إعارةٌ منه - صلى الله عليه وسلم - لجابر، وإباحةٌ، لا أنه شَرْطٌ في البيع. (خلا)؛ أي: ماتَ عنها زوجها. (جارية) بالنَّصب بفعل مقدَّرٍ، أي: هلَّا تزوجتَ جاريةً. (جربت)؛ أي: اختبرت حوادثَ الدَّهر، وصارتْ ذات تجربةٍ تَقدر على تعهُّد أخواته، وتفقُّد أحوالهنَّ.

9 - باب وكالة الامرأة الإمام في النكاح

(فذلك) مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: مباركٌ ونحوه. (اقضه)؛ أي: دَيْنَه، وهو ثمَن الجمَل. (فلم يكن)؛ أي: القِيراط، وهو مَقول عَطاء. (قِرَاب) وهو وِعاءُ السَّيْف، ويُروى: (جِرَاب) بالجيم. * * * * * * 9 - بابُ وَكَالَةِ الامْرَأَةِ الإمَامَ فِي النِّكَاحِ (باب وكالَة المَرأَة)؛ أي: توكيله، (الإمام) مفعولٌ به، وقال (ك): الإمام مرفوعٌ بأنه فاعل المصدر. 2310 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا. قَالَ: "قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". (نفسي) وفي بعضها: (من نفسي). قال (ن): مما أُنكِر على الفقهاء قولهم: وهبتُ مِن فلانٍ كذا، وجوابها أنَّ زيادة (مِنْ) في الموجب جائزةٌ عند الأخْفَش والكوفيين. (بما معك) فيه جواز كون الصَّداق تعليمَ القرآن؛ لأن ظاهره أن

10 - باب إذا وكل رجلا، فترك الوكيل شيئا، فأجازه الموكل، فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز

الباء للتعويض، نحو: بعتُ هذا الثَّوب بدينارٍ، وإلا فلا فائدةَ في ذِكْره، ومنَعتْه الحنفيَّة، وقالوا: الباء للسبَبية، أي: تزوجتَها بسبب ذلك. وفيه استحباب عَرْض المرأة نفْسها على الصُّلَحاء لتزويجها، وأنَّ مَن طُلب منه حاجةً لا يمكنه قضاؤها أنْ يسكُت سكوتًا، ولا يُخجله بالمنع. * * * 10 - بابٌ إِذَا وَكَّلَ رَجُلًا، فَتَرَكَ الْوَكِيلُ شَيْئًا، فَأَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَل مُسَمًّى جَازَ 2311 - وَقَالَ عُثْمَانُ بن الْهَيْثَم أَبُو عَمْرٍو: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، وَقُلْتُ: وَالله لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ. قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ. قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ". فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهُ سَيَعُودُ. فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: دَعْنِي؛ فَإِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ

عِيَالٌ، لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ. قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ". فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ الله، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ. قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ الله بِهَا. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيّ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ؛ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ الله حَافِطٌ، وَلاَ يَقْرَبنكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ. فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ "قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي الله بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ. قَالَ: "مَا هِيَ؟ " قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ الله حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: "ذَاكَ شَيْطَانٌ". (باب: إذا وكَّل رجلًا فتركَ الوكيل) (وقال عُثمان) وصلَه المُسْتملي في روايةٍ عن محمد بن عُقيل،

عن أبي الدَّرداء بن مُنِيْب عنه. (يحثو) بمهملةٍ، ومثلَّثةٍ، أي: يأْخذُه بكفَّيه. (أما) بالتخفيف. (أنه) بفتْح همزةِ (أنَّ) وكسرها. (كذلك)؛ أي: في أنَّه مُحتاجٌ، وسيعود إلى الأخْذ. وفيه معجزةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث وقَع كما أخبَر. (كذلك)؛ أي: في الاحتياج، وفي عدَم العَود. (رصدته)؛ أي: ترقَّبتُه. (ولا يَقْرَبَك) بفتح الراء والباء، وأصله: يقربنك. (ما هي) وفي بعضها: (ما هو؟) أي: الكلام النافِع، أو الشيء. (أوَيْتَ) من الثُّلاثي على المشهور في اللازِم. (من الله) ليس متعلِّقًا بحافظ، أو متعلِّقٌ به، ومعناه: من جِهَة أمر الله وقدَره، أو من بأْس الله ونِقْمته، كقوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]. (وكانوا)؛ أي: الصَّحابة أحرصَ النَّاس على تعليم الخير، وإنما خلَّى سبيلَه حِرْصًا على أن يُعلِّمه كلماتٍ ينفعُه الله بها. (وهو كذوب)؛ أي: مِن شأنه وعادته الكَذِب بأنْ كان صادِقًا في نفع قراءة آية الكُرسيِّ، فالكَذوب قد يصدُق، والتَّتْميم به في غاية

11 - باب إذا باع الوكيل شيئا فاسدا، فبيعه مردود

الحُسْن؛ إذ بإثبات الصِّدْق له ربما يُوهِم مَدْحَه، فاستدركَه بصيغةٍ تُفيد المبالغة في كذِبه، قاله الطِّيْبي. وفيه أن الشَّيطان قد يَراه الإنسان، وأنه حافِظٌ للقُرآن عالمٌ نفْعَه. ووجه دلالته على التَّرجمة بالإقْراض لأجلٍ مسمًّى: أنه أمهلَه إلى الرَّفْع للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قال الطِّيْبي: فمعنى لأَرفعنَّك، أي: لأذهبن بك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليَحكُم عليك بقطع اليد. قيل: أبو هريرة ترَك الذي حثَا الطَّعام، فأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فأجاز فعلَه، وفيه نظرٌ؛ لأن أبا هريرة لم يكُن وكيلًا بالعَطاء، بل في الحِفْظ خاصةً. وفيه دليلٌ على جمع زكاة الفِطْر من الجَماعة، ثم توكيلهم أحدًا بتصريفها، وعلى جَواز تعلُّم العِلْم ممن لم يعمَلْ بعِلْمه. * * * 11 - بابٌ إِذَا بَاعَ الْوَكِيل شَيْئًا فَاسِدًا، فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ (بابٌ: إذا باعَ الوكيلُ شيئًا فاسدًا فبَيعُه مردودٌ)؛ أي: بيعًا فاسِدًا.

2312 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ هُوَ ابن سَلَّامٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بن عَبْدِ الْغَافِرِ: أنَّهُ سَمعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ بِلاَلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ " قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ عِنْدَناَ تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ؛ لِنُطْعِمَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "أَوَّهْ أَوَّهْ! عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا! لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ، فَبعِ التَّمْرَ ببَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ". (بَرْنِي) بفتح الموحَّدة، وإسكان الرَّاء، وبالنون، قال في "المُحْكَم": ضرْبٌ من التَّمْر أصفَر مدوَّرٌ، هو أجوَد التمر. (ليطعم) في بعضها: (لمَطْعَمٍ) بالميم. (أوَّهْ) بفتح الهمزة، وشدَّة الواو، وسكون الهاء، قال (ع): كذا رويناه بالقَصْر، وقيل: بمدِّ الهمزة، قالوا: ولا تُمدُّ إلا لبُعد الصَّوت، وقيل: بسكون الواو، وكسر الهاء، ومِن العرَب مَن يمدُّ الهمزة، ويجعل بعدَها واوَين، فيقول: أووه، وهي كلمةٌ تقال عند الشِّكاية والحُزْن، ومنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ} [التوبة: 114]. (عَيْنُ الرِّبا) إنَّ هذا البيع هو نفْس الرِّبا حقيقةً. * * *

12 - باب الوكالة في الوقف ونفقته، وأن يطعم صديقا له، ويأكل بالمعروف

12 - بابُ الْوَكَالَةِ فِي الْوَقْفِ وَنَفَقَتِهِ، وَأَنْ يُطْعِمَ صَدِيقًا لَهُ، وَيأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ (باب الوكالَة في الوَقْف ونفَقتِه)؛ أي: نفَقة الوكيل، وإطعامهِ صديقَه. 2313 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ - رضي الله عنه -: لَيْسَ عَلَى الْوَلِيِّ جُنَاحٌ أَنْ يَأْكُلَ ويُؤْكِلَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَأثِّلٍ مَالًا. فَكَانَ ابن عُمَرَ هُوَ يَلِي صَدَقَةَ عُمَرَ يُهْدِي لِلنَّاسِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ. (قال عُمر) وفي بعضها: (صدَقة عُمرَ) بالإضافة، فيه إرسالٌ إذ هو لم يُدرِك عمر، وفي بعضها: (عمرو) بالواو، فالقائل به هو ابن دِيْنار، أي: قال في وقْف عُمَر بن الخَطَّاب ذلك. (مُتَأثل)؛ أي: متأَصِّلٍ، مِن أثْلَة الشَّيء أصْلُه، فالمتَأثِّل مَن يَجمع مالًا ويجعلُه أصْلًا. (ينزل)؛ أي: ابن عُمر على ناسٍ من مكة، ويُهدي لهم من صدَقة عُمر. * * *

13 - باب الوكالة في الحدود

13 - بابُ الْوَكَالَةِ فِي الْحُدُودِ (باب الوكالَة في الحُدود) 2314، 2315 - حَدَّثنَا أَبَو الْوَلِيدِ، أَخْبَرَناَ اللَّيْثُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ زيدِ بن خَالِدٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا". الحديث الأول: (واغْدُ يا أُنَيْسُ) هو مختصرٌ من الحديث المطوَّل، سبَق مرَّاتٍ. * * * 2316 - حَدَّثَنَا ابن سَلاَمٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابن أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بن الْحَارِثِ، قَالَ: جِيءَ بِالنُّعَيمَانِ أَوِ ابن النُّعَيْمَانِ شَارِبًا، فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ أنْ يَضْرِبُوا، قَالَ: فَكُنْتُ أَناَ فِيمَنْ ضَرَبَهُ، فَضَرَبناهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ. الثاني: (بالنعيمان) مصغَّر نُعمان، وهو ابن عَمْرو الأنْصاري، كان من قُدماء الصَّحابة وكبارهم، وكانت فيه دُعابةٌ، وقال ابن عبد البَرِّ: إنه كان رجُلًا صالحًا، وإنَّ الذي حدَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخَمْر كان ابنه.

14 - باب الوكالة في البدن وتعاهدها

قال (خ): وفيه أنَّ حدَّ الخَمْر لا يُستأنى به الإفاقة كحدِّ الحامِل لتضَع الحَمْل، وفيه أنَّه أخفُّ الحُدود. * * * 14 - بابُ الْوَكَالَةِ فِي الْبُدْنِ وَتَعَاهُدِهَا (باب الوكالَة في البُدن وتعاهُدِها) 2317 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الله بن أَبي بَكْرِ بن حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضيَ الله عَنْهَا: أَناَ فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - شَيْءٌ أَحَلَّهُ الله لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ. الحديث فيه سبَق في (الحجِّ) وغيره. * * * 15 - بابٌ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِوَكِيلِهِ: ضَعْهُ حَيْثُ أرَاكَ الله وَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ (بابٌ: إذا قال الرَّجُل لوكيله: ضَعْهُ حيثُ أراكَ الله) 2318 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بن يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ

إِسحَاقَ بن عَبْدِ الله: أنَّهُ سَمِعَ أَنس بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بِيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبلَةَ الْمَسْجدَ، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا نزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ فِي كتابهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَ بِيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ الله، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ الله حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ: "بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبينَ". قَالَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ الله. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبهِ وَبني عَمِّهِ. تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ رَوْحٌ، عَنْ مَالِكٍ: رَابحٌ. (أكثر أنصاري) هو من التَّفضيل بالتَّفصيل، أي: أكثر مِن كلِّ واحدٍ من الأنصار، ولهذا لم يقل: أكثَر الأنصار. (بَخْ) بفتح الموحَّدة، وسكون المعجَمة، وتنوينها. (رائح) من الرَّواح. (تابعه إسماعيل) موصولٌ في (سورة آل عمران). (وقال رَوْح) وصلَه أحمد. (رابح) بالموحَّدة في هذه الرِّواية، وسبق شرحه. * * *

16 - باب وكالة الأمين في الخزانة ونحوها

16 - بابُ وَكَالَةِ الأَمِينِ فِي الْخِزَانَةِ وَنَحْوِهَا (باب وكالَة الأَميْن في الخِزَانة ونحوِها) (الخِزَانة) بكسر الخاء: اسمٌ للموضع الذي يُخزن فيه. 2319 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بن عَبْدِ الله، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُنْفِقُ -وَرُبَّمَا قَالَ: الَّذِي يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبٌ نَفْسُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ". سبق الحديث فيه في (الزكاة)، في (أجْر الخادِم). (المُتَصَدِّقَيْنِ) بالتَّثنية.

41 - كتاب الحرث

41 - كِتَابُ الحَرْثِ

1 - باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 41 - كِتَابُ الحرْثِ ما جَاءَ في الحَرثِ والمُزارعَةِ 1 - بابُ فُضْلِ الزَّرْعِ والغَرسِ إذا أُكِلَ مِنْهُ وقوله الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}. (كتابُ الحَرْث) (باب فَضْل الزَّرع) 2320 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ (ح) وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِم يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ". 2320 / -م - وَقَالَ لنا مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

الحديث فيه حُجَّةٌ على الصَّحيح في أفْضل المكاسِب الثلاث: أنَّه الزِّراعة، وثانيها: التِّجارة، وثالثها: الصِّناعة. (مسلم) قال الطِّيْبي: نُكَّر بعد النَّفي ليَعمَّ، وزاده تأكيدًا (من) الاستِغراقية، فيشمل الحرَّ والعبدَ، ونكِّر أيضًا ما بعد ذلك ليعمَّ كلَّ منتفَعٍ به. قال البَغَوي: رُوي أنَّ رجلًا مرَّ بأبي الدَّرداء وهو يَغرِس جَوزةً، فقال: أتَغرس هذه وأنت شيخٌ كبيرٌ، وهي لا تُطعم إلا في كَذا عامًا، فقال: وما عليَّ أنْ يكون لي أجْرُها، ويأْكل منها غيري. وذكر أبو الوَفاء البَغدادي: أنه مَرَّ أَنُوشُروان على شيخٍ يغرِس شجَرَ الزَّيتون، فقال: ليس هذا أَوان غَرْسِك الزَّيتونَ، وهو بطِيء الإثْمار، فقال: غَرَسَ مَنْ قَبْلنا فأكلْنا، ونَغْرِسُ ليأكلَ مَن بعدَنا، فقال: زِهْ، أي: أحسَنْتَ، وكان إذا قال ذلك يُعطي مَن قِيْلت له أربعةَ آلاف درهمٍ، فقال: أيُّها الملِك كيف تتعجَّب من إبطاء ثمره؟، وما أَسْرعَ ما أثْمرت، فقال: زِهْ، فزيد أربعةَ ألافٍ، فقال: كلُّ شجَرةٍ تُثمر في العام مرَّةَ، وقد أثمرتْ شجَرتي في ساعةٍ مرتين، فقال: زِهْ، فزيد مثلَها، ومضى أنُوشُروان قائلًا: لو وقَفْنا عليك لم يكفِه ما في خزائننا. (وقال لنا مسلم) أخرجه مسلم. * * *

2 - باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحد الذي أمر به

2 - بابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ عَوَاقِبِ الاِشْتِغَالِ بآلَةِ الزَّرْعِ، أَوْ مُجَاوَزَةَ الْحَدِّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ (باب ما يُحذر من عَواقِب الاشتِغال بآلةِ الزَّرْع) إلى آخره، فيه إشعارٌ بأنه لا تكون الزِّراعة أفضلَ المَكاسِب إلا حيث لم يَشتغِل بها، ويَركن إليها، ويَترك الجِهاد. 2321 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن زِيَادٍ الألهَانِيُّ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ -وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ- فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أُدْخِلَهُ الذُّلُّ". (سِكة) بالكسر: هي الحَديدة التي تحرث بها الأرض. (الذل)؛ أي: من جِهَة الدُّنيا، وإنْ كان فيها عزٌّ وثَوابٌ من جِهَة الآخرة، وذلك لما يَلزمهم من جِهَة الحُقوق التي تُطالبهم بها السَّلاطين وأُمراؤهم، قال الشاعر: هِيَ العَيْشُ إلَّا أَنَّ فيها مَذلَة. . . فمَنْ ذَلَّ قاسَاها ومَنْ عَزَّ باعَها * * *

3 - باب اقتناء الكلب للحرث

3 - بابُ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلْحَرْثِ (باب اقْتِناء الكلب للحَرْث) الاقتناء: الاتِّخاذ، والإِمْساك. 2322 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بن أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيراطٌ، إلَّا كَلْبَ حَرثٍ أو مَاشِيَةٍ". قال ابن سِيرِينَ وأبُو صَالِحٍ، عَن أبي هُرَيرَةَ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إلا كَلْبَ غَنَمٍ، أوْ حَرْثٍ، أوْ صَيْدٍ". وقال أبُو حازِمٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ". الحديث الأول: (قيراط) هو هنا مِقْدارٌ معلومٌ عند الله تعالى، أي: نقصَ جُزءٌ من أجزاء عمَله، وسبب النَّقْص؛ قيل: لامتِناع الملائكة من دُخول بيته، أو ما يَلحق المارِّين من الأذى، أو ذلك عقوبةٌ لهم لاتخاذهم ما نُهي عن اتخاذه، أو لكثْرة أكلها النَّجاسات، أو لكَراهة رائحتها، أو لأنَّ بعضها شيطانٌ، أو لوُلوغه في الأَواني عند غَفْلة صاحبها.

(أو) هي للتَّنويع هنا لا للتَّرديد، واستثنى الكلب الذي فيه منفعةٌ تَرجيحًا للمَصلحة الرَّاجِحة على المَفْسَدة. (وأبو صالح) وصلَه أبو الشَّيْخ في كتاب "الترغيب". (قال أبو حازم) وصلَه أيضًا أبو الشَّيْخ في كتاب "الترغيب". * * * 2323 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بن خُصَيْفَةَ: أَنَّ السَّائِبَ بن يَزِيدَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بن أَبي زُهَيْرٍ -رَجُلًا مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ- وَكانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ". قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجدِ. الحديث الثاني: (رجل) مرفوعٌ خبر مبتدأ محذوفٍ كان من أهل السَّراة، ويَنزل المدينةَ كثيرًا. (شَنُوْءة) بفتح المعجَمة، وضم النون، وسكون الواو، وبالهمز. (لا يغني)؛ أي: لا ينفع بسبَبه، أو لا يُقيم به. (ضرعًا) هو كلُّ ذات ظُلْفٍ وخُفٍّ، وهذا كنايةٌ عن الماشية. واعلم أنه قال هنا: (قِيْراط)، وجاء في بعض الروايات: (قِيْراطان)،

4 - باب استعمال البقر للحراثة

فإما أنَّ ذلك باعتبار نوعَين: أحدهما أشدُّ إيذاءً من الآخَر، أو قالَه في زمانيَن؛ قال أولًا: قيراطًا، ثم زاد في التَّغليظ، فقال: قيراطين، أو أن القيراطَين في المدُن والقُرى، والقِيْراط في البَوادي. * * * 4 - بابُ اسْتِعْمَالِ الْبَقَرِ لِلْحِرَاثَةِ (باب استِعمال البقَر للحِراثَة) 2324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكبٌ عَلَى بَقَرَةٍ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ. فَقَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ"، قَالَ: "آمَنْتُ بِهِ أَناَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً فتبعَهَا الرَّاعِي، فَقَالَ الذِّئْبُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ " قَالَ: "آمَنْتُ بِهِ أَناَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: ومَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ. (لم أُخْلق لهذا)؛ أي: للرُّكوب. (به)؛ أي: بتكلُّم البقَرة، وكذا في تكلُّم الذِّئب. قال (ش): (هذا استنقذتها) جوَّز ابن مالك فيه ثلاثةَ أوجُهٍ: أنه مُنادى حُذف منه حرف النِّداء، أو في مَوضع نصبٍ على الظَّرفية مشارًا به لليوم،

والأصل: هذا يوم الاستِنقاذ، أو في موضع نصبٍ على المصدريَّة. (يوم السَّبُع) بفتح السين، وضم الموحَّدة، ورُوي بإسكانها، أي: الحيَوان المعروف، وقيل: إنه بالسُّكون يوم القيامة، وإنَّ ذلك اسم للمَوضع الذي عنده المَحشَر، وأنكره آخرون؛ لأن يوم القيامة لا يكون الذِّئْب راعيَها، ولا له تعلُّقٌ بها، ويحتمل أنه أراد يَومَ أَكْلي لها، يقال: سَبَعَ الذِّئب الغنَم أكلَها، وقيل: يوم الإهمال، وقال الدَّاودي: معناه إذا طردَكَ عنها السَّبُع فبقيتُ أنا فيها أتحكَّم دونك؛ لفِرارك منه، وقيل: من سَبعْتُ الرَّجل: ذَعَرتَه، أي: مَن لها يوم الفَزَع، وقيل: من أُسبعت، أي: أُهملت، أي: من لها يوم الإهمال، وقيل: يوم السبُع عيدٌ في الجاهلية يجتمعون فيه للَهْوِهم، فيُهملُون مواشيَهم فيأكلها السبُع، وهذا لا يُلائم سِياق الحديث، وقيل: إنما هو بمثنَّاةٍ تحت، أي: يوم السِّياع، يقال: أسيَعت وأصيَعت بمعنًى، وقال (ن): مَن لها عند الفِتَن حين يتركها الناسُ هَمَلًا لا راعيَ لها نُهبةً للسِّباع، فيبقى السبُع لها راعيًا، أي: منفردًا بها. (وما هما)؛ أي: لم يكونا يومئذٍ حاضرَين، وإنما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لعِلْمه بصِدْق إيمانهما وقُوَّة يقينهما، وكمال مَعرفتهما بقُدرة الله تعالى. وفيه جَواز كرامات الأَولياء. * * *

5 - باب إذا قال: اكفني مؤونة النخل أو غيره وتشركني في الثمر

5 - بابٌ إِذَا قَالَ: اكْفِنِي مَؤونَةَ النَّخْلِ أَوْ غَيْرِهِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ (بابٌ: إذا قال: اكفِنِيَ مَؤُونةَ النَّخْل) (وَتَشْرَكني) بفتح أوله وثالثه، أو بضمِّ أوله، وكسر ثالثه، وفيه الرفع والنَّصْب. 2325 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بن نَافِعٍ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبَو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ. قَالَ: "لاَ". فَقَالُوا: تَكْفُوناَ الْمَؤُنَةَ وَنُشْرِكَكُمْ فِي الثَّمَرَةِ. قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. (إخواننا)؛ أي: المُهاجرين، وهذا عقد المُساقاة. * * * 6 - بابُ قَطْعِ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ وَقَالَ أَنَسٌ: أَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. (باب قَطْع الشَّجَر والنَّخْل) (وقال أنس) موصولٌ في (الهجْرة)، وغيرها.

2326 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ حَرَّقَ نَخْلَ بني النَّضيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُويْرَةُ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ: وهَانَ عَلَى سَرَاةِ بنيْ لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالبُويْرَةِ مُسْتَطِيرُ (النَّضيْر) بفتْح النُّون، وكسر المعجَمة: قَومٌ من اليَهود. (البُوَيْرة) بضم الموحَّدة، وفتح الواو، وسُكون الياء، وبالرَّاء: نخلٌ بقُرب المدينة، وقال الجَوْهَري: البُؤْرة بالهمز: الحُفْرة. (سَراة) بفتح المهملة: ساداتٌ، جمع سَرِيٍّ على غير قياسٍ. (لُؤي) بضم اللام، وبالواو، والهمزة المفتوحة: تَصغير لأْيٍ: اسمُ رجلٍ، والمراد أكابر قُريش. (مستطير)؛ أي: مُنتشِر. قال (خ): هذا يَفعل إذا دعَت الحاجَةُ إليه، وقيل: النَّخْل كانت مُقابلة القوم، فقُطعت ليَبرز مكانها، فيكون مَجالًا للحرب. قال صاحب "المُعجم": إنما قال حسَّان ذلك لأنَّ قُريشًا هم الذين حمَلوا كعْب بن أسد القُرَظي صاحب عقد بني قُريظة على نقض العَهْد بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرَج معهم إلى الخنْدق. * * *

7 - باب

7 - بابٌ (بابٌ) 2327 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الله، أَخْبَرَناَ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بن قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ، سَمعَ رَافِعَ بن خَدِيجٍ، قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ، قَالَ: فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ، وَتَسْلَمُ الأَرْضُ، وَمِمَّا يُصَابُ الأَرْضُ، وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ. (مزدرعًا) هو مكان الزَّرع، أو مصدرٌ، وأصله: مَزْرَعًا، أُبدلت التاء دالًا. (مسمى) القياس مُسمَّاه، ولكنه ذكَره باعتبار أنَّ ناحية الشيء بعضُه، أو باعتبار زرعها، وفي بعضها: (يُسمَّى) بلفظ الفعل المبنيِّ للمفعول. (سيد الأرض)؛ أي: مالكها تَنزيلًا لها منزلة عبْدٍ. (يصاب)؛ أي: يقَع له مصيبةٌ، ويتلَف ذلك، ويسلَم باقي الأرض تارةً، وبالعكس أُخرى. (فَنُهينا) عن ذلك؛ لأنه مُوجِبٌ لحِرْمان أحد الطَّرفَين، فيؤدِّي إلى أكْل المال بالباطِل، ويحتمل أنْ تكون (مما) بمعنى: ربما؛ لأنَّ حروف الجرِّ يُقام بعضها مُقام بعضٍ، ومن التَّبعيضيَّة تُناسب رُبَّ التَّقليلية، فلا

8 - باب المزارعة بالشطر ونحوه

يحتاج حينئذٍ أن يُقال: إنه مِن وضْع مُظهَرٍ مَوضعَ مُضمَرٍ. * * * 8 - بابُ الْمُزَارَعَةِ بِالشَّطْرِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ قَيْسُ بن مُسْلِمٍ، عَنْ أَبي جَعْفَرٍ، قَالَ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْل بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلَّا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدُ بن مَالِكٍ وَعَبْدُ الله بن مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَة وَآلُ أَبي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ وَابن سِيرِينَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن الأَسْوَدِ: كُنْتُ أُشَارِكُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن يَزِيدَ فِي الزَّرْعِ. وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى إِنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَكونَ الأَرْضُ لأَحَدِهِمَا، فَيُنْفِقَانِ جَمِيعًا، فَمَا خَرَجَ فَهْوَ بَيْنَهُمَا، وَرَأَى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ. وَقَالَ الْحَسَن: لاَ بَأْسَ أَنْ يُجْتَنَى الْقُطْنُ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَابن سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بِالثُّلثِ أَوِ الرُّبُعِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ إِلَى أَجَلٍ مسَمًّى. 2328 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بن عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ ناَفِعٍ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ عنَّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ

خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ؛ ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ، وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ، فَقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ، فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنَ الْمَاءِ وَالأَرْضِ، أَوْ يُمْضيَ لَهُنَّ، فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتارَ الوَسْقَ، وكانَتْ عائِشَةُ اخْتارَتِ الأَرْضَ. (باب المُزارَعة بالشَّطْر)؛ أي: النِّصف، وقد يُطلق على البعض مُطلقًا. (أهل بيت هجرة)؛ أي: مهاجرين. (والربع) الواو بمعنى: أو. (إن جاء) بكسر الهمزة، وفيه جواز المُخابرة، وهي أن يكون البذْر من العامل لا من المالِك. (الثوب بالثلث)؛ أي: يُعطي النَّسَّاج الغَزْل ينسُجُه، ويكون ثلُث المنسوج له، والباقي لمالك الغَزْل، فإطلاق الثَّوب عليه وهو غَزْلٌ مجازٌ. (الماشية على الثلث)؛ أي: ثلُث الكِراء الحاصِل منها. (عامل خيبر)؛ أي: أهلَها. (من زرع)؛ أي: بالمُزارعة. (وثمر) بالمثلَّثة، أي: بالمُساقاة. (وسق تمر) بالإضافة، وبنصب (تمرًا). (يمضي)؛ أي: يجري لهنَّ قسمتهنَّ على ما كان في حياة

9 - باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان من التَّمر والشَّعير. * * * 9 - بابٌ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ (باب السِّنين في المُزارعة) 2329 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. قالوا: مُعاملَته - صلى الله عليه وسلم - مع أهل خَيْبر كانت برِضَا الغانمين، فلمَّا أخذَها عُمر من اليهود حين أجلاهُم قسمَها بين المستحقِّين، وسلَّم إليهم. وفيه دليلٌ أنَّ البَياض كان بخيبر الذي هو موضع الزَّرع أقلُّ من الشَّجَر، واحتجَّ [به] الشَّافعي على جواز المزارعة تبَعًا للمُساقاة وإنْ لم تجُزْ عنده مُنفردةً، وصنَّف ابن خُزَيمة في هذا الباب كتابًا، فاستَغرق مسائلَه. * * * 10 - بابٌ (بابٌ) 2330 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: قُلْتُ

لِطَاوُسٍ: لَوْ تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ؛ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ. قَالَ: أَيْ عَمْرُو! إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُغْنِيهِمْ، وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَخْبَرَنِي -يَعْنِي: ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: "أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا". (لو) جوابها محذوفٌ، أو هي للتَّمنِّي. (المخابرة) هي أنْ يكون البذْر مِن العامِل، وهي مشتقَّةٌ من الخَبير، وهو الأكَّار، أو من الخُبْرة بضمِّ الخاء، وهو النَّصيب، أو من خَيْبر؛ لأنَّ أوَّل هذه المعاملَة وقعتْ فيها. (عنه)؛ أي: عن الزَّرع على طريق المُخابَرة. (أي عمرو) نداءٌ، أي: يا عَمْرو. (أعينهم) من الإِعانَة، وفي بعضها: من الإعناء. (إنْ يُمْنَح) بكسر (إِن) وفتحها، والنون ساكنةٌ، ونونُ (يمنح) بالفتح، أو بكسرها مع ضمِّ أوله؛ لأنه يُقال: منَحه وأمنَحه، أي: أعطاه. (خرجًا)؛ أي: أُجرةً، والغرَض منها أنَّه يجعلُها لهم مَنِيْحةً، أي: عاريةً؛ لأنهم كانوا يَتنازعون في كِرَاء الأرض حتى أفضَى بهم إلى التَّقاتُل، أو لأنه - صلى الله عليه وسلم - كَرِهَ لهم الافتِتان بالزِّراعة والحرص عليها؛ لئلا يقعدوا بها عن الجهاد. ووجه الجمع بين روايتَي: (نهى عنه)، و (لم يَنْهَ عنه): أنَّ الأُولى فيما فيه شَرْطٌ فاسدٌ ونحوه، والثانية ما ليس كذلك، أو المنفىُّ نهيُ

12 - باب ما يكره من الشروط في المزارعة

التحريم، والمثبَت نهيُ التَّنزيه. * * * 12 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الْمُزَارَعَةِ (باب ما يُكره من الشُّروط في المُزارَعة) 2332 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بن الْفَضْلِ، أَخْبَرَناَ ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى، سَمعَ حَنْظَلَةَ الزُّرَقيَّ، عَنْ رَافِعٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا، وَكَانَ أَحَدُناَ يُكْرِي أَرْضَهُ، فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (حَقْلًا) بفتح المهملَة، وسُكون القاف: الأرض التي تُزرع، وتُسمِّيها أهل العِراق: القراح. (ذه) إشارةٌ إلى القِطْعة، والأصل: ذي، فجيء بهاء السَّكْت للوقف، أو لبَيان اللَّفظ كما يقال: هذه، وهذي، والجَميع بمعنًى، وإنما دخلتْ هاءُ الإشارة على ذي في هذه. واعلم أنَّ هذا لا تعلُّق له بالمزارعة؛ لأن النَّهي قد يكون لتعيين قطعةٍ لهذا، وقطعةٍ لهذا، ولِمَا فيه من الغَرَر بضَياع حقِّ أحدهما. * * *

13 - باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاح لهم

13 - بابٌ إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بغَيْرِ إِذْنِهِمْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلاَحٌ لَهُمْ (باب: إذا زَارَع بمالِ قَومٍ بغير إذْنهم) 2333 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَر - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمٍ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا الله بِهَا، لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ. قَالَ أَحَدُهُمُ: اللهمَّ! إنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بنيَّ، وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا ناَمَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ الله فَرَأَوُا السَّمَاءَ. وَقَالَ الآخَرُ: اللهمَّ! إِنَّهَا كَانَتْ لِي بنتُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ مِنْهَا، فَأَبَتْ، حَتَّى أَتَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَبَغَيْتُ

حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ الله! اتَّقِ الله، وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَقُمْتُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فَرْجَةً. فَفَرَجَ. وَقَالَ الثَّالِثُ: اللهمَّ! إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ الله. فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرُعَاتِهَا فَخُذْ. فَقَالَ: اتَّقِ الله، وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَخُذْ. فَأَخَذَهُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ، فَفَرَجَ الله". قَالَ أبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ ابن عُقْبَةَ، عَنْ ناَفِعٍ: فَسَعَيْتُ. (يتضاغون) بمعجمتين، أي: يتصايحون. (إنها) الضمير للقِصَّة، وفي (إنه) -فيما سبَق- للشَّأْن. (بفَرْقٍ) بفتح الفاء: ما يسَع ستة عشَرَ رِطْلًا. (أَرُز) فيه ستُّ لُغاتٍ: فتح الهمزة، وضمها، وضم الراء مع تشديد الزَّاي، وبسُكون الراء مع تخفيف الزَّاي، وبضمِّها، كعُنُق، ورُزٌّ، بلا همزٍ مع تشديد الزاي. واعلم أنه سبق في (باب: من اشترى شيئًا لغيره): أنه من ذُرةٍ، فإما أنَّ ذلك لتقارُبهما، فأطلق اسم كلٍّ منهما على الآخَر، أو كان بعضُه من هذا، وبعضُه من هذا، أو كانا أجيرَينِ. قيل: ووجه دلالته على الجَواز في التَّرجمة: أن المستأجِر عيَّنَ

14 - باب أوقاف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرض الخراج ومزارعتهم ومعاملتهم

للأجير أُجرةً، فبعد إعراضه عن ذلك تصرَّف فيه، فلو لم يكن التصرُّف جائزًا لكان معصيةً، فلا يُتوسَّل بها إلى الله تعالى، وقد يُجاب بأنَّ محلَّ التوسُّل ردُّ الحقِّ إلى مُستحِقِّه بزوائده ونمائه لا بتصرُّفه، كما أنَّ الجُلوس مع المرأة كان معصيةً، والتوسُّل إنما كان بترْك الزِّنا، والمسامَحة بالجُعْل ونحوه، كما سبَق بيانه في (الإجارة)، في (باب: مَن استأجَر أجيرًا). (وقال إسماعيل بن عقبة عن نافع) قال الغَسَّاني: في نُسخة أبي ذَرٍّ: عن ابن عُقْبة، وهو وهمٌ؛ فإن إسماعيل هو ابن إبراهيم بن عُقبة، وهو ابن أخي موسَى بن عُقبة، يَروي عن نافعٍ هذا الحديث. (فسعيت) أي: رواه بدَل: (فبغَيْتُ) الذي هو بمعنى: طلَبْتُ. * * * 14 - بابُ أَوْقَافِ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَرْضِ الْخَرَاجِ وَمُزَارَعَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لاَ يُبَاعُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ"، فتَصَدَّقَ بِهِ. (باب أَوَقافِ أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعُمر) هو روايةٌ بالمعنى لمَا وصلَه من طرُقٍ. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "تَصَدَّقْ بِأصْلِهِ لاَ يُبَاعُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ

15 - باب من أحيا أرضا مواتا

ثَمَرُهُ"، فتصَدَّقَ بِهِ. 2334 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بن أَسْلَمَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فتحْتُ قَرْيَةً إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ. (فُتِحَت) بضمِّ أوله وفتْحه. (قرية) بالرَّفْع والنَّصب. (بين أهلها)؛ أي: الغانمين، وذلك أن عُمر كان يَعلَم أنَّ المالَ يَعِزُّ، وأن الشُحَّ يَغْلِبُ، وأنْ لا ملِكَ بعد كِسْرى يُغْنمُ مالُه، وَتُحْرَزُ خزائنُه، فيغنى بها فقراء المسلمين، فأشفَق أن يبقى آخرُ النَّاس لا شيءَ لهم، وتأوَّل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الآية [الحشر:10]، ورأى أن للآخِرين منهم أسوةَ الأولين، فيَحبس الأرض، ولا يقسِمُها كما فعل بأرض السَّواد نظرًا للمسلمين وشفَقةً على آخرهم بدَوام نفعها لهم، ورَدِّ خيرها عليهم. * * * 15 - بابُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ فِي أَرْضِ الْخَرَابِ بِالْكُوفَةِ مَوَاتٌ. وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهْيَ لَهُ. وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِ وابن عَوْفٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -

وَقَالَ: "فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِم، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ". وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ جَابرٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب مَن أَحيا أرضًا مواتًا) أي: غير مَعمور، فهو يُشبه الميِّت، وعِمارته تُشبه الإحياء. (في أرض الخراب) في بعضها: (المَوات). (ويروى عن عمرو بن عوف) وصلَه ابن أبي شَيبة. (وقال في غير)؛ أي: زاد في روايته ذلك، وقيل: إنما هو: ويُروى عن عُمر، بضم العين، أي: ابن الخطَّاب، وابن عَوْف، أي: عبد الرحمن، غايته أنَّ الألِف في (ابن) سقطَتْ في الخطِّ، ولا يُقال: يكون فيه تكرارٌ حينئذٍ؛ لأن له فيه فوائد: أحدها: أن الأوَّل بصيغة تمريضٍ، والثاني بالجَزْم. وثانيها: أنَّ فيه زيادة: (في غير حقِّ مسلمٍ). وثالثها: أن في الثاني رفْعًا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لكنَّ الصَّحيح الأول، ففي التِّرمذي: أنه يَرويه عن عَمْرو بن عَوف. قال الغَسَّاني: والحديث محفوظٌ لعمرو بن عَوف، فرويناه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جدِّه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ أَحيَا مَوَاتًا من الأَرَضين في غيرِ حقِّ). (لِعِرْقٍ ظالم) بالإضافة، لأنَّ الغارِس في أرض غيره بلا حقٍّ ظالمٌ، وبالتنوين، ونسبة الظُّلم للعِرْق مجازٌ؛ لأنه سبَب الظُّلم، أو به

وقَع الظُّلم، أو نحو ذلك، قال في "التَّهذيب": وهذا اختِيار مالك، والشَّافعي، وقيل التقدير: لِعِرْقٍ ذي ظُلْمٍ. (ويروى فيه عن جابر) وصلَه أحمد. * * * 2335 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن أَبي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهْوَ أَحَقُّ". قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ - رضي الله عنه - فِي خِلاَفَتِهِ. (أعْمَرَ) قيل: بضم الهمزة أجود؛ لأنَّ المفتوح -كما قال (ع) - وقَع هنا رُباعيًّا، والصَّواب عَمَر، ثلاثيًّا، أي: وهو ما يقَع في بعض النُّسخ، قال تعالى: {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم:9]، إلا أنْ يكون مِن أعمَرتُها: جعلتُ فيها عَمارًا، أو أعمرتُها: وجَدتُها عامرةً، ولكن هذا لا معنى له، ولا يُطابق التَّرجمة، ويُمكن أن يكون مِن اعتمَر سقَطت التاءُ من الأَصْل. وفي الحديث أنَّ المُحيي يملِكُ بمجرَّد الإحياء، ولا يُشترط إذْنُ السُّلطان، وكيفيَّة الإحياء مدارُها على العُرف، وهو مختلِفٌ كما فصَّلَه الفُقهاء.

16 - باب

(أحق) حذَف صِلَةَ أفْعَل التَّفضيل للعِلْم به. * * * 16 - بابٌ (بابٌ) 2336 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عَنْ مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ سَالِم بن عَبْدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيَ وَهْوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ ببَطْحَاءَ مُبَاركَةٍ. فَقَالَ مُوسَى: وَقَدْ أَنَاخَ بنا سَالِمٌ بِالْمُنَاخ الَّذِي كَانَ عَبْدُ الله. يُنِيخُ بِهِ، يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجدِ الَّذِي ببَطْنِ الْوَادِي، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ، وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ. 2337 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبُ بن إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللَّيْلَةَ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبي -وَهْوَ بِالْعَقِيقِ- أَنْ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ". الحديث الأول، والثاني: (أُرِيَ) مبنيٌّ للمفعول. (مُعَرَّسِهِ) بمهمَلاتٍ، من التَّعريس وهو نُزول المسافِر آخرَ اللَّيل

17 - باب إذا قال رب الأرض: أقرك ما أقرك الله، ولم يذكر أجلا معلوما، فهما على تراضيهما

للاستراحة، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان عرَّس بذي الحُليفة، وصلَّى فيها الصُّبح، ثم رحل. (مُناخ) بضم الميم، وبنونٍ، وبمعجمةٍ. (أسفل) بالرفع والنَّصب. (في حجة)؛ أي: مع حَجَّةٍ، وسبق الحديثان أول (الحجِّ). قيل: مقصود البخاري أنَّ المَوات يجوز الانتِفاع بها بالنُزول، وأنه غير مملوكٍ لأحدٍ قبل الإحياء، أو أنَّ ذا الحُلَيفة لا يُملَك بالإحياء؛ لمَا فيه مِن منْع الناس من النُّزول فيه. * * * 17 - بابٌ إِذَا قَالَ رِبُّ الأَرْضِ: أُقِرُّكَ مَا أَقَرَّكَ الله، وَلَمْ يَذْكُرْ أجَلًا مَعْلُومًا، فَهُمَا عَلَى تَرَاضيهِمَا (بابٌ: إذا قال رَبُّ الأرض: أُقِرُّكَ ما أقرَّكَ الله) (فهما)؛ أي: المُقِرُّ، وهو صاحب الأرض، والمُقَرُّ، وهو ساكنها. (تراضيهما)؛ أي: بالإسكان، والسُّكون. 2338 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بن سُلَيْمَانَ، حَدَّثنا مُوسَى، أَخْبَرَناَ نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَناَ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَابِ - رضي الله عنهما - أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا". فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ. (أجلى)؛ أي: أخرج. (الحجاز) هو بين مكَّة، والمدينة، ومخاليفهما. (فظهر)؛ أي: غلَبَ. (وليقرهم)؛ أي: يُسكنهم فيها لكِفاية عمَل نخيلها ومَزارعها، والقِيام بتعهُّدها وعِمارتها. (تَيْمَاء) بفتح المثنَّاة، وسُكون الياء، وبالمدِّ. (وَأَرِيْحا) بفتح الهمزة، وكسر الراء، وسكون الياء، ومهملةٍ، والمدِّ: قَريتان معروفتان من جِهَة الشَّام. واحتجَّ به الظَّاهرية على جَواز المُساقاة مُدَّةً مجهولةً، وأجاب الجمهور عنه بأنَّ المراد أنها ليستْ عَقْدًا دائمًا كالبَيع، بل بعد انقِضاء مدَّتها إنْ شئنا عقدْنا عقدًا آخَر، وإنْ شئنا أخرجناكم، أو بأَنَّ (ما

18 - باب ما كان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة

شئْنا)؛ أي: المُدَّة التي عُقدت بها المُساقاة، أو مدَّة العَقْد. * * * 18 - بابُ مَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُوَاسِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّمَرَةِ (باب ما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُواسي بعضُهم بعضًا) 2339 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبي النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بن خَدِيجٍ، سَمِعْتُ رَافِعَ بن خَدِيج بن رَافِعٍ، عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بن رَافِعٍ، قَالَ ظُهَيْرٌ: لَقَدْ نهاناَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَمْرٍ كَانَ بنا رَافِقًا. قُلْتُ: مَا قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَهْوَ حَقٌّ. قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ". قُلْتُ: نؤاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ، وَعَلَى الأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ. قَالَ: "لا تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا، أَوْ أَزْرِعُوهَا، أَوْ أَمْسِكُوهَا". قَالَ رَافِعٌ: قُلْتُ: سَمْعًا وَطَاعَةً. الحديث الأول: (رفقاء)؛ أي: ذا رِفْقٍ، أو هو إسنادٌ مجازيٌّ. (محاقلكم)؛ أي: مزارعكم، والحَقْل بالمهملة، والقاف: الزَّرع. (الربيع)؛ أي: النَّهر الصَّغير، أي: الزَّرع الذي هو عليه. (وعلى الأوسق) الواو بمعنى: أو.

قال التَّيْمِي: ويحتمل أنْ يكون النَّهي عن مُؤاجَرة الأرض بالثُّلُث أو الرُّبُع مع اشتراط صاحب الأرض أَوْسُقًا من الشَّعير ونحوها أيضًا. (ازْرَعُوهَا) بهمزة وصلٍ، وفتح الراء. (أو أَزْرِعُوهَا) بهمزة قطعٍ، وكسر الراء، وهو تخييرٌ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لهم بين الأُمور الثلاثة: أنْ يَزرَعُوا بأنفسهم، أو يجعلوها مزرعةً للغير مَجانًا، أو يُمسكوها معطَّلةً. (سمعًا): بالنصب والرفع. * * * 2340 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن مُوسَى، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابر - رضي الله عنه - قَالَ: كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ". 2341 - وَقَالَ الرَّبيعُ بن ناَفِع أَبُو تَوْبَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ". الحديث الثاني: (أو ليمنحها): بفتح النون وكسرها، أي: يجعلها له مَنِيْحةً، أي: عاريةً.

(وقال الربيع:): وصلَه مسلم. * * * 2342 - حَدَّثَنَا قَبيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِطَاوُسٍ فَقَالَ: يُزْرعُ، قَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: "أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا". (ذكرته)؛ أي: الحديث المذكور آنِفًا، فقال طاوُس: يجوز أن يُزرِعَ غيرَهُ بالكِرَاء؛ لأن ابن عبَّاس قال: إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَنْهَ نهيَ تحريمٍ، وسبق شرحه قريبًا. * * * 2343 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ناَفِع: أَنَّ ابنْ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ. 2344 - ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعِ بن خَدِيجٍ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارعِ، فَذَهَبَ ابن عُمَرَ إِلَى رَافِعٍ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كِرَاءِ المَزارِعِ. فقال ابن عُمَرَ: قَدْ عَمِلْتَ أنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزارِعنَا عَلَى عَهْدِ رُسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَا علَىَ الأَرْبعاءِ وبشَيءٍ منَ التِّبن.

19 - باب كراء الأرض بالذهب والفضة

الحديث الثالث: (صدرًا)؛ أي: أوائل زَمان إمارتِه، ولم يذكُر عليًّا؛ لكونه فيما يظهَر أنه ما أكَراها في زمانه شيئًا. (حُدِثَ) مبنيٌّ للمفعول. (أنا كُنا) بفتح الهمزة. (نُكْرِي) بضم أوله. (الأرْبعَاء) جمع رَبيعٍ. * * * 2345 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْل، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الأَرْضَ تُكْرَى، ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ الله أَنْ يَكُونَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، فترَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ. الرابع: (أحدث)؛ أي: حكمٌ بما هو ناسِخٌ لمَا كان يعلَمه من جَواز الكِراء. * * * 19 - بابُ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ أَنْ تَسْتَأْجِرُوا الأَرْضَ

الْبَيْضَاءَ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ. (باب كِراء الأَرض بالذَّهب والفِضَّة) (وقال ابن عبَّاس) وصلَه الترمذي في "جامعه". * * * 2346 - و 2347 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ رَبيعَةَ ابن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بن قَيْسٍ، عَنْ رَافِعِ بن خَدِيجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّايَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبعَاءِ أَوْ شَيءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَنَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَم. وَقَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الْفَهْمِ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُجيزُوهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ. (عماي) أحدهما: ظَهير، وقد أخرجه البخاري عنه، وأما الآخَر فقال الكَلابَاذي: لم أقفْ على اسمه، انتهى. ومنهم من سماه: مظهرًا، لكن ابن السَّكَن روى أنه: فهير. (يستثنيه)؛ أي: كاستثناء الثُّلُث، أو الرُّبُع من المزروع لأجل صاحب الأرض. (وكان الذي)؛ أي: قال اللَّيْث: (أظنُّه)، يعني: لم يجزم برواية شيخه له.

20 - باب

(ذَوُو الفَهْم) في بعضها: (ذو الفَهْم) بالإفراد باعتبار الجِنْس. (المخاطرة) هي الإشْراف على الهلاك كما سبَق، فربما أصابَ ذلك، وتسلَّم الأرض، وبالعكس، وقال التُّوْرِبِشْتي: لم يتبيَّن لي أنَّ هذه الزيادة مِن قول بعض الرُّواة أم مِن قَول البخاري، وقال البَيْضاوي: الظَّاهر من السِّياق أنه من كلام رافِع. قال (خ): أبطَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المُزارعة والمُخابَرة ما كان مَجهولًا. قال الطِّيْبي: أو كان لكلِّ واحدٍ قطعةٌ من الأرض معينةٌ. * * * 20 - بابٌ (باب) 2348 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلاَلِ ابن عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاء بن يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرعَ. قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجبَالِ، فَيَقُولُ الله: دُونَكَ يَا ابن آدَمَ، فَإِنَّهُ

21 - باب ما جاء في الغرس

لاَ يُشْبعُكَ شَيْءٌ". فَقَالَ الأَعْرَابيُّ: وَالله لاَ تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (فبذر)؛ أي: ألقَى البذْر في الأرض. (فبادر الطرف)؛ أي: نبتَ في الحالِ واستَوى، وأدركَ حصاده، فكان كلُّ حَبَّةٍ مثل الجبَل. (دونك)؛ أي: خُذْه. (الأعرابي) هو ذلك الرجل الذي كان عنده من أهل البادية. * * * 21 - بابُ مَا جَاءَ فِي الْغَرْسِ (باب ما جاءَ في الغَرْس) 2349 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أنَّهُ قَالَ: إنَّا كُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ سِلْقٍ لَنَا كُنَّا نَغْرِسُهُ فِي أَرْبعَائِنَا، فتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، لاَ أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ شَحْمٌ وَلاَ وَدَكٌ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ زُرْناَهَا، فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، فَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نتَغَدَّى وَلاَ نَقِيلُ إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ.

الحديث الأول: (سِلْق) بكسر السين. (وَدَك) دسم اللَّحم، والظاهر أنه من كلام أبي حازِم، ومرَّ الحديث في آخِر (الجمُعة). * * * 2350 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ. وَالله الْمَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثهِ؟! وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَونَ، وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا: "لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا". فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا، حَتَّى قَضَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَالله لَوْلاَ آيَتَانِ فِي كتَابِ الله مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} إِلَى قَوْلهِ: {الرَّحِيمُ}.

الحديث الثاني: (يكثر)؛ أي: رواية الحديث. (الموعد) سواءٌ كان للزَّمان، أو المكان، أو المصدر، لا يُطلَق على الله تعالى، فيؤوَّل بمضافٍ لا يخفَى، وغرَضه أنَّ الله سيُحاسبني إنْ تعمدتُ كذِبًا، ويُحاسب مَنْ ظنَّ بيَ السُّوء. (عمل)؛ أي: من زَرعٍ، أو غَرسٍ. (مِلْءِ) بكسر الميم، والهمز. (أعي)؛ أي: أحفَظُ. (يجمعه) بالنصب عطفًا على: (يَبسُط)، وكذا: (فيَنسَى)، والمعنى: أنَّ البَسْط المذكور، والنِّسيان لا يجتمعان؛ لأنَّ البَسْط الذي بعدَه الجمْع المتعقِّب للنِّسيان منفيٌّ، فعند وُجود البَسْط يَنعدم النِّسيان، وبالعكس. (نَمِرَة)؛ أي: بُرْدةٌ من صُوفٍ يلبَسها الأَعراب، والمراد بسَطَ بعضها لئلَّا تَنكشف العَورة، وسبق بسطه في (باب: حِفْظ العِلْم) (¬1). ¬

_ (¬1) هنا تنتهي النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا بتركيا، والمرموز لها بـ "ب".

42 - كتاب الشرب

42 - كِتَابُ الشُّربِ

1 - باب في الشرب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 42 - كِتَابُ الشُّربِ 1 - بابُ فِي الشُّرْبِ وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}. وَقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}. الأُجَاجُ: الْمُرُّ. الْمُزْنُ: السَّحَابُ. (كتابُ الشِّرْب) هو الحَظُّ من الماء. قال أبو عُبَيد: الشَّرب بالفتح: مصدرٌ، وبالخفض والرَّفع: اسمان، ويقال أيضًا: شَرِبَ الماءَ وغيرَه شُربًا، وشَربًا، وشِربًا. (مُنْصَبًّا)؛ أي: مطرٌ ثجَّاجٌ إذا انصبَّ جِدًّا. (السحابة)؛ أي: البَيضاء، والجمْع: مُزْنٌ، وذكر البخاريُّ هذا على عادته أنْ يذكُر عَقِب التَّرجمة ما يُناسبها من القُرآن، ويُفسِّره تكثيرًا للفائدة. * * *

1 / م- باب في الشرب، ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة، مقسوما كان أو غير مقسوم

1 / -م - بابٌ فِي الشُّرْبِ، وَمَنْ رَأَى صَدَقَةَ الْمَاءِ وَهِبَتَهُ وَوَصِيَّتَهُ جَائِزَةً، مَقْسُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْسُومٍ وَقَالَ عُثْمَانُ، قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَكُونُ دلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ". فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ - رضي الله عنه -. (باب مَن رأَى صدَقةَ الماءِ) (وقال عُثمان) وصلَه التِّرمِذي، والبئْر معروفةٌ بالمدينة، اشتراها عُثمان بخمسةٍ وثلاثين ألفَ درهمٍ، فوقَفَها. (دلوه فيها) تعلَّق بذلك من يُجوِّز الوقْفَ على النَّفْس؛ لأنه يَنتفع كما يَنتفعون، وجوابه: أنه ليس بالقَصْد، فهو كما لو وقَفَ على الفُقراء فصار فقيرًا. * * * 2351 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبَو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُتِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ! أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأَشْيَاخَ". قَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ الله! فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.

الحديث الأول (غُلام) هو ابن عبَّاس، رواه ابن أبي شَيبة، وقيل: الفَضْل، وقيل: خالد بن الوليد، نُقِلَ عن سُفيان في "مُسنَده"، ومن جملة الأشياخ خالد ابن الوليد. (بفضلي) وفي بعضها: (بفَضْلٍ) وهو واضحٌ، وسيأتي في الرِّواية الأُخرى: (بنصِيْبي). * * * 2352 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهَا حُلِبَتْ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ دَاجِنٌ، وَهْيَ فِي دَارِ أَنس بن مَالِكٍ، وَشيبَ لَبنهَا بِمَاءٍ مِنَ الْبئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ، فَأَعْطَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الْقَدَحَ، فَشَرِبَ مِنْهُ، حَتَّى إِذَا نزَعَ الْقَدَحَ مِنْ فِيهِ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابيٌّ، فَقَالَ عُمَرُ وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الأَعْرَابيَّ: أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ الله عِنْدَكَ! فَأَعْطَاهُ الأَعْرَابيَّ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: "الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ". الثاني: (إنها) للقِصَّة. (الداجن) الشَّاة التي ألِفَت البُيوت، وأقامتْ بها، وإنما لم يقُل: داجِنَة اعتبارًا بتأنيث الموصوف؛ لأن الشاة تذكَّر وتؤنَّث.

(شِيْبَ)؛ أي: خُلِطَ. (عن يمنيه) قاله بـ (عَنْ)، وفي اليَسار بـ (على)، كانَ موضعًا مرتفعًا، فاعتبَر استعلاءَه، أو كان الأعرابيُّ بعيدًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (أعرابي) قيل: خالد بن الوليد، وأنكَره ابن عبد البَرِّ بأنه لا يُقال فيه أعرابيٌّ. (فقال عُمر)؛ أي: تذكيرًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإعلامًا للأعرابيِّ بجَلالة أبي بكر. قال (خ): كانت العادةُ قديمًا وحديثًا تقديمَ الأيمَن كما قال: وكانَ الكَأْسُ مَجراها اليَميْنَا فخَشِيَ عُمر أن يُناول الأعرابيَّ لذلك. (الأيمن) بالنصب بفعلٍ محذوفٍ، أي: قدِّموا الأيمنَ، وبالرفع مبتدأٌ، والخبر محذوفٌ، أي: الأيمن أحقُّ وأَولى. وإنما استأذَن الغُلامَ في الحديث السابق، ولم يستأذن هنا الأعرابيَّ ائتلافًا لقَلْب الأعرابي، وتطييبًا لنَفْسه، وشفقةً أن يسبق إلى قَلْبه شيءٌ يهلِكُ به لقُرب عهده بالجاهلية، ولم يجعل للغُلام ذلك؛ لأنَّ قَرابته وسِنَّهُ دون المَشيَخة، فاستأذنَه عليهم تأدُّبًا، ولئلا يُوحشَهم بتقديمه عليهم، حتى أعلمَهم أنَّ ذلك حقٌّ له بالتَّيامن. وفيه استحباب التَّيامُن، وتقديمُ الأيمَن وإنْ كان مَفْضولًا، وأنه لا يُؤثِر على نفسه ما هو فَضيلةٌ أخرويةٌ، وإنما الإيثار المَحمود ما كان في

2 - باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنع فضل الماء"

حُظوظ الأنفُس دون الطَّاعات، وأنَّ خلْطَ الماء باللبن جائزٌ؛ لتبريدٍ، أو لتكثيرٍ، أو كليهما، وإنما يُنهَى عن شَوْبه إذا أراد بيعَه؛ لأنَّه غِشٌّ، وأنَّ مَنْ سبَق إلى موضعٍ من مَجلِس العِلْم فهو أحقُّ به ممن بعدَه. * * * 2 - بابُ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوَى؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ" (باب مَن قال: إنَّ صاحب الماءِ أحقُّ بالماءِ، حتى يُرْوَى) بفتح الواو من الرِّيِّ. 2353 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ؛ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ". (الكَلأ) بفتح الكاف، واللام، وبالهمز: العُشْب سواءٌ كان يابسًا أو رَطْبًا. * * * 2354 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنِ ابن الْمُسَيَّبِ، وَأَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ

3 - باب من حفر بئرا في ملكه لم يضمن

رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ؛ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلإِ". الثاني: في معناه. قال (خ): هذا في الرجل يحفِرُ البئْرَ في المَوات فيملكُها بالإحياء، وبقُرب البئر مواتٌ فيه كَلأٌ تَرعاه الماشية، فلا يكون لهم مُقامٌ إذا مُنعوا الماءَ، فأمَر صاحبَ البئر أنْ لا يمنَع الماشيةَ فضْلَ مائه؛ لئلا يكون مانِعًا للكَلأ، وهذا النَّهي للتحريم عند الشافعي، ومالك، وقال آخرون: من باب المَعروف. * * * 3 - بابٌ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ (باب مَن حفَر بِئْرًا في ملْكهِ لم يَضمَنْ) 2355 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبي حَصِينٍ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عن أبيِ هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المَعْدِنُ جُبَارٌ، والبئْرُ جُبَارٌ، والعَجْماءُ جُبَارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمْسُ". (جُبَار) بضم الجيم، وخفَّة الموحَّدة: الهَدَر. (والعجماء)؛ أي: جُرْح العَجْماء، وسبَق في (الزكاة)، في

4 - باب الخصومة في البئر والقضاء فيها

(باب: في الرِّكاز الخُمُس). * * * 4 - بابُ الْخُصُومَةِ فِي الْبئْرِ وَالْقَضَاءِ فِيهَا (باب الخُصومة في البئْر) 2356 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ، هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} " الآيَةَ. 2357 - فَجَاءَ الأَشْعَثُ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابن عَمٍّ لِي، فَقَالَ لِي: "شُهُودَكَ". قُلْتُ: مَا لِي شُهُودٌ. قَالَ: "فَيَمِينَهُ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِذًا يَحْلِفَ. فَذَكَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْحَدِيثَ، فَأَنْزَلَ الله ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ. (حمزة) بمهملةٍ، وزاي. (يقتطع)؛ أي: يأْخُذ قطعةً بسبَب اليمين. (فاجر)؛ أي: وهو في تلْك اليمين كاذبٌ.

5 - باب إثم من منع ابن السبيل من الماء

(فقال)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (شهودك) بالنَّصب، أي: أقِمْ، أو أحْضرْ. (فيمينَهُ) بالنَّصب أيضًا، أي: اطلُب يمينَهُ. (إذن يَحْلِفَ) قال السُّهَيلي: بالنَّصب لا غيرُ؛ لتصدُّر إِذَنْ، قال (ش): وكلام ابن خَرُوف في "شَرح سِيْبَويه" يقتضي أنَّ الرواية بالرفْع؛ فإنه قال: من العرب مَن لا ينصِب بها مع استيفاء الشُّروط، وذكَر الحديث. وأما خصم الأشْعث فهو الجَفْشِيش، بفتح الجيم، أو الحاء، أو الخاء، وإسْكان الفاء، وكسر المعجَمة الأُولى، ابن مَعْدِي كَرِب، وهذا لقَبٌ، واسمه: مَعْدَان، ذكَره الطَّبَراني، وغيره، الكِنْدي، وقيل اسمه: جَرِيْر، وكُنيته أبو الخَيْر. * * * 5 - بابُ إِثْمِ مَنْ مَنَعَ ابن السَّبيلِ مِنَ الْمَاءِ (باب إثْم مَن منَع ابن السَّبيل من الماءِ) 2358 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بن زِيَادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثةٌ لاَ يَنْظُرُ الله إِلَيْهِمْ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ، وَلاَ يُزكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ مِنِ ابن السَّبيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أقامَ سلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: وَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ"، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}. (لا ينظر الله إليهم) كنايةٌ عن عدَم الإحسان إليهم، قال في "الكشَّاف": هو حقيقةٌ فيما يجوز عليهم النَّظَر، مجازٌ فيمن لا يجوز عليه. (ولا يزكيهم)؛ أي: لا يُثني عليهم. (إمامه)؛ أي: خليفة عَصْره. (لدنيا) غير منوَّنٍ، ولعلَّ أصلها صيغة التفضيل، ولكن اضمحلَّ عنها معنى الوصفيَّة لغلَبة الاسمية عليه، فلم يَحتَجْ لـ (مِنْ) ونحوه. (أقام) مِن قامت السُّوقُ: إذا نفَقت. (سلعته)؛ أي: متاعه، وذكر اليمين بهذا الوجه؛ لأنه الأغلب، وإلا فكلُّ من حلَف على باطلٍ فكذلك، حتى لو حلَف وقْت الظُّهر أو الصُّبح كان كذلك، وإنما الغالب أنَّ مثل هذا يقع آخر النَّهار حيث أرادوا الانعِزال عن السُّوق، والفراغَ من المعاملة، أو خصَّصها بالذكر لمَا فيها من زيادة الجُرأة؛ إذ التوحيد هو أساسُ التَّنزيهات، والعصر هو وقت

6 - باب سكر الأنهار

صُعود ملائكة النَّهار، ولذلك تغلَّظ في يمين المُلاعِن ونحوه بذلك. (فصدقه رجل)؛ أي: المشتري، فاشتراه بذلك الثمَن الذي حلَف أنه أُعطيَه اعتمادًا على حَلِفه، نعَمْ، الذين لا ينظر الله إليهم لا ينحصرون في الثلاثة؛ لأنَّ العدد لا يَنفي الزائد، أو الأول إشارةٌ إلى عدَم الشَّفَقة على خَلْق الله، والثَّالث إلى عدَم التعظيم لأمر الله، والمتوسِّط جامعٌ للجهتين، فمَرجِع ما سوى ذلك إليها. * * * 6 - بابُ سَكْرِ الأَنهَارِ (باب سَكْر الأنْهار) بفتح السين، وسكون الكاف، قال الجَوْهَري: السِّكْر مصدرُ سكَرتُ النَّهرَ: إذا سدَدْتَه. 2359 - و 2360 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بن الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ: "أَسْقِ يَا زُبَيْرُ! ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ". فَغَضبَ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابن عَمَّتِكَ؟ فتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ! ثُمَّ احْبسِ

الْمَاءَ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَالله إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. (أن رجلًا) قال بعضهم فيما حكاه ابن بَاطِيْش: حاطِب بن أَبي بَلْتَعة، كان مهاجريًّا بدريًّا مَذْحِجيًّا، حليفًا للزُّبَير، وكذا حكاه ابن مُظفَّر، ثم قال: وفي قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} الآية [النساء: 66] شاهدٌ لكون خَصْم الزُّبَير أنصاريًّا لا مُهاجريًّا؛ لأن المهاجرين كُتب عليهم أن يخرجوا من ديارهم، ففعلوا، وكانت الدَّار للأنصار قبلُ، وأطلق عليه أنصاريٌّ؛ لأنه كان حليفًا لهم، وحينئذٍ فلا ينبغي أن يضعَّف هذا القول بذلك، وقيل اسمه: حُمَيد، رواه أبو موسى في "الذَّيل" بسندٍ جيدٍ، وقيل: ثابت بن قَيْس، حكاه ابن بَشْكُوال، وقيل: ثَعلَبة بن حاطِب. (شِرَاج) بكسر المعجمة، وراءٍ، وجيمٍ: جمع شَرْجة، وهي مَسيْل الماء من الحرَّة إلى السَّهل، والحَرَّة بفتح الحاء: اسم موضع. (اسق) بفتح الهمزة رباعيًّا، وبكسرها ثلاثيًّا. (أن كان) بفتح الهمزة، أي: حكمتَ بذلك لأجل أنه كان ابن عمَّتِك، وقيل: (أنْ) تفسيريَّةٌ نحو: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14]. (ابن) منصوبٌ خبر كان، واسمها ضميرٌ مستترٌ، وفي بعضها بالكسر.

7 - باب شرب الأعلى قبل الأسفل

(عمتك)؛ أي: صفيَّة بنت عبد المُطَّلب. (الجَدْر) بفتح الجيم، وسكون المهملة،، أصْل الجِدار، وقيل: الحائِط، والمراد به هنا: المُسنَّاة، وهو ما وُضع حول المزرعة كالجِدَار. قال السُّهيلي: هو الحَواجِز التي تحبس الماءَ، ويُقال للجَدْر: حِبَاس، ويُروى بالذَّال المعجَمة، أي: مَبْلَغ تمام الشُّرب من جَذْر الحساب، ويُروى الجُدُر بالضم: جمع جِدار. قال ابن عمَّار: سألتُ الشَّاشي عن قوله: (حتى تَبلُغ الجَدْر)؟ قال: حتى يَبلُغ الكَعْب. قال: وكأنه فسَّره على المعنى، وإلا فمعنى الجَدْر في اللُّغة ليس الكَعْب. * * * 7 - باب شُرْبِ الأَعْلَى قَبْلَ الأَسْفَلِ (باب شُرب الأَعلى قبْلَ الأَسفَل) 2361 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رَجُلُ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا زُبَيْرُ! اسْقِ، ثُمَّ أَرْسِلْ". فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: إِنَّهُ ابن

8 - باب شرب الأعلى إلى الكعبين

عَمَّتِكَ. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ! ثُمَّ يَبْلُغُ الْمَاءُ الْجَدْرَ، ثُمَّ أَمْسِكْ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَأَحْسِبُ هَذ الآيَةَ نزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. (ثم أمسك) إنْ قيل: المُناسِب للسِّياق: ثم أَرسِلْ، قيل: المراد أمسِكْ نفْسك عن السَّقْي لا أن المراد: أمسِك الماءَ. (إنه كان) جوَّز فيه ابن مالك الكسر والفتح، فإنْ كسرتَ قدَّرت الفاء، وإنْ فتحت قدَّرتَ اللام، والكسر أَجْود، قاله ابن مالك، وقُرئ بالوجهين في قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور: 28]، فقرأَ نافع، والكِسائي بالفتح، وكسَره الباقون، واستُشكل قوله: إنْ كسرت قدَّرت قبله الفاء؛ لأن الفاء تُشعر بالتَّعليل، والتعليل يقتضي الفتْح لا الكسرَ. * * * 8 - بابُ شِرْبِ الأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ (باب شُرب الأَعلى إلى الكَعْبَين) 2362 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ يَسْقِي بِهَا النَّخْلَ.

فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِ يَا زُبَيرُ! " -فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ-"ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ". فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: آنْ كانَ ابن عَمَّتِكَ؟ فتلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِ، ثُمَّ احْبسْ، يَرْجِعَ الْمَاءُ إِلَى الْجَدْرِ". وَاسْتَوْعَى لَهُ حَقَّهُ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَالله إِنَّ هَذ الآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. قَالَ لِي ابن شِهَابٍ: فَقَدَّرَتِ الأَنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِ، ثُمَّ احْبسْ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ"، وَكانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. (فأمِرَّهُ بالمَعْرُوف) فعلُ أمرٍ من الإمرار، فهو مشدَّد، وفي بعضها فعلٌ ماضٍ من الأَمْر. (واستوعى)؛ أي: استوعَبَ واستوفَى، ولعلَّه من إدراج الزُّهْرِي على عادته في الإدراج، وهو مأخوذٌ من الوِعاء، وهذا يدلُّ على أن القَول الأول كان مَشُورة للزُّبَير ومُسامحةً لجاره ببعض حقِّه لا على وجه الحُكم، فلمَّا خالَفه الخَصْم استقصَى الزُّبَير حقَّه، وقيل: بل عقوبةٌ له بالمال، والأول أوجَهُ، والرواية الثانية الآتية فى (باب: إذا أشارَ الإمامُ بالمصلَحة) مصرِّحةٌ بذلك. قال (خ): وقيل: إنه نَسْخٌ للحُكم الأول بالثَّاني، وكان له في الأصل أن يحكم بأيِّهما شاء إلا أنه قدَّم الأخفَّ والأسهلَ مُسامحةً وإيثارًا للجِوار، فلمَّا رأى الأنصاريَّ يجهل موضعَ حقِّه نسخَ الأول بالآخر حين رآه أصلَح، وفي الزَّجْر أبلَغ.

(والله إن هذه الآية) وجه الجمع بين هذا وبين ما في الرواية السابقة (أحسِب): أنَّ الشَّخص قد يكون أولًا شاكًّا، ثم يتحقَّق، وبالعكس. (والناس) من عطْف العامِّ على الخاصِّ، أو هو معهودٌ من غير الأنصار. قال (خ) (¬1): وفيه أنَّ مياه الأَودية التي لم تُستنبط بعمَلٍ فيها مباحٌ، ومَن سبَق إليه فهو أحقُّ به، وفيه أنَّه ليس للأَعلى إذا أخَذ حاجته أن يحبسَه عن الأسفل، وأن للإمام أنْ يعفوَ عن التَّعزير، وقيل: كان تَعزيره بالمال، والعقوبة قد تقع بالمال بشَقِّ الزِّقاق، وكسْرِ الجِرار عند تحريم الخمر تغليظًا للتحريم. قال: وحُكمه عليه حالَ غضَبه مع نهيه أن يقضيَ القاضي وهو غَضْبان؛ لعصمته - صلى الله عليه وسلم -، فلا يقول في الغضَب والرِّضا إلا حقًّا. قال التُّوْرِبِشْتي: قد اجتَرأ جمعٌ بنسْبة هذا الرجُل للنِّفاق، وهو باطلٌ؛ لأن كونه أنصاريًّا وصفُ مَدْحٍ، والسَّلَف احتَرزوا أن يُطلقوا على من اتُّهم بالنِّفاق أنصاريًّا، فالأَولى أن يُقال: هو قولٌ أزلَّه الشيطان فيه بتمكينه عند الغضَب، ولا يستبعد الابتلاءُ بذلك لبعض البشر. * * * ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل.

9 - باب فضل سقي الماء

9 - بابُ فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ (باب فَضْل سَقْي الماء) 2363 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِم أَجْرًا؟ قَالَ: "فِي كُلِّ كَبدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". تَابَعَهُ حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، وَالرَّبيعُ بن مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن زِيَادٍ. الحديث الأول: (فاشتد) أوقَع الفاءَ مَوقِع (إذا)؛ لعكسه كما في قوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]. (يلهث)؛ أي: يُخرج لسانَه. (الثرى) بمثلَّثةٍ: الأرض. (من العطش) ويُروى: (العُطَاش) بضمِّ العين: داءٌ يُصيب الإنسان فيشرب فلا يُروى.

(بلغ هذا مثل) نصبٌ نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: مبلَغًا مثلَ. (رقِي) بكسر القاف: صَعِدَ. (فغفر له) هو نفس الشُّكر كقوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] عند مَنْ فسَّر التوبة بالقتْل، كما مرَّ في (الوضوء). (كبد) فيه ثلاثةُ أوجهٍ، وأنَّث (رطبة)؛ لأنَّ الكَبد مؤنَّثٌ سماعيٌّ، والمراد برطْبةٍ حيَّة؛ إذ الرُّطوبة لازمةٌ للحياة، فهو كنايةٌ، ومعنى (في) الظَّرفية، ومتعلَّقها محذوفٌ تقديره: الأجْر ثابتٌ في إرواء كلِّ كبدٍ حيٍّ، أو (في) للتَّنبيه، نحو: "في النَّفْس المؤمنة مائةٌ من الإبل"، أي: بسبَب قتل النفس المؤمنة. * * * 2364 - حَدَّثَنَا ابن أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ناَفِعُ بن عُمَرَ، عَنِ ابن أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بنتِ أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ، فَقَالَ: "دَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أَيْ رَبِّ! وَأَناَ مَعَهُمْ؟! فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ: تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ- قَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا". الثاني: (أي ربُّ) بفتح الهمزة: حرف نداءٍ. (وأنا معهم) تعجُّبٌ واستِبعادٌ؛ لقُربه من أهل جهنَّم، كأنه استبعدَ

قُربهم منه وبينه وبينهم كبُعد المشرقَين. (تخدشها) بكسر الدَّال، أي: تَكدَحُها. * * * 2365 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عُذِّبَتِ أمْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ: فَقَالَ، وَالله أَعْلَمُ: لاَ أنتِ أَطْعَمْتِيهَا؟ وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا؟ وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِيهَا فَأَكلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ"؟ الثالث: (في هرة)؛ أي: في شأْن هِرَّةٍ، وبسبَبها. (والله أعلم) جملةٌ معترِضةٌ. (أطعمتها) قائله: الله تعالى، أو مالكٌ خازِن النَّار، وفي بعضها: (أطعمتِيها) بإشباع كسر التاء ياءً. (خِشَاش) بكسر المعجمة، وخِفَّة الشِّين الأولى، وقد تُفتح، هي: الحشَرات، قال (ن): وقد تُضمُّ أيضًا. وفيه أنَّ النَّار مخلوقةٌ، وأنَّ بعض الناس يُعذَّب اليوم في جهنَّم، وفي تعذيبها بسبَب الهِرَّة دلالةٌ على أنَّ فِعْلها كبيرةٌ؛ لأنها أصرَّتْ عليها. * * *

10 - باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه

10 - بابُ مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ (باب مَن رأَى أنَّ صاحِبَ الحَوض والقِرْبةِ أحَقُّ) 2366 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ، فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالأَشيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: "يَا غُلاَمُ! أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشيَاخَ؟ " فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بنصِيبي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ الله! فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. الحديث الأول: (أحدث) أصغر، ووجْه التَّرجمة قياسُ القِرْبَة والحَوْض على القَدَح. * * * 2367 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بن زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَذُوْدَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضي، كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإِبلِ عَنِ الْحَوْضِ".

الثاني: (لأذودن) بذالٍ معجمةٍ، ثم مهملةٍ، أي: لأَطْرُدَنَّ. (كما يُذَادُ)؛ أي: كما يَطْردُ السَّاقي الناقةَ الغريبةَ عن إبلِه إذا شربِتْ معها، قيل: هم المنافقون، أو المرتدُّون، أو أصحاب الكبائر، أو المُحدِث في الدِّين كالمُبتدِعة، والظَّلَمة، والمُعلِنين بالكبائر. وإذا استَحقَّ الماءَ بجُلوسه في جهة اليمين، فلأنْ يستحقَّه بحيازته في حَوضه وقِرْبته أَولى. * * * 2368 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، وَكثِيرِ بن كَثِيرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ- عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المْاء لَكانَتْ عَيْنًا مَعِينًا، وأقْبَلَ جُرْهُمُ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ. قَالُوا: نعمْ". الثالث: (وكثير) بالجرِّ عطفٌ على أيُّوب، ولا يَلزم منه أن يكون كلٌّ منهما مَزيدًا ومَزيدًا عليه؛ لأنهما باعتبارَين. (أم إسماعيل) هي هاجَر.

(لو تركت زمزم) بأن لا تَغرِف منها في القِرْبة شُحًّا بها. قال (خ): (لو لمِ تغرف)؛ أي: لو لم تَشِحَّ وتدَّخِره لكانتْ عينًا تجري، ولكنها لمَّا غرفتْ، ولم تثِقْ بأن الله سيمُدُّها ويُجريها حُرِمتْ ذلك. (مَعِيْنًا) بفتح الميم، أي: جاريًا. (جُرْهُم) بضم الجيم والهاء: حَيٌّ من اليمَن، أصهار إسماعيل. (أن ننزل) في بعضها: (أنْ أَنزِل) باعتبار واحدٍ منهم. (نعم) بمعنى: بلى؛ لأنها جاءتْ بعد النَّفي، فلو كانت على بابها لقرَّرتْه. وفيه أن مَن استخرَج ماءَ بُقعةٍ مَلَكَهُ بالإحياء إلا أنَّه لا يمنعَ فَضْلَ مائه. * * * 2369 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى، وَهْوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ الله: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي، كمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ".

11 - باب لا حمى إلا لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -

قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: (ليقتطع)؛ أي: ليأْخُذ قِطعةً. (رجل منع) لا مُنافاةَ بين هذا وما تقدَّم آنفًا: أنَّ المبايع للإمام ثالثُ الثَّلاثة؛ لأن العدَد لم ينحصِر في هذه الثلاثة، ولا تلك الثلاثة. (بعد العصر) قال (خ): خصَّ وقْت العصر بالذِّكر لتعظيم الإثم فيه، ورُوي أنَّ الملائكة يجتمعون فيه، وهو خِتَام الأعمال، فغُلِّظت العُقوبة فيه. قال: ومعنى: (اليوم أمنعك)؛ أي: لأنك إذا منَعت فَضْل ما ليس تملِك، بل رزْقٌ ساقَه الله؛ فما الذي تَسمَح به لأخيك. (يبلغ)؛ أي: يَرفَع. * * * 11 - بابٌ لاَ حِمَى إِلا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - (باب: لا حِمَى إلا للهِ) حِمَى: غير منوَّنٍ، ومعناه: المَحظُور، واصطلاحًا: ما يَحمي الإمامُ من المَوات لمواشِي يُعيِّنها، ويمنعُ النَّاسَ من الرَّعي فيها،

ومقصوده بالحَصْر: إبطالُ ما كان يحميه العزيز من الجاهليَّة، يأتي الأرضَ الخِصْبة فيَستعوي كلْبًا فيحمي مدَى صوتِ الكلْب من كلِّ جهةٍ، ويمنَع من الرَّعْي حولَه. * * * 2370 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ الصَّعْبَ بن جَثَّامَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلرَسُولِهِ". وَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمَى النَّقِيعَ، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ. (الصعب) ضد السَّهل. (جَثَّامة) بفتح الجيم، وشدة المثلَّثة. (بلغنا) قائله ابن شِهَاب، ورواه ابن وَهْب في "مُوطَّئه". (النقيع) بالنون: موضعٌ في صدْر وادي العَقِيْق، نحو عِشْرين مِيْلًا من المدينة، كان يُنقَع فيه الماءُ، أي: يجتمع، فإذا نضَبَ نبَت فيه الكلأُ. (الشَّرَف) بالمعجمة، والراء المفتوحتين: هو شَرَف الرَّوحاء من عمَل المدينة، وفي بعضها: بفتح المهملَة، وكسر الراء، موضعٌ قَريب من مكَّة.

12 - باب شرب الناس والدواب من الأنهار

قال (ك): والأوَّل أظهَر وأشهَر. (الرَّبَذَة) بالراء، والموحَّدة، والمعجمَة المفتوحات: على ثلاثِ مَراحِل من المدينة، قَريبٌ من ذات عِرْق، به قَبْر أبي ذَرٍّ. * * * 12 - بابُ شُرْبِ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ مِنَ الأَنهَارِ (باب شُرْبِ) -بضم المعجمة- (الناسِ والدوابِّ). 2371 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بن أَنسٍ، عَنْ زيدِ بن أَسْلَمَ، عَنْ أَبي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ؛ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبيلِ الله، فَأَطَالَ بِهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ طِيَلُهَا، فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بنهَرٍ، فَشَرِبَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ، كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهِيَ لِذَلِكَ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ الله فِي رِقَابهَا وَلاَ ظُهُورِهَا، فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ". وَسُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: "مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا

شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ". الحديث الأول: (طِيَلها) بكسر الطاء، وفتح التَّحتانيَّة: الحَبْل الذي يطوَّل به للدَّابَّة، يُشدُّ أحد طرَفيه في وتَدٍ أو غيره، والآخَر في يَدِ الفرَس؛ لتَدُور فيه وتَرعى ولا تذهب، أصله طِوَلها بالواو، كما في "مسلم"، لكنَّها بالياء لكسر ما قبلها. (استنت) مِن استَنَّ الفرَس: عدَا لمَرَحِهِ ونشاطِهِ. (شَرَفًا أو شَرَفين) بتحريك الراء، أي: طلقًا أو طلقين، ولا راكب عليه، سُمي به؛ لأن العادي به يَشْرُفُ على ما يتوجَّه إليه. (فشربت منه، ولم يرد أن يسقيها) قيل ذلك؛ لأنَّه وقْتٌ لا تَنتفع بشُربها فيه، فيغتمُّ لذلك فيُؤجر. (تَغَنِّيًا)؛ أي: استغناءً عن الناس. (وَتَعَففًا) عن الناس، ويتَّجر فيها، أو يتردَّد عليها إلى مَتاجره ومَزارعه، فيكون سِتْرًا له تحجبُه عن الفَاقَة. (ولم ينس حق الله في رقابها) فيؤدِّي زكاةَ تجارتها. (ولا) في (ظهورها) فيركب عليها في سبيل الله. (نِواء) بكسر النون، والمدِّ، أي: مُعاداةً، مفعولٌ له، أو مصدرٌ في موضع الحال.

قال (خ): وقد يستدِلُّ به مَن يُوجب الزكاة في الخَيل. ولمَّا سئل عن صدقة (الحُمُر) أشار بالآية. (الجامعة)؛ لأنَّ الخير يشمَل أنواع الطَّاعات، وسماها (الفَاذَّة) بالمعجَمة؛ لخُلوِّها عن بَيان ما تحتَها من تفصيلِ أنواعها، والفَذُّ: الفَرْد في معناه، القليل المِثْل؛ فإنَّها تقتضي أنَّ من أحسَن إلى الحُمُر رأى إحسانَه في الآخرة، ومن أساءَ إليها وكلَّفَها فوق طاقتها رأَى إساءتَه إليها في الآخرة، وقيل: ليس مثلُها في الاختِصار، وكثْرة المعاني. والحديث حُجَّةٌ لمن قال بالعموم في: مَن، وهو مذهب الجمهور، وفيه إشارةٌ أنه لم يُبين الله له في الحُمُر ما بيَّن في الخيل والإبل وغيرها، ولم يَنزل عليه نصٌّ سِوى الآية العامة. * * * 2372 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبيعَةَ بن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زيْدِ بن خَالِدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا". قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنمِ؟ قَالَ: "هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبلِ؟ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؛ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا".

13 - باب بيع الحطب والكلإ

الثاني: (عن اللُّقَطَةِ) الرَّواية بفتح القاف. (عِفَاصَهَا) بكسر المهملة، وبالفاء، والمهملة، هو الظَّرْف الذي فيه النفَقة، أو الجِلْد الذي على رأْس القارُورة. (وِكَاءَهَا) بكسر الواو، والمدِّ: ما يُشدُّ به رأْس القِرْبة. (فشأنك) نصبٌ على الإغراء. (سِقَاؤُهَا) بكسر السين: جَوفها، أصله: القِرْبة. (حِذَاؤُهَا) بكسر الحاء، وبالذال المعجمة: خُفُّها الذي تطَأُ عليه. * * * 13 - بابُ بَيْعِ الْحَطَبِ وَالْكَلإِ (باب بيع الحطَب والكَلأ) 2373 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بن أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلًا، فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، فَيَبيعَ، فَيَكُفَّ الله بِهِ وَجْهَهُ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ؛ أُعْطِيَ أَمْ مُنِعَ".

الحديث الأول: (لأن) بفتح الهمزة. (أحْبُلًا) في بعضها: (حَبْلًا). (حُزْمة) بضم المهملة: مِن حزَمتُ الشيء: إذا شدَدْتَه. (وجهه)؛ أي: بها وجهه، ومرَّ في (باب كسب الرجل). * * * 2374 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ، أَوْ يَمْنَعَهُ". الثاني: (فيعطيه أو فيمنعه) بنصبهما. * * * 2375 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بن حُسَيْنِ بن عَلِيٍّ، عَنْ أَبيهِ حُسَيْنِ بن عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بن أَبي طَالِبٍ - رضي الله عنهم -: أَنَّهُ قَالَ: أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَأَعْطَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -

شَارِفًا أُخْرَى، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَناَ أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لأَبيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بني قَيْنُقَاعَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَليمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ، فَقَالَتْ: أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ، فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا. قُلْتُ لاِبن شِهَابٍ: وَمِنَ السَّنَامِ؟ قَالَ: قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، فَذَهَبَ بِهَا. قَالَ ابن شِهَابٍ: قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فَأَتَيْتُ نبَيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ زيْدُ بن حَارِثَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ، وَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبيدٌ لآَبَائِي؟ فَرَجَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيم الْخَمْرِ. الثالث: (شارفا) هو المُسِنَّة من النُّوق. (صائغ) بالمهملة، والهمز بعد الألف، وبالمعجمة، ويُروى: (طابع) بموحَّدةٍ بعد الألف، و: (طالع) باللام، أي: معه مَن يدلُّه عليه ويُساعده. قال (ك): قد يقال: إنه اسم الرجل.

(قَيْنُقَاع) بفتح القاف، وضم النون، ويجوز كسرها وفتحها. (فأستعين) بالنصب. (به)؛ أي: بثمَن الإذْخِرِ. (قَينة) بالفتح: الأَمَة، والمراد بها هنا: المُغَنِّية. (ألا يا حَمْزُ) تريد: حمزة، فيجوز فتح الزاي ورفعها، ويُروى: (يا حَمْزَةُ) على الأصل. (الشُّرُف) بضم الشين والراء، وتسكَّن تخفيفًا: جمع شارِف وهي المُسِنَّة، وفي جمعهما وهما شارِفان دليلٌ على إطلاق الجمع على اثنين، ويُروى بفتح الشِّين والراء، أي: ذو العُلا والرِّفعة. (النِّوَاء) بكسر النون، وتخفيف الواو، والمدِّ: جمع ناوِية، وهي السَّمينة؛ نَوَت النَّاقةُ: سَمنتْ، فهي ناويةٌ، أشار إلى قصيدةٍ مَطلَعها: ألا يا حَمْزُ للشُّرُفِ النِّواءِ ... وهُنَّ مُعقَّلاتٌ بالفِنَاءِ أي: هُنَّ مُعقَّلاتٌ بفِناء الدَّار. ضَعِ السِّكِّينَ في اللَّبَّاتِ مِنْها ... وضَرِّجْهنَّ حَمزةُ بالدِّماءِ وعجِّلْ مِن أطْايِبها لشَرْبٍ ... قَدِيْدًا مِن طَبيْخٍ أو شِوَاءِ واللَّبَّة: المَنْحَر، والشَّرب بفتح الشِّين المعجَمة: الجَماعة على الشَّراب، واحِده شارِب، والتَّضْريج -بالمعجمة، والجيم-: التَّدْميَة. (فثار) بمثلَّثةٍ: وثَبَ.

(جَبَّ): قطَعَ. (أسنمتها) جمع سَنام: أعلى ظَهْر البعير. (بَقَر): شَقَّ. (خواصرها) جمع: خاصِرة. (قال علي) هو ابن أبي طالِب، لا عليُّ بن الحُسين. (أفظعني) بفاءٍ، وظاءٍ مُشالَةٍ، أي: خوَّفَني، فنزلَ بي أمرٌ عظيمٌ؛ لتضرُّره بتأخُّر الابتِناء ببنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبَب فَوات ما يُستَعان به، ولما خافَ من تقصيره في حقِّ فاطمة لا لفَواتهما؛ لأنهما متاعٌ قليلٌ. (عبيد لآبائي) أتى بلفظ الجمع للتَّفاخُر، وقالَه قبل تحريم الخمْر، ولذلك لم يُؤاخذ حمزة بهذا. (فتغيظ)؛ أي: أظهَر الغَيْظَ عليه. قال أبو داود: وسمعتُ أحمد بن صالح يقول: في هذا الحديث أربعٌ وعشرون سُنَّةً. قال التَّيْمِي: وفيه أنَّ الغانِم يُعطى من الغنيمة بوجهَين: من الخُمُس، ومن الأربعة الأخماس، وأنَّ لمالِك النَّاقةِ الانتفاع بالحَمْل والاحتِشاش، وسُنَّة الوَلِيْمة، وإناخةُ النَّاقة على باب غيره إذا لم يتضرَّر به، وتَبسُّط المرء في مالِ قَريبه إذا عَلِمَ أنه يُحلِّله، وأن البُكاء الذي يجلبه الحُزْن غير مذمومٍ، وأن إخبار المظلوم غيرَه خارجٌ عن النَّميمة، وقَبول خبر الواحد لقَبول على قَولَ المُخبر عن فعل حمزة، وجوازُ الاجتماع

14 - باب القطائع

على شُرب الشَّراب المباح، وأن المأْكول والمشروب إذا قُدِّم للجماعة جاز تَناول كلِّ واحدٍ منهم بقَدْر الحاجة من غير تَقديرٍ، وجواز الغِناء بالمباح من القَول، وإنشاد الشِّعر، وإباحةُ سماع الأَمة، والنَّحْر بالسَّيف، وفي حالة بُروك المَنْحور، والتَّخيير فيما يأكْله كاختيارِ الكَبد، وذلك ليس بإسرافٍ، وأكل الكَبد وإنْ كان دَمًا، وأنَّ مَن دلَّ إنسانًا على مال قَريبه ليس بظالمٍ، وحِلُّ ذَبيحة مَنْ ذبَحَ ناقةَ غيره بغير إذنهِ، وجوازُ تسمية الاثنين باسم الجَماعة، والاستِعداء للسُّلطان على الخَصْم، وأنَّ للإنسان استِخدامَ غيره؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا زيدًا وذهبَ به، وسُنَّةُ الاستئذان في الدُّخول، واستئذان الواحد عنه، وعن الجَماعة، وأنَّ السَّكران يُلامُ إنْ عقَل، وأن الإمام يَلقَى الخَصْم في كمال الهيئة؛ لأنه أخَذ رداءَه، وجَواز إطلاق الكلام على التَّشبيه، كما قال: هل أنتُم إلا عَبيْد، أي: كعَبيْد، وفيه إشارةٌ لشَرَف عبد المطَّلب، وأن عبد الله، وأبا طالبٍ كانا كعبدَين له في الخُضوع لحُرمته، وجوازِ تصرُّفه في مالهما، وأنَّ الكلام يختلِفُ باختلاف المتكلِّمين. * * * 14 - باب الْقَطَائِعِ (باب القطائِع) 2376 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى بن

15 - باب كتابة القطائع

سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه -، قَالَ: أَرَادَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقْطِعَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: حَتَّى تُقْطِعَ لإخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا، قَالَ: "سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً، فَاصْبرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي". (أن تُقْطِع) بضمِّ أوله، وكسر ثالثه. قال (خ): هو عَطاءٌ يُعطيه الإمامُ أهلَ الفضْل من أرضٍ أو عقارٍ من الفَيء دون حقِّ المسلمين، وإقطاعه البحرين إما من مَواتٍ لم يتملَّكْه أحدٌ، أو من العِمارة من حقِّه من الخمُس. قال (ط): لم يكُن الإقطاع من الأرض؛ لأنها كانت أرض صُلحٍ، بل من الجِزْية؛ لأنها تجري مَجرى الخَراج. (حتى) هي غايةٌ لفعلٍ مقدَّرٍ، أي: لا نقطَع لنا حتى تَقطَع. (أُثْرَة) بضم الهمزة، وسكون المثلَّثة، ويقال بفتحها: اسمٌ من الإيثار، أي: تَرون الاستِيثار عليكم بأُمور الدُّنيا، ولا يجعل لكم نصيبًا إلا استبدُّوا به. * * * 15 - بابُ كِتَابَةِ الْقَطَائِعِ 2377 - وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: دَعَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأَنْصَارَ؛ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنْ

16 - باب حلب الإبل على الماء

فَعَلْتَ فَاكْتُبْ لِإخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً، فَاصْبرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي". (باب كتَابةِ القَطَائِع) يقال: استقطَع فلانٌ الإمامَ: سألَه قِطعةَ أرضٍ يُقرِّرها له ملْكًا. (وقال الليث) أخرجه أحمد عن أبي مُعاوية، عن يحيى بن سعيد. (بالبحرين) بصيغة مُثنَّى البَحْر: ناحيةٌ مشهورةٌ. (إن فعلت)؛ أي: الإقْطاع. (ذلك)؛ أي: المثل. (تلقوني)؛ أي: تَروني في القيامة عند الحَوْض وغيره. وفيه دليلٌ أنَّ الخِلافة لا تَكون في الأنْصار. * * * 16 - بابُ حَلَبِ الإِبلِ عَلَى الْمَاءِ (باب حَلَبِ الإبل على المَاء) بفتح اللام. 2378 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ هِلاَلِ بن عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي عَمْرَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مِنْ حَقِّ الإِبلِ أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ".

17 - باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل

(الإبل أن تحلب) سبَق في (الزكاة): أن فيها روايةً بالجيم، وتَبويب البخاري يردُّها. (على الماء)؛ أي: عند الماء لمَا فيه من نفع المساكين الذي هناك، ولأنَّه خيرٌ للإبل. * * * 17 - بابُ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ أَوْ شِرْبٌ فِي حَائِطِ أَوْ فِي نَخْلِ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ"، فَلِلْبَائِعِ الْمَمَرُّ وَالسَّقْيُ حَتَّى يَرْفَعَ، وَكَذَلِكَ رَبُّ الْعَرِيَّةِ. (باب الرَّجل يَكُون له مَمرٌّ أو شِرْبٌ) بكسر المعجمة. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصلَه في (باب: مَن باع نخلًا). (أن تُؤبر) بفتح الموحَّدة مخففةً ومشدَّدةً. (تُرْفَع) بضمِّ الفَوقانية، وفتح الفاء، وفي بعضها: بفتح التحتانيَّة، والفاء، أي: تُقطَع. (رب العرية) صاحب النَّخْلة الذي باعَ ثمرتَها، أو صاحب ثمرتها، له الممَرُّ والسَّقْي. * * *

2379 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابن شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ بن عَبْدِ الله، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا للِبائِعِ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتاعُ، وَمنِ ابْتَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَمالُهُ الَّذِي باعهُ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتاعُ". وعَن مَالِكٍ، عنْ ناَفِعٍ، عَنْ ابن عُمَرَ، عَن عُمَرَ في العَبْدِ. الحديث الأول: (وله مال) إضافةُ المال للعبد مجازٌ. (عن مالك) معطوفٌ على: (حدَّثنا اللَّيث)، التقدير: عبد الله بن يوسُف عن مالك، فهو موصولٌ. * * * 2380 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بن ثَابتٍ - رضي الله عنهم - قَالَ: رَخَّصَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُبَاعَ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا. الثاني: (بخَرْصِهَا) بفتح الخاء، ويجوز الكسر. * * * 2381 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ ابن

جُرَيْحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَعَنِ الْمُزَابنةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَأَنْ لاَ تُبَاعَ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إِلَّا الْعَرَايَا. 2382 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن قَزَعَةَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بن حُصَيْنٍ، عَنْ أَبي سُفْيَانَ مَوْلَى أَبي أَحْمَدَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَخَّصَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، شَكَّ دَاوُدُ فِي ذَلِكَ. الثالث، والرابع: (المخابرة): المزارعة بأنْ يكون البذْر من العامِل. (المُحاقلة) بالمهملة: بيع الزَّرع بالبُرِّ الصَّافي. (المُزابنة) بالزاي: بيع الكَرْم بالزَّبيب. * * * 2383 - و 2384 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بن يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بن كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بن يَسَارٍ مَوْلَى بني حَارِثَةَ: أَنَّ رَافِعَ بن خَدِيجٍ وَسَهْلَ بن أَبي حَثْمَةَ حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابنةِ؛ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إِلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا، فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُشَيْرٌ مِثْلَهُ.

الخامس: (بُشَير) بضم الموحَّدة. (ابن يسار) ضدُّ اليَمين.

43 - كتاب الاستقراض

43 - كتاب الاستقراض

1 - باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه، أو ليس بحضرته

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 43 - كتاب الاستقراض (بابٌ فِي الاسْتِقْراضِ وأدَاءِ الدُّيُونِ والحَجْر والتَّفْلِيسِ) 1 - بابُ مَنِ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ وَلَيْسَ عِندَهُ ثَمَنهُ، أَوْ لَيْسَ بحَضْرَتِهِ 2385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ أَتبيعُنِيهِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَبعْتُهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، غَدَوْتُ إلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ. (كتاب الاستِقراض) الحديث الأول: (محمد) هو ابن سلام، ويقَع محمد بن يوسف، وليس بشيءٍ. (جَرير) بفتح الجيم. * * *

2 - باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أو إتلافها

2386 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بن أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: تَذَاكَرْناَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. الثاني: (مُعلَّى) بضم الميم. (السَّلَم) بمعنى السَّلَف؛ لأنَّ الرَّهن في الدَّين لا في السَّلَمِ. (يهودي) اسمه: أبو الشَّحْم، وتقدَّم الحديث. * * * 2 - بابُ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَوْ إتلاَفَهَا 2387 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أتلَفَهُ اللهُ". (الأُويسي) بضمِّ الهمزة مُصغَّرٌ.

3 - باب أداء الديون

(أداءها) بالمدِّ، أي: ردَّها إلى المُقرِض. وفيه أنَّ الثَّواب يكون من جنس الحسَنة، والعُقوبة من جنس الذَّنْب؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعَل مكان أداءِ الإنسان أداءَ الله عنه، ومكانَ إتلافِه إتلافَ الله له. * * * 3 - بابُ أَدَاءِ الدُّيُونِ وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]. (باب أَداء الدَّيْن) 2388 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أَبْصَرَ -يَعْنِي: أُحُدًا- قَالَ: "مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ". ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ، إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا" -وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِيِنهِ وَعَنْ شِمَالِهِ- "وَقَلِيلٌ مَا هُمْ"،وَقَالَ: "مَكَانَكَ". وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: "مَكَانَكَ

حَتَّى آتِيَكَ"، فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! الَّذِي سَمِعْتُ، أَوْ قَالَ: الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ؟ قَالَ: "وَهَلْ سَمِعْتَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ". قُلْتُ: وَإِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". الحديث الأول: (يحول لي ذهبًا) قال ابن مالِكٌ: ضمَّن حوَّل معنى: صيَّر، وهو صحيحٌ خفيٌّ على أكثر النَّحويين، فيقتَضي مفعولَين، والرِّواية لمَا لم يُسمَّ فاعلُه، فرفعت أوَّل المفعولَين، و [هو] ضميرٌ عائدٌ على (أُحُدٍ)، ونصبت الذَّهب، فصارتْ ببنائها لمَا لم يُسمَّ فاعله كصارَ في رفْع ما كان مبتدأً، ونصبِ ما كان خبَرًا، ويُروى بضمِّ التَّحتانية، وبفتح الفَوقانية. (الأكثرون)؛ أي: مالًا. (هم الأقلون)؛ أي: ثَوابًا. (إلا من) صرَفه على النَّاس، والعرَب تُعبر بالقول عن جميع الأفعال، وتُطلقه على غير الكلام، فتقول: قال بيَدِه، أي: أخَذَ، أو رفَعَ، وقال برِجْله، أي: مشَى. (هم) مبتدأٌ و (قليل) خبَره. و (ما) زائدةٌ، أو صفةٌ. (مكانك) بالنصب، أي: اِلْزَمْ مكانَك، و (الذي سمعت) خبر

مبتدأ محذوفٍ، نحو: ما الذي سمعتَ؟ (كذا وكذا) أي: الزِّنا، والسَّرِقة، ونحوهما. * * * 2389 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن شَبيبِ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبي، عَنْ يُونُسَ، قَالَ ابن شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ الله بن عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا يَسُرُّنِي أَنْ لاَ يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ". رَوَاهُ صَالِحٌ، وَعُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. الثاني: (ابن شَبيب) بفتح المعجَمة. (لا يسرني) وفي بعضها: (ما يَسُرُّني). (أنْ لا يَمُرَّ) بزيادة كلمةِ (ما)، فتكون (لا) زائدةً. (أُرْصِدُهُ) بضم أوَّله: من الإِرْصاد، أرصَدْتُ له: أَعدَدْتُ له. قال (ط): فيه تقليلُ الاستِدانة، ولا يَنبغي للمُؤمن أن يَستغرِق في كثيرٍ من الدَّين خَشيةَ العَجْز عن أدائه. * * *

4 - باب استقراض الإبل

4 - بابُ اسْتِقْرَاضِ الإِبلِ (باب استِقْراض الإبلِ) 2390 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بن كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بِبَيْتِنَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: "دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ". وقَالُوا: لاَ نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ. قَالَ: "اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ؛ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". (سَلَمة) بفتح اللام. (ابن كُهيل) مصغَّر كَهْل. (تقاضى)؛ أي: طلَب منه قَضاء الدَّين. * * * 5 - بابُ حُسْنِ التَّقَاضي (باب حُسْن التَّقاضي) 2391 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ،

6 - باب هل يعطي أكبر من سنه؟

عَنْ حُذَيفَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَاتَ رَجُلٌ، فَقِيلَ لَهُ، قَالَ: كُنْتُ أُبَايعُ النَّاسَ، فَأَتَجَوَّزُ عَنِ الْمُوسِرِ، وَأُخَفِّفُ عَنِ الْمُعْسِرِ، فَغُفِرَ لَهُ". قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (فأتجوز)؛ أي: أُسامحُه، وأُيَسِّر عليه. * * * 6 - بابٌ هَلْ يُعْطَي أَكْبَرَ مِن سِنِّه؟ (باب: هلْ يُعطَى أكبَرَ مِن سِنِّه؟) 2392 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بن كُهَيْلٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَقَاضَاهُ بَعِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطُوهُ". فَقَالُوا: مَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ الله. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطُوهُ؛ فَإِنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاءً". (أوفيتني)؛ أي: أعطيتَني حقِّي وافيًا كاملًا، والفَرْق بين أَوفاك الله، وأَوفى الله بكَ: أنَّ الأول ضِدُّ الكمال، والثاني ضدُّ الغَدْر، والباء زائدةٌ فيهما سواءً، ومرَّ في (الوكالَة). * * *

7 - باب حسن القضاء

7 - بابُ حُسْنِ الْقَضَاءِ (باب حُسْن الْقَضَاءِ) 2393 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِنٌّ مِنَ الإِبلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطُوهُ". فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا. فَقَالَ: "أَعْطُوهُ". فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي، وَفَّى الله بِكَ. قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". 2394 - حَدَّثَنَا خَلَّادٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بن دِثَارٍ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ -قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: ضُحًى- فَقَالَ: "صَلِّ رَكْعَتَيْنِ". وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَضَانِي، وَزَادَنِي. الحديث الأول، والثاني: (مِسْعر) بكسر الميم. * * * 8 - بابٌ إِذَا قَضَى دُونَ حَقِّهِ أَوْ حَلَّلَهُ فَهْوَ جَائِزٌ (باب: إذا قَضَى دُونَ حقِّه أو حلَّلَه) قال (ط): كذا جميع النُّسَخ، والصواب: و (حلَّلَه) بالواو؛ لأنَّه

لا يجوز أن يقضيَ ربَّ الدَّين دون حقِّه، ويُسقِط مُطالبتَه بباقيه إلا أن يتحلَّل منه. قال (ش): وصوَّب بعضُهم ما في النُّسَخ بمعنى: أو حلَّلَه من جميعه، وأخذَ البخاري هذا من جَواز قَضاء البعض، والتحلُّل من البعض، فإذا كان لصاحب الحقِّ أن يهضِمَ بعضَ حقِّه فيَطيبُ للمِدْيان، فكذا الجميع. * * * 2395 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن كَعْبِ بن مَالِكٍ: أَنَّ جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، فَأَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا تَمْرَ حَائِطِي، وَيُحَلِّلُوا أَبي، فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَائِطِي، وَقَالَ: "سَنَغْدُو عَلَيْكَ". فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ، وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا، فَقَضَيْتُهُمْ، وَبَقِيَ لَنَا مِنْ تَمْرِهَا. (ابن كعب) هو عبد الرَّحمن. (ويحللوا)؛ أي: يجعلوه في حِلٍّ من الدَّين. (فجددتها)؛ أي: قطَعتُ نخلَها. * * *

9 - باب إذا قاص أو جازفه في الدين تمرا بتمر أو غيره

9 - بابٌ إِذَا قَاصَّ أَوْ جَازَفَهُ فِي الدَّيْنِ تَمْرًا بِتَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (بابٌ: إذا قاصَّ) بتشديد الصاد المهملة، (أو جازفه في الدَّين فهو جائز تمرًا بتمر) قيل: لا يصحُّ في هذه الترجمة استِنباط البخاري؛ لأنَّ بيع التَّمْر بالتَّمْر مُجازفةً حرامٌ؛ لعدَم المُماثَلة، ويجوز أن يأْخُذ مُجازفةً إذا علم أنه أقلُّ من دَينه، وسامحَ بالباقي، وقد جاء في حديث جابرٍ في (الصُّلح) صَريحًا: (قال: فعرَضْتُ على غُرمائه أنْ يأْخُذوا التَّمر بما عليه، فأبَوا، ولم يَرَوا أنَّ فيه وَفاءً)، وأُجيب: بأنَّ مَقصود البخاري أنه يُغتفَر في القَضاء ما لا يُغتفر في المُعاوَضة ابتِداءً. 2396 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ وَهْبِ بن كَيْسَانَ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّي، وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابرٌ، فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابرٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لِيَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَكلَّمَ الْيَهُودِيَّ؛ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ بِالَّذِي لَهُ، فَأَبَى، فَدَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّخْلَ، فَمَشَى فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لِجَابرٍ: "جُدَّ لَهُ، فَأَوْفِ لَهُ الَّذِي لَهُ". فَجَدَّهُ بَعْدَ مَا رَجَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَوْفَاهُ ثَلاَثِينَ وَسْقًا، وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَجَاءَ جَابرٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لِيُخْبرَهُ بِالَّذِي كَانَ، فَوَجَدَهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُ بِالْفَضْلِ، فَقَالَ: "أَخْبرْ

ذَلِكَ ابن الْخَطَّابِ". فَذَهَبَ جَابرٌ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُبَارَكنَّ فِيهَا. (أنس) هو ابن عِيَاض. (وَسقًا) بفتح الواو: وهو سِتُّون صاعًا. (ثمر نخله) رُوي بالمثلَّثة، وبالمثنَّاة. (فَضلِت) بكسر المعجَمة. (سبعة عشر) في بعضها: (تسعَةَ عشَر). (بالذي كان)؛ أي: من التَّرِكة. (بالفضل)؛ أي: بالفاضل عن الدَّين. (ابن الخطاب) عُمَر، وفائدة الإخبار بزيادة الإيمان؛ إذ لم يكنْ أولًا وزاد آخِرًا، وخصَّ عُمر لاعتِنائه بقضيَّة جابر، واهتمامِه بها، أو حضَر أوَّل القِصَّة ودخلَ فيها. قال (ط): أجاز الجمهور استِقْراض الحيَوان؛ لاستِحالة أن يَستقرِضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا لا يقدِرُ على رَدِّ مِثْله لبُعده عن الظُّلْم، ومنَعَه الكوفيُّون؛ لأنَّ وُجود مثله متعذِّرٌ، ويحتمل أن يكون حديث أبي هُريرة قبل تحريم الرِّبا. قال: وفيه جواز ردِّ أفضَل مما استَسلَفَ إذا لم يَشرِطْه؛ لأنِّ الزِّيادة مِن المعروف، وفي حديث حُذَيفة تَرغيبٌ عظيمٌ في حُسْن القَضاء كما في حديث أبي هُريرة، وتَرْكُ المُشاحَّة، وفيه مشْيُ الإمامِ

10 - باب من استعاذ من الدين

في حَوائج النَّاس، واستِشْفاعه في الدُّيون. ومقصود التَّرجمة: أن الوفاءَ يجوز فيه ما لا يجوز في المعاوضات، فإنَّ مُعاوَضة الرُّطَب بالتمر بيعًا لا يجوز إلا في العَرايا، وجوَّزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوَفاء المَحْضِ. * * * 10 - بابُ مَنِ اسْتَعاذَ مِنَ الدَّيْنِ (باب مَن استَعاذَ مِن الدَّيْن) 2397 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بن أَبي عَتِيقٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ وَيَقُولُ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ". فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ الله مِنَ الْمَغْرَمِ؟ قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ". (أخي عن سليمان) هو ابن بِلال. (المأثم) مصدرٌ ميميٌّ بمعنى الإثم، وكذا (المغرم) بمعنى الغَرامة، والوَعْد نوعٌ من التَّحديث، لكنْ خُصَّ التحديث بالماضي، والوعد بالمستقبل، وتقدَّم في (الإيمان). قال (ط): وفيه وُجوب قَطْع الذَّرائع؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - استعاذَ من الدَّين؛

11 - باب الصلاة على من ترك دينا

لأنَّه ذريعةٌ إلى الكَذِب، والخُلْفِ في الوَعْد مع ما فيه من الذِّلَّة. * * * 11 - بابُ الصَّلاَةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ دَيْنًا (باب الصَّلاةِ على مَن تَرَكَ دَيْنًا) 2398 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بن ثَابتٍ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا". (كَلًا) بفتح الكاف، هو الثَّقَل والعِيَال. * * * 2399 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلاَلِ بن عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبي عَمْرَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَناَ أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا، فَلْيَأْتِنِي فَأَناَ مَوْلاَهُ". الثاني: (العصبة) لغةً: بنو عمِّ الرجل وقَرابته، واصطلاحًا: مَن يأْخُذ

12 - باب مطل الغني ظلم

جميع مال الميِّت لو انفَرد، والباقي مع ذَوي الفَرْض، وتُطلَق العصَبة على مُطلق الأقارب حيث يتعصَّبون له. (من كانوا) الغرَض من لفظة (مَن) التَّعميم؛ ليَتناول أنواعَهم نسَبًا أو سبَبًا، بنفسِه أو بغيره؛ لأنَّ ألفاظ الموصولات تحتمل أن تكون شرطيَّةً. (ضياعًا) بالفتح: مصدَر ضاعَ يَضيْعُ، كما تقول: وتَركَ فَقْرًا وفُقراء، وجوَّز ابن الأثير الكسر جمعَ ضائِع، كجائِع وجِيَاع، وأنكره (خ). (فأنا مولاه)؛ أي: وليُّه وكافلُه. ووجه الترجمة: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُصلِّي على المَديون الذي لا مالَ له يفِي بدَينه في أوَّل الأمر، فلمَّا أنْ فتَح الله الفُتوح، ونزل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، وصار كافلًا لدَين الميِّت المعسِر ارتفَع المانِع؛ لأنَّ الميِّت صار حُكمه في الصلاة عليه كمَن لا دَين عليه، وهو مختصرٌ من الحديث الذي ذكر فيه أنَّه كان يُصلِّي في آخِر العهد عليه. * * * 12 - بابٌ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وأسقَط (ك) (بابَ: مَطْل الغنيِّ ظُلمٌ)، وقال: تقدَّم في الحَوالة. * * *

13 - باب لصاحب الحق مقال

13 - بابٌ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالٌ وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ". قَالَ سُفْيَانُ: عِرْضُهُ يَقُولُ: مَطَلْتَنِي، وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ. (بابٌ: لصاحِب الحقِّ مَقالٌ) (ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) اللَّيُّ بالفتح: المَطْل، أصله: لَوَيٌ، فأُدغمت الواو في الياء. (الواجد): الغنيُّ، مِن الوُجْد بالضمِّ بمعنى السَّعَة والقُدرة. (يُحل) بضم الياء، يقال له: مَطَلتَني أو أنْتَ ظالمٌ ونحوه، تقدَّم في (الحوالَة). وفيه دليلٌ أنَّ المُعْسِر لا يُحْبَس في السِّجْن. * * * 14 - بابٌ إِذَا وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْوَدِيعَةِ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أفْلَسَ وَتَبَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، وَلاَ بَيْعُهُ وَلاَ شِرَاؤُهُ.

وَقَالَ سَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ: قَضَى عُثْمَانُ مَنِ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ فَهْوَ لَهُ، وَمَنْ عَرَفَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ. (بابٌ: إذا وَجَد مالَه عند مُفلِسٍ) أفلَسَ الرجل صار مُفلِسًا، كأنَّ دراهمه صارتْ فُلوسًا، والمراد أنه صار إلى حالٍ ليس معه فَلْسٌ، فالهمزة للسَّلْب. (وقال الحسن: وتبين)؛ أي: ثبَت عند القاضي. (وقال سعيد) وصلَه أبو عُبيد في كتاب "الأَموال"، والبيهقي. (اقتضى)؛ أي: طلَب. * * * 2402 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن حَزْمٍ: أَنَّ عُمَرَ ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْحَارِثِ بن هِشَامٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ". (أحَقُّ)؛ أي: من سائر الغُرماء. قال (خ): هذه سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، سنَّها في استدراك حقِّ مَن باع

على حُسن الظَّنِّ بالوَفاء، فأَخلَف موضعُ ظنِّه، وظهَر على إفْلاس غَريمه، ثم إنَّ في الأُصول أنَّ الأعيان والذِّمَم إذا تقابلَت، فالأَعيان مقدَّمةٌ على الذِّمَم. قال (ط): والجمهور على أنه أحقُّ، والحنفيَّة: البائع أُسوة الغُرماء، ودفَعوا حديث التَّفليس بالقِياس، وقالوا: السِّلْعة مال المُشتري، وثمنُها في ذمَّتِه، ومَن باعَ شيئًا فله إِمْساكُه حتى يَستوفيَ الثَّمَن، كما أنَّ المرتهن له الحَبْس، ولو أبطَل حقَّ الحَبْس لم يكن له الرُّجوع، فكذا البائع إذا سلَّمه للمُشتري تعلَّق حقُّه بالذِّمة المُجرَّدة، والجواب: لا مَدخَل للقياس إلا (¬1) إذا عُدمت السُّنَّة، فإذا وُجدت فهي حُجَّةٌ على مَن خالَفها، وأيضًا البائع إذا نُقِل حقُّه من العين إلى الذِّمة، وتعذَّر قبْضه من الذِّمة فله الرُّجوع إلى العين. وتؤوُّل الكوفيين حمْلَه على المقرِض والمودع دون البائِع فاسدٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعَل لصاحِب المتاع الرُّجوع إذا وجَده بعينه، والمودع أحقُّ بعينه سواءٌ كان بصفته أو تغيَّر عنها، فلم يجز حَمْل الخبر عليه، ووجَب حمله على البائع؛ لأنه إنما يَرجع بعينه إذا وجدَه بصفته لم يتغيَّر، فإن تغيَّر لم يرجِع، وقيل: التَّأْويل ليس بصحيحٍ؛ إذ لا خِلافَ أنَّ صاحب الوديعة أحقُّ سواءٌ وجدَها عند مفلسٍ أو لا، وقد شرَط ¬

_ (¬1) "إلا" ليس في الأصل و "ف".

16 - باب من باع مال المفلس أو المعدم، فقسمه بين الغرماء، أو أعطاه حتى ينفق على نفسه

الإفلاسَ في الحديث. * * * 16 - بابُ مَنْ بَاعَ مَالَ الْمُفْلِسِ أَوِ الْمُعْدِمِ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، أَوْ أَعْطَاهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ (باب مَن باع مالَ المُفْلِس أو المُعْدِم) بكسر الدال: الفقير، والكلام يحتمل اللَّفَّ والنَّشر. 2403 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بن أَبي رَبَاحٍ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ " فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بن عَبْدِ الله، فَأَخَذَ ثَمَنَهُ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. (رجل) هو أبو مَذْكور. (غُلامًا) اسمه يعقوب. (ثمنه) ثمان مائة درهمٍ. ووجه دلالة التَّرجمة: أن الإنْفاق على نفسه، والقِسمة بين الغُرماء حقَّان واجبان على الشَّخص، فحُكم أحدهما حُكم الآخَر،

17 - باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى، أو أجله في البيع

وإذا جاز الدَّفع إليه فإلى الغُرماء أَولى، ويحتمل الأمرَين بأن يدفع الثَّمَن إليه ليُفرِّقه على غُرمائه إنْ كان رَشيْدًا، ويُنفقه على نفسه إنْ كان سفيهًا، أو باعَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نيابةً عنه. قال (ط): ليس في الحديث القِسْمة بين الغُرماء، وليس فيه أنَّه كان عليه دَينٌ، بل إنما باعَه عليه؛ لأنَّه دبَّره، ولم يكن له مالٌ غيره، ومن السُّنَّة أن لا يتصدَّق بماله كلِّه، ويبقَى فقيرًا. قال (ش): روى النَّسائي: "أنه كان عليه دَينٌ، ودفَع إليه ثمنَه، وقال: اقضِ دَينَك"، قال: وذكره (ط) في (باب: المدبَّر) الآتي. * * * 17 - بابٌ إِذَا أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ أَجَّلَهُ فِي الْبَيْعِ قَالَ ابن عُمَرَ فِي الْقَرْضِ إِلَى أَجَلٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بن دِينَارٍ: هُوَ إِلَى أَجَلِهِ فِي الْقَرْضِ. 2404 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بن رَبيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن هُرْمُزَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ

18 - باب الشفاعة في وضع الدين

بني إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بني إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، الحَدِيْثَ. (باب: إذا أقْرضَه إلى أجَلٍ) (وقال ابن عُمر) وصلَه ابن أبي شَيبة. (وقال عطاء، وعمرو بن دينار) وصلَه عبد الرزَّاق عنهما. (هو)؛ أي: القَرْض. قال مالك: إذا أخَّر الدَّيْن إلى أجلٍ ثم أراد الانصراف عنه لم يكُن له ذلك. (وقال الليث) هو طرَفٌ من حديثٍ تقدَّم في (الكفالة). (فذكر الحديث)؛ أي: بطوله في الكفالة. * * * 18 - بابُ الشَّفَاعَةِ فِي وَضْعِ الدَّيْنِ (باب الشَّفاعة في وَضْع الدَّيْن) 2405 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُصِيبَ عَبْدُ الله، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضًا مِنْ دَيْنِهِ، فَأَبَوْا، فَأَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا، فَقَالَ: "صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ

شَيْء مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، عِذْقَ ابن زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ، وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَحْضرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ"، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَاءَ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَعَدَ عَلَيْهِ، وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى، وَبَقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ، كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ. 2406 - وَغَزَوْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ناَضحٍ لَنَا، فَأَزْحَفَ الْجَمَلُ، فَتَخَلَّفَ عَلَيَّ، فَوَكَزَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَلْفِهِ، قَالَ: "بعْنِيهِ، وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ". فَلَمَّا دَنَوْناَ اسْتَأْذَنْتُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ. قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَا تَزَوَّجْتَ؟ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ ". قُلْتُ: ثَيِّبًا؛ أُصِيبَ عَبْدُ الله وَتَرَكَ جَوَارِيَ صِغَارًا، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا تُعَلِّمُهُنَّ وَتُؤَدِّبُهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: "ائْتِ أَهْلَكَ". فَقَدِمْتُ، فَأَخْبَرْتُ خَالِي ببَيْعِ الْجَمَلِ، فَلاَمَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِإِعْيَاءِ الْجَمَلِ، وَبالَّذِي كَانَ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَوَكْزِهِ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْجَمَلِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَ الْجَمَلِ وَالْجَمَلَ وَسَهْمِي مَعَ الْقَوْمِ. (صَنِّفْ تَمْرَكَ)؛ أي: ميِّزْ كلَّ صِنْفٍ من الآخَر. (على حِدَتِهِ) بتخفيف الدَّال، أي: على انفِراده. (عَذْق) بفتح المهملة. (ابن زيد) نوعٌ جيِّدٌ من التَّمر منسوبٌ إلى ابن زَيْد، قال

الدِّمْياطِي: المعروف: عَذْق زَيْد، والعَذْق بالفتح: النَّخلة، وبالكسر: الكِبَاسة. (واللين) بكسر اللام، وسكون الياء: جمع لِيْنَةٍ، أصلها: لِوْنَة، قُلبت الواو ياءً؛ لإسكانها [وكسر] ما قبلَها، وهو ما خَلا البَرْنِي، والعَجْوة، وهي أجود تمر المدينة. (كما هو)، (ما) موصولةٌ، وهو مبتدأٌ، خبره محذوفٌ، أو (ما) زائدةٌ، أي: كمِثْله. (ناضح)؛ أي: بعيرٌ يُستقَى عليه. (فأزْحَف) بإسكان الزاي، وفتح المهملة، أي: أَعيَا وكَلَّ. (فوكَزه) بالواو، أي: ضرَبه بالعَصا، ويُروى: (فرَكَزه) بالراء. (فلامني)؛ لأنه كان مُحتاجًا إليه، أو أنه اختار أنْ يَهبَه للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا أن يَبيعَه. (وسَهْمي) بإسكان الهاء، وفي بعضها: (وسَهَمني) بلفظ الفعْل، أي: أعطاني السَّهم، ومرَّ في (البيع). وفيه جواز أنْ يَشفَع الحاكم إلى صاحب الحَقِّ، وجواز الشَّرط في البيع. قال (ك): وفيه معجزةٌ. * * *

19 - باب ما ينهى عن إضاعة المال

19 - بابُ مَا يُنهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، و {لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}. وقال في قوله: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}. وَقَالَ: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}، وَالْحَجْرِ فِي ذَلِكَ، وَمَا يُنْهَى عَنِ الْخِدَاعِ. (باب ما يُنهَى عن إضاعَةِ المالِ، وقولِ الله: (إن الله لا يحب الفساد). التلاوة: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205]، ثم قال: (ولا يحب عمل المفسدين) والتلاوة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]. (والحَجْر) بالجرِّ، أي: حَجْر السُّفهاء ونحوهم في التصرُّف في المال. (عن الخداع)؛ أي: في البُيوع. * * * 2407 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الله بن دِينَارٍ، سَمِعْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنِّي أُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ. فَقَالَ: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ". فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُهُ.

الحديث الأول: (لا خِلابة) مرَّ شرحه في (البيع). * * * 2408 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبناتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ". الثاني: (عقوق) أصلُه القَطْع، كأَنَّ العاقَّ لأُمه يقطَع ما بينهما من الحُقوق. (الأُمهات) قال (ط): خصِّص بالذِّكر، وإنْ كان برُّ الآباء كذلك، لكنْ برُّ الأُمِّ مُقدَّمٌ في نوع التلطُّف، وبرُّ الأَبِ مقدَّمٌ في الطاعة، وحُسْن المتابعة لرأيه والنُّفوذ لأمره. (وَوَأدَ البناتِ) ما كانت الجاهليَّة تفعلُه من دفن البنات أحياءً عند ولادتهنَّ؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8]. (ومنعًا) بالنصب. (وهات) مبنيٌّ على الكسر، أي: منع ما يجب عليه إعطاؤُه من الحُقوق، وطلَب ما لا يحلُّ له من أموال النَّاس. وصحَّ عطْفه على (منْعًا)، بتقدير: وقَول: وهاتِ، وهو باعتبار

20 - باب العبد راع في مال سيده، ولا يعمل إلا بإذنه

لازِم معناه، وهو الأَخْذ. ومرَّ شرح الباقي في (باب: قَول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]). قال (ط): قال سعيد بن جُبَير: إضاعة المال الإنْفاق في الحَرام، وقيل: السَّرَف في الإنفاق وإنْ كان في حلالٍ، ومعنى (ومنْعًا وهات): بمعنى يمنَع الناسَ رِفْدَه وخَيْره، ويأْخذ منهم رِفْدَهم. (وقيل وقال) فِعْلان، (قيل): مبنيٌّ لمَا لم يُسمَّ فاعلُه، و (قال): فعلٌ ماضٍ، أو مصدران منوَّنان. (وكثرة السؤال) إما بالعِلْميات، أو الماليَّات. * * * 20 - بابٌ الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَلاَ يَعْمَلُ إِلا بِإِذْنِهِ (باب العبْد راعٍ في مالِ سيِّده) 2409 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بن عَبْدِ الله، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ

زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأَحْسِبُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبيهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". (الخادم)؛ أي: يَلزمه ما يَلزم سائر الرُّعاة مِن حِفْظ ما استُرعي عليه، ولا يعمَل في مُعظَم الأمور إلا بإذن سيِّده، وما اعتِيد العَفْو عنه كالصَّدقة بالكِسْرة لا تحتاج لإذنٍ. وتقدَّم الحديث في (باب: الجمُعة في القُرى)

44 - كتاب الخصومات

44 - كتاب الخُصُومات

1 - باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 44 - كتاب الخُصُومات 1 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الإِشْخَاصِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِ (كتاب الخُصُومات) (باب ما يُذكَر في الإشْخاص) بكسر الهمزة: إحْضار الغَريم مِن بلَدٍ إلى بلَدٍ. 2410 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بن مَيْسَرَةَ، أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ، سَمِعْتُ عَبْدَ الله، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خِلاَفَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ". قَالَ شُعْبَةُ: أَظُنُّهُ قَالَ: "لاَ تَخْتَلِفُوا؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا، فَهَلَكُوا". الحديث الأول: (ابن مَيْسَرَة) ضد المَيمَنة.

(النَّزَّال) بفتح النون، وشدَّة الزاي. (ابن سَبْرَة) بفتح المهملَة، وسكون الموحَّدة، الأكثَر أنه تابعيٌّ. (مُحْسِن)؛ أي: في القِراءة، وأُفرد باعتبار لفظ (كِلا). قال (ط): إذا كان الخصم في مَوضعٍ يخاف فواته منه؛ فلا بأْسَ بإشخاصه، وإنْ لم يخف فلا يُشْخَص إلا في أمور الدِّين. * * * 2411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ؛ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، قَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ. فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَدَعَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى الله؟ ". الثاني: (تخيروني)؛ أي: لا تُفضلوني، ونهى عن نسبته للأفضلية، وهو

أفضل المَخلوقات، قيل: إنَّه يَعلم أنَّه سيِّد ولَد آدم، أو لا تُفضلوني بحيث يَلزم غيره من الرُّسُلِ نقْصٌ، أو غَضَاضةٌ، أو بحيث يؤدِّي إلى خُصومةٍ، أو قاله هضمًا لنفسه وتواضعًا - صلى الله عليه وسلم -. (يُصْعَقُون) بفتح العين، أي: يَخِرُّون صَرعَى لصوتٍ يسمعونه من الفزَع. (بَاطِشٌ)؛ أي: متعلِّقٌ به بقوَّةٍ قابضٌ عليه بيَده، وفي رواية: (باطِشٌ بجانِب). (استثنى الله)؛ أي: في قوله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]؛ أي: أن لا يُصعَق. * * * 2412 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو ابن يَحْيَى، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ جَاءَ يَهُودِيٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! ضَرَبَ وَجْهِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابكَ. فَقَالَ: "مَنْ؟ " قَالَ: رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: "ادْعُوهُ". فَقَالَ: "أَضَرَبْتَهُ؟ " قَالَ: سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. قُلْتُ: أَيْ خَبيثُ! عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟! فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ ضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبيَاءِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَناَ بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ

فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى؟ ". الثالث: (على البشر) في بعضها: (على النَّبيين). (أي) حرف نداءٍ، أي: يا (خبيث)، أَصطفَاه الله على محمد - صلى الله عليه وسلم -؟. (آخِذٌ) خبر مبتدأ محذوفٍ. (قائمة) واحدةُ قوائِم الدَّابَّة، والمراد هنا ما هو كالعَمود للفرَس. (صعقته الأولى) هي التي كانتْ في الدُّنيا فيما قال تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]؛ أي: هَوَى من الصَّعْق، ولا مُنافاةَ بين قوله أولًا: (أكانَ ممن استَثنى الله)، وقوله ثانيًا: (أم حُوسِبَ بصَعْقَته الأُولى)؛ إذ المُستثنى قد يكون نفْسَ مَنْ له الصَعْقة في الدُّنيا، أو معناه: لا أَدري أيُّ هذه الثلاثة كانتْ من الإفاقة، أو الاستِثناء، أو المُحاسبة. قال (ط): فيه أنه لا قِصاصَ بين المسلم والذِّمِّي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأْمر بقِصاص اللَّطْمة، وفيه تأدُّبه - صلى الله عليه وسلم -، وإقرارُه لموسى -عليه الصلاة والسلام- بما خصَّه الله من الفَضيلة، وفيه أنَّ المِحَنَ في الدُّنيا والهُموم يُجازى بها، ويُدفَع بها من أهوال يوم القيامة. * * * 2413 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -:

2 - باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل، وإن لم يكن حجر عليه الإمام

أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ؟ أَفُلاَنٌ؟ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ، فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. الرابع: (رَضَّ)؛ أي: دَقَّ. (فأومت) أصلُه: أَومأَت. وفيه جواز القِصاص بالمثقَّل، وقتل الرجل بالمرأَة، والاقتِصاص بمثْل فِعْل القاتِل. * * * 2 - بابُ مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ الْعَقْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الإِمَامُ وَيُذْكَرُ عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ، ثُمَّ نَهَاهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ، وَلَهُ عَبْدٌ، لاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، فَأَعْتَقَهُ، لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ. ومَنْ بَاعَ عَلَى الضَّعِيفِ وَنَحْوِهِ، فَدَفَعَ ثَمَنَهُ إِلَيْهِ، وَأَمَرَهُ بِالإِصْلاَحِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهِ، فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْدُ مَنَعَهُ؛ لأَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَقَالَ لِلَّذِي يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لا خِلاَبَةَ"، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَالَهُ.

(باب مَن رَدَّ أَمْر السَّفِيهِ) ضدُّ الرَّشيد، وهو المُصلِح دينَه ودُنياه. (والضعيف العقل) أعمُّ منه. (ويذكر عن جابر) قال (ش): قال عبد الحقِّ: مُراده حديث نُعَيم ابن النَحَّام حين دبَّر غُلامَه، فباعَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دَينه. وقيل: بل أراد حديثَ جابر في الدَّاخل يوم الجمعة وهو - صلى الله عليه وسلم - يخطُب فأمرَهم فتصدَّقوا عليه، فجاءَ في الثانية فأمرَهم بالصَّدَقة أيضًا، فقام ذلك المُتَصِدَّق عليه فتصدَّق بأحد ثوبَيه، فردَّ - صلى الله عليه وسلم - عليه، وهو ضعيفٌ، رواه الدَّارَقُطْني. قال (ش): ولهذا ذكره البخاري بصيغة تمريضٍ. (ثم نهاه)؛ أي: رَدَّ على المتصدِّق المُحتاج لمَا تصدَّق به. وأشار المصنِّف بما جمعَه في الباب من الأحاديث إلى التَّفصيل بين مَن ظُنَّ منه الإضاعة، فيردُّ تَصَدُّقُه كصاحِب المدبَّر، وبين مَن لم ينتَهِ لهذه الحالة، بل كان عن غفلةٍ، فلا يردُّ كصاحب الخدع. (باب مَن ردَّ على الضَّعيف) (¬1). (بعد) مبنيٌّ على الضمِّ؛ لأن إضافته مَنْويَّةٌ. * * * ¬

_ (¬1) كذا جاءت في الأصول الخطية، ولعل المؤلف رحمه الله أراد الكلام عن تتمة الباب الذي يشرحه، وفيه قوله: (من باع على الضعيف)، والله أعلم.

2414 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ". فَكَانَ يَقُولُهُ. 2415 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابرٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ، لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَدَّهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بن النَّحَّامِ. الحديث الأول، والثاني: (أعتق عبدًا) مرَّ أنه كان مدبَّرًا، فيُجمع بينهما بأن المراد أعتَق عن دُبُرٍ حملًا للمُطلَق على المقيَّد. (نُعَيم بن النَّحَّام) بالنون، وشدَّة المهملة،، وأكثر النسخ: (نُعيم بن النَّحَّام)، وصوابه: نُعَيم النَحَّام؛ لأن النَّحَّام صفةٌ لنُعيمٍ لا لأبيه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (دخلتُ الجنَّةَ، فسمِعتُ نَحْمة نُعَيمٍ فيها)، والنَحْمة -بفتح النون-: السَّعْلة. قال (ط): السَّفه اليَسير، والخداع الذي لا يَكاد يسلَم منه لا يُوجِب الحَجْرَ، ولا ردَّ ما وقَع، كما لم يردَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيعَ القائِل: لا خِلابَة، وبيع فاحِش السَّفَه يُردُّ كما ردَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدبيرَ العبد. * * *

4 - باب كلام الخصوم بعضهم في بعض

4 - بابُ كَلاَمِ الْخُصُومِ بَعْضهِمْ فِي بَعْضٍ (باب كلام الخُصوم) 2416 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ؛ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله، وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ". 2417 - قَالَ: فَقَالَ الأَشْعَثُ: فِيَّ وَالله كَانَ ذَلِكَ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: "احْلِفْ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِذًا يَحْلِفَ، وَيَذْهَبَ بِمَالِي، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية. الحديث الأول: (فاجر)؛ أي: كاذبٌ. (غضبان) المراد بالغضَب غايتُه، وهي إرادة إيصال الشَّرِّ؛ لأن الغضَب من الله محالٌ؛ لأنه غلَيان الدَّم لإرادةِ الانتقام. (إذن يحلفَ ويذهبَ) بنصبهما. * * *

2418 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بن كَعْبِ بن مَالِكٍ، عَنْ كَعْبٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ تَقَاضَى ابن أَبي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرتِهِ، فَنَادَى: "يَا كَعْبُ! " قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا"، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ؛ أَيِ: الشَّطْرَ. قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "قُمْ، فَاقْضهِ". الثاني: (سِجْف) بكسر السين وفتحها: السِّتر كما مرَّ في (رفْع الصَّوت في المساجد). ولا يجوز من كلام الخُصوم إلا ما يجوز لغَيرهم مما لا يُوجِب أدبًا ولا حَدًّا، ومثل قول الأشعث مباحٌ فيمَن عُرف فِسْقُه كما عُرف من اليهوديِّ، ومن لم يُعرف فسقه يجب أن يُنكَر عليه، ويؤخَذ له الحقُّ، وفي حديث كعب: أن للحاكم أن يُشير عليهما بالصُّلح، وأمر صاحب الدَّين بالوَضيعَة لقَطْع الخِصام. * * * 2419 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَبْدٍ الْقَارِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بن حَكِيم

ابن حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لِي: "أَرْسِلْهُ". ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اقْرَأْ". فَقَرَأَ، قَالَ: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ لِي: "اقْرَأْ". فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ؛ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ". الثالث: (القاري) بالقاف نسبةً لبني القَارة، والمشهور أنه تابعيٌّ. (انصرف)؛ أي: من القراءة. (لببته) بتخفيف الباء أعرف، أي: جمعتُ ثوبَه عند صَدْره، ولببته، ثم جرَرتُه. قال (ك): وجاز هذا الفِعْل؛ لأنه أدَّى إليه اجتهاده. (سبعة أحرف) قال (خ): الأشْبه أنَّ القرآن أُنزِل مرخَّصًا للقارئ أن يَقرأ بما تيسَّر من السَّبْعة أحرف مما اتفَق معناه أو تقارَب، وهذا قبل إجماع الصَّحابة، أما الآن فلم تسُغ القِراءة بخِلاف المُجمَع عليه. والأحرف قيل: هي اللُّغات، أي: أُنزِل على أفْصح اللُّغات، وقيل: الإعراب؛ لأن الحرف الطَّرَف، والإعراب يَلزم آخرَ الأسماء، فسُمِّي باسم محلِّه، ثم استُعمل، فقيل: فلانٌ يَقرأ بحرف عاصمٍ، أي: بالوَجه الذي اختاره، وقيل: الأَحرف هي الأسماء والأفعال

المؤلَّفة من الحُروف التي تنتظِم منها الكلمة، فتُقرأ على سبعة أوجهٍ، كقوله: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} [يوسف: 12]، قُرئ بسبعة أَحرُفٍ. وجاز إطلاق العدَد على نُزول الآية مع أنَّها إذا نزلتْ مرَّةً حصلتْ كما هي إلى أن تُرفَع، ثم تَنزل؛ لأن جبريل كان يُدارِس رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - القُرآنَ في كلِّ رمضان، ويُعارِضه فيه، فيَنزل كلَّ عَرْضةٍ بحرفٍ، ولهذا قال: "أقرأَني جِبْريل على حَرْفٍ، فراجعتُه، فلم أزَلْ أَستَزيدُه حتَّى انتَهى إلى سبْعة أَحْرُفٍ". قال (ع): هي توسِعةٌ، وتسهيلٌ، لم يُقصَد به الحصْر، والأكثَرون حصرٌ للعدَد في السَّبعة، فقيل: هي صورةُ التِّلاوة، وكيفيَّة النُّطق من إدغامٍ، وإظهارٍ، وتفخيمٍ، وترقيقٍ، ومدٍّ، وإمالةٍ؛ ليقرأ كلٌّ بما يوافِق لُغتَه، ويسهُلَ عليه، فلا يُكلَّف القُرشيُّ الهمْزَ، والتَّيْميُّ تَرْكَه، والأَسَدي فتْحَ حرْف المُضارَعة. وقيل: هي في الألفاظ والحُروف، فقيل: سبعةُ لغاتٍ للعرَب يَمَنِها ومَعَدِّها، وقيل: بل السَّبْعة لمُضَر متفرقةٌ في القرآن غير مجتمعةٍ في كلمةٍ واحدةٍ، بل في بعض الكلمات، كقوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60]. قال الدَّاوُدي: القِراءة التي يَقرأ بها النَّاس اليوم ليس كلُّ حرفٍ منها أحَد السَّبْعة التي في الحديث بما جمَع عليه عُثمان. * * *

5 - باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة

5 - بابُ إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْخُصُومِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبي بَكْرٍ حِينَ ناَحَتْ. ([باب] إخراج أهل المعاصي) أعاده في (الأحكام)، وقال بدَل المعاصي: (الرِّيَب). (وقد أخرج عُمر) وصلَه ابن سَعْد في "الطَّبَقات" بإسنادٍ صحيحٍ. * * * 2420 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أَبي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ". (أُخالف) (¬1)؛ أي: آتي إليه، ومرَّ في (صلاة الجمُعة). وفيه أنَّ العُقوبة تتعدَّى إلى المال، فإنَّ حَرْق المنازل معاقبةٌ في المال على عمَل الأبدان، وفيه أنَّ المعاقَبة على ما لا حَدَّ فيه موكولٌ للإمام. * * * ¬

_ (¬1) "أخالف" ليس في الأصل.

6 - باب دعوي الوصي للميت

6 - بابُ دَعْوَي الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ (باب دَعْوى الوَصيِّ للميِّت) 2421 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: أَنَّ عَبْدَ بن زَمْعَةَ وَسَعْدَ بن أَبي وَقَّاصٍ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ابن أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ الله! أَوْصَانِي أَخِي إِذَا قَدِمْتُ أَنْ أَنْظُرَ ابن أَمَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبضَهُ، فَإِنَّهُ ابني. وَقَالَ عَبْدُ بن زَمْعَةَ: أَخِي، وَابن أَمَةِ أَبي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبي. فَرَأَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَبَهًا بَيِّنًا فَقَالَ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بن زَمْعَةَ! الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ". (زَمَعَة) بزاي، وميمٍ، ومهملةٍ مفتوحات، والمُخْتَصَمُ فيه ابن جاريَة زَمَعَة، اسمه: عبد الرَّحمن، صحابيٌّ. (أنظر) بصيغة الأمر، وفي بعضها بلفظ الخبَر. (أخي) هو أخي (عُتْبة) بسُكون الفَوقانيَّة، اختلَفوا في إسلامه، وهو الذي شَجَّ وجْهَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ أُحُد. وأَمْر (سودة) أُمِّ المؤمنين بالاحتِجاب ورَعًا للمُشابهة الظاهرة بين عبد الرَّحمن وعُتْبة. ومرَّ في (تفسير المُشبَّهات)، من (البيع).

7 - باب التوثق ممن تخشى معرته

(يا عبد بن زمعة) بنصب (عبد) و (ابن)، ورفعهما. قلت: ينبغي أن يُقرأ برفع (عبد) فقط؛ لأنَّه غير علَم، ونصب (ابن) دائمًا على الأكثر، فقد قال في "التَّسهيل": فرُبَّما ضُمَّ (ابن) إتْباعًا. * * * 7 - بابُ التَّوَثُّقِ مِمَّنْ تُخْشَى مَعَرَّتُهُ وَقَيَّدَ ابن عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ. (باب التَّوثُّق ممَّنْ يُخشَى مَعَرَّتُه)، بفتح الميم، والمهملة، وتشديد الراء: القَبيْح المكروه، والأذَى، مَفْعَل من العَرِّ. * * * 2422 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بن أَبي سَعِيدٍ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بني حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بن أُثَالٍ؛ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ".

8 - باب الربط والحبس في الحرم

(خيلًا)؛ أي: رُكبانًا. (قِبل) بكسر القاف: الجِهَة. (بني حَنيفة) بفتح المهملَة: قبيلةٌ من العرَب. (ثُمامة) بضم المثلَّثة. (أُثَال) بضمِّ الهمزة، وخفَّة المثلَّثة، مصروفٌ، أسَره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أطلقَه، فأسلَمَ، وحسُنَ إسلامه، ولم يرتدَّ مع من ارتدَّ. (اليَمامة) بفتح التحتانيَّة: مدينةٌ باليمَن على مَرْحلةٍ من الطَّائف. (فذكر الحديث) بتمامه. (أطلقوا) بلفظ الأمر، تقدَّم في (ربْط الأَسِيْر في المسجد). * * * 8 - بابُ الرَّبْطِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَرَمِ وَاشْتَرَى نَافِعُ بن عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ؛ إِنْ رَضيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةٍ. وَسَجَنَ ابن الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ. 2423 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بن أَبي سَعِيدٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا

قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بني حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بن أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ. (باب الرَّبْط والحَبْس) (نافع بن عبد الحارث) الخُزاعي، مِن أجِلَّاء الصَّحابة، استعملَه عُمر على مكَّة، وأمَره بشراءِ دارٍ (بمكة) للسِّجْن. (على) دخلتْ على (إن) الشَّرطية نظرًا إلى المعنى، كأنه قال: على هذا الشَّرْط، والبيع بمثْل هذا الشَّرط فاسدٌ، لكن لم يَدخل الشَّرط في نفْس العَقْد، بل هو وَعْدٌ يقتضيه العقد، أو بيع بشرطِ الخِيَار لعُمَر، أو كان وكيلًا لعُمر، وللوكيل أنْ يَأْخُذ لنفسه إذا ردَّه الموكِّل بالعَيْب ونحوه. قال المُهلَّب: اشتراها نافِعٌ من صَفْوان للسِّجْن، وشرَط إنْ رضيَ عُمر البَيع فهي لعُمر، وإن لم يَرْضَ بالثَّمن المذكور؛ فالدَّار لنافِع بأربع مائة دينارٍ، وهذا بيعٌ جائزٌ. والسُّنَّة في مثل قضيَّة ثُمامَة أن يُقتل، أو يُستَعبَد، أو يُفادَى به، أو يُمَنَّ عليه، فحبسَه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يَرى الأصلَح للمسلمين في أمره. * * *

9 - باب الملازمة

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) 9 - بابُ الْمُلاَزمَةِ 2424 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بن رَبيعَةَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بن رَبيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ الله بن كَعْبِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ كَعْبِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ الله بن أَبي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ دَيْنٌ، فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ، فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "يَا كَعْبُ! " وَأَشَارَ بِيَدِهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا. (بابٌ: في المُلازَمة) (قال غيره)؛ أي: غير يحيى، والفَرْق بين الطَّريقين: أنَّ الأول رُوي بـ (عَنْ)، والثاني بلفْظ: حدَّثني. وفيه جواز مُلازَمة الغَريم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُنكِر على كَعْب ملازمتَه لغَريمه، واختُلف هل يُلازم المعدِم بعد ثُبوت الإِعْدام، وانطلاقِه من الحبس؟. * * *

10 - باب التقاضي

10 - بابُ التَّقَاضي (باب التَّقاضي) 2425 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بن جَرِيرِ بن حَازِمٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بن وَائِلٍ دَرَاهِمُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ أَقْضيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: لاَ وَالله لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يُمِيتَكَ الله، ثُمَّ يَبْعَثَكَ. قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ أُبْعَثَ، فَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا، ثُمَّ أَقْضيَكَ. فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} الآية. (إسحاق) قيل: إنه ابن إبراهيم الحَنْظلي. (النصف) بالنَّصْب بإضمار فِعْلٍ، أي: ضَعْ، أو اُتركْ. (قَينًا)؛ أي: حدَّادًا. (وائل) بهمزٍ بعد الألف. (أُقبضك) من الإقْباض، وفي بعضها: (أَقضيك) من القَضاء، مرَّ في (ذكر القَين)، من (البيع)، و (الإجارة). وفيه مَن له دَينٌ على فاسقٍ لا بأْسَ أن يطلبَه، ويُشْخصَ له.

45 - كتاب في اللقطة

45 - كتاب في اللقطة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 45 - كتاب في اللُّقَطَةِ وإِذَا أَخْبَرَهُ رَبُّ اللُّقَطَةِ بِالْعَلاَمَةِ دَفَعَ إِلَيْهِ. (كتابُ اللُّقَطَةِ) الأفصح فتح القاف، قال الخَليل: بالفتح: اللَّاقِط، وبالسُّكون: المَلقُوط، وهو القياس، لكن اللُّقَطة على خِلاف القياس؛ إذ أجمعوا بالفتح على المَلقُوط، وسيأتي في البخاري: (فسأَلَه عما يلتَقطُه)، فدلَّ على أن المسؤُول عما يُلتَقَط. قال ابن مالك: فيها أيضًا اللُّقاطة بضمِّ اللام، واللَّقَطة بفتح اللام، والقاف. * * * 2426 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ سُوَيْدَ بن غَفَلَةَ، قَالَ: لَقِيتُ أُبَيَّ بن كَعْبٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: أَخَذْتُ صُرَّةً مِائَةَ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلًا". فَعَرَّفْتُهَا حَوْلَهَا، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلًا"، فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ

ثَلاَثًا، فَقَالَ: "احْفَظْ وِعَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا". فَاسْتَمْتَعْتُ، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ، أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا. (سُويد بن غَفَلَة) بفتح المعجمَة، واللام، والفاء: أدركَ الجاهليَّةَ والإسلامَ. (وجدت) في بعضها: (أخَذْتُ)، وفي بعضها: (أصَبْتُ). (وكاءها) الخَيْط الذي يُشَدُّ به الكِيْس. (فإن جاء صاحبُها) شرطٌ حُذِف جزاؤهُ، تقديره: فارْدُدْها عليه. (فلقيته بعدُ) بالضمِّ، أي: قال شُعبة: فلقِيْتُ شيخي سلَمة بن كُهَيل، وبيَّنه مسلم، فاقتصَّ الحديث، وقال شُعبة: فسمعتُه بعد عشر سنين يقول: عرِّفْها عامًا واحِدًا، وبيَّنه أبو داود الطَّيَالِسي، فقال آخِرَ الحديث: فلقِيْتُ سَلَمة بعد ذلك، فقال: لا أَدري، وأغرَب فقال: الشَّاكُّ أُبيُّ بن كعْب، والقائِل: سُويد بن غَفَلَة، فلم يُصِبْ، وفي هذا ما يُعتذر به عن القَول بثلاثة أحوالٍ من تردُّد الرَّاوي فيه. قال (خ): أجمع العُلماء على الاكتِفاء بحولٍ واحدٍ، واختُلف إذا جاء صاحبها بعلامتها تردُّ إليه أو يُكلَّف البيِّنة؟، فقال مالك، وأحمد: بالرَّدِّ لهذا الحديث، وأبو حنيفة والشَّافعي: لا يأْخذ إِلا بالبيِّنة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البيِّنة على المُدَّعي". * * *

2 - باب ضالة الإبل

2 - بابُ ضَالَّةِ الإِبلِ 2427 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَبيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابيٌّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبرُكَ بِهَا، وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا". قَالَ: يَا رَسُولَ الله! فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ: ضَالَّةُ الإبلِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ". (باب ضالَّة الإبل) (عمرو بن عباس) بالموحَّدة، والمهملة. (اعرف) من المعرفة. (عِفاصها) بكسر المهملة، وبالفاء، والمهملة: الذي فيه النَّفَقة، أو الجِلْد الذي تُلبسه رأْس القارورة. (تَمَعَّرَ) بفتح المهملة المشدَّدة، والراء، أي: تغيَّر من الغضَب، من قولهم: مكانٌ أمْعَر، وهو الجَدْب. (حِذاؤها) بكسر الحاء، والمدِّ: ما وَطِئ عليه البعيرُ من خُفِّه.

3 - باب ضالة الغنم

(سِقاؤها) بكسر السين، والمدِّ: هو هنا كَرِشُها الذي فيه الماء تَستَعين به أيامًا. * * * 3 - بابُ ضَالَّةِ الْغَنَمِ (باب ضالَّةِ الغنَم) 2428 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ: أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بن خَالِدٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اللُّقَطَةِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً". يَقُولُ يَزِيدُ: إنْ لَمْ تُعْتَرَفِ اسْتَنْفَقَ بِهَا صَاحِبُهَا، وَكَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ. قَالَ يَحْيَى: فَهَذَا الَّذِي لاَ أَدْرِي أَفِي حَدِيثِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - هُوَ، أَمْ شَيْءٌ مِنْ عِنْدِهِ؟ ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ؟ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْهَا؛ فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ يَزِيدُ: وَهْيَ تُعَرَّفُ أَيْضًا. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الإِبلِ؟ قَالَ: فَقَالَ: "دَعْهَا؛ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا". (فزعم)؛ أي: قال، والزَّعْم يُستعمل للقَول المحقَّق. (إن لم يعترف) بلفظ المَجهول، وفي بعضها: بالمجهول من المَعرفة.

4 - باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها

(قال يحيى بن سعيد الأنصاري)؛ أي: راوي الحديث: لا أَدري هذا الشَّرط والجَزاء من الحديث أو مِن كلام يزيد. قال بعض العَصْريين: ولم يشُكَّ يحيى في كون هذه الجُملة موقوفةً على يَزيد، ولم أرَها مرفوعةً. * * * 4 - بابٌ إِذَا لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ فَهْيَ لِمَنْ وَجَدَهَا (بابٌ: إذا لم يُوجَد) 2429 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبيعَةَ بن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بن خَالِدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا". قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبلِ؟ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". (جاء رجل) قال ابن بَشْكُوال: الرَّجل هنا بلال المؤذِّن، وساقَ سنَده بذلك، لكنْ يُشكِل عليه سياق البخاري السابق: (جاء أعرابيٌّ). (فشأنك) نصبٌ على الإغْراء، أي: الْزَمْ شأنَك، وبالرَّفع، وفيه

5 - باب إذا وجد خشبة في البحر أو سوطا أو نحوه

حَذْف الجَواب، أي: إنْ جاءَ فادفعْها إليه. وفيه جواز أخْذ اللُّقَطة، وأنها إنْ لم تَفسُد في مدَّة السَّنة تُعرَّف سنةً، وأنه يستمتِع بها بعد انقِضاء الحَول، ولا يَلزمه التصدُّق بها. قال (ط): ما لا يتشاحَحُ النَّاس فيه كالتَّمْرة لا يَلزمه تعريفُه. قال مالك: مَن أخَذ شاةً من أرضٍ فلاةٍ فأكلَها فلا ضمانَ عليه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أذِنَ له في أكلها حيث قال: (لكَ، أو لأَخيكَ). أجاب الطَّحَاوي: لأخيكَ، ليس للمِلك، وبأنه قال: (أو للذئب) والذِّئب لا يملِك، والإجماع أنَّ صاحبَها قبْل أن يأْكلَها واجدُها له أخْذُها منه. قال داود: إنَّ صاحب اللُّقَطة في غير ما يُسرِع إليه الفَساد من الشَّاة ونحوها لا يَضمَن إذا استملَكَها بعد التَّعريف؛ لقوله عليه السلام: (فشَأْنَك بها). قال (ك): وهو خَرْقٌ للإجماع. * * * 5 - بابٌ إِذَا وَجَدَ خَشَبَةً فِي الْبَحْرِ أَوْ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ (بابٌ: إذا وجَد خشَبةً) 2430 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بن رَبيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

6 - باب إذا وجد تمرة في الطريق

ابن هُرمُزَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بني إِسْرَائِيلَ -وَسَاقَ الْحَدِيثَ-: "فَخَرَجَ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالْخَشَبَةِ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نشَرَهَا، وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ". (وجد المال)؛ أي: الذي بعثَه المُستقرِض إليه. (والصحيفة) التي كتبَها له المُستقرِض بذكْر بعث القَرْض. وفيه أنَّ الخشَبة حكمها حُكم اللُّقَطة. قال المُهلَّب: وإنما أخذَها حَطَبًا لأهله؛ لغلَبة الغضَب عليه بانكِسار سفينته، واختُلف في القليل من اللُّقَطة فرخَّص طائفةٌ أخْذَها، والانتفاعَ بها، وتَرْكَ تعريفها، وقال آخرون: لم يُفرِّق في الحديث بين القليل والكثير في إيجاب التَّعريف، ومن له رَبٌّ لا يتملَّكه أحد إلا بتمليكه إياه، قلَّ أو كثُر. * * * 6 - بابٌ إِذَا وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ (بابٌ: إذا وَجَد تَمْرةً) 2431 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ:

7 - باب كيف تعرف لقطة أهل مكة؟

"لَوْلاَ أنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأكَلْتُهَا". وَقَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ. وَقَالَ زَائِدَةُ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ. * * * 2432 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بن مُنَبهٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي، فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي، فَأَرْفَعُهَا لآكلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً، فَأُلْفِيهَا". (فأُلقيها) بضم الهمزة لا غير. وفيه حُرْمة الصَّدَقتين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والاحتِرازُ عن الشُّبهة، قيل: هذا أشدُّ ما رُوي في الشُّبُهات، وفيه إباحة الشَّيء التَّافِه للمُلتقِط دون تعريفٍ كما مرَّ في (البيع). * * * 7 - بابٌ كيف تُعَرَّفُ لُقَطَةُ أَهْلِ مَكَّةَ؟ وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا". وَقَالَ خَالدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ

النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ". (بابٌ: كيف تُعرَّف؟) بلفْظ المجهول من التَّفْعيل. (وقال طاوس) [...] (¬1). (إلا من عرفها) لا يُقال: لُقَطات جميع البلاد كذا؛ لأنَّ المراد هنا: لا تُلْتقَط إلا للتعريف، ولا يصحُّ تملُّكها أصلًا. * * * 2433 - وَقَالَ أَحْمَدُ بن سَعِدٍ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يُعْضَدُ عِضَاهُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا". فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ الله! إِلَّا الإذْخِرَ؟ فَقَالَ: "إِلَّا الإذْخِرَ". الحديث الأول: (روْح) بفتح الراء. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، ولم يأت بعده كلام في بقية النسخ الخطية، وكأن المؤلف رحمه الله أراد الكلام عن التعليق الذي ذكره البخاري هنا، وقد قال ابن حجر في "الفتح" (5/ 87): "وصله المؤلف في الحج في باب لا يحل القتال بمكة".

(لا يُعْضَد) بالجزم والرفع: لا يُقطَع. (عِضَاهها) بكسر المهملة، وخِفَّة المعجمة: العِضَاه شجَر أمِّ غَيْلان، وقيل: شجَرٌ عظيمٌ له شوكٌ، واحده عِضَةٌ بالتاء، أصلها: عضيهة. (لمُنشد)؛ أي: مُعرِّفٍ بدليل الحديث قبلَه: (إلا لمُعرِّف)، نشَدْتُ الضالَّةَ، فأنا ناشِدُها، أي: طلبْتُها وأنشدتُها، فأنا مُنشِدُها: إذا عرَّفتَها. (خلاها) بالقَصْر: هو الرَّطْب من الحَشيش. قيل: إنما لم تُملك لُقَطتها لإمكان إيصالها لربها، فإنْ كانت للمَكِّي فظاهرٌ، أو للغَريب فيقصِد في كلِّ عامٍ من أقطار الأرض، فيَسهل التوصُّل لها. * * * 2434 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن أَبي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا فتحَ الله عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ الله، وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ تَحِلُّ

سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ؛ إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِناَ وَبُيُوتِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَّا الإِذْخِرَ". فَقَامَ أَبُو شَاهٍ -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ الله! فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُبُوا لأَبي شَاهٍ". قُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (حبس عن مكة الفيل) أو القتل، سبَق في (العِلْم). (لا تحل)؛ أي: لم تَحِلَّ، (لا) بمعنى: (لم)، والمراد حلُّ القتال فيها. (قتيل) مجازٌ عن المُشرِف على القتْل، [أ] وحقيقة، ويُراد به القَتيل الذي صار قَتيلًا بهذا القتْل لا بقتْلٍ موجِبٍ لتحصيل الحاصِل. (يُفْدَى) مبنيٌّ للمفعول، أي: يُعطى الفِدْية. (يُقِيد) بضمِّ أوله، وكسر القاف، أي: يقتصَّ، مِن القَوَد، وهو القِصاص. (أبو شاه) بالهاء لا غير، أي: مع التَّنوين والصَّرف، قاله (ن)، ورُوي بالتاء، وتقدَّم في (العلم). قال (ع): قراءته معرفة ونكرة. * * *

8 - باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذن

8 - بابٌ لاَ تُحْتَلَبُ مَاشِيَةُ أَحَدِ بِغَيْرِ إِذْنِ 2435 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَحْلُبن أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلُبن أَحَدٌ مَاشِيَهَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ". (بابٌ: لا تُحلَب ماشية المَشْربة) بفتح الميم، وضم الراء وفتحها: الغُرفة المرتفِعة عن الأرض، شبَّه - صلى الله عليه وسلم - ضُروع المواشي في ضَبْطها الألبان لأربابها بالمَشرُبة التي تحفَظ ما أُودعَتْ من متاعٍ ونحوه. (تَخْزُن) بفتح الفَوقانيَّة، وسكون المعجَمة، وضم الزَّاي، بعدها نون، ورُوي بضمِّ أوله، وسكون المهملة، وكسر الرَّاء، بعدها زاي. (ضروع) جمع: ضَرْع، هو لكلِّ ذات ظُلْفِ وخُفٍّ كالثَّدي للإنسان. (أطعِماتهم) بكسر العين: جمع أَطْعِمة الذي هو جمع طَعامٍ، والمراد بها هنا اللَّبن. وقال (خ): وفيه إثْباتُ القِياس، وهو رَدُّ الشَّيء إلى نظيره؛ لأنه شبَّه حِفْظ اللَّبن في الضَّرع بحفظ المَتاع في المَشرُبة، وقد يُستدلُّ به

9 - باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه؛ لأنها وديعة عنده

على وُجوب القَطْع على مَنْ حلَب لبنًا من ماشيةِ غيره. * * * 9 - بابٌ إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ؛ لأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ (بابٌ: إذا جاءَ صاحِبُ اللُّقَطة فأَدَّاها) صريحٌ في وُجوب الضَّمان. 2436 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن جَعْفَرٍ، عَنْ رَبيعَةَ بن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بن خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اللُّقَطَةِ، قَالَ: "عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، فَأَدِّهَا إِلَيْهِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "خُذْهَا؛ فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ: يَا رَسُولَ الله! فَضَالَّةُ الإبلِ؟ قَالَ: فَغَضبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنتَاهُ -أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ- ثُمَّ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". (وجنتاه) الوَجْنَة: ما ارتفَع من الخدَّين، فيها أربع لغات. * * *

10 - باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق

10 - بابٌ هَلْ يَأخُذُ اللُّقَطَةَ وَلاَ يَدَعُهَا تَضيعُ حَتَّى لاَ يَأْخُذَهَا مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّ (بابٌ: هل يَأْخُذ اللُّقَطةَ؟) (لا يأخذها) في بعضها: (يَأْخُذها)، والمعنيان متلازمان. 2437 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بن غَفَلَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بن رَبيعَةَ، وَزَيْدِ بن صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ، فَوَجَدْتُ سَوْطًا، فَقَالَ لِي: أَلْقِهِ. قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ، وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ. فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا، فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بن كعْبٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلًا". فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُ، فَقَالَ: "عَرِّفْتُهَا حَوْلًا". فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلًا". فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابعَةَ، فَقَالَ: "اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فإِنْ جَاء صَاحِبُهَا، وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا". 2437 / -م - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بِهَذَا، قَالَ: فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: لاَ أَدْرِي أَثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا؟ (زيد بن صُوحان) بضمِّ الصاد المهملة، وبالحاء المهملة.

11 - باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان

(الرابعة) وتخصيص عدَم الثَّلاثة المتقدِّمة لا يدلُّ على نفي الزائد هنا. (عدتها)؛ أي: عدَدها، وهذا لا يدلُّ على تأَخُّر المعرفة عن التَّعريف، وهو عكْسُ الرِّوايات السابقة، بل هو مأمورٌ بمعرفتَين، يعرف أولًا ليَعلَم صِدْق وصْفِها، ويعرف ثانيًا معرفةً زائدةً على الأُولى مِن قَدْرها وجُودتها على سَبيل التَّحقيق؛ ليردَّها على صاحبها بلا تَفاوُتٍ. (قال)؛ أي: شُعبة. (فلقيته)؛ أي: سَلَمة، والسِّياق يُساعده. * * * 11 - باب مَنْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ (باب مَن عرَّف اللُّقَطة) 2438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَبيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بن خَالِدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَعْرَابيًّا سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اللُّقَطَةِ، قَالَ: "عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا، وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْ بِهَا"، وَسَأَلهُ عَنْ ضَالَّةِ الإبلِ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وقَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتأْكُلُ الشَّجَرَ، دَعْهَا حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا"، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ

12 - باب

الْغَنَمِ، فَقَالَ: "هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". * * * 12 - بابٌ 2439 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْبَرَاءُ، عَنْ أَبي بَكْر - رضي الله عنه - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: انْطَلَقْتُ، فَإِذَا أَناَ بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ. فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبن؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا؛ ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى، فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبن، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبن، حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ الله! فَشَرِبَ حَتَّى رَضيتُ. الحديث الأول، والثاني: (انطلقت)؛ أي: حين كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاصدِين الهجرةَ إلى المدينة. (فاعتقل)؛ أي: حبَسَها وأمسكَها، واعتقال الشَّاة أنْ يضَع رِجْلَه

بين ثديَي الشَّاة، ويحلبَها. (كُثْبة) بضم الكاف، وإسكان المثلَّثة: قَدْر الحَلْبة، أو القليل منه. (إداوة)؛ أي: رِكْوةً. وأدخل البخاري هذا الحديث في اللُّقَطة؛ لأنَّ اللَّبن إذ ذاك في حُكم الضَّائِع المستهلَك، فهو كالسَّوط الذي اغْتُفِر التقاطُه، وأعلى أحواله أنْ يكون كالشَّاة المقُول فيها: (هي لأخيك، أو للذِّئب)، وكذا هذا اللَّبن إنْ لم يُحلَب ضاعَ، وهذا أَولى من تأْويل أنَّه مالُ حربيٍّ؛ إذ الغَنائم لم تكن أُحلَّتْ بعدُ، وقيل: كانت لصَدِيق الصِّدِّيق، ولهذا قال: فسَمَّاه، فعرفتُه، أو أنَّ قوله: هل في غنَمِك مِن لبن، أرادَ به: هل أُذِنَ لك في ذلك، أو أنَّ ذلك مُستفَاضٌ بين العرَب، لا يَرون بذلك بأْسًا، أو في حقِّ محتاجٍ، أو يُبيحون ذلك لرُعاتهم، أو أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَولى بالمؤمنين، فهذه سبعة أوجهٍ محتملةٌ. فيه استِصحاب الإِداوَة في السَّفَر، وخِدْمة التابع للمَتبوع.

46 - كتاب المظالم

46 - كتاب المظالم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 46 - كتاب المظالم فِي المَظَالِمِ والغَصْبِ، وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}؛ رَافِعِي، الْمُقْنِعُ وَالْمُقْمحُ وَاحِدٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مُهْطِعِينَ} مُدِيمِي النَّظَرِ. ويُقَالُ: مُسْرِعِينَ، {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}؛ يعنى: جُوفًا، لا عُقُولَ لَهُم، {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}. (كتاب المَظالِم) جمع: مَظْلَمة، مصدر ظلَمَ يَظْلِم، وهي اسمُ ما أُخِذ منك بغير حقٍّ، وقيل: جمع المَظلمة بكسر اللام، والظُّلْم: وضْع الشَّيء في غير

1 - باب قصاص المظالم

مَوضعه، وقيل: التصرُّف في مِلْك الغير بغير إذنه. (والغصب) الاستِيلاء على مال الغَير ظُلْمًا. (المقنع المقمح)؛ أي: هذه الكلِمة بالنُّون والعين، وبالميم والحاء بمعنَى واحدٍ، وهو رفع الرَّأْس. (جُوْفًا) بضم الجيم، وسكون الواو: جمع أَجْوَف، وفُلانٌ يُدْمِنُ كذا، أي: يُديمُه. {مُهْطِعِينَ}: مُسرِعين إلى الدَّاعي، وقيل: أَنْ تُقبل ببصَرك على المرئيِّ تُديم النَّظَر إليه. {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}: رافِعيها. {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ}؛ أي: لا يَطرِفُون، لكنْ عيونهم مفتوحةٌ ممدودةٌ من غير تحريك الأجْفان. {هَوَاءٌ}؛ أي: صِفْرًا من الخَير، خاليةٌ عنه، والهواء: الخَلاء الذي لم تَشغَلْه الأجْرام، أي: لا قوَّةَ في قُلوبهم ولا جُرأَة، ويقال للأحمق: قلْبُه هواءٌ. * * * 1 - بابُ قِصاصِ المَظَالِمِ (باب: قصاص المظالم) 2440 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بن هِشَامٍ،

حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، حُبسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاضُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا". وَقَالَ يُونُسُ بن مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ. (بقنطرة) إنْ ثبَت أن الجِسْر والصِّراط واحدٌ فَيُؤوَّل بأنَّ القَنْطرة من تتمَّة الصِّراط ونحو ذلك لا أنهما جِسْران. (يتقاصون) يتفاعَلُون، مِن اقتصَصْتُ الأمْرَ: إذا تتبَّعتَه. قال (ط): هذا التَّقاصُّ لقَومٍ دون قومٍ، وهم مَن لا تَستغرِق مظالمُهم جميعَ حسناتهم؛ إذ لو استغرَق جميعَها كانوا من أهل النَّار، فلا يُقال فيهم: خلَصُوا من النَّار، والتَّفاعُل من اثنَين، فلكلٍّ منهما على أخيه مظلمةٌ لا تُوجِب النَّارَ، فيتَقاصُّون الحسَنات لا السَّيئاتِ، فمَن زادَتْ مظلمَتُه على مَظلَمة أخيه أخَذ من حسَناته، ودخَل الجنَّة، ومنازلُهم فيها بقَدْر ما بقِيَ لكلٍّ منهم من الحسَنات، فلهذا يَتقاصُّون بعد خَلاصهم من النار. قال المُهلَّب: هذه المُقاصَّة في مَظالم الأبْدان كاللَّطْمَةِ وشِبْهها

2 - باب قول الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}

مما الظَّالمُ فيها مليٌّ لأداء القِصاص منه لحُضور بدَنه، وقيل: القِصاص في العِرْض والمال يكون بالحسَنات والسيِّئات، فيُزاد في حسَنات المظلوم، وسيئِّات الظَّالم. (نقوا) مبنيٌّ لمَا لم يُسمَّ فاعله مِن التَّنقية بمعنى التَّخليص والتَّمييز. (وهذبوا)؛ أي: خُلِّصُوا من العُيوب. (أدل بمسكنه) لأنَّه عرَفَه بعَرْضه عليه بالغَداة والعَشيِّ. * * * 2 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (باب قَول الله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]) 2441 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ، عَنْ صَفْوَانَ بن مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَاَ أَمْشِي مَعَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقَالَ: كيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الله يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ! حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ: أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَناَ أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى

كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبهِمْ، أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ". (ابن مُحْرِز) بضم الميم، وسكون المهملَة، وتقديم الرَّاء. (النجوى) ما يقَع بين الله تعالى وعبده المؤمن يوم القِيامة، وهو فضْلٌ من الله تعالى حيث يذكر معاصي العبد سِرًّا. (يُدْني) يُقرِّب تَقريبًا رُتْبيًّا لا مَكانيًّا. (كَنَفَهُ) بفتح النون: سَتْره، فلا يكشِفُه على رؤُوس الأشهاد بدليل سِياق الحديث، وقيل: عفْوَه ومَغْفرتَه. قال القاضي: صحَّفَه بعضُهم تصحيفًا قبيحًا، فقال: بالتَّاء. وبالجُملة فالحديث من المتَشابهات، والأُمَّة في أمثالها مفوِّضةٌ ومؤوِّلةٌ (¬1). (الأشهاد) جمع شاهِد، أو شَهِيد كأَصْحاب، وأشراف، قال تعالى: {أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} [هود: 18] أي: يُحبَسون في الموقِف بين الخلائق، ويَشهد عليهم الأشهاد من الملائكة والنبيين بأنهم الكذَّابون على الله. والحديث حُجَّةٌ على المعتزلة في مغفرة الذُّنوب إلا للكفَّار، وعلى الخَوارج حيث يُكفِّرون بالمعاصي. * * * ¬

_ (¬1) ومثبتة من غير تكييف ولا تشبيه.

3 - باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه

3 - بابُ لاَ يَظْلِمُ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ وَلاَ يُسْلِمُهُ (باب: لا يَظلِمُ المُسلمُ المُسلمَ، ولا يُسْلِمُه) بضم الياء، وسكون السين، أي: لا يَخْذُله، يقال: أسلمتُ فُلانًا لكذا: إذا أخذلتَه وألقيتَه للهلَكة، فلم تَحمِه من عدوِّه، وهو عامٌّ في كلِّ من أسْلَمَهُ إلى شيءٍ، لكنْ دخلَه التَّخصيص، وغلَب عليه الإلقاء في الهلَكة. 2442 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ: أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (كُرْبة) بالضمِّ: هي الغَمُّ الذي يَأْخُذ النَّفْس. وفي الحديث حضٌّ على التَّعاوُن وحُسن المُعاشَرة، وكثيرٍ من الآداب، والسَّتر إنما هو في معصيةٍ وقعَتْ، والنَّهي عن المُنكَر فيما تلبَّس الشَّخص به، فتجب المُبادرة بإنكاره، ومنعه منه، والمتعلِّق بجَرْح الرُّواة والشُّهود لا يحلُّ السَّتْر عليهم، وليس من الغِيْبة المُحرَّمة

4 - باب أعن أخاك ظالما أو مظلوما

بل من النَّصيحة الواجبة. * * * 4 - بابٌ أَعِنْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا (باب: أَعِنْ أخاكَ ظالِمًا أو مَظلُومًا) 2443 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله ابن أَبي بَكْرِ بن أَنَسٍ، وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، سَمِعَ أَنَسَ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا". 2444 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟! قَالَ: "تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ". الحديث الأول، والثاني: (تأخذ فوق يديه)؛ أي: تمنعُه من الظُّلْم، ولفظ: (فَوق) مقحَمٌ، أو ذُكر إشارة للأخْذ بالاستِعلاء والقوَّة. قال (ط): النُّصرة بالإعانة، وفسَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ نصر الظَّالم منْعُه من الظُّلم، فإذا تركتَه على ظُلمه أدَّاه إلى أن تقتصقَّ منه، فمنْعه من مُوجِب القِصاص نصرةٌ له، وهذا من تسمية الشَّيء بما يَؤُول إليه، وهو

5 - باب نصر المظلوم

من عجيب الفصاحة. * * * 5 - بابُ نَصْرِ الْمَظْلُوم (باب نَصْر المَظْلُوم) 2445 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن الرَّبيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بن سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بن سُوَيْدٍ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بن عَازِب - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنَهَاناَ عَنْ سَبْعٍ. فَذَكَرَ: عِيَادَةَ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلاَمِ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ. الحديث الأول: (الأشعث بن سُليم) مصغَّرٌ. * * * 2446 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبنيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا". وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابعِهِ. الثاني: (بُريد) بموحَّدةٍ مضمومةٍ.

6 - باب الانتصار من الظالم

(كالبنيان) هو الحائِط. (وشبك)؛ أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 6 - بابُ الاِنْتِصَارِ مِنَ الظَّالِمِ لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}. {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كاَنُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا. (باب الانتِصار) هو الانتِقام. (يستذلوا) بلفظ المَجهول. قال (ط): وفي معنى كلام إبراهيم ما رُوي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - استعاذَ بالله من غلَبة الرِّجال، وشَماتة الأعداء، وكان لا يَنتقِم لنفْسه، ولا ممن جنَى عليه، وعن أحمد بن حنبل أنه قال: جعلتُ المعتصمَ بالله في حِلٍّ من ضَرْبي وسَجْني؛ لأنِّي ما أُحبُّ أن يُعذِّب الله أحدًا بسبَبي. * * * 7 - بابُ عَفْوِ الْمَظْلُومِ لِقَوْلهِ تَعَالَىَ: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ

8 - باب الظلم ظلمات يوم القيامة

عَفُوًّا قَدِيرًا}، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}. وأسقط (ك): (باب عَفْو المَظلُوم) * * * 8 - بابٌ الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (باب: الظُّلْم ظُلُماتٌ) لا تُعرف هذه الظُّلُمات أهي عمًى بالقلب، أو ظُلُماتٌ على البَصَر، حتى لا يهتديَ سبيلًا؟، ودلَّ قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] أنهم حين مُنِعوا النُّور بقُوا في الظُّلمة عَشِيَتْ أبصارهم كما كانت على أبصارهم غِشَاوةُ الكُفْر في الدُّنيا، فالذي في القرآن هو الظُّلمة البصَرية. * * *

9 - باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم

9 - بابُ الاِتِّقَاءِ وَالْحَذَرِ مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ (باب الاتِّقاءِ والحذَرِ من دَعوة المَظلوم) 2448 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بن إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ، عَنْ يَحْيَى بن عَبْدِ الله بن صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ، عَنِ ابن عَبَّاس - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الله حِجَابٌ". (أبو مَعْبَد) بفتح الميم، والموحَّدة. (ليس بينها وبين الله حجاب)؛ أي: الدَّعوة مُجابةٌ وإنْ كان فاجِرًا، ففُجوره على نفسه. * * * 10 - بابُ مَنْ كَانَتْ لَة مَظْلَمَةً عِندَ الرَّجُلِ فَحَلَّلَهَا لَةُ هَلْ يُبَيِّنُ مَظْلَمَتهُ؟ 2449 - حَدَّثَنَا آدَمُ بن أَبي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابن أَبي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ

لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: قَالَ إِسْمَاعِيلُ بن أَبي أُوَيْسٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَقْبُرِيَّ لأَنَّهُ كَانَ نزَلَ ناَحِيَةَ الْمَقَابرِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ هُوَ مَوْلَى بني لَيْثٍ، وَهُوَ سَعِيدُ ابن أَبي سَعِيدٍ، وَاسْمُ أَبي سَعِيدٍ كيْسَانُ. (باب مَنْ كانتْ له مَظلَمةٌ) قال ابن القُوطيَّة: لا تَقوله العرب بفتح اللام بل بكسرها، وهي اسمُ ما أُخِذ منك بغير حقٍّ. ومَن كانت بينه وبين آخَر معاملةٌ فحلَّل بعضُهم بعضًا في كلِّ ما جرى بينهما ذلك اليوم؛ قال (ط): قيل: هذه براءةٌ له في الدُّنيا والآخرة، وقيل: إنما تصحُّ البراءة إذا بيَّنَ له وعرَف مالَه عنده، والحديث حُجَّةٌ لهذا القَول؛ لأن لفْظ: (قَدْر مَظلمَتِه) يُوجِب أن يكون معلومًا. (شيء)؛ أي: من المال ونحوه. (فليتحلله)؛ أي: ليَسأَلْه أن يجعلَه في حِلٍّ، ويطلُب براءةَ ذمَّته قبل يوم القيامة. (له)؛ أي: للظَّالم. (أخذ)؛ أي: ثَوابُه منه للمظلوم.

11 - باب إذا حلله من ظلمه فلا رجوع فيه

(فحمل عليه)؛ أي: عُوقِب الظَّالم به، ولا تعارُض بين هذا وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]؛ لأنه إنما يُعاقَب بسبَب فعله وظُلمه وجِنايته، فلمَّا دفَع لغُرمائه حسناته ولم يَبْق منها بقيةٌ أُخِذ قدر سيئاته، فعُوقِبَ بها. قال (ط): معنى يتحلَّله: يَستَوهِبه، ويقطَع دعواه عنه؛ لأنَّ ما حرَّمه الله من الغِيبة لا يمكن تحليلُه، وجاء رجلٌ إلى ابن سِيْرين فقال: اجعلْني في حِلٍّ، فقد اغْتبتُكَ، فقال: إنِّي لا أُحِلُّ ما حرَّمه الله، لكنْ ما كان منك في قِبَلنا فأنْت في حِلٍّ، ومعنى أَخْذ الحسَنات والسَّيئات: أنْ يُجعل ثوابها لصاحِب المظلَمة، ويُجعل على الظَّالم عُقوبة سيئاته بدَل حَقِّه. * * * 11 - بابٌ إِذَا حَلَّلَهُ مِنْ ظُلْمِهِ فَلاَ رُجُوعَ فِيهِ (باب: إذا حلَّلَه من ظُلْمه فلا رُجوعَ) 2450 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا: {وَإِنِ امْرَأَةُ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعرَاضَا} قَالَتِ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ، لَيْسَ بِمُسْتكْثِرٍ مِنْهَا، يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ.

12 - باب إذا أذن له أو أحله ولم يبين كم هو؟

(قالت)؛ أي: عائشة في تفسير الآية. (ليس بمستكثر) الصُّحبة معها لعدَم الأُلْفة، فيُريد فِراقَها بالخُلْع، فتقول: أنتَ في حِلٍّ من حُقوق الزَّوجية التي لي عليكَ مدافعةً. (فنزلت) {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا} [النساء: 128]. واستُشكل تطبيق التَّرجمة للحديث، فإنَّها تَتناول إسقاط الحقِّ من المظلمة، والآية مضمونُها إسقاط الحقِّ المستقبَل حتى لا يكون عدَم الوَفاءِ به مظلمةً لسُقوطه، وأُجيب: أنَّ المُراد: إذا تعذَّر الإسقاط في الحقِّ المتوقَّع؛ فلأَنْ يتعذَّر في الحقِّ المحقَّق أَولى، والخُلْع عقدٌ لازمٌ، لا رُجوعَ فيه، فهو كالتَّحليل بطريق الصُّلْح، أو الهبَة، أو الإبراء. * * * 12 - بابٌ إِذَا أَذِنَ لَهُ أَوْ أحَلَّهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ؟ (باب: إذا أذِنَ له أو أَحلَّه له ولم يُبيِّن كم هو؟)؛ أي: مِقْدار المأْذون فيه، أو المُحلَّل. 2451 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبي حَازِمِ ابن دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ

13 - باب إثم من ظلم شيئا من الأرض

لِلْغُلاَمِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ " فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ وَالله يَا رَسُولَ الله! لاَ أُوثِرُ بنصِيبي مِنْكَ أَحَدًا. قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِهِ. (لا أُوثر): لا أختارُ. (فَتلهُ)؛ أي: دفَعه إليه بقُوَّةٍ، ومرَّ في (الشرب). قال (ط): لو حلَّل الغُلام من نصيبه الأشياخَ لكان ما حلَّل منه غيرَ معلومٍ؛ لأنه لا يُعرف مقدار ما كانوا يَشربون، ولا مقدار ما يَشربُه، وجوَّز مالك هِبَةَ المَجهول كأنْ يهَب نصيبَه من الميراث. * * * 13 - بابُ إِثْمِ مَنْ ظَلَمَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ (باب إثْمِ مَن ظلَم شيئًا من أرضٍ) 2452 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بن عَبْدِ الله: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن عَمْرِو بن سَهْلٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بن زَيْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". الحديث الأول: (من ظلم شيئًا من أرض) رُوي أنَّ مَروان أَرسلَ إلى سعيد بن زَيد أحدِ العشَرة المبشَّرة بالجنَّة ناسًا يكلِّمونه في شأْن أَرْوى بنت

أُوَيس، وكانتْ شكَتْه إلى مَروان في أرضٍ، فقال سعيد: تَروني ظلَمتُها، وقد سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... الحديثَ، فترك سعيد لها ما ادَّعتْه، وقال: اللهمَّ إنْ كانت كاذبةً فلا تُمِتْها حتى تُعميَ بصرَها، وتجعَلَ قبْرها في بئْرٍ، قالوا: فوالله ما ماتتْ حتى ذهَبَ بصرُها، ومشَتْ في دارها فوقعتْ في بئرٍ. (طوقه) بلفظ المَجهول. (أرضين) الأرجَح فتح الراء، وله معنيان: أحدهما: أن يُكلَّف نقْل ما ظَلَم منها في القيامة إلى المَحشَر، فيكون كالطَّوق في عنُقه. وثانيهما: أن يُعاقَب بالخَسْف إلى سبع أرضين، كما في الحديث: (أنَّ مَنْ ملَكَ أَرْضًا ملَكَ أسْفلَها إلى سبْعِ أرضينَ)، وله أن يمنَع من حفَر تحتَها بئْرًا، سواءٌ لا أضرَّ به أم لم يضُرَّ. قال (ن): أما التَّطويق فقالوا: يحتمل أنَّ معناه أن يحمل مثلَه من سبْع سماواتٍ، ويكلَّف إطاقتَه، أو يجعل له كالطَّوق في عنُقه، ويطُول عنُقه كما جاء في غِلَظِ جِلْد الكافر، وعِظَم ضِرْسه، أو يطوَّق إثم ذلك، ويَلزمه كلُزوم الطَّوق لعنُقه. وفيه إمكان غصب الأرض خلافًا للحنَفيَّة، وأنَّ الأرض سبع طِبَاقٍ كقوله تعالى: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]، وفيه تهديدٌ عظيمٌ للغاصِب. * * *

14 - باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز

2453 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ يَحْيَى بن أَبي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ، فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ! اجْتَنِبِ الأَرْضَ؛ فَإِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". 2454 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِخُرَاسَانَ فِي كِتَابِ ابن الْمُبَارَكِ، أَمْلاَهُ عَلَيْهِمْ بِالْبَصْرَةِ. الثاني، والثالث: (قِيد) بكسر القاف، أي: قَدْر. * * * 14 - بابٌ إِذَا أَذِنَ إِنْسَانٌ لآخَرَ شَيْئًا جَازَ (بابٌ: إذا أذِنَ إنسانٌ) 2455 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بن عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ: كُنَّا

بِالْمَدِينَةِ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأصَابنا سَنةٌ، فَكَانَ ابن الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، فَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - يمر بنا، فَيقُولُ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنِ الإقْرَانِ، إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ. الحديث الأول: (جَبَلة) بفتح الجيم، والباء. (سَنة) بفتح السِّين، أي: قحْطٌ. (الإقْرَانِ) كذا أكثَر الروايات، وصوابه: القِرَآن، كما في (الصَّوم)، وهو أن يَقرِن بين الشَّيئين كالتَّمرتَين عند الأكل. * * * 2456 - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أبو عَوَانةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ أَبي مَسْعُود: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أبو شُعَيبٍ، كَانَ لَهُ غُلاَم لَحَّامٌ، فَقَالَ لَهُ أبو شُعَيبٍ: اصْنع لِي طَعَامَ خَمْسَةٍ، لَعَلِّي أَدْعُو النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَامِسَ خَمْسَة. وَأَبْصَرَ فِي وَجْهِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْجُوعَ، فَدَعَاهُ، فتبعَهُمْ رَجُلٌ لَمْ يُدْعَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا قَدِ اتَّبَعَنَا أتأذَنُ لَهُ؟ ". قَالَ: نعمْ. الثاني: (لَحَّام) بائِع اللَّحم.

15 - باب قول الله تعالى: {وهو ألد الخصام}

(أبْصَرَ) بلفْظ الماضي جملةٌ حاليةٌ. * * * 15 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} 2457 - حَدَّثَنَا أبو عَاصِمٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ ابن أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى الله الألدُّ الْخَصِمُ". (باب قَولِ الله تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204]) الأَلَدُّ: الشَّديد اللَّدَد، وهو الجِدال، ومنه: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97]، والإضافة بمعنى: في، كثبت الغدر، وجعْل الخِصَام ألَدَّ مبالغة، أو الخِصَام جمع الخَصم كصَعْب وصِعَاب، وذمَّه الله في القُرآن لمُدافعَته الحقَّ. (الخَصِم) بفتح الخاء، وكسر الصاد، ومِن صيَغ المبالغة، أي: الشَّديد الخُصومة الماهر فيها، قال تعالى: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]. واللام في الخصم (¬1) للعهد، عن الأخْنَس بفتح الهمزة، وسكون المعجمة، وفتح النون، وبالمهملة -ابن شَرِيق- بفتح المعجمة، ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "الناس" بدل "الخصم"، ولعل الصواب المثبت.

16 - باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه

وكسر الراء- الذي نزلت فيه الآية، أو هو تغليظٌ في الزَّجْر، أو المراد الألَدُّ في الباطِل المستَحَقِّ [له]. * * * 16 - بابُ إِثْمِ مَنْ خاصَمَ فِي بَاطِلٍ وهو يَعْلَمُهُ (باب إثْم مَن خاصَم في باطِلٍ) 2458 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنْ صَالح، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّ زينَبَ بنتَ أُمِّ سَلمَةَ أَخْبَرتهُ: أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا زَوْجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرتْهَا عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً ببَابِ حُجْرَتهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: "إِنَّمَا أَناَ بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأتِيني الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإنَّمَا هِيَ قِطْعَة مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا، أَوْ فَلْيتركْهَا". (إنما أنا بشر)؛ أي: لا أعلَم الغَيب، وبواطنَ الأُمور كما تقتَضيه الحالةُ البشَرية، بل أحكُم بالظَّاهر، والله مُتولِّي السَّرائر، ولو شاءَ الله أطلَعه على بواطِن الأُمور، حتى حكَم باليَقين، لكنْ لمَّا أمَر الله أُمتَه بالاقتداء به أَجرى أحكامَه على الظَّاهر لتَطيبَ نُفوسهم للانقِياد.

17 - باب إذا خاصم فجر

قال (ن): فيه دليلٌ للجمهور أنَّ حُكم القاضي لا يَنفُذ إلا (¬1) ظاهِرًا، فلا يُحِلُّ حرامًا، ولو شَهِد شاهدَا زُورٍ أنَّه طلَّق امرأتَه لم يحلَّ لمن عَلِمَ كذبَهما أن يتزوَّجَها بعد الحُكم بالطَّلاق خلافًا للحنفية، وهو مخالِفٌ للحديث، والإجماع. (أبلغ)؛ أي: أفصَحَ ببَيان حُجَّته، وأدخَل (أنْ) تَشبيهًا لـ (لعلَّ) بـ (عسَى). (قضيت)؛ أي: حكمتُ له بحقِّ غيره مسلمًا أو ذِميًّا، وذكَر المُسلمَ تغليبًا، أو اهتِمامًا بحاله، أو نظَرًا للفْظ: (بعضكم)، فإنه خطابٌ للمؤمنين. (قطعة من النار)؛ أي: هو حرامٌ مآلُه للنَّار. (فليأخذ) أمر تهديدٍ لا تخييرٍ، كقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]. وفيه أنَّ الحاكم يحكُم بما ثبَت عنده، وليس كلُّ مجتهد مصيبًا. * * * 17 - بابٌ إذَا خَاصمَ فَجَرَ (بابٌ: إذا خاصَمَ فجَرَ)؛ أي: عَدَلَ عن طَريق الحقِّ. ¬

_ (¬1) "إلا" ليست في الأصل.

18 - باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه

2459 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بن خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بن مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عَمْرٍو - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، أَوْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإذَا عَاهَدَ غدَرَ، وَإِذَا خَاصمَ فَجَرَ". (بِشْر) بكسر الموحَّدة، وسكون المعجَمة. (غدر) نقَضَ العَهْدَ كما مرَّ في (الإيمان)، لكنْ فيه: (إذا وعَدَ أَخلَفَ) بدَل: (إذا اؤتُمِنَ خانَ)؛ لأنَّ المتروك في الموضِعَين داخلٌ تحت المتروك فيهما. * * * 18 - بابُ قِصَاصِ الْمَظْلُوم إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ وَقَالَ ابن سِيرِينَ: يُقَاصُّهُ، وَقَرَأَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}. (باب قِصَاصِ المَظْلُوم) 2460 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بنتُ عُتْبةَ ابن رَبيعَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله اإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجلٌ مِسِّيك، فَهَلْ

عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالنا؟ فَقَالَ: "لاَ حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ". الحديث الأول: (مِسِّيكٌ) الأكثَر بكسر الميم، وتشديد السِّين: مبالغةٌ في البُخل كشِرِّيب، ورواية المُتْقنين بفتح الميم، وتخفيف السِّين. (بالمعروف) هو ما يتعارف أنْ يأكُل العِيَال. واختلَفوا فيمَن وجَد مالَ الظَّالمِ، فقال أبو حنيفة: يأخذ من الذَّهب الذَّهبَ، وجوَّز الآخَرون الأخْذ من غير جِنْسه بالقيمة؛ للعِلْم بأنَّ بيت الرجُل الشَّحيْح لا يجمع كلَّ ما يحتاجه عيالُه حتى يَستغنيَ به عمَّا سِواه، فأجاز له - صلى الله عليه وسلم - أخْذ عِوَضه. وفيه وُجوب نفَقة الأولاد للحاجَة، وأنَّ للمرأَة مَدْخَلًا في كفالة أولادها، وجواز خُروج المرأة من بيتها للحاجة، وضُعِّف الاستِدلالُ به بجَواز الحُكْم على الغائِب؛ لأنَّه فَتْوى لا حُكم، ولأن أبا سُفيان كان حاضِرًا في البلَد. * * * 2461 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أَبي الْخَيرِ، عَنْ عُقْبةَ بن عَامِرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّكَ تَبْعَثُنَا، فَنَنْزِلُ بِقَوْم لاَ يَقْرُوناَ، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَنَا: "إِنْ نزَلْتُمْ بِقَوْمٍ،

19 - باب ما جاء في السقائف

فَأمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ". الثاني: (لا يقرونا) بفتح الباء: مِن القِرَى، أي: لا يُقروننَا بنونين. (فخذوا)؛ أي: عند الاضطرار أخْذَ ضمانٍ؛ إذ القوم كانوا من أهل الجِزْية، وشُرِطَ عليهم ضيافةُ الضَّيف. قال (خ): فإنَّ ذلك لازمٌ في زمنه - صلى الله عليه وسلم -؛ إذْ لم يكن بيتُ المال، أما اليوم فأرزاقُهم في بيت المال لا حقَّ لهم في أموال المُسلمين. قال (ط): كان أوَّل الإسلام حيثُ كانت المُواساة واجبة، فنُسِخ بقوله: "جائزتُه يوم وليلة"، والجائزة تفضُّل لا واجبٌ. * * * 19 - بابُ مَا جَاء فِي السَّقَائِفِ وَجَلَسَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحَابُهُ فِي سَقِيفَةِ بني سَاعِدَةَ. (باب ماجاءَ في السَّقائِف) جمع: سَقيفة، وهي الصُّفَّة، وقد تكون كالسَّاباط، وقيل: السَّقائف: الحَوانيت، وقد عَلِم الناس ما وُضعتْ له، ومن اتخذ فيها مَجلِسًا فهو مباحٌ له إذا التَزمَه.

20 - باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره

وسَقيفة بني ساعِدة نُسبت إليهم؛ لأنهم كانوا يجتمعون فيها، أو لأنَّهم بنوها، وفيها وقَع عقدُ مبايعةِ خِلافة الصِّدِّيق. * * * 2462 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، وَأَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَخْبَرَني عُبَيْدُ الله بن عَبْدِ الله بن عُتْبةَ: أَنَّ ابن عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَ حِينَ تَوَفَّى الله نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ الأَنْصَارَ اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بني سَاعِدَةَ، فَقُلْتُ لأَبي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بنا. فَجئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بني سَاعِدَةَ. (وأخبرني)؛ أي: قال عبد الله بن وَهْب، ويونسُ أيضًا: أخبَرني به، فهو تحويل إسنادٍ لآخَر. ووجه تعلُّق الباب بكتاب المَظالم: بَيان أنَّ الجُلوس في سَقيفة العامة ليس ظُلمًا. * * * 20 - بابٌ لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ (بابٌ: لا يمنَعْ جارٌ جارَه) 2463 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَمْنَعُ

21 - باب صب الخمر في الطريق

جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِه". ثُمَّ يَقُولُ أَبو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَالله لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أكتَافِكُمْ. (خشبه) قال عبد الغَنِي: كلُّ النَّاس يقولونه بالجمْع إلا الطَّحَاويُّ فقال: (خَشَبَةَ) بالنصب والتَّنوين، أي: خشبةً واحدةً، ولعلهم كانوا يمنعون من الغَرْز، فقال: والله لأحملنَكم على هذه السنَّة ولألزمنَكُم بها. (بين أكتافكم) بالمثنَّاة فوقُ، أي: بينكم، ورُوي في "الموطَّأ" بالنُّون، وهو بمعناه. قال (خ): يقول أبو هُريرة: إنْ لم تتلقَّوه راضِيْن حملتُه على رقابكم كارِهين له، كأنه يقول بإيجابه، وهو عند العامة مندوبٌ إليه؛ لأنه استعمالُ مال الغَير بغيرِ إذْنه، فلا يحلُّ إلا بطِيبِ نفسه، فإذا وجَب حُسْن الجِوار بين الجانبين وجبَتْ مثلَه من الجانب الآخَر، فهو استحباب لا استحقاق، وقيل في الحديث: إنَّ تأْويل الأحاديث على ما تلقَّاها الصحابة لا على ظَواهرها. * * * 21 - بابُ صَبِّ الْخَمْرِ فِي الطَّرِيق (باب صَبِّ الخَمْر) 2464 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الرَّحِيم أبو يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ،

22 - باب أفنية الدور والجلوس فيها، والجلوس على الصعدات

حَدَّثنا حَمَّادُ بن زيدٍ، حَدَّثنا ثَابتٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. قَالَ: فَقَالَ لِي أبو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأهْرِقْهَا. فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونهِمْ. فَأنْزَلَ الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية. (الفَضيخ) بفتح الفاء، وخفَّة المعجَمة، وخاءٍ معجمةٍ: شرابٌ يُتخذ من البُسْر المفْضُوخ، أي: المَشْدُوخ لم تمسَّه النَّار. (سِكك) بكسر السِّين: أزِقَّتها. (فأهرقها) بوزن: أَفْعِل، وفيه لغة أُخرى: هَرَاقَ، أصله: أَراقَ، ولغةٌ ثالثةٌ: إِهْراقَ، ومعناه: صَبَّ، وجازَ: هَرِقْها في الطَّريق للسُّمعة بهرقها، والإِعلانِ به، وكيف لا وهو يُؤذي النَّاس، ونحن نمنَع إراقةَ الماءِ الطَّاهر في الطَّريق لأجل أذى النَّاس، فكيف الخَمْر؟. وفيه قَبول خبَر الواحِد، وإطلاقُ الخمْر على كلِّ مُسكرٍ. * * * 22 - بابُ أَفْنِيَة الدُّورِ وَالْجُلُوسِ فِيهَا، وَالْجُلُوسِ عَلَى الصَّعُدَاتِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَابْتَنَى أَبُو بَكْرٍ مَسْجدًا بِفِنَاءِ داره، يُصَلِّي فِيهِ،

وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيتقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبناؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذ بِمَكَّةَ. (باب أفْنية الدُّور) جمع: فِنَاء بالكسر والمدِّ، وهو ما اتسَعَ أمام الدَّار. (والصُّعُدات) بضمِّ الصاد، والعين: الطُّرُقات، جمع صُعُد، وصُعُد جمع صَعيْد، كطَريقٍ، وطُرُقٍ، وطُرُقاتٍ. (فيتقصّف)؛ أي: تَزدحِم وتتكسَّر، ومرَّ في (الكفالَة). * * * 2465 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بن فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا أبو عُمَرَ حَفْصُ بن مَيْسَرَةَ، عَنْ زيدِ بن أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إياكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ". فَقَالُوا: مَا لنا بُد، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ: "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ، فَأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا"، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ". (إياكم والجُلُوس) بالنَّصب على التَّحذير. (أتيتم إلى المجالِس) وفي بعضها: (أبَيْتُم إلا المَجالِس) بالباءِ، وكلمةِ الاستثناء، جمع: مَجلِس بكسر اللَّام، يعني: إنْ أبَيتُم الجُلوس إلا في المَجالِس. * * *

23 - باب الآبار على الطرق إذا لم يتأذ بها

23 - بابُ الآبَارِ عَلَى الطُّرُقِ إِذَا لَمْ يُتَأَذَّ بهَا (بابُ الآبَارِ) بهمزةٍ مفتوحةٍ، ثم باءٍ ساكنةٍ، بعدها همزةٌ مفتوحةٌ ممدودةٌ، وهذا أصل الجمع كحِمْل وأَحْمال، ويجوز تقديم الهمزة على الباء فتقول: آبار، وجمع الكثْرة: بِيَار. 2466 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَي مَوْلَى أَبي بَكْرٍ، عَنْ أَبي صالح السَمَّانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأكلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبئْرَ، فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَإنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِم لأَجْرًا؟ فَقَالَ: "في كُلِّ ذَاتِ كَبدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ". (يَلْهَث)؛ أي: يُدلِّي لسانَه من العطَش. (يأكُل) يجوز أنْ يكون خبَرًا ثانيًا، وأن يكون حالًا، نظيره قوله تعالى: {حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: 20]. (الثرى) بمثلَّثةٍ: التُّراب النَّديُّ.

24 - باب إماطة الأذى

(لقد بلغ هذا الكلب) فاعل (بلَغَ)، والكلْب مرفوع على البدَليَّة، و (مثل): نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: مبْلغًا مثلَ، وفي بعض الأُصول بنصْب (الكَلْب)، ورفع (مثْل) فاعل. (في كل ذات كبد)؛ أي: في إرْواء كلِّ حيوانٍ ذاتِ كَبدٍ، وفي تسكين حَرارة كبده بما يَسقيها أجْر. و (رطبة) صفةٌ للكَبد. وفيه جواز حفر الآبار حيث يجوز للحافِر الحفر؛ لأنَّ الانتِفاع بها أكثَر من الاستِضْرار. * * * 24 - بابُ إِمَاطة الأَذَى وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "يُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". (باب إماطَةِ الأذى) (وقال هَمام) هو طرَفُ حديثٍ في (الجهاد)، في (باب: مَن أخَذ بالركاب). (يُمِيْط) هو نحو: تَسمَعُ بالمُعَيْديِّ خير من أنْ تَراه. قال (ط): هذا القَول ليس من الزُّهْري؛ لأن الفضائل لا تُدرَك

25 - باب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها

بالقِياس، بل تُؤخَذ توقيفًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى كَونِ الإماطة صدقةً؛ لإيْصال النَّفْع، فالإماطَةُ سبَب لسلامة أخيه المُسلِم من الأذَى، فكأنَّه تصدق عليه بالسَّلامة منه. * * * 25 - بابُ الْغُرْفَة وَالْعُلِّيةِ الْمُشْرِفَة وَغَيْرِ الْمُشْرِفَة فِي السُّطُوح وَغَيْرِهَا (باب الغُرْفَة والعُلِّيَّة) بضم العين، ويجوز كسرها، مثل الغُرفة. (المُشْرِقة) بكسر الراء الخفيفة. 2467 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد، حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بن زيدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَشْرَف النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي أَرَى مَوَاقع الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ". الحديث الأول: (أُطُم) بضم الهمزة، والطاء، الجمع: آطَامٌ، وهي حُصونٌ لأهل المدينة، الواحدة: أطَمَة كأكَمَة، وقيل: الأُطُم حصنٌ مبنيٌّ بالحِجارة. (مواقع) منصوبٌ بدَلًا عن: (ما أَرى)، وهو إخبارٌ بكثرة الفِتَن في المدينة، ووقَع كما أخبَر - صلى الله عليه وسلم -.

(خلال بيوتكم)؛ أي: وسطَها. * * * 2468 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ الله بن عَبْدِ الله بن أَبي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ الله ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ - رضي الله عنه - عَنِ الْمَرأتيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللَّتَيْنِ قَالَ الله لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}، فَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَعَدَلَ، وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإداوَاةِ، فتبرَّزَ حَتَّى جَاءَ، فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإداوَاةِ، فتوَضَّأ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأتانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللَّتَانِ قَالَ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}؟ فَقَالَ: وَاعَجَبي لَكَ يَا ابن عَبَّاسٍ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بني أُمَيَّةَ بن زيدٍ، وَهْيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكنَّا نتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَيَنْزِلُ يَومًا، وَأَنْزِلُ يَومًا، فَإِذَا نزلْتُ جِئتهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الأَمْرِ وَغيْرِهِ، وإذَا نزلَ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَكنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُناَ يَأخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاء الأَنْصَارِ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: وَلم تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَالله إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيُرَاجِعْنَهُ، وإنَّ إحْدَاهُنَّ لتهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى

اللَّيْلِ. فَأفزَعَنِي، فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابي، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: أَيْ حَفْصَةُ أتغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ حَتى اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: نعمْ. فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ، أَفتأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ الله لِغَضَبِ رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - فتهْلِكِينَ؟ لاَ تَسْتكْثِرِي عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ، وَلاَ تَهْجُرِيهِ، وَاسْأليني مَا بَدَا لَكِ، وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارتُكِ هِيَ أَوْضَأ مِنْكِ، وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -يُرِيدُ عَائِشَةَ- وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا: أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ النِّعَالَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبي يَوْمَ نَوْبتهِ، فَرَجَعَ عِشَاءً، فَضَرَبَ بَابي ضَرْبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: أَناَئِمٌ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَطْوَلُ، طَلَّقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ. قَالَ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ، فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابي، فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ مَشْرُبَةً لَهُ، فَاعْتَزَلَ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا هِيَ تَبْكِي. قُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ أَوَلَمْ اُكَنْ حَذَّرْتُكِ؟ أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، هُوَ ذَا فِي الْمَشْرُبَةِ. فَخَرَجْتُ، فَجئْتُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْط يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبني مَا أَجِدُ، فَجئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ، فَكَلَّمَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: ذَكَرْتُكَ لَهُ، فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ

الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبني مَا أَجِدُ، فَجئْتُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبني مَا أَجِدُ، فَجئْتُ الْغُلاَمَ، فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا، فَإِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُوني، قَالَ: أَذِنَ لَكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أثرَ الرِّمَالُ بِجَنْبهِ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَناَ قَائِمٌ: طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: "لاَ". ثُمَّ قُلْتُ، وَأَناَ قَائِمٌ أَسْتَأنِسُ: يَا رَسُولَ الله! لَوْ رَأَيْتَنِي، وَكنَّا مَعْشَرَ قُرَيْش نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَذَكَرَهُ، فتَبَسَّمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَنِي، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: لاَ يَغرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأ مِنْكِ، وَأَحَبَّ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - -يُرِيدُ عَائِشَةَ- فتبسَّمَ أُخْرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ، فَوَالله مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبةٍ ثَلاَثَةٍ. فَقُلْتُ: ادْعُ الله فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوا الدُّنْيَا، وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ الله. وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: "أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابن الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْم عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله اسْتَغْفِر لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إلَى عَائِشَةَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ: "مَا أَناَ بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا" مِنْ شِدَّةِ مَوْجَدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ الله. فَلَمَّا

مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَعُدُّهَا عَدًّا. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأنْزِلَتْ آيَةُ التَّخْييرِ، فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، وَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأمِرِي أَبَويكِ". قَالَتْ قَدْ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُوناَ يَأمُرَانِي بِفِرَاقِكَ. ثُمَّ قَالَ: "إنَّ الله قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} إلَى قوله: {عَظِيمًا}. قُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإنِّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ، فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. الثاني: (فعَدَل)؛ أي: عن الطَّريق. (فتبرز)؛ أي: ذهبَ لقَضاء الحاجة، مِن البَراز وهو الفَضاء الواسِع. (واعجبًا) بالتنوين، نحو: يا رجُلًا بالألِف في آخره، نحو: وازيدًا، كأنه يندب على التعجُّب، وهو إما تعجُّبٌ من جَهْله بذلك لشُهرته بينهم، وإما من جِهَة حِرْصه على سُؤاله عما لا يتنبه له إلا الحريص على العلم مِن تفسير ما لا حُكمَ فيه من القرآن. قال ابن مالك: (واعجَبًا) اسم فِعْلٍ إذا نُوِّن عجبًا بمعنى: أعجَبُ، و (عجَبًا) بعد: (وَا) توكيدٌ، وإذا لم ينوَّن فالأصل فيه:

وَاعجَبي، فأُبدلت الياءُ ألفًا، وفيه شاهدٌ على استِعمال (وَا) في غير النُّدْبة كرأْي المُبرِّد، وفي "الكشَّاف" قال: عجَبًا، كأنَّه كَرِهَ ما سألَه عنه. (كنت وجار) الأكثَر بالرفع، ويجوز النَّصب عطفًا على الضَّمير في قوله: (إنِّي). (هي) ضميرٌ راجعٌ إلى أمكنة بني أُميَّة. (عوالي) قُرى قُربَ المدينة. (نتناوب النزول)؛ أي: يَنزِل هو يَومًا، وأنا أنزلُ يومًا. (الأمر)؛ أي: الوَحْي؛ إذ الأمْر للوَحْي عندهم، أو الأوامر الشَّرعية. (فَطَفِقَ) بكسر الفاء وفتحها. (من أدب) ويُروى بالراء. (حتى الليل) بالجرِّ. (فأفزعتني)؛ أي: المرأَة، وفي بعضها: (أفْزَعَني)؛ أي: كلامُها. (من فعل) و (فعلَتْ)، بالتَّذكير والتأنيث نظَرًا للَّفْظ والمعنى. (بعظيم) متعلِّق بـ: خابَ، أو خابَتْ، وفي بعضها: (لعَظيم) باللام. (فتهلِكين) بكسر اللام، والقِياس فيه حَذْف النُّون، فيؤوَّل بـ: أنتِ تَهلكينَ.

(بدا لك)؛ أي: ظهَر لك. (لا يغريك أن كانت) بفتْح (أنْ) وكسْرها مع التَّخفيف. (جارتك)؛ أي: ضَرَّتُك. (أوضأ)؛ أي: أحسَنَ منك، وأنظَفَ، وفي بعضها: (أَضْوَأ). (كسان) اسم ماءٍ من جِهَة الشَّام، نزلَ عليه قوم من الأَزْد فنُسبوا إليه، منهم بنو حَنِيْفة. (تنعلُ النِّعَالَ) بضمِّ أوله، قال الجَوْهَري: أَنْعلتُ الدَّابَّةَ، ولا يُقال: نَعلتُ، لكنَّ القاضي حكاه، وتنعل متعد إلى مفعولين حُذِف أحدهما، أي: تُنعِل الدوابُّ النِّعالَ، وأورد القاضي الحديثَ: تُنعِل الخَيْلَ، والموجود في البخاري: (تُنعِل النِّعال)، وفي بعضها: (البغَال) بإعجام الغين. (يُوشِكُ) بكسر الشِّين. (مَشْرَبة) بفتح الميم، وضم الراء، ويجوز فتحها: هي الغُرْفة. (لغلام) اسمه: رَبَاح، بفتح أوله، وخِفَّة الموحَّدة. (رمال) بكسر الراء، ويجوز ضمُّها: ما رُمِل، أي: نُسِج من حصيرِ ونحوه. قال أبو عُبَيد: رمَلْتُ الحصيرَ، وأرملتُه: نسَجْتُه. قال (خ): رِمال الحصير ضُلوعه المُتداخِلة بمنزلة الخُيوط في الثَّوب المَنْسوج، والمراد: لم يكُن فوق الحَصير فِراش ولا غيره.

(أستأنس)؛ أي: تبصَّر هل يَعود إلى الرِّضا، أو هل أقول قَولًا أُطيِّبُ به قلبَه، وأُسكِّن عنه غضَبه. (أُهُبه) بضم الهمزة، والهاء: جمع إهابٍ ككُتُبٍ جمع كِتَاب، والهاء زائدةٌ، وبفتحها على غير القِياس، وهو الجِلْد ما لم يُدبَغ. (فليوسع) مقتضى ظاهره أنَّ تقديره: ادعُ الله ليُوسع، فليوسع، فيكون لفظ الأمر الذي هو بمعنى الدُّعاء للتَّوكيد. (أو في شك) بفتح الواو، والهمزة للاستفهام، والمشكوك فيه تعجيل الطَّيِّبات، والاستغفار عن جُرأَته على مثل هذا الكلام في حضْرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن استِعظامه التجمُّلات الدنيويَّة. (ذلك الحديث) وهو ما (¬1) رُوي: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلا بمارَيَّةَ في يوم عائشة، وعلِمتْ بذلك حَفْصة، فقال: اكْتُمي عليَّ، وقد حرَّمتُ ماريَّة على نفْسي، فأفشَتْه حفْصةُ لعائشة. (موجدته)؛ أي: غضَبه، وجَدْتُ من الغضَب مَوْجِدةً، ومن الحُزْن وَجْدًا، ومن المال وُجْدًا. (عاتبه الله) بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]. (آية التخيير) هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ .......... وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} [الأحزاب: 28 - 29]. (ولا عليك)؛ أي: لا بأسَ عليك في عدَم التَّعجيل، أو (لا) ¬

_ (¬1) "ما" ليست في الأصل.

زائدةٌ، أي: ليس عليك التَّعجيل. (تَسْتَأمِرِي): تَستشيري. وفيه أنَّ تخيير النِّساء ليس طَلاقًا، وقال (ط) (¬1): الغُرفة في السُّطوح مباحةٌ ما لم يطَّلع منها على حُرْمة أحدٍ، وفيه الحِرْص على التعلُّم، وخِدْمة العالم، والكلام في العِلْم في الطُّرُق، والمُحدِّث قد يأتي بالحديث على وجهه ولا يختصِر؛ لأنه كان يَكفيه في الجواب: حفصة وعائِشَة، وأنَّ شدَّة الوَطْأة على النِّساء غير واجبةٍ، وفيه مَوْعِظة الرجل لبنته، وفيه الحُزْن والبُكاء لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما يَكرهُه، والاهتِمام بما يهمُّه، وفيه الاستِئْذان، والحِجَابة، وفيه الانصِراف بغير صرْفٍ من المستأْذَن عليه، وفيه التَّكرار بالاستِئْذان، وتقلُّله - صلى الله عليه وسلم - من الدُّنيا، وصبْرُه على مضَضِ ذلك، وعدَم ذَمِّ مَن قال وهمًا كوَهْم الأنْصاريِّ في الطَّلاق، وفيه استِدلال السُّلطان بالحديث لجَماعته، والقِيام بين يدَيه، والجُلوس بغير إذنه، وفيه الاستِغفار من التَّسخُّط، وسُؤال الدعاء والاستغفار من أهل الفَضْل، وفيه أنه لا يَستحقِر أحد حالَه، ونعمةَ الله التي عنده، وأنَّ المرأة تُعاقَب على إفْشاء سِرِّ زوجها، وأن للرجل أنْ يَبدأَ بمن شاءَ من الزَّوجات، وأن الرَّشيدة تُشاوِر أبوَيها في أمرها. * * * 2469 - حَدَّثَنَا ابن سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، ¬

_ (¬1) "ط" ليس في الأصل.

26 - باب من عقل بعيره على البلاط، أو باب المسجد

عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: آلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَجَلَسَ فِي عِلِّيَّةٍ لَهُ، فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: "لاَ، وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا". فَمَكُثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نزَلَ، فَدَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ. الثالث: (الفَزاري) بفتح الفاء. (آلى)؛ أي: حلَف، لا الإيلاء الفقهي. (انفكت): انفرجَت، والفكُّ: انفِراج المَنْكِب عن مِفْصَله. * * * 26 - باب مَنْ عَقَلَ بَعِيرَهُ عَلَى الْبَلاَطِ، أَوْ بَابِ الْمَسْجِدِ 2470 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أبو عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا أبو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ، قَالَ: أتيْتُ جَابرَ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، قَالَ: دَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجدَ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي ناَحِيةِ الْبَلاَطِ، فَقُلْتُ: هَذَا جَمَلُكَ. فَخَرَجَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ، قَالَ: "الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ". (باب مَن عقَل بعيرَه على البَلاطِ) بالفتح: ما فُرشَتْ به الدَّار من حجَر وغيره، وقال التَّيْمِي: هو

27 - باب الوقوف والبول عند سباطة قوم

في الحديث موضِعٌ. (يُطيف) بضم أوله: يُلِمُّ به ويُقاربُه، ويُروى: (يَطُوف). (الثمن)؛ أي: ثمن الجمَل الذي اشتراه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، (والجمل) المشتَرى كلاهما. (لك) ومرَ. قال (ط): فيه أنَّ رِحاب المسجِد مناخٌ لبعير الدَّاخِل فيه، وجواز إدخال الأمتِعَة في المسجد قياسًا على البَعير، وفيه حُجَّة لمالك، والكوفيين في طَهارة أبْوال الإبل وأَرْواثها، خلافًا للشَّافعي في نجاستهما. قال (ك): ولا دليلَ في الحديث على إدخال البعير، وحُدوث البَول والرَّوث منه؛ إذ قد يُغسَل المسجد، ويُنظَّف منه. * * * 27 - بابُ الْوُقوف وَالْبَوْلِ عِنْدَ سُبَاطَة قَوْمٍ (باب الوُقوف والبَول عند سُبَاطَةِ قَومٍ) بضم المهملة، وخفَّة الموحَّدة: الكُناسة، أو المَزْبَلة، ومرَّ في (البول قائمًا). * * *

28 - باب من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق، فرمى به

28 - بابُ مَنْ أَخَذَ الْغُصْنَ وَمَا يُؤْذِي الناسَ فِي الطَّرِيقِ، فرمى بِهِ (باب مَن أَخَذ) بتخفيف المعجمتين، ورُوي بتشديد المعجَمة، ثم راءٍ. * * * 29 - بابٌ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيق الْمِيتَاء -وَهْيَ: الرَّحْبَة تَكونُ بَيْن الطرِيقِ- ثُمَّ يُرِيدُ أَهْلُهَا الْبنيَانَ، فَتُرِكَ مِنْهَا الطريق سبعة أذرعٍ (باب: إذا اختلَفُوا في الطَّريق) 2473 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بن حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بن خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَضَى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَرِيقِ بِسَبعَةِ أَذْرُعٍ. (الميتاء) بكسر الميم، والمد: مِفْعال مِن الإتْيان، والميم زائدةٌ، وفي بعضها مقصورٌ مِفْعَل منه، أي: المَسلُوك لعامة الناس، أو مُعظَم طريقهم.

30 - باب النهبى بغير إذن صاحبه

(الرَّحْبة) بفتح المهملة، ويجوز تسكينها، أي: الواسِعة، أو السَّاحة، أو الفِناء. (ابن خِرِّيت) بكسر المعجَمة، والراء المشدَّدة. (تَشاجروا) بتخفيف الجيم، أي: تَنازَعُوا، ويُروى: (تَشاحُّوا) بتشديد المهملة. قال المُهلَّب: جعل سبعة أَذرُع لمدخَل الأَحمال، والرِّجال، والرُّكبان، ومَخرجَها، وطرح ما لا بُدَّ لهم في الارتفاق منه، هذا في أُمَّهات الطُّرُق وما يكثُر المشي عليه، أما بنيًات الطَّريق فيجوز في أفنيتُها ما اتفَق الجيران عليه، أو يقتَطعُونها بالحِصَص على قَدْر أملاكهم. * * * 30 - بابُ النُّهْبَى بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبهِ وَقَالَ عُبَادَةُ: بَايَعْنَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ لاَ ننتَهِبَ. (باب النُّهْبَى) 2474 - حَدَّثَنَا آدَمُ بن أَبي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بن ثَابتٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الله بن يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ -وَهُوَ جَدهُ أَبُو أُمِّهِ-، قَالَ: نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ. (النُّهْبَى) بالضمِّ: اسم ما انتُهِبَ، مِن النَّهْب كالعُمْرَى من العُمر،

ومعلومٌ أن أموال المسلِم محرَّمةٌ، فيُؤوَّل هذا في جماعةٍ بغير إذنهم غزَوا، فلمَّا غنِمُوا انتَهبُوا، وأخذَ كلُّ واحدٍ ما وقع في يده مُستأثِرًا به دون قِسْمةٍ، أو موهوبٍ مُشاعٍ انتهَبوه على قَدْر قوَّتهم، أو طعام قُدِّم لهم، فلكلِّ واحدٍ أكْلُ ما يَليه فقط. (المثلة) العُقوبة في الأعضاء كجَدْع الأنْف، والأُذُن، وفَقْء العين، ونحوه. قال (ط): الانتِهاب المُحرَّم ما كانت العرَب عليه من الغارات، وعليه وقَعتْ البَيعة في حديث عُبادة. قال ابن المُنذِر: النُّهبة المُحرمة نهب مال الرجل بغير إذنه، وهو كارِهٌ له، والمكروهة ما أَذِن فيه للجَماعة وأباحَه لهم، وغَرَضُهُ تساويهم فيه، أو تقاربهم، فيَغلب القَوي الضعيفَ. * * * 2475 - حَدَّثنا سَعِيدُ بن عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبي بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَزْني الزَّانِي حِينَ يَزْني وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنتهِبُ نُهْبةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنتهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ". وَعَنْ سَعِيدٍ، وَأَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَهُ إلَّا النُّهْبةَ.

الثاني: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب) فيه حَذْف الفاعل بعد النَّفْي، فإنَّ الضَّمير لا يَرجِع إلى الزَّاني، بل الفاعل مقدَّرٌ دلَّ عليه ما قبلَه، أي: ولا يَشرَب الشَّارِب. قال (خ): سلَبَه كمالَ الإيمان لا أصلَه، أو المراد الإنذار بزَواله إذا اعتادَ استِمرارها، ورُوي: (لا يَشرَبِ الخَمْر) بكسر الباء، على معنى النَّهي، أي: إذا كان مُؤمنًا لا يفعَل ذلك، أو سَلْب الإيمان باعتِبار المُستَحِلِّ. (النهبة) بفتح النُّون: المصدر، وبالضمِّ: المال المَنْهوب، أي: لا يأخذ مالَ غيره قَهْرًا وظُلْمًا ممن ينظُره ولا يَقدِر على دَفْعه؛ إذ هو ظُلمٌ عظيمٌ، ويُتصوَّر النَّهْب بإذن صاحبه الإجماليِّ كانتِهاب مُشاعِ الهِبَة ونحوه في المَوائد وغيرها. ويُستفاد عدَم الإذن من الحديث من رفع البصَر إليه، فلا يكون عادةً عند عدم الإذن، وهذه فائدةُ ذِكْر الرَّفْع. (عن أبي هريرة) متعلِّقٌ بسَعيد بن المُسيَّب، وأبي سلَمة بن عبد الرَّحمن: أنَّ الزُّهْري روى عنهما مثْلَ رواية أبي بكر بن عبد الرَّحمن (إلا النهبة)، فلم يَذكُر الانتِهاب، بل ذكَر الزِّنا، والسَّرِقة والشُّربَ فقط، ويحتمل أنه ما رَوى لفْظ النُّهبة مع صِفَتها، بل قال: (ولا يَنْتِهبُ حين يَنتهبُها وهو مُؤمنٌ). وفيه تنبيهٌ على جميع أنواع المعاصي، فنبَّه بالزِّنا على البَدَنيَّات،

31 - باب كسر الصليب وقتل الخنزير

وبالسَّرِقة على الماليَّات خُفيةً، وبالنُّهْبى عليها جَهْرةً، وبالخمر على ما يتعلَّق بالعقل. واستدلَّ به المعتزلة على أنَّ صاحب الكبيرة ليس مُؤمنًا، ولمَّا كان الإيمان هو التَّصديقَ القلبيَّ وجَب تأْويلُه بنفي الكمال، أي: لا يكون كامِلَ الإيمان حالَ زِناَه، أو معناه النَّهي، والأول أَولى؛ لتحصيل فائدةِ الظَّرْف، أو المراد التَّغليظ، كقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، أي: ليست هذه الخِصَال من صفات المؤمنين. قال (خ): أو المراد مَن فعَل ذلك مستَحِلًّا له. قال ابن عبَّاس: معناه أنه يُنزَع منه نُور الإيمان، أو يُنفَى عنه الثَّناء بالإيمان دون نفس الإيمان، أو المراد الإنذار بزَوال الإيمان إذا اعتادَها، فمَن يَرتَعُ حَول الحِمَى يُوشك أن يَرتَع فيه. * * * 31 - بابُ كسْرِ الصَّلِيب وَقَتلِ الْخِنْزِيرِ (باب كسْرِ الصَّلِيْب) هو المربَّع المَشهُور للنَّصارى من الخشَب، يدَّعون أنَّ عيسَى صُلِب على خشَبةٍ على تلك الصُّورة.

2476 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرني سَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ، سَمِعَ أبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمُ ابن مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أحدٌ". (حكمًا مُقسطًا) أي: حاكمًا عادِلًا يحكُم بالشريعة المطهَّرة المحمَّدية. وكَسْره الصَّليب للإشعار بأنَّ النَّصارى كانوا مُبطِلين في تعظيمه، وكذا قتْل الخِنْزير، وفيه تغيير المُنكَر. (ويضع الجزية)؛ أي: يتركُها، فلا يقبلُها، ويَأْمرهم بالإسلام، ونحن نقبَلُها لحاجة المال من الكتابيِّ، ولا نُكرهه على الإسلام، ولا نقتلُه، وإذا نزلَ عيسى انتهَى هذا الحُكْم، وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنسْخه، وليس عيسى ناسخَه، بل نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - بيَّن النَّسْخَ، وعيسى تابعٌ لشريعتنا عند نُزوله، أو المعنى: يضَع الجِزْية على جميع الكفَرة، ويَنقاد الناسُ له إما بالإسلام، أو بقائدٍ يضرب عليهم الجِزْيةَ. (ويفيض المال) من كثْرة الجري، والظَّاهر أنَّ فيَضان المال بالكثْرة سبَب نُزول البركات، وظُهور الخَيْرات، وقِلَّة الرَّغَبات، لقِصَر الأمَل، والعِلْمِ بقُرب القيامة. (حتى لا يَقْبَلُه) برفع اللام ونصبها. * * *

32 - باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر، أو تخرق الزقاق؟

32 - بابٌ هَلْ تُكسَرُ الدِّنَانُ التِي فِيهَا الْخَمْرُ، أَوْ تُخَرَّق الزِّقَاق؟ فَإِنْ كَسَرَ صَنَمًا أَوْ صليبًا أَوْ طُنْبُورًا أَوْ مَا لاَ يُنْتَفَعُ بِخَشَبهِ. وَأُتِيَ شُرَيْحٌ فِي طُنْبُورٍ كُسِرَ، فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ. (باب: هل تُكسَر الدِّناَنُ؟) جمع دَنٍّ، وهو الخب (¬1). (الزقاق) جمع زِقٍّ -وهو السِّقاء- جمعَ الكثْرة، وجمع القِلَّة: أَزْقاق. (طُنْبُور) الضمُّ أشهر من الفتح: فارسيٌّ معرَّبٌ. (أو ما لا ينتفع)؛ يعني: أو كَسَر شيئًا لا يجوز الانتِفاع بخشَبه قبْل الكسر كآلات الملاهي المتَّخَذة من الخشَب، فهو تعميمٌ بعد تخصيص، ويحتمل أنَّ (أو) بمعنى: إلى أنْ، يعني: فإنْ كسَر طُنْبُورًا إلى حَدٍّ لا يُنتفع بخشبه، أو هو عطفٌ على مقدَّرٍ، وهو كسَر وانتفَع بخشَبه، أو لا يُنتفَع به بعد الكَسْر، وجزاء الشَّرط محذوفٌ، أي: هل يَضمَن؟ أو يجوز؟ أو فما حكمه؟. (شُرَيح) بضمِّ المعجَمة: القاضي. ¬

_ (¬1) وهي الخابية، فارسي معرب.

(فلم يقض)؛ أي: لم يحكُم بالتَّقديم والتَّضمين. * * * 2477 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بن مَخْلَدٍ، عَنْ يَزِيدَ بن أَبي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بن الأكوَعِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نِيرَانًا تُوقَدُ يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: "عَلَى مَا تُوقَدُ هَذِهِ النِّيرَانُ؟ " قَالُوا: عَلَى الْحُمُرِ الإنْسِيَّةِ. قَالَ: "اكْسِرُوهَا، وَأَهْرِقُوهَا". قَالُوا: أَلاَ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: "اغْسِلُوا". الحديث الأول: وهو تاسع الثُّلاثيات. (أبي عُبيد) مصغَّرٌ. (نِيرانًا) بكسر النون. (خيبر) بلدةٌ على أربَع مراحل من المدينة إلى الشَّام، فُتحت سنة سبعٍ. (الإنسية) الأشهر كسر الهمزة، وسكون النون: نِسْبةً إلى الإنس، وهم بنو آدَم ضِدُّ الوَحشيَّة، تألف البُيوت، ورُوي بفتح الهمزة، والنون. (اكسروها) يدلُّ السِّياق أنَّ الضَّمير يعود إلى القِدْر. (أهرقوها) بسكون الهاء، ورُوي: (أَهريقُوها)، وجاز حَذْف الهمزة، أو الهاء.

(نهريقها) بفتح الهاء، ويجوز السُّكون، يقال: أهراقَ الماءَ يُهريقُه، أي: صبَّه، وفيه لغةٌ أُخرى: أَهْرَقَ الماء يُهرقُه إهْراقًا، وخالفوا أَمْر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهم فَهِموا بالقَرائن أنَّ الأمر ليس للإيجاب، ورجَع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأَمْر الجازِم إلى التردُّد بين الكَسْر والغَسْل؛ لما روى البخاري في (المَغازي)، في (غَزوة خَيْبر): قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنُهريقها ونَغسلُها؟، قال: (أَوْ ذاكَ)، فلعلَّ اجتهاده تغير، أو أُوحي إليه بذلك، ولا يجوز الكَسْر اليوم؛ لأنَّ الجزْم بالغَسْل نسَخَ التَّخيير كما نسَخ الجزم بالكسر. وفيه نجاسة لُحومها. قال (ط) (¬1): في كسر الدِّنان إضاعةُ المال؛ لأنه يَطهُر بالغَسل. قال مالك: لا يُطهرها الغسْل لمَا دخلَها وغاصَ فيها من الخَمْر، وقال غيره: الماء أيضًا يُطهِّرها وَيغُوصُ فيها. وأما آلات اللهو كالطَّنابير والعِيْدان فكسْرُها أن تُغيَّر عن هيئتها إلى خِلافها. (ابن أبي أُويس) بضمِّ الهمزة: ابن أُخْت مالك الإمام. * * * 2478 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابن أَبي ¬

_ (¬1) "ط" ليس في الأصل.

نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْكَعْبةِ ثَلاَثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بعُودٍ فِي يَدِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} الآيَةَ. الثاني: (نَصُبًا) بضمِّ الصَّاد وسُكونها، كعُشُر وعُشْر: ما كانت الجاهليَّة تَنصِبُه وتتَّخِذُه صَنَمًا يُعبَد من دون الله، الجمْع أنصاب. (يطْعُنها) بضم العين على الأشهر. وفيه إذلالُ الأصنام وعابدها، وإظهارُ أنها لا تَضرُّ ولا تدفَع عن نفسها. * * * 2479 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بن عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الْقَاسِم، عَنْ أَبيهِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا: أنَّهَا كَانَتِ اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَهَتكَهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقتيْنِ، فَكَانتَا فِي الْبيتِ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا. الثالث: (السَّهْوة) بفتح الممهلة، وسكون الهاء، كالصُّفَّة تكون بين يدَي

33 - باب من قاتل دون ماله

البَيت، أو كالرَّفِّ، والطَّاق يُوضَع فيه الشَّيء. (نُمْرُقتين) بضمِّ النُّون، والراء، ويجوز كسرهما: وِسَادةٌ صغيرةٌ، وتطلق على الطِّنْفِسة. وفيه أن مَوضِع التَّصوير إذا نُقِضَ حتى تتقطَّع أَوْصالُه جاز استعمالُه. * * * 33 - بابُ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ (باب مَن قاتَل دون مالِه)؛ أي: عنده. 2480 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابن أَبي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بن عَمرو، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ". وفيه أنَّ الصَّائِل إذا قُتِل لا دِيةَ له، ولا قصاصَ، وأن الدَّافِع شهيدٌ في حُكم الآخرة، لا حكمِ الدُّنيا، فله ثوابٌ كالشَّهيد، وبين الثَّوابين تفاوتٌ، كما بين تفاوت الشُّهداء. وأَدْخل هذا الحديثَ هنا ليدلَّ أنَّ للإنسان دفْعَ مَن قصَد مالَه ظلمًا. * * *

34 - باب إذا حسر قصعة أو شيئا لغيره

34 - بابٌ إِذَا حَسَرَ قَصعَةً أَوْ شَيْئًا لِغَيْرِهِ (باب: إذا كَسَر قَصْعةً) بفتح القاف، جمْعُها: قِصَاع. 2481 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا، فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةَ، فَضَمَّهَا، وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ، وَقَالَ: "كلُوا". وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ، وَحَبَس الْمَكْسُورَةَ. 2481 / -م - وَقَالَ ابن أَبي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بن أيُّوبَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنسٌ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وضربت) بعض النِّساء التي عندها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على يد الخادِم المنْطَلِق على الذَّكر والأُنثى، فأنَّثَ الضمير باعتبار المعنى، كما جاز تذكيره باعتبار اللَّفْظ، وضمَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِلَق القَصعة، وحبَس الخادم رسولُ أحد الأمهات؛ صَفِيَّة أو أم سلَمة، والضَّاربة الكاسِرة عائشة رضي الله عنها. (فدفع)؛ أي: أمَر بإحضار قَصْعة صحيحةٍ من عند التي هو في بيتها، فدفَع الصحيحة لصَفِيَّة، وحبَس المكسورة عند عائشة.

35 - باب إذا هدم حائطا، فليبن مثله

وليس في الحديث حُجَّة على ضَمان المتقوِّم بمثله، كالكُوز بالكُوز، والقَصْعة بالقَصْعة؛ لأنَّه لم يكُن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُكمًا على الخَصْم؛ لأنَّ القَصْعتين كانتا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند أهله، فلما انكسرت قَصْعة ردَّ أُخرى مكانَها من بيته إلى بيته. * * * 35 - بابٌ إِذَا هَدَم حَائِطًا، فَلْيَبن مِثْلَهُ (باب: إذا هدَمَ حائِطًا) 2482 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بن حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ رَجُلٌ فِي بني إِسْرَائِيلَ، يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ، يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَأبَى أَنْ يُجيبَهَا، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصلِّي، ثُمَّ أتتهُ، فَقَالَتِ: اللهمَّ! لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ. وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَقَالَتِ امْرَأةٌ: لأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا. فتعَرَّضَتْ لَهُ، فَكَلَّمَتْهُ، فَأَبَى، فَأتَتْ رَاعِيًا، فَأَمكَنتهُ مِنْ نفسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيجٍ. فَأتوهُ، وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، فَأنزَلُوهُ، وَسَبُّوهُ، فتوَضَّأ، وَصَلَّى، ثُمَّ أتى الْغُلاَمَ، فَقَالَ: مَنْ أبَوكَ يَا غلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِي. قَالُوا: نبَني صَومَعَتَكَ مِن ذَهَبٍ. قَالَ: لاَ، إِلَّا مِنْ طِين".

(جُريج) بضم الجيم مُصَغَّرًا، (الرَّاهب) قال (ط): يمكن أنْ يكون نبيًّا. (فقال)؛ أي: في نفْسِه مناجيًا لله تعالى. (المُوْمِسَات) بالمهملة: الزَّانيات. (الصَّوْمَعَة) بفتح المهملتين. (فكلَّمته)؛ أي: رغَّبتْه في مباشرتها. (الغلامَ) بالنَّصب، أي: الطفل الذي في المَهْد قبل زمان تكلُّمه. (إلا من طين) قال ابن مالك: فيه شاهد على حذْف المَجزوم بـ (لا) النَّاهية، والمراد: لا تبنوها إلا من طين. وفيه إثبات كرامة الأولياء، وأنَّ دُعاء الوالدَين مُجابٌ ولو حال الضَّجَر، والردُّ على من قال: الوضوء مخصوصٌ بهذه الأُمة، بل المَخصوص كونهم غُرًّا مُحَجَّلِين، وفوائد أُخر مرّت أول (الصّلاة). واحتجَّ البخاري به على التَّرجمة بناء على أنَّ شرْع مَنْ قَبْلَنا حُجَّةٌ، وفيه نظَرٌ؛ لأنَّ شرْعَنا أَوجبَ المِثْل في المِثْليات، والحائط متقوِّم، وقد يكون على سبيل التراضي، فلا نِزاعَ.

47 - أبواب الشركة

47 - أبواب الشركة

1 - باب الشركة في الطعام والنهد والعروض

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 47 - أبواب الشركة 1 - باب الشَّرِكة فِي الطَّعَام وَالنَّهْدِ وَالْعُرُوض وَكَيْفَ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ ويُوزَنُ؛ مُجَازَفَةً أَوْ قَبْضَةً قَبْضَةً، لَمَّا لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النَّهْدِ بَأسًا أَنْ يَكلَ هَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا، وَكذَلِكَ مُجَازَفَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْقِرَانُ فِي التَّمْرِ. (بابٌ: في الشِّرْكة) (النِّهد) بكسر النون: ما تخرجه الرِّفْقة عند المُناهَدة، وهي إخراج الرُّفَقاء النفَقة في السفَر وخَلْطها، وتُسمَّى المُخارَجة، تجوزُ في جنْسٍ واحد، وأجناسٍ، وإنْ تفاوتوا في الأكل، وليس من الرِّبا، بل إباحةٌ. (العُروض) جمع: عَرْض خِلافُ النَّقْد، وبتحريك الراء: جميع أنواع المال. (مجازَفة) قيل: المراد مجازفةُ الذَّهب بالفِضَّة، والعكس إذا قُلنا: المجازفة في القِسْمة بيعٌ.

قال (ط): قسمة الذَّهب بالذهب مجازفةً، والفضَّة بالفضَّة مما لا يجوزُ إجماعًا، أمّا قِسْمة الذَّهب مع الفِضَّة مجازفة، فكرِهَه مالك، وكذا لا يجوز قسْمة البُرِّ مجازفة، ولا كلُّ ما تحرُم فيه المفاضَلة. قال: وللسُّلْطان أن يأمر النَّاسَ بالمواساة، وتشريكُهم فيما بقيَ مِن أزْوادهم سفَرًا إبقاءً لأنفسهم، وكذا في الحضَر عند شِدَّة المَجاعة. قيل: لا يُقطَع سارقٌ في المَجاعة؛ لأنَّ المساواة واجبةٌ للمُحتاجين. (القِرَان) الجمع بين التمرتَين بأنْ يأكل بعضُهم تمرتَين تمرتَين، وصاحبُه تمرة تمرة. (ابن كَيسان) بفتح الكاف. (بعثًا)؛ أي: جيشًا. * * * 2483 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ وَهْبِ بن كَيْسَانَ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، فَأمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاح وَهُمْ ثَلاَثُ مِائَة وَأَناَ فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا ببَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَجُمعَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْر، فَكَانَ يُقَوِّتُنَاكُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبنا إِلَّاتَمْرَةٌ تَمْرَةٌ.

فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْناَ فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ. قَالَ: ثُمَّ انتهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَاِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأكلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ، فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا، فَلَمْ تُصِبْهُمَا. الحديث الأول: (أبو عُبيدة) مصَغَّرٌ، هو عامر بن عبد الله. (ابن الجَرَّاح) بفتح الجيم، وشدة الراء. (فني الزاد)؛ أي: قَلَّ أو زادُه خاصةً (¬1). (المِزْود) بكسر الميم: ما يُجْعل فيه الزَّاد، كالجِرَاب. (يُقَوِّتُنَا) بتشديد الواو. (وجدنا فقدها)؛ أي: وجدْنا أثَر فقْدها شاقًّا علينا، أو حَزِنَّا لفَقْدها. (الظَّرِب) بفتح الظاء، وكسر الراء، ثم موحَّدة: مفرد الظِّرَاب، وهي الرَّوابي الصِّغار، ويُقال بكسر الظاء، وسكون الراء. (بِضِلَعين) بكسر الضاد، وفتح اللام: أحد الأضْلاع. * * * 2484 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بن مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ ¬

_ (¬1) أي: فناء زاده خاصة.

يَزِيدَ بن أَبي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، وَأَمْلَقُوا، فَأتَوُا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَحْرِ إِبلِهِمْ، فَأذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبلِكُمْ؟ فَدَخَلَ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَا بقاؤُهُمْ بَعْدَ إِبلِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ناَدِ فِي النَّاسِ، فَيَأتونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ". فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطَعٌ، وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطَعِ، فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَا، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأوْعِيتهِمْ، فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا الله، وَأَني رَسُولُ الله". الثاني: (بِشْر) بكسر الموحدة. (أبي عُبيد) مُصَغَّر. (خَفَّت)؛ أي: قلَّت. (وأملقوا) من الإمْلاق، وهو الفَقر. (نِطَع) الأفصح كسر النون، وفتح الطاء، كعِنَب. (بَرَّك) بتشديد الراء: دعا بالبركة. (أشهد أن لا إله إلا الله)؛ لأن هذه معجزةٌ. * * * 2485 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعي، حَدَّثَنَا أَبُو

النَّجَاشِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بن خَدِيجٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ، فَنَنْحَرُ جَزُورًا، فتقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ، فَنأكلُ لَحْمًا نضَيجًا قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ. الثالث: (أبو النجاشي) عَطَاء بن صُهَيْب. (خَديج) بفتح المعجمة. (فيقسم) هذه القسمة موضوعةٌ للمعروف، ولهذا يحتمل التَّفاوت، والقسمة بالتحرِّي. وفيه أنَّ وقْت العصر عند مصير الظِّل مثلَيه؛ ليسَع هذا المقدارَ. * * * 2486 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْعَلاَء، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبي بُردَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الأَشْعَرِيينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِّيةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَناَ مِنْهُمْ". الرابع: (بُرَيد وأبو بُرْدة) كلاهُما بضم الموحَّدة. (الأشعريين) وفي بعضها: (الأشْعَرِيْن)، بدُون ياءِ النِّسبة، تقول

2 - باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية في الصدقة

العرب: جاءتْك الأشْعرُون. [قال] الجَوْهَري: الأشْعَر أبو قَبيلة من اليمَن. (أرملوا): فقدُوا زادَهم، وأعوَزوا الطَّعامَ، أصلُه من الرَّمْل، كأنَّهم لَصِقُوا بالرَّمْل، كما قيل للفَقير: أترَبَ. (فَهُم مني)؛ أي: متَّصِلُون بي، و (مِن) هذه تُسمَّى: اتصاليةً، نحو: "لا أناَ مِنَ الدَّد ولا الدَّدُ (¬1) مِنِّي". * * * 2 - بابُ مَا كانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّة فِي الصَّدَقَةِ (باب: ما كان من خَلِيْطَين)؛ أي: مخالِطَين. 2487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله بن الْمُثنى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بن عَبْدِ الله بن أَنسٍ: أَنَّ أَنسًا حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - كتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإنَّهمَا يترَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِّيةِ". (ثُمامة) بضم المثلَّثة. * * * ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "قال ابن فارس: الدَّد؛ يعني: اللهو واللعب".

3 - باب قسمة الغنم

3 - بابُ قسْمَة الْغَنَمِ (باب: قِسْمَة الغنَم) 2488 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الْحَكَم الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ سَعِيدِ بن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بن رِفَاعَةَ بن رَافِعِ بن خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْحُلَيفَةِ، فَأصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأصَابُوا إِبلًا وَغنَمًا. قَالَ: وَكَانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجلُوا، وَذَبَحُوا، وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقُدُورِ فَأُكفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ، فَعَدَلَ عَشْرَةً مِنَ الْغَنَم ببَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَطَلَبُوهُ فَأعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ الله، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ لِهَذه الْبَهَائِم أَوَابدَ كَأَوَابدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا، فَاصنَعُوا بِهِ هَكَذَا". فَقَالَ جَدِّي: إِنَّا نَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَتْ مُدَى: أفنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ. قَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ؛ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْم، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ". (الحَكَم) بفتح المهملة، والكاف. (عَبَاية) بفتح المهملة، وخفَّة الموحَّدة. (بذي الْحُلَيْفَة) قال الحَازِميُّ: الْحُليفة: مكانٌ من تِهامة، ليستْ

بذي الحُلَيفة مِيْقات أهل المدينة، لكنَّه قال: بدُون لفظ: ذي، والذي في "الصحيحين": ذو الحُلَيفة، فكأنه يُقال بالوجْهَين. (أُخريات) بضم الهمزة، أي: أواخِرهم. (فَعَجلوا) بكسر الجيم. (أكُفئت)؛ أي: أُمِيلَتْ، وقُلبَتْ؛ ليُفْرغ ما فيها، يُقال: كفَأتُ الإناءَ، وأكَفأتُه: ملأْتُه. قيل: أمرَهم بالإكفاء؛ لأنهم ذبحوا الغنَم قبل أن تُقسَم، فلم يُطيب لهم ذلك؛ لأنه في معنى النُّهْبى المنهيِّ عنها، وقيل: لأنهم كانوا انتَهوا لدار الإسلام، والمَحلِّ الذي لا يجوز فيه الأكْلُ من الغَنيمة المشتركة، وقيل: أمرَ به عُقوبةً لهم لتركهم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في أُخْريات الناس مُعَرَّضًا للعدوِّ ونحوه، وتضْييع المال لا يَجوز، فلعلَّهم ردُّوا اللَّحم إلى المغنم. (فعدل) بتخفيف الدال، يعني: التَّسوية، هذا محمولٌ على أنه كان بحسَب قيمتها يومئذٍ، ولا يُخالف قاعدةَ الأُضْحية يَقوم البعير مَقام سبْع شِيَاهٍ؛ لأنه الغالب في قيمة الشاة، والإبل المُعتدلَة. (فندَّ)؛ أي: شَرَد، وذهَب على وجهه شاردًا. (فأعياهم): أعجَزهم، عَييَ بأمره، إذا لم يهتدِ لوَجْهه، وأعياني هو. (يسيره)؛ أي: قَليلُه.

(فأهوى رجل) يقال: أهوَى بيده إلى الشَّيء ليأخذَه، وهوَى نحوه، إذا مالَ إليه، وأَوْمأ. (أوابد)؛ أي: نَوافِر، جمع آبدَة، وتأَبَّدَ، أي: تَوحَّشَ، وانقطَع عن الموضع الذي كان فيه، وسُميت أَوابد الوَحْش بذلك؛ لانقطاعها عن الناس. وفيه أنَّ الإنْسيَّ إذا تَوحَّش فذَكاتُه كذكاة الوَحْشيِّ، كعكسه. (جدّي) هو رِفَاعة. (نرجو أو نخاف) شكٌّ من الراوي، والغرَض من ذِكْر العدوِّ عند السُّؤال عن الذَّبْح بالقصَب؛ أنَّا لو استَعملنا السيوف في الذَّبح لكفَتْ، فنعجَز عن المقاتلة عند اللِّقاء. (مُدًى) جمع مُدْيةٍ، بالضمِّ والكسر، وهي السِّكِّين. (أَنْهَر)؛ أي: أجرَى الدَّمَ بكثْرةِ كما يجري الماء في النَّهر، ورُوي بالزاي، مِن أنهزت الطَّعنةَ: وسَّعتَها، وكلمة (ما) شرطيةٌ أو موصولةٌ. والحِكْمة في اشتراط الإِنهار التَّنبيهُ على أن تحريم الميتة؛ لبَقاء دمها. (ليس السن) كلمة (ليس) هنا للاستِثناء بمعنى (إلا)، وما بعدهَا نصب بالاستثناء، وفي رواية: (ما خَلا السِّنَّ). (وسأحدثكم)؛ أي: سأُبيِّن لكم العِلَّة في ذلك.

(أما السن فعظم) هذا يدلُّ أن النَّهي عن الذَّكاة بالعظم كان متقدِّمًا، فأحالَ هذا القول، [و] هذا معلومٌ سبق. وقيل: إنَّ العَظْم غالبًا لا يقطَع، إنما يجرح، فتُزهق النفْس بلا يقينِ ذكاةٍ، أو المراد بالسِّنِّ المركَّب في الأسنان، أو المنزوع، وفي روايةٍ: (أما السِّنُّ فنَهْشٌ، وأما الظُّفُر فخَنْقٌ). (الظفر فمدى الحبشة) قال (ط): ظاهره أن مُدَى الحبَشة لا تقَع بها الذَّكاة، ولا خِلاف أن المُسلم لو ذكَّى بمُدية حبَشيٍّ كافرٍ جازَ، فمعنى الكلام أن الحبَشة يُدْمُون مَذْبَح الشاة بأظْفارهم حتى تُزهق النَّفْس خَنْقًا أو تعذيبًا، ويُحلُّونها محلَّ الذَّكاة، فلذلك ضرَبَ المثَل بهم. قال (ن): لا يجوز بالعَظْم فإنَّه ينجُس بالدَّم، وهو زادُ إخواننا الجِنِّ، ولهذا نُهيَ عن الاستنجاء بالعظم؛ فإنه نجسٌ. وفيه أنَّ كلَّ ما صَدَق عليه اسم العظم لا تجوز الذَّكاة به، ولا الظُّفر؛ لأنَّ الحبَشة كفَّارٌ لا يجوز التشبُّه بهم، ولا بشِعارهم، ويدخل فيه ظُفر الآدمي وغيره، متصلًا ومنفصلًا، طاهرًا أو نجسًا، وكذا السِّنُّ. قال أبو حنيفة: لا يجوز بالمتصلَين، ويجوز بالمنفصلَين. قال التَّيْمِي: العظم غالبًا إنما يجرح ويُدمي، فتُزهق النفس من غير أن يقتضي وقوع الذَّكاة، فلهذا نُهِيَ عنه.

4 - باب القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه

[قال] البَيْضَاوي: هو قياسٌ حُذف منه المقدِّمة الثانية؛ لظُهورها عندهم، وهي أنَّ كلَّ عظْمٍ لا يحلُّ الذَّبح به. * * * 4 - بابُ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ بَيْنَ الشُّركاء حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحابَهُ (باب: القِرَان في التَّمْر حتى يَستأذِنَ) كذا جميع النُّسخ، وفيه إشكالٌ، فقيل: المعنى: لا يجوز حتى يستأذنهم، واختصَر: لا يجوز، وقيل: صوابه: (حين) مكان (حتى)، وقيل: لعلَّه: باب: النَّهْي عن القِرَان، فسقَط لفظ: (النهي). 2489 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بن يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بن سُحَيْم، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، يَقُولُ: نهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرتيْنِ جَمِيعًا، حَتَّى يَسْتَأذِنَ أَصحَابَهُ. الحديث الأول: (جَبَلة) بفتح الجيم، والموحَّدة. (سُحيم) بمهملتين مصغَّرًا. (أن يَقْرِن) بفتح أوله، وكسر الراء وضمِّها: أن يَجمَع بين

5 - باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل

تمرتَين، نُهي عنه لأنَّ فيه شَرَهًا، أو غُبنًا برفيقه، والنَّهي للتَّنزيه، والظاهرية للتَّحريم، قالت عائشة: إنَّه للدَّناءة، وإذا أذِنَ له صاحبه، فكأنَّه جادَ عليه بفضْل ما بين القِرَان والإفراد. * * * 2490 - حَدَّثَنَا أبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ جَبَلَةَ، قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ، فَأصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَكَانَ ابن الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، وَكَانَ ابن عُمَرَ يَمُرُّ بنا، فَيقُولُ: لاَ تَقْرُنُوا؛ فَإِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنِ الإقْرَانِ، إِلَّا أَنْ يَسْتَأذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ. الثاني: (نهى عن الإقران) كذا رُوي، والأصح: القِرَان. * * * 5 - بابُ تَقْوِيمِ الأَشْيَاء بَيْنَ الشُّرَكاء بِقِيمَةِ عَدْل (باب تَقْويم الأَشْياء) 2491 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بن مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ -أَوْ: شِرْكًا، أَوْ قَالَ: نصَيبًا- وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ

ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ، فَهْوَ عَتِيقٌ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". قَالَ: لاَ أَدْرِي قَوْلُهُ: "عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" قَوْلٌ مِنْ ناَفِعٍ، أَوْ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (الشِّقْص) بكسر الشين، والشِّقص: النَّصيب في العين المشتركة قليلًا أو كثيرًا. (وكان له؛ أي: للمُعتِق. (ما يبلغ ثمنهُ)؛ أي: ثمن العبد بتمامه، فالعبد كلُّه عتيقٌ، بعضُه بالإعتاق، والباقي بالسِّراية. (وإلا)؛ أي: وإنْ لم يكن موسِرًا له ما يبلُغ ثمنَه، عتَق منه القَدْر الذي أعتقه فقط. (قال)؛ أي: أيُّوب. * * * 2492 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بن مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بن أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بن أَنسٍ، عَنْ بَشِيرِ بن نَهِيكٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ، فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قُوّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ".

الثاني: (بِشْر) بكسر الموحَّدة. (عَرَوبة) بفتح المهملة، وخفَّة الراء. (النَّضْر) بسكون المعجَمة. (بَشير) بفتح الموحَّدة. (ابن نهَيك) بفتح النون. (فعليه)؛ أي: يُكلَّف العبد بتحصيل قيمة نصيب الشَّريك الآخر، [و] قيمة الباقي من ماله؛ ليتخلَّص من الرِّقِّ. (اسْتُسْعِيَ) بضم التاء، أي: استكسِب غير مشدَّدٍ عليه في الاكتساب، فإذا دفَعه عتَق. (غير مشقوق عليه) بنصب (غير) على الحال، وصاحب الحال العبد، والعامل فيها: استُسعي، والعبد مُرفَّهًا أو مُسَاعَدًا، والشَّافعية لا تقول بالتَّقويم والاستِسعاء، وأجاب الدَّارَقُطْني: أنَّ الحديث رواه شُعبة، وهشام، عن قَتادة، وهما أثبَتُ، فلم يُذكَر الاستِسعاء. قال ابن عبد البَرِّ: مَن لم يذكُر السِّعاية أثبَتُ ممن ذكَرها. قال (خ): بيَّن همَّام أنَّ ذِكْر السِّعاية إنَّما هو من قول قَتادة، وقال ابن المُنْذِر: الكلام من فَتْوى قَتادة لا من نفس الحديث. والجواب الآخر: المعنى: يستخدمه سيِّده الذي لم يُعتق بقَدْر

6 - باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه؟

ما له فيه من الرِّقِّ، وسيأتي في (العتق). * * * 6 - بابٌ هَلْ يُقْرَعُ فِي الْقِسْمةِ وَالاِستهِام فِيهِ؟ (باب: هل يُقرَع في القِسْمة والاستِهام؟) الاستِهام: أخْذ سَهْم النَّصيب، والضمير عائد للقَسْمِ، والمالِ الذي دلَّ عليهما القِسْمة. 2493 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيم، حَدَّثَنَا زكريَّاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بن بَشِيرٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْقَائِم عَلَى حُدُودِ الله وَالْوَاقِعِ فِيهَا كمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأصاب بَعْضُهُم أَعْلاَهَا، وَبَعْضُهُم أَسفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاء مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبنا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإنْ يترُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا، هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا". (عامر) هو الشَّعبي. (القائم على حدود الله)؛ أي: الآمِر بالمعروف، والنَّاهي عن المُنكَر. (الواقع فيها)؛ أي: التَّارِك المعروف، المرتكِب للمنكر.

7 - باب شركة اليتيم وأهل الميراث

(استهموا)؛ أي: أخَذَ كلُّ واحد منهم سهمًا، أي: نصيبًا من السَّفينة بالقُرعة. (أخذوا على أيديهم)؛ أي: منَعوهم من الخَرْق. (نجوا)؛ أي: الآخِذون. (ونجوا)؛ أي: المأْخُوذون، وهكذا إن أُقيمت الحُدود تحصُل النَّجاة، وإلا هلَك العاصي بالمعصية، وغيرُهم بترك الإقامة. قال (ط): اتفَق العُلماء على القول بالقُرعة إلا الكوفيين، فقالوا: لا معنى لها؛ لأنها تُشبه الأَزْلام، والحديث يدلُّ على جوازها؛ لإقْرار النبي - صلى الله عليه وسلم - المستهمين، وضرْب المثَل بهم. وفيه تعذيب العامة بذُنوب الخاصَّة، واستحقاق العُقوبة بالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وأنَّ الجار يَصبر على أذى جاره خوفًا مما هو أشدُّ. * * * 7 - بابُ شركة الْيَتِيمِ وَأهْلِ الْمِيراثِ (باب شركة اليتيم) 2494 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله الْعَامِرِيُّ الأُويسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنْ صَالح، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَخْبَرني عُرْوَةُ: أنَّهُ

سَألَ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا عَنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ} إِلَى {وَرُبَاعَ} فَقَالَتْ: يَا ابن أُخْتِي هِيَ الْيتيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يتزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُم إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ، فَأنْزَلَ الله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إِلَى قوله: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}، وَالَّذِي ذَكَرَ الله أَنَّهُ يتلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الآيَةُ الأُولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، قَالَتْ عَائِشَةُ؛ وَقَوْلُ الله فِي الآيَةِ الأُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}؛ يَعْنِي: هِيَ رَغبةُ أَحَدِكُمْ لِيتيمَتِهِ الَّتي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ، حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يتامَى النسَاءَ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغبَتِهِمْ عَنْهُنَّ. (الأُويسي) بضم الهمزة.

8 - باب الشركة في الأرضين وغيرها

(ابن أُختي)؛ لأنَّ عُروة ابن أسماء أُخت عائشة. (حَجر) بفتح الحاء وكسرها. (اليتامى) يُقال للإناث كما يُقال للذُّكور، جمع: يتيمة -على القَلْب-، والأصل: يتائِم. (مَثنى) ونحوها غير منصرِفِ؛ للعَدْل والوَصْف، قال الزَّمَخْشَري: فيه عَدْلان: عَدْلها عن صِيغتها، وعَدْلها عن تكرُّرها. * * * 8 - بابُ الشَّرِكةِ فِي الأَرَضِينَ وَغَيْرِهَا (باب الشِّرْكة في الأرَضِين) بفتح الراء. 2495 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَام، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جَابرِ بن عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرقُ، فَلاَ شُفْعَةَ. (كل ما لم يقسم)؛ أي: في كل مشترك من الأرض ونحوها، ومرَّ الحديث في (الشُّفعة). * * *

9 - باب إذا اقتسم الشركاء الدور أو غيرها، فليس لهم رجوع، ولا شفعة

9 - بابٌ إِذَا اقْتسَمَ الشُّرَكاءُ الدُّورَ أَوْ غَيرَهَا، فَلَيْسَ لَهمْ رُجُوعٌ، وَلاَ شُفْعَةٌ (بابٌ: إذا اقتَسَم) في بعضها (اقتَسمُوا)، نحو: أكلُوني البَراغيثُ. (وغيرها) غير الدُّور من نحو البَساتين، وسائر العَقار. (فليس لهم رجوع)؛ لأنَّ القِسْمة عقْدٌ لازمٌ. (ولا شفعة) إذ الشُّفعة في المشتركة لا في المَقْسومة. * * * 10 - بابُ الاِشْتِرَاكِ فِي الذهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَا يكون فِهِهِ الصرف (باب الاشتِراك في الذَّهب والفِضَّة وما يكون فيه الصَّرْف) الصَّرْف: بيع الذَّهب بالفِضة، وبالعكس، سُمي به لصرفه عن مقتضى البياعات من جَواز التفاضُل فيه، وقيل: من صَريفهما، وهو تَصويتهما في الميزان. قال (ط): أجمعوا أنَّ الشَّركة بالدَّراهم والدَّنانير جائزةٌ، واختلَفوا في الدَّنانير بأحدهما، والدراهم بأحدهما، فالجمهور لا يجوز؛ لأنه صرْفٌ.

11 - باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة

2497 - و 2498 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصمٍ، عَنْ عُثْمَانَ؛ يَعْنِي: ابن الأَسْوَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بن أَبي مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ عَنِ الصَّرْفِ يَدًا بِيَدٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ أَناَ وَشَرِيك لِي شَيْئًا يَدًا بِيَد وَنَسِيئَة، فَجَاءَناَ الْبَرَاءُ بن عَازِبٍ، فَسَألْنَاهُ، فَقالَ: فَعَلْت أَناَ وَشَرِيكِي زَيْدُ بن أَرْقمَ، وَسَألْنَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نسَيئَةً فَذَرُوهم". (وما كان نسيئة فردوه) ورُوي: (فذَرُوه)، ورُوي: (رُدُّوه) بحذف الفاء؛ لأنَّ الاسم الموصول بالفِعْل المتضمن لمعنى الشَّرط يصحُّ في خبَره دُخول الفاء وحذفُها. * * * 11 - باب مُشَارَكةِ الذمِّي وَالْمُشْرِكينَ فِي الْمُزَارَعَةِ 2499 - حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ بن أَسْمَاء، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، فَالَ: أَعْطَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. (باب مُشاركةِ الذِّميِّ والمُشركين) تعميمٌ بعد تخصيصٍ؛ لأن الذّميَّ أيضًا مشركٌ.

12 - باب قسمة الغنم والعدل فيها

مرَّ الحديث في (كتاب الحَرْث)، وهذه المشاركة معناها الأُجْرة، واستئجار أهل الذمة جائزٌ، أما مُشاركة الذِّمي؛ فقال مالك: لا تجوز إلا أن يتصرَّف الذِّمي بحضرة المسلم، فالذي يتولَّى البيع والشراء هو المسلم؛ لأنَّ الذِّمي يتَّجر في الرِّبا والخمر وغيرهما مما لا يحلُّ للمسلم الاتجار فيه، وأما أخذ أموالهم في الجِزْية فللضَّرورة؛ إذ لا مالَ لهم غيره. * * * 12 - بابُ قِسْمَةِ الْغَنَمِ وَالْعَدْلِ فِيهَا (باب قِسْمة الغنَم) 2500 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بن أَبي حَبيبٍ، عَنْ أَبي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبةَ بن عَامِر - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابتهِ ضَحَايَا، فَبقيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ضَحِّ بِهِ أَنْتَ". (عَتود) بفتح المهملة: مِن المَعْز: ما بلَغ الرَّعي، وقَوِيَ، وبلَغ حولًا، مرَّ في (الوكالَة). وهذه القِسْمة يجوز فيها من المُسامَحة ما لا يجوز في القِسْمة

13 - باب الشركة في الطعام وغيره

التي (¬1) هي تمييز الحُقوق. * * * 13 - باب الشَّرِكة فِي الطعَام وَغَيْرِهِ وَيُذْكَرُ أَنَّ رَجُلًا سَاوَمَ شَيْئًا، فَغَمَزَهُ آخَرُ، فَرَأَى عُمَرُ: أَنَّ لَهُ شَرِكة. (باب الشركة في الطَّعام) (ابن عُمر) في بعضها: (عُمَر) بحذف: ابن، وهو الأصح؛ لمَا رواه سُفيان، عن هشام بن حُجَين، عن إيَاس بن مُعاوية قال: بلَغني أنَّ عُمر بن الخطَّاب قضَى في رجلَين حَضَرا سِلْعة فسَامَ بها أحدُهما، وأراد صاحبُه أن يَزيد، فغمَزه بيَده فاشتَرى، فقال: أنا شَريكك، فأبى أن يُشْرِكه، فقضَى له عُمر بالشِّرْكة. قال (ط): أجاز ابن عُمر الشركة للذي غمَزَ صاحبَه. قال ابن حَبيب في الذي يشتري الشَّيء للتجارة فيقِفُ به الرَّجل لا يقولُ له شيئًا حتى إذا فرغِ استَشْركَه: رأَى مالكٌ له الشركة لازمة، وأنْ يُقضَى بها له؛ لأنَّه أرفق بالنَّاس من إفساد بعضهم على بعض، ووجَّهه أنَّ المشتري انتفَع بترك الزِّيادة عليه، فوجبَت الشركة لينتفع ¬

_ (¬1) "التي" ليست في الأصل.

الشَّريك أيضًا بذلك، وكذا إذا غمَزه وسكَتَ، فسُكوته رضًا بالشركة؛ لأنَّه يمكنه أن يقول له: لا أُشرِكُك، فيَزيد عليه. * * * 2501 - و 2502 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بن الْفَرَجِ، قَالَ: أَخْبَرني عَبْدُ الله ابن وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرني سَعِيد، عَنْ زُهْرَةَ بن مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الله ابن هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بنتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله بَايِعْهُ. فَقَالَ: "هُوَ صَغِير"، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَدَعَا لَهُ، وَعَنْ زُهْرَةَ بن مَعْبَدٍ: أنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عبد الله بن هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ، فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ، فَيَلْقَاهُ ابن عُمَرَ وَابن الزُّبَيْرِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيقُولاَنِ لَهُ: أَشرِكْنَا، فَإِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ، فَيَشْرَكهُمْ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كمَا هِيَ، فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ. (أَصْبَغ) بفتح الهمزة، والموحَّدة، ثم معجمة. (زُهْرة) بضم الزاي. (يَشْرَكهُم) بفتح الياء، والراء، أي: فيما اشتَراه. قال الفُقهاء: إذا أُطلق لفْظَ: (أشركتُكَ) كان شرَيكًا في النِّصف. (أصاب)؛ أي: عند الله من الرِّبْح. (كما هي)؛ أي: بتمامها. * * *

14 - باب الشركة في الرقيق

14 - بابُ الشَّرِكة فِي الرَّقِيقِ (باب الشِّرْكة في الرَّقيق) 2503 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ بن أَسمَاءَ، عَنْ ناَفع، عَنِ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ كلَّهُ، إِنْ كَانَ لَهُ مَال قَدْرَ ثَمَنِهِ، يُقَامُ قِيمَةَ عَدْلٍ، وَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَّتَهُمْ، وَيُخَلَّى سَبيلُ الْمُعْتَقِ". الحديث الأول: (شِرْكًا) بكسر الشين، أي: نَصيبًا. (وجب عليه أن يُعتق)؛ أي: وجَب عليه أن يُؤدِّي قيمةَ الباقي، فلا يحتاج إلى عِتْقه؛ لأن الكلَّ يعتِق بنفْس إعتاق البعض. * * * 2504 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بن حَازِمٍ، عَنْ قتادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بن أَنسٍ، عَنْ بَشِيرِ بن نَهِيكٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ، أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا يُسْتَسْعَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ". الثاني: (بَشير) بفتح الموحَّدة.

15 - باب الاشتراك في الهدي والبدن، وإذا أشرك الرجل الرجل في هديه بعدما أهدى

(ابن نَهيك) بفتح النون. * * * 15 - بابُ الاِشْتِرَاكِ فِي الْهَدْي وَالْبُدْنِ، وَإِذَا أَشْرَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي هَدْيِهِ بَعْدَمَا أَهْدَى (باب الاشتِراك في الهَدي) بسكون الدَّال: ما يُهدَى إلى الحرَم من النعَم، والهَدي على فَعِيْل مثلُه. (والبُدْن) بسكون الدال وضمها، فيه تخصيصٌ بعد تعميمٍ. 2505 - و 2506 - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابرٍ، وَعَنْ طَاوُس، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -، قَالَ: قَدِمَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - صبح رَابعَةٍ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، لاَ يَخْلِطُهُمْ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَناَ، فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَة، وَأَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا، فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالَةُ. قَالَ عَطَاء: فَقَالَ جَابر: فَيَرُوحُ أَحَدُناَ إِلَى مِنًى، وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟ فَقَالَ جَابر بِكَفِّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: "بَلَغَنِي أَنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، وَالله لأَناَ أَبَرُّ وَأتقَى لِلهِ مِنْهُمْ، وَلَوْ أنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ". فَقَامَ سُرَاقَةُ بن مَالِكِ بن

جُعْشُمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله هِيَ لنا أَوْ لِلأبدِ؟ فَقَالَ: "لاَ، بَلْ للأبد". قَالَ: وَجَاءَ عَلِيُّ بن أَبي طَالِبٍ -فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ: وَقَالَ الآخَرُ: لَبّيكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْيِ. (وعن طاوس) عطفٌ على عَطاء؛ لأنَّ ابن جُرَيْج سمع منهما. (مُهِلُّون) خبر مبتدأ محذوف، أي: وهم، وجُمع باعتبار أنَّ قُدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلزم قُدوم أصحابه معه، وفي بعضها: (مُهلِّين)؛ أي: مُحرِمين. (لا يخلطهم شيء)؛ أي: من العُمْرة، وفي بعضها: (لا يخلطُه شيء). (قدمنا)؛ أي: مكة. (أمَرَنا) بفتحات، أي: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بفسخ الحجِّ إلى العُمْرَة، فجعلنا الحجَّ عُمْرَةً، وصِرْنا مُتَمَتِّعِين. (المَقَالة)؛ أي: مقالةُ الناس؛ لاعتقادهم أنَّ العُمْرَة لا تصحُّ في أشهر الحجِّ، ويَرونها فُجورًا. (يَقْطُر) لقُرب العَهْد بالوطء. (قال جابر بكفِّه)؛ أي: أشار بيده إلى هيئة التقطُّر. (لو استقبلت)؛ أي: لو عرفتُ من أوَّل الحال ما عرفتُ آخِرًا من جَواز العُمْرة في أشهر الحجِّ.

(ما أهديت)؛ أي: لكنتُ متمتِّعًا؛ لمُخالفة أهل الجاهلية، ولأحللتُ من الإحرام، لكن امتنعَ الإهلال لصاحب الهَدْي -وهو المُفرِد والقارِن- حتى يَبلغ الهَدْيُ مَحِله في أيام النَّحر لا قبلها. (سُرَاقة) بضم المهملة. (ابن جُعشُم) بضم الجيم، والشِّين. (هي)؛ أي: العُمْرَة في أشهر الحج، أو المُتْعة. (وجاء علي)؛ أي: من اليمَن. (وقال أحدهما)؛ أي: أحد الرَّاويين عن عَطاء وطاوُس، وأُبهم بلفظ (أحدهما)؛ إذ لم يكن الرَّاوي عالمًا بالتَّعيين، لكنْ روى عن عطاء، عن جابرٍ، في (باب: تَقضي الحائضُ المناسِك): أنه قال: أهلَلْنا بما أهلَّ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (وأشركه في الهدي)؛ أي: أشرَكَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًّا، قال (ع): التي جاءت معه من المدينة، وأعطى عليًّا البُدْن التي جاءَ بها من اليمَن. وقال المُهَلَّب: ليس في الحديث ما تَرجَم به من الاشتِراك في الهَدْي بعدَما أُهدي، بل لا يجوز بعد الإهداء بيعُه ولا هبَتُه، فمُراده: ما أَهدى عليٌّ من الهَدْي الذي كان معه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجعَل ثوابَه له، فيحتمل أنْ لا يُفرده بثواب الهدي كلِّه، فهو شريكٌ له في هديه؛ لأنَّه أهدى عنه - صلى الله عليه وسلم - متطوِّعًا من ماله، أو أنْ يُشركه في هدْيٍ واحدٍ يكون بينهما إذا كان تطوُّعًا.

16 - باب من عدل عشرا من الغنم بجزور في القسم

قال (ك): فجعل ضمير الفاعل في (أشركَه) لعليٍّ لا له - صلى الله عليه وسلم -. * * * 16 - بابُ مَنْ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ فِي الْقَسْمِ (باب مَن عدَل عشَرةً) بتخفيف الدال، (في القسم)؛ أي: لا في الأُضحية، ففيها تَعدِل سبْعةٌ بجَزورٍ نظَرًا للقيمة الغالبة، أمَّا يوم القَسْم، فالنظَر فيه للحاضِرة في ذلك الزمان والمكان. 2507 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بن رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بن خَدِيج - رضي الله عنه -، قَالَ: كنا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأصَبنا غَنَمًا وَإِبلًا، فَعَجلَ الْقَوْمُ، فَأكْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ، فَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأمَرَ بِهَا، فَأكفِئَتْ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَم بِجَزُورٍ، ثُمَّ إِنَّ بَعِيرًا نَدَّ، وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ إِلَّا خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بِسَهْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِم أَوَابدَ كَأَوَابدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصنَعُوا بِهِ هَكَذَا". قَالَ: قَالَ جَدِّي: يَا رَسُولَ الله إِنَّا نرجُو -أَوْ نخافُ- أَنْ نلقَى الْعَدُوَّ غدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: "اعْجَلْ أَوْ أَرْني، مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ؛ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ".

(أَرِن) قال (ن): بفتح الهمزة، وكسر الراء، وإسكان النون، بوَزْن: أَقِمْ، ورواية البخاري بفتح الهمزة، وسكون الراء، وكسر النون. قال (خ): صوابه أَأْرِن، بوزن أَعْجِل، وهو بمعناه، من أَرِنَ يأرَن: إذا نشَط وخَفَّ، أي: أعجَل ذبحَها لئلا تموتَ خَنْقًا؛ لأن الذابح بغير حديد يحتاج لخِفَّةِ يد وسرعة، أو أَرِنْ بوزْن: أَطِعْ، أي: أهلِكْها ذَبْحًا، من قولهم: أَران القَومُ: إذا هلَكتْ مواشيهم، أو بوزْن: أَعْطِ بمعنى: أَدِم القَطْعَ، ولا تَفتُر، مِن قولهم: رنَوْتُ؛ إذا أدَمْتَ النظَر، والصَّحيح أنَّه بمعنى: أعجلْ، أو أنَّه شكٌّ من الراوي، هل قال: أعْجِلْ، أو أَرِنْ؟. قال التَّيْمِي: أي: كلمةٌ تُستعمل في الاستعجال وطلَب الخِفَّة، وأصل الكلمة كسر الراء، ومنهم من يُسكِّنها، ومنهم من يحذِف ياءَ الإضافة؛ لأنَّ كسْرةَ النُّون تدلُّ عليها. قال (ك): كونها ياءَ إضافةٍ مُشْكلٌ، والظاهر أنها ياءُ الإشْباع. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [8]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

48 - كتاب الرهن

48 - كتاب الرهن

1 - باب في الرهن في الحضر

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 48 - كتاب الرهن 1 - بابٌ فِي الرَّهْنِ فِي الْحضَرِ وَقَوْلهِ تَعَالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. (كتاب الرَّهْن) 2508 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -، قَالَ: وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَا أَصْبَحَ لآلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا صَاعٌ، وَلاَ أَمْسَى"، وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ. (إِهالة) بكسر الهمزة. (الوَدَك): الدَّسَم. (سَنِخة) بفتح المهملة، وكسر النون، وبالمعجمة: المُتغيِّرة الرِّيح، الفاسِدة. (سمعته)؛ أي: سمعتُ أنسًا. * * *

2 - باب من رهن درعه

2 - بابُ مَنْ رَهَنَ دِرْعَهُ (باب مَن رهَن دِرْعَه) 2509 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: تَذَاكَرْناَ عِنْدَ إِبْراهِيمَ الرَّهْنَ، وَالْقَبِيلَ فِي السَّلَفِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِي طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. (القَبِيْل): الكَفِيْل بالنفس أو المال، وتقدَّم في (البيع)، فأراد إبراهيم النَّخَعي أن يستدلَّ بالحديث أنَّ الرَّهن لمَّا جاز في الثَّمَن جاز في المُثَمَّن، وهو السَّلَم. * * * 3 - بابٌ رَهْنِ السِّلاَحِ (باب رَهْن السِّلاح) 2510 - حَدثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لِكَعْبِ ابْنِ الأَشْرَفِ؛ فَإِنَّهُ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -". فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ

مَسْلَمَةَ: أَناَ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: أَرَدْناَ أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ. فَقَالَ: ارْهَنُوني نِسَاءكمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَناَ، وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُوني أَبْنَاءكمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُ أَبْنَاءَناَ، فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ، فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ؟ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ -قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي السِّلاَحَ- فَوَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أتوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخْبَرُوه. (من لكعب بن الأشرف؟)، (مَن) استفهاميةٌ، أي: مَن يتصدَّى لقتله؟؛ لأنَّه كان يُعادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويَهجوه. (محمد بن مَسْلَمة) بفتح الميم، واللام، الأنصاري الذي بعثَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جماعة إلى كعْب، فقتَلوه غِيْلةً. (وَسقًا) بفتح الواو وكسرها: سِتُّون صاعًا. (أرهنوني) اللغة الفصيحة: رهَن، وأَرْهَنَ قليلةٌ. (اللأْمَة) بهمزة: الدِّرْع، وعن الزُّهري: السِّلاح كله، وهو يُقوِّي تبويبَ البخاري، جمعها لُؤَمٌ على غير قياس. قال (ط): ليس يدلُّ رهنك اللأْمَة على جواز رهن الحربيِّ السِّلاح، بل هو من مَعاريض الكلام المباح في الحَرْب وغيره، ولم يكن كعب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل كان ممتنِعًا بقوَّته في حِصْنه، ولو كان له عَهْد نقضَه بالأَذى، فمَن لامَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فقد كذَّب الله في قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات: 54].

4 - باب الرهن مركوب ومحلوب

وقال المَازَرِيُّ: قتَله لنقْضه العَهْد، ومجيئه مع أهل الحرب مُعينًا عليه، ولم يُؤمِّنْه ابن مَسْلَمة، بل آنسَه بالبيع والشراء، فتمكَّن منه من غير عَهْدٍ ولا أمانٍ، وقد قتَل عليٌّ من قال في مجلسه: كان قتَلَه غَدْرًا، وأمَر بضَرْب عنُقه، لأن الغَدْر إنما يُتصوَّر بعد أمانٍ صحيحٍ، وكان كعب ناقِضًا للعهد. * * * 4 - باب الرهْنُ مَرْكوبٌ وَمَحْلُوبٌ وَقَالَ مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا، وَتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا، وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ. 2511 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَيُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا". 2512 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا زكرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ ويشْرَبُ النَّفَقَةُ".

(باب الرَّهْن مَركُوبٌ ومحلوبٌ) ذكَره في الترجمة؛ لأنه ليس على شرطه، وأسنَده الحاكم عن أبي هريرة: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ ومَحْلُوبٌ"، وقال: صحيح على شرط الشَّيخين، ولم يُخرجاه؛ لإجماع الثَّوري وشُعبة على وقفه على الأَعْمَش، عن أبي هريرة. قال الشَّافعي: يُشبِه قول أبي هريرة: مَن منَع ذاتَ دَر وظَهْر؛ لم يَمنعَ الرَّهنَ دَرُّها وظَهرها؛ لأنَّ له رقبَتَها. قال الطَّحَاوي: الحديث مُجْمل لم يُبيَّن فيه الذي يرَكب وَيشرب، فمِن أين جاز جعْلُه للرَّاهن دون المرتهن؟، ولا يُحمل على أحدهما إلا بدليلٍ. قال (ك): وهو الحقُّ. قال أحمد: للمُرتهِن أن يَنتفِع بالحَلْب والركوب دون غيرهما بقَدْر النَّفَقة. ودلَّ الحديثُ بمنْطُوقه على إباحة الانتفاع في مُقابَلة الإنفاق، وسبَب الإباحة مِلْك الرَّقَبة لا الإنْفاق، وبمفهومه على جَواز الانتفاع مَقْصورًا على هذَين النَّوعَين، وانتفاعُ الرَّاهن غير مقصورٍ عليهما، وأُجيب بنَسْخه بآية الرِّبا؛ لأنه يُؤدِّي لانتفاع المرتهن بدَينه، وكلُّ قَرْضٍ جرَّ منفعةً رِبًا، والجواب الأَولى: ليس الباء في: (بنفقته) للبدَليَّة، بل للمَعيَّة، والمعنى: الظَّهر يُركب، ويُنفَق عليه، ومثلُ هذا المفهوم لا يُعتبر. * * *

5 - باب الرهن عند اليهود وغيرهم

5 - بابُ الرَّهْنِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ 2513 - حَدَّثنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا جَرِير، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتِ: اشْتَرَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. وأسقَط (ك): (باب الرَّهن عند اليَهودِ وغيرهم) * * * 6 - بابٌ إِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَنَحوُهُ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (باب: إذا اختلَف الرَّاهِنُ والمُرتهِن) (المدعي) هو الذي يَذْكُر أمرًا خفيًّا خلافَ الظَّاهر، أو مَن إذا تَرَكَ تُرِك، والمدَّعى عليه مُقابله. 2514 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ناَفِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كتَبْتُ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ، فَكَتَبَ إِلي: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَضَى: أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

الحديث الأول: (كتب إلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -) يجوز كسرُ (إنَّ) وفتحها. * * * 2515 - و 2516 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِير، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ - رضي الله عنه -: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين، يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا، وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}، فَقَرَأَ إلَى: {عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: فَحَدَّثْنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ: صَدَقَ لَفِيَّ وَاللهِ أُنْزِلَتْ، كَانَتْ بَيْني وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ الله: "شَاهِدُكَ أَوْ يَمِينُهُ؟ " قُلْتُ: إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلاَ يُبَالِي. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا، هُوَ فِيهَا فَاجِر، لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ،، فَأنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهَ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلَى: {ولهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}. الثاني: (فاجر) كاذبٌ، من الكناية؛ إذ الفُجور لازمٌ للكذِب، وإطلاق الغضَب على الله مجازٌ، والمراد لازِمُهُ وهو إرادة إيصالِ العَذاب.

(شاهداك)؛ أي: لك ما يَشْهَد به شاهداك، ومرَّ في (الشرب)، فى (باب: الخُصومة). ودلالة التَّرجمة من لفظ: (شاهداك أو يمينُه).

49 - كتاب العتق

49 - كتاب العِتق

1 - باب في العتق وفضله

بِسْمِ الله الرَّحَمَن الرَّحِيمِ 49 - كتاب العِتق 1 - باب فِي الْعِتقِ وَفَضْلِهِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ}. (كتاب العِتْق) هو الحريَّة، أي: تخلُّص الرَّقَبة، عَتَق يعتِق -بالكسر- عِتْقًا، وعِتاقًا، وعَتاقةً بالفتح، مشتقٌّ من عَتَق الفَرَس: إذا سبَق، وعَتَق الفَرْخ: طارَ؛ لأنَّ العبد يخلُص بالعِتْق، ويذهب حيث شاءَ، وخصَّ الرَّقَبة بالعِتْق دون الأعضاء مع أن العِتْق يتناول الجميعَ؛ لأنَّ حكم السيِّد عليه كحبْلٍ في رقبة العَبْد، وكالغُلِّ المانِع من الحركة، فإذا أُعتِق كأنَّ رقبتَه أُعتقت. * * * 2517 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ،

قَالَ: حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانة صَاحِبُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: قَالَ لِي أبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أيما رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا استنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ". قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانة: فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَعَمَدَ عَلِيُّ ابْنُ حُسَيْنٍ - رضي الله عنهما - إِلَى عَبْدٍ لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَم، أَوْ ألفَ دِينَارٍ، فَاَعْتَقَهُ. (أيُّما رجل) بخفض اللام، وبالرفع بدَلٌ. وفيه فضْل العِتْق، وأنَّ الله يُنجي به من النار، وأنَّ المُجازاة من جنس العمَل، وأن يقوَّم باقي العبد لمن أعتَق شِقْصًا منه؛ لاستِكمال تمام عتْق النَّفْس، وأنَّ للمرأة حُكمَ الرجل قياسًا، أو لقوله: "حُكْمي على الواحِدِ حُكْمي على الجَمَاعة". قال (خ): وإذا كان أعضاء العَتيق فِداءً لأعضاء المعتِق، فيكون العتيق سالمَ الأعضاء من شلَلٍ، وعَوَرٍ، ونحوها؛ ليحصل الثَّواب كاملًا، وربَّما زاد الثمَن بنقص بعض الأعضاء كالخِصَاء؛ لصَلاحيته لمَا لا يصلُح له غيره من حفْظ الحُرَم ونحوه. * * *

2 - باب أي الرقاب أفضل؟

2 - بابٌ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ (باب: أيُّ الرِّقاب أفْضَل؟) 2518 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَاوحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ". قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَغْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: "تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ". قَالَ: فَإنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: "تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ". (مُراوح) بضم الميم، وكسر الواو، ثم مهملة، وقيل: اسمه سَعْد الغَسَّاني. (وجهاد)؛ لأنَّه كان لتكُون كلمة الله هي العليا، فكان ذلك الوقْت أفضلَ الأعمال. (أغلاهما) بالمعجمة، ورُوي بالمهملة؛ لقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]. (فإن لم أفعل)؛ أي: لم أقدِرْ على فعله، أُطلق الفعل وأُريد القُدرة عليه. (صانعًا) بالمهملة، كذا رواها هشام في البخاري، وصوَّبه الدَّارَقُطْني؛ لمقابلته الأخرق، وهو الذي لا يُحسِن صنعةً، وكأنَّ

3 - باب ما يستحب من العتاقة في الكسوف والآيات

الزُّهْري يقول: صحَّف هشامٌ، إنَّما هو: (ضائِع) بالمعجمة. (لأخرق)؛ أي: جاهِلٍ لمَا يجب تعلُّمه، ليس له صنعةٌ يكتسب بها. قال (ط): ضائعًا، أي: فَقيرًا، والخَرَق لا يكون إلا في اليدَين. (تصدقُ) بحذف إحدى التاءَين، فترْك الشَّرِّ خيرٌ موجِبٌ للثَّواب، والانكِفاف عن الشَّرِّ أقلُّ مراتب المؤمن، وإعتاق رقبتَين غير نفيسَتين خيرٌ من إعتاق رقبةٍ واحدةٍ نفيسة بخلاف الأُضحية، فالتَّضحية بشاةٍ سمينة أفضَل من شاتَين دونها؛ لأنَّ المقصود من الأُضحية اللَّحم، ولحم السَّمين أطيب، ومن العِتْق التَّخليص من الرِّقِّ، وتخليصان أفضل. * * * 3 - بابُ مَا يُسْتَحبُّ مِنَ الْعَتَاقَة فِي الْكسُوف والآيَاتِ (باب ما يُستَحبُّ من العَتاقَة) 2519 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -، قَالَتْ: أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. تَابَعَهُ عَلِيٌّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ هِشَامٍ. 2520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَثَّامٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -، قَالَتْ: كُنَّا

4 - باب إذا أعتق عبدا بين اثنين، أو أمة بين الشركاء

نُؤْمَرُ عِنْدَ الْخُسُوفِ بِالْعَتَاقَةِ. (زائدة) من الزِّيادة. (ابن قُدامة) بضم القاف. (بالعَتاقة) بفتح العين، أي: بالإعتاق، فهو كنايةٌ للُزوم العَتاقة الإعتاقَ. ودلَّ الحديث على استحباب العَتاقة؛ للآيات قياسًا على الكُسوف؛ لأنه آيةٌ أيضًا، وعطف الآيات عليه عامٌّ على خاصٍ. والعطف بـ (أو) في التَّرجمة بمعنى الواو، أو: بل. (الدَّرَاوَرْدي) بفتح الدال، وتخفيف الراء، وفتح الواو، هو عبد العَزيز. (عَثَّام) بفتح المهملة، وشدَّة المثلَّثة: ابن عليٍّ العامِري، وأُمر بالعَتاقة في الخُسوف والكسوف؛ لأنَّ به عتْقًا من النار، وهما من آيات الله، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. * * * 4 - بابٌ إِذَا أَعْتَق عَبْدًا بَينَ اثْنَينِ، أَوْ أَمَةً بَينَ الشُّرَكاءِ (بابٌ: إذا أعتَق عبْدًا بين اثنَين) خصَّ العبد بالاثنين، والأَمةَ بالشُّركاء محافظةً على لفْظ الحديث،

ولفْظ (اثنين) تمثيلٌ؛ إذ حكم الثلاثة، والأربعة، وهلُمَّ جرا كذلك. 2521 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرو، عَنْ سَالِم، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُعْتَقُ". الحديث الأول: (موسرًا) هو المالكُ فاضِلَ ما يترك للمُفلِس، وهو دِسْتُ ثَوبٍ، وسكَنٌ، وقُوت مؤنته يومًا واحدًا. * * * 2522 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وإلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". الثاني: (ما يبلغ) في بعضها: (مالٌ بلَغ). (قيمة عدل)؛ أي: بلا زيادةٍ ولا نُقصانٍ فيه. (وإلا)؛ أي: وإنْ لم يكُن مُوسِرًا. (فأعطى) مبنيٌّ للمفعول. (شركاؤه) بالرفع نائبٌ عن الفاعل، هذا مشهور الرِّواية، ومنهم

من بنى (أعطى) للفاعل، ونصَب (شركاءه) على المفعولية. (فقد عَتق) بفتح العين، والتاء، ولا يُبنى للمفعول إلا بهمزةِ التَّعدية. (ما عتق)؛ أي: ما أعتقَه، ويُستعمل: عتَق بمعنى: أعتَق. * * * 2523 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ، إِنْ كَانَ لَهُ مَال يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأُعْتِقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ". الثالث: (عُبيد) مصغَّرٌ: ضِدُّ الحُرِّ. (فَعلَيْهِ عِتْقُه كُلِّه) بالجر: تأْكيدًا للضَّمير المضاف، أي: عتق العبد كلِّه. (يُقَوَّمُ) صفة (مالٌ) لا غير، إذِ الجَزاء هو (فأُعتِق). * * * 2523 / -م - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، اخْتَصَرَهُ. 2524 - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ أيوبَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ

شرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يبلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ، فَهْوَ عَتِيقٌ". قَالَ ناَفِع: وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. قَالَ أيُّوبُ: لاَ أَدْرِي أَشَيْء قَالَهُ ناَفِعٌ، أَوْ شَيْء فِي الْحَدِيثِ؟ الرابع: (بِشْر) بكسر الموحَّدة، ثم معجمة. (اختصره)؛ أي: اختصَر مُسَدَّد الحديثَ، فذكَر المقصودَ فقط. (مملوك) في بعضها: (مملوكه) بالإضافة للضمير. (وإلا فقد أعتق منه ما أعتق) قال القاضي: ظاهره أنَّه من الحديث؛ لأنه رواه مالك وعُبَيد الله عن نافِع، فوصَلاه بكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهما في نافع أثبَتُ من أيوب. قال: وهذا يردُّ على مَن قال بالاستِسعاء. * * * 2525 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِقْدَام، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، أَخْبَرَني ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي الْعَبْدِ أَوِ الأَمَةِ يَكُونُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ، يَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ كلِّهِ، إِذَا كَانَ لِلَّذِي أَعْتَقَ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ، يُقَوَّمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، وُيدْفَعُ إِلَى الشّرَكَاءَ أَنْصِبَاؤُهُمْ، ويُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ. يُخْبِرُ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

5 - باب إذا أعتق نصيبا في عبد، وليس له مال، استسعي العبد غير مشقوق عليه، على نحو الكتابة

وَرَوَاهُ اللَّيْثُ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَجُويرِيَةُ، وَيَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُخْتَصَرًا. الخامس: (ما يبلغ) مفعوله محذوفٌ، أي: ثمنَه. (العتق)؛ أي: العَتيق. (ورواه الليث) وصلَها مسلم. (وابن أبي ذئب) وصلَها أبو نُعيم. (وابن إسحاق) وصلَها أبو عَوَانة. (وجويرية) وصلَها في (الشركة). (ويحيى وإسماعيل) وصلَها مسلم. * * * 5 - بابٌ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْدٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ، اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقوقٍ عَلَيْهِ، عَلَى نَحوِ الْكتَابَةِ (بابٌ: إذا أعتَق نَصيبًا في عَبْدٍ استُسعِيَ) أي: يكلَّف العبد الاكتِساب حتى يحصِّل قيمةَ نصيب الشَّريك،

وقيل: أنْ يخدم سيِّدَه الذي لم يُعتقه بقدْر ما له فيه من الرِّقِّ. (غير مشقوق)؛ أي: لا يُكلَّف ما يَشقُّ عليه. (نحو الكتابة)؛ أي: مِثْل الكتابة، أي: يكون العبد في زمانِ الاستِسعاء كالمُكاتَب. * * * 2527 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيد، عَنْ قتادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا أَوْ شَقِيصًا فِي مَمْلُوكٍ، فَخَلاَصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وإلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ، فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ". تَابَعَهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ، وَأَبَانُ، وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ، عَنْ قتادَةَ. اخْتَصَرَهُ شُعْبةُ. (فاسْتُسْعِيَ)؛ أي: اكتَسبَ بلا تشديد، واستُخدم بلا تكليف ما لا يُطاق. قال الأَصِيْلي، وابن القَصَّار، وغيرهما: مَن أسقَط السِّعاية من الحديث أَولى ممن ذكرها؛ لأنها ليست في الأحاديث الأُخَر عن ابن عُمر، ورَوى الحديثَ شُعبةُ، وهمَّام، عن قَتادة، ولم يَذكر الاستِسعاء، وفَصَلَ هَمَّام الاستِسعاء من الحديث، وجعله من رأْي قَتَادة، وحديث عِمْران بن حُصَين في الأَعبُد الستَّة: فأسْهَمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -

6 - باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، ولا عتاقة إلا لوجه الله

بينهم، فأعتَق اثنين، وأرقَّ أربعةً، ولم يُلزمهم الاستِسعاءَ. قال (ن): الجمهور أنَّه يعتق بنفس الإعتاق، ويُقَوَّم عليه، ووَلاءُ الجميع للمعتِق، وليس للشَّريك إلا المطالبةُ بقيمة نَصيبه، وقال مالك: يعتِق بدفع القيمة، ومذهب أبي حنيفة: للشَّريك الخِيار بين أن يَستَسعيَ العبدَ، وأن يُعتق نصيبَه والوَلاء بينهما، وبين أن يُقَوَّم نصيبُه على شريكه المعتِق، ثم يَرجع المعتِقُ بالواقع على العبد باستِسعائه وجميعُ الوَلاء للمعتِق، وإنْ كان مُعْسِرًا فالجمهور يتقيَّد العتْق في نصيب المعتِق فقط، ويبقى نصيب الشَّريك رقيقًا، وقال أبو حنيفة: يُستسعى العبد في حِصَّة الشَّريك، وهو في مُدَّة السِّعاية كالمكاتب. أما إذا ملَك عبْدًا بكماله وأعتَق بعضَه؛ فيَعتق الكلُّ في الحال عند الثلاثة، وقال أبو حنيفة: يُستَسعى في بقيَّته لمولاه. (أبان) بالصَّرف أكثر. * * * 6 - بابُ الْخَطَأ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطلاَقِ وَنَحوِهِ، وَلاَ عَتَاقَةَ إِلا لِوَجْهِ الله وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نوى"، وَلاَ نيةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئ. (باب الخَطَأ)، قد يُمَدُّ، والمراد هنا: نقيض العَمْد.

قال أبو عُبَيد: خطَأ وأخطَأَ لُغتان بمعنى واحدٍ، وقال الأُمَوِي: المُخْطِئ: مَن أراد الصَّوابَ فصار لغيره، والخاطئ: المتعمِّد لمَا لا يَنبغي. (لوجه الله)؛ أي: لذاته، أو لجِهَة رِضاه. (لكل امرئٍ ما نوى) طرفٌ من حديثٍ مرَّ أوَّلَ الكتاب، قال فيه: (وإنَّما لكلّ امرئ ما نَوَى)، وفي آخِر (الإيمان) بلفْظ: (ولكلِّ امرِئ ما نَوَى)، و (إنما) مقدَّرةٌ. * * * 2528 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ زُرَارة بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ الله تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتى مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ". 2529 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرتهُ إِلَى الله وَرَسُولهِ، فَهِجْرتهُ إِلَى الله وَرَسُولهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرتهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".

الحديث الأول، والثاني: (تجاوَزَ لي)؛ أي: لأَجْلي. (ما وسوست به صُدورهما) بالضمِّ، ورواه الأَصِيْلي بالفتح، ووسْوَسَت على هذا بمعنى: حدَّثَتْ، فهو كالرِّواية الأُخرى: (ما حدَّثَتْ به أنفُسَها) بالنَّصب، مفعول، أي: قُلُوبَها، ويدلُّ عليه قوله: (إنَّ أحَدَنا يُحدِّثُ نفْسَه)، وأهل اللُّغة يقولون: أنْفسُها، برفع السين، يُريدون بغير اختيارٍ، كقوله تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16]. (ما لم تعمل)؛ أي: في العمَليَّات. (أو تتكلم) في القَوليَّات، وعزْمُ القَلْب على المعصية، وسائرُ أعمال القُلوب كالحسَد مؤاخَذ عليه وإنْ لم يَعمل، ويُؤاخذ باتِّباعه الفاحشَةَ إذا وطَّن نفْسَه عليه، والذي في الحديث هو ما لم يُوطن عليه نفْسَه، إنما يمرُّ بفِكْره دون استِقْرارٍ، ويُسمَّى هذا همًّا لا عزْمًا، ويجب حَمْل: (ما لم تعمَلْ) على غير الموطَّن في الصَّدْر جَمْعًا بينه وبين ما يدلُّ على المُؤاخَذة، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19]، وأيضًا لفْظ: (الوَسوسَة) لا يُستعمل إلا عند التردُّد والتزلزُل. ووجه تعلُّق الحديث بالتَّرجمة القِياس على الوَسْوسة، فكما لا يُعتبر عند عدَم التَّوطين، فكذا العمَل والتكلُّم، والنَّاسي والمُخطِئ لا تَوطينَ لهما. * * *

7 - باب إذا قال رجل لعبده: هو لله، ونوى العتق، والإشهاد في العتق

7 - بابٌ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ: هُوَ لله، وَنوَى الْعِتْقَ، وَالإِشْهَادِ فِي الْعِتْقِ (باب: إذا قالَ لعبده: هو للهِ، ونَوى العِتْقَ) (والإشهاد) بجرِّ الإشهاد، أي: وباب الإشهاد، فيَنبغي حذْف التَّنوين مِن: باب؛ ليَصحَّ عطف المضاف عليه. 2530 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّهُ لَمَّا أَقْبَلَ يُرِيدُ الإسْلاَمَ وَمَعَهُ غُلاَمُهُ، ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأبو هُرَيرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أبا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ قَدْ أتاكَ". فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أنَّهُ حُرٌّ. قَالَ: فَهُوَ حِينَ يَقُولُ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ 2531 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ قَالَ: وَأَبقَ مِنِّي غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَناَ عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلاَمُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

"يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غلاَمُكَ". فَقُلْتُ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ. فَأعْتَقْتُهُ. لَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ: حُرٌّ. الحديث الأول، والثاني: (ابن نُمير) مُصغَّرُ نَمِر بلفْظ الحيَوان. (بشْر) بكسر الموحَّدة، ثم معجمة. (ابن حازم) بالمهملة، والزاي. (ضلّ)؛ أي: ضاعَ، وغابَ. (عناءها) بفتح المهملة، والمدِّ: التَّعَب، والنَّصَب. (دارة الكفر) أخصُّ من دار، وفي بعضها: (داره) بالإضافة للضَّمير، فيكون الكفْر بدَلًا منه بدلَ كل مِن كل، ولا بُدَّ من زيادة واوٍ أو فاءٍ أوَّلَ البيت؛ ليكون مَوزُونًا. قال (ط): وفيه العِتْق عند بُلوغ الأمَل، والنَّجاة من الخَوف، كما فعل أبو هريرة حين نَجَّاه الله من دار الكُفْر، ومِن ضلالهِ عن الطَّريق ليلًا. (أبق) بفتح الموحَّدة، وحَكى ابنُ القَطَّاع كسْرَها. * * * 2532 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ - صلى الله عليه وسلم - ومَعَهُ غلاَمُهُ، وَهْوَ

8 - باب أم الولد

يَطْلُبُ الإسْلاَمَ، فَضَلَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، بِهَذَا، وَقَالَ: أَمَا إِنَي أُشْهِدُكَ أنَّهُ لله. (صاحبه) أصله: ضلَّ مِن صاحبه، فحذف (مِن) الخافِضة، كقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155]، وقد جاء متعدِّيًا بنفْسه في الأشياء الثابتة، يُقال: ضلَلْتُ المسجِدَ والدَّار، إذا لم تَعرف موضعهما. * * * 8 - بابُ أُم الولَدِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا". (باب أُمِّ الولَد) (وقال أبو هريرة) تقدَّم موصولًا في (الإيمان) بمعناه. (ربَّها)؛ أي: مالكَها وسيِّدَها. * * * 2533 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّ عُتْبةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَقْبِضَ إِلَيْهِ ابْنَ وَليدَةِ زَمْعَةَ، قَالَ عُتْبةُ: إِنَّهُ ابنِي. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الْفَتْح،

أَخَذَ سَعْدٌ ابْنَ وَليدَةِ زَمْعَةَ. فَأقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأَقْبَلَ مَعَهُ بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ. فَقَالَ سَعْد: يَا رَسُولَ الله هَذَا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ الله هَذَا أَخِي، ابْنُ وَليدَةِ زَمْعَةَ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ابْنِ وَليدَةِ زَمْعَةَ، فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بنَ زَمْعَةَ"؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ"؛ مِمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبةَ. وَكانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (أخذ سعد) بالتَّنوين. (ابنَ) بالنَّصب؛ لأنه المَأْخُوذ، ويُكتب بالألف. قال (ط): القِصَّة مُشْكلةٌ؛ لأنَّ عبدا ادَّعى على أبيه ولدًا بقوله: (أخي)، ولم يأْتِ ببيِّنةٍ على إقرار أبيه، فكيف يقبل دعواه؟، فذهب مالكٌ، والشَّافعي: أنَّ الأَمَةَ إذا وطِئَها مولاها لَزِمه كلُّ ولدٍ تجيء به بعد ذلك، ادَّعاه أم لا. قال الكوفيُّون: لا يلزم مولاها إلا أن يُقِرَّ به، ولذلك قال: (هو لَكَ)، ولم يقل: هو أخوك، فالمراد: هو مملوكك بحقِّ ما لكَ عليه من اليَدِ، ولهذا أمرَ سَوْدةَ بالاحتِجاب منه، فلو جعلَهُ - صلى الله عليه وسلم - ابن زمعَة لمَا احتجَبت منه أختُه، وقيل: معناه: هو أخوك كما ادَّعيتَ، فقضَى بعِلْمه؛ لأنَّ زمعَة كان صِهْره، فألحق ولدَها به؛ لمَا عَلِمَه من فِراشه،

لا أنَّه قضى بذلك لاستِلْحاق عبدٍ له. قال الطَّحَاوي: هو لكَ، أي: يَدُكَ عليه، لا أنَّك تملِكُه، بل لتمنعَ عنه سواك، كما قال في اللُّقَطة: "هي لكَ" تدفَع عنها غيرك حتى يجيء صاحبُها، ولمّا كانت سَوْدَة أختَ عبدٍ شريكتَه، ولم يَعلم تصديقَها على ذلك؛ ألزَم - صلى الله عليه وسلم - عبْدًا ما أقرَّ به على نفسه، ولم يجعل ذلك حُجَّةً على أُخته، فأمرَها بالاحتجاب. قال الشَّافعي: رُؤْية ابن زمْعَة لسَودة مباحة، لكن كَرِهَه للشَّبَه، وأمرها بالسَّتْر اختيارًا، وزاد في بعض النُّسَخ بعد تمام الحديث: سمَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّ وَلد زمْعَة أَمَةً ووَليْدَةً؛ لأنَّ الخَصْمَين أطلَقا الأَمَةَ والوَليدة عليها، وأقرَّهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على إطلاق ذلك، فكان كالتَّسمية، وقيل: غرَض البخاري: أنَّ بعض الحنفية لا يقولون: الولَد للفِراش في الأَمَة؛ إذ لا يُلحقون الولَد بالسَّيِّد إلا بإقْراره، بل يخصُّونه بفِراش الحُرَّة، وأَوَّلُوا حديث: (الوَلَد للفِرَاش) بأنَّ أُمَّ الولَد المتنازَع فيه كانت حرَّةً؛ للآية، فإنَّ الخِطَاب في قوله تعالى: {إلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] للمؤمنين، وزمْعَة لم يكن مؤمنًا، فليس له مِلْك اليَمين، فيكون ما في يَدِه حرَّةً لا مِلْكًا له. (يا سودة بنت) برفع: (سَوْدة) و (بنت) ونصبهما. * * *

9 - باب بيع المدبر

9 - بابُ بَيع الْمُدَبَّرِ (باب بَيْع المُدَبَّر) 2534 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو ابْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَعْتَقَ رَجُل مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دبرٍ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِ، فَبَاعَهُ. قَالَ جَابِر: مَاتَ الْغُلاَمُ عَامَ أَوَّلَ. (دبُر) بضمِّ الموحَّدة وسكونها. (عبدًا) اسمه: يَعْقُوب، والمُعتِق: أبو مَذْكور، والمشتري: نُعَيْم النَّحَّام، والثَّمَن: ثمان مائةِ درهمٍ. (عام أوّل) نصب (عام) على الظَّرف، و (أوَّل) مضافٌ إليه مجرور بالفتحة؛ لأنه غير منصرفٍ؛ لوَزْن: أَفْعَل، ويجوز الصَّرف؛ لأنَّ وَزْنه فَوْعَل، ويجوز بناؤه على الضَّمِّ، وهذا من إضافة الموصوف لصفته، أصله: عامًا أوَّلَ. * * * 10 - بابُ بَيْع الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ (باب بيْع الوَلاءِ) بفتح الواو، والمدِّ: هو حقُّ إرْثِ المعتِق من المعتَق، نهى

عن بيعه؛ لأنه لُحْمَةٌ كلُحْمَة النَّسَب. * * * 2535 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبة، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ ابْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، يَقُولُ: نهى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيع الْوَلاَءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ. 2536 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبة، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ". فَأعْتَقْتُهَا، فَدَعَاهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. (بَريرة) بفتح الموحَّدة. (الوَرِق) بكسر الراء: الدَّراهم المضروبة، خيَّرها؛ لأنَّ زوجها كان عبْدًا. وللحديث فوائد كثيرةٌ، ذكر (ن) في "شرح مسلم" منها ثلاثين فائدةً، وصنَّف ابن خُزَيمة فيه تصنيفًا، تقدم بعضها في (باب: إذا شرط في البيع شُروطًا). قال (خ): والنَّهي عن بيْع الرجل ولاءَ عَتيقه بمالٍ يأْخذه، كانت

11 - باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادي إذا كان مشركا؟

العرب تفعله، ويبيع الرجل لصاحبه نسمَةً بشرط أن يُعتقَها، ويكونَ ولاؤُها للبائع، فيضَع لأجل ذلك من الثَّمَن، فيكون من بيع الوَلاء، على ما مرَّ في قِصَّة بَريرة. وكان عبَّاس أُسِر يوم بدْرٍ فيمَن أُسِر، ففاداهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأطلقَهم، فأراد الأنصار أن يتبرَّعوا له بالفِدْية إكرامًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقرابتهم من العبَّاس، إذ كانتْ جدَّتُه من بني النجَّار، تزوَّجها هَاشِم بن عبد مَنَاف، وولدَت له عبد المُطَّلِب، قالوا: ابن أُختنا، فلم يُجبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، فاستُوفيت منه، وصُرفت للغانمين. ودلَّت القِصة أنَّ الأخ لا يعتِق على أخيه؛ لأنَّ عليًّا كان له حقٌّ في الغَنيمة، فلم يَعتِق عليه عَقِيْلٌ، والسَّبْي يُوجب الرِّقَّ، لكنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان مخيرًا بين أن يقتُل البالغين، أو يُفاديهم، أو يمنَّ عليهم إنْ لم يسترقَّهم. * * * 11 - بابٌ إِذَا أُسِرَ أَخُو الرَّجُل أَوْ عَمُّهُ هَلْ يُفَادَي إِذَا كانَ مُشْرِكًا؟ وَقَالَ أَنسٌ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَاديتُ نَفْسِي، وَفَاديتُ عَقِيلًا. وَكَانَ عَلِيٌّ لَهُ نَصِيبٌ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَصَابَ مِنْ أَخِيهِ عَقِيلٍ وَعَمِّهِ عَبَّاسٍ.

(باب: إذا أُسِرَ أخو الرَّجُل أو عمُّه) استنبط البخاري منه أنَّ العمَّ، وابن العَمِّ، ونحوهما من ذوي رَحِمهما [لا] يَعْتِقان على مَن مَلَكَهُما مِن ذوي رحمهما، لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ملَك من عمه العبَّاس ومن ابن عمِّه عَقِيْل بالغنيمة التي له فيها نصيبٌ، وكذا ملك عليٌّ من عمِّه ومن أخيه ولم يَعتقا عليهما، وهو حُجَّةٌ على أبي حنيفة في أنَّ مَن ملَك ذا رحمٍ مَحرمٍ عتَق عليه. (وقال أنس) هو طرَفٌ من حديثٍ تقدَّم في (باب القِسْمة وتعليق القِنْو في المسجد) في (الصلاة). * * * 2537 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسٌ - رضي الله عنه -: أَنَّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ الله - رضي الله عنه -، فَقَالُوا: ائْذَنْ، فَلْنترُكْ لاِبْنِ أختِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: "لاَ تَدَعُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا". (لابن أُخْتنا) بضم الهمزة، وإسكان الخاء؛ لأنَّ الأنصار أخوالُه. * * *

12 - باب عتق المشرك

12 - بابُ عِتْقِ الْمُشْرِكِ (باب عِتْق المُشرِك) 2538 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرني أَبِي: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَاِم - رضي الله عنه - أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، فَلَمَّا أَسْلمَ حَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، وَأَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبةٍ، قَالَ: فَسَألتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كُنْتُ أتحَنَّثُ بِهَا؟ يَعْنِي: أتبَرَّرُ بِهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ". (حَكيم) بفتح المهملَة (ابن حِزام) بكسر المهملَة. (على مائة بعير)؛ أي: في الحجِّ، لما رُوي أنَّه حجَّ في الإسلام ومعه مائة بَدَنةٍ قد جعلَها بالحِيْرة، ووقَف بمائة رقبةٍ وفي أعناقهم أطواقُ الفِضَّة. (أتحنث) بثاءٍ مثلَّثةٍ على الصواب. (أتبرر) براءين، هو من تفسير البخاري من البِرِّ، أي: يطلب البِرَّ بها، ويروى: (أتقَرَّب). (أسلمت على ما سلف لك من خير) هذا أصلٌ لقولهم: الخَيْر عادةٌ. * * *

13 - باب من ملك من العرب رقيقا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية

13 - بابُ مَنْ مَلَكَ مِنَ الْعَرَبِ رَقِيقًا فَوَهَبَ وباعَ وَجَامَعَ وَفَدَى وَسَبَى الذُّرِّيَّة وَقَوْلهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. (باب مَن ملَك من العَرَب) (سَبَى) عطفٌ على (ملَك). (الذرية) نسْل الثَّقَلين، ذرأَ الله الخَلْقَ، أي: خلَقهم. (لا يقدر على شيء) استُدلَّ به على أن العبد لا يملِك المالَ. * * * 2539 - و 2540 - حَدثَنَا ابنُ أَبِي مَريمَ، قَالَ: أَخْبَرَني اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، ذَكَرَ عُرْوَةُ: أَنَّ مَرْوَانَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ، فَسَألوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: "إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ؛ إِمَّا الْمَالَ، وَامَّا السَّبْيَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأنيتُ بِهِمْ". وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - انتظَرَهُم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَة حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبينَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غيْرُ رَادٍّ

إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْينا. فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَأثنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ إِخْوَانكُمْ جَاؤوناَ تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ". فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا ذَلِكَ. قَالَ: "إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأذَنْ، فَارْجِعُوا حَتى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ". فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخْبَرُوهُ: أَنَّهُم طَيَّبُوا، وَأَذِنُوا، فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. وَقَالَ أَنَسٌ، قَالَ عَبَّاس لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَاديتُ نفسِي، وَفَاديتُ عَقِيلًا. الحديث الأول: (المِسْور) بكسر الميم. (هَوَازن) بفتح الهاء، وخِفَّة الواو: قَبيلة. (الطائفة) من السَّبْي: قِطعةٌ منه. (استأنيت) به: انتظرتُه. (يفِيءُ)؛ أي: يرجع الله إلينا من مال الكفَّار، ويُعطيناه خَراجًا أو عَنْوةً.

(العَريف): النَّقيب، وهو دون الرَّئيس. (فهذا الذي بلغنا) من قول الزُّهْري، وكانت هذه الواقعة في سنة ثمانٍ، ومرَّ الحديث في (الوكالة). (فاديتُ) هذا كان في غَزوة بَدْر. * * * 2541 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كتَبْتُ إِلَى ناَفِعٍ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءَ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارَّيهُمْ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُويرِيَةَ. حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ. (بنو المُصْطَلِق) بضم الميم، وكسر اللام: حيٌّ من خُزاعة، وهذه الغزوة كانت سنة ستٍّ. (وهم غارُّون) بتشديد الراء، أي: غافلون، مِن الغِرَّة -بالكسر-. (مقاتلتهم) الطَّائفة البالِغون الذين بصدَد القِتال. (ذراريهم) يجوز في الياء التَّشديد والتَّخفيف. (جُويرية) بضمِّ الجيم مصغَّرٌ: سبَاها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. * * *

2542 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ، فَسَألْنَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهْيَ كائِنةٌ". الرابع: (يحيى بن حَبَّان) بفتح المهملة، والموحَّدة. (العزل) نَزْع الذَّكَر من الفَرْج عند الإنزال، وفي بعضها: (الفِداء). (نَسَمة) بالتَّحريك، أي: إنسان، أي: ما من نفْسٍ كائنةٍ في عِلْم الله. (إلا وهي كائنة)؛ أي: لا بُدَّ من إخراجها من العَدَم إلى الوجود. * * * 2543 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ. وَحَدَّثَنِي ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ،

عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيم مُنْذُ ثَلاَث سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ"، قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُم، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا"، وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". الخامس: (عُمارة) بضم المهملة. السادس: (عن الحارث) بن يَزيد، لم يذكره البخاري إلا مَقْرونًا. (أبي زرعة) اسمه: هَرِم. وفي الحديث دليلٌ على جواز استرقاق العرب وتملُّكهم كسائر فِرَق العجَم، لكنَّ عِتْقَهم أفضل. قال (ط): وتميم كانوا يختارون إخراج أفضل ما عندَهم في الصَّدَقة، فأُعجب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال هذا القَولَ مبالغة في النُّصح لله ولرسوله في جُودة الاختيار للصدَقة، وأنَّ العَزْل غير مكروهٍ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا أخبَروه لم يَنههم عنه، وقال: (إذا قدَّر الله الولَد لم يمنعْه عَزْلٌ، وأَوصَل إلى الرَّحِم ما يكون الولَد منه، وإنْ قلَّ)، وفيه إثبات قِدَم العِلْم وقُدْرَة الله، فلا يكون في مُلْكِه إلا ما يشاء،

14 - باب فضل من أدب جاريته وعلمها

له الخلْق والأمر. * * * 14 - بابُ فَضْلِ مَنْ أَدَّبَ جَاريتَهُ وَعَلَّمَهَا 2544 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْل، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَعَالَهَا، فَأحْسَنَ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، كَانَ لَهُ أَجْرَانِ". (باب فَضْل من أدَّبَ جاريتَه فعلَّمَها) هو الصواب، ويُروى لأبي زَيد: (فَعَالَهَا)، أي: أنفَق عليها. ففيه: أنّ الله ضاعَف أجره بالتعليم والنكاح، فجعلَه كأجْر العِتْق، وفيه الحَضُّ على نكاح العَتيقة، وتَرْك العلوِّ في أمر الدُّنيا، ومَن تواضَع لله في مَنْكَحِه وهو يقدِر على الشَّريفة يُرجى له جزيل الثَّواب. * * * 15 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَبِيدُ إِخْوَانُكمْ، فَأطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأكلُونَ" وَقَوْلهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}. ذِي الْقُرْبَى: الْقَرِيبُ، وَالْجُنُبُ: الْغَرِيبُ، الْجَارُ الْجُنُبُ؛ يَعْنِي: الصَّاحِبَ فِي السَّفَرِ. (باب قَولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "العَبيْدُ إخوانُكم") * * * 2545 - حَدَّثَنَا آدمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا وَاصِل الأَحْدَبُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ - رضي الله عنه - وَعَلَيْهِ حُلَّة، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبتُ رَجُلًا، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟! " ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ إِخْوَانكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ الله تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يأكل، وَلْيُلْبِسْةُ مِمَّا يَلْبَس، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ". (ساببت رجلًا) هو بِلال. (خَوَلَكُم) بالتحريك، أي: خدَمكم وأتباعُكم، جمع خائِل. (أعيَّرته بأُمه) الأفصح تعديتُه بنفْسه.

16 - باب العبد إذا أحسن عبادة ربه، ونصح سيده

(لا تُكَلِّفُوهم) بتشديد اللام، نهي عن التَّكليف ثم عقَّبه بقوله: (فإن كلفتموهم)؛ لأنَّ النهي للتَّنْزيه. وفيه جواز تكليف ما فيه مشقَّةٌ، فإن غلبت وجَب العَون عليها. * * * 16 - بابُ الْعَبْدِ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَنَصَحَ سَيِّدَهُ (باب العَبْد إذا أحسَن عبادةَ ربِّه ونصَحَ) النَّصيحة: كلمةٌ جامعةٌ لحِيازة الحَظِّ للمَنصوح له، وإرادةِ صلاح حالِه، وتخليصه من الخلَل، وتصفيته من الغِشِّ. 2546 - حَدَّئَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ". 2547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالحٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَأدَّبَهَا، فَأَحْسَنَ تأدِيبَهَا، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَدَّى حَقَّ الله

وَحَقَّ مَوَالِيهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ". 2548 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالح أَجْرَانِ". وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ الْجهَادُ فِي سَبِيلِ الله وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَناَ مَمْلُوك. الحديث الأول، الثاني، والثالث: (الصالح) في عبادة ربِّه، ونُصح سيِّده. (والذي نفسي بيده) هذا مدْرَجٌ في الحديث من قَول أبي هريرة؛ لقَوله: (وبِرِّ أُمِّي)، وكلام (خ) يدلُّ على أنه مرفوعٌ، وقال: لله أنْ يمتحِن أنبياءَه وأصفِياءَه بالرِّقِّ كما امتُحن يوسُف - عليه السلام -. قال (ط): ودانْيَال سبَاهُ بُخْتَنَصَّر، والخَضِر حين سُئِل بوجه الله، فقال: لا أملِك إلا رقَبتي، فبِعْني، وانتفعْ بثمَني. (وبر أُمِّي) ماتتْ أمُّه - صلى الله عليه وسلم - وهو طِفْلٌ، فالمراد تعليم الأُمَّة، أو على سَبيل فرْض حياتها، أو المراد حَليْمة السَّعْدية أمُّ الرَّضاعة. وبِرُّ الوالدين السَّعيُ عليهما بالنفَقة والكِسْوة، وكسْب العبد لمولاه، بخلاف خَفْض الجَناح، ولِيْن القَول ونحوهما، فإنه لازمٌ للعبد كما على الحرِّ، وللعبد في عبادة ربِّه أجرٌ، كما في نُصح السيِّد أجرٌ، ولا يتساويان؛ لأنَّ طاعة الله أوجَب من طاعته، وفيه أنَّه ليس

17 - باب كراهية التطاول على الرقيق، وقوله: عبدي أو أمتي

على العبد جهادٌ ولا حجٌّ. * * * 2549 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أبو صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نِعْمَ مَا لأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّده". الرابع: (نعم ما) قال الجَوْهَري: إنْ دخلتْ (نِعْمَ) على (ما)؛ قلت: نِعِمَّا يعظكم به، تجمع بين ساكنين، وإن شئتَ حرَّكت بالكسر، وإنْ شئتَ فتحتَ النون مع كسر العين، انتهى. والمخصوص بالمدح محذوفٌ، ولفظ (يحسن) مبيِّنٌ له. * * * 17 - بابُ كرَاهِيَة التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ، وَقَوْلِهِ: عَبْدِي أَوْ أَمَتِي وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}، وَقَالَ: {عَبْدًا مَمْلُوكًا}، {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا}، وَقَالَ: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ". و {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}: سَيِّدِكَ، "وَمَنْ سَيِّدكم؟ ".

(باب كراهيَة التَّطاوُل) هو التَّجاوُز عن الحدِّ. (قوله)؛ أي: قَول السيِّد. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) هو طرَفٌ من حديثٍ سيأتي في (المَغازي) في قِصَّة سَعْد بن مُعاذ. (قوموا إلى سيِّدكم)؛ أي: سَعْد بن مُعاذ، قال له ذلك حين كان حكَمأ في واقعة بني قُرَيظة، ورجَع متوجِّهًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: مَنْ سيِّدُكم؟. * * * 2551 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُردَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، ويُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ، لَهُ أَجْرَانِ". الحديث الأول: (من الحق)؛ أي: حقِّ الخِدْمة. (والنصيحة) تخليصُه من الفَساد. (والطاعة) لأوامره. * * *

2552 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ قَالَ: "لاَ يَقُلْ أَحَدكمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ. وَلْتقُلْ: سَيِّدِي، مَوْلاَيَ. وَلاَ يَقُلْ أَحَدكمْ: عَبْدِي، أَمَتِي. وَلْيقُلْ: فتايَ، وَفتاتِي، وَغلاَمِي". الثاني: (سيدي ومولاي) المناسب: لربِّك سيِّدك ومَولاك، لكنَّ الأوَّل خطابٌ للسَّادات، والثاني للمَماليك، أي: لا يَقول السيِّد للمَملوك: أَطْعِمْ ربَّك؛ إذ فيه نوعُ تكبُّر، كما لا يقول العبد لفظًا لا تعظيمَ فيه، بل يقول: أطعمتُ سيِّدي ومَولاي، ونحوه. (الفتى) الشَّابُّ. (الفتاة) الشَّابَّة، أمَّا قوله تعالى: {إِنَّهُ رَبِّي} [يوسف: 23]، {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42]، فشرْعُ مَن قبْلَنا، فكما لا ربَّ حقيقةً إلا الله، لا سيِّدَ ومَولى حقيقةً إلا الله، لكن جاز السيِّد دون الرَّبِّ، لأنَّ حقيقة الرُّبوبية مختصةٌ بالله تعالى دون السِّيادة، لأنها ظاهرةٌ، فإنَّ بعض الناس ساداتٌ على آخَرين، وجاء المولى لمعانٍ بعضها لا يصحُّ إلا على المَخلوق. قال (خ): لا يُقال: أطعِمْ ربَّك، لأنَّ العبد مربوبٌ مأمورٌ بإخلاص التوحيد، وتركِ الإشراك، فكُره له المضاهاة بالاسم، أمّا غيره من حيوانٍ وجمادٍ فلا بأس بإطلاق الاسم عليه مع الإضافة، نحو: ربُّ الدار والدابَّة، فلا يُمنع العبد من قول: سيدي ومولاي، لأنه مرجع السيادة،

إذ بيده تدبيره، وحاصل المعاني ترجع لولاية الأمر، لكن لا يقال على الإطلاق، ولا المولى دون إضافةٍ، وكذا المالك لا يقول: عبدي؛ لِمَا فيه من إيهام المضاهاة. قال (ط): جاز قول: عبدي وأمتي؛ لقوله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]، ونُهِيَ عنه على سبيل الغِلْظَة لا على التحريم، وكُره لاشتراك اللفظ في عبد الله، وأمة الله، ولفظة (الرَّبِّ) وإنْ كانت مشتركةً فتقع على غير الخالق نحو: رب الدار، فتختص بالله غالبًا، فلا تُستعمل في المَخلوق، والتَّطاوُل على العبد مكروهٌ؛ لأنَّ الكلَّ عبيد الله، فلما لم يكلِّفنا فوقَ طاقتنا لطفًا بعباده، فنَمْتَثِل طريقته في عبيده. * * * 2553 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ نصَيبًا لَهُ مِنَ الْعَبْدِ، فَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ، يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، وَأُعْتِقَ مِنْ مَالِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ". الثالث: (أعتق)؛ أي: العبدَ بتمامه. (وإلا فقد أعتق منه)؛ أي: نصيبُه، ومرَّ قريبًا. ووجه مناسبة الترجمة: أنه إذا نصح لسيِّده، وطلب عليه الزِّيادة عُدَّ من التطاول، وكذا إطلاق العبد عليه تطاولٌ. * * *

2554 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيتهِ، فَاْلأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيتهِ، وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأة رَاعِيةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهْيَ مَسْؤُولةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهْوَ مَسْؤُول عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُول عَنْ رَعِيتهِ". الرابع: (رعيته)؛ أي: ما يجب عليه رِعايته، ومرَّ في (الجمعة)، و (الاستقراض). * * * 2555 - و 2556 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - وَزيدَ بْنَ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زنَتْ فَاجْلِدُوهَا؛ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ". الخامس: (الضَفِير): الحبل المفتول، مرَّ في وسط (البيع). * * *

18 - باب إذا أتاه خادمه بطعامه

18 - بابٌ إِذَا أَتَاه خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ (باب: إذا أتَى خادمُه بطعامه) 2557 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرني مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أتى أَحَدكمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلي عِلاَجَهُ". (أُكلة أو أُكلتين) بضم الهمزة فيهما، أي: لُقمةً، أو لُقمتين. (وَليَ) إمّا من الوِلاية، أي: تولى ذلك، أو من الوَلْي: وهو القُرب. (علاجه) مصدر عالجته: إذا زاولتَه، وعلاجه كلفة اتخاذه. وفيه الحثُّ على مكارم الأخلاق، والمواساة في الطَّعام، لا سيَّما مَنْ صنَعه وحملَه لتحمُّله حرَّه ودُخانه، فتعلَّقت به نفسُه، وشمَّ رائحتَه. وهذا الحديث تفسير حديث أبي ذَرٍّ في التَّسوية بين السيِّد والعبد، وأنَّه على سبيل الندب، لأنَّه لم يُساوه بسيده في المؤاكلة. * * *

19 - باب العبد راع في مال سيده

19 - بابٌ الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سيِّدِهِ وَنَسَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَالَ إِلَى السَّيِّدِ. (باب: العبد راعٍ) (ونسب) بيَّن به البخاري أنَّ العبد لا يملِك، ومن قال: يملِك؛ احتجَّ بقوله تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ} [النور: 32]. * * * 20 - بابٌ إِذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ (باب: إذا ضرب العبد) 2559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بن أَنسٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ فُلاَنٍ، عَن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعمرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ". (قال فأخبرني) القائل هو ابن وَهْب.

(ابن فلان) هو عبد الله بن زياد بن سَمْعَان، لم يُصرِّح به ابن وَهْب لضعْفه، وأدخله البخاري في المُتابعات لا في الأصول. ودلَّ على الترجمة؛ لأن اجتناب وجه الكافر الجائز القتْل إذا وجَب؛ فاجتناب وجه العبد المُؤمن أَولى. وتمام هذا الحديث: "فإنَّ اللهَ خلقَ آدمَ على صُورتهِ"، وأمر بالاجتناب إكرامًا لآدم لمُشابهته لصُورة المضروب، ومراعاةً لحقِّ الأُبوَّة، والضَّمير راجع للمَضروب.

50 - أبواب المكاتب

50 - أبواب المُكاتب

1 - باب إثم من قذف مملوكه، المكاتب، ونجومه في كل سنة نجم

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيمِ 50 - أبواب المُكاتب 1 - بابُ إثْمِ مَنْ قَذَف مَمْلُوكهُ، الْمُكاتَبِ، وَنُجُومُهُ فِي كلِّ سَنَةٍ نجْمٌ وَقَوْلهِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. وَقَالَ رَوْحٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لاَ، ثُمَّ أَخْبَرَني: أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبةَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: كَاتِبْهُ. فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَيَتْلُو عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، فَكَاتَبَهُ. 2560 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ

عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: إِنَّ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كتَابَتِهَا وَعَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوَاقٍ، نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَنَفِسَتْ فِيهَا: أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً، أَيَبِيعُكِ أَهْلُكِ، فَأُعْتِقَكِ، فَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي؟ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: لاَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا الْوَلاَءُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرِيهَا فَأعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كتَابِ الله، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كتَابِ الله فَهْوَ بَاطلٌ، شَرْطُ الله أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". (باب: المُكاتَب) الكتابة: بيع الرَّقيق لنفْسه بدَينٍ مؤجَّلٍ يُؤدِّيه بنجمين أو أكثَر، وأصل النَّجم: الوقْت، كان العرب يَبنون أمرَهم على طُلوع النَّجم؛ لأنَّهم لا يعرِفون الحِسَاب، فيقول أحدهم: إذا طلَع نجم الثُّرَيَّا أدَّيتُ حقَّك، فسُميت الأوقات نجومًا، ثم سُمِّي المؤدَّى في الوقت نجمًا. (قال رَوْح) بفتح الراء، وصلَه إسماعيل القاضي في "أحكام القرآن". (أتأثُرُه)؛ أي: أتَرويه؟. (وقال عمرو: ثم أخبرني)؛ أي: عطاءٌ.

(سيرين) كأنه تعريب سيرين الذي بمعنى: حلو، والد محمد بن سيرين من سَبْي عَين التَّمر، كاتبه أنَس على عشرين ألف درهمٍ، فأدَّاها، وعتقَ. (فأبى)؛ لأن اجتهاده أدَّى إلى أنَّ أَمْرَ: (فكاتبوهم) ليس للوُجوب، كما أدَّى اجتهاد عمر إلى أنَّه للوجوب. (الدِّرَّة) بكسر الدال، وشدَّة الراء: هي التي يُضرب بها، وهي معروفة. (وقال الليث) وصلَه الذُّهْلي في "الزُّهْريات" عن أبي صالح كاتِب اللَّيث، عن اللَّيث. (في كتابتها)؛ أي: في مال كتابتها، سُمي العقد كتابةً؛ لأن دَينه مؤجَّلٌ، فيحتاج للكتابة تَوثيقًا. (خمس أوَاق) هذا خلافُ ما سيأتي قريبًا. قال الإسماعيلي: الأخبار مصرحة بأنَّها كُوتبت على تسعِ أواقٍ، فإنْ وقَع في الأخبار غلَطٌ في الكتاب فهي في العَدْل خِلاف الأخبار الصَّحيحة، وقال: على خمسة أنجمٍ، إنَّما هو في خبَر هشام: تسع أواقٍ، في كلِّ سنةٍ أُوقيةٌ. (الأواقي) جمع أُوقيةٍ، وهي أربعون درهمًا. (نُجِّمت)؛ أي: وزِّعت وتفرَّقت، يقالُ: نَجَّمتُ المال: إذا أدَّيتَه نجمًا نجمًا.

2 - باب ما يجوز من شروط المكاتب، ومن اشتراط شرطا ليس في كتاب الله

(نَفِست) بكسر الفاء، أي: رَغِبت. (أبيعك) احتجَّ به من جوَّز بيع المُكاتَب، قال بعضهم: يجوز بيعه للعتق لا للاستخدام، وأجاب مَن أبطَل بأنها عجَّزت نفسَها، وفسَخوا الكتابة. (من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل) قال الإسماعيلي: أي: ليس في حُكم الله تعالى جَوازه أو وُجوبه، لا أنَّ كلَّ شرطٍ لم ينطِق به الكتاب باطل؛ لأنه لم يبطُل شرطُه الكفيلَ وغيره من الشُّروط الصَّحيحة. * * * 2 - بابُ مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوط الْمُكاتَبِ، وَمَنِ اشْتَرَاط شَرْطًا لَيْسَ فِي كتَابِ الله فِيهِ عن ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب ما يجوز مِن شُروطِ المُكاتَب) 2561 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كتَابتهَا شَيْئًا، قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كتَابك، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ

3 - باب استعانة المكاتب وسؤاله الناس

أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ، فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لنا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ابْتَاعي فَأعْتِقِي، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ الله؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ الله فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ الله أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". 2562 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا. قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". الحديث الأول، والثاني: (تحتسب)؛ أي: إن أرادت الثَّواب عند الله، ولا يكون لها الوَلاء. (لا يمنعْك) بلفظ النَّهي. (فإنما الولاء لمن أعتق) الحديثَ. * * * 3 - بابُ استعَانَةِ الْمُكاتَبِ وَسؤَالِهِ النَّاسَ (باب استِعانَة المُكاتب) 2563 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ هشَامٍ،

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأعِينيني. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً، وَأُعْتِقَكِ، فَعَلْتُ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي. فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأبوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألنِي فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "خُذِيهَا، فَأعْتِقِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَمَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَت فِي كتَابِ الله؟ فَأيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كتَابِ الله فَهْوَ بَاطلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، فَقَضَاءُ الله أَحَقُّ، وَشَرْطُ الله أَوْثَقُ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ يَا فُلاَنُ، وَليَ الْوَلاَءُ؟ إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". (تسع أواق) لا يُنافي خمس أواقٍ المتقدِّم؛ إذ التَّخصيصَ بالعدد لا يُنافي الزَّائدَ؛ لأن مفهوم العدَد لا اعتبارَ له، ولا يُقال: إنَّ أصل العقد كان بتسعٍ، وعند استِعانتها بعائشة كان الباقي عليها خمسةٌ؛ لأنَّ لفظ: "لم تكن قضَتْ من كتابتها شَيئًا" يدفعُه. (واشترطي لهم) لا إشكالَ فيه، لأنَّ المعنى: اشتَرطي عليهم، كقوله: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]، أو: أظهِري لهم حُكم الوَلاء،

4 - باب بيع المكاتب إذا رضي

والمراد تَوبيخُهم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - بين لهم أنَّ هذا الشَّرط لا يصحُّ، فلمَّا ألَحُّوا في اشتراطه قال ذلك، أي: لا تُبالي به، سواءٌ شرطتِه أم لا، والأصح أنَّه مِن خصائص عائشة، فلا عُمومَ له، والحِكْمة في إذْنه ثم إبطاله أنَّه أبلَغ في قطْع عادتهم وزَجْرهم عن مثله، وتقدَّم في (كتاب الصَّلاة) و (الزكاة). وصنّف ابن خُزَيمة مجلَّدًا في فَوائد هذا الحديث. (في كتاب الله) قال (ط): أي: في حُكم الله من كتابٍ، أو سنةٍ، أو إجماعٍ. وفيه دليلٌ على تكسُّب المكاتَب بالسُّؤال، وهو طيِّب لمواليه اعتبارًا باللَّحم الذي هو صدقة، وللنبيّ - صلى الله عليه وسلم - هدية. وفيه أنَّ العقد لا يُوجب العتْقَ حتى يُؤدِّيَ تمامَ المال، وهو عبدٌ ما بقِيَ عليه درهمٌ، وجواز كتابة الأَمَة المزوَّجة بغير إذن الزَّوج، وإن كان يَؤُول لفراقها إياه، وأن للمرأة أن تتَّجِر بمالها وتعتق دون إذْن زوجها، وأكثرَ النَّاسُ من تخريجِ وجوه حديث بَرِيْرة، فبلغت مائةَ وجهٍ. * * * 4 - بابُ بَيْع الْمُكاتَبِ إِذَا رَضيَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ عَبْد إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ وإنْ

جَنَى، مَا بقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (باب: بيع المُكاتب) (وقالت عائشة) وصَله ابن أبي شَيبة. (وقال زيد) وصَلَه الشافعي. (وقال ابن عمر) وصَلَه مالك. * * * 2564 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ الله عَنْهَا، فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً، فَأُعْتِقَكِ، فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ بَرِيرَةُ ذَلِكَ لأَهْلِهَا، فَقَالُوا: لاَ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا. قَالَ مَالِكٌ، قَالَ يَحْيَى: فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". (مائة شرط) (¬1) بمعنى المصدر؛ ليوافق ما جاء في رواية: "مائة مرَةٍ". ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، وليس في الترجمة ولا الحديث الذي ساقه البخاري فيها هذا اللفظ. نعم في الحديث الذي يليه جاء قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مئة شرط".

5 - باب إذا قال المكاتب اشتري وأعتقني، فاشتراه لذلك

(زعمت)؛ أي: قالتْ، والزَّعم يُستعمل بمعنى القَول المُحقَّق. * * * 5 - بابٌ إِذَا قَالَ الْمُكاتَبُ اشْتَرِي وَأَعْتِقْنِي، فَاشْتَرَاهُ لِذَلِكَ وأسقط (ك) (باب: إذا قال المكاتب: اشترني).

51 - كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها

51 - كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 51 - كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها (بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كتاب الهبة هي تمليكٌ بلا عِوَضٍ، وهي أنواعٌ: كالإبْراء، والصَّدقة، فهبة الدَّين ممن عليه إبراءٌ، ولثَواب الآخرة صدقةٌ، وبالنَّقل إكرامًا هديةٌ. 2566 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارتها، وَلَوْ فِرْسنَ شاةٍ". الحديث الأول: (يا نساء المسلمات) ويُروى: (المؤمنات)، فيه ثلاثة أوجهٍ: المختار: نصب (النساء)، وجرِّ (المسلمات) على الإضافة، من إضافة الموصوف إلى صفته، كمسجد الجامع على الأصح الأشهر، قاله (ع).

والبصريون يتأوَّلونه على حذف الموصوف وإقامة صفته مُقامه، أي: نساء الجماعات المسلمات. وقيل تقديره: يا فاضلاتِ المسلماتِ، كما يقال: هؤلاء رجالُ القوم، أي: أفاضلهم. والكوفيون لا يقدِّرون محذوفًا، ويكتبون باختلاف الألفاظ للمغايرة. ووجَّه ابن رُشْد بأن الخطاب يوجه لنساءٍ بأعيانهن، أَقْبَلَ بندائه عليهنَّ، فصحَّت الإضافة على المدح لهن، فالمعنى: يا فاضلات المسلمات، كما تقدم. وعن ابن عبد البر إنكار الإضافة، وردَّه ابن السِّيْد بأنه نَقَلَتْه الرُّواة وتساعده اللُّغة، قال: وتوجيه ابن رشد يُقال فيه: وإنْ خاطَب نساءً بأعيانهنَّ فلم يقصِد تخصيصَهن به بل غيرهنَّ كذا، فالخطاب للعموم. والثاني: رفعهما، فرفع الهمزة منادى مفرد، وإن كان غير علَم، كقوله تعالى: {يَا جبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10]، ورفع التاء صفةٌ على اللفظ، نحو: يا أيُّها النِّساء المؤمنات. والثالث: رفع (النساء) ونصب التاء من (المسلمات)، نحو: يا زيدُ العاقلُ، والعاقلَ بالنصب صفةٌ على الموضِع، وعلامة النصب في جمع المؤنَّث الجرُّ. (لجارتها) متعلِّقٌ بمحذوفٍ، أي: لا تحقِرنَّ جارةٌ هديةً لجارتها، وبالَغ حتى ذكَر أحقَر الأشياء.

(فِرْسِن) بكسر الفاء، والسين، وإسكان الراء: عظْمٌ قليل اللَّحم من البعير كالحافِر للدَّابَّة، والظِّلْف من الغنَم، والقَدَم من الإنسان، ويُستعار للشَّاة، ونون (فِرْسِن) زائدةٌ، وقيل أصلية. وهذا النهي لمُعطية الهديَّة، أي: لا تمتنِع جارةٌ من هديةٍ لاستقلالها واحتقار الموجود عندها، بل تجودُ بما تيسَّر وإنْ قلَّ كفِرسَن شاةِ، فهو خيرٌ من العدَم. وفيه المُبالغة في قَبول القليل من الهدية، لا إعطاء الفِرْسِن؛ لأنَّ أحدًا لا يُهديه، وقيل: النهي للمُهْدَاة عن الاحتِقار. * * * 2567 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُويسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ناَرٌ. فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتِ: الأَسْوَدان التمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - جِيرَان مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ألبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا. الثاني: (الأُويسي) بضم الهمزة.

(ابن حازم) بالمهملة، والزاي. (رُومان) بضم الراء. (لعروة ابن) بالنَّصب على النِّداء. (إن كنا لننظر) بكسر الهمزة، والنُّون مخفَّفةً من الثَّقيلة، والضَّمير مستترٌ، ولهذا دخلت اللام في الخبر. (ثلاثة أهلة) يجوز في (ثلاثة) الجرُّ والنَّصب. (في شهرين)؛ أي: تكمل الشَّهرين، وتنظر إلى هلال الشهر الثَّالث. (يعيشكم) من التَّعييش، وفي بعضها: (يُعشِّيكم) من التَّعشية. (الأسودان) من التَّغليب؛ فإن غالب تمر المدينة أسود، والماء ليس بأسود؛ لكن غُلِّبَ الأشهَر كالعُمَرين والقمَرين، وهذا الحديث مصرِّحٌ أن التفسير من قول عائشة. قال صاحب "المُحْكَم": فسَّره أهل اللغة بالتَّمر والماء، وعندي أنها أرادت الحرَّة واللَّيل، لأن التَّمر والماء عندهم شِبَعٌ ورِيٌّ لا سَغَبٌ، فأرادت عائشة أن تُبالغ في شدَّة الحال، وتنتهي لحالةٍ لا يكون معها إلا الحرَّة واللَّيل، وهو أذهبُ في سُوء الحال من التمر والماء. (جِيران) بكسر الجيم. (منائح) جمع مَنِيْحة، فهي كالعَطيَّة وزنًا ومعنًى، وهي شاةٌ أو

2 - باب القليل من الهبة

ناقةٌ فيها لبنٌ تُعطيها غيرَك ليَحتلِبَها ثم يَردَّها عليك، وقد تكون المَنِيْحة عطيَّةً للرَّقَبة بمنافعها مؤبَّدةً كالهبة. (يَمْنَحون) بفتح أوله وثالثه، وبضم أوله، وكسر ثالثه: يجعلونَها له مِنْحة أو عاريَّة. وفي الحديث الأول حَضٌّ على التَّهادي والتُّحَف ولو باليَسير؛ لمَا فيه من استِجلاب المودَّة، وإزالة العَداوة، ودوام المُعاشرة، والهديَّةُ اليَسيرة أدلُّ على المودَّة، وأخفُّ للمَؤونة، وأسهل على المُهدي. وفي الثاني صبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التقلُّل من الدُّنيا، وأخْذ البُلْغة من العَيش، وحجةٌ لمن آثَر الفقر على الغِنَى، وأنَّ الواجِد يُواسي المُعدِم. * * * 2 - بابُ الْقَلِيلِ مِنَ الْهِبَةِ (باب القَليل مِن الهبة) 2568 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ".

3 - باب من استوهب من أصحابه شيئا

(ذراع) هو السَّاعد. (أو كُرَاع): ما دون الرُّكبة من السَّاق المُستدِقِّ، يُؤنث ويُذكَّر، جمعه: أكْرُع، وجمع أكْرُع: أَكارع. وأغرَب الغزاليُّ في أنَّ الكُرَاع هنا كُرَاع الغَمَم: المَوضِع البعيد من المدينة، واحتجَّ به لإجابة الدَّعوة من المكان البَعيد؛ لكن حكَى في "مرآة الزَّمان" الوجهَين. * * * 3 - بابُ مَنِ استوْهَبَ مِنْ أَصْحابِهِ شَيْئًا وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا". (باب مَن استَوهَب) (وقال أبو سعيد) هو طرَفٌ من حديث الرُّقية المتقدِّم في (الإجارة). (سهما)؛ أي: من الغنَم الحاصلِ من رُقية اللَّدِيغ بالفاتحة المتقدِّم. * * * 2569 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَة مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَكانَ لَهَا غُلاَمٌ نَجَّارٌ، قَالَ لَهَا: "مُرِي عَبْدَكِ فَلْيَعْمَلْ لنا أَعْوَادَ الْمِنْبَرِ"، فَأمَرَتْ عَبْدَهَا، فَذَهَبَ فَقَطَعَ مِنَ الطَّرْفَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ

مِنْبَرًا، فَلَمَّا قَضَاهُ أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسِلِي بِهِ إلَيَّ". فَجَاءُوا بِهِ، فَاحْتَمَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَهُ حَيْثُ تَرَوْنَ. الحديث الأول: (امرأة) اسمها: مِيْناء، بكسر الميم. (من المهاجرين) قال الدِّمْيَاطي: صوابه: مِن الأنْصار. (غُلام) باقُوم، بالموحَّدة، والقاف. (فليعمل)؛ أي: ليَفعلْ لنا فِعْلًا. (في أعواد)؛ أي: من نَجْرٍ، وتَسويةٍ، وخَرْطٍ يكون منه مِنْبَر. (قضاهُ)؛ أي: صنَعه وأحكمَه. قال (خ): ويقَع عمَّا يُعالج من الأشياء، ويعتمل بثلاثة ألفاظٍ: فِعْل، وصُنْع، وجَعْل، وأجمَعُ معناها: الفِعل، وأوسعُها استعمالًا: الجَعْل، وأخصُّها: الصُّنْع، تقول: فُلانٌ فَعَلَ خيرًا أو شرًّا، والجَعْل يَسترسِل على الأعيان والصِّفات، والصُّنْع يُستعمل غالبًا فيما يدخلهُ التَّدبير. * * * 2570 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَنْزِلٍ فِي

طَرِيقِ مَكَّةَ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ناَزِلٌ أَمَامَنَا وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ، وَأَناَ غيْرُ مُحْرِمٍ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَناَ مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُوني بِهِ، وَأَحَبُّوا لَوْ أنِّي أَبْصَرْتُهُ، وَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأسرَجْتُهُ، ثُمَّ ركِبْتُ وَنسَيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: ناَوِلُوني السَّوْطَ وَالرُّمْحَ. فَقَالُوا: لاَ وَاللهِ، لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا، ثُمَّ ركبْتُ، فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يأكلُونه، ثُمَّ إِنَّهمْ شَكُّوا فِي أكلِهِمْ إِيَّاهُ، وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا، وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي، فَأدْركْنَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَألْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ"؟ فَقُلْتُ: نعمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأكلَهَا، حَتَّى نفَدَهَا وَهْوَ مُحْرِمٌ. فَحَدَّثَنِي بِهِ زَيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قتادَةَ. الثاني: (أبو حازم) سَلَمَة. (أبو قتادة) الحارث. (السَّلَمي) بفتح السين، واللام. (أخْصف): أَخْرِزُ: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} [الأعراف: 22]، أي: يُلزِقان البعض بالبعض. (إلى الفرس) اسمه جَرَادة، رواه البخاري في (الجهاد). (فشددت) بتخفيف الدال، أي: حملْتُ عليه.

4 - باب من استسقى

(هم حُرم) بضمتين. (فأدركنا) بإسكان الكاف. (نفَدَهَا) بتشديد الفاء، وإهمال الدال، أي: أكلَها حتى أفنَاها، مِن نَفِدَ الشَّيء: إذا فَنِيَ، ومنهم مَن يكسر الفاء المخفَّفة. وفيه أنَّ لَحْم الصَّيد لا يحرُم على المُحرِم إذا لم يَصِدْه أو يُعِنْ عليه، ومرَّ في (الحج). (فحدثني زيد) القائل: فحدَّثني، هو محمد بن جعفر، أي: فحدَّثني بعد ذلك بالحديث المذكور: زيدُ بن أسلَم أيضًا. فأراهُم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حِلَّهُ عِيَانًا بأكله منه؛ ليُؤنسَهم مما تحرَّجُوا منه، واستيهاب الصَّديق المُلاطِف حسَنٌ إذا علم أن باستِيهابه تَطيب نفسُهُ ويسرُّه. * * * 4 - بابُ مَنِ اسْتَسْقَى وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِنِي". (باب مَن استَسقَى) (وقال سهل) هو طرَفٌ من حديثٍ يأتي في (الأشربة). * * *

5 - باب قبول هدية الصيد

2571 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو طُوَالَةَ -اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: أتاناَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي دارِناَ هَذِهِ، فَاسْتَسْقَى، فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا، ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ، فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِه، وَعُمَرُ تُجَاهَهُ وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبو بَكْر، فَأعْطَى الأَعْرَابِيَّ، ثُمَّ قَالَ: "الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ، أَلاَ فَيَمِّنُوا". قَالَ أَنسٌ: فَهْيَ سُنَّةٌ، فَهْيَ سُنَّةُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. (أبو طُوَالة) بضم الطَّاء: عبد الله بن عبد الرَّحمن. (شُبتهُ) بضم الشِّين وكسرها، أي: خلَطْتُه. (من ماء) عُدِّيَ الفعل هنا بـ (مِن)، وتقدَّم تعديته في (الشُّرب) بباءٍ، وهما صحيحان، يقوم حرف الجرِّ مقام أخيه. (تُجاهه) بضم التاء، أي: مُقابِلَه، أصله: الوُجَاه، كقولهم: عليه التُّكلان. (الأيْمَنُون الأيْمَنُون) بالرَّفع بتقدير مبتدأ مضمرٍ، أي: المُقدَّم. * * * 5 - بابُ قَبُولِ هَدِيَّةِ الصَّيْدِ وَقَبِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَبِي قتادَةَ عَضُدَ الصَّيْدِ.

(باب قَبول هديَّة الصَّيْد) 2572 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدِ بْنِ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأدْركتُهَا فَأخَذْتُهَا، فَأتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَرِكهَا أَوْ فَخِذَيْهَا -قَالَ: فَخِذَيْهَا، لاَ شَكَّ فِيهِ- فَقَبِلَهُ. قُلْتُ: وَأكلَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَأكلَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ. (أنْفَجْنَا) بفتح الهمزة، وإسكان الجيم، أي: أشَرْنا. (بِمَرِّ الظَّهْرَان) بفتح الميم، وشدَّة الراء، والظَّاء المعجمة: موضِعٌ قريب من مكة. (فَلَغَبُوا) بفتح الغين المعجمة، وفي لغة ضعيفة بكسرها، أي: تَعِبُوا. * * * 2573 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ - رضي الله عنه -: أنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهْوَ بِالأَبْوَاءَ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: "أَمَا إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أنَا حُرُمٌ".

7 - باب قبول الهدية

(لم نُرَدَّهُ) سبق في (الحج). * * * 7 - بابُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ (باب قَبول الهديَّة) 2574 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يتحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، يبتَغُونَ بِهَا -أَوْ يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ- مَرْضَاةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (يبتغون) من البُغية، ويُروى: (يَتبَعون) بعين مهملةٍ. * * * 2575 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَهْدَتْ أُمّ حُفَيْدٍ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا، فَأكلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَقِطِ وَالسَّمْنِ، وَتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَو كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

الثاني: (أُمُّ حُفَيْد) بضم المُهملَة مُصغَّرًا. (أضُبا) جمع ضَبٍّ، مثل كَفٍّ وأكُفٍّ: دُوَيبةٌ لا تَشرب الماءَ. * * * 2576 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَألَ عَنْهُ: أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ قَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَلَمْ يأكل، وإنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - فأكل مَعَهُمْ. 2577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ فَقِيلَ: تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، قَالَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ". 2578 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِي بَرِيرَةَ، وَأَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا وَلاَءَهَا، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَقِالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا تُصُدِّقَ

عَلَى بَرِيرَةَ، هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، وَخُيِّرَتْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: زَوْجُهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ؟ قَالَ شُعْبةُ: سألتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ زَوْجِهَا، قَالَ: لاَ أَدْرِي أَحُرٌّ أَمْ عَبْدٌ. الثالث، والرابع، والخامس: (أهدية أم صدقة) بالرفع على الخبر، أي: أَهذا؟، وبالنَّصب بتقدير فعل، أي: أتَيتُم به. * * * 2579 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أبو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ: "عِنْدكُم شَيْءٌ"؟ قَالَتْ: لاَ، إِلَّا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنَ الشَّاةِ الَّتي بُعِثَت إِلَيْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ: "إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". السادس: (بلغت مَحِلها) بكسر الحاء، يقَع على المَوضِع والزَّمان، أي: صارتْ حَلالًا بانتقالها من الصدقة إلى الهديَّة، وتقدَّم في (الزكاة). * * *

8 - باب من أهدى إلى صاحبه، وتحرى بعض نسائه دون بعض

8 - بابُ مَنْ أَهْدَى إِلَى صَاحِبِهِ، وَتَحرَّى بَعْضَ نِسَائِهِ دُونَ بَعْضٍ (باب مَنْ أهدَى إلى صاحبه) 2580 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كانَ النَّاسُ يتحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمُ يَوْمِي. وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِنَّ صَوَاحِبِي اجْتَمَعْنَ، فَذَكَرَتْ لَهُ، فَأعْرَضَ عَنْهَا. 2581 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ حِزْبَيْنِ: فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ، فَإذَا كانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَّرَهَا، حَتَّى إِذَا كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا

شَيْئًا، فَسَألْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا، فَقُلْنَ لَهَا: فَكَلِّمِيهِ، قَالَتْ: فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دارَ إِلَيْهَا أَيْضًا، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا، فَسَألْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا، فَقُلْنَ لَهَا: كلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ. فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: "لاَ تُؤْذِيني فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي، وَأَناَ فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ"، قَالَتْ: فَقَالَتْ: أتوبُ إِلَى اللهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ: "يَا بُنَيَّةُ! أَلاَ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ"؟ قَالَتْ: بَلَى، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ، فَأَخْبَرتهُنَّ، فَقُلْنَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ، فَأَرْسَلْنَ زينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَأتته فَأَغْلَظَتْ، وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا، حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ، وَهْيَ قَاعِدَةٌ، فَسَبَّتهَا، حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَكَلَّمُ؟ قَالَ: فتكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ، حَتَّى أَسْكَتتهَا، قَالَتْ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَائِشَةَ، وَقَالَ: "إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ". قَالَ الْبُخَارِيُّ: الْكَلاَمُ الأَخِيرُ قِصَّةُ فَاطِمَةَ يُذْكرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ: كَانَ النَّاسُ يتحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَجُلٍ مِنَ الْمَوَالِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ عِنْدَ

9 - باب ما لا يرد من الهدية

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَأذَنَتْ فَاطِمَةُ. (ابنة أبي بكر) فيه إشارةٌ للشَّرَف والفَضْل والفَهْم. * * * 9 - بابُ مَا لاَ يُرَدُّ مِنَ الْهَدِيَّة (باب ما لا يُرَدُّ) 2582 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَزرَةُ بنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَنَاوَلَنِي طِيبًا، قَالَ: كَانَ أَنس - رضي الله عنه - لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ، قَالَ: وَزَعَمَ أَنسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَرُدُّ الطيبَ. (أبو مَعْمَر) بفتح الميمَين، مشهورٌ بعبد الله المُقعَد. (أبو ثُمَامة) بضمِّ المثلَّثة، وتخفيف الميم. (لا يَرُدُّ الطيب) بضمِّ الدَّال؛ لأنه مُلازِم لمناجاة الملائكة، ولذلك كان لا يَأْكُل الثُّوم ونحوه. * * *

10 - باب من رأى الهبة الغائبة جائزة

10 - بابُ مَنْ رَأَى الْهِبَةَ الْغَائِبَةَ جَائِزةً (باب مَن يَرى الهبة الغائبةَ جائزةً) 2583 - و 2584 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: ذَكَرَ عُرْوَةُ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ قَامَ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانكُمْ جَاءُوناَ تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا"، فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا لَكَ. (من أحب) جوابه محذوفٌ، أي: فليَفعلْ، صرَّح به فيما مضى. (يفيء الله) لو حُمل الفَيء على معنى الرُّجوع لكان أعمَّ من المعنى الاصطِلاحيِّ الفِقهيِّ. * * * 11 - بابُ الْمُكافَأَةِ فِي الْهِبَة (باب المُكافأة في الهبة) 2585 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ

12 - باب الهبة للولد

أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ ويُثِيبُ عَلَيْهَا. لَمْ يَذْكُرْ وَكيعٌ، وَمُحَاضِرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. (يثيب)؛ أي: يُكافئ عليها بأنْ يُعطيَ صاحبَها العِوَضَ. (مُحاضر) بضم الميم، مِن المُحاضَرة ضد المُغايَبة، ابن المُورِّع بتشديد الراء المكسورة، ولم يُسند إلى هشام، عن أبيه، عن عائشة، بل أَرسلاه. والهدية على ضَربين: هديَّة مُكافأةٍ، وهديَّة صِلَةٍ، فالمُكافأة فيه عِوَض المُهدي كالبيع، والصِّلَة بلا عِوَض. قال مالك فيمَن وهَب هبَةً يَطلُب ثَوابها: يُنظَر؛ فإن كان يَطلُب ثوابَها من الموهوب له، فله ذلك، كالفقير للغني، لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]، وقيل: لا تَنعقد الهبَة للثَّواب؛ لأنها بيعٌ بثمَنٍ مجهولٍ، ومَوضع الهبة التَّبرُّع، فلو أَوجبنا فيها العِوَضَ بطَل معنى التَّبرُّع. * * * 12 - بابُ الهبة للولد وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ، حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَيُعْطِيَ

الآخَرِينَ مِثْلَهُ، وَلاَ يُشْهَدُ عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ". وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرجِعَ فِي عطيَّته؟ وَمَا يأكل مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يتعَدَّى. وَاشْتَرَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا، ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ وَقَالَ: "اصْنع بِهِ مَا شِئْتَ". (باب الهِبة للوَلَد) (ولا يُشْهَد عليه) بضمِّ أوله، وفتح ثالثه، عطفٌ على قوله: (لم يَجُز)، أي: لا يجوز للشُّهود أن يشهَدوا عليه؛ لامتناع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها: (يَشهَد) بدون كلمة (لا)، والأُولى هي المناسِبة لحديث عَمْرة. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) أخرجه الطَّحاوي، ويَأتي موصولًا في الباب الذي بعدَه. (وما يأكل من مال ولده) مناسبة هذه الزِّيادة للحديث جَواز الرُّجوع له، فهو كأكله من ماله بالمَعروف، لأنه إذا تبرَّع بما يأْكله من ماله الأصلي ولم يَتقدَّم له فيه ملْكٌ فلأَنْ يتبرَّعَ بحقِّه السَّابِق أَولى. (واشترى النبي - صلى الله عليه وسلم - من عُمر بعيرًا وأعطاهُ ابن عُمر) فيه تأكيدٌ للتَّسوية بين الأولاد في الهبَة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لو سأَل عُمر أن يَهبَهُ لابنه عبد الله لم يكُن عدلًا بين بني عُمر، فلذلك اشتَراه ووهبَه. * * *

13 - باب الإشهاد في الهبة

2586 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أَنَّ أَبَاهُ أتى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا، فَقَالَ: "أكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ"؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: "فَارْجِعْهُ". (نحلت): وهبتُ. (فارجعه) صريحٌ في أنَّ الوالد له الرجوع في هبة ولَده، ويدلُّ على قبْضٍ متقدِّمٍ، وليس في حديث النُّعمان دلالةٌ على أكل الرَّجل أو ولَده، لكن إذا جاز للوالِد انتزاع ما وهبَه لولده دون حاجةٍ؛ فلأَنْ يجوز أكلُه من ماله عند الحاجة أَولى. * * * 13 - بابُ الإِشْهَادِ فِي الْهِبَةِ (باب الإشْهاد في الهبة) 2587 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ

14 - باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها

بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا"؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: "فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أوْلاَدِكُمْ"، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. (حُصين) بمهملتين، مصغَّرٌ. (فأمرتني) يدلُّ أنَّ الأمر لا يستلزم العلُوَّ، ولا الاستِعلاء. وفيه التسوية في الهبة بين الأولاد الذُّكور والإناث، فلو وهَب بعضَهم دون بعضٍ صحَّت الهبَة مع الكَراهة، وقال أحمد: حرامٌ وظلمٌ؛ لرواية: "لا أَشْهَدُ على جَوْرٍ"، وأُجيب: الجَوْر: المَيْل عن الاعتدال، فالمكروه جَورٌ أيضًا، وعارضَه: "أشهِدْ عليه غَيري"، وقد نحلَ الصِّدِّيقُ عائشةَ، وعُمرُ عاصِمًا دون أولادهما. * * * 14 - بابُ هِبَة الرَّجُلِ لاِمْرَأَتِهِ وَالْمَرْأةِ لِزَوْجِهَا قَالَ إبْرَاهِيمُ: جَائِزَةٌ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لاَ يَرْجِعَانِ. وَاسْتَأذَنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيتِ عَائِشَةَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئهِ". وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: هَبِي لِي بَعْضَ صَدَاقِكِ أَوْ

كلَّهُ، ثُمَّ لَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى طَلَّقَهَا، فَرَجَعَتْ فِيهِ قَالَ: يَرُدُّ إِلَيْهَا إِنْ كَانَ خَلَبَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَعْطَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، لَيْسَ فِي شَيْء مِنْ أَمْرِهِ خَدِيعَةٌ، جَازَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}. (باب هِبَة الرَّجُل لامرأته) (قال إبراهيم) النَّخَعي، وصَلَه عبد الرَّزاق، والطَّحَاوي. (وقال عُمر) وصَله عبد الرزاق. (واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -) يأتي وصله آخر (المغازي). (أن يُمَرَّض) بتشديد الرَّاء، أي: يلبَث في مرَضه. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) سيأتي موصولًا آخره. (وقال الزُّهْري) وصَلَه ابن وهْبٍ. (يَرُدُّ)؛ أي: الزَّوجُ الصَّداقَ إليها. (خَلبها) بفتح المعجَمة، أي: خَدَعَها. * * * 2588 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَام، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: لَمَّا ثَقُلَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَذَكَرْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ

عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي: وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: هُوَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. الحديث الأول: (مَعْمَر) بفتح الميمين. (رجل آخر) لم تسمِّه عائشة، وسمَّت العبَّاس لمُلازمته للنبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع أزمنَة خُروجه، لا أنها تركتْه لعداوةٍ، حاشاها عن ذلك. * * * 2589 - حَدثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئهِ". الثاني: (في مبيته): مُقتضى القياس أن يُقال: العائِد إليها، وهو المُراد، كما يُقال: تعاود القَوم في الحرب، أي: عادَ كلُّ فريق إلى صاحبه فيها، قال الله تعالى: {أوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88]، أي: لتعودُنَّ إلينا في الملَّة. وهذا ظاهرٌ في تحريم الرُّجوع في الهبة؛ لاتصاف الراجِع بصفةٍ ذميمةٍ يُساهمه فيها أنجَس الحيوانات في أخسِّ الحالات، ويُشارك الكلب في رجوعه في قَيئه الأسَد والسِّنَّور، وهو عامٌّ في كل واهبٍ، لكنْ

15 - باب هبة المرأة لغير زوجها، وعتقها إذا كان لها زوج، فهو جائز إذا لم تكن سفيهة، فإذا كان سفيهة لم يجز، قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}

خصَّصه حديث النُّعمان، ورُجوع الوالد ليس رُجوعًا في الحقيقة، لأنَّ الولَد ومالَه لأبيه، فربَّما اقتضت المصلحة الرجوع تأديبًا، فالشَّافعي جوّز عَود الوالد، وأبو حنيفة عَوْدَ الأجنبي، ومالك غير الزَّوجين. * * * 15 - بابُ هِبَةَ الْمرْأَةِ لِغَيرِ زوجِهَا، وَعِتقُهَا إِذَا كانَ لَهَا زوجٌ، فَهْوَ جَائِزٌ إِذَا لَمْ تَكنْ سَفِيهَةً، فَإِذا كانَ سَفِيهَةَ لَمْ يجُزْ، قالَ الله تعَالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} (باب هِبة المرأةِ لغير زَوجها) 2590 - حَدَّثَنَا أبَو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لِي مَالٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، فَأتَصَدَّقُ؟ قَالَ: "تَصَدَّقِي، وَلاَ تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ". الحديث الأول: (لا توعي فيوعى عليك) بالنَّصب جوابُ النَّهي، وكذا: * * *

2591 - حَدَّثنا عُبيدُ اللهِ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَنْفِقِي، وَلاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللهُ عَلَيْكِ، وَلاَ تُوعِي فَيُوعي اللهُ عَلَيْكِ". الثاني: (لا تحصي فيحصي الله)؛ أي: لا تجمَعي في الوِعاء، وتَشُحِّي بالنَّفقة فيشحَّ عليك، وتُجازَي بضِيْق رزقك. * * * 2592 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاس: أَنَّ مَيْمُونة بِنْتَ الْحَارِثِ رَضِي اللهُ عَنْهَا أَخْبَرتْهُ: أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَليدَةً وَلَمْ تَسْتَأذِنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أنّي أَعْتَقْتُ وَليدَتِي؟ قَالَ: "أَوَفَعَلْتِ"؟ قَالَتْ: نعمْ، قَالَ: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِيهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ". 2592 / -م - وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ: إِنَّ مَيْمُونة أَعْتَقَتْ. الثالث: (أوَ فَعَلتِ) بفتح همزة الاستفهام، والواو.

16 - باب بمن يبدأ بالهدية

(أنك) بفتح الهمزة، وتخفيفها، أي: حقًّا. (أنك) بفتح الهمزة. * * * 2593 - حَدَّثنا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: (حِبَّان بن موسى) بكسر الحاء، وباء موحدة. * * * 16 - بابٌ بِمَنْ يُبْدَأُ بِالْهَدِيَّةِ 2594 - وَقَالَ بَكْرٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ مَيْمُونة زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْتَقَتْ وَليدَةً لَهَا، فَقَالَ لَهَا: "وَلَوْ وَصَلْتِ بَعْضَ أَخْوَالِكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجرِكِ". * * *

17 - باب من لم يقبل الهدية لعلة

(باب: بمن يُبدأُ بالهديَّة) (وقال بكر) وصَله في الباب قبلَه. 2595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْم بْنِ مُرَّةَ-، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي جَارينِ، فَإِلَى أيِّهمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا". (أقربهما منك بابًا) نصبٌ على التَّمييز. * * * 17 - باب مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ لِعِلَّةِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتِ الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً، وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ. (باب مَن لم يَقبل) (وقال عُمر) وصَله ابن سعد بقصَّةٍ فيه. (رشوة) مثلَّثة الرَّاء. * * *

2596 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُ: أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِمَارَ وَحْشٍ، وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّهُ، قَالَ صَعْبٌ: فَلَمَّا عَرَفَ فِي وَجْهِي رَدَّهُ هَدِيَّتِي قَالَ: "لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا حُرُمٌ". الحديث الأول: (الصعب) ضِدُّ السَّهل. (جثَّامة) بفتح الجيم، وشدة المثلَّثة. (بالأبْوَاء) بفتح الهمزة، وسكون الموحَّدة، والمَدِّ. (بِوَدَّان) بفتح الواو، وشدة المهملة، وبالنون: مكانان بين مكة والمدينة. (عرف في وجهي)؛ أي: عَرف أثَر الرَّدِّ مِن كراهتي لذلك. (رده) مصدر مَفعول عَرَف. (ليس بنا)؛ أي ليس بسبَبنا وجَّهت الرَّدَّ، إنما سبَبه كوننا مُحرِمين. (حُرم) جمع: حَرامٍ، بمعنى المُحْرِم، كقَذَالٍ وقُذُل، وتقدَّم في (الحج). وفيه أنَّه لا يجوز قَبول ما لا يحلُّ، والاعتِذار إلى الصَّديق. * * *

2597 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: "فَهَلَّا جَلَس فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغاء، أَوْ بقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ -ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ، حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ- اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ثَلاَثًا". الثاني: (أبو حُميد) مصغَّرٌ، عبد الرحمن. (ابن اللُتْبِية) بضم اللام، وسكون الفَوقانية، وكسر الموحَّدة. وقيل: بضمِّ الهمزة بدَل اللام، والأصح اللام، نسبةً إلى بني لُتْب، قَبيلة معروفة. (منه)؛ أي: من الصدقة. (رغاء) صَوت ذَوات الخُفِّ من بعيرٍ ونحوه. (خوار) بضم المعجَمة: صَوت البقَر، واليُعَار بضم التحتانية: صوت الشَّاة، ومنه: (تَيْعَر) بفتح المثنَّاة من فَوق، وإسكان التحتانية، وفتح العين وكسرها، يُقال: يَعَرت العَنْز تَيْعَرُ يُعْارًا، أي: صاحتْ. وجواب (إنْ) الشَّرطية محذوف، تقديره: يحملُه على رقَبته، دلَّ عليه المذكور.

18 - باب إذا وهب هبة أو وعد ثم مات قبل أن تصل إليه

(عُفْرَة إبطيه) بضم العين وفتحها، والفاء ساكنةٌ، وفي بعض الأُصول فتحها، والعُفْرَةُ: بياضٌ ليس بالنَّاصِع يَعلوه حُمرةٌ. (هل بلغت)؛ أي: قد بلَّغتُ، أو هو استفهامٌ تقريريٌّ. وفيه أنَّ هَدايا العمال يجب أن تُجعل في بيت المال، ليس لهم فيها شيءٌ إلا أنْ يَستأذنوا الإمامَ. * * * 18 - بابٌ إِذَا وَهَبَ هِبَةً أَوْ وَعَدَ ثمَّ مَاتَ قبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ وَقَالَ عَبِيدَةُ: إِنْ مَاتَ وَكَانَتْ فُصِلَتِ الْهَدِيَّةُ وَالْمُهْدَى لَهُ حَيٌّ فَهْيَ لِوَرثتهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فُصِلَتْ فَهْيَ لِوَرثةِ الَّذِي أَهْدَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: أيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَهْيَ لِوَرثَةِ الْمُهْدَى لَهُ إِذَا قَبَضَهَا الرَّسُولُ. (باب: إذا وَهَب هبةً) قال الإِسْماعِيْلي: ترجمة الباب لا تَدخل الهبة بحالٍ، بل عِدَةٌ على وَصْفٍ إذا وُجد صحَّ الوعدُ، لكن لمَّا كان وَعْد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يُخلَف؛ جعل وعدَه بمنزلة الضَّمان في الصحة فَرْقًا بينه وبين غيره من الأُمة ممن يجوز أن يَفي وأن لا يَفي.

(وقال عَبِيْدة) بفتح المهملَة السَّلْمَاني، ومعنى قول عَبِيْدة حديثٌ رواه أحمد، والطَّبَراني عن أُمّ كُلْثُوم. (إن ماتا)؛ أي: المُهدي، والمُهدَى له. (فصلت الهدية) من الفَصْل، وفي بعضها: (وصلَت) بالواو، ومعناهما القبض، فالواصِل بالنَّظَر للمُهدَى له، والفَصْل بالنَّظَر للمُهدي؛ لأنَّ حقيقة الإقْباض لا بُدَّ لها من فَصْل الموهوب عن الواهِب، ووصلِه للمُتَّهِب. قال مالك وأحمد: تتمُّ الهبَة بالكلام دون القَبض كالبيع، والشَّافعي، وأبو حنيفة: لا تتمُّ إلا بالقَبْض. * * * 2598 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، ثَلاَثًا"، فَلَمْ يَقْدَمْ حَتَّى تُوُفِّي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِدَةٌ أَوْ دينٌ فَلْيَأْتِنَا، فَأتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَعَدَنِي، فَحَثَى لِي ثَلاَثًا. (ثلاثًا)؛ أي: ثلاثَ حَثَياتٍ، وسبق في (الكفالة) أنَّ كلَّ حثْيةٍ كانت خمس مائةٍ، وفعْل الصِّدِّيق كان تطوُّعًا ليس بلازمٍ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا قضَى أبو بكر شيئًا منها، بل فعلَه اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومتابعةً لفعله؛ إذْ كان أوفَى الناس بعدَه، وأصدقَهم بوعده.

19 - باب كيف يقبض العبد والمتاع؟

19 - بابٌ كَيْفَ يُقْبَضُ الْعَبْدُ وَالْمَتَاعُ؟ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ". (باب: كيف يقبض العبد؟) (قال ابن عمر) تقدَّم في (البيوع). (صعب) أصعَبَ البَعيرُ فهو صَعْبٌ؛ إذا تركتَه فلم تَرْكبْه، حتى صار صَعْبًا. (فاشتراه)؛ أي: من عمر، لا من ابنه، ويأتي قريبًا. * * * 2599 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبِيَةً، وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ! انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي، قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، فَقَالَ: "خَبَأْناَ هَذَا لَكَ"، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: رَضِيَ مَخْرَمَةُ. (مَخْرَمة) بفتح الميم، والراء، وسُكون المعجمة بينهما. (فانطلقت معه) فيه ردٌّ على مَن قال: لم يَروِ المِسْور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

20 - باب إذا وهب هبة فقبضها الآخر ولم يقل: قبلت

ولم يَسمع منه. وفيه ائتِلاف القُلوب، وحُصول القَبْض بمجرَّد النَّقْل للمُهدى له، ولمَّا عُلم أن قبْض المتاع بالنَّقل؛ عُلم منه حكم العَبْد المذكور في التَّرجمة، وحُكم غيره من المَنقولات. * * * 20 - بابٌ إِذَا وَهَبَ هِبَةً فَقَبَضَهَا الآخَرُ وَلَمْ يَقُل: قَبِلْتُ 2600 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ"؟ قَالَ: وَقَعْتُ بِأهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "تَجدُ رَقَبةً"؛ قَالَ: لاَ، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"؟ قَالَ: لاَ، قالَ: "فتسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا"؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ -وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ- فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: "اذْهَبْ بِهَذَا فتصَدَّقْ بِهِ"، قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا بينَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك". (باب: إذا وهَبَ هِبَةً فقبضَها الآخَر) قال الإسماعيلي: ليس في الحديث أنَّه أعطاه هديةً، فلعلَّه كان

21 - باب إذا وهب دينا على رجل

صدقةً، فيكون قاسِمًا لا واهِبًا. (ابن محبوب) ضدُّ مبغوض. (والفَرَق) بفتحتين. (المِكْتل) بكسر الميم: الزَّنْبيل. (لابتيها) جمع لابَة: حَرَّتان تَكتنفانها، والحَرَّة: أرضٌ فيها حجارةٌ، وسبق في (الصوم). واختيار البخاري أنَّ القبْض كان بدُون: قَبلتُ، وللشافعية أن يَقولوا: هذه صدَقةٌ لا هِبَةٌ، فلا تحتاج قَبولًا. * * * 21 - بابٌ إِذَا وَهَبَ دَيْنًا عَلَى رَجُل قَالَ شُعْبةُ، عَنِ الْحَكَم: هُوَ جَائِزٌ. وَوَهَبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِي -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- لِرَجُلٍ دينَهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيُعْطِهِ، أَوْ لِيتحَلَّلْهُ مِنْهُ"، فَقَالَ جَابِرٌ: قُتِلَ أَبِي وَعَلَيْهِ دينٌ، فَسَألَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غرَمَاءَهُ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي، وَيُحَلِّلُوا أَبِي. (باب: إذا وهَبَ دَينًا على رجُل) ومثْله الإبراء، وشرْطه أن يكون المتَّهِب هو مَن في ذمَّته الدَّين لا غيرُه.

(قال شعبة) وصَله ابن أبي شَيبة. (عن الحَكَم) بفتحتين، هو ابن أبي عُتَيْبَة، مصغَّر العَتبة. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصَله مُسدَّد في "مُسنده". (أو ليتحلله) التحلُّل: الاستِحلال من صاحبه. (وقال جابر) وصلَه في الباب بأتمَّ منه. * * * 2601 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِم، فَأتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمْتُهُ، فَسَألهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي، ويُحَلِّلُوا أَبِي، فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَائِطِي، وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ، وَلَكِنْ قَالَ: "سَأغْدُو عَلَيْكَ"، فَغَدَا عَلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ، وَدَعَا فِي ثَمَرِهِ بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا، فَقَضَيْتُهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَبقِيَ لَنَا مِنْ ثَمَرِهَا بقِيَّةٌ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ جَالِسٌ، فَأَخْبَرتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "اسمَعْ -وَهْوَ جَالِسٌ- يَا عُمَرُ"، فَقَالَ: أَلَّا يَكُونُ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؟ وَاللهِ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ. (وقال اللَّيث) وصَله الذُّهْلي في "الزُّهريَّات"، ويأتي في (النبوَّة).

22 - باب هبة الواحد للجماعة

(ابن كعب) يحتمل أن يكون عبد الرحمن، أو عبد الله؛ لأنَّ الزُّهْري يَروي عنهما، والظاهر أنَّه عبد الله؛ لأنه يروي عن جابر. (يحللوا)؛ أي: يجعلوه في حِلٍّ بإبراءِ ذِمَّته. (ثمر حائطي) بالمثلَّثة، وفي بعضها: (تمر) بالمثنَّاة. (ولم يكسره)؛ أي: لم يَكسِر التَّمر من النَّخل لهم، أي: لم يُعيِّن لهم، ولم يَقسم عليهم. (بذلك)؛ أي: بقضاء الحُقوق، وبَقاء الزِّيادة، وظُهور بركة دُعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كأنَّه عَلَمٌ من أعلام مُعجِزاته، ومرَّ في (القَرض). (ألا يكون) بتخفيف اللام، وفي بعضها بتشديدها، والمقصود تأكيدُ عِلْم عُمر، وضمُّ حُجَّةِ أُخرى لحُجَجه السَّالفة. * * * 22 - بابُ هِبَة الْوَاحِدِ لِلْجَمَاعَةِ وَقَالَتْ أَسْمَاءُ لِلْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي عَتِيقٍ: وَرِثْتُ عَنْ أُخْتِي عَائِشَةَ بِالْغَابَةِ، وَقَدْ أَعْطَانِي بِهِ مُعَاوِيَةُ مِائَةَ ألفٍ، فَهُوَ لَكُمَا. (باب هِبَة الواحِد للجَماعة) قال الإسماعيلي: ليس في حديثه هِبَةٌ للجَماعة ولا للواحد، بل هو شَرابٌ شَرِب منه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثم سقَى على وجه الإباحة والنَّفْع، كما

لو قدَّم للضَّيف طَعامًا، وقوله للغُلام: (أتأذَن؟) ليس للإباحة، بل لسُنَّةِ الابتداء بالأَيمن، وللأَشياخ حقُّ السِّنِّ. قال (ش): ويُؤخَذ منه تقدُّم الفَضيلة المتعلِّقة بالذَّات على المتعلِّقة بالمكان، قال: ويحتمِل خلافَه. (وابن أبي عَتيق) هو عبد الله بن أبي عَتيْق، محمد بن عبد الرَّحمن بن أبي بَكْر. (الغابة) بغين معجمةٍ، وبالموحَّدة: هي الأجَمَة، موضِعٌ بالحِجاز، أعطاها مُعاوية في ثلُثها مائةَ ألف وما باعتْها منه. * * * 2602 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِك، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينهِ غلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِه الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "إِنْ أَذِنْت لِي أَعْطَيْتُ هَؤُلاَءَ"، فَقَالَ: مَا كُنْت لأُؤثرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَدًا، فتلَّهُ فِي يَدِهِ. (ابن قَزَعة) بفتح القاف، والزَّاي. (تَلَّهُ) بتشديد اللام، أي: دفَعَه إليه، ومرَّ الحديث في (الشُّرب). والمقصود منه الرَّدُّ على الحنَفية في إبطالهم هِبَة المُشَاع؛ لأنَّ

23 - باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة

النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سأل الغُلام أن يهَب نصيبَه من اللَّبَن للأشياخ وكان مُشاعًا. * * * 23 - بابُ الْهِبَة الْمَقْبُوضةِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضةِ، وَالْمَقْسُومَة وَغَيْرِ الْمَقْسُومَةِ وَقَدْ وَهَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحَابُهُ لِهَوَازِنَ مَا غَنِمُوا مِنْهُم وَهْوَ غيْرُ مَقْسُومٍ. (باب الهِبةِ المَقبوضَة) (وقد وهب النبي - صلى الله عليه وسلم -) سيأْتي موصولًا في الباب الذي يَليه بأتمَّ منه. (وأصحابه) بالرفع والنصب. (لِهَوَازن) قَبيلةٌ معروفةٌ، أي: وهبَهم ما غَنِم منهم. (غير مقسوم) يَلزم منه أنْ يكون غيرَ مقبوضٍ أيضًا؛ لأن قبْض الجُزء الشَّائع بقبْض الجميع، ولم يُقبض الجميعَ للجميع. * * * 2603 - وَقَالَ ثَابتٌ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مُحَارِب، عَنْ جَابِر - رضي الله عنه -: أتيْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ، فَقَضَانِي وَزَادني.

2604 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا غنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ مُحَارِبٍ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: بِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيرًا فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا أتيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: "ائْتِ الْمَسْجدَ فَصَلِّ ركعَتَيْنِ"، فَوَزَنَ. قَالَ شُعْبةُ: أُرَاهُ فَوَزَنَ لِي فَأرْجَحَ، فَمَا زَالَ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى أَصَابَهَا أَهْلُ الشَّأْمِ يَوْمَ الْحَرَّةِ. الحديث الأول: (مِسْعَر) بكسر الميم. (يوم الحَرة)؛ أي: يومَ الوَقْعة التي كانت حَوالي المدينة عند حَرَّتها من جهة يَزيد بن مُعاوية، وبين أهل المدينة سنة ثلاثٍ وستين. والهِبَة غيرُ المقسومة هي هبة المُشاع، قال أبو حنيفة: إن كان المُشاع مما يُقسَم لم تجُزْ هبَته، وجوَّزها الجمهور؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - وهَب حقَّه المُشَاع من غنائم حُنَين لهوازِن، ووهَب الفضْل من السِّن في القرض مُشاعًا، ووهب الرُّجْحان على ثمن البعير مُشاعًا، واستَوهب نصيب الشُّرب من الغُلام كذلك. * * * 2605 - حَدَّثَنَا قتيْبة، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْد - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ، وَعَنْ يَمِينهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِه أَشْيَاخٌ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "أتأذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءَ"؟ فَقَالَ

24 - باب إذا وهب جماعة لقوم

الْغُلاَمُ: لاَ، وَاللهِ لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، فتَلَّهُ فِي يَدِهِ. 2606 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعْبة، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: "دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا -وَقَالَ:- اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهَا إِيَّاه". فَقَالُوا: إِنَّا لاَ نَجدُ سِنًّا إِلَّا سِنًّا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: "فَاشْتَرُوهَا فَأعْطُوهَا إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً". الثاني، والثالث: (ابن جَبَلة) بفتح الجيم، والموحَّدة، مرَّ في (الوحي). (فهمَّ به أصحابه)؛ أي: قصَدوا زَجْرَه، مرَّ في (الوكالة). (وإن من خيركم أحسنكم) بالنَّصب اسم (إنَّ)، ويُروى: (فإنَّ خيركم)، فيُرفع: (أحسنكم). * * * 24 - بابٌ إِذَا وَهَبَ جَمَاعَةٌ لِقَوْم 2607 - و 2608 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَم وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ،

فَسَألوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: "مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ وإمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كنْتُ اسْتَأنيتُ". وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - انتظَرَهُم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبينَ لَهُم أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - غيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإنَّ إِخْوَانكُمْ هَؤُلاَءِ جَاءُوناَ تَائِبِينَ، وإنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ"، فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا يَا رَسُولَ اللهِ لَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُم فِيهِ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ"، فرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. وَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. هَذَا آخِرُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، يَعْنِي: فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا. (باب: إذا وهَب جماعةٌ أو وهَب رجلٌ جماعةً جاز) وجه الاستنباط الأول: أن الصَّحابة وهَبوا هَوَازن السَّبْيَ المُشاعَ لم يَقسِموه، فيُردُّ على أبي حنيفة في منعْ هِبَة المُشاع. ووجهه في الثَّاني: أنهم فعَلوا ذلك بشَفاعته - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّه وعَد الهبة لمن تَطيب نفسه، فكأنَّه الواهِبُ إذ تسبَّب في الهبَة.

25 - باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق

(من يرون)؛ أي: من العسكر، وهذا هو المرَّة الرابعة من ذكر هذا الحديث. ووجه مطابقتِه للتَّرجمة: أنَّ الغانمين وهبُوا لهم، وفي بعض التَّراجم: (أو وَهَب رجلٌ جماعةً)، وحينئذ فهو إمَّا لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان له سهمٌ فيهم فوهبَه لهم، وإمَّا لأنَّهم وهَبوا له، وهو وهَب لهم، وهذا كان قبْل القِسْمة والقَبْض. (حتى يرفع) قالوا: بالرَّفع أجْوَد. * * * 25 - بابٌ مَنْ أُهْدِيَ لَهُ هَدِيةٌ وَعِندَهُ جُلَسَاؤُهُ فَهْوَ أَحَقُّ وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ جُلَسَاءَهُ شُرَكَاءُ؛ وَلَمْ يَصِحَّ. 2609 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ أَخَذَ سِنًّا، فَجَاءَ صَاحِبُهُ يتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: "إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا"، ثُمَّ قَضَاهُ أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ وَقَالَ: "أَفْضَلُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". 2610 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ

عَمْرٍو، عَنِ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَكَانَ عَلَى بَكْرٍ لِعُمَرَ صعْبٍ، فَكَانَ يتقَدَّمُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُ أَبُوهُ: يَا عَبْدَ اللهِ! لاَ يتقَدَّمِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "بِعْنِيهِ"، فَقَالَ عُمَرُ، هُوَ لَكَ، فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ قَالَ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ". (باب مَن أهُدِيَ لهُ هديةٌ وعنده جُلساؤه) وجه مطابقته لحديث التَّقاضي: أنَّه وهبَه الفضلَ بين السنَّين، فامتاز به دون الحاضِرين. (لم يصح)؛ أي: عن ابن عبَّاس. (وَيُذكر) وإنْ كان صيغة تمريضٍ، فلا دلالةَ في اللَّفظ على عدَم الصِّحة. ووجه مناسبة الحديث للترجمة: أنَّ الزِّيادة على حقِّه كانت هديةً، والفضْل بين السنَّين أختصَّ به المُتقاضي دون الحاضِرين. وعن أبي يوسُف القاضي: أنَّ الرَّشيد أَهدى إليه مالًا كثيرًا وهو جالسٌ مع أصحابه، فقيل له: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "جُلَساؤُكم شُرَكاؤكم"، فقال أبو يوسُف: لم يَرِدْ في مثْل هذا، بل فيما خَفَّ من الهدايا كالمَأْكولات، والمَشْروبات. * * *

26 - باب إذا وهب بعيرا لرجل وهو راكبه، فهو جائز

26 - بابٌ إِذَا وَهَبَ بَعِيرًا لِرَجُلٍ وَهْوَ رَاكبُهُ، فَهُوَ جَائِزٌ (باب: إذا وهَبَ بعيرًا) 2611 - وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، وَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "بِعْنِيهِ، فَابْتَاعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ". (وقال الحُميدي) وصَلَه أبو نُعَيم في "المُستخرَج". * * * 27 - بابُ هَدِيةِ مَا يُكرَهُ لُبْسُهَا (باب هديَّةِ حُلَّةٍ سِيَراء) بكسر السِّين، وفتْح التَّحتانية، وبالراء. قال (ع): رُوي صفةً، وبالإضافةِ، والأصحُّ أنها كانتْ من الحَرير الخالِص. * * *

2612 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حُلَّة سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوِ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَللْوَفْدِ؟ قَالَ: "إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ". ثُمَ جَاءَتْ حُلَلٌ، فَأعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، وَقَالَ: أكسَوْتَنِيهَا وَقُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ: "إِنِّي لَمْ أكسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا"، فَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا. الحديث الأول: (لا خَلاقَ له)؛ أي: هي لباسُ مَن لا نَصيبَ له فى الآخِرة مِن كفَّارٍ، وغيرهم. (عُطَارِدٍ) منصرِفٌ، علَمُ رجلٍ تميميٍّ يَبيع الحُلَل. (أخَا لهُ) قيل: أخَوه من أُمِّه، أو مِن الرضاعة، أو أخُو أخِي عُمر، ومرَّ في (الجمُعة). * * * 2613 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أبو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أتى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ، فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا سِتْرًا مَوْشِيًّا"، فَقَالَ: "مَا لِي وَللدُّنْيَا"،

فَأتاهَا عَلِيٌّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لِيَأمُرْني فِيهِ بِمَا شَاءَ، قَالَ: "تُرْسِلُ بِهِ إِلَى فُلاَنٍ"؛ أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ. الثاني: (مَوْشِيًّا) بفتح الميم، وكسر الشين، وشدَّة التَّحتانية، وزنة: مَرْضِيًّا، مِن وشَيْتُ الثَّوب فهو مَوْشِيٌّ، ومُوَشَّى، إذا رقَمتَه ونقَشتَه، وهو خلْطُ لَونٍ بلونٍ. وكَرِه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحرير لفاطمة تَرغيبًا لها في الآخِرة، فلم يَرضَ لها تَعجيل طيِّباتها، ونَهى عنه؛ لأنَّه إسرافٌ. قال (ك): أو لأنَّ فيها صُوَرًا، ونُقوشًا. * * * 2614 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زيدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: أَهْدَى إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةً سَيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. الثالث: (ترسلي) أصلُه تُرسلِينَ، وحذْف النُّون بدُون ناصبٍ وجازمٍ لغةٌ فصيحةٌ، أو تقديره: آمُرُكِ أن تُرسلي، فحُذف لدلالة السِّياق عليه. (إلى فلان أهلِ) بالجَرِّ.

28 - باب قبول الهدية من المشركين

(بين نسائي) أراد زَوجتَه وأقاربَه؛ لقوله في الرِّواية الأخرى: (بين الفَواطِم)، إذْ لم يكن لعليٍّ زوجةٌ في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سِوى فاطمة، وقولُ علي: (فرأيت الغضب في وجهه) يدلُّ أنَّ النَّهي للكَراهة، ولو كان للتَّحريم لعَرف من نَهيهِ لا مِنَ الوَجْه. * * * 28 - بابُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِسَارَةَ، فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ، فَقَالَ: أَعْطُوهَا آجَرَ". وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ. وَقَالَ أبو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ. (باب قَبُول الهديَّة) (وقال (¬1) أبو هريرة) سيَأْتي مَوصولًا في (أحاديث الأنبياء). (سارة) بتخفيف الرَّاء، هي زَوجة إبراهيم، أُم إسحاق، عليهم السلام. ¬

_ (¬1) في الأصل "سأل"، والصواب المثبت.

(آجر) بفتحتَين، بوزْن فاعَل، وفي بعضِها: (هَاجَر) قُلبت الهمزة هاءً. (وأُهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم -) ذكَره مَوصولًا في هذا الباب. (فيها سم)؛ أي: مَسمُومة، أهدتْه امرأةٌ اسمها زَينب بخَيبر. (وقال أبو حميد): تقدَّم مُطوَّلًا في (الزَّكاة). (أيلة): بفتح الهمزة، وسُكون التَّحتانية: بلدةٌ على ساحل البحر، آخرَ الحِجاز وأولَ الشَّام. (ببحرهم) بباءٍ موحَّدةٍ، أي: كتَب لهم أنَّ حُكومة بلَدهم وأرضهم له، هذا هو الظَّاهر، لا البَحْر الذي هو ضِدُّ البَرِّ. * * * 2615 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونس بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسٌ - رضي الله عنه - قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا". 2616 - وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ: إِنَّ أُكيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

الحديث الأول: (لمناديل) جمع مِنْدِيل: وهو الذي يُحمَل في اليَدِ، مشتقٌّ من النَّدْل، وهو النَّقْل؛ لأنَّه يُنقَل من يدٍ إلى يدٍ، وقيل: النَّدل: الوَسَخ. وفي ضَرْب المثَل بها إشارةٌ لمنْزلة سَعْدٍ في الجنَّة، وأن أدنى ثِيابه فيها خيرٌ من هذه الجُبَّة؛ لأنَّ المِنْديل أدنى الثِّياب؛ لأنَّهُ وقايةٌ يُنتدل به (¬1) لصَون الثياب عن الوسَخ، ويُمسح بها الأيدي، ويُنفَض بها الغُبار، فهي كقوله تعالى: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54]. ووجْه تخصيص سَعْد: أنَّ الوقت اقتضَى استِمالة قَلْب سعدٍ، أو كان مِنْديلُه من جنْس ذلك الثَّوب لَونًا ونحوَه، أو كان اللَّامِسُون المتعجِّبون من الأنصار، فقال: مِنْديلُ سيِّدكم خيرٌ منها، أو كان سعْدٌ يحبُّ جنْسَ هذا الثَّوب. وفي "الاستِيعاب": نزَل جبريل في جنازته مُعتَجِرًا بعِمامةٍ من إِستبرق. (سعيد)؛ أي: ابن أبي عَرُوبة، وصَلَه أحمد، وفي بعضها: (شُعبَة). (أكُيدر) بضم الهمزة، وفتْح الكاف، وسُكون التَّحتانيّة: هو أكُيْدِر بن عبد الملِك الكِنْدي النَّصراني مَلِك (دُوْمَة) الجَنْدَل، بضم الدَّال وفتحها، الجَنْدَل: مدينةٌ بقُرب تَبوك، في أرض نخلٍ وزرعٍ، لها حِصنٌ ¬

_ (¬1) "به" ليس في الأصل.

عالي، والجَنْدَل: الحِجارة، والدُّومَة: مُستدارُ الشيءِ ومُخَيَّمُهُ، سُميت بذلك؛ لأن مكانَها مُجتمَع الأحجار. وفي "مسلم": أهدَى أُكيْدِر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثَوبَ حريرٍ، فأعطاه عليًّا، فقال: شقَقتُه خُمُرًا بين الفَواطِم. واختلَفوا، فقيل: بقيَ على نصرانيَّته، وفي "الجامع" ذكَر البَلاذَري: أنَّه لمَّا قَدِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدَّ، فلمَّا سار خالدٌ من العراق إلى الشام قتلَه. * * * 2617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ يَهُودِيَّةً أتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأكلَ مِنْهَا، فَجيءَ بِهَا فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: "لاَ"، فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (لَهَوَات) بالفتْح، جمع: لَهَاةٍ، في أقصى سقْف الفَم. قال (ع): هي اللَّحْمة التي بأَعلى الحَنْجَرة من أقصى الفَم. والمعنى: أنَّ السُّمَّ أثر في لَهَوات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت عائشةُ تُشاهد ذلك الأثَر. * * *

2618 - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كنا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ"؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً -أَوْ قَالَ- أَمْ هِبةً"؟ قَالَ: لاَ، بَلْ بَيعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً، فَصُنِعَتْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى، وَايْمُ اللهِ مَا فِي الثَّلاَثِينَ وَالْمِائَةِ إِلَّا قَدْ حَزَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا؛ إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وإن كَانَ غَائِبًا خَبَأ لَهُ، فَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ، فَأكلُوا أَجْمَعُونَ، وَشَبِعْنَا، فَفَضَلَتِ الْقَصْعَتَانِ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ. الثالث: (مُشْعَان) بضم الميم، وسُكون المعجمة، وشدَّة النون، وفي بعضها بكسر الميم، أي: مُنتَشِر الشَّعر. (أو قال) شكٌّ من الرَّاوي في أنَّه قال: هِبَةً، أو عَطيَّةً. (بيعًا أو عطية) نصبٌ على المصدر، ويجوز على الحال بتقدير: أتدفعُها بائعًا، ويجوز الرَّفع، أي: أَهذه؟. (فصنعت)؛ أي: ذُبحت. (سواد البطن) قال (ن): الكَبِد، قال (ك): اللَّفظ أعمُّ منه.

29 - باب الهدية للمشركين

(حُزة) بضمِّ المهملة: قِطْعةٌ من اللَّحم وغيره، وفي بعضها: (جزة) بفتح الجيم. وفيه معجزتان: تَكثير سَواد البَطْن حتى وَسِع هذا العدد، وتكثير الصَّاع ولحم الشَّاة حتى أشبعَهم أجمعين. (ففضلت) فَضْلةٌ حَملوها لعدَم الحاجة إليها. وفيه المُواساة في الطَّعام عند المسغَبة، ليتَساوى النَّاسُ فيه، وثبتَ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - ردَّ بعضَ هدايا المُشرِكين مثلَ هدية عِيَاضِ بنِ حمار، وقال: "إنَّا لا نَقبَلُ زبَدَهم"، أي: رِفْدَهم، بخلاف مَن طَمِع في إسلامه، وتأْليفه لمصلحةٍ يرجوها للمُسلمين، ومن لم يكن كذلك ردَّ هديتَه، أو قبِل من أهل الكِتاب، وردَّ من المشركين. * * * 29 - بابُ الْهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكينَ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}. (باب الهديَّة للمُشرِكين) 2619 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةً عَلَى رَجُلٍ تُبَاعُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ تَلْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإذَا جَاءَكَ الْوَفْدُ، فَقَالَ: "إِنَّمَا يَلْبَس هَذَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ". فأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأرْسَلَ إِلَى عُمَرَ مِنْهَا بِحُلَّةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ ألبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: "إِنِّي لَمْ أكسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا"، فَأرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. الحديث الأول: (خالد بن مَخْلَد) بفتح الميم واللام، تقدَّم حديثُه مِرارًا. * * * 2620 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمُّي -وَهْيَ مُشْرِكَةٌ- فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: وَهْيَ رَاغِبةٌ، أفأصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: "نعمْ، صلِي أُمَّكِ". الثاني: (قدمتْ) بسكون التَّاء. (أُمي) هي: قَيْلَة، بفتح القاف، وسُكون التَّحتانية، وقيل: قُييلة، مصغَّر القِبلة، بكسر القاف، بنت عبد العُزَّى العامِريَّة القُرَشيَّة، وأسماء وعائشة كانتا أُختين من أبٍ، وقيل: كانت أُمَّهما من الرضاعة.

30 - باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته

(راكبة)؛ أي: طالبةً للبِرِّ والصِّلة، متعرِّضةً له. وفيه اختصارٌ يُوضِّحه روايتُه في غير هذا المَوضع. وقيل: قَدِمتْ عليَّ أُمي وهي راغبةٌ، أي: عن الإسلام كارهةٌ له، ورُوي: (راغِمة) بالميم، أي: ساخِطةٌ للإسلام. وفيه أنَّ الرَّحِم الكافِرة تُوصَل بالبِرِّ كالرَّحِم المُسلِمة. وفي "الكشَّاف": قدمَتْ على أسماء أُمُّها قَيلَة -وهي مشركةٌ- بهدايا، فلم تَقبلْها، فنزلت: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} [الممتحنة: 8] الآية، فأمرَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقَبول والإكرام. * * * 30 - بابٌ لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ (باب: لا يَحلُّ الأَخْذ) 2621 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبةُ، قَالاَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئهِ". الحديث الأول: (مسلم) بكسر الميم المخفَّفة، مرَّ الحديث قريبًا. فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرُّجوعَ في الهبة حرامًا كالرُّجوع في القَيء.

وحُجَّة الكوفيين أن الرُّجوع في القَيء هو للكلْب لا للرَّجل، والكلب غير متعبَّدٍ بتحليلٍ وتحريمٍ، فلا يُمنعَ الواهب من الرُّجوع، فيدلُّ على تَبرئة أُمَّته من أمثال الكِلاب، لا أنَّه أبطَل رُجوعهم في هباتهم. * * * 2622 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ لنا مَثَلُ السَّوْءَ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئهِ". 2623 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَألْتُ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لاَ تَشْتَرِهِ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ". الثاني، والثالث: (حملت على فرس)؛ أي: تصدَّقتُ به، ووهبتُه ليُقاتَل عليه في سبيل الله. (فأضاعه)؛ أي: قصَّر في القِيام بعلَفه.

31 - باب

(لا تشتره) نَهيُ تنْزيهٍ لا تحريمٍ. * * * 31 - بابٌ (باب) 2624 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ بَنِي صُهَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ جُدْعَانَ ادَّعَوْا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى ذَلِكَ صُهَيْبًا، فَقَالَ مَرْوَانُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ، فَدَعَاهُ، فَشَهِدَ لأَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صُهَيْبًا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً، فَقَضَى مَرْوَانُ بِشَهَادتهِ لَهُمْ. (بني جُدْعَان) تقدَّم أنَّه بضم الجيم، وسُكون المهملَة الأُولى، اشتَراه وأعتقَه قبل البِعثة. (مروان) هو ابن الحكَم بن أبي العاص الأُموي، كان واليًا بالمدينة. (لكما) لفظُه مثنًّى وإنْ كان (بني صُهيبٍ) جمعٌ؛ لأنَّ أقلَّ الجمع اثنان. (لأعطى) بفتح اللام، كأنَّه جعَل للشَّهادة حُكم القَسَم، أو يقدَّر فيه قسَمٌ، وقضَى بشهادته وحدَه مع يمين المُدَّعي، ولم يُذكر في الحديث. * * *

32 - باب ما قيل في العمري والرقبى

بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ 32 - بابُ مَا قِيلَ فِي الْعُمْرَي وَالرقْبَى أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهْيَ عُمْرَى: جَعَلْتُهَا لَهُ، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}؛ جَعَلَكُمْ عُمَّارًا. (باب ما قِيْلَ في العُمْرَى) هي أن يقول الرَّجل لصاحبه: أَعمَرتُك داري، أي: جعلْتُها لك مدَّةَ عُمرك، فإذا اتصلَ به القبْضُ كان تمليكًا لرقبتِها، ولذلك سمَّاها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هِبَةً، حيث قال: "إنها لمَن وُهبتْ له"، فإذا صارتْ له في حياته فهي لورثتِه مِن بَعده. قال مالك: هي تمليكُ المنفعة دُون الرَّقَبة حياتَه، فإنْ ماتَ رجعت الرَّقبة للمُعمِر. ولها أنواعٌ مذكورةٌ في الفقه. (والرُّقْبَى) أن يقول: أرقبتُك داري، إذا أعطيتَها إياه، وقلتَ: إذا مِتُّ قبلَك فهي لك، وإنْ مِتَّ قبلي فهيَ لي، مشتقةٌ من الرُّقُوب، كان كلَّ واحدٍ منهما يرتقِب موتَ صاحبه. وحكمها حُكم الهبَة، وهذا الشَّرط -وهو: إنْ متَّ قبلي فهي لي- لغوٌ، وأنكر مالكٌ، وأبو حنيفة الرُّقْبَى، وقالا: لا اعتبارَ بها.

(عُمَّارًا) بتشديد الميم، مع ضمِّ العين، وفي "الكشاف": استَعمركم، أي: أحلَّكم بالعِمارة، وقيل: استَعمركم مِن العمُر، نحو: استبقاكُم من البقاء، أو استَعمر بمعنى: أعمَر، كاستَهلَك بمعنى: أهلَك، أي: أعمَركم فيها ديارَكم، ثم يَرثُها منكم بعد انقضاء أعمارِكم. * * * 2625 - حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَضَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعُمْرَى أَنَهّاَ لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ. الحديث الأول: (قضى بالعُمْرَى أنها لمن وهبت له): (أن) هنا مفتوحةٌ، تقديره: بأنها. * * * 2626 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعُمْرَى جَائِزَة". الثاني: (النَّضْر) بالمعجمة. * * *

33 - باب من استعار من الناس الفرس

33 - بابُ مَنِ اسْتَعَارَ مِنَ النَّاسِ الْفَرَسَ (باب مَن استَعار) 2627 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ قتادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا يَقُولُ: كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِي فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ: الْمَنْدُوبُ، فَرَكِبَ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: "مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْناَ لَبَحْرًا". (المندوب): المَطلُوب، مرادفُ المَسنُون، مِن النَّدْب، أي: الرَّهن الذي يُجعَل في السِّباق، وقيل: سُمي به لنَدْبٍ كان في جِسْمه، وهو أثَر الجُرح، المنْدوب: اسم فرسِ أبي طَلْحة الأَنْصاري. (من شيء)؛ أي: من العَدوِّ، وسائرِ موجِبات الفزَع. (وإن وجدناه لبحرًا)؛ أي: واسعَ الجَرْي. وفيه تبشير النَّاس بالأمن، وتَشبيه الشَّيء بالشَّيء، والتوسُّع في الكلام، وتَسمية الدَّوابِّ، والعاريَّة، والغَزْو على الفرَس المُستَعار. قال (ط): (إنْ) هنا نافيةٌ، واللام في: (لبَحْرًا)، بمعنى: إلا، أي: ما وجدناه إلا بحرًا، والعرَب تقول: إنَّ زيدًا لعاقلٌ، أي: ما زيدٌ إلا عاقلٌ، والبَحْر من نُعوت الخَيل، قيل: شبَّهه بالبَحر، لأنَّ جَرْيه لا يَنْفَدُ كما لا يَنْفَد ماءُ البحر، يُقال: فرَس بحرٌ، إذا كان واسِعَ الجَرْي. * * *

34 - باب الاستعارة للعروس عند البناء

34 - بابُ الاِسْتِعَارَةِ لِلْعَرُوسِ عِنْدَ الْبِنَاءِ (باب الاستِعارة للعَرُوس)، وهو نعتٌ يستَوي فيه الرَّجل والمرأة ما داما في عُرسهما. (عند البناء) هو الزَّفاف، يُقال: بنَى على أهله، أي: زفَّها. 2628 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَعَلَيْهَا دِرْعُ قِطْرٍ ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَتِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَاريَتِي، انْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهَا تُزْهَى أَنْ تَلْبَسَهُ في الْبَيْتِ، وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا كَانَتِ امْرَأةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ. (درع)؛ أي: قَميص. (قِطْر) بكسر القاف، وبالرَّاء: ضَرْبٌ من بُرود اليمَن، فيه حُمرةٌ، لها أَعلامٌ، فيها بعض خُشونةٍ، يُقال: بُردٌ قِطْريةٌ. قال الأَزْهري: وفي أعراض البَحرين قَريةٌ يُقال لها: قطر، وأحسن الثِّياب القطرية، لمَّا نسَبوا إليها كسروا القاف، وخفَّفوا. ورواية النَّسَفي، والقَابِسِي، وابن السَّكَن: (فطر) بالفاء، والصَّواب: القاف، وفي نُسخة المغاربة: (ثمَن خَمسةٍ). (انظر) بلفظ الأمر.

35 - باب فضل المنيحة

(تُزْهي) بضمِّ أوله، وبفتح الهاء وكسرها: مِن الزَّهْو، وهو الكِبْر، أي: الجارية تتكبَّرْ أن تلبَسه، زَهَى الرَّجل، أي: تكبَّر وأُعجب بنفْسه، وهي مما جاء على وزْن ما لم يُسمَّ فاعلُه، وحكى ابن دُرَيْد: (زهى) مبنيٌّ للفاعل. (منهن)؛ أي: من الدُّروع، أو من بين النِّساء. (تقَيَّن) بضم التاء، وفتح القاف، والياء المشدَّدة، أي: تُزيَّن، وقيَّنتُ العَروس زَّينتُها، والمقيِّنة: المَاشِطة، والقَيْنة: الأَمة مُغنِّيةً أو غيرَ مُغنِّية، ورُوي: (تَزْفِن، وتَزِف). * * * 35 - بابُ فَضْلِ الْمَنِيحَةِ (باب فضْل المَنِيحة) 2629 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بإنَاءٍ وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلُ، عَنْ مَالِكٍ قَالَ: نِعْمَ الصَّدَقَةُ.

الحديث الأول: (المَنِيحة) بفتح الميم: عاريَّةٌ من ذَوات اللَّبَن، كالنَّاقة تُعطيها غيرَك مَنِيحةً، فيحتلبُها، ثم يردُّها عليك، والمِنِيحة -بالكسر-: العَطيَّة. (اللقْحة) بكسر اللام: المَلْقُوح، أي: الحَلُوب من ناقةٍ أو شاةٍ، وبفتحها: المرَّة الواحدة من الحَلْب، وحكَى أبو الفرَج: كسر اللام وفتحها؛ لغتان. (منحةً) نصب على التَّمييز. وفيه وقوع التَّمييز بعد فاعل (نِعْمَ) ظاهرًا توكيدًا، كقوله: فنِعْمَ الزَّاد زادُ أَبيكَ زَادًا وسِيْبَوَيْهِ يمنعه، ولا يُجيزه إلا إذا أُضمِر الفاعل، كقوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50]، والصَّحيح جوازُه. والمَنِيْحة: فاعل (نِعْمَ)، واللِّقْحة هي المَخصوصة بالمَدْح. (والصَّفِي) معطوفٌ على اللِّقْحة، وهي بفتح الصَّاد، وكسر الفاء، وتخفيف الفاء: الكَريمة الغَزيرَةُ اللَّبَن، ويُقال: صَفِيَّة، والجمع صَفايا، والصَّفيُّ صفةُ اللِّقحة، ولم تدخُل التاء عليها؛ لأنَّه إما فَعِيْل أو فَعُولٌ يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، ودخل على المَنيحة لنقْل اللَّفظ من الوصفيَّة للاسميَّة، أو لأن استِواء التذكير والتأنيث هو فيما كان مَوصوفه مذكورًا.

(بإناء)؛ أي: من اللَّبَن. (وتروح بإناء)؛ أي: تُحلَب بُكرةً وعشيَّةً. والسُّنَّة رَدُّ المَنيحة لأهلها إذا استَغنى عنها، كما ردَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أُم أنَس، والمنيحة صلةٌ لا صدقةٌ، وإلا كانتْ عليه - صلى الله عليه وسلم - حَرامًا، فلا يجوز له قَبولها. * * * 2630 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ -يَعْنِي: شَيْئًا- وَكانَتِ الأَنْصَارُ أَهْلَ الأَرْضِ وَالْعَقَارِ، فَقَاسَمَهُمُ الأَنْصَارُ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ ثِمَارَ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ وَيَكْفُوهُمُ الْعَمَلَ وَالْمَؤُنَةَ، وَكانَتْ أُمُّهُ أُمُّ أَنسٍ أُمُّ سُلَيْمٍ كانَتْ أُمَّ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنسٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِذَاقًا، فَأَعْطَاهُنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاتَهُ أُمَّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ الَّتِي كانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَرَدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُمِّهِ عِذَاقَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ بِهَذَا، وَقَالَ مَكَانَهُنَّ: مِنْ خَالِصِهِ.

الثاني: (ليس بأيدهم)؛ أي: مالٌ. (أُم أنس) بدلٌ من: (أُمُّه). (أُم سُليم) بضم المُهملة، بدلٌ من (أُم أنَس). (فكانت) تأكيدٌ لـ (كانت) الأُولى، فهي أُمٌّ لهذه الثلاثة، واسمها: سُهَيلة، أو مُلَيكة بنت مِلْحان الأَنْصارية، تقدَّمتْ ترجمتها مبسوطةً. (عِذقا) بكسر العين المُهملة، ثم دالٌ معجمةٌ: جَمْع عَذْقٍ بالفتح، ككَلْب وكِلاب، وهي النَّخلة نفسها، والجَمْع عُذوقٌ وأَعْذاق. قيل: لا يُقال للنَّخلة عِذْق إلا إذا كانت بحَمْلها، ولا العُرْجُون عِذْقٌ إلا إذا كان بشَماريخِه وثَمَرِه. (أم أيمن) ضدُّ الأَيْسَر، هي غير المُتقدِّمة، واسمها بَرَكَة -بالموحَّدة، والرَّاء، والكاف المَفتوحات- كُنِّيتْ به لأنها كانتْ أولًا تحت عُبَيد -مُصغَّر العَبْد- الحبَشي، فولدَتْ له أيمن. وفي "مسلم": أنها كانت وصيفةً لعبد الله بن عبد المطَّلِب، وكانت من الحبَشة، فلمَّا ولَدت آمنةُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانت أُم أيمن تحضِنُه، حتى كَبِر - صلى الله عليه وسلم -، فأعتقَها، وزوَّجَها مولاه زَيدَ بن حارثة، فولدَتْ له أُسامة، واستُشهِد يوم حُنين، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بَرَكَةُ أُمِّي بعدَ أُمِّي"، وماتتْ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر.

(أحمد بن شَبيب) بفتح المعجمة. (بهذا)؛ أي: بالإسناد، والمَتْن. * * * 2631 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي كبْشَةَ السَّلُولِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الْجَنَّةَ". قَالَ حَسَّانُ: فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ: رَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، فَمَا استَطَعْنَا أَنْ نبلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً. الثالث: (أبي كَبشة) بفتح الكاف. (السَّلُولي) بفتح المُهملَة، وضمِّ اللام الأُولى. (العنْز) أُنْثى المَعْز. قال (ط): ولم يَترُك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأربعينَ خَصلةً إلا لمعنًى هو أنفَعُ لنا من ذِكْرها؛ لخشية أن يكون تعيينُها زُهدًا في غيرها من أبواب الخير، وليس قَول حسَّان مانِعًا أن يستطيعَها غيره.

وتتبَّعها بعضُهم في الأحاديث فوجدَها أزْيدَ من أربعين خَصلةً؛ منها: أنَّ رجُلًا يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عمَلٍ يُدخلُه الجنَّة؟ فذكر له أشياء، ثم قال: "والمَنِيحة، والفَيءُ على ذي الرَّحِم القاطِع، فإنْ لم تُطِق؛ فأطعِمِ الجائِعَ، واسقِ الظَّمْآن"، هذه ثلاث خصال أعلاها: المَنيحة، ليس الفَيء منها؛ لأنه أفضَل من المَنيحة. وفي الحديث: "مَنْ قال: السَّلام عليكم؛ كُتب له عشْر حسَناتٍ، ومَن زاد: ورحمةُ الله؛ كُتب له عِشْرون، ومَن زاد: وبرَكاتُه؟ كُتب له ثَلاثُون". وفي الحديث: "ثلاثٌ تُثبِت لك الوِدَّ في صَدْر أخيك: تَشميتُ العاطِس، وإماطَةُ الأذَى عن الطَّريق، وإعانَةُ الصَّانِع، والصَّنيعة للأَخْرق، وإِعْطاء صِلَة الحبْل، وإِعْطاء شِسْع النَّعْل، وأنْ تُؤنِسَ الوَحْشان)، أي: تَلقاه بما يُؤنسه من القَول الجميل، أو تُبلِّغه من أرض الفَلاة إلى مكانِ الأُنْس. وكشْف الكُربة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كشَف كُربةً عن أخيه كشَف الله عنه كُربةً يومَ القِيامة". وكون المَرء في حاجة أخيه، وسَتْر المُسلِم؛ لحديث: "واللهُ في عَونِ العَبْد ما دام العَبْد في عَون أخيهِ"، و"مَن ستَر مُسلِمًا ستَره الله يومَ القِيامة". والتفسُّح في المَجلِس، وإدخالُ السُّرور على المُسلم، ونَصْر

المَظلوم، والأَخْذ على يد الظَّالم؛ لحديث: "انصُرْ أخاكَ ظالِمًا أو مَظلومًا". والدَّلالة على الخَير؛ لحديث: "الدَّالُّ على الخَير كفاعلِه". والأمر بالمَعروف، والإصلاح بين النَّاس، والقَول الطيِّب يردُّ به المِسْكين، قال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [البقرة: 263]، وفي الحديث: "اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ، فإن لم يَجد فبكلمةٍ طيِّبَةٍ". وأن تُفرِغَ من دَلْوِك في إناء المُستَقي، وغَرْس المسلم زَرعَهُ؛ لحديث: "ما مِن مسلمٍ يَغرِس غَرْسًا، أو يَزرع زَرْعًا، فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له صدقةٌ". والهديَّة للجار؛ لحديث: "لا تَحقِرنَّ جارةٌ جارتَها، ولو فِرْسِن شاةٍ". والشَّفاعة للمُسلم، ورحمةُ عزيزٍ ذَلَّ، وغنيٍّ افتقَر، وعالمٍ بين جُهَّالٍ، قال: "ارحموا ثلاثةً: غنيَّ قومٍ افتقَر، وعزيزَ قَومٍ ذَلَّ، وعالمًا يَلعب به الجُهَّال". وعِيَادة المريض؛ لحديث: "على مَخارِف الجنَّة". والردُّ على من يَغتاب؛ لحديث: "مَن حَمى مُؤمنًا من منافقٍ يَغتابُه بعَث الله إليهِ ملَكًا يوم القِيامة يَحمي لَحْمَه من النَّار". ومُصافَحة المُسلِم؛ لحديث: "لا يُصافح مُسلمٌ مسلمًا، فتَزولَ يدُه من يده حتَّى يُغْفَرُ لهما".

والتحابُّ في الله، والتَّجالُس في الله، والتَّزاوُر في الله، والتَّباذل في الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله عَزَّ وَجَلَّ: وجَبتْ محبَّتي لأصحاب هذه الأَعمال الصَّالحة: عَونُ الرَّجُلِ الرجلَ في دابَّته يحملُه عليها، أو يَرفعُ عليها متاعَه صدَقةٌ"، رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال (ك): هذا رجْمٌ بالغَيب، لاحتمال أن يُراد غيرُ المذكورات من أعمال الخير، ومِن أين عُرف أنَّ هذه أدنىَ من المَنيحة؟، لجواز أن تكون مثلَها أو أعلى منها، ثم فيه تحكُّمٌ بجعْله السَّلام منه دُون ردِّ السَّلام، مع أنَّه صرَّح به في الحديث الذي نحن فيه، وكذا جعَل منه الأمر بالمَعروف دُون النَّهي عن المُنكر، وفيه تكرارٌ أيضًا، فتأَمَّلْه. (وقال حسان) هو ابن عَطيَّة راوي الحديث، وهو موصولٌ بالإسناد المذكور. * * * 2632 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتْ لِرِجَالٍ مِنَّا فُضُولُ أَرَضِينَ، فَقَالُوا: نُؤَاجِرُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ". الرابع: (أرَضين) الأشهر فتح الراء.

(لِيَمْنحها) بفتح النون وكسرها، مرَّ. * * * 2633 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلهُ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: "ويحَكَ! إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُها شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ"؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: "فتعْطِي صَدَقتهَا"؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: "فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا شَيْئًا"؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: "فتحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا"؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ الله لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا". (وقال محمَّد بن يوسف) وصلَه الإِسْمَاعِيْلي، وأبو نُعَيم، ويأتي في (الهجرة). (يوم ورودها)؛ أي: يوم شُربها؛ لأن الحَلْب فيه أرفَق للنَّاقة والمُحتاجين. (وراء البحار) بالموحَّدة، والمُهملَة، أي: القُرى والمدُن، فالعرَب تُسمِّيها: البحار، أي: إذا كان هذا صَنيعَك؛ فالْزَم أرضَك وإنْ كانتْ وراءَ البحار، فلن تُحْرَم أجْر الهِجْرة، وفي بعضها: (التجار) بمثناةٍ وجيمٍ. (لن يترك) بإسكان التاء: مِن التَّرْك، وبكسرها كـ (يَعِدَك)؛ من

الوَتْر، وهو النَّقْص، قال تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمَّد: 35]، أي: لم يَنقُصكم من أعمالكم، وفي بعضها: (يتَّرك) مضارع الافتعال. قال البخاري: الرِّواية بالتَّشديد، والصَّواب التَّخفيف من الوَتْر، ومرَّ في (الزكاة). * * * 2634 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَعْلَمُهُمْ بِذَاكَ -يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى أَرْضٍ تَهْتَزُّ زَرْعًا، فَقَالَ: "لِمَنْ هَذِهِ"؟ فَقَالُوا: اكتَرَاهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّهُ لَوْ مَنَحَهَا إِيَّاهُ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا مَعْلُومًا". الخامس: (تَهْتَز)؛ أي: تتَحرَّك. (لو منحها)؛ أي: لو أعطاها المالِك فلانًا المُكتري مِنْحةً لكأَنَّ خيرًا للمُكرِي؛ لأنها أكثَر ثَوابًا، ولأنهم كانوا يَتنازعون في كِراء الأرض، أو كَرِهَ الافتِتان بالزِّراعة لئلا يُقعدهم عن الجهاد، ومرَّ في (الحرث). * * *

36 - باب إذا قال: أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس فهو جائز

36 - بابٌ إِذَا قَالَ: أَخْدَمْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ فَهْوَ جَائِزٌ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هَذِهِ عَارِيَّةٌ. وَإِنْ قَالَ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، فَهْوَ هِبَةٌ. (باب: إِذا قال: أخدمتُكَ هذه على ما يتعارفُه النَّاسُ)؛ أي: على عُرفهم في صُدور هذا القَول منهم، أو على عُرفهم أنَّ الإِخْدام هبةٌ أو عاريَّةٌ، وهو جائزٌ، فيُحمل على المَعروف عندهم. (بعض الناس) قيل: هم الحنفيَّة؛ لأنهم يقولون: إذا قال: أخدمتُك هذا العبد فهو عاريَّةٌ، وقصَّة هاجَر تدلُّ على أنَّه هِبَةٌ. (وإن قال: كسوتك) يحتمل أن يكون من تتمَّة قولهم، فيكون المقصود أنهم تحكَّموا حيث قالوا: ذلك عاريَّة، وهذه هِبَة، وأن يكون عَطْفًا على التَّرجمة. ولا خلافَ بين العُلماء أنَّه إذا قال: أخدمتُك هذه الجارية؛ أنَّه وهبَهُ خدمتَها لا رقَبتها، والإِخْدام عند العرب لا يقتضي تمليك الرَّقَبة، كما أنَّ الإِسْكان لا يقتضي تمليكَ رقَبة الدَّار، وما استدلَّ به البخاري من لفظ: (فأخدمها) لا يدلُّ على الهبَة، وإنما تصحُّ الهِبَة في الحديث مِن لفظ: (فأعطُوها آجَر)، وكانت عطيَّةً تامَّةً. واختلف ابن القاسم، وأشهب فيما إذا قال: وهبتُك خِدمةَ

عبدي، فقال ابن القاسِم: ليس هبةً للرَّقبة، وقال أشهَب: هبَةٌ، ولم يختلفوا فيما إذا قال: كسوتُك هذا الثَّوب، أنها هبةٌ؛ لقوله تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89]، وهذا تمليكٌ اتفاقًا. * * * 2635 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، فَأَعْطَوْهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ الله كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً"؟ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ". (كبت الكافر)؛ أي: صَرَفه، وأذلَّه. (وأخدم)؛ أي: الكافر، ومرَّ في (البيع). (وقال ابن سيرين) سيأتي مَوصولًا في أحاديث (الأنبياء). (سمعت مالكًا)؛ أي: الإِمام المَشهور. (يسألُ زيد)؛ أي: عن حُكم حمل الرَّجل عن الفرَس. قال (ط): لا خِلافَ بينهم أن العُمْرَى إذا قبضَها المُعمَر لا رجوعَ فيها، وكذا الصَّدقة، وكذلك الحمْل على الجمَل، فما كان من الحَمْل على الجمَل تمليكًا للمَحمول عليه فكالصَّدقة عليه، وما كان تَحبيسًا في سبيل الله فكالأَوقاف، لا رُجوعَ عند الجُمهور خلافًا لأبي حنيفة،

37 - باب إذا حمل رجل على فرس فهو كالعمرى والصدقة

فجعَل الحبْس باطلًا فيه. قال البخاري: قال بعضُ النَّاس: له الرُّجوع فيها؛ لأنَّه حبْسٌ باطلٌ راجعٌ إلى صاحبه، والحديث يرد عليه. قال: ولا يَخلو أن يكون حبَس الفرس في سبيل الله، أو جعلَه تمليكًا للمَحمول عليه، فإنْ كان حبْسًا فلا يَجوز الاشتِراء، وإنْ كان تمليكًا جاز لمن حمَل ولغَيره، فنهيُه - صلى الله عليه وسلم - عن الاشتِراء تنزيهٌ لا إيجابٌ. قال (خ): يحتمل أن يكون معناه: أنَّه أخرجَه من ملكه لوجه الله، وكان في نفْسه شيءٌ، فأشفَق - صلى الله عليه وسلم - أن يُفسِد نيتَه ويُبطِل أجرَهُ فنهاه عنه، وشبَّهه بالعَود في الصَّدقة وإنْ كان بثمَنٍ، وهذه كتحريمه على المُهاجرين مُعاوَدة دُورهم بمكة. قال: وأما إذا تصدَّق بالشَّيء لا على إِحْباسِ أصله بل على سَبيل البرِّ والصِّلَة، فيَجري مَجرى الهِبَة، ولا بأْسَ عليه في ابتياعه من صاحبه. * * * 37 - بابٌ إِذَا حَمَلَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَهْوَ كَالْعُمْرَى وَالصَّدَقَةِ (باب: إذا حَمَل رجُلًا) 2636 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا

يَسْأَلُ زيدَ بْنَ أَسْلَمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ في سَبِيلِ اللهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَا تَشْتَرِ، وَلَا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ". (حملت على فرس) قال الحُمَيْدي: أي: وقَفَه على المُجاهدين، وأنكَره ابن الصَّلاح، وقال: بل تصدَّق به على بعضِهم من غير أن يَقِفَه. * * *

52 - كتاب الشهادات

52 - كتابُ الشَّهادات

1 - باب ما جاء في البينة على المدعي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 52 - كتاب الشَّهادات (كتاب الشَّهادات) 1 - باب مَا جَاءَ في الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ

بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. (باب: في البَيِّنة على المُدَّعي) (الشهادة) هي الإخْبار عند الحاكِم بما يعتقِد في حقِّ المُدَّعي، أو المُدَّعَى عليه. (المدعي) هو ذاكرُ أمرٍ خفِيٍّ، أو إذا تَرَكَ تُرِكَ. والفَرْق بين الشَّهادة والرِّواية مع اشتراكهما في أنهما خبَران؛ أنَّ المخبَر عنه في الرِّواية أمر عامٌّ لا يختصُّ بمعيَّنٍ، والشهادة بخلاف ذلك. قال الأصوليون: الرِّواية تقتضي شرعًا عامًّا، والشَّهادة شَرعًا خاصًّا، ثم إنهما على ثلاثة أقسامٍ: روايةٌ مَحْضةٌ: كالأحاديث النبويَّة. وشهادةٌ مَحضةٌ: كإخبار الشُّهود عن الحُقوق على معيَّنٍ عند الحُكَّام. ومركَّبٌ منهما: كالإخبار عن رُؤية رمَضان، فهو -من جِهَة أنَّ الصَّوم لا يختصُّ بشخصٍ معيَّنٍ، بل عامٌّ على مَن دُونَ مسافة القَصْر- روايةٌ، ومِنْ جهة أنَّه مختصٌّ بأهل هذه المَسافةِ، وبهذا العامِ شهادةٌ.

2 - باب إذا عدل رجل أحدا فقال: لا نعلم إلا خيرا، أو قال: ما علمت إلا خيرا

ووجه استِنباط التَّرجمة من الآية: أنَّه لو كان القَولُ قَولَ المُدَّعي من غير بينةٍ لَمَا احتيج إلى الكتابة، والإملاء، والإشهاد عليه، فلمَّا احتِيج إليه دلَّ على أن البيِّنة على المُدَّعي. قال (ط): الأمر بالإملاء يدلُّ أنَّ القَول قَول مَن عليه الشَّيء، وأيضًا أنَّه يقتضي تصديقه فيما عليه، فالبيَّنة على مُدعي تكذيبه، وأما الآيةُ الأُخرى فوجه الدَّلالة: أنَّ الله قد أخَذ عليه أن يُقِرَّ بالحقِّ على نفْسه، فالقَول قَول المُدعَى عليه، فإذا كذَّبه، فعليه البيِّنة. * * * 2 - بابٌ إِذَا عَدَّلَ رَجُلٌ أَحَدًا فَقَالَ: لَا نَعْلَمُ إلا خَيْرًا، أَوْ قال: مَا عَلِمْتُ إلا خَيْرًا (باب: إذا عَدَّل رجلٌ أحدًا)، وروي: (رجلًا) بدَل: (أحدًا). 2637 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا ثَوْبَانُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -وَبَعْضُ حَدِيثهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا وَأُسَامَةَ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا في فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَقَالَ: أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا

خَيْرًا. وَقَالَتْ بَرِيرَةُ: إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِضُهُ أَكثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثةُ السِّنِّ تنامُ عَنْ عَجينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأَكُلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَعْذِرُنَا مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ في أَهْلِ بَيْتِي؟ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيهِ إِلَّا خَيْرًا". (النُّمَيري) بضم النون. (أهلك) بالنصب على الإغراء، أو المفعول، أي: أمسِكْ أهلَك أو الْزَمْ، ورُوي بالرَّفع، أي: هم أهلُك، على الابتداء والخبر، أي: أهلُك عفائفُ، أو غير مَطعونٍ فيهم، ونحوه. (وقال الليث) سيأتي موصولًا في (تفسير سُورة النُّور). (استلبث) استَفعَل من اللُّبْث، وهو الإبْطاء والتَّأْخير. (يستأمرها)؛ أي: يُشاورُها. (إن رأيت)؛ أي: ما رأَيتُ. (أغْمِصه) بفتح الهمزة، وسُكون المعجمة، وكسر الميم، ثم مهملة: أعيبُها به، مِن أغمصَه فُلانٌ: إذا استَصغَره، ولم يَرَهُ شيئًا. (الدَّاجن) بالجيم: شاةٌ أَلِفَت البُيوت، واستَأْنستْ بها، ومِن العرب من يقولها بالهاء. والرَّجل الأول: عبد الله بن أُبَيِّ [ابن] سَلُول، والثاني: صَفْوان ابن المُعَطِّل السُّلَمي، بضم السين.

3 - باب شهادة المختبي

(من يعذرنا) للاستِفهام، وسيأتي معناه. * * * 3 - بابُ شَهَادَةِ الْمُخْتَبِي وَأَجَازَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْكَاذِبِ الْفَاجِرِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَقتادَةُ: السَّمْعُ شَهَادَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَمْ يُشْهِدُونِي عَلَى شَيْء، وإِنِّي سَمِعْتُ كَذَا وَكَذَا. (باب شَهادة المُختَبِئ) (عمرو بن حُريث) مُصغَّر الحَرْث، أي: الزَّرْع، المَخزُومي، مات رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثنتَي عشرة سنةً، وهو أوَّل قرشيٍّ اتخذَ بالكوفة دارًا، وكان له فيها قَدْرٌ وَشَرَفٌ، ومات سنة خمسٍ وثمانين. (وقال الشعبي) وصَله ابن أبي شَيبة، وهو في "الجَعْدِيَّات". (وابن سِيرين، وعَطاء، وقَتادة) سيأتي في (باب شهادة الأَعمى). (شهادة)؛ أي: السَّمع مُطلَقًا يحتمل الشَّهادة. قال ابن المُنذِر: قال الشَّعبي: السَّمْع شهادةُ المُخْتَبِئ، لا أنَّه ليس بعَدْلٍ حين اختَبأَ ممن يشهَد عليه.

(وكان الحسن) وصلَه ابن أبي شَيْبة من طريق يونسُ بن عُبَيد، عنه قال: لو أنَّ رجُلًا سَمِعَ مِن قومٍ شيئًا، فإنَّه يأتي القاضي فيقول: لم يُشهِدوني، ولكنْ سَمعتُ كذا وكذا، وهو تفصيلٌ حسَنٌ. * * * 2638 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ سَالِمٌ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُبَيُّ ابْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَفِقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهْوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجعٌ عَلَى فِرَاشِهِ في قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ -أَوْ زَمْزَمَةٌ-، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادِ: أَيْ صَافِ! هَذَا مُحَمَّدٌ، فتنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ". الحديث الأول: (يَخْتِل) بكسر الفَوقانيَّة، أي: يَطلُب مِن حيث لا يَشعُر ابنَ صيَّادٍ مستغفلًا له؛ ليَسمَع شيئًا من كلامه الذي يتكلَّم به في خَلْوته حتى يُظهِر للصَّحابة أنَّه كاهِنٌ، ونحوه. (قطيفة) كساءٌ له خَملٌ. (رمرمة) بالرَّاء، وكذا بالزَّاي: الصَّوت الخَفيُّ، وحرَكة الفَمِ

بالكلام من غير أن يتكلَّم. (أي) حرف نداءٍ. (صاف) بالمهملَة، والفاء المَضمومة والمكسورة والسَّاكنة: اسمُ ابن صَيَّاد. (فتناهى)؛ أي: كَفَّ، وتَناهى الماءُ: إذا وقَف في الغَدير وسكَن. (لو تركته)؛ أي: أُمّه بحيث لا يَعرِفُ قُدومَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يندَهِشْ عنه؛ بيَّن لكم باختلافِ كلامه ما يُهوِّن عليكم شَأْنَه، مرَّ في (كتاب الجنائز)، في (باب: إذا أسلَم الصبيُّ). قال المُهلَّب: فيه جَواز الاحتِيال على المُستَسِرِّين بالفِسق، وجُحود حقٍّ حتى يُسمَع منهم ما يَستَسِرُّون به، ويُحكَم عليهم، ولكن بعد أن يفهم عنهم فهمًا بيِّنًا. * * * 2639 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: جَاءَتِ امْرَأةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي، فتزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: "أتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ".

وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنتظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَا تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -؟ الثاني: (رِفاعة) بكسر الراء. (القُرَظي) بضم القاف، وفتح الرَّاء، ثم معجمة، واسم المرأة: تَميْمَة -بفتح الفَوقانية- بنْت وَهْب. (فأبتَّ)؛ أي: قطَع لها قَطْعًا كُليًّا يُحصِّل البَينونةَ الكُبرى. (عبد الرحمن بن الزَّبِير) بفتح الزاي، وكسر الموحَّدة، ابن بَاطَا -بالموحَّدة، والمهملة، بلا مدٍّ، ولا همزٍ- القُرَظي. (هدبة الثوب) هي ما على أَطرافه من الخَمل، كأنها ادَّعت عليه العُنَّة، وأرادتْ أن متاعه رخْوٌ كطرَف الثَّوب لا يُغني عنها شيئًا. (ترجعي) في بعضها: (تَرجِعينَ) بالنُّون، وهي لُغة مَن يرفع الفعل بعد: أنْ حَمْلًا على: ما أُختِها، كقراءة مجاهد: (لمن أراد أن يُتمُّ الرضاعة) [البقرة: 233] بضمِّ الميم. قال (ط): كنَّى بالعُسَيْلة عن لَذَّة الجِماع، تصغير العسَل، يُقال: يُؤنَّث العسَل في بعض اللُّغات، ويحتمل أن يكون التأنيث باعتبار الوَقْعة الواحدة التي تَحِلُّ بها للزَّوج الأول.

4 - باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء، فقال آخرون: ما علمنا ذلك، يحكم بقول من شهد

قال (ن): قيل: أنَّث العُسَيلة على إرادة النُّطْفة، وضُعِّف؛ لأن الإنْزال لا يُشتَرط؛ وشرَطَه الحسَن البصريُّ، وجعلَه حقيقةَ العُسَيلة. وقال الجمهور: بدُخول الذَّكر تحصل اللَّذَّة المُرادة من العُسيلة، وقيل: أراد قِطْعةً من العسَل، وصغَّره إشارةً إلى أن العَدد القليل هو أقلُّ ما يحصل به الحِلُّ. قال المُهلَّب: وفيه جواز الشَّهادة على غير الحاضِر؛ لأنَّ خالدًا سمع قولَها من وراء الباب، وأنكَر عليها ولم يُنكَر عليه، وفيه إنكارُ الهُجر من القَول إلا في حقٍّ لا بُدَّ له من البَيان عند الحاكم. * * * 4 - بابٌ إِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَوْ شُهُودٌ بشَيْءٍ، فقال آخَرُونَ: مَا عَلِمْنَا ذلِكَ، يُحْكَمُ بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا كمَا أَخْبَرَ بِلَالٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى في الْكَعْبَةِ، وَقَالَ الْفَضْلُ: لَمْ يُصَلِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِشَهَادَةِ بِلَالٍ. كَذَلِكَ إِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِالزِّيَادِةَ. (باب: إذا شَهِدَ شاهدٌ)، ثم قال: (يُحكَم بقول مَن شَهِد).

تقدَّم هذا في (باب: العُشر) من (الزكاة). (الحُميدي) بضم المُهملة. (الفضل) بإعجام الضَّاد. (صلى ولم يصل) لم يَتنافَيا؛ لأنَّ معنى: لم يُصَلِّ: لم يعلَم أنَّه صلَّى، ولعلَّ الفضْل كان مشتغِلًا بالدعاء ونحوه، فلم يَرَه يُصلِّي، ونفاه عمَلًا بظنِّه، وأخذ النَّاس بشهادة بلال؛ لأن فيها زيادةَ عِلْمٍ. وإطلاق الشهادة على إخباره يجوز، كما مرَّ في (الزكاة)، في (باب: العُشر فيما يُسقى من السَّماء). (يقضي) من القَضاء، أي: يحكم بالزِّيادة أيضًا؛ لأنَّ عدَم عِلْم الغير لا يُعارض علْمَ من عَلِمَه، وفي بعضها: (يُعطي). * * * 2640 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأةٌ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِنِي، فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ يَسْأَلهُمْ، فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَا أَرْضَعَتْ صاحِبَتَنَا، فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ"؟ فَفَارَقَهَا، وَنكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ.

5 - باب الشهداء العدول

(حِبَّان) بكسر المهملَة، وشدَّة الموحَّدة. (عُقْبة) بضم المُهملَة، وسُكون القاف. (إهاب) بكسر الهمزة. وجه مُطابقة حديثِه للتَّرجمة: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - رتَّب على قَول المثبتةِ للرَّضاع إرشادَه للفِراق، وإلزامَه بالورَع، ولولا ذلك لأبقَى النِّكاحَ على ما كان تغليبًا لقَول النَّافي، وجوَّز أحمد الحُكْم في الرَّضاع بشَهادة المُرضِعة وحدها. (ابن عزيز) بضم العين المهملة، وزايَين معجمتين، وهو الصَّواب، وممن قيَّده الأمير أبو علي الغَسَّاني، بخلاف ما ضبَطه أبو ذَرٍّ عن الحمُّوِي، والمُستَمْلِي. * * * 5 - بابُ الشُّهَدَاءِ الْعُدُولِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}. (باب الشُّهَداء العُدول) 2641 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ

6 - باب تعديل كم يجوز

قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَيهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ في سَرِيرَتهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوأً لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنةٌ. (بالوحي) يعني: كان الوحي يكشِف عن سَرائر الناس في بعض الأوقات. (أمِناه) بهمزةٍ مقصورةٍ، وميمٍ مكسورةٍ، أي: جعلناه آمنًا من الشَّرِّ، مُشتَقٌّ من الأَمان. (قربناه)؛ أي: عظَّمناه وكرَّمناه. (سريرته) السِّرِّ الذي يُكتَم، أي: نحن نحكُم بالظَّاهر. (سوءًا)، في بعضها: (شرًّا). * * * 6 - بابُ تَعْدِيلِ كَمْ يَجُوزُ (باب: تَعديلُ كَم يَجُوز؟) قال (ط): اختلفوا في عدد المعدِّلين، فمالكٌ والشَّافعي لا يقبل في الجَرْح والتعديل أقلَّ من رجلَين، وأبو حنيفة يَقبل تعديلَ الواحد

في جَرحهِ، وقال في الحديث السابق: المَرفوع منه الإخبار عما كان الناس يأخُذون به على عَهْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبقيَّة الخبر بَيانُ ما يَستعمله النَّاس بعد انقِطاع الوَحي بوَفاته. وفيه أنَّ مَن أظهَر الخَيْر فهو العدل الذي يجب قَبول شَهادته. قال: واتفق مالكٌ، والشَّافعي، والكوفيون على أنَّ الشُّهود اليوم على الجَرح حتى تثبُتَ العَدالة، بخلاف عَهْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال أبو حنيفة: إلا شُهود النِّكاح، فإنَّهم على العَدالة. قال: وهو تحكُّمٌ. * * * 2642 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِثٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: "وَجَبَتْ"، ثُمَّ مُرَّ بِأُخرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا -أَوْ قَالَ غير ذَلِكَ- فَقَالَ: "وَجَبَتْ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْتَ لِهَذَا: وَجَبَتْ، وَلِهَذَا: وَجَبَتْ؟ قَالَ: "شَهَادَةُ الْقَوْمِ، الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللهِ في الأَرْضِ". الحديث الأول: (عليها شرًّا) الثَّناء: هو الذِّكر بالخَير، فاستِعماله في الشَّرِّ لتَجانُس الكلام مُشاكلةً.

(لهذا)؛ أي: للثَّناء بالخَيْر وجبَتْ له الجنَّة، وللثَّناء بالشرِّ وجبَت النار. (شهادة القوم المؤمنين) ضبطه بعضهم: (شهادةُ) بالرَّفْع، خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هي، ثم استأنفُ فقال: شُهداءُ الله في الأرض، وضبَطه بعضُهم: (شهادةُ القَومِ) على الإضافة، وكذا الأَصِيْلِي، فالمُؤمنون: رفعٌ بالابتداء، شهادةُ: خبَره، والقَوم: خفْضٌ بالإضافة، و (شَهادةُ) على هذا: خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: سبَبُ قَول هذا شَهادةُ القَوم، ورواه بعضُهم: (المُؤمنون)، نعتٌ للقَوم، ويكون: شُهداء على هذا خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هم شُهداء اللهِ، ويصحُّ نصب شهادة بمعنى: مِن أجْل شَهادةِ القَوم، ومَن رَوى: (القَومُ) مرفوعًا كان مبتدأً، فالمؤمنون وصفهم، هذا كلام (ع). قال السُّهَيلي: إنْ كانت الرِّواية بتَنوين الشَّهادة، فهو على إضمار المبتدأ، أي: هي شَهادةٌ، و (القَومُ) رفع بالابتداء، و (المؤمنون) نعتٌ له، أو بدَلٌ، وما بعده خبرٌ، وضُعِّف؛ بأن المَعهود من كلام النبوَّة حَذْف المَنعوت نحو: "المُؤمنون تَتكافَأُ دِماؤُهم"، و"المُؤمنون هيِّنُون ليِّنُون"، و"المُؤمنُ غِرٌّ كريمٌ"؛ لأن الحُكم يتعلَّق بالصِّفة، فلا معنَى للمَوصوف. قال: ويحتمل وجْهًا آخَر: أنْ يَرتفع القَوم بالشَّهادة؛ لأنها مصدرٌ، ويَرتفعَ المؤمنون بالابتداء؛ إذ قد أجازوا إعمال المصدر عمَل الفعل، فلا بُعد في عمله هنا في القوم منونًا، كما تقول: يُعجبني ضربُ زيدٍ عَمرًا.

ويحتمل وجهًا ثالثًا: وهو أن القوم فاعلٌ بإضمار فعلٍ، كأنَّه قال: هذه شهادةٌ، ثم قال: القَومُ، أي: شَهِدَ القَومُ، ومرَّ في (الجنائز)، في (باب ثناء الناس على الميت). * * * 2643 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: أتيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ - رضي الله عنه -، فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ، فَأُثْنِيَ خَيْرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقُلْتُ: مَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ"، قُلْنَا: وَثَلَاثةٌ قَالَ: "وَثَلَاثةٌ"، قُلْتُ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: "وَاثْنَانِ"، ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. الثاني: (أبي الفُرات) بضم الفاء. (ابن بُرَيد) بضم الموحَّدة مصغَّرًا. (أبي الأسود) اسمه: ظالِم، ضِدُّ العادِل، ومرَّ في (الجنائز). (ذَرِيعًا) بفتح الذال المُعجمة، أي: سَريعًا كثيرًا. (فأُثني) مبنيٌّ للمفعول.

7 - باب الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم

(خيرًا) بالنَّصب صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أو منصوبٌ بنَزْع الخافِض. * * * 7 - بابُ الشَّهَادَة عَلَى الأَنسَابِ، وَالرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ، وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ". وَالتَّثبُّتِ فِيهِ. (باب الشَّهادة على الأَنْساب) (الرَّضاع) بفتح الراء. (القديم)؛ أي: العَتيق الذي تَطاول الزَّمان عليه. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) هو طرَفٌ من حديثٍ وصَلَه في (الرَّضاع)، من حديث أُم حَبِيْبة بنت أبي سُفيان. (أبا سَلَمَة) بفتح اللام: ابن عبْدِ الأَسَد المَخْزُومي، أسلَم وهاجر مع زوجته أُم سَلَمَة، ومات سنة أربع، فتزوَّجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (ثُويبة) بالمثلَّثة، ثم موحَّدة، مصغَّر: مولاةُ أبي لَهَب، أرضعَتْ أولًا حمزة، وثانيًا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وثالثًا أبا سلَمَة. * * *

2644 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فَقَالَ: أتحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ؟ فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي، فَقَالَتْ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ". الحديث الأول: (الحكم) بفتح الكاف: ابن عُتَيبة، مصغَّر العتَبة، فِناء الدَّار. (عِرَاك) بكسر المهملة، وخفَّة الرَّاء، وبالكاف، الغِفَاري، مرَّ في (الصلاة). (أفْلَح) بفتح الهمزة، وسُكون الفاء، وفتح اللام، وبالمُهملة: أبو الجَعْد، أخو أَبي القُعَيْس، بضم القاف، وفتح المُهملة، وآخره مهملةٌ. وفيه إثبات التَّحريم بلَبَن الفَحْل، وأنَّ زَوج المُرضِعة بمنْزلة الوالد للرَّضيع، وأخاه بمنزلة العَمِّ. قال (ط): اللَّفظ عامٌّ، ومعناه خاصٌّ، وتفصيله: أنَّ الرَّضاع يَجري عُمومه في تحريم نكاح المرضِعة وذوي أرحامها على الرَّضيع مَجرى النَّسَب، ولا يجري في الرَّضيع وذوي أرحامه مَجراه، وذلك أنَّه إذا أرضعتْه صارتْ أُمًّا له، يحرم عليه نكاحها، ونكاح مَحارمها، وهي لا تحرم على أبيه، ولا على ذوي أنْسابه غيرِ أولاده، فيجري

الباب عُمومًا في أحَد الشِّقَّين، وخُصوصًا في الشِّق الآخَر. * * * 2645 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في بِنْتِ حَمْزَةَ: "لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ". الحديث الثاني: (الرِّضاعة) بكسر الراء وفتحها، كما في الرِّضاع. * * * 2646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرتْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَهَا، وَأنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ في بَيْتِ حَفْصَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُرَاهُ فُلَانًا -لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ-، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ في بَيْتِكَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرَاهُ فُلَانًا" -لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ-، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلَان حَيًّا -لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ- دَخَلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نعمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ".

2647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدِي رَجُلٌ، قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! مَنْ هَذَا"؟ قُلْتُ: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ". تَابَعَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ. الحديث الثالث، والرابع: (انْظُرْنَ) بضم المعجمة، مِن النَّظَر، بمعنى التفكُّر والتأمُّل. (مَنْ) استِفهام. (المَجَاعَة) الجُوع، أي: الرَّضاعة المُحرِّمة إنما تكون في الصِّغَر، حتى يَسدَّ الرَّضيع جوعتَه، أما بعد ذلك فلا، كأنَّه لا يسدُّ جوعتَه حينئذ إلا الخُبز، فقوله: (إنَّما الرَّضاعةُ مِنَ المَجَاعَةِ) بيانٌ لعلةِ إمْعان النظَر، إذ ليس كل مَن أُرضِعَ لبَن أمُهاتكنَّ يصير أخاكُنَّ؛ فإنَّ الرَّضيع في الصِّغَر هو الذي يُنبت اللَّحم ويُقوِّي العظم، فيصير به كجُزءٍ من المُرضعة، فيكون كسائر أولادها. وقيل: المراد أنَّ المَصَّةَ والمصَّتين لا تسدُّ الجُوع، بل لا بُدَّ من خَمْس رضَعاتٍ في الحولَيْن، فلا أثَر للرَّضاعِ بعد الحولَين، ولا فيهما دون الخَمْس، كما دلَّت عليه السنَّة، فلا بُدَّ من اعتبار المِقدار والزَّمان. (تابعه ابن مهدي) وصلَه مسلم.

8 - باب شهادة القاذف والسارق والزاني

واعلم أنَّه ليس فيما أورده من الأحاديث ذِكْر المَوت المذكور في التَّرجمة، إلا أنَّه قياس على الرَّضاع. قال (ط): مقصود الباب أنَّ ما صحَّ من الأنْسابِ، والموتِ، والرَّضاعِ بالاستفاضة، وثبتَ في النُّفوس لا يحتاج فيه إلى معرفة الشُّهود، ولا إلى عدَدهم، ألا تَرى أنَّ الرَّضاع الذي كان في الجاهليَّة مُستَفيضًا مَعلومًا عندهم ثبتَتْ به الحُرمة في الإِسلام. * * * 8 - باب شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إلا الَّذِينَ تَابُوا}. وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعًا بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ: مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ. وَأَجَازَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُتْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَشُرَيْحٌ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: الأَمْرُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ الْقَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادتُهُ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقتادَةُ: إِذَا أكذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ وَقُبِلَتْ شَهَادتُهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا جُلِدَ الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اسْتُقْضِيَ الْمَحْدُودُ فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغيرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ وَالْعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ. وَكيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ؟ وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الزَّانِيَ سَنَةً. وَنهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلَامِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَصاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً. (باب شَهادة القاذِف) (شِبْل) بكسر المعجمة، وسكون الموحَّدة: هو أخو أبي بَكْرَة لأُمه. (ونافعًا) هو ابن الحارث، أخو أبي بَكْرة لأبيه وأُمه، والثَّلاثة صحابةٌ شَهدوا مع أخٍ آخَر لأبي بَكرَة لأُمِّه -اسمه زِيَاد- على المُغِيرة بالزِّنا، لكنْ لم يَجزِم زيادٌ بالشَّهادة بحقيقة الزِّنا، فلم تَثبُتْ، فلم يُحَدَّ المُغِيرةُ، وجُلِدَ الثَّلاثة، واسم أُمهم: سُمَيَّة، بضم المُهملَة، وتشديد الياء.

وزِيَاد ليس له صُحبةٌ ولا روايةٌ، وكان من دُهاةِ العرَب وفُصحائهم، مات سنة ثلاثٍ وخمسين. (بعض الناس)؛ أي: الحنفيَّة، وغرَضه بَيان تَناقُض قولهم، فلم يُجوِّزوا شَهادة القاذِف، وصحَّحوا النكاح بشهادته، والتحكُّم حيث جوَّزوا شَهادة المَحدود، ولم يُجوِّزوا شهادة العبد، مع أنَّهما عندهم ناقِصان، وحيث خصَّصوا شَهادة الهلال من بين سائِر الشَّهادات. قال (ط): ذَكَر قولَ أبي حنفية ليُلزمَه التَّناقُضَ في إجازته النكاح بشهادة مَحدودَين. قال: وقال أبو حنيفة: لا تُقبَل شهادة القاذف أبدًا وإنْ تابَ، وأما المَحدود بالزِّنا، والسَّرِقة، والخمر؛ فإذا تابوا قُبلتْ شهادتهم، وقال: الاستِثناء في قوله تعالى: {إلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] راجعٌ إلى الفِسق خاصةً، وقال الشَّافعي: راجعٌ إلى قَبول الشَّهادة أيضًا، والخلاف معروفٌ في الأصول. ثم إنَّ القياس على الزَّاني والقاتِل والشَّارب، بل على الكافر يقتضي القَبول؛ إذ التَّوبة تَمحو الكُفر، فما دُونه أَولى. ثم إن عمرَ جلد القاذِفِين للمُغِيرة واستتَابهم، وقال: مَن تاب قُبلتْ شهادتُه، وأقرَّه الصَّحابة، ولو كان تأْويل الآية كما أوَّلَه الكوفيون لم يَسكتُوا، ولقالوا لعُمر: لا تَجوز شَهادة القاذِف. (وكيف تعرف توبته) عطفٌ على المُترجَم عليه، وكثيرًا ما يفعل

البُخاريُّ مثلَه، يُرْدِف ترجمةً على ترجمةٍ وإنْ بَعُدَ ما بينهما، فهو من جُملة التَّرجمة كترجمةٍ على شيءٍ آخر. ثم بيَّن كيفية المعرفة بالتَّوبة بتغريبِ مَن يُغرَّب مدةً معلومةً، وبهجران الشَّخص مدةً معلومةً حتى تتحقَّق التوبة ويحسُن الحال، وهو معنى قول أصحابنا: لا بُدَّ مِن مدةِ الاستِبراء. وقيل: أشار بذلك إلى أن التَّوبة تُعرف بالقَرَائن، وفي قصَّة كعبٍ دليل عليه؛ فإنه لم تُعرف توبتُه إلا بعد مدَّةٍ. وأما مناسبة حديث السَّارقة فبقولها: (وحسُنَتْ توبتُها)، وحديث الزاني بقوله - صلى الله عليه وسلم - في مَاعِزٍ: (التَّوبَة حصلتْ بالحَدِّ)، وهذا مثلُه. (ونفي)؛ أي: غُربةٌ عن البلَد، هو طرَفٌ من حديث العَسِيْف، وهو في (النِّكاح)، وفي (الحُدود)، وغيرهما. (ونهى) هو طرَفٌ من قصَّة تَوبة كعب في (المَغازي). (وصاحبيه)؛ أي: مُرارَة بن الرَّبِيع، وهِلال بن أُميَّة؛ الثلاثةُ الذين خُلِّفوا في غزوة تَبوك، فالتخلُّف بغير إذْنه معصيةٌ كالسَّرِقة. * * * 2648 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونس. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في غَزْوَةِ الْفَتْح، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ

أَمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (وقال الليث) وصَلَه أبو داود. قال (ط): استدلَّ البخاري على أنَّه لا حاجةَ في التَّوبة إلى إكْذاب نفْسه، بأنه لم يشرط ذلك على الزَّاني في مدَّة التَّغريب، ولا على كعبٍ وصاحبيه في الخَمْسين، وبحديث عائشة على أنَّ السَّارق إذا تابَ وحسُن حالُه قُبلتْ شهادتُه، وبحديث زيد أنَّه لم يشترط على الزَّاني بعد الجلد والتَّغريب أن لا تُقبَل شهادته، ولو كان ذلك شَرطًا لذكَره. * * * 2649 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنىَ وَلَمْ يُحْصِنْ بِجَلْدِ مئةٍ وتغريبِ عامٍ. (لم يُحَصن) بفتح الصاد وكسرها. وفيه أن التَّغريب لازمٌ شرعًا. * * *

9 - باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد

9 - بابٌ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ جَوْرٍ إِذَا أُشْهِدَ 2650 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَأَلتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلَامٌ، فَأَتَى بِيَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ: "أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ"؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: "لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ". وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: "لَا أَشْهَدُ عَلَى جَورٍ". (باب: لا يَشهَد على جَوْرٍ) الحديث الأول: (بدا)؛ أي: ظهَر، أي: نَدِمَ مما كان منَعه أولًا. (بنت رَوَاحة) بفتح الراء، وخفَّة الواو، وبمهملةٍ، اسمها: عَمْرَة، وسبق الحديث في (باب: ما لا يُردُّ من الهديَّة). (جور)؛ أي: مَيْل عن الاعتِدال، والمَكروه جَورٌ أيضًا، فلا يُؤخذ منه أنَّه حرامٌ، فقد قال الجُمهور بالجَواز. * * *

2651 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُكُمْ قَرْني، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ". قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ قَرْنينِ أَوْ ثَلَاثَةً؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". الثاني: (جمرة) بالجيم، وبالراء، وفي الحديث: "إنَّ خير الأُمة الصَّحابة، ثُمَّ التابِعون، ثُمَّ تبَعُ التَّابعين". (بعد قرنه) في بعضها: (بعدُ) مبنيًّا على الضمِّ على نيَّة الإضافة. والقَرْنُ: أهل زمانٍ واحدٍ، أي: أهل عصر متقاربةٌ أسنانُهم، مشتقٌّ من الأقران في الأمر الذي يجمعُهم، وقيل: لا يكون قَرنًا حتى يكون في زمانٍ، أو رئيسٍ يجمعُهم على ملَّةٍ أو رأْيٍ، [أو مذهبٍ، قيل: سبعون سنةً، أو ثمانون سنةً، أو مائةٌ، أو مائةٌ وعشرون] (¬1)، والمُراد هنا الصَّحابة. (قومًا) في بعضها: (قوم)، فيحتمل أنَّه منصوبٌ كُتب بلا ألفٍ بناءً على لُغة ربيعة، أو اسم إنَّ ضمير الشَّأْن محذوفٌ على ضَعْف. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

(ولا يؤتمنون)؛ أي: لا يثِق النَّاسُ بهم، ولا يَعتقدونَهم أُمَناء، أي: تكون لهم خِيانةٌ ظاهرةٌ بحيث لا يبقَى للناس اعتمادٌ عليهم. (ويشهدون) يحتمل: يتحمَّلون بلا تحمُّلٍ، أو يُؤدُّون بلا طلَبٍ. وشَهادة الحِسْبة وإنْ جاز تأديتُها بلا طلَبٍ لكنَّ المَذموم هنا المُراد عُموم شهادتهم في هذا وفي غيره، وقد جُمع بين هذا وبين حديث: "خَيْرُ الشُّهَداء الذي يَأْتي لشَهادتهِ قَبْل أن يُسألها"، فإنَّ ذاك في حُقوق اللهِ تعالى، وللذَّمِّ فيما كان في حُقوق الآدميين، وقيل: المَذموم الشَّهادة على الغَيب في أمرِ الخلْق، فيشهد لقَومٍ أنهم من أهل النَّار، ولغَيرهم بغير ذلك. (وَيَنْذرُون) بفتح الباء، وكسر الذال المُعجمة وضمها، مِن النَّذْر الحامِل على نفْسك تبرُّعًا من عبادةٍ أو صدقةٍ. ولا يُعارِض هذا حديثَ النَّهي عن النَّذْر، بل هو تأكيدٌ لأمره، وتحذيرٌ من التَّهاوُن به بعد إيجابه. * * * 2652 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ، ثُمَّ يَجيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ". قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ.

الثالث: (السمن) أي: يحبُّون التوسُّع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السِّمَن، وفي الحديث: "يَكُونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يسمنون"، أي: يتكثَّرون بما ليس فيهم، ويدَّعون ما ليس لهم من الشَّرَف، وقيل: جمعهم الأموال، وقال المُهلَّب: معناه ليس لهم إلا كثْرة الأكل، ولا رغبةً لهم في الآخرة؛ لغلَبة شهَوات الدُّنيا عليهم. قال: والشَّهادة المَذمومة أن يقول في اليَمين: أُشهِدُكما. (وقال إبراهيم) النَّخَعي: (كانوا يضربوننَا على الشَّهادة)، أي: قَولِ الرَّجل: أشهَدُ بالله ما كان كذا، على معنى الحَلِف، فكُرِه ذلك كما كُرِه الحَلِف والإكثار منه؛ وإنْ كان صادقًا فيها، واليمين قد تُسَمَّى شهادةً، كما قال تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6]، وقال إبراهيم: وكانوا يَنهوننَا ونحن غِلْمان أن نحلِف بالشَّهادة والعَهْد. (تسبق) وجه تقدُّم الشَّهادة على اليمين وبالعكس أنَّه على حالَين، حتى لا يَلزم دَورٌ، أي: أنهم يحرِصون على الشَّهادة مَشغُوفين بترويجها، يحلِفُون على ما يَشهدون به، فتارةً يحلفون قبل أن يَأْتُوا بالشَّهادة، وتارةً بالعكس. ويحتمل أن يكون مثلًا في سُرعة اليَمين والشَّهادة، وحِرْص الرجل عليها حتى لا يَدري بأيِّهما يَبتدئ، فكأنه يَسبِق أحدُهما الآخر من قِلَّة مبالاته بالدِّيْن.

10 - باب ما قيل في شهادة الزور

واحتجَّ به المالكيَّة في رَدِّ شَهادةِ مَن حلَف معها. * * * 10 - بابُ مَا قِيلَ في شَهَادَةِ الزُّورِ لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}. وَكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. {تَلْوُوا} ألْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ. (باب ما قِيْل في شَهادة الزُّور) وهو وصفُ الشَّيء بخلافِ صِفَته، فهو تَمويهُ الباطِل بما يُوهِم أنَّه حقٌّ، والمراد به هنا الكَذِب. (تلووا) من اللَّيِّ، وهو إشارةٌ إلى قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [البقرة: 135] الآية، أي: إن تَلْوُوا ألسنتَكم بالشَّهادة، أو تُعرضوا عن أدائها؛ فإنَّ الله يُجازيكم عليه. ولو فصَل البخاريُّ بين لفظ: (تلووا)، ولفظ: (ألسنتكم)، بمثل: أي، أو يعني؛ لتَمييز القُرآن عن كلامه = كان أَولى. * * *

2653 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ، وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْكَبَائِرِ، قَالَ: "الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ". تَابَعَهُ غُنْدَرٌ، وَأَبُو عَامِرٍ، وَبَهْزٌ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ شُعْبَةَ. الحديث الأول: (العقوق) من العَقِّ، وهو القَطْع، ومعناه: كلُّ ما تأَذَّى به الوالدان، وليس فعلُه واجبًا، فطاعتُهما واجبةٌ فيما ليس بمعصيةٍ، ومخالفةُ أمرهما فيه عُقوقٌ. أما تعريف الكبيرة فقد سبَق الخِلاف فيه في (باب: الاستِبراء من البَول)، وما ورد من الأعداد فيها، فلا تعارُض فيه لعدَم اعتِبار مفهوم العدَد، وإنما خصَّص هذه الأربعة بالذِّكر هنا؛ لأنها أكبرُها، للحديث الآتي، ولأن الله تعالى أوْعَدَ على القتْل بما أوْعَدَ على الشِّرك حيث قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] الآية. (تابعه غُنْدَر) موصولٌ في (الأدب). (وأبو عامر)؛ أي: عبد الملك العَقَدي، وصَلَه ابن مَنْدَه في كتاب "الإيمان". (وبهز) وصلَه أحمد. (عبد الصمد) موصولٌ في (الدِّيَات). * * *

2654 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ"؟ ثَلَاثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ"، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. الحديث الثاني: (جلس)؛ أي: للاهتمام بهذا الأمر، وهو يُفيد تأكيد تَحريمه، وعظم قُبْحه. (ليته) إنَّما تمنَّوا ذلك خَوفًا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكراهةً لمَا يُزعجه. وكون غيرِ الشِّرك من الأمرَين الأخيرَين من أكبر الكبائر؛ لأنهما يُشبهانه من حيث إنَّ الأب سبَبُ وجود الولَد ظاهرًا، وهو يُرَبِّيه، ومن حيث إنَّ الزُّور يُثبت الحقَّ لغير مستحِقِّه، ولذلك ذكرهما الله تعالى في سِلْكه حيث قال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30]. أما كِتْمان الشَّهادة المذكور في التَّرجمة فليس صَريحًا في هذَين الحديثَين، لكن عُلم من القياس عليه؛ لأنَّ تحريم شَهادة الزُّور لإبطال الحقِّ، والكِتْمان يُبطله أيضًا. (وقال إسماعيل) موصولٌ في (باب: استِتابة المرتدِّين). * * *

11 - باب شهادة الأعمى، وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره، وما يعرف بالأصوات

11 - بابُ شَهَادَةِ الأَعْمَى، وَأَمْرِهِ وَنِكَاحِهِ وَإِنكَاحِهِ ومُبَايَعَتِهِ وَقَبُولِهِ في التَّأْذِينِ وَغَيْرِهِ، وَمَا يُعْرَفُ بِالأَصوَاتِ وَأَجَازَ شَهَادَتَهُ قَاسِمٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إِذَا كَانَ عَاقِلًا. وَقَالَ الْحَكَمُ: رُبَّ شَيْءٍ تَجُوزُ فِيهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةٍ أكُنْتَ تَرُدُّهُ؟! وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبْعَثُ رَجُلًا إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ أَفْطَرَ، وَيَسْأَلُ عَنِ الْفَجْرِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: طَلَعَ صَلَّى رَكعَتَيْنِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَار: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَعَرَفَتْ صَوْتِي، قَالَتْ: سُلَيْمَانُ! ادْخُلْ؛ فَإِنَّكَ مَمْلُوكٌ، مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَيْءٌ. وَأَجَازَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ مُنْتَقِبَةٍ. (باب شَهادة الأَعمَى) (إذا كان عاقلًا) أراد فَطِنًا للقَرائن، دَرَّاكًا للأُمور الدَّقيقة، وإلا فاشتِراطُ العقل جارٍ في جميع الشَّهادات.

(تجوز فيه) مبنيٌّ للمفعول، أي: خُفِّف فيه، ومراده: يُسامح في شَهادة الأعمى في بعض الأشياء التي تَليق بالمسامحة والتَّخفيف. (أكنت ترده)؛ أي: لا تردُّه، مع [أن] ابن عبَّاس كان أعمى، وكان ابن عبَّاس يَبعث رجلًا يتفحَّص عن غَيبوبة الشَّمس، فإذا أخبره بها أفطر. ووجه تعلُّق هذا بالتَّرجمة: بَيان قَبول الأعمى قَولَ الغَير في الغُروب والطُّلوع، أو بيان أمْرِ الأعمى غيرَه. (فإنك مملوك ما بقي عليك شيء)؛ أي: من مال الكِتابة، وقد استُشكل هذا بأنَّه كان مُكاتبًا لميمونة لا لعائشة؛ فيُؤوَّل إما أنَّ: (على) في: (استأذنت على عائشة)؛ بمعنى: (مِن)، أي: استأذنتُ منها، أي: استفتيتُها في الدُّخول على مَيمونة فقالت ذلك، أو كان من مذهب عائشة أن النَّظَر إلى العبد الأجنبيِّ حلالٌ، أو يُمنَع كونه مُكاتبًا لغير عائشة. (منتقبة) من الانتِقاب، وفي بعضها: مِن التَّنقُّب، أي: ذات نِقاب. * * * 2655 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجدِ فَقَالَ: "رَحِمَهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي

كَذَا وَكَذَا آيَةً، أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا". وَزَادَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ: تَهَجَّدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتِي، فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي في الْمَسْجدِ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ" أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا"؟ قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "اللهُمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا". الحديث الأول: (وزاد عَبَّاد) وصَلَه أبو يَعلى في "مسنده" وهو ابن عبد الله بن الزُّبَير بن العوَّام، التَّابعي، وهو غير عَبَّاد بن بِشْر الأَنْصاري الصَّحابي، وإنْ أوهَم كلامُ البُخَارِيّ أنهما واحدٌ. وفي بعض النُّسخ: (فسَمِعَ صوتَ عَبَّاد بن تميم) وهو سهوٌ. وفيه جواز رَفْع الصَّوت في المَسجِد بالقراءة في اللَّيل، والدُّعاء لمن أصابَ الإنسانُ من جهته خيرًا وإنْ لم يقصِدْه ذلك الإنسانُ، وجواز النِّسيان عليه - صلى الله عليه وسلم - فيما قد بلَّغَه للأُمة. * * * 2656 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ، أَوْ قَالَ: حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ". وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى، لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ النَّاسُ: أَصبَحْتَ.

12 - باب شهادة النساء وقوله تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان}

الحديث الثاني: سبق في (باب: الأذان). * * * 2657 - حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فتكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَوْتَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ قَبَاءٌ، وَهُوَ يُريهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولَ: "خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ". [الحديث] الثالث: سبق كثيرًا. * * * 12 - بابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} 2658 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَني زيدٌ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -،

13 - باب شهادة الإماء والعبيد

عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ألَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادةِ الرَّجُلِ"؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا". (باب شَهادة النِّساء) سبَق الحديث فيه في (كتاب الحيض). * * * 13 - بابُ شَهَادَةِ الإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ وَقَالَ أَنسٌ: شَهَادَةُ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا. وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ، وَزُرَاةٌ بْنُ أَوْفَى. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ، إلا الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ. وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ في الشَّيْءِ التَّافِهِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلُّكُمْ بَنُو عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ. (باب شَهادةِ الإماء والعَبيد) (التافه) بمثناةٍ، وفاؤُها مكسورةٌ، أي: القَليل. (وقال شريح: كلكم بنو عبيد وإماء) كذا لأكثَرهم، وعن ابن السَّكَن: (كلُّكُم عبيدٌ وإماءٌ). * * *

2659 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، أَوْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ: أنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ، قَالَ: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فتنَحَّيْتُ، فَذَكرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: "وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا"؟ فَنَهَاهُ عَنْهَا. (أَمة سوداء) قال الإِسْمَاعيلي في "مُستخرَجه" بعد أن روى الحديث مِن حديث عُمر بن سَعيد، عن ابن أبي مُلَيْكَة: حَدَّثني عُقْبة ابن الحارِث قال: تَزوَّجتُ ابنةَ أبي إهابٍ، فلمَّا كانت صَبيحة ملْكِها جاءتْ مولاةٌ لأهل مكَّة فقالتْ: إنِّي قد أَرضعتُكما، قال عُقبة: فركبتُ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمَدينة، فذكرتُ ذلك له، وقلتُ: وسألتُ أهل الجَارية فأَنكَروا، فقال: "كَيفَ وقَدْ قِيْل؟ "، ففارقَها، ونكَحت غيرَه. قال: فمِن حيث صحَّح البُخَارِيّ حديثَ ابن جُرَيج عن ابن أبي مُلَيْكة، فقد صحَّ حديث عُمَر بن سَعيد عنه، وهو يروي: (مولاةً لأهل مكة)، وقد يُدْعى بهذا الاسم مَن كانت حرَّةً، وعليها الوَلاء؛ لأنه يُريد تَحقيرها وتَصغيرها. (فتحينت)؛ أي: انتظَرتُ حين الكلام ووقتَه طالبًا للفُرصَة، وفي بعضها: (تنَحَّيْتُ).

14 - باب شهادة المرضعة

(فنهاه)؛ أي: نهيَ تنْزيهٍ. * * * 14 - بابُ شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ (باب شَهادة المُرضِعة) 2660 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "وَكيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ دَعْهَا عَنْكَ"، أَوْ نَحْوَهُ. (دعها)؛ أي: اترُكْها بعيدةً متجاوزةً. (عنك) ومرَّ الحديث في (باب: الرِّحلة في طلَب العِلْم). (حديث الإفك) أصل معناه الكَذِب، والمراد الكَذِب على عائشة رضي الله عنها، وكانت قصَّتُها في غَزوة المُريسِيع، قيل: في رمضان سنة ستٍّ، وسيأتي في ذلك إشكالٌ في ذكر سَعْد بن مُعاذ فيه. * * * 15 - بابُ تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا 2661 - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ

أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِنْهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ وَأثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا. زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا في غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ في هَوْدجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَتهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدجَ، فَاحْتَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا،

فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نائِمٍ، فَأَتَانِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِيءَ يَدَهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أتيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نزلُوا مُعَرِّسِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتكَيْتُ بِهَا شَهْرًا، يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الإفْكِ، وَيَرِيبُنِي في وَجَعِي أَنِّي لَا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يدخلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: "كيْفَ تِيكُمْ"؟ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ مُتبرَّزُنًا، لَا نَخْرُجُ إلا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نتَّخِذ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ في الْبَرِّيَّةِ، أَوْ في التَّنَزُّهِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحِ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي، فَعَثَرَتْ في مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أتسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَتْ: يَا هَنْتَاهْ! أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا؟ فَأَخْبَرتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ فَقَالَ: "كَيْفَ تِيكُمْ"؟ فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِي

إِلَى أَبَوَيَّ. قَالَتْ: وَأَنا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأمِّي مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وَضِيئةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إلا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا؟! قَالَتْ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زيدٍ حِينَ استَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُمَا في فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ في نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا نَعْلَمُ وَاللهِ إلا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كثيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ فَقَالَ: "يَا بَرِيرَةُ" هَلْ رَأَيتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ"؟ فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنِ الْعَجينَ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ في أَهْلِي؟ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إلا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلا خَيْرًا، وَمَا كانَ يدخلُ عَلَى أَهْلِي إلا مَعِي"، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا وَاللهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ؛ إِنْ كَانَ مِنَ

الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وِإنْ كَانَ مِنْ الْخَزْرجَ أَمَرْتنا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ! لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ! وَاللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ، قَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كبِدِي. قَالَتْ: فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسَ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ في مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكُثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ في شَأْنِي شَيْءٌ، قَالَتْ: فتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كنْتِ ألمَمْتِ فَاسْتَغْفِرِي الله وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ"، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالتهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا

مِنَ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ، وَوَقَرَ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئة -وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئة- لَا تُصَدِّقُوني بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئةٌ- لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلَا إلا أَبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللهُ، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ في شَأْنِي وَحْيًا، وَلأَنا أَحْقَرُ في نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ في أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ، فَوَاللهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ في يَوْمٍ شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي: "يَا عَائِشَةُ! احْمَدِي الله فَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ"، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: لَا، وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إلا الله، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الَآيَاتِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا في بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه -، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَح بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قَوْلهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي

كَانَ يُجْرِي عَلَيهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ زَينَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: "يَا زينَبُ! مَا عَلِمْتِ؟ مَا رَأَيْتِ"؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلا خَيْرًا، قَالَتْ: وَهْيَ الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرعِ. 2661 / -م - قَالَ: وَحَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، مِثْلَهُ. (باب تَعديل النِّساءِ بعضِهنَّ بعضًا) (وأفهمني) عدَلَ عن: حدَّثني أو أخبرني؛ للإشعار بأنه فَهَّمه بعض معاني الحديث ومقاصدَهُ لا لفظَه. (أَحْمد) في بعض النسخ: (أَحْمد بن يونسُ)؛ أي: شيخ الإِسلام. (طائفة)؛ أي: بعضًا. (أوعى)؛ أي: أحفَظ وأحسَن إيرادًا، وسَرْدًا للحديث، لا يُقال: بين قَوله أوَّلًا: (كلُّهم حَدَّثني طائفةً)، وثانيًا: (وعَيتُ عن كلٍّ منهم الحديثَ) تَنافٍ؛ لأن المراد بالحديث البعض الذي حدَّثه منه، فإنَّ الحديث يُطلَق على الكُلِّ والبعض. وهذا الذي فعلَه الزُّهْرِيّ مِن جمْعه الحديثَ عنهم جائزٌ بلا

كراهةٍ؛ لأنَّ الكلَّ أئمةٌ حفَّاظٌ ثقاتٌ على شَرْط البُخَارِيّ، وقد اتفَقوا على أنَّه لو قال: حدَّثني زيدٌ أو عمرو، وهما ثِقَتان جاز الاحتِجاج به. (وبعض حديثهم) يُؤَول إلى أنَّ بعض مَن حدَّث يُصدِّق بعضًا، فنسبة التَّصديق للحديث لاستِلزامه ذلك. (زعموا) سبَقَ مرَّاتٍ أن الزَّعم يُطلَق على القَول المُحقَّق، ونسبة الزَّعم إليهم؛ لأن بعضهم صرَّح بالبعض، وبعضُهم صدَّق الباقي، ولم يقُل صريحًا. (أقرع) قال أبو عُبَيد: عَمِل بالقُرعة ثلاثةٌ من الأنبياء: يُونس، وزَكريا، ومحمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فلا معنى لقَولِ مَن أبطلَها. (فأيتهن) هو الوَجْه، ويُروى: (فأَيُّهنَّ). (الحجاب)؛ أي: آيةُ الحِجَاب. (هَوْدجَ) هو القُبَّة التي تُحمل فيها المرأة، وهي الخِدْر، وهو بفتح الهاء، والدال، والجيم. (وقفل): رجَعَ. (آذن) من الإيذان، أو مِن التَّأْذين، أي: أَعلَم. (بالرحيل) مَن نَصَبَ، وأسقَط الباء؛ فهو إغراءٌ مَحكيٌّ. (قضيت شأني)؛ أي: قَضاء الحاجَة، يُكنى بذلك عَمَّا يُستقبَح ذِكرُه. (الرحل) مَتاع المُسافِر، ومَحِلُّه. (عِقد) بكسر العَين، أي: قِلادةٌ.

(جَزْع) بفتح الجيم، وسُكون الزاي: الخَرَز اليَمَاني، وهو الذي فيه سوادٌ وبياضٌ. (أظفار) كذا الرِّواية بالهمزة، وقال (خ)، وغيره: الصَّواب: ظَفَارِ، بفتح الظاء، وكسر الراء، مبنيٌّ، كحَذَامِ، مدينةٌ باليمَن يُنسب إليها الجَزْع، وكذا ذكَرهُ البُخَارِيّ في (كتاب المَغازي)، فما هنا وَهمٌ. وبعضهم وجَّه الأوَّل بأنَّ الأَظْفار عُودٌ طيِّبُ الرِّيح، فجاز أن يُجعَل كالخَرَز، فيُتحلَّى به؛ إما لحُسْن لَونه، أو طِيْب ريحه. وقيل: الظُّفْر نَوعٌ من العِطْر، وقيل: هو ما اطمَأَنَّ من الأرض. (يَرْحَلون) بفتح الياء، وتخفيف الحاء، قال (ع): رحَلْتُ البعير، مخفَّفًا، شدَدْتُ عليه الرَّحْل، وعند أبي ذَرٍّ: بضمِّ الياء، وتشديد الحاء، وكذا: (فرحلوه) بتشديد الحاء، لكنَّ المعروف التَّخفيف، وفي بعضها: (يَرحَلُون إليَّ)، وفي بعضها: (لي). (لم يغشهن)؛ أي: لم يكُنَّ سَمينات، وفي روايةٍ في (المغازي): (لم يَهبُلهنَّ اللَّحم) بضم الباء وكسرها، أي: لم تَكثُر شُحومهنَّ عليهنَّ. (العُلقة) بضم العين: البُلْغة، وأصله شجرٌ يَبقى في الشِّتاء تعلَق الإبلُ، أي: تَجتزئ به حتَّى تُدرِك الرَّبيعَ، ويُقال للعُلْقة أَيضًا: بُلْغةٌ من القُوت. (فبعثوا)؛ أي: أَقاموه.

(استمرّ) استَفْعَل مِن مَرَّ، ومنه شجَرٌ مُستمِرٌّ، أي: ذاهِبٌ. (فأممت) بتشديد الميم، أي: قصَدتُ، وحكى السَّفَاقُسيُّ تخفيفَها. (فظننت)؛ أي: علِمتُ. (سيفقدوني) بنونٍ واحدةٍ، إما بحذف نونٍ أُخرى، وإما مشدَّدةٍ، ويُروى بنونيَن مَفكُوكًا. (صَفوان بن المُعَطّل) بضم الميم، وفتح المهملة، وتشديد الطَّاء المهملة المفتوحة. (السُلَمي) بضم المهملَة، وفتح اللام. (الذكواني) بفتح المُعجَمة، كان رجُلًا خَيِّرًا فاضِلًا عَفيفًا، قُتِل في غَزاة أَرمينية شَهيدًا سنةَ تسعَ عشْرةَ. (سواد)؛ أي: شخصَ. (فاستيقظت)؛ أي: تنبَّهتُ من نَومي. (باسترجاعه)؛ أي: بقوله: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، فيحتمل أنَّه شَقَّ عليه ما جَرى عليها، أو يكون عدَّها مُصيبةً لمَا وقَع في نفسه أنَّه لا يَسْلَم من الكلام. (فوطئ يَدَهَا)؛ أي: وَطِيء صَفوان يدَ الرَّاحلة ليَسهُل الرُّكوب عليها، ولا تحتاج إلى مساعدته إيَّاها. (مُعرسين)؛ أي: نازِلين، فهو دليلٌ لقَول أبي زَيْدٍ: التَّعْرِيس هو

النُّزول في أبِي وقْتٍ كان، وإنْ كان المَشهور أنَّه النُّزول آخِرَ اللَّيل. (نحو الظهيرة)؛ أي: وقْت القائِلة وشِدَّة الحرِّ، والنَّحر: هو الأول والصَّدر، والمعنى: أنَّ الشَّمس إذا بلغَت مُنتهاها من الارتفاع فكأَنَّها وصلَتْ إلى النَّحر، وهو أعلى الصَّدر، والظَّهيرة شِدَّة الحرِّ. (فهلك)؛ أي: ارتكَب سبَب الهلاك، وهو الإِفْك. (تولى)؛ أي: تقلَّد، وتَصدَّى. (أُبَيّ) بضم الهمزة، وفتح الموحَّدة، وتشديد الياء. (بن) صفةٌ لعبد الله، فيُكتب بلا أَلْفٍ. (سَلَول) بفتح المُهملة، وخفَّة اللام الأُولى، غير مُنصرِفٍ، علَمٌ لأُم عبد الله. (يفيضون)؛ أي: يُشيعون الحديثَ، مِن الإفاضَة، وهو التَّكثير، والتَّوسعة، والدَّفْع. (يَريبني) بفتح الياء وضمّها؛ لأنَّ رابَ وأَرابَ بمعنًى من الشَّكِّ والوَهم. (اللُطْف) بضم اللام، وسكون الطاء، ويُروى بفتحهما معًا أَيضًا، وهي روايةٌ كما قال ابن الأَثير، ومعناه: البِرُّ والرِّفْق. (تيكم) إشارةٌ لمؤنَّثٍ، والخِطاب لجمْع مذكَّرٍ، كما في: ذلِكُم، في إشارة المذكَّر، وهذا يدلُّ على لُطْفٍ من حيث سُؤاله عنها، وعلى نَوعِ جَفاءٍ من قوله: (تِيْكُم).

(نقهت) قيل: بَرَأَتْ وَزْنًا ومعنًى؛ قاله (ع)، وحكى الجَوْهريّ، وابن سِيْده الكَسْرَ أَيضًا، والنَّاقِهُ الذي بَرأَ من المرض، وهو قَريبُ عهدٍ به، لم يَتراجَع إليه كما في صِحَّته. (أم مِسْطَح) علَمًا: بكسر الميم، وسُكون السِّين، وفتْح الطاء المهملتَين، واسمها: سَلْمَى، وكانتْ من أشدِّ النَّاس على ابنِها مِسْطَح في شَأْن الإِفْك. (قِبَل) بكسر القاف: جِهَةَ. (المناصع) بنونٍ، ومُهملتَين: مَواضع خارجَ المدينة يتبرَّزون فيها. (متبرزهما) اسم المكان، بدَلٌ، أو بيانٌ للمَناصِع. (الكُنُف) جمع كَنِيْف، والكَنِيْف هو السَّاتِر. (الأول) بلفْظ المفرَد والجمْع؛ للأَمْر أو للعرَب. قال ابن الحاجِب: الرِّواية المَشهورة الإفْراد، ومنه قولكَ: الرِّجالُ الأُخَر. قال: ووجْه رواية الجمْع أن يُقدَّر العرَب اسمَ جمعٍ تحته جُموعٌ، كلُّ واحدٍ عرَبٌ، أو جماعةٌ، فتصير مفردةً بهذا التَّقدير. (البرية): البَادِيَة. (التنزه)؛ أي: طلَب النَّزاهة بالخُروج إلى الصَّحراء، تُريد أنَّهم بعدُ لم يتخلَّقوا بأخلاق العجَم.

(رُهْم) بضم الرَّاء، وسُكون الهاء. (عَثَرت) بفتح المثلَّثة. (مِرطها) بكسر الميم: الكِسَاء من الصُّوف. (تَعَسَ) بفتح العين، كما قال الجَوهَري، وبالكسر، قاله (ع). ومعناه: العِثَار، أو الهَلاك، وأتعَسَه الله، أي: دعَا عليه أنْ لا يَستقِيل من عَثْرته، وكلام ابن الأَثير يقتضي أنَّ الأعرَف كسْرُ العين. (يَا هنتاه) بسُكون النُّون (¬1) على الأشهر، وبفتْحها، قال في "النِّهاية": وبضم الهاء الأخيرة، وتُسكَّن، أي: يَا هذهِ. قال (خ): وقيل: كأنَّها تنسِبُها إلى البَلَهِ وقِلَّة المعرفة بالشَّرِّ ومكائد النَّاس، يُقال: امرأةٌ هَنْتاه، أي: بَلْهاء، وأصلُه: يَا هَنَةُ، فأُلحق الألف والهاءُ به، وهذه اللَّفظة تختصُّ بالنِّداء. (إلى أبوي) في بعضها: (آلى أَبوَيَّ). (وضيئة) بالهمز: حسَنَة، فَعيلةٌ من الوَضاءَة. (ضرائر) جمع ضَرَّة، وهنَّ زوجات الرَّجل؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ تتضرَّر بالأُخرى. (أكثرن)؛ أي: عيَّبْنَها، ونقَصْنَها. (يَرْقأ) بالهمز، أي: يَنقطِع، وَرَقِأَ الدَّمعُ: سكَنَ. ¬

_ (¬1) "النُّون" ليست في الأصل.

(اكتحل) المُراد: لا أَنامُ، فاستُعير له ذلك. (استلبث)؛ أي: لَبِثَ، ولم يَنْزل. (أهلك) بالرَّفع والنَّصب، وسبق أول (الشَّهادات). (كثير) فَعِيْلٌ يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث. وإنما قال عليٌّ ذلك لمَصلحةٍ، ونصيحةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اعتِقاده؛ لمَا رأى من انزعاجه وقَلَقه، فأراد الأَخْذ بخاطِره، لا عداوةً لعائشة رضي الله عنها. (بَريرة) قيل: هذا وهمٌ؛ لأنَّ بَرِيْرَة إنما اشتَرتْها عائشةُ وأعتقتْها بعد ذلك، ولهذا لمَّا عتَقت واختارتْ نفسَها، جعَل زوجُها يطُوف وراءَها ويَبكي، فقال لها النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَو راجَعتيهِ"، فقالت: أَتأْمُرني؟ فقال: "إنَّما أنَا شافِعٌ"، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عبَّاسُ، ألا تَعجَبُ مِن حُبِّ مُغيثٍ بَريرةَ، وبُغضِها له"، والعبَّاس إنما قَدِم المدينةَ بعد الفتْح. والمَخْلَص مِن هذا الإشكال: أنَّ تفسير الجارية ببَرِيْرَة مُدرَجٌ في الحديث من بعض الرُّواة ظنًّا منه أنَّها هي. (أغْمِصه) بفتح الهمزة، وسُكون المُعجَمة، وكسر الميم، وإهمال الصَّاد، أي: أَعيبُه. (الداجن) الشَّاة التي أَلِفَت البُيوت، ولا تخرج إلى الرَّعي، ومعناه: لا عيبَ فيها أصلًا.

(فاستعذر)؛ أي: طلَبَ مَن يَعذُره منه، أي: يُنصِفُه. (من يعذرني) قال (خ): يحتمل وجهين: مَن يقُوم بعُذره في ما يأْتي إليَّ منه من المكروه، ومَن يقُوم بعُذري، أي: يُعاتبه على سُوء فعله. وقال (ن): معناه: مَن يقُوم بعُذري إنْ كافَأْتُه على قُبح فِعاله، ولا يَلومُني على ذلك. وقيل: معناه: مَن يَنصرُني، والعَذير: النَّاصِر. (رجلًا)؛ أي: صَفْوان. (سعد بن مُعاذ) سيِّد الْأَنصار. قال (ع): هذا مُشْكلٌ؛ لأنَّ هذه القِصَّة كانت في غزوة المُرَيْسِيع -بضم الميم، وفتح الراء وسكون التَّحتانية، وبمهملتين- وهي غزوة بني المُصْطَلِق، وكانت في رمضان سنة ستٍّ، وسعد بن مُعاذ ماتَ في إثْر غَزاة الخنْدق من الرَّمية التي أصابتْه، وذلك سنة أربعٍ مُنصرَف النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من بني قُرَيظة بلا خلافٍ. وكذا قال ابن عبد البَرِّ: إنما راجعَ سعدُ بن عُبادةَ أُسيدَ بن حُضَير، فذكْر سعد بن مُعاذٍ وهمٌ. وقال ابن إسحاق: إن المُتكلِّم أوَّلًا وآخِرًا هو أُسَيد لا سعد. قال (ع): فيُجاب بأن موسى بن عُقْبة ذكَر أن المُرَيْسِيع كانت سنة أربعٍ، وهي سنة الخنْدق، فيَحتمل أن المُرَيْسِيع وحديث الإِفْك كانا

في سنة أربعٍ قبل الخندق. وقال الوَاقِدي: المُرَيْسِيع كانت سنة خمسٍ، والخندق وقُرَيظة بعدها؛ فلا وهمَ. (فقامَ سعدُ) بالضم بلا تنوينٍ، ويُروى بالتنوين. قال أبو ذَرٍّ: هذا هو الصَّحيح، وأما ما وقَع في بعض النُّسخ: (سَعْد بن عُبادة)، فهو خطأٌ؛ لأنَّ سعد بن عُبادة هو الذي قامَ من بني الخَزْرج. وقال غيره: الذي وقَع في بعض النسخ: (سعد بن عُبَادة) إما عن أُسامة، وإما عن هشام. (الأوْس) بفتْح الهمزة، وسُكون الواو، ثم مهملة. (الخَزْرجَ) بفتح المعجمة، وسُكون الزَّاي، وفتح الراء، وبالجيم: قَبيلتان من الْأَنصار. (احتملته) كذا لأكثرهم، وفي بعض النسخ: (اجتَهلتُه) بالجيم والهاء، وصَوَّبه الوَقْشِي، وصوَّبَهما (ع)، فقال: احتَمل الرَّجلُ: إذا غَضِبَ. قال يعقوب: فمعنى: احتَملتُه؛ أي: أغضَبتُه، ومعنى اجتَهلتُه: حملتُه على أن يَجهَل، أي: يقول قَول أهل الجَهْل. (منافقًا)؛ أي: يفعل كفِعْل المُنافق، ولم يُرِد النِّفاقَ الحقيقيَّ. (هَمُّوا)؛ أي: قصَدوا المُحاربة، وتَناهَضوا للنِّزاع.

(فَخَفَّضَهُمْ)؛ أي: سَكَّتَهم، وهَوَّن عليهم الأَمرَ، مِن الخَفْض: وهو الدَّعَة والسُّكون. (ألممت)؛ أي: فَعلْتِ مع أنَّه ليس من عادتِك. (قَلَصَ) بقافٍ، ولامٍ، ومهملةٍ مفتوحاتٍ: ارتفَع؛ لاستِعظام ما بَغَتَني من الكلام، وتخلَّف بالكُليَّة. (ووقر)؛ أي: سكَن، وثبَت، مِن الوَقار، وهو الرَّزانَة والحِلْم. (وقلت لأبي) إلى آخره، جوابُهما بـ: (لا نَدري)، أي: لم يَقِفا في ذلك على حُكم زائدٍ على ما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبْل نُزول الوحي من حُسْن الظنِّ بها. (إلَّا أَبا يوسف)؛ أي: إلَّا مثْل يَعقُوب، وهو الصَّبْر. (ما رام)؛ أي: ما بَرِحَ، أي: ما فارَقَ مجلسَه، مِن رامَ، يَرِيمُ، رَيمًا، فأما مَن طلَب الشَّيءَ: فرَامَ، يَرُومُ، رَوْمًا. (البُرَحاء) بضم الباء، وفتح الرَّاء، ممدودٌ، مِن البَرْح: وهو أشدُّ ما يكون من الكَرْب. (الجُمَان) بضم الجيم، وتخفيف الميم، جمع جُمانَة: وهو اللُّؤلؤ الصِّغار، وقيل: حبَّةٌ تُعمل من الفِضَّة كالدُّرَّة، شبَّهتْ قطَراتِ عَرَقه - صلى الله عليه وسلم - بحبَّات اللُّؤلُؤ في الصَّفاء والحُسن. (سُرِّيَ) بكسر الراء المشدَّدة، أي: كُشِفَ وأُزيلَ عنهُ، والتشديد فيه للمُبالغة.

(والله لا أقوم إليه) قالتْه إِدلالًا عليهم، وعِقابًا؛ لكونهم شَكُّوا في حالها، مع علْمهم بحُسن طريقَتِها، وجميل حالِها، وتنَزُّهها عن هذا الباطل الذي افتَراه الظَّلَمة، لا حُجَّةَ لهم فيه، ولا شُبهة. (أُثَاثة) بضم الهمزة، ومثلَّثةٍ مكرَّرةٍ، وضبَطه المُهلَّب بفتْحها، ولم يُتابَع عليه. (لقرابته) وذلك لأنَّ أُم مِسْطَح -سَلْمى- هي بنت خالَة أبي بكر الصِّدِّيق. (أحمي)؛ أي: أمنعُ من المَأْثَم، فلا أَكَذِبُ فيما سمعتُ وفيما أبصرتُ، فيُعاقبَني الله في سمعي وفي بصري، ولكن أصدُق حمايةً لهما. (تُسَامِيني)؛ أي: تُنازِعُني الحُظْوة، والمُساماةُ: مفاعلةٌ من السُّمُوِّ، وهو الارتفاع، فهي تُضاهيني بحُسنها ومكانِها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (الورع) الكَفُّ عن المَحارِم. (مثله) بالنَّصب. وفي الحديث من الأحكام وغيرها: روايةُ الحديث الواحِد عن الجَماعة، عن كلِّ واحدٍ قِطعةً مبهمةً منه، والقُرعة بين النِّساء، وسفَر الرَّجل بزَوجته، وغَزوُهنَّ، وخِدْمة الرِّجال لهنَّ في الأَسفار، وخُروج المرأة لقَضاء حاجتها بلا إذْن الزَّوج، ولُبْسهنَّ القَلائدَ، وتأَخُّر بعض الجَيْش ساعةً للحاجة، والتعجُّب بلفْظ التَّسبيح، والتجسُّس عن الأُمور لمَن له بها تعلُّق، وأما غيره فمنهيٌّ عنه، والحَلِف بدُون استِحلاف، واستِحباب الاقتِصاد في الأَكل، وعَون المُنقطِع، وإنقاذ

الضَّائع، وإكرامُ ذوي الأَقدار، وحُسْن الأَدَب مع الأجنبيَّات، لا سيَّما مع الخَلْوة بهنَّ عند الضَّرورة، والتمشِّي قُدَّامها لا بجنْبِها ولا مِن ورائها، والإيْثار بالرُّكوب، والاستِرجاع عند المَصائب، وتوقُّف ارتحال العسكر على أمر الأمير، وأنَّ من يُركِب المرأة على البعير لا يُكلِّمها إذا لم يكُن مَحرَمًا؛ لسُكوت حَمَلة الهَوْدَج، والإعْلامُ بالارتحال، وأن يُستَر عن الإنسان ما يُقال فيه إذا لم يكُن في ذِكْره فائدةٌ، ومُلاطَفة الرجُل زوجتَه، وحُسْن المُعاشَرة، والتَّقليل من اللُّطف عند العارِض المُقتضي لذلك؛ ليُتفطَّن فيُسأل عن سبَبه فيُزيلَه، والسُّؤال عن المريض، وخُروج المرأة مع رفيقتِها لتأنسَ بها ولا يَتعرَّض لها أحدٌ، ومُشاوَرة الرَّجل بِطانتَه فيما يَنوبُه من الحادِثات، وخُطبة الإِمام النَّاسَ عند نُزول أمرٍ مهمٍّ، واشتِكاؤُه إلى المُسلمين ممن تعرَّضَ له بإيذاءٍ في نفسه أو أهله، واعتِذاره فيما يُريد أن يُؤدِّبَه به، والحثُّ على التَّسوية، وتفويض الكلام إلى الكبار؛ لأنهم أعرف بالمقاصِد؛ واللائقِ بالمَقامات، والاستِشهاد بآياتِ القُرآن، وسَبُّ المتعصِّب للمُبطِل كما سبَّ أُسيدٌ سعدًا، والمبادرة بتَبشير مَن تجدَّدت له نعمةٌ ظاهرةٌ أو اندفعتْ عنه بَلِيَّةٌ، وصِلَة الأرحام وإنْ كانوا مُسيئين، والصَّفْح عنهم، والإنْفاقُ في سبُل الخيرات، والإتْيان بالذي هو خيرٌ مما حلَفَ عليه، وكراهةُ إيصال الخير للإنسان الذي آذى أهل الفَضْل، وحُرمة التشكُّك في تَبْرئة عائشة من الإفْك، والتعصُّب للمُبطِل، وعدَم خُروج المرأة إلى دار أبَوَيها إلَّا بإذنهِ، ووُجوب تعظيم أهل بَدْر والذَّبُّ

عنهم، والمُبادَرة إلى قَطْع الفِتَن والخُصومات، والتثبُّت في الشَّهادة، والغضَب عند انتِهاك حُرمة أمرٍ مهمٍّ، واهتِمامُهم بدَفْع ذلك، وفَضيلة أبي بكرٍ، وعائشة، وصَفْوان، وسَعْد بن مُعاذ، وأُسَيد بن حُضَير، وزَينب بنت جَحْشٍ - رضي الله عنهم -، فهذه خمسون مسألةً، أو أكثر. قال (ط): اختُلف في تعديل النِّساء، فأجازَه أبو حنيفة لسُؤال النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَريرةَ، وزَيْنب. وقال الآخرون: إنما هو إبراءٌ من الشَّرِّ، والتَّعديل المُتنازَع فيه هو فيما يُوجب أخْذ المال ونحوه. وفيه أَنَّ الاعتِراف بشيءٍ من الباطل لا يَحِلُّ، وأن عاقِبة الصَّبر الجميل فيه الغِبْطة والعِزَّة في الدَّارَين. وفيه أنَّ الوحي ما كان يَأْتيه حين أراد؛ لبَقائه شهرًا لا يُوحى إليه. وفيه تَرْك حدٍّ لمَا يُخشى من تفريق الكلِمة، كما تَرَك - صلى الله عليه وسلم - حدَّ ابن سَلُول. وفيه أنَّ العصبيَّة تنقُل عن الاسم، كما قالت: وكان قبلَ ذلك رجلًا صالحًا. وفيه أنَّ العفْو عن المُسيء مما يغفره الله من الذُّنوب. قال (ش): ذكر البُخَارِيّ في (الاعتصام) معلَّقًا أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حدَّ الرَّامِيْن، وقد أسنَده أبو داود، وهم: حسَّان بن ثابِت، ومِسْطَح، ويقُولون: إنَّ المَرأة: حَمْنَة بنت جَحْش. * * *

16 - باب إذا زكى رجل رجلا كفاه

16 - بابٌ إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلًا كَفَاهُ وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ: وَجَدْتُ مَنْبُوذًا، فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَالَ: عَسَى الْغُويرُ أَبْؤُسًا، كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي، قَالَ عَرِيفِي: إِنَّهُ رَجُلٌ صالحٌ قَالَ: كَذَاكَ؟ اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ. (باب: إذا زكَّى رجلٌ رجلًا كَفَاهُ) سبق بيان الخلاف في (باب: تعديل كم). والقائلون بالتعدد قالـ[ـوا]: إن السُّؤال من عُمر فيما سيأْتي إنما هو على طَريق الخبَر لا الشَّهادة، ونحن لا نُوجبُه إلَّا إذا كذَّب المَشهودُ له قولَهم، فلا نُسلِّم عدالتَهم. قال: وكذا في حديث أبي بَكْرة. (أبو جَميلة) هو بفتح الجيم: سُنَيْن، بضم السين، السُّلَمي، ونونين، وقيل: مَيْسَرة بن يعقوب الطُّهْوي، بضم المهملة، وقيل: بسُكونها، وقد تفتح الطاء، مع سكون الهاء، ففيه ثلاث لُغاتٍ، أدرك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: إنه شَهِد معه حُنَينًا. (مَنْبُوذًا)؛ أي: لَقِيطًا. (فلما رآني عُمر) كذا لبعضهم بنونٍ، والوجْه ما عند الأَصِيْلي: (رأَى)، وفاعله مضمرٌ، وهو عريفي المذكور بعد، وعند الهمداني:

(فلما رآني قال: عسى الغوير أبؤسًا، كأنه يتهمني، فقال عريفي)، وهذا أبين وأتمّ كلامًا. (الغُوير) تصغير غار. (أبؤسًا) هو الداهية، أو جمع بؤس، وأصل المثل: أن ناسًا كانوا في غار فانهار عليهم، أو أتاهم فيه عدو فقتلوهم، فصار مثلًا لكلِّ شيء يخاف أن يأتي منه شر، أو أن ضرب المثل بذلك أنَّه اتهمه أن (¬1) يكون صاحبه، فقال ذلك؛ أي: عسى أن يكون باطن أمرك رديًّا. قال الجوهري: هذا تكلمتْ به الزَّبَّاء لما تنكب قصير اللخمي بالأحمال الطريق المنهج، وأخذ على الغوير، وهو جمع بأس، وانتصب على أنَّه خبر عسى، والغُوير: ماءٌ لكلب، وخبر عسى وإن كان شرطه أن يكون مضارعًا، فيقدر هنا: يكون أبؤسًا، أو عسى أن يأتي الغُوير بشر ونحوه. قال الشَّاعر: فأُبتُ إلى فهمٍ وما كِدْتُ آيِبَا ... وكَمْ مِثْلِها فَارَقْتُها وهِيَ تَصْفِرُ وقصته: أنَّه وجد منبوذًا، فجاء به إلى عُمر، فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة، فقال: عريفه: يَا أمير المُؤْمنين؛ إنه رجل صالح، فقال: كذلك؟ قال: نعم، فقال: أذهب فهو حر ولك ولاؤه، وعلينا نفقته. ¬

_ (¬1) في الأصل"أنَّه"، والمثبت من "ف" و "ت".

قال (ط): اتهمه عُمر أن يكون ولده أتاه به للفرض له في بيت المال، ويحتمل أن يكون ظن به أنَّه يريد أن يفرض له ويلي أمرَه ويأخذ ما يفرض له ويصنع ما شاء، فلما قال له عريفه: إنه رجل صالح صَدَّقه، وكان عُمر قسم النَّاس أقسامًا، وجعل على كل ديوان عريفًا ينظر عليهم، فكان الرَّجل النابذ من ديوان الذي زكاهُ عند عُمر. وفيه أن للإنسان أن يُزكي نفسه، ويخبر بالصلاح إذا احتاج إلى ذلك، وكذا رواه مالك في "الموطأ": فقال: عُمر: أكذلك؟ قال -أي: الرجل-: نعم. * * * 2662 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أثنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "ويلَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنَقَ صاحِبِكَ" مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ كانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ". (قطعتَ عنقه) قال (ن): هو استعارة من الهلاك في الدين. (لا محالة)؛ أي: البتة. (أحْسبهُ) بفتح السين، وحُكِيَ الكسر. قال الجوهري: وهو شاذ، أي: أظنه، أي: لا تقطع بتزكية من لا تطلع على باطنه، فيُحكم

17 - باب ما يكره من الإطناب في المدح، وليقل ما يعلم

بالظاهر، والله متولي السرائر، فالمراد من قوله: (يعلم) أظن، فكثيرًا ما يجيء العلم بمعنى الظن. و (على الله) فيه معنى الجزم والقطع. ووجه مطابقة الحديث للترجمة: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أرشد إلى التزكية كيف تكون، فلو لم تكن مفيدة لما أرشد إليها، لكن للمانع أن يقول: إنها مفيدة مع تزكية أُخرى لا بمفردها، وليس في الحديث [دليل] على أحد الطريقين. * * * 17 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الإِطْنَابِ في الْمَدْحِ، وَلْيَقُلْ مَا يَعْلَمُ (باب ما يُكره من الإطْناب في المَدْح، وليقُل ما يَعلَم) 2663 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ في مَدْحِهِ، فَقَالَ: "أَهْلَكْتُمْ -أَوْ قَطَعْتُمْ- ظَهَرَ الرَّجُلِ". الحديث فيه كالسَّابق، ولا تَعارُض فيهما؛ لمَا في كثيرِ من الأحاديث الصَّحيحة من المَدْح في الوَجْه، فإنَّ المذموم الإفراطُ فيه، أو على مَن يَخاف فتنةً بإعجابٍ ونحوه، أما مَن لا يخاف ذلك فيه

18 - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم وقول الله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا}.

لكمالِ تَقْواه ورُسوخ عقْله فلا إذا لم يكُن فيه مُجازفةٌ، بل إن كان يحصل به مصلحة كالازدياد عليه، أو الاقتداء به، كان مستحبًا. (ويطريه) بضم أوله، من الإطراء: وهو مُجاوزَة الحَدِّ في المَدْح، وإنما قال: (أهلكتم) لئلا يُفتَن الرَّجل به، ويرى أنَّه عند النَّاس بتلك المنْزلة، ويحصل له العجب، ويجد الشيطان إليه سبيلًا، ووجه دلالته على الجزء الأخير من الترجمة: أن المطنب لا بد أن يقول بما لا يعلم، لأنه لا يطلع على سريرته وخلواته، فيقتضي أنَّه لا يطنب. * * * 18 - بابُ بُلُوغِ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَتِهِمْ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}. وَقَالَ مُغِيرَةُ: احْتَلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَبُلُوغُ النِّسَاءَ في الْحَيْضِ؛ لِقَوْلِهِ عز وجل: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ} إِلَى قَوْلهِ {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صالحٍ: أَدْرَكتُ جَارَةً لَنَا جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشرِينَ سَنَةً. (باب بلوغ الصبيان وشهادتهم) (وبلوغ النساء) في بعض الروايات بالرفع، بأن يكون مبتدأ

وخبره (في الحيض). (بنت إحدى وعشرون)؛ أي: بأن حاضت لتسع، وولدت لعشر، وعرض مثل ذلك لبنتها، وأقل ما يكون مثله في تسع عشرة سنة ولحظات. * * * 2664 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَنِي. قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهْوَ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ. الحديث الأول: (فلم يجزني)؛ أي: فلم يثبتني في ديوان المقاتلين، ولم يقدِّر لي رزقًا مثل أرزاق الأجناد. (عرضني) إنما قال هنا ذلك، وفيما سبق عرضه، لكن الأصل وإن كان عرضه، لكن المتكلم به على سبيل الحكاية، نقلًا لكلام ابن عُمر بعينه، فعلى هذا قال أولًا: (عرضه)؛ لأن ابن عُمر جرد من نفسه

شخصًا وعبر عنه بلفظ الغيبة، وجاء في مثله وجهًا في نحو: أنا الذي ضربت زيدًا، وأنا الذي ضرب زيدًا. (إن هذا)؛ أي: السن، وهو خمس عشرة سنة؛ نهاية الصغر وبداية البلوغ. (يفرضوا)؛ أي: تقدر أرزاقهم في ديوان الجند. * * * 2665 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ ابْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". الحديث الثاني: (واجب)؛ أي: كالواجب. (محتلم)؛ أي: بالغ، وسبق في (الجمعة) بيان ذلك. وفيه أن البلوغ يكون بالاحتلام، أي: الإنزال، وليس في الحديث ذكر الشهادة لتطابق الترجمة، بل استفادتها من القياس على سائر الأحكام من حيث الإجازة للصبي، ولا غُسل عليه، وترجم به ليشعر بأنه لم يجد بشرطه حديثًا يدل عليه، وقال أبو حنيفة: بلوغ الغلام بثمان عشرة سنة، والجارية بسبع عشرة سنة، وقال مالك: أن يبلغ من السن ما يعلم أن مثله قد بلغ.

19 - باب سؤال الحاكم المدعي: هل لك بينة؟ قبل اليمين

قال (ط): وليس في خبر ابن عُمر ذكر البلوغ، وإنما فيه ذكر الإجازة، وهذه تتعلق بالقوة والضعف، ونحن نجيز قتال الصبي، ونُسهم له إذا قاتل. * * * 19 - بابُ سُؤَالِ الْحَاكِمِ الْمُدَّعِيَ: هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَبْلَ الْيَمِينِ (باب سُؤال الحاكم المُدَّعِي) بكسر العين. 2666 - و 2667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، قَالَ: فَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فِيَّ وَاللهِ كَانَ ذَلِكَ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ!: "ألكَ بيِّنةٌ"؛ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: "احْلِفْ"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

20 - باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود

(إذن يحلف) بالنَّصب، وجُوِّز الرفْع، وسبَق في (باب: الشِّرب). * * * 20 - بابٌ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ في الأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ". وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ: كَلَّمَنِي أَبُو الزِّنَادِ في شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} قُلْتُ: إِذَا كَانَ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَمَا تَحْتَاجُ أَنْ تُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى؟ مَا كَانَ يَصْنَعُ بِذِكْرِ هَذِهِ الأُخْرَى؟ (باب اليمين على المدعى عليه) (وقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -) هو طرف من حديث الأشعث الآتي قريبًا بهذا اللفظ. (شاهداك) خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف، أي: المُثبت، أو الحجة شاهداك، أو شاهداك هو المطلوب، أو لك إقامة شاهديك، أو اطلب يمينه، فحُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه

مقامه، أو فاعل محذوف. قال سيبويه: ما يثبت لك شاهداك؛ أي: بشهادة شاهديك، فحُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه. (إذا كان) جواب الشرط. (فما يحتاج) (فما) نافية، والفعل مبني للمفعول. (ما كان)، (ما) فيه استفهامية. (يصنع) مبني للمفعول، أي: إذا اكتفي بشاهد ويمين فلا احتياج إلى تذكير إحداهما الأُخرى، إذ اليمين يقوم مقامهما، وأجاب (ك): بأن فائدته تتميم شاهدٍ، إذ المرأة الواحدة لا اعتبار بها؛ لأن المرأتين كرجل، ولهذا قال بعضهم: المراد بـ (تذكر): أن تجعله ذكرًا، أي: كالذكر، والمقصود منه: أنَّه لا يحتاج إلى يمين، ثم لا يلزم من بيان هذا النوع من البينة فيه أن لا يكون ثَمَّ نوع آخر غايته عدم التعرض له، لا التعرض لعدمه. * * * 2668 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. الحديث الأول: (كتب ابن عباس) عد كثير من المحدثين الكتابة من اتصال

السند، وفي "مسلم" عن ابن عباس: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد. قال ابن عبد البر: لا مطعن لأحد في إسناده، ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته. (قضى باليمين)؛ أي: يمين المدعي، وذلك لا بد أن يكون مع شاهد، إذ لم يقل أحد بجواز الحكم على المدعى عليه بمجرد اليمين، [و] لا يقال: هذا زيادة على ما في القرآن، فيكون نسخًا له، وهو خلاف الأصل؛ لأنا نقول: شرط النسخ التعارض، ولا منافاة. * * * بابٌ 2669 - و 2670 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} إِلَى {عَذَابٌ أَلِيمٌ}. ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: صَدَقَ، لَفِيَّ أُنْزِلَتْ؛ كَانَ بَيْني وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ في شَيءٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ"، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا، وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ.

21 - باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة

الحديث الثاني: (أبو عبد الرَّحْمَن) هو كنية ابن مسعود. (لفيَّ نزلت) قال ابن مالك: في بعض الروايات: (لفيّ والله نزلت)، وهو شاهد على توسط القَسَم بين جزئي الجواب، وعلى أن اللام يجب وصلها بمعمول الفعل الجوابي المقدم لا بالفعل، وسبق الحديث مرات. ووجه دلالته على ما في الترجمة من الحدود إطلاق اللفظ. (يحلف) بالرفع لا غير لعدم تصدير (إذن). * * * 21 - بابٌ إِذَا ادَّعَى أَوْ قَذَفَ فَلَهُ أَنْ يَلْتَمِسَ الْبَيِّنَةَ ويَنطَلِقَ لِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ (باب: إذا ادعى أو قذف ..) إلى آخره. مقصودة من الترجمة تمكين القاذف من إقامة البينة على زنا المقذوف لدفع الحد عنه، والحديث وإن كان في الزوجين، فالزوج متمكن من الدفع بطريق آخر وهو اللعان؛ لأن هذا قبل نزول آية اللعان، ولا فرق بين الزوج والأجنبي حينئذ في ذلك. (وينطلق) يحتمل أن المراد بيان أن له حق المهلة فيه، فهو قيد للسابق، وأنه من باب اللَّف والنشر، وخصص هذا بالقسم الثاني

-أي: القذف- موافقة للفظ الحديث. فإن قيل: ليس في الحديث إلَّا هذا، فمن أين حكم الادعاء؟ قيل: بالقياس عليه. * * * 2671 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ هِلَالَ بْنَ أمُيَّةَ قَذَفَ امْرَأتهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبيِّنَةَ، أَوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ: "الْبيِّنَةَ، وَإِلَّا حَدٌّ في ظَهْرِكَ". فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ. (شَرِيك) بفتح المعجمة. (سَحْمَاء) بالمهملتين والمد، وشَرِيك هذا حليف للأنصار، شهد أُحدًا. (البينة)؛ أي: يجب، أو الواجب عليك بينة، كذا أورد (ك) وأعربه، ثم قال: (البينة) منصوب بفعل مقدر، أي: أحضر البينة، أو أقم، يريد المذكور في آخر الحديث ثانيًا، ومقتضى كلام (ش) أنَّ الكل سواء. (وإلا)؛ أي: وإن لم تحضر البينة، أو تقمها، فجزاؤك حدّ في

22 - باب اليمين بعد العصر

ظهرك، فحذف ناصب البينة، وفعل الشرط والجزء الأول من الجملة الجزائية والفاء. (في) هو مثل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، بمعنى (على). * * * 22 - بابُ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ (باب اليمين بعد العصر) 2672 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلَاثةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا لَا يُبَايِعُهُ إلا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وإلَّا لَم يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ سَاوَمِ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخَذهَا". (فضل ماءً)؛ أي: ما فضل عن كفاية السابق إليه. (وَفَى) الرواية بالتخفيف. قال القرطبي: وهو الصحيح روايةً ومعنى؛ لأنه يقال: وفى

23 - باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين، ولا يصرف من موضع إلى غيره

بالعهد وفاءً، ضد الغدر، وأوفى بمعناه، وأما وفَّى المشددة، بمعنى: توفية الحق، نحو: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] أي: قام بما كُلِّف به من الأعمال، وحكى الجوهري: أوفاه حقه، فيكون لـ (أوفى) معنيان: الوفاء بالعهد، وتوفية الحق. (لقد أعطي به)؛ أي: بالمتاع المدلول عليه بذكر السلعة، وفي بعضها: (بها)، وهو ظاهر. (فأخذها)؛ أي: أخذ الرَّجل الثاني، أي: المشتري السلعة بذلك الثمن اعتمادًا على حلفه، ومرَّ الحديث في (الشرب). * * * 23 - بابٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ عَلَيْه الْيَمِينُ، وَلَا يُصْرَفُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ قَضَى مَرْوَانُ بِالْيَمِينِ عَلَى زيدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي، فَجَعَلَ زيدٌ يَحْلِفُ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ"؛ فَلَمْ يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ.

24 - باب إذا تسارع قوم في اليمين

(باب: يحلف المدعى عليه حيث ما وجبت عليه اليمين) (مروان)؛ أي: ابن الحكم الأُموي كان والي المدينة من جهة معاوية. (على المنبر) يتعلق بـ: (قضى)، لكن السياق يقتضي تعلقه باليمين. (أحلف) بلفظ المتكلم، وإن كان المعنى صحيحًا بلفظ الأمر أَيضًا، والبخاري هنا موافق لأبي حنيفة أنَّه لا يستحب الإحلاف عند المنبر بالمدينة، ولا عند المقام بمكة ونحو ذلك، وقال الشَّافعيّ: لو لم يعلم زيد أن اليمين عند المنبر سنَّة لأنكر ذلك على مروان كما أنكر عليه مبايعة الصكوك ونحوها، وهو احتراز عنه تهيبًا وتعظيمًا للمنبر. قال مالك: ومن أبى أن يحلف عند المنبر، فهو كالناكل عن اليمين. قال المهلب: وإنما أُمر أن يحلف في أعظم موضع في المسجد ليرتدع أهل الباطل، وهذا مستنبط من قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة: 106]، فعظمته لكونه بعد الصلاة، إذ الصلاة مخصوصة بمكان التعظيم كخصوصه بزمان التعظيم. * * * 24 - بابٌ إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ في الْيَمِينِ (باب: إذا تسارع قوم في اليمين) 2674 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا

25 - باب قول الله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}

مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ، فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ في الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. (يسهم) أي: يُقْرِعُ، قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ] [الصافات: 141]. قال (خ): وإنما يفعل ذلك إذا تساوت درجاتهم في أسباب الاستحقاق، مثل أن يكون الشيء في يد اثنين كل واحد منهما يدَّعيه كله، فيريد أحدهما أن يحلف ويستحقه، ويريد الآخر مثل ذلك، فيقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف واستحقه، وكذلك إذا كثر الخصوم ولم يعلم أيهم السابق، فيسهم بينهم. (أيهم يحلف) هو نظير ما سبق في (الصلاة) في (أيهم يكتبها أول). * * * 25 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} (باب: قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} [آل عمران: 77]) 2675 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - يَقُولُ: أقامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا مَا لَمْ

يُعْطَهَا، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}، وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ. الحديث الأول: (إسحاق) قال الغساني: لم أجده منسوبًا لأحد من شيوخنا، لكن صرح البُخَارِيّ في (باب: شهود الملائكة) بنسبته؛ إذ قال: حَدَّثَنَا إسحاق بن منصور، أخبرني يزيد بن هارون، وسبق الحديث في (باب: ما يكره من الحلف في البيع). (الناجش) بالنُّون، والجيم، والمعجمة: هو أن يزيد في الثمن ليغر غيره كما سبق بيانه؛ نعم قوله: (فنزلت) استشكل مع الأحاديث الدالة على أنها نزلت في قصة الأشعث في خصومته، وهذا الحديث يدل على أنها نزلت في السلعة، وجوابه: أنَّ الآية لعلها لم تبلغ ابن أبي أوفى إلَّا عند إقامة السلعة، فظن أنها نزلت في ذلك، أو القصتان وقعتا في وقت واحد، فنَزلت الآية بعدها، والأمر عام متناول لهما ولغيرهما. * * * 2676 - و 2677 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبة، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ رَجُلٍ -أَوْ قَالَ: أَخِيهِ- لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ". وَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ في

26 - باب كيف يستحلف؟ قال تعالى: {يحلفون بالله لكم}

الْقُرْآنَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآيَةَ. فَلَقِيَنِي الأَشْعَثُ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللهِ الْيَوْمَ؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ. الحديث الثاني: عُلِم شرحه مما سبَق. * * * 26 - بابٌ كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ؟ قَالَ تَعَالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ} وَقَوْلُهُ عز وجل: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}، يُقَالُ بِاللهِ وَتَاللهِ وَوَاللهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَرَجُلٌ حَلَفَ بِاللهِ كَاذِبًا بَعْدَ الْعَصْرِ". وَلَا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللهِ. (باب: كيف يستحلف؟) (ورجل حلف بالله كاذبًا بعد العصر)، هو طرف من الحديث السابق قبل بابين. * * *

2678 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبيدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُهُ عَنِ الإسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ"، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إلا أَنْ تَطَوَّعَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَصِيَامُ رَمَضَانَ"، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: "لَا، إلا أَنْ تَطَّوَّعَ"، قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إلا أَنْ تَطَّوَّعَ"، فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهْوَ يَقُولُ: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أفلَحَ إِنْ صَدَقَ". الحديث الأول: سبق في (كتاب الإيمان) في (باب: الزكاة من الإِسلام). * * * 2679 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، قَالَ: ذَكرَ نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ". الثاني: (من كان حالفًا)؛ أي: من أراد أن يحلف فليحلف بالله أو لا يحلف أصلًا. * * *

27 - باب من أقام البينة بعد اليمين

27 - بابُ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ". وَقَالَ طَاوُسٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَشُرَيْحٌ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. (باب: من أقام البينة بعد اليمين) (وقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -)، هو طرف من الحديث الموصول في الباب بمعناه. (أحق) إن قيل لا شك أن الصدق أقرب إلى الحق (¬1) من الكذب، بل لا قرب للكذب إليه. قيل: الغرض أنَّه لو حلف المدعى عليه فأُقيمت البينة بعدها على خلاف ما حلف عليه؛ لأن الاعتبار بالبينة لا باليمين، وكان الحق لصاحب البينة، وإنما ترجحت البينة مع احتمالِهَا كاحتمال اليمين الصدق والكذب؛ لأن كذب شخص واحد أقرب إلى الوقوع من كذب اثنين سيما فيمن يريد جر النفع إلى نفسه أو دفع الضر عنها. * * * ¬

_ (¬1) "إلى الحق" ليس في الأصل.

2680 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذهَا". (ألحن)؛ أي: أفطن وأقدر على بيان المقصود وأفصح فيه، وسبق الحديث في (كتاب المظالم)، ووجه دلالته: أنَّه لا بد لكل من الخصمين حجة حتَّى يكون بعضهم ألحن بها من بعض وإنما يتصور ذلك إذا جاز إقامة البينة بعد اليمين. قال (خ): اللحن بتحريك الحاء: الفطنة، وبسكونها: الزيغ عن الإعراب، يقال: لحن الرَّجل -بالكسر- يلحن -بالفتح-: إذا فطن، ولحن يلحن -بالفتح فيهما-: إذا زاغ. وفيه أن حكم الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا سواء فيه المال وغيره، وهو محل الدليل على الترجمة، وأن الحاكم إنما يحكم بالظاهر، وأن على من علم من الحاكم أنَّه أخطأ في الحكم فأعطاه شيئًا ليس يستحقه لا يأخذه، وأن البينة مسموعة بعد اليمين. * * *

28 - باب من أمر بإنجاز الوعد

28 - بابُ مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ. وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلَ {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}. وَقَضَى ابْنُ الأَشْوَعِ بِالْوَعْدِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، "وَعَدَنِي فَوَفَى لِي". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَرَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ. (باب: من أمر بإنجاز الوعد وَفِعْلِهِ) مصدر. (الحسن) صفة مشبهة نعت للمصدور في (فعله) بلفظ الماضي، و (الحسن) فاعل، أي: البصري. (وذكر) مصدر. (عمرو بن أشوع)؛ أي: قاضي الكوفة. (بالوعد)؛ أي: بإنجازه. (قال المِسْور) موصول في (الخُمس). (وذكر) فعل ماض مبني للفاعل، أي: النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، والجملة حال.

(صهرًا)؛ أي: أَبا العاص بن الرَّبيع زوج زينب، وقيل: يعني أَبا بكر. (فوفا لي) في بعضها: (فوفاني) من التوفية، وفي بعضها: (فأوفاني). * * * 2681 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نبَيٍّ. الحديث الأول: سبَق أوَّلَ "الجامع". * * * 2682 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخَلَفَ".

الثاني: سبق في (الإيمان) وغيره. * * * 2683 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرني عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهم - قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلَاءِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - دينٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا، قَالَ جَابرٌ: فَقُلْتُ: وَعَدَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُعْطِيَني هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ جَابرٌ: فَعَدَّ في يَدِي خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ. الثالث: (العلاء) بالمد. (الحَضْرَمِي) بفتح المهملة وإسكان المعجمة: عبد الله، كان العلاء عاملًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على البحرين، وأقره الشيخان إلى أن مات سنة أربع عشرة. (قِبَله) بكسر القاف، أي: عنده، وجهته من الكفالة. * * *

2684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ سَالِم الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَألَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ: أَيَّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْألهُ، فَقَدِمْتُ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَضَى أكثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَالَ فَعَلَ. الحديث الرابع: (الحِيْرة) بكسر المهملة وسكون الياء وبالراء: مدينة معروفة عند الكوفة، وكانت للنعمان بن المنذر. (أقدَم) بفتح الدال. (حَبر) بفتح المهملة وكسرها، أي: عالم. (أكثرهما)؛ أي: عشر سنين، قال تعالى {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: 27] والأقل هو ثماني حجج. (وأطيبهما)؛ أي: على نفس شُعيب - عليه السلام - ورواه في "الكشاف": (أبطأ) بدل (أطيب). (رسول الله)؛ أي: موسى، أو أراد جنس الرسول، فيتناوله تناولًا أوليًّا، ووجه تعلق هذا الباب بكتاب الشهادة؛ لأن الوعد كشهادته على نفسه. * * *

29 - باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها

29 - بابٌ لاَ يُسْألُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلاَ تكذبوهم"، و {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ} الآيَةَ. (باب: لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة) (الملل)؛ أي: ملل الكفر. (وقال أبو هريرة) موصول في (سورة البقرة). * * * 2685 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! كَيْفَ تَسْألونَ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نبَيِّه - صلى الله عليه وسلم - بمكة أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللهِ، تَقْرَؤُنه لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كتَبَ اللهُ وَغَيَّرُوا بِأيْدِيهِمُ الْكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، أفلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءكُمْ مِنَ الْعِلْم عَنْ مُسَايلَتِهِم؟ وَلاَ وَاللهِ مَا رَأَينَا مِنْهُم رَجُلًا قَطُّ يَسْألكُم عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.

30 - باب القرعة في المشكلات

(على نبيه)؛ أي: نبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم -. (الأخبار) بلفظ الجمع، وبلفظ المصدر. (لم يشب) مبني للمفعول من الشَّوب، وهو الخلط، أي: لم يخلط، ولم يبدل، ولم يحرف بحمد الله. (بدلوا) قال الله تعالى في اليهود: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} الآية [البقرة: 79]. (ولا والله)، (لا) فيه إما زائدة، أو تأكيد بمعنى ما قبله، أو ما بعده، أي: هم لا يسألونكم فأنتم بطريق الأولى أن لا تسألوهم. * * * 30 - باب الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكلاَتِ وَقَوْلهِ عز وجل: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اقْتَرَعُوا، فَجَرَتِ الأَقْلاَمُ مَعَ الْجرْيَةِ، وَعَالَ قَلَمُ زَكَريَّاءَ الْجِرْيَةَ، فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ. وَقَوْله: {فَسَاهَمَ} -أَقْرَعَ- {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}: مِنَ الْمَسْهُومِينَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَرَضَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ، فَأسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهِمَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ.

(باب القُرعة في المُشكِلات) (اقترعوا) هو تفسيرٌ لقضية التنازع في كفالة مريم، وكانوا إذا أرادوا الاقتراع يلقون الأقلام في النهر فمن علا قَلَمَهُ -أي: ارتفع- كان الحظ له. (الجِرْيَة) بكسر الجيم. (المُدْحَضين) المغلوبين، وأصل الدَّحض: الزلق عن مقام الظَّفر والغلبة. (وقال أبو هريرة) موصول قبل قريبًا. * * * 2687 - (¬1) حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيّ: أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ - امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ، قَدْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتِ الأَنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمّ الْعَلاَءِ: فَسَكَنَ عِنْدَناَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى، فَمَرَّضْنَاهُ، حَتَّى إِذَا تُوُفِّي وَجَعَلْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أكرَمَكَ اللهُ، فَقَالَ لِي ¬

_ (¬1) الحديث: (2686) يأتي بعد الحديث (2689) وقد أخّر المؤلفُ الكلام عنه فأُخِّر تبعًا له.

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أكرَمَهُ"؟ فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي، بِأبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ -وَاللهِ- الْيقِينُ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَناَ رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ"؟ قَالَتْ: فَوَاللهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَأَحْزَننَي ذَلِكَ، قَالَتْ: فَنِمْتُ، فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَجئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "ذَلِكَ عَمَلُهُ". الحديث الأول: (أُم العلاء) قال الترمذي: هي أُم خارجة. (مَظْعُون) بسكون المعجمة وضم المهملة. (اشتكى)؛ أي: مرض. (أبا السائب) هو كنية عثمان. (بأبي أنت)؛ أي: مُفدَّى بأبي. (ما يفعل به)؛ أي: بعُثمان أو برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسبق أول (الجنائز). (ذاك عمله): إنما عبر [عن] الماء بالعمل وجريانه لأن كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا فإن عمله ينمو إلى يوم القيامة. * * *

2688 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِل، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الثاني: (فأيَّتُهُنَّ) قال في "الكشَّاف": شبَّه سيبويه تأنيث (أي) بتأنيث (كل) في قولهم: كلهن، وسبق في (باب هِبَة المرأة). * * * 2689 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجيرِ لاَسْتَبقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْح لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا". الثالث: سبَق شرحه في (باب الاستِهام في الأَذان). (استهموا)؛ أي: اقترعوا.

(التهجير): التبكير. * * * 2686 - (¬1) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا، فتأَذَّوْا بِهِ، فَأخَذَ فَأسًا، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي، وَلاَ بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وإنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ". الرابع: (المُدهِن) من الإدهان، وهو المُحاباة في غير حقٍّ، سبق في (الشركة)، فإن هذا المعنى يقتضي ترك الأمر بالمعروف، ولفظ الحديث هناك: (مثل القائم على حدود الله)، وهو يقتضي الفعل، وهما متنافيان، والجواب: أنه قائم بالنظر إلى جهة النجاة، ومدهن بالنظر إلى جهة الهلاك، فالتشبيهان مستقيمان. * * * ¬

_ (¬1) أُخِّر هذا الحديث تبعًا لترتيب المؤلف.

53 - كتاب الصلح

53 - كِتابُ الصُّلْحِ

1 - باب خروج الإمام ليصلح بين الناس

53 - كِتَابُ الصُّلْحِ 1 - باب خُروج الإمامِ ليُصلِح بين النَّاس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَا جَاءَ فِي الإصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. وَخُرُوجِ الإمَامِ إِلَى الْمَوَاضعِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ بِأصْحَابِهِ. (كتاب الصُّلح) (باب خُروج الإمامِ ليُصلِح بين النَّاس) 2690 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ أُناَسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُناَسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ

يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، وَلَمْ يَأتِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ بِلاَلٌ، فَأَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ، وَلَمْ يَأتِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حُبِسَ، وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ فَقَالَ: نعمْ إِنْ شِئْتَ، فَأَقَامَ الصَّلاَةَ، فتقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ، حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَأخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيح حَتَّى أكثَرُوا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَكَادُ يَلْتَفِتُ فِي الصَّلاَةِ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَاءَهُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ، فَأمَرَهُ يُصَلِّي كمَا هُوَ، فَرَفَعَ أبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَحَمِدَ الله، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "يَا أَيُّها النَّاسُ! مَا لَكُمْ إِذَا ناَبَكُمْ شَيْءٌ فِي صَلاَتِكُمْ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيح؟ إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ ناَبَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ، فَإِنَّهُ لا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا الْتَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا مَنَعَكَ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ لَمْ تُصَلِّ بِالنَّاسِ"؟ فَقَالَ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (إذا نابكم)، (إذا) للظرفية المحضة لا للشرط. (لم يصل) هو مثل {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] لكن هناك قيل: (لا) زائدة، وأما هنا فـ (منعك) مجاز عن (دَعاك)؛ حملًا للنقيض على النقيض.

قال السَّكاكي: وللتعلق بين الصارف عن فعل الشيء، والداعي إلى تركه يحتمل أن (منعك) بمعنى (دَعاكَ)، وإنما خالف الأمر لعلمه بالقرائن أن ذلك ليس للوجوب، وسبق الحديث في (باب: من دخل ليؤم الناس). * * * 2691 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي: أَنَّ أَنَسًا - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَوْ أتيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُ - صلى الله عليه وسلم - وَرَكبَ حِمَارًا، فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ، وَهْيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ، فَلَمَّا أتاهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي، وَاللهِ لَقَدْ آذَانِي نتنُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ: وَاللهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ. فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَشَتَمَا، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}. الحديث الثاني: (سَبِخَة) بكسر الموحدة، أي: ذات سباخ. (إليك عني)؛ أي: تنحَّ عني. (بالجريد) هو الغصن الذي جُرِّد عن الخُوص، هذه رواية

2 - باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس

الأكثر، ورواية أبي زيد: (بالحريد) بالمهملة والدال، والأول هو الصحيح. (نزلت) قال (ط): يستحيل نزولها في قصة ابن أُبي؛ لأن أصحابه لم يكونوا مؤمنين، ورواية البخاري في (باب الاستِئذان) بلفظ: (في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين وعبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أُبي) يدل أن الآية لم تنزل فيه وإنما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حقٍّ فاقتتلوا بالعصي والنعال. * * * 2 - بابٌ لَيْسَ الْكَاذِبُ الذي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ (باب: ليس الكاذب الذي يُصلح بين الناس) 2692 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا". (أُمه)؛ أي: أُم حُميد. (فينمي)؛ أي: يرفع الحديث ويبلغه على وجه الإصلاح، فيقال: نماه، وإن كان على وجه الإفساد يقال: أنماه؛ قاله (خ).

قال: وفي الحديث الرخصة أن يقول الرجل في الإصلاح ما لم يسمعه من القول، وقال البيضاوي: أي: خير ما يسمعه، ويدع شره، يقال: نميت الحديث -مخففًا- في الإصلاح، ومثقلًا في الإفساد، وكان الأول من النماء، لأنه رفع لما يبلغه، والثاني من النميمة، وقال الحربي: هي مشددة، وأكثر المحدثين يخففها، وهذا لا يجوز، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلحن، ومن خففه لزمه أن يقول: (خيرٌ). قال أبو السعادات: وهذا ليس بشيء، فإنه ينتصب بـ (نمى) كما ينتصب بـ (قال) وكلاهما على زعمه لازمان، وإنما نمى متعدٍّ، يقال: نميت الحديث، أي: رفعته، وإنما نفى من المصلح كونه كذابًا باعتبار القصد دون القول، وقد رُخِّصَ في بعض الأحوال من الفساد القليل الذي يريد به الإصلاح الكثير، انتهى. نعم، نَفْي الكذَّاب بصيغة المبالغة لا يلزم منه نفي أصل الكذب إلا إن حمل كذاب على النسبة، أي: ذو كذب كما قرر بذلك {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أي: ليس بذي ظلم، أو أن التكثير باعتبار كثرة الناس فيكثر الكذب، أو لأن الصلح لابد له من كثرة الكلام، فلو كان كلامًا كذبًا لكان كذابًا، وأما كون الذي للإصلاح وهو خلاف الواقع لا يسمى كذبًا، فالمراد به نفي الإثم فيه لا نفي وجود حقيقته، وفي الكلام فيما يظهر قَلْبٌ. * * *

3 - باب قول الإمام لأصحابه: اذهبوا بنا نصلح

3 - بابُ قَوْلِ الإِمَامِ لأَصْحابِهِ: اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِح 2693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُويسِيُّ، وَإسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ، فَقَالَ: "اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ". (باب: قول الإمام لأصحابه: اذهبوا بنا نصلح) سبق شرح الحديث فيه كثيرًا. (نصلح) بالرفع والجزم. * * * 4 - بابُ قَوْل الله تَعَالَى: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (باب: قول الله تعالى: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا} [النساء: 128]) 2694 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا

5 - باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود

نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}، قَالَتْ: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنِ امْرَأَتِهِ مَا لاَ يُعْجبُهُ، كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ، فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا، فتقُولُ: أَمْسِكْنِي، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ، قَالَتْ: فَلاَ بَأسَ إِذَا تَرَاضَيَا. (كبرًا) بيان لـ (ما)، أي: كبر السن. (أو غيره)؛ أي: من سوء خَلق أو خُلق، وفي بعضها: (وغيره)، بالواو. * * * 5 - بابٌ إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ (باب: إذا اصطلحوا على صلح جور) بالإضافة وبالصفة. 2695 - و 2696 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنهما - قَالاَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنىَ بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي:

عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْني مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَم وَوَليدَةٍ، ثُمَّ سَألتُ أَهْلَ الْعِلْم، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابنكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ؛ أَمَّا الْوَليدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابنكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنيسُ -لِرَجُلٍ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا"، فَنَدَا عَلَيْهَا أُنيسٌ فَرَجَمَهَا. (عَسِيفًا)؛ أي: أجيرًا. (على هذا) فيه الإشارة إلى أنه أجير ثابت الأُجرة عليه، وإنما يكون ذلك إذا أتم العمل، ولو قيل لهذا باللام لم يلزم ذلك. (كتاب الله)؛ أي: بحكمه إذ ليس في القرآن الرجم، أو أن ذلك كان قبل نسخ آية الرجم لفظًا، وأمَّا قول الخصمين: اقض بكتاب الله، فالمعنى: بحكم الله وهما وإن كانا يعلمان أنه لا يحكم إلا بذلك ليفصل ما بينهما بالحكم الصرف لا بالصلح، إذ للحاكم أن يفعل ذلك لكن برضاهُما. (أُنيس) تصغير أنس. قال ابن عبد البر: هو ابن مَرْثَد الغَنَوي بالمعجمة والنون المفتوحتين وبالواو. قال: وقد يقال: هو ابن الضحاك الأسلمي. قال ابن الأثير: الثاني أشبه بالصحة لكثرة الناقلين، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقصد أن لا يُؤمر في القبيلة إلا رجلًا منها لنفورهم من حكم غيرهم، وكأن المرأة أسلمية.

6 - باب كيف يكتب "هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان" وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه؟

(فرجمها)؛ أي: بعد أن ثبت باعترافها، ورواه مالك: (وأمر أُنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأته)، وبعثُه لها إنما هو لإعلامها أن أبا العَسِيف قذفها بابنه، فعليه الحد، فتطالب به أو تعفو وتعترف بالزِّنا فترجم، لأنها محصنة. وفيه أن الصلح الفاسد منتقض، وأن المقترض في المفاسد يجب رده، وجواز الإفتاء في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وفيه التغريب خلافًا للحنفية. * * * 6 - بابٌ كَيْفَ يُكْتَبُ "هَذَا مَا صَالَحَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ وَفُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ" وَإِنْ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى قَبِيلَتِهِ أَوْ نَسَبِهِ؟ (باب: كيف يكتب: هذا ما صالح فلانٌ؟) (أو نسبه) بلفظ المصدر، أو يكتفي في أول الوثائق بالاسم، ولا يلزم ذكر الحد والنسب والبلد ونحوه. 2698 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بن عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ الْحُدَيبِيَةِ كتَبَ عَلِيٌّ بَيْنَهُم كِتَابًا، فَكَتَبَ: مُحَمَّدٌ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لاَ تَكْتُبْ: مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ، لَوْ كُنْتَ رَسُولًا لَمْ نُقَاتِلْكَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: "امْحُهُ"، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا أَناَ بِالَّذِي أَمْحَاهُ، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدهِ، وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، وَلاَ يَدْخُلُوهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ، فَسَألوهُ: مَا جُلُبَّانُ السِّلاَح؟ فَقَالَ: الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ. الحديث الأول: (اُمحه) بفتح الحاء وضمها، يقال: محوت الشيء أمحوه وأمحاه، وإنما خالف عليّ، لأنه علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب. (الجُلُبَّان) بضم الجيم واللام وشدة الموحدة. قال أبو الفرج: إنهم أجازوا كسرها، واللام مضمومة عند الأكثرين مع تشديد الباء، وصوبه ابن قتيبة، وقال (خ): يحتمل أن تكون ساكنة اللام غير مشددة الباء جمع جلب كما رواه مُؤمل عن سُفيان: (إلا بجُلبِّ السلاح)، وكذا ذكره الهروي وصوبه هو وثابت، وبالوجهين ذكره أبو حنيفة في الثياب، وقيل: المعروف جربّان بالرَّاء، جربان السيف والقميص وليس بشيء، وعادة العرب أن لا يفارقوا السلاح في السلم والحرب. (والقراب) غلاف السيف من جلد، ويضع الراكب فيه أداته، وإنما شرطوا ذلك؛ لأنه للسلم، أي: حتى لا يُظن أنهم دخلوا قهرًا. * * *

2699 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّام، فَلَمَّا كتبوا الْكِتَابَ كتبوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: لاَ نُقِرُّ بِهَا، فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا مَنَعْنَاكَ، لَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: "أَناَ رَسُولُ اللهِ، وَأَناَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ"، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: "امْحُ رَسُولُ اللهِ"، قَالَ: لاَ، وَاللهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْكِتَابَ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، لاَ يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلاَحٌ إِلَّا فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ، وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا. فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فتبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ: يَا عَمِّ! يَا عَمِّ! فتنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، حَمَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَناَ أَحَقُّ بِهَا، وَهْيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالتهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ"، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: "أَنْتَ مِنِّي وَأَناَ مِنْكَ"، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: "أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي"، وَقَالَ لِزَيْدٍ: "أَنْتَ أَخُوناَ وَمَوْلاَناَ".

الحديث الثاني: (القَعْدة) بفتح القاف وسكون العين. (يَدَعُوه)؛ أي: يتركوه. (قَاضَى)؛ أي: فاصل وأمضى أمرهما عليه، وهو معنى صالح، ومنه قضى القاضي: إذا فصل الحكم وأمضاه. (بها)؛ أي: بالرسالة. (فلو نعلم) الإتيان بالمضارع، فإن (لو) للماضي للدلالة على الاستمرار كما في: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ} [الحجرات: 7]. (فكتب)؛ أي: مع أنه أُمّي بنص القرآن، لأن الأمي من لا يحسن الكتابة لا من لا يكتب، أو الإسناد مجازي بمعنى أمر بالكتابة، أو كتب خارقًا للعادة معجزة له. (هذا) اسم إشارة لما في الذهن. (ما قاضَى) خبره مفسر له. (لا يدخل) تفسير للتفسير. (دخلها)؛ أي: في العَامِ المُقْبِل. (ومضى الأجل)؛ أي: قرب انقضاؤه نحو قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] ولا بد من هذا التأويل لئلا يلزم عدم الوفاء بالشرط. (يا عمي) فيه إضمار أو تجوّز، لأن عليًّا ابن عمها لا عمها.

7 - باب الصلح مع المشركين

(دونك) اسم فعل بمعنى: خذيها، وفيه مجاز أيضًا لأنها ابنة عم أبيها. (احمليها) وفي بعض: (احتمليها)، وفي بعض: (حملتها)، بلفظ الماضي، ولعل الفاء منه محذوفة. (ابن أخي) لأنه - صلى الله عليه وسلم - آخى بين حمزة وزيد، لا أن المراد أخوة نسب ولا رضاع. (بمنزلة الأُمّ)؛ أي: والأُمّ أولى لأنها أحنى على الولد وأهدى إلى ما يصلحه، وعلي الإطلاق النساء أولى بالحضانة من الرجال. (أنت مني)؛ أي: أنت متصل بي، و (من) هذه تُسمّى اتصالية؛ كقوله: "لا أنا من الدُّد ولا الدد مني". (أخونا)؛ أي: أخوة الإسلام، أو باعتبار الأخوّة المذكورة، فطيّب - صلى الله عليه وسلم - قلب الكل بنوع من التشريف على ما يليق بالحال، ووجه الدلالة على الترجمة من ذلك السياق، وكذا لفظ المقاضاة. * * * 7 - بابُ الصُّلْحِ مَع الْمُشْرِكينَ فِيهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ. وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ تَكُونُ هُدْنةٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ". وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَأَسْمَاءُ، وَالْمِسْوَرُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب: الصلح مع المشركين) (عن أبي سُفيان) يشير به إلى حديث هِرَقْل الموصول في أول "الجامع". (وقال عوف) موصول في (الجزية). (تكون هُدْنة) بضم الهاء، أي: صلح. (بني الأصفر)؛ أي: الروم. قال ابن الأنباري: سموا بذلك لأن جيشًا من الحبشة غلب على بلادهم في وقت، فوطئ نساءهم فولدن أولادًا صفرًا بين سواد الحبشة وبياض الروم. قال عوف: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فقال: "اعدد ستًّا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المَقْدِس، ثم موتان، ثم استفاضة المال، ثم فتنة لا تُبقي بيتًا من العرب إلا دخلته، ثم هُدْنَة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون". (وفيه سهل) موصول في (الاعتصام). (وأسماء)؛ أي: بنت أبي بكر، موصول في (الأدب). (والمِسْور) موصول في أول (الشروط). * * * 2700 - وَقَالَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: صَالَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -

الْمُشْرِكينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى أَنَّ مَنْ أتاهُ مِنَ الْمُشْرِكينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أتاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ ويقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، وَلاَ يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ السَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَنَحْوِه. فَجَاءَ أبو جَنْدَلٍ يَحْجُلُ فِي قُيُودِهِ، فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ. قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ مُؤَمَّلٌ، عَنْ سُفْيَانَ أَبَا جَنْدَلٍ، وَقَالَ: إِلَّا بِجُلُبِّ السِّلاَح. (وقال موسى) وصله أبو نُعيم في "المستخرج"، وأبو عَوانة في "صحيحه". (بِجُلُبَّان السِّلاح) إلى آخره، كذا فسره هنا، لكن سبق: (فسألوه ما جُلُبَّان السِّلاح؟ فقال: القراب بما فيه) وهو الأصوب، وقال الزُّهْري: الجُلُبَّان يشبه الجراب من الأدم، فيضع فيه الراكب سيفه مغمودًا وسوطه وأداتَه، ويعلقه من آخر الرجل أو وسطه، وقال ابن قتيبة: لا أراه (¬1) سُمي بذلك إلا لخفائه. (يَحجُل) بفتح الياء ومهملة ثم جيم مضمومة: هو أن يرفع رِجلًا ويقف على الأُخرى من الفرح، وقد يكون بالرجلين كمشي المقعد. (أبو جندل) بفتح الجيم وسكون النون وبدال مهملة اسمه العاصي بن سُهيل بن عمرو، أسلم بمكة فحبسوه، فهرب يوم الحُديبية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورُدَّ إليهم بسبب العهد، وإنما ردَّهُ، لأنه كان يأمن عليه القتل. ¬

_ (¬1) "أراه" ليس في الأصل.

(لم يذكر مؤمل)؛ أي: بفتح الميم، وروايته وصلها أحمد. (بِجُلُبِّ) بضم الجيم واللام وتشديد الموحدة جمع، قال (ع): ولعله بفتح اللام جمع جلبة وهي الجلدة تغشى القتب. قال (ك): وبكسر الجيم وسكون اللام. * * * 2701 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلاَ يَحْمِلَ سِلاَحًا عَلَيْهِمْ إِلَّا سُيُوفًا، وَلاَ يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَقَامَ بِهَا ثَلاَثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ. الحديث الأول: (الحُديبية) بتخفيف الياء الثانية وتشديدها. قال العلماء: في شرطه رد من جاءهم ومنع من ذهب إليهم، فقد بين حكمته في رواية أُخرى بقوله: "من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم يجعل الله له فرجًا ومخرجًا"، وأما المصلحة في هذا الصلح فهو ما ظهر من ثمراته كفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، لأنهم قبله لم يكونوا يختلطون بالمسلمين، ولا يعلمون

8 - باب الصلح في الدية

طريقتهم، فلما حصل الصلح، واختلطوا بهم وعرفوا أحواله - صلى الله عليه وسلم - من المعجزات الباهرة، وحسن السيرة، وجميل الطريقة مالت نفوسهم إلى الإيمان، فأسلم قبل الفتح كثير، ويوم الفتح كلهم، وكان العرب في البوادي ينتظرون إسلام أهل مكة، فلما أسلموا أسلمت العرب كلهم، والحمد لله رب العالمين. * * * 2702 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ ابْنُ مَسْعُودِ بْنِ زيدٍ إِلَى خَيبر، وَهْيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ. الحديث الثاني: (ابن مسعود بن زيد) كذا وقع للبخاري، ولعله الصحيح عنده، وإلا فابن عبد البر، وابن الأثير وغيرهما لم يذكروا إلا مسعود بن كعب. * * * 8 - بابُ الصُّلْحِ فِي الدِّيَةِ (باب: الصُّلْح في الدِّية) 2703 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ:

أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ: أَنَّ الرُّبَيِّعَ -وَهْيَ ابْنَةُ النَّضْرِ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنسُ بْنُ النَّضْرِ: أتكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ لاَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ: "يَا أَنسُ! كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ"، فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه". زَادَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ: فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ. (ثنية)؛ أي: سن. (جارية) هي الشابة، لا أن المراد أمَة، وإلا لما كان بينهما قصاص. (فطلبوا)؛ أي: قوم الربيع من أهل الجارية العفو على الأرش. (لا تُكْسَر) إما أنه قاله قبل أن يعرف أن كتاب الله القصاص على التعيين، وظن التخيير بين القصاص والدية، أو المراد الاستشفاع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، أو لم يرد به الإنكار والرد، بل توقعًا ورجاءً من فضل الله أن يرضى ويلقي في قلوبهم أن يعفو عنها، وقال الطيبي: ليس ردًّا للحكم، بل نفي لوقوعه بلفظ: (لا تُكْسَر) إخبار عن عدم الوقوع، ولذلك لِمَا كان له من الله من القرب والثقة بفضل الله ولطفه في حقه أنه لا يحنّثه، بل يلهمهم العفو، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن من عباد الله من لو

أقسم على الله لأبرّه"، حيث جعله من زمرة عباده المخلصين. (كتاب الله القصاص) مرفوعان على الابتداء والخبر، ويجوز نصبهما إما لما وضع فيه المصدر موضع الفعل؛ أي: كتاب الله القصاص بقوله تعالى {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24]، وإما على الإغراء، ويكون القصاص بدلًا أو منصوبًا بفعل، أو هو مرفوع خبر مبتدأ محذوف، ولا يجوز ذلك في الآية، إذ يمتنع أن يكون (كتاب) نصب بـ (عليكم) المتأخر عنه، أي: حكم كتاب الله القصاص، فهو على حذف مضاف، وذلك إشارة إلى قوله تعالى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]، أو {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45]، بأنا متعبدون بشرع من قبلنا، أو قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} الآية [النحل: 126] أو الكتاب بمعنى الفرض والإيجاب، وفيه جواز الحلف فيما يظن وقوعه، والثناء على من لا يخاف الفتنة بذلك، واستحباب العفو عن القصاص، والشفاعة في العفو، وأن الخيرة في القصاص والدية إلى مستحقه لا إلى المستحق عليه، وإثبات القصاص بين النساء، وفي الأسنان، والكسر بمعنى القلع ليتصور فيه القصاص. قلت: أو كان مضبوطًا وأمكن، وفضيلة أنس، وهذا من الثلاثيات. * * *

9 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي: "ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين"، وقوله جل ذكره: {فأصلحوا بينهما}

9 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَسَنِ بن عَلِيّ: "ابْنِي هَذَا سيِّد، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْن"، وَقولِه جَلَّ ذِكرهُ: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي: ابني هذا سيد) (أن يُصْلِحَ) هو لفظ الحديث كما سيأتي في (الفتن)، وفيه استعمال (لعل) كـ (عسى) في الإتيان بـ (أن) لاشتراكهما في الرجاء. 2704 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ وَاللهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِي مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لأَرَى كتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانها، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ -وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ-: أَيْ عَمْرُو! إِنْ قتلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولاَ لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ. فَأَتَيَاهُ، فَدَخَلاَ عَلَيهِ، فتكَلَّمَا وَقَالاَ لَهُ، فَطَلَبَا إِلَيهِ، فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَاِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالاَ: فَإنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا

وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْألكَ، قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَألهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إلَى جَنْبِهِ، وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. (بكتائب) بمثناة جمع كتيبة وهي الجيش. (تولى) من التولية وهي الإدبار. (خير الرجلين)؛ أي: مُعاوية خير من عمرو بن العاص. (أي عمرو) (أي) حرف نداء، و (عمرو) منادى مبني على الضم. (بِضَيْعَتِهِم) بفتح الضاد المعجمة، أي: عيالهم. (عبد الرحمن) هو وما عطف عليه بالنصب بدل من المفعول، وهو (رجلين)، ويجوز قطعهما بالرفع. (كُرَيز) بضم أوله وبزاي في آخره. (فقال: اذهبا) دليل على أن مُعاوية كان الراغب في الصلح، وأنه عرض على الحسن المال رغبة في حقن الدماء، ورفع سيف الفتنة، قالوا: وفيه أن الصلح على الانخلاع من الخلافة، والعهد بها على أخذ مال جائز دفعة واحدة.

10 - باب هل يشير الإمام بالصلح؟

(واطلبا إليه) أي: يكون مطلوبكما مفوضًا إليه أو منتهيًا إليه، أي: الزَما مطالبَهُ. (أصبنا)؛ أي: نزلنا من هذا المال وصرفا في جهة منه. (عاثت)؛ أي: اتسعت في الفساد، يقال: عاث وعثًا، ومنه: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]. (قال الحسن) البصري. (عظيمتين) وصفهما بالعظم لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين عظيمتين فرقة معه وفرقة مع مُعاوية، وكان الحسن يومئذ أحق الناس بهذا الأمر، فدعاه وَرَعُهُ إلى ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله، ولم يكن ذلك لقلةٍ ولا ذلةٍ له ولا لعلةٍ، فقد بايعه على الموت أربعون ألفًا، فصالحهُ رعايةً لدينه، ومصلحة للأُمة، وكفى بذلك شرفًا وفضلًا، فلا أسوَد ممن سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سيدًا. (علي)؛ أي: ابن المديني. (من أبي بكرة)؛ أي: نُفيع الثقفي. * * * 10 - بابٌ هَلْ يُشِيرُ الإِمَامُ بِالصُّلْحِ؟ (باب: هل يشير الإمام بالصُّلْح) 2705 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُويسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ

11 - باب فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم

سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيةٍ أَصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضعُ الآخَرَ، ويسترْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهْوَ يَقُولُ: وَاللهِ لاَ أَفْعَلُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللهِ لاَ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ"؟ فَقَالَ: أَناَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ. (أخي)؛ أي: عبد الحميد. (عالية) بالجر صفة، وبالنصب حال. (أصواتهما) قال (ك): هذا على قول من يقول أن أقل الجمع اثنان. قلت: فيه نظر! إذ نحو {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، ليس من محل النزاع، وسبق الحديث في (باب: التقاضي في المسجد وغيره). * * * 11 - بابُ فَضْلِ الإِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ (باب: فضل الإصلاح بين الناس) 2707 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ

هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ". (سُلامَى) بضم المهملة وخفة اللام وفتح الميم مقصور: المِفْصل. قال الجوهري: السلامات عظام الأصابع، والسلامى في الأصل عظم يكون في فِرْسن البعير، واحدُهُ وجمعُهُ سواء، وقد يجمع على سلاميات، وقيل: على الأنملة، وقيل: كل عظم مجوف من صغار العظام، أي: على كل أحد بعدد كل مفصل في أعضائه صدقة شكرًا لله تعالى بأن جعل عظامه مفاصل بها يقدِر على القبض والبسط، وتخصيصها من بين سائر الأعضاء لما في أعمالها من دقائق الصنائع التي تتحير الأوهام فيها. قال ابن مالك: حق الراجع إلى كل المضاف للنكرة أن يجيء على وفق المضاف إليه كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت: 57]، وقد جاء على وفق (كل) كما في هذا الحديث. (كل يوم) بالنصب ظرف لما قبله، وبالرفع مبتدأ والجملة بعده خبر، والعائد يجوز حذفه. (يعدل) الضمير فيه للشخص أو للمكلف وهو مبتدأ على تأويله بمصدر كما في: تسمع بالمُعَيدي، وكذا قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الرعد: 12]. ووجه دلالة الحديث على الترجمة: أن الإصلاح نوع من

12 - باب إذا أشار الإمام بالصلح، فأبى، حكم عليه بالحكم البين

العدل، وعطف العدل عليه عطف عام على خاص، وقيل: لأن القصد بالحكم بالعدل فصل الخصومة، والصلح فيه فصل الخصومة، أو أن الناس ليس كلهم حكامًا، فالعدل من الحكام الحكمُ، ومن غيرهم الإصلاحُ بين الناس. * * * 12 - بابٌ إِذَا أَشَارَ الإِمَامُ بِالصلْح، فَأَبَى، حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْبَيِّنِ (باب: إذا أشار الإمام بالصُّلْح فأبى حكم عليه) 2708 - حَدَّثَنَا أَبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ: أَنَّ الزُّبَيرَ كَانَ يُحَدِّثُ: أنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ كَاناَ يَسْقِيَانِ بِهِ كِلاَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ" فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! آنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فتلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ". فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ سَعَةٍ لَهُ وَللأنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيح الْحُكْم.

قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآيَةَ. (شراج)؛ أي: مسيل الماء. (الحَرَّة): أرض ذات حجارة سود. (كلاهما) تأكيد للمثنى، وفي بعضها: (كلأهما) بفتح الكاف واللام والهمزة. (أن كان) بفتح الهمزة وكسرها. (ابن عمتك)؛ أي: صفية أُمُّ الزُّبَير. (الجدْر) بفتح الجيم وسكون الدال، أي: الجدار. (سعة)؛ أي: مسامحة لهما وتوسيعًا عليهما على سبيل الصلح والمجاملة. (أحفظ) بحاء مهملة، أي: أغضب، والحفيظة والحفيظ: الغضب. قال: ادن لقام بنصري معشر حسنٌ ... عند الحفيظة إنْ ذو لينةٍ لأنا قال (خ): قوله: (فلما أحفظه)، مدرج من كلام الزُّهْري على عادة إدراجه، حتى قال له موسى بن عُقْبة: ميِّز قولك من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (استوعى)؛ أي: استوفى، وسبق الحديث في (كتاب الشِّرب). * * *

13 - باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث، والمجازفة في ذلك

13 - بابُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأَصحَابِ الميراث، وَالْمُجَازَفَةِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يتَخَارَجَ الشَّرِيكَانِ، فَيَأخُذَ هَذَا دَيْنًا، وَهَذَا عَيْنًا، فَإِنْ تَوِيَ لأَحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ. (باب: الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث)؛ أي: وبين أصحاب الميراث. (توِي) بفتح المثناة وكسر الواو، وتوى بفتحها: هلك، ويقال أيضًا بفتح الواو ماضيًا وكسرها مضارعًا. * * * 2709 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: تُوُفِّي أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ، فَأَبَوْا وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إِذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي الْمِرْبَدِ آذَنْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -". فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَدَعَا بِالْبَرَكةِ ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ غُرَمَاءَكَ، فَأَوْفِهِمْ"، فَمَا تَرَكْتُ أَحَدًا لَهُ عَلَى أَبِي دينٌ إِلَّا قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ ثلِاَثَةَ عَشَرَ وَسْقًا؛ سَبْعَة عَجْوَةٌ وَسِتَّةٌ لَوْنٌ، أَوْ سِتَّة عَجْوَةٌ وَسَبْعَةٌ

لَوْنٌ، فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَضَحِكَ فَقَالَ: "ائْتِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأخْبِرْهُمَا"، فَقَالاَ: لَقَدْ عَلِمْنَا إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا صَنَعَ أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ. وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ وَهْبٍ، عَنْ جَابِرٍ: صَلاَةَ الْعَصْرِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا بَكْرٍ وَلاَ ضَحِكَ، وَقَالَ: وَتَرَكَ أَبِي عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقًا دَيْنًا. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبٍ، عَنْ جَابِرٍ: صَلاَةَ الظُّهْرِ. (جذذته) بذال معجمة ومهملة وتاء، أي: قطعته. (المِرْبَد) بكسر الميم وفتح الموحدة وبدال مهملة: الموضع الذي تحبس فيه الإبل وغيرها، وأهل المدينة يسمون الموضع الذي يُجفف فيه التمر: مِرْبَدًا، والجرين في لغة نجد. (آذنت)؛ أي: أعلمتني، ووضع ظاهر موضع المضمر لتقوية الداعي، أو للإشعار بطلب البركة منه ونحوه. (وفضل) مضارعه يفضل؛ كقعد يقعُد، ويقال: فضل يفضَل كحذر يحذَر، ولغة ثالثة مركبة منهما فضل -بالكسر- يفضُل بالضم شاذ. قال سيبويه: كموت يموت، ورواية أبي ذر هنا: (فضِل) بالكسر. (عجوة) من أجود تمر المدينة. (لون) هو يسمى الدَّقْل.

14 - باب الصلح بالدين والعين

قال الأخفش: هو جمعٌ واحده لينة، والجمع بين هذا وبين رواية: (فضل سبعة عشر وسقًا) سبقت في (الاستقراض) في (باب: إذا قاصّ)، ورواية: (بقي التمر كأنه لم يمس) سبقت في (باب: الشفاعة في وضع الدين) = أن مفهوم العدد لا اعتبار به، أو أنه بقي بعد الديون وقبل سائر الإخراجات سبعة عشر وبقي بعده بخاصة نفسه ثلاثة عشر، وأما بقاؤه كما هو فهو بحسب البركة أو بحسب الحس، أو لعل الأصل لم يكن إلا سبعة عشر، فخلق الله تعالى القَدْرَ الذي وفي لغرمائه زائد، أو فيه معجزة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (وقال هشام) موصول في (الاستقراض). (صلاة العصر) وفي السابقة المغرب، وفي رواية أبي إسحاق (الظهر) كلهم لحسن ضبطهم. واعلم أن قصد البخاري من هذا الحديث أن المجازفة في الاعتياض عن الدَّيْن جائزة، وإن كانت جنس حقه وأقل فإنهُ لا يتناوله النهي إذ لا مقابلة هنا من الطرفين. * * * 14 - بابُ الصُّلْحِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ (باب: الصُّلْح بالدَّيْن والعَين) 2710 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا

يُونُسُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ ابْنُ كعْبٍ: أَنَّ كعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي بَيْتٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمَا حَتَّى كشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: "يَا كَعْبُ! " فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ، فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فَاقْضِهِ". (سِجف) بكسر السين وفتحها، أي: ستر. (الشطر): النصف، مرَّ في (باب: التقاضي في المسجد)، والحديث وإن لم يكن فيه ما في الترجمة من العين لكنه بالقياس على الدَّين. * * *

54 - كتاب الشروط

54 - كِتَابُ الشُّرُوطِ

1 - باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، والأحكام، والمبايعة

بِسمِ اللهِ الرّحمن الرّحيمِ 54 - كِتَابُ الشُّرُوطِ 1 - بابٌ مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الإِسْلاَمِ، وَالأَحْكَامِ، وَالْمُبَايَعَةِ (كتاب الشروط) قال الغَزَّاليُّ: الشرط: ما لا يوجد الشيء دونه ولا يلزم أن يوجد عنده، وقال الإمام الرازي: ما يتوقف عليه تأثير المؤثر لا وجوده، والمختار: ما يستلزم نفيه نفي أمر لا على جهة السببية، وهو ينقسم إلى عقلي كالحياة للعلم، وشرير كالوضوء للصلاة، ولُغَوي نحو: إن دخلت الدار. قلت: هذا كله فيه تسامح في المنقول هنا، وقد حررت ذلك وبينت المراد في كل موضع في "شرح العمدة"، وفي "شرح ألفية الأصول" يتعين على مَنْ يريد التحقيق الوقوف عليه. * * *

2711 - و 2712 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنه -، يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كانَ عَلَى دِينكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَامْتَعَضُوا مِنْهُ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ وَهْيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْألونَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَرْجعْهَا إِلَيْهِمْ؛ لِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} إِلَى قَوْلهِ {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}. 2713 - قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} إِلَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ}. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ بَايَعْتُكِ" كَلاَمًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ.

الحديث الأول: (عن الصحابة) لا يضر الإبهام بمثل ذلك لأن الصحابة كلهم عدول. (أبا جَنْدل) بفتح الجيم وسكون النون، اسمه العاصي، ومات في خلافة عُمر. (امتَعَضوا) بمهملة ثم معجمة بينهما مثناة مفتوحة، أي: غضبوا، يقال: معض وامتعض: غضب وشق عليه. (مُعَيْط) بضم الميم وفتح المهملة وسكون الياء وبمهملة، ابن حُميد بن عبد الرحمن. قال (ش): إن عُقْبة بن أبي مُعَيْط هو الفاسق المذكور في القرآن أُسِرَ يوم بدر وضرب عنقه صَبْرًا، وفيه نظر!، فإن الذي في التفاسير في: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] أنه الوليد بن عُقْبة لا عُقْبة. (عاتق) هي الجارية الشابة أول ما أدركت. (فامتحنوهن)؛ أي: اختبروهن بالحلف والنظر في الآيات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن. (هذه الآية) نزلت بيانًا لأن الشرط إنما كان في الرجال. (كلامًا) هو مقول عائشة وقع حالًا. * * * 2714 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ،

2 - باب إذا باع نخلا قد أبرت

قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاشْتَرَطَ عَلَيّ: وَالنُّصْح لِكُلِّ مُسْلِمٍ. 2715 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإيتَاءَ الزَّكَاةِ وَالنُّصْح لِكُلِّ مُسْلِمٍ. الحديث الثاني: (والنصح) عطف على مقدر يُعلم من الحديث الذي بعده، وهو الثالث. * * * 2 - بابٌ إِذَا بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبّرَتْ 2716 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ بَاعَ نَخْلًا قدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ". (باب: إذا باع نخلًا قد أُبرِت) التأبير: تلقيح النخل، وسبق الحديث في (باب: من باع نخلًا). * * *

3 - باب الشروط في البيع

3 - بابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ (باب: الشروط في البيوع) 2717 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرتهُ: أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتِكِ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَأبَوْا وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ لنا وَلاَؤُكِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهَا: "ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". (يحتسب)؛ أي: يقضي عنه حسبةً لله تعالى، سبق مرارًا. * * * 4 - بابٌ إِذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ظَهْرَ الدَّابَّةِ إِلَى مَكَانٍ مُسَمًّى جَازَ (باب: إذا اشترط البائع) 2718 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا

يَقُولُ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَضَرَبَهُ، فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ يَسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: "بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ"، قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ: "بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ"، فَبِعْتُهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا آتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، وَنقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي، قَالَ: "مَا كنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ فَهْوَ مَالُكَ". قَالَ شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَفْقَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ: فَبِعْتُهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ: لَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ: شَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرٍ: وَلَكَ ظَهْرُهُ حَتَّى تَرْجِعَ. وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: أَفْقَرْناَكَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِم، عَنْ جَابِرٍ: تَبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى أَهْلِكَ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ وَابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبٍ، عَنْ جَابِرٍ: اشْتَرَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِوَقِيّةٍ. وَتَابَعَهُ زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ جَابِرٍ: أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَناَنِيرَ. وَهَذَا يَكُونُ وَقِيَّةً عَلَى حِسَابِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ. وَلَمْ يُبَيِّنِ الثَّمَنَ مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ: وَقِيَّةُ ذَهَبٍ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ: بِمِائتَيْ دِرْهَمٍ. وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ

ابْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ: اشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ تَبُوكَ، أَحْسِبُهُ قَالَ: بِأرْبَعِ أَوَاقٍ. وَقَالَ أَبُو نضرَةَ، عَنْ جَابِرٍ: اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا. وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوَقِيَّةٍ أَكْثَرُ. الاِشْتِرَاطُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ عِنْدِي. قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ. (أعيا)؛ أي: عجز عن المشي. (بسير) جار ومجرور. (يسير) مضارع. (وَقية) بفتح الواو، لغة في الأُوقية. قال الجوهري: هي أربعون درهمًا، وكذلك كان فيما مضى، وأما اليوم فيما يتعارفه الناس فهي عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم. (حُملانه) بضم المهملة، أي: حملهُ، أي: اشترطت حق حملي عليه إلى المدينة. (فخذ)؛ أي: هبة، لأنه كان أعطاه الثمن وزاده. (وقال شعبة) وصله البيهقي. (أفقرني) يقال: أفقر دابته: أعاره فقارها ليركبها. (وقال إسحاق)؛ أي: ابن إبراهيم، موصول في (الجهاد). (فقار) بفتح الفاء: خرزات الظهر، أي: مفاصل عظامه. (وقال عطاء) موصول في (الوكالة). (وقال محمد بن المُنْكَدِر) وصله البيهقي. (أخذته)؛ أي: قال - صلى الله عليه وسلم -: أخذته.

(على حساب الدينار) مبتدأ، (بعشرة) خبره، والجملة في محل جر بإضافة (حساب) إليها، أي: دينار من ذهب بعشرة دراهم، فأربعة دنانير تكون أُوقية من الفضة. (وابن المُنْكَدِر) عطف على (مغيرة)، وفي بعضها: (وقال) بينَ: (ولم يبين الثمن) و (المغيرة)، فيكون من تنازع العاملين. (وقال زيد بن أسلم) وصله البيهقي. (وقال أبو الزُّبَير) وصله البيهقي أيضًا. (وقال الأعمش) رواه مسلم، والنسائي، و"مسند" عبد. (تبلغ عليه) فعل أمر من التفعّل، وفي بعضها بلفظ المضارع. (قال أبو عبد الله: والاشتراط أكثر)؛ أي: قال البخاري: إن الروايات كما ترى مختلفة، والرواية التي تدل على الاشتراط أصح، وأكثر من الروايات التي لا تدل عليه. (وقال عبيد الله) موصول بعدُ بأبواب. (وابن إسحاق) وصله أحمد. (وقال أبو نضرة) وصله أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. وقد اختلف في جواز بيع الدابة بشرط ركوب البائع، فجوزه البخاري لما سبق من قوله: (رواية الاشتراط أكثر)، وعليه أحمد، وجوزه مالك إذا كانت المسافة قريبة، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجوز مطلقًا لحديث: "نهى عن بيع الثُنيا، ونهى عن بيع وشرط"،

وأجابوا عن هذا الحديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرد حقيقة البيع، بل أراد أن يُعطيه الثمن بهذه الصورة، أو أن الشرط لم يكن في نفس العقد، فلعله كان سابقًا أو لاحقًا، وتبرع - صلى الله عليه وسلم - بإركابه. واعلم أن القصة واحدة فكيف يقع فيها هذا الاختلاف، وكلهم عدول، فجوابه: أن وقية الذهب قد تساوي مائتي درهم المساوية لعشرين دينارًا على حساب الدينار بعشرة، وأما وقية الفضة فأربعون درهمًا مساوية لأربعة دنانير، وأما أربعة أواق فلعله اعتبر اصطلاح أن كل وقية عشرة دراهم، فهو وقية، أيضًا بالاصطلاح الأول، فالكل راجع إلى وقية ووقع الاختلاف في اعتبارها كمًّا وكيفًا. قال (ع): قال أبو جعفر الداودي: ليس لأُوقية الذهب قدر معلوم، وأُوقية الفضة أربعون درهمًا. قال: وسبب اختلاف هذه الروايات أنهم رووا بالمعنى، وهو جائز، فالمراد أُوقية الذهب في ذلك الوقت، فيكون الإخبار بأوقية الذهب عما وقع به العقد، وعن أواقي الفضة عما حصل به الإيفاء، ويحتمل أن هذا كله زيادة على الأُوقية كما ثبت في الروايات أنه قال: (وزادني)، وأما رواية: (أربعة دنانير)، فموافقة أيضًا، لأنه يحتمل أن تكون أُوقية الذهب حينئذ وزن أربعة دنانير، وفي رواية: (عشرين دينارًا) محمولة على دنانير صغار كانت لهم، ورواية: (أربع أواقي) شك فيها الراوي، فلا اعتبار بها، وفيها معجزة ظاهرة، وغير ذلك كما سبق. * * *

5 - باب الشروط في المعاملة

5 - بابُ الشُّرُوطِ فِي الْمُعَامَلَةِ (باب: الشروط في المعاملة) 2719 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: "لاَ"، فَقَالَ: "تَكْفُوناَ الْمَؤُنة وَنشرِككُمْ فِي الثَّمَرَةِ"، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. الحديث الأول: (إخواننا)؛ أي: المهاجرين. (فقال)؛ أي: الأنصار، وأفرد نظرًا إلى أنه صار علمًا لهم، وفي بعضها: (قالوا). (المؤنة) يهمز ولا يهمز، هو التعب والشدة، والمراد هنا السقي والتربية والجداد ونحوه. (ونشرككم) بفتح أوله وضم ثانيه وكسر ثالثه، ويسمى هذه عقد المساقاة، وسبق في (كتاب الحرث)، ووجه كون هذا شرطًا ليطابق الترجمة أن تقديره: إن تكفونا المؤنة نقسِمْ لكم أو نشرككم، فهو شرط لغوي اعتبره الشارع. قلت: لا يحتاج إلى تقدير هذا، فإن الشرط في مثل تقييد العقد

6 - باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح

بشيء بأي صيغة كانت. * * * 2720 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عمر - رضي الله عنه - قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. الحديث الثاني: سبق شرحه. * * * 6 - بابُ الشُّرُوط فِي الْمَهْرِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ، وَلَكَ مَا شَرَطْتَ. وَقَالَ الْمِسوَرُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرتهِ فَأَحْسَنَ، قَالَ: "حَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي". (باب: الشروط في المهر عند عقدة الزواج)، بضم عين (عقدة). (وقال المِسْور) موصول في (الخمس). (صِهْرًا) هو لغة قريب المرأة، ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان جميعًا، والمراد به هنا أبو العاص بن الربيع زوج زينب ابنته - صلى الله عليه وسلم -، أُسر يوم بدر ومَنَّ عليه بلا فداء كرامة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان قد

7 - باب الشروط في المزارعة

أبى أن يُطلق ابنته إذ مشى إليه المشركون في ذلك، فشكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصاهرته وأثنى عليه، ورد زينب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد بدر بقليل حين طلبها منه، وأسلم قبل الفتح. * * * 7 - بابُ الشُّرُوطِ فِي الْمُزَارَعَةِ (باب: الشروط في المزارعة) 2722 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ ابْنَ خَدِيج - رضي الله عنه - يَقُولُ: كنَّا أكثَرَ الأَنْصَارِ حَقْلًا، فَكُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ نُنْهَ عَنِ الْوَرِقِ. (حقلًا) هو الزرع والقراح. (عن ذلك)؛ أي: عن كراء الأرض ببعض منها، ولم ينه عن الإكراء بالورق، أي: بالدراهم، وسبق في (الحرث) شرحه. * * *

8 - باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح

8 - بابُ مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ (باب: ما لا يجوز من الشروط في النكاح) 2723 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تناجَشُوا، وَلاَ يَزِيدَنَّ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبَنَّ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَلاَ تَسْألِ الْمَرْأةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتكْفِئ إناَءَهَا". الحديث الأول: (ولا تناجشوا) هو أن يزيد في الثمن لا لرغبة. (أُختها)؛ أي: ضرتها، لأنها أُختها في الدين. (لتكفئ) من كفأت القِدر: إذا كببتها لتفرغ ما فيها، وهو تمثيل لإمالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها إذا سألت طلاقها، فيصير لها من النفقة والمعاشرة ما كان للمطلقة، فعبَّر عن ذلك بإكفائها ما في الإناء مجازًا، وسبق في (باب: لا يبيع على بيع أخيه). * * *

9 - باب الشروط التي لا تحل في الحدود

9 - بابُ الشُّرُوطِ التِي لاَ تَحلُّ فِي الْحُدُودِ 2724 - و 2725 - حَدَّثَنَا قُتَيْبة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْث، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبة بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزيدِ بنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنهما - أَنَّهُمَا قَالاَ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ أتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! أَنْشُدُكَ اللهَ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ، وَهْوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نعمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَائْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ"، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنىَ بِامْرَأَتِهِ، وَإنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَليدَةٍ، فَسَألْتُ أَهْلَ الْعِلْم، فَأَخْبَرُوني أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ؛ الْوَليدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اغْدُ يَا أُنيسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، قَالَ: فَغَدَا عَليْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَتْ. الثاني: (أنشدك إلا قضيت)؛ أي: لا أطلب منك إلا قضاءك. (وائذن) ليس عطفًا على (اقض)؛ إذ المستأذن هو الأعرابي لا خصمه.

10 - باب ما يجوز من شروط المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق

(أُنيس) هو الأسلمي، سبق في (الصلح). * * * 10 - بابُ مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ بِالْبَيع عَلَى أَنْ يُعْتَقَ (باب: ما يجوز من شروط المكاتب) 2726 - حَدثنا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيمَنَ الْمَكِّيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهْيَ مُكَاتَبةٌ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! اشْتَرِيني؛ فَإِنَّ أَهْلِي يَبِيعُوني، فَأَعْتِقِيني، قَالَتْ: نعمْ، قَالَتْ: إِنَّ أَهْلِي لاَ يبيعُوني حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي، قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ بَلَغَهُ، فَقَالَ: "مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ؟ " فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاؤُا"، قَالَتْ: فَاشْتَرَيْتُهَا فَأعْتَقْتُهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ". (دخلت على عائشة)؛ أي: وهي من وراء حجاب، أو أن ذلك قبل نزول آية الحجاب. * * *

11 - باب الشروط في الطلاق

11 - بابُ الشُّرُوطِ فِي الطلاَقِ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: إِنْ بَدَا بِالطَّلاَقِ أَوْ أَخَّرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ. 2727 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ لِلأَعْرَابِيِّ، وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، ونَهَى عَنِ النَّجْشِ، وَعَنِ التَّصْرِيَةِ. تَابَعَهُ مُعَاذٌ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ شُعْبةَ. وَقَالَ غُنْدَرٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: نُهِيَ. وَقَالَ آدَمُ: نُهِينَا. وَقَالَ النَّضْرُ، وَحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: نهى. (باب: الشروط في الطلاق) (إن بدا)؛ يعني: لا تفاوت في تقديم الشرط على الطلاق وتأخيره عنه نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق، وأنت طالق إن دخلت. (التلقي)؛ أي: تلقي الرُّكْبان ليشتري متاعهم قبل معرفتهم السعر. (المهاجر)؛ أي: المقيم هو في بيع الحاضر للبادي، وإنما عبر بالمهاجر لأن الغالب على المهاجرين التجارة، وأما الأنصار فمشتغلون

بالعمل في زروعهم كما في حديث أبي هريرة: إخواني من المهاجرين يشغلهم الصَّفَق بالأسواق، ومن الأنصار العمل في أموالهم. (الأعرابي)؛ أي: الذي يسكن البادية، لكن المشهور عند الفقهاء في المنهي: أن المقيم يبيع متاع البادي لا أنه يشتري للبادي، فيؤول هذا إما بأن الأعرابي إذا جاء السوق ليبتاع شيئًا لا يتوكل له المقيم فينصح ويستقضي له الباعة، فَيُحْرِم الناس بذلك رفقًا ينالوه من الأعرابي، والفقهاء لم يتعرضوا لعدم نهي هذا، فهو نوع غير بيع الحاضر للبادي، أو أن الابتياع جاء بمعنى البيع كما جاء لفظ البيع للمعنيين، وإما أن يحمل النقيض على النقيض، وإما أن يخصص بيع العرض بالعرض لصحة إطلاق البيع والشراء على كلا الطرفين، والمبيع على كل واحد من العوضين. (والتصرية)؛ أي: تصرية ضرع الحيوان ليخدع المشتري بكثرة اللبن. (تابعه مُعاذ. وعبد الصمد) وصلهما مسلم. (وقال غُنْدر) وصله أبو نُعيم في "مستخرجه على مسلم". (نهي) في الموضعين مبني للمفعول، لأن المراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -هو الناهي، وللفاعل أيضًا. (وحجاج) وصله البيهقي. (نهينا) مبني للمفعول أيضًا. * * *

12 - باب الشروط مع الناس بالقول

12 - بابُ الشُّرُوطِ مَعَ النَّاسِ بِالْقَوْلِ (باب: الشروط مع الناس بالقول) قيل: مراده الاكتفاء في الاشتراط بالقول من غير احتياج للإشهاد، ألا ترى أن موسى - عليه السلام - لم يُشْهد أحدًا على ما قال. 2728 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَني يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ- وَغَيْرُهُمَا: قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مُوسَى رَسُولُ اللهِ"، فَذَكرَ الْحَدِيثَ، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}: كاَنَتِ الأُولَى نِسْيَانًا، وَالْوُسْطَى شَرْطًا، وَالثَّالِثةُ عَمْدًا. {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}. {لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ}. {فَانْطَلَقَا ......... فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}. قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَمَامَهُمْ مَلِكٌ). (وغيرهما) بالرفع معطوفًا على فاعل (أخبرني)، والضمير الفاعل في (سمعته) لابن جريج، والمفعول لغير. (موسى رسول الله) مبتدأ وخبره، أي: صاحب الخضر، هو موسى بن عمران كليم الله ورسوله، لا موسى آخر كما هو زعم نَوْف البكالي.

13 - باب الشروط في الولاء

(الأولى)؛ أي: المسألة الأولى. (نسيانا) لقوله: {بمَا نسيتُ} [الكهف: 73]. (شرطًا) لقوله: {إن سَألتك} [الكهف: 76]. (عمدًا)؛ أي: بالقصد حيث قال: {لَو شِئتَ لَتَّخَذْتَ} [الكهف: 77]، ثم ذكر من كل القصص ما ينبه عليه وإن لم يكن على ترتيب القرآن. (أمامهم)؛ أي: قدَّامهم، وإذا قرأ ابن عباس. * * * 13 - بابُ الشُّرُوطِ فِي الْوَلاَء 2729 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّة، فَأعِينيني، فَقَالَتْ: إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كتَابِ اللهِ؟ مَا كَانَ مِنْ

14 - باب إذا اشترط في المزارعة "إذا شئت أخرجتك"

شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهْوَ بَاطلٌ، وإنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وإنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". (باب: الشرط في الولاء) سبق مرات، هذا رابعُ عشرِها. * * * 14 - بابٌ إِذَا اشْتَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ "إِذَا شِئْتُ أَخْرَجْتُكَ" (باب: إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك) 2730 - حَدَّثَنَا أبو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أبو غَسَّانَ الْكِنَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ: "نُقِرُّكُمْ مَا أقرَّكُمُ الله"، وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاك، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَلَيْسَ لنا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرُهُمْ، هُمْ عَدُوُّناَ وَتُهَمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلى ذَلِكَ أتاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الْحَقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أتخْرِجُنَا وَقَدْ أقرَّناَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وَعَامَلنَا عَلَى الأَمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لنا؟! فَقَالَ عُمَرُ: أَظَننتَ أنِّي نسَيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كيْفَ بِكَ

إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ"؟! فَقَالَ: كَانَتْ هَذه هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِم، قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ. فَأجْلاَهُمْ عُمَرُ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ مَالًا وإبِلًا وَعُرُوضًا، مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (أبو أحمد) قال الكلاباذي: هو مَرَّار -بفتح الميم وشدة الراء الأولى- ابن حَمُويه -بفتح المهملة وضم الميم- الهمذاني، وقيل: محمد بن يوسف البيكندي، وقيل: محمد بن عبد الوهاب الفراء، وقال الغساني: هو ابن يحيى الكناني. (فعدى عليه)؛ أي: ظلم، والعدوان: الظلم. (ففدعت) قال (ش): بفاء ودال وعين مهملتين مفتوحات، أي: زالت يده من مفصلها فاعوجت، وفدع مثل عوج، أي: أصابه ذلك، وقيل: يقال: أفدع: إذا التوت رجله، وأكوع: إذا اعوجت يده من رأس الزند، والفدع بالتحريك: زيغ بين القدم وعظم الساق، وكذا في الرواية، وهو أن تزول المفاصل عن أماكنها، وفي بعض تعاليق البخاري: فدع: يعني كسر، والمعروف في قصة ابن عُمر ما قاله أهل اللغة، وهذا الآخر هو ما صدَّر به (ك) إذ قال: فدغ بالفاء والمهملة المشددة ثم المعجمة المفتوحات من الفدغ، وهو كسر الشيء المجوف، ثم نَقَل عن (خ) أنه إنّهم أهل خيبر بأنهم سحروا عبد الله ففدعت يداه ورجلاه، أصل الفدع في الرجل زيغ بين القدم وعظم

الساق، ورجل أفدع: إذا التوت قدماه من ذلك الموضع. قال: ولعل (خ) صححه بالعين المهملة، إذ هو المناسب لمعناه اللغوي، وفسر عدى عليه بالسحر، وفي حديث ابن عُمر: أن أباه بعثه إليهم ليقاسمهم التمر فدفعوه ففدعت قدمُه. (تَهمتَنا) بفتح الهاء، وقيل بسكونها، وأصله: وهمتنا، فقلبت الواو تاء نحو: التُكْلان. (أجمع)؛ أي: عزم. (الحُقَيْق) بضم المهملة وفتح القاف الأولى وسكون الياء. (إذا أخرجت) بالبناء للمفعول. (قلوصك) هي الناقة الشابة، وقيل: أول ما تركب من إناث الإبل، وربما قيل ذلك للناقة الطويلة القوائم. (هزيلة) تصغير المرة من الهزل ضدِّ الجد. (مالًا) تمييز للقيمة. (وإبلًا) عطف على مال يقتضي أنه أُريد به النقد خاصة، والزرع خاصة لحديث أبي هريرة: (يشغلهم العمل في أموالهم)، أو من عطف الخاص على العام. (وعروضنا) جمع عرض، وهو ما ليس بذهب ولا فضة. (أقتاب) جمع قتب بالتحريك، وهو الرَّحل الصغير على قدر السنام، وبالكسر جمع أدوات السانية من أعلاقها وحبالها. * * *

15 - باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط

2730 / -م - رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، اخْتَصَرَهُ. (ورواه حماد) وصله أبو يعلى، أي: اختصر حماد، أو لم يذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كيف بك)، وفعله وهو كان عامل، والقرينة لفظ: (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). قيل: استنبط منه البخاري جواز الخيار في المساقات للمالك لا إلى أمد؛ لأن هذه المساقاة مع أهل خيبر لم تكن معينة لقوله: (ما أقركم الله)، ومفهومه: أنه متى أراد إخراجهم أخرجهم. * * * 15 - بابُ الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ، وَالْمُصَالَحةِ مَعَ أَهْلِ الحربِ، وَكتَابَةِ الشُّرُوط 2731 - و 2732 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَني الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالاَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ بِالْغَمِيم فِي

خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ"، فَوَاللهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلتهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ"، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لاَ يَسْألوني خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا"، ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نزلَ بِأقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يتبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نزحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَطَشُ، فَانتزَعَ سَهْمًا مِنْ كنَانتَهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللهِ مَا زَالَ يَجيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانُوا عَيْبةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نزلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيةِ، وَمَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لَمْ نَجئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاؤُا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْني وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ؛ فَإنْ شَاؤُا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وَإنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَده! لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تنفَرِدَ سَالِفَتِي،

وَلَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمْرَه"، فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى أتى قُرَيْشًا، قَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئتمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لاَ حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَناَ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! ألسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَلَسْتُ بالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تتَّهِمُوني؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: ألسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئتكُمْ بِأهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُوني آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ هَلْ سَمِعْتَ بِأحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وإنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَإِنِّي وَاللهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّي لأَرَى أَشْوابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بِبَظْرِ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلاَ يَدٌ كانَتْ لَكَ عِنْدِي لَم أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذ بِلِحْيتهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ

يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ لَهُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ! ألسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقتلَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا الإسْلاَمَ فَأقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ". ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَيْنَيْهِ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَةَ رُشْدٍ، فَاقْبَلُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كنَانة: دَعُوني آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا فُلاَنٌ، وَهْوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ"، فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاَءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ

الْبَيْتِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُوني آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْئِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا مِكْرَزٌ، وَهْوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ"، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأخْبَرَنِي أيوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ"، قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ، اكتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم"، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كمَا كنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لاَ نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اكتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ"، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ"، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْناَكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلاَ قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كذَّبْتُمُوني، اكتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ"، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلهِ: "لاَ يَسْألوني خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا"، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ"، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لاَ تتحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْناَ ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ:

وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينكَ، إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ! كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ"، قَالَ: فَوَاللهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَجِزْهُ لِي"، قَالَ: مَا أَنَا بِمُجيزِهِ لَكَ، قَالَ: "بَلَى، فَافْعَلْ"، قَالَ: مَا أَناَ بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَرٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْناَهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا؟ أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: ألسْتَ نبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: "بَلَى"، قُلْتُ: "ألسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّناَ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: "بَلَى"، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِيننَا إِذًا؟ قَالَ: "إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهْوَ نَاصِرِي"، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَتأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: "بَلَى، فَأخْبَرْتُكَ أَنَّا نأتِيهِ الْعَامَ"؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: "فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ"، قَالَ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! ألَيْسَ هَذَا نبَيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: "ألسْنَا عَلَى الْحَق وَعَدُوُّناَ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِيننَا إِذًا؟ قَالَ: أيُّهَا الرَّجُلُ! إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهْوَ نَاصِرُهُ،

فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِه، فَوَاللهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنأتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأخْبَرَكَ أَنَّكَ تأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: "قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا"، قَالَ: فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نبَيَّ اللهِ! أتحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ؛ نَحَرَ بُدْنه، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} حَتَّى بَلَغَ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}، فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ -رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ- وَهْوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يأكلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ

أَبُو بَصِيرٍ لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللهِ إِنِّي لأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلاَنُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ. فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِني أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ، حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُ: "لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا"، فَلَمَّا انتهَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ! قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْلُ أُمِّهِ! مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ"، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سيفَ الْبَحْرِ. قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لاَ يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأرْسلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تُنَاشِدُهُ بِاللهِ وَالرَّحِم لَمَّا أَرْسَلَ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهْوَ آمِنٌ، فَأرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حَتَّى بَلَغَ {الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنهُ نبَيُّ اللهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ.

(باب: الشروط في الجهاد) (بالغَمِيم) بفتح المعجمة وكسر الميم: وادٍ بينه وبين مكة نحو مرحلتين، وبضم الغين وفتح الميم؛ قاله (ع)، ولم يذكره البكري إلا بالفتح، وذكر شعرًا قد صغر فيه بالضم موضع قريب من مكة. (طليعة)؛ أي: مقدمة الجيش. (بِقَتَرَة) بفتح القاف والمثناة: الغبار الأسود. (نذيرًا)؛ أي: منذرًا لهم بمجيء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والجيش. (حَلْ) بفتح المهملة وسكون اللام: زجر للناقة إذا حملها على السير، فإذا كررت قلت في الأولى: حَلِ بكسر اللام، وسكنت اللام في الثانية كما في بَخٍ بَخْ، وصَهٍ صَهْ، ويقال أيضًا: حَوْث زجرًا للبعير بفتح المهملة وسكون الواو وبمثلثة، وحلحلت القوم: أزعجتهم عن موضعهم. (فألحت) من الإلحاح، أي: لزمت مكانها ولم تنبعث بل بالغت في البروك. قلت: وفي "النهاية": وقيل: إنما يقال: ألح الجمل وخلأت الناقة، وهذا الحديث يرد هذا القول. (خلأت) بمعجمة مع الهمز: خربت وتصعبت، والخِلاء -أي: بالكسر- في الإبل كالحِران في الدواب الخيل ونحوها. (القَصْوَاء) بفتح القاف والمد أصله الناقة التي قطع طرف أذنها،

لكن لقبت به ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس بها شيء من ذلك. (ذلك)؛ أي: الخِلاء. (بخلق)؛ أي: بعادة. (حابس الفيل) هو الله تعالى، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1]، وحكمة ذلك أنه لو دخل مكة عَامَئذٍ لم يؤمن وقوع قتال كثير، وقد سبق في العلم القديم إسلامُ جماعة منهم، فحبس عن ذلك كما حبس الفيل، إذ لو دخل أصحاب الفيل لقتلوا خلقًا، وسبق في علم الله إيمان قوم، ويخرج من أصلابهم من يؤمن. قال (ش): كذا قالوا، ويمكن أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان خرج إليهم على أنهم إن صدوه عن البيت قاتلهم، فصدوه فبركت الناقة، فعلم أنه أمرٌ من الله، فقاضاهم على اعتمار العام القابل، وقصة الفيل: أن أبرهة الحبشي بعث الفيل بعسكر لهدم الكعبة واستباحة الحرم، فلما وصل إلى ذي المجاز امتنع الفيل من التوجه نحو مكة ولم يمتنع عن غيرها. (خُطَّة) بضم المعجمة وفتح الطاء المهملة مشددة، أي: خصلة أو أمرًا عظيمًا، كأنه يستحق أن يُخَطَّ في الدفاتر، وفيه إشارة إلى الجنوح إلى المصالحة، وترك القتال في الحرم. (ثَمَد) بفتح المثلثة والميم: الماء القليل الذي لا مادة له. (يتبرضه) كالتفسير لما قبله، والتبرض بإعجام الضاد: أخذ الشيء بمشقة قليلًا قليلًا. (فلم يلبثه) من الإلباث أو من التلبيث.

(نزحوه)؛ أي: أخذوا ماءه كله. (شكي) مبني للمفعول. (فأمرهم) الذي ائتمر ونزل بالسهم، روى ابن سعد من طريق ابن مروان: حدثني أربعة عشر من الصحابة أنه ناجية ابن الأعجم، وقيل: ابن جُنْدب، وقيل: البراء، وقيل: عَباد بن خالد، ووقع في "الاستيعاب": خالد بن عُبادة. (يجيش)؛ أي: يفور ماؤه ويرتفع كما يجيش المرجل بما فيه. (بالري)؛ أي: بما يرويهم. (صدورا)؛ أي: رجعوا. (بُدَيْل) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون الياء. (ورقاء) مؤنث الأوراق. (الخُزَاعِي) بضم المعجمة وخفة الزاي والمهملة: أسلم يوم الفتح على الأصح. (عَيْبة) بمهملة مفتوحة وياء ساكنة ثم موحدة: موضع سره وأمانته، وأصله حقيقةً الثياب، شبّه صدر الإنسان الذي هو مستودع سره بالعيبة التي هي مستودع خير الأثواب. (تِهامة) بكسر المثناة اسم: ما نزل عن نجد ومكة منها. (لُؤَي) بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد الياء. (أعداد) جمع عِد بكسر العين، وهو الماء الذي لا انقطاع له

كالبئر والعين، وقيل هو بِلُغة تميم: الكثير، وبِلُغة بكر بن وائل: القليل. (العُوذ) بضم المهملة وآخره معجمة جمع عائذ: النوق، وهي الحديثة النتاج. (المطافيل) جمع مُطْفِل بضم الميم، وهي الأُم التي معها طفلها، وأصله مطافل فأشبعت الكسرة ياءً. قال ابن قتيبة: يريد النساء والصبيان، ولكنه استعار ذلك؛ يعني: أن هذه القبائل قد احتشدت لحربك وساقت أموالها معها. (نَهِكتهم) بكسر الهاء وفتحها: أضعفتهم وأبلغت في ذلك. (ماددتهم)؛ أي: صالحتهم. (أظهر): أغلب، وهذا إنما هو منه - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الفرض والمجارَاة مع الخصم بزعمه، وإلا فهو جازم بأن الله يظهره على الدِّين كُله. (جَمُّوا) بالجيم من الجمام، أي: استراحوا، يقال: جم الفرس: إذا تُرِكَ ولم يُرْكب، وأصله من جم الشيء، أي: أكثر، ولذلك قال ابن الأثير: أي: استراحوا وكثروا، لأن القتال يقلل الجيش لما يقتل بينهم وتركه يكثره. (تنفرد سالفتي)؛ أي: ينفصل مقدم عُنقي، أي: حتى أُقتل. (ولينفَّذن) بتشديد الفاء، أي: ليمضينّ وليتمنّ أمره.

(هات) فعل أمرٍ مضى على ترك الياء التي هي لامه مثل غازٍ. (عُروة) أسلم بعد ذلك، ودعا قومه إلى الإسلام، فقتلوه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مثله مثل صاحب ياسين في قومه". (بالوالد)؛ أي: بمثله في الشفقة والمحبة، وهو كان سيدًا مُطاعا من أشرافهم. (استنصرت)؛ أي: دعوتهم للقتال نصرة لهم. (عُكاظ) بضم المهملة وخفة الكاف ومعجمة: اسم سوق بناحية مكة كانت العرب تجتمع بها في كل سنة مرة. (بلّحوا) بموحدة وشدة اللام أو تخفيفها وحاء مهملة، أي: تأخروا، يقال: بلح بلوحًا وبلح بليحًا، وبلح الفرس: انقطع جَرْيه، وبلحت الرَّكية: انقطع ماؤها، وبلح الغريم: امتنع من الأداء، مأخوذ من البلح وهو الذي لا يبدو فيه نقطة الإرطاب. (خُطَّةَ رُشْدٍ)؛ أي: خصلة فيها رشد، يقال: خذ خطبة الإنصاف، أي: انتصف. (آته) جزم في جواب الأمر، وبالرفع استئناف. (استأصلت)؛ أي: استوعبهم إهلاكًا. (اجتاح) بتقديم الجيم، يعني الإهلاك أيضًا. (وإن تكن الأُخرى) جوابه محذوف للعلم به، أي: فلا يخفى إذا غلبوا ما يفعلون بكم، أو كانت الدولة للعدو أو نحو ذلك، وفيه رعاية الأدب حيث لم يصرح إلا بشق غالبيته - صلى الله عليه وسلم -.

(فإني) كالتعليل لظهور شق الغلوبية. (أشوابًا) بمعجمة وموحدة، أي: أخلاطًا، وفيه رواية: (أوباشًا)، أي: جماعة من قبائل شتى. (خليقًا)؛ أي: جديرًا وهو فعيل يستوي فيه الواحد وأكثر، وفي بعضها: (خلقًا) بلفظ الجمع. (امصص) بفتح الصاد والمهملة الأولى فعل أمر من مصص بالفك، كذا قيَّده الأَصِيلي، وفيه أصل مطرد في المضاعف إذا كان مفتوح الثاني. (بَظْر) بفتح الموحدة وسكون الظاء المعجمة، وهي الجلدة التي تقطعها الخاتنة من فرج المرأة عند الختان. (اللات) اسم الصنم، وهذا شتم له. (يد)؛ أي: مِنَّة ونعمة، وفيه أن التصريح باسم العورة عند الحاجة ليس خروجًا عن حد المروءة. (أخذ بلحيته) قيل: هي عادة للعرب كثيرة، وأكثر من يستعملها أهل اليمن يقصدون بها الملاطفة، وإنما منعه المغيرة من ذلك تعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذ كان إنما يفعل ذلك الرجل بنظيره، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمنعه من ذلك تألفًا له واستمالةً لقلبه. (المِغْفر): زَرَد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.

(أهوى)؛ أي: مال إليها بيده ليأخذها. (غُدر) بوزن عُمر، أي: غَدَّار، يريد المبالغة في وصفه بالغدر. (في غَدْرتك)؛ أي: في إطفاء ثائرة غدرك، ودفع شر خيانتك ببذل المال ونحوه، وكان بينهما قرابة، والغَدْرة بالفتح: الفعلة، وبالكسر: اسم لما فعل من الغدر. (فأقبل) بصيغة المتكلم. (وأما المال) إلى آخره، فيه دليل على أن أموال أهل الشرك إذا أخذوها عند الأمان مردودة إلى أربابها. (فلست منه في شيء)؛ أي: ما عليَّ، ففيه أن الحربي إذا أتلف مال الحربي ثم أسلم يضمنه، وهو أحد الوجهين لأصحابنا. (يقتتلون)؛ أي: يختصمون. (قيصر) غير مصروف، لأنه لقب أعجمي، وهو لكل ملك من الروم. (وكسرى) -بفتح الكاف وكسرها- لكل ملك من الفرس. (والنجاشي) -بتشديد الياء وتخفيفها- لقب لمن مَلَكَ الحبشة. (إن) نافية في الكل. (نُخامة) هي البصاق الغليظ. (وَضوء) بالفتح: الماء. (يُحِدون) بضم أوله وكسر المهملة.

(رجل من بني كِنانة) هو الحُلَيْس بن علقمة سيد الأحابيش؛ ذكره الزبير بن بكار في "الأنساب" وكِنانة بكسر الكاف وخفة النونين: قبيلة من تغلب وهم بنو كعب، وكِنانة قبيلة من مضر أيضًا. (قلدت) هو تعليق شيء في عنق البدنة ليعلم أنها هَدْي. (وأشعرت)؛ أي: الطعن في سنامها، فيسيل الدم علامة أنه هَدْي. (مِكْرَز) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء وبزاي، ابن حفص بمهملتين، ابن الأحنف بمعجمة وفاء، العامري. (سُهيل) تصغير سهل. (من أمركم) فاعل سهل، و (من) فيه زائدة أو تبعيضية، أي: سهل بعض أمركم، وهذا القدر مرسل تابعي. (اللهم)؛ أي: يا الله، فالميم بدل من حرف النداء، أو هي: وأمنا بخير، فحذف بعض حروفه للتخفيف. (قاضَى)؛ أي: فاصل وأمضى أمرهما عليه. (وإن كذبتموني) جوابه محذوف. (والله لا) نُخلي. (تتحدث) استئناف. (ضُغْطَة) بضم المعجمة وسكون المعجمة بعدها وآخره مهملة. قال في "الصحاح": أخذته ضغطة: ضيقت عليه لتكرهه على الشيء.

(أبو جَنْدل) بفتح الجيم، اسمه العاصي. (يَرْسف) بإهمال السين: يمشي فيها مشي المقيد. (بين أظهر)؛ أي: بين المسلمين، و (أظهر) مقحمة. (فأجزهُ) بجيم وزاي أو براء، فإن قيل: لمَ ردَّ أبا جَنْدل وقد قال مِكْرَز: أجزناه لك؟ قيل: لأن المتصدي للعقد سهيل، فالاعتبار بالمباشر، وإنما رده لأنه كان يأمن عليه من القتل. (الدنيّة) بتشديد الياء صفة لمحذوف، أي: الحالة الدنية؛ أي: الخسيسة، والأصل فيه الهمز ولكن خفف. (ولست أعصيه) فيه تنبيه لعُمر، وأنه إنما فعل ذلك لمَّا أطلعه الله بحبس الناقة عن أهل مكة ما في غيبه لهم من الإبلاع في الإعذار إليهم، وأنه لم يفعل ذلك برأي نفسه بل بوحي. (بِغرْزة) الغرْز للإبل بمنزلة الركاب للسرج، أي: صاحبه ولا يخالفه، فاستعار للتمسك بذلك، لأنه الذي يمسك بركاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) ويسير بسيره. (أعمالًا)؛ أي: من المجيء والذهاب والسؤال والجواب، وهذا مرسل من الزُّهْري، فلم يكن هذا من عمر شكًّا بل طلبًا لكشف ما خفي عليه، وحثًّا على إذلال الكفار كما عرف من قوته في نصرة ¬

_ (¬1) في "ف" و"ت": "الركاب" بدل: "النبي - صلى الله عليه وسلم -" وجاء على هامش الأصل: "في الأصل: بركاب الركاب".

الدين، وأما جواب أبي بكر بمثل جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو من الدلائل الباهرة على عظم فضله ورسوخه وشدة اطلاعه على معاني أمور الدين، وفيه أن للإمام أن يعقد الصلح على ما يراه مصلحة للمسلمين، وإن كان ذلك لا يظهر لبعض الناس في بادي الرأي، وفيه احتمال المفسدة اليسيرة لدفع أعظم منها، وإنما وافقهم في ترك كتابة الرحمن، ورسول الله، ورده الجائي للمصلحة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور، أما المصلحة المترتبة عليه فهي ما ظهر في عاقبتها من فتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا لاختلاطهم بسبب الصلح للمسلمين، واطلاعهم على معجزاته الظاهرة ومكارمه الباهرة وغير ذلك، وفيه جواز بعض المسامحة في بعض أمور الدنيا ما لم يكن مضرًا بأصوله لاسيما إذا رجي سلامة في الحال وصلاح في المآل، وفيه تقليد الهَدْي، وإقامة الرئيس الرجال على رأسه في مواضع الخوف، وإنما المنهي ما يفعل من ذلك كبرًا وجبروتًا، والتفاؤل بالاسم الحسن، وفيه الرد لأبي جَنْدل لما سبق من المعنى في ذلك وكذا رد أبي بصير، لأنه كان له عشيرة يذُبُّون عنه. (ما قام منهم رجل) ليس ذلك مخالفة لأمره، بل لأنهم كانوا ينتظرون إحداث الله لرسوله في ذلك أمرًا خلاف ذلك فيتم لهم قضاء نسكهم، فلما رأوه جازمًا وفعل النحر والحلق علموا أنه ليس وراء ذلك غاية تنتظر فبادروا إلى الائتمار بقوله والائتساء بفعله، وفيه جواز مشاورة النساء، وقبول قولهن إذا كن مصيبات.

(غمام)؛ أي: ازدحامًا. (بعصم) جمع عصمة، وهي ما يعتصم به من عقد وسبب، أي: لا يكن بينكم وبينهن عصمة ولا عُلقة زوجية، والآية فيها أن المهاجرات لا ترد إليهم، فيكون ناسخًا لما في الحديث من مخالفة ذلك، ونسخ السنة بالقرآن، وذلك على رواية: (لا يأتيك منا أحد)، أما على رواية: (رجل)، فلا إشكال. (أبو بصير) اسمه عبيد بن أَسيد بفتح الهمزة. (الرجل)؛ أي: الأول صاحب السيف، أو الرجل الآخر وهذا أقرب لفظًا والأول معنى. (بَرد)؛ أي: مات وهو كناية، لأن البرودة لازمة للموت. (ذُعْرًا) بضم المعجمة وسكون المهملة، أي: فزعًا وخوفًا. (قد والله) إن قيل: القياس: والله لقد، أو فالله، قيل: القسم محذوف والمذكور مؤكد له. (ويل أُمه) أصله دعاء عليه، ولكن هنا للتعجب على إقدامه في الحرب، وإيقاد نارها، وشدة النهوض لها، وفي بعضها: (ويلمه)، بحذف الهمزة تخفيفًا، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ويل أمه، وقال الجوهري: إذا أضفته ليس فيه إلا النصب. (مِسْعَر) بكسر الميم للآلة أو بضمها اسم فاعل أسعر، وجواب

(لو) محذوف يدل عليه السياق، أي: لو فرض له أحد ينصره لإسعار الحرب لأثار الفتنة، وأفسد الصلح، فعلم منه أنه سيرده إليهم إذ لا ناصر له، وقال ابن مالك: يحتمل أن يكون أصله: وي لأُمه بضم اللام بتبعية الهمزة فحذفت الهمزة، ويروى أيضًا بالكسر، ومسعر بالنصب تمييزًا له. (سيف) بكسر المهملة، أي: ساحل، والإضافة للإتيان لا للتمييز. (ينفلت) بالفاء، أي: يتخلص. (يناشده) يقال: ناشدتك الله والرحم، أي: سألتك بالله وبحق القرابة. (لما أرسلت)؛ أي: إلا أرسلت، نحو: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4]، أي: لم تسأل قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا إرساله إلى أبي بصير وأصحابه بالامتناع عن إيذاء قريش. (فمن) جزاء شرط مقدر، أي: إذا أرسل رسول الله - عز وجل - فمن أتى من الكفار مسلمًا فهو آمن من الردِّ إلى قريش، فكتب النبي إليه أن يقدم عليه، فقدم الكتاب وأبو بصير في النزع فمات وكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده يقرؤه - رضي الله عنه -. وفيه أن من جاء إلى غير بلد الإمام ليس على الإمام ردُّه. * * *

2733 - وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ: فَأخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لاَ يُمَسِّكُوا بِعِصَم الْكَوَافِرِ؛ أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأتيْنِ قَرِيتةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعيِّ، فتَزَوَّجَ قَرِيتةَ مُعَاوِيَةُ، وَتَزَوَّجَ الأُخْرَى أَبو جَهْم، فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَداءِ مَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ}، وَالْعَقَبُ: مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتِ امْرَأتهُ مِنَ الْكُفَّارِ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءَ الْكُفَّارِ اللَّائِي هَاجَرْنَ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا. وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِي قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي الْمُدَّةِ، فَكَتَبَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْألهُ أَبَا بَصِيرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (يمتحنهن)؛ أي: بالحلف والنظر في الأمارات. (أزواجهم) في بعضها: (أزواجهن)، وتأويله أن الإضافة بيانية، أي: أزواج هي هن، وفيه تكلف. (قريبة) بضم القاف وفتحها. (أُمية) بضم الهمزة.

(ابنة جَرْوَل) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الواو وبلام، الخزاعي وهي أُم عبد الله بنِ عُمر، قيل اسمها: كُلثوم. (أبو جهم) عمار بن حذيفة، هذه رواية عُقيل عن الزهريّ، والسابق في رواية معمر عنه: أنها تزوجت بصفوان بن أُمية. (فأتاكم)؛ أي: سبقكم. (فعاقبتم) قال في "الكشاف": من العَقبة وهي النوبة، شبَّه ما حكم به على المسلمين والمشركين من أداء المهور بأمر يتعاقبون فيه، ومعناه: فجاءت عقبكم من أداء المهور. (يعطى) مبني للمفعول. (من صداق) متعلق به. (من ذهب) مفعول ما لم يسم فاعله. (ما أنفق) هو المفعول الثاني. (الثقفي) سبق قريبًا أنه قرشي، فهما روايتان. (في المدة)؛ أي: مدة المصالحة. (الأخَنْس) بفتح الهمزة وفتح المعجمة وسكون النون ثم مهملة. (شريق) بفتح المعجمة وكسر الراء والقاف الثقفي، وهذا الحديث أطول حديث في "الجامع". * * *

16 - باب الشروط في القرض

16 - بابُ الشُّرُوط فِي الْقَرْضِ (باب: الشروط في القرض) 2734 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ ذَكر رَجُلًا سَألَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ ألفَ دِينَارِ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، وَعَطَاءٌ: إِذَا أَجَّلَهُ فِي الْقَرْضِ جَازَ. (جاز)؛ أي: التأجيل، فلا يفسد القرض باشتراطه. (وقال الليث) سبق وصله في أوائل (البيوع)، وفي (كتاب الحوالة)، وسبق شرحه. * * * 17 - بابُ الْمُكَاتَبِ، وَمَا لاَ يَحلُّ مِنَ الشُّرُوط التِي تُخَالِفُ كتَابَ اللهِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - فِي الْمُكَاتَبِ: شُرُوطُهُمْ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، أَوْ عُمَرُ: كُلُّ شَرْطٍ خَالَفَ كتَابَ اللهِ فَهْوَ بَاطِلٌ، وإنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ.

18 - باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم، وإذا قال: مائة إلا واحدة أو ثنتين

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يُقَالُ عَنْ كِلَيْهِمَا: عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَر. (باب: المكاتب، وما لا يحل من الشروط) (شروطهم)؛ أي: شروط المكاتبين وساداتهم معتبرة بينهم. * * * 18 - بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الاِشْتِرَاطِ وَالثُّنْيَا فِي الإِقْرَارِ، وَالشُّرُوط التِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ بَيْنَهمْ، وَإِذَا قَالَ: مِائَة إِلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: قَالَ رَجُلٌ لِكَرِيِّهِ: أَدْخِلْ رِكَابَكَ، فَإِنْ لَمْ أَرْحَلْ مَعَكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَخْرُجْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهْوَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: إِنَّ رَجُلًا بَاعَ طَعَامًا وَقَالَ: إِنْ لَم آتِكَ الأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْني وَبَيْنَكَ بَيعٌ، فَلَمْ يَجئْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَخْلَفْتَ، فَقَضَى عَلَيْهِ. (والثُنيا) بضم المثلثة اسم من الاستثناء. (لكريّه) بوزن فعيل: المكاري. (الركاب) بكسر الراء: الإبل، واحده رَاحلة. (فلم يخرج)؛ أي: لم يرحل معه.

(الأربعاء) يحتمل اليوم، ويحتمل جمع ربيع، وهو الساقية، أي: لم آتك في المزرعة، والأول هو الظاهر، والقائل هو المشتري بدليل السياق. * * * 2736 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتسعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ". (أحصاها)؛ أي: عرفها، لأن العارف بها لا يكون إلا مؤمنًا، فيدخل الجنة لا محالة أو عددها معتقدًا، والدهري لا يقول بالخالق، ولا الفلسفي بالقادر ونحوه. (وتسعين اسمًا) بالنصب على التمييز، ويروى بجر اسم، قيل: على إضافة (تسعين) إليه، وتثبت النون على لغة إعرابه بحركات على النون لا بالحروف كما في قول الشاعر: وقد جاوزت حد الأربعين (مائة إلا واحدًا) كأنه نصب على البدل [و] في بعضها: (إلا واحدة)، لأن الاسم يؤنث على معنى الكلمة. قال سيبويه: الكلمة اسم وفعل وحرف، فجعل الاسم كلمة، وقيل لأن الاسم بمعنى التسمية، ورد بأن الاسم لا يكون بمعنى

التسمية أبدًا، وإنما جيء بها للتأكيد، ووقع تصحيفها بسبعة وسبعين، والوصف بالعدد الكامل، والحكمة في الاستثناء أن الفرد أفضل من الزوج، وجاء: "إن الله وتر يحب الوتر"، ومنتهى الإفراد من المراتب من غير التكرار تسع وتسعون، لأن (مائة وواحد) يتكرر فيه الواحد، وقيل: الكمال من العدد في المائة، لأن الأعداد كلها ثلاثة أجناس آحاد وعشرات ومئات، لأن الألوف ابتداء آحاد أُخر بدل عشرات الألوف وماءتها، فأسماء الله تعالى مائة، وقد استأثر الله تعالى بواحد منها وهو الاسم الأعظم لم يطلع عليه عباده، فكأنه قال: مائة لكن واحد منها عند الله، وقد يقال: أسماء الله الحسنى وإن كانت أكثر منها، لكن معاني جمعيها محصورة فيها، فلذلك اقتصر عليها، أو أن الحصر فمن يحصي من أسمائه هذا العدد دخل الجنة، وقال (خ): الإحصاء أظهر الأوجه فيه: العدد: حتى يستوفيها، أي: لا يقتصر على بعضها، بل يثني على الله بجميعها. ثانيها: الإطاقة، أي: من أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها وهو أن يعتبر معانيها، وألزم نفسه بواجبها، فإذا قال الرزاق وثق بالرزق وهلم جرًا. ثالثها: العقل، أي: من عقلها وأحاط علمًا بمعانيها؛ من قولهم: فلان ذو حَصَاة، أي: عقل. * * *

19 - باب الشروط في الوقف

19 - بابُ الشُّرُوطِ فِي الْوَقْفِ (باب: الشروط في الوقف) 2737 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تأمُرُ بِهِ؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، قَالَ: فتصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ. قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: غَيْرَ مُتَأثِّلٍ مَالًا. (أنبأني)؟ أي: أخبرني، وقال بعضهم: الإنباء يُطلق على الإجازة أيضًا. (يستأمره)؛ أي: يستشيره. (حَبَست)؛ أي: وقفت، والجيد بالتشديد، ويقال فيه: أحبست، وأما بالتخفيف فبمعنى حبست الشيء؛ أي: ضيقت عليه ومنعته.

(القربى)؛ أي: قرابة المتصدق. (الرقاب)؛ أي: يُشترى من غلتها رقاب فيعتقون. (والضيف) عطف عام على خاص. (يطعم) من الإطعام، واسم تلك الأرض: ثَمْغ بفتح المثلثة وسكون الميم وبمعجمة، وفيه فضيلة الوقف والإنفاق مما يحب، ومشاورة أهل الفضل في طرق الخير. (متأثل) التأثل: اتخاذ الشيء أصلًا. * * *

55 - كتاب الوصايا

55 - كتاب الوصايا

1 - باب الوصايا

55 - كتاب الوصايا 1 - بابُ الوصايَا وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهم". وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ جَنَفًا: مَيْلًا، مُتَجَانِفٌ: مَائِلٌ. (كتاب الوصايا) جمع وصية، وهي فعيلة بمعنى المصدر. قال الأزهري: مشتقة من وصَيتُ الشيء: إذا وصلته، لأنه وصل ما كان في حياته بما بعده. * * *

2738 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَه". تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (ما حق)، (ما) نافية. (له شيء) صفة بعد صفة. (يوصي فيه) صفة لـ (شيء). (يبيت) صفة ثالثة. (إلا) استثناء مفرغ، والمستثنى هو الخبر، ويحتمل أن يقدر أن قبل يبيت على حد: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ} [الروم: 24] فيكون هو الخبر. قال (ش): على القول بأن يبيت صفة ثالثة أن معموله محذوف؛ أي: يبيت مريضًا، ولا يخفى ما فيه، فإن (يبيت) لازم لا مفعول له، ومريضًا الذي قدره إنما هو حال، وذِكْرُ الليلتين تأكيد لا تحديد، أي: لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان وإن كان قليلًا إلا ووصيته مكتوبة. قال الطيبي: المعنى: سامحناه بالتأخر هذا الزمان، فلا ينبغي أن يجاوزه، ثم الجمهور: أنها مندوبة، وقال الظاهرية: واجبة. * * *

2739 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ مَوْتهِ دِرْهَمًا وَلاَ دِينَارًا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ أَمَةً وَلاَ شَيْئًا، إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلاَحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً. الحديث الثاني: (ختن) هو كل من كان من قِبَل المرأة كأخيها وأبيها، ومن قِبَل الزوج الحَمْو والصهر يعمها هذا عند العرب، ولكن عند العامة ختن الرجل زواج ابنته. (جعلها) الضمير فيه للثلاث لا للأرض وحدها. ووجه إدخال هذا الحديث في الوصية أنه إذا كان لا شيء له عند الموت فلا وصية، وقيل: إن كون ما تركه صدقة يحتمل أن تكون على ظاهرها، ويحتمل أنه لكونها موصى بها. (هو ابن مِغْول) بكسر الميم وسكون المعجمة، وهذا من الاحتياط أن كونه ابن مِغْول لم يقله شيخه إنما هو من تفسيره. * * * 2740 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، قَالَ: سَألْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -

أَوْصى؟ فَقَالَ: لاَ، فَقُلْتُ: كيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ، أَوْ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أَوْصى بِكِتَابِ اللهِ. الحديث الثالث: (كتب)؛ أي: في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ} الآية [البقرة: 180]، وهو منسوخ بآية المواريث، أو كتابة ندب. (أوصى بكتاب الله) علم منه أن ما ذكره أولًا من قوله: ما أوصى؛ أي: فيما يتعلق بالمال، ولا ينافيه أيضًا: أوصى بإخراج المشركين من جزيرة العرب. * * * 2741 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - كَانَ وَصيًّا، فَقَالَتْ: مَتَى أَوْصى إِلَيْهِ، وَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي -أَوْ قَالَتْ: حَجْرِي- فَدَعَا بِالطَّسْتِ، فَلَقَدِ انْخَنَثَ فِي حَجْرِي، فَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَمَتَى أَوْصى إِلَيْهِ؟ الحديث الرابع: (حجري) بفتح الحاء وكسرها. (انخنث) بنون ومعجمة ثم نون ثم مثلثة، أي: انثنى ومال إلى السقوط عند فراق الحياة. * * *

2 - باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس

2 - بابٌ أَنْ يَترُكَ وَرَثتَهُ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَكفَّفُوا النَّاسَ (باب: أن يترك ورثته أغنياء) 2742 - حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودني وَأَناَ بِمَكَّةَ، وَهْوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: "يَرْحَمٌ اللهُ ابْنَ عَفْرَاءَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لاَ"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لاَ"، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ؛ إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرثتكَ أَغنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يتكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أنفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَة، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنتفِعَ بِك ناسٌ وَيُضَرَّ بِك آخرُون"، وَلمْ يَكنْ لهُ يَوْمَئِذٍ إِلا ابْنةٌ. (وهو يكره) الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو من كلام سعد يحكي حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو هو من كلام عامر يحكي حال والده. (ابن عفراء) قال عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين ": يريد سعد بن خولة. قال غيره: فيحتمل أن عفراء أُمه، وخولة أبوه، أو أن أُمه لها

اسمان، أو أن اسمها خولة وعفراء صفة لها، وجعل الدمياطي ذلك وَهْمًا، وأن المحفوظ ابن خولة. قال: ولعل الوهم أتى من سعد بن إبراهيم. قال: وقد ذكر البخاري في الفرائض من حديث الزُّهْري عن عامر بن سعد بن خولة، والزُّهْري أحفظ من سعد بن إبراهيم. قلت: مما يقوي احتمال أن عفراء أُمه، وأن ذلك ليس بوهم تصريح رواية النسائي التي أشار إليها (ك): (رحم الله سعد بن عفراء، أو يرحم الله سعد بن عفراء)، وفي حاشيةٍ لبعض المغاربة سمى نفسه فيها عبد الله بن أبي الخصال: أنه طلب سعد بن عفراء، فلم يجد، ثم عثر في السيرة على حديث عمرو بن الحارث وهو ابن عفراء بن رفاعة بن الحارث أخو مسعود ومُعاذ: أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: ما يضحك الرب من عبده؟ قال: "أن يغمس يده في العدو حاسرًا"، فألقى الدرع وقاتل حتى قتل، فذكره عندما رأى اشتياق سعد للموت والرغبة في الشهادة، والشيء بالشيء يذكر. وفيه نظر! لأن القصد إما هو كراهة الموت في الأرض التي هاجر منها كما صرح به في الأحاديث، وأيضًا فلا يُعرف في بني عفراء من يسمى عَمرًا، والذي في السيرة: أن السائل عوف بن الحارث وهو ابن عفراء أخو عوذ ومعوّذ. (فالشطر) قال الزمخشري في "الفائق": منصوب بفعل مضمر،

أي: أوجب الشطر، وقال السهيلي: الخفض فيه أظهر، لأنه مردود على قوله: (بثلثي). قال (ك): وبالرفع أيضًا. (فالثلث) بالنصب على الإغراء أو بمضمر، أي: هب الثلث، واقتصر عليه، وبالرفع بفعل مقدر، أي: يكفيك الثلث، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: المشروع الثلث، أو مبتدأ خبره محذوف. (والثلث كثير) مبتدأ وخبر، و (كثير) بمثلثة أو بموحدة. (أن تدع) بفتح (أن) على التعليل فتكون مبتدأ والخبر (خير)، والجملة خبر (أن) وبكسرها على الشرطية، فالجواب محذوف؛ أي: فهو خير، فيكون مثل: مَنْ يفعل الحسنات الله يشكرها. قال ابن مالك: ومن خصص هذا بالشعر ضيق حيث لا تضييق، وبعد عن التخفيف، فقد قرأ طاوس قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220]، ورجح القرطبي فتح (أن)، وقال: الكسر لا معنى له. (عالة) جمع عائل وهو الفقير. (يتكففون) يقال: تكفف واستكف: بسط كفه للسؤال، أو سأل ما يكفّ الجوع، أو سأل الناس كفافًا من الطعام. (في أيديهم)؛ أي: بأيديهم أو يسألون بالكف الإلقاء في أيديهم.

3 - باب الوصية بالثلث

(ابنة) هي أُم حكيم الكبرى، وهي شقيقة إسحاق الأكبر الذي يُكنى به سعد وأمهما بنت شهاب بن عبد الله بن الحارث، ولا ينافي هذا قوله: (ورثتك)، إذ المراد هنا: ليس له وارث يرث بالفرض أو من الأولاد إلا ابنته. (حتى اللقمة) بالنصب عطف على (نفقة)، ولو رفع جاز على أنه مبتدأ، و (ترفعها) الخبر. * * * 3 - بابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَصِيَّةٌ إِلَّا الثُّلُثُ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}. 2743 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ؛ لأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ". (باب: الوصية بالثلث) (للذمي)؛ أي: لا يكون موجبًا إلا بالثلث، لا أن المراد: لا يكون موصى له إلا بالثلث. (لو غض)؛ أي: لو نقصوا شيئًا من الثلث لكان خيرًا لهم،

4 - باب قول الموصي لوصيه: تعاهد ولدي، وما يجوز للوصي من الدعوى

ويحتمل أن (لو) للتمني، فلا جواب. (الربع) بضم الباء وسكونها، وكذا (الثلث). * * * 2744 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا زَكَريَّاءُ بْنُ عَدِىٍّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ هَاشِم بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَرِضْتُ، فَعَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ لاَ يَرُدَّنِي عَلَى عَقِبِي، قَالَ: "لَعَلَّ اللهَ يَرْفَعُكَ وَيَنْفَعُ بِكَ نَاسًا"، قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ، وإنَّمَا لِي ابْنةٌ، قُلْتُ: أُوصِي بِالنِّصْفِ؟ قَالَ: "النِّصْفُ كَثِيرٌ"، قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ"، قَالَ: فَأوْصَى النَّاسُ بِالثُّلُثِ، وَجَازَ ذَلِكَ لَهُمْ. (أن لا يردني)؛ أي: لا يميتني في داري التي هاجرت منها. * * * 4 - بابُ قَوْلِ الْمُوصِي لِوَصِيِّهِ: تَعَاهَدْ وَلَدِي، وَمَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ مِنَ الدَّعْوَى (باب: قول الموصي) 2745 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

5 - باب إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة جازت

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَليدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْح أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ أَمَةِ أبي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فتسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ أَخِي، كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَللْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: "احْتَجبِي مِنْهُ"؛ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ. (فتساوقا)؛ أي: تماشيا، وسبق الحديث في (العتق) وغيره. * * * 5 - بابٌ إِذَا أَوْمَأَ الْمَرِيضُ برَأْسِهِ إِشَارَةً بَيِّنَةً جَازَتْ (باب: إذا أومأ المريض) 2746 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ يَهُوِدِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ، أفُلاَنٌ أَوْ فُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَجيءَ بِهِ،

6 - باب لا وصية لوارث

فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اعْتَرَفَ، فَأمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ. سبق الحديث في كتاب الخصومات. * * * 6 - بابٌ لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ 2747 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلأبوينِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبْعَ، وَللزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. (باب: لا وصية لوارث) سبق الحديث فيه بشرحه في (القراض). * * * 7 - بابُ الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ (باب: الصدقة عند الموت) 2748 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ،

8 - باب قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين}

عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ، تأمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ". (وقد كان لفلان)؛ أي: للوارث أو المورث أو للموصى له، سبق في (الزكاة) في (فضل صدقة الشحيح). * * * 8 - بابُ قولِ الله تَعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وَيُذْكَرُ: أَنَّ شُرَيْحًا، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَطَاوُسًا، وَعَطَاءً، وَابْنَ أُذَيْنَةَ أَجَازُوا إِقْرَارَ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ: إِذَا أَبْرَأَ الْوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِئَ. وَأَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنْ لاَ تُكْشَفَ امْرَأتهُ الْفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: كنْتُ أَعْتَقْتُكَ، جَازَ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأة عِنْدَ مَوْتهَا: إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي وَقَبَضْتُ مِنْهُ جَازَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرثَةِ، ثُمَّ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الْحَدِيثِ". وَلاَ يَحِلُّ مَالُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "آيَةُ الْمُنَافِقِ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ"، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}؛ فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلاَ غيْرَهُ. فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: قول الله -عز وجل- {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} [النساء: 12]) (آخر يوم) بالنصب والرفع. (يصدق) من التصديق، أي: أحق زمان تصدق فيه الرجل في أمواله آخر عمره، والقصد أن إقرار المريض في مرض موته يصدق فيه وينفذ، وفي بعضها: (يصدق) بلفظ الماضي من التصدق، ولكن الأول هو المناسب للمقام. (إبراء الوارث) بالنصب. (بعض الناس)؛ أي: الحنفية، قالوا: لا يجوز إقرار المريض لبعض الورثة، لأنه مظنة أن يريد الإساءة بالبعض الآخر منهم.

(والبضاعة والمضاربة) الفرق بينهما أن الربح للمالك في البضاعة، ومشترك بينه وبين العامل في المضاربة. (إياكم والظن) موصول في (الأدب)، ونصبه على التحذير. (أكذب)؛ أي: الظن أكذب في الحديث من غيره، وهو وإن كان من عوارض الخير فمعناه أنه نَزَّل الظن هنا منزلة التكلم فيوصف بالصدق والكذب كما يقال: متكلم صادق أو كاذب، ويصح حينئذ التفضيل لوجود التفاوت، فإن التكلم يقبل الزيادة والنقصان، كما تقول زيد أصدق من عمرو أو أكذب منه. (آية المنافق) موصول في (كتاب الإيمان)، وغرض البخاري الرد عليهم: أولًا: بأنهم ناقضو أنفسهم حيث جوزوا إقراره للوارث بالوديعة ونحوها بمجرد الاستحسان من دون دليل. ثانيًا: بأنه لا يجوز منع الإقرار بسبب الظن به الإساءة؛ لأن الظن محذر عنه بقوله: (إياكم والظن)، ولا يحل مال المسلمين، أي: المقر له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (وإذا اؤتمن خان)، ووجه دلالته عليه: أنه إذا وجب ترك الخيانة وجب الإقرار بما غلبه، وإذا أقر لا بد من اعتبار إقراره، وإلا لم يكن لإيجاب الإقرار فائدة. (فلم يخص)؛ أي: لم يفرق بين الوارث وغيره في ترك الخيانة ووجوب أداء الأمانة إليه فيصح الإقرار للوارث ولغيره. * * *

9 - باب تأويل قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}

9 - باب تَأْويلِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وَيُذْكَرُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيةِ. وَقَوْلهِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}؛ فأداءُ الأَمَانَةِ أَحَقُّ مِنْ تَطَوُّعِ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ يُوصِي الْعَبْدُ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّده". (باب: تأويل قوله -عز وجل- {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]) (ويذكر) وصله أحمد، والترمذي وغيرهما من حديث الحارث الأعور عن علي، لكن الحارث ضعيف. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا صدقة إلا عن ظهر غنى) موصول في (الزكاة)، و (ظهر) فيه مقحمة، أي: والمديون ليس بغني، فالوصية التي لها حكم الصدقة تعتبر بعد الدين، وأراد بتأويل الآية مثله. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: العبد راع) موصول في (العتق)، أي: فلا

يجوز له التبرع بخلاف أداء الدين الواجب عليه. * * * 2750 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سألتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَألتُهُ فَأعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا حَكِيمُ! إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"، قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَيَأبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِين! إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءَ فَيَأْبَى أَنْ يَأخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تُوُفِّي رَحِمَهُ اللهُ. الحديث الأول: (خَضِرة) بكسر الضاد، أي: ناعم مشتهى، شبَّهه بالمراعي الشهية للأنعام، والتأنيث على معنى المشبه به، أي: هذا المال شهي كالخضرة، وقال ثابت: إن المال شهية كالبقلة الخضرة، أو فائدة

المال وهي الجارية أو المعيشة منه خضرة. (بإشراف)؛ أي: بحرص وطلب. (أرزأ) بتقديم الراء على الزاي، وأصله النقص، أي: لا آخذ من أحد بعدك شيئًا، سبق في (الزكاة) في (باب الاستعفاف). * * * 2751 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّخْتيَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالإمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيَّتهِ، وَالْمَرْأة فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْؤُلَةٌ عَنْ رَعِيَّتهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَمَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ". الثاني: سبق في (باب الجمعة في القرى). قيل: ووجه مطابقةِ وصيةِ العبد للباب: أن الحق الأقوى مقدم على الأضعف، فكما يقدم حق السيد على حق العبد، فكذا الدَّينُ يُقدم على الوصية، لأنه أقوى. ووجه حديث حكيم: أن الوصية كالصدقة فيدُ آخذها يد السفلى

10 - باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه، ومن الأقارب؟

ويدُ آخذ الدَّين ليست سفلى لاستحقاقه أخذًا قهرًا، فالدَّين أقوى، فيجب تقديمه، ووجه آخر وهو أن عُمر اجتهد في توفية حقه من بيت المال وخلاصه منه، وشبهه بالدَّين لكونه حقًّا بالجملة، فكيف إذا كان دينًا متعينًا؛ فإنه يجب تقديمه على التبرعات. * * * 10 - بابٌ إِذَا وَقَفَ أَوْ أَوْصَى لأَقَارِبِهِ، وَمَنِ الأَقَارِبُ؟ وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنس: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ: "اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ أَقَارِبِكَ"، فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَيِّ بْنِ كعْبٍ، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنسٍ مِثْلَ حَدِيثِ ثَابِتٍ، قَالَ: "اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِكَ"، قَالَ أَنسٌ: فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَا أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي، وَكَانَ قَرَابَةُ حَسَّانَ وَأُبَيٍّ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ، وَاسْمُهُ زيدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زيدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ، فَيَجْتَمِعَانِ إِلَى حَرَامٍ، وَهْوَ الأَبُ الثَّالِثُ، وَحَرَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زيدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَهْوَ يُجَامعُ حَسَّانُ أَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا إِلَى سِتَّةِ آبَاءٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، وَهْوَ أُبَيُّ بْنُ كعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ

عُبَيْدِ بْنِ زيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ يَجْمَعُ حَسَّانَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا. وَقَالَ بَعْضُهْمْ: إِذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ فَهْوَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإسْلاَمِ. (باب: إذا أوقف أو أوصى) أوقف بالألف لغة رديئة، وإنما يقال: وقف. قال (ع): وهي رواية الأَصِيلي في بعض المواضع، والوقف: حبس العين والتصدق بمنفعتها. (وقال ثابت) وصله أحمد، ومسلم. (وقال الأنصاري)؛ أي: محمد بن عبد الله بن المثنى، وصله الدراقطني، والحديث سبق في الزكاة شرحُه. (زيد مَناة) اسم مركب وهو بفتح الميم وخفة النون. (فهو يجامع)، (فهو) ضمير الشأن. (إلى ستة)؛ أي: يجمع أبا طلحة وحسانًا وأُبيًّا الأب السادس وهو عمرو بن مالك النجار، ولكن حسان أقرب من أُبيّ لأنه يجتمع مع أبي طلحة في الأب الثالث وهو حرام، ولكن يحتاج كلام البخاري إلى تأمل. قال الدمياطي: فإنه مُشْكل يحتاج إلى بيان. قال: وبنو عديّ بن عمرو يقال لهم: مغالة، وبنو مُعاوية بن عمرو بن مالك يقال لهم: بنو حديلة -بالمهملة- وهما بطنان من بني

مالك، أي: بخلاف أنس فإنه يصل إلى عمرو بن مالك بواسطة اثنا عشر؛ لأنه أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن عَنْم -بفتح المهملة وإسكان النون- بن عدي بن عمرو بن زيد مَناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار. (في الإسلام)؛ أي: إلى آبائه الذين كانوا في الإسلام. قال الشافعية: أقارب زيد: أولاد أقرب جد يعد قبيلة إلا الأبوان، والأولاد أقرب الأقارب: الفرع، ثم الأصل، ثم الأخوة، ثم الجدودة. * * * 2752 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنسًا - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ: "أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ". قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَادِي: "يَا بَنِي فِهْرٍ! يَا بَنِي عَدِي! " لِبُطُونِ قُرَيْشٍ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمَّا نزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! ". (فِهْر) بكسر الفاء وسكون الهاء، أبو قبيلة من قريش. (وقال ابن عباس) موصول في (الشعراء).

11 - باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟

(وقال أبو هريرة) موصول فيما بعد. * * * 11 - بابٌ هَلْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالْوَلَدُ فِي الأَقَارِبِ؟ (باب: هل يدخل الولدان والنساء في الأقارب) 2753 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَنْزَلَ اللهُ - عز وجل - {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبْدِ مَنَافٍ! لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ! لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ! سَلِيني مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا". تَابَعَهُ أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. (لا أُغني)؛ أي: لا أدفع، وقال الجوهري: فلان لا يغني، أي: لا يجدي ولا ينفع. * * *

12 - باب هل ينتفع الواقف بوقفه؟

12 - بابٌ هَلْ يَنْتفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقفِهِ؟ وَقَدِ اشْتَرَطَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَليَهُ أَنْ يَأكلَ. وَقَدْ يَلِي الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا للهِ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا كمَا يَنْتَفِعُ غَيْرُهُ، وإنْ لَمْ يَشْتَرِطْ. 2754 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ لَهُ: "ارْكَبْهَا"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا بَدَنةٌ، فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: "ارْكَبْهَا، ويلَكَ، أَوْ: وَيْحَكَ". 2755 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنة، فَقَالَ: "ارْكَبْهَا"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا بَدَنة، قَالَ: "ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ" فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ. (باب: هل ينتفع الواقف بوقفه) (ويلك) كلمة عذاب و (ويح) كلمة رحمة، وقال الزُّبيدي: هما بمعنى واحد، وسبق الحديث في (باب: ركوب البُدْن) في (الحج)، والمسألة معروفة في الأصول: أن المخاطِب يدخل في عموم خطابه أو لا؟. * * *

13 - باب إذا وقف شيئا، فلم يدفعه إلى غيره، فهو جائز

13 - بابٌ إِذَا وَقَفَ شَيْئًا، فَلَمْ يَدْفَعْهُ إِلَى غَيْرِه، فَهُوَ جَائِزٌ لأَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَوْقَفَ، وَقَالَ: لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَليَهُ أَنْ يأكُلَ، وَلَمْ يَخُصَّ إِنْ وَليَهُ عُمَرُ أَوْ غَيْرُهُ. قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ: "أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ"، فَقَالَ: أَفْعَلُ، فَقَسَمَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. (باب: إذا وقف شيئًا فلم يدفعه إلى غيره) فيه إشارة إلى رد ما قاله بعض الحنفية: لا يزول الملك حتى يجعل للوقف وليًّا يسلم إليه. * * * 14 - بابٌ إِذَا قَالَ: دَاري صَدَقَةٌ لِلهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْفُقَرَاء أَوْ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ جَائِزٌ، ويَضَعُها فِي الأْقرَبِينَ أَوْ حَيْثُ أَرَادَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ حِينَ قَالَ: أَحَبُّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَجُوزُ حَتَّى يُبيِّنَ لِمَنْ؛ وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.

15 - باب إذا قال: أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز، وإن لم يبين لمن ذلك

(باب: إذا قال: داري صدقة) (بَيْرَحا) بفتح الموحدة والراء وسكون الياء بينهما وبالمهملة والقصر، وفيه وجوه أُخرى مرَّ في (باب الزكاة على الأقارب). * * * 15 - بابٌ إِذَا قَالَ: أَرْضِي أَوْ بُسْتَانِي صَدَقَةٌ عَنْ أُمِّي فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنْ ذَلِكَ (باب: إذا قال: أرضي أو بستاني صدقة) 2756 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني يَعْلَى: أنَّهُ سَمعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: أَنْبَأَناَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادة - رضي الله عنه - تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهْوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَناَ غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: "نعمْ"، قَالَ: فإنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا. (المِخْرَاف) بكسر الميم. قال (خ): هي المثمرة، سميت بذلك لما يُخْترف، أي: يُجْتنى من ثمارها، وعبارة الجوهري: المخرف -أي: بفتح الميم وكسر الراء- ما يجتنى فيه الثمار، والمخرفة البستان.

16 - باب إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز

وفي الحديث أن ثواب الصدقة على الميت تصل إليه وتنفعه، وهو مخصص لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} [النجم: 39]. * * * 16 - بابٌ إِذَا تَصَدَّقَ أَوْ أَوْقفَ بَعْضَ مالِهِ أوْ بَعْضَ رَقِيقِهِ أَوْ دَوَابِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ (باب: إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه) أراد ردَّ ما قاله أبو حنيفة: لا يجوز وقف ما ينقل ويحول. 2757 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كعْبٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وإلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. (من توبتي) وكان أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا عن تبوك وتاب الله عليهم. * * *

17 - باب من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه

17 - بابٌ مَنْ تَصَدَّقَ إِلى وَكيلِه ثمَّ رَدَّ الْوَكيلُ إِلَيْهِ 2758 - وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، لاَ أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَنس - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نزلَتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وَإنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بِيرُحَاءَ -قَالَ: وَكَانَتْ حَدِيقَةً كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَسْتَظِلُّ بِهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا -فَهِيَ إِلَى اللهِ - عز وجل - وَإِلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَرْجُو بِرَّهُ وَذُخْرَهُ، فَضَعْهَا أَيْ رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَخْ يَا أَبَا طَلْحَةَ! ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، قَبِلْنَاهُ مِنْكَ، وَرَدَدْناَهُ عَلَيْكَ، فَاجْعَلْهُ فِي الأَقْرَبِينَ"، فَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ، قَالَ: وَكَانَ مِنْهُمْ أُبَيٌّ وَحَسَّانُ، قَالَ: وَبَاعَ حَسَّانُ حِصَّتَهُ مِنْهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَقِيلَ لَهُ: تَبِيعُ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ؟ فَقَالَ: أَلاَ أَبِيعُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِصَاعٍ مِنْ دَرَاهِمَ؟ قَالَ: وَكَانَتْ تِلْكَ الْحَدِيقَةُ فِي مَوْضعِ قَصْرِ بَنِي جَدِيلَةَ الَّذِي بَنَاهُ مُعَاويَةُ.

18 - باب قول الله تعالى: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه}

(باب: من تصدق إلى وكيله) (لا أعلمه إلا عن أنس) هذا أعم من أن يقول: حدثنا أو أخبرنا، وعلى جميع التقادير الحديث به متصل لا قدح فيه. (رائح) في بعضها: (رابح) بالموحدة. (ذوي رحمه) لا ينافي ما سبق على بني عمه، لأن المراد مطلق القرابة كما في: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ} [الأنفال: 75]. (فباع حسان) قال (ك): جاز بيعه وهو وقف، لأن التصدق على المعين تمليك، فكأنه يمنع أنه كان وقفًا، وفيه نظر لا يخفى!. (حُدَيلة) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية؛ قاله (ع) وابن الأثير، والغساني، والكلاباذي، بطن من الأنصار. قال (ك): ولكن أكثر الروايات بفتح الجيم وكسر المهملة، والأولون قالوا: حديلة أُمهم، وبالجيم تصحيف. (بناه مُعاوية)؛ أي: ابن عمرو بن مالك بن النجار. * * * 18 - بابُ قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (باب: قول الله - عز وجل - {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8]) 2759 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو

عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: إِنَّ ناَسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَتْ، وَلاَ وَاللهِ مَا نُسِخَتْ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ، هُمَا وَالِيَانِ: وَالٍ يَرِثُ، وَذَاكَ الَّذِي يَرْزُقُ، وَوَالٍ لاَ يَرِثُ، فَذَاكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ، يَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ أعطِيَكَ. (هما واليان)؛ أي: على التركة، واستفيد ذلك من المخاطبين في الآية وهم المتصرفون في التركة المتولون أمرها، أي: قسمان: متصرف يرث المال كالعصبة مثلًا، ومتصرف لا يرث كولي اليتيم: فالأول: يرزق الحاضرين وهو المخاطب بقوله تعالى: {فَاَرْزُقوُهُم} [النساء: 8]. والثاني: لا يرث إذ لا شيء له فيها، حتى يُعطى غيره، بل يقول قولًا معروفًا وهو الذي خُوطب بقوله تعالى: {وَقُولُوا لَهُمْ} [النساء: 8]، وغرضه أن هذين الخطابين على سبيل التوزيع على المتصرفين في المتروكات، وقال الزمخشري: الخطاب للورثة، وحقهم أن يجمعوا بين الأمرين: الإعطاء والاعتذار عنهم عن القلة ونحوها. * * *

19 - باب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت

19 - بابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُتَوَفَّى فَجْأَةً أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ، وَقَضَاءِ النُّذُورِ عَنِ الْمَيِّتِ (باب: ما يستحب لمن توفي فُجْاءة) مضموم الأول ممدود ومفتوحه مع سكون الجيم، أي: بغتةً بلا تقدم مرض أو سبب. 2760 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: "نعمْ، تَصَدَّقْ عَنْهَا". 2761 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - اسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ، فَقَالَ: "اقْضِهِ عَنْهَا". الحديث الأول، والثاني: (افتلتت) مبني للمفعول، أي: ماتت فُجْأة. (نفسها) قال (ع): ضبطناه بالفتح على المفعول الثاني، أي: افتلتها اللهُ نفسها، وبالضم على المفعول الأول، وفي "النهاية": أنه

20 - باب الإشهاد في الوقف والصدقة

متعدٍ لواحد قيم مقام الفاعل، وتكون التاء للنفس، لأنها مؤنثة وهي هنا الروح، أي: أُخذت نفسها فلتة. (وأُراها) بضم الهمزة، أي: أظنها لحرصها على الخير. * * * 20 - بابُ الإِشْهَادِ فِي الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ (باب: الإشهاد في الوقف) 2762 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرني يَعْلَى: أنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: أَنْبَأَناَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - أَخَا بني سَاعِدَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهْوَ غَائِبٌ، فَأتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَناَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: "نعمْ"، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرافَ صَدَقَة عَلَيْهَا. (أخا بني ساعدة)؛ أي: واحدًا منهم، أي: هو أنصاري ساعدي. (المِخْرَاف) بكسر الميم، أي: المثمر. (عنها) في بعضها: (عليها)، أي: مصروفًا على مصلحتها. * * *

21 - باب قول الله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا (2) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}

21 - بابُ قَوْلِ اللهِ تعالَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (باب: قول الله - عز وجل - {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}) 2763 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، قَالَ: هِيَ الْيتيمَةُ فِي حَجْرِ وَليِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يتزَوَّجَهَا بِأَدْنىَ مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللهُ - عز وجل -: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}، قَالَتْ: فَبيَّنَ اللهُ فِي هَذِهِ أَنَّ الْيتيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا، وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا بِإِكمَالِ الصَّدَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالْتَمَسُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ: فَكَمَا يَتْرُكُونها حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا؛ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا.

22 - باب وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته

(بأدنى من سنة نسائها)؛ أي: بأقل من مهر قرابات مثلها. (بإكمال الصداق) بيان للإلحاق بسنتها، وسبق في (باب الشركة). * * * 22 - بابٌ وَمَا لِلْوَصيِّ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ (عُمَالته) بضم المهملة وخفة الميم: رزق العامل، أي: بقدر حقّ سعيه وأجرة مثله. 2764 - حَدَّثَنَا هَارُونُ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُويرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ثَمْغٌ، وَكَانَ نخلًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي اسْتَفَدْتُ مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ، فَأرَدْتُ أَنْ أتصَدَّقَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقْ بِأصْلِهِ، لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُه"، فتصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ، فَصَدَقتُهُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَفِي الرِّقَابِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلذِي الْقُرْبَى، وَلاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوف، أَوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ. الحديث الأول: (ثَمْغ) بمثلثة مفتوحة وميم ساكنة وغين معجمة كذا قيده (ن)

23 - باب قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}

وغيره، وحكى المنذري فيه فتح الميم. ووجه مطابقة الحديث للترجمة: أن القصد جواز أخذ الأُجرة من مال اليتيم لقوله: (لا جناح على من وليّه أن يأكل بالمعروف). * * * 2765 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}، قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيتيم أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ. الثاني: (بقدر ماله)؛ أي: إذا كان وليًّا لليتامى يأخذ من كل واحد منهم القسط، وفي بعضها: (ما له) بفتح اللام، أي: بقدر الذي له من العمالة. (بالمعروف) بيان له. * * * 23 - بابُ قولِ الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} 2766 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ

24 - باب قول الله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم}، {لأعنتكم}: لأحرجكم وضيق، وعنت: خضعت

بِلاَلٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زيدٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأكلُ الرِّبَا، وَأكلُ مَالِ الْيتيم، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ". (باب: قوله - عز وجل - {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10]) (الموبقات)؛ أي: المهلكات. (والتولي) هو الفرارُ عن القتال يوم ازدحام الطائفتين. (الزحف) هو الجيش يزحفون إلى العدو. (الغافلات)؛ أي: عما نسب إليهن من الزِّنا وهنَّ بريئات منه. * * * 24 - بابُ قولِ الله تعالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، {لَأَعْنَتَكُمْ}: لأَحرجَكمْ وَضَيَّقَ، وَعَنَتْ: خَضَعَتْ 2767 - وَقَالَ لَنَا سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَا رَدَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَحَدٍ وَصِيَّةً.

25 - باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له، ونظر الأم أو وزوجها لليتيم

وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَحَبَّ الأَشيَاء إِلَيْهِ فِي مَالِ الْيتيمِ أَنْ يَجْتَمعَ إِلَيْهِ نُصَحَاؤُهُ وَأَوْليَاؤُهُ، فَيَنْظُرُوا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَهُ. وَكَانَ طَاوُسٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْيتامَى قَرَأَ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}. وَقَالَ عَطَاءٌ فِي يتامَى: الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ يُنْفِقُ الْوَليُّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِه مِنْ حِصَّتِهِ. (باب: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220]) (فينظروا) في بعضها: (فينظرون)، أي: فهم ينظرون. (الصغير والكبير)؛ أي: الوضيع والشريف. (بقدره)؛ أي: بقدرة الإنسان، أي: الأليق بحاله، وفي بعضها: (بقدر حصته). * * * 25 - بابُ اسْتِخْدَام الْيَتِيمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ إِذَا كَانَ صَلاَحًا لَهُ، وَنظَرِ الأُمِّ أو وَزوجِهَا لِلْيَتِيمِ 2768 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ

26 - باب إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة

لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَأخَذَ أبو طَلْحَةَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ، فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟ (باب: استخدام اليتيم) الحديث فيه سبق مرات، وفيه بيان خُلُق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفضيلة أنس. * * * 26 - بابٌ إِذَا وَقَفَ أَرضًا وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحُدُودَ فَهْوَ جَائزٌ، وَكذَلِكَ الصَّدَقَةُ (باب: إذا وقف أرضًا ولم يبين الحدود) 2769 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أكثَرَ أَنْصَارِي بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نخلٍ، أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءَ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنسٌ: فَلَمَّا نزَلَتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أبو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا

تُحِبُّونَ}، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بِيرُحَاءَ، وإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ. فَقَالَ: "بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ -أَوْ رَايحٌ، شَكَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ- وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وإنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ"، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ: "رَايحٌ". الحديث الأول: (أكثر أنصاري) كأن القياس: أكثر الأنصار، لكن لمَّا أريد أكثر من كل واحد أضيف إلى المفرد. (بَيْرَحا) سبق بيانه في (الزكاة على الأقارب). قال (ع): رواية المغاربة بضم الراء في الرفع، وبفتحها في النصب، وبكسرها في الجر مع الإضافة إلى جاء على لفظ حرف التهجي، وقال أبو عبد الله الصوري: هو بفتح الباء على كل حال. (أو) شك في أنه بموحدة أو من الراوح. (وقال إسماعيل)؛ أي: ابن أبي أُويس موصول في (تفسير آل عمران). (وعبد الله) موصول في (الزكاة). (ويحيى بن يحيى) سبق في (الوكالة)، أي: هؤلاء رووه جزمًا عنه من الرواح، واعلم أن المهلب نازع البخاري في مطابقة الحديث

للترجمة بأن الأرض المعلومة المعينة كبيرحاء لا تحتاج لمعرفة الحدود كما كان المخراف معينًا عند من أشهده. قال: ولا خلاف في هذا. وانتصر بعضهم للبخاري بأنه إنما أراد جواز الوقف بهذه الصيغة، وأما التحديد فلا يعتبر للصحة، بل لجواز الإشهاد عليه. * * * 2770 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ، أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: "نعمْ"، قَالَ: فَإِنَّ لِي مِخْرَافًا وَأُشْهِدُكَ أنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا. الحديث الثاني: (رجلًا) هو سعد بن عُبادة. (المخراف) قيل لا بد فيه من الحدود بخلاف بيرحاء، فإنها كانت معروفة، فكيف تكون مثله؟ وجوابه أن بإضافته إلى المتصرف ولم يكن سواه = يُعرف. * * *

27 - باب إذا أوقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز

27 - بابٌ إِذَا أَوْقَفَ جَمَاعَةٌ أَرْضًا مُشَاعًا فَهْوَ جَائِزٌ (باب: إذا وقف جماعة أرضًا مشاعًا) 2771 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِبِنَاءِ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُوني بِحَائِطِكُمْ هَذَا"، قَالُوا: لاَ، وَاللهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إلَى اللهِ. (إلا إلى الله) الأصل: إلا من الله، إلا أنه ضمن أنه مصروف إلى الله، والاستثناء منقطع، أو المعنى لا نطلب إلا مصروفًا إلى الله أو منتهيًا إلى الله. وسبق الحديث في (باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية)، واعلم أن هذا إنما يناسب الترجمة إذا قلنا: وقفوه ولم يبيعوه، ولكن في "طبقات ابن سعد": أنه اشتراه من ابن عفراء بعشرة دنانير دفعها عنه الصِّدِّيق، وذلك -والله أعلم- أنه لمَّا كان لليتيمين لم يقبله من بني النجار إلا بالثمن. * * *

28 - باب الوقف كيف يكتب؟

28 - بابُ الْوَقْفِ كَيْفَ يكتَبُ؟ 2772 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَصابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَصبْتُ أَرْضًا لَم أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تأمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، فتَصَدَّقَ عُمَرُ أنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَليَهَا أَنْ يَأكلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. (باب: الوقف وكيف يكتب) سبق شرح الحديث فيه آنفًا مرات. * * * 29 - بابُ الوقْفِ لِلْغَني وَالْفَقِيرِ وَالضَّيْفِ 2773 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - وَجَدَ مَالًا بِخَيْبَرَ، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ، قَالَ: "إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ بِهَا"، فتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاء، وَالْمَسَاكينِ، وَذِي الْقُرْبَى، وَالضَّيْفِ.

30 - باب وقف الأرض للمسجد

(باب: الوقف للغني والفقير والضيف) فيه حديث وقف عمر أيضًا. * * * 30 - بابُ وَقْفِ الأَرْضِ لِلْمَسْجِدِ (باب: وقف الأرض للمسجد) 2774 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاح، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ أَمَرَ بِالْمَسْجدِ وَقَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُوني بِحَائِطِكُمْ هَذَا"، قَالُوا: لاَ، وَاللهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ. (إسحاق) قال الكلاباذي: إما هو الحنظلي، وإما الكَوسج. * * * 31 - بابُ وَقْفِ الدَّوَابِّ وَالْكُرَاعِ وَالْعُرُوضِ وَالصَّامِتِ قَالَ الزُّهْرِيّ فِيمَنْ جَعَلَ ألفَ دِينَارٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدَفَعَهَا إِلَى غُلاَمٍ لَهُ تَاجِرٍ يَتْجُرُ بِهَا، وَجَعَلَ رِبْحَهُ صَدَقَةً لِلْمَسَاكِينِ وَالأَقْرَبِينَ،

هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأكلَ مِنْ رِبْح ذَلِكَ الألفِ شَيْئًا، وإنْ لَمْ يَكُنْ جَعَلَ رِبْحَهَا صَدَقَة فِي الْمَسَاكِينِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأكلَ مِنْهَا. (باب: وقف الدواب والكراع)؛ أي: النخيل. (والعروض) العرض: المتاع. (والصامت) النقد، وقال محمد بن الحسن: لا يجوز وقف الكراع. (وإن لم يكن) شرط على سبيل المبالغة، أي: هل له أن يأكل، وإن لم يجعل ربحها صدقة. قال الزُّهْري: لا. * * * 2775 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَعْطَاهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا رَجُلًا، فَأخْبِرَ عُمَرُ أَنَّهُ قَدْ وَقَفَهَا يَبِيعُهَا، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبْتَاعَهَا، فَقَالَ: "لاَ تَبْتَعْهَا، وَلاَ تَرْجِعَنَّ فِي صَدَقَتِكَ". (أعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بالرفع فاعل، وفي بعضها بالنصب. (وقَّفها) بتشديد القاف، أي: في السوق فيمن يزيد، ولأبي زيد: (دفعها)، وهو أوضح. * * *

32 - باب نفقة القيم للوقف

32 - بابُ نَفَقَةِ الْقَيِّمِ لِلْوَقْفِ (باب: نفقة القيم للوقف) 2776 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَقْتَسِمْ وَرثتي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُنَةِ عَامِلِي فَهْوَ صَدَقَةٌ". (عاملي) أي: خليفتي. قال ابن عُيَيْنة: أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في معنى المعتدات ما دمن في الحياة، لأنهن لا يجوز أن يُنكحن أبدًا، فجَرتْ لهن النفقة، وتركت حُجَرُهنَّ لهن للسكنى، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من الصفايا التي كانت له كَفَدك ونحوه نفقته ونفقة أهله، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. (ورثتي) سماهم ورثة مجازًا باعتبار القوة، وإلا فقد قال: (لا نورثُ). * * * 33 - بابٌ إِذَا وَقَفَ أَرضًا أَوْ بِئْرًا وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ دِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْقَفَ أَنسٌ دارًا، فَكَانَ إِذَا قَدِمَهَا نزَلَهَا. وَتَصَدَّقَ الزُّبَيْرُ بِدُورِهِ،

وَقَالَ: لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلاَ مُضَرٍّ بِهَا، فَإِنِ اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ. وَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ نصَيبَهُ مِنْ دارِ عُمَرَ سُكْنَى لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ. (باب: إذا وقف أرضًا أو بئرًا أو اشترط) التعبير بـ (أو) يُشعر بأن كُلًّا يصلح للترجمة، وبالواو بمعنى: وقف واشترط. (للمردودة)؛ أي: المطلقة. (من بناته) يروى: (من نسائه)، وهو أصوب. * * * 2778 - وَقَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - حَيْثُ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ؛ وَلاَ أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ألسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ"؟ فَحَفَرْتُهَا، ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ"؟ فَجَهَّزْتُهُمْ، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ. وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ: لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يأكُلَ، وَقَدْ يَلِيهِ الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ، فَهْوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ.

34 - باب إذا قال الواقف: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، فهو جائز

(أن تسكن) بفتح الهمزة. (أنشدكم) يقال: نشدت فلانًا أنشده: إذا قلت له: نشدتك الله، أي: سألتك بالله، كأنك ذكَّرته إياهُ. (رُوْمة) بضم الراء وسكون الواو: كانت ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءَها، فاشتراها منه عُثمان بعشرين ألف درهم. (جهز) هو تهيئة جهاز السفر. (جيش العُسْرة) جيش غزوة تبوك جهزه بتسع مئة وخمسين بعيرًا وأتم الألف بخمسين فرسًا، ودلالته على الترجمة هو من بقية القصة، وهو: (دلوي فيها كدلاء المسلمين). * * * 34 - بابٌ إِذَا قَالَ الْوَاقِفُ: لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلى اللهِ، فَهْوَ جَائزٌ 2779 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُوني بِحَائِطِكُمْ"، قَالُوا: لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَّا إِلَى اللهِ. (باب: إذا قال الواقف: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) سبق شرح الحديث فيه قريبًا. * * *

35 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين (106) فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين (107) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين}

35 - بابُ قولِ الله تَعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} 2780 - وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِم، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: خَرَجَ رَجلٌ مِنْ بَنِي سَهْم مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءَ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِم، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمِ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْليَائِهِ، فَحَلَفَا {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا}، وإنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ: وَفِيهِمْ نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}.

(باب: قول الله - عز وجل - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106]) (تَميم الداري) نسبة الدار بطن من لخم، ويقال: الداري للعطار ولرب النعم، كان نصرانيًّا فأسلم سنة تسع، وسكن المدينة، وبعد قصة عمار انتقل إلى الشام، وكان يختم القرآن في ركعة، وروى الشعبي عن فاطمة بنت قيس: أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة خطبها، وقال فيها: (حدثني تَميم)، فذكر خبر الجسَّاسة في قصة الدجال. (ابن بدَّاء) بتشديد الدال تأنيث الأبد. (مخوصًا) أي: عليه صفائح الذهب طوال رقاق كالخُوص، وفي الحديث: "مَثل المرأة الصالحة مثل التاج المُخَوَّص بالذهب". (لشهادتنا)؛ أي: اليمين، وتحقيقه في علم التفسير. قال في "الكشاف": وزن الخاتم المنقوش بالذهب ثلاث مائة مثقال، واسم الرجل السهمي بُدَيل -بضم الموحدة وفتح المهملة- ابن أبي مريم مولى عمرو بن العاص. قال الفِرَبْري: قال أبو عبد الله: لا أعرف لهذا الإسناد حسنًا، وإنما أدخلته في الباب لأخرّج الحديث، وقال: محمد بن أبي القاسم لا أعرفه كما اشتهر. قلت له: رواه غير محمد بن أبي القاسم؟ قال: لا، وكان علي بن عبد الله يستحسن هذا الحديث حديث محمد بن أبي القاسم، روى عنه أبو أُسامة إلا أنه ليس بمشهور. * * *

36 - باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة

36 - بابُ قَضاءِ الْوَصيِّ دُيُونَ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ مَحضَرِ مِنَ الْوَرَثَةِ (باب: قضاء الوصي ديون الميت) 2781 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، أَوِ الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْهُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ - رضي الله عنهما -: أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دينًا، فَلَمَّا حَضَرَ جِدَادُ النَّخْلِ أتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دينًا كثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، قَالَ: "اذْهَبْ، فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى ناَحِيَتهِ"، فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُ، فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ أَصْحَابَكَ"، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَأَناَ وَاللهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللهُ أَمَانة وَالِدِي وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلِمَ وَاللهِ الْبَيَادِرُ كُلُّهَا حَتَّى أني أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّهُ لَم يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً. (بَيْدِر) فعل أمر، أي: اجمع في موضع واحد، والبيدر: المكان الذي يجمع فيه الذي يداس فيه الطعام.

(أغروا) من الإغراء مبني للمفعول، أي: لهجوا، يقال: أُغري بكذا: إذا لهج به وأولع. (جلس عليه) ذكر في (الاستقراض): فجَدَّه بعدما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأوفاه ثلاثين وسقًا وفضل سبعة عشر، ووجه الجمع: أنه لعله - صلى الله عليه وسلم - جلس حتى أدى الديون، ثم ذهب إلى منزله فجدَّ الفاضل على الدين بعد رجوعه، وسبق في آخر (باب: الصلح) جواب اختلافات وقعت فيه. (لم ينقص تمرة) بالنصب على التمييز، و (تنقص) بالمثناة أو بياء، ويروى: (فكأنها)، وأن الضمير للبيدر، إلا أنه باعتبار التمر الذي فيه، ومن رواه (تنقص) -بالمثناة- رَفَعَ (تمرة) فاعلة (تنقص)، ويصح نصبها على التمييز أيضًا. * * *

56 - كتاب الجهاد

56 - كتاب الجهاد

1 - باب فضل الجهاد والسير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 56 - كتاب الجهاد 1 - بابٌ فَضْلُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} إِلَى قَوْلهِ {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاس: الْحُدُودُ الطَّاعَةُ. (كتاب الجهاد) (فضل الجهاد والسير) هو مصدر جاهدت العدو قاتلته، لأن كلًّا منهما يبذل جهده -أي: طاقته- في دفع صاحبه. وفي الشرع: قتال الكفار لإقامة الدِّين. و (السِّير) بكسر السين جمع سيرة، وهي الطريقة؛ مِنْ سار يسير، وترجموه بها، لأن الأحكام فيه متلقاة من سير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزواته. * * *

2782 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْوَليدَ بْنَ الْعَيْزَارِ، ذَكَرَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: سَألتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَي؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ"، فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. الحديث الأول: سبق في (مواقيت الصلاة)، نعم سبق في (الإيمان) في سؤال: (أي: الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام)، وفي: (أي: الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده)، ونحو ذلك، ووجه الجمع: أنه أجاب كُلًّا بما يليق به بحيث الحال، أو الوقت، أو نحو ذلك. * * * 2783 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ هجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْح، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". الحديث الثاني: (لا هجرة)؛ أي: من مكة إلى المدينة، لأنها بالفتح صارت دار

إسلام، وأما الهجرة من بلاد الكفار إلى بلاد الإسلام فحكمها بأن إجماعًا. قال (خ): كانت الهجرة على معنيين: من أسلم في قومه ويخشى على دينه فيجب أن يهاجر ليأمن، والهجرة من مكة إلى المدينة لضعف أهل الإسلام يومئذ فيقووا بمن يهاجر، فلما فتحت زال حكم الثاني؛ لكن يكون المسلمون فيها على نية الجهاد مستعدين لأَنْ ينفروا إذا قيل لهم انفروا، فلذلك استدرك بقوله: (لكن) ووجه المضادة بين ما بعدها وما قبلها -كما قال الطيبي- لأن مفارقة الأوطان المطلقة انقطعت بالمفارقة للجهاد أو بنية خالصة لله تعالى كطلب العلم، والفرار بدينه ونحو ذلك. (بعد الفتح) والمراد: الذي لم يهاجر قبل ذلك بدليل: يقيم المهاجر ثلاثًا بعد قضاء الحج، وقال (ن): طلب الخير بالهجرة انقطع بالفتح؛ لكن طلب الخير بالنية الصالحة، وإذا طلبهم الإمام للخروج للجهاد نفروا له، وفي معناه استنفارهم لطلب العلم ونحوه. * * * 2784 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! تُرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: "لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ".

الحديث الثالث: (نرى) بنون، ويروى بالياء. (مبرور) سبق في (الحج) تفسيره، فإن قيل: الحج فرض عين، فيكون أفضل من الجهاد مطلقًا للرجال والنساء؟ فكيف هذا التفضيل؟ قيل: الجهاد قد يتعين، أو هو أفضل باعتبار تعدي نفعه، فقد قال إمام الحرمين، وقبله الأستاذ، ثم أبو الإمام: إن فرض الكفاية أفضل من العين لذلك. قلت: لم يقولوا إلا أهم، ولا يلزم منه أن يكون أفضل كما حررت ذلك في "شرح ألفية الأصول". * * * 2785 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو حَصِينٍ: أَنَّ ذَكْوَانَ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، حَدَّثَهُ قَالَ: جَاءَ رَجلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ، قَالَ: "لاَ أَجِدُهُ -قَالَ:- هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ، فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ"؟ قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ. الحديث الرابع: (إسحاق) قال الغساني: لعله ابن منصور، أو ابن راهويه.

2 - باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله

(ليستن) من الاستنان وهو العَدْو، وقال الجوهري: هو أن يرفع يديه ويطرحهما معًا. (طِوَله) بكسر الطاء وفتح الواو: الحبل الذي يطوّل للدابة فترعى فيه. (حسنات) بالنصب. * * * 2 - بابٌ أَفْضَلُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. (باب: أفضل الناس مؤمن مجاهد) 2786 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه -، حَدَّثَهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ"، قَالُوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "مُؤْمِنٌ فِي

شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ". الحديث الأول: (في شعب) هو الطريق في الجبل، وفيه أن الانقطاع أولى من الاختلاط بالناس؛ نعم المراد من أفضل الناس، لا أنه أفضل مُطلقًا، فالعلماء أفضل، وكذا الصدِّيقون. * * * 2787 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كمَثَلِ الصَّائِم الْقَائِم، وَتَوَكَّلَ اللهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ". الثاني: (والله أعلم) جملة معترضة. (توكل الله) أي: تكفل كما هو في رواية، أي: تكفل الله بملابسة التوفي إدخال الجنة وبملابسة عدم التوفي الرجوع بالأجر والغنيمة أن لا يخلوا من الشهادة أو السلامة، فعلى الأول يدخل الجنة بعد الشهادة في الحال، وعلى الثاني لا ينفك عن أجر أو غنيمة مع جواز الجمع بينهما، فهي قضية مانعة الخلو لا مانعة الجمع.

3 - باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء

(يَرجعه) بفتح أوله ثلاثي. (أو غنيمة) قيل: (أو) بمعنى الواو، وكذا رواه أبو داود، وقيل للتقسيم، أي: فله الأجر إن فاتته الغنيمة، وإن حصلت فلا، وهو ضعيف، ففي الصحيح: "ما من غازية تغزو فتصيب وتغنم إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، ويبقى لهم الثلث"، فهذا تصريح ببقاء بعض الأجر مع حصول الغنيمة، ومرَّ في (باب الجهاد) من (الإيمان) بيانُ ذلك. * * * 3 - بابُ الدُّعَاءِ بالْجِهَادِ وَالشَّهَادَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَالَ عُمَرُ: ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي بَلَدِ رَسُولِكَ. (باب: الدعاء بالجهاد والشهادة) 2788 - و 2789 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ

أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ" شَكَّ إِسْحَاقُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ"، كمَا قَالَ فِي الأَوَّلِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ"، فَرَكبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَهَلَكَتْ. حديث أُم حرام سبق في (باب: علامات الإيمان) وغيره. (تَفْلِي) بفتح المثناة وإسكان الفاء وكسر اللام. (ثَبَج) بمثلثة ثم موحدة مفتوحتين ثم جيم: الظهر والوسط. (ملوكًا) هو صفة لهم في الدنيا، أي: يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم، واستقامة أمرهم، وكثرة عددهم. (من الأولى) دليل أنه عرض فيها عليه غير الطائفة الأولى. قال (ن): والاتفاق أن أُم حرام كانت محرمًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال ابن عبد البر: كانت إحدى خالاته من الرضاعة، وقيل: كانت خالة لأبيه أو لجده، لأن عبد المطلب كانت أُمه من بني النجار.

وقال الحافظ الدمياطي: الصواب لا محرمية بينهما، بل ذلك من خواصه - صلى الله عليه وسلم - جواز الخلوة بالأجنبية لأنه معصوم؛ ذكره في جزء أفرده في المسألة. وفيه جواز فلي الرأس، قيل: وقيل القمل مستحب، وجواز ملامسة الرأس للمحرم، والخلوة بها، والنوم عندها، وأكل الضيف عند المرأة المزوجة مما قدمته له، وجواز ركوب البحر للنساء، وكرهه مالك، والضحك عند الفرح، لأنه - صلى الله عليه وسلم - ضحك فرحًا وسرورًا لكون أُمته تبقى بعده متظاهرة، وأمور الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر، ومعجزات إخباره - صلى الله عليه وسلم - ببقاء أُمته بعد أصحاب الشوكة، وأنهم يغزون، وأنهم يركبون البحر، وأن أُم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون معهم، وقد وجد ذلك كله. أما الغزوة التي توفيت فيها أُم حرام، فقال البخاري ومسلم: أنها كانت في زمن مُعاوية، وقال (ع): أكثر أهل السير أنها في خلافة عُثمان، قال الزبير بن بكار: كان ركوب معاوية في خلافة عثمان، قيل: سنة ثمان وعشرين، فعلى هذا يكون قولهما في زمن معاوية، أي: زمن غَزوِهِ في البحر لا زمن خلافته. قال ابن عبد البر: إنَّ مُعاوية غزا تلك الغزوة بنفسه. * * *

4 - باب درجات المجاهدين في سبيل الله، يقال: هذه سبيلي، وهذا سبيلي

4 - بابُ دَرَجَاتِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، يُقَالُ: هَذِهِ سَبِيلِي، وَهَذَا سَبِيلِي (باب: درجات المجاهد في سبيل الله) (هذه) يريد: أن السبيل يذكَّر ويؤنث. 2790 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالح، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلاَلِ ابْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أفَلاَ نبُشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْألوهُ الْفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ: "وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ". الحديث الأول: (حقًّا)؟ أي: كالحق. (من آمن) هذا مجرده مدخل للجنة، فذكَرَ الصلاة والصيام للاهتمام بشأنهما، وبيان شرفهما كذكر جبريل وميكائيل بعد

الملائكة، وعدم ذكر الزكاة والحج لعدم وجوبها حينئذ، أو لم يَجِبا على السامع. (الفردوس) قيل: البستان بلغة الروم. (أوسط الجنة وأعلى) لا تنافي بينهما، فإن المراد بالأوسط الأفضل كما قال تعالى: {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، أي: خيارًا، أو أنه أراد بأحدهما الحسّي وبالآخر المعنوي، وقيل: لمَّا ساوى بين الجهاد وعدمه في دخول الجنة، ورأى استبشار السامع بذلك لسقوط مشاق الجهاد عنه استدرك بقوله: إن في الجنة مائة درجة كذا وكذا، وأما الجواب به فهو من أسلوب الحكيم، أي: بشرهم بدخولهم الجنة بالإيمان، ولم يكتف بذلك، بل زاد عليها بشارة أُخرى وهي الفوز بدرجات الشهداء، بل وبشرهم أيضًا بالفردوس، وفيه الحث على ما يحصل به أقصى درجات الجنان من المجاهدة مع النفس قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]. قال (ع): يجوز أن تجرى الدرجات على ظاهرها محسوسًا، وأن تجرى على المعنى، والمراد كثرة النعم، وعظم الإحسان. (وفوقه) قيده الأَصيلي بضم القاف، أي: أعلاه، والجمهور على النصب على الظرفية، وجعل ضم القاف وَهْمًا على الأَصِيلي، والضمير في (فوقهم) يوهم عوده للفردوس، وقال السفاقُسي: راجع للجنة كلها. * * *

5 - باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم من الجنة

2791 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأدْخَلاَنِي دارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، قَالاَ: أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءَ". 5 - بابُ الْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ 2792 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَغَدْوٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". 2793 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَقَابُ قَوْسٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ"، وَقَالَ: الَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ". الحديث الثاني: (صعدا بي)؛ أي: أصْعدَاني، وسبق شرح الحديث في (الجنائز). (قاب)؛ أي: قدر، والقاف ما بين المقبض والسِّيْه -يعني الطرف- وقيل: ما بين الوتر والقوس، ولكل قوس قابان.

6 - باب الحور العين وصفتهن يحار فيها الطرف، شديدة سواد العين شديدة بياض العين. {وزوجناهم}: أنكحناهم

(من الدنيا) وجه التفضيل مع أن الدنيا من حيث هي لا ثواب فيها، أو المراد أفضل من صرف ما في الدنيا كلها، وقيل: المعنى أن ثواب أيهما كان خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان، لأن نعيم الدنيا زائل ونعيم الآخرة باق. الثالث: علم شرحه مما سبق. * * * 2794 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". * * * 6 - بابُ الْحُورِ الْعِينِ وَصِفَتِهِنَّ يُحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ، شَديدَةُ سَوَادِ الْعَيْنِ شَدِيدَةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ. {وَزَوَّجْنَاهُمْ}: أَنْكْحنَاهُمْ (باب: الحور العين وصفتهن) حور جمع حوراء، ويجمع عليه أيضًا أحور، وكذا عِين. قال الجوهري: الحور -بفتح الواو-: شدة بياض العين في شدة سوادها، ورجل أعين: واسع العين، والجمع عين.

(أنكحناهم بحور عين) هذا خلاف المشهور عند المفسرين بمعنى: قرناهم، فإن (زوج) لا يتعدى بالباء على الأفصح. قال في "المحكم": يقال: تزوج امرأةً وبامرأة، وإن بعضهم يعدِّيه بالباء، وقال: ليس من كلام العرب. * * * 2795 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلَّا الشَّهِيدَ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى". (خير)؛ أي: ثواب، والجملة صفة لـ (عبد). (وأن له) بفتح (أن) عطف على (أن يرجع)، وبالكسر على أنها جملة حالية. * * * 2796 - وَسَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ -يَعْنِي: سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا،

7 - باب تمني الشهادة

وَلَمَلأتهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". (قِيد) بكسر القاف، أي: قدر. قال بعضهم: ووقع في النسخ: (قيده)، وإنما هو (قده) بكسر القاف وشدة الدال لا غير، وهو السوط المتخذ من الجلد الذي لم يدبغ، ومن رواه: (قيده) بزيادة الياء -أي: مقداره- فقد صحَّف. قال (ك): لا تصحيف؛ إذ معنى الكلمة صحيح، ولا ضرورة إليه، سلَّمنا أن المراد القدر، غاية ما في الباب أن يقال: قلب إحدى الدالين ياء، وذلك كثير، وفي بعضها: (قيد) بلا إضافة للضمير بل منون تنوين عوض عن المضاف إليه. (ريحًا)؛ أي: عطرًا طيبًا. (وَلنَصِيْفها) بفتح النون وكسر الصاد وسكون الياء وبالفاء، أي: خمارها. * * * 7 - بابُ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ (باب: تمني الشهادة) 2797 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ

النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلاَ أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! لَوَدِدْتُ أنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ". الحديث الأول: (سرية)؛ أي: قطعة من الجيش، سبق في (باب: الجهاد من الإيمان). (لوددت) قيل: قاله قبل نزول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]، وقيل بعده، والخبر على معنى التغالي في فضل الجهاد، والقتل فيه، وهذا أشبه. * * * 2798 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَخَذَ الرايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَليدِ عَنْ غيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ، وَقَالَ: مَا يَسُرُّناَ أنهُمْ عِنْدَناَ". قَالَ أيُّوبُ: أَوْ قَالَ: "مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهمْ عِندَناَ"، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.

8 - باب فضل من يصرع في سبيل الله، فمات، فهو منهم

الثاني: سبق في (الجنائز) في (باب: الرجل ينعى). (إمرة) بكسر الهمزة، أي: بغير أن يجعله أحد أميرًا لهم. (تَذْرِفَان) بكسر الراء، أي: تسيلان دمعًا، وفيه معجزة ظاهرة للنبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 8 - بابُ فَضْل مَنْ يُصْرَع فِي سَبِيل اللهِ، فَمَاتَ، فَهُوَ مِنْهُمْ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، {وَقَعَ}: وَجَبَ. (باب: فضل من يصرع في سبيل الله) 2799 - و 2800 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، قَالَتْ: ناَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يتبسَّمُ، فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: "أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الأَخْضَرَ، كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ نَامَ الثَّانِيةَ،

9 - باب من ينكب في سبيل الله

فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلهَا، فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا، فَقَالَتِ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلينَ". فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا ركبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ، فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دابَّةٌ لِتَرْكبَهَا، فَصَرَعَتْهَا، فَمَاتَتْ. (الأخضر) صفة لازمة للبحر لا مخصِّصة؛ إذ كل البحار خضر، والماء وإن قالوا لا لون له، لكن يتوهم منه الخضرة من انعكاس الهواء وسائر مقابلاته إليه، وقيل: المراد بالأخضر الأسود. (مثلها)؛ أي: من التبسم، فسألَتْ عن موجبه فأجابها بالغرض. (لتركبها فصرعت) يقتضي أن ذلك قبل ذلك، والذي سبق في (باب: الدعاء بالجهاد): (فصرعت عن دابتها)، ويجمع بينهما بأن هنا الفاء فصيحة، أي: فركبت فصرعتها، ومعنى: (عن دابتها)، أي: بسببها وجهتها. * * * 9 - بابُ مَنْ يُنْكبُ فِي سَبِيلِ اللهِ (باب: من يُنْكب في سبيل الله) 2801 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، عَنْ

إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا، قَالَ لَهُمْ خَالِي: أتقَدَّمُكُمْ، فَإِنْ أَمَّنُوني حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا، فتقَدَّمَ، فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ أَوْمَؤُا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَطَعَنَهُ فَأنْفَذَهُ، فَقَالَ: اللهُ أكبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبةِ. ثمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ، إِلَّا رَجُلٌ أَعْرَجُ صَعِدَ الْجَبَلَ، قَالَ هَمَّامٌ: فَأرَاهُ آخَرَ مَعَهُ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، فَكُنَّا نَقْرَأُ: أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَاناَ، ثُمَّ نسُخَ بَعْدُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَبَنِي عُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (من بني سُليم) بضم المهملة. قال الدمياطي: هو وهم، لأن بني سليم هم الذين قتلوا السبعين، ففي حديث ثابت عن أنس جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ابعث معنا رجالًا يعلمونها القرآن أو السنة، فبعث إليهم سبعين، يقال لهم القُرَّاء منهم خالي حرام. قال (ك): لأن رِعْلًا هو ابن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بُهْثة -بضم الموحدة وسكون الهاء وبالمثلثة- بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة -بمعجمة ثم مهملة وفاء مفتوحات-، وذكوان هو

ابن ثعلبة بن بُهثة، وَعُصَيَّة هو ابن خُفاف -بضم المعجمة وخفة الفاء الأولى- ابن امرئ القيس بن بُهثة، وقال الجوهري: رِعْل وذَكْوان قبيلتان من بني سُليم، وَعُصَيَّة بطن من سُليم، وسيأتي أواخر (الجهاد) في (باب: دعاء الإمام): أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على أحياء من بني سُليم حيثُ قتلوا القُرَّاء السبعين. قال التُّوْرِبِشْتي: المبعوثون كانوا من أورع الناس ينزلون الصفة يتعلمون القرآن، وكانوا رِدْءًا للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة بعثهم - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل نجد يدعوهم إلى الإسلام، فلما نزلوا بئر مَعونة -بفتح الميم وبالنون- قصدهم عامر بن الطُفيل -بضم المهملة- في أحياء من بني سُليم وهم رِعْلٌ وذَكْوان وعصية فقتلوهم. قال (ك): والطُفيل هو ابن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، فهوازن هو أخو سُليم، وأما بنو عامر فهم أولاد عامر بن صعصعة بمهملات، وحينئذ فلا وهم في كلام البخاري لصحة أن يقال: (أقوامًا) منصوب بنزع الخافض، أي: إلى أقوام من بني سليم منضمين إلى بني عامر، وأما مفعول (بعث) فقد اكتفى عنه بصيغة المفعول عن المفعول، أي: بعث بعثًا أو طائفة من جملة سبعين، أو أن لفظ (في) زائدة و (سبعين) هو المفعول، ومثله: وفي الرحمن للضعفاء كافٍ

وقال تعالى: {كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وأهل المعاني يسمونها بـ (في) التجريدية، وقد يجاب أيضًا بأن (من) ليست بيانية بل ابتدائية، أي: بعث من جهتهم، أو بعث بعثًا فيساويه بنو سُليم. قلت: هذا تأويل بتعسف. (خالي) هو حرام بن مِلحان بكسر الميم وإهمال الحاء. (وأن لا)؛ أي: وأن لا تؤمنوني. (ما نفذه) بالفاء والمعجمة. (فُزت) بضم الفاء من الفوز، أي: نجوت. (ثم نسخ)؛ أي: تلاوته، وقال الداودي: سكت عن ذكره لتقادم عهده إلا أن يذكره بمعنى الرواية ليس النسخ بمعنى التبديل، لأن الخبر لا يدخله نسخ، وهذا ضعيف. (رجلًا) بالنصب، وفي بعضها كتابته بلا ألف على لغة ربيعة. (يقرأ)؛ أي: في جملة القرآن. (رِعْل) بكسر الراء وسكون المهملة. (وَذَكْوان) بفتح المعجمة وإسكان الكاف. (وَعُصَيَّة) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وشدة الياء. (لِحْيان) بكسر اللام وسكون المهملة وبياء ثم نون وبفتح اللام أيضًا ابن هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر، فاختلف فيهم هل شاركوا القبيلتين في قتل القُراء أو دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجهة أُخرى؟، ولفظ: (على رِعْل) بدل من (عليهم) بإعادة العامل كقوله

تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: 75]. * * * 2802 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنِ الأَسْوَدِ ابْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَقَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ: "هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ". الحديث الثاني: (المشاهد)؛ أي: المغازي لأنها مواضع الشهادة. (إصبع) فيه عشر لغات. (دَميت) بفتح الدال صفة للأصبع، والمستثنى منه عام الصفة، أي: ما أنت بأصبع موصوفة بشي إلا بأن دميت، كأنها لمَّا توجعت خاطبها على سبيل الاستعارة والحقيقة معجزة مسليًّا لها، أي: بشيء، فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع سوى أنك دميت، ولم يكن ذلك أيضًا هدرًا بل كان في سبيل الله ورضاه. (ما لقيت)، (ما) موصولة، أي: الذي لقيته، وهنا ثلاثة أمور: أحدها: قيل كان ذلك في غزوة أحد، وفي "مسلم": كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار فنكبت أصبعه. قال (ع): قال أبو الوليد: لعله (غازيًا) مصحف كما قال في

الرواية الأُخرى: (في بعض المشاهد): وكما في رواية للبخاري: (يمشي إذ أصابه حجر). فقال (ع): قد يراد بالغار الجمع والجيش لا الكهف، ومنه قول علي: ما ظنك بامرئ جمع بين هذين الغارين، أي: العسكرين. ثانيها: قوله - صلى الله عليه وسلم - هذا الشعر، واللهُ تعالى ينفي عنه أن يكون شاعرًا بقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] فجوابه؛ إما أنه رَجَز والرجز ليس بشعر كما قال الأخفش، وإنما يقال لصانعه: الراجز لا الشاعر، وإما أن شرط الشعر القصد، وما يقع اتفاقًا بلا قصد فليس بشعر كما في: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13]، والبيت الواحد لا يسمى شعرًا، أو أن قوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] ردٌّ على المشركين في قولهم {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء: 5]، أي: إنما يقع على سبيل الندرة لا يلزمه هذا الاسم إنما الشاعر هو الذي ينشد الشعر فيشبِّب ويمدح ويذم ويتصرف في الأفانين، وهو ما برَّأ الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - منه. قال (ع): قال بعضهم: هو بغير مدٍّ استغنى عن الاعتذار، وهو غفلة منه، لأن الراوية بالمد، وقال (ن): الرواية المعروفة بكسر التاء، وبعضهم أسكنها. ثالثها: اختلف في قائل هذا لشعر، فذكر الواقدي أن الوليد بن الوليد بن المغيرة لمَّا كان رفيق أبي بصير في صلح الحديبية على ساحل البحر في محاربة قريش، وتوفي أبو بصير رجع الوليد إلى المدينة فعثر بحرتها فانقطعت أصبعه فأنشده، وفي "محاسبة النفس"

10 - باب من يجرح في سبيل الله عز وجل

لابن أبي الدنيا: أن جعفر لما قتل بمؤتة دعا الناس بابن رواحة فأقبل وقاتل فأصيب أصبعه فارتجز فقال: هل أنت إلا أصبعٌ دميتِ ... وفي سبيل الله ما لقيت يا نفسُ إلا تُقتلي تموتي ... هذا حِياضُ الموتِ قد صَلِيت وما تمنَّيتِ فقد لقيت ... إنْ تفعلي فعلَهما هُدِيت * * * 10 - باب مَنْ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللهِ عز وجل (باب: من يجرح في سبيل الله عز وجل) 2803 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ". (يُكْلم)؛ أي: يجرح. (والله أعلم) جملة اعتراضية. * * *

11 - باب قول الله تعالى: {هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}، والحرب سجال

11 - باب قَوْلِ الله تَعالَى: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}، وَالْحرْبُ سِجَالٌ (باب: قول الله عز وجل {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52]؛ أي: الظَّفر أو الشهادة. 2804 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاه؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ؛ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبةُ. (سِجال) بكسر السين: المساواة في الأمر، إما مِنْ جمع سجل وهو الدَّلو، أو المساجلة، أي: يفعل أحد الخصمين مثل ما يفعله الآخر، أي: له مرة وللخصم مرة. (ودول) بضم الدال جمع دولة بالضم، وبكسرها جمع دولة بالفتح. قال (ش): دول مثلث الدال حكاه القزاز جمع دولة، وروي: (دولًا) بالنصب، وسبق الحديث في (قصة هرقل) أول "الجامع". * * *

12 - باب قول الله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}

12 - باب قَوْلِ اللهِ تَعالَى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (باب: قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب: 23]) 2805 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَألتُ أَنسًا. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! غبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكينَ، لَئِنِ اللهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكينَ لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ؛ يَعْنِي: أَصْحَابَهُ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكينَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ! الْجَنَّةَ، وَرَبِّ النَّضْرِ! إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ، قالَ سَعْد: فَمَا استطَعْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنسٌ: فَوَجَدْناَ بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْناَهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أختُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنسٌ: كنَّا نُرَى -أَوْ نظُنُّ- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

2806 - وَقَالَ: إِنَّ أُخْتَهُ -وَهْيَ تُسَمَّى الرُّبيِّعَ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَرَضُوا بِالأَرْشِ وَتَرَكوا الْقِصَاصَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ". الحديث الأول: (أشهدني)؛ أي: أحضرني. (لترينَّ) بتشديد النون للتأكيد جواب القسم المقدر، وجواب الشرط محذوف على قاعدة اجتماع الشرط مع قسم سابق، وفي بعضها: (ليراني الله). (يوم أحد)؛ أي: يوم قتال أحد، أو أطلق اليوم وأريد الوقعة، فهو إما إضمار، وإما مجاز. (انكشف)؛ أي: انهزم، وفيه حسن العبارة حيث لم يعبر في المسلمين بالانهزام. (اعتذر)؛ أي: من فرار المسلمين. (وأبرأ)؛ أي: من قتال المشركين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (سعد بن مُعاذ) فإنه ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد. (الجنة) بالنصب، أي: أريد الجنة، وبالرفع، أي: مطلوبي. (دون)؛ أي: عند.

(لما استطعت)؛ أي: ما قدرت على مثل ما صنع، أي: مع أني شجاع كامل القوة. (بِضع) بكسر الموحدة أو فتحها: ما بين الثلاث إلى التسع. (مَثَل) بفتح المثلثة، أي: جَدع من المُثلة وهي قطع الأعضاء، وجدع الأنف والأذن. (الرُبَيِّع) بتشديد الياء، بنت النَّضْر بسكون المعجمة، أخت أنس ابن النَّضْر. (لأبره)؛ أي: أبر قسمه، وسبق في (باب: الصلح في الدية). * * * 2807 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، أُرَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زيدٍ: أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، وَهْوَ قَوْلُهُ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. الحديث الثاني: (بشهادة رجلين) هو من خصائص خُزيمة، فيخص بحديثه عموم

13 - باب عمل صالح قبل القتال

{شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]، وأما ثبوت الآية بقول واحد أو اثنين، وشرط القرآن التواتر، فليس الثبوت مجرد هذا الخبر فقط، بل كان ذلك متواترًا عندهم، ولهذا قال: كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها لكنه لم يجدها مكتوبة في المصحف إلا عنده، أو نقول: التواتر وعدمه إنما يتصور فيما بعد الصحابة، لأنهم إذا سمعوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قرآن علموا قطعًا قرآنيته. * * * 13 - بابٌ عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأعْمَالِكُمْ. وَقَوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}. (باب: عمل صالح قبل القتال) (بأعمالكم)؛ أي: متلبسين بأعمالكم. (مرصوص)؛ أي: كأنهم في مراصتهم بنيان رص بعضه إلى بعض، والقصد من ذكر هذه الآية لفظ (صفًّا)، أي: صافين أنفسهم أو مصفوفين، إذ هو عمل صالح قبل القتال، وقيل: يحتمل إرادة استواء

14 - باب من أتاه سهم غرب فقتله

نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان، وقيل: مفهومه مدح الذين قالوا وعزموا وقاتلوا، والقول فيه والعزم عملان صالحان. * * * 2808 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُقَاتِلُ وَأُسْلِمُ، قَالَ: "أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ"، فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا". (مقنّع)؛ أي: مغشى بالحديد. (أجر) مبني للمفعول. * * * 14 - بابُ مَنْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ (باب: من أتاه سهم غرب) أي: لا يعرف راميه، فيه أربعة أوجه: فتح الراء وإسكانها بالإضافة وعدمها: على الصفة للسهم، وقيل: هو بالسكون: إذا أتاه من حيث لا يدري، وبالفتح: إذا رماه فأصاب غيره. * * *

2809 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ، وَهْيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ، أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا نبَيَّ اللهِ! أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ، وَكانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ؟ قَالَ: "يَا أُمَّ حَارِثَةَ! إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى". (ابن عبد الله) نسبه لجده فإنه محمد بن يحيى بن عبد الله الذُّهْلي. (أُمُ الرُّبَيِّع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد الياء المكسورة. (بنت البراء) بالتخفيف والمد. (وهي أُم حارثة) بمهملة ومثلثة. (ابن سُراقة) بضم المهملة وخفة الراء وبالقاف الأنصاري؛ ووهَّمُوا البخاري فيه في موضعين؛ لأن أُم حارثة هي الرُبَيِّع لا أُمها، والرُبَيِّع هي بنت النَّضْر عمة أنس بن مالك بن النَّضر، وأخت أنس بن النَّضْر لا أنها بنت البراء كما قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" وغيره، ونقل (ش) هذا التوهيم عن الدمياطي. قال: وقد رواه على الصواب عن شعبة عن قتادة، ورواه الترمذي في (التفسير) عن عبد بن حُميد، عن رَوْح بن عبادة، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أن الرُبيِّع بنت النَّضْر أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان

15 - باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا

ابنها حارثة أُصيب يوم بدر، الحديث. قال (ك): لا وهم للبخاري إذ ليست في رواية النسفي إلا على الصواب، وكأنَّه في رواية الفِرَبْري حاشية غير صحيحة لبعض الرواة، فألحقت بالمتن، وعلى تقدير صحة ذلك عن البخاري، فيحتمل أن يكون للرُّبَيِّع ولد يُسمّى الربيع كأمه من زوج آخر غير سُراقة اسمه البراء، ويحتمل أن تكون (بنت البراء) خبرًا لـ (أن)، وضمير هي راجع إلى الرُّبَيِّع، وأن تكون (بنت) صفة لأُم الرُّبَيِّع، وهي المخاطبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأطلق الأُم على الجدة تجوزًا، أو أن تكون إضافة الأم إلى الرُّبَيِّع للبيان، أي: الأُم التي هي للرُّبَيِّع، وبنت هو تصحيف عمه إذ الرُّبَيِّع هي عمة البراء بن مالك، وبالجملة فارتكاب هذه التكلفات أولى من توهيم الثقات. (إنها) ضمير مبهم يفسره ما بعده نحو: هي العرب تقول ما تشاء. (الفردوس) بستان يجمع كل ما في البساتين من شجر وزهر ونبات، قيل: رومية. * * * 15 - بابُ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا (باب: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا) 2810 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو،

16 - باب من اغبرت قدماه في سبيل الله

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ". (مكانه)؛ أي: مرتبته في الشجاعة. (كلمة الله) هي كلمة التوحيد، فهو المقاتل في سبيل الله لا طالب الغنيمة والشهرة، ولا مظهر الشجاعة، وسبق في (كتاب العلم)، وقيل في الفرق بين الثاني والثالث: أن الثاني للسمعة، والثالث للرياء، أي: من الغُزاة من سمّع ومنهم من راءى، والأولى أن يقال: لترى منزلته في سبيل الله، وعندَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله عنه: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا) إحمادًا عليه وشكرًا لصنيعه، وإلا كان يكفي في الجواب أن يقول: من يقاتل ليرى مكانه. * * * 16 - بابُ مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} إِلَى قَوْلهِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. (باب: من اغبرت قدماه في سبيل الله) 2811 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا

17 - باب مسح الغبار عن الناس في السبيل

يَحْيَى ابْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا عَبَايَةُ بْنُ رَافِعِ ابْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو عَبْسٍ، هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فتمَسَّهُ النَّارُ". (إسحاق) قال الكلاباذي: هو ابن منصور. (فتمسَّه) بالنصب، أي: أن الإغبرار المرتب على المشي منتف بانتفاء المشي فقط وقد تقدمت مباحثه في (الجنائز) في: (لا يموت لمسلم ثلاثة فيلج النار)، قيل: ومطابقة الآية للترجمة مضمون: {وَلَا يَطَئُونَ} [التوبة: 120]، لأن ذلك يتضمن المشي المؤثر في تغبير الأقدام لا سيما في ذلك الزمان. * * * 17 - بابُ مَسْحِ الْغُبَارِ عَنِ النَّاس فِي السَّبِيلِ (باب: مسح الغبار عن الناس في سبيل الله) 2812 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ: ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَأَتَيْنَاهُ، وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا

يَسْقِيَانِهِ، فَلَمَّا رَآناَ جَاءَ فَاحْتَبَى وَجَلَسَ، فَقَالَ: كُنَّا ننقُلُ لَبِنَ الْمَسْجدِ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنتَيْنِ لَبِنتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ، وَقَالَ: "وَيْحَ عَمَّارٍ! تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ؛ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، وَيَدْعُونه إِلَى النَّارِ". (وأخوه) قال الدمياطي: هو وهم لأن أبا سعيد لم يكن له أخ بالنسب سوى قتادة ابن النعمان الظفري، فإنه كان أخاه لأُمه، ومات قتادة في عهد عُمر، وكان عمر أبي سعيد حين بنى المسجد نحو عشرين سنة أو دونها. قال (ك): لعله أخوه من الرضاعة ولا أقل من أخي الإسلام. قلت: الرضاعة تحتاج لنقل، وأخوة الإسلام لا تنحصر في هذا؛ فالإشكال باقٍ. (لَبِنة) بفتح اللام وكسر الباء، وبكسر أو فتح، فيكون على القاعدة في (فعل). (فاحتبى) الاحتباء: أن يجمع ظهره وساقية بعمامة أو نحوها، وقد يحتبي بيديه. (عن رأسه) في بعضها: (على رأسه)، فيكون متعلقًا بالغبار، أي: الغبار الذي على رأسه. (ويح) كلمة رحمة منصوب بإضمار فعل.

18 - باب الغسل بعد الحرب والغبار

(يدعوهم)؛ أي: في الزمان المستقبل، وقد وقع ذلك في يوم صفين يدعو الفئة الباغية إلى الحق، ويدعونه إلى البغي، فهو معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وسبق في (باب: التعاون في بناء المساجد). * * * 18 - بابُ الْغَسْلِ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْغبَارِ (باب: الغسل بعد الحرب) 2813 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ، فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلاَحَ؟ فَوَاللهِ مَا وَضَعْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَيْنَ"؟ قَالَ: هَا هُنَا، وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (الخندق)؛ أي: المحفور بالمدينة في غزوة الأحزاب. (عصب)؛ أي: ركب وصار كالعصابة. (قُريظة) بضم القاف وإعجام الظاء: قبيلة من اليهود. * * *

19 - باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}

19 - بابُ فَضْلِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (باب فضل قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: 169]) لا بد من تأويل ذلك، أي: باب: فضل يعلم، ويستفاد من قوله تعالى؛ إذ ليس المراد ظاهره أو نحو ذلك؛ إما لفظًا من جهة أن لفظ الفضل مذكور فيه، وإما معنًى. * * * 2814 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاَثِينَ غَدَاةً، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ أَنسٌ: أُنْزِلَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ قَرَأْناَهُ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ: بَلِّغُوا قَوْمَنَا، أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ.

الحديث الأول: (مَعُونة) بفتح الميم وضم العين: موضع من جهة نجد بين أرض بني عامر وحرة بني سُليم، وكانت غزوتها سنة أربع. (على رِعْلٍ) بدل من (الذين قتلوا) بإعادة العامل. (رضينا عنه) هو معنى: (وأرضانا) في الرواية السابقة، والقرآن المنسوخ تجوز روايته بالمعنى. * * * 2815 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: اصْطَبَحَ ناَسٌ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ. فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا فِيهِ. الثاني: (اصطبح)؛ أي: شربوا الخمر صَبوحًا. (من آخر)؛ أي: في آخر. (ليس هذا فيه)؛ أي: ليس مرويًا فيه. * * *

20 - باب ظل الملائكة على الشهيد

20 - بابُ ظِلِّ المَلائِكَةِ عَلَى الشَّهِيدِ (باب: ظل المَلائِكَةِ على الشَّهِيدِ) 2816 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ: أَنَّهُ سَمعَ جَابِرًا يَقُولُ: جِيءَ بِأَبِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَوُضعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ، فَنَهَانِي قَوْمِي، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ، فَقِيلَ: ابْنَةُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو. فَقَالَ: "لِمَ تَبْكِي؟ أَوْ لاَ تَبْكِي؛ مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا". قُلْتُ لِصَدَقَةَ: أَفِيهِ حَتَّى رُفِعَ؟ قَالَ: رُبَّمَا قَالَهُ. (مُثِّلَ) مبني للمفعول؛ أي: جُدع وقُطِّع قطعًا. (أو أخت عمرو) الشك من الراوي هل هي بنت عمرو، فتكون عمة جابر أو أخته؛ فتكون عمة أبيه؛ نعم سبق في (الجنائز) في (باب: الدخول على الميت): أن جابرًا قال: فجعلت عمتي، والأصل الحقيقة. (لم تبكي، أو لا تبكي) شك من الراوي هل قال لغيرها لم تبكي أو نهاها، فقال: لا تبكي؛ إذ لو خاطبها بـ (لم تبكي) لقال: تبكين. (تظله) المقصود منه بيان تعظيم حاله، وقد ثبت أيضًا: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر: "إن الله أحيا أباك وكلَّمه كِفاحًا". * * *

21 - باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا

21 - بابُ تَمَنِّي الْمُجَاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنيَا 2817 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قتادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ". (باب: تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا) سبق شرح الحديث فيه مرات. * * * 22 - بابٌ الْجَنَّةُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا: "مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ". وَقَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَلَيْسَ قَتْلاَناَ فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: "بَلَى".

(باب: الجنة تحت بارقة السيوف) من إضافة الصفة إلى الموصوف، يقال: برق السيف بروقًا: إذا تلألأ، وقد تطلق البارقة فيراد بها نفس السيوف، فالإضافة بيانية كشجر الأراك. قال (ش): أي: لمعها مأخوذ من البريق، ولابن السَّكَن: (تحت الأبارقة)، والإبريق السيف، ودخلت الهاء عوضًا من الياء. (وقال المغيرة) موصول في (الجزية). (وقال عُمر) هو من حديث الحُديبية موصول في (الاعتصام) وغيره. * * * 2818 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَكَانَ كَاتِبَهُ، قَالَ: كتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ". تَابَعَهُ الأُوَيْسِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّناَدِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ. (أبو إسحاق) هو السبيعي. (كاتبه)؛ أي: كان سالم كاتب عُمر. (تابعه الأويسي) وصله ابن أبي عاصم في "كتاب الجهاد" له. * * *

23 - باب من طلب الولد للجهاد

23 - بابُ مَنْ طَلَبَ الْوَلَدَ لِلْجِهَادِ 2819 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ -أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ- كلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَالَّذِي نفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ". (باب: من طلب الولد للجهاد) (وقال الليث) وصله أبو نُعيم في "المستخرج". (صاحبه)؛ أي: من كانت في صحبته، وقيل: المراد به المَلَك إما جبريل، وإما غيره. (فلم يقتل)؛ أي: نسيانًا. (بشق) هو النصف، قيل: هو تفسير لقوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [ص: 34]. * * *

24 - باب الشجاعة في الكرب والجبن

24 - بابُ الشَّجَاعَةِ فِي الْكَرْبِ وَالْجُبْنِ (باب: الشجاعة في الحرب) 2820 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ، وَقَالَ: "وَجَدْناَهُ بَحْرًا". الحديث الأول: (بحرًا)؟ أي: كالبحر واسع الجري. (أحسن الناس) قال حكماء الإسلام: للإنسان قوى ثلاثة: عقلية وكمالها الحكمة، وشهوية وكمالها الجود، وغضبية وكمالها الشجاعة، فأشير إلى الثلاث في الحديث؛ لأن أحسن الناس إشارة إلى حسن الصورة، وحسنها تابع لاعتدال المزاج، واعتدال المزاج مستتبع لصفاء النفس الذي به جودة القريحة، وهذه الثلاث هي أُمهات الأخلاق. * * * 2821 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرني جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَهُ النَّاسُ، مَقْفَلَهُ مِنْ حُنيْنٍ، فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْألونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى

سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نعمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجدُونِي بَخِيلًا وَلاَ كَذُوبًا وَلاَ جَبَانًا". الحديث الثاني: (مقفله)؛ أي: زمان رجوعه. (حُنَين) بضم المهملة وفتح النون: وادٍ بين مكة والطائف. (فعلقت)؛ أي: طفقت. (اضطروه)؛ أي: ألجؤوه. (سَمُرة) بضم الميم من شجر الطَّلْح. (فخطفت)؛ أي: الأعراب أو السَّمُرة مجازًا. (العِضَاه) بكسر المهملة وخفة المعجمة والهاء وصلًا ووقفًا: كل شجر عظيم له شوك، وواحدة العضاه: عضهة، وقيل: عضية، وقيل: عضاهة. (نِعَم) واحد الأنعام وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع على الإبل، وأورده (ش): (نعمًا) بالنصب، وقال: إنه خبر (كان) أو تمييز، وإنه رواه أبو داود بالرفع اسم (كان) و (عدد) خبرها. (ولا كذوبًا) بمعنى: ذا كذب، وإلا فالنفي في صيغ المبالغة لا يلزم منه انتفاء الأصلي، وكذا في نفي بخيل وجبان اللذين هما صفة مشبهة الثبوت لا يلزم من نفيهما نفي الباخلية ولا الجبن الأصلي لأنه قد

25 - باب ما يتعوذ من الجبن

يلحظ فيها أصل الفعل لا تقييد الثبوت بالقرينة كما هنا، فإن المقام يقتضي نفي ذلك بالكلية، وكذا قالوا في قوله تعالى: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: 17]: أنه يجوز أن تكون بمعنى: ذي قرب، وحاصله أن باب: ذي كذب لا يختص الفاعل والفعل، وأما فائدة ذكر الكذوب والجبان هنا: أنه لمَّا نفى البخل الذي هو مقتضى المقام قال: ولا أكذب في نفي البخل عني، ثم هذا النفي ليس من خوفي منكم، وهذا من جوامع الكلم إذ أصول الأخلاق: الحكمة، والشجاعة، والكرم، فأشار بعدم الكذب إلى كمال القوة العقلية، أي: الحكم، وبعدم الجبن إلى كمال القوة الغضبية، أي: الشجاعة، وبعدم البخل إلى كمال القوة الشهوية، أي: الجود، وهذه الثلاث هي أُمهات فواضل الأخلاق، والأول: مرتبة الصديقين، والثاني: الشهداء، والثالث: الصالحين. * * * 25 - بابُ مَا يُتَعَوَّذُ مِنَ الْجُبْنِ (باب: ما يتعوذ من الجبن) 2822 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبُو عَوَانةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الأَوْدِيَّ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ كمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ، وَيَقُولُ: إِنَّ

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا، فَصَدَّقَهُ. الحديث الأول: (أرذل العمر) هو الخرف، حتى يعود إلى حال كطفوليته؛ ضعيف البِنْية، سخيف العقل، قليل الفهم. * * * 2823 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". الثاني: (العجز) ضد القدرة. (الكسل) ضد الجلادة. (الجبن) ضد الشجاعة. (الهرم) ضد الشباب. * * *

26 - باب من حدث بمشاهده في الحرب

26 - بابُ مَنْ حَدَّثَ بِمَشَاهِدِهِ فِي الْحَرْبِ قَالَهُ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ. 2824 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: صَحِبْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَسَعْدًا، وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رضي الله عنه -، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ. (باب: من حدث بمشاهده في الحرب) (قاله أبو عُثمان) موصول بعد بأبواب، ومعنى الحديث فيه ظاهر. * * * 27 - بابُ وُجُوبِ النَّفِيرِ، وَما يَجِبُ مِنَ الجِهادِ والنِّيَّةِ وَقَوْله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا

قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} الآيَةَ وَقَوْلهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} إلَى قَوْلِهِ {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاس: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ}: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ، يُقَالُ: أَحَدُ الثُّبَاتِ: ثُبَةٌ. * * * 2825 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ الْفَتْح: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْح، وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّةٌ، وإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". (باب: وجوب النفير) (انفروا ثبات) وقع في رواية القابسي: (ثباتًا) بالألف. قال (ش): ولا وجه له. قلت: بل هي لغة في معتل اللام من الجمع بالألف والتاء. (ثُبَة) بضم المثلثة وخفة الموحدة: الفرقة. وسبق الحديث أول (الجهاد). * * *

28 - باب الكافر يقتل المسلم، ثم يسلم، فيسدد بعد ويقتل

28 - بابُ الْكَافِرِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ يُسْلِمُ، فَيُسَدِّدُ بَعْدُ وَيُقْتَلُ (باب: الكافر يقتل المسلم فيسلم) 2826 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلاَنِ الْجَنَّةَ؛ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ". الحديث الأول: (يضحك) إسناده إلى الله مجازي، مراد به لازم الضحك وهو الرضا. قال (خ): من المعلوم دلالة الضحك على الرضا، وقبول الوسيلة وإنجاح الطِّلبة كما قال: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكًا ... عتقت بضحكته رقاب المال فهو مثل ضرب لصنيعهما الذي هو مكان التعجب عند البشر، فالله يجزل العطاء لهما. (إلى رجلين) عُديَ بـ (إلى) لتضمنه معنى الإقبال، يقال: ضحكت إلى فلان: إذا توجهت إليه بوجه طلق، وأنت عنه راض.

(فيقتل) مبني للمفعول. (على القاتل)؛ أي: فيسلم، وما أحسن تقديره هذا الحديث على قصة أبي هريرة، وهو: * * * 2827 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبَرَني عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ بِخَيْبَرَ بَعْدَمَا افْتَتَحُوهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَسْهِمْ لِي، فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لاَ تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ، فَقَالَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: وَاعَجَبًا لِوَبْرٍ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَأنٍ، يَنْعَى عَلَيَّ قَتْلَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أكرَمَهُ اللهُ عَلَى يَدَيَّ، وَلَمْ يُهِنِّي عَلَى يَدَيْهِ! قَالَ: فَلاَ أَدْرِي أَسْهَمَ لَهُ أَمْ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِيهِ السَّعِيدِيُّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ السَّعِيدِيُّ: عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ. الحديث الثاني: (قَوْقَل) بفتح القافين وسكون الواو بينهما وباللام: هو النعمان ابن مالك بن ثَعْلبة بفتح المثلثة وسكون المهملة بعدها، أي: المسمى بقَوْقَل الأنصاري، قيل: لأنه يقول للخائف قَوْقل حيث شئتَ فإنك آمن، وكان قد قَتَله يومَ أحد أبانُ بن سعيد بن العاص، فهو المراد من

قوله: (فقال ابن سعيد)، وقد سماه أبو داود في روايته، فقتله قبل أن يسلم، وإسلامه بين الحُديبية وخيبر، وهو الذي أجار عثمان يوم الحُديبية حيث بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولًا إلى مكة، وقال أبو الفرج: لا أدري من يعني بابن قَوْقَل إلا أن النعمان المذكور قتل بأُحد شهيدًا قتله صفوان بن أُمية، وقتل معه يومئذ من القَواقِلة العباس بن عبادة، وهذا المقتول النعمان هو الذي قال يوم أُحد -وقد كان أعرج-: أقسمت عليك يا رب العزة لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي هذه خضر الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن النعمان ظن بالله ظنًّا فوجده عند ظنه، فلقد رأيته يطأ في خضرها ما به عرج". (واعجبًا) بالتنوين، وفي بعضها بدونه، فإن نون كان اسم فعل بمعنى أعجب، ومثله: واها، ووي، وجيء بعده تعجبًا توكيدًا، وإذا لم ينون فالأصل فيه: وأعجبني، فأبدلت الكسرة فتحة والياء ألفًا كما فعل في: يا أسفا، ويا حزنا، وفيه شاهد على استعمال (وا) في منادى غير مندوب. (لوبْر) بسكون الباء: دويبة تشبه السنَّور، والجمع وبار، شبهه في قومه بهذه الدويبة في تدَلّيه من موضعه، وروي: (وبَرة) بفتح الباء، أي: وبَر الإبل، شبَّهه بما يعلق بوبر الشاة، أي: ملتصق في قريش، وليس منهم، وكل ذلك تحقير من أبان لأبي هريرة لمَّا قال: لا تقسم له. (تدلى)؛ أي: انحدر، وقد روي كذلك، ويروى: (تردى)، وكلها بمعنى. (من قَدوم ضان)؛ أي: طرف جبل، وضان: اسم جبل في

أرض دَوس، وقَدوم -بفتح القاف- ثنيّة به، وكذا لأبي ذرٍّ، وضبطه الأَصِيلي بضم القاف، وقال: وكذا ضبطه أبو زيد في كتابه، أي: كان قدومه من هذا الموضع؛ نعم في (باب: غزوة خيبر) رواية: (ضال) مخفف اللام، وكذا لابن السكن، والقاضي، والهمذاني، وزاد في رواية السهيلي: (والضال: السدر)، فلا يناسب (قدوم) مصدرًا، لكن قال (ع): ذكر أنه وهم، وأن ما تقدم من تفسير الحربي أولى، وقال (خ): هو في أكثر الروايات بلام، وقيل: يقال بالنون وباللام، وكأنها بدل من اللام كما قالوا: فرس رِفَلٌّ ورِفَن، إذا كان طويل الذنب، وتأوله بعضهم أنه الضأن من الغنم، فتكون ألفه همزة، وأن وبرًا الذي أُضيف له بفتح الباء، أي: شعر رؤوسها، قال (ع): وهو تكلف وتحريف، وفي "شرح الإلمام" لابن دقيق العيد: أن الناس رووه عن البخاري بالنون إلا الهمذاني فباللام وهو الصواب، والضال: السدر البري، وأما إضافة هذه النسبة إلى الضأن فلا أعلم لها معنى. قال: وفي ضبط القدوم بالتشديد والتخفيف خلاف. قال (ش): هذا إنما في حديث الختان. (ينعى عليَّ)؛ أي: يعيب، يقال: نعيتُ على الرجل فعله: إذا وبَّختَه عليه وعِبتَه به. (قتلَ) مفعول (ينعى)، أي: يعيب عليَّ أني قتلت رجلًا أكرمه الله على يديَّ حيث صار شهيدًا بواسطتي، ولم يقتل بالعكس إذ لو صرت مقتولًا بيده لكنت مُهانًا من أهل النار إذ لم أكن حينئذ مُسلمًا.

29 - باب من اختار الغزو على الصوم

(فلا أدري) روى أبو داود: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم له. (السعيدي) هو عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي. * * * 29 - بابُ مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ عَلَى الصَّوْمِ 2828 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ لاَ يَصُومُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَجْلِ الْغَزْوِ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا، إِلَّا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى. (باب: من اختار الغزو على الصوم) ذكر فيه مَنْقَبة لأبي طَلْحة. * * * 30 - بابٌ الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَي الْقَتلِ (باب: الشَّهادة سبْع) قال الإسماعيلي: أصل الترجمة مخالفة للحديث.

قال (ش): بل أشار بها إلى أن الحديث بالسبع قد ورد، لكن ليس على شرطه. * * * 2829 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ: وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ". (المطعون) من مات في الطاعون، وقال الجوهري: الموت من الوباء. (والمبطون): العليل بالبطن. (والغَرِق) بكسر الراء، أي: الغريق. (وصاحب الهَدْم) باسكان الدال؛ أما بكسرها: فالذي يموت تحت الهدم، وبفتحها: ما انهدم من جوانب البناء، وذكر أربع سوى الشهيد في سبيل الله، وقد ترجم بأنها سبع للتنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل في الجهاد كما سبق إلى الأذهان، فنبه بالخمسة على ما سواها، أو أن مالكًا رواه سبع ولكنها ليست على شرط البخاري، أو أن بعض الرواة نسي الباقي، ومعنى كون غير القتيل في معركة الكفار شهيدًا في الثواب لا في ترتب أحكام من ترك الغسل، والصلاة، وشق في (باب: فضل التهجير في الظهر): أن الشهداء ثلاثة أقسام.

31 - باب قول الله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين} إلى قوله {غفورا رحيما}

31 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ} إِلَى قَوْلِه {غَفُورًا رَحِيمًا} 2831 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: لَمَّا نزَلَتْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا، وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. 2832 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالح بْنُ كيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَم جَالِسًا فِي الْمَسْجدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَناَ أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْلَى عَلَيْهِ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجهَادَ لَجَاهَدْتُ، وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، فَأنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأنْزَلَ اللهُ -عز وجل-: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}.

32 - باب الصبر عند القتال

الحديث الثاني: (يملها)؛ أي: يميلها، ويحتمل أن تكون ياؤه مقلوبة من إحدى اللامين. (لو أستطيع)؛ أي: لو استطعت، فعدل للمضارع لقصد الاستمرار، أو لغرض الاستحضار. (تُرض)؛ أي: تدق، والرض: الدق الجريش. (سُرِّيَ) بالتشديد والتخفيف، أي: كُشف وأُزيل. * * * 32 - بابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ (باب الصَّبر عند القِتال) 2833 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْرِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى كتَبَ، فَقَرَأْتُهُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا". (فاصبروا) يحتمل أن يُراد الصبر عند إرادة القِتال والشُّروع فيه،

33 - باب التحريض على القتال، وقوله تعالى: {حرض المؤمنين على القتال}

أو الصبر حالَ المُقاتَلة والثَّبات عليه. * * * 33 - بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَوِلِهِ تَعَالَى: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} (باب التَّحريض على القِتال) 2834 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه -، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"، فَقَالُوا مُجيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا (ما بهم)؛ أي: الأمر المتلبِّس بهم. (اللهم) قال الدَّاوُدي: إنما قال ابن رَواحة: (لاهُمَّ) بلا ألف ولام، فأتى به بعض الرواة على المعنى، وبما ذكره يتَّزِن الشِّعر. (إن العيش)؛ أي: العيش الباقي، أو المعتبَر. (بايعوا) في بعضها: (بايعنا).

34 - باب حفر الخندق

(على الجهاد) ورَد في نُسخةٍ: (على الإسلام)، وليس بموزونٍ، فالصواب الأول، وقد سبق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجيبهم، وقال ثانيًا: هم كانوا يجيبونه، ولا منافاة، فكان هذا تارة، وهذا أُخرى. * * * 34 - بابُ حَفْرِ الْخَنْدَقِ (باب: حفر الخندق) 2835 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدا ... عَلَى الإسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُجيبُهُمْ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ، فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ". 2836 - حَدَّثَنَا أبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ وَيَقُولُ: "لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا". 2837 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،

عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ، وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا، إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا". الحديث الأول، والثاني، والثالث: (أُنزلن) بنون التوكيد الخفيفة. (سكينة)؛ أي: وقارًا، وفي بعضها: (السكينة) مع حذف النون من أنزلن. (الأُلى) من الألفاظ الموصولة لا اسم إشارة؛ جمعًا للمذكر. (بغوا علينا)؛ أي: ظلموا. قال (ش): ليس هكذا يتزن، وإنما هو: إن الأُلى هم قد بغوا علينا، فأسقط (هو) لأن وزنه: مستفعلن مستفعلن فعول، ويروى: إن الأعادي بغوا علينا، وهو لا يتزن إلا بزيادة (هم) أو (قد)، وهذا كله على رواية (الأُلى) بالقصر، أما على إرادة مؤنث الأول، أي: الجماعة السابقة، أو على أنها تكون موصولة بمعنى: الذين، ويكون خبر (إن) محذوفًا تقديره: إن الذين بغوا علينا ظالمون، وقد قيل: إن صوابه (أولًا) ممدود (التي) لإشارة الجماعة، وبه يصح المعنى والوزن. (أبينا) من الإباء، وسبق قريبًا الكلام على مثل هذا شعر أم لا، وكيف نطق به - صلى الله عليه وسلم - في:

35 - باب من حبسه العذر عن الغزو

هل أنت إلا إصبع دميت * * * 35 - بابُ مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ (باب: من حبسه العذر عن الغزو) العذر: وصف يقوم بالمكلف يناسب التسهيل عليه. 2838 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ: أَنَّ أَنسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تبوكَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 2839 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ-، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: "إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ". وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُوسَى ابْنِ أَنسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَوَّلُ أَصَحُّ. (خلْفنا)؛ أي: وراءنا، وفي بعضها: (خَلَّفنا)، بلفظ الفعل من التخليف. (فيه)؛ أي: في ثوابه، أي: شركاؤنا فيه. (الأول)؛ أي: الذي بلا واسطة: موسى بن إسماعيل أصح من

36 - باب فضل الصوم في سبيل الله

رواية واسطته، وقد رواها كذلك أبو داود. * * * 36 - بابُ فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللهِ (باب: فضل الصوم في سبيل الله) 2840 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالحٍ: أَنَّهُمَا سَمِعَا النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا". (صام) قد سبق في (باب: اختيار الغزو على الصوم): أن أبا طلحة كان يفضل الإفطار، ولا منافاة؛ لأن هذا من الأمور النسبية، فالقوي الصوم له أفضل، والضعيف بالعكس. (وجهه)؛ أي: ذاته أو عضوه المخصوص، لكنه كناية عن الكل. (سبعين خريفًا) ذكر السبعين للمبالغة على نحو: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: 107]، والخريف السنة، لأنها تستلزم الخريف. * * *

37 - باب فضل النفقة في سبيل الله

37 - بابُ فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ (باب: فضل النفقة في سبيل الله) 2841 - حَدَّثَني سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ دَعَاهُ خَزَنةُ الْجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ: أَيْ فُلُ! هَلُمَّ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". الحديث الأول: (زوجين) الزوج خلاف الفرد، وكل منهما يسمى زوجًا، والمراد: أن يشفع ما ينفقه من دينار أو درهم أو سلاح أو غيره. قال الداودي: ويقع الزوج على الواحد والاثنين، وهو هنا على الواحد. (كل خزنة باب) لعله من باب القَلْب، وأصله: خزنة كلِّ بابٍ. (أي: فلُ) روي بضم اللام وفتحها، ولفظ: (فُلان) كنايةٌ عن اسمٍ سُمِّي به المُحدَّث عنه، ويقال في النداء فتحذف منه الألف والنون لا ترخيمًا وإلا لقالوا: (يا فلاه) عند الجمهور. قال (ش): لأنه لا يقال إلا بسكون اللام، ولو كان ترخيمًا لفتحوها أو ضموها.

قلت: هو مضموم بلا شك. قال سيبويه: ليست ترخيمًا، إنما هي صيغة ارتجلت في النداء، وقد جاءت في النداء نحو: أمسك فلانًا عن فل؛ بكسر اللام الثانية، وكذا قال الأزهري. قال: فبنُو أسد يوقِعُونها على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد، وغيرهم يثني ويجمع ويؤنث، وقال قوم: هو ترخيم (فلان)، فحذفت النون للترخيم والألف لسكونها، وتفتح اللام وتضم على مذهبي الترخيم، وحينئذ فيحصل في لام (فلان) السكون والضم والفتح. (هلم)؛ أي: تعال، يستوي فيه الواحد والجمع في لغة الحجاز، وأما أهل نجد فيقولون: هلما وهلموا. (لا تَوَى) بفتح المثناة والواو مقصور: الهلاك، وقال ابن فارس: تمدُّ أيضًا، وقال (خ): أي: لا ضياع، أي: لا بأس عليه، ويدخل آخر. * * * 2842 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ"، ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا، فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَثَنَّى بِالأُخْرَى،

فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَيَأتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْنَا: يُوحَى إِلَيهِ، وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُؤسهِم الطَّيْرَ، ثُمَّ إِنَّهُ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ الرُّحَضَاءَ، فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا: أَوَ خَيْرٌ هُوَ؟ ثَلاَثًا، إِنَّ الْخَيْرَ لاَ يَأتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ، وإنَّهُ كُلَّما يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ كُلَّمَا أَكَلَتْ، حَتَّى إِذَا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ، وإنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِم لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْيتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَمَنْ لَمْ يَأخُذْهُ بِحَقِّهِ فَهْوَ كَالآكِلِ الَّذِي لاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". الحديث الثاني: (بركات الأرض): خيراتها. (وزهرتها): زِينَتها، وما يُعجِب فيها. (بأحدهما)؛ أي: بالبَركات. (بالأخرى)؛ أي: بالزَّهرة. (أوَ يأتي الخير بالشر) الهمزة للاستفهام، والواو مفتوحةٌ، أي: تصير النِّعمة عقوبةً. (على رؤوسهم الطير)؛ أي: أنَّ كلَّ واحدٍ صارَ كمَن على رأْسه طائرٌ يُريد صيده فلا يتحرَّك. (الرُّحَضاء) بضم الراء، وفتح المهملة، والمَدِّ: العَرَق.

38 - باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخيبر

(أوَ خير هو) استفهامُ إنكارٍ، والضَّمير للمال. (لا يأتي إلا بالخير)؛ أي: لكنَّ هذا ليس خيرًا حقيقيًّا لِمَا فيه من الفِتْنة والاشتِغال عن كمال الإقبال على الآخرة. (يلم) من الإلمام، أي: يَقرُب أن يَقتُل. (خَضِرَة) تأنيثه إما باعتبار أنواعه، أو صورته، أو التاء للمُبالغة؛ كَعلَّامة، أو أنَّ معناه: أن هذا المَالَ كالبَقْلَة الخَضِرة. (ونعم صاحب المسلم) المخصوص بالمدح: المال. (شهيدًا)؛ أي: يأتيه في صورة مَن شَهِد عليه بالجناية كما يأتي على صورة شُجاعٍ أقرع. وسبق الحديث في (باب: الصدقة على اليتامى). * * * 38 - بابُ فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازيًا أَوْ خَلَفَهُ بِخَيْبر (بابُ فَضْلِ مَن جهَّز غازيًا) 2843 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ - رضي الله عنه -: أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ

بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا". الحديث الأول: معنى قوله: (جهَّز غازيًا)، أي: هيَّأَ سفرَه. [(قد خلف) بتخفيفِ اللام؛ أي: كان خليفةً، أو يقال: خَلَفَه في قومه خِلافة] (¬1). * * * 2844 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ غيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي أَرْحَمُهَا، قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي". الثاني: (فقيل له)؛ أي: سُئل عن سبب ذلك. (قتل أخوها معي) ليس ذلك سببًا في حِلِّ دخولِه عليها؛ بل لأنها مَحْرَمٌ بنسب، أو رضاع، أو ذلك من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم - كما سبق قريبًا نظيرُه في أُختِها أُمِّ حَرَام؛ ولهذا حُمل الحصر هنا على الغالب، فإنه كان يدخل بيت أُم حَرَام أيضًا، وإنما هذا التعليلُ لوقوع الدخول ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

39 - باب التحنط عند القتال

منه، وكان أخوَاها حَرَامٌ وسُلَيْم -بضم أوله- ابنا مِلحان قُتلا شهيدين يومَ بئر مَعُوْنَةَ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يكن هناك، لكنَّ المراد: مع عَسْكري، أو مع نُصرة ديني. * * * 39 - بابُ التَّحَنُّطِ عِنْدَ الْقِتَالِ (بابُ التَّحَنُّطِ عند القتال) 2845 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنسٍ، قَالَ وَذَكَرَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، قَالَ: أَتَى أَنَسٌ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، وَقَدْ حَسَرَ عَنْ فَخِذَيْهِ وَهْوَ يَتَحَنَّطُ، فَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا يَحْبِسُكَ أَنْ لاَ تَجيءَ؟ قَالَ: الآنَ يَا ابْنَ أَخِي، وَجَعَلَ يَتَحَنَّطُ -يَعْنِي: مِنَ الْحَنُوطِ- ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ، فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ انْكِشَافًا مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ وُجُوهِنَا حَتَّى نُضَارِبَ الْقَوْمَ، مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانكُمْ. رَوَاهُ حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ. (اليَمامة) بفتح الياء، وخِفَّة الميم، مدينةٌ من اليمن على مرحلتين من الطَّائِفِ، سُمِّيت باسم جاريةٍ زَرقاءَ كانت تبصرُ الراكبَ من مسيرة ثلاثة أيام.

قال الجَوْهَرِيُّ: هي بلادٌ تسمَّى الجو، فسمِّيَتْ باسم هذه المرأةِ لِكَثرة ما أضيف إليها، وقُتل: ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ شهيدًا باليمامة في خلافة الصِّدِّيق، وقال أَنسُ له لما انكشفت الناس يومئذٍ: ألا ترى يا عمُّ؟ فقال: ما هكذا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بئس ما عَوَّدْتُم أقرانكم، ثم قاتل حتى قُتل، وكان عليه دِرع يَقِيه، فمرَّ به رجل من المسلمين، فأخذها فرآه بعضُ الصحابة في المنام فقال له: إني أُوصيك بوصيةٍ فلا تضيعها، إني لمَّا قُتِلتُ أخذَ رجلٌ دِرعي ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرسين، وقد كَفَأَ على الدرع بُرمة، وفوق البُرمة رَحْلٌ، فأتِ خالدًا -وكان هو أمير العسكر- وقل له يأخذ درعي منه، وإذا قدمتَ المدينة فقل لخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يعني أبا بكر-: عليَّ من الدَّين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق، فأتى الرجلُ خالدًا، فبعث إلى الدرع فأُتي بها، وحدث أبا بكر - رضي الله عنه - فأجاز وصيتَه، ولا نعلم أحدًا أُجيزت وصيته بعد موته غيرَ ثَابِتٍ، وهو من الغرائب. (حسر)؛ أي: كشف. (ألا تجيء) بالنصب، و (لا) زائدةٌ، وبالرفع، وتخفيف اللام. (يعني الحنوط)؛ أي: الذَّرِيْرة، وإنما فسَّره حتى لا يتَصَحَّفَ ما يقتضي أنه من الحِياظة بالظاء المعجمة، أو نحوه. (فذكر)؛ أي: أَنسٌ. (انكشافًا)؛ أي: نوعًا من الانْهِزَام، أي: أشار إلى انفراجٍ بين وجوه المسلمين والكافرين بحيث لا يبقى بيننا وبينهم أحدٌ.

40 - باب فضل الطليعة

(حتى نضارب)؛ أي: بلا حائلٍ بيننا. (ما هكذا)؛ أي: بل كان الصفُّ الأول لا ينخَرِقُ عن مواضعهم، وكان الصفُّ الثاني مساعدًا لهم. (عودته) من التَّعْوِيد، وفي بعضِها: (عوَّدتكم). (أقرانكم) هو على الأولِ بالنصب، وعلي الثاني بالرفع، أي: من اتخاذ الفِرارِ عادة للنَّجاة وطلبًا للراحة. (رواه حماد) وصلَه الطَّبَرَانِيُّ في "الكبير" وابن سَعْدٍ في "الطبقات". * * * 40 - بابُ فَضْلِ الطَّلْيِعَةِ (بابُ فَضْلِ الطَّلْيِعَة) طليعةُ الجيشِ: مَنْ يُبعث ليطَّلع طلعَ العدو. 2846 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَأتِيني بِخَبَرِ الْقَوْمِ يَوْمَ الأَحْزَابِ"؟ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَناَ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ"؟ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَناَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُلِّ نبَيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ".

41 - باب هل يبعث الطليعة وحده؟

(حواري) هو الناصر، وقيل: الخاص. قال الزَّجَّاجُ: ينصرف لأنه منسوب إلى حوار، وليس كنجاتي وكراسي؛ لأن واحدَه نُجْي وكُرْسِي، وإذا أُضيف إلى ياء المتكلم فقد تُحذف الياء، وحينئذٍ ضَبَطَه جماعةٌ بفتح الياء، وأكثرُهم بكسرها وهو القياس، لكنهم حين استثقلوا الكسرةَ وثلاثَ ياءاتٍ حذفوا ياء المتكلم، وأبدلوا من الكسرة فتحة، وقد قُرِئَ في الشَّاذِّ: {إِنَّ وَليَّ اللَّهِ} [الأعراف: 196] بالفتح، فقال ابن الحَاجِبِ: إن قياسَه أن لا يُبنى؛ لأنَّ ما قبل حرفِ العلة ساكنٌ فيجري مَجْرى الصحيح في الإعراب. * * * 41 - بابٌ هَلْ يُبْعَثُ الطَّلْيِعَةُ وَحْدَهُ؟ (بابٌ: هل يُبعَث الطَّلْيِعَةُ وحدَه؟) 2847 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: نَدَبَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ -قَالَ صَدَقَةُ: أَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ- فَانتدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَ فَانتدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانتدَبَ الزُّبَيْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُلِّ نبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ".

42 - باب سفر الاثنين

(ندب)؛ أي: دعاه. (يوم الخندق)؛ أي: يوم الأحزاب. (فانتدب)؛ أي: فأجاب. * * * 42 - بابُ سَفَرِ الاِثْنَيْنِ (بابُ سَفَرِ الاثنين) أي: عدد المسافر، لا الإثنين الذي هو من الأيام، يدل عليه الحديث. 2848 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُويرِثِ، قَالَ: انْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَنَا أَناَ وَصَاحِبٌ لِي: "أَذِّناَ وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكبَرُكُمَا". (أنا) تأكيدٌ، أو بدلٌ، أو بيانٌ، أو خبرُ مبتدأ محذوف. (وصاحب) بالجر، والرفعِ عطفٌ عليه، والحديث في (باب: الأذان للمسافر). * * *

43 - باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة

43 - بابٌ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (بابٌ: الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير) أي: ملازم لها، وجَعل الناصية كالظَّرْف للخير مبالغةً، وهي الشَّعْر المسترسل في مقدَّم الرأس، ورُبَّما كَنَّى بها عن جميع ذاتِ الشيءِ، نحوَ: فلان مُبارَك النَّاصية، أي: الذات. 2849 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 2850 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ حُصَيْنٍ وَابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". قَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ. تَابَعَهُ مُسَدَّدٌ، عَنْ هُشَيْم، عَنْ حُصَيْنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ أَبِي الْجَعْدِ. الحديث الأولُ، والثاني: (قال سليمان: عن شعبة، عن عروة بن أبي الجَعْد) هذا هو

الصواب الذي كان في الأصل، ويقع في بعض النُّسَخ على سبيلِ الإصلاح عن (¬1) أبي الجَعْدِ، وليس بصحيح؛ لأنَّ شُعْبَةَ لا يَروي عن عُرْوَةَ، ولا أَدركَ عصرَه، لكنَّ المراد أن شُعْبَةَ قال: (هو عُرْوَةَ بْنُ أبي الجَعْدِ) بزيادة الأب. (وتابعه مسدد) وصلَه مُسَدد في "مسنده"، وغرضه أنَّ حَفْصًا عن شُعْبَةَ قال: (هو ابن (¬2) الجَعْد) بدون الأب، وسُلَيْمَان عن شُعْبة قال بزيادة الأب، وكذلك هُشَيْم بن حُصَين. * * * 2851 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ". الحديث الثالث: (البركة في نواصي الخيل) وجْهُ الجمع بين هذا وبين حديث: (الخيل لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وعلي رجل وِزْر): أن الخيلَ في ذواتها الخير والبركة، وحصولُ الوِزْرِ لصاحبها بوساطة أمر عارض. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل و "ت" زيادة: "ابن"، والمثبت من "ف". (¬2) في الأصل زيادة: "أبي"، والمثبت من "ف" و"ت".

44 - باب الجهاد ماض مع البر والفاجر

44 - بابٌ الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 2852 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ". (بابٌ: الجهادُ ماضٍ مع البَّرِّ والفاجر) كذا في رواية أبي ذَرٍّ، وفي رواية غيره: (على البر والفاجر)، فعلى الأول: يجب على الإمام العدل وغيرِه، وعلي الثاني: على كلِّ أحدٍ، واستنبط البُخَارِيُّ الترجمة من قوله: (إلى يوم القيامة). (الأجر) هو تفسير للخير، أي: الثواب في الآخرة، والغنيمة في الدُّنيا. قال (خ): فيه الترغيب في اتخاذ الخيل، وإثباتُ السَّهم للفرس يستحقه الفارس من أجله، وأنَّ الجهادَ لا ينقطع ليوم القيامة، وأنَّ المال الذي يُكتَسَبُ بالخيل من خير وجوه الأموال. * * *

45 - باب من احتبس فرسا لقوله تعالى: {ومن رباط الخيل}

45 - بابُ مَن احْتَبَسَ فَرَسًا لقَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (بابُ مَن احْتَبَسَ فَرَسًا) المراد: الاحتباسُ بالصَّدقة في الوَقْف. 2853 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ، يُحَدِّثُ: أنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ احْتبسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ، إِيمَانًا بِاللهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (وتصديقًا بوعده)؛ أي: من الثواب يوم القيامة، وهذا إشارةٌ إلى المَعَاد، كما أنَّ الإيمانَ واقيةٌ إلى المبدأ. (وشبعه)؛ أي: ما يشبع به. * * * 46 - بابُ اسْمِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ (بابُ اسمِ الفَرَسِ والحِمَارِ) 2854 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ،

عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فتخَلَّفَ أَبُو قتَادَةَ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قتَادَةَ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: الْجَرَادَةُ، فَسَألهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ، فَأبَوْا، فتَنَاوَلَهُ فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَكَلَ فَأكَلُوا، فَقَدِمُوا، فَلَمَّا أَدْرَكوهُ قَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ"؟ قَالَ: مَعَنَا رِجْلُهُ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَكَلَهَا. الحديثُ الأول: (حمار وحش) في بعضها: (حمارًا وحشيًّا). (جَرَادة) بفتح الجيمِ، وخفَّة الرَّاء، وبمهملةٍ. (أدركوه)؛ أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 2855 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ: اللُّحَيْفُ. قال أبو عبد الله: وقال بعضُهم: اللُّخيف. الحديثُ الثاني: (أُبي بن عباس) بضم همزِه، وفتح الموحَّدة، وتشديدِ الياء،

عَبَّاس: بفتح المهملة، وشَدَّة الموحَّدة، وآخره مهملة، ليس له في "الجامع" غير هذا الحديث. (اللُحَيْف) بضم اللام، وفتح المهملة، وسكون الياء، وبالفاء، وفي بعضها: بفتح اللام، وكسر المهملة، وقيل: إنما كان طويلَ الذَّنَب، يلحق به الأرض. (وقال بعضهم: اللخيف)؛ أي: بالمعجمة، ويجيء فيه الوجهان ضمُّ أوله، وفتحه، وقيل: لا وَجْهَ للمعجمة، وقال صاحب "مِرَآة الزمان": إنه بلامٍ مضمومةٍ، وخاءٍ معجمةٍ، كذا قيَّده البُخَارِيُّ، وكذا حكاه ابن سَعْدِ عن الوَاقِدِيِّ، وقال: أهداه له سَعْدُ بنُ البَرَاءِ، وحكى البَلاَذَرِيُّ عن الوَاقِدِيِّ أنه: الحُلَيف، بتقديم الحاء المهملة؛ لأنه كان كالمُلتَحف بعرفة، وقيل: النحيف، بنون. * * * 2856 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ! هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ"؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: "لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا".

الثالثُ: (عُفَير) بضم المهملة، وفتح الفاء، تصغيرُ أَعْفَر؛ تصغيرَ ترخيمٍ كسُوَيْد في أَسْوَد. قال (ع) في "المشارق": إنه بالمعجمة، وأنكروه عليه. قال صاحب "المَطَالع": لا أدري هذا ولا رويتُه، وقال ابن دِحْيَة: ولا رواه أحدٌ إلا بالمهملة؛ نعم، قياسُه: أُعيفر. (لا تبشرهم)؛ أي: في ذلك الوقت، أما بعدَ فُشُوِّ الإسلام فسبقَ أنه أخبر بها عند موته تأثمًا في (العلم) في (باب: مَن خَصَّ قومًا). * * * 2857 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، سَمِعْتُ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا لَنَا يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ، فَقَالَ: "مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ، وإنْ وَجَدْناَهُ لَبَحْرًا". الرابع: (لنا) لا ينافي ما تقدم أنه لأبي طَلْحَةَ، لأن أبا طَلْحَةَ كان زوجَ أُمِّه وهو كان في حِجره. (مندوب) مفعولٌ من الندب، وهو الطلب، سُمِّي به الفرس. * * *

47 - باب ما يذكر من شؤم الفرس

47 - بابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ شُؤْمِ الْفَرَسِ (بابُ ما يُذْكَر مِن شُوْمِ الفَرَسِ) أصلُه شُؤْم بالهمز، وقد تُخَفَّف، فتصير واوًا. 2858 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ". 2859 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ". الحديث الأول: (إنما الشوم)؛ أي: لَمَّا أَبْطل ما كان في العرب من التَّطَيُّر، قال: فإن كان لأحدِكم دارٌ يكره سُكناها، أو امرأةٌ يكرهها، أو فرسٌ يكره ارتباطها = فَلْيُفارقْها، وجهُ الحَصر مع أنَّ الشؤمَ قد يكون في غيرها أنها لِلأعَمِّ الأغلبِ فيما يحتاج إليه؛ لأنَّ غالب أحوال الإنسان أنه لا بد من دارٍ يسكنها، وزوجةٍ يُعاشرها، وفرسٍ يركبُه. قال (خ): اليُمْنُ والشُّؤْمُ علامتان لِمَا يُصيب الإنسانَ من الخير

48 - باب الخيل لثلاثة، وقوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}

والشر، ولا يكون شيءٌ من ذلك إلا بقضاء الله، وإنما هذه الأشياءُ الثلاثةُ ظُرُوفٌ ليس لها تأثيرٌ، فالإضافة إليها إضافةُ مكان، والكلُّ بمشيئة الله، وقد قيل: شُؤْم المرأة أن لا تَلِد، والفرسِ أن لا يُغْزَى عليه، والدارِ سوءُ الجار، وسَبَقَ الجَمْع بين هذا وبين حديث: "معقودٌ بنواصيها الخير". قال (ن): الشؤمُ في الفرس المرادُ به غيرُ الخيل المعدَّة للغزو ونحوِه، أو أن الخير والشؤم يجتمعان فيها، فإنه فسَّر الخيرَ بالأجر والمَغْنَم، ولا يمتنع مع هذا أن يكون الفرسُ مما يُتشاءم به. * * * 48 - بابٌ الْخَيْلُ لثَلاَثَةٍ، وقَوْلُهُ تَعالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (بابٌ: الخيلُ ثلاثةٌ) 2865 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ؛ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا

49 - باب من ضرب دابة غيره في الغزو

وَآثَارُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإسْلاَمِ فَهْيَ وِزْرٌ عَلَى ذَلِكَ". وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحُمُرِ، فَقَالَ: "مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ". (طِيلها) بكسر الطَّاء، وفتحِ الياء، والمشهور: (طَولها) بالواو، وهو الحبل الذي تُشَدُّ به الدابة عند الرعي. (فاستنت) الاستنانُ: العَدْو. (شرفًا)؛ أي: شوطًا. (وَنِواء) بكسر النون، والمناواة المعاداة، واعلم أنَّ الثالثَ من الأقسام محذوفٌ اختصارًا وهو رجلٌ رَبَطَها تَغَنيًّا وتعفُّفًا، ثم لم يَنْسَ حقَّ الله في رقابها ولا ظهورها، وفي ذلك خير، وسبق الحديث في (باب شُرْبِ الناس). * * * 49 - بابُ مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْغَزْوِ (بابُ مَن ضَرَبَ دابَّةَ غيرِه) 2861 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ، قَالَ: أتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي

بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِه -قَالَ أَبُو عَقِيلٍ: لاَ أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً- فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلْنَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيُعَجِّلْ"، قَالَ جَابِرٌ: فَأقْبَلْنَا وَأَناَ عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ، وَالنَّاسُ خَلْفِي، فَبَيْنَا أَناَ كَذَلِكَ إِذْ قَامَ عَلَيَّ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا جَابِرُ! اسْتَمْسِكْ"، فَضَرَبَهُ بِسَوْطِهِ ضَرْبَةً، فَوَثَبَ الْبَعِيرُ مَكَانهُ. فَقَالَ: "أتبِيعُ الْجَمَلَ"؟ قُلْتُ: نعمْ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجدَ فِي طَوَائِفِ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي ناَحِيَةِ الْبَلاَطِ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا جَمَلُكَ، فَخَرَجَ، فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ وَيَقُولُ: "الْجَمَلُ جَمَلُنَا"، فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: "أَعْطُوهَا جَابِرًا"، ثُمَّ قَالَ: "اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ"؟ قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ". (فلما أن)، (أن) زائدةٌ. (تعجل) في بعضها: (فَلْيعجِّل)، وفي بعضها: (فيستعجل). (أرمك) بوزن أَفْعَل وصفٌ، يقال: جَمَلٌ أَرْمَك، أي: اشتدت كُمْتَتُه حتى يدخلَها سواد. (شية)؛ أي: لونٌ يخُالف معظمَ لون الحيوان، قال تعالى: {لَا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة: 71]. (قام عليَّ) يقال: قامتِ الدَّابَّةُ: إذا وقفت من الكلال. (البلاط) بفتح الموحَّدة: الحجارة المفروشة، وقيل: موضع،

50 - باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل

سَبَق في (المظالم). * * * 50 - بابُ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ الصَّعْبَةِ وَالْفُحُولَةِ مِنَ الْخَيْلِ وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ الْفُحُولَةَ؛ لأَنَّهَا أَجْرَى أَجْسَرُ. (بابُ الركوبِ على الدَّابةِ الصَّعبةِ والفحولةِ) جمعُ فَحْلٍ، ولعل التاء فيه لتأكيد الجمع كما في: الملائكة. (أجرأ) بالهمزِ من الجُرأة، وفي بعضها: (أَجْرَى)، وفي بعضها: (أَجْسَر) من الجَسَارة، وفي بعضها: (أَحْسَن) من الحُسْن. * * * 51 - بابُ سِهَامِ الْفَرَسِ (بابُ سهامِ الفرس) 2863 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا.

52 - باب من قاد دابة غيره في الحرب

وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ وَالْبَرَاذِينِ مِنْهَا؛ لِقَوْلِهِ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}، وَلاَ يُسْهَمُ لأكثَرَ مِنْ فَرَسٍ. الحديثُ الأول، والثاني: (البراذين) جمع بِرْذَون، وهو دابةٌ. (سهمين) لا ينافي ما ثبت من ثلاثةِ أسهمٍ، إذ المرادُ له ذلكَ مِن جهة الفرسِ، ويُساهم الرجالةَ بسهم. * * * 52 - بابُ مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ (بابُ مَن قادَ دابةَ غَيرِه في الحرب) 2864 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شُعْبة، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما -: أفرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً، وَإنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِم، وَاسْتَقْبَلُوناَ بِالسِّهَامِ، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَفِرَّ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وإنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَناَ النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَناَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". (فأما) عديلُها محذوفٌ، أي: وأمَّا نحن فقد فَرَرْنا، وحَذَفَه لأنه

لم يُرِدْ أن يصرِّحَ بفرارِهم. (بغلته) قيل: هي التي أهداها له مَلِكُ أَيْلَة، بفتح الهمزةِ، وسكونِ الياء، وقيل: أهداها فَرْوَة بفتح الفاء وإسكانِ الراء، ابنُ نُفَاثة بضم النون، وخِفَّة الفاء، وبالمُثلَّثة، الجُذَامِي بضم الجيم وبالمعجمة، قالوا: هي التي يقال لها: الدُّلدُل، وركوبُه البغلةَ في ذلك الموطنِ هو النهايةُ في الشجاعة؛ ولِيُطَمْئِنَ به قلوب المسلمين، وروي: (أنه رَكَّضَ بغلتَه إلى المشركين، وأنه نزل إلى الأرض حين غَشَوه)، وهذا مبالغةٌ في الثَبات والشجاعة، وأخذَ أبو سُفْيان- أي: ابنُ الحَارِثِ لا ابنُ حربٍ- بِلِجَام بغلته لِيَكُفَّها عن إسراع التقدُّم إلى العَدُوِّ، لا لاعتقاد أن ينهزم، حاشاه، وأجمع المسلمون على أنه لم ينهزمْ قطُّ، بل لا يجوز ذلك عليه. (لا كذب)؛ أي: لا أَفِرُّ ولا أَزُولُ، ورواه بعضُهم بفتح الباء؛ ليخرجَه عن الوزن، فيستغني عن التأويلات السابقة في: (هل أنت إلا إصْبع دَميت) في (باب: من ينكب في سبيل الله). (ابن عبد المطلب) انتسب لجده؛ لأن أباه عبدَ الله مات شابًّا في حياة عبد المطلب، وكان عبدُ المُطَّلِب هو المشهورُ شهرةً ظاهرة، وكان سيدَ أهلِ مكةَ، وكثيرٌ من الناس يَدْعونه إلى عبد المُطَّلب، وكان مشهورًا عندهم أنَّ عبدَ المطلب بُشِّرَ به، وأنه سيظهر ويكون شأنُه عظيمًا، وقال في الجمع بين هذا وبين أحاديث النهي عن الافتخار بالأنساب: إنه رأى رؤيا كان رآها عبدُ المطَّلِب فأخبر بها قُريشًا،

53 - باب الركاب، والغرز للدابة

وعُبِّرت بأنه يكون له ولدٌ يَسُوْدُ الناسَ ويَمْلِكُهم، وتَهْلَكُ أعداؤه على يديه، فذكَّرهم - صلى الله عليه وسلم - بهذا أمر تلك الرؤيا؛ ليقوى بذلك قلبُ من كان قد انهزم؛ ليرجعوا، أو قد يقال: إنه إنما أشار بذلك إلى خبرٍ كان مُتداولًا على وجْهِ الزمان، أخبر به سَيْفُ بنُ ذِي يَزَن -بفتح الياء والزاي- عبدَ المطَّلِبِ وقت وِفَادَتِه عليه في جماعة، وهو أن يكون من ولده نبيٌّ، وكان ذلك مما تداولتْه أقْيَالُ اليَمَنِ كابرًا عن كابر إلى أن يبلغ تبعًا. وجوابٌ آخرُ: أن النهيَ عن ذلك في غير الجهاد؛ لأنه في الجهاد يُرعب العدو، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - نُصِر بالرعب، فإذا أَخْبَر باسمه واسمِ آبائه أُلقي الرعبُ في قلوبهم. قال (ك): وإعلامٌ لهم بأنه ثابتٌ ملازمٌ للحرب، وعَرَّفَهم موضعَه؛ ليرجع إليه الراجعون. * * * 53 - بابُ الرِّكَابِ، وَالْغَرْزِ لِلدَّابَّةِ (بابُ الركاب والغَرْز للدابة) بفتح المعجمة، وتقديم الراء على الزاي، الركاب من الجِلْدِ، وقيل: إذا كان من خشب أو حديدٍ فهو رِكَابٌ. * * *

54 - باب ركوب الفرس العري

54 - بابُ رُكُوبِ الْفَرَسِ الْعُرْيِ (بابُ ركوبِ الفَرسِ العُرْي) بضمِّ المهملة، وسكونِ الراء: ما ليس عليه سَرْجٌ، والجمعُ الأعراءُ، هذا هو المشهور، وقال السَّفَاقُسِيُّ: بكسر الراءِ، وتشديدِ الياء، وقال ابنُ فارسٍ: عَرَوْتُ الفرسَ: ركبتُه عَرِيًّا، وهي نادرة، وضَبَطَه بعضُهم بإسكانِ الراءِ، وتخفيف الياء، ولا يقال من الآدميين إلا: عَرْيَان. * * * 55 - بابُ الْفَرَسِ الْقَطُوفِ (باب الفَرَسِ القَطُوْفِ) هو البَطِيء، والقِطَاف -بالكسر- البطء. 2867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً، فَرَكِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ كَانَ يَقْطِفُ -أَوْ كَانَ فِيهِ قِطَافٌ- فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: "وَجَدْناَ فَرَسَكُمْ هَذَا بَحْرًا"، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُجَارَى.

56 - باب السبق بين الخيل

(لا يجارى)؛ أي: لا يَطِيقُ فرسٌ الجَرْيَ معه، وفيه معجزةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 56 - بابُ السَّبْقِ بَيْنَ الْخَيْلِ (بابُ السَّبق بين الخيل) 2868 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَجْرَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا ضُمِّرَ مِنَ الْخَيْلِ مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجدِ بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى. قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ. قَالَ سُفْيَانُ: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَبَيْنَ ثَنِيَّةِ إِلَى مَسْجدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ. (ضمرت) التضمير وكذا الإضمار: أن يُقَلِّلَ عَلْفَها مدَّة، وتُجلَّل لِتَعرقَ ويَجِفَّ عَرَقُها، فيخفَّ لحمُها وتقوى على الجري، وقال الجَوْهَرِيُّ: أن تعلف الدابة حتى تَسْمَن، ثم تُردَّ إلى القُوت، وقيل: تُسَمَّن ثم تجرى حتى تهزُلَ فيذهبَ لحمها. (الحفياء) بفتح المهملة، وسكونِ الفاء، وبعدها ياءٌ بالمد على

57 - باب إضمار الخيل للسبق

الأشهر وبالقصر، ويقال: بتقديم الياء على الفاء، وهو قليلٌ: موضعٌ خارج المدينة. (ثنية الوداع) هي عند المدينة، سُمِّيَت بها لأن المودِّعين يمشون لِتَوديعِ الخارج إليها، والثَّنِيَّة: أعلى الجبل. (بني زُرَيق) بتقديم الزاي المضمومة، وفتحِ الراء، وسكونِ الياء: قبيلةٌ من الأنصار، سبق في: (باب هل يقال: مسجد فلان؟). (وقال عبد الله)؛ أي: ابنُ الوليْدِ بكسر اللام، ويقع في بعضها: (أبو عبد الله) وهو سَهْوٌ وهو في "جامع سُفْيَان" من رواية عبدِ اللهِ بنِ الوَليدِ عنه. * * * 57 - بابُ إِضْمَارِ الْخَيْلِ لِلسَّبْقِ 2869 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، وَكَانَ أَمَدُهَا مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجدِ بَنِي زُرَيقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ سَابَقَ بِهَا. (بابُ إِضْمارِ الخيل) هو بمعنى تَضْمِيرها كما سبق، ولكنَّ الحديثَ المذكور فيه إنما هو فيما لم يُضمر، فكيف يترجمه بالإضمار؟ وجوابه: أن المسابقةَ

58 - باب غاية السبق للخيل المضمرة

بالمُضمَر لم تُنْكر عادة، وأما التي لم تضمر فقد يعتقد فيها أنه لا يجوز لما فيه من مشقة سَوْقِها والخطر فيه، فبيَّن بالحديث جوازَه، وأنَّ الإضمارَ ليس بشرط في المسابقة، أو يقال: حديثُ ابن عُمَرَ فيه الأمران، فاقتصر فيه على ما سبق للعلم بالباقي. * * * 58 - بابُ غَايَةِ السَّبْقِ لِلْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ 2870 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَابَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ، فَأَرْسَلَهَا مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ -فَقُلْتُ لِمُوسَى: فَكَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ- وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، فَأَرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ أَمَدُهَا مَسْجدَ بَنِي زُرَيْقٍ، قُلْتُ: فَكَمْ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ: مِمَّنْ سَابَقَ فِيهَا. (بابُ غايةِ السَّبق للخيل المضمرة) عُلِم شرحُ الحديث فيه مما سبق. * * *

59 - باب ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -

59 - بابُ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَرْدَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ". (بابُ ناقةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -) (وقال ابن عُمر) موصولٌ آخرُ (المغازي) في (باب: حِجة النبي - صلى الله عليه وسلم -). (القَصْواء) بفتح القافِ، والمدِّ، وقيل: بضمِّ القاف، والقصر. أصلُه مقطوعةُ طَرَفِ أُذنِها، ولم تكن ناقتُه - صلى الله عليه وسلم - كذلك على الأصح، وإنما سميت بذلك؛ لأنها كانت غاية في الجَرْي، وآخرُ كلِّ شيء أقصاه، وقيل: القَصْوَاء: هي التي ابتاعَها من أبي بَكْرٍ بمكةَ بأربع مائةِ درهمٍ وهاجر عليها. (وقال المسور) موصولٌ في (الصُّلح). * * * 2871 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَتْ ناَقَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهَا: الْعَضْبَاءُ.

2872 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ناَقَةٌ تُسَمَّى: الْعَضْبَاءَ، لاَ تُسْبَقُ -قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبقُ- فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى عَرَفَهُ، فَقَالَ: "حَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ". طَوَّلَهُ مُوسَى، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنس، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (العَضْباء) قال أبو عُبَيْدَةَ، وابن فارِسٍ وغيرُهما: لقبٌ لها؛ ولهذا قال في الحديث: (تسمى)، وإلا فهي في اللغة: المثقوبةُ الأُذنِ أو المشقوقتُها. (خلأت) بفتح المعجمة، والهمز، أي: تأخَّرت أو بركت ووقفت، ومرَّ في: (صلح الحُديبية). (بطوله)؛ أي: ذَكَرَ الحديثَ بِطُوله، رواه أبو دَاوُدَ في "السُّنَن". (بِقَعود) بفتح القاف: البِكْرُ من الإبل حين يُمكن أن يُركَب، وأدنى ذلك سنَتان، فإذا أثنى سُمِّي جملًا، وأيضًا هو البعيرُ الذي يَقْتَعدُه الراعي في كل حاجة. (عرفه)؛ أي: عَرَفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كونَه شاقًّا عليهم. * * *

60 - باب الغزو على الحمير

60 - بابُ الغزْوِ على الحَمِيرِ (بابُ الغزوِ على الحَمير) لم يَرِدْ فيه حديثٌ. * * * 61 - بابُ بَغْلَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْضَاءِ قالَهُ أَنسٌ، وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً بَيْضَاءَ. (بابُ بَغْلَةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - البيضاءِ) (قاله أنس) موصولٌ في (المغازي) في (قصة حُنَين). (وقال أبو حمُيد) موصولٌ في (الجِزْيَة). (أيْلة) بفتح الهمزةِ، وسكونِ الياءِ، وباللامِ: آخرُ الحجاز، وأولُ الشام على ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمسَ عشْرةَ مرحلة. * * * 2873 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ قَالَ:

مَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً. الحديثُ الأول: (وأرضًا) هي نصف أرض فَدَك، وثُلُثُ أرض وادي القُرى، وسَهْمٌ من خُمُس خَيْبَر، وصفيّهُ من أرض بني النَّضِيْرِ. (تركها) الضميرُ راجعٌ للثلاث: البغلةِ، والسلاحِ، والأرضِ، لا للأرض وحدَها. قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا نُوَرِّث، ما تركناه صدقة). * * * 2874 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لاَ، وَاللهِ مَا وَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ، فَلَقِيَهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَناَ النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَناَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". الحديث الثاني: (يا أبا عُمَارة) بضمِّ المهملَةِ، وخِفَّة الميم، هو كنيةُ البَرَاء. (وليتم)؛ أي: أَدْبَرتم. (سرعان) بضم السينِ، وسكونِ الراءِ، جمعُ سريع، وبفتح السين والراءِ: أوائلُهم.

62 - باب جهاد النساء

(بالنبل) هي السهامُ العربية، لا واحد لها من لفظها، وإنما واحدُها سهم. * * * 62 - بابُ جِهَادِ النِّسَاءِ (بابُ جهادِ النِّساءِ) 2875 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتِ: اسْتَأذَنْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجهَادِ، فَقَالَ: "جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ". وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا. الحديثُ الأول: (معاوية بن إسحاق)؛ أي: ابنُ طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ الله القُرَشِي. (عن عائشة) هي عمَّتُه، وهذا بخلاف مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرِو السابقِ الراوي عن أبي إِسْحَاق الفَزَارِي. * * * 2876 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا. وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ

63 - باب غزو المرأة في البحر

أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، سَأَلَهُ نِسَاؤُهُ عَنِ الْجهَادِ، فَقَالَ: "نِعْمَ الْجهَادُ الْحَجُّ". الحديث الثاني: عُرِفَ شرحُه مما سبق. * * * 63 - بابُ غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ (باب غزوةِ المرأةِ في البحر) 2877 - و 2878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقَالَتْ: لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: "ناَسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الأَخْضَرَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "اللَهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ"، ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ، فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ -أَوْ مِمَّ- ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَتِ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَلَسْتِ مِنَ الآخِرِينَ" قَالَ: قَالَ أَنسٌ: فتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ، فَلَمَّا قَفَلَتْ ركبَتْ دَابَّتَهَا فَوَقَصَتْ بِهَا، فَسَقَطَتْ عَنْهَا فَمَاتَتْ.

64 - باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه

(عن عبد الله بن عبد الرحمن)؛ أي: المُكَّنى بأبي طُوالَةَ بضمِّ الطاء. قالَ أبو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ: أسقطَ البُخَارِيُّ من إسناد هذا الحديث زَائِدَةَ بنَ قُدَامَةَ الثَّقَفِيَّ بين أبي إِسْحاق الفَزَارِي وبين أبي طُوَالَةَ. قال (ك): هذا تَحَكُّمٌ بلا دليل؛ كيف وقد ثبت سماع أبي إسحاق من أبي طُوالة. وفيما أجاب به نظر؟!. (مع بنت قريظة) بقافٍ، وراء، وظاءٍ معجمةٍ، مفتوحاتٍ، هي كَنُوْدُ بنتُ قرَيظَةَ بنِ عَمْرِو بنِ نَوْفَل بن عبد مَنَاف، زوجُ مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ، كان أخذها مُعَاوِيةَ معه لمَّا غزا جزيرة قُبْرُسَ في البحر، لكنَّ هذا الحديثَ يقتضي أن أُم حَرَامٍ تزوجت بعد هذه الرواية، والسياق السابق أنها تحت عُبَادَة يقتضي تقدُّمَه، فيحتمل أنه طلقها ثم تزوجها. * * * 64 - بابُ حَمْلِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي الْغَزْوِ دُونَ بَعْضِ نِسَائِهِ 2879 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونس، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ

65 - باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال

عُرْوَةَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ يَخْرُجُ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ. (بابُ حَمْلِ الرجلِ امرأتَه في الغزو) الحديث فيه سبق مرات، ومعناه ظاهر. * * * 65 - بابُ غَزْوِ النِّسَاء وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ 2880 - حَدَّثَنَا أبو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإنَّهُمَا لَمُشَمِّرتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقهِمَا، تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ -وَقَالَ غَيْرُهُ: تنقُلاَنِ الْقِرَبَ- عَلَى مُتُونِهِمَا، ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فتمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجيئَانِ فتُفْرِغَانِهَا فِي أفوَاهِ الْقَوْمِ.

(باب غزوِ النساءَ وقتالِهِنَّ مع الرِّجالِ) نُوْزِع فيما أورده من الحديث في الترجمة، فإنه ليس فيه قتالهُنَّ، وأُجيب: بأنهن بصدد الدَّفْعِ عن أنفسهِن مهما أَمْكَن، وهو في حُكْم القتال، أو بالقياس على الغزو. (لمشمرتان) من شَمَّر إزارَه، أي: رفعه، وشمَّر عن ساقه، وشمر في أمره، أي: خَفَّ، وشمر في الأمر، أي: تَهَيَّأ له. (خدم)؛ أي: خَلاخِل؛ سمي خدمه؛ لأنه ربما كان من سيور مركبٌ فيه الذهبٌ والفضة، والخدمة في الأصل: السَّتْر. (سوقهما) جمع ساق. قال (ن): وهذا إما لأنه قَبْلَ أمْرِ النساءِ بالحجاب، أو أنه لم يتعمد النظر إلى نفس الساق، بل وقعتْ فجأة بغير قصد. (تنقزان) بنونٍ، وقافٍ، وزايٍ، أي: تنقلانها وتقفزان بها وَثْبًا. (القرب) في نَصْبه بُعْدٌ؛ لأن (نَقَزَ) غيرُ مُتَعَدٍّ، فأَوَّلَه بعضُهم بحذف الجار، ورواه بعضُهم بضم التاءِ رباعيًّا من أنقز معدًّى بالهمزة، يريد تحريك القرب ووُثُوبَها بشدة العَدْوِ والوثبِ، ويروى: برفع (القربُ) على الابتداء، والجملة في موضع الحال. قال (خ) النَّقْزُ: الوَثْبُ، وأحسبه تزفران، والزَّفْر: حَمْلُ القِرَب الثقال، وقال التَّيْمِيُّ: يروى: (تنقلان) فيحتمل تنقزان، وإن كان بمعنى الوثب على معنى النقل. * * *

66 - باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو

66 - بابُ حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الْغَزْوِ (بابُ حَمْلِ النساءَ القرَبَ إلى الناسِ في الغزو) 2881 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي عِنْدَكَ؛ يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ؛ وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ: تَزْفِرُ: تَخِيطُ. (مروطًا)؛ أي: أكْسيةً من صوفٍ، أو خَزٍّ كان يُؤتزر بها. (أُم كُلثُوم) بضم الكاف، والمثلثة، هي بنت فاطمةَ بنتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وُلدتْ في حياته - صلى الله عليه وسلم -، خطبها عُمَر إلى عَلِيٍّ - رضي الله عنهما - فقال له: أنا أبعثها إليك فإن رضيتَها فقد زوجتُكَها، فبعثها إليه بِبُرْد، فقال لها: قولي له: هذا البُرْدُ الذي قلتُ لك، فقالت ذلك لعُمَرَ، فقال لها: قولي له: قد رضيتُ رضي الله عنك ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟! لولا أنك أميرُ المؤمنين لكسرتُ أنفك؛ ثم

67 - باب مداواة النساء الجرحى في الغزو

جاءت أباها فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخِ سوءٍ، قال: يا بنية! إنه زوجُك. (أُم سَلِيط) بفتح المهملة وكسرِ اللام، وإهمالِ الطاء. (تزفر) بالزاي، والفاءِ، أي: تحمل، والزِّفر -بالكسر- الحِمْل، والفعل منه زَفِرَ وأزفر، وروى المُسْتَمْلِيُّ: قال أبو عَبْدِ الله: (تزفر، أي: تخيط)، قال (ع): وهو غير معروف في اللغة. * * * 67 - بابُ مُدَاوَاةِ النِّسَاءِ الْجَرْحَى فِي الْغَزْوِ (بابُ مداواةِ النساءِ الجرحى في الغزوِ) 2882 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَسْقِي، وَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنَرُدُّ الْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ. (ونداوي)؛ أي: من غيرِ مَسِّ بَشَرَةِ الأجنبي إلا عند الحاجة. وفيه خروج النساء في الغزو، والانتفاعُ بهن في السَّقْيِ ونحوِه. * * *

68 - باب رد النساء الجرحى والقتلى

68 - بابُ رَدِّ النِّسَاءِ الْجَرْحَى وَالْقَتلَى 2883 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: كنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ. (بابُ ردِّ النساءِ الجرحى والقتلى إلى المدينة) معنى الحديث فيه عُرِفَ مما سبق، وزيادة الرَّدِّ فيه ظاهرةٌ، ومعنى رَدِّ القتلى؛ أي (¬1): إلى مواضعِ قبورهم. * * * 69 - بابُ نَزْعِ السَّهْمِ مِنَ الْبَدَنِ (بابُ نَزْعِ السَّهم من البَدَن) 2884 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبَو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: رُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَانتهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: انْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ". ¬

_ (¬1) "أي" ليس في الأصل.

70 - باب الحراسة في الغزو في سبيل الله

(أبو عامر) هو عَمُّ أبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، واسمه عُبَيد بنِ سُلَيم -بضم المهملة- الأشْعَرِي، كان من أكابرِ الصحابة، قُتِل يومَ أَوْطَاس. (فنزا منه الماء) يقال: نزا دمُه ونزف: إذا جرى ولم ينقطع. (فأخبرته)؛ أي: بقتِله، فرفع يديه يدعو له. * * * 70 - بابُ الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللهِ (بابُ الحراسةِ في الغزو) 2885 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، تَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَهِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: "لَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي الليْلَةَ"، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلاَحٍ فَقَالَ: "مَنْ هَذَا"؟ فَقَالَ: أَناَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، جِئْتُ لأَحْرُسَكَ، وَناَمَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. الحديثُ الأولُ: (يحرسني) وذلك إما قبل نزولِ آيةِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ

النَّاسِ} [المائدة: 67]، وإِمَّا أنَّ المرادَ بالعصمة في الآية من فتنةِ الناس وإضلالِهم. * * * 2886 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخبَرَناَ أَبُو بَكرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَم وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ". لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ. الثاني: (تعس) قال (ن): فتحُ العينِ وكسرُها لغتان، واقتصر الجَوْهَرِيُّ على الفتح و (ع) على الكسرِ، وهو مقتضى كلامِ "النهاية" أنه الأَعْرَف، معناه: عَثَرَ، وقيل: هلَك، وقيل: سقط على وجهه. (عبد الدينار) مجازٌ عن حرصِه عليه، وتَحَمُّل الذلة لأجله. (والقطيفة) دِثَارٌ مُخْمَلٌ. (والخميصة) كساءٌ مُرَبَّع، له أعلام وخطوط. (لم يرفعه إسرائيل)؛ أي: لم يرفعِ الحديثَ عن أبي حُصَيْن، بل وقفه عليه. * * *

2887 - وَزَادَناَ عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَم وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانتكَسَ، وإذَا شِيكَ فَلاَ انتقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي حُصِينٍ، وَقَالَ: تَعْسًا، كَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمُ اللهُ. طُوبَى: فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ، وَهْيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الْوَاوِ، وَهْيَ مِنْ: يَطِيبُ. (وانتكس) قال ابن السِّكْيت: التَّعْسُ: أن يُجَرَّ على وجهه، والنَّكْسُ: أن يُجَرَّ على رأسه. قال ابن فَارِسٍ: يقال: تَعْسًا له ونُكسًا، وقد تُضم التاء من (تعسًا). (شيك): أصابتْه الشوكةُ. (انتقش)؛ أي: فلا يقدِرُ على إخراجِها وهو القاف، أي: خرجت بالمِنْقاش يقال: نَقَشْتُ الشوكَ، أي: أخرجتُه. قال ابن قُتَيبَةَ: وسمعتُ من يرويه بالعين بدلَ القاف، أي: ارتفع، يقال: نعشتُ الرجلَ وأنعشته، أي: رفعتُه من عَثْرَتِهِ،

71 - باب فضل الخدمة في الغزو

ولا معنى له مع ذكر الشوكة. (أشعث) صفةٌ لـ (عبد). (رأسه) فاعلُه، وفي بعضها برفعِ (أشْعَثُ). (ساقة)؛ أي: مُؤخِّرة، واتحاد جواب الشرط مع الشرط كما في حديث: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله"، أي: في تعظيمِ ذلك، أي: مَن كان في السَّاقة فهو في أمر عظيم، أو المراد منه لازمه، أي: فعليه أن يأتي بِلَوَازِمَه، ويكون مشتغلًا بِخُوَيْصَةِ علمِه، أو فَلَهُ ثوابُه. (يُشَفَّع) بالتشديد، أي: تُقْبَل شفاعتُه. * * * 71 - بابُ فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي الْغَزْوِ (بابُ فضلِ الخدمةِ في الغزوِ) 2889 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَاجِعًا، وَبَدَا لَهُ أحُدٌ قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ"، ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا كتَحْرِيم

إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فِي صَاعِنَا وَمُدِّناَ". الحديثُ الأول: (يحبنا)؛ أي: أهلُه، وهم سكان المدينة، يريد الثناءَ على الأنصار وحبَّهم له - صلى الله عليه وسلم -، وحبَّه لهم، أو أنه حقيقة خلق الله في الجَبَل المحبة، والله على كل شيء قدير. (لابتيها)؛ أي: الحَرَّتين اللتَين تَكْتَنِفانها، والتشبيه في التحريم فقط، لا في وجوبِ الجَزاء ونحوِه. (بارك لنا في صاعنا) قال (خ): في الطعام الذي يُكال بالصِّيعان، والأَمْدَاد: دعا لهم بالبركة في أقواتِهم. * * * 2890 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَريَّاءَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أكثَرُناَ ظِلًّا الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ". الحديث الثاني: (الركاب): الإبِل التي يُسار عليها. (وامتهنوا) الامتهانُ: الخِدمة والابتذال.

72 - باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر

(وعالجوا)؛ أي: نزلوا للطبخ ونحوه. (بالأجر)؛ أي: الأكْمَل؛ لأن نفعَهم مُتَعد بخلاف الصائمين، فإنَّ نَفْعَ صومِهم قاصرٌ على أنفسهم. * * * 72 - بابُ فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ فِي السَّفَرِ (بابُ فَضْلِ مَن حملَ متاعَ صاحبِه في السفر) 2891 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". (سُلامَى) بضم المهملة، وخِفَّةِ اللام، وفتح الميم، مقصورٌ: عِظام الأصابع، وقيل: كلُّ عظْمٍ في البدن. (كُلَّ) منصوبٌ على الظرفية. (يُعين) خبرُ المبتدأ، ومَرَّ في (الصلح). (خطوة) بفتح الخاء: المَرَّة، وبالضمِّ: ما بين القدمين.

73 - باب فضل رباط يوم في سبيل الله

(ودَلُّ) بفتح الدال، أي: دِلالة، ولم يذكر الجَوْهَرِيُّ في المصدر إلا: دلالة ودَلُولة. * * * 73 - بابُ فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. (باب فضلِ رِباط يومٍ في سبيل الله) الرِّبَاط: المُرابَطة وهي ملازَمة ثَغْر العَدُوِّ، ورباطُ الخيل: مرابطها. 2892 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا". (وما عليها) عَدَلَ عن (فيها)؛ لأن الاستعلاءَ أعمُّ من الظرفية وأقوى، فقَصْدُه لزيادة المبالغة. * * *

74 - باب من غزا بصبي للخدمة

74 - بابُ مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ للْخِدْمَةِ (باب من غزا بصبي للخدمة) 2893 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَبِي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ"، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي، وَأَناَ غُلاَمٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ"، ثُمَّ قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فتحَ اللهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءَ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ"، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فتضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ، فَسِرْناَ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ"، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي

أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ". (يَخْدُمُني) بالجزم، والرفع. (رَاهَقْتُ الحُلُمَ)؛ أي: قاربتُ البلوغَ. (اللهم)؛ أي: فيما يتوقع. (والحَزَنِ) هو بمعناه، لكن فيما مضى؛ قاله (خ). قال: وكثيرٌ مَن لا يفرِّق بينهما. (ضَلَع) بالمعجمة، واللامِ المفتوحتَين، ثم مهملَة: الثِّقَل، وأمر مُضلِع؛ أي: مُثقِل. (وغلبة الرجال) هي الهَرْج والمَرْجُ. (عروسًا) في إطلاقِه على المرأة رَدٌّ على مَن قال: أنه نعتٌ للرجل، فقد نصَّ الخَلِيْلُ: أنه نعت لهما ما داما في تعريسِهما أيامًا. (الصهباء) بفتح المهملةِ، وإسكانِ الهاءِ، وبالموحدةِ، والمدِّ: مَوِضعٌ. (حيسًا) هو طعامٌ مُتَّخَذٌ من بُرٍّ وأقط وسَمْنٍ، وقد يُجعَل عِوضَ الأقط دقيقٌ أو فَتِيْتٌ. (نَطْع) بفتح النونِ، وكسرِها، وسكونِ الطاءِ، وفتحِها، أربعُ لغات. (يحوّي) بالمهملة، مِنَ التَّحْوِيَة، وهي أن يكون كساءٌ حول سَنَام

75 - باب ركوب البحر

البعير، ومر الحديث في (الوضوء). * * * 75 - بابُ رُكُوبِ الْبَحْرِ 2894 - و 2895 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمًا فِي بَيْتِهَا، فَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: "عَجبْتُ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أُمَّتِي يَرْكبُونَ الْبَحْرَ، كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: "أَنْتِ مَعَهُمْ"، ثُمَّ ناَمَ، فَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَيَقُولُ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ"، فتزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، فَخَرَجَ بِهَا إِلَى الْغَزْوِ، فَلَمَّا رَجَعَتْ قُرِّبَتْ دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا، فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا. (بابُ ركوبِ البحر) فيه حديث أُمِّ حَرَام، سبق مراتٍ قريبًا وبعيدًا. * * *

76 - باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب

76 - بابُ مَنِ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْبِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَني أَبُو سُفْيَانَ: قَالَ لِي قَيْصَرُ: سَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ ضُعَفَاءَهُمْ، وَهُمْ أتبَاعُ الرُّسُلِ. (بابُ مَنِ استعان بالضُّعفاء والصالحين) (وقال ابن عباس) سيأتي موصولًا بعدُ بأبواب مطولًا. (قيصر) غيُر منصرفٍ، وهو هِرَقْل. * * * 2896 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَى سَعْدٌ - رضي الله عنه - أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونه، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ"؟ الحديثُ الأول: (فضلًا)؛ أي: بسبب غناه وكثرةِ ماله، ففيه أن نصرة السلاطين

وأرزاق الملوك [لا تكون] إلا (¬1) ببركة الفقراء والمساكين، وزاد النَّسَائيُّ في روايته بعد: (إلا بضعفائِكم؛ بصومِهم وصلاتهم ودعائهم) من جهة أن عبادة الضعفاء أشدُّ إخلاصًا؛ لِخَلاء قلوبهم عن التعلق بالدنيا وصفاءِ ضمائرهم عما يقطعهم عن الله، فجعلوا همَّهم واحدًا، فَزَكَتْ أعمالهم، وأُجيبَ دعاؤُهم. * * * 2897 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَأتِي زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيُقَالُ: نعمْ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَأتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيُقَالُ: نعمْ، فَيُفْتَحُ، ثُمَّ يَأتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيُقَالُ: نعمْ، فَيُفْتَحُ". الثاني: (فِئام) بكسرِ الفاء: الجماعةُ من الناس لا واحدَ له من لفظه، وقيل: بفتح الفاء. * * * ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ.

77 - باب لا يقول: فلان شهيد

77 - بابٌ لاَ يَقُولُ: فُلاَنٌ شَهِيد قَالَ أبو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، اللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ". (باب: لا يُقال: فلان شهيد) قيل: ليس فيما أورده من الحديثِ من معنى الشهادة شيءٌ، وإنما فيه ضدها، والمعنى المترجَم له إنما هو لمَّا قالوا: ما أَجزَأَ أحدٌ ما أجزأ فلانٌ، يمدحون فضله وغناه، فأوحى اللهُ إليه بغيبِ مَاَلِ أمرِه، حتى لا يشهدوا لأحد شهادةً قاطعة. (قال أبو هريرة) موصول في: (الجهاد). (يُكْلَم)؛ أي: يُجرَح. * * * 2898 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ لاَ يَدعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"،

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَناَ صاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: "وَمَا ذَاكَ"؟ قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَناَ لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "إِنَّ الرجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (رجل) اسمه: قزْمَان بضمِّ القافِ، وسكونِ الزاي، وبالنون، وهذا في عِدَاد المنافقين، وكان قد غاب يوم أُحُد، فَعَيَّرَه الناس، فخرج، وقاتَل، وبالَغ. (شاذة ولا فاذة) نعتٌ لمحذوف، أي: نسَمة، أو نَفْسًا شاذةٌ، ويحتمل أن يكون للمبالغة كعلَّامة، والشاذة: ما شذت على صواحبِها، وكذا الفاذَّة التي انفردت، فوصَفَه بأنه لا يُبقي شيئًا إلا أتى عليه، وقيل: ما صَغُر وما كبر، وقيل: الشَّاذَّة مَن كانت في القوم، ثمَّ قربت منهم، والفاذَّة: من لم تختلطْ معهم أصلًا.

78 - باب التحريض على الرمي

(وذبابه) طَرَفُه، وقيل: حَدُّه. (ثدييه) قال ابن فارِسِ: الثديُ للمرأة، وأمَّا للرجل فيقال: ثُنْدُؤة، مهموزٌ إذا ضُمَّ أولُه، ومفتوحٌ إذا لم يُضَم. (تحامل)؛ أي: مَالَ، والتَّحامُل تَكلُّفُ الشيءِ بمشقة. (آنفًا) بمد الهمزة، أي: الساعةَ، وحكمُه - صلى الله عليه وسلم - بأنه من أهل النار ليس لِقَتْل نفسِه، فإن ذلك كبيرة، وهي لا تُوجب كُفرًا ولا تخليدًا في النار، وإنما عَلِمَ - صلى الله عليه وسلم - أنه كافرٌ بوحي، أو عَلِم أنه اسْتَحَلَّ قتلَ نفسه، فيكون مرتدًا، أو أنَّ المرادَ بكونه من أهل النار: أنه من العُصاة الذين يدخلون النار، ثم يخرجون منها، ففيه أن العِبْرةَ بالخاتمة وبالنية، وأنَّ الله يؤيدُ هذا الدِّيْنَ بالرجل الفاجر؛ نعم، قولُه: (فيما يبدو للناس) فيه ما يرفع الإشكالَ، وقد ذكر الخَطِيْبُ في "كتاب الفَصْل": أبو سَعِيد مرفوع، وما بعده من كلام ابن مَسْعُود، ثم رواه كذلك متصلًا. * * * 78 - بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ وَقَوْلِ اللهِ تَعالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.

(باب التحريضِ على الرميِ) (من قوة)، القوةُ: الرميُ. * * * 2899 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأكوَعِ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكمْ كانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَناَ مَعَ بَنِي فُلاَنٍ"، قَالَ: فَأمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ"؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْمُوا، فَأناَ مَعَكُمْ كلِّكُمْ". الحديث الأول: (أسلم) قبيلةٌ. (ينتصلون)؛ أي: يترامون بالنِّصَال، وهي السهام. (بني إسماعيل) منادى، أي: يا بَني. (أباكم)؛ أي: إِسْمَاعِيل بن إبْرَاهِيْمَ صلى الله عليهما وسلَّم، وهو أبو العَرَبِ. قال (خ): فيه دليلٌ أنَّ أهلَ اليَمَن من وَلَدِه، انتهى. قال عَمْرو بنُ بَحْرٍ: فلا يصح ذلك، ولا يُمكن أن يريدَ يا بني

إِسْمَاعِيل: بُنُوَّةَ القُوَّة؛ لأنهم رَموا مثلَ رَمْيِهِ، أو نحوِ ذلك. (كُلكم) بالجرِّ تأكيدٌ للضمير المجرور، وإنما كان مع الكلِّ وأحدُهما غالبٌ، والآخَرُ مغلوبٌ؛ لأنَّ المرادَ مَعِيَّةُ القصد إلى الخير وإصلاحِ النية، والتدريب فيه لأجل القَتل. * * * 2900 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أسُيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفْنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لنا: "إِذَا أكثبوكم فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ". الحديث الثاني: (صففنا) قال (خ): في بعض النُّسخ: (أَسْفَفْنا)، ومعناه: القُرب منهم، من أَسَفَّ الطائرُ -بالسين المهملةِ- (¬1) في طيرانه: إذا انحطَّ إلى أن يُقارِب وجهَ الأرض، ثم يطير صاعدًا. (أكثبوكم) بمثلثة، ثم موحَّدَةٍ، يقال: كَثَبَ وأَكْثَب: إذا قَارَبَ، والكثيبُ القُرب، والهمزة فيه للتعدية؛ فلذلك عَدَّاها إلى ضميرهم، وقيل معناه: تحامَلوا عليكم وتَكاثروا، وذلك أن النُّبل إذا رمى الجمع لم يُخْط، ففيه رَدْعٌ لهم. * * * ¬

_ (¬1) "بالسين المهملة" ليس في الأصل.

79 - باب اللهو بالحراب ونحوها

79 - بابُ اللَّهْوِ بِالْحِرَابِ وَنَحوِهَا (بابُ اللهوِ والحِراب) جمعُ حَرْبَة. 2901 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِحِرَابِهِمْ دَخَلَ عُمَرُ، فَأهْوَى إِلَى الْحَصَى فَحَصَبَهُمْ بِهَا، فَقَالَ: "دَعْهُمْ يَا عُمَرُ". وَزَادَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ: فِي الْمَسْجدِ. (فأهوى)؛ أي: قَصَدَ. (فحصبهم)؛ أي: رماهم بالحَصْباء. (زادني علي)؛ أي: ابنُ المَدِينيِّ، ومرَّ في رواية أبي ذَرٍّ عن المُسْتَمْلِيِّ: (زادنا). * * * 80 - باب الْمِجَنِّ وَمَنْ يَتَتَرَّسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ (بابُ المِجْنِ) بكسر الميم؛ أي: التُّرْس. (فتترس) ويروى: (يَتْرُس)، بتاءٍ واحدة، أي: يستر.

2902 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يتترَّسُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِتُرْسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فَكَانَ إِذَا رَمَى تَشَرَّفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضعِ نبلِهِ. الحديث الأول: (تُشرّف)؛ أي: تَطَلَّع عليه من فوق، واستشرفَ الشيءَ: إذا رفع البصرَ ينظر إليه. * * * 2903 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: لَمَّا كُسِرَتْ بَيْضَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَأْسِهِ وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيتهُ، وَكَانَ عَلِي يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ، فَأحْرَقَتْهَا وَألصقَتْهَا عَلَى جُرْحِهِ، فَرَقَأ الدَّمُ. الثاني: (رباعيته) هي بوزن ثمانيةٍ، السِّنُّ التي بين الثنيَّة والنَّابِ،

والفاعل لذلك عُتبةُ بنُ أبي وَقَّاصٍ أخو سَعْد لعنه الله، ورماه ابن قَمِئَةَ بها فقال: خذها وأنا ابنُ قَمئَة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أَقْمَأكَ اللهُ في النار) فدخل بعد ذلك صَيرَة غَنَمٍ، فنطحَه تَيْسٌ منها، فَذَرَاهُ؛ فلم يُرَ له مكان. (يختلف)؛ أي: يذهب فيه بالماء مرة بعد أُخرى. * * * 2904 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بقِيَ فِي السِّلاَح وَالْكُرَاعِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ. 2905 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِي. حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه -، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُفَدِّي رَجُلًا بَعْدَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وأُمِّي".

الحديثُ الثالثُ: (يوجف) الإيجاف: الإسراعُ في السَّيْرِ، أي: لم يعملوا فيه سعيًا لا بالخَيل ولا بالإبل. (والكراع) هي الخيل. (عُدة)؛ أي: استعداد، فكلُّ ما بعده مِن سلاح ونحوِه. (يفدّى) مِنْ فَدَاهُ: إذا قال له: جُعِلْتُ فداك، أو نحوَ ذلك. (فِداك) بكسرِ الفاءِ، والمدِّ، والقصرِ، فإن فَتَحتَ الفاءَ فالقَصْرُ فقط. قال (خ): التَّفْدِيَةُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاءٌ، وأدعيتُهُ خليقةٌ أن تكونَ مستجابةً، وقد يُوهم هذا القولُ أن فيه إزراءٌ بحق الوالدَين، وإنما جاز ذلك لأنهما ماتا كافرين، وسَعْدٌ مسلمٌ ينصر الدينَ، ويقاتِل الكفارَ، فتَفْدِيَتُه بكلِّ كافرٍ غيرُ محذور. قلت: لا يخفى ما في هذا الكلام من فَضَاضة، وعَدَمُ ذِكْره أَوْلى، لا سيما وقد روي: أنَّ اللهَ تعالى رَدَّ روحَ أبويه فأسلما، وهذا الحصْرُ قد يُعارضه أنه - صلى الله عليه وسلم - فَدَى الزُّبَيْرَ، فلعل عَلِيًّا لم يسمعه؛ ولهذا قال ابن الزَّملْكَانِيِّ: الحقُّ أن حكمة التفدية نُقِلَت بالعُرْف عن وضعها، وصارت علامةً على الرِّضا، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ارمِ مَرْضِيًّا عنك. * * *

81 - باب الدرق

81 - بابُ الدَّرَقِ (بابُ الدَّرق) هو الحَجَفَة، ويقال: هو الترْس الذي يُتخذُ من الجلود. 2906 - حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانتُهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "دَعْهُمَا"، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا. (بِغِناء) بكسر المعجمة، والمدِّ. (بُعاث) بضم الموحدةِ، وخِفة المهملة، وبالمثلثةِ، غيرُ منصرف: يومُ حَرْبٍ بين الأَوْسِ والخَزْرَجِ بالمدينة، وكان كلٌّ من الفريقَين يُنْشِدُ الشِّعرَ، ويَذكر مفاخرَ نفسه. (مزماره) بالهاءِ، والمشهورُ بدونه. * * * 2907 - قَالَتْ: وَكَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَألتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِمَّا قَالَ: "تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ"؟ فَقَالَتْ: نعمْ،

82 - باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق

فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَيَقُولُ: "دُونَكُمْ بَنِي أَرْفِدَةَ"، حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: "حَسْبُكِ"؟ قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "فَاذْهَبِي". قَالَ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: فَلَمَّا غَفَلَ. (أن تنظري) في بعضها: (تنظرين) بالنون، وذلك جائز. (دونكم) إغراءٌ. (بني أرْفدة) بفتحِ الفاءِ، وكسرِها: لقبٌ، نوعٌ من الحَبَشَة يرقصون، وسبق الحديث أولَ (كتاب العيد). (قال أحمد)؛ أي: ابْنُ وَهْبٍ، موصول في (العيد). (غفل)؛ أي: بدلَ عَمِلَ (¬1)، ومعناه: اشتغل بعملٍ غيرِ ذلك. * * * 82 - بابُ الْحَمَائِلِ وَتَعْلِيقِ السَّيْفِ بِالْعُنُقِ (بابُ الحَمَائل) جمع حِمَالَة، وهي عَلَّاقة السيف. 2908 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ ¬

_ (¬1) أي بدل من لفظ "عمل" الوارد في الحديث الذي قبل هذا، حيث ورد في "اليونينية" على هامش الحديث (2906) رواية: (عمل) بدل (غفل).

83 - باب حلية السيوف

النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدِ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ، وَهْوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهْوَ يَقُولُ: "لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا"، ثُمَّ قَالَ: "وَجَدْناَهُ بَحْرًا"، أَوْ قَالَ: "إِنَّهُ لَبَحْرٌ". (استبرأ)؛ أي: حَقَّقَ الخبرَ. (لم تراعوا) قال (خ): أي: لا تخافوا، والعربُ تُوْقِعُ (لَمْ) موقِعَ (لا)، إذ تقديرُه: لم يكن خوفٌ فَتُرَاعُوا. (بحرًا)؛ أي: واسِعَ الجَرْيِ كماءِ البحر، أو أنه يسبَح في جَرْيه كما يسبح ماءُ البحر إذا رَكب بعضُ أمواجه بعضًا. * * * 83 - بابُ حِلْيَةِ السُّيُوفِ (بابُ ما جاء في حِلْيَة السيف) حِليَة: بكسر الحاء وضمِّها. 2909 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: لَقَدْ فتحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيةُ سُيُوفِهِمِ الذَّهَبَ وَلاَ الْفِضَّةَ، إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيتُهُمُ الْعَلأَبِيَّ وَالآنُكَ وَالْحَدِيدَ.

84 - باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة

(العَلابي) بفتحِ المهملةِ، وبالموحَّدةِ، جمعُ علباء: عَصَبٌ في العُنُق يؤخذ من البعير ويُشقَّق، ثم يُشَدُّ به أجفانُ السيف، أي: أسفلَ الغمْدِ، وأعلاه يُجعل موضعَ الحلية؛ والعَلابي أيضًا جنسٌ من الرصاص، ولذلك قُرن بالآنُكِ، حكاه القَزَّازُ. (والآنُك) بالمدِّ، وضمِّ النونِ: الرصاصُ، وهو واحدٌ لا جمع له، وهو من الشواذ أن يأتيَ مفردًا بوزن أَفْعُل الذي هو جمعٌ، قيل: لم يجيءْ منه إلا هذا، والآشُد. * * * 84 - بابُ مَنْ عَلَّقَ سَيْفَهُ بِالشَّجَرِ فِي السَّفَرِ عِندَ الْقَائِلَةِ (بابُ مَن علَّق سيفَه بالشجر) 2910 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإذَا

85 - باب لبس البيضة

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوناَ وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَناَ ناَئِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا"، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: "اللهُ" ثَلاَثًا، وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ. (قَفلَ)؛ أي: رَجَعَ. (القائلة)؛ أي: الظهيرةَ، وقد يكون بمعنى النومِ في الظهيرة. (العضاه) بوزن شِيَاه، كلُّ شجرٍ يَعظُم وله شوك. (سَمُرة) بضم الميمِ، واحدةُ السَّمُر. (أعرابي) اسمه: غوْرَث بفتحِ المعجمة، وسكونِ الواوِ، وفتحِ الراءِ، وبالمثلثةِ، ابن الحَارث، ذكرَه البُخَارِيُّ في (المغازي). (اخترط)؛ أي: سَلَّ. (صَلْتًا) بفتحِ المهملة، وسكون اللام: المجردُ عن الغمد، ونصبه على المصدر. (وجلس) هو حالٌ من المفعول. * * * 85 - بابُ لُبْسِ الْبَيْضَةِ (بابُ لبْسِ البَيضة) 2911 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي

86 - باب من لم ير كسر السلاح عند الموت

حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- تَغْسِلُ الدَّمَ وَعَلِيٌّ يُمْسِكُ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الدَّمَ لاَ يَزِيدُ إِلَّا كثْرَةً أَخَذَتْ حَصِيرًا فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا ثُمَّ أَلْزَقَتْهُ، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ. (وهشمت) الهَشْمُ: كَسْر الشيء اليابس، ومرَّ الحديث في آخر (الوضوء). * * * 86 - بابُ مَنْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلاَحِ عِندَ الْمَوْتِ (بابُ مَن لم يرَ كَسْرَ السلاح عند الموت) 2912 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: مَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا سِلاَحَهُ وَبَغْلَةً بَيضَاءَ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً. (عباس) عَبَّاس بموحدةٍ، ومهملَتين. قالوا: كَسْرُ السلاح تضييعٌ للمال، وحرمته ظاهرة، فما الفائدة

87 - باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر

في ترجمته به؟ وأُجيب: بأن المرادَ بالكسر البيعَ، والحديث يدلُّ عليه حيث كان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينٌ، ولم يبع سلاحه لأجل الدَّين. * * * 87 - بابُ تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنِ الإِمَامِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وَالاِسْتِظْلاَلِ بِالشَّجَرِ (بابُ تَفرُّقِ الناسِ عن الإمام عند القَائِلةِ) 2913 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأدْرَكتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ثُمَّ ناَمَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهْوَ لاَ يَشْعُرُ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي"، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ: "اللهُ"، فَشَامَ السَّيْفَ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ، ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ. (فشام)؛ أي: أَغْمَدَ، وقيل: سَلَّه، وقيل: نظر إليه؛ من شيم السحاب، فهو من الأضداد، وكأنه -أعني الأعرابيَّ- انصرفَ عَمَّا هَمَّ

88 - باب ما قيل في الرماح

به إلى النَّظر إلى جودة السيفِ. (فها هو ذا جالس) بالرفعِ عند الجمهورِ على جَعْلِ (ذا) مِن صلةِ (ها) فيكونُ (جالسٌ) خبرَ المبتدأ، وقال السُّهَيلي: خبرٌ بعد خبرٍ، أو بدلٌ، أو خبرُ مبتدأ محذوف، أو خبرُ مبتدأ مُضمَر و (ذا) بدلٌ من (هو)، و (جالس) الخبر، ويُروَى بالنصب على الحال على جَعْل (ذا) خبرَ المبتدأ، كما تقول: هذا زيدٌ قائمًا. * * * 88 - بابُ مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي". 2914 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهْؤَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ، فَأبَوْا، فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ، فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأكلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبَى بَعْضٌ، فَلَمَّا

أَدْرَكوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: "إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا الله". وَعَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ"؟ (بابُ ما قيلَ في الرِّماح) (ويذكر عن ابن عُمر) وصلَه أبو دَاوُدٍ، وهو في "مُسنَد عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ"، وله شاهدٌ في "مصنَّف ابن أبي شَيْبَةَ"، مرسَلٌ لكن بإسنادٍ حسَنٍ. (ظل رمحي)؛ أي: رِزْقي من الغَنيمة. (والصغار) بفتح الصاد: الدلُّ والضَّيْم. حديث أبي قتادَةَ مرَّ في: (جَزاء الصيد) وغيرِه. * * *

89 - باب ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب

89 - بابُ مَا قِيلَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَمِيصِ فِي الْحَرْبِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ". (بابُ ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم -) (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) هو طَرَفٌ من حديث أبي هُرَيْرَةَ المُتَقدِّمِ في (الزكاة). * * * 2915 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي قُبَّةٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ"، فَأخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ ألْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهْوَ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}. وَقَالَ وُهَيْبٌ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ: يَوْمَ بَدْرٍ. الحديث الأول: (أنْشُدك) بضمِّ المعجمة، أي: أَطلبُك، ونَشَدْتُكَ الله، أي: سألتكَ بالله، كأنك ذَكَّرتَه إياه. (عهدك)؛ أي: في نحوِ قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا

الْمُرْسَلِينَ} الآية [الصافات: 171]. (ووعدك)؛ أي: في قولِه تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: 7]، ولأَبِي زَيْدٍ: (اللهمَّ إني أسألكَ إنجازَ وَعْدِكَ وإتمامَه بإظهار دِينِكَ). (إن شئت) مفعولُه محذوفٌ، وهو نحوُ هلاكِ المؤمنين، أو يقال: (لم تعبد) في حكم المفعول، أي: إن شئتَ أن لا تعبدَ، والجزاءُ محذوف، هذا تسليمٌ لأمر الله، وهو رَدٌّ على المعتزلة القائلين: إن الشرَّ غيرُ مرادِ الله. (حسبك)؛ أي: يكفيكَ. (ألححت)؛ أي: أطلتَ الدعاءَ وبالغْتَ فيه، روي: أنه - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى المشركين وهم ألف، وإلى الصحابة وهم ثلاثُ مئةٍ، فاستقبل ومَدَّ يديه وقال: "اللهم أنجزْ لي ما وعدتَني، اللهم إن تُهلِك هذه العصابةَ فلا تُعْبَد في الأرض"، فما زال كذلك حتى سقطَ رداؤُه، وأخذ أبو بكرٍ - رضي الله عنه - فألقاه على مِنكَبَيه، والتزمه مِن ورائه، وقال: يا نبيَّ الله كفاكَ مُناشدتُك ربك، فإنه سيُنْجِزُ لك ما وَعدَكَ. قال (خ): قد يُشكِل معنى الحديثِ على كثيرٍ، وذلك إذا رأوا نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - يناشد ربَّه في استنجاز الوعد، وأبو بَكْرٍ يُسَكِّن منه، فيتوهمون أنَّ حالَ أبي بَكْرٍ بالثقة بربِّه والطمأنينةِ إلى وعده أرفعُ من حاله، وهذا لا يجوز قطعًا؟ فالمعنى في مناشدته - صلى الله عليه وسلم - ربَّه -عز وجل- وإلحاحَه في الدعاء: الشفقةُ على قلوب أصحابه وتقويتُهم، إذ كان ذلك أولَ

مشهدٍ شهدوه في لقاء العدو، وكانوا في قِلَّةٍ في العَدَدِ، فابتهلَ بالدعاء، وألحَّ؛ لِيُسَكِّنَ ذلك ما في نفوسهم، إذ كانوا يعلمون أن وسيلتَه مقبولةٌ، ودعوتَه مستجابةٌ، فلمَّا قال له أبو بَكْرٍ مقالتَه كَفَّ عن الدعاء، أو علم أنه استجيب دعاؤه بما وجدَه أبو بَكْرٍ في نفسه من القوة والطمأنينة، حتى يقالَ له ذلك القول، ويدل عليه تمثيلُه بقوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45]. * * * 2916 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تُوُفِّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدِرْعُهُ مَرْهُونةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. وَقَالَ يَعْلَى: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ: دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ. وَقَالَ مُعَلًّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، وَقَالَ: رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. الحديث الثاني: سَبَق في (باب السلم). * * * 2917 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطَرَّتْ

90 - باب الجبة في السفر والحرب

أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفَى أثَرَهُ، وَكلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ"، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلاَ تَتَّسِعُ". الثالث: (جبتان) بموحَّدَة. (تُعْفى)؛ أي: تمحو، وعفت الريحُ المنزلَ، أي: دَرَسَتْه، والمرادُ أنَّه يسترُ أسافلَه كلَّها. (تقلصت)؛ أي: انْزَوَتْ، وانضمَّت. (يقول) قال هذا مع أن أبا هُرَيْرَةَ قد سمع الحديثَ كلَّه من النبي - صلى الله عليه وسلم - للدلالةُ على الاستمرار والمكرر بـ (يقول)، فلعله - صلى الله عليه وسلم - كررها دون أخواتها، وسبق الحديثُ في (الزكاة) مشروحًا في (بابِ مَثَلُ المتصدق). * * * 90 - بابُ الْجُبَّةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرْبِ 2918 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمٍ -هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ-، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَتِهِ ثُمَّ

91 - باب الحرير في الحرب

أَقْبَلَ، فَلَقِيتُهُ بِمَاءٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَاناَ ضَيِّقَيْنِ، فيخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتُ، فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ. (بابُ الجُّبَّةِ في السفرِ والحرب) سبق الحديث بشرحه مراتٍ في (الطهارة) وغيرِها. * * * 91 - بابُ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ (بابُ الحرير في الحرب) بمهمَلة، ويروى بجيمٍ وراءٍ مفتوحتين، وأحاديثُ الباب تشهد لكلٍّ منهما. 2919 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتَادَةَ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصٍ مِنْ حَرِيرٍ، مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا. 2920 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -يَعْنِي: الْقَمْلَ-

فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ. 2921 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، أَخْبَرَني قَتَادَةُ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، قَالَ: رَخَّصَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي حَرِيرٍ. الحديثُ الأولُ: (شكوا) في بعضِها: (شَكَيْنا). الثاني: (القمل) لا ينافي ما في الحديث الأول: (الحكَّة)، فالترخيصُ من أجل كلٍّ منهما تفرُّقًا واجتماعًا. * * * 2922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: سَمِعْتُ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ: رَخَّصَ، أَوْ رُخِّصَ لِحِكَّةٍ بِهِمَا. الثالث: (أو رخص) بالبناء للمفعول، أي: فَشَكَّ الراوي هل هو كذلكَ أو بالبناء للفاعل؟ * * *

92 - باب ما يذكر في السكين

92 - بابُ مَا يُذكَرُ فِي السِّكِّينِ 2923 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ مِنْ كَتِفٍ يَحْتَزُّ مِنْهَا، ثُمَّ دُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ. حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ: فَأَلْقَى السِّكِّينَ. (بابُ ما يُذكَر في السِّكين) سبق الحديث فيه في (بابِ: مَن لم يتوضأ من لحم الشاة). * * * 93 - باب مَا قِيلَ فِي قِتالِ الرُّومِ 2924 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ: أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَهْوَ ناَزِلٌ فِي سَاحِلِ حِمْصَ، وَهْوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثتنَا أُمُّ حَرَامٍ: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ

94 - باب قتال اليهود

الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا"، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَناَ فِيهِمْ؟ قَالَ: "أَنْتِ فِيهِمْ"، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ"، فَقُلْتُ: أَناَ فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لاَ". (بابُ ما قيلَ في قتال الرُّوْمِ) حديث أُم حَرَامٍ سَبَق كثيرًا. (قد أوجبوا)؛ أي: المغفرةَ والرحمةَ لأنفسهم بأعمالهم الصالحة. (لا)؛ أي: لأَنَّكَ من الأوَّلين. * * * 94 - بابُ قِتالِ الْيَهُودِ 2925 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِيَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ، فَتقُولُ: يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ". 2926 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ ابْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ! هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".

95 - باب قتال الترك

(بابُ قتالِ اليهودِ) أي: عند نزولِ عِيْسَى بْنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم -، وتكونُ اليهود مع الدَّجَّال، فيه حديثانِ في قتال اليهود ومعناهما واضحٌ؛ ولذلك أهْمَلَ ترجمتَهما (ك). * * * 95 - بابُ قِتالِ التُّرْكِ (بابُ قتالِ التُّرْكِ) 2927 - حَدَّثنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنتعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ، وَإِنَّ مِنْ أَشْراطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِراضَ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ". الحديث الأول: (من أشراط الساعة)؛ أي: علاماتِها. (الشعْر) بسكون العين. (المجانَّ) بفتح الميمِ، وتشديدِ النونِ، واحدها مِجنٌ، وهو التُّرس، وهو بوزن مَفَاعِل كمساجد. (المُطْرَقة) بضمِّ الميمِ، وسكونِ المهملة، وفتح الراء، بلفظ

المفعول، أي: يُطرَّق بعضُها فوق بعض فخُرزت به، وطَارَقَ الرجلُ بين الثوبين: إذا لبس أحدَهما على الآخَر، وبَيْن النعلين: خَصَفَ أحدَهما فوق الأُخرى، وحاصله أنه يجعل في الدُّرقة طاقةً فوق طاقة، وهكذا رواه بعضُهم بتشديد الراءِ للتَّكثير، ويُعْزَى لأبي ذَرٍّ. قال البَيْضَاوِيُّ: شبَّهَ وجهَهم بالتُّرس لِبَسْطِها وتدويرِها، وبالمُطْرَقة لِغِلَظِها وكثرةِ لحمها. * * * 2928 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثنَا أَبِي، عَنْ صَالحٍ، عَنِ الأَعْرَج، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطرَقَةُ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ". الحديثُ الثاني: (ذُلف) بالمعجمة المضمومةِ، جَمْعُ أَذْلَفَ، وهو صِغَر الأنف مستوي الأَرْنبَة، وقال (خ): الذُّلْف: قِصَرُ الأنف وانبطاحه، وقال ابنُ فارِسٍ: الذُّلْف: الاستواءُ في طرف الأنف. (الأنوف) جمعُ أنف في الكثرة، وفي القِلَّة أُنُف، وكذا رواه القَزَّازُ. * * *

96 - باب قتال الذين ينتعلون الشعر

96 - بابُ قِتَالِ الَّذِينَ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ 2929 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطرَقَةُ". قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ فِيهِ أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً: "صِغَارَ الأَعْيُنِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ". (بابُ قتالِ الذين ينتعلون الشَّعر) عُرِف معنى الحديث فيه مما سبق. * * * 97 - بابُ مَنْ صفَّ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ وَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ واسْتَنْصَرَ (بابُ مَن صَفَّ أصحابَه عند الهزيمة) 2930 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أكُنتمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟

قَالَ: لاَ، وَاللهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ بِسِلاَحٍ، فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً، جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ، مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءَ، وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ، فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ: "أَناَ النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَناَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ" ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ. (ما ولى)؛ أي: ما أدبَرَ. (وأخفافهم) جمع خِفٍّ بكسر المعجمة، يقال: رَجلٌ خفيف وخِفٌّ، يعني: لا سلاحَ معه يُثقِله، ويروى: (أخفاؤهم). (حُسَّرًا) جمِع حاسِرٍ، وهو الذي لا سلاح معه، وقيل: الذي لا دِرْعَ له ولا مِغْفرَ. (ليس سلاح)؛ أي: لهم، فالخبر محذوف، وفي بعض: (ليس بسلاح) فالاسمُ مضمَرٌ، أي: ليس أحَدُهم مُتلبِسًا به. (هوازن) مجرورٌ بالفتحة؛ لأنه غيرُ منصرف. (رَشْقًا) بفتح الراء: الرَّمْيُ. (ما يكاد)؛ أي: من حُسْن إصابتهم في الرمي يسقط لهم سهمٌ في الأرض. * * *

98 - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة

98 - بابُ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بالْهَزِيمَةِ وَالزَلْزلَةِ (بابُ الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة) 2931 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ ناَرًا، شَغَلُوناَ عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ" الحديثُ الأوَّلُ: (هشام) الظاهرُ أنه ابنُ حَسَّان، والمناسبُ لما في (بابِ شهادة الأعمى) أنه ابنُ عُرْوَةَ. (بيوتهم)؛ أي: أحياءٌ. (وقبورهم)؛ أي: أمواتًا، وسبق الحديث في (كتاب المَوَاقيت). * * * 2932 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو فِي الْقُنُوتِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أنْجِ عَيَّاشَ ابْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ

وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ سِنِينَ كسِنِي يُوسُفَ". الثاني: (وطأتك)؛ أي: ضَغْطَتكَ، والمراد لازِمُه، أي: الإهلاكُ. (مضر) غير منصرف، علمٌ للقبيلة. (سنين) منصوبٌ بقوله: (اشدد)، أو بتقدير: اجعلْ، أو قدِّر ونحوِه، سَبَقَ أولَ (الاستسقاء). * * * 2933 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -، يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". الثالث: (سريع الحساب) يحتمل سريع حسابه ومجيء وقته، أو سريعٌ في الحساب، ولا ينافي هذا ما وَرَدَ في ذمِّ السَّجَع كَسَجْعِ الكهَّان؛ لأن هذا بلا تكلُّفٍ، ولا قصدٍ، ولا إبطالِ شيء في الشرع، بخلاف ذلك. * * *

2934 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَناَسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَنُحِرَتْ جَزُورٌ بِنَاحِيَةِ مَكَّةَ، فَأَرْسَلُوا فَجَاءُوا مِنْ سَلاَهَا، وَطَرَحُوهُ عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَلْقَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" لأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ ابْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ ابْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ قَتْلَى. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَنسَيتُ السَّابعَ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. وَقَالَ شُعْبَةُ: أُمَيَّةُ أَوْ أُبَيٌّ؛ وَالصَّحِيحُ أُمَيَّةُ. الرابعُ: (فقال أبو جهل)؛ أي: عَمْرُو المَخْزُوْمِيُّ فرعونُ هذه الأُمة، ومفعولُه محذوف يدل عليه الإتيان بالسَّلا، وهو مقصورٌ: الجِلْدة الرقيقة التي فيها الوَلَدُ من المواشي. (لأبي جهل) اللامُ للبيانِ، نحو: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]، أي: هذا اللفظُ مختصٌّ به، أو للتعليل، أي: دعا، أو قال: لأجل أبي جَهْلٍ -لعنه الله-.

(قليب)؛ أي: بئرٌ. (قتلى) جمعُ قَتِيل. (أُمية) بالتشديد، أي: بدلُ (أُبَيٍّ) في رواية يُوسُفَ، وفي رواية شُعْبَةَ بالشكِّ فيهما، والصحيح عند البخاري: (أُمَيَّة)، وهو الصحيح؛ لأن أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ قتلَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيده يوم أُحد بعد بدر، وأما السابعُ فهو عُمَارَةُ بنُ الوَليْدِ، وسبق الحديث في آخر (الوضوء). * * * 2935 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ الْيَهُودَ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكَ، فَلَعَنْتُهُمْ، فَقَالَ: "مَا لَكِ"؟. قُلْتُ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: "فَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ"؟. الخامس: (السام) بتخفيفِ الميمِ: الموتُ. (ما لك؟)؛ أي: أيُّ شيءٍ حصل لك، حتى لعنتهم؟ (ما قلت)؛ أي: دَلَّسُوا حيث أوهموا أنهم يقولون: السلام عليكم، فرَدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدعاءَ عليهم بقوله: "وعليكم". * * *

99 - باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟

99 - بابٌ هَلْ يُرْشِدُ الْمسْلِمُ أهْلَ الْكِتَابِ أوْ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ؟ (بابٌ: هل يُرْشِدُ المسلمُ أهلَ الكتاب؟) 2936 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاس - رضي الله عنهما -، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إِلَى قَيصَرَ، وَقَالَ: "فَإنْ تَوَلَّيْتَ فَإنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ". (توليت)؛ أي: أَعْرَضْتَ عن الحق. (الأريسيين) سبق بيانه مع شرحِ الحديثِ أولَ "الجامع" في قصة هِرَقْلَ. * * * 100 - بابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ (بابُ الدُّعاءِ للمشركين بالهدى) 2937 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ

101 - باب دعوة اليهودي والنصراني، وعلى ما يقاتلون عليه؟

عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ". (دَوْس) بفتح الدَّال: قبيلةُ أَبي هُرَيْرَةَ. (وائت بهم)؛ أي: مسلمينَ، أو هو كنايةٌ عن الإسلام، ودعاؤُه - صلى الله عليه وسلم - لهم وهم قد طلبوا الدعاء عليهم من كَمَالِ خُلُقِه العظيم ورحمتِه على العالمين. * * * 101 - بابُ دَعْوَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَصْرَانِيِّ، وَعَلَىَ مَا يُقَاتلُونَ عَلَيْهِ؟ وَمَا كتبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى كِسْرَى وَقَيصَرَ، وَالدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ. 2938 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبةُ، عَنْ قتادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه -، يَقُولُ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.

102 - باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله

2939 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، فَأمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيم الْبَحْرَيْنِ، يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى خَرَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. (بابُ دعوةِ اليهودِ والنَّصارى) يريد لزومَ الدعوةِ قبل القتال، وأما إغارةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على بني المُصْطَلَقِ فذكَرَه البُخَارِيُّ في (كتاب الفِتَنِ)، وترَكَ إدخالَه في (الجهاد)؛ لأنه حملَه على أنهم بَلَغَتْهم الدَّعوةُ، وسبق شرح الحديثين في (العلم) في (باب ما يذكر في المناولة). * * * 102 - بابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الإِسْلاَمِ وَالنُبُوَّةِ، وَأنْ لَا يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. 2940 - حَدَّثنَا إِبْراهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ

صَالح بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإسْلاَمِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيم بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، وَكانَ قَيْصَرُ لَمَّا كشَفَ اللهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ، شُكْرًا لِمَا أَبْلاَهُ اللهُ، فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 2941 - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّأْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدِمُوا تِجَارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَناَ رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّأْمِ، فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نبَيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَناَ أَقْرَبُهُمْ إِليهِ نَسَبًا، قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ فَقُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي، وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي، فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ، وَأَمَرَ بِأَصحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لأَصْحَابِهِ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنِ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّهُ نبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ

لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ، فَقَالَ: كُنتمْ تتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ الآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ، نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ يُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنتقِصُهُ بِهِ لاَ أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي غَيْرُهَا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ؟ قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ؟ قُلْتُ؟ كَانَتْ دُوَلًا وَسِجَالًا، يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى، قَالَ: فَمَاذَا يَأمُرُكُمْ؟ قَالَ: يَأْمُرُناَ أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاناَ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُناَ، وَيَأمُرُناَ بِالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ: قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ؛ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ: رَجُلٌ يَأتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنتمْ تتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ؛ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ

يَكُنْ لِيَدَع الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ؛ فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ: يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأْلتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ؛ وَهُمْ أتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أنهمْ يَزِيدُونَ؛ وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ؛ فَكَذَلِكَ الإيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لاَ يَسْخَطُهُ أَحَدٌ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ؛ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ يَغْدِرُونَ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَفَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلًا، وَيُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى؛ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبةُ، وَسَأَلْتُكَ: بِمَاذَا يَأمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ؛ فَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ، فَدْ كنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ أنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ، وَلَوْ كنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ. فَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُرِئَ، فَإِذَا فِيهِ: "بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيم الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الإسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتكَ اللهُ

أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ وَ {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ، فَلاَ أَدْرِي مَاذَا قَالُوا، وَأُمِرَ بِنَا فأُخْرِجْنَا، فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، هَذَا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ يَخَافُهُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ قَلْبِي الإِسْلاَمَ وَأَناَ كَارِهٌ". (بابُ دعاءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الناسَ إلى الإسلام) (قيصر)؛ أي: هِرَقْلُ. (دحية) بفتحِ المهملة، وكسرِها. (بُصْرَى) بضمِ الموحَّدَة، مقصورةٌ. (إيليا) بيتُ المَقْدِس. (مختومًا) قال السَّفَاقُسِيُّ: كان اتخاذُه الخَاتَمَ سَنَةَ سِتٍّ. (أبلاه)؛ أي: أعطاه وأَنْعَمَ عليه، وسبق شرحُ الحديث مبسوطًا أولَ "الجامع". * * *

2942 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -، سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ"، فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى، فَقَالَ: "أَيْنَ عَلِيٌّ"؟ فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: "عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ). الحديث الثاني: (الراية)؛ أي: العَلَم. (كلهم)؛ أي: كلُّ واحدٍ منهم. (بصق) بالصادِ، والزاي، والسينِ. (رِسلك) بكسرِ الراء، أي: بالاِتِّئَادِ والتَّمهُل. (النعم) إذا أُطلق فهو الإبل، وحُمُرُها هي أعزُّها عندهم وأحسنُها؛ لأن الحمرةَ أشرفُ الألوان عندهم، أي: لأنْ يهدي اللهُ بك رجلًا خيرٌ لك أجرًا وثوابًا من أن يكون لك حُمر النعم تتصدق بها. * * *

2944 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا. 2943 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبحُ، فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا. الثالثُ: (لم يغرهم) من الإغارةِ. * * * 2945 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لاَ يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُ أَكبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} ". الرابعُ: (مساحيهم) جمعُ مِسْحَاة. (ومكاتلهم) جمع مَكْتَل، وهو الزَّنْبيل الذي يَسَعُ خمسةَ عشرَ صاعًا.

103 - باب من أراد غزوة فوري بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس

(والخميس)؛ أي: العَسْكر؛ لأنَّ له خمسةً: قلبًا، ومَيمنةً، ومَيسرةً، ومُقدِّمةً، وساقةً، سبق الحديث أوَّل (كتاب الأذان). * * * 2946 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نفسَهُ وَمَالَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ". رَوَاهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الخامسُ: (أُمرت)؟ أي: أمرَني الله بالمُقاتَلة حتى يقولوا كلمةَ الشهادة، وسُمِّيتْ بالجزء الأول منها كما يقال: قرأتُ يس، أي: السورةَ التي أوَّلُها يس، سبق في (الإيمان) في (بابِ: فإن تابوا). * * * 103 - بابُ مَنْ أرَادَ غَزْوَةً فَوَرَّي بغَيْرِهَا، وَمَنْ أحَبَّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ (بابُ منْ أراد غزوةً، فَوَرَّى بغيرِها) أي: سَتَرَها وكنَّى عنها، وأَوْهَمَ أنه يريد غيرَها؛ لِئَلَّا يَتَيَقَّظ

الخصم فيستعدَّ للدفع، وأصلُه من وراءِ الإنسان؛ لأنَ مَن وَرَّى شيئًا كأنه جعلَه وراءَه، وقيده السِّيْرَافِيُّ في "شرح سِيْبَوَيْهِ": بالهمز من وَرَأَ بمعنى: ستر. قال: وأهل الحديث لم يَضْبِطوا الهمزَ فيه. * * * 2947 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كعْبٍ - رضي الله عنه -، وَكَانَ قَائِدَ كعْبٍ مِنْ بَنِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا. الحديثُ الأول: (عبد الله) هو الذي كان يقودُه لَمَّا عَمِيَ من دون سائر بنيه. (تخلف)؛ أي: عن غزوة تَبُوْك. * * * 2948 - وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ،

فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا، وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ. الثاني: (ومفازًا)؛ أي: البَرْيَّةُ التي بين المدينة والشام؛ سميت مفازة تفاؤلًا، وإلا فهي مَهْلَكَة. (صرح)؛ أي: أَظْهَرَ. (بوجهه)؛ أي: بجهتِه، وهي جهةُ ملوك الرُّوم. قال الدَّرَاقُطْنِيُّ: هذا الإسنادُ مُرسَلٌ، ولم يلتفت إلى ما قال: سمعتُ كَعْبًا؛ لأنَّه عنده وَهْمٌ، وقال مُحَمَّد بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: سمع الزُّهْرِيُّ من عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ، ومن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الله بنِ كَعْبٍ، ومن عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ. قال: ولا أظنُّ أن عبدَ الرحمن سمع من جدِّه كعبٍ شيئًا، وإنما سمع من أبيه عَبْدِ الله. قال (ك): لو كان بدلَ (ابنُ): (عَنْ) صَحَّ الاتصال؛ لأنَّ عبدَ الرحمنِ سمع من أبيه عبدِ اللهِ، وهو من كَعْبٍ، وكذا لو حَذف عبدَ الله من المتن. * * *

104 - باب الخروج بعد الظهر

2949 - وَعَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ كعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُولُ: لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ. 2950 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. الثالث: مفهومٌ من السِّيَاق. * * * 104 - بابُ الْخُرُوجِ بَعْدَ الظهْرِ (بابُ الخروجِ بعدَ الظُّهْرِ) 2951 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا. (يصرخون) بفتح الراءِ، وضمها، أي: يلبُّون بالحج والعمرةِ كِليهما، قيل: قَصَدَ البُخَارِيُّ بهذا البابِ الرَّدَّ على مَن كَرِه ذلك عملًا

105 - باب الخروج آخر الشهر

بقول المُنجم، وقد اِسْتشكل هذا الحديث، فقيل: كان سفرُه ذلك يومَ السبت، فيبقى أربعٌ من ذِي القِعْدَة؛ لأنَّ الخميسَ كان أولَّ ذي الحِجَّةَ، وإن كان يومَ الخميس فالباقي ستٌّ، ولم يكن خروجُه يوم الجمعة؛ لقولِ أَنَسٍ: (صلَّى الظهرَ بالمدينة أربعًا)؛ وجوابُه: أن الخروجَ يومَ السبت، وقولُها: (لِخَمْسٍ بَقِيْنَ)؛ أي: في أذهانهم حالة الخروج بتقدير تمامِه، فاتُفق أنْ كان الشهرُ ناقصًا، فأخبرتْ بما كان في الأذهان يوم الخروج؛ لأنَّ الأصلَ التمامُ. * * * 105 - بابُ الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ وَقَالَ كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. (بابُ الخروجِ آخرَ الشهر) (وقال كريب) موصولٌ في (الحج). * * * 2952 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ

106 - باب الخروج في رمضان

عَنْهَا تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلاَ نُرَى إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْناَ مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَزْوَاجهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. (ولا نرى) بالضم، أي: لا نُظَنُّ. (فدخل) مبني للمفعول. (أتتك)؛ أي: عمرة، وسبق الحديثُ مِرارًا. * * * 106 - بابُ الْخُرُوجِ فِي رَمَضَانَ (بابُ الخروجِ في رَمَضَانَ) 2953 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

107 - باب التوديع

(الكَدِيد) بفتحِ الكافِ، وكسرِ المهملةِ، موضعٌ على نَحوِ مرحلتين من مكةَ، وسبق في: (باب: إذا صام أيامًا من رمضان)، وفي بعض النُّسَخِ: (قال أَبو عَبْدِ اللهِ: هذا قولُ الزُّهْرِيُّ) وإنما يؤخَذُ بالآخِر من فِعْلِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولعلَّ مذهبَه أنَّ طَرْق السفر في رمضان لا يُبيح الإفطار؛ لأنه شهِدَ الشهر في أوله كَطُرُوِّه في أثناء اليوم، فقال البُخَارِيُّ: إنما يؤخَذ بالآخِرِ مِن فِعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ناسخٌ للأول، وقد أفطر عند الكَدِيد، ففيه أن الفِطْرَ في السفر أفضلُ، لأنه إنما يفعل في المُخَيَّر فيه الأفضلَ. * * * 107 - باب التَّوْدِيعِ 2954 - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ، وَقَالَ لَنَا: "إِنْ لَقِيتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا -لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا- فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ"، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أَرَدْناَ الْخُرُوجَ فَقَالَ: "إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا بَالنَّارِ، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللهُ، فَإِنْ أَخَذْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا".

108 - باب السمع والطاعة للإمام

(بابُ التَّوْدِيعِ) (قال ابن وهب) وصلَه النَّسَائِيُّ، والإِسْمَاعِيْلِيُّ. (في بعث)؛ أي: في جيشٍ (فلانًا وفلانًا) هما: هَبَّارُ -بتشديدِ الموحدة، وآخرُه راءٌ- ابنُ الأَسْوَدِ، ونافِعُ بنُ عَبْدِ عَمْرو، أخرجه ابنُ بَشْكَوَالَ من طريق ابنِ لَهِيْعَةَ عن بَكرٍ، ووقع في "السيرة" لابن هِشَامِ: هَبَّار، وخالدُ بنُ عَبْدِ قَيْسٍ، وكذا هو في "مسند البَزَّار"، وفي "كتاب الصحابة" لابن السَّكَن: هَبَّار، ونافع بن قيَس. * * * 108 - بابُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَامِ 2955 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَال: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ". (بابُ السَّمعِ والطاعة للإمام)؛ أي: إجابةُ قول الأُمراء وطاعة

109 - باب يقاتل من وراء الإمام، ويتقى به

أوامرهم واجبٌ إلا في معصية الله، فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق، كما هو صريحُ الحديث. * * * 109 - بابٌ يُقَاتلُ مِنْ وَرَاءِ الإِمَامِ، ويُتَّقَى بهِ (بابٌ: يقاتل مِن وراء الإمام) 2956 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ: أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ". 2957 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ". (الآخرون)؛ أي: في الدنيا. (السابقون)؛ أي: في الآخرةِ، مرَّ في (الوضوء) في (باب البولِ في الماء الدَّائم)، ففيه: أن من عصى الأميرَ فقد عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عصاه فقد عصى الله، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23]، فهذه الطاعةُ متلازِمَةٌ.

(جُنة) بضم الجيم، أي: كالتُّرس يقاتل مِن ورائِه، أي: يقاتل معه الكفارَ والبغاةَ، ويُنصَر عليهم، ويُتَّقَى به شَرُّ العدوِّ، وأهلِ الفسادِ والظلمِ، فإنه الذي يمنع الأعداءَ من الإيذاء، ويحمي بَيْضَةَ الإسلام، ويَتَّقي منه الناسُ، ويخافون سَطْوَتَه. وأيضًا: المتأخِّر صورةً قد يكونُ مُتَقَدِّمًا معنىً. (من ورائه) ظاهرُه بمعنى خَلْف، لكنها قد استُعمِلَت بمعنى أمام، كقوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف:79]، وعليها حَمَل المُهَلَّبُ الحديثَ. (وإن قال لغيره)؛ أي: حَكَمَ، قيل: إنه مشتقٌ من القِيْلِ -بفتحِ القافِ، وسكونِ التَّحْتَانِيَّة- وهو الْمَلِكُ الذي ينفذ قولُه وحكُمه. (فإن عليه منة)؛ أي: الوَبَالُ الحاصِلُ منه عليه، لا على المَأمورِ، ويحتمل أن يُرادَ: أنَّ بعضَه عليه، وجاء في بعض طرقه: (فإن عليه وزر)، أو كأنه حُذِفَ من الرواية المشهورة لدلالة ما قبلَه عليه، ويحكى: أنَّ الحَسَنَ والشَّعْبِيَّ حَضَرا مجلسَ عَمْرِو بْنِ هُبَيْرَةَ، فقال لهما: إن أميرَ المؤمنين يَكتب إليَّ في أمورٍ فما تَرَيَان؟ فقال الشَّعْبِيُّ: أَصْلَحَ اللهُ الأميرَ، أنتَ مَأمورٌ، والتَّبِعَةُ على آمِرِكَ، وقال الحَسَنُ: إذا خرجتَ من سعَةَ قَصْرِكَ إلى ضيقِ قبرِكَ فإنَّ اللهَ تعالى يُنجيْكَ من الآمِر، وإنَّه لا يُنجيك من الله تعالى. * * *

110 - باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، وقال بعضهم: على الموت؛ لقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}

110 - بابُ الْبَيْعَةِ فِي الْحَرْبِ أنْ لاَ يَفِرُّوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْمَوْتِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (بابُ البيعةِ في الحَربِ أنْ لا يَفِرُّوا) 2958 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: رَجَعْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا، كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللهِ. فَسَأَلْتُ ناَفِعًا: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعَهُمْ، عَلَى الْمَوْتِ؟ قَالَ: لاَ، بَايَعَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ. الحديثُ الأول: (من العام المقبل)؛ أي: العامُ الذي بعدَ صُلْح الحُدَيبية. (فما اجتمع)؛ أي: ما وافق منا رجلانِ على شجرةٍ أنها هي، وخَفِيَ علينا مكانُها، فقيل: إنها اشتبهتْ عليهم، وقيل: اجْتَحَفَهَا السيلُ، وكانت الشجرةُ مَوضعَ رحمةِ اللهِ ومَحَلَّ رِضوانِه، قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية. قال (ن): سببُ خَفائها أن لا يفْتَتِنَ الناسُ بها لِمَا جرى تحتها من الخير، ونزولِ الرضوانِ والسكينةِ وغيرِ ذلك؛ فلو بقيت ظاهرةً معلومةً؛ لَخِيْفَ تعظيمُ الأعراب والجُهَّال إياها وعبادتُهم لها، فكان خفاؤها رحمة من الله تعالى.

(على الموت؟)؛ أي: أَعَلَى الموتِ؟ فحُذفت همزة الاستفهام. * * * 2959 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا كَانَ زَمَنَ الْحَرَّةِ أتاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايعُ النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ، فَقَالَ: لاَ أُبَايعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الثاني: (الحَرَّة) بفتح المهملةِ، وشدَّةِ الراءِ، أي: زمان الوَقْعَة التي وقعت في حَرَّةِ المدينة بين يَزِيْدَ بنِ مُعَاوِيَةَ وأهلِها. (ابن حنظلة) ابن الغَسِيْلِ، واسمُه عَبْدُ الله، كان يأخذ البيعةَ ليزيدَ، كذا قال (ك) (¬1)؛ وصوابُه: يأخذ البيعةَ لأهل المدينة على يَزِيْدَ، كما قال ابنُ عَبْدِ البرِّ وابنُ الأَثِيْرِ وغيرُهما. قال ابن عَبْدِ البرِّ: بايعتْهُ الأنصارُ يومئذٍ، وبايعت قريشُ عبدَ الله ابنَ مُطِيْعٍ، انتهى. وقد يُجابُ: بأنَّ مُرادَ (ك): يأخذ البيعةَ لأجل يَزِيدَ عليه لا له، أو المرادُ به نفسُ يَزِيْدَ؛ لأن جدَّه أبا سُفْيَانَ كان يُكنى أيضًا بأبي حَنْظَلَةَ، لكنْ على هذا التقديرِ يكون لفظُ الأب محذوفًا بين الابن وحَنْظَلَةَ ¬

_ (¬1) "ك" ليس في الأصل.

تخفيفًا، كما أنه محذوفٌ معنى؛ لأنه نسبةٌ إلى الجَدِّ، أو جَعَلَه منسوبًا إلى العمِّ استخفافًا واستهجانًا واستبشاعًا لهذه الكلمة المُرَّة. * * * 2960 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ: "يَا ابْنَ الأَكْوَعِ! أَلاَ تُبَايعُ"؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "وَأَيْضًا"، فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ! عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. الحديث الثالث: هو من ثُلاثياتِ البُخَارِيِّ. * * * 2961 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه -، يَقُولُ: كَانَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدًا فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ، فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ". الحديث الرابع: (نحن الذين) في بعضِها: (الذي) على حَدِّ قوله تعالى:

{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]، ومرَّ الحديث قريبًا. * * * 2962 - و 2963 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ مُجَاشِعٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَناَ وَأَخِي، فَقُلْتُ: بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: "مَضَتِ الْهِجْرَةُ لأَهْلِهَا"، فَقُلْتُ: عَلاَمَ تُبَايِعُنَا؟ قَالَ: "عَلَى الإسْلاَمِ وَالْجهَادِ". الخامس: (مضت الهجرة)؛ أي: حُكْمُها بعد الفتح، ولكنْ جهادٌ ونيَّةٌ. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [9]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

111 - باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون

تابع (56) كتاب الجهاد 111 - بابُ عَزْمِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ (بابُ عَزْمِ الإمامِ على الناسِ فيما يُطِيْقُون) 2964 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ - رضي الله عنه -: لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا مُؤْدِيًا نشَيطًا، يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي، فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا، فَقُلْتُ لَهُ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أقولُ لَكَ، إِلَّا أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلَّا مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللهَ، وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلًا فَشَفَاهُ مِنْهُ، وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ، وَالَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ! مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا كَالثَّغْبِ؛ شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُهُ.

(أرأيت)؛ أي: أَخْبِرْني، ففيه أمران: إطلاقُ الرواية وإرادةُ الإِخبار، وإطلاقُ الاستفهام وإرادة الأمر؛ كأنه قال: أخبرني عن أمر هذا الرجل. (مُؤْديًا) ساكنَ الهمزةِ، خفيفةَ الياءِ: قويًّا، وقيل: كاملَ السلاح، تمامَ الأداة التي للحَرْبِ. (أمرائنا) كان القياسُ: (أُمرائِه) لِيُوَافِقَ (رجلًا)، لكنْ لَمَّا كان (رجلًا) في معنى أحدِنا، أو صفتُه محذوفةٌ، أي: رجلًا منا حَسُنَ ذلك، وهو من بابِ الالتفات. (نشيطًا) من النشاط. (فيعزم) بالبناءِ للفاعل، أو المفعولِ. (يحصيها)؛ أي: يُطِقْها، يُقال: عزمت على كذا عزمًا: إذا أردت فعلَه وقطعت عليه، وعزمت عليك بمعنى: أقسمتُ عليك. (حتى) هو غايةٌ لقوله: (لا يعزم)، أو العزم الذي تعلَّق به المستثنى وهو مَرَّةٌ، وحاصل السؤال: أخبرني عن أمر هذا الرجل أَيَجِبُ عليه مطاوعةُ الأميرِ أو لا؟ فأجاب: أنه تَجِبُ المُطَاوَعَةُ، ويُعلَم ذلك من الاستثناء، إذ لولا صحتُه لَمَا أوجبَه الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - عليهم، أو اختيار التقوى، ويُحمَل عزمه - صلى الله عليه وسلم - تلك المَرَّةَ على ضرورةٍ

كانت باعثةً له عليه. (وإذا شك في نفسه شيء) من باب القلبِ، إذ أصلُه: شكَّ نفسَه في شيءٍ، أو شَكَّ بمعنى لصق، و (شيء): أي: مما تردد فيه أنه جائز أو غير جائز. (فشفاه)؛ أي: أزالَ مرضَ الترددِ عنه، وأجاب له بالحق. (فأوشك)؛ أي: كادَ أن لا تجدوا في الدنيا جَلاء شيءٍ بالحق، ويشفي القلوب عن الشُّبَهِ والشُّكوك، أي: من تقوى الله، إلا أن يتقدَّمَ فيما يشك فيه، حتى يَسألَ مَن عنده علمُه، فيدلَّه على ما فيه الشفاء، أي: بعد موت الصحابة. (غبر)؛ أي: بَقيَ، وإن كان الغُبُورُ من الأضداد، المضيِّ والبقاءِ. (كالثَغَب) بفتح المثلَّثةِ، والمعجمةِ، وقد تُسَكَّنُ غَيْنُه: الغَديرُ من الماء، يكونُ في الظِّلِّ لا يصيبه شمسٌ فيَبْرُدَ ماؤه، فَشَبَّهَ ما بقي من الدنيا بما بقي من الغديرِ، ذَهَبَ صفوهُ، وبقيَ كدرُه. * * *

112 - باب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس

112 - بابٌ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ (بابٌ: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يُقاتِل أولَ النهارِ أَخَّرَ القتالَ حتى تزولَ الشمسُ) 2965 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ، قَالَ: كتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -، فَقَرَأْتُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ. * * * 2966 - ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا، قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْناَ عَلَيْهِمْ". (أن) بفتح الهمزةِ وكسرِها. (لقي)؛ أي: العدوَّ، أو حاربَ، إذِ اللقاءُ لفظٌ مُشترَكٌ. (تحت ظلال السيوف)؛ أي: الجَنَّةُ للمجاهدين، لأنَّه تحت

113 - باب استئذان الرجل الإمام

ظلالِها، أو الجهادُ سببُ الجَنَّةِ، وسبق شرح باقي الحديث قريبًا. * * * 113 - بابُ اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِمَامَ لِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. (بابُ استئذانِ الرَّجُلِ الإمامَ) 2967 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فتلاَحَقَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَناَ عَلَى نَاضحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: "مَا لِبَعِيرِكَ"؟ قَالَ: قُلْتُ: عَيِيَ، قَالَ: فتخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: "كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ"؟ قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ، قَالَ: "أَفَتَبِيعُنِيهِ"؟ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضحٌ غَيْرَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَبِعْنِيهِ"، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي، فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ، فَلاَمَنِي، قَالَ: وَقَدْ كَانَ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: "هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا"؟ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، فَقَالَ: "هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! تُوُفِّي وَالِدِي -أو اسْتُشْهِدَ- وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أتزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ، وَرَدَّهُ عَلَيَّ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا. (ناضح)؛ أي: بَعِيْرٌ يُستقَى عليه. (أعيا)؛ أي: عَجَزَ عن المشيِ. (أن لي فقار ظهره)؛ أي: خَرَزَاتِ عِظامِ الظَّهْر، أي: على أنَّ ليَ الركوبَ عليه إلى المدينة. (عروس) يُطلَق على الذكر والأُنثى، وسبق بيانُ الخلاف فيه. (لامني)؛ أي: مِن حيثُ إنَّ ليس لنا ناضحٌ غيرُه. (ورده)؛ أي: الجَمَل، فحصل له الثَّمَنُ والمُثَمَّنُ معًا. (هذا)؛ أي: البيعَ بمثل هذا الشرطِ، وسبق في (باب الشُّروط) الخلافُ فيه. * * *

114 - باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه

114 - بابُ مَنْ غَزَا وَهُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسِهِ فِيهِ جَابِرٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (بابُ مَن غزا وهو حديثُ عَهْدٍ بعِرسِه) بكسر العينِ، أي: زوجتِه وبضمِّها. ذَكَرَ أنَّ في الباب حديثَ جَابِرٍ. * * * 115 - بابُ مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (بابُ من اختار الغزوَ بعد البِنَاءِ)؛ أي: بعد الزَّفافِ والدخولِ على المرأة. (فيه أَبو هريرة) موصولٌ في: (أخبار الأنبياء)، فقول (ك): لعلَّ الحديثَ ليس من شرطِه، فأراد التنبيهَ عليه؛ ليس بجيِّد. * * *

116 - باب مبادرة الإمام عند الفزع

116 - بابُ مُبَادَرةِ الإِمَامِ عِنْدَ الْفَزَعِ (بابُ مُبادَرَةِ الإمامِ عند الفَزَع) 2968 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ، فَقَالَ: "مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْناَهُ لَبَحْرًا". (من شيء)؛ أي: ما يُوجب الفزعَ، واسم ذلك الفَرَسِ مندوبٌ كما سبق. * * * 117 - بابُ السُّرْعَةِ وَالرَّكْضِ فِي الْفَزَعِ (بابُ السُّرعةِ والركضِ في الفَزَعِ) 2969 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: فَزِعَ النَّاسُ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا، ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ، فَقَالَ: "لَمْ تُرَاعُوا، إنَّهُ لَبَحْرٌ"، مَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

119 - باب الجعائل والحملان في السبيل

(لم تراعوا) سبقَ أنَّ (لَمْ) بمعنى لا، والرَّوْعُ: الخوفُ. (ما سبق)؛ أي: ذلك الفرسُ البطيءُ بعدَه ببركته - صلى الله عليه وسلم -. (بابُ الخروج في الفزع وحدَه) كذا في بعض النُّسَخِ هذه الترجمة، ولم يذكر فيها حديثًا؛ إما أنَّه لم يتفق له حديثٌ بشرطه، أو اكتفى بالحديث الذي قبله. * * * 119 - بابُ الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: الْغَزْوُ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي، قُلْتُ: أَوْسَعَ اللهُ عَلَيَّ، قَالَ: إِنَّ غِنَاكَ لَكَ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ ناَسًا يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا، ثُمَّ لاَ يُجَاهِدُونَ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ، حَتَّى نَأَخُذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ. وَقَالَ طَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ: إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ، وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ. (بابُ الجَعَائِلِ) جمع جَعِيْلَة من الجَعَالة، وقال (ك): جمعُ جِعَال، وهو

ما يَجعَل للإنسان من الشيء على الشيء يفعلُه. (والحُملان) بضمِّ الحاءِ: الحِمْل. (وقال مجاهد) موصولٌ في (غزوة الفتح) بمعناه. (الغزو) منصوبٌ بنحوِ: أُريد، وقال (ش): بالرفعِ مبتدأٌ، خبرُه مُضمَرٌ، أي: أُرِيْدُه، ويروى: (انفروا)، والأولُ أَشبهُ. (ما شئت)؛ أي: ممَّا يتعلق بسبيل الله، حتى الوضعُ عند الأهل، فإنه أيضًا من مُتعلَّقاته. * * * 2970 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ ابْنَ أَنسٍ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، فَقَالَ زَيْدٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: آشْتَرِيهِ؟ فَقَالَ: "لاَ تَشْتَرِهِ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". 2971 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لاَ تَبْتَعْهُ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". الحديث الأول: سبق قريبًا وبعيدًا. * * *

120 - باب الأجير

2972 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ، وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ حَمُولَةً، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَقُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ". الثاني: (حَمولة) بفتح المهملةِ: التي يُحمل عليها من كبار الإبل. (فقتلت ثم أُحييت) مبنيَّان للمفعول. * * * 120 - بابُ الأَجِيرِ وقال الحَسَنُ، وابنُ سِيرِينَ: يُقْسَمُ لِلأْجِيرِ مِنَ المَغْنَمِ. وأخَذَ عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ فَرسًا عَلى النِّصْفِ، فَبَلَغَ سَهْمُ الفَرَسِ أرْبَعْمَائَةِ دِينارٍ، فأخَذَ مَائتَيْنِ وأعْطَى صاحِبَهُ مِائتَيْنِ. (بابُ الأجيرِ) 2973 - حدثنا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا سُفْيانُ، حدثنا ابنُ جُرَيْجٍ، عنْ عَطاءٍ، عنْ صَفْوانَ بنِ يَعْلَى، عنْ أبيهِ - رضي الله عنه -، قال: غَزَوْتُ

121 - باب ما قيل في لواء النبي - صلى الله عليه وسلم -

مَعَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَحَمَلْتُ علَى بَكْرٍ فَهوَ أوْثَقُ أعْمالِي في نَفْسِي، فاسْتَأْجَرْتُ أجِيرًا، فَقَاتَلَ رَجُلًا، فَعَضَّ أحَدُهُما الآخَرَ فانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ ونَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأهْدَرَها، فقال: "أيَدْفَعُ يَدَهُ إلَيْكَ فَتَقْضَمُها كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ". (على بكر) هو الفَتِيُّ من الإبل. (أوثق أعمالي) بالعينِ على الصواب، وعند الحَمُّوِيِّ: (أحمالي) بالحاءِ، وعند المُسْتَمْلِيِّ بالجيم. (ثنية) واحدةُ الثَّنايا من الأسنان. (يَقْضَمها) بفتح المعجمة، من القَضْم، وهو الأَكل بأطراف الأسنان، يُقال: قَضِمت الدَّابة شعيرَها، بالكسرِ، تَقْضَمُ بالفتحِ. (الفحل) قال (ك): رأيتُ مَن يُصَحِّفُه بالجيم، أي: البَقْل المشهور. * * * 121 - بابُ مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (بابُ ما قِيلَ في لِوَاءِ النبي صلى الله عليه وسلم) 2974 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: أَخْبَرَني عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ

الْقُرَظِيُّ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه -، وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَرَادَ الْحَجَّ، فَرَجَّلَ. الحديثُ الأول: (لواء)؛ أي: عَلَمُ الجيش، قيل: هو دونَ الرَّاية، وقيل: هو العَلَمُ الضَّخم، وكان اسمُ رايته - صلى الله عليه وسلم -: العُقَاب، وقيل: اللواءُ علامةُ كَبْكَبة الأميرِ، تدور معه حيث دَارَ، والرايةُ هي التي يتولاها صاحب الحرب. (فَرَجَّل) بتشديد الجيم، أي: فسرَّحَ شَعرَه قبل أن يُحْرِم، وهو مُقْتَطَعٌ من حديثٍ ذَكَرَه الحُمَيْدِيُّ بكماله، وأسنده الإِسْمَاعِيْلِيُّ في "مُستخرَجه"، لكن لَمَّا لَم يكن من شرطِ البُخَارِيِّ أَوْرَدَ منه ما هو مِن شَرطِه من اتخاذِ اللواء مُقتصِرًا على ذلك، وبقيةُ الحديث: (فَرَجَّل إحدى شِقَيّ رأسه، فقام غلام له فقلَّد هَدْيه، فنظر قَيْسٌ، فإذا هَدْيُه قد قُلِّد، فَأَهَلَّ بالحج، ولم يُرَجل شِقَّ رأسه الآخر)، وفي بعضِها بالحاء، وقد أشكل إيرادُ البُخَارِيِّ على كثير من الناس، حتى حار بعضُ الشارحين في تفسيره، وتَكلَّف له وجوهًا عجيبة، وقد اتضح بحمد الله بذكرِ تمامه. * * * 2975 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ، فَقَالَ: أَناَ أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟! فَخَرَجَ عَلِيٌ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِى فَتَحَهَا فِي صَبَاحِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ -أَوْ قَالَ: لَيَأْخُذَنَّ- غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ -أَوْ قَالَ: يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ- يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ"، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ، وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ. الحديث الثاني: (أنا أتخلف) باستفهامٍ مُقدَّرٍ، أي: أأنا؟ أو ملفوظٍ به، وهو للإنكار. (وما نرجوه)؛ أي: ما كنا نرجو قدومَه علينا في ذلك الوقتِ؛ للرَّمَدِ الذي به، وفيه فضيلةٌ عظيمة لعَلِيٍّ - رضي الله عنه - ومعجزةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إخباره بالغيب، وقد وقع كما أخبر، وسبق الحديث قريبًا. * * * 2976 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما -: هَاهُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ. الثالث: معناه ظاهر. * * *

122 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نصرت بالرعب مسيرة شهر"

122 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ" وَقَوْلهِ جَلَّ وَعَزَّ: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ}. قَالَ جَابِرٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (بابُ قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر) (قاله جابر) موصولٌ في: (الطهارة)، و (الصلاة)، و (الخُمس). * * * 2977 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بُعِثْتُ بِجَوَامعِ الْكَلِم، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، فَبَيْنَا أَناَ نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونها. الحديث الأول: (بجوامع الكلم) هو التَّكلُّم بالمعاني الكثيرة بألفاظ يسيرةٍ، قيل: المرادُ القرآنُ، وقيل: السُّنة، وهو من إضافة الصفةِ إلى الموصوف، قالوا: فيه الحثُّ على استخراج المعاني من ذلك. (بالرعب)؛ أي: بالخوفِ مع النَّصرِ والظَّفَرِ بذلك البعيد، وإلا

فكثيرٌ من الناس يخافون من الملوك من مسيرةِ شهرٍ. (مفاتح) إشارةٌ إلى ما فُتِح لأُمته من المَمَالِكِ فضمُّوا أموالها، واستباحوا خزائنَ ملوكها الأكاسرةِ والقياصرة ونحوِهم، ويحتمل أن يُرادَ بها معادِنُ الأرضِ، الذَّهَبُ والفضَّةُ ونحوهما. (في يدي)؛ أي: وَعدني أنْ ستكون لأُمتي. (تنتثلونها)؛ أي: تستخرجونها، يُقال: نثلْتُ البئرَ وانتثلتُها: استخرجتُ ترابَها، وهو النَّثِيْلُ بنونٍ، ومثلَّثَةٍ. * * * 2978 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، فَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ. الحديث الثاني: (الصخب) الصِّياحُ، سبق شرحه في حديثِ هِرَقْلَ، أول "الجامع". * * *

123 - باب حمل الزاد في الغزو، وقول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}

123 - بابُ حَمْلِ الزَّادِ فِي الْغَزْوِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (بابُ حَمْلِ الزادِ في الغزو) 2979 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، وَحَدَّثَتْنِي أَيْضًا فَاطِمَةُ، عَنْ أَسمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَتْ: فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: وَاللهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إِلَّا نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ، فَارْبِطِيهِ بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ وَبِالآخَرِ السُّفْرَةَ، فَفَعَلْتُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ: ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ. الحديث الأول: إنما قال أولًا: (أخبرني) وثانيًا: (حدثني) لأنه سمع عن فَاطِمَةَ، وقرأ على الوَالِدِ للتَّفَنُّن والاحترازِ عن التكرار. (بِسُفْرته) بالضم: طعامٌ يُتخَذ للمسافر، ومنه سميت السُّفْرَةُ. (نطاقي) هو شَقَّةٌ تلبسها المرأةُ، تشُدُّ به وسطَها، ترفع به ثيابَها،

وتُرسِل عليه إزارها، قاله القَزَّازُ. * * * 2980 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ. 2981 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَهُ: أنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ -وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ، وَهْيَ أَدْنىَ خَيْبَرَ- فَصَلَّوُا الْعَصْرَ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالأَطْعِمَةِ، فَلَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَا فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، وَصَلَّيْنَا. الثاني: (الأضاحي) بتشديد الياءِ، وتخفيفِها، جمع أُضْحِيَة، وهذا وإن لم يكن سَفَرَ غزوٍ، ولكنَّ سَفَرَ الغزو مُقاسٌ عليه. (بُشير) بضم الموحدة. (سويق) دقيقُ القمح المَقْلُوُّ، أو الشعيرُ، أو الذرةُ، أو غيرُهما. (والصَهْباء) بفتح المهملةِ، وسكون الهاءِ، والمدِّ: موضعٌ أسفل خَيْبَرَ.

(فلكنا) يُقال: لُكْتُ الُّلقْمة أَلُوكُها في فمي لَوْكًا. (وشربنا) قال الدَّاوُدِيُّ: ما أراه محفوظًا إلا إنْ أراد المضمضةَ؛ لأنه كان في المضمضة، ولكنْ قد لا يُبلغ بها الشرب ما يبلغه المضمضة عند أكل السَويق، وسبق الحديث في (باب: مَن مَضْمَض من السويق). * * * 2982 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟! فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ناَدِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ"، فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ، فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ". الرابعُ: (خَفَّت)؛ أي: قَلَّتْ. (وأملقوا)؛ أي: اِفْتَقَرُوا، وفَنِيَتْ أزوادُهم. (ما بقاؤكم بعد إبلكم)؛ أي: بقاؤُهم يَسيرٌ لِغلبةِ الهلاك على الرجال، وهذا أخذه عُمَرُ من نهيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الحُمُرِ

124 - باب حمل الزاد على الرقاب

الأهلية يومَ خَيْبَرَ استبقاءً لظهورِها لِيَحْمِلَ المسلمين عليها، ويحملَ أزوادَهم. قلت: فيه نَظَرٌ! لأنَّ الراجحَ أنَّ تحريمَها لِعَيْنِها. (وبَرَّك)؛ أي: دعا بالبركة. (واحتثى)؛ أي: أخذ بالحَثْيات لِكثرتِه، والحَثْوَةُ: الحَفْنُ باليد، وفيه معجزةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا تكلَّم بكلمة الشهادة؛ لأنَّ المعجزاتِ موجباتٌ للشهادةِ على صدق الأنبياء صلوات الله وسلامُه عليهم. * * * 124 - بابُ حَمْلِ الزَّادِ عَلَى الرِّقَابِ (بابُ حَمْلِ الزَّادِ على الرِّقاب) 2983 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلاَثُمِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَاَ عَلَى رِقَابِنَا، فَفَنِيَ زَادُناَ، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً، قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! وَأَيْنَ كَانَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْناَ فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْناَهَا، حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا. (تقع)؛ أي: من جهة الغذاء والقُوْتِ.

125 - باب إرداف المرأة خلف أخيها

(تقع)؛ أي: حُزْنًا على فقدِها، أو وَجَدْناَ فَقْدَها مُؤَثرًا. * * * 125 - بابُ إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ أَخِيهَا (بابُ إردافِ المرأةِ خَلْفَ أَخيها) 2984 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ؟ فَقَالَ لَهَا: "اذْهَبِي وَلْيَرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ"، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ. 2985 - حدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُرْدِفَ عَائِشَةَ وَأُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. (التَنعيم) بفتح المُثناة: موضعٌ من جهة الشام على ثلاثةِ أميالٍ من مكةَ، سبق في: (الحيض)، وسبق الحديثان فيه في (الحج) وغيرِه. * * *

126 - باب الارتداف في الغزو والحج

126 - بابُ الاِرْتِدَافِ فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ (بابُ الارتدافِ) 2986 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. (الحَجِّ والعُمْرَة) بالجرِّ بدلٌ من الضمير، وبالنصبِ على الاختصاص، وبالرَّفع خبرُ مبتدأ محذوفٍ. * * * 127 - بابُ الرَّدْفِ عَلَى الْحِمَارِ (بابُ الرَّدْفِ على الحِمار) 2987 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسُ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ، عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ.

الحديث الأول: (أكاف) يُقال فيه أيضًا: وِكَاف، وهو ما يُسرَج للفرس. (قطيفة) هي: دِثَارٌ مُخْمَل. * * * 2988 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ يُونس: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ، حَتَّى أَناَخَ فِي الْمَسْجدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ، فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا ثُمَّ خَرَجَ، فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلاَلًا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟ الثاني: (من الحجبة) جمعُ حاجِب، أي: حَجَبَةُ الكعبة وسَدَنَتُها، وبيدِهم مَفْتاحُها. * * *

128 - باب من أخذ بالركاب ونحوه

128 - بابُ مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ (بابُ مَن أَخذ بالرِّكَاب) 2989 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". (سُلامَى) بضمِّ المهملة، وفَتحِ الميمِ، والقَصْرِ: عَظْمُ الأُصبع. (يعدل)؛ أي: يُصْلِح بالعدل، وهو مبتدأٌ متأوَّلٌ بالمصدر، نحو: تَسمعُ بالمُعِيْدِيِّ. (يُعين)؛ أي: يُساعده في الركوب، أو رَفْعِ المتاع، سبق في: (الصُّلح). * * *

129 - باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو

129 - بابُ السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ. (بابُ كراهةِ السفر بالمصاحفِ إلى أرض العدو) (وكذلك يروى عن محمد بن بشر) وصلَه إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه في "مسنده" عنه، واعلم أنه وقع هكذا تَصدِيرُ الباب به، وهو من تغيير النُّسَّاخِ، وإنما موضعُه بعد حديث: مَالِكٍ، إلى آخره، ثمَّ يقول: وكذلك يُروى عن مُحَمَّد بنِ بِشْرٍ. (وتابعه ابن إسحاق) وصلَه أَحمدُ عن يَزِيْدَ بنِ هَارُونَ عنه، وإنما احتاجَ هذه المُتابَعَة؛ لأنَّ بعضَهم زاد في الحديث: (مخافة أن ينالَه العدوُّ)، وجعلَه من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يصحَّ ذلك، وإنما هو من قول مَالِكٍ. * * * 2990 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ

130 - باب التكبير عند الحرب

إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. (نهى أن يُسافر بالقرآن) وَجْهُ الجَمْعِ بين هذا وبين كتابتِه - صلى الله عليه وسلم - إلى هِرَقْلَ بالقرآن، وهي قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: 63]: أن المرادَ في الباب حَمْلُ المجموعِ أو المُتَمَيِّز، وهذا إنما هو في ضمن كلام آخَرَ غيرِ القرآن. * * * 130 - بابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ (بابُ التكبيرِ عند الحرب) 2991 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: صَبَّحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَلَجَئُوا إِلَى الْحِصْنِ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} ". وَأَصَبْنَا حُمُرًا فَطَبَخْنَاهَا، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا. تَابَعَهُ عَلِيٌ، عَنْ سُفْيَانَ: رَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ.

131 - باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير

(والخميس)؛ أي: الجيش. (فأُكْفئت)؛ أي: أقلِبْتُ ونُكِسْتُ، واختُلف في سبب تحريمها؛ فقيل: لأنها لم تُخَمَّس، وقيل: لأنها تأكل العُذْرَةَ، وقال ابنُ عَبَّاسٍ: لا أدري أَنَهَى عنها لأنها كانت حمولتهم، فَكَرِه أن تذهبَ أو حُرِّمَتْ البَتَّةَ؟ قال (خ): أَولى الأقاويل ما عليه أكثرُ الأمةِ: أنَّ التحريمَ لأَعيانِها مُطلقًا. (تابعه علي) موصولٌ في: (علامات النبوة). * * * 131 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيِر (بابُ ما يُكرَه من رفع الصوت في التكبير) 2992 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْناَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ". (أشرافنا)؛ أي: اطَّلَعْنا.

132 - باب التسبيح إذا هبط واديا

(ارْبَعُوا) بفتح الموحَّدة، أي: أَمْسِكُوا عن الجَهْرِ وكُفُّوا عنه، وأصلُه من رَبَعَ بالمكان: إذا وقفَ عن السَّير، وأقام به، وقيل: معناه: اِرْفقْ بنفسِك، ويُقال: معناه: اِنْتَظِرْ. (سميع قريب) مقابِلٌ لأصمَّ وغائبٍ. * * * 132 - بابُ التَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا (بابُ التسبيح إذا هَبَطَ واديًا) 2993 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا إِذَا صَعِدْناَ كَبَّرْناَ، وَإِذَا نزَلْنَا سَبَّحْنَا. (صَعِدنا) بكسر العين، يَصْعَد بالفتح. * * * 133 - بابُ التَّكْبِيرِ إِذَا عَلاَ شَرَفًا (بابُ التَّكْبير إذا علا شَرَفًا)؛ أي: مكانًا عاليًا. 2994 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ،

عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا إِذَا صَعِدْناَ كَبَّرْناَ، وَإِذَا تَصَوَّبْنَا سَبَّحْنَا. 2995 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَفَلَ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ -وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: الْغَزْوِ- يَقُولُ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". قَالَ صَالِحٌ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللهِ: إِنْ شَاءَ اللهُ؟ قَالَ: لاَ. (وتصوبنا)؛ أي: نزلْنا. (ولا أعلمه إلا قال الغزو) بالنصبِ والجرِّ، وهذه الجملةُ كالإضرابِ عن الحج والعُمْرَة، كأنه إذا قَفَلَ من الغزو (أوفى)؛ أي: أَشْرَفَ، والضميرُ للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (ثنية) أعلى الجبل، أو طريقِ العَقَبَةِ. (فَدْفَد) هو الغليظُ من الأرض، وقيل: ذاتُ الحصا المُرتفعة، وقيل: الأرضُ المستوية. (كبر) هو جوابُ الشَّرْط.

134 - باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة

(آيبونَ) خبرُ مبتدأ محذوف، أي: نحن، ومعناه: رَاجعونَ إلى الله. (لربنا) يحتمل تعلُّقُه بـ: حامدون، أو ساجدون، أو بِهما، أو بالصفاتِ الأربعِ المُتقدِّمة، أو بالخمسةِ على سبيل التَنَازُع. (الأحزاب) اللامُ للعهد في الطوائفِ الذين تجمَّعوا لِحَرْبِه في الخَنْدَقِ. * * * 134 - بابٌ يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الإِقَامَةِ (بابٌ: يُكتَبُ لِلْمُسَافِرِ ما كان يَعملُ في الإقامة) 2996 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا". (مقيمًا صحيحًا) حالانِ مُترادِفانِ، أو متداخِلَتان. * * *

135 - باب السير وحده

135 - بابُ السَّيْرِ وَحْدَهُ (بابُ السَّيْرِ وحدَه) 2997 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، يَقُولُ: نَدَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ". قَالَ سُفْيَانُ: الْحَوَارِيُّ: النَّاصِرُ. الحديث الأول: (ندب)؛ أي: طَلَبَ. (فانتدب)؛ أي: أجاب. (حواريًّا) بالتنوينِ؛ لأنه مفردٌ، ومعناه: الناصر. (وحواريَ) بفتح الياءِ، وكسرِها، سبق في (باب: فَضْلِ الطَّليعة). * * * 2998 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ

136 - باب السرعة في السير

عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ". الثاني: (الوَحدة) قال السَّفَاقُسِيُّ: ضُبِطَ بفتحِ الواوِ، وكَسْرِها، وأنكر بعضُهم الكسرَ، قيل: معناه في الليل. (راكب) خَرَجَ مَخرَجَ الغالب، فالرجل أيضًا كذلك، قالوا: ذَكَرَ في الباب حَدِيثَين: أحدُهما: في جوازِه. والثاني: في مَنْعِه. وذلك لأنَّ للسَّيرِ في الليل حالتين: أحدُهما: الحاجةُ إليه مع غَلَبَةِ السلامة، كما في حديث الزُّبَير. والثانية: حالةُ الخوفِ؛ فَحَذَّر منها. * * * 136 - بابُ السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيُعَجِّلْ".

(بابُ السُّرْعةِ في السير) (وقال أَبو حُميد) موصولٌ في أواخر (الحج). * * * 2999 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ - رضي الله عنهما - كَانَ يَحْيَى يَقُولُ وَأَناَ أَسْمَعُ فَسَقَطَ عَنِّي- عَنْ مَسِيرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: فَكَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. وَالنَّصُّ: فَوْقَ الْعَنَقِ. الحديث الأول: (عن مسير) متعلِّق بقوله: (سئل)، وما بينهما جملةٌ معترِضة، أي: قال البُخَارِيُّ: قال ابن المُثَنَّى: وكان يَحْيَى يقول، تعليقًا عن عُرْوَةَ، أو مُسْنِدًا إليه أنه قال: سئل أُسَامة وأنا أسمعُ السؤال، فقال يَحْيَى: سقطَ عني هذا اللفظُ، أي: لفظُ: (وأنا أسمع)، عند رواية الحديث، كأنه لم يذكرْها أولًا، واستدركَ آخِرًا، وقال في (كتاب الحج): سئل أُسَامَة وأنا جالسٌ، وفي مسلم: (قال هِشَامُ عن أبيه: وأنا شاهِدٌ كيف كان يَسِيْرُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين أفاض من عَرفةَ). (العَنَق) بفتح المهملَةِ، والنونِ: السَّيْرُ السَّهْل. (فجوةً) هي الفُرْجَة بين الشيئين.

(والنص) هو السيرُ الشديد، حتى يستخرجَ أقصى ما عنده. * * * 3000 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ -هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ-، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ، فَأَسْرعَ السَّيْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ، ثُمَّ نزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا. الحديث الثاني: فيه دليل للشافعية على الجمع بين الصلاتين. * * * 3001 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدَكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ". الثالث: (نومه) نصبه بنزع الخافض، أي: من نومه، أو مفعولٌ ثانٍ لـ

137 - باب إذا حمل على فرس فرآها تباع

(يمنع)؛ لتعدِّيه لمفعولين كـ: أعطى، والمراد يمنعه كمالَه ولذَّتَه؛ لما فيه من المشقَّة والتعَب، ومقاساة الحرِّ والبرد، والسُّرى، والخوف، ومفارقة الأهل والوطن. (نَهْمَته) بفتح النون، وسكون الهاء: الحاجة والمقصود، وحكَى الوَقْشِي كسرها. * * * 137 - بابٌ إِذَا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَرَآهَا تُبَاعُ (باب: إذا حمَل على فرَسٍ)؛ أي: أركَب غيرَه عليه في سبيل الله خشيةً لله تعالى. 3002 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لاَ تَبْتَعْهُ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". (يبتاعه) الابتياع بمعنى: البيع كما جاء اشترى بمعنى: باع. قال في "الكشاف" في قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 90]: اشتروا بمعنى: باعوا، أو كأنه قال: اتخذ البيع لنفْسه كما يُقال في اكتسب ونحوه، وقال بعضهم: لعلَّ الراوي ضمنَهُ وهو أباعَه،

138 - باب الجهاد بإذن الأبوين

أي: عرَضه للبيع. * * * 3003 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَابْتَاعَهُ -أَوْ فَأَضَاعَهُ- الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ بِدِرْهَمٍ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ". (وإن بدرهم)؛ أي: وإن كان بدرهمٍ، فحذف فعل الشرط، وذلك جائزٌ للقرينة، وسبق الحديث في (الهبة). * * * 138 - بابُ الْجِهَادِ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ (باب الجهاد بإِذْن الأبوَين) 3004 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ -وكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثهِ-، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو - رضي الله عنهما -، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ"؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".

139 - باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

(وكان لا يتهم) قال مالك: لئلا يُظنَّ أنه بسبب كونه شاعرًا يُتَّهم. (ففيهما) الجار والمجرور متعلق بـ (جاهد) مقدرةً، وجاهد المذكور مفسِّرٌ له؛ لأنَّ ما بعد فاء الجزاء لا يعمل فيما قبلَها، ومعناه: خُصَّهُما بالجهاد. * * * 139 - بابُ مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الإِبِلِ (باب ما قيلَ في الجرَسِ ونحوه) 3005 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ: أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَهُ: أنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ -قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ-، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولًا: أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ. (وَتَر) بفتح المثنَّاة: واحدُ أوتار الفرَس. (أو قلادة)؛ أي: شكٌّ من الرَّاوي، هل قيَّد القِلادة بكونها من وَتر، أو أطلقَها. قال (خ): إنما كره ذلك من أجل الأجراس التي تعلَّق فيها، وقيل: لئلا يتخلَّق بها عند شدَّة الركض، أو عند رعي الأشجار فتشبَّث

140 - باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة، وكان له عذر هل يؤذن له؟

الأوتار ببعض شُعبها فينخنِق، وقيل: من أجْل أنهم كانوا يزعُمون أنها تدفع العَين، وكذا قال مالك في "الموطَّأ" عَقيب هذا الحديث. * * * 140 - بابُ مَنِ اكْتُتِبَ فِي جَيْشِ فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ حَاجَّةً، وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ هَل يُؤْذَنُ لَهُ؟ (باب مَنِ اكتتَبَ في جيشٍ فخرجتِ امرأتُه حاجَّةً) 3006 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ"، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: "اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ". (محرم) هي مَن حَرُم نكاحُها على التأبيد بسببٍ مباحِ لحُرمتها، وبمباحٍ تخرج أُم المَوطوءة بشبهةٍ ونحوها، فإنَّ وطْء الشُّبهة لا يُوصَف بالإباحة؛ لأنَّه ليس بفعل مكلَّف، ولحُرمتها يخرج الملاعَنة؛ فإنَّه عقوبةٌ وتغليظٌ. (إلا) الاستِثناء من الجُملتين كما هو قول الشافعيَّة لا من الأَخيرة، نعم، الاستثناء منقطعٌ؛ لأنه متى كان معها مَحرم لم تبق

141 - باب الجاسوس

خلوةٌ، فالتقدير: لا يقعدنَّ رجلٌ مع امرأةٍ إلا ومعها مَحرمٌ، والواو في: (ومعها) واو الحال، أي: لا يخلُونَّ في حالٍ إلا في هذه الحال. والحديث مخصوصٌ بالزَّوج؛ فإنه لو كان معها زوجُها كان كالمَحرم، بل أَولى، والمَحرم يشمل أن يكون له، أو لها، أو لهما، ومرَّ في (كتاب التقصير). (اكتتبت) مبنيٌّ للمفعول وللفاعل، يُقال: اكتتَب الرجل: إذا كتبَ نفسَه في ديوان السُّلطان. وفيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة؛ لأنه لمَّا تعارَض سفَره في الغزْو والحجِّ رجِّح الحجُّ معها؛ لأن الغزو يقوم فيه غيرُه مقامه بخلاف الحجِّ معها. * * * 141 - بابُ الْجَاسُوسِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} ". التَّجَسُّسُ: التَّبَحُّثُ. (باب الجاسُوس) * * * 3007 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ

دِينَارٍ، سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَناَ وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا"، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَاب، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُناَسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا حَاطِبُ! مَا هَذَا"؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ صَدَقَكُمْ"، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، قَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". قَالَ سُفْيَانُ: وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا. (أنا والزُّبَير)، (أنا) تأكيدٌ للضَّمير المنصوب؛ لأن الضَّمائر يقَع

بعضها مَوقِع بعضٍ استعارةً، وفي بعضها: (إياي)، وفي بعض الروايات: (بعثَني أنا وأبا مَرثد الغَنَوي، والزُّبَير)، ولا منافاة بينهما، بل بعَث الأربعةَ. (خاخ) بمعجمتين على الصَّحيح، ووقَع في رواية أبي عَوَانَة: (حاج) بمهملةٍ، وجيمٍ، فقيل: سهوٌ، وهو مَوضع بين مكة والمدينة على اثني عشَر مِيْلًا من المدينة. (ظعينة) بمعجمةٍ مكسورةٍ: هي المرأة في الهَوْدَج؛ لأنها تظْعَن بارتحال الزَّوج، وقيل: أصلها الهَوْدَج، وسُمِّيت بها المرأة؛ لأنها تكون فيه. واسم المرأة سارة -بالمهملة والراء- مولاةٌ لعمران بن صَيْفي القُرشي، وقال (ش): مولاةٌ للعبَّاس بن عبد المطَّلِب. (تعادى)؛ أي: تَتعادى، فحُذفت إحدى التاءَين، أي: تَجري. (لتلقين) بكسر الياء وفتحها، كذا وقع، وقياس العربية: لتلقَنَّ بحذف الياء؛ لأن النون المشدَّدة تجتمع مع الياء الساكنة، فحُذفت لالتقاء الساكنين، وأجاب (ك): بأنَّ الرِّواية إذا صحَّت تُؤوَّل الكسرة بأنها لمُشاكَلة: (لتُخرِجَنَّ)، وباب المشاركة واسعٌ، والفتح بالحَمْل على المؤنَّث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغَيبة، وفي بعضها بفتح القاف ورفْع الثِّياب. (عِقاصها) بكسر المهملة، وبقافٍ، ومهملةٍ: الشَّعْر المَضفور، ويُقال: هي التي تتخذ من شَعْرها مثْل الوقاية، وكلُّ خَصلةٍ منه

عَقيصة، وقال (ش): هو الخَيط الذي يُعْقَص به أطراف الذَّوائب. (به)؛ أي: بالكتاب، وفي بعضها: (بها)؛ أي: بالصَّحيفة، أو بالمرأة. (حَاطِب) بمهملَتين، وكسر الثَّانية. (أبي بَلْتَعة) بفتْح الموحَّدة، وإسكان اللَّام، وفتْح المثنَّاة، وبمهملةٍ، واسمه: عامر، مات حَاطِب سنة ثلاثين. (إلى أناس) هو من كلام الرَّاوي وُضِع موضِعَ: إلى فُلانٍ وفلانٍ المذكورين في الكتاب. (لصيقًا)؛ أي: حَليفًا ولم يكن من نفْس قُريش، ويقال للدَّعيِّ في القَوم: مُلصَقٌ، ولَصِيق. (المنافق) أُطلق عليه ذلك؛ لأن ما صدَر منه يُشبه فعلَهم؛ لأنه باطَنَ الكفارَ بخلاف ما يظهَر، ويحتمل أنه قالَه قبل قَول النبي صلى الله عليه وسلم: (قَدْ صدَقَكُم)، أو يُريد أنه وإِنْ صدَق فلا عُذر له، أي: ليس هذا العُذر مُخرِجًا له مما وقَع فيه، وهو نفاقٌ على ظَنِّ عُمر؛ فبيَّن له - صلى الله عليه وسلم - أن العذر يؤول، وإنما عذَره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان مُتأولًا ولم يكن يُنافق بقَلبه، بل ذكَر أنَّه كان في الكتاب تفخيمُ أمر جيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم لا طاقةَ لهم به، فخوَّفَهم بذلك ليَخرجوا من مكة، وَحَسَّنَ هذا التأويل تَعلُّقُ خاطره بأهله وولده؛ إذ هم قِطْعةٌ من كَبِده، ولقد أبلَغ مَن قال: قَلَّما يُفلِح مَن كان له عِيَالٌ، لكنْ لطَف الله به فنجَّاه بما عُلِمَ

مِن صحَّة إيمانه، وغفر له بسابقة بَدْرٍ وسبْقه. (أن يكون) استُعمل (لعلَّ) استعمالَ: عسَى، فأتَى بأنْ. قال (ن): ومعنى الترجِّي هنا راجعٌ إلى عُمر؛ لأن وُقوع هذا الأمر محقَّقٌ عند الرسول، ومعناه الغُفران لهم في الآخرة، وإلا فلو توجَّهَ على أحدٍ منهم حَدٌّ مثلًا يُستوفى منه، وفيه هتْك أستَار الجَواسيس، وأنه لا يحدُّ القاضي إلا بإذْن الإمام، وفيه معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشرَفٌ لأهل بدْرٍ. (اعملوا ما شئتم) هو من المُشكِل؛ لأنه إباحةٌ مطلقةٌ، وهو خِلاف عقْد الشَّرع، فقيل: ليس للاستِقبال، بل للماضي، أي: غفَرتُ لكم [كلَّ] عمَلٍ كان لكم، وهو ضعيفٌ؛ لأن هذا الصادر من حَاطِب في المُستقبَل؛ لأنه بعد بدْرٍ، فلو كان للماضي لم يحسُن التمسُّك به هنا، وقيل: بل هو خِطابُ تشريفٍ وإكرامٍ، أي: أنهم حصلَتْ لهم حالةٌ غُفرت لهم بها ذنوبُهم السابقة، وتأهَّلوا بها أن يُغفر لهم ذنوب لاحقة إنْ وقَعتْ منهم، ولله درُّ القائل: وإِذا الحَبِيْبُ أتَى بذنْبٍ واحدٍ ... جاءَتْ مَحاسنُه بأَلْفِ شَفيعِ قلت: لم يحصل بذلك تخلُّصٌ من الإشكال، فينبغي أن يُحمل الغُفران في المستقبل على أنهم لا يقَع منهم ذنبٌ يُنافي عقيدة الدِّين بدليل قَبول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عُذْره؛ لما علِم من صحة عقْده وسلامة قلبه. (وأي إسناد) هو تعظيمٌ لعُلوِّ الإسناد وصِحَّته وقُوَّته؛ لأنَّ رجاله

142 - باب الكسوة للأسارى

هم الأكابر العُدول الثِّقات الحُفَّاظ. * * * 142 - بابُ الْكِسْوَةِ لِلأُسَارَى (باب الكِسوة للأُسارَى) 3008 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى، وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ قَمِيصًا، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نزَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَهُ الَّذِي ألبَسَهُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَدٌ، فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ. (فنظر له)؛ أي: نظَر يطلُب قميصًا لأجله. (يَقْدُرُ عليه) بضم الدال المخفَّفة من قولهم: قدَّرتُ الثَّوبَ عليه قَدرًا فانقَدَر، أي: جاء على المِقْدار، وقد تُفتح وتشدَّد، أي: لطُول لباسه، وكان طُوالًا كأنه فُسطاط، وكذلك أبوه عبد المطَّلِب، وأخوه عبد الله، وقد كافأَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ابنَ سَلُول بقميصٍ من بدَنه، فكفَّنه فيه.

143 - باب فضل من أسلم على يديه رجل

وسبق في (الجنائز). * * * 143 - بابُ فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ (باب فَضْل مَن أسلَم على يَديه رجلٌ) 3009 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلٌ - رضي الله عنه - -يَعْنِي: ابْنَ سَعْدٍ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ". فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ، فَقَالَ: "أَيْنَ عَلِيٌّ"؟ فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ، فَقَالَ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". (يرجونه) في بعضها: (يَرجُوه)، فحذفُ النُّون بلا ناصبٍ وجازمٍ لغةٌ فصيحةٌ.

144 - باب الأسارى في السلاسل

(فبرأ) بفتح الراء للحِجاز، وبكسرها لغَيرهم، أي: شُفِي. (رسلك) بكسر؛ أي: الهيْنة التَّأَنِّي. (حُمْرُ النَّعَمِ)؛ أي: لأنه أعزُّ أموالهم، قيل: وتشبيه أمور الآخرة بأعراض الدُّنيا إنما هو للتَّقريب للأَفْهام، وإلا فقَدْرٌ يسيرٌ من الآخرة خيرٌ من الدُّنيا وما فيها. وفيه معجزتان للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفضل عليٍّ - رضي الله عنه -. * * * 144 - بابُ الأُسَارىَ فِي السَّلاَسِلِ 3010 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عَجِبَ اللهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ". (باب الأُسارَى في السَّلاسِل) (عجب الله) المراد إسناد لازِمه؛ لاستحالة حقيقة التعجُّب على الله، ولازمه هو الرِّضَا والثَّواب. (من قوم) لعلَّ المراد بهم أُسارَى المسلمين يموتون أو يُقتلون وهم في أيديهم مُسَلْسَلين، فيُحشَرون عليها، ويدخُلون الجنة كذلك؛

145 - باب فضل من أسلم من أهل الكتابين

لإظهار شرَفهم كإتيان الشَّهيد ودَمُه عليه. * * * 145 - بابُ فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ 3011 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ أَبُو حَسَنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ". ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَأَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي أَهْوَنَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ. (باب فَضْلِ مَن أسلَم من أهل الكتابين) سبق الحديث فيه في (العلم)، في (باب: تعليم الرجل أَمتَه). * * *

146 - باب أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان والذراري

146 - بابُ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ {بَيَاتًا}: لَيْلًا، {لَيُبَيِّتَنَّهُ} لَيْلًا، يُبَيِّتُ لَيْلًا. (باب أهل الدار يُبيَّتون) مبنيٌّ للمفعول، من التَّبييت، يُقال: بيَّت العدوَّ: أوقَع بهم ليلًا. (الولدان) جمع وَلِيْد، وهو الصبيُّ والعبد. (والذراري) بالرَّفع والتَّشديد، وبالسُّكون والتَّخفيف. (بَياتًا) بفتح الموحَّدة، يُقال: بيَّته بياتًا كسَلَّم سَلامًا، فهو خارجٌ عن الترجمة مرادٌ به ما في القرآن، ففسَّره بأن المراد به ليلًا. * * * 3012 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، قَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لاَ حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -". 3013 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ سَمعَ عُبَيْدَ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا الصَّعْبُ فِي الذَّرَارِيِّ، كَانَ عَمْرٌو يُحَدِّثُنَا، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ قَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ"، وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عَمْرٌو: "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ". (بالأبْواء) بفتح الهمزة، وسكون الموحَّدة، والمدِّ: مَوضعٌ. (بِوَدَّان) بفتح الواو، وتشديد المهملَة، وبالنون. (من المشركين) بيانٌ لأهل الدَّار. (هم منهم) قال (خ): أي: في حُكم الدِّين لا في جَواز القَتْل، فإنَّ ولَد الكافر مَحكومٌ له بالكُفْر، لكن إذا أُصيبُوا لاختِلاطهم بالآباء لم يكُن في قتْلهم شيءٌ، والنَّهي عن قتْلهم إنما هو فيما إذا كانوا هم المَقصودِين، وكذلك النِّساء، وإذا قاتَلْن يُقتَلْن أيضًا، وإذا لم يُتوصَّل لقتْل الآباء إلا بذلك جازَ، وبه تجتَمع الأحاديث. قال (ن): في أطفال الكفَّار في الآخرة ثلاثةُ مذاهب: الأكثَر أنهم في النَّار تبعًا لآبائهم، وتوقَّفت طائفةٌ، والثالث الصَّحيح: أنهم من أهل الجنَّة. (حمى) بلا تنوينٍ، وفي بعضها بالتَّنوين. قال (ك): فتكون (لا) حينئذٍ بمعنى: ليس، أي: فتكون للاستِغراق على الأول بخلاف الثَّاني. وسبق الحديث في (كتاب الشِّرب)، وكان أهل الجاهلية إذا عزَّ الرجل فيهم يَحمي الأرض بقدْر مدَى صوت الكلْب، ويمنع النَّاسَ أن

147 - باب قتل الصبيان في الحرب

يرعَوا حولَه، فأُبطِلَ هذا النَّوع من الحِمَى، وقد حَمى عُمر - رضي الله عنه -، فلو لم يجز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعلْه عُمر، فالمعنى: لا حِمَى إلا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومَن يقوم مقامه. (كان عمرو)؛ أي: قال سُفيان: كان عمْرو بن دِيْنار يحدِّثنا بهذا الحديث عن ابن شِهَاب مرسَلًا، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هُمْ مِن آبائهم"، فسمِعنا ذلك من الزُّهْرِي أنَّه قال: أخبرني عُبَيد الله، عن ابن عباسٍ، عن الصَّعْب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هم منْهم"، ولم يقُل: كآبائهم كما نقلَه عمْرو عنه. وفي بعضها بدَل (ابن شِهاب): (ابن عبَّاس)، وهو أيضًا صحيحٌ من جهة أنَّ عمرًا أدرك ابن عبَّاس، لكنَّ الحديث من مَسانيد الصَّعْب، فلا بُدَّ أنْ يقول: عن ابن عبَّاس عن الصَّعْب؛ ليتصِل الإسنادُ، وعلى النُّسختَين فالإسناد مقطوعٌ، لكن الأوَّل هو الظَّاهر. * * * 147 - بابُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ (باب قَتْل الصِّبْيان في الحَرْب) 3014 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَهُ: أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

148 - باب قتل النساء في الحرب

مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَتْلَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانِ. سبق فيه الحديث مرَّاتٍ. * * * 148 - بابُ قَتْلِ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ 3015 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. (باب قَتْل النِّساءِ في الحَرْب) هو بمعنى ما قبلَه. (حدثكم) فيه أنَّه إذا قال لشيخه ذلك، أو أخبركَم، ونحوه؛ فقال: نعم، وسكتَ مع قرينة الإجازة؛ جازت الرِّواية بذلك. * * * 149 - بابٌ لاَ يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللهِ (لا يُعذب بعذابِ الله) 3016 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ

سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ فَقَالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَدْناَ الْخُرُوجَ: "إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا". الحديث الأول: سبق شرْحُه قريبًا، وتَسميةُ الرجلين. * * * 3017 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - حَرَّقَ قَوْمًا، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَناَ لَمْ أُحَرِّقْهُمْ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللهِ"، وَلَقَتَلْتُهُمْ كمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ". الثاني: (لو كنت أنا) خبره محذوفٌ، أي: لو كنتُ أنا بدلَه، وكان ذلك من عليٍّ - رضي الله عنه - بالرَّأْي والاجتهاد. (من بدل دينه)؛ أي: دينَ الحقِّ، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وإلا فالكافر إذا أسلَم يصدُق أنَّه بدَّلَ دينَه، واليهوديُّ إذا تنصَّر، وبالعكس، فإنَّه وإنْ لم يُبدِّل دينَ الحقِّ وهو الإسلام، لكنْ لقَتْله دليلٌ آخر غيرُ ذلك.

150 - باب {فإما منا بعد وإما فداء}

واحتجَّ مالكٌ على أن المرتدَّ يُقتل وإنْ تاب، لكن إذا كان الكُفر يتعلَّق بالإلهيَّات فإنَّه لا يُقتل بعد التَّوبة. * * * 150 - بابٌ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} فِيهِ حَدِيثُ ثُمَامَةَ، وَقَوْلُهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} الآيَةَ. (باب: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4]) (فيه حديث ثُمامة) موصولٌ في (كتاب الصلاة)، في (باب: رَبْط الأسير في المسجِد)، وفي (المغازي)، وغير ذلك. * * * 151 - بابٌ هَلْ لِلأَسِيرِ أَنْ يَقْتُلَ وَيَخْدَعَ الَّذِينَ أَسَرُوهُ حَتَّى يَنْجُوَ مِنَ الْكَفَرَةِ؟ فِيهِ الْمِسْوَرُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب: هل للأسِيْر أن يَقْتُلَ ويَخدعَ) (المِسْور) يُشير إلى حديث أبي بَصِيْر في (كتاب الشُّروط)، وفي

152 - باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟

(صُلح الحُدَيبِيَة)، وإنما لم يذكُره بلفظه اختصارًا، فإنَّه إنما يُكرِّر الحديث لفائدةٍ في اللَّفْظ، أو نُكتةٍ في الإسناد، وقد لا يكون في تكرار هذا ذلك. * * * 152 - بابٌ إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ؟ (بابٌ: إذا حرَق المُشرِكُ المُسلِمَ، هل يُحرق؟) 3018 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْغِنَا رِسْلًا، قَالَ: "مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ"، فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ الطَّلَبَ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا، وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا.

(ثمانية) بدَلٌ من: رَهْط، أو بَيانٌ، ففيه التَّصريح بعُذرهم. و (ن) قال: إنَّ ذلك في "مسند أبي يَعْلى المَوصِلي"، وكأنه لم يطَّلِع حينئذٍ على أن ذلك في البخاري، بل وفي مسلم أيضًا. (فاجتووا) هو كَراهةُ الإقامة، أو أنهم استَوخَموهما كما صرَّح به البخاريُّ في مَواضع أُخرى. (ابْغِنَا رِسْلًا) بكسر الرَّاء، أي: اللَّبَن، أي: اطلُبْه لنا، يُقال: بغَيتُك الشَّيءَ: طلبتُه لكَ، وأبغَيتُكَهُ: أعنتُك على طلَبه. (الذود)؛ أي: من الإبِل ما بين الثَّلاثة إلى العشَرة، وبيِّن في غير هذا الحديث أنها من إبل الصَّدَقة، ففيه أنهم كانوا يُبقُون من إبِل الصَّدَقة لمَا يَعرِض من النَّوائب. (الصريخ): صَوتُ المُستغِيث، أو الصَّارِخ. (الطلب) جمع طالِب. (ترجل) بالجيم، أي: ارتفَع. (فأحميت) كذا وقَع رُباعيًّا، وهو المَعروف في اللُّغة، ولا يُقال: فحمَيت ثلاثي، وإنما فعل ذلك بهم لمَا في رواية سُلَيمان التَّيْمِيِّ، عن أنَس: أنَّهم كانوا فَعلُوا بالرِّعاءِ مثلَ ذلك، فلا يُعارِض حينئذٍ: "لا تُعذِّبوا بعَذابِ اللهِ"؛ لأن ذلك حيثُ لم تكُنْ مقاصَصةً، وعليه يُنزَّل تَبويب البخاري وإلا فلا مُناسبةَ فيه.

153 - باب

(سرقوا) استُشكِل بأنَّ هذا ليس سَرِقةً، بل حِرابةً، وسبَق الحديثُ كثيرًا، منها في (الوضوء)، في (باب: أبوال الإبِل). * * * 153 - بابٌ (بابٌ) 3019 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ"؟ (قَرَصَت) بفتح القاف، والرَّاء، والمهملَة المفتوحات، أي: لَدغَتْ. (نبيًّا) روى التِّرمِذي الحَكيم في "نَوادِر الأُصول": أنَّه مُوسَى - عليه السلام -، وفي "التَّرغيب والتَّرهيب": أنَّه عُزَيزٌ. (قرية)؛ أي: مَسكَن، والجمع قُرَى. (أن قرصتك) فيه استِفهامٌ مقدَّرٌ، أو مَلفوظٌ، وهمزةُ (أن) مفتوحةٌ. فإنْ قيل: كيف جازَ حَرْق النَّمل قِصاصًا وهو ليس بمكلَّفٍ؟ وليس

154 - باب حرق الدور والنخيل

الجَزاء مثلَه؟ والقارِصة نملَةٌ؛ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]. قيل: لعلَّه في شَرعه كان جائِزًا، ويُقال: المُؤذي طبْعًا يُقتَل شَرعًا قياسًا على الأَفْعى، ولا يُقال: لَومه يدلُّ على أنَّه غير جائزٍ، بل لأنَّه خِلاف الأَولى، وحسَناتُ الأبرار سيِّئات المُقرَّبين. * * * 154 - بابُ حَرْقِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ (باب حَرْق الدُّور والنَّخيل) قيل: صَوابه: إِحْراق. 3020 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرٌ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ"؟ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، قَالَ: وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا"، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ، أَوْ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ

وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. الحديث الأول: (تريحني) مِن الإراحة بالراء، والمهملة. (الخَلَصَة) بمعجمةٍ، ولامٍ، ومهملةٍ مفتوحاتٍ، وقيل: بسُكون اللام، وقيل: بضمِّ المُعجمة، وفتح اللام؛ حكاه ابن دُرَيد، وقيل: بضمِّ الخاء، واللام: بيت صنَمٍ ببلاد دَوْسٍ، وقيل: هو اسمٌ للصَّنَم، وضعَّفه الزَّمَخشَري بأنَّ (ذُو) لا تُضاف إلا إلى أسماء الأَجناس. (خَثْعَم) بفتْح المُعجَمة، وسُكون المثلَّثة، وفتح المُهملة: قَبيلةٌ من اليمَن. (كعبة اليمانية) ضاهَوا به الكعبة الحَرام، بتخفيف الياء على المَشهور؛ لأن الألف بدَلٌ من إحدى ياءَي النَّسَب، وقد جاء بالتَّشديد، والإضافةُ فيه من إضافة الموصوف إلى صفته، أي: كعبة الجِهَة اليَمانيَة. وإنما أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك لأنه كان فيه صنَمٌ يعبدونه اسمه الخَلَصة. (أحْمُس) بفتح الهمزة، وسُكون المهملَة الأولى: قَبيلةُ جَرير، وهو في اللُّغة الشُّجاع، والشَّديد، والصلب في الدِّين، والقِتال.

(هاديًا) إشارةٌ إلى قُوَّة التَّكميل. (مهديًا) إشارةٌ إلى قوَّة الكَمال أنْ جعلَه كامِلًا مُكمِّلًا. قيل: وفيه تقديمٌ وتأخيرٌ، فإنه لا يكون هاديًا لغيره حتى يكونَ مَهديًّا في نفْسه. قلتُ: يجوز أن يُجعَل مَهديًّا حالًا من الضَّمير في هاديًا، فلا تقديمَ ولا تأخيرَ. واسم رسولِ جَرِيْر الذي بشَّر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك: حُصَين -بضم المُهملة الأُولى- ابن رَبِيْعة الأحْمُسِي، أَبو أَرْطاةَ بسكون الراء، والمهملة. (أجوف)؛ أي: مُجوَّف ضِدُّ المُصمَت، أي: خالٍ عن كلِّ ما يكون في البَطْن، ووجْه الشَّبَه بينهما عدَم الانتِفاع به، وكونُه في مَعرِض الفَناء بالكُليَّة، لا بقاءَ ولا ثباتَ دوامًا. قال (ش): إنَّ (أجْوَف) رواية مُسَدَّد، وشَرَحه بأبيض البَطْن. قال (ع): وهو تصحيفٌ، وإفسادٌ للمعنى. (أجرب) قال (خ): معناه مَطْليٌّ بالقَطِران؛ لمَا به من الجرَب، فصار أسود، أي: صارتْ سوداءَ من الإحراق. وفيه استحباب إرسال البَشير بالفُتوح، والنِّكايةِ بآثار الباطِل، والمبالغة في إزالته.

155 - باب قتل النائم المشرك

(وبارك)، أي: دعا بالبركة خمس مراتٍ. * * * 3021 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: حَرَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ. الحديث الثاني: (بني النَضِير) قَبيلةٌ من اليهود، وهو بفتْح النون، وكسر المعجَمة. * * * 155 - بابُ قَتْلِ النَّائِمِ الْمُشْرِكِ (باب قَتْل المُشرِك النَّائِم) 3022 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعٍ لِيَقْتُلُوهُ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَدَخَلَ حِصْنَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فِي مَرْبِطِ دَوَابَّ لَهُمْ، قَالَ: وَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ فَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ أُرِيهِمْ أَنَّنِي أَطْلُبُهُ مَعَهُمْ، فَوَجَدُوا

الْحِمَارَ، فَدَخَلُوا وَدَخَلْتُ، وَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ لَيْلًا، فَوَضَعُوا الْمَفَاتِيحَ فِي كَوَّةٍ حَيْثُ أَرَاهَا، فَلَمَّا نَامُوا أَخَذْتُ الْمَفَاتِيحَ، فَفَتَحْتُ بَابَ الْحِصْنِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ! فَأَجَابَنِي، فَتَعَمَّدْتُ الصَّوْتَ فَضَرَبْتُهُ، فَصَاحَ، فَخَرَجْتُ ثُمَّ جِئْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ كَأَنِّي مُغِيثٌ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ! وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: مَا لَكَ لأُمِّكَ الْوَيْلُ؟ قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي مَنْ دَخَلَ عَلَيَّ فَضَرَبَنِي، قَالَ: فَوَضَعْتُ سَيْفِي فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى قَرَعَ الْعَظْمَ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَأَناَ دَهِشٌ، فَأَتَيْتُ سُلَّمًا لَهُمْ لأَنْزِلَ مِنْهُ، فَوَقَعْتُ فَوُثِئَتْ رِجْلِي، فَخَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: مَا أَناَ بِبَارِحٍ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى سَمِعْتُ نَعَايَا أَبِي رَافِعٍ تَاجِرِ أَهْلِ الْحِجَازِ، قَالَ: فَقُمْتُ وَمَا بِي قَلَبَةٌ حَتَّى أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمُ فَأَخْبَرْناَهُ. الحديث الأول: (إلى أبي رافع) هو عبد الله بن أبي الحُقَيْق -بضم المهملة، وفتح القاف الأُولى، وسكون الياء- اليهودي. (رجل) سيأتي في الحديث الثَّاني أنه عبد الله بن عَتيِك -بفتح المهملة، وكسر المثنَّاة- الأنْصاري، قُتل باليَمَامة. (كوة) بفتح الكاف، وضمها: نَقْب البَيت (¬1). ¬

_ (¬1) في نسخة: "الحائط" بدل "البيت" كما جاء على هامش الأصل، وكذا جاء في "ف" و"ت".

(ففتحت) قالَه مع أنَّه داخلَ الحِصْن؛ لأن للحِصْن مَغالِق وطبَقات. (فتعمدت)؛ أي: اعتَمدتُ جِهَة الصَّوت؛ إذ كان الموضع مُظلِمًا. (ما لك؟)، (ما) استفهاميةٌ، مبتدأٌ، و (لك) الخبر. (لأمك الويل) القِياس: على، وإنما ذُكر باللام لإرادة الاختِصاص بهم. (دَهِشٌ) بكسر الهاء، أي: مُتَحيِّرٌ مَدهوشٌ. (فوثئت) بضم الواو، وكسر المثلَّثة: مِن الوِثاء، وهو أن يُصيب العظم وصْمٌ لا يبلُغ الكسرَ، إمَّا بفتح الياء، أو إبدالها همزًا، حكاه ابن فارس. (الناعية) فاعلةٌ من النَّعْي، وفي بعضها: (الداعية) هي التي تَدعُو بالوَيل، وهي النَّائِحة. (نعايا أبي رافع) قال (خ): هكذا رُوي، وإنما حقُّ الكلام: نَعَا أبا رافِعٍ، أي: انعُوا أبا رافِع، أي: سمعتُ هذا الكلام، يُقال: نَعَا فُلانًا، أي: انْعَهُ، كقولهم: دَارِكْ، أي: أدركُوا، وكذا قال (ط): جعل دلالة الأمر علامةَ الجزْم آخرَه بغير تَنوينٍ، كما قالت العرب مِن أَدْرَكَ: دَراكِها، ومِن قطم قَطَامِ، وقال سِيْبوَيْهِ: إنه يطَّرد هذا في الأفعال الثلاثية كلِّها، أو يُقال فيها: فَعالِ بمعنى: أَفْعِلْ، نحو: حَذَارِ، ومَنَاعِ، ودَرَاكِ، كما تقول: احذَرْ، واترُكْ، وامنَعْ، انتهى.

156 - باب لا تمنوا لقاء العدو

وهذا إنما يصحُّ لو قال: نَعايا أبا رافِع بالنَّصب، وقال الدَّاوُدي: نَعايا جمع ناعيَة، والصَّحيح أنه جمعُ نَعِي كصَفيٍّ وصَفَايا، والنَّعي خبَر المَوت. (قَلَبَه) بفتح القاف واللام والباء، أي: ما بِي داءٌ يُقلَب له الرَّجُل ليُعالج، أي: ليس به عِلَّةٌ. * * * 3023 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا، فَقَتَلَهُ وَهْوَ ناَئِمٌ. الحديث الثاني: بنحو الأول، وفيه تعيين القاتِل. * * * 156 - بابٌ لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ (باب: لا تَمنَّوا لِقَاءَ العَدوِّ) 3024 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ

الْيَرْبُوعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ: كُنْتُ كَاتِبًا لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، فَأَتَاهُ كِتابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ". 3025 - مَولَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ كنتُ كاتِبًا لَه قال كَتَب إِليه عَبدُ اللهِ ابنُ أَبي أَوفَى حِينَ خَرَجَ إلى الحَرُورِيَّةِ فَقَرَأْتُهُ فإذا فيه: إِنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أَيَّامِهِ الَّتي لَقِيَ فيها العَدُوَّ انْتَظَرَ حتَّى مالَتِ الشمسُ ثُم قامَ في الناسِ فقال: "أيُّها الناسُ لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ وسَلُوا اللهَ العافيةَ، فَإِذا لَقيتُمُوهُمْ فاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ" ثم قال: "اللهمَّ مُنْزِلَ الكِتابِ ومُجْرِيَ السَّحابِ وهازمَ الأحْزاب اهْزِمْهُم وانْصُرْنا عَلَيْهمْ"، وقال موسى بنُ عُقْبةَ: حدَّثني سالمٌ أَبو النَّضْر، وساقَ الحديثَ إلى آخِر الباب. 3026 - وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا". (اليَرْبُوعي) بفتح التَّحتانية. (الفَزاري) بفتح الفاء. (الحَرورية) بفتح المُهملَة. (لا تتمنوا) نهيٌ عن تمنِّي اللِّقاء؛ لمَا فيه من الإعْجاب والاتِّكال على القُوَّة، أو ذلك فيما إذا شكَّ في المصلحة، وإلا فالقِتال فَضيلةٌ، وطاعةٌ.

157 - باب الحرب خدعة

157 - بابٌ الْحَرْبُ خَدْعَةٌ (باب: الحَرْبُ خَدْعةٌ) مثلَّث الخاء، بالفتح والكسر مع إسكان، أو الضم مع فتحها، يعني: أنها تَخدع الرِّجال، أي: تُمنِّي لهم الظَّفَر، ولا تَفي لهم به كالضُّحكة إذا كان يُضحِك بالنَّاس، وأفصحها فتح الخاء، وإسكان الدَّال، أي: أنها ينقَضي أمرُها بخَدْعةٍ واحدةٍ. قال في "الفَصِيْح": وذُكر لي أنها لغة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وذكر بعض أهل السِّيَر: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك يومَ الأحزاب لمَّا بعَث نُعَيم بن مَسعُود أنْ يُخَذِّلَ بين قُريش وغَطَفَان ويَهُود. ومعناه أنَّ المُماكَرة في الحرْب أنفَعُ من المُكابَرة؛ فالخِداع في الحرب مباحٌ وإنْ كان محظورًا في غيرها. 3027 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هَلَكَ كِسْرَى، ثُمَّ لاَ يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ". 3028 - وَسَمَّى الْحَرْبَ خُدْعَةً. الحديث الأول: (كسرى) بفتح الكاف وكسرها: لقَبُ مَلِك الفُرس.

(قيصر) لقَبُ مَلِك الرُّوم غير منصرِفِ، قيل: المراد: لا يكون كِسْرى بالعِراق ولا قَيصَرَ بالشَّام، والأصحُّ العُموم؛ إذ زال مُلكهما بالكليَّة، وافتتَح المسلمون بلادَهما، واستقرَّتْ لهم، واقتسَمُوا كنوزهما في سبيل الله. وهذه مُعجزاتٌ ظاهرةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا هلك)؛ لأنَّ كسرى الذي في زَمانه كان قد هلَك، وقال في قَيْصَر: (ليَهلكنَّ)؛ لأنه كان حيًّا حينئذ، وغيرُهما -وإنْ جاء بعدَهما- لكنْ لم يقُم لهم النَّامُوس على الوجْه الذي يُقام به لهما. * * * 3029 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَصْرَمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْحَرْبَ خُدْعَةً. 3030 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَرْبُ خُدْعَةٌ". الحديث الثاني، والثالث: سبَق أوَّلَ الباب شرحُه، وبيانُ حكم الخَديعة. * * *

158 - باب الكذب في الحرب

158 - بابُ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ (باب الكَذِب في الحَرْب) 3031 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ"؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا -يَعْنِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ عَنَّاناَ وَسَألَنَا الصَّدَقَةَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللهِ، قَالَ: فَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ. (لكعب) خبرُ (مَن)، أي: مَنْ يقتُله؟، وهو القُرَظيُّ المُسمَّى بطاغُوت اليَهود، وكان يَهجُو النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ويُؤذيه. (عنَّانا)؛ أي: أتعبَنا، وهذا من التَّعريض الجائز بل المُستحسَن؛ لأنَّ معناه في الباطِن: أدَّبنا بآداب الشَّريعة التي فيها تعَبٌ، لكنْ في مَرضاة اللهِ تعالى، والذي فهم المخاطب هو العناء الذي ليس بمحبوب. (لتملنّه)؟ أي: يَزيد ملالُكم عنه، وتتضجَّرون أزيدَ من ذلك. وليس ذلك غَدرًا مع كونه مستأْمِنًا؛ لأنَّه قد نقَض العهد بإيذائه

159 - باب الفتك بأهل الحرب

رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهجائه، وإعانته المُشركين على حَرْبه، وأما قَول ابن سلَمَة له ما قال؛ فليس فيه تصريحٌ بتأْمينٍ، إنما هو كلامٌ في البَيع والشِّراء، والشِّكاية إليه والاستِئْناس حتى يُمَكَّن من قَتْله. * * * 159 - بابُ الْفَتْكِ بأَهْلِ الْحَرْبِ (باب الفَتْك بأهْلِ الحَرْب) بفتح الفاء: الغَدْر. 3032 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ"؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: فَأْذَنْ لِي فَأَقُولَ، قَالَ: "قَدْ فَعَلْتُ". (فأقول)؛ أي: عنِّي وعنْك ما رأيتُه مصلحةً من التَّعريض وغيرِه ما لم يحقِّقْ باطِلًا ولم يُبطل حقًّا. * * * 160 - بابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الاِحْتِيَالِ، وَالْحَذَرِ مَعَ مَنْ يَخْشَى مَعَرَّتَهُ 3033 - قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ

ابْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّهُ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، فَحُدِّثَ بِهِ فِي نَخْلٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّخْلَ طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَابْنُ صَيَّادٍ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا صَافِ! هَذَا مُحَمَّد، فَوَثَبَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ". (باب ما يَجُوز من الاحتِيَال) (مَعَرّته) بفتْح الميم، والمهملة، وشدَّة الرَّاء، أي: شَرَّه [و] ما يُكره منه من فَساده. (قِبَل) بكسر القاف، وفتح الموحَّدة. (في نخل) حالٌ من الضَّمير المَجرور. (قطيفة) هي كِسَاء مخمَل. (رمرمة) براء مكرَّرة: صَوتٌ، وفي بعضها بزاءَين. (أم ابن صياد) في بعضها بدون لفظ: (ابن)، حُذِف للعِلْم به بالقرينة، أو بشُهرته ونحوه. (صَاف) بضم الفاء وكسرها: اسْمُه. (بيَّن) أي: لو تركَتْهُ بحيث لا يَعلَم قُدومَ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَندَهِش

161 - باب الرجز في الحرب، ورفع الصوت في حفر الخندق

عنه بيَّن لكم باختلاف كلامه ما يهون عليكم أمره. وسبق بيانُ الحديث مبسوطًا في (الجنائز)، في (باب: إذا أسلَم الصَّبيُّ). * * * 161 - بابُ الرَّجَزِ فِي الْحَرْبِ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ فِيهِ سَهْلٌ، وَأَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَفِيهِ يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ. (باب الرَّجَز في الحَرْب) (فيه سهل وأنس) مَوصولان في (المغازي)، في (قصة الخنْدق). (وفيه يزيد)؛ أي: ابن أبي عُبَيد، موصولٌ في (المغازي)، وفي (الدَّعَوات)، وغير ذلك. * * * 3034 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ، وَكَانَ رَجُلًا كثِيرَ الشَّعَرِ، وَهْوَ يَرْتَجزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللهِ:

162 - باب من لا يثبت على الخيل

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا إِنَّ الأعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ. (بغوا) من البَغْي، وهي الاستِطالة والظُّلْم. (أبينا) من الإِبَاء، سبَق بيانُ ذلك، وأنَّ الرَّجَز شِعْرٌ أو لا؟، وكيف صدَر من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في (باب: من يُنكَب في سبيل الله). * * * 162 - بابُ مَنْ لاَ يَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ (باب مَن لا يَثبُت على الخَيل) 3035 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. 3036 - وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا". (ما حجبني)؛ أي: ما منَعني مما التمستُ منه، أو من دُخول

163 - باب دواء الجرح بإخراق الحصير وغسل المرأة عن أبيها الدم عن وجهه، وحمل الماء في الترس

الدَّار، ولا يَلزم منه النَّظَر إلى أُمهاتِ المؤمنين. * * * 163 - بابُ دَوَاءِ الْجُرْحِ بِإِخْرَاقِ الْحَصِيرِ وَغَسْلِ الْمَرْأَةِ عَنْ أَبِيهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَحَمْلِ الْمَاءِ فِي التُّرْسِ (باب دَواءِ الجُرح) 3037 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ - رضي الله عنه -: بِأَيِّ شَيْء دُووِيَ جُرْحُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَ عَلِيٌّ يَجيءُ بِالْمَاءِ فِي تُرْسِهِ، وَكَانَتْ -يَعْنِي: فَاطِمَةَ- تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ، ثُمَّ حُشِيَ بِهِ جُرْحُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (دووي) مبنيٌّ للمفعول، أي: بأيِّ شيءٍ كانتْ مُداواتُه؟ (جرح النبي - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: في أُحُد. (ما بقي أحد)؛ أي: لأنَّه آخِر مَن ماتَ من الصَّحابة بالمدينة. وسبَق الحديث في (الوضوء). * * *

164 - باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه

164 - بابُ مَا يُكْرَه مِنَ التَّنَازُعِ وَالاِخْتِلاَفِ فِي الْحَرْبِ، وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، قَالَ قتادَةُ: الرَّيحُ: الْحَرْبُ. (باب ما يُكرَهُ من التَّنازُع والاختِلاف) 3038 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا". الحديث الأول: (عن جده) الضَّمير لسعيد، أي: لا لابنِه، أي: روى سعيد، عن عامر، عن عبد الله. وسبق الحديث في (العِلْم). * * * 3039 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - يُحَدِّثُ قَالَ: جَعَلَ

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ -وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا- عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: "إِنْ رَأَيْتُمُوناَ تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُوناَ هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْناَهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ"، فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ: فَأَناَ وَاللهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ، أَيْ قَوْمِ! الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تنتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: وَاللهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيَبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً؛ سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلاَثَ مَرَّات، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا، فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نفسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللهِ يَا عَدُوَّ اللهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ، قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكمْ سَتَجدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجزُ أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُجيبُوا لَهُ"؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا نقُولُ؟

قَالَ: "قُولُوا: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ"، قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُجيبُوا لَهُ"؟ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهُ مَوْلاَناَ وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ". الثاني: (الرَّجَّالة) بتَشديد الجيم: جمع راجِل، خِلاف الفارِس. (يَخْطفنا) بإسْكان المُعجَمة، وتخفيف الطَّاء، وهو مثَل يُريد به الهزيمة، أي: إنْ رأَيتُمونا انهزمْنا؛ فلا تُفارقوا مكانكَم. (أوطأناهم)؛ أي: مشَيْنا عليهم وهم قتلى بالأرض، والهمزة للتَّعريض، أي: جعلْناهم في مَعرِض الدَّوْس بالقَدَم. (النساء) نساء المُشركين. (يُسْنِدن) بالسِّين المهملة، والنُّون، أي: يمشِينَ في سنَد الجبَل يُرِدْنَ أن يَرقَيْنَ الجبَل، وفي رواية أبي ذَرٍّ: (يَشتَدِدْن) بالمعجمة، أي: يَجرينَ. قال (ك): يَشتَدِدْن، أي: على الكفَّار، يُقال: شدَّ عليه في الحرب، أي: حَمل عليه. (بدت)؛ أي: ظهَرتْ. (أسوقهن) جمع: ساق، وضُبِط بهمز الواو على معنى أنَّ الواو إذا انضمَّتْ جاز همزُها. وفيه جَواز النَّظَر إلى أَسْوُق المُشرِكات ليُعلم حال القَوم لا لشَهوةٍ.

(الغنيمة) نصبٌ على الإغراء. (أي قومي) مُنادَى، أي: يا قَومي. (ظهر)؛ أي: غلَب، وإنما صُرِفت أهويتُهم لعصْيانهم قولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (إذ يدعوهم الرسول في أخراهم)؛ أي: في جماعتهم المؤخَّرة، فكأنَّ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: إليَّ يا عبادَ اللهِ، إليَّ يا عبادَ اللهِ، أنا رسول اللهِ، مَن يَكرُّ فله الجنَّة. (أَبو سُفيان)؛ أي: صَخْر بن حَرْب؛ لأنه كان يومئذٍ رئيس الكفَّار وأمير عسكرهم. (فما ملك عمر نفسه) إلى آخره، إنما قال ذلك مع نهي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أنكَر قَول الباطِل ولم يُرِد العِصْيان. (سِجال) جمع: سَجْل، وهو الدَّلْو، شُبِّه المُتحارِبان بالمُسْتَقِيَيْن، يَستقي هذا دَلْوًا وهذا دَلْوًا، قال الشَّاعر في نحو ذلك: فيَومٌ عَلَيْنا وَيومٌ لَنَا ... وَيومٌ نُسَاءُ ويَومٌ نُسَرُّ (مُثْلةً) بضم الميم، وسُكون المثلَّثة: اسمُ منْ مُثِّل به، أي: فُتِكَ به، ومثَّلَه، أي: أجذَعَه، وبفتح الميم، وضم المثلَّثة: العُقوبة؛ لأنهم جذَعوا أنُوفهم وشقُّوا بُطونهم. (هُبَل) بضم الهاء، وفتح الموحَّدة: صنَمٌ كان في الكَعبة. (ألا تجيبونه) في بعضها بحذف النُّون، وهو لغةٌ فصيحةٌ.

165 - باب إذا فزعوا بالليل

(العُزَّى) تأنيث الأَعَزِّ: صنَمٌ كان لقُريش. (لا مولى لكم) لا (¬1) يُعارِضُ ذلك قولَه تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: 62]، لأنَّ المُراد في الآية بالمَولى: المالِك، وفي الحديث: النَّاصِر. * * * 165 - بابٌ إِذَا فَزِعُوا بِاللَّيْلِ (بابٌ: إذا فَزِعُوا باللَّيل) 3040 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا، قَالَ فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَ: "لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَجَدْتُهُ بَحْرًا"؟ يَعْنِي: الْفَرَسَ. (عُري) بضم المهملَة، أي: مُجرَّد عن السَّرْج، واسمه: مَنْدوب. (لم تراعوا)؛ أي: لا تُراعُوا، أو لم تُراعوا رَوْعًا مُستقِرًّا، أو ¬

_ (¬1) "لا" ليس في الأصل.

166 - باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه! حتى يسمع الناس

رَوْعًا يضرُّكم، وسبَق الحديث. * * * 166 - بابُ مَنْ رَأَى الْعَدُوَّ فَنَادَى بأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا صَبَاحَاهْ! حَتَّى يُسْمِعَ النَّاسَ (باب مَن رأَى العَدوَّ فنادَى بصَوته: يا صَباحَاه!) هو مُنادىً مُستغَاثٌ، فالألف للاستِغاثة، والهاء للسَّكت، وكأنه نادى النَّاسَ استغاثةً بهم في وقت الصَّباح، أي: في وقْت الغَارَة، فهي كلمةٌ يقولها المستَغيث. 3041 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ لَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قُلْتُ: وَيْحَكَ! مَا بِكَ؟ قَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا: يَا صَبَاحَاهْ! يَا صَبَاحَاهْ! ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأقولُ: أَناَ ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ، فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا، فَأَقْبَلْتُ بِهَا أَسُوقُهَا، فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ!

إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ، وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ، فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ، فَقَالَ: "يَا ابْنَ الأَكْوَعِ! مَلَكْتَ فَأَسْحِجْ، إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ". (الغابة) بالمعجمة، وخفَّة الموحَّدة: الأجَمَة موضعٌ بالحِجاز. (لِقَاح) بكسر اللام: الإبِل، الواحِدة: لقُوح، وقال (خ): لِقْحَة، وهي الحَلُوب. (غَطَفَان) بفتح المعجمة، والمهملَة بعدها، والفاء. (وفَزارة) بفتح الفاء، وتخفيف الزَّاي، وبعد الألف راءٌ: قَبيلتان. (لابتيها)؛ أي: الحَرَّتان. (اندفعت)؛ أي: أسرَعتْ في السَّيْر. (الرضع) جمع: راضع، ومُراده يومَ هلاكِ اللِّئام، مِن قولهم: لَئيمٌ راضعٌ، وهو الذي رضع اللُّؤمَ من ثَدي أُمِّه. وقيل: لعلَّهم الذي يَرضعون بأنفُسهم اللَّبَن من الشَّاة من غير حَلْبٍ من اللُّؤم، أو لأنهم يرضعون بالشَّخْلة من غير أن تُحلب أُمُّها؛ لئلا يسمَع الطَّارِق الصَّوتَ. وقيل: معناه: اليوم يعرف من رضع كريمةً فأنجبتْه، أو لئيمةً فهجنتْه، أو اليوم يعرف من أرضعتْه الحرب مِن صِغَره وتَدَرَّب بها من غيره. قال السُّهَيْلي: (اليومُ يومُ) بالرفع فيهما، وبنصب الأول، ورفع

الثَّاني حكى سِيْبَوَيْهِ: اليومَ يومُك على أن تجعل اليوم ظَرفًا في موضعِ خبرٍ للثَّاني، لا لأنَّ ظُروف الزَّمان يخبَر بها عن زمانٍ مثلِها إذا كان الظَّرف متسِعًا ولا يَضيق عن الثاني. قال الجَوْهَري: زعَموا أنَّ رجُلًا كان يرضَع غنَمه ولا يَحلبها لئلا يُسمَع صوتُ حلْبه منه، ثم قالوا: رُضع الشَّيءُ بالضَّم، كأنه كالشَّيء يطبع عليه. (خذها)؛ أي: الرَّمية، وهي كلمةٌ تُقال عند التَّمدُّح. (أعجلتهم)؛ أي: عجلتهم. (سِقيهم) بكسر السين: الحظُّ مِن الشُّرب. (أن يشربوا) مفعولٌ له، أي: كَراهةَ شُربهم. (ملكت) مشتقٌّ من المِلْكة، وهي أن يَغلِب عليهم فيَستعبدَهم وهم في الأصل أحرارٌ. (فأسجح) بمهملةٍ، ثم جيمٍ، ثم مهملةٍ: حُسْنُ العَفْو، أي: اِرفِقْ ولا تأْخُذ بالشِّدَّة، هذا من أمثال العرَب. (يُقْرَون)؛ أي: يُضَافُون، والغرَض أنَّهم وصَلوا إلى غَطَفَان وهم يُضيِّفونهم ويُساعدونهم، فلا فائدةَ في الحالِ في التَّعَب في الأثَر؛ لأنهم لَحِقُوا بأصحابهم. ويحتمل أن يُشتقَّ من القَرْيِ بمعنى الاتَّباع. قال (ن): وفيه معجزةٌ حيث أخبر -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنهم يُقْرَون في

167 - باب من قال: خذها وأنا ابن فلان

غَطَفان، وكان كذلك. وفي بعضها: (يَقِرُّون) من القَرار. وفيه جواز قَولِ: يَا صَباحاه للإنْذار بالعدوِّ، وقوله: أنا ابنُ فُلانٍ في القِتال: إذا كان شُجاعًا؛ لتخْويف الخَصْم. * * * 167 - بابُ مَنْ قَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ فُلاَنٍ وَقَالَ سَلَمَةُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكوَعِ. (باب مَنْ قالَ: خُذْها وأنا ابنُ فُلانٍ) 3042 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! أَوَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ الْبَرَاءُ، وَأَنَا أَسْمَعُ: أَمَّا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَلِّ يَوْمَئِذٍ، كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذًا بِعِنَانِ بَغْلَتِهِ، فَلَمَّا غَشِيَهُ الْمُشْرِكُونَ نزَلَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: "أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ"، قَالَ: فَمَا رُئِيَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مِنْهُ. (يَا أَبا عُمارة) بضم المهملَة، وخفَّة الميم: كُنية البَراء. (وليتم) أي: أدبَرتُم مُنهزِمين، سبَق في (باب: مَن قادَ دابةَ غيره).

168 - باب إذا نزل العدو على حكم رجل

(لم يولِّ) حذَف الفاء كما في: أمَّا بعدُ: ما بالُ رجالٍ، ونحوه، قال ابن مالك: جائزٌ نظْمًا ونثْرًا. * * * 168 - بابٌ إِذَا نَزَلَ الْعَدوُّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ (بابٌ: إذا نزَل العَدوُّ على حُكم رجلٍ) 3043 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ-، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ -هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ- بَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ"، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ هَؤُلَاءَ نزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ" قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُرِّيَّةُ، قَالَ: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ". (قُرَيْظة) بضم القاف، وفتح الرَّاء، وسُكون الياء، ثم معجمة: قَبيلةٌ من اليَهود كانوا في قَلْعةٍ، وبعَثَ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى سَعْدٍ يطلُبه. (المقاتلة)؛ أي: الطَّائفة المُقاتلة منهم، أي: البالغُون. (الذرية)؛ أي: النِّساء، والصِّبيان.

169 - باب قتل الأسير، وقتل الصبر

(الملِك) بكسر اللام: هو اللهُ تعالى، وفي بعض الرّوايات: (بحُكم الله). قال (ع): ضبَطه بعضُهم في البُخَارِيّ بالكسْر، وبالفتْح على إرادة جبريل، أي: بالحُكم الذي جاء به عن الله تعالى. فيه جَواز التَّحكيم في أُمور المسلمين، وإكرامُ أهل الفَضْل والقِيام لهم، وليس هذا من القِيام المنهيِّ عنه، وإنما ذلك فيما يقومُون عليه وهو جالسٌ، ويمثُلون قِيَامًا طُولَ جُلوسه. * * * 169 - بابُ قَتْلِ الأَسِيرِ، وَقَتْلِ الصَّبْرِ (باب قَتْل الأَسيْر) 3044 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْح وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". (المِغْفر) هو زَرَدٌ يُنسَج من الدُّروع على قَدْر الرأْس، يُلبَس تحت القَلَنْسوة. فيه أنَّه دخَل يوم الفتْح غير مُحرمٍ، وفيه جواز القتْل في الحرَم

170 - باب هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل

قِصاصًا، أو حدًّا، وإنما قتلَه لأنَّه ارتدَّ عن الإسلام، وقتَل مسلِمًا كان يخدمُه، وكان يَهجُو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت له قَيْنتان تُغنِّيان بهجاء المسلمين، وهذا مستثنًى من عُموم حديث: "مَنْ دخَلَ المَسجِدَ فهُو آمِنٌ"، أو أنَّه لم يَفِ بالشَّرط، لأنَّه قاتَلَ بعد ذلك. * * * 170 - بابٌ هَلْ يَسْتأْسِرُ الرَّجُلُ؟ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ، وَمَنْ رَكَعَ رَكَعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ (باب: هل يَسْتأسِرُ الرَّجُل؟) أي: هل يصير الرَّجل باختِياره أسيرًا لغيره، يُقال: استَأْسِرْ، أي: كُنْ أسيرًا لي. 3045 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِي -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ-: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِم بْنِ عُمَرَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ -وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائتَيْ رَجُلٍ، كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يثْرِبَ،

فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَاُبهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا، قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللهِ لا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نبَيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلًاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللهِ لا أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ فِي هَؤلاء لأُسْوَةً؛ يُرِيدُ: الْقَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى، فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ؛ هُوَ قتلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضٍ: أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرتْهُ: أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا

خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكعَتَيْنِ، فترَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: لَوْلًا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا. ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا، فَاسْتَجَابَ اللهُ لِعَاصِم بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا. (عمرو) بالواو، وقال بعض أصحاب الزُّهري بلا واوٍ. (عشرة) سمَّى منهم ابنُ إسحاق، وموسَى بنُ عُقْبة ستَّةً. (عينًا)؛ أي: جاسُوسًا. (ابن ثابت) بمثلَّثةٍ، ابن الأقْلَح -بفتح الهمزة، وسُكون القاف، وبالمهملَة- الأَنْصاري.

(جد عاصم) قال مُصعَب الزُّبَيري، وغيرُه: إنما هو خالُ عاصمٍ لا جَدُّه؛ لأنَّ عاصم بن عُمر، أُمُّه جَميلة بنت ثابِت بن الأقْلَح أُخت عاصِم بن ثابِت، وكان اسمُها عاصِيَة فسمَّاها النبيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جَميلة. ومنْهم من يجعلُها بنت عاصِم بن ثابِت فيصحُّ أنَّه جَدُّه، لكنَّ الصَّحيح ما سبَق، وهو أنها أُخت عاصِم بن ثابِت لابنتِه. (بالهَدَأة) بفتْح الهاء، وسُكون المهملة، وفتح الهمزة، ويُروى: (بالهَدَة)، بلا همزٍ مع تخفيف الدَّال، ومنهم من يُشدِّدها. (وهي بين عُسْفَان) بضم المهملة الأُولى، وسُكون الثَّانية على مَرحلتَين من مكَّة. (ومكة) كذا ذكَره البَكْري، وقال أبو حاتِم: يُقال لموضعٍ بين مكَّة والطَّائف، ويُنسَب إليها هَدَويٌّ. (لِحْيان) بكسر اللام، وإسكان المهملة، وبياءٍ، ثم نون. قال السَّفاقُسيُّ: هي بالفتْح، ولكنْ في اللُّغة بالكسر. (فاقتصوا)؛ أي: اتَّبعُوا. (مأكلهم)؛ أي: مكان مأْكلهم، وليس بمبهمٍ، فهو منصوبٌ بتقدير الجار، وذلك جائزٌ نحو: رمَيْتُ مَرْمَى زيد. (يَثْرِب) اسم مدينةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غير منصرِفٍ. (فَدْفَد) هو الرَّابية المُشرِفة، وقيل: الأرض المُستَوية. (ذمة)؛ أي: عَهْد.

(بالنبل) هي السِّهام العربيَّة. (في سبعة)؛ أي: في جُملةِ سبعةٍ. (خُبَيْب) بضمِّ المعجمة، وفتْح الموحَّدة الأُولى، وسُكون الياء بينهما. (ابن الدثنة) بفتْح المهملة، وكسر المثلَّثة أو سُكونها، ونونٍ خفيفةٍ، وقد تُشدَّد، اسمه: زَيْد، اشتَراه صَفْوان بن أُميَّة منهم، وقتلَه بمكة. (ورجل آخر) هو عبد الله بن طارِق؛ قالَه ابن هشام في "السِّيرة"، وهو الذي قال: هذا أوَّل الغَدْر، فقتَلوه، وهذه القِصَّة كانت في سنة ثلاث من الهجرة. (أطلقوا)؛ أي: حلوا. (بنو سروعة) هم: عُقْبة، وأبو سَرُوعة، وأخوهما لأُمهما حُجَيْر ابن أبي إِهاب. (بعد وقعة بدر) متعلِّقٌ بقوله: (بعث)؛ إذ الكُلُّ كان بعدها لا البيع فقط. (هو قتل الحارث) هذا عند الأكثَر، وقيل: لم يكُن خُبَيْب قاتلَه كما قيل: إنَّ المُعترِضين للسَّريَّة لم يكونُوا من بني لِحْيَان؛ ولكنَّ الصَّحيح ما قالَه البُخَارِيّ. (أخبرنِي)؛ أي: قال الزُّهْرِي.

(عُبيد الله بن عِياض) بكسر المهملة، وخفَّة الياء، وبمعجمةٍ. (أن بنت الحارث)؛ أي: أُم عبد الله. (اجتمعوا)؛ أي: على قَتْله. (موسى) يُصرَف؛ لأنَّه مَفعَل، أو يُمنَع على أنَّه فُعْلَى، خِلافٌ في التَّصريف. (يستحد) هو حلْق شَعْر العَانَةِ. (مُجلِسه) اسم فاعِل، مِن الإجْلاس. (قِطْف) بكسر القاف، أي: عُنْقود. (جزع) هو نقيض الصَّبر، وجوابُ (لولا) محذوفٌ، أي: لزِدْتُ على ركعتَين، أو نحو ذلك؛ نعَمْ، رواه ابن السَّكَن: (لأَطلْتُهما). قال (ع): الوجْه: جَزَعًا مفعولٌ ثانٍ ليَظنُّوا، و (ما) في المفعول الأوَّل بمعنى: الذي، أي: تظنُّوا الذي أفعلُه من الإطالة فيهما جزَعًا منِّي مِن الموت، فإنْ صحَّتْ رواية: (جَزَع) بالرَّفع، فـ (ما) نافيةٌ. (أحصهم)؛ أيْ عُمَّهم بالهلاك، أي: فلا تُبقِ منهم أحدًا. (بَددًا) بفتح الموحَّدة، وتكرير المهملة: وهو التَّفرُّق، وإنما أخرجُوه من الحرَم إجلالًا للحرَم. (ولست أُبالي) في بعضها: (ما أُبالي)، كأنه سقَط منه لفظَةُ: (أنا)، أي: لست أكتَرثُ بما جاءَني. (مصرعي) هو موضع سُقوط الميِّت.

(في ذات)؛ أي: في الله كما يُعبَّر عن زيدٍ بذاته، ونفْسه. والمراد: إنِّي أُقتَل في وجْه الله، وطلَب ثوابه. وفيه إطلاق ذات على الله عز وجل، ومنعَه الأكثرون؛ لأن التاء للتأْنيث، ويُجاب بأنه قد ورَد فلا تكون التاء للتَّأْنيث. (أوصال) جمع وَصْلٍ، وهو العُضْو. (شِلْوٍ) بكسر المُعجَمة، وسُكون اللام: وهو بقيَّة الجِسْم. (مُمَزَّع) بفتح الزاي المشدَّدة، وبالمهملة، أي: مُقطَّع، والمُزْعَة: القِطْعة. (ابن الحارث)؛ أي: عُقْبة قتلَه بالتَّنعيم، وصلَبه هناك. (صَبْرًا)؛ أي: مَحبوسًا للقَتْل. (استجاب)؛ أي: أجاب دُعاءه بخبر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. (ومما أُصيبوا)؛ أي: ما جَرى عليهم، وذلك من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -. (بشيء منه)؛ أي: يُعرَف به نحو الرَّأْس. (الظُّلة) بضم الظاء المعجَمة، أي: السَّحابة المُظِلَّة القَريبة من الرأْس كأنها تُظلُّه. (الدَّبْر) بفتح المهملة، وسُكون الموحَّده: ذُكور النَّحل، وهو الزَّنابير الكبيرة، يُقال في المثَل: لسَعتْني دُبَيرةٌ بأُبَيْرة. (فَحَمَتهُ)؛ أي: عصَمتْه، ولهذا سُمي عاصِم بِحَمِيِّ الدَّبْر، فاعِل بمعنى مَفعولٍ، قيل: لمَّا عجَزوا قالوا: إنَّ الدَّبْر تذهب باللَّيل، فلمَّا جاء اللَّيل: أرسَل الله تعالى سَيْلًا فحمَله، فلم يجدُوه،

171 - باب فكاك الأسير

وقيل: إن الأرض ابتلَعتْه. وحكمة حماية الله له من ذلك ولم يَحمِه من القَتْل أولًا: أن القتْل موجِبٌ للشَّهادة، وأما القطْع فلا ثَوابَ فيه مع ما فيه من هتْك حُرمته. وفيه كرامةٌ عظيمةٌ لعاصِم - رضي الله عنه - قيل: إنه كان حلَف أن لا يمسَّ مُشرِكًا، ولا يمسَّه مُشركٌ، فبرَّ اللهُ قَسَمَهُ. * * * 171 - بابُ فَكَاكِ الأَسِيرِ فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (باب فَكاكِ الأسيْر) بفتح الفاء وكسرها. * * * 3046 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فُكُّوا الْعَانِيَ -يَعْنِي: الأَسِيرَ- وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ". الحديث الأول: واضح المعنى. * * *

172 - باب فداء المشركين

3047 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ: أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيّ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إلا مَا فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبّةَ! وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إلا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. والثاني: سبَق في (باب: كتابة العِلْم). (برأ)؛ أي: خلَقَ. (النسمة) الإنسان، والنَّفْس. (فهم) بسكون الهاء، وفتحها، أي: الاستِنباط منه. (العقل)؛ أي: الدِّيَة. * * * 172 - بابُ فِدَاءِ الْمُشْرِكِينَ (باب فِداءِ المُشرِكين) 3048 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ فَلْنترُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: "لا تَدَعُونَ مِنْهَا دِرْهَمًا". 3549 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَجَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِنِي؛ فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، فَقَالَ: "خُذْ"، فَأَعْطَاهُ فِي ثَوْبِهِ. الحديث الأول: (لا تدعون) القِياس: لا تَدعُوا؛ لكن ثُبوت النُّون مع الجازم فصيحٌ، فكذا في الأمر. (وقال إبراهيم)؛ أي: ابن طَهْمَان، وسبَق بيانه في (الصلاة). * * * 3050 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ جَاءَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. الحديث الثاني: (جاء في أسارى بدر) كان جُبَير مِن ساداتِ قُريشٍ، قال: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لأكُلمه في أُسارى بَدْر فوافقتُه يُصلي بأصحابه المغربَ، فسمعتُه وهو يَقرأ، وقد خرج بصَوته من المَسجِد: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ

173 - باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان

لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 7، 8] فكأنما صُدِع قلبي، فلمَّا فرغ من صلاته كلَّمتُه في الأُسارَى، فقال: "لو كانَ أَبوكَ حيًّا فأتَانا فيهم لقَبِلْنا شفاعتَه". وذلك أنَّه كانتْ له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَدٌ. * * * 173 - بابُ الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَل دَارَ الإِسلامِ بِغَيْرِ أَمَان (باب الحَربِيِّ إذا دخَل دارَ الإسلامِ بغير أمانٍ) 3051 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ ابْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهْوَ فِي سَفَرِ، فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ"، فَقَتَلَهُ، فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ. (انفتل)؛ أي: انصَرف. (فنفله)؛ أي: أعطَاه ما سلَبَه منه، وأما النَّفَل المُصطلَح عليه بفتح الفاء: ما شَرطه الأمير لمُتعاطي خطَرٍ، وهو ما كان مع كافرٍ أزالَ مسلمٌ قوَّتَهُ عند قيام الحرب، كما أوضحوه في الفقه. * * *

174 - باب يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون

174 - بابٌ يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يُسْتَرَقُّونَ (باب يُقاتَل عن أهلِ الذِّمَّة ولا يُستَرَقُّون) 3052 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُوا إلا طَاقتَهُمْ. (بذمة الله)؛ أي: بعَهْد الله. (من ورائهم)؛ أي: من بين أيديهم، أي: يدفَع أهلَ الحرب ونحوَه عنهم. وأما عدَم الاستِرقاق المذكور في التَّرجمة فمأخوذٌ من الإيفاء بالعَهْد. (ولا يكلفوا)؛ أي: فَوق قَدْر الجِزْية. * * * 175 - بابُ جَوَائِزِ الْوَفْدِ (باب جَوائِز الوُفُود) لم يُورد فيهِ شَيئًا، ولكنْ دلالة الحديث الآتي عليه ظاهرةٌ. * * *

176 - باب هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ ومعاملتهم

176 - بابٌ هَلْ يُسْتَشْفَعُ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ وَمُعَامَلَتِهِمْ (باب هل يُستَشفَع إلى أهل الذِّمَّةِ ومُعاملتِهم) بالجرِّ عطْفًا على الجُملة المضاف إليها: (باب). 3053 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَ: "ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا"، فتَنَازَعُوا؛ وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نبَيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ"، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتهِ بِثَلَاثٍ: "أَخْرِجُوا الْمُشْرِكينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ"، وَنسِيتُ الثَالِثَةَ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ. (قبيصة) قال الغَسَّانِي: لا أحفَظ له شيئًا عن ابن عُيَينة في "الجامِع"، ورواية ابن السَّكَن: (قُتَيبة) بدل: (قَبِيْصَة).

(يوم الخميس) خبر مبتدأ محذوفٍ، أو بالعكس، والأصل: يومُ الخميس، يومُ الخميس، نحو: أنا أنا، والغرَض منه تَفخيم أمْرِه في الشدَّة والمَكروه، فهو تعجُّبٌ من شِدَّة ذلك اليوم. (خضب)؛ أي: رطَّبَ وبَلَّ. (ائتوني بكتاب) الذي أَرادَ به النَّصَّ على خِلافة أبي بكر؛ لكنْ لمَّا تَنازعوا واشتَدَّ مرَضه؛ عَدَل عن ذلك مُعوِّلًا على ما أصَّلَ في ذلك من استِخلافه على الصَّلاة. وفي "مسلم": عن عائشة: "ادعُوا لي أَبا بكْرٍ وأخاكِ أكتُبْ كتابًا، فإنِّي أخاف أن يتمنَّى متمنٍّ، ويقول قائلٌ: أنا أَولى، ويأبى اللهُ والمؤمنون إلَّا أَبا بَكْر"، وفي رواية البَزَّار عنها: لمَّا اشتدَّ وجَعُه قال: "ائتُوني بدواةٍ، وكَتِف أو قِرْطاسٍ؛ أكتُبْ لأبي بكر كتابًا أن لا يختلفَ النَّاسُ عليه"، ثم قال: "مَعاذَ اللهِ أن يختلف النَّاسُ على أبي بكرٍ"، فهذا نصٌّ صريح فيما ذكرنا، وأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ترك كتابَه معوِّلًا على أنَّه لا يقَع إلَّا كذلك. وبهذا يبطُل قول من ظَنَّ كتابًا بزيادةِ أحكامٍ، وتعليمٍ، وخشيَ عُمرُ عجْزَ النَّاس عنها. (ولا ينبغي) هو مِن قَول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو من قَول ابن عبَّاس، والسِّياق يحتملُهما، والموافِق لسائِر الرِّوايات الأَوَّلُ. وسبق شرح الحديث في (كتاب العِلْم).

(هجر)؛ أي: من الدُّنيا، وأُطلق بلفْظ الماضي لمَا رأَوا فيه من علامات الهِجْرة مِن دار الفَناء. وقال (ن): هو: أهجَر؟ بالاستِفهام الإنكاري، أي: أنكَروا على مَن قال: لا تَكتُبوا، أي: لا تجعلوه كأمْر مَن هَذَى في كلامه، وإنْ صحَّ بدُون الهمز فهو أنَّه لمَّا أصابتْه الحَيرة والدَّهشة لمَا شاهدَه من هذه الحالة الدَّالَّة على وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وعِظَم المصيبة؛ أجرى الهجر مَجرى شدَّة الوجَع. قال (ك): هو مجازٌ، لأنَّ هذَيان المريض يستلزم شدَّة الوجَع، فأُطلق المَلزوم وأُريد اللَّازم. وقال (ع): هو بالاستفهام لجميع رُواة البُخَارِيّ، يُقال: أهجَر: إذا أفحَشَ، وأما بدُونه فظَنَّ قومٌ أنَّه بمعنى: هَذَى، فركِبُوا شطَطًا وأَوَّلوها، والصَّواب أنَّ الاستِفهام مقدَّر، والاستِفهام يَرجع إلى المُختلفين عنده - صلى الله عليه وسلم -، ومخالطته بعضِهم بعضًا، انتهى. وقال صاحب "مرآة الزمان": لعلَّ هذا من تحريف الرُّواة، ويحتمل أن يكون معناه: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - هجَركم؛ من الهَجْر ضِدِّ الوَصْل؛ لمَا ورَد عليه من الوارِدات الإلهيَّة، ولهذا قال: "في الرَّفيقِ الأَعلَى"، ألا ترى إلى قوله: "قُومُوا عَنِّي، فما أَنا فيهِ خيرٌ مما أنتُم علَيهِ"، وقيل: هو استفهامٌ إنكاريٌّ على مَنْ ظنَّه في ذلك الوقت بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لشِدَّة المرَض عليه.

وقال في "النِّهاية" بمعنى هذا، قال: وهو أحسَن ما يُقال فيه، وقال: ولا يُجعَل خبرًا؛ إذ لا يُظنُّ بقائله ذلك، وقيل: معناها: أَأُغمي عليه؟، فهو يقُول ما يقُول من شِدَّة الوجَع، ظنُّوا أنَّه كالمريض. (دعوني)؛ أي: اترُكوني، ولا تَتنازعُوا عندي؛ فإنَّ الذي أنا فيه من المُراقبة، والتأَهُّب للقَاء الله، والفِكْر في ذلك، ونحوِه أفضَلُ من الذي تَطلُبون مني من الكتابة، ونحوها. (جزيرة العرب) هي ما بين عَدَن إلى ريف العِراق طُولًا، ومِن جُدَّة إلى أطْراف الشَّام عَرضًا، وسُمِّيتْ جزيرةً؛ لإحاطة البِحار بها من نَواحيها، وقال أبو عُبَيدة: هي ما بين حفر أبي موسى إلى أقصَى اليَمَن بالطُّول، وما بين رَمْل يبرين إلى مُنقطَع السَّماوَة في العَرْض. (أجيزوا) من الإجازة يُقال: أجازَه بجوائز، أي: أعطاه عَطايا، ويُقال: أصلُه أنَّ قَطَن -بالقاف، والمهملَة المفتوحتَين-، أي: عَبْد عَوفٍ وَالي فارِس مَرَّ به الأحنَف في جيشه غازيًا إلى خُراسان فوقَف لهم على قَنْطرةٍ، فقال للأحنَف: أجيزُوهم، فجعل يَنتسِب الرَّجل فيُعطيه على قَدْر حسَبه، أي: أكرمُوهم بالضِّيافة، والتَّطييب لنُفوسهم، والإعانة لهم سواءٌ أكانوا مُسلِمين أو كُفَّارًا. (الثالثة) قيل: إنها إنْفاذُ جيش أُسامة، وكان المُسلِمون اختلَفوا في ذلك على أبي بكرٍ، فأعلمَهم أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ بذلك عند مَوته؛ كذا قاله المُهلَّب.

177 - باب التجمل للوفود

قال (ع): ويحتمل أنها قَولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَتخِذُوا قَبْري وَثَنًا يُعبَد". ووجه دلالته على التَّرجمة: أنَّه إذا أوجَب الإخراجَ فسَواءٌ كان حَربيًّا أو ذِميًّا، فلا سَبيلَ إلى الاستِشفاع، ووجَب الإجازة فلا بُدَّ من حُسن المُعامَلة. (العَرْج) بفتح العين، وسُكون الراء، وبالجيم: مَنْزِلٌ بطريق مكَّة على أيَّامٍ من المدينة. * * * 177 - بابُ التَّجَمُّلِ لِلْوُفُودِ (باب التجمُّل للوُفود) 3054 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ! ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوُفُودِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلَاقَ لَهُ، أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلَاقَ لَهُ"، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أتى بِهَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْتَ: "إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلَاقَ لَهُ، أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ

178 - باب كيف يعرض الإسلام على الصبي؟

لا خَلَاقَ لَهُ"، ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ؟! فَقَالَ: "تَبِيعُهَا، أَوْ تُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِكَ". (إستبرق) هو مُعرَّب: إِسْتَبْرَه، زيدَ عليه القافُ، وكذا الدِّيباج. (خلاق)؛ أي: نَصيبَ، سبَق في (الجمُعة)، في (باب: يلبَس أحسنَ ما يجِد). * * * 178 - بابٌ كَيْفَ يُعْرَضُ الإِسْلَامُ عَلَى الصَّبِيِّ؟ (باب: كيف يُعرَضُ الإِسلامُ على الصَّبي؟) 3055 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أتشْهَدُ أنِّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أتشْهَدُ أَنِّي رَسولُ اللهِ؟ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ"، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَاذَا تَرَى"؟ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قَالَ

النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خُلِطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ"، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا"، قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ"، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ "ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". 3056 - قَالَ ابْنُ عُمَرَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَأْتِيَانِ النَّخْلَ الَّذِي فِيهِ ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ النَّخْلَ طَفِقَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهْوَ يَخْتِلُ ابْنَ صَيَّادٍ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صيَّادٍ مُضْطَجعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: أَيْ صَافِ! -وَهْوَ اسْمُهُ- فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَوْ تَرَكَتْهُ بيَّنَ". 3057 - وَقَالَ سَالِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: "إنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نبَيٍّ إلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنْ سَأقولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نبَيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ". (ابن صياد) هو غُلامٌ من اليهود كان يتكهَّنُ أحيانًا، فيصدُق ويَكذِب، فشَاعَ حديثُه، وتُحدِّث أنَّه الدَّجَّال، وأشكَلَ أمرُهُ، ولم يُبيِّن

الله لهم شيئًا، فأخَذَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يسلُك طريقًا يختبر حالَه بها، وبيَّن أنَّه من الكُهَّان، وممن أشكَلَ أمرُهُ عليه ابن عُمر، وأبو سَعيد، وغيرُهما من الصَّحابة كما في "مسلم"، وغيره. (أُطم) بضم الهمزة: البِناء المرتفِع، وقال الجَوهَري: هو مُخفَّفًا ومثقَّلًا، جمعُه: آطَام، وهي حُصون لأهل المدينة. (مَغَالة) بفتح الميم، والمعجمة، وبلامٍ. (خلط) بتخفيف اللام وتشديدها، أي: خُلِط عليك الحقُّ بالباطل على عادَة الكُهَّان. (الأُميين)؛ أي: العرَب، فمَنطوقُه صحيحٌ، ومفهومُه باطِلٌ؛ لأنَّه رسولٌ إلى العجَم أَيضًا خلافًا لمَا يَزعُمه بعضُ اليَهود. (آمنت بالله ورسوله) مطابقةُ هذا الجَواب للاستِفهام: أنَّه لمَّا أراد أن يُظهِر للقَوم حالَه أرخَى العِنان حتَّى يُبكِّتَه عند المُعتبِر، ولهذا قال له آخرًا: (اِخْسَأْ). (خبأت)؛ أي؛ أضمَرتُ لك اسمَ الدُّخان، وقيل: آيةَ الدُّخان وهي: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]. (الدُّخُّ) بضم المهملَة، وشدَّة المعجَمة: الدُّخان، وإنما امتحنَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه كان يَبلُغه ما يدَّعيه من الكلام في الغَيب، فأراد إبطالَ حالِه للصَّحابة بأنَّه كاهِنٌ يأْتيه الشَّيطان بما يُلقي للكُهَّان من كلمةٍ واحدةٍ اختطفَها عند الاستِراق قبْل أن يَتبعَه الشِّهاب الثَّاقِب، ولهذا

أظهَر الله تعالى إليهم بما نطَق به صَريحًا أنَّه يأْتيني صادِقٌ وكاذبٌ، ولو كان مُحِقًّا لَمَا أتاه إلَّا الصَّادِق. ووقَع للحاكم أنَّه: الزح، بالزاي الذي هو الجِماع. وقال (خ): أنَّ الدُّخَّ نباتٌ يُوجَد بين النَّخيل، قال: ولا معنى للدُّخان هنا. والصَّواب أنَّه الدُّخُّ بالدَّال، وأنَّه الدُّخان، والدُّخُّ لغةٌ فيه، حكاه ابن دُرَيد، والجَوهَري، وحكى ابن السِّيْد فتْح الدال. ومما يوضِّح المقصود رواية التِّرمِذي: (خبَأْتُ لكَ خِبْئًا)، وخَبَأ له: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] فقال ابن صَيَّاد: هو الدُّخُّ، قال: وإسناده صحيحٌ. فإدراك ابن صَيَّاد من ذلك هذه الكلمة فقط على عادة الكُهَّان في اختِطاف بعض الشَّيء من الشَّياطين من غير وُقوفٍ على إتمام البَيان، ولهذا قال له: (اخسَأ) كلمةُ زَجْرٍ واستهانةٍ، أي: اسكُتْ صاغِرًا ذَليلًا. (فلن تعدوَ) في بعضها بلا واوٍ، قال ابن مالك: الجزْم بـ (لَن) لغةٌ حكاها الكِسَائيُّ. (قدرك)؛ أي: القَدْر الذي يُدركه الكُهَّان، والاهتداء إلى بعض الشَّيء، ولا يَتجاوز منها إلى النُّبوَّة. (إن يكن هو)؛ في: الدَّجَّال.

(فلن تُسلط عليه) لأنَّ عِيْسَى - عليه السلام -هو الذي يَقتلُه، وإنما لم يَقُل: إنْ يكن إيَّاه وإنْ كان المختار عند النُّحاة في (كان) الانفِصال، وعلى المُختار إنما يقال: إنْ يكن هُو؛ لأن الضَّمير المنفصِل المرفوعَ يقَع موقعَ المنصوب. ويحتمل أن يكون تأكيدًا للمُستِكن، و (كان) تامةٌ، أو الخبر محذوفٌ، أي: إن يكن هو هذا، وأنْ يكون ضميرَ فَصْلٍ، والدَّجَّال المَحذوف خبرُه، وإنما لم يَقتُلْه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مع ادعائه بحضْرته النبوَّةَ؛ لأنه غير بالِغٍ، أو هو من المُهادَنين مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (يَخْتل) بسُكون المعجَمة، وكسر المثنَّاة، أي: يخدعُه ليُعلم الصَّحابة حالَه في أنَّه كاهِنٌ حين يسمَعون منه شيئًا يدلُّ على كَهانته. (رمرمة) براءَين، أو بزايين: الصَّوت الخَفيُّ. (بين)؛ أي: يظهَر باختلاطِ كلامه ما يدلُّ على أنَّه شَيطانٌ. وسبق الحديث في (الجنائز)، في (باب: إذا أسلَم الصبيُّ)، وفي غير ذلك. (نوح) خُصَّ بالذِّكر؛ لأنه أبو البشَر الثاني، أو أنَّه أوَّل مُشرِّع. (ليس بأعور) ذكَره -مع أنَّ الدَّلائلَ العقليَّة قاطعةٌ بكذبه- إظهارًا للحِسِّ مع العقل؛ لأنه يَفهمُه جُهَّال العَوامِّ؛ إذ هم تابعُوهم. * * *

179 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود: (أسلموا تسلموا)

179 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْيَهُودِ: (أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا) قَالَهُ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (باب قَول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لليَهود: أسلِمُوا تَسلَمُوا)؛ أي: في الدُّنيا من القَتْل والجِزْية، وفي الآخرة من العِقاب. (قاله المقبري) موصولٌ في (الجزية)، وغيرها. * * * 180 - بابٌ إِذَا أَسلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرَضُونَ، فَهْيَ لَهُمْ (باب: إذا أسلَم قَومٌ في دار الحَرْب ولَهم مالٌ) 3058 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيْنَ تنزِلُ غَدًا -فِي حَجَّتِهِ-؟ قَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا"؟ ثُمَّ قَالَ: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كنَانةَ الْمُحَصَّبِ، حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ". وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كنَانةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِم أَنْ لا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُؤْوُوهُمْ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْخَيْفُ: الْوَادِي. الحديث الأول: (المحصب) بزنة اسم المفعول، مِن التَّحصيب، بمهملتَين، عطْفُ بَيانٍ، أو بدَلٌ من الخَيْف. (قاسمت)؛ أي: حالَفْتُ، سبَق في (باب: نُزول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مكة). ووجه دلالته على التَّرجمة: أنه - صلى الله عليه وسلم - حيث سلَّم لعَقِيْلٍ تصرُّفه قبْل إسلامه، فما هو بعد الإسلام بطَريقِ الأَولى. (والخيف: الوادي) أما غير الزُّهريِّ فقال: ما ارتفَعَ مِن مَسيل الوادي ولم يَبْلُغ أن يكُون جبَلًا. * * * 3059 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - استَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى: هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى، فَقَالَ: يَا هُنَيُّ! اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّايَ وَنعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنعَمَ ابْنِ عَفَّانَ؛ فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِي بِبَنِيهِ فَيقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لا أَبَا لَكَ؟ فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ،

وَايْمُ اللهِ! إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلَادُهُمْ، فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلَامِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شبْرًا. الحديث الثاني: (هنَيًّا) بضم الهاء، وفتْح النُّون، وشدَّة الياء. (الحِمى) مَوضعٌ يُعيِّنه الإمام لنحو نَعَمِ الصَّدقة مَمنوعًا من الغَير. (اضمم جناحك) كنايةٌ عن الرَّحمة والشَّفَقة. (عن المسلمين)؛ أي: عن ظُلْمهم، ويُروى: (علَى المُسلِمين)، أي: استُرهم بجَناحك. (لولا المال)؛ أي: الخَيْل التي أعددتُها لأحمِلَ عليها في الجِهاد مَن لا مَركوبَ له. قال مالك: وكان عِدَّتُها أربعين ألفًا. (وأدخل)؛ أي: في الحِمَى، وائذَنْ له في الرَّعي. (الصريمة) تصغيرُ صِرْمة، وهي القِطْعة من الإبِل بقَدْر الثَّلاثين. (الغنيمة) من الغنَم تصغيرٌ أَيضًا، أي: أَدخِلْ مَن له قليلٌ من إبِلٍ أو غنَمٍ. (وإياي) فيه تحذيرُ المتكلِّم نفسَه، وهو شاذٌّ، كأمْره نفسَه.

181 - باب كتابة الإمام الناس

قال (ك): كان القِياس: وإيَّاكَ، لكن جعَل نفسَه مأْمورًا بالإيفاء، فكأنَّه قال: لا تَقِ نفْسي من نَعَم ابن عَوْفٍ، فيلزم منه اتقائي بالأَولويَّة. ويحتمل أنْ لا يكون من باب التَّحذير، ويكون عَطْفًا على دَعوة المَظلوم. (ابن عوف)؛ أي: عبد الرَّحمن. (وابن عفان) هو عُثْمان. (ببنيه)؛ أي: بالوِلادة. (يَا أمير المُؤْمنين)؛ أي: نحن فُقراءُ مُحتاجون، وأنا لا أتركُهم على الاحتِياج، فلا بُدَّ لي من إعطاء الذَّهب والفِضَّة إياهم بدَلَ الماءِ والكَلأ. والحاصِل أنَّهم لو مُنعوا من الماء والكلأ لهلَكتْ مواشيهم، واحتاجَ إلى صرْف النَّقْد عليهم، لكنَّهما أسهَل منه. (لا أَبا لك) حقيقته الدُّعاء عليه، لكنْ هُجِرت الحقيقة، وهذا التَّركيب جائزٌ تَشبيهًا له بالمُضافِ؛ إذ الأَصل: لا أبَ لك. * * * 181 - بابُ كِتَابَةِ الإِمَامِ النَّاسَ (باب كتَابةِ الإمامِ النَّاسَ) 3060 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ،

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإسْلَامِ مِنَ النَّاسِ"، فَكَتَبْنَا لَهُ ألْفًا وَخَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ، فَقُلْنَا نَخَافُ وَنحنُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ؟ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهْوَ خَائِفٌ. حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ: فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَمِائَةٍ. قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَا بَيْنَ سِتِّمِائَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ. * * * 3061 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ، قَالَ: "ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ". (رأينا) في بعضها: (رأَيتُنا). (ابتلينا) مبنيٌّ للمفعول. (نخاف) فيه همزةُ استفهامٍ مقدَّرةٍ، أي: كُنَّا لا نَخافُ مع قلَّتِنا، وقد صار الأمرُ بعد هجرة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من الدُّنيا يُصلِّي الرجُل وحدَه خائفًا مع كثْرة المسلمين. قال (ن): لعلَّه كان في بعض الفِتَن التي جَرَت بعد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان

182 - باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر

بعضُهم يُخفِي نفْسَه، ويُصلِّي سواءً، يخاف من الظُّهور والمَشاركة في الدُّخول في الفِتْنة والحرب. قال: وقالوا في وجْه الجمْع بين هذه الرِّوايات الثَّلاث: إنَّ المراد بالألف وخمس مئةٍ: النِّساء والصِّبيان والرِّجال جميعًا، وبما بين السِّتِّ مئةٍ إلى السَّبع مئةٍ: رجالُ المدينة خاصَّةً، وبخمس مئةٍ: المقاتِلون، وهذا باطِلٌ؛ للتَّصريح بأن الكُلَّ رجالٌ، وفي الأُولى ألفٌ وخمس مئةِ رجُلٍ، بل الصَّحيح أن ما بين السِّتِّ مئةٍ إلى السبْع مئةٍ رجالُ المدينة، وبالألْف وخمس مئة هم مع المُسلِمين الذين حَولَهم. * * * 182 - بابٌ إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ (باب: إنَّ اللهَ يُؤِّيدُ الدِّينَ بالرجلِ الفاجِر) 3062 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (ح) وَحَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإسْلَامَ: "هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ:

183 - باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو

يَا رَسُولَ اللهِ! الَّذِي قُلْتَ: إنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِلَى النَّارِ"، قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَقَالَ: "اللهُ أَكبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ"، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: "إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ". (القتال) بالرَّفع والنَّصب. (يرتاب)؛ أي: يشكُّ في صِدْق النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيرتدُّ عن دِيْنه، وسبَق في (باب: لا يُقال: فلانٌ شهيدٌ). (من أهل النار) يحتَمِل: استَوجبَها إلَّا أنْ يعفُوَ اللهُ عنه، وأنَّه على الحقيقة؛ لأنَّه ارتابَ وشكَّ كما هو أشبَهُ بظاهر الحديث. * * * 183 - بابُ مَنْ تَأَمَّرَ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ إِمْرةٍ إذَا خَافَ الْعَدُوَّ 3063 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: "أَخَذَ الرَّايَةَ زيدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ

184 - باب العون بالمدد

فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ عَلَيْهِ، وَمَا يَسُرُّنِي -أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ- أَنَّهُمْ عِنْدَنَا"، وَقَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لتذْرِفَانِ. (باب مَن تَأَمَّرَ في الحَرْبِ مِن غير إمْرَةٍ)؛ أي: صارَ أميرًا بنفْسه من غير أن يُفوِّضَ له الإمامُ، سبَق الحديث فيه في (الجنائز)، في (باب: الرَّجل ينعي). وهو متعلِّقٌ بالأخير فقط، فإنَّ البخاريَّ رَوى في (المَغازي): "إنْ قُتل زيدٌ فجعفرٌ، وإنْ قُتل جعفرٌ فابن رَوَاحةَ" - رضي الله عنهم -. (ما يسرهم)؛ أي: لأَنَّ حالهم فيما هم فيه أفضَلُ مما لو كانُوا عنْدنا. (تذرفان) بكسر الرَّاء: تَسِيْلانِ دَمْعًا. * * * 184 - بابُ الْعَوْنِ بِالْمَدَدِ (باب العَوْنِ بالمَدَد) 3064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لِحْيَانَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، وَاسْتَمَدُّوهُ

عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ ويُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقتلُوهُمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ. قَالَ قتادَةُ، وَحَدَّثَنَا أَنسٌ: أَنَّهُمْ قَرَؤُا بِهِمْ قُرْآنًا: أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ. (رعل): بكسر الراء، وسُكون المهملة. (وذَكوان) بفتح المعجمة. (وَعُصَيَّة) مصغَّر العَصَا. (لِحْيان) بكسر اللام أو بفتْحها، كما سبَق قَريبًا، وسُكون المهملة. قال الدِّمْيَاطي: هذا وهمٌ، فبنو لِحْيَان لم يكونوا من أصحاب بئْر مَعُونة، إنما كانوا من أصحاب الرَّجِيْع الذين قتَلوا عاصمَ بن أبي الأَقْلَح وأصحابَه، وأسَروا خُبَيبَ بن عَدِيٍّ، وابنَ الدَّثِنَّة، وقوله: (أتاه رِعْلٌ، وذَكوان، وعُصَيَّة) وإنما الذي أتاه أبو مِراء مِن بني كِلابٍ، وأجارَ أصحابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخْفَر جِوارَه عامرُ بن الطُّفَيل، وجمَع عليهم هذه القَبائل من سُلَيم. (القُراء) جمع قارئٍ، سُمُّوا بذلك لكثْرة قراءتهم. (يحطِبون)؛ أي: يجمعون الحطَب.

185 - باب من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثا

(مَعُونة) بفتح الميم، وضم المهملة، وبنونٍ، وهي: قِبَل نجدٍ، وكانت غزوتها في أول سنة أربع قبل أُحُدٍ بأشهرٍ. (قرآنًا)؛ أي: ونُسخت تلاوتُه. * * * 185 - بابُ مَنْ غَلَبَ الْعَدُوَّ، فأَقَامَ عَلَى عَرْصَتِهِمْ ثلَاثًا (باب مَن غلَب العدوَّ فأَقامَ على عَرصتِهم) 3065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لنا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أقامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلًاثَ لَيَالٍ. تَابَعَهُ مُعَاذٌ، وَعَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثنا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (ظهر)؛ أي: غلَب. (بالعرصة) هي كلُّ بُقعةٍ بين الدُّور واسعةٍ ليس فيها بناءٌ. (تابعه مُعاذ) وصلَه الإِسْماعيلي. (وعبد الأعلى) وصلَه مسلم. * * *

186 - باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره

186 - بابُ مَنْ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فِي غَزْوِهِ وَسَفَرِهِ وَقَالَ رَافِعٌ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَم بِبَعِيرٍ. 3066 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ: أَنَّ أَنسًا أَخْبَرَهُ، قَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْجعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ. (باب مَن قسَم الغَنيمة) (وقال رافع) موصولٌ في (الشركة). * * * 187 - بابٌ إِذَا غَنِمَ الْمُشْرِكُونَ مَالَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ وَجَدَهُ الْمُسْلِمُ 3067 - قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ، فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَليدِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 3068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ،

قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدًا لاِبْنِ عُمَرَ أَبَقَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ، خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَأَنَّ فَرَسًا لاِبْنِ عُمَرَ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ، فَرَدُّوهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ. 3069 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ يَوْمَ لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ، فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ رَدَّ خَالِدٌ فَرَسَهُ. (باب: إذا غَنِم المشركون مالَ المسلم) (وقال ابن نُمير) وصلَه ابن ماجه. (فأخذه العدو)؛ أي: الكافِر. ففيه أن المسلمين إذا غَنِمُوا وكان في الغَنيمة مالُ المسلم فإنَّه مردودٌ عليه. (عار) بالمهملَة؛ أي: تفلَّتَ، وذهَب على وجْهه، وقَول البُخَارِيّ: إنَّه مُشتقٌّ من العَيْر، وهو حمار الوَحْش، يريد أنَّه هرَب كفعله. قال الطَّبَري: يُقال ذلك للفرَس إذا فعلَه مرَّةً بعد مرَّةٍ، وما قاله البُخَارِيّ آخرًا أنَّه كان في خِلافة أبي بكر خِلافُ الصَّحيح، وهو ما قالَه أوَّلًا أنَّه كان في زمن النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعُبَيد الله أثبَت في نافِع من مُوسَى، قاله بعض الحفَّاظ، ومنه رجلٌ عَيَّارٌ إذا كان حالفًا باطلًا.

188 - باب من تكلم بالفارسية والرطانة

(لقي المسلمون)؛ أي: كفَّارَ الرُّوم. * * * 188 - بابُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}. (باب مَن تكلَّم بالفارسيَّة والرَّطانة) بكسر الراء وفتحها: الكلام بالأَعجميَّة، وقيل: الكلام الذي لا يُفهَم. * * * 3070 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنفَرٌ، فَصَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ! إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا، فَحَيَّ هَلَا بِكُمْ". الحديث الأول: (بهيمة) تصغير بَهْمَةٍ، وهي ولَد الضَّأْن.

(سورًا) بضم المهملة، وسُكون الواو: الطَّعام الذي يُدعا إليه، وقيل: الطَّعام مُطلقًا، وهي لفظة فارسيَّةٌ. وقيل: السُّور: الضَّبُع بلُغة الحبَشة. (فحيهلًا) رُكِّب مِن: حَيْ وهَلَ، بسكون الياء، وفتح اللام، مع الألف وبلا أَلْفٍ، وحَيْهلًا بسُكون الياء، وبالتنوين، وجاء متعديًا بنفسه، وبالباء، وإلى، وبعلى، ويُستعمل حيَّ وحده بمعنى: أَقْبِلْ، وهلًا وحدَه. * * * 3071 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: أَتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي، وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَنَهْ سَنَهْ" -قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَهْيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنةٌ- قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَم النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهَا"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ: "أَبْلِي وَأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي"، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ. الحديث الثاني: (أُم خالد) اسمها: أَمَة، بفتح الهمزة، والميم، كما سبَق في (الجنائز)، في (باب: التعوُّذ من عذاب القَبْر)، ووقَع خالدٌ في الحديث ثلاثَ مرَّاتِ كلٌّ غير الأُخرى.

(سنه) بفتح المهملة، والنُّون الخفيفة والشَّديدة. (خاتم النبوة) هو ما كان مِثْل زِرِّ الحجَلة بين كتفَيه - صلى الله عليه وسلم -. (أبلي)؛ أي: البَسيهِ حتَّى يَبلَى. (وأخلقي) بمعناه أَيضًا، وجاز أن يكونا من الثُّلاثي؛ لأن الثُّلاثيَّ والرباعيَّ فيهما بمعنًى، وإنما عُطف عليه لتغايُر اللَّفظ، وإن اتَّحَدا معنى، وأما إِعادة: (ثُمَّ أَبلِي وأَخلِقي) فهو للتأكيد والتَّقوية، مثل: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 4]. هذه كلمةٌ على رواية غير أبي ذَرٍّ، والمَرْوَزي بالقاف، أما على روايتِهما بالفاء، فقال ابن الأَثير: إنَّه أشْبَهُ، فمعناه أن تكسِب خَلَفَه بعد بَلائهِ، يُقال: خلَف اللهُ لكَ، وأخلَفَ، وهو الأشهر، رباعيٌّ. (دكن) بالمهملة، والكاف، والنُّون، كذا لأبي الهَيْثَم، ورجَّحه أبو ذَرٍّ، أي: أسوَد لونُه مِن الدَّكَن، وهو لَون يَضرِب إلى السَّواد، أي: عاشَتْ طَويلًا، حتَّى تغيَّر لَونُ قميصِها إلى الاسوِداد. وفي بعضها -وهي أكثَر الرِّوايات-: (ذَكَرت) بالبناء للفاعل، أي: بَقِيَتْ حتَّى ذكَرتْ دهرًا طَويلًا، أو للمَفعول، أو حتَّى صارتْ مَذكُورةً عند النَّاس بخُروجها عن العادة. وفي بعضها: (ذُكِر) بلا تاءٍ مبنيًّا للمفعول، والضَّمير للقَميص، ومعروفًا، والضَّمير له أَيضًا، أي: حتَّى ذكر دهرًا طويلًا، كما يُقال في المُسِنِّ: تَذكُر الزَّمان الفُلاني، أو للرَّاوي، أو نحوه، أي: حتَّى ذكَر

الرَّاوي ما نَسِيَ من طُول مُدَّته. * * * 3072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَارِسيَّةِ: "كَخٍ كَخٍ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لا نأْكلُ الصَّدَقَةَ"؟ الثالث: (كخ) بفتْح الكاف وكسرها، وتَسكين المُعجَمة، وتُكسَر مع التَّنوين: كلمةٌ يُزجَر بها الصِّبْيان. وسبق في (الزكاة)، في (باب: ما يُذكر في الصَّدقة). وللنِّزاع في هذه الألفاظ مَجالٌ، فيُقال في السُّور يحتمل أنَّه مِن تَوافُق اللُّغتين، وفي سَنَه أصلُه: حَسَنَةٌ، فحُذفت الحاءُ كما حُذفت: هد في قوله: كفَّى بالسَّيف شاهِد، فقالوا: شَا، وأما كَخْ فمِن أسماء الأصوات. ومُناسبة هذا الباب لـ (كتاب الجِهاد): أنَّ الكلام بالفارسيَّة ربَّما يحتاج إليه المُسلمون مع رسُل العجَم وأُمَنائهم. وقال (ك): لأَنَّ الحديث الأوَّل فيه كان في يوم الخنْدق والأحزاب بالتبعيَّة على عادة البخاريِّ في الاستِطراد في مثل ذلك. * * *

189 - باب الغلول، وقول الله تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل}

189 - بابُ الْغُلُولِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعالَى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ} (باب الغُلُول)؛ أي: الخِيانة في المَغنَم. 3073 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبَو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبَو هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: "لا ألفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ". وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ: فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ. (ألقين) بالقاف من اللِّقاء، وبالفاء من باب الأفعال. (حمَحَمة) بفتح المهملَتين: صَوتُ الفرَس إذا طلَب العلَفَ. (صامت)؛ أي: الذَّهب والفِضَّة. (رقاع) جمع: رُقْعة، وهي الخِرْقَة. (تخفق)؛ أي: تتحرَّك وتَضطَرِب، والمراد الأجناس من حيوانٍ، ونُقودٍ، وثيابٍ، وغيرها.

190 - باب القليل من الغلول

(وقال أَيُّوب)؛ أي: السَّخْتِيَاني، وصلَه مسلم، والطَّبَراني في "الصَّغير"، أي: صرَّح بلفْظ الفرَس بخلاف الرِّواية السَّابقة، فإنَّه وإنْ حُذِفَ، لكنَّه مُرادٌ. * * * 190 - بابُ الْقَلِيلِ مِنَ الْغُلُولِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ حَرَّقَ مَتَاعَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ. (باب القَليل من الغُلُول) (وهذا)؛ أي: عدَم ذِكْر التَّحريق أصحُّ مِن ذِكْره. (متاعه) الضَّمير فيه راجِعٌ إلى الغالِّ، أو إلى كِرْكِرَة المُصرَّح به في الحديث المذكور من بعدُ. * * * 3074 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هُوَ فِي النَّارِ"، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. * * *

191 - باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: كَرْكَرَةُ؛ يَعْنِي: بِفَتْح الْكَافِ، وَهْوَ مَضْبُوطٌ كَذَا. (ثَقَل) بفتح المثلَّثة، والقاف: مَتاعُ المُسافِر وحشَمُه. (كركرة) بكسْر الكافَين. أمَّا حَرْق مَتاع الغالِّ الذي أشار إليه، فإنَّه في "أبي داود" بسنَدٍ ضعيفٍ، نَعَمْ، صحَّح البُخَارِيّ في "التَّاريخ" أنَّه موقوفٌ. ووقَع للأَصِيْلِي: (ويُذكَر عَنْ عَبدِ اللهِ بن عَمْرٍو)، والأول هو الصَّواب، لأنَّه ليس في الحديث، وحديث ابن عُمَر من رواية عَمْرو ابن شُعَيب، عن أَبيه، عن جَدِّه، وفي هذه النُّسخة كلامٌ لهم. * * * 191 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ذَبْحِ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ فِي الْمَغَانِمِ (باب ما يُكرَهُ مِن ذبْح الإبِل والغنَم في الغَنائم) 3075 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، وَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَم

بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَفِي الْقَوْمِ خَيْل يَسِيرٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ اللهُ، فَقَالَ: "هَذِهِ الْبَهَائِمُ لَهَا أَوَابِدُ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا"، فَقَالَ: جَدِّي إِنَّا نَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- أَنْ نلقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ". (أُكُفئت)؛ أي: قُلِبَتْ. (نَد)؛ أي: نَفَرَ. (أعياهم)؛ أي: عجَّزَهم. (أوابد) جمع آبِدَة، وهي الوَحْش. (فما نَد)؛ أي: تَوحَّشَ. (نرجو) قد يَجيء الرَّجاءُ بمعنى الخَوف. (مُدى) جمع مُدْيَة، وهي السِّكِّين. (أنهر) بالنُّون، أي: أجرى. وقد مرَّ الحديث في (الشركة)، في (باب: قسم الغنم). * * *

192 - باب البشارة في الفتوح

192 - بابُ الْبِشَارَةِ فِي الْفُتُوحِ (باب البِشارة في الفُتوح) 3076 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ"؟ وَكَانَ بَيْتًا فِيهِ خَثْعَمُ يُسَمَّى: كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي لا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا"، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَشِّرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. قَالَ مُسَدَّدٌ: بَيْتٌ فِي خَثْعَمَ. (يريحني) من الإراحة، براءٍ ومهملةٍ. (الخلصة) بمعجمةٍ، ولامٍ، ومهملةٍ مفتوحاتٍ. (خَثْعَم) بفتح المعجمة، وسُكون المثلَّثة: قَبيلة. وسبَق قَريبًا في (باب: حَرْق الدُّور) أنَّ اسم رسولِ جَرِيْر:

193 - باب ما يعطى البشير

حُصَين بضم المهملة الأُولى. * * * 193 - بابُ مَا يُعْطَى الْبَشِيرُ وَأَعْطَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ثَوْبَيْنِ حِينَ بُشِّرَ بِالتَّوْبَةِ. (باب ما يُعطَى البَشير) (وأعطى كعب)؛ أي: حين بُشِّرَ بتَوبة الله عليه، وهو طرَفٌ من قصَّته المَوصولة في (المغازي). * * * 194 - بابٌ "لا هِجْرةَ بَعْدَ الْفَتْحِ" (باب: لا هِجْرةَ بعدَ الفَتْح) 3077 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ: "لا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".

الحديث الأول: (استنفرتم)؛ أي: طُلِبَ منكم الخُروج إلى الغَزْو. وسبق أوَّلَ (الجهاد). * * * 3078 - 3079 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ مُجَاشِعٌ بِأَخِيهِ مُجَالِدِ بْنِ مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: هَذَا مُجَالِدٌ يُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْح مَكَّةَ، وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلَامِ". الثاني: سبَق في (التهجُّد)، في (باب: تعاهُد ركعتَي الفجر). * * * 3080 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو وَابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: ذَهَبْتُ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ بِثَبِيرٍ، فَقَالَتْ لَنَا: انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ مُنْذُ فتحَ اللهُ عَلَى نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ. الثالث: (ثَبِيْر) بفتح المثلَّثة، وكَسْر المُوحَّدة، وسُكون الياء، وبراءٍ،

195 - باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله، وتجريدهن

مُنصرِفٌ وغير مُنصرفٍ: جبَلٌ عظيمٌ بالمُزدَلِفة، على يسَار الذاهِب منها إلى مِنَى. قال مُحَمَّد بن الحسَن: للعرَب أربعةُ جبالٍ كلُّ واحدٍ اسمه ثَبِيْر، كلُّها حِجَازِيَّةٌ. * * * 195 - بابٌ إِذَا اضْطَرَّ الرَّجُلُ إِلَى النَّظَرِ فِي شُعُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُؤْمِنَاتِ إِذَا عَصَيْنَ اللهَ، وَتَجْرِيدِهِنَّ (باب إذا اضطُرَّ الرَّجُل إلى النَّظَر) 3081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِي، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْن، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ عُثْمَانِيًّا، فَقَالَ لاِبْنِ عَطِيَّةَ، وَكَانَ عَلَوِيًّا: إِنِّي لأَعْلَمُ مَا الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: بَعَثنَي النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: "ائْتُوا رَوْضَةَ كَذَا، وَتَجدُونَ بِهَا امْرَأَةً أَعْطَاهَا حَاطِبٌ كِتَابًا"، فَأَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَقُلْنَا: الْكِتَابَ، قَالَتْ: لَمْ يُعْطِنِي، فَقُلْنَا: لتخْرِجِنَّ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَخْرَجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِبٍ، فَقَالَ: لا تَعْجَلْ، وَاللهِ مَا كفَرْتُ وَلَا ازْدَدْتُ لِلإسْلَامِ إلا حُبًّا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ

مِنْ أَصْحَابِكَ إلا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ نَافَقَ، فَقَالَ: "مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شئتمْ"؛ فَهَذَا الَّذِي جَرَّأَهُ. (ما الذي جرّأ) بتشديد الرَّاء من الجَراءَة. (صاحبك)؛ أي: عَليًّا، - رضي الله عنه -، ومراده بأَنَّ عليًّا من أهل الجنَّة قَطْعًا، وأنَّه إنْ وقَع منه خطأ في اجتِهاده فيَعفُو الله عنه يومَ القِيامة. (كذا) المُراد: خَاخ، بمعجمتَين على الرَّاجح، كما سبَق مرَّاتٍ. (امرأة) هي سَارَة، بمهملةٍ وراءٍ خفيفةٍ. (حَاطِب) بمهملتَين. (بَلْتَعة) بفتْح الموحَّدة، والمثنَّاة، والمهملة، وسُكون اللام. (الكتاب) نُصِبَ بمقدَّرٍ، أي: هاتِ الكتابَ، ونحوه. (لم يعطني)؛ أي: حاطِب. (حُجْزتها) بضم المُهملَة، وسُكون الجيم، والزَّاي: مَعقِد الإِزار، أو حُجْزَة السَّراويل التي فيها التِّكَّة. وسبَق في (باب: الجاسُوس) أنَّها أخرجتْه من عِقاصِها، أي: شَعْرها المَضفُور. ووجه الجمع: أنَّه لعلَّه أخرجتْه من الحُجْزة أولًا، وأخفتْه في

196 - باب استقبال الغزاة

العَقيصة، ثم اضطُرَّت إلى الإخراج منها أَيضًا، أو المُراد بالحُجْزة العَقْد مُطلَقًا أو الحَبْل، فالحِجَاز: حَبْلٌ يُشَدُّ بوسَط يدِ البعير، ثم يُخالَف فيُعقد به رجلاه، ثم يُشدُّ طرَفاه إلى حِقْوَيه، أو أنَّ عَقيصتَها كانت تَصِل إلى مَوضع الحُجْزة، فباعتباره صحَّت الإطلاقات، أو هما كناياتٌ مضمونها واحدٌ، كما أنَّ القِصَّة واحدٌ، وسبَق شرح بقيَّة الحديث. * * * 196 - باب اسْتِقْبَالِ الْغُزَاةِ (باب استِقبال الغُزَاةِ) 3082 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاِبْنِ جَعْفَرٍ - رضي الله عنهم -: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نعمْ، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ. 3083 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ - رضي الله عنه -: ذَهَبْنَا نتَلَقَّى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ. الحديث الأول، والثاني: (ابن الزُّبَير)؛ أي: عبد الله.

(لابن جعفر)؛ أي: ابن أبي طالِب، والظَّاهر أنَّه من أَولاده الثَّلاثة: عبد الله، لا محمَّد وعَوف. (فحملنا وتركك) هو من كلام ابن جَعْفَر، فيكون المَتروك هو ابن الزُّبَير، وهو ما فَهِمَه الدَّاوُدي خِلافًا لمَا وَهَّمَه به السَّفَاقُسي، وقال: إنَّه من بقيَّة كلام ابن الزُّبَير، حتَّى يكون المتْروك ابن جَعْفَر، والظَّاهر الأول، ويَشهد له رواية مسلم: أنَّ عبد الله بن جَعْفَر هو القائل لابن الزُّبير: أتَذكُر إذ تلَقَّيْنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وأنت وابن عبَّاس؟ قال: نعم، فحمَلَنا وتركَك، وفي "مسلم" أَيضًا: عن عبد الله بن جَعْفر: أنَّ النبيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ من سَفَر، فسُبِق بي إليه، فحمَلَني بين يدَيه، ثم جِيءَ بأحَدِ ابنَي فاطمة، فأردَفَه خَلْفَه، وكذا في "مصنَّف ابن أبي شَيبة"، و"كتاب ابن أبي خَيْثَمة": أنَّ القائل الأول عبد الله بن جَعْفر، فيُحمل حديث البُخَارِيّ، وكذا الثَّاني: أن ابن الزُّبير قال أوَّلًا لابن جعفر، فقال: نَعَمْ، ثم أتَمَّ جَوابَه بقَوله: فحَملَنا وترَكَك. (ثنية) هي الطَّريق في الجبَل. (الوَداع) بفتح الواو؛ لأنَّ أهل المدينة يُودِّعون فيها المُسافر من المدينة. * * *

197 - باب ما يقول إذا رجع من الغزو

197 - بابُ مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْغَزْوِ (باب ما يَقُولُه في مَرجِعه من الغَزْو) 3084 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَفَلَ كَبَّرَ ثَلَاثًا، قَالَ: "آيِبُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ حَامِدُونَ، لِرَبِّنَا سَاجِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". الحديث الأول: سبق مرَّاتٍ، وهو ظاهرٌ. * * * 3085 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ فَصُرِعَا جَمِيعًا، فَاقْتَحَمَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "عَلَيْكَ الْمَرْأةَ"، فَقَلَبَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِهِ وَأتاهَا، فَألقَاهَا عَلَيْهَا وَأَصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا، فَرَكِبَا، وَاكْتَنَفْنَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: "آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ"، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ.

الثاني: (مَقْفَلَهُ)؛ أي: مَرجِعَه، وهو بفتح الميم وضمها، وسكون القاف، وفتح الفاء واللام. (من عُسْفَان) بضم المهملة الأُولى، وسكون الثَّانية. قال الدِّمْيَاطي: ذِكْر عُسْفان مع قِصَّة صفيَّة وهمٌ؛ لأنَّ عُرْوة عُسْفان إلى بَنِي لِحْيَان كانت في سنة ستٍّ، وغزوة خَيبر في سنة سبعٍ، وإرداف صفيَّة ووقوعُها كان فيها. (فاقتحم) مِن قَحَمَ في الأمر: إذا رمَى نفسَه فيه من غير رَويَّةٍ. (المرأة) بالنَّصب، أي: الْزَم المرأةَ، وفي بعضها: (بالمَرأَةِ). (فألقى أبو طلحة) وما أَسعَد فِعْلَ ما فعَلَه، - رضي الله عنه -. (اكتنفنا)؛ أي: أَحطْنا به، مِن كنَفتُ الرَّجل، أي: حُطْتُه وصُنتُه. * * * 3086 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَفِيَّةُ مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِبعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمَرْأَةُ، وَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ -قَالَ: أَحْسِبُ قَالَ:- اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: "لا،

198 - باب الصلاة إذا قدم من سفر

وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ"، فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَصَدَ قَصْدَهَا فَأَلقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا، فَرَكِبَا، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ -أَوْ قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ- قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ" فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ. (قصدها)؛ أي: نَحوَها. (ظهر المدينة)؛ أي: ظاهرَها. * * * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 198 - بابُ الصَّلَاةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ 3087 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ لِي: "ادْخُلِ الْمَسْجدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ". 3088 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ كعْبٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى

199 - باب الطعام عند القدوم

دَخَلَ الْمَسْجدَ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ. (باب الصَّلاة إذا قَدِمَ مِن سفَر) سبَق الحديثان في (كتاب الصلاة). * * * 199 - بابُ الطَّعَامِ عِنْدَ الْقُدُومِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ. (باب الطَّعام عند القُدوم) (وكان ابن عُمَر يُفطِر لمن يَغشاه)؛ أي: يَقدُم عليه، وينْزل لدَيه، كان إذا قَدِم سفَرًا أطعَم مَن يَغشاه، وأفطَر معهم على معنى تَرْك قَضاء صَوم ما أفطَر فيه في سفَره، وقد روى الإِسْمَاعيلي في "الأحكام": حدَّثنا سُليمان بن حَرْب، ثنا حماد بن زيد، ثنا أَيَوب، عن نافِع: أنَّ ابن عُمر كان لا يَصُوم في السَّفَر، فإذا قَدِم أفطَر لمَن يَغشاهُ، ثم استَأْنَفَ قَضاء رمضان. * * * 3089 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَارِبِ ابْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ

نَحَرَ جَزُورًا، أَوْ بَقَرَةً. زَادَ مُعَاذٌ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَارِبٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: اشْتَرَى مِنَّي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيرًا بِوَقيَّتَيْنِ وَدِرْهَم أَوْ دِرْهَمَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبقَرَةٍ فَذُبِحَتْ فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجدَ فَأُصَلِّيَ رَكعَتَيْنِ، وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ الْبَعِيرِ. الحديث الأول: (زاد مُعاذ) وصلَه مسلم. (صِرَار) بكسر الصاد المُهملة، وخِفَّة الراء الأُولى: بِئْرٌ قديمةٌ على ثلاثةِ أميالٍ من المدينة من طريق العِراق. * * * 3090 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَدِمْتُ مِنْ سَفَرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صَلِّ رَكعَتَيْنِ". صِرَارٌ: مَوْضِعٌ نَاحِيَةً بِالْمَدِينَةِ. الحديث الثاني: ظاهر المعنى. ° ° °

57 - كتاب فرض الخمس

57 - كتاب فرض الخُمُس

1 - باب فرض الخمس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 57 - كِتابُ فرضِ الخُمُس 1 - بابُ فَرْضِ الْخُمُسِ (باب فَرْض الخُمُس) 3091 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ، فَنَأْتِيَ بإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبَّ أَسْنِمَتُهُمَا

وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا لَكَ"؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمُّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إلا عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجْنَا مَعَهُ. الحديث الأول: (شارف) هي المُسِنَّة من النُّوق. (قَيْنُقَاع) بفتْح القافَين، وضم النُّون، وفتحها وكسرها، مُنصرِفٌ وغير مُنصرفٍ: قَبيلةٌ من اليهود.

(والغَرائر) بفتْح المعجمة، وراءٍ مكرَّرةٍ: هي أَوعيَة التِّبْن، ونحوه. قال الجوهري: أظنُّه مُعرَّبًا. (مناخان) باعتبار لفْظ الشَّارِف، ومَناخَتان باعتِبار معناه. (بكيت)؛ أي: خَوفًا من توهُّم تقصيري في حقِّ فاطمة -عليها السلام- أو في تأْخير الابتِناء بسبَب ما فاتَ منه ما يُستَعان به لا لأَجْل فواتهما؛ لأنَ مَتاع الدُّنيا قليلٌ، لا سيَّما عند أمثاله. (شَرْب) بفتح الشين، وسُكون الرَّاء: جماعة يشرَبون الخَمْر، اسم جَمْعٍ عند سِيْبَوَيْهِ، وجمع شَارِب عند الأَخْفَش. (أدخل) بالرَّفع، والنَّصب. (ثمل) بفتح المثلَّثة، وكسر الميم، أي: سَكِر. (صعد)؛ أي: حَمزةُ. (عَبيد)؛ أي: كعَبيد. (لأبي)؛ أي: عبد الله وأبو طالب كانا عند عبد المطَّلِب كأنهما عبْدان له في الخُضوع لحُرمته، وإنَّه أقرب إليه منهما. مرَّ الحديث في (كتاب الشُّرب)، في (باب: لا حِمى إلَّا لله)، وفي أثناء (البيوع). * * *

3092 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرتْهُ: أَنَّ فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا، مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا أفاءَ اللهُ عَلَيْهِ. 3093 - فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ"، فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ أَشْهُرٍ. قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ بِهِ إلا عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ؛ فَأَمَّا صَدَقتهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَانتَا لِحُقُوقهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنوَائِبِهِ، وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الأَمْرَ، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ. الحديث الثاني: (ما ترك) بيانٌ من: ميراث، أو بدَل. (لا نُورَث) بفتح الراء، والمَعنى على الكسر -أي: مع التَّشديد-

صحيحٌ أَيضًا، وحِكْمة ذلك أنَّه لا يُؤمَن أن يتمنَّى وارثٌ موتَه، فيَهلِكَ، أو حتَّى لا يُظَنَّ بهم الرَّغبة في الدُّنيا لورَّاثهم، فينفِّروا النَّاسَ عنهم، أو هم كَآباءِ الأُمم فما لهم لكُلِّ أولادهم، وهو معنى الصَّدقة. (ما تركنا صدقة)، (ما) بمعنى: الذي، مبتدأٌ، و (تركنا) صلةٌ له، والعائد محذوفٌ، أي: ما تركناه، و (صدَقة) مرفوعٌ خبرُه، وفي روايةٍ: (فهو صَدَقة). قال النَّحَّاس: يصحُّ نصبه على الحال؛ وأنكَره (ع)؛ لتأْييده مذهب الشِّيعة، لكن ابن مالك قدَّر: ما تَركنا متروكٌ صدقةً، فحُذف الخبر، وبَقيَ الحال كالعِوَضِ منه، ونظيره قراءة بعضهم: {وَنَحْنُ عصبةً} [يوسف: 8]. (فَغَضِبَتْ)؛ أي: حصَل منها ذلك على مقتضى البشَرية، وسكَن بعد ذلك، أو الحديث كان مؤوَّلًا عندها، فما فضَل عن فُروض الورَثة وضَروراتهم، أو نحو ذلك. (فهجرت)؛ أي: انقبَضتْ عن لِقائه لا الهِجْران المُحرَّم من تَرْك السَّلام ونحوه. (ولم تزل مهاجرته) اسم فاعلٍ مِن: هاجَرَ لا مصدرٌ، وفي هذا رَدٌّ لمَا حكاه التِّرمِذي عن شيخه عليِّ بن عِيْسى أنَّها لم تُكلِّمْه في هذا الميراث خاصةً. (قالت: وكانت فاطمة)؛ أي: قالتْ عائشةُ، وفي بعضها:

(قال) فالضَّمير لعُروة، لكنْ يكون حينئذٍ مُرسَلًا؛ لأنَّه لم يَلْقَ فاطمة. (فَدَك) بفاءٍ، ومهملةٍ مفتوحتَين، يُصرَف ولا يُصرَف: على مرحلتَين من المدينة، وقيل: ثلاثة. (صَدَقَته)؛ أي: أَملاكَه التي بالمدينة التي صارتْ بعدَه صدَقةً. قال (ن): صارتْ له لثلاث حُقوق: أحدها: ما وُهِبَ له، وذلك وصيَّة مُخَيْرِيق -بضم الميم، وفتح المعجمة، وسكون الياء، وكسر الراء، وبقاف- اليهوديِّ له عنْد إسلامه، وهي سبْعُ حَوائِط في بني النَّضير، وما أَعطاهُ الأَنْصار من أَرضهم، وكان هذا ملْكًا له. والثاني: حقُّه من الفَيء من أرض بني النَّضِير حين أجلاهم، كانت له خاصةً يُخرجُها في نوائِب المُسلمين، وكذا نِصْفُ أرضِ فَدَك، صالَح أهلَها بعد فتْح خَيْبَر على نصفِ أرضها، وكان خاصًّا له، وكذا ثُلُث أرضِ وادي القُرى، أُخِذَت حين مُصالحةِ أهلِها، وكذلك حِصْنان من حُصون خَيْبَر أخذهما صلْحًا. الثالث: سَهْمه من خُمُس خيبر، وما افتُتح منها عَنْوةً، وكانت ملكًا لرسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يَستأثِر بها، بل يُنفقها على أهله، والمسلمين، والمَصالح العامة. وكلُّ هذه صدقاتٌ يحرُم تملُّكها بعده. (أن أزيغ)؛ أي: أن أمِيلَ عن الحقِّ إلى غيره.

(فدفعهما عُمر إلى علي وعباس)؛ أي: يتصرَّفان فيها، ويَنتفعان بقَدْر حقِّهما كما تصرَّف رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا على جهةِ تمليكِه لهما. (تعروه)؛ أي: تَنْزل به. (ونوائبه) جمع: نائبةٍ، أي: حادِثَة. (اعتراك)؛ أي: المَذكور في آية: {اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود: 54]. * * * 3094 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكٍ بْنِ أَوْسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَقَالَ مَالِكٌ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِيٌّ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ يَا مَالِ! إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أتاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نعمْ، فَأَذِنَ

لَهُمْ، فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نعمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلَا فَسَلَّمَا فَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَاُبهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، قَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نفسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا الله، أتعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ؛ إِنَّ اللهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {قَدِيرٌ}، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نعمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،

وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا -يُرِيدُ: عَلِيًّا- يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لتعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبَو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ! هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَليٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ! هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذلِكَ؟ قَالَا: نعمْ، قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! لا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا. (باب قِصَّة فَدَك) (إسحاق بن مُحَمَّد الفَرْوي) بفتح الفاء، وسُكون الرَّاء، وبواوٍ، وقال الغَسَّاني: في بعض النُّسَخ: (محمَّد بن إسْحَاق) وهو خطأٌ.

(مَتَع) بفتح المثنَّاة الخفيفة، وبمهملةٍ: ارتفَع، وطالَ ارتفاعُه. (أجب)؛ أي: طلَبَكَ فأجبْهُ. (رمال) بضم الراء وكسرها: ما يُنسَج من سَعَف النَّخيل ليُضطَجَع عليه، يقال: رمَلَ سريرَه وأَرملَه: إذا جعلَه ذلك من شَريطٍ أو غيره، وقيل: رمال السَّرير: ما مُدَّ على وجهه من خُيوطٍ، وشريطٍ، ونحوهما. (يَا مالُ) مُنادى مُرخَّمٌ، بضم اللام وكسرها، على اللُّغتين في التَّرخيم. (بِرَضْخ) بفتْح الراء، وسُكون المعجمة الأُولى: العَطاء القَليل. (يَرْفَأ) بفتح الياء، وسكون الراء، وفتح الفاء، مهموزٌ وغير مهموزٍ، وهو الأشهر، وقد يُقال: اليَرْفَاء، بالألف واللام، كما هو رواية أبي داود، وهو علَمُ حاجبِ عُمر. (هل لك)؛ أي: رغبةٌ في دخولهم. (وأرح) براءٍ، ومهملةٍ: من الإراحة. (تيدكم) بالمثنَّاة فوق، وبياءٍ بعدها، أي: على رِسْلِكُم، أي: هِيْنَتِكُم، أي: اصبِرُوا، وأَمهِلُوا، فقيل: هو مصدر: تَادَ يَتيدُ، كسارَ يَسيرُ، والمعنى: تِيدُوا تَيْدَكُم، كما يقال: سِيروا سَيركُم، والأصل في هذا الفعل: اتَّأَدَ يَتَّئِدُ بالإدغام، بوزن: افْتَعَل، مِن التُّؤَدَة، وهي السُّكون، فنصبه على المصدر. وقال (ع): تَيدَكُم بفتح التاء للقَابِسِي، وبكَسرها للأَصِيْلِي،

أي: مع الهمْز، كذا لأبي زَيْد، ورُوي: (تَيْدُكم) برفع الدال. وقيل: تَيْدَكم: اسم فعلٍ بمعنى: اتَّئِدُوا، قالَه الفارسيّ، وقد حكَى سِيبَوَيْهِ: بَئْسَ فُلان -بفتْح الباء-. قال (ع): فالياء في: (تَيْدَكم) مُسهَّلةٌ من الهمز، والتاء مُبدلةٌ من واوٍ؛ لأنَّه في الأصل: وَادَه. وجزَم في "المُحْكَم" بأنَّه اسم فعلٍ، فالتاء بدلٌ من الواو، كما كانت في التُّؤَدة، والياء بدلٌ من الهمْز قُلبت منها لغير علَّةٍ. (أنْشُدكم) بضم الشِّين، أي: أسأَلُكم، يُقال: نَشَدتُكم اللهَ، وباللهِ. (ما لم يعطه أحدًا غيره)؛ أي: حيث خصَّصه بالفيء كلِّه كما يقولُه الجمهور، أو جُلِّه كقَول الشَّافعيَّة، وقيل: حيثُ جاء إحلال الغَنائم، ولم تَحِلَّ لأحدِ من الأنبياء. (ما احتازها) بمهملةٍ، وزايٍ، بمعنى: جمعَها. (ولا استأثر)؛ أي: استبدَّ وتفرَّدَ. ووجْه الجمْع بين هذا وبين رَهْنِه الدِّرعَ عند اليهوديِّ على شَعيرٍ استَدانَه لأهله: أنَّه كان يَعزِلُ مِقدار نفقَتهم منه، ثم يُنفِق ذلك أَيضًا في وُجوه الخَير قبْلَ انقِضاء السَّنَة عنه. (فجعل)؛ أي: بأنْ يجعلَه في السِّلاح، والكُراع، ومصالح المسلمين.

(بدا)؛ أي: ظهَر، وسَنَحَ، فإن قيل: إنْ كان الدَّفْع إليهما صوابًا؛ فلِمَ لا دفَعه آخِرًا؟ قيل: منعَه أولًا على الوجْه الذي طلَباه، وهو التَّملُّك، وأعطاه ثانيًا على وَجْه التصرُّف كتصرُّف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبِه. وقال (خ): هذه القِصَّة مُشْكلةٌ جِدًّا؛ لأنهما لمَّا أخذاها على ما شَرَطه عُمُر عليهما معتِرفين بأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تَركْنَا"، وشَهِد المهاجرون بذلك؛ فما الذي بدَا لهما حتَّى تخاصَما؟!، فيقال: إنْ تخاصما لأنَّه يشُقُّ عليهما التَّشارُك في التصرُّفات، وطلبَا القِسمةَ ليستَبدَّ كلُّ منهما بالتَّدبير والتصرُّف فيما يصير إليه، فمنعَ عُمر ذلك لئلا يَجريَ على ذلك اسم الملْك؛ إذ القِسْمة إنما تقَع في الأَمْلاك، وبتطاوُل الزَّمان يُظَنُّ فيه المِلْكية. قال أبو داود: ولهذا لَمَّا صارت الخِلافة إلى عليٍّ لم يُغيِّرْها عن كونها صدَقة. ويُحكى أنَّ السَّفَّاح لما خطَب أوَّل خطبةٍ قام بها قامَ إليه رجلٌ معلِّقٌ في عنُقه المُصحَف، قال: أُناشِدُك الله إلَّا ما حكَمت بيني وبين خَصْمي بهذا المُصحَف، فقال: مَن خَصمُك؟، فقال: أبو بكرٍ في منْعه فَدَك، قال: أَظلمَك؟، قال: نعم، قال: فعُمر؟، قال: نعم، قال: فعُثمان؟، قال: نعَم، قال: فعليٌّ، فسكَت الرَّجل، فأغلَظَ له الخليفة.

2 - باب أداء الخمس من الدين

وفي الحديث تَوكيلُ الرَّجلين، وقد زاد البُرْقاني من طريق مَعْمر: فغلَب عليٌّ، فكانتْ بيده، ثم بيد حسَن بن عليٍّ، ثم بيَدِ حُسين، ثم بيد عليِّ بن الحُسَين، ثم بيد الحسَن بن الحسَن، ثم بيَدِ زيد بن الحُسين، قال مَعْمَر: ثم بيَدِ عبد الله بن الحسَن، ثم وليَها بنو العبَّاس. * * * 2 - بابٌ أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الدِّينِ 3095 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَصِل إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنا بَأَمْرٍ نَأْخُذُ مِنْهُ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَاَ، قَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكَمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَ الله -وَعَقَدَ بِيَدِهِ-، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَنْ تؤَدُّوا لِلَّهِ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَم وَالْمُزَفَّتِ". (باب: أَداء الخمُس من الدِّين) الحديث سبَق فيه مرَّاتٍ، منها في (الإيمان)، في (باب: أداءُ الخُمُس من الإيمان).

3 - باب نفقة نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته

وفائدة الجمْع بين التَّرجمتين: أنَّا إذا قدَّرنا الإيمانَ قولٌ وعملٌ دخَلَ أداءُ الخُمُس في الإيمان، وإنْ قُلنا: إنه التَّصديق دخَل أداؤُه في الدِّين. * * * 3 - بابُ نَفَقَةِ نسَاء النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ وَفَاتِهِ (باب نفَقَة نِساءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 3096 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُنةَ عَامِلِي فَهْوَ صَدَقَةٌ". الحديث الأول: (دينارًا) تنبيةٌ بالأَدنى على الأعلى، كما في: {إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ} [آل عمران: 75] والكلامُ خبَرٌ لا نهيٌ، أي: لستُ أُخَلِّفُ بعدي دينارًا يُقْتَسَم، فالرواية بالرفْع لا بالجَزْم، ولأن النهي يقتضي إمكانَ وُقوعه، وهو لا يُمكن. (بعد نفقة نسائي)؛ أي: لأنهنَّ محبوساتٌ عن الأزْواج بسبَبه، أو لعِظَم حقُوقهنَّ في بيت المالِ؛ لفَضْلهنَّ، وقِدَم هِجْرتهنَّ، وكونهنَّ أُمهات المُؤْمنين، ولذلك اختصَصْنَ بمَساكنهنَّ، ولم يَرِثْها ورثتُهنَّ.

(ومؤنة عاملي) قيل: القائِم على هذه الصِّفات، والنَّاظِر عليها، وقيل: كلُّ عاملٍ للمُسلمين من خليفةٍ وغيره؛ لأنه عاملُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ونائبٌ عنه في أُمته، وقيل: حافِرُ قَبْري. * * * 3097 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكلُهُ ذُو كَبِدٍ، إلا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفًّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ، فَفَنِيَ. 3098 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ، قَالَ: مَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا سِلَاحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً. الحديث الثاني: (ذو كبد)؛ أي: حيَوانٌ: إنسانٌ أو بهيمةٌ. (الشطر) هو النِّصف، قيل: المراد به وَسْقٌ من الشَّعير، ويحتمل أن يُراد بالشَّطْر البعض. (رَف) بفتْح الراء: شِبْهُ الطَّاقِ. (ففني) هذا يقتضي أنَّ الكيل سبَبٌ للفَناء، ومُوجِبٌ للنُّقصان، ولا يُعارِض حديث: "كِيْلُوا طَعامَكُم يُبارَكْ لكُم فيهِ"؛ لأنَّ ذاك في

4 - باب ما جاء في بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما نسب من البيوت إليهن

المُبايَعة، وهذا في الإنْفاق للإِصابة بالعَين ونحو ذلك، فالبَركة مع جَهْل المأخوذِ منه، فاختلَف المَورِد. ووجْه مُطابقته للتَّرجمة: أنها لم تَذكُر أنها أخذَتْه في نَصيبها، ولو لم يكُن لها النَّفقة مستحَقَّةً لكان الشَّعير المأخوذ لبَيت المالِ، أو مَقسُومًا بين الورثة، وهي إحداهنَّ. * * * 4 - بابُ مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا نُسِبَ مِنَ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وَ {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}. (باب ما جاءَ في بُيوت أَزْواج النبيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قَصْدُه أنَّ نِسبةَ البُيوت إليهنَّ في هذه الأحاديث تُحقِّق دوامَ استِحقاقهنَّ لسُكناهنَّ بعد موته -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنَّ ذلك مِن خصائصه كالنَّفَقة. * * * 3099 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّد، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ

ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ. 3100 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: تُوُفَّي النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِي، وَفِي نَوْبَتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِسِوَاكٍ، فَضَعُفَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ، ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ. الحديث الأول، والثاني: (نوبتي)؛ أي: يوم نَوبَتي على حِسَاب الدَّور الذي كان قبْل المرَض. (سَحْري) بفتح المهملة الأُولى، وسُكون الثَّانية: الرِّئَة، وقيل: ما لَصِقَ بالحُلقوم، وحكى القَتَبي عن بعضهم: أنَّه بالشِّين المعجمة، والجيم، وأنَّه سُئل عن ذلك فشبَّك بين أصابعه وقدَّمها عن صَدْره كأنَّه يَضمُّ شيئًا إليه، والمَحفوظ الأول. (وَنَحْري) بالنُّون: الصَّدْر، أرادتْ أنَّه -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماتَ وهو مُستنِدٌ إلى صَدْرها وما يُحاذِي سَحْرها منه. (سننته)؛ أي: جعلتُه شيئًا يُتسَوَّك به بسَبب المَضْغ.

وسبَق الحديث في (الجمُعة)، في (باب: من تسوَّك بسِواك غيره). * * * 3101 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: أَنَّ صفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزُورُهُ، وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَامَتْ تنقَلِبُ، فَقَامَ مَعَهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَرِيبًا مِنْ بَابِ الْمَسْجدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِمَا رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ نَفَذَا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَلَى رِسْلِكُمَا" قَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا". الحديث الثالث: (رِسْلكما) بكسر الراء، أي: هِيْنَتِكُما، وسبق في (باب: الاعتكاف). * * * 3102 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ

عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُما- قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ، مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ. الرابع: سبَق في (كتاب الطَّهارة). * * * 3103 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا. الخامس: سبَق في (مواقيت الصلاة). * * * 3104 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا، فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: "هُنَا الْفِتْنَةُ -ثَلَاثًا- مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". السادس: (هنا الفتنة)؛ أي: جانِبَ المَشرِقِ مَثَارُ الفِتْنة.

(قرن الشيطان) طرَف رأْسه، أي: يُدني رأْسه إلى الشَّمس في هذا الوقْت، فيكون الساجِدون للشَّمس من الكفَّار كالساجدين له. وقيل: قَرْنه: أُمَّته وشِيْعَته، وفي بعضها: (قَرْن الشَّمْس). * * * 3105 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأَذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أُرَاهُ فُلَانًا -لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ- الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ". السابع: (ما يحرم من الولادة) فهو مِن التَّحريم، في بعضها: (تُحرِّم الوِلادة)، فهو من الحُرمة. وسبَق الحديث في (الشَّهادات). واعلم أنَّ إضافة البُيوت إليهنَّ -مع أنها مِلْكُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولهذا قال تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53]- إضافةٌ بمعنى: سُكَّانهنَّ، وأما له فالإضافة حقيقةٌ. * * *

5 - باب ما ذكر من درع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته مما يتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

5 - بابُ مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ، وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ، وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ (باب ما ذُكِر مِن دِرْع النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (مما يتبرك)؛ أي: به، فحُذفت كما في: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94]، وفي روايةٍ بذكرها فيه. وفِقْه التَّرجمة أنَّه -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُورَث، وأنَّ الآيةَ بقيت عند من وصلَتْ إليه للتبرُّك، والمَساكن يسكنُها أزواجه، وكذا ما في بيوتهنَّ من الآلات، وتحت أَيديهنَّ لو كان شيءٌ من ذلك ميراثًا لاقتسَمَها الورَثة. ولفْظ: يُتبرَّك من البَركة، كذا للقابِسِي، وللأَصِيْلِي: (مما يُشرَّك) بشين معجمةٍ من الشَّركة. قال (ع): وهو ظاهرٌ؛ لقوله قبْلَه: (ما لم يُذكَر قِسْمتُه)، لكنَّ الأول أظْهَر. 3106 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-؛ لَمَّا اسْتُخْلِفَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ، وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَم ثَلَاثَةَ

أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللهِ سَطْرٌ. الحديث الأول: سبق في (الزكاة). * * * 3107 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنسٌ نَعْلَيْنِ جَرْداَوَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ، فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّهُمَا نَعْلَا النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثاني: (جرداوين) مثنَّى الجَرْداء، مؤنَّث الأَجْرَد، أي: الخَلِق، بحيث صار مُجرَّدًا عن الشَّعْر، وهو بالواو كما في حَمْراوَين، وفي بعضها: (جَرداوتَينِ)، وهو مُشْكلٌ إلا أن يُقال: زِيدت التاءُ للمُبالغة. (قِبلان) بكسر القاف، والقِبَال ما يُشَدُّ به شِسْع النَّعْل، وقال الجَوْهَري: هو الزِّمام الذي يكون بين الأُصبعَين الوُسطَى والتي قبلَها. * * * 3108 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ

إلَيْنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كِسَاءً مُلَبَّدًا وَقَالَتْ: فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَزَادَ سُلَيْمَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونها الْمُلَبَّدَةَ. الثالث: (ملبدًا) اسم مفعولٍ مِن التَّلْبيد، واللَّبِيْدة كِساءٌ غليظٌ رَكِبَ بعضه بعضًا لغِلَظه. (وزاد سليمان) وصلَه مسلم. * * * 3109 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ. الرابع: (عن أبي حمزة) بمهملةٍ، وزايٍ. (الشعب) بفتح المعجمة، وسُكون المهملة: الصَّدْع، والشِّقُّ، ويكون الشَّعْب مصدرًا بمعنى: الإِصْلاح.

قال الدَّارَقُطنيُّ: هذا حديثٌ اختُلف فيه على عاصِم الأَحْوَل، فرواه أبو حمزة، عن عاصم، عن ابن سِيْرين، ورواه غيرُه عن عاصم، عن أنس، والصحيح الأول. * * * 3110 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي: أَنَّ الْوَليدَ بْنَ كثِيرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيَّ، حَدَّثَهُ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: لا، فَقَالَ لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللهِ! لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لا يُخْلَصُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى تُبْلَغَ نَفْسِي، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: "إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَأَنَا أتخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا"، ثُمَّ ذَكرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: "حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي، وَإِنَّي لَسْتُ أحُرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللهِ لا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ أَبَدًا".

الخامس: (يغلبك)؛ أي: يَأْخُذونه منك بالقَهْر والاستيلاء. (يخلص) وكذا قولُه بعدَه. (يُبلغ) مبنيًّا للمفعول. (بنت أبي جهل) اسمها: جُوَيْرِيَة تصغير جارية، وقيل: جَمِيلة بفتح الجيم. (مني)؛ أي: بَضْعةٌ مني. (صهرًا له) هو أبو العَاصِ بن الرَّبيع بن عبْد العُزَّى بن عبْد شَمْس، زَوجُ زينب، [وكان] مُؤاخيًا له مُصافًا له. ومرَّت قصَّتُه في (كتاب الشُّروط)، وهذا الفعل وإنْ كان مُباحًا في ذاته، لكنْ بإيذاء فاطمةَ المُؤدِّي لإيذاء النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صار ممنوعًا مُحرَّمًا. ووجْه مناسبة هذه الحِكاية: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يَحترِز مما يُوجِب حَذَرًا من الكُدورة بين الأَقرباء، فلذلك ينبغي أن يُحتَرَز منه، وتُعطيني أَنْتَ هذا السَّيف حتَّى لا يتجدَّد بسبَبه كُدورةٌ أُخرى، أو كما أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُراعي جانب بني أعمامه العَبْشَميَّة فراعِ أَنْتَ جانبَ أعمامك النَّوفَلية؛ لأن المِسْور نَوفَليٌّ، أو كما أنَّه - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ رفاهية خاطِر فاطمة أنا أُحبُّ أَيضًا رفاهية خاطِرك، فأعطنيه حتَّى أحفَظَ لك. * * *

3111 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: لَوْ كانَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - ذَاكِرًا عُثْمَانَ - رضي الله عنه - ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ، فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي عَلِيٌّ: اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: أَغْنِهَا عَنَّا، فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا. 3112 - قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُنْذِرًا الثَّوْرِيَّ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي، خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَإِنَّ فِيهِ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَةِ. السادس: (ذاكرًا عُثْمان)؛ أي: لو كان ذاكِرَه بسُوء لذكَره حتَّى كذا وكذا. (سعاة) جمع ساعٍ، وهو العامل في الزكاة، وأرسَل صحيفةً فيها بيان أَحكام الصَّدَقات بيده إلى عُثْمان، وقال: مُرْ عُمَّالَك يعملون بها. (أغنها) بفتح الهمزة، أي: اصْرِفْها عنا، أي: لأنَّه كان عنده ذلك العِلْم، فلم يكُن محتاجًا إلى تلْك الصحيفة. قال (خ): هي كلمةٌ معناها: التَّرْك والإعْراض. * * *

6 - باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمساكين، وإيثار النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة وشكت إليه الطحن والرحى أن يخدمها من السبي، فوكلها إلى الله

6 - بابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمَسَاكِينِ، وَإيثَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالأَرَامِلَ حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ، فَوَكَلَهَا إِلَى اللهِ (باب الدَّليل على أنَّ الخُمُس لنَوائب رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) (وإيثار)؛ أي: اختِيار. (أهل الصفة) هم الفُقراء والمَساكين الذين يسكُنون صُفَّةَ مسجد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (والأرامل) جمع أَرْمَل، وهو الرَّجل الذي لا امرأةَ له، والأَرمَلَة التي لا زَوجَ لها. (حين) ظَرْفٌ للإيثار. (أن يخدمها) مفعولٌ ثالثٌ لـ (سأَلت)، وقد وصَلَ هذا أَحْمد عن عليٍّ مُطوَّلًا، وأصله في "الصَّحيح". 3113 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: أَنَّ فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- اشْتكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ، فَبَلَغَهَا أَنَّ

رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَبْيٍ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلهُ خَادِمًا، فَلَمْ تُوَافِقْهُ، فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ، فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ، فَقَالَ: "عَلَى مَكَانِكُمَا"، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاه؟ إذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ". (ابن أبي ليلى) قال ابن الأَثير في "جامع الأُصول": إذا أطلقَه المُحدِّثون فالمراد عبد الرَّحمن بن أبي لَيْلَى، وإذا أطلقَه الفُقهاء فهو محمَّد بن عبد الرَّحمن. (خادمًا) يُطلَق على العبْد والجارية. (لم توافقه)؛ أي: لم تُصادفه، ولم تجتمع به. (على مكانكما)؛ أي: اِلْزَماهُ، ولا تُفارِقاه. (حتَّى) غايةٌ لمُقدَّرٍ، أي: فدخَل في مَضاجِعنا، فحُذف لظُهوره. (أدلكما) أسنَد الأمرَ إليهما والسائلُ فاطمةُ وحدَها؛ لأن سُؤالها كان برِضَا عليٍّ. (خير) وجْه الخَيْريَّة أنَّ فائدة الذِّكْر ثَواب الآخرة، والخادِم مَنفعته الطَّحْن ونحوه، والثَّوابُ أشرَفُ وأكثَر وأبقَى، فهو خيرٌ.

7 - باب قول الله تعالى: {فأن لله خمسه}؛ يعني: للرسول قسم ذلك

ووجه مُطابقة التَّرجمة إيثارُ غيرِ فاطمةَ عليها. * * * 7 - بابُ قَوْلِ اللهِ تعالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}؛ يَعْنِي: لِلرَّسُولِ قَسْمَ ذلِكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ، وَاللهُ يُعْطِي". (باب قول الله عز وجل: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}) (يعني للرسول) - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: له قِسمتُه لا أنَّ سَهْمًا منه له، وهذا ترجيحٌ منه لهذا القَول، ولكنَّ غيره أَرجَحُ منه. (قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) موصولٌ في (الاعتِصام). * * * 3114 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ وَقتَادَةَ، سَمِعُوا سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنَ الأَنْصَارِ غُلَامٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا، قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا، قَالَ: "سَمُّوا بِاسمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ

قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ"، وَقَالَ حُصَيْنٌ: "بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ"، قَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا، عَنْ جَابِرٍ: أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". الحديث الأول: (ولا تكنوا) مِن الكُنية، أو من التَّكنِّي. (فإني إنما جعلت قاسمًا)؛ أي: فإذا سَمَّى أحدَ ولده القَاسِم صار ذلك الأَبُ يُسمَّى بأبي القاسم، فيَصير الأَبُ يُكنى بكُنية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنْ قيل: هو - صلى الله عليه وسلم - كان يُكنَى بذلك؛ لأنَّ اسمَ ابنه كان قاسِمًا لا لأنه يقسِمُ المال، قيل: احتُرِز منه نظَرًا إلى مجرَّد اشتِراك اللَّفظ. وسبَق في (العِلْم)، في (باب: مَن كذَب على النَّبِيّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الخلافُ في التَّسمِّي باسمه، والتَّكنِّي بكُنيته. (وقال حصين) موصولٌ في (الأدب). (وقال عمرو)؛ أي: ابن مَرْزُوق، وصلَه أبو نُعَيْم في "المُستخرَج". * * * 3115 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِم،

وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وُلِدَ لِي غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسم وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحْسَنَتِ الأَنْصَارُ، سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ". الحديث الثاني: (لرَّجل منا) هو أنَس بن فَضَالَة، سَمَّى ابنه محمَّدًا، رواه ابن مَنْدَه. قال (ك): وغرَض البُخَارِيّ أنَّ هؤلاء الأَربعة: الأَعمَش، ومَنْصُورًا، وأَبا قَتادة، وحُصَينًا رَوَوا الحديث بتَقارُب لم أَرَ سَماع شُعبة من الثلاثة الأُوَل، وسماعُهم من سالم صرَّح البُخَارِيّ به، وأما سماع شُعبة من حُصَين، وسَماعه من سالم فمحتمِلٌ. (لا ننعمك عينًا)؛ أي: لا نُكرمُك، ولا نُقِرُّ عينَك بهذا الاسم، ونُعْمَة العين -بالضم-: قُرَّتُها، ويقال: نُعْمَ ونُعْمةَ عينٍ، أي: أَفعلُ ذلك كرامةً لك، وإنْعامًا لعينِك. * * * 3116 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ الْمُعْطِي

وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". الحديث الثالث: سبَق مشروحًا في (باب: مَن يرد اللهُ به خيرًا). * * * 3117 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَال، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ، أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ". 3118 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ -وَاسْمُهُ نُعْمَانُ-، عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ رِجَالًا يَتَخَرَّصُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". الرابع: (بغير حق)؛ أي: بغير قِسمةِ حقٍّ، واللَّفظُ وإنْ كان أعمَّ من ذلك، لكنْ ذكَرنا القِسمة؛ لأنَّها المقصود بالتَّرجمة صريحًا. * * *

8 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أحلت لكم الغنائم"

8 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُحِلَّتْ لَكُمُ الْغَنَائِمُ" وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}، وَهْيَ لِلْعَامَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قَولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أُحِلَّتْ لكم الغَنائمُ) (فهي للعامة)؛ أي: لعامَّة المُسلِمين حتَّى يُبيِّنَه الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - أنها للمُقاتِلة ولأصحاب الخمُس، يعني: أنَّ الآيةَ مُجملةٌ فسَّرتْها السُّنَّة. 3119 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ؛ الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". الحديث الأول: سَبق شرحه قَريبًا. * * * 3120 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ".

3121 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، سَمِعَ جَرِيرًا، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا هَلَكَ كسْرَى فَلَا كسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيصَرُ فَلَا قَيصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ!. الثاني، والثالث: (لا كِسرى)؛ أي: في العِراق. (ولا قيصر)؛ أي: في الشَّام. ومرَّ في (باب: الحَرْب خدعة)، وإنما لم يُكرَّر مع أن المَعرفة إذا كانت اسمَ (لا) يجبُ التَّكرير؛ لأنَّ (لا) بمعنى: ليس، أو يُؤوَّل كما في: قضيَّةٌ ولا أَبا حسَنٍ لها، أو هو مُكرَّر؛ لأن المعنى: لا كِسْرَى ولا قَيْصَر. قال (خ): أما كِسْرى فقد قطَع الله دابِرَه، وأُنفِقت كُنوزه في سبيل الله، وأما قَيْصر فكانت الشَّام مَشتاهُ ومَربَعَه، وبها بيت المَقدِس، وهو الذي لا يتمُّ للنَّصارى نُسُكٌ إلَّا فيه، ولا يملِكُ على الرُّوم أحدٌ من مُلوكهم حتَّى يكون قد دخلَه سِرًّا أو جَهْرًا، وقد أُجلِيَ عنها واستُبيح خزائنُه التي فيها، ولم يخلُفْه أحدٌ من القَياصِرة بعده إلى أنْ يُنجِزَ اللهُ تَمام وَعْده في فتْح قُسطَنطِينيَّةَ آخِرَ الزَّمان. (إسحاق) قال الغَسَّاني: الظاهر أنَّه ابن إبراهيم. * * *

3122 - حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ". الحديث الثالث: سبق في حديث: "أُعطيتُ خَمْسًا" مبسوطًا. [و] مرَّ في (التيمُّم). * * * 3123 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ". الرابع: (أو غنيمة)؛ يعني: لا يخلُو عن أحدِهما مع جَواز اجتِماعهما، بخلاف (أو) التي في: (أو يُرجِعَه) فإنَّها تُفيد منْعَ الخُلوِّ، ومنْعَ الجمْع كليهما. وسبَق في (كتاب الإيمان)، في (باب الجهاد) منه. * * *

3124 - حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "غَزَا نبَيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا. فَغَزَا، فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَاْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ، حَتَّى فتحَ اللهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ -يَعْنِي: النَّارَ- لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا، فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولًا، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلتكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أَحَلَّ اللهُ لَنَا الْغَنَائِمَ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا، فَأَحَلَّهَا لَنَا". الخامس: (نبي) هو يُوشَع بن نُوْن، رواه الحاكم في "المُستدرك" عن كَعْب الأَحْبار، والمدينة التي فُتِحتْ أَرْيحا، وهي بيت المَقدِس، والمكان الذي قُسمت فيه الغَنيمة سُمِّي باسم الذي وُجِدَ عنده الغُلُول، وهو عاجزٌ، فقيل للمَكان: غَوْرُ عاجِز، رواه الطَّبَري. (بُضع) بضم الموحَّدة: النِّكاح، أي: ملك عقْد نكاحها، وهو

أَيضًا يقَع على الجِمَاع، وعلى الفَرْج. (يبتني)؛ أي: يدخُل عليها، وفي بعضها: (يَبْنِي). (ولما) هو أبلَغُ في النَّفي مِن (لم)، ويُروى أَيضًا بلفْظ: (لم). (بها) فيه رَدٌّ على مَن أنكَر: بَنَى بامرأته، وإنما يُقال: بنَى على. (خَلِفاتٍ) الخَلِفَة بفتح المعجمة، وكسر اللام: النَّاقَة الحامِل قد دَنَا وِلادتُها. وكان مقصود النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ لا يُجاهد معَه إلَّا مَن فرَغَ عن التعلُّق بهذه الأُمور التي يُخاف منها فَساد النيَّة في الجِهاد وكراهتِه، فيَضعُفَ عن الغَزْو، وَيرغَبَ عن تَمنِّي الشَّهادة. (القرية) قيل: بيت المَقدِس. (إنك مأمورة) أي: بالغُروب، أي: مُسخَّرةٌ مذلَّلةٌ مُصرَّفةٌ. (وأنا مأمور)؛ أي: بالصَّلاة، أو القِتال قبل الغُروب. (فلم يطعمها) كأنَّ الظَّاهر أنْ يُقال: فلَم يَأكُلْها، لكنْ أُريد المبالغة أنَّه لم يَذُق طعمَها، كما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249]، وكان ذلك المَجيءُ علامةَ القَبول، وعدَم الغُلُول. وفيه أنَّ الأُمور المُهمة ينبغي أن لا تُفوَّض إلَّا لأُولي الحَزْم، وأصحاب الفَراغ؛ لأنَّ تعلُّق القَلْب بغيرها يفوِّتُ كمالَ بذْل وُسْعهِ. قال (ع): اختُلف في حبْس الشَّمس، فقيل: الردُّ على أَدراجِها، وقيل: الوَقْف، وقيل: إبْطال الحرَكة، وقد حُكي أنَّ الشَّمس حُبِست

9 - باب الغنيمة لمن شهد الوقعة

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّتين آخِر يومِ الخنْدق حين شُغلوا عن صلاة العصر، فردَّها الله تعالى حتَّى صلَّاها، وصَبيحةَ الإسراء حين انتظَر العِيْر التي أخبَرَ بوُصولها مع شُروق الشَّمس. (مثل رأس بقرة من الذهب) زاد بعض القُصَّاص: عَيناها ياقُوتَتانِ، وأَضْراسُها جَوهر. (فأحلها)؛ أي: لهذه الأُمة رحمةً، فهو من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -. * * * 9 - بابٌ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ (باب الغَنيمَة لمَن شَهِدَ الوَقْعة)؛ أي: صَدْمةَ الحرب. 3125 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فتَحْتُ قَرْيَةً إلا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ. (أهلها)؛ أي: الشاهدِين لفتْحها، وأضاف الأهل لكونه بهذه المُناسبة، وغرَضه أني لو قسَمتُ كلَّ قريةٍ على الغانمين لها لمَا بقِيَ شيءٌ لمَن يجيءُ بعدَهم من المسلمين، أي: وهو وإِنْ كان حقَّهم يستحقُّون أن يُقسم عليهم، لكنْ نَسترضِيهم بالبَيع ونحوه، ونفْعُه على

10 - باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟

الكُلِّ كما فَعَل بأرض العِراق، وغيرها. * * * 10 - بابُ مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ؟ 3126 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللهِ". (باب مَن قاتَلَ للمَغنَم) قيل: مُقتضى الحديث أنَّه لا أجْرَ له ألبتَّةَ، فكيف تُطابقه التَّرجمة بالنَّقْص؟ فيحتمل أنَّه عبَّر بـ (هل) للإشارة إلى ذلك. (لِيُذكر)؛ أي: بالشَّجاعة عند النَّاس. (لِيُرى مكانُه)؛ أي: مرتبتُه في الجنَّة، ومنْزلتُه بين الشُّهداء، وقيل: أي: مرتبتُه في الشَّجاعة، فيَكون الفَرْق بينه وبين الأوَّل أن الأول للسُّمْعة، والثاني للرِّياء، ومرَّ قريبًا وبعيدًا. * * *

11 - باب قسمة الإمام ما يقدم عليه، ويخبأ لمن لم يحضره أو غاب عنه

11 - بابُ قِسْمَةِ الإِمَامِ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ، وَيَخْبَأُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْه أَوْ غَابَ عَنْهُ (باب قِسْمة الإمامِ ما يَقدَمُ عليه) بفتح الدال. 3127 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ بْنِ نوفَلٍ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: ادْعُهُ لِي، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوْتَهُ، فَأَخَذَ قَبَاءً فتلَقَّاهُ بِهِ، وَاسْتَقْبَلَهُ بِأَزْرَارِهِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا الْمِسْوَرِ! خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، يَا أَبَا الْمِسْوَرِ! خَبَأْتُ هَذَا لَكَ"، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ. قَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبِيَةٌ. تَابَعَهُ اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. (ابن أبي مُليكة) إنما هو عبد الله بن عُبَيد الله بن أبي مُلَيْكة، والحديث مرسلٌ؛ لأنَّه تابعيٌّ. (مزررة) من أَزْرَرْتُ القَميصَ: جعلْت له أَزارًا، وفي بعضها:

12 - باب كيف قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - قريظة والنضير؟ وما أعطى من ذلك في نوائبه

(مُزَرَّدة) من الزَّرَد، وهو تداخُل حِلَق الدُّروع بعضِها في بعضٍ. * * * 12 - بابٌ كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ؟ وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ في نَوَائِبِهِ (باب: كيْف قسَم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟) (قُرَيْظة) بضم القاف. (والنَّضِير) بفتح النُّون: قَبيلتان من اليَهود. 3128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. (افتتح)؛ أي: حِصْنَ قُرَيْظَة، وأما بنو النَّضِير فأَجلاهم، فنِسبة الفتْح إليهم مجازٌ، إما على نحو: علَفتُها تِبْنًا وماءً باردًا أُريدَ القَدْرُ المُشترك بين العلَف والسَّقْي، وهو الإنالَة، أو بإضمار: وسقَيتُها، فهنا يُقال: قَهَر الفريقَين، أو يُقدَّر: وأَجلَى بني النَّضِير، أو أنَّ الإجلاءَ مجازٌ عن الفتح.

13 - باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر

(النخلات)؛ أي: هديَّة؛ لأنَّ الصدقة محرمةٌ عليه، والمراد: أنَّ هذا يجعل له نَخلةً، وهذا ثنتَين، وهذا ثلاثًا، كلٌّ على حسَب حالِه. وقصَّته أنَّ الْأَنصار كانوا يجعلُون لرسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عَقارهم نَخلاتٍ لتُصرَف في نوائبه، وكذلك لمَّا قَدِم المُهاجرون قاسَمهم الأنصارُ أموالَهم، فلمَّا وسَّع الله الفُتوح عليه - صلى الله عليه وسلم - كان يردُّ عليهم نَخلاتهم. وهذا القَدْر من الحديث وإنْ لم يدلَّ على ما في التَّرجمة من كيفيَّة القَسْم، ففي بقيَّته دليلٌ عليه، فاقتصَر على ذلك اختصارًا، أو يُجعل ما أُعْطِي من ذلك في نوائبِه كالعَطْف التَّفسيري لقوله: كيف قَسَم، ثم التَّعريف ظاهرٌ. * * * 13 - بابُ بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَوُلَاةِ الأَمْرِ (باب بركَة الغازِي في مالِه حيًّا ومَيتًا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -)، (مع) متعلِّقةٌ بـ (الغازي)، و (بَركَة) بموحَّدة. وقال (ع): كذا ترجَم البُخَارِيّ، وذكَر تحتها بركَة الزُّبَير ووصيَّتَه، وإنْ كان يَظهَر صحَّة هذه الرِّواية فهو وهمٌ؛ لقوله بعد ذلك: (حيًّا وميتًا. * * *

3129 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا بُنَيِّ! إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إلا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإنِّي لا أُرَانِي إلا سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: يَا بُنَيِّ! بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ، يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْء فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ: خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ وَتِسْعُ بَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ: يَا بُنَيِّ! إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ! مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ: اللهُ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَة مِنْ دَيْنِهِ إلا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ! اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ، فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ - رضي الله عنه - وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إلا أَرَضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَدَارًا بِالْكُوفَةِ، وَدَارًا بِمِصْرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لا، وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ، فإنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلَا جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلَا شَيْئًا، إلا أَنْ يَكُونَ

فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم -، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ ألفَيْ أَلْفٍ وَمِائتَيْ أَلْفٍ، قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمَهُ، فَقَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ، فَقَالَ حَكِيمٌ: وَاللهِ مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أفرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ ألفَيْ أَلْفٍ وَمِائتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي، قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ ألْفٍ، فَبَاعَهَا عَبْدُ اللهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ، فَأَتَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: لا، قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لا، قَالَ: قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَكَ مِنْ هَا هُنَا إِلَى هَا هُنَا، قَالَ: فَبَاعَ مِنْهَا، فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ، وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُم وَنِصْفٌ، فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتِ الْغَابَةُ؟ قَالَ: كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ، قَالَ: كَمْ بَقِيَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، قَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَمْ بَقِيَ؟ فَقَالَ: سَهْمٌ وَنِصْفٌ، قَالَ: أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: وَبَاعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ

جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَينِهِ قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا، قَالَ: لا، وَاللهِ لا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِم أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلَا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ كَلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِم، فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَرَفَعَ الثُّلُثَ، فَأصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ ألفُ أَلْفٍ وَمِائتَا أَلْفٍ، فجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُون ألفَ أَلْفٍ وَمِائتَا أَلْفٍ. (يوم الجمل) هو يومُ حَرْبٍ كان بين عليٍّ وعائشة - رضي الله عنهما - على بابِ البَصْرة، وهو في جُمادى الأُولى سنة ستٍّ وثلاثين بعد مَقتَل عُثْمان بسنةٍ، وسُمِّي به؛ لأنَّ عائشة كانت راكبةً على جَمَلٍ. قال ابن الأَثير: يُسمَّى: عَسْكَرًا، قيل: كان مُعلَّى بن أُميَّة أعطاها إياه، وكان اشتَراه بمائتي دينارٍ. (إلَّا ظالم أو مظلوم) الحُروب وإنْ كانت كلُّها كذلك، لكنْ قصَد أنَّ هذه أوَّلُ حربٍ وقَعت بين المُسلمين، والمُراد الظَّالِم من أهل الإسلام. وقال (ش): أي: إما مُتأَوِّلٌ أراد بفعْله وجْهَ الله، وإما رجلٌ من غير الصَّحابة أَرادَ الدُّنيا، وقاتَلَ عليها، فهو ظالمٌ. (أُراني) بضم الهمزة بمعنى: أظُنُّ. (مظلومًا) إنما قال ذلك؛ لأنَّه سَمع قولَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَشِّرْ قاتِلَ

ابنِ صَفيَّةَ بالنَّارِ". (أفتُرى) بضم المثنَّاة، قال ذلك استِكثارًا لمَا عليه، وإشْفاقًا من دَينه. وفيه الوصيَّة عند الحَرْب؛ لأنَّه سبَبٌ كركوب البحر. (بالثلث)؛ أي: مطلَقًا لمَا شاءَ ولمَنْ شاءَ. (وثلثه)؛ أي: وأُوصي بثلُثِ الثلُث لأولاد عُبَيد الله خاصةً، وقيل: هو بتشديد اللام لتَصحَّ إضافتُه إلى ولَده، أي: ليكون الثلُث وصلةً إلى اتصال ثلُث الثلُث إليهم، وفيه نظَرٌ. (وازى) قال الجَوهَري: يُقال: آزَيتُه: إذا حاذَيتَه، ولا يُقال: وازَيتُه، والمقصود مُوازاتهم في السِّنِّ. قال (ش): ويجوز في أنصابِهم من الوصيَّة فيما حصَل لهم من ميراث أبيهم الزُّبَير. وهذا أَولى، وإلا لم يكُن لذكْر كثرة أولاد الزُّبير معنًى. (خُبَيْب) بضم المعجمة، وفتح الموحَّدة الأُولى، وسُكون الياء بينهما. (وعَبَّاد) بتشديد الموحَّدة، أي: وثابِت، وباقي البَنين وُلِدوا بعد ذلك. (وله)؛ أي: وللزُّبير. (تسعة بنين)؛ أي: عبد الله، وعُروة، والمُنذِر، أُمُّهم: أسماء

بنت أبي بكر. وعَمْرو، وخالد، أُمُّهما: أُم خالِد بنت خالِد بن سَعيد بن العاصِي. ومُصعَب، وحَمْزة، أُمُّهما: الرَّباب بنت أَسِيْف. وعُبَيدة، وجَعْفر، أُمهما: زينب بنت بِشْر من بني قَيْس بن ثَعْلَبة. وباقي أولاد الزُّبير ماتُوا قبلَه. (وتسع بنات)؛ أي: خَديجة الكُبرى، وأم الحسَن، وعائشة، أُمهنَّ: أسماء بنت أبي بكر. وحَبِيْبة، وسَوْدَة، وهِنْد، أُمهنَّ: أُم خالد المَذكورة. ورَمْلَة، أُمُّها: الرَّبَاب المذكورة. وحَفْصة، أُمها: زينب بنت بِشْر المذكورة. وزَيْنب، أُمها: أُم كُلْثُوم بنت عُقْبة. (فقتل الزُّبَير) قال ابن عبد البَرِّ: شَهِدَ الجمَل، فقاتلَ ساعةً، فناداه عليٌّ وانفَرد به، فذكَّره أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له وقَدْ وجدَهما يضْحكان: "أَمَا إنَّكَ ستُقاتِلُ عليًّا وأنْتَ له ظَالِمٌ"، فتذكَّر الزُّبير ذلك، فانصَرَف عن القتال متوجِّهًا إلى المَدينة، فأَتْبعَه ابن جُرْمُوز -بضم الجيم، وبراءٍ، وبزايٍ في آخِره- فقتلَه في موضع يُعرف بوادي السِّبَاع غَدْرًا، وهو نائمٌ، وجاء بسَيفه إلى عليٍّ، فقال عليٌّ: بَشِّروا قاتِلَ ابن صَفيَّةَ بالنَّار. (أرَضين) بفتح الراء.

(الغابة) بخفَّة الموحدة: اسم موضعٍ بالحِجاز. (لا)؛ أي: لا يكون وَديعةً، ولكنَّه دَينٌ، ففعَل ذلك خشيةَ أن يَضيع المالُ، فيُظَنَّ به السُّوء، فرأَى أنَّ هذا أبقَى لمُروءَته، وأوثَق لأصحاب الأَموال؛ لأنَّه كان صاحِبَ ذِمَّةٍ وافرةٍ، وعَقاراتٍ كثيرةٍ، فجعَل أموال النَّاس مَضمونةً عليه. (فحسبت) بفتح السِّين. (يَا ابن أخي) جعلَه أخًا باعتِبار أُخوَّة الدِّين، أو باعتِبار قَرابةٍ بينهما؛ لأن الزُّبير ابن عمِّ حَكِيْم. (مائة أَلْف) ليس هذا كَذِبًا؛ لأنه لم يَنْفِ الزَّائدَ عليها. (فليوافنا)؛ أي: فلْيَأْتِنا، مِن وافَاهُ: إذا أَتاهُ. (وابن زَمَعَة) بزايٍ، ومِيمٍ، ومهملةٍ مفتوحاتٍ، وقيل: بتَسكين الميم، اسمه: عبد الله، وقال (ك): عَبْد، وليس بجيِّدٍ. (والله لا أقسم) إنما منَعهم من استِحقاقهم؛ لأنَّه وصَّى، ولعلَّه ظَنَّ بقاءَ الدُّيون، وإنما قيَّد بأربعِ سنين؛ لأن الغالِب أنَّ المسافةَ التي بين مكة وأقْطار الأَرض تُقطَع بسنَتين، فأراد أن تَصِلَ الأخبار إلى الأَقْطار، ثم تَعودَ إليه، أو لأنَّ الأربعَ هي الغايةُ في الآحادِ بحسَب ما يُمكن أن تتركَّب منه العشَرات؛ لأنَّه يتضمَّن واحدًا واثنين وثلاثة وأربعة، وهي عشَرة. قلتُ: في مُناسبة ذلك هنا بُعدٌ.

(الموسم)؛ أي: موسِم الحجِّ، وسُمي به؛ لأنه مَعْلَمٌ يجتمِع النَّاس إليه، والوَسْم: العَلامة. (أربع نسوة) سبَق ذِكْرهُنَّ في ضِمْن تفصيلِ أولاده، وماتَ وفي عِصْمته عاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نُفَيل، ورَثَتْهُ بأبياتٍ مشهورةٍ، ولكنَّ أسماء لم تَرثه؛ لأنَّه كان طلَّقَها قبل قَتْله بمدةٍ طويلةٍ، وكذا طلَّق أُم كُلثوم بنت عُقْبة بن أبي مُعَيْط قديمًا. (خمسون أَلْف أَلْف ومائتا أَلْف) قال (ط)، و (ع)، وغيرُهما: هذا غلَطٌ في الحِساب؛ لأنه لا يصحُّ على تقدير إدخال ما قُضي به الدّين وثلُث الوصية، ولا على تقدير ثلُث الوصيَّة فقط، ولا على تقدير خُروجهما منه، فالصواب: أن جميع ماله المُحتوي على الإرث والوصيَّة من بعد أداء الدَّين: سبعةٌ وخمسُون ألفَ أَلْفٍ وستُّ مئة أَلْفٍ، وهو ما يقُوم من ضَرْبِ ألفِ أَلْفٍ ومئتي أَلْفٍ في اثنين وثلاثين، مِن حيث يقُوم ربُع الثمُن لكلِّ زوجةٍ، ويحتمل مثلَ نصفِه للوصيَّة، وهو ثلُث التَّرِكة. قال (ع): فإنْ ضمَمْنا له ما وَفَّى به الدَّين، وهو ألفا أَلْفٍ ومئتا أَلْفٍ كان المجموع تسعةً -بتاءٍ في أوله- وخمسين ألفَ ألفٍ وثمانَ مئةِ أَلْفٍ. نعَمْ، مُحَمَّد بن سَعْد كاتِب الواقِدي ذكَر في "تاريخه": أنَّه أصابَ كلَّ امرأةٍ ألفُ أَلْفٍ ومئةُ أَلْفٍ، فصحَّ على هذا رواية البُخَارِيّ

14 - باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام، هل يسهم له؟

إلَّا في قوله: (ومائتَا أَلْفٍ)؛ فإنَّ صوابه: (مئةَ) بالإفراد، فلعلَّ الوهم وقَع في ذلك، في نَصيب الزَّوجات وجمْعِ المال؛ فإنَّه مئةُ أَلْفٍ واحدةٍ حيث وقَع، ويستَقيم حِساب خمسين ألفًا. فأجاب الدِّمْياطِي عن البُخَارِيّ: بأنَّ ذلك كان دُون الزَّوائد الحادثة في أربع سِنين إلى حِيْن القِسْمة، وجرَى عليه (ك) أَيضًا. * * * 14 - بابٌ إِذَا بَعَثَ الإِمَامُ رَسولًا فِي حَاجَةٍ، أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ، هَلْ يُسْهَمُ لَهُ؟ (باب: إذا بعَثَ الإمامُ رَسولًا في حاجةٍ) (بالمُقام) بضم الميم، أي: الإقامة. 3130 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ". (تغيب)؛ أي: تكلَّف الغَيبة لأجْل تمريضِ رُقَيَّةَ بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَسهَمَ له، وقال: "اللَّهمَّ إنَّ عُثْمانَ في حاجَةِ رَسُولكَ". * * *

15 - باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين

15 - بابٌ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ، فتحَلَّلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعِدُ النَّاسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنَ الْفَيْءَ وَالأَنْفَالِ مِنَ الْخُمُسِ، وَمَا أَعْطَى الأَنْصَارَ، وَمَا أَعْطَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ تَمْرَ خَيْبَرَ. (باب: ومِنَ الدَّليل على أنَّ الخُمُس لنَوائِب المُسلمين) جمع: نائِبة، وهي ما يَنُوب الإنسانَ من الحوادِث. وهذه التَّرجمة ليستْ تكرارًا لمَا سبَق قَريبًا (باب: الدَّليل على أنَّ الخمُس لنوائِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (هوازن) أبو قَبيلةٍ. (برضاعةٍ) بلفْظ المَصدر، والتَّنوين، وبالإضافة إلى المُضمَر، أي: بسبَب رَضاع رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم، وذلك لأنَّ حَلِيْمَة السَّعْدية منهم، لأنَّها بنت أبي ذُؤَيب عبد الله بن الحارث بن شِجْنة -بكسر المعجمة، وسُكون الجيم، وبالنون- ابن جابِر بن رِزَام -بكسر الرَّاء، وخفَّة الزَّاي- ابن ناضِرة -بالنُّون، والمُعجمة، والراء- ابن سَعْد بن بَكْر بن هَوازِن. (فتحلل)؛ أي: استحلَّ من الغانِمين أنصابَهم مِن هَوازِن، أو طلَب النُّزولَ عن حُقوقهم، وقد وصَل هذا ابنُ إسحاق في "المَغازي" عن عَمْرو بن شُعَيب، عن أَبيه، عن جَدِّه، والطَّبَراني وغيره من حديث

زُهير بن صُرَد بنحوه. (من الفيء) في حديث جابِر في الباب، قال الجَوْهَري: هو الخَراج والغَنيمة. (والأنفال) جمع: نَفَل بالتَّحريك، وهو الغَنيمة، يُقال: نفَّلتُه تنفيلًا: أَعطَيتُه نفَلًا، وباصطلاح الفُقهاء: الفَيء: ما يحصُل من الكفَّار بلا قِتالٍ، والنَّفَل: ما شَرَطَ الأميرُ لمُتعاطِي خطَرٍ من مالِ المَصالح. (وما أعطى الْأَنصار) فيه حديث أنَس عند البُخَارِيّ أَيضًا. (وما أعطى جابر) هو إشارةٌ لحديثٍ رواه أبو داود، والدَّارَقُطْني من طريق أبي إِسْحاق. (تمر) بالمثنَّاة. * * * 3131 - و 3132 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْل، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ؛ إِمَّا السَّبْيَ وإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ"، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انتظَرَ آخِرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إلا إِحْدَى

الطَائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ"، فَقَالَ النَّاسُ: قَد طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ لَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّا لا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ"، فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرُوهُ أنهمْ قَدْ طَيَّبُوا فَأَذِنُوا؛ فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. الحديث الأول: (استأنيت)؛ أي: انتَظَرت، من الأَناةِ، أي: التُّؤَدَة. (آخرهم) دليلٌ على أنَّ أوَّلَهم جاءَه قبْل انقِضاء بضعَ عشرةَ ليلةً. (عرفاؤكم) العَرِيْف: القائِم بأُمور القَوم المُتعرِّف لأحوالهم. (فهذا الذي) هو من كلام الزُّهْرِيّ. وسبق الحديث في (الكتابة)، و (العتق)، وغيرهما. ومَوضِع التَّرجمة قَوله: (حتَّى نُعطيَه مِن أوَّل ما يفيءُ اللهُ علَينا)، وظاهره أنَّه من الخمُس. * * *

3133 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِم الْكُلَيْبِيُّ -وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ-، عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى، فَأُتِيَ ذَكَرَ دَجَاجَةً، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْم اللهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي، فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ لَا آكُلُ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَاكَ، إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نستَحْمِلُهُ، فَقَالَ: "وَاللهِ لا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ"، وَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: "أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ"؟ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ لَا يُبَارَكُ لَنَا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا، فَحَلَفْتَ أَنْ لا تَحْمِلَنَا، أَفَنَسِيتَ؟ قَالَ: "لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلا أتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا". الحديث الثاني: (أحفظ عن زَهْدَم) قال الكَلابَاذِي: حديث القاسِم، وأبي قِلابَةَ كلاهما عن زَهْدَم، روى أَيُّوب عن القاسِم مَقرُونًا بأبي قِلابَة في (الخُمُس). (فأُتي) بالبناء للمفعول، أو للفاعل. (ذكر) بسكون الكاف مَصدرًا، وبالتَّحريك ضِدُّ الأُنْثى.

(دَجاجة) مثلَّث الدَّال، وتاؤُه لتَمييز المُفرَد لا للتَّأْنيث، فهو شامِلٌ للذَّكَر والأُنثى. (تيم الله) بفتح المثناة، وسكون الياء. (أحمر) صفةٌ لرجل. (شيئًا)؛ أي: من النَّجاسة، أي: جَلَّالَة. (فقذِرته) بكسر الذال: كَرِهتُه. (الأشعريين) نِسبَةٌ لأَشْعَر قَبيلةٍ من اليَمَن، وتقُول العرب: جاء الأَشعرون؛ بحذف ياء النَّسَب. (نستحمله)؛ أي: نسأَلُه أن يَحملَنا. (نهب)؛ أي: غَنيمة. (ذود) ما بين الثلاثة إلى العشَرة من الإبِل. (الذرى) جمع: ذِرْوَة، وذِرْوَة كلِّ شيءٍ أعلاه، أي: ذُو أسنِمَة بيضٍ مِن سِمَنِهنَّ وكثْرة شُحومهنَّ. (لكن الله حملكم) قال (خ): يحتمِل أنْ يُريد إزالَة المِنَّة عنهم بإضافة النِّعمة إلى الله، أو أنَّه نسِيَ، والناسي بمنزلة المُضطَر، ففعلُه مضافٌ إلى الله تعالى، كما في الصَّائم إذا أكَلَ ناسيًا، فإنَّما أطعَمَه اللهُ وسَقاه، أو أنَّ الله تعالى هو الذي حَملكُم بأَنْ ساقَ هذا النَّهب، ورَزَق هذه الغَنيمة. (وتحللتها)؛ أي: خرجتُ من حُرمتها إلى ما يَحِلُّ، وذلك إما

باستثناءٍ، وإما بتكفيرٍ. قال (ح): ويحتمِل أنْ يُريد أنَّه لا يَحملُهم في ذلك الوقْت إلَّا أن يَرِدَ عليه مالٌ في ثاني الحالِ، فإنَّه يُعطيهم منه، ويَحملُهم عليه. * * * 3134 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللهِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلًا كثِيرًا، فَكَانَتْ سِهَامُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا. 3135 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً، سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ. الحديث الثالث، والرابع: (اثني عشر أو أحد عشر) يحتمل أنَّه شكَّ في سِهامهم، ويحتمل أنَّه شكَّ هل كانت اثني عشَر ونُفِّلوا بعيرًا بعيرًا زائدًا وبلغت النافِلة اثني عشر؟ وقد بيَّن البُخَارِيّ ذلك في غير حديث مالكٍ أنَّهم بلغَتْ سُهمانهم اثني عشَر، فرجَعوا بثلاثةَ عشر. (سوى قِسم) بكسر القاف عن ابن مالك، وبخطِّ الدِّمْياطي بفتحها.

(وَنُفِّلُوا) بتَشديد الفاء، مبنيًّا للمفعول، وهو لغةً: الإعطاء، وشرعًا: عَطيَّةٌ يَخُصُّ بها الإمامُ مَن أَبلى بَلاءً حسَنًا، وسَعى سعيًا جميلًا، كالسَّلَب إنما يُعطاه القاتِل لغَنائه وكِفايَته. ثم اختُلف مِن أين يكون النَّفَل؟ فقيل: من أصْل الغَنيمة قبْل أن تُخمَّس، وقيل: من الخُمُس الذي كان للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يضَعُه فيما أراد من مصالح المسلمين. * * * 3136 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي، أَنَا أَصْغَرُهُمْ، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالآخَرُ أَبُو رُهْم، إِمَّا قَالَ: فِي بِضْعٍ، وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَينِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينتنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَنَا هَا هُنَا، وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا مِنْهَا، وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْح خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إلا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ، إلا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ.

الخامس: (مخرج) فاعل (بلَغ). (وافقنا)؛ أي: صادَفْنا. (فأسهم لنا) قيل: بعد أن استرضى من شَهِدَ الوَقْعة، واستطابَ نُفوسهم عن تلك السِّهام، أو أعطاهم من خمُس الخُمُس الذي هو حقُّه يصرفُه فيما أراد. قال (ك): ومَيْل البُخَارِيّ إلى الثاني بدليل التَّرجمة، وذلك [لأنه] لم يُنقَل أنَّه استأْذَن المقاتلين. * * * 3137 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ قَدْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا"، فَلَمْ يَجئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَا لِي ثَلَاثًا -وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ لَنَا: هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ-، وَقَالَ مَرَّةً: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُ، فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي. قَالَ: قُلْتَ: تَبْخَلُ عَلَيَّ؟ مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ.

قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ: فَحَثَا لِي حَثْيَةً وَقَالَ: عُدَّهَا، فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ، قَالَ: فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ -يَعْنِي: ابْنَ الْمُنْكَدِرِ-: وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ؟ السادس: سبق شرحه في (الهبة)، و (الكفالة)، و (الشهادات). (يَبْخَل) بفتح الخاء، وفي بعضها بتشديدها، أي: نُسِبَ إلى البُخْل. (عني)؛ أي: مِن جِهَتي. (وأنا أريد أن أعطيك)؛ أي: فلعلَّ منْعه أولًا مع أنَّه يُريد أن يُعطيَه لمانعٍ في ذلك الحين، أو لأمرٍ أهمَّ من ذلك، أو لئلا يحرِص على الطلَب، أو لئلا يزدحِم النَّاسُ عليه، ولم يُرِد به المنْع الكُلِّي. (أدْوَأ)؛ أي: أقْبَح. قال (ع): كذا يَرويه المُحدِّثون غير مهموزٍ، والصَّواب (أدوأ) بالهمز؛ لأنه من الدَّاء، والفعل منه داءَ يَداءُ، مثل: نَامَ يَنامُ، فهو داءٍ مثْل جَاءٍ، وغير المَهموز من دَوِيَ الرجلُ: إذا كان به مرَضٌ باطنٌ في جَوفه مثل سَمِعَ، فهو دَوٍ ودَوِيٌّ. وقال الأَصْمَعي: أدَأَ الرجُل يَدِي: إذا صارَ في جَوفه داءٌ؛ بالوجهَين بالهمْز والتَّسهيل، وقيَّدناه عن أبي الحسَن. * * *

16 - باب ما من النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأسارى من غير أن يخمس

3138 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اعْدِلْ، فَقَالَ لَهُ: "شَقِيتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ". السابع: (لقد شقيت) يُروى بالضم، وهو ظاهرٌ، وبالفتح. قال (ن): وهو الأشهَر، أي: إما لأنَّك تابعٌ ومُقتدٍ، فإذا كان مَتبوعُك لا يَعدِل؛ فأنت شَقيٌّ باتباعه، وإما أنك شقيٌّ في الآخرة إن اعتقدتَ أني لم أعْدِل؛ لأنَّ قولكَ هذا لا يصدُر عن إيمانٍ. * * * 16 - بابُ مَا مَنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الأُسَارَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمَّسَ (باب ما مَنَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -) 3139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى، لترَكْتُهُمْ لَهُ". * * *

17 - باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام، وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر

(المُطْعِم) بكسر العين، ابن عَدِيٍّ، بفتح المهملة الأُولى، وكسْر الثَّانية، وبتشديد الياء، ابن نَوفَل بن عبدِ مَنَاف القُرَشيّ، ماتَ كافرًا في صفَر قبْل بدْرٍ بنحو سبْعة أشهُر. زاد البَيهَقيُّ: قال سُفيان: كان له عند النَّبِيّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدٌ وكان النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجزىَ النَّاس باليد، ثم فُسِّرت هذه اليَد بأنَّه كان قد أحسَن السَّعيَ في نقْض الصَّحيفة التي كتبتْها قُريشٌ: أنْ لا يُبايعوا بني هاشم وبني المطَّلب، ولا يُناكِحوهم، وحصَروهم في الشِّعْب ثلاثَ سنين. وقيل: لمَّا ماتَ أبو طالِب وخَديجة خرَج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطَّائِف، فلم يَلْقَ عندهم خيرًا، فرجَع إلى مكة في جِوار المُطْعِم. (النتنى) قال (خ): جمع نتِن، كزَمِنٍ وزَمْنَى، وقال غيره: جمع نَتِيْن كجَريح وجَرْحَى. وقيل: صوابه: السَّبي. وفي الحديث دليلٌ على جواز مَنِّ الإمام على الأُسارى بلا فِداءٍ بمالٍ ولا غيره. * * * 17 - بابٌ وَمِنَ الدَّلِيِلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلإِمَامِ، وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا دُونَ

مَنْ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَى لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ، وَلِمَا مَسَّتْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ. 3140 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ". قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونس، وَزَادَ: قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِم النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نوفَلٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لأُمٍّ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَكَانَ نوفَلٌ أَخَاهُمْ لأَبِيهِمْ. (باب: ومِنَ الدَّليل على أنَّ الخُمُس للإمام) إلى آخره، كذا تَرجَم عليه هنا، وترجَم قبلَ ذلك بـ: (الدَّليل على أنَّ الخُمُس لنَوائب رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وثانيًا بـ: (الدَّليل على أنَّ الخُمُس لنوائب المُسلمين). قال (ك): إما لأنَّ المَذاهب فيه مختلفةٌ، فبوَّب لكلِّ مذهبٍ بابًا، وإما لأنه ليس بين ذلك تفاوتٌ؛ فإنَّ الذي لنَوائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي لنَوائب المسلمين، وهو الذي له التصرُّف فيه، وبعدَه لكلِّ إمامٍ يقومُ مَقامه.

(دون من أحوج) قال (ك): يُقال: أحوجَه إليهِ غيرُه، وأحوَجَ أَيضًا بمعنى: احتاجَ. قلت: لو حُمل على أنَّه أفعل تفضيل خبرُ مبتدأ، والجُملة صفةُ مَن؛ لم يكُن بعيدًا، فحذف صَدْر الصِّلة وإنْ لم يطُل على حدِّ: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] على قراءة الرفع. (وإن كان)؛ أي: ولو كانَ فهو شرْطٌ على سَبيل المبالغة، وفي بعضها بفتْح (أَنْ). (في جنبه)؛ أي: جانبِه وجِهَته، وفي بعضها: (حِيْنِه)، أي: زَمانه. (وحلفائه) بإهمال الحاء. وكلامُ عُمر بن عبد العَزيز هذا يحتمِل أنَّه لكونه يُعطى قَرابةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُطلَقًا غَنيًّا أو فَقيرًا كما يقول الشَّافعيّ، وأنهم يُعطَون بصفة الفقْر كما يقُوله أبو حنيفة. قال (ك): فإنَّ (دُوْنَ) بمعنى (غَيْر)، فمعناه: لم يعُمَّ جميعَهم، أو لم يخصَّ قَريبا إلَّا المُحتاجين، أو بمعنى: عند، فلم يخصَّ قَريبًا محتاجًا وإنْ كان الذي أعطاه إنما هو لأجل شِكايتِهم الحاجَة، ولأجل ما مسَّهم من البَأْس. قال: وهذا أَظهَر، لا سيَّما وكسْر: (إِنْ) هو الأكثر. (بمنزلة واحدة)؛ أي: لأنَّ عثمان هو ابن عفان بن أبي العاص

18 - باب من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه

ابن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد مَنَاف، وجُبير هو ابن مُطْعِم بن عَدِيِّ بن نَوفَل بن عبد مَنَاف، والأربعة أولادُ عبد منَاف: هاشِم، والمطَّلب، وعبد شَمْس، ونَوفَل. (شيء واحد) بالشِّين المعجمة، أي: حكمُهما واحدٌ، وكان يحيى بن معين يَرويه بالسِّين المهملة مثْل سَواء. قال (خ): وهو أجْوَد؛ لكنْ قال (ع): إنَّ الصواب رواية العامَّة بالمعجمة. (ابن إسحاق)؛ أي: محمَّد، صاحب المغازي. (عَاتكة) بمهملةٍ، ومثنَّاةٍ، وكافٍ، بنت مُرَّة، أي: كان الثلاثة إخوةً أشقاء، ونوفَل أخوهم لأبيهم. * * * 18 - بابُ مَنْ لَمْ يُخَمِّسِ الأَسْلَابَ، وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ، وَحُكْمِ الإِمَامِ فِيهِ (باب مَنْ لم يُخمِّس الأَسْلابَ) جمع سَلَب، بفتح اللام، وهو ما كان مع كافرٍ قتلَهُ مسلمٌ، أو أثخنَه عند قيام الحَرْب، وأحكامه مفصَّلةٌ في الفقه. (قتل قتيلًا)؛ أي: صار قَتيلًا بقتْله لئلا يَلزم تحصيلُ الحاصِل،

وذلك نحو: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] أي: الصائرين إلى التَّقوى بتلْك الهداية، أو هو القَتيل بهذا القتْل المُستَفاد من لفظ (قتَلَ) لا بقتْلٍ سابقٍ. (وحكم) عطفٌ على (مَنْ)، فهو مجرورٌ. * * * 3141 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أُكَونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ! هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نعمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَئِنْ رَأَيْتُهُ لا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فتعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قتلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ"؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قتلْتُهُ، فَقَالَ: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا"؟ قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قتلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوح"، وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ.

الحديث الأول: (حديثة) بالجرِّ، وبالرفع على القَطْع. (أسنانهما) بالرفع فاعِل لـ (حديثة). (أضْلَع) بالمعجمة، وفتح اللام، ثم مهملة، أي: أَقْوى، وفي بعضها: (أصلح). (أبو جهل) هو عَمْرو بن هشام بن المُغيرة المَخزومي، فِرْعَون هذ الأُمة. (سوادي)؛ أي: شَخْصي. (الأعجل)؛ أي: الأَقْرب أجَلًا، وقيل؛ إنما يُقال: الأَعْجَز. (أنْشَب) بفتح المعجمة: أَلبَثْ. (لمُعَاذ) بضم الميم، وخفَّة المهملة، ثم معجمةٍ، ابن عَمْرو بن الجَمُوح، بفتح الجيم، وخفَّة الميم، ثم مهملة، الأَنْصَارِيّ. (وكانا)؛ أي: الغُلامان القائلان ذلك. (معاذ بن عَفْراء) بفتح المهملة، وسُكون الفاء، والمد: هي أُمُّه، وإنما هو ابن الحارِث النجَّاري. وإنما خُصِّص ابن الجَمُوح بالسَّلَب؛ لأنه القاتِل الشَّرعي باعتبار أنَّه الذي أثخنَه، وإنما قال: كلاكُما قتلَه تطييبًا لقلْبهما باعتِبار أصل الجَرْح والقَصْد لقتْله، وإنما أَخَذَ السَّيفين ليستدلَّ به على حقيقة كيفيَّة قتْلهما، نعَمْ، جاءَ في روايةٍ: (فنَفَّلَهما سلَبَه)،

وقالت المالكيَّة: إنما أَعطاهُ لأحدهما لأنَّ الإمام مخيَّرٌ يُعطيه لمن يشاء، نعَمْ، في الرواية المذكورة في (غزْوة بدْرٍ): أنَّ الذي ضرَبه ابنا عَفْراء مُعاذ ومُعوَّذ، بفتح الواو، وإعجام ذالهما، وأنَّ ابن مَسْعود هو الذي أجْهَزه، وأخَذَ رأْسَه، ووجه الجمْع بين ذلك أنَّهم اشتركُوا في جَرْحه والإثْخان من ابن الجَمُوح، وابن مَسْعود جاءَه وبه رمَقٌ فحزَّ رقَبتَهُ. وفي الحديث المُبادَرة للخير، والغضَب لله ورسوله، وأنَّه لا ينبغي أن يُحتقَر الصِّغار في الأمور الكِبار. * * * 3142 - حَدَّئَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِي قتادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْركَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "مَنْ قتلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بيِّنةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ"، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ قتلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بيِّنةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ"، فَقُمْتُ

فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه -: لَاهَا اللهِ! إِذًا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صَدَقَ"، فَأَعْطَاهُ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرِفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلَامِ. الحديث الثاني: (حُنين) بنونين، منصرِفٌ. (جَولة) بفتح الجيم، أي: اختِلاطٌ، وتأخيرٌ، وتقدُّمٌ من غير هزيمةٍ، ولكن في بعض الجيْش لا في رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومَن حولَه. (علا)؛ أي: ظهَر، وأشرَف على قتْله، وقيل: صرَعه، وجلَس عليه. (عاتقه) هو موضِع الرداء من المَنكِب، وحبْل العاتِق عصَبُهُ. (ما بال النَّاس)؛ أي: منهزِمين. (أمر الله)؛ أي: حُكم الله، أو المراد: ما حالُهم بعد الانهِزام؟ فأجاب بأنَّ أمر الله غالبٌ، أي: العاقبة للمتقين. (لا هاء الله إذن) قال (ح): كذا يَروُونه، والذي في كلامهم: لا هاءَ اللهِ ذا، أي: بلفْظ ذا الإشاريَّة، والهاء بدَلٌ من الواو، كأَنَّه قال: لا واللهِ يكُون ذا.

قال (ك): والمعنى صحيحٌ أَيضًا على: إذَنْ؛ لأنها جَوابٌ وجزاءٌ، والتقدير: لا واللهِ إذَنْ صدَق لا يكُون ولا يَعمد، وفي بعضها: (اللهُ) بالرفع، و (ها) للتَّنبيه (ولا يعمد) خبره، قال (ن): ضبَطوه بالياء والنون، وكذا قوله بعدُ: (فيعطيك). قال (ش): (ها) مقصورٌ، أو ممدودٌ، أو في الكلام حذفٌ، أي: يجوز. وقيل: فيه لَحْنانِ: مدُّ (ها)، وإثْبات الهمزة في (إذا)، وإنما هي ذا الإشاريَّة فُصِل بينها وبين هاء التَّنبيه باسمِه تعالى. وفي "لُمَع ابن جنِّي": ها اللهِ ذا فتجرُّ الاسمَ بها؛ لأنها صارتْ بدَلًا من الواو، وقال أَبو البَقَاء: الجيِّد: لا هَا اللهِ ذَا، والتَّقدير: هذا واللهِ، فأخَّر ذا، ومنهم مَن يقول: (ها) بدَلٌ من همزة القسَم، وهي من الواو، وذا: مبتدأٌ، والخبر محذوفٌ، أي: هذا ما أَحلِفُ به. قال: وقد رُوي: إذن، وهو بعيدٌ. وقال صاحب "المُفهِم": المشهور (هاء) بالمدِّ والهمز، و (إذًا) بالهمز، وبالتنوين التي هي حرْف جوابٍ، وقيل: بقَصْرها وإسقاط الألِف من (ذا)، فتكون (ذا) صِلَةً، وصَوَّبَه جمعٌ. وقال ابن مالك: لا هاءَ الله شاهدٌ على جواز الاستِغناء عن واو القسَم بحرْف التَّنْبيه، ولا يكون هذا الاستِثناء إلَّا مع الله، وفي اللَّفْظ بـ (هاء الله) أربعةُ أوجهٍ: هالله بهاء تليها اللام، وها الله بألفٍ ثانيةٍ قبل اللام، هو نحو: التقت حلْقَتا البِطان بألفٍ ثابتةٍ بين التاء واللام، وأن يُجمع بين ثُبوت الألِف وقطْع همزةِ الله، وحذْف الألف وقطع همزة

19 - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه

الله، والمَعروف في كلام العرب ها الله، وقد ورَد في هذا: إذن، وليس ببعيدٍ. (صدق)؛ أي: أبو بكر - رضي الله عنه -. (فأعطاه)؛ أي: أعطَى أَبا قَتادة السَّلَب، ومقتضى الظاهر: فأَعطاني، ولكنْ عدَل للغَيبة التفاتًا، أو تجريدًا، أو هو مفعولٌ ثانٍ، والأول محذوفٌ، وإنما أعطاه بلا بيِّنةٍ لعِلْمه - صلى الله عليه وسلم - ذلك بطريقٍ من الطُّرق، لا نقول بإقرارِ مَن هو في يده فقط؛ لأنَّ الحقَّ للجيش كلِّه. (مَخْرِفًا) بفتح الميم، وكسر الراء وفتحها: البُستان، سُمي به لمَا يُخترَف من ثمار نَخيله. (سلِمة) بكسر اللام. (تأثلته) بالمثلَّثة بعد الألِف، أي: اتخذتُه أثل مال. وفيه فضيلة أبي بكر، - رضي الله عنه - وإصابته بحضْرته - صلى الله عليه وسلم -، وجواز الاجتِهاد، ومَنْقبةٌ لأبي قَتادة. * * * 19 - بابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْخُمُسِ وَنَحْوِهِ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب ما كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعطِي المُؤلَّفة) هم ضُعفاء النيَّة في الإسلام، شُرَفاء يُتوقَّع بإسلامهم إسلامُ نُظَرائهم. (رواه عبد الله بن زيد) وصلَه مسلم. * * * 3143 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا حَكِيمُ! إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نفسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"، قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبى أَنْ يَقْبَلَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءَ، فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ؛ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تُوُفِّي. الحديث الأول: (أرزأ) بتقديم الراء على الزاي، أي: أنقُص، ورجُلٌ مُرزَاء، أي:

كريمٌ يُصيب منه النَّاس خيرًا. سبق الحديث في (الزكاة)، في (باب: الاستعفاف عن المسألة). * * * 3144 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِي بِهِ. قَالَ: وَأَصَابَ عُمَرُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ، قَالَ: فَمَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللهِ! انْظُرْ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّبْيِ، قَالَ: اذْهَبْ فَأَرْسِلِ الْجَارِيَتَيْنِ. قَالَ نَافِعٌ: وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْجعْرَانَةِ، وَلَوِ اعْتَمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عَبْدِ اللهِ. وَزَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مِنَ الْخُمُسِ. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّذْرِ، وَلَمْ يَقُلْ: يَوْمَ. الثاني: (يوم) سبق في (الاعتكاف): (ليلة)، ولا مُنافاةَ لجواز اجتِماع نَذْرهما.

ورواية نافِع مرسلةٌ؛ لأنه تابعيٌّ، وكذا ما رواه عن عُمر؛ لأنَّه لم يُدركه. (لم يخف) فيه إشارةٌ إلى أنَّه سَمع ذلك من ابن عُمر، وقد أنكَروا عليه ذلك بعُمرته - صلى الله عليه وسلم - من الجِعْرَانة حين انصرَف من حُنَين عام ثمان مشهورةٌ، وليس كل ما علِم به ابن عُمر حدَّث به نافِعًا، وممن رواها أنَس في "الصحيحين". (وزاد جرير)؛ أي: زاد لفْظ: (عن ابن عُمر)، فصار متصِلًا، وقال أَيضًا: (من الخُمُس)، أي: كانت الجاريتان من الخُمُس. (ورواه معمر) موصولٌ في (المغازي). (ولم يقل: يوم)؛ أي: نقَص هذه اللَّفْظة. * * * 3145 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَكَأَنَّهُمْ عَتبُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: "إِنِّي أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَكَلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْغِنَى، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ"، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَم. وَزَادَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِمَالٍ، أَوْ بِسَبْيٍ فَقَسَمَهُ، بِهَذَا.

الثالث: سبق في (الجمُعة)، في (باب: من قال في الخطبة: أما بعد). (الظلع) بفتح المعجمة، واللام: المَيل والاعوِجاج، وفي بعضها: (ظلَعَهم)، وهو الغمْز في المَشي، وفي بعضها: (جزَعهم)، وفي بعضها: (هلَعَهم)، وهو أفحَش الجزَع، واقتصر (ش) على أنَّه بالظاء المعجمة. قال: وأصل الظَّلَع داءٌ يدخل في قوائم الدوَابِّ تغمز منها. قال: ورجلٌ ظالِعٌ: أي: مائلٌ مذنبٌ، وقيل: إنَّ المائِل بالضَّاد. (بكلمة) الباء للبدَليَّة، أي: بدَل كَلِمته. (زاد أبو عاصم) موصولٌ في (العيدين). (بسبي) بمهملةٍ، وموحَّدةٍ، وفي بعضها بمعجمةٍ، وهمزٍ. * * * 3146 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَبيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أُعْطِي قُرَيْشًا أَتَأَلَّفُهُمْ؛ لأَنَّهمْ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ". الرابع: (أتالفهم)؛ أي: أطلُب إِلْفَهم. (حديثو عهد)؛ أي: قَريبو عهْدٍ بالكُفر، وفي بعضها: (حديث)

بالإفراد؛ لأنَ فَعِيلًا يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، والجمْع ودُونَه، وإنْ كان بمعنى الفاعِل. * * * 3147 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الإبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ؟ قَالَ أَنسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْع مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: "مَا كَانَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ"؟ قَالَ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ: أَمَّا ذَوُو آرَائِنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُ الأَنْصَارَ، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَوَاللهِ مَا تنقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّكمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْحَوْضِ"، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ.

الخامس: (رحالكم) جمع: رَحْل، وهو مَسكَن الرَّجل، وما يَستصحِبُه من الأثاث. (خير)؛ أي: من المَال. (أثرة) بفتح الهمزة، والمثلَّثة: الإِيثار، يُقال: استَأْئر فُلان بالشَّيء: استبدَّ به، أي: ستَرون استِقلال الأُمراء بالأَموال، وحرمانكَم منها. مرَّ في (كتاب الشرب): أنَّه يقال بضم الهمزة وكسرها، وإسكان الثاء وفتحها. * * * 3148 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِم: أنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَهُ النَّاسُ، مُقْبِلًا مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَتْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأَعْرَابُ يَسْأَلونه، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: "أَعْطُونِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لا تَجِدُوني بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا". السادس: (مقبلًا) في بعضها: (مَقفَله)، أي: مَرجِعَه.

(علقت)؛ أي: السَّمُرة مجازًا، أو الأعراب. (العضاه) وهو كلُّ شجَرٍ يعظُم وله شَوكٌ. سبَق في أول (الجهاد)، في (باب: الشَّجاعة). * * * 3149 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْركَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. السابع: (نَجْرَانِي) بفتح النُّون الأُولى، وسُكون الجيم، وبالراء: نسَبٌ لبلْدةٍ باليمَن، وقال (ش): بلدةٌ بين الشَّام والحِجاز واليمَن. (فجذبه)؛ أي: جبَذَه، فهما بمعنًى. وفيه زُهد رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكرَمه، وحُسن خُلُقه إنَّه لعلَى خُلُقٍ عظيمٍ. * * * 3150 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ

مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، فَآْثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ؟ رَحِمَ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". الثامن: (الأقْرع) بفتح الهمزة، وسكون القاف، وبراءٍ، ومهملةٍ، ابن حَابِس، بمهملتين، وكسر الموحَّدة. (عيَيْنة) بفتح المهملة، وفتح الياء الأُولى، وسُكون الثَّانية، والنُّون، قيل: فقال عبَّاس -بالموحَّدة الشَّديدة- ابن مِرْدَاس -بكسر الميم- في ذلك الوقت شعرًا: أَتجعَلُ نَهْبي ونَهْبَ العُبيْدِ ... بين عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ وما كانَ حِصْنٌ ولا حابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ في مَجمَعِ ومَا كنُتُ دُون امرئٍ منهُما ... ومَنْ تخفِضِ اليَومَ لا يُرفَعِ والعُبيد مصغَّرٌ: علَم فَرَسه. * * *

3151 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْسِي، وَهْيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ. التاسع: (أقطعه)؛ أي: أعطاه قِطْعةً من الأراضي التي جعلَها الْأَنصار لرسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قَدِم المدينةَ، أو من أراضي بني النَّضِير كما في الحديث المُرسَل الذي بعده. * * * 3152 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا، وَكانَتِ الأَرْضُ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلْيَهُودِ وَلِلرَّسُولِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا"، فَأُقِرُّوا حَتَّى

20 - باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

أَجْلَاهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَا. العاشر: (لله) يقع في بعض النُّسخ: (لليَهُود)، والصحيح الأول بدليل ما سبَق في (كتاب الحرْث): إذا قالَ رَبُّ الأَرض: إلَّا أنْ يُريد الثَّمَرة، وقيل: بل هو صوابٌ؛ لأنه لمَّا ظُهر عليها صارتْ كلُّها لله ولرسوله وللمُسلمين. (تَيْمَاء) بفتح المثنَّاة، وسُكون الياء، والمد: من أُمَّهاتِ القُرى على البحر، وهي من بلاد طيِّئ، ومنها يُخرَج للشام. (وأرِيحا) بفتح الهمزة، وكسر الراء، [ومهملةٍ، ومدٍّ: قريةٌ من جِهَة الشَّام، وسُميت بأريحا ابن لال، من ولَد نُوح، وإذا نُسبوا] (¬1) قالوا: أريحيٌّ لا غير، قاله البَكْري. * * * 20 - بابُ مَا يُصِيبُ مِنَ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ (باب ما يُصيب من الطَّعام في أرض العدوِّ) 3153 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

بِجرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ. الحديث الأول: (جِراب) بكسر الجيم، والعامة تفتَحه، قاله الجوهري، وحكَى السَّفاقُسي اللُّغتين، وقال القَزَّاز: بالفتح: وِعاءٌ من جِلْد، وبالكسر: جِراب الرَّكيَّة ما حولها مِن أعلاها إلى أَسفلها. (فنزوت) بالزاي، أي: وثَبْتُ. * * * 3154 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ. الثاني: (ولا نرفعه)؛ أي: لا ندَّخِرُه. * * * 3155 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَانتحَرْنَاهَا،

فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ، نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: اكْفِئُوا الْقُدُورَ، فَلَا تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقُلْنَا: إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ، قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ: حَرَّمَهَا الْبتَّةَ، وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: حَرَّمَهَا الْبتَّةَ. الثالث: (أكفئوا)؛ أي: اقلِبُوا. (ولا تطعموا)؛ أي: لا تَذُوقوا. (ألبتة)؛ أي: قطْعًا كُليًّا مطلَقًا لا لأجل عدَم التَّخميس، والهمزة في لفْظ: (أَلبَتَّةَ) للقطْع لا للوصْل، وذلك بمعزِلٍ عن القياس. (وسألت) هو من مَقول الشَّيباني. °°°

58 - كتاب الجزية

58 - كِتابُ الجِزْيَةِ

1 - باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 58 - كِتابُ الجِزْيَةِ 1 - بابُ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَة مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}: أَذِلَّاءُ. وَمَا جَاءَ فِي أَخْذِ الْجزْيَةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالْعَجَمِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّأْمِ، عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذلِك مِنْ قِتلِ الْيَسَارِ. (كتاب الجِزْية) من الجَزاء؛ لأنها تؤخذ جَزاءً لسُكنى دار الإسلام. (والموادعة) المُصالَحة، وجمعه بين الأمرين في التَّرجمة إشارةٌ

إلى أنَّ الجِزْية لأهل الذِّمَّة والموادَعة لأهل الحرْب، وقيل: هما بمعنًى؛ لأنَّ أخذ الجِزية موادعة، أي: مُتاركةٌ، أو أنَّ المراد بالموادَعة ما في حديث النُّعمان حيث ترَك المقاتلَة بعد المُضايقَة إلى أنْ قضَى التَّرْجُمان حديثَه، ولذلك أخَّرَ القِتال إلى الزَّوال. (الذمة) يقال للعَهْد وللأمانة. (أذلاء) جمع: ذَليل. (والمسكنة) فسَّره استِطرادًا على عادته، وذلك في قوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61]. (ولم يذهب) هو من قول الفِرَبْرِي، أي: لم يذهب إلى أنَّ المسكنة مأخوذةٌ من السُّكون وهو عدَم الحركة. (والعجم) هو أعمُّ من المعطُوف عليه من وجهٍ، وأخصُّ من وجهٍ. (قِبَل) بكسر القاف، وفتح الموحَّدة، أي: من جِهَة المعنى، وهذا مذهب مَن فرَّق بين الغنيِّ والفَقير. * * * 3156 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرًا، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زيدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةً سَبْعِينَ عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ عِنْدَ دَرجَ زَمْزَمَ، قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الأَحْنَفِ، فَأَتَانَا

كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتهِ بِسَنَةٍ: فَرِّقُوا بَيْنَ كلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ. 3157 - حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرٍ. الحديث الأول: (بَجَالة) بفتح الموحَّدة، والجيم، أي: ابن عَبْدة، وقيل: ابن عَبْد. (قال)؛ أي: بَجَالةُ. (لِجَزْء بن معاوية) بفتح الجيم، وسُكون الزاي، وبعدها همزة، كذا قيَّده الأَصِيْلي، وقيَّده عبد الغَنيِّ بفتح الجيم، وكسر الزاي. وقال الدَّارَقُطْني: المُحدِّثون يكسِرون الجيم، وأهل العربية يقولون: جَزْء وهو ابن معاوية بن حُصَين، بضم المهملة الأُولى، وفتح الثَّانية، التَّميمي. وقال ابن ماكُولا: بفتْح الجيم، وكسْر الزَّاي، وبالياء. قال (ك): وفي بعضِها بضمِّ الجيم، وفتح الزاي، وتشديد الياء. (بين كل ذي مَحْرَم)؛ أي: بين كلِّ زوجَين منهم الذين يكونان كذلك.

والمراد أنْ يُمنَعوا من إظْهار ذلك للمُسلمين، وإلا فالسُّنَّة أن لا يُكشَف عن بَواطِن أُمورهم وما يستحلُّون به من مذاهبهم في الأَنْكحة وغيرها، وذلك كما يُشترط على النَّصارى أنْ لا يُظهِروا صَليبَهم، ولا تُقرأ عقائدُهم. (هجر) قالوا: المراد هَجَر البحرين، وقال الجَوهَري: اسمُ بلدٍ، مذكرٌ، مصروفٌ، وقال الزَّجَّاجي: يُذكَّر ويُؤنَّث. وإنما امتنعَ عُمر في قَبول الجِزية من المَجوس حتَّى شَهِد عبد الرَّحْمَن؛ لأنَّ رأْيَه كان: لا يقبل الجزية إلَّا (¬1) مِن أهل الكتاب؛ إذ لو كان عالمًا لما كان لتوقُّفه في ذلك معنًى. * * * 3158 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلَاةَ الصُّبْح مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمِ ¬

_ (¬1) "إلَّا" ليس في الأصل.

الْفَجْرَ انْصَرَفَ، فتعَرَّضُوا لَهُ، فتبسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: "أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ"؟ قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللهِ لا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فتنَافَسُوهَا كمَا تنافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كمَا أَهْلَكَتْهُمْ". الثاني: (وأملوا) الأمَل: الرَّجاء. (الفقر) بالنَّصب مفعولٌ مقدَّمٌ لـ (أخشَى). (فتنافسوها) هو الرَّغْبة. * * * 3159 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِي، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزنيُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ، قَالَ: نعمْ، مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلَانِ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ، فَإِنْ كسِرَ الْجَنَاحُ الآخَرُ نهضَتِ الرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ، وإنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتِ

الرِّجْلَانِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ؛ فَالرَّأْسُ كِسْرَى، وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ، وَالْجَنَاحُ الآخَرُ فَارِسُ، فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى. وَقَالَ بَكْرٌ وَزِيَادٌ جَمِيعًا، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ، قَالَ: فَنَدَبَنَا عُمَرُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ، حَتَّى إِذَا كنَّا بِأرْضِ الْعَدُوِّ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَامَ تُرْجُمَانٌ فَقَالَ: لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ، قَالَ: مَا أَنتمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، كنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلَاءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ، وَنلبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ، فَبَيْنَا نحنُ كَذَلِكَ، إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ إِلَيْنَا نبَيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا، نعرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَأَمَرَنَا نبَيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجزْيَةَ، وَأَخْبَرَنَا نبَيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ. 3160 - فَقَالَ النُّعْمَانُ: رُبَّمَا أَشْهَدَكَ اللهُ مِثْلَهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يُنَدِّمْكَ وَلَمْ يُخْزِكَ، وَلَكِنِّي شَهِدْتُ الْقِتَالَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انتظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ. الثالث: (أفناء النَّاس) يُقال: هو مِن أفْناء النَّاس: إذا لم يُعلَم ممن هو، وفي بعضها: (الأَمْصار) بالميم.

(الهُرْمُزَان) بضم الهاء، وسكون الراء، وضم الميم، وزايٍ، ونونٍ: علَم رجُل عظيمٍ من عُظَماء العَجَم، كان مَلِكًا بالأَهْواز. قال ابن قُتَيبة في "المَعارِف": قتلَه عُبيد الله بن عُمر بن الخطَّاب بعد عُمر. (مغازيّ) بتشديد الياء. (نعم) حرف جوابٍ، وإنْ صحَّت الرِّواية بأنها: (نِعْمَ) فعلُ مَدْحٍ ضِدُّ: بِئْس، فالتَّقدير: نعم المثْل مثلُها. (مثلها) الضَّمير فيه راجعٌ للأرض التي يدلُّ عليها السِّياق. (شَدِخ) بمعجمتين، وإهمال الدال، أي: كُسِرَ. (كسرى) بفتح الكاف وكسرها. (وقيصر) غير منصرفٍ. (فارس) هو الجيل المعروف من العجَم، فإنْ قيل: وما الرجلان؟ قيل: هما لقَيْصَر الإفْرَنجْ مثَلًا، ولكِسرى الهنْد مثلًا، واكتفَى بكسْر الجَناحَين عن كَسْر الرجلين؛ لأنَّه يَنقاس على الجَناح لا سيَّما وهو إلى الطَّائر أسهَل من الجناح، فإنْ قيل: إذا انكسَر الجَناحان والرِّجلان جميعًا لا ينتَهِض أَيضًا؛ فقيل: الغرَض أنَّ العُضو الشَّريف هو الأصل، إذا صلَح صلَح الجسَد كلُّه، وإذا فسَد فسَد الجسَدُ كلُّه بخلاف العكْس. (مُقَرِّن) بفتح القاف، وكسر الراء المشدَّدة، وبالنُّون، والنُّعمان هو المُزني، حامِل لِواء مُزَينة يوم الفتْح، استُشهد يوم نَهاوَنْد، سنةَ

إحدى وعشرين. (ترْجُمان) بضم التاء وفتحها، وضم الجيم، والوجْه الثَّالث فتْحها كزَعْفران. (أو تؤدوا) فيه أخْذ الجِزية من المَجوس؛ لأنَّهم كانوا مَجوسًا، وفيه فَصاحة المُغيرة؛ لأنه بيَّن بكلامه أحوالَهم المتعلِّقة بدُنْياهم من المَطعُوم والمَلبُوس، وبدِيْنهم من العِبادة، وبمعاملتِهم مع الأعداء من طلَب التَّوحيد أو الجِزية، ولمَعادِهم في الآخِرة إلى كونهم في الجنَّة، وفي الدُّنيا إلى كونهم مُلوكًا مُلَّاكًا للرِّقاب. (أُشهدك) الخِطاب فيه للمُغيرة وكان على مَيْسرة النُّعمان، أي: أحضَرَك اللهُ مثلَ تلك المغازي، أو هذه المقاتَلة مع رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (يندمك) من الإِنْدام، يُقال: أَندمَه الله، فنَدِم. (ولم يُخْزك) من الإخْزاء، يقال: خَزِي بالكسر: إذا ذلَّ وهانَ، وكأنُّه أشار إلى: "غيرَ خَزايا ولا نَدامَى". (الأرواح) جمع: رِيْح، وأصلُه الواو قُلبت ياءً؛ لانكِسار ما قبلَها، فلمَّا جُمعت رُدَّت؛ لأَنَّ الجمْع يَرُدُّ الأشياءَ إلى أُصولها، وحكَى ابن جِنِّي عن بعضهم في الجمْع: أرياح، لمَّا رآهم قالوا: أَريَاح. ولعلَّ السِّرَّ في ذلك الاحتِراز عن تمادي القِتال بسبَب دُخول اللَّيل وظُلمته والتبرك أَيضًا بأوقات العِبادة. (ولكني) موقِع الاستِدراك أنَّ المُغيرة قصَد الاشتِغال بالقتال أوَّلَ النَّهار بعد الفَراغ عن المكالمة مع التَّرْجُمان، فقال له النُّعمان: فإنَّك وإنْ

2 - باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم؟

شَهِدتَ القتال مع رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنَّك ما ضبطت انتِظاره للهُبوب. * * * 2 - بابٌ إِذَا وَادَعَ الإِمَامُ مَلِكَ الْقَرْيَةِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِبَقِيَّتِهِمْ؟ (باب: إذا وادَعَ الإمامُ مَلِكَ القَرية) 3161 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَبُوكَ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكتَبَ لَهُ بِبحْرِهِمْ. (لبقيتهم)؛ أي: لجميع أهل القَرية. (أيْلة) بفتح الهمزة، وسُكون الياء، وباللام: أوَّل الشَّام. سبق الحديث في (باب: خَرْص التمر)، في (الزكاة). قيل: مطابقتُه للترجمة أنَّ قَبول هديته مؤذِنٌ بموادعته، وكتابتُه ببحْرهم مؤذِنٌ بدُخولهم في الموادعة، وذلك لأنَّ موادعة الملِك موادعةٌ لرعيَّته؛ لأن قوَّتهم به، ومصالحهم إليه، فلا معنى لانفِراده دونهم ولا انفرادهم دونه عند الإطلاق، ولأنَّ

3 - باب الوصايا بأهل ذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

العادة قاضيةٌ بذلك. * * * 3 - بابُ الْوَصَايا بأَهْلِ ذِمَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالذِّمَّةُ: الْعَهْدُ، وَالإِلُّ: الْقَرَابَةُ (باب الوَصاةِ بأَهْل الذِّمَّة) هو بفتح الواو. قال الجَوْهَري: أوصيتُ إليه بشيءٍ، وأوصيتُ إليه: إذا جعلتَه وَصيَّكَ، والاسم الوِصاية، بكسر الواو وفتْحها، وأَوصيته ووصَّيتُه أَيضًا توصيةً، والاسم الوَصاة. (وَالإلُّ) بكسر الهمزة، وتشديد اللام. * * * 3162 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جُويرِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ التَّمِيمِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، قُلْنَا: أَوْصِنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ اللهِ؛ فَإِنَّهُ ذِمَّةُ نبَيِّكُمْ، وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ. (ورزق عيالك) إذ بسبَب الذِّمة تحصُل الجِزية التي هي مقسومةٌ على المسلمين مصروفةٌ في مصالحهم. * * *

4 - باب ما أقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - من البحرين، وما وعد من مال البحرين والجزية، ولمن يقسم الفيء، والجزية؟

4 - بابُ مَا أَقْطَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْبَحْرَيْنِ، وَمَا وَعَدَ مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ وَالْجِزْيَةُ، وَلِمَنْ يُقْسَمُ الْفَيْءُ، وَالْجِزْيَةُ؟ (باب ما أقطَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من البَحْرين، وما وعَدَ من مال البَحْرين) بصورة المثنَّى: بلَدٌ من جِهَة الهِنْد. (والجزية) من عطف الخاصِّ على العامِّ. 3163 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه -، قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأَنْصَارَ لِيَكْتُبَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: لا وَاللهِ حَتَّى تَكْتُبَ لإخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ: "ذَاكَ لَهُمْ مَا شَاءَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ"، يَقُولُونَ لَهُ، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي". الحديث الأول: (ليكتب)؛ أي: ليُعيِّن لكلٍّ منهم منها حِصَّةً على سَبيل الإقطاع. (وذلك)؛ أي: ذلك المال للمُهاجرين ما شاء الله تعالى، وكان الأنصارُ يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأْن الْأَنصار مصرِّين على ذلك حين قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّكم سَتَرون بَعدِي مِن المُلُوكِ إيْثارًا لأنْفُسِهم واستِقلالًا"،

سبق في (كتاب الشرب)، في (باب: القَطائع). * * * 3164 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَني رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي: "لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا"، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ قَالَ لِي: "لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ لأَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا"، فَقَالَ لِي: احْثُهْ، فَحَثَوْتُ حَثْيَةً، فَقَالَ لِي: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَأَعْطَانِي ألْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ. 3165 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: "انثرُوهُ فِي الْمَسْجدِ"، فَكانَ أَكثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِنِي؛ إِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، قَالَ: "خُذْ"، فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: أْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ، قَالَ: "لا"، قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لا"، فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَرْفَعْهُ، فَقَالَ: أمر بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ، قَالَ: "لا"، قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لا"، فَنَثَرَ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى

5 - باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم

كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِي عَلَيْنَا؛ عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. الثاني: (احْثُهُ) بضم المثلثة وكسرها: مِن حَثَا في وَجْهه التُّراب، يَحثُو حَثْوًا، ويحثي حَثْيًا، قيل: والهاء فيه للسَّكْت، سبَق مِرارًا. (وقال إبراهيم) سبَق في (الصلاة)، وفي (المَساجد)، في (باب: القِسمة في المسجد). * * * 5 - بابُ إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ (باب من قتَل مُعَاهِدًا) بكسر الهاء وفتحها. (بغير جُرم)؛ أي: ذنْب يستحِقُّ به القتْل. 3166 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْص، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قتلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرح رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا". (لم يرح) قال الجَوْهَري: راحَ فُلانٌ الشَّيءَ يَراحه ويَريحه:

6 - باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

إذا وجَد ريحَه. وأما في هذا الحديث فقال أبو عُبَيد: هو من راحَهُ يَراحُهُ، وكان أبو عمْرو يقول: إنه من راحَه يَريحه، والكسائي: من أَراحَه يُريحه، ومعنى الثَّلاث واحدٌ. نعم، المسلم لا يَخلُد في النَّار، فالمعنى فيه: لم يجد أوَّل ما يجدُها سائر المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر. * * * 6 - بابُ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرةِ الْعَرَبِ وَقَالَ عُمَرُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ بِهِ". (باب إِخْراج المُشرِكين من جَزيرة العرَب) هي ما بين عَدَن إلى ريْف العِراق طُولًا، ومن جُدَّة إلى الشَّام عَرْضًا، قيل: إنه عامٌّ أُريد به خاصٌّ، وهو الحِجاز. (وقال عُمر) موصولٌ في (الجهاد). * * * 3167 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجدِ خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ"، فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَالَ: "أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ

وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هذا الأَرْضِ، فَمَنْ يَجدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ". الحديث الأول: (المِدْرَاس)؛ أي: العالِم التَّالي للكِتاب، أي: جئْنا مكانَ دراستِهم للتَّوراة ونحوها. (بماله) الباء للبدَليَّة، أي: بدَل مالِه. (لله)؛ أي: تعلَّقتْ مَشيئةُ اللهِ أن يُورِّثَ أرضَكم هذه للمُسلمين ففارقُوها، وهذا كان بعد قتْل بني قُرَيظة. * * * 3168 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ! مَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ، فَقَالَ: "ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا"، فتنَازَعُوا؛ وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نبَيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا لَهُ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ، فَقَالَ: "ذَرُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ"، فَأَمَرَهُمْ بِثَلَاثٍ، قَالَ: "أَخْرِجُوا الْمُشْرِكينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ"، وَالثَّالِثةُ خَيْرٌ، إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا، وَإمَّا أَنْ قَالَها فَنَسِيتُها. قَالَ سُفْيَانُ:

7 - باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟

هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ. الحديث الثاني: (أهجر)؛ أي: هجَر الدنيا. وسبَق شرح الحديث قريبًا في (باب: الحربي إذا دخل دار الإسلام). * * * 7 - بابٌ إِذَا غَدَرَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ هَلْ يُعْفَى عَنهُمْ؟ (باب: إذا غَدَر المُشرِكون بالمُسلِمين) 3169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجْمَعُوا إِلَيَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ"، فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنتمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ"؟ فَقَالُوا: نعمْ، قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَبُوكُمْ"؟ قَالُوا: فُلَانٌ، فَقَالَ: "كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ"، قَالُوا: صَدَقْتَ، قَالَ: "فَهَلْ أَنتمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ"؟ فَقَالُوا: نعمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، فَقَالَ لَهُمْ: "مَنْ أَهْلُ النَّارِ"؟ قَالُوا:

8 - باب دعاء الإمام على من نكث عهدا

نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اخْسَؤُا فِيهَا، وَاللهِ لا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا"، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ أَنتمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَألتُكُمْ عَنْهُ"؟ فَقَالُوا: نعمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَالَ: "هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا"؟ قَالُوا: نعمْ، قَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ"؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وإِنْ كُنْتَ نبَيًّا لَمْ يَضُرَّكَ. (صادقيّ) بتشديد الياء. (ثم تخلفوننا) هم لا يخرجون منها، فلا يمكِن فيهم الإخْلاف، والعُصاة من المُؤْمنين وإنْ دخَلوا النَّارَ لكنَّهم يخرُجون منها قطْعًا، فافتَرق الفريقان. (اخْسَئُوا) زجرٌ لهم بالطَّرد والإبعاد، أو دُعاءٌ عليهم بذلك. * * * 8 - بابُ دُعَاءِ الإِمَامِ عَلَى مَنْ نَكَثَ عَهْدًا (باب دُعاء الإمامِ على مَن نكَثَ عَهْدًا)؛ أي: نقضَه. 3170 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - عَنِ الْقُنُوتِ، قَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، فَقُلْتُ: إِنَّ فُلَانًا يَزْعُمُ أنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبَ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

9 - باب أمان النساء وجوارهن

أَنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: بَعَثَ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ -يَشُكُّ فِيهِ- مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ، فَعَرَضَ لَهُمْ هَؤُلَاءِ فَقَتَلُوهُمْ، وَكانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدٌ، فَمَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ. (قبل الركوع) أَخَذَ الشافعيُّ - رضي الله عنه - في أنَّ القُنوت بعد الرفْع من الركوع بحديث أنَس: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قنَتَ في الصُّبح بعد الركوع، وغير ذلك. (وَجد)؛ أي: حزن. * * * 9 - بابُ أَمَانِ النِّسَاءِ وَجِوَارِهِنَّ (باب أَمَانِ النِّساء وجِوارِهنَّ) بكسر الجيم وضمها، أي: إجارتهنَّ أحدًا، أي: تأْمينُه، قال الجَوْهَري: الجار الذي يُجاورك يقول: جاوَرتُه مجاورةً، وجِرايةً، بالضم والكسر، والجار: الذي أَجرتَه من أَنْ يَظلمَه ظالمٌ، وأجَرتُه بدون المدِّ من الإِجارة، وأجَرتُ فُلانًا على فُلانٍ: إذا منعتَه منه. 3171 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ:

10 - باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة، يسعى بها أدناهم

أنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ ابْنَةَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنتهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ"؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ"، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ، فَصَلَّى ثَمَانَ كعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"، قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى. (هُبيرة) بضم الهاء. وسبَق الحديث في (باب: الصلاة في الثوب الواحد). * * * 10 - بابٌ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجِوَارُهُمْ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ (باب ذِمَّةِ المُسلمِين وجِوارهم) (أدناهم)؛ أي: أقلُّهم، والغرَض أنَّ إجارة كلِّ مكلَّفٍ من المُؤْمنين مُعتبَرةٌ شَريفًا كان أو وَضِيعًا. 3172 - حَدَّثني مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ

التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ، فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نقرَؤُهُ إلا كِتَابُ اللهِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ: فِيهَا الْجرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الإبِلِ، وَالْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. (مُحَمَّد) قال الغَسَّاني: قيل: هو ابن سَلام. (الجراحات)؛ أي: أحكامها. (وأسنان الإبل)؛ أي: في الدِّيَة مخفَّفةً ومغلَّظةً. (حَرَمٌ)؛ أي: يحرم صيدُها ونحوه. (عَيْر) بفتح المهملة، وسُكون الياء، وبراء: جبَلٌ. (صَرْف) الفَريضة. (عَدْل) النافلة. (تولى)؛ أي: اتخذَهم أولياءَ، أو مَوالي، كانتِمائه إلى غير أَبيه، أو غير مُعتِقه. وسبق في (باب: حرَم المدينة). (أخفر): نقَضَ العَهْد. * * *

11 - باب إذا قالوا: صبأنا، ولم يحسنوا: أسلمنا

11 - بابٌ إِذَا قَالُوا: صَبَأْنَا، وَلَمْ يُحْسِنُوا: أَسْلَمْنَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ". وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ: مَتْرَسْ، فَقَدْ آمَنَهُ؛ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ الألسِنَةَ كُلَّهَا، وَقَالَ: تَكَلَّمْ لا بَأْسَ. (صبأنا)؛ أي: مِلْنا للإسلام. (ولم يحسنوا)؛ أي: يقُولوا أَسلَمْنا (¬1). (يقتل)؛ أي: يقتُل مَن قال: "صَبأْتُ، ولم يقل: أسلَمتُ؛ لاعتقاده أنها لا تكفي عند العَجْز عن لفْظ الإسلام. (أبرأُ)؛ أي: لا أَرضَى بقتْلهم. (مترس) بفتح الميم، وتشديد المثنَّاة، وإسكان الرَّاء، وبفتْح الميم، وسُكون التاء، وفتح الراء، بمعنى: لا تخَفْ، وهي كلمةٌ فارسيةٌ. (تكلم)؛ أي: قال المؤمِن للكافر: تكلَّم بحاجتِك، فإنَّه لا بأْسَ عليك، فيكون أمانًا، ولا يجوز التعرُّض له. * * * ¬

_ (¬1) "أسلمنا" ليس في الأصل.

12 - باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره، وإثم من لم يف بالعهد

12 - بابُ الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِثْمِ مَنْ لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ وَقَوْلهِ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} الآيَةَ (باب المُوادَعة والمُصالَحة) 3173 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ -هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ-، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زيدٍ إِلَى خَيْبَرَ، وَهْيَ يَوْمَئِذٍ صُلْخ، فتفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ وَهْوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمٍ قَتِيلًا، فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتكَلَّمُ، فَقَالَ: "كَبِّرْ كَبِّرْ"، وَهْوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، فَسَكَتَ، فتكَلَّمَا، فَقَالَ: "تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ، أَوْ صَاحِبَكُمْ"، قَالُوا: وَكيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نشهَدْ وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ: "فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ"، فَقَالُوا: كيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ. (بُشير) بضم الموحدة. (يَسَار) بفتح الياء، والمهملة. (ابنا مسعود)؛ أي: ابن كَعْب، ووقَع في "الجامع": ابن زَيْد،

فقالوا: وهمٌ. (وهو)؛ أي: عبد الله. (يتشحط) بمعجمةٍ، ثم مهملتَين، أي: يضطَرِب في الدَّم، وعبد الرَّحْمَن هو أخو عبد الله، وأما حُوَيِّصَة ومُحيِّصَة فابنا عمِّه، وبهذا قال ابن عبد البَرِّ في ترجمة حُوَيِّصة: قالا لرسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قصَّة ابن عمِّهما عبد الله، ولكنَّه قال في ترجمة عبد الله: هو ابن أخِي حُوَيِّصَة، ومُحيِّصَة. قال (ك): وعلى ما نَسَب (ن): عبد الله فهما ابنا عمِّ أَبيه. (كَبِّر)؛ أي: قدِّم الأكبَر الأَسنَّ، أي: أن الأكبَر هو الأَولى بالتقدُّم في الكلام. (أتحلفون) قال (خ): بدأَ بالمُدَّعين في اليَمين، فلمَّا نكَلوا ردَّها على المُدَّعى عليهم، فلمَّا لم يَرضَوا بأَيمانهم عقَله مِن عنده؛ لأنه عاقِلَة المسلمين، ووليُّ أمورهم. (دم) تعلَّق به من يُوجب القِصاصَ بأيمان القَسَامة حالةَ العَمْد كمالك. قال (ن): إنما معناه: تستحقُّون حقَّ دَمِكُم، فهو أعمُّ من القِصاص، والدِّيَة، أي: ولا دلالةَ للأعمِّ على الأخَصِّ. (فتبرئكم)؛ أي: تَبْرأ إليكم من دَعواكُم، أو يخلِّصوكم من اليَمين بأنْ يحلِفوا، فإنهم إذا حلَفوا لم يثبُت عليهم شيءٌ، وخلصتُم أنتم من اليَمين.

(خمسين يمينًا)؛ أي: أنَّ حُكم القَسامة مخالِفٌ لسائر الدَّعاوي مِن جِهَة أنَّ اليمين على المُدَّعي، وأنها خمسون يمينًا، وذلك عند اللَّوث كالعَداوة الظَّاهرة هنا بين المُسلمين واليهود. قلتُ: الخَمْسون دَعوى القتْل مطلَقًا، حتَّى تكون في ما لا لَوثَ فيه من جانب المدَّعى عليه، والمردودة على المدَّعي ومع الشَّاهد الواحد حيث كان في مُوجَب مالٍ. قال (ن): وإنما عقلَه - صلى الله عليه وسلم - قطْعًا للنِّزاع، وجبرًا لخاطرهم، وإلا فاستِحقاقُهم لم يثبُت، ولفظ: (فعقله)؛ أي: أدَّى عقْله، وهو دِيَتُه، يُقال: عقَلْتُه: أدَّيتُ دِيَته، وعقَلْتُ عنه، إذا لزمتْه ديةٌ فأدَّيتَها عنه، وفي "النَّسائي": أنَّه قسم ديتَه عليهم، وأعانهَم بنِصْفها. (من عنده) يحتمل مِن خالص ماله، أو مِن بيت المَال ومَصالح المُسلمين، وحقيقة الدَّعوى أنها لعبد الرَّحمن أخِي المَقتول. فأما قوله: (يحلِفُون) مخاطِبًا لابنَي عمِّه مع الأخ إشارةٌ لتكلُّم الأكبر في سماع صُورة القَضيَّة، فإذا عرفتْ وتوجَّهت الدَّعوى واليمين استقلَّ صاحبُها بذلك. ويحتمل أن عبد الرَّحْمَن وكَّلَ أكبر، أو أمرَه بتوكيله فيها، وعند اليمين يحلِف المستحِقُّ، وهذا كان من المعلوم عندهم أن اليمين تختصُّ بالوارِث، فأَطلَق الخِطاب لهم، والمراد مَن يختصُّ به. قال: ورُوي عن جماعةٍ إبطالُ القَسامة، وأنه لا حُكم لها،

13 - باب فضل الوفاء بالعهد

ولا عمَلَ بها، منهم البُخَارِيّ، وفي هذا الحديث إثباتُه، وجَواز الحُكم على الغائب، وجواز اليمين بالظنِّ، وصحَّة يمين الكافِر. * * * 13 - بابُ فَضْلِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ (باب فَضْل الوَفاءِ بالعَهْد) 3174 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَن هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي مَادَّ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا سُفْيَانَ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ. (ماد)؛ أي: هادَنَ، وعيَّن للصُّلْح، يقال: مادَّ الغَريمان: إذا اتفَقا على أجَل الدَّين. ووجْه دلالته على التَّرجمة أنَّ في هذا الحديث: (وكذلِكَ الرُّسُل لا تَغدِرُ)؛ فإنَّه وإنْ كان من كلام هِرَقْل إلا أنَّ الصَّحابة تَداولوه [و] استَحسنوه، كما سبق تقريره أواخر (كتاب الإيمان). * * *

14 - باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر؟

14 - بابٌ هَلْ يُعْفَى عَنِ الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ؟ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، سُئِلَ: أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ، وَكانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. (باب: هل يُعفَى عنِ الذَّمِّيِّ إذا سَحَرَ؟) (صنع) مبنيٌّ للمفعول. (ذلك)؛ أي: السِّحْر. فإنْ قيل: الترجمة بلفْظ الذِّمي، والسُّؤال بأَهل العَهْد، والجواب بأَهْل الكِتاب؟ قيل: أهل الكتاب مَن لهم عَهْد، والعَهْد والذِّمَّة بمعنًى. * * * 3175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ صَنعَ شَيْئًا وَلَمْ يَصْنَعْهُ. (يخيل) بالبناء للمفعول. ومناسبته للتَّرجمة عُموم القَضيَّة. * * *

15 - باب ما يحذر من الغدر

15 - بابُ مَا يُحْذَرُ مِنَ الْغَدْرِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ} الآيَةَ. (باب ما يُحذَرُ من الغَدْر) 3176 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهْوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: "اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا". (ستًّا)؛ أي: ستَّ علاماتٍ لقِيام القيامة. (موتان) بضم الميم عند تميم، وفتحها عند غيرهم: الوَبَاء، وفي الأصل هو موتٌ يقَع في الماشية، واستِعماله في الإنسان أنْ يتنبَّه على وُقوعه فيهم بوُقوعه في المَاشية، فإنَّها تسلب سَلْبًا شرعيًّا، وكان ذلك في طَاعُون عَمَواس زمَنَ عُمر، مات فيه سَبعون ألفًا في ثلاثة أيامٍ.

16 - باب كيف ينبذ إلى أهل العهد؟

(كَقُعَاص) بضم القاف، وخفَّة المهملة، وآخره مهملةٌ: صادٌ أو سينٌ: داءٌ يأْخذُ الغنَم، فلا يُلبثُها أن تموت، وقيل: الهلاك المعجَّل. (استفاضة) مِن فاضَ الماءُ والدَّمْعُ وغيرهما: إذا كثُر. (فيظل ساخطًا)؛ أي: يبقَى ساخِطًا استِقلالًا للمَبْلَغ، وتحقيرًا منه. (هُدنة) بضمِّ الهاء، أي: صُلْح، فللإمام أن يُهادِنَ قَومًا من الكفَّار على أنْ لا يَغزُوهم مدَّة من الزمان. (بني الأصفر)؛ أي: الرُّوم. (غاية) بمعجمةٍ، ثم يَاءٍ، أي: رايةً، وبموحَّدةٍ، هي الأَجَمة، وشبَّه كثْرة رِماح العسكر بها، فاستُعيرت لها، يعني: يأتون قَريبًا من ألْفِ ألفِ رجلٍ. * * * 16 - بابٌ كَيْفَ يُنْبَذ إلَى أَهْلِ الْعَهْدِ؟ وَقَوْلُهُ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} الآيَةَ. (باب: كيف يُنبَذُ إلى أهل العَهْد) النَّبْذ: هو إرسالُ الإمامِ رسولًا وشاهدَين إلى أهل العَهْد، وقيل: رَسولَين بأنْ لا عهدَ.

17 - باب إثم من عاهد ثم غدر

(على سواء) هو العَدْل. * * * 3177 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: لا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَاِنَّمَا قِيلَ: الأَكبَرُ؛ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ: الْحَجُّ الأَصْغَرُ، فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَلَمْ يَحُجَّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْرِكٌ. (الحج الأصغر)؛ أي: العُمْرة. سبَق الحديث في (باب: ما يستر من العورة). * * * 17 - بابُ إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ وَقَوْلهِ: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ}. (باب إثْم مَن عاهدَ ثم غَدَر) 3178 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ

رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرْبَعُ خِلَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَاِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا". الحديث الأول: سبق في (الإيمان)، وغيره. * * * 3179 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، قَالَ: مَا كَتَبْنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا الْقُرْآنَ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ". الثاني: (عائر) بمهملةٍ، وهمزٍ بعد الألِف. مرَّ في (حرَم المدينة).

الثالث (¬1): سبَق قَريبًا، وبعيدًا. (وَالى) قال الدَّاوُدي في غير هذا الموضع: مِن تَولَّى، وهو المحفوظ؛ لأنَّه نهى عن بيع الوَلاء وهبتِه. * * * 3180 - قَالَ أَبُو مُوسَى: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِم، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتبُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا؟ فَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِيْ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ! عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ، قَالُوا: عَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَشُدُّ اللهُ عز وجل قُلُوبَ أَهْلِ الذَّمَّةِ، فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. الرابع: (لم تجَتَبُوا)؛ أي: لم تأْخُذوا على وجْه الخَراج. (المصدوق)؛ أي: الذي لم يقُل له إلَّا الصدَق بمعنى: أنَّ جبريل مثلًا لم يُخبره إلَّا بالصَّدق، أو المُصدَّق بلفظ المفعول. (تنتهك)؛ أي: يَتناول بما لا يحِلُّ، يريد أنَّهم متى ظلموا منَعوا ما في أيديهم، وأفسَدوا، وحارَبوا، وأَعادوا الفِتْنة. * * * ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، والمقصود الحديث الثاني نفسه.

18 - باب

18 - بابٌ (باب) 3181 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنا أَبُو حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ: شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نعمْ، فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ: اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَدَدْتُهُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إلا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ، غَيْرِ أَمْرِنَا هَذَا. الحديث الأول: (حمزة) بمهملةٍ، وزايٍ. (صِفِّين) بكسر المهملة، وشدَّة الفاء: اسمُ موضعٍ على الفرات، وقَع فيه الحرب بين عليٍّ ومُعاوية - رضي الله عنها -، غير منصرفٍ. (اتَّهِموا)؛ أي: لا تتَّهِموني بأني أقصِّر في القِتال، بل اتَّهِموا رأْيَكم، فإنِّي لا أُقصِّر وقتَ الحاجة كما في يوم الحُدَيبِيَة؛ فإنِّي رأيتُ نفْسي يومئذٍ بحيث لو قدَرتُ على مخالفة رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتَلتُ قتالًا لا مَزيدَ عليه، لكنْ أتوقَّف اليومَ عن القِتال لمَصلحة المُسلمين، أي: فلا تعوِّلوا على الرأْي، فالرأْي يخطئ ويُصيب، فإنَّه رامَ مخالفةَ أمره في الصُّلْح اتكالًا على الرأْي إذْ ذاك، ثم علم بعدُ أن الصُّلْح كان هو الصَّواب، وذلك المشارُ إليه بقوله: (يوم أبي جَنْدَل) بفتح الجيم، وسُكون النُّون، وفتح المهملة، ابن العاصِي بن سُهَيل.

وإنما عُرف يوم الحُدَيبِيَة بذلك؛ لأنَّ ردَّه على المُشركين كان شاقًّا على المسلمين، وأعظَم عليهم من سائِر ما جرَى عليهم، وقال فيه عُمر ما قال. (يفظعنا) بإعجام الظَّاء، أي: يُخوِّفُنا، ويشقُّ علينا. قال ابن فارِس: فظَعَ، وأفظَعَ لُغتان. (إلَّا أسهلن)؛ أي: السُّيوف. (بنا)؛ أي: متلبسةً بنا مُنتهيةً. (إلى أمر نعرفه)؛ أي: عرَفنا حالَه ومآلَه غير هذا الأمر الذي نحن فيه من المُقاتَلة التي تجري بين المسلمين؛ فإنَّه لا يَسهُل بنا، ولا يَنتهي. * * * 3182 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ، قَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ، فَقَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ؛ فَإِنَّا كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ فَقَالَ: "بَلَى"، فَقَالَ: ألَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: "بَلَى"، قَالَ: فَعَلَى مَا نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِيننَا؟ أَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: "ابْنَ الْخَطَّابِ! إِنِّي

رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أَبَدًا"، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْح، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَ فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: "نعمْ". الحديث الثاني: بمعنى ما قبلَه، وزيادةُ بسطِ قصَّة الحُدَيبِيَة. (الدنية) فَعِيْلة، أي: النَّقِيصة، والخَصْلة الخَسيسة. (سورة الفتح)؛ أي: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ}. (أو فتح)؛ أي: صُلْح الحُدَيبِيَة فتحٌ. قال (ن): أراد سَهْل بهذا تصبُّر النَّاس على الصُّلْح وإعلامَهم بأنَّه يُرجى فيما بعدَه مصيرٌ إلى الخير، وإنْ كان ظاهرُه في الابتِداء مما تكرهُه النُّفوس كما كان صُلْح الحُدَيبِيَة، وكراهة أكثَر الناسِ الصُّلْحَ، ومع هذا أعقَبَ خيرًا عظيمًا، فأقرَّهم النبيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الصُّلْح مع أنَّ رأْيَهم كان مُناجزةَ أهل مكة بالقِتال. قال: ولم يكُن سُؤال عُمر وكلامُه المذكور شكًّا، بل طلَبًا لكشْف ما خَفِيَ عليه. وفيه فضيلة أبي بكرٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-. * * *

3183 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهْيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمُدَّتِهِمْ، مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ، وَهْيَ رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: "نعمْ، صِلِيهَا". الحديث الثالث: (أُمِّي) اسمها: قَيْلَة، بفتح القاف، وسُكون الياء. (مدتهم)؛ أي: المُعيَّنة للصُّلْح. (مع أبيها) اسمه: عبد العُزَّى، وقال (ش): هو الحارِث بن مُدرِك بن عُبَيد بن عمْرو بن مَخزُوم؛ قاله الزُّبير، فأسماءُ وعائشةُ أُختان من أبٍ فقط. (راغبة)؛ أي: في أنْ تَأْخُذ مني بعضَ المال، ورُوي خارج الصَّحيح: (راغِمَةٌ) بالميم، أي: مُشرِكةٌ، وقيل: كارِهةٌ، وقيل: راغبةٌ عن الإسلام كارهةٌ، وهو نصبٌ على الحال، ويجوز رفعُه على أنَّه خبرُ مبتدأ محذوفٍ. ثم اختُلف فيه، فقيل: كانتْ أُمها من الرَّضاعة، وقيل: التي ولَدتْها، وهي: قَيْلة بنت عبد العُزَّى، وهي أُمُّ عبد الله بن أبي بكْر. وسبق بسط ذلك في (الهبة)، في (باب: الهديَّة للمُشركين). * * *

19 - باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم

19 - بابُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيامٍ أَوْ وَقْتٍ معْلُومٍ (باب المُصالَحة على ثلاثةِ أيَّامٍ، أو وقْتٍ معلومٍ) 3184 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لا يُقِيمَ بِهَا إلا ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَلَا يَدْخُلَهَا إلا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ، وَلَا يَدْعُوَ مِنْهُمْ أَحَدًا، قَالَ: فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: "أَنَا وَاللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَا وَاللهِ رَسُولُ اللهِ" قَالَ: وَكَانَ لا يَكْتُبُ، قَالَ: فَقَالَ لِعَلِيٍّ: "امْحُ رَسُولَ اللهِ"، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللهِ لا أَمْحَاهُ أَبَدًا، قَالَ: "فَأَرِنِيهِ"، قَالَ: فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، فَمَحَاهُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَى الأَيَّامُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: مُرْ صَاحِبَكَ فَلْيَرْتَحِلْ، فَذَكرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: "نعمْ"، ثُمَّ ارْتَحَلَ. (بِجُلُبَّان) بضم الجيم، واللام، وشدَّة الموحَّدة: القِرَاب بما فيه.

20 - باب الموادعة من غير وقت

(قاضى)؛ أي: فاصَلَ، أو صالَح. (أمحاه) في بعضهم: (أَمحُوهُ)، يُقال: مَحاهُ، يمحُوه، ويَمحاهُ، ويَمحيهِ، ثلاث لُغاتٍ. سبَق الحديث في (الصُّلح)، في (باب: كيف يكتب؟). * * * 20 - بابُ الْمُوَادَعَةِ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أُقِرُّكُمْ مَا أقرَّكُمُ اللهُ بِهِ". (باب المُوادَعةِ من غَير وقْتٍ) إلى آخره، إشارةٌ لقصَّة مُعامَلة أهل خَيْبر، ولم يُورِد في الباب حديثًا. * * * 21 - بابُ طَرْحِ جِيَفِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْبِئْرِ، وَلَا يُؤْخَذُ لَهُمْ ثَمَنٌ (باب طَرْحِ جِيَفِ المُشرِكين في الْبِئْرِ) 3185 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ أَبِي إِسحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، قَالَ:

بَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدٌ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ، إِذْ جَاءَ عُقْبةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَأَخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ"، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيٍّ، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى فِي الْبِئْرِ. (بِسَلا) بفتح المهملة، وخفَّة اللام، والقَصْر: اللِّفافة التي يكُون فيها الولَد في بطْن النَّاقة. (جزور) هو المَنْحُور من الإبِل. (عليك الملأ)؛ أي: خُذِ الجماعةَ، وأَهلِكْهم. (من قريش) وهم أَشْرافُهم، نعَمْ، عُقْبَة لم يكُن من أنفُسهم، إنما كان مُلصَقًا. (وَعُتْبة) بضم المهملة، وسُكون المثنَّاة. (رَبيعة) بفتح الراء. (أُمَيَّة) بضم الهمزة، وفتْح الميم، وتشديد الياء. (أو أُبيّ) بضم الهمزة، وتشديد الياء، والصَّحيح: أُمَيَّة، وأما أُبيٌّ فقتلَه النبيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيَده يوم أُحُد، واستُثنى هذا من المُلقَين، أي: الذين قُتلوا

22 - باب إثم الغادر للبر والفاجر

حينئذٍ ليخرج عُقْبة بن أبي مُعَيط، فإنَّه لم يُقتَل ببدْرٍ، بل حُمل أسيرًا، وقتلَه رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد انصِرافه من بدْرٍ على ثَلاثةِ أميالٍ من المدينة. وسبَق الحديث آخرَ (كتاب الوضوء). * * * 22 - بابُ إِثْمِ الْغَادِرِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ (باب إثْم الغادِر للبَرِّ وللفَاجِر) 3186 - و 3187 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -قَالَ أَحَدُهُمَا: يُنْصَبُ، وَقَالَ الآخَرُ يُرَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ". الحديث الأول: (وعن ثابت) عطفٌ على سُلَيمان، قائلُ ذلك هو شُعبة. (لواء) هو العَلَم، وكان الرَّجل في الجاهلية إذ غَدَر رُفِع له أيَّام المَوسِم لواءٌ؛ ليعرفَه النَّاس، فيجتنبُوه. قال زُهير: .................. ويُنْصَبْ ... لَكُم في كُلِّ مَجْمَعةٍ لِوَاءُ

(أحدهما) لا يَقدَح هذا الإبْهام؛ إذ كلا الرَّاويين بشَرط البُخَارِيّ. * * * 3188 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّاد عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ لِغَدْرَتِهِ". الثاني: (يغدر به)؛ أي: بسبَب غَدْرتهِ، أو بقَدْر غَدْرتهِ. * * * 3189 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ: "لا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا"، وَقَالَ يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلاَهُ"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إلا الإِذْخِرَ؛ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، قَالَ: "إلا الإِذْخِرَ".

الثالث: (ونية)؛ أي: قَصْدٍ. سبَق أول (الجهاد). (ولا يعضد) بالجزْم والرَّفع. (يُخْتلى)؛ أي: يُجَزُّ. (خلاها) بالقَصر: الرَّطْب من الحَشِيش. (الإذْخر) نبتٌ طيِّب الرَّائحة. (لقينهم) هو الحَدَّاد. وسبَق في (باب: كتابة العِلْم). ووجْه مناسبة الحديث للتَّرجمة لعلَّه استُنبط من لفْظ: (فانفِروا)؛ إذ معناه لا تغدِرُوهم، ولا تخالفوهم؛ لأنَّ إيجاب الوَفاء بالخُروج مستلزِمٌ لتحريم الغَدْر، أو أنَّه أشارَ إلى أنَّ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَغدِر في استِحلال القِتال بمكَّة؛ لأنَّه كان بإحلالِ الله له ساعةً، ولولا ذلك لمَا جازَ له. وقيل: وجهه أنَّ تحريم قتْل البَرِّ لا يختصُّ ببلَدٍ، فدلَّ على أن الذي اختصَّ به الحرَم تحريم قتْل الفاجِر المستحِقِّ للقتْل، وإلا لم يكُن لمكَّة مَزيَّةٌ على غيرها، فيصدُق أنَّ الغادِر فيه بقتْل الفاجرِ والبرِّ كليهما آثمٌ، فتصحُّ التَّرجمة.

59 - كتاب بدء الخلق

59 - كِتَابُ بَدْءِ الخَلقِ

1 - ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده}

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 59 - كِتَابُ بَدْءِ الخَلقِ 1 - مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَالْحَسَنُ: كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ هَيْنٌ، وَهَيِّنٌ مِثْلُ لَيْنٍ وَلَيَّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ، وَضَيْقٍ وَضَيِّقٍ. {أَفَعَيِينَا}: أفَأَعْيَا عَلَيْنَا حِينَ أنشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ، لُغُوبٌ: النَّصَبُ. {أَطْوَارًا}: طَوْرًا كَذَا، وَطَوْرًا كلذَا، عَدَا طَوْرَهُ؛ أَيْ: قَدْرَهُ. (كتاب بَدْء الخَلْق) بالهمز، أي: ابتدائِه. (باب ما جاءَ في قَول اللهِ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ} الآية [الروم: 27]) (أهون)؛ أي: هيِّن، فالبِداءة والإعادَة سواءٌ بلا تفاوُت، كلٌّ منهما هيِّنٌ عليه، فهذا غرَضه مِن تقريره بما ذكَره. (أفعيينا)؛ أي: في قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [ق: 15] معناه.

(أفأعيا علينا)؛ أي: ما أَعجزَنا الخَلْقُ الأوَّلُ، حتَّى تُعجِزَنا الإعادة. (حين أنشأكم) الأصل أن يقول في تفسيره: أَنشأْناكم، لكنَّه التفاتٌ من التكلُّم إلى الغَيبة، أو قصد الإشارة إلى قوله تعالى في آيةٍ أُخرى: {إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم: 32]، فذكَره على وجه التَّفسير. قال (ك): وهو الظَّاهر، فالمعنى: إذْ قال حين أَنشأَكم، أو هو محذوفٌ في اللَّفْظ، واكتفى بالتَّفسير عن المفسَّر، وهو لفْظ (إذ) في تلك الآية. (لغوب)؛ أي: في قوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]، وعبارة "الكشَّاف": اللُّغُوب: الإِعْياء. (أطوارًا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 14]. (طورًا كذا)؛ أي: طَورًا نُطفةً، وطورًا علقةً، وطورًا مضغةً، وغير ذلك. (عدا طوره)؛ أي: ويُقال: فُلانٌ عَدَا طَورَه، أي: جاوزَ قدْره. واعلم أنَّ ذكْر هذا كلِّه من استِطراد البُخَارِيّ على عادته فيما إذا ذكَر آيةً أو حديثًا في التَّرجمة. * * * 3190 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "يَا بَنِي تَمِيمٍ! أَبْشِرُوا"، قَالُوا:

بَشَّرْتنا فَأَعْطِنَا، فتغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ: "يَا أَهْلَ الْيَمَنِ! اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ"، قَالُوا: قَبِلْنَا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ! رَاحِلتُكَ تَفَلَّتَتْ، لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ. الحديث الأول: (نفر)؛ أي: رجالٌ من ثلاثةٍ إلى عشَرةٍ. (أبشروا) من الإِبْشار، وجاء ثُلاثيًّا: بَشَرت الرجُل أَبشُره بالضَّم، أي: بشَّرهم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما يقتضي دُخولَ الجنَّة حيث عرَّفَهم أُصول العَقائد: المَبْدأ، والمَعاد، وما بينَهما. (فأعطنا)؛ أي: من المَال. (اقْبلُوا) من القَبول. (راحلتك) هي النَّاقة التي يصلُح أن تُرحَل، وتُطلَق أَيضًا على المَركُوب ذكَرًا كان أو أُنثى. (تفلتت)؛ أي: بالتاء، أي: تَشرَّدت، أي: أَدرِكْ راحلتَك. (ليتني لم أقم)؛ أي: من مجلس رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتَّى لا يفوتَني سماعُ كلامه، فالآخِرةُ خيرٌ وأبقى. * * * 3191 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا

الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا جَامعُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ: أنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ"، قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ"، قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالُوا: جِئْنَاكَ نسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، قَالَ: "كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ"، فَنَادَى مُنَادٍ: ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الْحُصَيْنِ، فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا. 3192 - وَرَوَى عِيسَى، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنسِيَهُ مَنْ نسِيَهُ. الحديث الثاني: (إذ لم يقبلها) في بعضها: (أن) بفتح الهمزة بمعنى: إذْ قال، قال (ك): وبكَسْرها. (هذا الأمر)؛ أي: الذي تقدَّم بيانه من بَيان الاعتِقادات في الأُولى والآخرة.

(على الماء)؛ أي: لم يكُن تحته إلَّا الماء. ففيه أنَّ العرش والماء كانا مخلوقَين قبل السَّماء والأرض، والواو في هذه الجملة بمعنى: ثم. (وكتب)؛ أي: قدَّر كلَّ الكائنات، وأثبتَها في محلِّ الذِّكْر، وهو اللَّوح المحفوظ، ونحوه. (تقطع) بالتشديد: فعلٌ ماضٍ، أو بالتَّخفيف مضارع: قطَع. (السراب) فاعلُه: وهو ما يَراه الإنسانُ وسَط النَّهار كأنَّه ماءٌ، والمعنى: فإذا هي انتهى السَّرابُ عندها (¬1). (تركته)؛ أي: حتَّى لا يفوتَني سماع كلامه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وروى عيسى)؛ أي: الملقَّب بِغُنْجَار، بضم الغين، وسكون النُّون، ثم جيم، وصلَه الطَّبَراني في (مسند رَقَبَة بن مَصقلَة)، وابن مَنْدَه في "أماليه". قال الغَسَّاني: فالصَّواب: عيْسى، عن أبي حَمْزة -أي: بمهملةٍ، وزايٍ- السُّكَّري، عن رَقَبَة، فسقَط أبو حَمْزة بينهما، وكذا قالَه أبو مَسعُود الدِّمَشقيّ، وغيره. (حتَّى) غايةٌ للبَدْء، أو للإخبار، أي: حتَّى أخبَر عن دُخول أهل الجنة. والحاصل أنَّه أخبَر عن المبتدأ، والمعاش، والمعاد جميعًا. * * * ¬

_ (¬1) "عندها" ليس في الأصل.

3193 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرَاهُ: "يَقُولُ اللهُ: شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي، وَتَكَذَّبَنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ؛ أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ: إنَّ لِي وَلَدًا، وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي". الحديث الثالث: (شتمني) الشَّتْم: الوصْف بما يُزْري ويُنقِص، ولا سيَّما فيما يتعلَّق بالغَيرة، وإثْبات الولَد له من ذلك؛ لأنَّه يستلزِم الإمكان المُتَداعي إلى الحُدوث، قالوا: إنَّ هذا الحديث كلامٌ قُدسيٌّ، أي: نصٌّ إلهي في الدَّرجة الثَّانية؛ لأنَّ الله تعالى أخبر نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإلهام، وأخبر النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمتَه بعبارة نفْسه. وقد سبق تحقيقه في (كتاب الصوم). * * * 3194 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي". الحديث الرابع: (عنده) ليستْ عنديَّةً مكانيةً؛ لأنها محالٌ، بل إشارةٌ إلى كونه

مكتُوبًا على الخَلْق مرفوعًا عن خبَر إدراكهم. (فوق العرش) قال (خ): قال بعضهم: أي: دُونه؛ استِعظامًا أن يكون شيءٌ من الخلْق فوق العرش (¬1)، كما في قوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] أي: فما هو أصغَر منها، وقيل: (فوق) زائدةٌ، كما في: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11]. والأحسن أن يُقال: أراد بالكتاب أحدَ شيئَين: إما: القَضاء الذي قَضاه، وأحبَّه، والمعنى: فعلم ذلك عنده فوق العرش كما قال: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه: 52]. وإما: اللَّوح المَحفوظ الذي فيه ذِكْر الخلائق وأحوالهم، فالمعنى: أنَّ ذِكْره، أو عِلْمَه عنده فَوق العَرْش، هذا مع أنَّه لا محذورَ أنْ يكون كتابٌ فوق العَرْش. (إن رحمتي غلبت) هذا تفسيرٌ للمَكتوب، وهو إشارةٌ إلى سَعَة رحمة الله تعالى، وشُمولها الخلْق، وكأنَّها الغالِب، كما يُقال: غلَب على فُلانٍ الكرَمُ، أي: كان أكثَرَ أفعاله. والرَّحمة والغضَب وإنْ كانت حقيقتُهما محالةً على الله تعالى، والمُراد لازِمُهما، إما وصفُ ذاتٍ، وهو إرادة الخَير والشَّرِّ، فالسَّبْق حينئذٍ باعتبار التعلُّق، أي: تعلُّق الرَّحمة سابقٌ على تعلُّق الغضَب، وإما صفة فعلٍ هي الإحسان، أو الانتِقام، فهما وصفان للأفعال، لا امتناعَ في ¬

_ (¬1) "فوق العرش" ليس في الأصل.

2 - باب ما جاء في سبع أرضين

سبْق أحدهما، ولا في غلَبته بمعنى كثْرته. * * * 2 - بابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ}: السَّمَاءُ. {سَمْكَهَا}: بِنَاءَهَا، كَانَ فِيهَا حَيَوَانٌ. {الْحُبُكِ}: اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. {وَأَذِنَتْ}: سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ. {وَأَلْقَتْ}: أَخْرَجَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى. {وَتَخَلَّتْ} عَنْهُمْ. {طَحَاهَا}: دَحَاهَا. {بِالسَّاهِرَةِ}: وَجْهُ الأَرْضِ، كَانَ فِيهَا الْحَيَوَانُ نومُهُمْ وَسَهَرُهُمْ. (باب ما جاء في سَبعْ أرَضِينَ) قوله: (السَّقف) بالرفع مبتدأٌ، خبره السَّماء، وبالجرِّ حكايةُ قولهِ تعالى في الطُّور: {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [الطور: 5] فيكون السَّماء خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو السماء. (سمكها)؛ أي: في قوله تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات: 28]. (استواؤها) هو تفسيرٌ للحُبُك، أي: ذات الاستِواء والحُسن. (أذنت)؛ أي: في قوله تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 2]. (طحاها)؛ أي: في قوله تعالى: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس: 6].

(بالساهرة)؛ أي: في قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14]. * * * 3195 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ! اجْتَنِبِ الأَرْضَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". الحديث الأول: (قِيد) بكسر القاف، أي: قَدْر. (طوقه)؛ أي: بأن يخسِف اللهُ به الأرض، أي: يَهوي به فيها فتَصير البُقعة المغصوبة منها في عنُقه كالطَّوْق، وقيل: يُطوَّق حَمْلَها، أي: يُكلَّف، فهو مِن طَوْق التكليف لا طَوْق التقليد. وسبق تحقيقه في (كتاب المظالم)، في (باب: إثم من ظلم). * * * 3196 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ".

الثاني: (شيئًا) في بعضها: (شِبْرًا). ففيه أنَّ الأرض سبْع طبقاتٍ، وأنَّ ما تحت مِلْك الشَّخص له بالِغًا ما بلَغَ. * * * 3197 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كهَيْئتَهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ". الثالث: (الزمان) الوقْت قليلًا كان أو كثيرًا، والمراد به هنا السَّنَة، أو ذو الحِجَّة، أي: رجَع إلى الذي حجَّ منه إبراهيم - عليه السلام - وزال ما غيَّرُوه في النَّسِيء. (كهيئته) الكاف صفة لمصدرٍ محذوفٍ، أي: استَدارَ استدارةً مثلَ حالته يومَ خلَق الله السماء والأرض، فإنَّ قريشًا كانوا ابتدعوا أن يُديروا الحجَّ في كلِّ سنَةٍ شَهْرًا، فإذا حَجُّوا في ذي الحِجَّة حجُّوا في السنة التي بعدَها في المُحرَّم، وهكذا، حتَّى ينتهيَ الدَّور إلى ذي

الحِجَّة، وكانت تلك السنة أقصَى الدَّوَران، فيكون الحجُّ في ذي الحِجَّة كما كان في ابتداء خلْق السماوات والأرض بهدايةِ الله تعالى نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ذلك، وحمايتِه من بِدَعهم كما فُعل معه في غير ذلك. (ثلاث) لم يقُل ثلاثة مع أن التَّمييز شهر، إمَّا باعتِبار لفْظ: غرّة، أو اللَّيلة، أو أنَّ العدَو إذا لم يُذكَر تمييزُه يجوز فيه الوَجْهان. (ورجب مُضَر) بضم الميم، وفتح المعجمة، والراء: القَبيلة المشهورة، أُضيف رجَب إليهم؛ لأنهم كانوا يُحافظون على تحريمه أشدَّ من سائر العرَب، ووصفَه بأنه: (الذي بين جمادى وشعبان) تأكيدًا، أو إزاحةً للرَّيب الجاري فيه من النَّسيء، فكأنه قال: رجَب الحقيقي لا الذي نسَأْتُموه، وأخرَّتموه. قال في "الكشَّاف": النَّسيء تأْخيرُ حُرمة شهرٍ إلى شهر آخر، كانوا يُحلُّون الشهر الحرام، ويحرِّمون مكانه شهرًا آخر، حتَّى رفضُوا تخصيص الأشهُر الحرُم، فحرَّموا من العام أربعة أشهرٍ مُطلَقًا، وربما زادوا في الشُّهور فيجعلونها ثلاثةَ عشَر شهرًا، أو أربعةَ عشَر، والمعنى: رجعَتْ الأشهر الحرُم إلى ما كانت عليه، والحجُّ إلى ذي الحِجَّة، وبطَلَ النَّسيء، فحجَّ عيَهيمْ في ذي الحِجَّة، وحجَّ أبو بكر قبْله في ذي القَعدة. * * * 3198 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ

هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدِ بْنِ عمرِو بْنِ نُفَيْلٍ: أنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَروَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أنه انتُقَصَهُ لَهَا إِلَى مروَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَناَ أَنتُقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا؟ أَشْهَدُ لَسَمعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبع أَرَضِينَ". قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّناَدِ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الرابع: (أروَى) بضم الهمزة، وسكون الراء، وفتح الواو، مقصورٌ، بنت أبي أُويس، وكانت حاضِنةً لمروان بن الحكَم ادَّعتْ أن سعيدًا غصَبَها أرضًا. قال ابن الأَثير: لم يُحقَّق أنها صحابيةٌ، أو تابعيةٌ. (إلى مروان) متعلِّق بقوله: (خاصَمتْه)، أي: تَرافَعا إليه، وهو كان يومئذٍ على المدينة، فترك سَعيد الحق لها، ودَعَا عليها، فقال: اللَّهمَّ إنْ كانت كاذبةً فأعْمِ بصرَها، واجعلْ قبرَها في دارِها، فتقبَّل اللهُ دعوتَه، فعَمِيتْ، ومرَّتْ على بئْرٍ في الدار فوقَعتْ فيها، فكانت قبرَها. وقد مرَّت القِصَّة في (كتاب المظالم). * * *

3 - باب في النجوم

3 - باب فِي النُّجُومِ وَقَالَ قتادَةُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}: خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تأوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطأَ وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (هشيمًا): مُتَغَيِّرًا. وَ (الأَبُّ): مَا يَأكلُ الأَنْعَامُ. (الأَناَمُ): الْخَلْقُ. {بَرزَخ}: حَاجِب. وَفَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلفَافًا}: مُلْتَفَّةً. وَ (الْغُلْبُ): الْمُلْتَفَّةُ. {فِرَشَا}: مِهَادًا، كَقَوْيهِ: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}. {نَكِدًا} ": قَلِيلًا. (باب: في النُّجُوم) قوله: (وقال قتادة) هو من أحسَن الرد على القائلين بالنُّجوم. وفيه أنَّ الرَّجْم بها لم يزَل قبْل البِعثة. قال ابن عبد السَّلام في "أماليه": إنْ كان المراد الكَواكب الظاهرة فهي على الأصحِّ يُرجم بها من زمان عيسى - عليه السلام -، والجمع بين هذا وبين قَول أهل التَّواريخ والأَرصاد لها مِن كونها لا يُفقَد شيءٌ منها، ولا هي تَرجع إلى مواضِعها، وإلا لرأَيناها، ولم نَرَها: أنَّ اِلذي يُرجَم به شُهب تخلَق عند الرَّجْم، وكذا قال الفارِسي: {وَجَعَلنهَا

رُجُومُا للِشَّيَطِينِ} [الملك: 5]: إنَّ الضَّمير للسَّماء على حذْف مضافٍ، أي: جعلناها شُهبًا، ولم يدلَّ دليلٌ على أنها عند البعث ولا المَولد، بل الأصحُّ ما ذكره المؤرِّخون؛ لما رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للعرَب: "ما كنتُم تَعُدُّون هذا في الجاهليَّة؟ "، يعني: رميَ الشُّهب، قالوا: مَولدُ عظيمٍ، أو فَقْد عظيمٍ، وهو في "الصَّحيح"، انتهى. قال (ش) (¬1): وفيه نظَرٌ. قال: وما حكاه البُخاري عن قَتادة عَزاه الشَّيخ لابن عبَّاس، وقال: إنه لم يصحَّ، وليس كما قال. (يهتدى بها) مأخوذٌ من قوله تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16]. (هشيمًا)؛ أي: من قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45]. (والأب)؛ أي: في قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]. (الأنام)؛ أي: في قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10]. (برزَخ)؛ أي: في قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} [الرحمن: 20]. (حاجز) في بعضها: (حاجِب). (فراشًا)؛ أي: في قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} [البقرة: 22]. ¬

_ (¬1) "ش" ليس في الأصل.

4 - باب صفة الشمس والقمر

(نكدًا)؛ أي: في قوله تعالى: {لَا يَخْرُجُ إلا نَكِدًا} [الأعراف: 58]. * * * 4 - بابُ صِفَةِ الشمسِ وَالْقَمَرِ {بحُسْبَانٍ}، قَالَ مُجَاهد: كَحُسْبَانِ الرَّحَى، وَقَالَ غيْرُهُ: بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لاَ يَغدُوَانِهَا. حُسْبَانٌ: جَمَاعَةُ حِسَابٍ، مِثْلُ: شهَابٍ وَشُهْبَانٍ. {ضُحَاهَا}: ضَوْءُهَا. {أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ}: لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. {سَابِقُ النَّهَارِ}: يتطَالَبَانِ حَثِيثَانِ. {نَسْلَخ}: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَنُجْرِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، {وَاهِيَةٌ} وَهْيُهَا: تَشَقُّقُهَا. {أَرجَائهَا}: مَا لم يَنْشَقَّ مِنْهَا، فَهْيَ عَلَى حَافتيْهِ، كَقَوْلكَ: عَلَى أَرجَاءَ الْبِئْرِ. {وَأَغْطَشَ} وَ {جَنَّ}: أَظْلَمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {كُوِّرَتْ}: تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا، {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ}: جَمَعَ مِنْ دابةٍ. {اتَّسَقَ}: اسْتَوَى. {بُرُوجًا}: مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. {الْحَرُورُ}: بِالنَّهَارِ مَعَ الشمسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ، يُقَالُ: {يُولِجُ}: يُكَوِّرُ. {وَليجة}: كُلُّ شَيْء أدخَلْتُهُ فِي شَيْء. (باب صِفَةِ الشَّمس والقَمَر) قوله: (كحسبان الرحى)؛ أي: يَجرِيان على حسَب حرَكتها،

وعلى وَضْعها. (لا يعدوانها)؛ أي: لا يتجاوزانها. (جماعة)؛ أي: الجمع الاصطلاحي. (ضحاها)؛ أي: من قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1]. (أن تدرك)؛ أي: من قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ} [يس: 40]. (سابق النهار)؛ أي: يتَطالبَان. (حثيثين)؛ أي: كما قال تعالى: {يَطْلُبُهُ حثِيثًا} [الأعراف: 54]، أي: سَريعًا. (نسلخ)؛ أي: من قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] أي: نُخرج النَهارَ من اللَّيل، والعكس أيضًا كذلك، فلهذا عمَّم البخاري بقوله: أحدَهما من الآخَر. (واهية)؛ أي: من قوله تعالى: {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة: 16]. (أرجائها) الرَّجا بالقصر: النَّاحيَة، والرَّجَوات: حافتَا البئْر بتخفيف الباء، أي: جانبَاه. (أغطش) من قوله تعالى: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} [النازعات: 29]. (وجن) من قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الأنعام: 76]، وقد جاءا متعدِّيَين ولازمَين، وكذا أَظلَم.

(كورت)؛ أي: من قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1]. (تكور)؛ أي: تُلْقَ. (بروجًا)؛ أي: من قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان: 61]. (منازل) استُشكل التَّفسير بذلك، لأنَّ البُروج اثنا عشَر: الحَمَل، والثَّور إلى آخرِه، والمنازِل: ثمانية وعشرون، وهي: الشَّرطين، والبطين إلى آخره، وأُجيب: بأنَّ كلَّ بُرجٍ منزلتان وشيءٌ، فهي هي بعينها، أو أراد بالمنازِل معناها اللُّغوي، وباصطلاح أهل التَّنجيم. (الحرور)؛ أي: من قوله تعالى: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر: 21]. (والسموم)؛ أي: من قوله تعالى: {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27]. (وليجة)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} [التوبة: 16]. وهذه الآيات وتفاسيرها لا تُوجد في بعض النُّسَخ. * * * 3199 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -

لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشّمسُ: "تدرِي أَيْنَ تَذْهَب؟ " قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحتَ الْعرشِ، فتسْتَأْذِنَ، فَيُؤْذَنَ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئتِ، فتطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ". الحديث الأول: (حتى تسجد)؛ أي: تُشبِه الساجد عند الغُروب، وإلا فلا جبْهة لها، والانقِيادُ حاصل دائمًا. (فتستأذن) الظَّاهر أنَّه في الطُّلوع من المشرِق، فإذا قُدِّرت تعقِل؛ فواضحٌ، وإلا فمن الموكَّلين بها، أو يكون بلسَان حالها. (لا يؤذن لها)؛ أي: في السَّير إلى مَطلَعها. (لمستقر)؛ أي: إلى مُستقر، كـ (هو يجري لغايتِه وإلى غايتِه)، وقد بيَّنه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ولولاه لأَمكَن أن يُقال: مُستقرُّها أقصَى منازلها في الغُروب، أو منتهاها عند انقِضاء الدُّنيا. 3200 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ الدَّاناَجُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الشَّمسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

الثاني: (مكوران)؛ أي: مَطْويَّان، قيل: يُلَفَّانِ كما يُلفُّ الثَّوب، مكفوفان ذاهبا الضَّوء. ووقع في بعض نُسَخ "أطراف أبي مَسعود الدِّمشقي" زيادة: (في النَّار)، وكذا رواه ابن أبي شَيبة في "مُصنَّفه"، والإسماعيلي في "مستخرَجه". وإنما روى أبو داود الطَّيالِسي في "مسنده" عن يَزيد الرقَاشي، عن أنَس يَرفعه: "إنَّ الشمس والقمر ثَوران -أي: بالمثلثة- عقيران في النَّار"، وقيل: إنما يجمعان في جهنم؛ لأنهما عُبِدا من دون الله، ولا تكون النار عذابًا لهما؛ لأنهما جَمادان، وإنما يُفعَل بهما ذلك زيادةً في تبكيت الكفَّار وحسرتهم. * * * 3201 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمرٌو: أَنَّ عَبْدَ الرَّحمَنِ بْنَ الْقَاسم حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الشمسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا". 3202 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنها -، قَالَ:

قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشمسَ وَالْقَمَرَ آيتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتم ذَلِكَ فَاذْكُرُوا الله". الثالث: سبق شرحه في (باب: الكسوف)، وكذا: 3203 - حَدَّثَنَا يحيَى بْنُ بُكَير، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُروة: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَسَفَتِ الشَمسُ قَامَ، فَكَبَّرَ وَقَرَأَ قِرَاءَة طَوِيلَةً، ثُمَّ ركعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأسهُ، فَقَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه"، وَقَامَ كَمَا هُوَ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً طوِيلَة، وَهْيَ أَدنىَ مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ ركعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْيَ أَدْنىَ مِنَ الركْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودا طَوِيلًا، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَد تَجَلَّتِ الشَّمسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشمسِ وَالْقَمَرِ: "إِنَّهُمَا آيتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتّ أَحَدٍ وَلاَ لِحَياتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلاَةِ". 3204 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المثنَّى، حَدثنا يَحيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُود - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الشَّمسُ وَالْقَمَرُ لاَ ينكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ،

5 - باب ما جاء في قوله: {وهو الذي أرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته}

فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا". الرابع، والخامس: (عبد الله بن عُمر) خلافًا لمَا يقع في بعض النسخ: (ابن عمرو) بزيادة واوٍ. (فَافْزَعُوا)؛ أي: التَجِئوا إلى الصلاة، وذكر الله تعالى. (عن أبي مسعود): أي: عُقبة، وفي بعضها: (ابن مسعود)؛ أي: عبد الله، لكن الرِّوايات متعاضدةٌ على الأول. * * * 5 - بابُ مَا جَاء فِي قوْلِهِ: {وهو الذي أرسل الرياح نُشُرًا بين يدي رحمته} {قَاصِفًا}: تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ. {لَوَاقِحَ}: مَلاَقِحَ مُلْقِحَةً. {إِعْصَارٌ}: رِيحٌ عَاصِفٌ، تَهُبُّ مِنَ الأرضِ إِلَى السَّمَاء كعَمُودٍ فِيهِ ناَرٌ. {صرٌّ}: بَردٌ. {نُشُرُا}: مُتَفَرِّقةً. (باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57]) قوله: (قاصفًا)؛ أي: من قوله تعالى: {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا} [الإسراء: 69] أي: كاسِرًا.

(لواقح)؛ أي: من قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]. (ملاقح)؛ أي: جمع مِلْقحة، وهو من النَّوادر، يقال: ألقَحَ الفحل الناقةَ، والرِّيحُ السَّحابَ. (إعصار)؛ أي: من قوله تعالى: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ} [البقرة: 266]. (صر)؛ أي: قوله تعالى: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117]، وهو بَردٌ يضرُّ بالنبات والحَرث. * * * 3205 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنِ الْحَكم، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نُصرتُ بِالصَّبَا، وَأهلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". الحديث الأول: (بالصبا) هي الرِّيْح الشَّرقية، وهي القَبول؛ لأنها تُقابل بابَ البيت. (عاد)؛ أي: قوم هود - عليه السلام -، وفي غزوة الأحزاب هبَّت الصَّبا شديدةً فقلِعت خيامهم، وألقى الله في قلوبهم الرُّعب، فهُزموا. (بالدبور) هي الغَربية، سُميت بذلك؛ لأنها تأتي من دُبُر البيت.

6 - باب ذكر الملائكة

وقد مرَّ الحديث في آخر (الاستسقاء). * * * 3206 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأدبَرَ، وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَدرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} الآيَة". الثاني: (مَخيلة) بفتح الميم، وبمعجمةٍ: السَّحابة التي يُخالُ بها المطَر. (وتغير وجهه)؛ أي: خوفًا أن يُصيب أُمتَه عُقوبةُ ذنْب العامَّة كما أصابَ الذين قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} الآية [الأحقاف: 24]. (سُريَ) مبنيٌّ للمفعول من التَّسرية، أي: كُشِف عنه ما خالطَه من الوَجَل. (فعرفته) من التَّعريف. * * * 6 - باب ذكرِ الْمَلاَئكَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ

السَّلاَمُ- عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}: الْمَلاَئِكَةُ. (كتاب ذِكْر المَلائكة) جمع مَلأك، وأصله مَأْلَك، فقُدم اللام، وأُخر الهمزة، وزنه مَفْعَل، مِن الأَلوكة، وهي الرِّسالة، ثم تُركت همزته لكثْرة الاستِعمال، فقيل: مَلَك، فلمَّا جمعوه ردُّوه إلى أصله فقالوا: مَلائكة، فزيدت التَّاء للمُبالغة، أو لتأْنيث الجمع، وقال ابن كَيْسَان: فَعَائل من الملك، وأبو عُبيدة: مِن لاءَكَ: إذا أرسَلَ. (وقال أنس) موصولٌ في (الهجرة). * * * 3207 - حَدَّثَنَا هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ، قَالاَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صعصَعَة - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَناَ عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِم وَالْيقْظَانِ -وَذَكَرَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ- فَأتيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّخرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ الْبُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أتيْنَا السمَاءَ الدُّنْيَا، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:

جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّد، قِيلَ: وَقَد أرسِلَ إِلَيْه؟ قَالَ: نعم، قِيلَ: مَرحَبًا بِهِ، وَلَنعمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنبيٍّ، فَأتيْنَا السَّمَاءَ الثَّانيةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: أُرسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم، قِيلَ: مرحَبًا بِهِ، وَلَنعمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحيَى، فَقَالاَ: مَرحَبًا بِكَ مِنْ أخٍ وَنبَي، فَأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّد، قِيلَ: وَقَد أرسِلَ إِلَيْه؟ قَالَ: نعم، قِيلَ: مَرحَبًا بِهِ، وَلَنعمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأتيْتُ يُوسُفَ فَسَلّمتُ عَلَيْهِ، قَال: مرحَبًا بِكَ مِنْ أخٍ وَنبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَك؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَد أُرسِلَ إِلَيْهِ؟ قِيلَ: نعم، قِيلَ: مَرحَبًا بِهِ، وَلَنِعمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِدرِيسَ فَسَلّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرحَبًا مِنْ أَخٍ وَنبَي، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّد، قِيلَ: وَقد أرسِلَ إِلَيْه؟ قَالَ: نعم، قِيلَ: مَرحَبًا بِهِ، وَلَنعمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ، فَسَلّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرحَبًا بِكَ مِنْ أخٍ وَنبِي، فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قيلَ: مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقد أُرسِلَ إِلَيْه؟ مرحَبًا بِهِ، وَلَنعمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَسَلَّمتُ، فَقَالَ: مَرحَبًا بِكَ مِنْ أخٍ وَنبَيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ:

مَا أَبْكَاك؟ قَالَ: يَا رَبِّ! هَذَا الْغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعدِي يَدخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدخُلُ مِنْ أُمَّتِي، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَد أُرسِلَ إِلَيْهِ؟ مرحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَسَلّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنبَي، فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعمُورُ، فَسَألْتُ جبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَم يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهم، وَرُفعَتْ لِي سِدرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نبَقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرٍ، وَوَرَقُهَا كَأنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ، فِي أَصلِهَا أربَعَةُ أَنْهَارٍ، نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمسُونَ صَلاَةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنَعتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمسُونَ صَلاَةً، قَالَ: أَناَ أعلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وإنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَارجع إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ، فَرَجَعتُ فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَربَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، فَجَعَلَ عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خمسًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنعتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمسًا، فَقَالَ مِثْلَهُ، قُلْتُ: سَلمتُ بِخَيْرٍ، فَنُودِيَ: إِنِّي قَد أَمضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا".

وَقَالَ هَمَّامٌ: عَنْ قتادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْبَيْتِ الْمَعمُورِ". الحديث الأول: (وقال خليفة) لم يقُل: حدَّثني إشعارًا بأنه سمعه في المُذاكرة لا بطَريق التحمُّل. (عند البيت) يجمع بين هذا وبين ما سبق أول (كتاب الصلاة): أنَّه قال: (فُرِجَ عن سَقْف بيتي): بأنَّ له - صلى الله عليه وسلم - مِعراجَين، كلٌّ من موضعٍ، أو أنه دخَل بيتَه ثم خرَج. (بين النائم واليقظان) وجْه التوفيق بين هذا وبين ما سبَق في (الصلاة)؛ إذ ظاهره أنَّه كان في اليقَظة، وهو مقتضَى الإطلاق، وهو في "مسند أحمد" عن ابن عبَّاس: أنَّه كان في اليقَظة، رآه بعينه، وسيأتي في (كتاب التوحيد) مِن رواية شَريك: أنَّه كان نائمًا = أنَّ الإسراء متعدِّدٌ كما ذهب إليه كثيرٌ من العلماء. فإنْ قلنا بالاتحاد، فالحقُّ وقولُ الجمهور أنَّه كان في اليقَظة بجسَده؛ لأنه قد أنكرتْه قُريشٌ؛ إذ رُؤيا المنام لا تُنكَر. وقال (ع): ولا يُنافيه بين النائم واليَقْظان؛ لأنَّ ذاك كان أوَّلَ الحال عند وُصول الملَك، وليس فيه أنه كان نائمًا في القِصَّة كلها. قال عبد الحقِّ في "الجمع بين الصحيحين": ورواية شَريك عن أنَس زيادةٌ مجهولةٌ، وقد روى الحفَّاظ المتقنون، والأئمة المشهورون،

كابن شِهَاب، وثابِت البُنَاني، وَقَتادة، عن أنَس، ولم يأتِ بها أحد منهم، وشَريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث. (ذكر)؛ أي: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. (ثلاثة رجال) هم الملائكة، تَصوَّروا بصورة الإنسان. (طست) مؤنثة، وجاء بكسر الطَّاء، وطِسٌّ بتشديد السين المهملة. (مُلِيءَ) مبني للمفعول، أو هو ملأىَ اسمٌ كسَكْرَى تأنيث سَكران، والتذكير باعتبار الإناء. نعم، الإفْراغ صفة للأجسام الذي في الطسْت؛ إما شيءٌ يحصُل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسُمِّي إيمانًا، أو هو من باب التَّمثيل. (مَرَاقّ) بفتح الميم، وخفَّة الراء، وشدَّة القاف: ما سَفُل من البَطْن، ورَقَّ من جِلْده، جمع مَرقَق، مَوضع رِقَّة الجِلْد، وقال الجَوْهري: لا واحدَ لها، والميم زائدة. وهذا غير الشَّرح الذي كان في صِغَره - صلى الله عليه وسلم -، فالشَّقُّ كان مرتين. (البراق) اسم الدابَّة التي ركبَها - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة، بالرفع خبرُ مبتدأ محذوفٍ، والجرُّ على البدَل. (أبيض) لم يقُل: بَيضاء اعتبارًا بلفْظ: البُرَاق، أو المَركوب. قال ابن دُرَيْد: اشتقاقه من البَرق لسُرعته، وقيل: لشِدَّة بياضه، وتَلألُؤ لَونه، ويُقال: شاةٌ بَرقاء: إذا كان خِلال صُوفها طاقاتٌ سُود،

فيحتمل التَّسمية به لأنه بلَونيَن. (نعم المجيء جاء) قال ابن مالك: (جاءَ): صلة لموصولٍ محذوفٍ، أي: الذي جاء فيه، شاهدٌ على جواز الاستِغناء بالصِّلة عن الموصول في باب نِعمَ. (من أخ ونبي) ولم يقُل إدريس: (من ابنٍ) مع أنه جَدٌّ لنُوح كما قال أهل التَّواريخ تأَدُّبًا وتلاطُفًا، والأنبياءُ إخوةٌ. قال (خ): يُشْكِل من هذا الحديث بُكاء موسى، وقوله: (هذا الغُلام)؛ فأما بكاؤُه فليس على معنى الحسَد والمُنافسَة فيما أُعطيَه من الكرامة، بل شفَقةً على أُمته لنقْص حظِّهم، أو لنقْص عدَدهم عن أُمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتمني الخير لهم، والبُكاء قد يكون من حُزْنٍ وألمٍ، وقد يكون من استِنكارٍ وتعجُّبٍ، وقد يكون من سُرورٍ؛ وأما الغُلام فليس على معنى الازدراء والاستِصغار لشأْنه، وإنما هو على تعظيم مِنَّة الله عليه بما أنالَه من النّعَم، وأتحفَه من الكَرامة من غير طُول عمُرٍ أفناه مجتهدًا في طاعته، والعرَب قد تُسمِّي المستجمِع للسِّنِّ غُلامًا ما دام فيه بقيَّةٌ من القُوَّة، وذلك مشهور في لغتهم. (على إبراهيم) كذا قال هنا: أنه في السَّابعة. وسبق في (الصلاة): أنَّه في السادسة، فيحتمل أنه وجدَه في السادسة، ثم ارتقَى هو أيضًا إلى السابعة. (فرفع)؛ أي: كُشِف لي، وقُرِّبَ مني، والرَّفْع التقريب والعَرض.

(البيت المعمور) بيت في السَّماء حِيَال الكعبة، اسمه: الضُّرَاح، بضم المعجمة، وخفَّة الراء، ومهملةٍ، وسُمي المَعمور لكثْرة غاشيتِه من الملائكة. (لم يعودوا) في بعضها: (لم يُعِيدوا). (آخر) قال في "المَطالِع": رَويناه بالنَّصب على الظَّرف، وبالرفع بتقدير: ذلك آخِر ما عليهم من دُخوله، قال: وهو أَوجَه. (سدرة) في بعضها: (السِّدرة) بالألف واللام. (المنتهى) لأنَّ عِلْم الملائكة ينتهي إليها، ولم يُجاوزْها أحدٌ إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (نبقها) بكسر الموحَّدة وسُكونها: ثَمَرُ السدر. (قلال) جمع قُلَّةٍ، وهي جَرَّة عظيمة، تسَع قِربَتين أو أكثر. (أنهار) جمع نَهْر، بسكون الهاء وفتحها. (باطنان) قيل: هما السَّلْسَبيل، والكَوثر. (الفُرات)؛ أي: الذي في العِراق. (والنيل)؛ أي: الذي في مِصر. (عالجتُ)؛ أي: مارستُهم، ولقِيتُ منهم الشِّدَّةَ. (إلى ربك)؛ أي: إلى الموضع الذي ناجَيتَ فيه ربَّك. (ثم مثله)؛ أي: ثم قال موسى مثلَه. وقد سبق الحديث في (كتاب الصلاة)، وبيانُ فوائده.

(عن الحسن)؛ أي: البصري. (عن أبي هريرة) قال ابن مَعِيْن: لم يصِحَّ للحسَن سماعٌ من أبي هريرة، فقيل له: فإنَّ في بعض الرِّوايات أنه قال: حدَّثنا أبو هريرة، فقال: ليس بشيءٍ. قال (ك): روايته هنا بلفْظ (عن)، فيحتمل أن تكون بواسطةٍ. * * * 3208 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحوَصِ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ الصَّادِقُ الْمصدُوقُ، قَالَ: "إِنَّ أَحَدكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأربَعٍ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُم لَيَعمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ". الحديث الثاني: (المصدوق)؛ أي: فيما وعَدَه به ربُّه - صلى الله عليه وسلم - من جِهَة جبريل عليه السلام، أو المصَدَّق. (يجمع) بالبناء للمفعول، وذُكِر في معنى الجمع: أنَّ النُّطفة إذا

وقَعتْ في الرحم وأراد الله تعالى أن يخلُق منها بشَرًا طارتْ في أطراف المرأَة تحت كلِّ شعرةٍ وظفُرٍ، فتَمكُث أربعين يومًا، ثم تنزِل دمًا في الرَّحم، فذلك جمعُها. قال (ح): فيه أنَّ ظاهِر الأعمال من الحسَنات والسَّيئات أمارات، وليست بموجبات، وأنَّ مصير الأُمور في العَاقبة إلى ما سبق به القضاء، وجرَى به القدَر. سبق في (الحيض). * * * 3209 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أبو هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَتَابَعَهُ أَبُو عَاصمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ ناَدَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِب فُلاَنًا فَأَحبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرضِ". الحديث الثالث: (يوضع)؛ أي: يُلقَى في قُلوب أهلها محبَّتُه مادحِين له، مُثنِين

عليه، مُريدين إيصال الخير إليه. ففيه أنَّ مَن كان مَحبوب القُلوب فهو محبوبُ الله تعالى بحُكم عكس القضيَّة. * * * 3210 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحمَنِ، عَنْ عُروَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ -وَهْوَ السَّحَابُ- فَتَذْكُرُ الأمرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فتسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمعَ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهم". الرابع: (محمد) قال الغَسَّاني: هو ابن يَحيى الذُّهْلي. قال (ش): هو البخاري؛ قاله أبو ذَرٍّ الهرَوي. (العَنان) بفتح المهملة، وخفَّة النون الأُولى: السَّحاب. (فتذكر)؛ أي: الملائكة الأمرَ الذي قُضِيَ في السَّماء وجودُه أو عدَمه. (فتسترق) تفتَعِل من السَّرِقة، أي: تسمَع مُستخفيةً. * * *

3211 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجدِ الْمَلاَئِكَةُ، يَكْتبونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". الخامس: (الأعرج) هذا الأصح؛ لأنَّ الحديث معروفٌ من روايته لا (الأغَرِّ) كما يقَع في بعض النُّسخ. * * * 3212 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجدِ، وَحَسَّانُ يُنْشِدُ، فَقَالَ: كنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ! أَسَمِعتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدهُ بِرُوحِ الْقُدُس"؟ قَالَ: نعم. السادس: (أجب)؛ أي: قُل جَوابَ هَجْو الكفَّار عن جِهَتي. (بروح القدس) هو جبريل - عليه السلام -.

مرَّ في (باب: الشِّعر في المسجد). * * * 3213 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِحَسَّانَ: "اهْجُهُم -أَوْ هَاجِهِم- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ". 3214 - وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلاَلٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ سَاطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ. زَادَ مُوسَى: مَوكبَ جِبْرِيلَ. السابع: (زاد موسى)؛ أي: ابن إسماعيل، عن جَرير بن حازم، موصولٌ في (المَغازي). (مركب) نصب بنزْع الخافِض، وفي بعضها: (مَوكِبَ) بالواو، وهو نَوعٌ من السَّير، ويُقال للقوم الرُّكوب على الإبِل المزيَّنة: مَوكِب، وكذا كلُّ جماعةِ الفُرسان، وقيل: منصوبٌ بقوله: (أنظُر)، أي: كأنِّي أنظُر مَوكِبَ جبريل، كقول الشاعر: رَحِمَ اللهُ أَعظُمًا دَفنُوها ... بسِجِسْتَانَ طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ أراد: أعظم طَلْحةَ، فنصبَ طلْحة بذلك.

وقال (ش): هو بالرفع خبرُ مبتدأ محذوف، تقديره: هو مَوكِب. * * * 3215 - حَدَّثَنَا فروَةُ، حَدَّثَنَا عَلي بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضي اللهُ عَنْهَا: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوحي؟ قَالَ: "كُلُّ ذَاكَ، يَأتِي الْمَلَكُ أَحيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، فَيفصِمُ عَنِّي وَقد وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَهْوَ أَشَدُّهُ عَليَّ، وَيتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ أَحيانًا رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي فَأعَيِ مَا يَقُولُ". الثامن: سبق في الحديث المطوَّل أول "الجامع". * * * 3216 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا يحيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ دَعَتْهُ خَزَنةُ الْجَنَّةِ: أَيْ فُلُ: هَلُمَّ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أرجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهم". التاسع: (زوجين)؛ أي: دِرهمين، أو دينارَين.

(أي فُلَ) بضم الفاء، وفتح اللام وضمِّها، أي: يا فُلان، كذا قاله (ك)، وقال (ش): هو بإسْكان اللام، لا يُقال إلا به. قيل: ليس تَرخيمًا لفُلان، ولو كان ترخيمًا لفتَحوه أو ضَمُّوه. (تَوَى) بفتح المثنَّاة، والواو: الهلاك، وقيل: الضَّياع. سبق في (الجهاد)، في (باب: فضل النفَقة). * * * 3217 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا معمر، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ! هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَم"، فَقَالتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، تَرَى مَا لاَ أَرَى؛ تريدُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. العاشر: (هذا جبريل) فيه أنَّ الرُّؤية حالة يخلقُها الله في الحَيِّ، فلا يلزم من حُصول المرئيِّ، واجتِماع شروط الرُّؤية وُجودُ الرّؤية، كما لا يَلزم مِن عدَمها عدَمُها. * * * 3218 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمٍ، حدثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ. (ح) قَالَ: حَدَّثَنِي

يَحيَى بْنُ جعفَرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذر، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِجبْرِيلَ: "أَلاَ تَزُورُناَ أكثَرَ مِمَّا تَزُورُناَ"؟ قَالَ: فَنَزَلَت {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} الآيَةَ. الحادي عشر: سبق أيضًا مِرارًا. * * * 3219 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتبةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرفٍ، فَلَم أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انتهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحرُفٍ". الثاني عشر: سبق شرحُه في (كتاب الخصومات). * * * 3220 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي

رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُل لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقرآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيح الْمُرسَلَةِ. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَعمَرٌ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحوَهُ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَفَاطِمَةُ - رضي الله عنها -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارضُهُ الْقرآنَ. 3221 - حَدَّثَنَا قتيبةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الْعصرَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ عُروَةُ: أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قد نزَلَ فَصَلَّى أَمَامَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: اعلَم مَا تَقُولُ يَا عُروَةُ، قَالَ: سَمِعتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمعتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَه"؛ يَحسُبُ بأَصَابِعِهِ خمسَ صَلَوَاتٍ. الثالث عشر، والرابع عشر: سبقا أوَّل "الجامع". (وروى أبو هريرة) موصول في (فضائل القرآن). (وفاطمة)؛ أي: عن عائشة، عنها، موصولٌ في (علامات النبوة). (أمام) بفتح الهمزة وكسرها.

قال ابن مالك: الكسر مُشْكِلٌ؛ لأن إضافة (أمام) معرفة، والموضع موضع الحال، فوجَب جعلُه نكرة بالتَّأويل كغيره من المعارِف الواقِعة حالًا، كـ: أَرسلَها العِراكَ. * * * 3222 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ، عَنْ شُعبةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ لم يَدخُلِ النَّار"، قَالَ: وإنْ زَنىَ وإِنْ سَرَق؟ قَالَ: "وإن". 3223 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَلاَئِكَةُ يتعَاقَبُونَ، مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَالْعَصرِ، ثُمَّ يَعرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُم، فَيَسْألهُم وَهْوَ أَعلَمُ، فَيقُولُ: كيْفَ تَرَكْتُم؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكنَاهُم يُصَلُّونَ، وَأتيْنَاهُم يُصَلُّونَ". الخامس عشر: (دخل الجنة) قال (خ): فيه دُخولها ونفْيُ دخولها بوصفَين، والمعنى: مَن ماتَ على التَّوحيد فمَصيره إلى الجنَّة، وإنْ نالَه قبل ذلك من العُقوبة ما نالَه، وأما كونُه لم يدخُل النَّارَ فمعناه؛ لم يدخُلْها دخولًا

7 - باب لإذا قال أحدكم: "آمين"، والملائكة في السماء، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه

تخليديًّا، وبه تجتمع الآيات والأحاديث. (وإن) فيه حذْف الشَّرط، والجزاء، والاكتفاءُ بالأَداة. وسبق في (الجنائز). (يتعاقبون)؛ أي: يأتي بعضُهم عَقِيب بعض إذا نَزلتْ طائفةٌ صعدت الأُخرى. سبق مَبْسوطًا في (مواقيت الصلاة). * * * 7 - بابٌ لإذَا قَالَ أحَدكم: "آمِين"، وَالْمَلاَئكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَوَافَقَتْ إحدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنَبِهِ (باب: إذا قال أحدكم: آمِيْن) بالمدِّ والقَصر، أي: استَجِبْ، ولا يوجد في بعض النُّسخ هذا الباب، وهو أَولى؛ إذ لا تعلُّق للأحاديث التي فيه بالتَّرجمة. (إحداهما)؛ أي: إحدى كلمتَي: آمين. * * * 3224 - حَدَّثَنَا مُحَمد، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أمُيَّةَ: أَنَّ نافِعًا حَدَّثَهُ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ، عَنْ

عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا نُمرُقَةٌ، فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَجَعَلَ يتغَيَّرُ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "مَا بَالُ هَذِهِ الْوِسَادَة؟ "، قَالَتْ: وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجعَ عَلَيْهَا، قَالَ: " أَمَا عَلِمتِ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تدخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَة، وَأَنَّ مَنْ صَنعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَقُولُ: أَحيُوا مَا خَلَقْتم؟ ". الحديث الأول: (تماثيل) جمع تِمثَال، وهو وإنْ كان في الأصل للصُّورة المُطلَقة، فالمراد به ها هنا صُورة الحيَوان. (كأنها نُمْرُقة) من كلام الرَّاوي عن عائشة، وهو بضم النُّون، والراء، وبكسرها، وقاف: الوِسادَة. (الملائكة)؛ أي: غير الحفَظة. (فيقول)؛ أي: اللهُ تعالى، وفي بعضها: (فيُقال). (أحيوا ما خلقتم)؛ أي: صَوَّرتُم، وقدَّرتُم، أي: اجعلُوه ذا رُوحٍ، وهو أمرُ تعجيزٍ. واعلم أنَّ الصُّورة في الوسائد ونحوها مما يُمتَهن فليس بحرامٍ، لكنه يمنع دُخول الملائكة، على أنَّ بعضهم قال بالمنع مطلقًا ما يُمتَهن وغيره.

ومرَّ في (باب: التجارة فيما يكره). * * * 3225 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، يَقُولُ: سَمِعتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ تدخلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كلبٌ ولاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ". الحديث الثاني: (صورة تماثيل) من إضافة العامِّ للخاصِّ، وفي بعضها بالصفة. * * * 3226 - حَدَّثَنَا أحمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمرو: أنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ، حَدَّثَهُ: أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ، حَدَّثَهُ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ، وَمَعَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عُبَيْدُ اللهِ الْخَوْلاَنِيُّ الَّذِي كَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، حَدَّثَهُمَا زيدُ بْنُ خَالِدٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تدخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورةٌ". قَالَ بُسْرٌ: فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، فَعُدْناَهُ، فَإِذَا نَحنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلاَنِيِّ: ألم يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِير؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: "إِلَّا رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ"، أَلاَ سَمِعتَه؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ:

بَلى، قَد ذَكَرَ. الثالث: (أحمد) هو ابن صالح المِصري، أو ابن عيْسى التُّسْتَري. (إلا رَقْم)؛ أي: كتابةٌ. قال (خ): الصُّورة غير الرَّقْم. قال (ش): ولعلَّه أراد أنَّ الصُّورة المنهيَّ عنها ما كان له شخْصٌ ماثلٌ دون ما كان منْسوجًا في ثَوبٍ، أو مَعمُولًا في وجْهه، لكنَّ حديث القاسم عن عائشة يُفسِد هذا التأويل. * * * 3227 - حَدَّثَنَا يحيَى بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حدَثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حدَثَنِي عُمَرُو، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَعَدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّا لاَ نَدخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورة وَلاَ كلْب. 3228 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَي، عَنْ أَبِي صَالح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَالَ الإمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحمدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه". الرابع: (عُمر) قال الحافِظ أبو ذرٍّ: هو ابن محمد بن زَيد بن عبد الله بن

عُمر بن الخَطَّاب. (وعد)؛ أي: وعدَه جبريل أن يَنزِل إليه، فلم يَنزلْ، فسأَله عن السَّبَب؟ فقال له ذلك. (فيه سورة)؛ أي: لكونها معصيةً فاحشةً، فيها مضاهاةٌ لخلْق الله تعالى، وربما كانتْ صُورةَ من عُبِد من دون الله. (ولا كلب)؛ أي: لكثْرة أكله للنَّجاسة، ولأنَّ بعضها شيطانٌ، والملَك ضِدُّه، أو لقُبْح رائحة الكلب، والملائكةُ تَكرهُ الرَّائحةَ الخبيثةَ، وهؤلاء هم الملائكة الذي يطُوفون بالرحمة والبركة، أما الحفَظة فلا يُفارقون بني آدَم في حالٍ؛ لأنهم مأْمورون بضبْط أعمالهم. * * * 3229 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمنْذِرِ، حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ أَبِي عَمرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَحَدكم فِي صَلاَةٍ مَا دامَتِ الصَّلاَةُ تَحبِسُهُ، وَالْمَلاَئِكَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وَارحمهُ؛ مَا لم يَقم مِنْ صَلاَتِهِ، أَوْ يُحدِثْ". الخامس: سبق في (باب: جهر الإمام بالتأمين). * * *

3230 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عمرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعلَى، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَنَادَوْا يَامَالِكُ}. قَالَ سُفْيَانُ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ: (وَناَدَوْا يَا مَال). السادس: (من صلاته)؛ أي: من موضع صلاته، أو الصلاة المَجازيَّة المذكورة فيما قال: "أحدكُم في صلاةٍ". وسبق في مباحث (الحديث في المسجد). (يا مال)؛ أي: يا مالكُ، فرخَّم؛ ففيه الضمُّ والكسْر على اللُّغتين، مالكٌ هو خازِن النَّار. * * * 3231 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُروَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثته أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ أتى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أحُد؟ قَالَ: "لَقد لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهم يَوْمَ الْعَقبةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَم يُجبْنِي إِلَى مَا أَرَدتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَناَ مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَناَ بِقرنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفعتُ رَأْسِي،

فَإِذَا أَناَ بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قد سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَد بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجبَالِ لِتَأمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِم، فَنَادانِي مَلَكُ الْجبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِم الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ أَرجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصلاَبِهم مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وحدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". السابع: (العقبة)؛ أي: بمِنَى، وإليها نُسبت جَمرة العَقَبة. (ابن عبد يالِيل) بياءَين، وكسر اللام الأُولى، غير منصرفٍ، وهو أبو مَسعود بن عَبْد يالِيْل، أو أنَّه أَخُوه الأَعمى المذكور في السيرة، في قَذْف النُّجوم عند المَبْعَث. (ابن عبد كُلال) بضم الكاف، وخفَّة اللام الأُولى، اسمه: كِنَانَة -بكسر الكاف، ونُونيَن- الثَّقَفي. كان ابن عبْد يالِيْل من أَشراف أهل الطَّائف، أراد منهم الإيْواء والنَّصر، فلم يقبلُوه، ورمَوه بالحِجارة، حتى أَدمَوا رجلَيه. والأكثر على أنَّه أسلَم بعد انصِراف النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من قِتال الطَّائف، نعَم، الذي في السِّيَر: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عرَض نفْسَه على عبْد يالِيْل وإخوته بني عمرو بن عُمَير بن عَوْف، فالله أعلم. (على وجهي) متعلِّقٌ بـ (انطلَقتُ)، أي: على الجِهَة المواجِهة لي.

(قرن الثعالب) موضعٌ قريبٌ من مكَّة، وثَعالِب في الأصل جمع ثَعلَب، الحيوان المشهور. قال (ن): هو مِيْقات أهل نَجْد، ويقال له: قرن المَنازِل، بفتح الميم. (ملك الجبال)؛ أي: الذي أمرُ الجبالِ وتَسخيرُها بيده. (ذلك) مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أي: ذلك كما قال جِبْريل، أو كما سمعتُ منه، أو المبتدأ محذوفٌ، أي: الأمرُ ذلك. (فيما شئت)، (ما): فيه استفهاميةٌ، وجواب الشَّرط مقدَّرٌ، أي: لفَعلتُ. (الأخْشَبين) تثْنية أَخْشَب، بهمزةٍ مفتوحةٍ، وسكون المعجمة الأُولى، وفتْح الثانية، وموحَّدة: هما جبَلا مكَّة: أبو قُبَيْس وثَوْر؛ سُميا ذلك لصَلابتهما وغِلَظ أحجارهما، ورجلٌ أخشَب: إذا كان صلْب العِظام عاري اللَّحم، وقال الصَّاغاني: هما أبو قُبَيْس والأَحمَر، وهو جبَلٌ يُشرِف على وجْهه على قُعيقعان، وقيل: هما الأخشَب الشَّرقي، وهو أبو قُبيس، والغَربي، قيل: الخُطُّ، بضم المعجمة، والخُط هو من وراءِ وادي إبراهيم عليه الصلاة والسلام. * * * 3232 - حَدَّثَنَا قتيبةُ، حَدَّثَنَا أَبو عَوَانة، حَدَّثنا أبو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سألتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُود: أنه رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ

سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. 3233 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعبة، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أفقَ السَّمَاءِ. الثامن، والتاسع: (رفرفًا) هو ثياب خضر تُبسَط، ويحتمل أن يُراد بالرَّفْرَف أجنِحَة جبريل - عليه السلام - بسطَها كما تُبسَط الثياب. * * * 3234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، أَنْبأَناَ الْقَاسمُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَد أعظَمَ، وَلَكِنْ قد رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورتهِ، وَخَلْقُهُ سَادٌّ مَا بَيْنَ الأُفُقِ. العاشر: (أعظم)؛ أي: دخَل في أمرٍ عظيمٍ، أو مفعوله محذوفٌ. * * * 3235 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ الأَشْوَعِ، عَنِ الشَّعبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَأَيْنَ قَوْلُهُ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ

قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}؟ قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، كَانَ يَأتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أتاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورتهِ الَّتِي هِيَ صُورتُهُ، فَسَدَّ الأُفُقَ. الحادي عشر: (فأين)؛ أي: إذا أنكَرتِ رُؤيتَه؛ فما وجْه قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8]، فقالت: المراد منه قُربُه من جبريل. (التي هي صورته)؛ أي: الخَلْقيَّة له بدُون تطْويرٍ، لم يره - صلى الله عليه وسلم - في هذه الصُّورة إلا هذه المرة، أو مرةً أُخرى أيضًا، وأما في غيرها فكان يتشكَّل كصُورة دِحيَة الكَلْبي، أو غيرها. * * * 3236 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتيَانِي، قَالاَ: الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَأَناَ جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ". الثاني عشر: سبق آخر (الجنائز). * * * 3237 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أبو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امرَأتهُ إِلَى فِراشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنتهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصبحَ".

تَابَعَه [شعبة و] (¬1) أَبو حَمزَةَ وَابْنُ داوُدَ وَأَبو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعمَشِ. الثالث عشر: (تابعه شعبة) موصولٌ في (النكاح). (وابن داود) رواها مُسَدَّد في "مسنده". (وأبو معاوية) وصلَه مسلم. * * * 3238 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، قَالَ: سَمعتُ أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ثُمَّ فترَ عَنِّي الْوَحيُ فَتْرَةً، فَبَيْنَا أَناَ أمشِي سَمِعتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءَ، فَرَفعتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعد عَلَى كرسِيِّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرضِ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَويتُ إِلَى الأَرضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُوني زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إِلَى {فَاهْجُرْ}. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزُ: الأَوْثَانُ. الرابع عشر: (فَجُئثْتُ) بجيمٍ مضمومةٍ، بعدها همزةٌ، ثم مثلَّثةٌ ساكنةٌ، ثم ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين من هامش "اليونينية".

مثنَّاةٌ، مِن الجَأَث بالهمز والمثلَّثة، وهو الرُّعب للكافَّة، وللأَصِيْلي: جِيْثْتُ، بجيمٍ، ثم مثنَّاةٍ، ثم مثلَّثةٍ، ثم مثنَّاةٍ، أي: رُعبتُ، كما جاء في الرِّواية أوَّل البخاري بهذا اللَّفظ، كذا قاله (ش)؛ وأما (ك) فقال: بمثلَّثتين، وهو أشهر من جُثَّ الرجل، فهو مَجثوثٌ، أي: ذُعِر. (هويت)؛ أي: سقَطتُ. وسبق الحديث أوَّل "الصَّحيح". * * * 3239 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ قتادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيةِ، حَدَّثَنَا ابنُ عمِّ نبِيكم؛ يعنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيتُ لَيلَةَ أسرِي بي موسَى رَجُلاً آَدَمَ طُوَالًا جَعدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيتُ عِيسى رَجُلًا مَربُوعًا مَربُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحمرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطَ الرَّأْسِ، ورَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَالدَّجَّال" فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللهُ إِيَّاهُ، {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} الخامس عشر: (يزيد بن زُريع، ثنا سعيد)؛ أي: بخلاف الأوَّل، فإنَّه شُعبة، بالشِّين المعجَمة. (عن أبي العالية)؛ أي: رفيع الرِّيَاحي، لا زيَاد البَراء، وإنْ كان

كلُّ واحد! منهما يَروي عن ابن عبَّاس. (طوالًا) بضم الطاء، وتخفيف الواو، أي: طَويلًا. (جعدًا)؛ أي: غير سَبْط الشَعر. (شَنُوءة) بفتح الشِّين المعجمة، وضم النُّون، وبواوٍ، وهمزةٍ: قَبيلةٌ، وهي بطْن من اليمَن طِوال القامات. (مربوعًا)؛ أي: لا قَصيرًا ولا طَويلًا، وفي بعضها: (مَربُوع الخَلْق) بفتح الخاء، أي: مُعتدِل الخلْقة مائلًا إلى الحمرة والبَياض. (سبط) بكسر الموحَّدة، وسُكونها: مُسترسِل الشَّعر. قال (ن): فتْحها وكسْرها لُغتان مَشهورتان، ويجوز إسكانها مع كسر السِّين، ومع فتْحها على التَّخفيف كما في كِتْف. قال: وأما الجَعْد في صِفة موسى؛ فالأولى أن يُحمَل على جُعودة الجِسم، وهو اكتِنازه واجتِماعه لا جُعودة الشَّعر، فقد جاء في روايةٍ أنَّه رَجْل الشَّعر. (فلا تكن في مرية) قال (ن): إنَّه استِشهاد من بعض الرُّواة على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ؛ موسى - عليه السلام -. قال (ك): الظَّاهر أنَّه من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والضَّمير راجعٌ إلى الدجَّال، والخِطاب لكلِّ واحدٍ من المُسلمين. * * *

8 - باب ما جاء في صفة الجنة، وأنها مخلوقة

8 - بابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مُطَهَّرةٌ مِنَ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْبُزَاقِ. {كُلَّمَا رُزِقُوا}: أتوا بِشَيْءٍ ثُمَّ أتوا بِآَخَرَ. {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}: أُتِينَا مِنْ قَبْلُ. {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}: يُشْبِهُ بعضُهُ بعضًا، وَيَخْتَلِفُ فِي الطُّعُومِ. {قُطُوفُهَا}: يَقْطِفُونَ كيْفَ شَاءُوا. {دَانِيَةٌ}: قَرِيبَةٌ. (الأَرَائِكُ):السُّرُرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي الْوُجُوه، وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {سَلْسَبِيلًا}: حَدِيدَةُ الْجِزيَةِ. {غَوْلٌ}: وَجَعُ الْبَطْنِ. {يُنْزَفُونَ}: لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {دِهَاقًا}: مُمتَلِئًا. {وَكَوَاعِبَ}: نَوَاهِدَ. (الرَّحِيقُ): الْخَمرُ. (التَّسْنِيمُ): يَعلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. {خِتَامُهُ}: طِينُهُ {مِسْكٌ}. {نَضَاخَتَانٍ}: فَيَّاضَتَانِ. يُقَالُ: {موضُونَةِ}: مَنْسُوجَة، مِنْهُ: وَضِينُ النَّاقَةِ. وَ (الْكُوبُ): مَا لاَ أُذُنَ لَهُ وَلاَ عُروَةَ، وَ (الأَبَارِيق): ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَا. {عُرُبًا}: مُثَقَّلَةً، وَاحِدُهَا: عَرُوبٌ، مِثْلُ: صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ: الْعَرِبَةَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: الْغَنِجَةَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: الشَّكِلَةَ. وَقَالَ مُجَاهدٌ: {رُوحُ}: جَنَّةٌ وَرَخَاء، {وَاَلرَّيحَانُ}: الرِّزْقُ.

وَ (الْمَنْضُودُ): الْمَوْزُ، وَ (الْمَخْضُودُ): الْمُوقَرُ حَملًا، وَيُقَالُ أَيْضًا: لاَ شَوْكَ لَهُ. وَ (الْعُرُبُ): الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. وَيُقَالُ: (مَسْكُوبٌ): جَارٍ. وَ {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}: بَعضُهَا فَوْقَ بعضٍ. {لَغْوًا}: بَاطِلًا. {تَأْثِيمًا}: كَذِبًا. (أفنَان): أغْصَانٌ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}: مَا يُجْتَنَى قَرِيب؛ {مُدْهَامَّتَانِ}: سَوْداوَانِ مِنَ الرِّيِّ. (باب ما جاءَ في صِفَة الجنَّة، وأنَّها مَخلوقةٌ) قال أهل السنَّة والجماعة: الجنَّة والنَّار مخلوقتان اليوم، والمعتزلة: تُخلَقان يوم القِيامة. (مُطهرة)؛ أي؛ في قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25]. (بآخر) التَّكرار مُستفادٌ من لفْظ: (كلَّما). (يقطفون) فسَّرته قُطوف؛ لأنه جعل: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23] جملةً حاليةً، وأخذ لازِمَها. (وقال الحسن)؛ أي: في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11]. (غول)؛ أي: في قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47]. (دهاقًا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا} الآية [النبأ: 33، 34]، فسَّره قبْل كَواعب.

(ختامه)؛ أي: في قوله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26]. (طينه)؛ أي: الطِّيْن الذي يُختم به. (التسنيم)؛ أي: من قوله تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين: 27]. قال الجَوْهَري: اسم ماء في الجنَّة؛ سُمي بذلك لأنَّه جرَى فوق الغُرَف والقُصور. (موضونة)؛ أي: في قوله تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} [الواقعة: 15]. (ومنه وضين الناقة)، وهو كالحِزَام للسَّرج. (والكوب)، أي: واحدُ الأكَواب في قوله تعالى: {بِأَكْوَابٍ} [الواقعة: 18]. (عربًا)؛ أي: في قوله تعالى: {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: 37]. (عربًا مثقلة)؛ أي: مضمومة الراء. (عروب) هي المُتحبِّبة إلى الزَّوج، الحسَنة التبعُّل، وقرأ: {عُرُبًا} [الواقعة: 37] بسُكون الراء أيضًا. (العربة)، أي: بفتْح العين، وكسر الراء. (الغنجة) بفتْح المعجمة، وكسر النون. (الشكلة) بفتح المعجمة، وكسر الكاف. (والمنضود)؛ أي: في قوله تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} الآية [الواقعة: 28].

قال (ع): هكذا في جميع النُّسَخ، أي: تفسير المنْضُود بالمَوز، والمخضُود بالمُوقَر حملًا، قال: وصوابُه: الطَّلْحُ المنضُود: المَوز، والمنْضُود: الموقَر حَملًا الذي نُضِّد بعضُه فوق بعض؛ لكثْرة حمله. وعن السُّدِّي: الطَّلْح المَنْضُود: شجَرٌ يُشبه طَلْح الدُّنيا لكثْرة ثَمره أَحلى من العسَل. (لا شوك له) هو المَشهور في التَّفسير، [أي: المَخضُود: مَنْزُوع الشَّوك، وخَضَدتُ الشَّجر: نظَّفتُ شَوكه؛ لكن المُراد هنا خَلْقٌ لا شَوكَ له، وقدَّم على تفسير] مخضُود تَفسيرَ منْضُود، وهو في القُرآن بعدَه. (جارٍ)؛ أي: لا ينقطِعُ جرَيانه، وقيل: الجاري في غير أُخدودٍ. (تأثيمًا)؛ أي: في قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} [الواقعة: 25]. (أفنان)؛ أي: من قوله تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن: 48]. * * * 3240 - حَدَّثَنَا أحمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا اللَّيث بْنُ سَعد، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَاتَ أَحَدكم فَإِنَّهُ يُعرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ".

الحديث الأول: (فمن أهل الجنة) الجواب وإنْ كان يُعيِّن لفْظ الشَّرط، فالمراد إنْ كان مِن أهل الجنة فيُعرَض عليه مَقْعدٌ من مَقاعد أهل الجنَّة. * * * 3241 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اطَّلَعتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أكثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلعتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أكثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءِ". الثاني: سبق شرحه مرَّات. * * * 3242 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مريَمَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا نحنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ قَالَ: "بَيْنَا أَناَ ناَئمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امرَأة تتوَضّأُ إِلَى جَانِبِ قصرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقصر؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرتُ غَيْرتهُ، فَوَلَّيْتُ مُدبِرًا"، فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ؟

الثالث: (يتوضأ) من الوضاءَة، وهي الحُسْن والنَّظافة، ويحتمل أنه من الوُضوء. (غَيرته) بفتْح المعجمة: مصدرُ غارَ الرجل على أَهله. * * * 3243 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سَمعتُ أَبَا عِمرَانَ الْجَوْنيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ، طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاَثُونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لاَ يَرَاهم الآخَرُونَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمرَانَ: سِتُّونَ مِيلًا. الرابع: (الخيمة) الإشارة بها إلى ما في قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]. (قال ابن عبد الصمد) موصول في (سورة الرحمن). (والحارث) وصلَه مسلم. * * * 3244 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ:

أَعدَدتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنَ سمَعَت، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. الخامس: معناه ظاهرٌ. * * * 3245 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا معمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ زُمرَةٍ تَلِجُ الْجنةَ صُورتهم عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبدرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلاَ يَمتَخِطُونَ، وَلاَ يتَغَوَّطُونَ، آنِيتهم فِيهَا الذَّهَبُ، أَمشَاطُهُم مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الألوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، ولكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقهِمَا مِنْ وَرَاءَ اللحم مِنَ الْحُسْنِ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهم وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهم قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا". السادس: (لا يتغوطون) من الغائِط، وكنَّى به هنا عن الخارِج من السَّبيلين معًا. (ومجامرهم)؛ أي: عُود مَجامِرهم؛ قالَه الزمخشَري، وقال (ع): مَجامِرهم، أي: بَخُورهم، وقد يكون جمع: مَجمَر، أي:

الآلة التي يُتبخَّر بها، فسُمي بها البَخُور، ويُؤيِّد الأولَ الرَوايةُ الثانية: (وَقُود مجامِرهم) كأنه أراد الجمر الذي يُطرَح عليه. قال الإِسْماعِيليُّ في "المُستخرَج": ويُنظَر، هل في الجنة نارٌ؟. (الأُلوة) بضم الهمزة وفتحها، وضم اللام، وتشديد الواو: العُود الذي يُتبخَّر به، ورُوي بكسر اللام أيضًا، وهو فارسيٌّ مُعرَّبٌ، هو أَجْوَد العُود الهِنْدي، والمراد بالأُلُوَّة الجنْس، فلذلك أخبر به -وهو مُفرَدٌ- عن مَجامِر، وهو جمعٌ. (ورشحهم)؛ أي: عَرَقُهم. (المسك)؛ أي: كالمِسْك في طِيب الرائحة. (زوجتان) الأقلُّ في زوجةٍ بالتاء، والأَشهر خِلاف التاء، ووجْه التَّثنية مع أنّه قد يكون له أكثَر؛ إما بالنَّظَر إلى ما في قوله تعالى: {جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، و {عينَانِ} [الرحمن: 50]، و {مُدْهَامَّانِ} [الرحمن: 64]، أو أُريد التَّكرير والتَّكثير، نحو لبَّيكَ، وسَعدَيك، أو باعتبار صِنْفين: كبيرةٍ وصغيرةٍ، طويلةٍ وقصيرة، وغير ذلك. * * * 3246 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهمْ

وَلاَ تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، لاَ يَسْقَمُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأُلُوَّةُ -قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: يَعْنِي: الْعُودَ-، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (الإبْكَارُ): أَوَّلُ الْفَجْرِ، وَ (الْعَشِيُّ): مَيْلُ الشَّمْسِ أَنْ تُرَاهُ تَغْرُبَ. (وَقُود) بفتح الواو. قال (خ): أراد الجَمْر الذي يُطرَح عليه البَخُور، ولا يُنافي ذلك الرِّواية الأُخرى: (مَجامِرُهم الأُلُوَّة)؛ لجَواز أنْ يكون فيها عُودٌ، وكذا لا يُنافي ما هنا أنَّ آنيتهم الذَّهب والفِضَّة، وهناك الذَّهب، وفي الأَمْشاط بالعكس؛ لأنه اكتفَى في الموضوعين بذِكْر أحدهما فى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34]، وخصص هنا الذَّهب؛ لأنه أكثَر من الفِضَّة جزاءً، أو جِرْمًا، أو لأنه أكثر وأنفَس، أو أنَّ ذلك حالَ الزُّمرة الأُولى خاصَّةً، فآنيتُهم كلُّها من الذَّهب لشرَفهم، وهذا أعمُّ، فتفاوتت الأَواني بحسَب تفاوُت أصحابها، وأما الأَمشاط فلا تفاوُت بينهم فيها، ولم يذكر الفِضَّة هنا؛ لأنه في الزُّمرة الأُولى تكون الفضَّة من بابٍ أَولى. (أُراهُ) بالضم، أي: أظنُّه، وهو جملةٌ معترضةٌ، يعني: مبدأ العشي معلومٌ، وآخرُه مظنونٌ. * * *

3247 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيَدخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألفًا -أَوْ سَبْعُمِائَةِ ألفٍ- لاَ يَدخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدخُلَ آخِرُهُمْ، وَجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدرِ". الحديث السابع: (لا يدخل أولهم) لا يُقال: فيه دَورٌ؛ لأن آخرَهم أيضًا لا يدخُل حتى يدخل أوَّلهم؛ لأنا نقول: هو دَورٌ معيٌّ، وإنما المُحال الدَّور السَّبْقيُّ، والقصد أنهم يدخُلون معًا. * * * 3248 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعفِيُّ، حَدَّثَنَا يُونس بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسٌ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكانَ يَنْهى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجبَ النَّاسُ مِنها، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَمَنَادِيلُ سَعدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هذَا". 3249 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلينهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هذَا".

الثامن، والتاسع: (أفضل)؛ أي: أشرَف. وسبق الحديث في (باب: قبول الهدية من المشركين). * * * 3250 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَوْضعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها". 3251 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّها مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُها". 3252 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّها مِائَةَ سَنَةٍ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئتم {وظِلٍّ مَمْدُودٍ} ". 3253 - : "وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكم فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمسُ أَوْ تَغْرُبُ".

العاشر، والحادي عشر: تقدَّم شرح ذلك مرَّاتٍ. * * * 3254 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْح، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحمَنِ بْنِ أَبِي عَمرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ زُمرَةٍ تَدخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهم كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُم عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ تَبَاغُضَ بَيْنَهُم وَلاَ تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْم وَاللَّحم". الثاني عشر: (دُرِّي) فيه لُغتان: ضَمُّ الدال، وشدَّة الراء والياء أيضًا بلا همزٍ، والثانية: بالهمز، والثالثة: بكسر الدال مهموزًا، وهو الكَوكب العظيم البَرَّاق، سُمي به لبَياضه كالدُّرِّ، وقيل: لضَوئه، وقيل: لشبَهه بالدُّرِّ لكونه أرفَع النُّجوم كما أنَّ الدُّرَّ أرفَع الجَواهر. * * * 3255 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنهالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: أَخْبَرَني قَالَ: سَمعْتُ الْبَرَاء - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لمَا مَاتَ

إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: "إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ". الثالث عشر: (مرضعًا) هي التي مِن شأنها الإرضاع، وأما في حالِ الرَّضاع، فيُقال: مُرضعةٌ بالتاء. وسبق في (الجنائز)، في (باب: ما جاء في أولاد المسلمين). * * * 3256 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّة يتَرَاءيونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهم كمَا تترَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهم"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُها غَيْرُهم، قَالَ: "بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ". الرابع عشر: (الغابر) بمعجمةٍ وموحدةٍ، أي: الذَّاهِب الماضي الذي تدلَّى للغُروب وبَعُدَ عن العُيون، وفي بعضها: (الغائِر) من الغَور. (قال: بلى)؛ أي: يبلُغها المؤمنون المصدِّقون؛ فإن قيل: فلا يبقَى في غير الغُرَف أحدٌ؛ لأنَّ أهل الجنَّة كلَّهم مؤمنون مصدِّقون؟،

9 - باب صفة أبواب الجنة

قيل: المصدِّقون بجميع الرسُل ليس إلا أُمة محمد - رضي الله عنه -، فيبقَى مؤمنو سائرِ الأُمم فيها. * * * 9 - بابُ صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَقَالَ النَّبِيُّ - رضي الله عنه -: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ". فِيهِ عُبَادَةُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 3257 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعد - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيها بَابٌ يُسَمَّى: الرَّيَّانَ، لاَ يَدخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ". (باب صِفَة أبوابِ الجنَّة) سبق الحديث فيه في (كتاب الصَّوم). (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أنفق زوجين) موصولٌ في (الصِّيام). (فيه عبادة) موصولٌ في (أبواب الجنة). * * *

10 - باب صفة النار، وأنها مخلوقة

10 - بابُ صِفةِ النَّارِ، وَأنَّها مَخْلُوقَةٌ (غَسَاقًا)، يُقَالُ: غَسَقَتْ عَيْنُهُ وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ، وَكَأَنَّ الْغَسَاقَ وَالْغَسْقَ وَاحِدٌ. {غِسْلِينٍ}: كُل شَيْء غسَلْتَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ غسْلِينَ، فِغلِينَ مِنَ: الْغَسْلِ مِن الجُرحِ وَالدَّبَرِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ جَهنَّم}: خطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَقَالَ غَيْرُه {حَاصبًا}: الرِّيحُ الْعَاصِفُ، وَالْحَاصِبُ: مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ، وَمِنْهُ: {حَصَبُ جَهنَّم}، يُرْمَى بِهِ فِي جَهنمَ، هُم حَصَبُها، وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأرْضِ: ذَهَبَ، وَالْحَصَبُ: مُشْتَقٌّ مِنْ: حَصْبَاءَ الْحِجَارَةِ. {صَدِيدٍ}: قَيْحٌ وَدَمٌ. {خَبَتْ}: طَفِئَتْ. {تُوُرونَ}: تَسْتَخْرِجُونَ، أَوْرَيْت: أَوْقَدتُ. {للْمُقْوِينَ}: لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {صَراطِ الْجَحِيم}: سَوَاءُ الْجَحِيم وَوَسَطُ الْجَحِيم. {لشوبًا من حمَيمٍ}: يُخْلَطُ طَعَامهم وَيُسَاطُ بِالْحَمِيم. {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}: صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ. {وِرْدًا}: عِطَاشًا. {غَيًّا}: خُسْرَانًا. وقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُسجَرُونَ}: تُوقَدُ بِهِمُ النَّارُ. {وَنُحَاسٌ}: الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ. يُقَالُ: {ذُوقُوا}: بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَم. {مَارِجٌ}: خَالِصٌ مِنَ النَّارِ، مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيتهُ: إِذَا خَلَّاهُم يَعْدُو بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ. {مريج}: مُلْتَبِسٌ،

مَرَجَ أمرُ النَّاسِ: اخْتَلَطَ. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}، مَرَجْتَ دابَّتكَ: تركْتها. (باب صِفَة النَّار، وأنَّها مخلوقة) قوله: (غساقًا)؛ أي: في قوله تعالى: {إلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 25]. قال الجَوهري: غسَقتْ عينُه: إذا أظلَمَت، وغسَق الجُرح، إذا سالَ منه ماءٌ أصفر، والغَسَّاق: الماء البارِد المُنتِن، يخفَّف ويشدَّد، ولهذا قرأ أبو عمرو بالتخفيف، والكِسائي بالتَّشديد. (غسلين)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلَا طَعَامٌ إلا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36]. (فهو)؛ أي: الخارِج. (والدَبَر) بمفتوحتين: الجِراحَة. (العاصف)؛ أي: الذي يثير الحصَا. (تورون)؛ أي: من قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة: 71]. (للمقوين)؛ أي: في قوله تعالى: {تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة: 73]. (والقِيّ) بكسر القاف، وتشديد الياء. (القفر) بقافٍ، ثم فاءٍ، أي: المَفازة التي لا نباتَ فيها. (لشوبًا)؛ أي: في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا} [الصافات: 67]، وهو الخَلْط.

(ويساط)؛ أي: يُخلَط، ومنه: المِسْوَاط. (زفير) قال الجَوْهري: الزَّفيْر أوَّل صَوت الحِمار، والشَّهيق آخِره؛ لأنَّ الزَّفير إدخال النَّفَس، والشَّهيق إخراجُه. (وردًا)؛ أي: من قوله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: 86]. (عطاشًا)؛ أي: الذين يَرِدُون الماءَ. (غيًّا)؛ أي: من قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]. (يسجرون)؛ أي: في قوله تعالى: {ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 72]. (ونحاس)؛ أي: في قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} [الرحمن: 35]. (ذوقوا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181]، وغرَضه أنَّ الذَّوق بمعنى المباشَرة لا بمعنى ذَوق الفَم، ففي اللُّغة ذُوقوا بمعنى: باشروا، أو جَربوا. (مارج)؛ أي: من قوله تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15]. (مريج)؛ أي: في قوله تعالى: {فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5]، وقال الجَوْهري: مَرَج الدَّابَّةَ، بفتح الراء، أي: أرسلَها، ومَرِجَ، بالكسر؛ اختلَطَ. واعلم أنَّ النَّسَفي لم يَروِ هذه اللُّغات، ولم يوجَد في نُسخته شيءٌ

من ذلك، وإنما هذا وأمثالُه مما سَمِعَه الفِرَبْري من البخاري عند سماعه الكتابَ، فألحقَه به، والأَولى بهذا "الجامع" تَرْكُه؛ لأنَّ موضوعَه ما كان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن أقوالِه، وأحوالِه. * * * 3258 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ مُهاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ زيدَ بْنَ وَهْبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: "أَبْرِدْ"، ثُمَّ قَالَ: "أَبْرِدْ": حَتَّى فَاءَ الْفَيْءُ، يَعْنِي: لِلتُّلُولِ، ثُمَّ قَالَ: "أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهنَّمَ". 3259 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهنَّمَ". 3260 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّها، فَقَالَتْ: رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأذِنَ لَها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ؛ فَأَشَدُّ مَا تَجدُونَ فِي الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجدُونَ مِنَ الزَّمهرِيرِ". 3261 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا

همَّامٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أجُالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَأَخَذتْنِي الْحُمَّى، فَقَالَ: أَبْرِدها عَنْكَ بِمَاءِ زمْزَمَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْح جَهنَّمَ، فَأَبْرِدُوها بِالْمَاءِ -أَوْ قَالَ:- بِمَاءِ زَمْزَمَ"، شَكَّ همَّامٌ. 3262 - حَدَّثَنِي عَمرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَني رَافِعُ بنُ خَدِيج، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهنَّمَ، فَأَبْرِدُوها عَنْكم بِالْمَاءِ". 3263 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهيْرٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْح جَهنَّمَ، فَأَبْرِدُوها بِالْمَاء". 3264 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنها -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْح جَهنَّمَ، فَأبْرِدُوها بِالْمَاءِ". الحديث الأول، إلى آخر السادس: سبق شرحها في (باب: الإبراد بالظُّهر). (أبرد) بضم الراء وكسرها. (الفيء) هو رفْع الظِّلِّ تحت التُّلول.

(فور)؛ أي: شِدَّة، وفارَ، أي: جاشَ. قال (خ): إنَّ تَفيُّء الأَفياء، وتكسُّر وَهْج الحرِّ، وسُمي ذلك بَرْدًا بالإضافة إلى حَرِّ الظَّهيرة، وفَيْح جهنَّم: سُطوع حرِّها فاحذَروا حرَّ الظَّهيرة وأذاها. * * * 3265 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُويسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ناَرُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ ناَرِ جَهنَّمَ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ كَانَتْ لَكَافِيةً، قَالَ: "فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَستِّينَ جُزْءًا، كلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّها". السابع: (إن كانت) إنْ مخفَّفةٌ من الثَّقيلة، أي: إنْ كانت كافيةً لتعذيب الجهنَّميِّين. (عليهن)؛ أي: على نِيران الدُّنيا، وفي بعضها: (علَيها). * * * 3266 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثنا سُفْيَانُ، عَنْ عمرٍو، سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ: أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا ياماَلكُ}.

الثامن: (يا مالك) هو خازِن النَّار. * * * 3267 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمتَهُ، قَالَ: إِنَكم لترَوْنَ أنِّي لاَ أكُلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُم، إِنِّي أكُلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أكُونُ أَوَّلَ مَنْ فتَحَهُ، وَلاَ أقولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعتُةُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيهِ، فَيَقُولُونَ: أَي فُلاَنُ! مَا شَأْنُكَ؟ أليْسَ كُنْتَ تأمُرُناَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنهى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهاكُم عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ". رَوَاهُ غُنْدرٌ، عَنْ شُعبةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. التاسع: (لو) جوابها محذوفٌ، أو هي للتمنِّي. (فُلان) هو عثمان - رضي الله عنه -.

11 - باب صفة إبليس وجنوده

(وكلمته)؛ أي: فيما وقَع من الفِتْنة بين الناس والسَّعي في إطفاءِ ثائرتها. (أتَرُون) بالضم، أي: أتظنُّون أني لا أُكلِّمه إلا بحضُوركم، وفي بعضها بلفْظ المصدَر، أي: إلا وَقْت سَمعكم، وأني لا أكُلِّمُه سِرًّا دُون أن أفتَح بابًا، أي: من أَبواب الفِتَن، أي: أكُلِّمُه طلَبًا للمُصالحة لا تهيِيجًا للفِتْنة. وغرَضُه أنَّه لا يُريد المُجاهرة بالإنْكار على الأُمراء، وفيه الأدَب معهم، وتبليغُهم ما يقُول الناسُ فيهم. (أن كان) بفتح (أَنْ)، أي: لأَنْ كان. (فتندلق) بمثنَّاةٍ، ونونٍ، ومهملةٍ، وقافٍ، أي: يخرج بسُرعةٍ. (أقتابه) بقافٍ، ومثنَّاةٍ: هي الأَمْعاء، يُقال: اندلَق السَّيف من غِمْده: إذا خرَج من غير أن يُسَلَّ. * * * 11 - بابُ صِفَة إِبْلِيسِ وَجُنُودِهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَيُقْذَفُونَ}: يُرْمَوْنَ. {دُحُورًا}: مَطْرُودِينَ. {وَاصِبٌ}: دائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَّدْحُورًا}: مَطْرُودًا، يُقَالُ: {مَّرِيدًا}:

مُتَمَرِّدًا. (بَتَّكَهُ): قَطَّعَهُ {وَاسْتَفْزِز}: استخِفَّ. {بِخيلِكَ}: الْفُرْسَانُ. وَ (الرَّجْلُ): الرَّجَّالَةُ، وَاحِدُها: رَاجِلٌ، مِثْلُ: صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. {لأحتنكنَّ} لأَسْتَأصِلَنَّ. {قَرينٌ}: شَيْطَانٌ. * * * (باب صِفَة إبليسَ وجُنوده) قوله: (ويقذفون)؛ أي: من قوله تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا} [الصافات: 8، 9]. (مطرودين) تفسير دُحُورًا، مِن جعْل المصدر بمعنى المَفعول جمعًا. (مدحورًا)،؛ أي: من قوله تعالى: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 39]. (مريدًا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَإِنْ يَدْعُونَ إلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 117]. (بتكه)؛ أي: في قوله تعالى: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} [النساء: 119]، أي: ليُقطِّعُنَّ. (واستفزز)؛ أي: في قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} الآية [الإسراء: 64]. (لأحتنكن)؛ أي: في قوله تعالى: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء: 62].

(قرين)؛ أي: في قوله تعالى: {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. * * * 3268 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ اللَّيْثُ: كتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ أنَّهُ سَمِعَهُ وَوعَاهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: "أَشَعَرْتِ أَنَّ الله أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أتانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، قَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بن الأَعْصَم، قَالَ: فِيمَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكرٍ، قَالَ: فَأيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذرْوَانَ"، فَخَرَجَ إِلَيها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: "نَخْلُها كَأَنَّها رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ"، فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟. فَقَالَ: "لاَ، أَمَّا أَناَ فَقَد شَفَانِي اللهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثيِرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شرًّا، ثُمَّ دُفِنَتِ الْبِئْرُ". الحديث الأول: (يفعل الشيء وما يفعله)؛ أي: في النِّساء فقط، أي: في إتْيانهنَّ، وكان قد أُخِذ عنهنَّ بالسِّحر، وهذا مما تضمَّنه قوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]، فلا ضَرَر فيما

لحقَه من السِّحر على نبُوَّته، ولا نقْصَ فيما أصابَه منه على شَريعته. قال (ن): لا استِنْكارَ في العقْل أنَّ الله تعالى يخرق العادةَ عند النُّطْق بكلامٍ ملفَّقٍ، أو تركيب أجسادٍ، أو المَزْج بين قِوًى على تَرتيب لا يَعرِفُه إلا السَّاحر. وفيه استِحباب الدُّعاء عند حُصول المكروهات، وكمالُ عَفْو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وترك مصلَحةٍ لخَوف مفسدةٍ أعظَم منها. وقال (ع): إنما سُلِّط السِّحر على جسَد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وظَواهرِ جوارحه لا على عقْله واعتقاده، وكان يظهَر له من نشَاطه ومتقدِّم عادته القُدرة عليهنَّ، فإذا دَنا منهنَّ أخذَتْه أخْذة السِّحر، فلم يتمكَّن من ذلك. (أفتاني) وفي بعضها: (أنبأَني)، أي: أخبَرَني. (مطبوب)؛ أي: مَسحُورٌ. (لَبِيد) بفتح اللام، وكسر الموحَّدة. (ابن الأعصم) بمهملتَين: اليَهودي. (مُشْط) بضم الميم، وسُكون المعجمة، وضمِّها، وبكسرها مع إسكان الشِّين. (مُشَاقة) بضم الميم، وخفَّة المعجمة، والقاف: ما يُغْزَل من الكَتَّان، وفي بعضها: (مُشَاطَة): ما يخرُج من الشَّعر بالمُشْط. (جُفّ) بضم الجيم، وشدَّة الفاء: وعاءُ طَلْع النَّخْل، أي: غِشاؤُه الذي عليه، ويطلَق على الذَّكَر والأُنثى، ولهذا قيَّده بقوله: (ذكَر).

قال (ش): وطَلَعةٌ -بالتَّنوين- صفةٌ لذكَر، وهو الذي يُدعَى بالكُفُرَّى. (ذَرْوَان) بفتْح المعجمة، وسُكون الراء، وفي بعضها: (ذِي أَروان)، وكلاهما صحيحٌ مشهورٌ، والأول أصحُّ، وهي بئرٌ بالمدينة في بُستان لبني زُرَيق، بضم الزَّاي، وفتح الراء، وبقافٍ. (رؤس الشياطين) قال (ح): فيه قولان: أحدهما: أنها مُستَدِقَّةٌ كرؤُوس الحيَّات، والحيَّة يقال لها: الشَّيطان. والثاني: فاحشةُ المنظَر سَمِجَة الأشكال، فهو مثَلٌ في استِقباح صُورتها، وسُوء مَنْظَرها. ففي الحديث إثْبات السِّحر خلافًا لمن أنكَره مُعتلًا بأنَّه لو جاز لم يُؤمَن أن يؤثِّر فيما يوحى إلى الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من أَمْر الدِّين؛ وأُجيب: بأن تأثيره إنما هو في الأجسام، لأنَّهم بشَرٌ، فهم كغيرهم إلا فيما خصَّهم الله به من العِصْمة في أَمْر الدِّين. وليس تأْثير ذلك فيهم بأكثَر من القتْل، وقد قُتل يحيى بن زكرِيَّا، ولا السُّمِّ، وقد سُمَّ - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، والسِّحر ثابتٌ، فهو ابتلاءٌ من الله تعالى، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا مَعشَر الأنبياءِ يُضاعَفُ لنا الثَّوابُ"، وقد قال تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ} الآية [البقرة: 102]، وقال: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4]، واتفَق على وُجوده العرَب،

والفُرس، والهنْد، والرُّوم، ولهذا فرَّع الفُقهاء على السِّحْر أحكامًا كثيرة. (دُفنت) مبنيٌّ للمَفعول. وفيه أنَّ آثار الفِعل الحَرام تُزال، وأنَّ ما اشتُهر بين العامة من عقْد الرِّجال عن المُباشَرة صحيحٌ حقٌّ. * * * 3269 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يعقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُم إِذَا هُوَ ناَمَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيل فَارْقُدْ، فَإنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ الله انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَة، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كلُّها، فَأصْبَحَ نشَيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ". الثاني: (قافية)؛ أي: مُؤخَّر العنُق. (مكانها)؛ أي: في مكانها، أي: يضرِب كلَّ عُقدةٍ في مكان القافيَة قائلًا: قَد بَقِيَ (عليك ليل طويل فارقد)، سبَق في (التهجُّد)، في (باب: عقْد الشَّيطان). * * *

3270 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ ناَمَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: "ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنيهِ، أَوْ قَالَ: فِي أُذُنِهِ". الثالث: (بال) يحتمِل حملَه على الحقيقة، وعلى المَجاز. * * * 3271 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَمَا إِنَّ أَحَدكم إِذَا أتى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْم اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَرُزِقَا وَلَدًا، لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ". الرابع: (لم يَضُره) بضم الرَّاء المشدَّدة وفتحها. سبَق في (باب: التَّسمية). * * * 3272 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وإذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمسِ فَدَعُوا

الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ". 3273 - "وَلاَ تَحَيَّنُوا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمسِ وَلاَ غُرُوبَها؛ فَإِنَّها تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْني شَيْطَانٍ، أَوِ الشَّيْطَانِ"، لاَ أَدرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ. الخامس: (حاجب) قيل: طرَفُ قُرْص الشَّمس الذي يَبدُو عند الطُّلوع، ولا يَغيب عند الغُروب، وقيل: النَّيازك التي تَبدو إذا حان طُلوعها، وقال الجَوهري: حواجِب الشَّمس: نَواحيها. وسبَق في (مَواقيت الصلاة). (تَحَينُوا) التحيُّن: تفعُّلٌ من الحِيْن، وهو طلَب وقْتٍ معلومٍ. (قرني الشيطان) جانبا رأْسه، يُقال: إنَّ الشَّيطان ينتصِب في مُحاذاة مَطلِع الشمس، فإذا طلعتْ كانت بين قَرنيَه، أي: جانبَي رأْسه، فتقَع السَّجدة له إذا سجَد عَبَدَةُ الشَّمس للشَّمس. * * * 3274 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَمنَعهُ، فإِنْ أَبَى فَلْيَمْنعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ".

السادس: (فليقاتله)؛ أي: حتى لَو هلَك المارُّ بذلك لم يجِبْ القِصاص. سبَق في (باب: يردُّ المصلي مَن مرَّ بين يديه). * * * 3275 - وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهيْثَم: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زكاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَكَ، وَهْوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ". السابع: (وكلني) بالتشديد والتخفيف. سبق في (الوكالة). * * * 3276 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

"يَأتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُم فَيقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ، وَلْينْتَهِ". الثامن: (فليستعذ)؛ أي: فليَستعِذ بالله بالإعراض عن الشُّبُهات الواهيَة الشَّيْطانية. (ولينته)؛ أي: بإثْبات البَراهين القاطِعة الحقَّانيَّة على أنْ لا خالقَ له تعالى بإبْطال التَّسلسُل ونحوه. وقال الطِّيْبِي: أي: لِيَتْرُك التَّورُّط في هذا الخاطِر، وليَستَعِذْ بالله في وَسْوَسة الشَّيطان، كان لم يَزُل التفكُّر بالاستعاذة فليقُم، وليَستعذ بأمرٍ آخر. وإنما أمره بذلك ولم يأمر بالتأمُّل والحِجاج والاحتِجاج؛ لأنَّ العِلْم باستغنائه تعالى عن المُوجِد أمرٌ ضروريٌّ لا يقبل المناظَرة له. وعليه قال (خ): لو أذِن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في محاجَّته لكان الجواب سهلًا على كل مُوحِّدٍ، ولكان الجواب مأْخوذًا من فَخوى كلامهم، فإنَّ أول الكلام يُناقِض آخره؛ لأن جميع المَخلوقات داخلةٌ تحت اسم الخَلْق، ولو جاز أن يُقال: مَن خلَق الخالقَ لأَدَّى إلى ما لا يتناهى، ولأنَّ السبَب في مثله إحساسُ المرء في عالم الحِسِّ، وما دام هو كذلك لا يَزيدُ فكرهُ إلا زَيْغًا عن الحقِّ، ومن كان هذا حالَه فلا عِلاجَ

له إلا اللَّجأ إلى الله تعالى، والاعتِصام بحَوله وقوَّته. * * * 3277 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أَنسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فتَحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". التاسع: سبَق أول (الصوم). * * * 3278 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمرٌو، قَالَ: أَخْبَرني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعبٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ: {ءَاتنا غَدَاءَنَا} {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}، وَلَم يَجد مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ". العاشر: (أمره الله) في بعضها: (أَمَرَ الله) بلا هاءٍ، والغرَض من ذكْره

-وهو معلومٌ من القرآن- الجُملةُ الأخيرة، وفي بعضها بعدَ لفظ ابن عبَّاس: (إنَّ نَوفًا زعَم أنَّ مُوسَى بني إسرائِيْل ليسَ صاحِبَ الخَضِر، فقال: كَذَب، حدثنا أُبيٌّ). * * * 3279 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ، فَقَالَ: "ها إِنَّ الْفِتْنَةَ ها هُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ ها هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". الحادي عشر: (ها) حرْفٌ، والغرَض أنَّ مَنْشأَ الفِتَن هو من جِهة المَشرِق، وقد كان كما أخبَر - صلى الله عليه وسلم -. * * * 3280 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ جَعفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَطَاءٌ، عَنْ جَابِر - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا اسْتَجْنَحَ -أَوْ كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ- فَكُفُّوا صِبْيَانكُم؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تنتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهبَ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَحُلُّوهُم، وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَأَطْفِئْ مِصبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرْ إِناَءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَلَوْ

تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا". الثاني عشر: (أو قال: جنح) بضم الجيم وكسرها لُغتان، وهو ظَلامه، يُقال: جَنَح، واستَجْنَح: أقبَلَ ظَلامُه، وأصْل الجُنوح: المَيْل، هذه رواية الكافَّة، وعند النَّسَفي، وأبي الهيْثَم، والحَمُّوي: (أو كانَ جُنْحُ). (فكفوا)؛ أي: امنَعُوهم من الخُروج ذلك الوقْت لخَوف إيذاء الشَّياطين؛ لكثْرتهم وانتِشارهم. (فَحُلوهم) بحاءٍ مهملةٍ مضمومةٍ، وبخاءٍ معجمةٍ مفتوحةٍ. (وأغلق) الخِطَاب لكلِّ واحدٍ، فناسَب: (كُفُّوا) بالجمع، أو المراد هناك كما هنا؛ إذ هو مُقابَلة جمعٍ بجمعٍ، أي: كُفَّ أنتَ صبيَّك. (وخمر) من التَّخمير، وهو التغطية. (تعرض) بضم الراء وكسرها، أي: وإنْ لم تُغطِّ الكلَّ فلا أقلَّ [من] أنْ تضَع عليه عُودًا بالعرْض، وتمدَّه عليه. وفائدة التَّغطية صِيانتُه من الشَّيطان، ومن النَّجاسات، ومن الحشرات، ومن الوباء الذي ينزل من السَّماء في بعض ليالي السنَة، وغيرِ ذلك. وفي الحديث الحثُّ على ذِكْر الله، وأنَّه تعالى جعَل هذه الأشياءَ سببًا للسَّلامة. * * *

3281 - حَدَّثَنِي مَحمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بْنَةِ حُيَيٍّ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعْتكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ، فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دارِ أسُامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّها صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ"، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أو قَالَ: شَيْئًا". الثالث عشر: (رِسْلكما) بكسر الراء وفتْحها: أي: هِيْنَتكُما؛ فما هنا شيءٌ تكرهانِه. (يجري) قيل: هو على ظاهره، وأنَّ الله تعالى جعَل له قوَّةً وقُدرةً على الجَرْي في باطن الإنسان مجرى الدَّمِ، وقيل: استِعارةٌ لكثْرة وَسوستِه، فكأنَّه لا يُفارقه كما لا يُفارقُه دمُه. وقيل: يُلقي وَسْوستَه في مَسامَّ لطيفةٍ من البدَن، فتصِل إلى القَلْب. وفيه التحرُّز عن سُوء الظنِّ بالناس، وكمالُ شفَقته على أُمته؛ لأنه خافَ أن يُلقي الشَّيطان في قلوبهما شيئًا فيَهلكان؛ فإنَّ ظنَّ السُّوء

بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كفرٌ. وسبق الحديث. * * * 3282 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمزَةَ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صرَدٍ قَالَ: كانْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احمَرَّ وَجْهُهُ وَانتفَخَتْ أَوْداجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَها ذَهبَ عَنْهُ ما يَجدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهبَ عَنْهُ ما يَجدُ"، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَعوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ"، فَقَالَ: وَهلْ بِي جُنُونٌ؟ الرابع عشر: (هل بي جنون) هذا كلامُ مَن لم يَفْقَه في دين الله، ولم يتهذَّب بأنْوار الشريعة الكريمة، وتوهَّم أنَّ الاستعاذة مختصَّةٌ بالمَجانين، ولم يعلَم أنَّ الغضَب من نَزَغات الشَّيطان، ويحتمل أنه كان من المنافقين، أو من جُفاة العرَب. وفيه أنَّه ينبغي لصاحب الغضَب أن يَستعيذَ بالكلمة المشهورة، وأنَّه سبَبٌ لزواله. * * *

3283 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ أَحَدكم إِذَا أتى أَهْلَهُ قَالَ: جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلدٌ لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ، وَلَم يُسَلَّطْ عَلَيْهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِثْلَهُ. الخامس عشر: (لم يضره)؛ أي: لم يُسلَّط عليه بالكُليَّة حتى لا يكونَ له عملٌ صالحٌ، وإلا فلا مَعصومَ من وَسوَسة الشَّيطان إلا الأنبياء. (قال: وحدثنا الأعمش) قائلُ ذلك هو شُعبة. * * * 3284 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ صَلَّى صَلاَةً فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي، فَشَدَّ عَلَيَّ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ عَلَيَّ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ"، فَذَكَرَ. السادس عشر: (فشد عليَّ)؛ أي: حَمَلَ عليَّ. (فذكره)؛ أي: الحديثَ بتمامه، وهو: (فأَردْتُ أنْ أَربطَهُ إلى سَاريَةٍ).

وسبَق في (باب: رَبْط الأسير في المسجد). * * * 3285 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يحيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِها أَدبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الإنْسَانِ وَقَلْبِهِ، فَيقولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى لاَ يَدرِي أثَلاَثًا صَلَّى أم أَرْبَعًا، فَإِذَا لَم يَدْرِ ثَلاَثًا صلَّى أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ". السابع عشر: (قضى)؛ أي: فَرَغَ. (ثوب)؛ أي: أُقِيم الصلاة. (يخطر) بضم الطَّاء وكسرها. وسبق الحديث أوَّلَ (الأذان). * * * 3286 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعَرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ بني آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بإصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، ذَهبَ

يَطْعُنُ، فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ". الثامن عشر: (فطعن) يُقال: طعَن بالرُّمح، وبأُصبَعه، يَطعُن، بالضم، وطعَن في العِرْض والنَّسَب، يَطعَن بالفتْح على المشهور، وقيل: باللغتين فيهما. (في الحجاب)؛ أي: في الجِلْدة التي فيها الجَنِين، أو الثَّوب الملفُوف على الطفْل. * * * 3287 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمتُ الشَّأمَ قَالُوا أبو الدَّرْداءِ قَالَ: أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثنا شُعبةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، وَقَالَ: الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ نبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ يَعنِي: عَمَّارًا. التاسع عشر: (أفيكم)؛ أي: في العِراق. (أجاره)؛ أي: حمَاهُ ومنَعهُ، وهو عمَّار بن ياسِر مِن السَّابقين في الإسلام، المُنزَّل فيه: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَرحَبًا بالطَّيِّب المُطيَّب". * * *

3288 - قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَلاَئِكَةُ تتحَدَّثُ فِي الْعَنَانِ -وَالْعَنَانُ الْغَمَامُ- بِالأَمرِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ، فتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ، فتَقُرُّها فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ، كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعها مِائَةَ كَذِبةٍ". العشرون: (العَنان) بفتح المهملة، وخفة النون الأُولى. (والعَنان: الغمام) هو مُدرَجٌ في الحديث، وعبارة الجَوْهري: العَنان: السَّحاب. (فَيقُرُّهَا) بضم القاف، وشدَّة الراء، وفي بعضِها مِن الإقرار. قال (خ): يُقال: قرَّرت الكلامَ في أذُن الأصمِّ، إذا وضعتَ فمَك على صِماخه فتُلقيه فيه. (كما تُقَر القارورة) بضم التاء، وفتح القاف، أي: تَطْبيق رأْس القارُورة برأْس الوِعاء الذي يُفرَغ منه فيها. وقال أهل اللُّغة: التَّقرير يَرِد: بذْل الكلام في أذُن المخاطَب حتى يَفهمَهُ، والقُرُّ أيضًا الصَّوت. وقال القابِسيُّ: معناه يكون لمَا يُلقيه إلى الكاهِن حِسٌّ كحِسِّ القارُورة عند تحريكها مع اليَدِ، أو على الصَّفا. * * *

3289 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدكم فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدكم إِذَا قَالَ: ها ضَحِكَ الشَّيْطَانُ". الحادي والعشرون: (تثاءب) بالمدِّ، والتخفيف، وفي بعضها: (تَثاوَبَ) بالواو، وهو نَفَسٌ يَنفتِح منه الفَمُ، يَدفَع البُخارات المُحتقِنة في عضَلات الفَكِّ، ويَنشأُ من امتِلاء المعِدة، وثِقَل البدَن، فيُورث الكسَل، وسُوء الفَهْم، والغَفْلة. (فليرده)؛ أي: يكظِمُه، ويضَع يدَه على الفَمِ؛ لئلا يَبلُغ الشَّيطانُ مُرادَه من تَشويه صُورته، ودُخوله فمَه، وضَحِكه منه. (ها) حكايةُ صَوتِ المتثائِب. وفيه ذَمُّ الاستِكثار من الأكل، وقال (خ): معناه التَّحذير من السبَب الذي يتولَّد منه التثاؤُب، وهو التوسُّع في المَطاعِم، وإنما أضافَه للشَّيطان؛ لأنه الذي يدعُو الإنسانَ إلى إعطاء النَّفْس شَهوتَها من الطَّعام، ويُزيِّن له ذلك، وإذا قال: بها، أي: بالَغَ في التَّثاؤُب. (ضحك الشيطان) فَرَحًا بذلك، وقيل: لم يَتثاءَب نبيٌّ قطُّ. * * *

3290 - حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ بْنُ يَحيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكونَ، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاَهمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُم، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أَبِي أَبِي، فَوَاللهِ مَا احتَجَزُوا حَتَّى قتلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللهُ لَكمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ. الثاني والعشرون: (أخراكم)؛ أي: الطَّائفة المتأَخِّرة، أي: عبادَ الله! احذَرُوا المتأَخِّرين وراءكم، أو اقتلُوهم. والخِطاب للمُسلمين، وأراد إبليسُ -لعنَةُ الله عليه- بذلك تَغليطَهم ليُقاتل بعضُ المسلمين بعضًا، فرجَعت الطائفةُ المتقدِّمة قاصدِين قِتَال الأُخرى ظانِّين أنهم من المشركين. (فاجتلدت)؛ أي: تضارَبَ الطَّائفتان. ويحتمِل أنَّ الخِطاب للكافِرين، أي: فاقتلُوا أُخراكُم، فتراجعتْ أُولاهم، فتجالَد أُولى الكفَّار، وأُخرى المسلمين. (اليمان) بتخفيف الميم، والنون، بلا ياءٍ بعدها، وهو لقَبٌ، واسمه: حُسَيْل، مُصغَّر الحسْل، بمهملتين ابن جابِر العَبْسي، بموحَّدةٍ بين مهملتين، أسلَم مع حُذَيفة، وهاجر إلى المدينة، وشَهِد أُحدًا،

وأصابَه المُسلمون في المعركة فقتَلُوه يظنُّونه من المشركين، وحُذَيفة يَصيحُ ويقول: هو أَبي لا تَقتُلوه، فلم يَسمعُوه. (احتجزوا)؛ أي: امتَنعوا منه، وتصدَّق حُذَيفة بدِيَتِه على مَن قتلَه، وهو عُقْبة بن مَسعود، فعَفا عنه. (بقية خير)؛ أي: بَقيَّة دُعاءٍ واستغفارٍ لقاتِل أبيه حتى ماتَ. وقال التَّيْمي: ما زال في حُذَيفة حُزْن على أبيه مِن قتْل المسلمين إِيَّاه. * * * 3291 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أبو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها: سَألْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: "هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ". الثالث والعشرون: سبَق في (باب: الالتفات في الصلاة). * * * 3292 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادة، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحيَى بْنُ أَبِي كثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُم حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِه، وَلْيِتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّها، فَإِنَّها لاَ تضُرُّه". الرابع والعشرون: (الصالحة) إما صفةٌ مُوضِحةٌ؛ لأنَّ غير الصَّالحة تُسمَّى حُلُمًا، أو مخصصةٌ، والصَّلاح إما باعتبار صُورتها، أو تعبيرها، ويُقال لها أيضًا: الصَّادقة، والحسَنة، وأما الحُلُم فضِدُّها، وهي الكاذبة، أو السيِّئة. (حلم) بفتح اللام، أي: رأَى في المَنام ما يكرهُه. قال (خ) (¬1): يُريد أنَّ الصَّالحة بشارةٌ من الله تعالى يُبشِّر بها عبدَه؛ ليُحسِن بها ظنَّه، ويُكثر عليها شُكره، والكاذِبة هي التي يُريها الشَّيطان الإنسانَ، فيَحزُنه، فيَسوء ظنُّه بربِّه، ويقلَّ حظُّه من شُكره، ولذلك أمَره أن يبصُق ويتعوَّذ من شرِّه كأنَّه يقصِد به طَرْد الشيطان. * * * 3293 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالكٌ، عَنْ سُمَيٍّ ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل.

مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحدٌ عَمِلَ أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ". الخامس والعشرون: (عدل) بفتح العين، أي: مِثْل ثَواب إِعتاق عشْر رِقابٍ. (حِرْزًا)، بكسر المهملة: الموضع الحَصِين، ويُسمَّى التعويذ حِرْزًا. * * * 3294 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زيدٍ: أَن مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: اسْتَأذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمنَهُ وَيَستكثِرنه، عَالِيَةً أَصوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "عَجبْتُ مِنْ هؤُلاَءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ"، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهبْنَ، ثُمَّ قَالَ:

أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ! أتهبْنَنِي وَلاَ تَهبْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قُلْنَ: نعم، أَنْتَ أفظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ". السادس والعشرون: (ابن زيد)؛ أي: ابن الخَطَّاب أخي عُمر. (أضحك الله سنك)؛ أي: أَدام سُرورك، فالمراد لازِم الضَّحك، وإلا فقد قال تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا} [التوبة: 82]، إلا أنْ يُقال: ليس هو - صلى الله عليه وسلم - داخِلًا في هذا. (ابتدرن)؛ أي: استَبقْنَ. (تهبن) بفتح الهاء: من الهيْبة. (أفظ وأغلظ) إما أنَّ المراد أَصْلُ المعنى، أي: فَظٌّ غليظٌ، حتى لا تقَع مُشاركةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، أو ذلك صِفةٌ مشبَّهة؛ لقَصْد الثُّبوت، فلا تَفضيلَ فيه، أو أن إقامتَه - صلى الله عليه وسلم - الحُدود ونحو ذلك يتضمَّن الفَظاظة والغِلَظ فيه لا مطلقًا؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2]. (فجًّا)؛ أي: طريقًا واسعًا، لا يُعارَض هذا بما قال أيُّوب -عليه السلام- وهو نبيٌّ: {مَسَّنِيَ الشَّيطاَنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]؛ لأن التركيب في قصَّة عُمر لا يدلُّ إلا على الزَّمَن الماضي، وذلك أيضًا مخصوصٌ بحالة الإسلام، ومقيَّدٌ أيضًا بحالِ سُلوك الطَّريق، فجاز أن

12 - باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم

يَلْقاه في غير تلك الحالَة. * * * 3295 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حمزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبراهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اسْتَيْقَظَ -أُرَاهُ- أَحَدكم مِنْ مَنَامِهِ، فتوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا، فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ". (الخيشوم) أقصَى الأنف، والاستِنْثار: إخراج الماء مِن الأنْف بعد الاستِنشاق مع ما في الأنْف مِن غُبار ونحوه. مرَّ في (باب: الاستنثار في الوضوء). * * * 12 - بابُ ذِكرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِم وَعِقَابِهِم لقوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} إلَى قَوْلهِ تَعَالَى {عَمَّا يَعْمَلُونَ}. {بَخْسًا}: نقصًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}: قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، وَأُمَّهاتُهمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجنِّ، قَالَ الله {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}: سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} عِنْدَ الْحِسَابِ.

3296 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدرِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ لَهُ: "إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيتكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (باب ذِكْر الجنِّ وثَوابِهم وعِقابِهم) ذكَر هذا لمَا فيه مِن الخِلاف؛ فالصَّحيح أن مُطيعَهم يُثاب كما يُعاقَب عاصيهم. وجرى في ذلك مناظرةٌ بين أبي حنيفة ومالكٍ - رضي الله عنهما - في المَسجِد الحرام، فقال أبو حنيفة: ثوابُهم السَّلامة من العَذاب تمسُّكًا بقوله تعالى: {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 31]، وقال مالكٌ: ثوابُهم الكَرامة بالجنَّة، وحُكْم الثَّقَلين واحدٌ، قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، وقال: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56]. واستدلَّ له البخاري بقوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} الآية [الأنعام: 130]، ووجْه الدَّلالة: أَما على العِقاب فقوله تعالى: {وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الأنعام: 130]، وأما على الثَّواب فقوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132].

13 - وقول الله جل وعز: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} إلى قوله: {أولئك في ضلال مبين}

(بخسًا)؛ أي: في قوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} [الجن: 13]. (سَروات) بفتح السِّين، أي: سَادات. (جند محضرون) هذا في آخِر (يس)، ولا تعلُّق له بالجِنِّ، ولكنْ ذُكر لمناسبةِ الإحضار للحِساب. ويحتمل أنْ يُقال: لفظ (آلهةً) في الآية مُتناوِلٌ للجِنِّ؛ لأنهم أيضًا اتخذُوهم مَعابيد. الحديث سبَق أوَّل (الأذان). * * * 13 - وقولُ الله جَلَّ وعزَّ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} إِلَى قوِلِه: {أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} {مَصرِفًا}: مَعدِلًا، {صرفنا}؛ أي: وَجَهْنَا (باب قوله - عز وجل -: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف:29]) (مصرفًا)؛ أي: من قوله تعالى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53]، مِن صرَف بمعنى: عَدَلَ. (صرفنا) في الآية الأُولى بمعنى: وجَّهنا. * * *

14 - باب قول الله تعالى: {وبث فيها من كل دابة}

14 - بابٌ قولِ الله تعالَى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الثُّعْبَانُ: الْحَيَّةُ الذَّكَرُ مِنها، يُقَالُ: الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ. {آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}: فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ. يُقَالُ {صَافَّاتٍ}: بُسُطٌ أَجْنِحَتَهُنَّ. {وَيَقْبِضْنَ}: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ. (باب قوله تعالى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164]) قوله: (الثعبان)؛ أي: الذي في قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ ثعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف: 107]. (منها)؛ أي: من الحَيَّات، وقال الجَوْهري: ضَرْبٌ من الحيَّات طِوال. (الجان) هو الحيَّة البَيضاء. (والأفاعي) جمع أَفْعاة، والأُفْعُوان، بضم الهمزة، والعين: ذكَر الأَفاعي. (والأساود) جمع: أَسْوَد هو العَظيم من الحيَّات، وفيه سَوادٌ. (أخذ بناصيتها)؛ أي: في قوله تعالى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56]. (صافات)؛ أي: في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ} الآية [الملك: 19].

(بُسُط)؛ أي: باسِطاتٍ أجنحتهنَّ ضارِباتٍ بها. * * * 3297 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: "اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيتَيْنِ وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ". 3298 - قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَبَيْنَا أَناَ أُطَارِدُ حَيَّةً لأَقْتُلها، فَنَادانِي أَبُو لُبَابَةَ: لاَ تَقْتُلْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قد أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ، قَالَ: إِنَّهُ نهى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ، وَهْيَ الْعَوَامِرُ. (الطفيتين) مثنَّى الطُّفْيَة، بضم المهملة، وسُكون الفاء، وبياءٍ: حيَّةٌ في ظَهرها خَطَّان كالخُوصَتين، والطُّفْيَة: خُوصَة المقل، وجمعها: طُفًى. (والأبتر) الحيَّة القَصيرة الذَّنَب، وهما مِن شِرار الحيَّات إذا لحظَتْه الحامِل أسقَطت الحَمْل غالبًا، وإذا وقع نظَرُها على نظَر الإنسان يطمِسُه، أي: يُعميه، جُعل ما يُفعَل بالخاصيَّة كأنَّه يُفعل بالقَصد. وقال النَّضْر بن شُمِيل: الأبْتَر صِنْفٌ من الحيَّات أَزْرق مَقطوعُ الذَّنَب لا تَنظُر إليه حامِل إلا ألقَت ما في بطْنها. قال بعضهم: وفي الحيَّات نوعٌ يُسمَّى الناظِر إذا وقَع بصرُه على

عين الإنسان ماتَ من ساعته، وقال بعضهم: معنى الطَّمْس قصْدُها النظَر باللَّسْع والنَّهْش. (أطارد)؛ أي: أطلبُها، وأتبعُها لأقتُلها. (ذوات البيوت)؛ أي: السَّاكنات فيها، ويُقال لها: الجِنان، وهي حَيَّاتٌ طِوالٌ بيضٌ قلَّ ما تضرُّ، ويُقال لها: العَوامِر، سُميت بها لطُول عمُرها. قال الجَوْهري: عُمَّار البُيوت سُكَّانها من الجِنِّ. وفي "مسلم": "إنَّ في المَدينة جِنًّا قد أَسلَمُوا، فإذا رأَيتُم منهم شَيئًا، فآذِنُوه ثلاثةَ أيَّامٍ، فإنْ بَدَا لكُم بعدَ ذلك فاقتُلوهُ، فإنما هو شَيطانٌ". فقال بعضهم: الإنْذار مختَصٌّ بحيَّات المَدينة، وقيل بعُمومه في حَيَّات جميع البلاد، وهو بالاتفاق مخصوصٌ بالأَبْتَر، وذي الطُّفْيَتَين؛ فإنَّه يُقتَل على كل حالٍ بالمدينة وغيرها، في البُيوت والصَّحارى. * * * 3299 - وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: فَرآنِي أَبُو لُبَابَةَ، أَوْ زيدُ ابْنُ الْخَطَّابِ. وَتَابَعَهُ يُونس، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ، وَالزُّبَيْدِيُّ. وَقَالَ صَالحٌ، وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَابْنُ مُجَمِّعٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: رَآنِي أَبُو لُبَابَةَ وَزيدُ بْنُ الْخَطَّابِ.

15 - باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال

(وقال عبد الرزاق) وصلَه مسلم. (وتابعه يونس) وصلَه مسلم أيضًا. (وابن عُيَيْنة) وصلَه أحمد، والحُمَيدي في "مسنديهما". (وإسحاق الكلبي، والزُّهْرِي) هما في "الزُّهريات" للذُّهلِي، والزَّبِيْدي، وصلَه مسلم. (وابن مجمع) رواه العَوْفي في "معجم الصحابة". والحاصل أن أربعةً تابَعوا عبد الرَّزَّاق، عن مَعمَر، عن الزُّهْري في الرِّواية بالشكِّ بين أبي لُبَابَة وزيد، وثلاثة روَوا عن الزُّهْري بواو الجمع، فالأُولى جَزمَ فيها بأبي لُبَابَة، والثَّانية شكَّ بينهما، والثالثة جمع بينهما. * * * 15 - بابٌ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنمٌ يَتْبَعُ بِها شَعَفَ الْجِبَالِ (باب خَيْرِ مالِ المُسلِم) رُوي بنصب (خير)، ورفْع (غنَم)، وبرفعهما، وبرفْع (خير)، ونصْب (غنَم). 3300 - حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ أَبِي صعصَعَةَ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِها شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينهِ مِنَ الْفِتَنِ". الحديث الأول: (شَعَف) بمعجمةٍ، ومهملةٍ مفتوحتين. (ومواقع القطر)؛ أي: الأَودِيَة والصَّحارى. سبق الحديث في (كتاب الإيمان). * * * 3301 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإبِلِ وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَم". الثاني: (نحو المشرق)؛ أي: أكثَر الكفَرة مِن المَشرِق، وأعظَم أسباب الكُفر، ومنشَؤُه هناك، ومنه يخرج الدجَّال. (والخُيلاء)؛ أي: الكِبْر. (والفدادين) من بلَغ إبِلُه مائتين فأكثَر إلى الألْف.

قال (خ) (¬1): يُفسَّر على وَجْهين: أنْ يكون جمْعًا للفَدَّاد، وهو الشديد الصوت، مِن الفَدِيْد، وذلك من دَأْب أصحاب الإبِل، وهذا إذا رَويتَهُ بتشديد الدال، من فَدَّ يفَدُّ، إذا رفَع صوتَه. وثانيهما: جمع الفَدَّان، وهو آلة الحَرْث، وذلك إذا رَويتَهُ بالتَّخفيف، يريد أهل الحَرْث، وقال الجَوْهري: في الحديث: "الجَفَاءُ والفِسْق في الفَدَّادِين" بالتشديد، وهم الذين تَعْلُو أصواتهم في حُروثهم ومَواشيهم، وأما الفَدَادِين -بالتخفيف- فهي البقَر التي تحرُث، واحدُها فدَّان بالتشديد، وإنما ذَمَّ ذلك وكَرِهه؛ لأنَّه يشغَل عن أمر الدِّين، ويُلهِي عن أَمْر الآخِرة، وتكون معها قَسْوة القلْب، ونحوها. (أهل الوبر) بَيانٌ للفَدَّادين، والمراد منه ضِدُّ أهل المَدَر، فهو كِنايةٌ عن سُكَّان الصَّحارى، فإنْ أُريد منه الوجْه من الوَجهَين؛ فهو تعميمٌ بعد تخصيص. * * * 3302 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمرٍو أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أَشَارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: "الإيمَانُ يَمَانٍ ها هُنَا، أَلاَ إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل.

فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". الثالث: (يمان)؛ أي: لأنَّ مَبْدأ الإيمان مِن مكَّة، وهي يمانيَةٌ، وقيل: قال ذلكَ وهو بأرضِ تَبُوك، وكانت المدينة، ومكَّة، والحِجاز مِن جِهة اليمَن، وأصله: يمانيٌّ، فحذفوا ياء النَّسَب. والأحسَن أنَّ الغرَض وَصْف أهل اليمَن بكمال الإيمان؛ لأنَّ مَن قَوِيَ قيامه بشيءٍ نُسب ذلك الشيءُ إليه. (عند أصول أذناب الإبل) قيل: المراد يبعُدون عن الأمصار، فيَجهلُون مَعالِم دينهم. (حيث يطلع قرنا الشيطان) يُعبَّر به عن المَشرِق؛ لأنَّ الشَّيطان ينتصِب في مُحاذاة مَطْلَع الشَّمس؛ فإذا طلَعتْ كانت بين قَرنَي رأْسه، أي: جانبَيه، فتقَع السَّجدة له حين يسجُد عبَدة الشَّمس لها، وذلك هو مَسكَن القَبيلتين: رَبِيْعةَ ومُضَر. ويحتمل أن يكون قوله: (في ربيعة ومضر) بدَلًا من الفَدَّادين. * * * 3303 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَمِعتمْ صِيَاحَ

الدِّيَكَةِ فَاسْألوا الله مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّها رَأَتْ مَلَكًا، وَإذَا سَمِعْتمْ نهِيقَ الْحِمَارِ فتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا". الرابع: (الدِّيَكة) بفتح الياء: جمع دِيْك، كقِرْد وقِرَدة، قيل: سبَبه رَجاءُ تأمين الملائكةِ على الدُّعاء، واستِغفارهم، وشَهادتهم بالتَّضرُّع والإخلاص. وفيه استِحباب الدُّعاء عند حُضور الصَّالحين. * * * 3304 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَطَاءٌ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أَوْ أَمْسَيْتُم- فَكُفُّوا صِبْيَانكُم، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُم، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا". قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَمرُو بْنُ دِينَارٍ، سَمعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: نَحوَ مَا أَخْبَرَني عَطَاءٌ، وَلَم يَذْكُرْ: "وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ". الخامس: (إسحاق)؛ أي: ابن مَنْصُور.

(جنح) بكسر الجيم وبضمها. وسبق الحديث قريبًا. (وأخبرني)؛ أي: قال ابن جُرَيج: وأخبَرني عَمرو أيضًا. * * * 3305 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُدرَى مَا فَعَلَتْ، وإنِّي لاَ أُرَاها إِلَّا الْفَارَ، إِذَا وُضعَ لَها ألبَانُ الإبِلِ لم تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَها ألبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ"، فَحَدَّثْتُ كَعْبًا، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نعم، قَالَ لِي مِرَارًا، فَقُلْتُ: أفأقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ السادس: (أُمَّة)؛ أي: طائفةٌ منهم، لا يُدرى ما وقَع لهم. (أُراها) بضم الهمزة، أي: أظنُّها أنْ مسَخَهم الله الفِئران. والدَّليل عليه أنَّ بني إسرائيل لم يكُونوا يَشربُون ألْبانَ الإبِل، والفَأْر أيضًا كذلك لا تشربُها. وفي "الترمذي" في تفسير (سورة يوسف) بسنَده: قال اليَهود لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أخبرنا عمَّا حَرَّم إسرائِيْل على نفْسه؟ قال: "اشتَكَى عِرْقَ النَّسَا فلَم يجِد شَيئًا يُلائِمُه إلا لُحومَ الإبِل وألبانها، فلذلكَ حَرَّمَها"، قالوا: صدقتَ.

(كعبًا)؛ أي: ابن مَاتِع، بكسر التاء، المشهور بـ: كَعب الأَخبار. (فقال لي مرارًا)؛ أي: كرَّر السُّؤال مِرارًا. (أفاقرأ التوراة) تعريضٌ بكعْب؛ فإنَّه كان على دِيْن اليَهود، فأَسلَم في خِلافة الصِّدِّيق، يعني: لا أقول إلا من السَّماع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 3306 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُزوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْوَزَغِ: "الْفُوَيْسِقُ"، وَلَم أَسْمَعهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَزَعَمَ سَعدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِهِ. 3307 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرتهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَها بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ. السابع: (الوزغ) بزايٍ، ومعجمةٍ، جمع: وَزَغَة، كانت تَنفُخ على نارِ إبراهيم عليه الصلاة والسلام. (زعم)؛ أي: قالَ. * * *

3308 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَلْتَمِسُ الْبَصَرَ، وَيُصِيبُ الْحَبَلَ". الثامن: (يلتمس)؛ أي: يَطلُب البَصَر ليأْخذَه ويطمِسَه، أي: يُعميه. * * * 3309 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَتْلِ الأَبْتَرِ وَقَالَ: "إِنَّهُ يُصِيبُ الْبَصَرَ، وَيُذْهِبُ الْحَبَلَ". التاسع: بنحوه. * * * 3310 - حَدَّثَنِي عَمرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي يُونس الْقُشَيْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ ثُمَّ نهى، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - هدَمَ حَائِطًا لَهُ، فَوَجَدَ فِيهِ سِلْخَ حَيَّةٍ، فَقَالَ: "انْظُرُوا أَيْنَ هُوَ"؟ فَنَظَرُوا، فَقَالَ: "اقْتُلُوه"، فَكُنْتُ أَقْتُلُها لِذَلِكَ.

العاشر: (سَلخ) بفتح السِّين وكسرها، وقَوَّاه بعضُهم؛ لأنَّه اسمُ أيِّ جِلْدٍ، يُقال: انسلَخَ الشَّهر من سنَته، والحيَّةُ مِن قِشْرها. * * * 3311 - فَلَقِيتُ أَبَا لُبَابَةَ، فَأَخْبَرَني: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَقْتُلُوا الْجنَّانَ، إِلَّا كُلَّ أَبْتَرَ ذِي طُفْيتيْنِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْوَلَدَ، وَيُذْهِبُ الْبَصَرَ، فَاقْتُلُوهُ". 3312 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ. 3313 - فَحَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ، فَأمسَكَ عَنْها. (الجِنان) بكسر الجيم، وتشديد النُّون: الحيَّات التي تكُون في البُيوت، جمع جانٍّ، وهي الحيَّة البَيضاء، أو الصَّغيرة، أو الرَّقيقة، أو الخَفيفة. (أبتر ذي طفيتين) هذا يقتَضي اتحادَهما، وسبق أنهما نَوعان، وجوابه: أنَّ الواو هناك بين الوَصفَين لا بين الذَّاتَين، أي: اقتُلوا الحيَّةَ الجامِعة بين وصْفِ الأَبْتريَّة، وكونِها ذاتَ الطُّفْيتين، نحو: مرَرْتُ

16 - باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم

بالرجُل الكريم، والنَّسَمة المُباركة. وأيضًا لا مُنافاةَ بين أن يرِد الأمرُ بقتْل ما اتصَف بإحدى الصِّفَتَين، وبقتْل ما اتصفَ بهما معًا؛ لأن الصِّفَتين قد يجتمِعان فيها، وقد يفترقان. * * * 16 - بابٌ خَمسٌ مِنَ الدَّوابَ فَواسِقُ يُقْتَلْنَ في الحرَمِ (باب خَمْسٍ من الدَّوابِّ يُقتَلْنَ في الحَرَم) عُلم منه جَواز قتْلها في غير الحرَم من بابٍ أَولى. 3314 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". الحديث الأول: (خمس فواسق) من الفِسْق، وهو الخُروج عن الطَّريق المُستقيم، وهذه الخَمْس خرَجْنَ عن طريق مُعظَم الحشَرات بزيادةِ الضَّرر والأذى. والمشهور تنوينه، وتجوز الإضافة. (والحُدَيَّا) مصغَّرُ: حِدَأَة، بوزْن عِنَبة، وقياس تصغيره حُدَيَّة،

فزيدت الألف للإشباع، اللَّهمَّ إلا أنْ يثبُتَ فيه: حِدَاءَة بوزْن: حِمَارة، أو لفظٌ موضوعٌ على صِيغة التَّصغير. وأنكَر ثابِتٌ الحُدَيَّا، وقال: إنَّ صوابه: الحِدَئة بهمزةٍ في آخره، أو بتشديد الياء، فإنْ أردتَ المذكَّر قُلتَ: حُدَيءَ، أو حُديٌّ. قال: والحُدَيَّا إنما هي من التحدِّي، تقول: فُلان يتحدَّى فُلانًا، أي: يُباريه ويُغالبُه، وعن أبي حاتم: أهل الحِجاز لقولون لهذا الطَّائر: الحُدَيَّا، ويجمعونه الحَداوِي. قال: وكلاهما خطأٌ، وقيل: إنما تَصغير حِدَاءَة: حُدَيَّاةٌ، لكن قال الأَزْهري: كأنَّه تصغير الحِنوِ، لغةٌ في الحِداء. وسبق الحديث في (باب: جزاء الصيد)، في (الحج). * * * 3315 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ أن مَسْلَمَة، أَخْبَرَنَا مالكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قتلَهُنَّ وَهْوَ مُحْرِمٌ قَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ: الْعَقْرَبُ، وَالفَأرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأة". الثاني: كالذي قبله. * * *

3316 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنها -، رَفَعَهُ، قَالَ: "خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكوا الأَسقِيةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ لِلْجنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فَكانَّ الْفُويسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ". قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ، عَنْ عَطَاءٍ: فَإِنَّ الشَّيْطانَ. الثالث: (رفعه)؛ أي: إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواءٌ بواسطةٍ أو لا، [و] سواءٌ كان الرفْع مقارِنًا لروايته، أو لا. (خمروا)؛ أي: غَطُّوا. (وأجِيْفُوا)؛ أي: أغلِقوا مِن الإجَافَة، بالجيم، والفاء، أجَفْتُ البابَ: ردَدتُه. وزعم القَزَّاز أنه يُقال: جَفَأْتُ الباب: أَغلقتُه، ونُوزع؛ فإنَّ جَفا مهموزٌ، وأَجيفُوا لامُه فاءٌ. (واكْفِتُوا) بضم الفاء وكسرها: من الكَفْت، وهو الضمُّ، يقال: كفَتَه: إذا ضمَّه إلى نفْسه. (الفويسقة)؛ أي: الفَأْرة، والتَّصغير للتَّحقير.

(قال ابن جريج) هو موصولٌ في الباب الذي قبلَه. (فإن للشيطان) لا يُنافي ما في الرواية الأُخرى: (فإنَّ للجِنِّ)؛ لانتِشار الصِّنْفين، أو حقيقتُهما واحدةٌ كان اختلَفا بالصفات. * * * 3317 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا يَحيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَارٍ، فَنَزَلَتْ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}، فَإِنَّا لَنتَلَقَّاها مِنْ فِيهِ إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ جُحرها، فَابْتَدَرناَها لِنَقْتُلها، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحرَها، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كمَا وُقِيتمْ شَرَّها". وَعَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَإِنَّا لنتلَقَّاها مِنْ فِيهِ رَطْبةً. وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانة، عَنْ مُغِيرَةَ. وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قرْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. الرابع: (شركم)؛ أي: بالنِّسبة إليها، وإلا فقتْلُها بالنِّسبة إلينا خيرٌ؛ لأنه مأمورٌ به، فهو من الأمور الإضافية.

(رطبة)؛ أي: غضًّا طَريًّا؛ لأنَّه كان أوَّل زمان نُزوله قبْل أن يجِفَّ رِيْق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك. وسبق في (باب: جزاء الصيد). (وتابعه أبو عَوانة) موصولٌ في (التفسير). (وقال حفص) موصولٌ في (الحج). (وأبو معاوية) وصلَه أحمد. * * * 3318 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "دَخَلَتِ امْرَأةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْها، فَلَمْ تُطْعِمْها، وَلَم تَدَعها تأكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأرْضِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. الخامس: (خشاش) بتثليث المعجمةِ، ثم معجمتين: حشَرات الأرض. سبق (¬1) (باب: ما يقول بعد التكبير). * * * ¬

_ (¬1) "سبق" ليس في الأصل.

3319 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ أَبِي أُويس، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نزَلَ نبَيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغتْهُ نَمْلَةٌ، فَأمَرَ بِجهازِه فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتها، ثُمَّ أَمَرَ بِبيْتها فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: فَهلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً". السادس: (بجهازه) بفتح الجيم وكسرها. قال (ن): هذا محمولٌ على أنَّ شرْع ذلك النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان فيه جَواز قتْل النَّمل، والإحراقِ بالنار؛ إذ لم يعاتَب إلا على الزِّيادة على نملةٍ، وأما في شَرْعنا فلا يجوز إحراق الحيوان نملًا وقَملًا وغيرهما. وسبَق: أنَّ النبيَّ عُزَير - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ (لدَغتْه) بدالٍ مهملةٍ وغينٍ معجمةٍ، بخلاف (لذَعتْه) النَّار، فإنَّه بالذال المعجمة والعين المهملة، وأنَّ (هلَّا) حرْف تحضيضٍ يختصُّ بالأفعال، وإذا وليَها اسمٌ فهو بتقدير فِعلٍ قبلَه، فيُقدَّر هنا: فهلَّا أحرقْتَ، وأنَّ (واحدة) تأكيدٌ إنْ كانت الهاء في نملةٍ للوَحْدة. * * *

17 - باب "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء"

17 - بابُ "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكم فَلْيَغْمِسْهُ، فَإِنَّ فِي إِحدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الأُخْرَى شِفَاءً" (باب: إذا وقَع الذُّباب في شَرابِ أحدِكم) 3320 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ، قَالَ: سَمعْتُ أَبَا هُرَيْرَة - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ في شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِينزِعْهُ؛ فَإِنَّ في إِحْدَى جَنَاحَيْهِ داءً وَالأُخْرَى شِفَاءً". الحديث الأول: (أحد جناحيه) في بعضها: (إِحدَى جَناحَيه)، جناح الطَّائر قد يُؤنَّث باعتبار اليَدِ، ولذا جمعوه على أجنُح كسِماك وأسمُك، وباعتبار التَّذكير على أجْنِحة كقَذَالٍ وأَقذِلَة. وروي في تمام الحديث: "وأنَّه يُقدِّم السُّمَّ، ويُؤخِّر الشِّفاءَ". ومثْلُه في مخلوقات الله كثيرٌ كالنَّخلة يخرج من بطْنها العسَل ومن إبْرتها السُّمُّ، والعَقْرب تهيج الدَّاء بإبرتها، ويُتداوى بها من ذلك، والأَفْعى في التِّرياق، وغير ذلك. * * *

3321 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "غُفِرَ لاِمرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ ركيٍّ يَلْهثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّها، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارها، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَها بِذَلِكَ". الثاني: (مومسة) هي الفاجِرة. (ركي)؛ أي: البِئْر، وجمعها رَكَايَا. ولا مُنافاة بين هذا وبين ما في (كتاب الشرب): أنَّه كان رجُلًا؛ لاحتِمال التعدُّد. * * * 3322 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَفِظْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كمَا أَنَّكَ ها هُنَا، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنهم -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَدخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ". الثالث: (كما أنك هاهنا)؛ أي: لا شكَّ في حفْظي منه كما لا شكَّ في كونك في هذا المكان، ثم أخَذ بعضُهم بمقتضَى عُموم لفْظ: كَلْب،

وخصَّصه آخرون بما هو للحاجَة ككَلْب الزَّرع، وكذا الصُّورة خصَّصها بعضُهم بالصُّورة المُحرَّمة، أي: صُورة الحيَوان. وأما الملائكة فتخصُّ بالكِرام الكاتبِين باتفاقٍ. * * * 3323 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مالكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنها -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ. 3324 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، عَنْ يَحيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُضْ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرثٍ أَوْ كلْبَ مَاشِيةٍ". 3325 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: أَخْبَرني يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، قَالَ: أَخْبَرَني السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهيْرٍ الشَّنَئِيَّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ"، فَقَالَ السَّائِبُ: أَنْتَ سَمِعتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: إِيْ وَرَبِّ هذِهِ الْقِبْلَةِ. الرابع، والخامس، والسادس: (كل) نصب على الظَّرفية.

(قيراط) هو مقدارٌ معلومٌ عند الله تعالى، أي: جزءٌ من أجزاء عمَله. قالوا: وسبَبه امتِناع دُخول الملائكة بيتَه، ولمَا يلحق المارِّين من الأذَى، أو عُقوبةً لهم لفِعْل ما نُهي عنه، أو لوُلوغه فى الأَواني عند غَفْلة صاحبه. (لا يغني عنه زرعًا)؛ أي: لا ينفعُه من جِهة الزَّرع. واعلم أنَّه ختَم (بدءَ الخلق) بذِكْر ما ثبَت عنده في بعض المَخلوقات وإنْ لم يكن له تعلُّقٌ شديدٌ بالباب.

60 - كتاب الأنبياء

60 - كتاب الأنبياء

1 - باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته

60 - كتاب الأنبياء 1 - بابُ خَلْقِ آدَمَ صَلواتُ اللهِ عليهِ وَذُرِّيَّتِهِ {صلصالٍ}: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، ويُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ، كَمَا يُقَالُ: صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإغْلاَقِ، مِثْلُ: كبْكَبْتُهُ؛ يَعْنِي: كَبَبْتُهُ. {فَمَرَّتْ بِه}: اسْتَمَرَّ بِها الْحَملُ فَأتمَّتْهُ. {أَلا تسجُدَ}: أَنْ تَسْجُدَ. باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}: إِلَّا عَلَيْها حَافِظٌ {في كَبَدٍ}: فِي شِدَّةِ خَلْقٍ. وَ (رِيَاشًا): الْمَالُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ، وَهْوَ مَا ظَهرَ مِنَ اللِّبَاسِ. {ما تُمْنُونَ}: النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}: النُّطْفَةُ فِي الإحْلِيلِ. كلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ شَفْعٌ، السَّمَاءُ شَفْعٌ، وَالْوِتْرُ اللهُ - عز وجل -. {فِىَ أَحْسَنِ تَقوِيمٍ}: فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ. {أسْفَلَ سَافِلِينَ} إِلَّا مَنْ آمَنَ. {خُسْرٍ}: ضَلاَلٌ، ثمَّ

اسْتَثْنَى إِلَّا مَنْ آمَنَ. {لازِبٍ}: لاَزِمٌ. {وننشئكم} فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ. {نُسَبِّحُ بحمدكَ}: نعظِّمُكَ. وَقَالَ أَبو الْعَالِيةِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}: فَهْوَ قَوْلُهُ: {ربنَا ظَلَمنا أَنفُسَنا}. {فأزَلَّهُما}: فَاسْتَزَلَّهُمَا. وَ {يَتسَنَّهْ}: يتغَيَّرْ، {آسِنٌ}: مُتَغَيِّرٌ، وَالْمَسْنُونُ: الْمُتَغَيِّرُ. {حمإ} جَمعُ: حَمأَةٍ، وَهْوَ الطينُ الْمُتَغَيِّرُ. {يخصفَانِ}: أَخْذُ الْخِصَافِ، {مِن وَرَق الجنَّةِ}: يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعضٍ، (سَوْآتُهُمَا): كنَايَةٌ عَنْ فَرْجِهِمَا. {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} هاهُنَا: إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ يُحْصَى عَدَدُهُ. {وَقَبيلُهُ} جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُم. (كتاب الأَنْبياء، عليهم الصلاة والسلام) (باب خَلْق آدَم - صلى الله عليه وسلم - وذُرِّيته) قوله: (صلصال)؛ أي: في قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} [الرحمن: 14]. (صلصل)؛ أي: صوتٌ، وأصلُه: صَلَّ، فضُوعِف فاءُ الفعل، كصَرصَر، وكَبكَبَ. (الفخار) هو المَطبُوخ بالنَّار. (فمرت)؛ أي: في قوله تعالى: {فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} الآية [الأعراف: 189]. (لمَّا عليها)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4].

(إلا عليها)؛ أي: فيكون: (لمَّا) للاستثناء كـ (إلا). (في كبد)؛ أي: في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]. (وريشًا)؛ أي: في قوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} الآية [الأعراف: 26]. (ما تمنون)؛ أي: في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58]. (على رجعه)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق: 8]. (كل شيء خلقه) إشارة إلى قوله تعالى: {خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} [النجم: 45]، وقوله: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]. (السماء شفع)؛ أي: للأرض، وأما في عدَدها فوِتْر كما أنَّ الحارَّ زَوج للبارد. (تقويم)؛ أي: في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} الآية [التين: 4] (خسر)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2]. (إلا من آمن) هو تفسير لقوله تعالى: {إلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 3]. (لازب)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11]. (ننشئكم)؛ أي: في قوله تعالى: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الواقعة: 61]. (يتسنه)؛ أي: من قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ

يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259]. ووجه تعلُّق هذا بخلْق آدم -عليه الصلاة والسلام- أنَّه تابع لمسنونٍ؛ لأنه قد يُقال باشتقاقه منه. (المسنون)؛ أي: في قوله تعالى: {مِنْ حَمَإٍ مسنُونٍ} [الحجر: 26]، أي: طينٍ متغيِّر. (يخصفان)؛ أي: في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22]، أي: ليستُرا به عورتهما، وخصَفْتُ النَّعْل: خَرزْتُها. (ومتاع)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف: 24]، أي: إلى يوم القيامة. (وقبيله)؛ أي: من قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} [الأعراف: 27]. * * * 3326 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، فَاسْتَمعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرحمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَم يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ".

الحديث الأول: (ذراعًا) قيل: بذِراعه، وقيل: بذِراعنا؛ لأنَّ ذِراع كلِّ واحدٍ ربُعه، ولو كان بذِراعه لكانت يدُه قصيرةً من حيث طُول جسمه كالإِصبَع والظُّفُر. (يحيونك) من التحيَّة، وفي بعضها: (يُجيبُونك) من الإجابة. (ينقص)؛ أي: من طُوله. * * * 3327 - حَدَّثَنَا قتيْبة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ زُمرَةٍ يَدخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبدرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم عَلَى أَشَدِّ كوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمتَخِطُونَ، أَمشَاطُهُمُ الذَّهبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلوَّةُ الأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، عَلَى خلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهم آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ". الثاني: (يَتْفلون) بضم الفاء وكسرها: يَبصُقون. (الألُوّة) بفتح الهمزة وضمُّها، وضم اللام، وشدَّة الواو.

(ألا لَنْجوج) بفتح الهمزة، واللام، وسُكون النون، وبجيمَين: معناها عُود يُتبخَّر به، وفيه لغتان أُخرَيان: ألَنْجَج، ويَلَنْجَج، فلفظ: ألا لنْجوج تفسرُ الأُلوَّة. (عود الطيب) تفسيرٌ للألنْجُوج، فهو تفسير التفسير، ويروى: (الأَنْجُوج). (على خلق) بضم المعجمة وفتحها، وهو خبر مبتدأ محذوفٍ. (على صورة أبيهم آدم) لا يُنافي قوله أوَّلًا على صُورة القمَر؛ لأنَّ هؤلاء غيرُ الزُّمرة الأولى، أو أنَّ الكلَّ على صُورةِ آدَم في الطُّول والخِلْقة، وبعضُهم في الحُسْن كصُورة القمَر نُورًا وإشراقًا. * * * 3328 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ إِذَا احْتَلَمَت؟ قَالَ: "نعم، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ"، فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ الْمرْأة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَبِمَا يُشْبِهُ الْوَلَدُ؟ ". الثالث: (فبما يشبه) فيه إثْباتُ ألفِ (ما) الاستِفهامية مع الجارِّ، وهو خِلاف الفَصيح، وقد حُذفت في بعض النُّسَخ.

والمعنى: لولا أنَّ لها نُطفةً وماءً، فبأيِّ سببٍ يُشبهها ولَدُها. وسبق في آخر (كتاب العلم). * * * 3329 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه - قَالَ: بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نبَيٌّ: أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعامٍ يَأكلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْء يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ، وَمِنْ أَيِّ شَيْء يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ"، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأكلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حْوتٍ، وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبقها مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤها كَانَ الشَّبَهُ لها"، قَالَ: أَشْهدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إِنْ عَلِمُوا بإِسْلاَمِي قَبْلَ أَن تَسْألَهُم بَهَتُوني عِنْدَكَ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ الْبَيْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ؟ "، قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أعْلَمِنَا، وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفَرَأَيْتم إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ؟ "، قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ إِلَيْهمْ، فَقَالَ:

أَشْهدُ أَنْ لاَ إِلَه إِلَّا اللهُ، وَأَشْهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالُوا: شَرُّناَ وَابْنُ شَرِّناَ، وَوَقَعُوا فِيهِ. الرابع: (مقدم) فاعل (بلَغ)، أي: قُدوم. (ينزغ)؛ أي: يُشبه. (زيادة كبد) هي القِطْعة المنفرِدة المتعلِّقة بالكَبِد، وهي أطيَبها، وهي في غاية اللَّذَّة، وقيل: هي أَهنأ طعامٍ، وأَمرَؤهُ. (غشي)؛ أي: جامع. (بُهت) بضم الموحَّدة، والهاء، وسكونها: جمع بَهُوت، وهو كثيرُ البُهتان، أو بَهيت كقَضيب وقُضُب، وهو الذي يَبْهتُ المقول له بما يَفتريه عليه ويختلِقُه. (خَيرُنا) في بعض النُّسَخ: (أخيَرُنا) على الأصل، لكنه قليلٌ، وفي بعضها: (أخْبَرُنا) بالموحدة، من الخِبْرة. ووجه دُخول هذا الحديث هنا: أنَّ التَّرجمة لخَلْق آدم وذُرِّيته. * * * 3330 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ؛ يَعْنِي: "لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لم يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَها".

الخامس: (لم يَخْنَز) بمعجمةٍ، ونونٍ مفتوحةٍ، وزايٍ، أي: لم يُنتِنْ، قيل: كانوا يدَّخِرونه لنَحو السَّبت فأَنتَن، وقيل: أُمروا بترك ادخار السَّلْوى فادَّخروه حتى أنتن، فاستمر نتَنُ اللَّحم من ذلك الوقت، ولما صار في أفواههم دَمًا وأنتَن سَرى النتَن إلى اللَّحم وغيره. وقال البَيضاوي: لولا أنَّ بني إسرائيل سَنُّوا ادِّخار اللحم حتى خنِزَ لما ادُّخِر فلم يخنَز، وقيل: لم يكن اللحم يخنَز حتى مُنِعَ بنو إسرائيل ادِّخاره، فلم يَنتهوا عنه، فأخنَز عقوبةً لهم. * * * 3331 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَليٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإنَّ أَعوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَم يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ". السادس: (استوصوا)؛ أي: تواصوا، ويجوز أن تكون التاء للتعدية والاستِفعال بمعنى الأَفعال كاستَجاب بمعنى: أجابَ. وقال البيضاوي: الاستِيصاء قَبول الوصيَّة، أي: أُوصيكم بهنَّ خيرًا فاقبَلوا وصيَّتي فيهنَّ، بالصَّبر على اعوجاجهنَّ.

وقال الطِّيْبِي: السِّين للطَّلَب مبالغة، أي: اطلُبوا الوصيَّة من أنفُسكم في حقهنَّ بالخير. (ضِلَع) بكسر الضاد، وفتح اللام: واحِدُ الضُّلوع، وتَسكين اللام جائز. (أعوج) أفْعَل، تفضيلٌ من الشُّذوذ قياسًا؛ لكونه من العُيوب. (أعلاه) يُريد أَعْوَج ما فيها أعلاها، وهو اللِّسان؛ لأنَّه في أعلاها. قيل: [وصوابه أعلاهما، وكذا لم يَزَل أعوَج عوجًا، ورُدَّ بأنَّ تأْنيثه غير حقيقيٍّ، وفائدة ذِكْر ذلك] (¬1) بيانُ أنها خُلقت من الضِّلَع الأَعوج، وهو الذي في أَعلى الضُّلوع، أو بَيان أنها لا تَقبل الإقامةَ؛ لأن الأصل في التَّقويم هو أَعلى الضِّلَع لا أسفله، وهو في غاية الاعوِجاج. وقيل: المراد أنَّ أوَّل النساء -وهي حَوَّاء- خُلِقت من ضِلَعٍ من أضلاع آدَم. (كسرته) قيل: بمعنى الطَّلاق، وَرُدَّ بأنه ليس في الحديث إلا ذِكْر الضِّلَع. وفيه الحثُّ على الرِّفق بهنَّ، والإحسانِ إليهنَّ، والصَّبر على أخلاقهنَّ، وأنه لا مَطمَع في استِقامتهنَّ. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

3332 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنَّ أَحَدكم يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيدخُلُ النَّارَ". السابع: (أن إحدكم) قال أبو البَقاء: لا يجوز في (أنَّ) هاهنا إلا الفتح، لأن قبلَه: (حدَّثنا)، فهو معمولٌ لحدَّثَ، ولو كُسرت لصار مستأنَفًا منقطِعًا عن حدَّثنا، فإنْ قيل: بكسرٍ ويُحمل (حدَّث) على (قالَ)؟، قيل: هو خلاف الظَّاهر، ولا يُعدَل إليه إلا بدليلٍ، ولو جازَ لجازَ في: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ} [المؤمنون: 35] الكسرُ على معنى: يقول لكم. وردَّه عليه القاضي شمس الدِّين الخُوئي، وقال: الكسر واجبٌ، لأنَّه الرِّواية، ووجَّهه أنه على الحِكاية، كقول الشاعر: سَمِعْتُ النَّاسَ ينتجعون غيثًا

برفْع (الناس). (فيكتب) بفتْح أوله وضمه، وعليهما: لكَ رفْع العمَل، والأَجَل، والرِّزْق، ونصبهما، ويُروى: (بكَتْبِ) بالموحَّدة أوَّله، مصدرًا. (إلا ذراع) هو على سَبيل التمثيل للقُرب من موته، ومِن لُطْف الله تعالى أنَّ انقلاب الحالِ من الشَّرِّ إلى الخير كثيرٌ، وبالعكس في غاية القِلَّة؛ لأن رحمة الله تعالى سبقت غضَبَه. (الكتاب)؛ أي: ما قدَّر اللهُ في الأزَل، وكتَبَه فيه. * * * 3333 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ أَنسٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله وَكَّلَ فِي الرَّحِم مَلَكًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ! عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ! مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقها قَالَ: يَا رَبِّ! أَذَكرٌ يَا رَبِّ أنثَى؟ يَا رَبِّ! شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أمِّهِ". الثامن: (يا رب نطفة) بالرَّفْع والنصْب، وكذا عَلَقَة، ومُضْغَة. (يخلقها)؛ أي: يُصوِّرها.

مرَّ الحديث في (الحيض)، نعَم، لم يُذكر العمَل في هذه الرِّواية؛ لأنه لازمٌ للسَّعادة والشَّقاوة. وأما معنى البَعْث مع أن الملَك موكَّل بالرَّحِم فمعناه الأَمْر بذلك، أو هذا ملَكٌ آخَر غير الموكَّل بالرحم. ومعنى الكتابة مع أنَّ قَضاء الله تعالى أزليٌّ: إظهارُ ذلك للملَك، والأمرُ بإنفاذه وكتابته. * * * 3334 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شعْبةُ، عَنْ أَبِي عمْرَانَ الْجَوْنيِّ، عَنْ أَنسٍ، يَرْفَعُهُ: "أَنَّ الله يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فَقَد سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي، فَأبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ". التاسع: (يرفعه)؛ أي: يرفَع الحديثَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 3335 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ

2 - باب "الأرواح جنود مجندة"

كِفْلٌ مِنْ دَمها، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتَل". العاشر: (ابن آدم الأول) هو قابِيل قَتَلَ هابِيل، وهو أوَّل مقتولٍ على وجه الأرض. ولا يُعارِض هذا: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]؛ لأنَّ تأسيس ذلك من فِعْله، فليس وِزْر أُخرى من هذه الجهة. (كِفْل)؛ أي: نَصِيبٌ. * * * 2 - بابٌ "الأرواحُ جُنُودٌ مُجنَّدَةٌ" 3336 - قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ: عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْها ائْتلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ". وَقَالَ يَحيَى بْنُ أيُّوبَ: حَدَّثَنِي يحيى بْنُ سَعِيدٍ بِهذَا. (باب: الأَرواحُ جُنودٌ مُجنَّدةٌ) أي: جموعٌ مجتمعةٌ، وأنواعٌ مختلفةٌ، ووجه ذكره في (كتاب الأنبياء) لعلَّه إشارة إلى أنَّ آدَم وأولاده مُركَّبٌ من البدَن والرُّوح.

3 - باب قول الله - عز وجل -: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه}

(تعارف)؛ أي: بالصِّفات التي خلقَها الله فيها، ويُناسبها في أخلاقها، وقيل: إنها خُلقت مجتمعة، ثم فُرِّقت في أجسادها، فمَن وافَق لَصِيْقَهُ ألِفَهُ، ومن باعدَه نافَره. قال (خ): فيه وجهان: أحدهما: أنَّه إشارةٌ إلى التَّشاكل في الشَّرِّ والخير، وأنَّ الخَيِّرَ من الناس يحنُّ إلى شكْله، والشِّرير يميل إلى نَظيره، فتَتعارف الأرواح بما جُبِلت عليه من خيرٍ أو شرٍّ، فإذا اتفَقت الأشكالُ تقاربَتْ وتآلفَت، وإذا اختلفت تَنافرت وتَناكرت. وثانيها: رُوي أنَّ الله خلَق الأرواح قبل الأجساد، فكانت تَلتقي، فلمَّا التبَست بالأجسام تعارفَت بالذِّكْر الأول، فصار كلٌّ منها إنما يَعرِف ويُنكر على ما سبَق له من العَهْد المتقدِّم. * * * 3 - بابُ قول الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بَادِيَ الرَّأيِ}: مَا ظَهرَ لنا. {أقلعِي}: أَمْسِكِي. {وَفارَ التَّنُّورُ}: نَبَعَ الْمَاءُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ألْجُودِيِ} جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ. (دأبٌ): مِثْلُ حَالٌ. * * *

4 - باب قول الله: {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم} الى آخر السورة

4 - بابُ قول الله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الى آخر السُّورة {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلهِ {مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. (باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود: 25]) قوله: (بادي الرأي)؛ أي: من قوله تعالى: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ} الآية [هود: 27]. (ما ظهر لنا) وقيل: إنَّ أوَّل النَّظر قبْل التأَمُّل. (أقلعي)؛ أي: في قوله تعالى: {وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود: 44]. (وفار)؛ أي: من قوله تعالى: {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40] {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44]، أي: وهو جبَلٌ بالجَزيرة، وهي ما بين دِجْلة والفُرات. (دأب)؛ أي: في قولى تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} [غافر: 31]. * * * 3337 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ سَالِمٌ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: "إِنِّي

لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نبَيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أقولُ لَكُم فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نبَيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ الله لَيْسَ بِأَعْوَرَ". الحديث الأول: (لقد أنذر نوح) خصَّصه بعد أنْ قال أولًا: (ما مِنْ نبَيٍّ) إلى آخره، وهو عام؛ لأنَّ نوحًا أوَّل مَن أنذَر، وهدَّد قومه، وأما مَن سبَقه، فإنهم كانوا في الإرشاد مثلَ الآباء للأولاد، أو لأنه أول البشَر الثاني، وذُريته هم الباقون في الدُّنيا لا غيرُهم، أو لأنه أوَّل الرسُل المشرِّعين: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13]. * * * 3338 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُحَدِّثُكُم حَدِيثًا عَنِ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نبَيٌّ قَوْمَهُ: إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِي يَقُولُ: إِنَّها الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُم كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ". الثاني: (تمثال) بتاءٍ في أوله، أي: صُورة، وفي بعضها: (بمِثَالٍ) جار ومجرور.

(كما أنذر) وجْه الشَّبَه فيه الإنْذار المقيَّد بمجيء المثال في صُحبته، وإلا فالإنْذار لا يختصُّ به. * * * 3339 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالح، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَجيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فيقُولُ اللهُ تَعَالَى: هلْ بَلَّغْتَ؟ فيقُولُ: نعمْ، أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيقُولُونَ: لاَ، مَا جَاءَناَ مِنْ نبِيٍّ، فَيقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشهدُ لَكَ؟ فَيقُولُ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمَّتهُ، فَنَشهدُ أَنَّهُ قد بَلَّغَ، وَهْوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذكرهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، وَالْوَسَطُ: الْعدلُ". الثالث: ظاهرٌ. * * * 3340 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تعْجبُهُ، فَنَهسَ مِنْها نَهْسَةً، وَقَالَ: "أَناَ سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هلْ تَدرُونَ بِمَنْ يَجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعي، وَتَدنُو مِنْهُمُ الشَّمسُ، فَيقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى

مَا أَنتم فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكم؟ أَلاَ تنظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُم إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُم آدَمُ، فَيَأتُونهُ فَيقُولُونَ: يَا آدَمُ! أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ أَلاَ تَرَى مَا نَحنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيقُولُ: رَبِّي غضِبَ غَضَبًا لَم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنهانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأتُونَ نُوحًا فَيقُولُونَ: يَا نُوحُ! أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا؟ أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيقُولُ: رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نفسِي، ائتوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتُوني، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَع تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ: لاَ أَحْفَظُ سَائِرَهُ. الرابع: (دعوة)؛ أي: ضيافةٌ. قال أبو زَيد: الدِّعوة -بكسر الدال- في النَّسَب، وبفتحها في الطَّعام إلا عَدِيُّ الرَّباب فإنهم يفتحون الدال في النَّسَب، ويكسرونها في الطَّعام. وقال صاحب "المثلَّث": الطَّعام المَدعوُّ إليه بالضم عن قُطْرُب،

وبالفتْح عن غيره، وقد تُكسرُ. (يحب الزراع)؛ أي: لنُضجِها، وسُرعة استِمرائها مع لذَّتها وحَلاوة مَذاقها. (فنهس) بالمهملة: الأَخْذ بأطْراف الأسنان، وبالمعجَمة: الأَخْذ بالأضْراس، وقيل: هما بمعنى. (يوم القيامة) ليس لتقْييد سيادته؛ لأنَّ السيادة له في الدُّنيا أيضًا، وإنما لأنَّ القصَّة عن يوم القيامة. (صعيد)؛ أي: أرض واسعة مستوية. (فيبصرهم الناظر)؛ أي: يُحيط بهم بصَره، لا يخفى عليه شيءٌ منهم؛ لاستواء الأرض، وعدَم الحِجاب. (إلى ما بلغكم) بدَلٌ. (من روحه) الإضافة فيه للتَّشريف، كما يُقال: عبد الخليفة. (فيقول: رب) كذا وقَع، وصوابه: ربي؛ لأنه الفاعل. (غضب) المراد لازمُه، وهو إرادة إيصال الشرِّ. قال (ن): المراد ما يظهر من انتِقامه ممن عصَاه، وما يُشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم يكُن ولا يكُون مثلُها. (نفسي نفسي)؛ أي: هي التي تستحقُّ أن يُشفَع لها؛ إذ المبتدأ والخبر إذا كانا متحدَين، فالمراد بعض لوازمه، أو هو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، أو عكسه.

(أول الرسل) إنما قالوا ذلك لنوح؛ لأنه آدم الثاني، أو أول رسولٍ هلكَ قومه، أو أن آدم وغيره قد خَرج بقوله: (إلى أهْل الأرض)؛ لأنها لم تكن لها أهلٌ حينئذٍ، أو لأن رسالته كانت بمنزلة التربية للأولاد. وزعم (ط): أن آدم ليس برسولٍ. (فأسجد) جاء في "مسند أحمد": (قَدر جمُعة). (تُشفع) من التشفيع، وهو قَبول الشفاعة. (سائره)؛ أي: باقيَهُ؛ لأنه مُطوَّلٌ عُلم من سائر الروايات. * * * 3341 - حَدَّثَنَا نصرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ. الخامس: (مثل قراءة العامة)؛ أي: بالإدغام، وإهمال الدال، وبه قرأ السَّبْعة، وفي الشاذِّ قراءتُه بالفَكِّ، وبإعجام الذال. وأصل ذلك كله أن أصله مُذتَكِرٍ، بذالٍ معجمةٍ، وتاء، وهما متقاربان، وأولهما ساكنٌ، والثَّاني مَهمُوسٌ، فأُبدل بمجْهور يُقاربه في المَخرَج، وهو دالٌ مهملةٌ، ثم قُلبت الذَّال المعجمة مهملةً،

4 / م- باب {وإن إلياس لمن المرسلين (123) إذ قال لقومه ألا تتقون (124) أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين (125) الله ربكم ورب آبائكم الأولين (126) فكذبوه فإنهم لمحضرون (127) إلا عباد الله المخلصين (128) وتركنا عليه في الآخرين}

فأُدغمت في المهملة. * * * 4 / -م - بابُ {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاس: يُذْكرُ بِخَيْر. {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، يُذكَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إدرِيسُ. * * * 5 - بابُ ذِكرِ إدريسَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَقَوْل اللهِ تَعَالَى: {وَرَفعناهُ مَكانًا عَلِيًّا} 3342 - قَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (ح)، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: قَالَ أنَسٌ: كانَ أبو ذَرٍّ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَناَ بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَجَ

صَدرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهبٍ مُمتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَاَفْرَغها فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءَ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: هذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: أرْسلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم، فَافْتَحْ، فَلَمَّا عَلَوْناَ السَّمَاءَ إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَنْ يَسَارِه أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالاِبْنِ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هذَا آدَمُ، وَهذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينهِ، وَعَنْ شمالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ؛ فَأهْلُ الْيَمِينِ مِنْهمْ أَهلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يمِينهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ، حَتَّى أتى السَّمَاءَ الثَّانِية، فَقَالَ لِخَازنها: افتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنها مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ". قَالَ أَنسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ إِدرِيس وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَم يثْبِتْ لِي كيْفَ مَنَازِلُهُم، غيْرَ أَنَّهُ قَد ذَكَرَ أنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدينا، وَإبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ. وَقَالَ أَنس: "فَلمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بإدرِيس قَالَ: مَرحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالأخ الصَّالح، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: هذَا إِدرِيسُ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالأخ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: هذَا مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالأخ

الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: عِيسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَرحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالاِبْنِ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: هذَا إِبْرَاهِيمُ". قَالَ: وَأَخْبَرَني ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَيَّةَ الأَنْصَارِيَّ كاناَ يَقولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ثمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهرْتُ لِمُسْتَوي أَسمَعُ صرِيفَ الأَقْلاَمِ"، قَالَ ابنُ حَزْمٍ وَأَنسُ ئنُ مَالِكٍ - رضي الله عنهما -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَفَرَضَ اللهُ عَلَيَّ خَمسِينَ صَلاَةً، فَرَجعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: مَا الَّذِي فُرِضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خمسِينَ صَلاَةً، قَالَ: فَرَاجِع رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَها، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِع رَبَّكَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَوَضَعَ شَطْرَها، فَرَجَعتُ إِلَى مُوسَى، فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِع رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ، حَتَّى أتى السِّدرَةَ الْمُنْتَهى، فَغَشِيَها ألوَانٌ لاَ أَدرِي مَا هِيَ، ثمَّ أُدخِلْتُ فَإِذَا فِيها جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُها الْمِسْكُ". (باب: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 123]) هو بكسر الهمزة قطعًا ووصلًا، قيل: هو مِن ولَد هارون أخي موسى، وجاء بزيادةِ ياءٍ ونونٍ في آخره على صُورة الجمْع.

قال في "الكشاف": ومَن قرأ: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130]، فعلى هذا ياسين أبو إلياس أُضيف إليه الآل. (يذكر) هذا تعليقٌ بصيغة تمريضٍ. قال (ش): ظاهر القُرآن يدلُّ على أنه غيرُه، وهو قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ}، إلى قوله: {وَإِلْيَاسَ} [الأنعام: 85،84]، فهذا دليلٌ على أن إلياس من ذُرية نوحٍ، وأجمعوا أنَّ إدريس كان قبْل نُوحٍ، وهو جدُّه، فكيف يستقيم أنْ يقال: إنه إلياس؟!، وقد أشار إلى ذلك البغَوي في "تفسيره". (أسودة) جمع سَواد، وهو الشَّخص. (نسمة) النَّسَمة النَّفْس. (ظهرت)، أي: علَوت. (مستوي) بفتح الواو، أي: مُصعِدًا. (صريف)؛ أي: تصويتَها حالَ الكتابة. (جنابذ) جمع جِنْبِذ، وهو القُبَّة. وسبق الحديث بشرحه في أول (كتاب الصلاة).

6 - باب قول الله تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله}، وقوله: {إذ أنذر قومه بالأحقاف} إلى قوله تعالى {كذلك نجزي القوم المجرمين}

6 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ}، وَقولِهِ: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} إِلَى قولِهِ تَعَالَى {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ، {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا}: مُتَتَابِعَةً، {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} أُصُولُها، {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}: بقِيّهٍ. (باب قول الله) - عز وجل -: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65]) (بالأحقاف) جمع حِقْف، بكسر المهملة، وهو المِعْوجُّ من الرَّمل، والمراد هنا مسَاكِن عادٍ. (فيه عن عطاء) موصولٌ في (بدء الخلق). (وسليمان) موصولٌ في (تفسير سورة الأحقاف). (قال ابن عُيَيْنة: عتت)؛ أي: الرِّيح يومَ هلاكهم. (على الخزان)؛ أي: خُزَّان الرِّيح، فخرَجتْ بلا كيلٍ ولا وزنٍ. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَرسَل اللهُ سَفينةَ رِيحٍ إلا بمكيالٍ إلا يومَ عادٍ طغَتْ على الخُزَّان، فلم يكُن لهم عليها سَبيلٌ". (أصولها) تفسير الإعجاز. * * *

3343 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكم، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". الحديث الأول: سبق في (الاستسقاء). * * * 3344 - قَالَ: وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذهيْبه، فَقَسَمَها بَيْنَ الأَرْبَعَةِ: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدرٍ الْفَزَارِيِّ، وَزبدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نبهانَ، وَعَلْقَمَةَ بنِ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟! قَالَ: "إِنَّمَا أتألَّفُهُم"، فَأَقْبَلَ رَجلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِف الْوَجْنتَيْنِ، ناَتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَخلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ الله يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: "مَنْ يُطِعِ الله إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأمَنُنِي اللهُ عَلَى أَهْلِ الأرْضِ فَلاَ تأمَنُوني؟ "، فَسَألهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ -أَحْسِبُهُ: خَالِدَ بْنَ الْوليدِ- فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئ هذَا -أَوْ: فِي عَقِبِ هذَا- قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم، يَمرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْم مِنَ الرَّمِيةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ

الإسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَناَ أَدركتُهم لأَقْتُلَنَّهم قَتْلَ عَادٍ". الثاني: (بعث علي)؛ أي: من اليمَن، كما رواه النَّسائي. (بذُهيبة) قال (ح): أنَّثَها على نيَّة القِطْعة من الذَّهب، وقد يُؤنَّث الذهب في بعض اللُّغات. (الأقرع) بقافٍ، وراءٍ مهملةٍ. (ابن حابس) بمهملتين، وموحدةٍ. (المُجَاشِعي) بضم الميم، وكسر المعجمة، ثم مهملةٍ. (وعُيَيْنة) بضم المهملة، وفتح الياء الأولى، وبنون. (الفَزَاري) بفتح الفاء، وتخفيف الزاي، وبالراء. (وزيد)؛ أي: ابن مُهلهِل، بضم الميم، وفتح الهاء الأُولى، وكسر الثانية. (نبهان) بفتح النون، وسُكون الموحَّدة. (عَلْقَمة) بفتح المهملة، وسُكون اللام، وبقاف. (ابن عُلاثة) بضم المهملة، وتخفيف اللام، وبمثلَّثةٍ، والأربعة من نَجْد، مِن المؤلَّفة قلوبهم، وهم سادات أَقوامهم. (صناديد)؛ أي: رُؤساء، واحدها: صِنْديد. (غائر العينين)؛ أي: عَيناه داخلتَانِ في الرَّأْس، لاصِقتان بقَعْر

الحدَقة، ضِدُّ الجاحِظ. (مشرف الوجنتين)؛ أي: غَليظهما. (ناتئ الجبين)؛ أي: مُرتَفعه. (كث اللحية)؛ أي: كثير شَعْرها. (محلوق)؛ أي: محلُوق الرأْس، كانوا يفرقُون رؤُوسَهم ولا يحلقُونها. وسبق أنَّ هذا ذو الخُوَيصِرة التَّميمي. (فمنعه) لا يُنافي قولَه: (إنْ أدركتُهم لأقتلنَّهم)؛ لأنَّ المراد إدراك زمانِ خُروجهم إذا كثُروا، واعترضوا الناسَ بالسَّيف، ولم تكن هذه المعاني مجتمعةً إذ ذاك. وقد كان هذا كما قال - صلى الله عليه وسلم -، فأوَّلُ ذلك في أيام عليٍّ - رضي الله عنه -. (ضِئْضِئ) بكسر المعجمتين، وسُكون الهمزة الأُولى: الأَصل. قال (ش): معناه نسلُه وعَقِبُه، ويقال: ضُؤضُؤ، ورُوي بالصاد المهملة، وهو بمعناه، قاله ابن الأَثير. (لا يجاوز حناجرهم)؛ أي: لا يُرفَع في الأعمال الصالحة. (يَمرقون) هو النُّفوذ حتى يخرُج من الطَّرَف الآخَر. (من الدِّين)؛ أي: الطَّاعة، أي: يخرُجون عن طاعةِ الأئمة، وهذا نَعْت الخَوارج الذي لا يَدينون للأئمَّة ويخرُجون عليهم.

7 - باب قصة يأجوج ومأجوج

(الرمية) فَعِيْلَةٌ من الرَّمي بمعنى المفعول. (قتل عاد) المراد التَّشبيه في الاستِئصال، وإلا فعادٌ إنما أُهلِكت بالرِّيح الصَّرْصَر، ويحتمل أنه من إضافة المصدر للفاعِل؛ لأنهم كانوا مَشهورِين بالشِّدة والقُوَّة. * * * 3345 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعتُ عَبْدَ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرَأُ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. الثالث: {مِنْ مُدَّكِرٍ} بإهمال الدال. وقد سبق تقرير ذلك. * * * 7 - بابُ قِصةِ يَأْجوج وَمَأْجُوجَ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا} إِلَى قَوْله {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} وَاحُدها: زُبْرَة، وهِيَ القِطَعُ. {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}

يُقَالُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْجَبَلَيْنِ، وَ (السُّدَّيْنِ): الْجَبَلَيْنِ، {خَرْجًا}: أَجْرًا، {قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}: أَصبُبْ عَلَيْهِ رَصَاصًا، وَيُقَالُ: الْحَدِيدُ. ويُقَالُ: الصُّفْرُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ}: يَعلُوهُ، اسْتَطَاعَ: اسْتَفْعَلَ مِنْ: أَطَعْتُ لَهُ، فَلِذَلِكَ فُتِحَ: أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ}: ألزَقَهُ بِالأَرْضِ، وَناَقَة دكَّاءُ: لاَ سَنَامَ لَها، وَالدَّكْدَاكُ مِنَ الأَرْضِ: مِثْلُهُ حَتَّى صَلُبَ مِنَ الأرْضِ وَتَلَبَّدَ، {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}. {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ}، قَالَ قتَادَةُ: {حَدَبٍ}: أَكَمَةٍ. قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: "رَأَيْتَهُ". (باب قول الله - عز وجل -: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْن} [الكهف: 83]) ذُو القَرنين هو الإِسكَنْدر الذي ملَك الدُّنيا، سُمي بذلك؛ لأنَّه طافَ قَرني الذُنيا، أي: شرقها وغربها، أو لأنَّ له ضَفيرتَين، أو لأنه انقَرَض في وقْته قَرنان من النَّاس، وقيل: كانت صفْحتا رأْسِه نحاسًا، وقيل: كان على رأْسه ما يُشبه القَرنيَن. (الصدفين) بضمتين، وفتحتين، وضمةٍ وسكونٍ، وفتحةٍ وضمة. (والسدين) السُّدُّ، بالضم والفتح؛ الجبَل، وقيل: ما كان على

أَصْل خلْق الله فهو بالضم، وما كان من عمَل العِباد فهو بالفتح. (رَصَاصًا) بفتح الراء وكسرها. (الصُفر) بالضم والكسر. (اسطاع) استَفْعَل في الأصل، ولكنْ حُذفت منه التاء، وكذلك يُفتَح حرف المضارعة من يَستَطيع؛ إذ لو كان أفعل من الإطاعة، وزِيدَ فيه السين لكان مضارعُه يُستَطيع بضم أوله. وقال بعضهم: استطاع، بفتح الهمزة، يُستطيع، بضم الياء. (الدَّكْدَاك) قال الجَوْهري: ما الْتَبَدَ منه بالأرض، ولم يرتفع. (مثله)؛ أي: مُلزَقٌ بالأرض، مُسوًّى بها. (يأجوج ومأجوج) مهموزان وبلا همزٍ. (وقال رجل) وصلَه ابن أبي عُمر في "مسنده". (المُحَبَّر) بالمهملة، وتشديد الموحَّدة المفتوحة، أي: خَطٌّ أبيض، وخَطٌّ أسوَد، أو أحمر. وقد جاء في روايةٍ: (طريقةٌ سوداء، وطريقةٌ حمراء)؛ أي: حُمرة النُّحاس، وسَواد الحديد. (رأيته) بفتح التاء، أي: أنتَ صادِق في رُؤيته. * * * 3346 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ

ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زينَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدّثتهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْها فَزِعًا يَقُولُ: "لاَ إِلَه إِلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ، مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثْلُ هذِهِ"، وَحَلَّقَ بِإِصبَعِهِ الإبْهامِ وَالَّتي تَلِيها، قَالَتْ زينَبُ ابْنَةُ جَحشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نعمْ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ". الحديث الأول: اجتمَع في سنَده ثلاثُ صحابيَّاتٍ. (للعرب) إنما خصَّهم؛ لأن معظَم مفسَدتهم راجعٌ إليهم. وقد وقع بعض ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "إنَّ يأْجُوج ومأجُوجَ همُ التُّرْك"، وقد (¬1) أَهلَكُوا الخليفةَ العبَّاسي المُستَعصِم، وجَرى ما جَرى ببغداد. (ردم)؛ أي: سَدِّ، وردَمتُ الثُّلْمة، أي: سَدَدتُها. (انهلك) بكسر اللام، وحكي فتحها. (الخَبَث) بفتح المعجمة، والموحَّدة، فسَّره الجمهور بالفسوق والفجور، وقيل: الزِّنا خاصة، وقيل: أولادُ الزِّنا، والظاهر أنه المعاصي مطلقًا. ¬

_ (¬1) في الأصل: "هذا".

ومعناه: أن الخبَث إذا كثر فقد يحصل الهلاك، وإن كان هناك صالحون. * * * 3347 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فتحَ اللهُ مِنْ ردْمِ يَأْجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثْلَ هذَا"، وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ. الثاني: (وعقد بيده تسعين)، وهو معنى ما في الحديث قبله: (وحلَّق بأصبعَيه الإبهام والتي تليها)، أي: بأن يجعل رأس السبابة في أصل الإبهام، ويضمها حتى لا يبقى بينهما إلا خللٌ يسيرٌ. * * * 3348 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ! فَيقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيقُولُ: أَخْرِجْ بَعثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ ألفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتسْعَةً وَتسعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ

شَدِيد} ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وأيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: "أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجلٌ، وَمِنْ يَأجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألفٌ"، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرناَ، فَقَالَ: "أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرناَ، فَقَالَ: "أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرناَ، فَقَالَ: "مَا أَنتم فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ السَّوْداءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسوَدَ". الثالث: (بعث) بمعنى: مبعوث، أي: أَخرِجْ من بين الناس الذي هو من أهل النار، وميِّزهم، وابعث إليها. وإنما خُصَّ آدم بذلك؛ لأن الله تعالى قد جمع له بين نسَمةِ بَنيهِ المتوالدين منه إلى يوم القيامة، ودليله ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء: (وعن يمينه أَسوِدة، وعن يساره أَسوِدة). (تسع مائة) بالنصب والرفع. {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} وجه ذلك مع أن القيامة ليس فيها حملٌ ولا وَضْع: أنه قبل وقته عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا، فهو حقيقةٌ. وقيل: بل المراد أنه لو تُصُوِّر ذلك لكان ذلك واقعًا من الهول والشدة، فهو مجاز عنه كما يقال: حصل لنا من الشدة أمرٌ تشيب منه الوِالدان.

(ألفًا) في بعضها: (ألفٌ) بالرفع بالابتداء، وكذلك قوله قبله: (رجلًا)، ويقدر في (أنَّ) ضمير الشأْن. (كبَّرنا)؛ أي: عظَّمنا ذلك، أو قلنا: الله أكبر؛ للسرور بهذه البشارة العظيمة، ولم يقل أولًا: نصف أهل الجنة؛ لأن ذلك أوقع في نفوسهم، وأبلَغ في إكرامهم، فإن إعطاء الإنسان مرةً بعد أُخرى دليلٌ على الاعتناء به، وفيه أيضًا حمْلهم على تجديد شكر الله تعالى، وتكبيره، وحمده على كثرة نعمه. (أو كشعرة) تنويعٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو شكٌّ من الراوي، وجاء فيه تسكين العين وفتحها، ولا ينافي كونهم كشَعرةٍ كونهم يكونوا نصف أهل الجنة؛ لأنَّ المراد كثرة أهل النار كثرةً لا نسبةَ لها إلى أهل الجنة، أي: في المحشَر؛ لأنَّ كل أهل الجنة كشَعرةٍ من الثَّور. نعم، روى الترمذي عن بُريدة مرفوعًا، وحَسَّنَهُ: "أهل الجنَّة عِشرون ومائةُ صفٍّ، ثمانونَ منها من هذه الأُمة، وأربعون منها من سائر الأُمم". ووجه الجمع: أنه طمع أن تكون أُمته الشَّطرَ، فأُعطي ذلك وزيادةً، وأعلمَه بذلك، فلا تنافي. * * *

8 - باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا}

8 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} وَقَوْلهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا}، وَقَوْلهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}، وَقَالَ أَبو مَيْسَرَةَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. (باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]) قوله: (الرحيم)؛ أي: تفسير لـ (حليمٍ)، أو لـ (أوَّاهٍ) على ما في بعضها. 3349 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّكُم مَحشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ أُناَسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِم ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصحَابِي أصحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّهُم لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهم مُنْذُ فَارَقْتَهُم، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قَوْلهِ {الحكيمُ} ".

الحديث الأول: (حُفاة) جمع حافٍ، بإهمال الحاء. (غرْلًا) بضم المعجمة، وسكون الراء: جمع أغْرَل، وهو الأقْلف الذي لم يُختن، وغُرلَته باقيةٌ معه لم يقطعها الختان من ذكَره، وهي القُلْفة، والقصد أنهم يحشرون كما خُلقُوا لا شيء معهم، ولا فقد منهم حتى الغُرلة. (من يُكْسى) في بعضها: (ما يُكسى)، و (ما) أعمُّ. ولا يلزم من ذلك أنه أفضل من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الاختصاص بفضيلةٍ لا يلزم منها أنه أفضل مُطلقًا، أو أن المتكلِّم لا يدخل في عموم كلامه. (ذات الشمال)؛ أي: جهة النار. (أصيحابي) خبر مبتدأ محذوفٍ. (على أعقابهم) قال (ح): تقييد الارتداد به يدلُّ على أنه لم يُرِد الرِّدَّة عن الإسلام، بل المراد التخلُّف عن الحقوق الواجبة، تقول: ارتدَّ فُلانٌ على عقِبه: إذا تراجع إلى وراء، إذ لم يرتدَّ بحمد الله أحدٌ من الصحابة، إنما ارتد قومٌ من جُفاة الأعراب الذين دخلوا في الإسلام رغبةً ورهبة كَعُيَيْنة بن حِصْن وغيره.

قال: وإنما صغَّر (أصحابي) للتقليل ممن هذا وصفُهم، قيل: أراد من ارتدَّ من العرب بعد موته - صلى الله عليه وسلم -. وقال البيضاوي: هم صنفان: عصاةٌ رتدُّوا عن الاستقامة بتبديل الأعمال الصالحة بالسيئة، ومرتدين عن الدِّين ناكِصونَ على أعقابهم. * * * 3350 - حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَني أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْب، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قترَةٌ وغبرَةٌ، فيقُولُ لهُ إِبْرَاهِيمُ: ألمْ أقلْ لك: لا تعصِنِي، فيقُولُ أبُوهُ: فالْيَوْمَ لاَ أعْصِيكَ، فَيقُولُ إِبْراهِيمُ: يَا رَبِّ! إِنَّكَ وَعَدتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَني يَوْمَ يبعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ! مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَينظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلقَى فِي النَّارِ". الثاني: (قترة)؛ أي: سَوادُ الدُّخان. (وغبرة)؛ أي: غُبار، ولا يُرى أقبح من اجتماع غبرةٍ وسوادٍ في الوجه، قال تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 39 - 41].

(الأبعد)؛ أي: من رحمة الله، وإنما أتى بأفْعَل التفضيل؛ لأن الفاسق بعيدٌ، والكافر أبعد منه. وقيل: هو بمعنى الباعد، أي: الهالك، وعلى المعنيين المضاف محذوفٌ، أي: من خزي، أي: الأبعد. (بذِيْخٍ) بكسر المعجمة، وسكون الياء التحتانية، وبخاءٍ معجمةٍ: ذكَر الضَّبُعِ الكثير الشعر. (ملتطخ)؛ أي: بالرَّجيع، أو بالطين، أو بالدم والعَذِرة، ويُروى: (بذيخٍ أمدَرَ) أي: ملتطخ بالمدَر. والمعنى: أن آزَر يُمسخ ويتغير عن هيئته؛ لِتزول رأْفة إبراهيم وشفاعته له ويتبرأَ منه. وتوقف الإسماعيلي في "المستخرج" في الحديث من حيث إن الله تعالى قد وعد إبراهيم أنْ لا يخزيَه يوم البعث. قال (ش) وأين الإسماعيليُّ من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} إلى قوله: {تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114]. * * * 3351 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرني عَمرٌو: أَن بُكَيْرًا حَدَّثَهُ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ وَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيَم وَصُورَةَ مَرْيَمَ، فَقَالَ: "أَمَا لَهُمْ، فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ

لاَ تَدخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، هذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ، فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ؟ ". الثالث: (البيت)؛ أي: الكعبة. (أمامهم)؛ أي: قريش. (وهذا إبراهيم)؛ أي: سورة إبراهيم. (فما له)؛ أي: ما له بيده الأزلام يستقسم بها وهو كان معصومًا منه؟!، ومعادلُ (أمَّا) محذوفٌ، أي: وأما سورة مريم، أو قسيمه: وهذا إبراهيم. * * * 3352 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ معْمَرٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدخُلْ، حَتَّى أَمَرَ بِها فَمُحِيَتْ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وإسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- بِأيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ، فَقَالَ: "قَاتَلَهُمُ اللهُ، وَاللهِ إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلاَمِ قَطُّ". الرابع: (إبراهيم وإسماعيل)؛ أي: صورتهما. (قاتلهم)؛ أي: لعنهم. (إن استقسما)، (إنْ) نافيةٌ، أي: ما استقسما بالأزلام، أي: القِداح.

والاستقسام بها: طلَب معرفة ما قُسِم له مما لم يُقسم له بالأَزْلام، كان أحدُهم إذا أراد سفَرًا، أو أمرًا من مَعاظِم الأُمور ضَرَبَ بالقِداح، وكان مكتُوبًا على بعضها: أمَرني ربِّي، وبعضها: نهاني رَبِّي، وبعضها مُهملٌ، فإن خرَج الأمرُ شُغل به، أو النَّاهي أمسَكَ عنه، أو المهمل كرَّرها، وأحالَها عَودًا، وإنما حَرُم ذلك؛ لأنه دُخولٌ في عِلْم الغَيب، وفيه اعتقادُ أنه طريق إلى الحقِّ، وفيه افتراءٌ على الله. وقيل: الاستِقسام بالأزْلام: المَيْسِر، وقِسمتُهم الجَزور على الأنْصِباء المعلومة. * * * 3353 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أكرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: "أتقَاهُمْ"، فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نسألكَ، قَالَ: "فَيُوسُفُ نبَيُّ اللهِ ابْنُ نبِيِّ اللهِ ابْنِ نبَيِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نسألكَ، قَالَ: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألونَ؛ خِيَارُهُم فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُم فِي الإسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا". قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَمُعْتَمرٌ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

الخامس: (أتقاهم) قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. (معادن)؛ أي: أُصولها؛ لما فيها من الاستِمدادات المتفاوتة، فمنها قابلٌ لفَيض الله على مَراتب المَعدِنيَّات، وما ليس بقابلٍ. وشبَّههم بالمعادن لأنهم أَوعيةٌ للعُلوم، كما أنَّ المعادِن أوعيةٌ للجَواهر النَّفيسة. (إذا فقهوا) قال أبو البَقاء: الجيِّد ضمُّ القاف، مِن فَقُه يَفقَهُ، صارَ فَقيهًا، لا (فَقِه) بمعنى: فَهِمَ -بالكسر- كما في: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]، وهو متعدٍّ بخلاف الصَّوم فإنه لازمٌ. فإن قيل: لِمَ قيَّد به، وكلُّ مَن أسلَم وكان شَريفًا في الجاهلية كان خيرًا ممن لا شرَف له؟ قيل: ليس كذلك؛ فإنَّ الوَضيع العالم خيرٌ من الشَّريف الجاهِل، كما قال: والعِلْمُ يَرْفَعُ كلَّ مَن لم يُرْفعِ * * * 3354 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ، لاَ أكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا، وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -".

السادس: (فأتينا)؛ أي: فذَهبا بي حتى أتَينا. * * * 3355 - حَدَّثَنِي بَيَانُ بْنُ عمرٍو، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، وَذَكرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوب كَافِرٌ أَوْ ك ف ر، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: "أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَجَعدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبةٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي". السابع: (ك ف ر)؛ أي: أو هذه الحُروف الدالَّة على الكُفر، ثم الصَّحيح وعليه المحقِّقون: أنَّ الكتابة على ظاهرها حقيقة، جعلَها الله علامةً حسِّيةً على بُطْلانه تكُون ظاهرةً لكلِّ مؤمنٍ من كاتبٍ أو غيره. (صاحبكم) يُريد نفسَه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أشبَهُ الناس بإبراهيم. (جعد) يحتمل جُعُودة الشَّعر، أو جُعودة الجِسْم، وهذا هو الصَّحيح كما سبَق؛ لمَا في بعض الرِّوايات أنه: "رَجِلُ الشَّعر". (مخطوم) بمعجمةٍ فمهملةٍ. (بِخُلْبة) بضم المعجمة، وسُكون اللام أو ضمها، وبموحَّدةٍ، أي: خَضلة من اللِّيْف.

وسبق الحديث في (الحجِّ). * * * 3356 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَهْوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ". 3356 / -م - حَدَّثَنَا أَبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ: "بِالْقَدُومِ" مُخَفَّفَةً. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ. تَابَعَهُ عَجْلاَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. الثامن: (بالقدوم) رُوي بفتح القاف، وتخفيف الدَّال: آلَةُ النَّجَّار، وبضمِّ القاف، وتشديد الدَّال: قَريةٌ بالشَّام، وفيها التخفيف أيضًا. قال (ك): والأكثَر أنَّه المراد بالتخفيف، وأنه الآلَة. (تابعه عبد الرحمن) وصلَه مُسَدَّد في "مسنده". (وتابعه عجلان) وصلَه أحمد، ومَن قال: (ابنْ عَجْلان) فقد وَهِمَ؛ فإنَّ محمَّد بن عَجْلان لم يَلْقَ أبا هريرة بل أَبوه عَجْلان، وقد

أشار إلى ذلك المُنذري في "استدراكه على ابن طاهِر"، حيث ذكَر أنَّ عَجْلان مِن أفراد مسلم، فقال: قد استَشْهد به البخاريُّ في (بدء الخلق)، في (ذكر إبراهيم عليه الصلاة السلام). * * * 3357 - حْدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إلا ثَلاَثًا". 3358 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إلا ثَلاَثَ كَذبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللهِ - عز وجل -: قولُهُ {إنِّي سَقِيمٌ}، وَقَولُهْ {بل فَعله كبيُرهُم هذَا} وَقَالَ: بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أتى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ها هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امرَأةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأرْسَلَ إِلَيْهِ، فَسَألهُ عَنْها، فَقَالَ: مَنْ هذه؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأَتَى سَارَةَ، قَالَ: يَا سَارَةُ! لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، وَإِنَّ هذَا سَألنِي، فَأَخْبَرتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، فَلاَ تُكَذِّبِيني. فَأَرْسَلَ إِلَيْها، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهبَ يتَنَاوَلُها بِيَدِهِ، فَأُخِذَ، فَقَالَ: ادعِي الله لِي وَلاَ أَضُرُّكِ؛ فَدَعَتِ الله فَأُطْلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلها الثَّانِية، فَأُخِذَ مِثْلَها أَوْ أَشَدَّ، فَقَالَ: ادعِي الله لِي وَلاَ أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ، فَدَعَا بَعضَ حَجَبَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّكم لَمْ تأتُوني بِإِنْسَانٍ، إِنَّمَا

أتيْتُمُوني بِشَيْطَانٍ، فَأخْدَمَها هاجَرَ، فَأَتتهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فأَوْمأَ بِيَدِهِ: مَهْيَا، قَالَتْ: رَدَّ اللهُ كيْدَ الْكَافِرِ -أَوِ الْفَاجِرِ- فِي نَحْرِهِ، وَأَخْدَمَ هاجَرَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ. التاسع: (لم يكذب إلا ثلاث) مُؤوَّل بما سيأتي لعِصْمته، وسائرِ الأنبياء في طَريق البَلاغ، وكذا غيره. (كذبات) قال أبو البَقاء: الجَيِّد فتْح الذَّال؛ لأنَّ الواحِد كَذْبةٌ، وهو اسمٌ ساكِن الوسَط بخلاف نحو: ضَيْعة وضَيْعات، فإنه يُسَكَّن في الجمع. (وسارة) بتخفيف الراء: أُمّ إسحاق، - عليه السلام -. (جبار) قيل: ملِكُ حَرَّان، بفتح المهملة، وتشديد الراء، اسمه قيل: صادوف، وقيل: سُفيان بن علْوان، وقيل: عَمرو بن امرئِ القَيْس بن بابليون بن سَبَأ، وكان على مصْرَ. (أُختي) إنما جعلَه طريقًا للسلامة؛ لأنَّ ذلك الجبَّار كان لا يتعرَّض إلا لذَوات الأَزْواج. (يُناولها) بضم الياء، أي: يُعطِيْها يدَه لتُوافقَه، و (تَناولَها) بالمثنَّاة فوقُ: مَدَّ يدَه ليَأْخُذها. (فأخذ) مبنيٌّ للمفعول، أي: اختَنَق حتى ركَضَ برِجْله كالمَصرُوع.

(مَهْيَم) بفتح الميم، والياء، والهاءُ منها ساكنة، وميم ساكنة، استِفْهامٌ، أي: ما حالُكِ؟، أو: ما شأْنُكِ؟، قيل: إنَّ أول مَن نطَق بها إبراهيم. قلت: لكنَّ ظاهر هذا الحديث أنَّ المتكلِّم بها إنما هو أبو هريرة تَفْسيرًا لإيماء إبراهيم عليه السلام، لا أنَّ إبراهيم تكلَّم بها. ورواه ابن السَّكَن، والقَابِسي: (مَهْيَن) بالنون، قيل: وكأنه سمعَه منوَّنًا ظنَّه نُونًا، وفي بعضها: (مَهْيَا) بالألف. (وأخدم)، أي: وهب خادِمًا. (هاجر) ويقال: آجَر، بهمزةٍ بدل الهاء، أُمُّ إسماعيل، عليه السلام، وهي ابنَة مَلِكٍ من مُلوك القِبْط. (يا بني ماء السماء)؛ أي: العرَب، لأنهم يَعيشُون بماء المطَر، ويتبعُون مَساقِط الغَيث. قال (خ): ويقال: إنما أراد زَمزَم أنبَعَها الله تعالى لهاجَر، فعاشُوا بها، فصاروا كأنَّهم أولادها. قال (ش): وهو ما في "صحيح ابن حِبَّان"، فقال: كلُّ مَن كان من ولَد هاجَر يُقال له ولَدُ ماءِ السَّماء اسْمًا، لأنَّ إسماعيل عليه السلام، مِن هاجَر، وقد رُبِّيَ من ماءِ زَمزَم، وهي ماء السَّماء الذي أكَرمَ الله به إسماعيل حين ولدَتْه أُمه هاجَر، وأولادها أَولادُ ماءِ السَّماء.

وقولٌ ثالثٌ: إنَّ ماء السَّماء لقَب عامرٍ بن مزيقيا بن عمرو، مِن الأَزْد، والأَزْد من اليمَن، والأنصار من اليمَن؛ سُمي بذلك لأنه كان إذا قُحِط النَّاس أقام لهم مالَه مقَام المطَر. قلتُ: وقيل اسمه: المُنْذِر. قال: أناَ ابنُ بن مزيقيَّا عمرو وجدِّي ... أَبُوهُ مُنْذِرُ ماءِ السَّماء واعلم أنَّ ما قالَه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- من الثَّلاث ليس كَذِبًا بالحقيقة؛ لما قدَّمنا من وُجوب العِصْمة، بل على التَّشبيه، ويسمى مثْلُه المَعاريض. قال ابن الأَنْباري: يُشبهه وهو صِدْقٌ عند البَحْث والتَّفتيش، فهو باعتبارِ فهْم السَّامعين، فقوله: {إنِّي سقيمٌ} [الصافات: 89]، أي: سأَسقَم؛ لأنَّ الإنسان عُرضةٌ للأسقام، أو سَقِيْم لمَا قُدِّر علي من الموت، أو كانت تأْخُذه الحُمَّى في ذلك الوقت. وقوله: {بل فَعَلَهُ كبِيُرهمْ}، أَسنَد إليه باعتبار السَّببية، أو مشروطٌ بقوله: {إِن كانُوا ينطقُون}، أو الوقْف عند قوله: {بل فَعَلَهُ} [الأنبياء: 63]، أي: فعَله فاعلُه، و (كبيرُهم هذا) ابتداءُ كلامٍ. وقوله: (إنَّكِ أُختي) هي أُخته في الإسلام؛ نعمْ، قوله في الأَوَّلين: أنَّهما في ذاتِ الله تعالى فيه أنَّ قِصَّة سارَة وإنْ كانت أيضًا في رِضَا الله ونحوِه كما سبَق في قول خُبَيْب: (في ذاتِ الإِلَه) لا أنَّ قِصَّة

سارَة تتضمَّن نفعًا له. على أنَّ الفُقهاء أجمعوا على أنَّ الكَذِب جائزٌ، بل واجبٌ عند الحاجة، كما في نحوِ لَو طلَب ظالمٌ وديعةً ليأخُذَها غَصْبًا، فإنه يجب على المودَع عنده أنْ يكذب مِثْلَ أنَّه لا يَعلم موضِعها، بل ويحلِف عليه، وإذا لم يكُن مثْلُ هذا معصيةً، فلا يقدَح في العِصْمة، واعتِذارُ إبراهيم - عليه السلام - به لمَقام عُلوِّ شأْنه، فرأَى مثلَه نقيصةً في حقِّه. * * * 3359 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَوِ ابْنُ سَلاَمٍ عَنْهُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ، وَقَالَ: "كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ". العاشر: سبَق شرحُه قريبًا. (على إبراهيم)؛ أي: على نار إبراهيم. * * * 3360 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نزَلَتِ {وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بظُلْمٍ} قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيُّنَا لاَ يَظْلِمُ

9 - باب {يزفون}: النسلان في المشي

نَفْسَهُ، قَالَ: "لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم}: بِشَرْكٍ، أَوَلم تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}؟. الحادي عشر: وجْه مُناسبة ذِكْره مع قصَّة إبراهيم اتصالُه بالآية، وهي قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 83]. * * * 9 - باب {يَزِفُّونَ}: النَّسَلاَن فِي الْمَشْيِ (باب) يوجد في بعض النُّسَخ ذلك، وعليها جَرى (ك)، وفي بعضها ساقطٌ. (يزفون)؛ أي: في قوله تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} [الصافات: 94]. (النسلان)؛ أي: الإسراع في المشْي. 3361 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بِلَحمٍ، فَقَالَ: "إِنَّ الله يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلينَ

وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعي، ويُنْفِدُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمسُ مِنْهُم، فَذَكرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيقولُونَ: أَنْتَ نبَيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنَ الأَرْضِ، اشْفَع لنا إِلَى رَبِّكَ، فَيقولُ -فَذَكرَ كَذَبَاتِهِ- نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهبُوا إِلَى مُوسَى". تَابَعَهُ أَنسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (وينفذهم) رواه الأكثرون بفتح أوله، وبعضهم بالضم، فإنَّه يُقال: نفَذني ببصَره: إذا بلغَني وتجاوزَ، وأنفذْتُ القومَ: إذا اخترقتَهم. والمعنى: يُحيط بهم بصَر الناظِر، لا يخفَى عليه منهم شيءٌ لاستِواء الأرض، وهذا أَولى من قَول أبي عُبَيد: يأْتي عليهم بصَر الرَّحمن؛ إذْ رُؤيته محيطةٌ بجميعهم في حال الصَّعيد المستَوي وغيره. وقال أبو حاتم: أصحاب الحديث يَروُونه بالذال المعجَمة، وإنما هو بالمهملَة، أي: يبلُغِ أوَّلَهم وآخِرَهم، حتَّى يَراهم كلَّهم، ويَستوعبَهم، مِن نَفِد الشَّيءُ: فَنِيَ، وأنفَدته أنا. * * * 3362 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أيوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ

إِسْمَاعِيلَ، لَوْلاَ أنَّها عَجِلَتْ لَكَانَ زَمزَمُ عَيْنًا مَعِينًا". الثاني: (مَعينًا) بفتح الميم، أي: جارِيًا سائلًا، والمَعِيْن: الظَّاهر على وجْه الأرض، قيل: هو مَفْعَل، مِن عانه يَعينُه: إذا رآهُ بعَينه، وأصله: مَعيُون، فحُذفت الواو فبقي مثْل مَبيع، وقيل: فَعِيْل من المَعْن، وهو المبالغة، ومنه أمعَنْتُ في الشَّيء، ويُسمَّى الماءُ ماعُونًا. * * * 3363 - قَالَ الأَنْصَاريُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْج، أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِير فَحَدَّثَنِي قَالَ: إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُليْمَانَ جُلوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: مَا هكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَهْيَ تُرْضِعُهُ، مَعَها شَنَّةٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ، ثُمَّ جَاءَ بِها إِبْرَاهِيمُ وَبابنِها إِسْمَاعِيلَ. (وقال الأنصاري) وصلَه أبو نُعَيم في "المُستخرَج". * * * 3364 - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أيوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَداعَةَ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لتُعَفِي

أثَرها عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بها إِبْرَاهِيمُ وَبابنها إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِها مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تمرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاء، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فتبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَيْنَ تَذْهبُ وَتترُكُنَا بِهذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْها، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهذَا؟ قَالَ: نعم، قَالَتْ: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنه استَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حَتَّى بَلَغَ {يَشْكُرُونَ}. وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُها، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يتلَوَّى -أَوْ قَالَ: يتلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تنظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيها، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تنظُرُ هلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَم تَرَ أَحَدًا، فَهبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعيَ الإنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْها وَنظَرَتْ هلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَم تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبع مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا"، فَلَمَّا

أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَروَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ، تُرِيدَ نَفْسَها، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضعِ زَمزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدها هكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائها، وَهْوَ يَفُورُ بَعدَ مَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسمَاعِيلَ! لَوْ تَرَكَتْ زَمزَمَ -أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمزَمُ عَيْنًا مَعِينًا"، قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَها، فَقَالَ لَها الْمَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ ها هُنَا بَيْتَ اللهِ، يَبْنِي هذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ، وَكانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيةِ، تأتِيهِ السُّيُولُ فتأْخُذُ عَنْ يَمِينهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِم رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقَالُوا: إِنَّ هذَا الطائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءِ، لَعَهْدُناَ بِهذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأرسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرَوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أتأذَنِينَ لَنَا أَنْ ننزِلَ عِنْدَكِ، فَقَالَتْ: نعم، وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُم فِي الْمَاءَ، قَالُوا: نعم، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَهْيَ تُحِبُّ الإنْسَ"، فَنَزَلُوا وَأَرسَلُوا إِلَى أَهْلِيهم، فَنَزَلُوا مَعَهُم، حَتَّى إِذَا كَانَ بِها أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُم، وَشَبَّ الْغُلاَمُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهم،

وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكتهُ، فَلم يَجدْ إِسْمَاعِيل، فسَأل امْرَأتهُ عَنهُ، فقالتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لنا، ثمَّ سألها عَنْ عَيْشِهِم وَهيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نحنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرئي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَقُولي لَهُ يُغَيِّرْ عَتبةَ بابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأنَّهُ آنسً شَيْئًا، فَقَالَ: هلْ جَاءكم مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نعم، جَاءَناَ شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَألنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَألنِي: كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ، قَالَ: فَهلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، أَمَرَني أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبةَ بابِكَ، قَالَ: ذَاك أَبِي وَقَد أَمَرَني أَنْ أفُارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَطَلَّقَها، وَتَزَوَّجَ مِنْهُم أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُم إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أتاهُم بَعْدُ، فَلَمْ يَجدهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَألها عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ: كَيْفَ أَنتم؟ وَسَألها عَنْ عَيْشِهم وهيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأثنَتْ عَلَى اللهِ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُم؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُم؟ قَالَتِ: الْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُم فِي اللَّحم وَالْمَاءِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلم يَكُنْ لَهُم يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهم دَعَا لَهُم فِيهِ"، قَالَ: "فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إلا لَمْ يُوَافِقَاه"، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرئي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يثبِتُ عَتَبةَ بابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هلْ أتاكُمْ

مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نعم، أتاناَ شَيْخٌ حَسَنُ الْهيْئَةِ، وَأثنَتْ عَلَيْهِ، فَسَألنِي عَنْكَ فَأَخْبرْتُهُ، فَسَألنِي كيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعم، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَأمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتبةَ بابِكَ، قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَأَنْتِ الْعَتبة، أَمَرَني أَنْ أُمْسِكَكِ، ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُم مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نبلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمزَمَ، فَلَمَّا رآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ الله أَمَرَني بِأَمرٍ، قَالَ: فَاصنعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ الله أَمَرْني أَنْ أَبْنِيَ ها هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلها، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولاَنِ: {ربنَا تقبَّل مِنا إنَّكَ أَنتَ اَلسَّمِيعُ اَلعَليمُ}، قَالَ: فَجَعَلاَ يَبْنِيَانَ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولاَنِ: {ربنَا تَقبَّل مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ اَلعَليمُ}. (المنْطق) بكسر الميم، وفتح الطَّاء: ما يُشَدُّ به الوسَط، اتخذتْ أُم إسماعيل مِنْطَقًا، وكان أول الاتخاذ من جهتها. والمعنى: أنها تزيَّنت بزَيِّ الخدَم إشعارًا بأنَّها خادمةٌ؛ ليَستميل

خاطرها، ويجبر قلبَها، ويُصلح ما فسَد، يُقال: عفَا على ما كان منه: إذا أصلَح بعد الفَساد. (دوحة) بمهملتين: الشَّجرة العظيمة. (جِرَابًا) بكسر الجيم، وقد تُفتح. (وَسِقاء) بكسر السين: القِرْبَة التي يُستقَى بها. (قَفَّا) بتشديدها، أي: ولَّاهُما قَفاه، والتَّقفية: الإعراضُ والتَّولِّي. (يتلوى)؛ أي: يتقلَّب ظهْر البَطن يمينًا وشمالًا. (يتلبط) بإهمال الطَّاء، أي: يتمرَّغ، ويَضرِب نفْسه على الأرض، مِن لُبِط به: إذا صُرِع، وقال القَزَّاز: معناهما واحدٌ. وقال ابن دُرَيد: اللَّبْط باليد، والخبْط بالرِّجل، وقيل: هما بمعنًى. (فَهبَطت) بفتح الباء. (درعها)؛ أي: قَميصها. (صهٍ) قُيِّد بالتنوين: أَمرَتْ نفسَها بالسُّكوت. (تريد نفسها)؛ أي: تخاطِب بالأمر بالسّكوت نفسَها، أي: اسكُتي لأعلَم ما يقول هذا الصَّوت. (غواث) بفتح الغين المعجمة وضمها، وتخفيف الواو، مِن الغَوث، وجزاء الشرط محذوفٌ. (بالمَلَك) بفتح اللام، أي: جبريل - عليه السلام -.

(قال بجناحه)؛ أي: أشارَ به. (لا تخافي) في بعضها: (لا تَخافُوا). وفيه أنَّ الملَك يتكلَّم مع غير الأنبياء. (كالرابية) هي ما ارتفَع من الأرض. (جُرْهُم) بضم الجيم، والهاء: حيٌّ من اليمَن. (عائفًا) هو الذي يتردَّد على الماء ويَحُوم. (بهذا الوادي) ظرفٌ مستقرٌّ لا لغوٌ. (جريًا) هو بالياء المشدَّدة: الرَّسول المُسرِع؛ لأنه يجري، أو لأنَّك تُجريه في حَوائجك، وقيل: هو الوكِيل، وقيل: الأجِير. (فألفى)؛ أي: وجَد. (ذلك)؛ أي: حيُ جُرْهُم. (أُم إسماعيل) مفعولُ (ألفَى). (وهي تحب) جملةٌ حاليةٌ، أي: مُحِبَّةٌ. (الأُنس) بضم الهمزة وبكسرها، أي: المؤانسة بالنَّاس. (وأنْفَسَهُمِ) (¬1) فعلٌ ماضٍ، بفتح الفاء، أي: صارَ نفيسًا فيهم، أي: رفيْعًا يُتنافس في الوُصول إليه، ويرغَبون فيه، وفي مصاهرته، يُقال: أنفَسَني فلانٌ في كذا: أي: رغَّبني فيه. ¬

_ (¬1) "وأنفسهم" ليس في الأصل.

(بعد ما تزوج) قد يتعلَّق بهذا مَن يَروي أنَّ الذَّبيح إسحاق؛ لأنَّ قِصَّة الذَّبْح كانت في الصِّغَر، إلا أنْ يُجاب أنه جاءَ مرةً في صِغَره قبل مَوت أُمِّه، ثم جاء بعد كبره وتزوُّجِه. (ترْكْتَهُ) بسُكون الرَّاء وكسرها، مع فتْح التاء بمعنى: مَتْروكة، والمراد أهلُه، ومعنى مُطالعتهم: النَّظَر في أحوالهم. (جَهْد) بفتح الجيم وضمها. (عتبة)؛ أي: أُسْكُفَّتُه، كنَّى بها عن المرأة، قيل: واسم تلك المرأة: حداء بنت سَعْد. (ذلكِ) بكسر الكاف. (الْحَقِي) بكسر الهمزة وفتح الحاء. (اللهم بارك لهم في اللحم والماء) ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ولم يكُنْ لهم يَومئِذٍ حَبٌّ). (لا يخلو عليهما)؛ أي: يمضِي؛ قالَه الخَلِيْل، وقال ابن القُوطيَّة: خَلَوتُ بالشَّيء خَلْوةً، واختلَيتُ: إذا لم أخلِط به غيرَه، وفي "اليواقيت": أخلا الرجل اللَّبَنَ: إذا لم يشرب غيرَه. والمراد: لا يعتمدهما؛ لأنَّ المداومة على اللَّحم والماء لا تُوافِق الأمزجةَ، ويَنحرِف المِزاج عنهما إلا في مكَّة، فإنهما يُوافقانه، وهذا من بركتِها، وأثَرِ دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام. (يثبت عتبة بابه) اسم هذه المرأة التي أُمِر بإمساكها: سَامَة بنت

مُهلْهِل، وقيل: عاتِكَة. (يَبْرِي) بفتح أوله. (نبلًا) هو السِّهام العربية. (ما حولها) متعلِّقٌ بقوله: (إنني). (بهذا الحجر)؛ أي: المَشهور بمَقَام إبراهيم. * * * 3365 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ كثِير، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عبَّاس - رضي الله عنها - قَالَ: لَمَّا كانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ، خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَمَعَهُم شَنَّةٌ فِيها مَاءٌ، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ، فَيَدِرُّ لَبَنُها عَلَى صَبِيِّها حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَوَضَعَها تَحتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً ناَدَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ! إِلَى مَنْ تترُكُنَا؟ قَالَ: إِلَى اللهِ، قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللهِ، قَالَ: فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنها عَلَى صَبِيِّها، حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ: لَوْ ذَهبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا؟ قَالَ: فَذَهبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هلْ تُحِسُّ أَحَدًا؟ فَلمْ تُحِسَّ أَحَدًا، فَلَمَّا بَلَغَتِ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأتتِ الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ -تَعْنِي: الصَّبِيَّ-؟ فَذهبَتْ فَنَظَرَتْ، فَإِذَا هُوَ عَلَى

حَالِهِ كَأنَّهُ ينشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَم تُقِرَّها نَفْسُها، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهبَتْ فَصَعدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنظَرَتْ، فَلَم تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أتمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهبْتُ فَنَظَرتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَإِذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: فَقَالَ بِعَقِبِهِ هكَذَا، وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأرْضِ، قَالَ: فَانْبثقَ الْمَاءُ، فَدهشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ، قَالَ: فَقَالَ أبو الْقَاسم - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا"، قَالَ: فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ، وَيَدِرُّ لَبَنُها عَلَى صبِيها، قَالَ: فَمَرَّ ناَسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي، فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ، كَأَنَّهمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إلا عَلَى مَاءٍ، فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ، فَنَظَرَ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهم فَأَخْبَرَهُم، فَأَتَوْا إِلَيْها، فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ! أتأذَنِينَ لنا أَنْ نكُونَ مَعَكِ، أَوْ نسكُنَ مَعَكِ؟ فَبَلَغَ ابْنها فَنَكَحَ فِيهِمُ امرَأَةً، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امرَأتُهُ: ذَهبَ يَصِيدُ، قَالَ: قُولي لَهُ إِذَا جَاءَ: غَيِّر عَتَبةَ بابِكَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرتهُ، قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ، فَاذْهبِي إِلَى أَهْلِكِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امرَأتهُ: ذَهبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلاَ تنزِلُ فتطْعَمَ وَتَشرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُم وَمَا شَرَابُكُم؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ، وَشَرَابُنَا الْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِم وَشَرَابِهم، قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسم - صلى الله عليه وسلم -: "بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ"، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا

لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمزَمَ، يُصْلِحُ نبلًا لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَني أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَني أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ، قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ، أَوْ كمَا قَالَ، قَالَ: فَقَامَا، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وإسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، قَالَ: حَتَّى ارتَفَعَ الْبِنَاءُ وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَلَى نَقْلِ الْحِجَارَةِ، فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ، فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. الثالث: (ما كان)؛ أي: مِن جِنْس الخُصومة التي تتعلَّق بالضَّرائر في العادة. (حتى لما بلغوا)؛ أي: حتى نادتْه حين البُلوغ. (أشواطًا) الشَّوط: الطَّلْق. (ينشغ) بنونٍ ومعجَمتَين، أي: يَشهق من الصَّدر حتى كاد يبلُغ به الغَشْي، أي: يَعلُو نفَسُه كأنه شهيقٌ من شدَّة ما يَرِدُ عليه. (فلم تقرها) من الإقرار بالمكان. (نفسها) مرفوعٌ بالفاعلية. (قال بعقبه)؛ أي: أشارَ به. (فانبثق) بنون، ثم موحَّدة، ثم مثلَّثةٍ، أي: نَبَع، وجَرى، أو انخرق. (فَدَهِشت) بفتح الدال وضمها، مع كسر الهاء.

(تحفن) بمهملةٍ، وفاءٍ، ونونٍ، أي: تملأُ الكفَّين، وفي بعضها: (تحفِر) بالراء. (فبلغ) هي الفاء الفَصيحة، أي: فأذنت وكان كذا فبلغ. (بركة) خير مبتدأ محذوفٍ، أو بالعكس، أي: زَمْزم بركةٌ، أو في طعام مكة، وشَرابها بركَةٌ، بدليل السِّياق. (إذن أفعل) بالنصب. * * * 3366 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ مَسْجدٍ وُضعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: "الْمَسْجدُ الْحَرَامُ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْمَسْجدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ: كم كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أدركتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ". الرابع: (أول) قال أبو البقاء: الوَجْه ضمُّه ضمَّةَ بناءٍ؛ لقَطْعه عن الإضافة، أي: أوَّل شيءٍ كما تقول: أَبدأُ بهذا أوَّلَ. قال (ك): وبالفتْح غير منصرِفٍ، وبالنصب منصرِفًا. (ثم أي) قال ابن الخَشَّاب: لا يجوز إلا تنوينُه؛ لأنَّه اسم

معرَبٌ غير مضافٍ. وسبَق بيان ذلك مرَّاتٍ. (أربعون سنة) فإنْ قيل: قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران: 96]، والمسجِد الأقصَى بناه داود - عليه السلام -، فبينهما أكثَر من أربعين سنةً؟، قيل: لعلَّه بُنِيَ ثم خَرِبَ فعمَّره داود - عليه السلام -. وقال (خ): يُشبه أن يكون الأقصى بَناه قبْل داود بعضُ أولياء الله، ثم إنَّ داود وسُليمان - صلى الله عليهما وسلَّم - زادا فيه ووسَّعاه، فأُضيف إليهما بناؤُه، لأنَّ المسجِد الحرامَ بناه إبراهيم، وبينه وبين داود وسليمان مُدَّةٌ متطاولةٌ، وقد يُنسَب هذا المسجِد إلى إيلِيَاء، فالله أعلم، أهو اسمُ مَن بناه أو غيره؟ (فَصَلِّهْ) بسكون الهاء؛ لأنَّها للسَّكْت. * * * 3367 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمرِو بْنِ أَبِي عَمرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ، فَقَالَ: "هذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبتيْها". رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (طلع)؛ أي: ظَهرَ.

(يحبنا) إما حقيقةٌ، أو مجازٌ، أو بإضمار: (أهلُه). (لابتيها)؛ أي: الحَرَّتين، وسبَق الحديث. (رواه عبد الله) موصولٌ في (البيوع). * * * 3368 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ألم تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الْكعْبَة اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَلاَ تَرُدُّها عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: "لَوْلاَ حِدثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْر"، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتمَّم عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر. السادس: (حِدْثان) بكسر الحاء، وسُكون الدال، وبفتحهما، والجواب محذوفٌ جوازًا، وأما خبر المبتدأ فمحذوفٌ وجوبًا، أي: لولا قُرب عَهدهم بالكُفر ثابتٌ لرددتُ البيت على قواعد إبراهيم.

وأما (الحِجر) بكسر الحاء: هو المَحُوط عليه المسمَّى بالحَطِيْم من جانب شمال الكعبة. (أن البيت)؛ أي: لأَنَّ البيت. * * * 3369 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمرِو بْنِ سُلَيْم الزُّرَقِيِّ: أَخْبَرَني أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ - رضي الله عنه - أَنَّهُم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كمَا بَاركتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". السابع: (على آل إبراهيم) إنْ قيل: السّياق يقتَضي على إبراهيم بدُون آل، قيل: آل مُقحمةٌ، أو إبراهيم داخلٌ في الآل عُرفًا، كما في: "صَلِّ على آلِ أَبي أَوْفَى"، وهو أبو أَوفى نفْسُه، أو هو مرادٌ بالطريق الأَولى. وفي هذا مراعاةُ ما في قوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73]. * * *

3370 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِم الْهمدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيسَى، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيني كعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلاَ أهدِي لَكَ هدِيَّةً سَمعتها مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدها لِي، فَقَالَ: سأَلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! كيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُم أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ الله قَدْ عَلَّمَنَا كيْفَ نُسَلِّمُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَاركتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ". الثامن: (أبو فروة مسلم) قال الغَسَّاني: يُروى عن أحمد: أنَّ اسم أَبي فَرْوة: عُروة لا مُسلم. (أهل البيت) نصب على الاختصاص. (فإن الله قد علمنا)؛ أي: في التشهُّد، وهو قولنا: سلامٌ عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته. * * * 3371 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ،

عَنِ الْمِنْهالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: "إِنَّ أَبَاكمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِها إِسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ". التاسع: (يعوذ) يُقال: أعذْتُ غَيري به، وعَوَّذْتُ به؛ بمعنًى. (أباكما)؛ أي: لأنهما مِن نسَله. (بكلمات الله) إما باقٍ على عمومه، أي: كلِّ كلمةٍ لله تعالى، أو مخصوصٌ بنحو المعوِّذتين، أو المراد القُرآن. (التامة)؛ أي: التامِّ فضلُها، وبركتُها صفةٌ لازمةٌ؛ إذ كلُّ كلماته تامةٌ. (وهامة) مفردُ الهوامِّ، وهو المَخُوف مِن الحشَرات، وقال (خ): ذَوات السُّموم. (لامة)؛ أي: التي تُصيب بالسُّوء، وقيل: بمعنى المُلِمَّة، وإنما أُتي بها على فاعِلةٍ للمُزاوَجة، ويجوز أنها على ظاهرها بمعنى: جامعةٍ للشَّرِّ على المَعيُون، مِن لمَّه: إذا جمعَه، وقال (خ): كلُّ آفةٍ تُلمُّ بالإنسان من جُنونٍ ونحوه. * * *

11 - باب قوله - عز وجل -: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم}

11 - باب قوله - عز وجل -: {ونَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} قَوْلُهُ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}. (باب قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} [الحجر: 51]) 3372 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ صَالح، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نحنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}، ويَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَد كَانَ يَأوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ". (نحن أحق بالشك)؛ أي: في كيفيَّة الإحياء لا في نفْسه، أي: نحن أحقُّ بالشَّكِّ لو أمكَن، ولكن لا شكَّ عندنا، فلا شكَّ عنده من باب أَولى، أو أشدُّ اشتياقًا لرُؤية ذلك من إبراهيم، أي: نحن أحوَج إلى العِيان منه، كما جاء تفسيره بذلك في رواية ابن السَّكَن. وذكَر صاحب "الأمثال السَّائِرة": أنَّ أفعَل تأْتي في اللّغة لنفْي المعنى عن الشَّيئين، نحو: الشَّيطان خيرٌ من زَيدٍ، أي: لا خيرَ فيهما، وكقوله تعالى: {أهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: 37]. قال (ش): وهو أحسَن ما يتخرَّج عليه هذا الحديث.

(ويرحم الله لوطًا) إلى آخره، قال الطيِّبْيُّ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأن كلامه يدلُّ على إِقْناط كلِّي، ويأْس شديد مِن أن يكون له ناصِرٌ ينصرُه، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - استَغربَ هذا القولَ، وعدَّه نادرة منه؛ إذْ لا رُكن أشدُّ من الركن الذي كان يَأْوي إليه. وقال صاحب "الكشَّاف": معناه: إلى قَوي أستَندُ إليه، وأتمنَّعُ به، فيَحميني منكم، شبَّه القويَّ العَزيز بالركن من الجبَل في شدَّته ومَنَعتِه، ويُروى: أنه أغلَق بابه حين جاؤوا، وجعل يُراودهم ويجادلُهم من وراء حِجاب، فحُمِل تارةً على التشبيه، وأُخرى على ظاهره. قال (ن): يجوز أنه نَسِيَ الالتجاءَ إلى الله تعالى في حماية الأَضْياف، أو أنه التجأَ إلى الله فيما بينه وبين الله تعالى، وأظهر للأَضْياف العُذْرَ وضِيْقَ الصَّدر، وقال مجاهد: يعني بالركن الشَّديد العَشيرة، أي: لو أرادَ لأَوى إليها لكنَّه أوى إلى الله تعالى. قلتُ: وحملَهُ بعض علماء العصر على أنَّ الركن الشديد هم الملائكة الذين جاؤوا إلى لُوطٍ، لكنه ما كان أولًا عرفَهم، فلو أَوى إليهم لكفَّره قومه. (لأجبت الداعي)؛ أي: لأسرعتُ في الإجابة إلى الخُروج عن السِّجن، ولَمَا قدَّمتُ العُذر، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50]. وصفَه - صلى الله عليه وسلم - بالصَّبر حيث لم يُبادِر إلى الخُروج، وقال ذلك تواضُعًا، لا أنه كان في الأمر منه مبادرةٌ وعجلةٌ لو كان مكانَ يوسُف،

12 - باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد}

والتَّواضُع لا يُصغِّر كبيرًا، بل يُوجِب إجلالًا وقَدْرًا، - صلى الله عليه وسلم -. 12 - باب قولِ الله تعالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} (باب قَول الله - عز وجل -: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} [مريم: 54]) 3373 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْمُوا إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُم كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلانٍ"، قَالَ: فَأمسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! نرمِي وَأَنْتَ مَعَهمْ؟ قَالَ: "ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُم كُلِّكُم". (أسلَم) بفتح اللام: قَبيلةٌ. (ينتضلون) من الانتِضال، بنُونٍ ومثنَّاةٍ ومعجمةٍ، وهي المراماة على سَبيل المسابَقة. (بني) منادى، أي: يا بنيَّ. (أباكم)؛ أي: إسماعيل، مِن إطلاق الأبِ على الجدِّ. (كلكم)؛ أي: على سَبيل المساعدة والهمَّة، لا المراد كلٌّ منهما ليَكُون غالبًا؛ لئلا يصير كلٌّ منهما غالِبًا مَغلُوبًا. * * *

13 - باب قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام

13 - باب قِصَّةِ إِسحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قصَّة إسحاق بن إبراهيم، عليهما الصلاة السلام) (فيه)؛ أي: في الباب ما رَواه ابن عمر، وأبو هريرة، ولم يذكُره؛ لأنه ليس من شرطه، كذا قال (ك)، لكنَّ الأَول موصولٌ في (قصَّة يوسُف)، والثاني في (قصَّة يعقوب). * * * 14 - باب {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (باب: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} [البقرة: 133]) 3374 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمعَ الْمعْتَمِرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أكرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: "أكرَمُهُمْ أتقَاهُمْ"، قَالُوا: يَا نبَيَّ اللهِ! لَيْسَ عَنْ هذَا نسألكَ، قَالَ: "فأَكرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نبَيُّ اللهِ ابْنُ نبَيِّ اللهِ ابْنِ نبَيِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نَسْألكَ، قَالَ: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألوني؟ "، قَالُوا: نعم، قَالَ:

15 - باب {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون (54) أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون (55) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (56) فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين (57) وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين} [النمل: 54 - 58]

"فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكمْ فِي الإسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا". (فأكرم الناس يوسف)؛ أي: أكرمهم أصلًا، فإنَّهم سِلْسلة أنبياء. (خياركم) جمع خيْر، فيحتمل أنه بمعنى التَّفضيل. (إذا فقهوا) فيه أنَّ أصحابه - رضي الله عنهم - أطيَبُ أصلًا في الجاهليَّة، وفضْل الفِقْه، وأنَّه يرفع صاحبَه على مَنْ نَسَبُهُ أعلى منه. وسبق الحديث قريبًا. 15 - باب {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [النمل: 54 - 58] (باب: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}) 3375 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَغْفِرُ اللهُ لِلُوطٍ؛ إِنْ كَانَ لَيَأوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ".

16 - باب {فلما جاء آل لوط المرسلون (61) قال إنكم قوم منكرون}

(إن كان) بكسر (إنْ) مخفَّفةً من الثَّقيلة، أي: إنه. * * * 16 - باب {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} {بِركنه}: بِمَنْ مَعَهُ؛ لأَنَّهُم قُوَّتُهُ، {تَركنوا}: تَمِيلُوا، فَأَنْكَرَهمْ وَنَكِرَهُم وَاسْتَنْكَرَهُم: وَاحِدٌ. {يهرَعُونَ}: يُسْرِعُونَ، {دَابِرُ} آخِرٌ. {صيحَةً}: هلَكَةٌ. {للمتُوسمينَ}: لِلنَّاظِرِينَ. {لبَسَبِيل}: لَبِطَرِيق. (باب: {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ} [الحجر: 61]) (بركنه)؛ أي: من قوله تعالى: {فَتَوَلَّى بِركُنِهِ} الآية [الذاريات: 39]. (تركنوا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: 113]. (نكرهم)؛ أي: من قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} [هود: 70]، فبيَّن أنَّ معنى نكِرهم وأنكَرهم واستَنكرهُم واحدٌ. (يهرعون)؛ أي: في قوله تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78]. (دابر)؛ أي: في قوله تعالى: {دَابِرَ هؤُلَاَءِ} [الحجر: 66]، أي: آخِرهم.

17 - باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحا}

(صيحة)؛ أي: في قوله تعالى: {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} [القمر: 31]. (للمتوسمين)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]. * * * 3376 - حَدَّثَنَا محْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: {فهل مِن مُدَّكِرٍ}. (مُدَّكر)؛ أي: بإهمال الدال المشددة. * * * 17 - باب قول الله تعالَى: {وإلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ}: مَوْضِعُ ثَمُودَ، وَأَمَّا {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} حَرَامٌ، وَكُلُّ مَمنُوعٍ فَهْوَ حِجْرٌ مَحْجُورٌ، وَالْحِجْرُ: كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ، وَمَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ فَهْوَ حِجْرٌ، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ الْبَيْتِ: حِجْرًا، كَأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ: مَخطُومٍ، مِثْلُ قَتِيلٍ مِنْ: مَقْتُولٍ، وَيُقَالُ لِلأُنْثَى مِنَ الْخَيْلِ: الْحِجْرُ، وَيُقَالُ لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ وَحِجًى، وَأَمَّا حَجْرُ الْيَمَامَةِ فَهْوَ مَنْزِلٌ.

(باب قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73]) قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْحِجْر} [الحجر: 80] هي مَنَازل ثَمود بناحية الشَّام، عند وادي القُرى. (حرث حجر)؛ أي: في قوله تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138]. (حرام)؛ أي: فمعناه حَرام، فحَذَف الفاء بعد (أمَّا)، وهو كثيرٌ، وحذف المبتدأ. (حطيم) بمعنى: مَحطُومٌ، أي: مَكْسورٌ، وكأنه سُمي بذلك؛ لأنه كان في الأصل داخل الكعبة، فانكسر بإخراجه منها. (حَجْر اليمامة) بفتح الحاء، وسكون الجيم، هو قصة اليَمامة، يُذَّكر ويُؤنَّث. * * * 3377 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ زَمْعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، قَالَ: "انتدَبَ لَها رَجلٌ ذُو عِزِّ وَمَنَعَةٍ فِي قُوَّةٍ كَأَبِي زمعَةَ". الحديث الأول: (الناقة)؛ أي: ناقة صالح. (انتدب): يُقال ندبَه لأمرٍ فانتَدَب له، أي: دُعاه فأَجابَ.

(وَمَنَعة) بفتح الميم والنون، وقيل بسكونها: القُوَّة وما يُمنعَ به الخَصْم. (كأبي زَمعة) بفتح الزاي، وسُكون الميم أو فتحها: هو الأَسوَد ابن المطَّلِب بن أسد بن عبد العُزَّى، وهو جد عبد الله بن زَمْعة بن الأَسوَد، وقُتل أبو زمعة يومَ بدرٍ كافرًا، فرماه جبريل بورقةٍ وكان ذا عزِّ ومنَعةٍ في قومه كعاقِر النَّاقة، وهو أحد المُستهزئين في قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]. * * * 3378 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ أبُو زكرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا نزَلَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تبوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لاَ يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِها، وَلاَ يَسْتَقُوا مِنْها، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْها، وَاستقَيْنَا، فَأَمَرَهُم أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجينَ وَيُهرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ. ويُرْوَى عَنْ سَبْرَةَ بنِ معْبَدٍ، وَأَبِي الشُّمُوسِ: أَنَّ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِإِلْقَاءَ الطَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ". الثاني: (ويهرِيقوا) بفتح الهاء وسكونها.

(عن سَبْرة) بفتح السين، وإسكان الموحَّدة، رواه الطبراني. (وأبي الشموس) وصلَه ابن أبي عاصم في "الآحاد"، وابن مَنْدَه في "المُعرفة"، والشَّمُوس -بفتح الشين- قيل: اسمه عبْد، وهو بَكْريٌّ، صحابيٌّ، ممن بايَع تحت الشَّجرة. (وقال أبو ذر) وصلَه البَزَّار في "المسند". (من اعتجن)؛ أي: أمَرَ مَن اعتَجَن بالإلْقاء. * * * 3379 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّاسَ نزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِها، وَاعْتَجَنُوا بِهِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُهرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِها، وَأَنْ يعْلِفُوا الإبِلَ الْعَجينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كانَ تَرِدُها النَّاقَةُ. تَابَعَهُ أُسَامَةُ، عَنْ نَافِعٍ. الثالث: (الحجر) بالنصب بدلٌ من (أرض). (وأن يعلفوا) دليلٌ على أنَّ المراد فيما سبَق بالطَّرح تَركُ الأكل، أو الطَّرح عند الدَّوابِّ، فلا تعارُضَ بينهما.

(تابعه أُسامة) هو في "فوائد ابن المقري" موصولًا. * * * 3380 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: "لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا إلا أَنْ تَكُونُوا بَاكينَ، أَنْ يُصِيبَكُم مَا أَصَابَهُمْ"، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدائِهِ، وَهْوَ عَلَى الرَّحْلِ. 3381 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلمُوا أَنْفُسَهُم إلا أَنْ تَكُونوُا بَاكينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ". الرابع: (الذين ظلموا) قال (خ): ثمودُ ومَن في معناهم من سائر الأُمم الذين نزلتْ بهم المَثُلات. (أن يصيبكم)؛ أي: كراهةَ أن يُصيبَكم، أو حذَرًا من أن يُصيبَكم، قال (خ): نحو: لا تَقرب الأسدَ أنْ يفتَرسَك، أو لئلا يُصيبَكم على رأْي الكوفيِّين في حذْف (لا). وسبَق الحديث في (باب: الصلاة في مواضع الخَسْف). (تَقَنَّع)؛ أي: تستَّر.

18 - باب {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}

(الرحل)؛ أي: رحْل البعير، وهو أصغَر من القَتَب. * * * 18 - باب {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} (باب: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة: 133]) 3382 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيم ابْنِ الْكَرِيم ابْنِ الْكَرِيم يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ". (الكريم بن الكريم) إلى آخره، كلُّ نفسٍ كريمٌ، وهو الصَّالح دُنيا ودِينًا، و (ابن) الأوَّل مرفوعٌ، والثاني بالخفْض صفةٌ للمجرور. واعلم أنَّ كَون هذا مَوزُونًا مُقَفًّا ليس بشِعْر؛ لعدَم القَصْد، فلا يُشكل بقوله تعالى: {ومَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69]، أو أن المراد: وما علَّمناه صَنْعة الشِّعر. (يوسف) فيه ست لُغات: ضمُّ السين وفتحها وكسرها، بهمزٍ ودونه؛ فجمَع يوسُف -عليه الصلاة والسلام- الكَرَم من وُجوهٍ: مكارم الأخلاق، وشرَف النُّبوة، وكونه ابن ثلاثةِ أنبياء مُتناسِلين، مع شرَف رئاسة الدُّنيا، وملْكها بالعَدل والإحسان. * * *

19 - باب قول الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين}

19 - باب قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} (باب قَولِ الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7]) 3383 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أكرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: "أتقَاهُمْ لِلَّهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نسألُكَ، قَالَ: "فأَكرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نبِيُّ اللهِ ابْنُ نبَيِّ اللهِ ابْنِ نبِيِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نسألكَ، قَالَ: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألوني؟ النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلاَمِ إذَا فَقِهُوا". حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذَا. الحديث الأول: (من أكرم) قال العُلماء: لمَّا سألوه عن أكرم الناس أجابَ بأكمَل الكرَم، فقال: أتْقاهم؛ لأنَّ المتَّقي كثيرُ الخير في الآخِرة، فلمَّا قالوا: لا نسَألُ عنه، فقال: يوسُف الذي جمَع بين خيرَي الدنيا والآخرة، فلمَّا قالوا ما قالوا، فَهِمَ مُرادَهم أنَّ مُرادَهم قبائلُ العرَب وأصولهم.

(فقهوا) بضم القاف، وحُكي كسرها. * * * 3384 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، أَخْبَرَنَا شُعبةُ، عَنْ سعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُروَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَها: "مُرِي أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ"، قَالَتْ: إِنَّهُ رَجُلٌ أَسِيفٌ، مَتَى يَقُم مَقَامَكَ رَقَّ، فَعَادَ فَعَادَتْ، قَالَ شُعبةُ: فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ". 3385 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحيَى الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقَالَتْ مِثْلَهُ، فَقَالَ: "مُرُوهُ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ"، فأمَّ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ: رَجُلٌ رَقِيقٌ. الثاني: (أسيف) هو السَّريعُ الحُزْنِ الرَّقيق. وسبق الحديث في (الصلاة). * * *

3386 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ أَنْج عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْج سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَليدَ بْنَ الْوَليدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْها سِنِينَ كسِنِي يُوسُفَ". الثالث: (وطأتك) الوَطْأَة: الضَّغْطة. (مُضَر) بضم الميم، وفتح المعجَمة: قَبيلةٌ. وسبق الحديث في (باب: يهوي بالتكبير حين يَسجُد). * * * 3387 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ ابْنُ أَخِي جُويرِيَةَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَد كَانَ يَأوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ أتانِي الدَّاعِي لأَجَبْتُهُ". الرابع: سبق شرحه قريبًا. * * *

3388 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَم، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ رُومَانَ، وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ، عَمَّا قِيلَ فِيها مَا قِيلَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عَائِشَةَ جَالِسَتَانِ، إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهْيَ تَقُولُ: فَعَلَ اللهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ نَمَا ذِكْرَ الْحَدِيثِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَيُّ حَدِيثٍ؟ فَأَخْبَرتها، قَالَتْ: فَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: نعم، فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْها، فَمَا أفاقَتْ إلا وَعَلَيْها حُمَّى بِنَافِضٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا لِهذِهِ؟ "، قُلْتُ: حُمَّى أَخَذَتْها مِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ، فَقَعَدَتْ فَقَالَتْ: وَاللهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُوني، وَلَئِنِ اعتَذَرْتُ لاَ تَعذِرُوني، فَمَثَلِي وَمَثَلُكُم كَمَثَلِ يَعقُوبَ وَبَنِيهِ، فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللهُ مَا أَنْزَلَ، فَأَخْبَرَها، فَقَالَتْ: بِحَمدِ اللهِ لاَ بِحَمدِ أَحَدٍ. الخامس: (أم رُومان) بضم الراء، وقيل: بفتحها. قال الواقدي: ماتتْ سنة ستٍّ، ونزلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قَبْرها، فقال الكَلابَاذِي: فإنْ كان كذلك، فمَسروقٌ لم يسمَع منها. وقال الخطيب: صوابه أنْ يُقرأ: (سئلت) بالبناء للمفعول، وبعضهم يكتُبه بالألف. قال (ك): هذا ليس بعُذْرٍ؛ لأنَّ حديث الإفْك في (المغازي):

(حدَّثتْني أُمُّ رُومان). (نَمى) من التَّنْمية، وهي التربية والرَّفْع. (الحديث)؛ أي: حديث الإفْك. (بنافض) أي: ملتبسةً بارتعادٍ، والنَّافِض من الحُمَّى هي ذات الرِّعْدة، والنَّفْض: التحريك. (فمثلي)؛ أي: صِفَتي. (كمثل يعقوب)؛ أي: حيث صبَرَ صَبْرًا جميلًا، وقال: واللهُ المُستَعانُ. (بحمد الله لا بحمد أحد) قال بعض أصحاب ابن المُبارَك له: أنَا أستعظِمُ هذا القولَ، فقال ابن المُبارَك: ولَّتِ الحمدَ أهلَه. * * * 3389 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَرَأَيْتِ قَوْلَهُ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أَوْ كُذِبُوا؟ قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ! لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ، قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ كُذِبُوا، قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ! لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، وَأَمَّا هَذِهِ الآيَةُ قَالَتْ: هُمْ أتبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، وَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلاَءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ،

حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ أتبَاعَهُمْ كذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {اسْتَيْئَسُوا}: افْتَعَلُوا مِنْ: يَئِسْتُ، {مِنهُ}: مِنْ يُوسُفَ. {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} مَعْنَاهُ: الرَّجَاءُ. 3390 - أَخْبَرَني عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيم ابْنِ الْكَرِيم ابْنِ الْكَرِيم يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمِ السَّلاَمُ". السادس: (أرأيت)؛ أي: أخبِرْني. (أو كَذبوا) الترديد بين التخفيف والتشديد. (بالظن)؛ أي: متلبِّسين به. (يا عُريَّة) تصغير عُروة، وهو تصغير محبَّةٍ وشفَقةٍ وإدلالٍ، وأصله: عُرَيْوَة، اجتمَع واوٌ وياءٌ والسَّابق ساكنٌ، قُلبت الواو ياءً، وأُدغمت. (لقد استيقنوا)؛ أي: كما تقول، فقال: لعلَّها (كذبوا) بالتخفيف، أي: من عند ربهم، فقال: لا، بل مِن جهة أتباعهم المصدِّقين، أي: ظنَّ الرُّسُل أنَّ أتباعَهم لم يكُونوا صادقين في دعوى إيمانهم، وجواب (أَمَّا) محذوفٌ، أي: فالمراد من الكاذبين وما هم الأَتباع.

20 - باب قول الله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}

(كذبوهم) بالتخفيف، ويحتمل التشديد، فأرادتْ عائشة أنهم استَيقنوا التكذيبَ من غير المصدِّقين، وظَنُّوا التَّكذيبَ آخرًا من المصدِّقين أولًا. قال في "الكشَّاف ": وهل معناه: وظنَّ المرسَل إليهم أنَّ الرُّسُلَ قد كُذبوا، أي: أُخلِفوا، بالبناء للمفعول، أو ظنَّ المرسَل إليهم أنهم كُذبوا من جهة الرسُل، أي: لم يصدقهم الرسُل في أنهم يُنصَرون. (اسْتَيأسوا) استفعلوا، وفي بعضها: (افْتَعَلُوا)، وغرضه بَيان المعنى، وأنَّ الغرَض ليس مقصودًا فيه؛ ولا بيان الوزن والاشتقاق. قال (ش): حاصِل ما ذُكر في الآية تأويلان: أنَّ الظنَّ بمعنى اليقين، كما في: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلا إِلَيْهِ} [التوبة: 118]، وثانيهما: على بابه، والمعنى: لمَّا طالَ على المؤمنين البَلاءُ، واستأخَر عنهم النَّصر ظنَّ الرُّسُل أنَّ أتباعَهم كذَّبوهم، قيل: وهو أحسَن. * * * 20 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} {ارْكُضْ}: اضْرِبْ. {يَرْكُضُون}: يَعْدُونَ. (باب قَول الله - عز وجل -: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ} [الأنبياء: 83]) 3391 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ،

21 - باب {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا (51) وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا}: كلمه

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي في ثَوْبِهِ، فَنَادَى رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ؟ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ". الحديث: (رجل جراد)؛ أي: جماعة من الجراد، كما يُقال: سِربٌ من الظِّباء، وعانةٌ من الحمير، وهو مما لا واحدَ له من لفْظه. وفيه دليلٌ على أن من نُثِرَ عليه دراهم أو نحوهما في الإملاك وغيره كان أحقَّ بما نُثِرَ عليه، إنْ شاء أخذَه، وإنْ شاء جعلَه لغيره. وسبق الحديث في (باب: من اغتسل عريانًا). * * * 21 - باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}: كَلَّمَهُ {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَلِلاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيع: نَجِيٌّ، وُيقَالُ: خَلَصُوا نَجِيًّا: اعْتَزُلوا نَجِيًّا، وَالْجَمِيعُ: أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ. (باب قول الله - عز وجل -: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} [مريم: 51]) 3392 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي

22 - باب قول الله - عز وجل -: {وهل أتاك حديث موسى (9) إذ رأى نارا} إلى قوله {بالواد المقدس طوى}

عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَرَجَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ رَجُلًا تَنَصَّرَ يَقْرَأُ الإنْجيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَ وَرَقَةُ: مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. النَّامُوسُ: صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي يُطْلِعُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غيْرِهِ. (فرجع)؛ أي: من غار حراء. وسبق الحديث مبسوطًا أول "الجامع". * * * 22 - باب قَوْلِ اللهِ - عز وجل -: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا} إِلَى قَولِهِ {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} {آنَسْتُ}: أَبْصَرْتُ، {نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} الآيةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْمُقَدَّسِ}: الْمُبَارَكُ. {طُوًى}: اسْمُ الْوَادِي. {سِيرَتَهَا}: حَاَلَتهَا. وَ {النُّهَى}: التُّقَى. {بِمَلْكِنَا}: بِأَمْرِناَ. {هَوَى}: شَقِيَ. {فَارِغًا} إلا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. {رِدْءًا} كَيْ يُصَدِّقَنِي، وَيُقَالُ: مُغِيثًا أَوْ مُعِينًا. يَبْطُشُ وَيَبْطِشُ. {يَأْتَمِرُونَ}: يَتَشَاوَرُونَ. وَ (الْجِذْوَةُ): قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ.

{سَنَشُدُّ}: سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلَّمَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ فَهْيَ عُقْدَةٌ. {أَزْرِي}: ظَهْرِي. {فَيُسْحِتَكُم}: فَيُهْلِكَكُمْ. {اْلْمُثْلَى}: تأْنِيثُ الأَمْثَلِ، يَقُولُ بِدِينِكُمْ، يُقَالُ: خُذِ الْمُثْلَى، خُذِ الأَمْثَلَ. {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} يُقَالُ: هَلْ أتَيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ؟ يَعْنِي: الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ. {فَأَوجَسَ}: أَضْمَرَ خَوْفًا، فَذَهَبَتِ الْوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} لِكَسْرَةِ الْخَاءِ. {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}: عَلَى جُذُوعِ. {خَطْبُكَ}: بَالُكَ. {مِسَاسَ}: مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا. {لَنَنسِفَنَّهُ}: لَنُذْرِيَنَّهُ. (الضَّحَاءُ): الْحَرُّ. {قُصِّيِه}: اتَّبِعِي أثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ تَقُصَّ الْكَلاَمَ، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ}. {عَن جُنُبٍ}: عَنْ بُعْدٍ، وَعَنْ جَنَابَةٍ، وَعَنِ اجْتِنَابٍ: وَاحِدٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى قَدَرٍ}: مَوْعِدٍ {وَلَا تَنِيَا}. {يَبَسًا}: يَابِسًا. {مِن زِينَةِ اْلقَوْمِ}: الْحُلِيِّ الَّذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. {فَقَذَفْنَاهَا}: أَلْقَيْتُهَا. {أَلْقَى}: صَنَعَ. {فَنَسِيَ} مُوسَى، هُمْ يَقُولُونَهُ: أَخْطَأَ الرَّبَّ. {أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} في الْعِجْلِ. (باب قول الله - عز وجل - {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9]) قوله: (سيرتها)؛ أي: من قوله تعالى: {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طه: 21]. (النُّهي)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طه: 54].

(بملكنا) في قوله تعالى: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه: 87]. (هوى)؛ أي: في قوله تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81]. (فارغًا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص: 10]: إلا مِن ذِكْر موسى. (ردءًا)؛ أي: في قوله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} [القصص: 34]. (مغيثًا) بمعجمةٍ، ومثلَّثةٍ. (أو معينًا) بمهملةٍ، ونونٍ. (نبطش)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} [القصص: 20]. (والجذوة)؛ أي: في قوله تعالى: {آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ} الآية [القصص: 29]. (سنشد)؛ أي: في قوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35]. (غيره)؛ أي: غير ابن عبَّاس في تفسير قوله: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه: 27]. (تَمْتَمة) بفتح التاء المثنَّاة مكررةً، مع الميم: هي التردُّد في حَرْف المثنَّاة، وانحرافُ اللِّسان إليها عند التكلم. (فأفأة) بتكرير الفاء، مع الهمزة: هو التردُّد في الفاء عنده.

(أزري)؛ أي: في قوله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 31]. (فيسحتكم)؛ أي: في قوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61]. (المثلى)؛ أي: في قوله تعالى: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه: 63]. (خيفة)؛ أي: في قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67]. (فذهبت الواو) أي: لأنَّ أصلَه: خَوْفَةً، فقلبت الواو ياءً؛ لسُكونها وانكسار ما قبلَها. (في جذوع)؛ أي: من قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]. (على)؛ أي: استعيرت الفاءُ لمعناها، وهو الاستعلاء لبَيان شدَّة التمكُّن بالمظروف. (خطبك)؛ أي: في قوله: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ} [طه: 95]. (مساس)؛ أي: في قوله تعالى: {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ} [طه: 97]. (لننسفنه)؛ أي: في قوله تعالى: {لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97]. (الضحى)؛ أي: من قوله تعالى: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: 59]. (قصيه)؛ أي: من قوله تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11]. (وقد تكون)؛ أي: أنه إما مشتقٌّ من القَصَص، وهو اتباع الأثَر، أو مِنْ قَصَص الكلام كما في: {نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3].

(عن جنب)؛ أي: في قوله: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} [القصص: 11]، ومدارُ المُناداة على البُعد. (على قدر)؛ أي: في قوله تعالى: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه: 40]. (ولا تنيا)؛ أي: في قوله تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا} [طه: 42]. (سوى)؛ أي: من قوله تعالى: {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} [طه: 58]. (يبسًا)؛ أي: في قوله تعالى: {طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه: 77]. (من زينة)؛ أي: في قوله تعالى: {حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا} [طه: 87]. (هم)؛ أي: قومُ السَّامري يقولون: فنَسِيَ، ومعناه: أخطَأَ موسى الربَّ حيث تركَه ها هنا وذهبَ إلى الطُّور يطلبُه هناك. هذا آخِرُ ما أشار إليه من تفسير الآيات. * * * 3393 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: "حَتَّى أتى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأخ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".

23 - باب {وقال رجل مؤمن من آل فرعون} إلى قوله: {مسرف كذاب}

تَابَعَهُ ثَابِتٌ وَعَبَّادُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (بالأخ الصالح) عبَّر بالأخ؛ لأنه ليس في عمود نسَبه. (تابعه ثابت) وصلَه مسلم. * * * 23 - باب {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} إلَى قَوْلِهِ: {مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} (باب: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28]) كذا وقعت الترجمة بلا حديثٍ (¬1). * * * 24 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (باب قول الله - عز وجل -: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9]) 3394 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، ¬

_ (¬1) هذا الباب في اليونينية جاء بعد: بابٌ؛ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} السابق.

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: "رَأَيْتُ مُوسَى، وَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ، كَأنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِناَءَيْنِ، في أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ، فَقَالَ: اشْرَبْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ: أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ". الحديث الأول: (ضَرْب) بسكون الراء: الخَفيف اللَّحم. (رَجِل) المذكور بعد ضَرْب: بكسر الجيم، أي: مُسترسِل، ضِدُّ جُعودة الشَّعر. قال ابن السِّكِّيت: شعرٌ رَجِل، بكسر الجيم وفتحها، إذا لم يكُن شَديدَ الجُعودة ولا سَبْطًا. (شَنُوءة) بفتح المعجمة، وضم النُّون، والهمز: حيٌّ من اليمَن. قال القَزَّاز: ما أَدري ما أراد البخاري بهذا؛ فإنَّ الضَّرْب هو الخفيف، وقد روى هو بعد ذلك أنَّ موسى جسيمٌ سَبْطٌ كأنه من رِجال شَنُوءَة. (رَبْعة) بسكون الموحدة، ويجوز فتحها: لا طويلٌ ولا قصيرٌ،

وقيل: أُنِّث بتأويل النفْس. (دِيْماس) بكسر المهملة، وسكون الياء، وبميم: السَّرَب، وقيل: الحمَّام بلغة الحبَشة، وقيل: الكِنُّ، أي: كأنَّه مُخدَّرٌ لم يَرَ شمسًا، فهو في غاية الإشراق والنَّضارة. (أشبه ولد إبراهيم)؛ أي: به، وربما تُوجد في بعض النُّسخ. (الفطرة)؛ أي: الاستقامة، أي: اخترتَ علامة الإِسلام، وإنما كان اللَّبَن علامته؛ لأنه سهلٌ طيِّبٌ طاهرٌ نافعٌ للشَّاربين سليمُ العاقبةِ، وأما الخمر فإنها أُمُّ الخَبائث جالبةٌ لأنواع الشُّرور في الحالِ والمآلِ. وفيه أن الأُمة تابعةٌ له فحيث أصابَ الفِطْرة فهم يكونون عليها. * * * 3395 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نبِيِّكُمْ -يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى"، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. الثاني: (يونس) فيه الأوجه الستة السابقة في (يوسف).

(مَتّى) بفتح الميم، وتشديد التاء المثنَّاة، وبالألف: اسم أبيه، وقال في "جامع الأصول": هو اسم أُمِّه، وهو ذو النُّون، أرسله الله تعالى إلى أهل الموصِل، وقيل: إنَّ نبوَّتَه كانت بعد خروجه من بطْن الحُوت. قال (خ): يعني ليس لأحدٍ أن يُفضِّل نفسَه على يونُس، ويحتمل أن يُراد: أن يُفضلني عليه، فقالَه - صلى الله عليه وسلم - تواضعًا، وليس مخالفًا لقوله: "أنا سيِّدُ ولَدِ آدَمَ"؛ لأنه لم يقُل ذلك مفتخِرًا، ولا متطاوِلًا به عن الخلْق بل ذاكرًا لنعمة الله معترفًا بمِنَّته، وأراد بالسِّيادة ما يُكرَمُ به في القيامة. قال (ك): أو قال ذلك قبل الوحي إليه بأنه سيِّد الكُلِّ وخيرُهم وأفضلُهم، وزجرًا عن توهُّم حطِّ مرتبة يونُس لمَا في القرآن: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48]، وهذا هو السبَب في تخصيص يونُس بالذِّكر دون باقي الأنبياء. * * * 3396 - وَذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، فَقَالَ: "مُوسَى آدَمُ طُوَالٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ"، وَقَالَ: "عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ"، وَذَكَرَ مَالِك خَازِنَ النَّارِ، وَذَكَرَ الدَّجَّالَ. (آدم)؛ أي: أسْمَر. (طُوَال) بضم المهملة، وتخفيف الواو، أي: طويل.

25 - باب قول الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين (142) ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني} إلى قوله: {وأنا أول المؤمنين}

وسبق الحديث أواخر (الصوم). * * * 3397 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا؛ يَعْنِي: عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهْوَ يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ. فَقَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ". فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. الثالث: سبق أيضًا في (الصوم). * * * 25 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} يُقَالُ: دكَّهُ زَلْزَلَهُ. {فَدُكَّتَا} فَدُكِكْنَ، جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ كَمَا

قَالَ اللهُ - عز وجل-: {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} وَلَمْ يَقُلْ: كُنَّ رَتْقًا مُلْتَصِقَتَيْنِ. {وَاشْرَبُوا} ثَوْبٌ مُشَرَّبٌ: مَصْبُوغٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَانْبَجَسَتْ} انْفَجَرَتْ، {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} رَفَعْنَا. (باب قول الله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142]) قوله: (دكة)؛ أي: قوله تعالى: {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14]، يُقال: دككْتُ الشيء، أي: ضربتُه وكسرتُه حتى سوَّيته بالأرض. وغرَضه أن الجبال جمعٌ، والأرض في حكم الجمْع، وكان القياس أن يُقال: دُكِكْنَ، فجعل كلَّ جمعٍ منهما كواحدةٍ، فلهذا جيء بلفْظ التثنية. (رتقًا)؛ أي: في قوله تعالى: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30]. * * * 3398 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي،

أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ". الحديث الأول: (يصعقون) من صَعِقَ الرجل: غُشي عليه، و {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 68] أي: ماتَ. ولا يلزم من إقامة موسى قبل محمَّد - صلى الله عليه وسلم - كونُه أفضلَ منه مُطلقًا، وسبق قريبًا. (جُوزي)؛ أي: حُوسِب بها فلم يُصعَق مع الأحياء، فيُفهم منه أن موسى - عليه السلام - - وإنْ كان غائبًا عن عالمنا أنَّه حيٌّ ممن يُمكِن أن يُصعقَ مع من صُعق في وقت الصَّيحة. * * * 3399 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ". الثاني: (لم يخنز) بالمعجمة، وفتح النون، والزاي، أي: لم ينتن. وسبق الحديث أول (كتاب الأنبياء). * * *

26 - باب طوفان من السيل

26 - باب طُوفَانٍ مِنَ السَّيْلِ يُقَالُ لِلْمَوْتِ الْكَثِيرِ: طُوفَانٌ. الْقُمَّلُ: الْحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَم. {حَقِيقٌ} حَقٌّ. {سُقِطَ} كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ في يَدِهِ. (باب طوفان من السَّيل) قوله: (القمّل) بضم القاف، وتشديد الميم: دُوَيبةٌ من جنْس القُردان إلا أنها أصغَر منها، تَركَبُ البعيرَ عند الهُزال. (الحَمْنان) بفتح المهملة، وسكون الميم، ونونين: قُرادٌ يُشبه صِغار الحَلَم، بفتح المهملة، واللام: جمع حَلَمة، أي: القُراد العظيم. (سقط)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: 149] أي: نَدِموا. * * * 27 - حَدِيثُ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ (باب حديث الخَضِر مع موسى عليهما السلام) 3400 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَاِلح، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ

عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ في صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ. فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى عَبْدُناَ خَضِرٌ. فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجُعِلَ لَهُ الْحُوتُ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ. فَكَانَ يَتْبَعُ الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فتاهُ: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}. فَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ. فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ". الحديث الأول: (تمارى)؛ أي: تجادَل. (والحُر) ضدُّ العبْد. (الفَزَاري) بفتح الفاء، وتخفيف الزاي، وبالراء. وسبق الحديث في (باب: ما ذكر في ذهاب موسى)، في (كتاب العلم)، وأنَّه وقَع لابن عبَّاس مُنازعتان: هل صاحب موسى

الذي قصَّ الله في أمرهما هو الخَضِر أم لا؟، وهي مع الحُرِّ بن قَيْس، والأُخرى مع نَوفٍ -بفتح النون، وبالفاء، منصرفًا وغير منصرف- البِكَالي، بكسر الموحَّدة، وخفَّة الكاف، وباللام على المشهور، وقد يُقال بفتْح الموحَّدة، وتشديد الكاف، هل موسَى الذي قُصَّت قصتُه مع الخَضِر، هل هو موسى بني إسرائيل أو موسى آخَر؟. * * * 3401 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسًى آخَرُ. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا في بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بَلَى، لِي عَبْدٌ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: أَيْ رَبِّ! وَمَنْ لِي بِهِ؟ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: أَيْ رَبِّ! وَكيْفَ لِي بِهِ؟ - قَالَ: تأْخُذُ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، حَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهْوَ ثَمَّ- وَرُبَّمَا قَالَ: فَهْوَ ثَمَّهْ- وَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ في مِكْتَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفتاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، حَتَّى أتيَا الصَّخْرَةَ، وَضَعَا رُؤُوسَهُمَا فَرَقَدَ مُوسَى، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فَخَرَجَ فَسَقَطَ في الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ

في الْبَحْرِ سَرَبًا، فَأَمْسَكَ اللهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ، فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَقَالَ: هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ. فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِناَ هَذَا نَصَبًا. وَلَمْ يَجدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ. قَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ في الْبَحْرِ عَجَبًا، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلَهُمَا عَجَبًا. قَالَ لَهُ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أتيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا، قَالَ: يَا مُوسَى! إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَنِيهِ اللهُ لاَ تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ اللهُ لاَ أَعْلَمُهُ، قَالَ: هَلْ أتَّبِعُكَ؟ قَالَ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} إلَى قَوْلهِ: {إِمْرًا} فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، كلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ، فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ، قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى! مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ. إِذْ أَخَذَ

الْفَأسَ فَنَزَعَ لَوْحًا، قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلَّا وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا صَنَعْتَ! قَوْمٌ حَمَلُوناَ بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا. فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ مَرُّوا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا -وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا- فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا؟!. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مَائِلًا -أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ سُفْيَانُ كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ، فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ مَائِلًا إلَّا مَرَّةً- قَالَ: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُوناَ وَلَمْ يُضَيِّفُوناَ عَمَدْتَ إلَى حَائِطِهِمْ، لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا". قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَدِدْناَ أَنَّ مُوسَى كانَ صَبَرَ، فَقَصَّ اللهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَوْ كَانَ صَبَرَ يُقَصُّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا". وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ

غَصْبًا، وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو، أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ، وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. الثاني: (ومن لي به)؛ أي: من تكفَّل لي برُؤيته. (مِكتل) بكسر الميم، أي: الزِّنْبيل. (ثم) بفتح المثلَّثة: إشارةٌ إلى المكان البَعيد، ويُلحق بها الهاء عند الوقْف، كما يُقال: رُبَّ، ورُبَّهْ. (يُوشع) بضم الياء، وبمعجميةٍ، ثم مهملةٍ. (وأنَّى) استِفهامٌ، أي: مِن أين السَّلام في هذه الأرض التي أنتَ فيها؛ لأنَّ أهلَها لا يعرفون السَّلام. (نول) هو الأجْر. (نقص هذا العصفور) هذا النَّقْص محقَّقٌ؛ لأنه مِن المُتناهي، وأما نِسبَة علْمهما إلى الله تعالى فهو نسبةُ المتناهي إلى ما لا يَتناهَى، فلا يمكن أن ينقُصَ، فما معنى التَّشبيه؟، وجوابه: أنه في القِلَّة والحَقارة، لا المماثلة من كلِّ الوُجوه، وقيل: تشبيهٌ على التَّقريب إلى الأَفهام.

وسبَق في (كتاب العلم)، في (باب: ما يستحب للعالم أن يقول إذا سئل). (فلم يفجأ) بالجيم، والملِك الغاصِب الذي وراءَهم: هَدَد -بفتح الهاء- ابن بَدَد، بفتح الموحَّدة، والدالَين المهملتَين الأُولتين، وقيل: بضم الهاء، والموحَّدة، واسم الغُلام الذي قتلَه الخَضِر: جَيْسُون، بفتح الجيم، وسكون الياء، وضمِّ المهملة، وقال الدَّرَاقُطني: بالرَّاء بدَل النون. (وقرأ ابن عباس أمامهم ملك)؛ أي: بدَل (وراءَهم). (صالحة)؛ أي: بزيادةِ ذلك في قراءته. (وهو كان كافرًا)؛ أي: وقرأ بزيادةِ هذا أيضًا. (أو تحفظتهُ) شكٌّ من علي بن عبد الله، يعني: قيل لسفيان: حفِظتَه، أو تحفَّظتَه من إنسانٍ قبل أنْ تسمعَه من عمرو. (ورواهُ) فيه استفهامٌ مقدَّرٌ، أي: أَوَرواهُ؟. * * * 3402 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ".

28 - باب

الثالث: (فروة) قيل: هي جِلْدَة وجْه الأرض، جلَسَ عليها، فأنبَتتْ، وصارتْ خضراء بعد أنْ كانتْ جَرْداء، وقيل: أراد به الهَشِيْم من نبَات الأرض، اخضرَّ بعد يُبسه وبَياضه. واسم الخَضِر: سبق في أوائل (الإيمان) أن المرجَّح فيه: بَلْيَا، بموحدةٍ مفتوحةٍ، ولامٍ ساكنةٍ، وياءٍ، مقصورًا، وكُنيته: أبو العباس، ويجوز في الخَضِر تسكين ضاده مع فتح الخاء وكسرها على قياس نظائره. واختلف في نبوته كما سبَق. قال الثَّعلبي: وكان في زمَن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وقال الأكثَرون: إنَّه حيٌّ موجودٌ اليوم، ويقتلُه الدجَّال. ومرَّ شرح الحديث في (كتاب العلم). * * * 28 - بابٌ (باب) 3403 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا

حِطَّةٌ. فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ". الحديث الأول: (يزحفون) بمهملةٍ. (أستاههم) جمع: سَتَه، بالتحريك، مثل: سبَبٌ، وأسبابٌ، وهو الاسْت. (حَبَّة) بفتح المهملة، وشدة الموحدة. (شعرة) بسكون المهملة وفتحها، وغرضهم بهذا الكلام المهمَل مخالفةُ ما أُمروا به من الكلام المستلزِم للاستغفار، وطلَب حَطِّ العُقوبة عنهم. * * * 3404 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلاَسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ، اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجلْدِهِ، إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ. وَإِنَّ اللهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انتُهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ،

فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} ". الثاني: (عن الحسن، ومحمد، وخِلاس) بكسر المعجمة، وتخفيف اللام، جمع بين الثلاثة لمَا قِيل: إنَّ الحسن لم يسمَع من أبي هُريرة، وممن جزَم به التِّرْمِذي. (حييًا) فَعِيْلًا بمعنى: فاعل، أي: مِن شأْنه ذلك. (أدرة) هي انتِفاخ الخِصْية. (وإما آفة) من عطف العامِّ على الخاصِّ. (ثوبي)؛ أي: رُدَّ ثَوبي. (حجر)؛ أي: يا حَجَرُ، فجاء على الشاذِّ في نحو: أَطرِقْ كرًّا؛ لأن القياس أنَّ (يا) لا تُحذف مع النكرات. (ضربًا)؛ أي: يضرب ضَرْبًا. (لندب) بنونٍ، ومهلةٍ مفتوحتين: أثَر الجُرح إذا لم يرتفِع عن الجِلْد، فشُبِّه به أثَر الضَّرب في الحجَر. ومرَّ الحديث في (باب: من اغتسَل عُريانًا). * * *

29 - باب {يعكفون على أصنام لهم}

3405 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. فَأَتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". الثالث: (فأخبرته) فيه جواز إخبار الإمام بما قِيل في حقِّه، وكمالُ عفْوه - صلى الله عليه وسلم -. ومرَّ في (باب: ما كان يُعطي المؤلفة). * * * 29 - بابٌ {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} {مُتَبَّرٌ}: خُسْرَانٌ، {وَلِيُتَبِّرُوا}: يُدَمِّرُوا {مَا عَلَوا}: مَا غَلَبُوا. (باب: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138]) قوله: (متبر)؛ أي: من قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} [الأعراف: 139]. (خسران) للمصدر الذي منه متبَّرٌ، أي: مِن التَّبار، وهو الخُسران، وأما مُتبرٌ فمعناه خاسِرٌ، وأصلُه: من التَّتْبير، وهو التَّكسر، يُقال: تبَّره: كسره وأهلكَه.

(وليتبروا)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7]. * * * 3406 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَجْنِي الْكَبَاثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ". قَالُوا: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: "وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا". (الكَبَاث) بفتح الكاف، وخفَّة الموحَّدة، وبمثلَّثةٍ: النَّضِيج مِن ثمَر الأَراك. وكأنَّ مناسبة هذا للترجمة أنَّ بني إسرائيل كانوا مُستضعَفين جُهَّالًا ففضَّلهم الله على العالمين، وسِيَاق الآية يدلُّ عليه. وقال (خ): يُريد أنَّ الله تعالى لم يضَع النبوَّة في أبناء الدُّنيا والمُتْرَفين منهم، وإنما جعلَها في رِعاء الشَّاءِ، وأهل التَّواضُع من أصحاب الحِرَف، كما رُوي أن أَيُّوب كان خيَّاطًا، وزكرِيا كان نَجَّارًا، و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]. وقال (ن): فيه فضيلةُ رِعاية الغنَم، وحِكْمة ذلك أنْ يأْخُذوا أنفسَهم بالتواضُع، وتصفُوَ قلوبُهم بالخَلْوة، ويترقَّوا من سياستها إلى سياسة أُممهم.

30 - باب {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} الآية

وسبق الحديثُ في (الإجارة). * * * 30 - بابٌ {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الآيَةَ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْعَوَانُ النَّصَفُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالْهَرِمَةِ، {فَاقِعٌ} صَافٍ، {لَّا ذَلُولٌ} لَمْ يُذِلَّهَا الْعَمَلُ، {تُثِيُر الْأرْضَ} لَيْسَتْ بِذَلُولٍ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَعْمَلُ فِي الْحَرْثِ، {مُسَلَّمَةٌ} مِنَ الْعُيُوبِ، {لَّا شِيَةَ} بَيَاضٌ، {صَفْرَاءُ} إِنْ شِئْتَ سَوْدَاءُ، وَيُقَالُ: صَفْرَاءُ، كَقَوْلِهِ: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ}، {فَادَّارَأْتُمْ} اخْتَلَفْتُمْ. (باب: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]) (النَّصَف) بفتح النون، والصاد. (إن شئت سوادًا)؛ أي: الصُّفرة؛ يحتمل معناها المشهور، وأنْ يُراد السَّواد الذي يضرِب للصُّفْرة، فاحمل على أيِّهما شِئْتَ. قال الحسَن: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ} [البقرة: 69]، أي: سَوداء شديدةُ السَّواد، ولعلَّه مستعارٌ من صِفَة الإبل؛ لأنَّ سوادها يعلُوه صُفرةٌ، وبه فُسِّر: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33]. * * *

31 - باب وفاة موسى، وذكره بعد

31 - بابُ وَفَاةِ مُوسَى، وَذِكْرُهُ بَعْدُ (باب وَفَاةِ موسى عليه الصلاة والسلام) 3407 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَيْ رَبِّ! ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ. قَالَ: فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتَكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ". قَالَ: وَأَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. الحديث الأول: (صكه)؛ أي: لطَمَه في عَينه. وسبق في (الجنائز)، في (باب: من أحبَّ الدَّفْن في الأرض المقدَّسة). * * *

3408 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْعَالَمِينَ. في قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ. فرَفَعَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ: "لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ؟ ". الثاني: (فرفع المسلم يده فلطم اليهودي) المسلِم هو أبو بكر الصدِّيق، وأما اليهوديُّ ففي "سيرة ابن إسحاق": اسمه فِنْحَاص، بكسر الفاء، وسُكون النُّون، ومهملتين. (ممن استثنى الله)؛ أي: في قوله: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 68]، والجمْع بين هذا وبين ما سبَق من رواية: "لا أَدرِي أَفاقَ قَبْلِي، أو جُوزِيَ بصَعْقةِ الطُّوْرِ": أنه لا تَنافيَ، إذ: {مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] عامٌّ، والمُجازى بالصعقة يوم الطُّور داخلٌ في عمومه.

وسبق أول (الخصومات). * * * 3409 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى" مَرَّتَيْنِ. الثالث: (خطيئتك)؛ أي: الأكل من الشَّجَرة المنهيِّ عنها بقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35]، ويجوز في مثْله: أخرجتك، وأخرجته. قال: أَنَا الذي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرهْ (آدم) بالرفع باتفاق الرُّواة، أي: غلبه بالحُجَّة، وقَوي عليه بها. (مرتين) متعلِّقٌ بـ (قالَ). قال (خ): إن هذا حُجَّة آدم في رفْع اللَّوم؛ إذ ليس لأحدٍ من الآدميين أنْ يلوم أحدًا به، وأما الحُكم الذي تنازعاه، فإنما هما في ذلك على سواءٍ؛ إذ لا يقدِرُ أحدٌ أن يُسقط الأصل الذي هو القدَر،

ولا أنْ يُبطِل الكَسْب الذي هو السبَب، ومَن فعل واحدًا منهما خرج عن القصْد إلى أحد الطَّرَفين: مذهبِ القدَر أو الجَبْر. وفي قول آدَم استصغارٌ لعِلْم موسى إذ جعلَك الله بالصفة التي أنت فيها من الاصطِفاء بالرِّسالة والكلام، فكيف يسَعُك أن تَلومني على القدر الذي لا مدفَع له؟، وحقيقته أنه دفَع حُجة موسى التي ألزمَه بهذا اللَّوم، وذلك أنَّ الاعتراض والابتداء بالمسألة كان من موسى، عارضَه آدم بأمر دفْع اللَّوم، فكان هو الغالب. وقال (ن): معناه إنَّك تعلم أنه مقدَّرٌ، فلا تلُمني، وأيضًا اللَّوم شرعيٌّ لا عقليٌّ، وإذ تاب الله عليه وغفَر له زالَ عنه اللَّوم، وقد علِم ذلك موسى من التَّوراة، فمَن لامَه كان محجوجًا بالشرع، فإن قيل: فالعاصي منَّا لو قال: هذه المعصية كانت بتقدير الله لم تسقُط عنه المَلامة؛ قلنا: هو باقٍ في دار التكليف جارٍ عليه أحكام المكلَّفين، وفي لَومه زجْرٌ له ولغيره عنها، وأما آدم -عليه الصلاة والسلام- فميِّتٌ خارجٌ عن هذه الدار، وعن الحاجة إلى الزَّجْر، فلم يكن في هذا القَول فائدةٌ سوى التَّخجيل ونحوه. هذا، وقد قال بعضهم: التقتْ أرواحُهما في السَّماء فوقَع الحِجاج بينهما هناك، وقال (ع): ويحتمل أنه على ظاهره، وأنهما اجتمعا بأشخاصهما، ولا يبعُد أن الله أحياهما كما ثبت في حديث الإسراء أنه - صلى الله عليه وسلم - اجتمَع بالأنبياء في بيت المقدِس، وصلَّى بهم، ويحتمل أنَّ ذلك جرى في حياة موسى - عليه السلام -، سأَل الله أن يُريَه آدم فيُحاجَّه.

32 - باب قول الله تعالى: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون} إلى قوله: {وكانت من القانتين}

وفيه أن الجنة مخلوقةٌ، وأنَّ المُحاجَّة جائزةٌ، وأنَّ الكسْب حقٌّ، وأنه لا جَبْر ولا قَدَرَ، ولكن أمرٌ بين أمرين. * * * 3410 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى في قَوْمِهِ". الحديث الرابع: يأتي في (الرقائق). * * * 32 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (باب قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} [التحريم: 11]) 3411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ

كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". (كَمُلَ) مثلَّث الميم، ولا يلزم من الكمال نبوَّتُهما؛ إذ هو يُطلق لتمام الشيء ونبَاهته في بابه، فالمراد نبَاهتهما في جميع الفضائل التي للنِّساء، وقد نُقل الإجماع على عَدَم نُبُوتهنَّ. (آسِية) بالمد، وكسر المهملة، وخفة الياء، كانت مؤمنةً تُخفي إيمانها، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} الآية [التحريم: 11]. (ومريم) أُمُّ المَسيح، حملَتْ به ولها ثلاث عشرةَ سنةً، وعاشتْ بعدما رُفع ستًّا وستين سنةً، وماتت ولها مائةٌ واثنتا عشرة سنةً، وفيه اختلاف. فإن قيل: هل يلزم أن تكون أكملَ من عائشة؟ قيل: لا؛ لأنَّ (كمُلَ) و (لم يكمُل) فِعلان ماضيان. (الثريد)؛ لأنه أفضَل طعام العرَب. قال شاعرهم: إذَا ما الخُبْزُ تأدِمُهُ بلَحْمٍ ... فذاكَ: أمانة اللهِ الثَّريدُ وقال (ن): الثَّريد من كلِّ طعامٍ أفضَل من المرَق، فثَريد اللَّحم أفضَل من مرَقه بلا ثريدٍ. والمراد بالفَضيلة نفْعُه، والشَّبَع منه، وسُهولة مَساغه، والالتِذاذ به، وتيسُّر تَناوله، وتمكُّن الإنسان من أَخْذ كفايته منه بسُرعةٍ.

33 - باب {إن قارون كان من قوم موسى} الآية

وليس فيه تصريحٌ بتفضيل عائشة عليهما؛ لأنَّ المراد تفضيلُها على نِساء هذه الأُمة. وفيه إشارةٌ إلى كونها جامعةً لحُسْن الخلُق، وحلاوة النُّطق، وجودة القَريحة، وفَصاحة اللَّهجة، وغيرها من حُسن التبعُّل، وغيره. قال (ش): قلتُ: الثَّريد: اللَّحم، كذا قال مَعْمَر، عن قَتادة، وأبان مرفوعًا، ولفظه: "كفَضْلِ الثَّريد باللَّحم"، وفي خبرٍ آخَر: "سيِّدُ إدامِ الدُّنيا والآخِرة اللَّحْمُ". * * * 33 - بابٌ {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} الآيَةَ {لَتَنُوأُ} لَتُثْقِلُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُوْلِي الْقُوَّةِ} لاَ يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ، يُقَالُ: {الْفَرِحِينَ} الْمَرِحِينَ، {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} مِثْلُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ، {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُضَيِّقُ. (باب: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} [القصص: 76]) قوله: (لتنوء)؛ أي: من قوله تعالى: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76]. (الفرحين)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76].

34 - باب قول الله تعالى: {وإلى مدين أخاهم شعيب} إلى أهل مدين، لأن مدين بلد، ومثله {واسأل القرية}، واسأل {والعير}، يعني: أهل القرية وأهل العير، {وراءكم ظهريا} لم يلتفتوا إليه، يقال إذا لم يقض حاجته: ظهرت حاجتي وجعلتني ظهريا، قال: الظهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به، مكانتهم ومكانهم واحد {يغنوا} يعيشوا {يأيس} يحزن {ءاسى} أحزن.

(ويك)؛ أي: من قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} الآية [القصص: 82]. * * * 34 - بابُ قول الله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبً} إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، وَاسْأَلِ {وَالْعِيرَ}، يَعْنِي: أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ الْعِيرِ، {وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، يُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ: ظَهَرْتَ حَاجَتِي وَجَعَلْتَنِي ظِهْرِيًّا، قَالَ: الظِّهْرِيُّ أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ داَبَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ، مَكَانَتُهُمْ وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ {يَغْنَواْ} يَعِيشُوا {يَأْيَسُ} يَحْزَنُ {ءَاسَى} أَحْزَنُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ} يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَيْكَةُ الأَيْكَةُ، {يَوْمِ الظُّلَّةِ} إِظْلاَلُ الْغَمَامِ الْعَذَابَ عَلَيْهِمْ. (باب قول الله - عز وجل -: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85]) (وراءكم ظهريًّا)؛ أي: من قوله تعالى: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود: 92]، وهو منسوبٌ إلى الظَّهر، والكسرُ من تغيُّرات النَّسَب، كما تقول في الأَمْس: إِمْسِيٌّ، بكسر الهمزة، من ظهَرتَ

-بفتح الهاء- نَسيتَ وتركتَ وراءَ ظَهركَ. قال الجَوهَري: ظَهَر فُلان بحاجتي، أي: استخفَّ بها. (مكانتهم)؛ أي: في قوله تعالى: {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [الأنعام: 135]، فأتى به على معنى ما في القرآن لا لفْظه. (يغنوا)؛ أي: في قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: 92]. (تأس) في قوله تعالى: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 68]، وليس هذا في قصَّة شُعيب، إنما ذكَره لمناسبة: {فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف: 93]. (ليكة)؛ أي: من قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 176]، فليكة قرأَ بها بعضُهم في الآية، وقال مجاهد: هو نفْس الأَيْكة، فحُذفت الهمزة. (يوم الظلة)؛ أي: في قوله تعالى: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء: 189]، ويُروى أنه حبَس عنهم الرِّيح، وسلَّط عليهم الحرَّ، فأخَذ بأنفاسهم، فاضطَربوا إلى أن خَرجوا إلى البَرِّيَّة، فأظلَّتْهم سحابة وجدوا لها بَردًا أو نسيمًا، فاجتمَعوا تحتها فأَمطَرت عليهم نارًا، فاحترقوا. وكان شُعيب مبعوثًا إلى أصحاب مَدْيَن، وإلى أصحاب الأَيْكة، فهلكتْ مَدْيَن بصيحةِ جبريل، وأصحابُ الأيكة بعذاب يوم الظُّلَّة. * * *

35 - باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} إلى قوله: {فمتعناهم إلى حين}

35 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} {كَظِيمٌ} وَهْوَ مَغْمُومٌ. (باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}) إلى: {مُلِيمٌ} [الصافات: 142] مِنْ أَلامَ الرجلُ: إذا أتَى بما يُلام عليه، ولهذا فسَّره مجاهد: بمُذْنِب. (المشحون)؛ أي: في قوله تعالى: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصافات: 140]. (الدُّباء) بدَلٌ، أو بَيانٌ. (من غير ذات أصل)؛ أي: ما لا ساقَ له كشجَر القَرْع، ونحوه. * * * 3412 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ. حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ". زَادَ مُسَدَّدٌ: "يُونُسَ بْنِ مَتَّى". الحديث الأول: (إني خير) سبَق الخِلاف قريبًا في الضَّمير: هل يعود للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -،

أو للقائل؟، ورواية الطَّبَراني تشهَدُ للثاني؛ فإنَّه خرَّج حديث ابن عبَّاس مرفوعًا: "ما يَنبَغي لأحدٍ أن يقُول: أَنا عند اللهِ خيرٌ من يونُس بن مَتَّى". وقال الطَّحاوي: وجاء فيه زيادةُ تبين المعنى في ذلك وهي: "قَدْ سبَّحَ اللهَ في الظُّلُمات". قلتُ: الاحتِمال باقٍ في ذلك أيضًا، فتأمَّلْه!. (متّى) بالتشديد، وسبَق في أنه أَبوه أو أُمه خلافٌ. * * * 3413 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. الثاني: في معنى ما قبله. * * * 3414 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ. فَقَالَ: لاَ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَامَ فَلَطَمَ وَجْهَهُ،

وَقَالَ: تَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِناَ؟ فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا، فَمَا بَالُ فُلاَنٍ لَطَمَ وَجْهِي؟. فَقَالَ: "لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ ". فَذَكَرَهُ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: "لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَيَصْعَقُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَمَنْ في الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ أَمْ بُعِثَ قَبْلِي". 3415 - : "وَلاَ أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". الثالث: (يهودي) سبق أن اسمه: فنْحَاص، واللَّاطِم من الأنْصار لا يُعرف، نعمْ، قال ابن بَشْكُوال: إنَّ أبا بكرٍ - رضي الله عنه - لطَمَه. (يعرض)؛ أي: يُبرز متاعَه ليرغَبوا في شرائه. (بين أظهرنا) لفْظ (أَظْهُر) مقحمٌ، وقد يوجَّه عدَم إقحامه. (ذمةً وعهدًا)؛ أي: مع المسلمين، فلم أَخفِر ذِمَّتي ونقْضَ عهدي باللَّطْم. (لا تفضلوا) وجه النَّهي مع أنَّ الله تعالى قد فضَّل، فقال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]، أي: لا تفضِّلوا تفضيلًا يؤدِّي إلى نقْص أحدهم، أو إلى نزاعٍ وخُصومةٍ، أو لا تفضِّلوا بجميع

أنواع الفضائل؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضَلُ على الإطلاق، فالإمام أفضَل من المؤذِّن وإنْ كانت فَضيلة التأذين غيرُ موجودةٍ فيه، ولهذا قوله في موسى: "لا أدري" أن له هذه الفَضيلة، ولا يلزم منها أفضليتُه على غيره، أو المعنى: لا تفضِّلوا من تِلْقاء أنفسكم، ولا أقول: إني خيرٌ من يونُس مِن تِلْقاء نفسي، أو قالَه تواضُعًا وهضْمًا لنفسه، وقيل: المعنى: لا تفضِّلوا من حيث القَدْر المشترك، وهو النبوَّة، كما في: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285]، أو كان هذا قبل أن يُوحى إليه أنه أفضَل مُطلقًا. (فإذا موسى) لا يُنافي هذا كونَه قد مات، فإنَّ المراد من البعْث الإفاقةُ بقرينة الرِّوايات الأُخرى حيث قال: "أَفاقَ قبْلي"، وهذه الصَّعقة هي غَشْية بعد البَعْث عند نفْخة الفزَع الأكبر. * * * 3416 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقْولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّي". الرابع: في معنى ما سبَق. * * *

36 - باب {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت} يتعدون يجاوزون في السبت {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا} شوارع، إلى قوله: {كونوا قردة خاسئين}.

36 - بابٌ {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} يَتَعَدَّوْنَ يُجَاوِزُونَ فِي السَّبْتِ {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} شَوَارِعَ، إِلَى قَوْلِهِ: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}. (باب: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} [الأعراف: 163]) قوله: (بئيس)؛ أي: من قوله تعالى: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165]. * * * 37 - بابُ قَوْلهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} الزُّبُرُ الْكُتُبُ، وَاحِدُهَا زَبُورٌ، زَبَرْتُ كَتَبْتُ. {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} قَالَ مُجَاهِدٌ: سَبِّحِي مَعَهُ، {وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} الدُّرُوعَ، {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} الْمَسَامِيرِ وَالْحَلَقِ، وَلاَ يُدِقَّ الْمِسْمَارَ فَيَتَسَلْسَلَ، وَلاَ يُعَظِّمْ فَيَفْصِمَ، {وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (باب قوله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163]) (في السرد) هو اسمٌ جامعٌ للدُّروع، وهو أيضًا تَداخُل الحِلَق بعضِها في بعضٍ.

(فيسلس)؛ أي: يسهُل، يُقال: فُلانٌ سَلِسُ البَول: إذا كان لا يستَمسِكُه، وفي بعضها: (فيتسَلْسَل)، يُقال: سَلْسَل الماءُ في الحَوض، أي: جَرَى، وماءٌ سَلْسَلٌ: سهْلُ الدُّخول في الحَلْق، هذا أجود من قول بعضهم: إنَّ صوابَه: فيَسلَس، فإنه يقتضي أنَّ (فيَتسلسَل) خطأ. (ينفصم)؛ أي: ينكسِر ويبتَلع. * * * 3417 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- الْقُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ، وَلاَ يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ". 3417 / -م - رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (القرآن) المذكور أولًا المراد به: القراءة، والثاني المراد به: التَّوراة والزَّبور. قال التُّوْرِبِشْتي: إنما أطلق عليه القرآن؛ لأنه قصَد به إعجازَهُ من طريق القراءة.

وفي الحديث: أنَّ الله يَطوي الزَّمان لمن شاء من عباده كما يطوى المكان، وهذا لا سَبيل إلى إدراكه إلا بالفَيض الربَّاني. قال صاحب "النهاية": الأصل في هذه اللَّفظة الجمع، وكلُّ شيء جمعتَه فقد قَرأْتَه، وسمي القُرآن قرآنًا؛ لأنه جَمع الأمر والنهي وغيرهما، وقد يُطلق القُرآن على القراءة. (عمل يده)؛ أي: في الدُّروع، كما قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء: 80]، وقال: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11]. (رواه موسى) موصولٌ في "خلْق أفعال العباد"، ووصلَه الإِسْماعيلي أيضًا. * * * 3418 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَقُولُ: وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ: وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ" قُلْتُ: قَدْ قُلْتُهُ، قَالَ: "إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ". فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ،

قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ". قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ، وَهْوَ عَدْلُ الصِّيَامِ". قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ". الثاني: (لا أفضل من ذلك)؛ أي: لمَا فيه من زيادة المشقَّة، وأفْضل العبادات أشقُّها بخلاف الصَّوم الدائم مثلًا؛ فإنَّ الطَّبيعة اعتادت ذلك فسهُلَ عليها. * * * 3419 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَمْ أُنَبَّأ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ". فَقُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَ: "فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتِ الْعَيْنُ وَنَفِهَتِ النَّفْسُ، صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ -أَوْ كَصَوْمِ الدَّهْرِ". قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ بِي -قَالَ مِسْعَرٌ: يَعْنِي قُوَّةً- قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا ويُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى". الثالث: (هجمت)؛ أي: غارَتْ.

38 - باب أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما

قال الأصمعي: هجَمتُ كلَّ ما في الضَّرع: إذا حلَبتَ كلَّ ما فيه. (ونفِهت) بكسر الفاء، أي: ضَعُفَتْ، وتَعِبت، ومرَّ في (كتاب التهجد). (ولا يفرّ) مناسبةُ ذكْره: أنَّ صومَهُ ما كان يُضعفُه عن الحَرْب. * * * 38 - بابٌ أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى الله صِيَامُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ الليلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا قَالَ عَلِيٌّ: وَهْوَ قَوْلُ عَائِشَةَ: مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلَّا ناَئِمًا. 3420 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِي سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ". الرابع: في معنى ما سبَق. * * *

39 - باب {واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب} إلى قوله: {وفصل الخطاب}

39 - بابٌ {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: الْفَهْمُ في الْقَضَاءِ. {وَلَا تُشْطِطْ} لاَ تُسْرِفْ. {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: نَعْجَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: شَاةٌ. {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} مِثْلُ {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ضَمَّهَا. {وَعَزَّنِي} غَلَبَنِي، صَارَ أَعَزَّ مِنِّي، أَعْزَزْتُهُ: جَعَلْتُهُ عَزِيزًا. {فِي الْخِطَابِ} يُقَالُ: الْمُحَاوَرَةُ. {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} الشُّرَكَاءِ {لَيَبْغِي} إِلَى قَوْلِهِ: {أنَّمَا فَتَنَّهُ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اخْتبَرْناَهُ، وَقَرَأَ عُمَرُ: فتَّنَّاهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}. (باب: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17]) قول مجاهد: (الفهم في القضاء)؛ أي: في الحُكومات. (أكفلنيها)؛ أي: ضُمَّ نعجتَك إلى نِعَاجي. (المحاورة) بالمهملة. * * * 3421 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَوَّامَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: أَسْجُدُ في {ص}؟

فَقَرَأَ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} حَتَّى أَتَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فَقَالَ: نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ. الحديث الأول: (محمَّد) إما ابن سَلام، وإما ابن المُثنَّى، وإما بَشَّار على الخِلاف. (أُمِرَ) مبنيٌّ للمفعول. وفي هذا الاستدلال مناقشةٌ؛ إذ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - مأْمورٌ بالاقتِداء بهم في أُصول الدِّين؛ لأنه المتفَق عليه بينهم، لا في فُروعه؛ لأنها مختلِفةٌ، فالاقتِداء بهم فيها يؤدِّي للتَّناقض. * * * 3422 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: لَيْسَ {ص} مِنْ عَزَائِم السُّجُودِ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ فِيهَا. الثاني: (من عزائم)؛ أي: المؤكَّدات المأْمور بها، إنما كان يُسجَد فيها موافقةً لداوُد، وشُكرًا لقَبول توبَته، كما رُوي: "سجَدَها أَخِي داوُد تَوبَةً، ونحن نسَجُدها شُكْرًا". * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [10]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

40 - باب قول الله تعالى: {ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب}

تابع (60) كتاب الأنبياء 40 - بابٌ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} الرَّاجِعُ الْمُنِيبُ، وَقَوْلُهُ: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} وَقَوْلُهُ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} أَذَبْنَا لَهُ عَيْنَ الْحَدِيدِ {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْ مَحَارِيبَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: بُنْيَانٌ مَا دُونَ الْقُصُورِ {وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} كَالْحِيَاضِ لِلإبِلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَالْجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {الشَّكُورُ}، {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلا دَابَّةُ الْأَرْضِ} الأَرَضةُ {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} عَصَاهُ {فَلَمَّا خَرَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْمُهِينِ} {حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا، الأَصْفَادُ الْوَثَاقُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: {الصَّافِنَاتُ} صَفَنَ الْفَرَسُ رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ حَتَّى تَكُونَ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ. {الْجِيَادُ} السِّرَاعُ. {جَسَدًا} شَيْطَانًا.

{رُخَاءً} طَيِّبَةً. {حَيْثُ أَصَابَ} حَيْثُ شَاءَ. {فَامْنُنْ} أَعْطِ. {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بِغَيْرِ حَرَجٍ. (باب قَول الله - عز وجل -: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} [ص: 30]) قوله: (الجوبة) هي موضعٌ ينكشِف في الحَرَّة، وينقطِع عنها. (الأرضة) دُويبةٌ تأكل الخشَب. (أعراف) جمع عَرْف، وهو شعر عنُق الخَيل. (عراقيبها) جمع عُرْقُوب، وهو عصَبٌ غليظٌ عند العَقِب. (الأصفاد) جمع صَفَد، يُقال: صفَدَه، أي: شدَّه وأوثَقه. * * * 3423 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلاَتِي، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجدِ حَتَّى تنظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا". عِفْرِيتٌ مُتَمَرِّدٌ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جَانٍّ، مِثْلُ زِبْنِيَةٍ جَمَاعَتُهَا الزَّبَانِيَةُ. الحديث الأول: (تفلت)؛ أي: تعرَّضَ فَجْأةً.

(خاسئا)؛ أي: مَطرُودًا مُتحيِّرًا. وسبق في (باب: الأسير يربط في المسجد). (عفريت) قال (ك): بسكون التحتانية، ويُقال بفتحها أيضًا. (زِبْنِيَة)؛ أي: بكسر الزاي، وسكون الموحدة، وكسر النُّون، وفتح الياء، والزَّبَانيَة عند العرَب الشُّرَط، وسمي بذلك بعض الملائكة لدفْعهم أهلَ النَّار إليها، مُشتَقًّا من الزَّبْن، وهو الدَّفْع، واحدُه زَابِن، أو زِنْبِيب كعِفْريت، والعرَب لا تكاد تَعرفه، وتجعلُه من الجمْع الذي لا واحدَ له كأَبابِيْل. وقيل: واحدُه زِبْني كأنَّه نسبةٌ إلى الزَّبْن، ثم غُيِّر للنَّسَب كإِمْسِيٍّ، بكسر الهمزة في النِّسبة إلى أَمْسِ. * * * 3424 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ، وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلَّا وَاحِدًا سَاقِطًا إِحْدَى شِقَّيْهِ". فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ". قَالَ شُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي الزِّناَدِ: "تِسْعِينَ"، وَهْوَ أَصَحُّ. (صاحبه)؛ أي: الملَك.

(إلا واحدًا)؛ أي: ولدًا واحدًا. (قال شعيب) موصولٌ في (الأَيمان والنُّذور). (تسعين)؛ أي: بمثنَّاةٍ قبل السِّين بدَل (سبعين). * * * 3425 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى". قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ". ثُمَّ قَالَ: "حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ، وَالأَرْضُ لَكَ مَسْجدٌ". الثاني: (أربعون) أي: سنةً كما سبَق ذكْر سِنِّه في (باب: إبراهيم). * * * 3426 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ ناَرًا، فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ".

الثالث: (مثلي)؛ أي: صِفَتي. (الفراش) جمع فَراشة، وهي التي تَطير وتَتهافَتُ في السِّراج. وتمام الحديث سبَق، وفيه: (أنا آخذ بحُجَزكُم عن النَّار، فتَغلِبُوني فتَقتَحِمُون فيها). ووجْه تعلُّقه بقصَّة داود: أنَّ المقصود ذِكْر ما بعدَه؛ لكن ذكَره الراوي معه كما سمعه معه، أو أنَّ متابعة الأنْبياء موجِبةٌ للخَلاص، كما أنَّ في هذا التَّحاكُم خَلاصُ الكبرى من تلبُّسها بالباطِل، ووبالِه في الآخرة، وخَلاص الصُّغرى مِن ألَم فِراق ولَدها، وخَلاص الابن من القَتْل. * * * 3427 - وَقَالَ: "كَانَتِ امْرَأتانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا: الْمُدْيَةُ. (للكبرى)؛ أي: للمَرأة الكُبرى.

وإنما خالَف سُليمانُ داوُدَ مع أنهما لا يحكُمان إلا بالحقِّ؛ لأن حُكمهما إنْ كان بالوَحْي فالثَّاني ناسِخٌ له، وإنْ كان بالاجتِهاد فالثَّاني أَصوَب، وإن كانا كلاهما صوابًا. قال (ك): على أنَّ الضَّمير في: (فقَضَى) يحتمل أنَّه راجِعٌ إلى داوُد، وجاز النَّقض لدليلٍ أَقوى. وقيل: الصَّغائر جائزةٌ عليه لا سيَّما بالسَّهْو، وفي ما قالَه نظَرٌ، فإنْ قيل: لما اعترفَ الخصمُ بأنَّ الحقَّ لخصمه؛ فكيف حكَم له؟، قيل: لعلَّه عَلِم بالقَرينة أنه لا يُريد حقيقة الإقرار، أو كأنها أقرَّتْ بذلك على تقدير الشَّقِّ. وهذا كما قال الفُقهاء: إذا قال المقِرُّ للمُقَرِّ له: اجعلْه في الصُّندوق، أو خُذْه، أو زِنْه، أو نحوه؛ فإنه لا يكون إقْرارًا. وَحَكَمَ به للصُّغرى لأنه ثبتَ عنده ما يقتضي الحُكم، أو أنَّ القَرينة في دينهِ كالبيِّنة. وقال (ن): استدلَّ سُليمان -عليه الصلاة والسلام- بشفَقة الصُّغرى على أنها أُمُّهُ، وأما الكبرى فما كرهتْ ذلك بل أرادتْه لتُشارِكَها صاحبتُها في المُصيبة بفَقْد ولَدها. وأما داود فيحتمل أنه قضَى للكُبرى لشَبَهٍ رآه فيهما، أو أنه كان في شريعته التَّرجيح بالكُبرى، ولكونه كان في يَدِها، وكان ذلك مرجحًا في شرعه. وأما سُليمان فتوصَّل بطريقٍ من المُلاطَفة إلى معرفة باطن القضيَّة، فأوهمها أنه يُريد قَطْعه ليَعرف مَن يَشُقُّ قطْعُه عليها، فلمَّا

41 - باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله} إلى قوله: {إن الله لا يحب كل مختال فخور}

قالت الصُّغرى ما قالتْ عرَف أنها أُمُّهُ، ولم يكن مُراده أنْ يقطَعه حقيقةً، ولعله استَفْرد بالكُبرى فأقرَّتْ بعد ذلك به للصُّغرى، فحكم به لها بإقرارِ صاحبتها لا بمجرَّد الشَّفَقة. فإنْ قيل: المجتهِد لا ينقُض حكمَ المجتهِد؟، فجوابه: أنَّ ذلك فتوى من داوُد لا حُكم، أو لعلَّ في شرعهم جواز النَّقْض، أو لمَا سبَق من الاحتمالات. (المدية) بتثليث الميم، سُميت بذلك؛ لأنها تقطَع مَدَى حياةِ الإنسان، وأما السِّكِّين فسُميت بذلك؛ لأنها تُسكِّن حركتَه، وهو يذكَّر ويؤنَّث. * * * 41 - بابُ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} {وَلَا تُصَعِّرْ} الإعْرَاضُ بِالْوَجْهِ. (باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12]) قولهُ: (تُصعر)؛ أي: في قوله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: 18]. (الإعراض) هو تفسيرٌ لمصدر (تصعِّر)؛ لأنه مستلزمٌ له. * * *

3428 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا نزَلَتِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّنَا لَمْ يَلْبِس إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَنَزَلَتْ {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. 3429 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نزَلَتِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، ألَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهْوَ يَعِظُهُ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. الحديث الأول، والثاني: (ولم يلبسوا)؛ أي: لم يخلطوا، وإنما أمكن خلطه بالكفر، لأنَّ التصديق بالله لا ينافي جعل الأصنام آلهة، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]. {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، أي: أن الظلم وإن كان عامًّا للشرك وغيره؛ لكن المراد به في الآية الشرك. وسبق شرحه في (باب: ظلم دون ظلم)، وفي (كتاب الإيمان). * * *

42 - باب {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية} الآية

42 - بابٌ {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} الآيَةَ {فَعَزَّزْنَا} قَالَ مُجَاهِدٌ: شَدَّدْناَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} مَصَائِبُكُمْ. * * * 43 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} إِلَى قَوْلِهِ: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِثْلًا، يُقَالُ: رَضِيًّا مَرْضِيًّا، عُتِيًّا عَصِيًّا يَعْتُو: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} إِلَى: قَوْلِهِ {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} وَيُقَالُ: صَحِيحًا، {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} {فَأَوْحَى} فَأَشَارَ، {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} {حَفِيًّا} لَطِيفًا، {عَاقِرًا} الذَّكَرُ وَالأُنْثَى سَوَاءٌ. (باب {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس: 13]) قوله: (رضيًّا) هو فَعيل، بمعنى: مفعول.

(عتيًّا)، قال في "الكشاف ": هو اليبسُ في المفاصل والعظام، يقال: عتا العود، وَعَسَا، من أجل الكبر والطعن في السِّنِّ، وقرأ حمزة، والكسائي بكسر العين، وابن مسعود بفتحها، وقرأ مجاهد: (عُسيًّا)، أي: بالسين. قال الأصمعي: عسى الشيخ يَعسُو عَسِيًّا: ولَّى وكَبِر، مثل: عتا. (حفيًّا)؛ أي: لطيفًا. (عاقرًا) يقال للمرأة والرجل. * * * 3430 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: أَنَّ نبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ: "ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّد، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ". الحديث الأول: (ابنا خالة)؛ أي: كل واحد منهما ابن خالة الآخَر، ولعلَّ هذه

44 - باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} {إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة} {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} إلى قوله: {يرزق من يشاء بغير حساب}

القرابة هي سبب اجتماعهما في سماءٍ واحدةٍ، وأُمُّ يحيى: إِيْشَا، بالهمز، والياء، والمعجمة، أُخت مريم، وأُمها: حَنَّة، بفتح المهملة، وشدة النون. (وآل عمران)، إن قيل: فكيف يكون آل عمران بعضَ آل إبراهيم؟، وكيف يكون بعض آل إبراهيم آل محمد - صلى الله عليه وسلم -؟، وبينهم مُدَدٌ متطاولةٌ؟، قيل: حاصل ما قالوه: إنَّ المؤمنين هم آلهم، فالكل متناسلون، يتشعَّب بعضهم من بعضٍ، كما قال تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 34]. والمرادُ بـ (ياسين): هو ما في قوله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 123]، وقيل: هو إدريس، وقيل: غير ذلك، والآل أصله: أهل، فقلبت الهاء وهُمِز، بدليل تصغيره على أُهيل، وهو يردُّ الشيء لأصله. * * * 44 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَآلُ عِمْرَانَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ

عِمْرَانَ، وَآلِ يَاسِينَ، وَآلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَيُقَالُ: آلُ يَعْقُوبَ، أَهْلُ يَعْقُوبَ. فَإِذَا صَغَّرُوا {ءَالِ} ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى الأَصْلِ قَالُوا: أُهَيْلٌ. 3431 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إلَّا يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}. الثاني: (فيستهل) هو الصياح عند الولادة. (غير مريم وابنها)، لا ينافي هذا قوله في (باب إبليس): (غير عيسى)، ولم يذكر أُمَّهُ؛ لأن الحَصْرَ هناك بالنسبة إلى الطعن بالأصبع في الجَنْب، وهنا في المس، وهما مختلفان، أو العطف تفسيري، والقصد الابن، كأعجبني زيد وكرمُه، والقصد الكرَمُ، أو ذلك قبل الوحي إليه: بأن حكم أُمِّ عيسى حكمه في ذلك. * * *

45 - باب {وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (42) يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (43) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} يقال: يكفل يضم، كفلها ضمها، مخففة ليس من كفالة الديون وشبهها.

45 - بابٌ {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} يُقَالُ: يَكْفُلُ يَضُمُّ، كَفَلَهَا ضَمَّهَا، مُخَفَّفَةً لَيْسَ مِنْ كَفَالَةِ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا. 3432 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ". (باب {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} [آل عمران: 42]) قوله: (نسائها)؛ أي: نساء الأرض، نقل عن وكيع، وقال: (ع): أي: من خير نساء الأرض، وقال (ن): أي: خير نساء الأرض في عصرها. قال (ك): ويحتمل أن يراد بالأول: نساء بني إسرائيل، وبالثاني: نساء العرب، والأول: تلك الأُمة، والثاني: هذه الأُمة. وأما الجمع بين هذا وبين ما سبق أن فضل عائشة كفضل الثَّريد:

46 - باب قوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يامريم} إلى قوله: {فإنما يقول له كن فيكون}

بأنْ يُقيَّد لفْظ (النساء) في الحديثين بعصرها. قال (ش) في (خير نسائها): أنه يشكل على قاعدة العربية، فإنه ظاهر في جواز: زيد أفضل إخوته، وقد اتفقوا على منعه، وفيه وجهان: أحدهما: أن يجعل: (خير) لا بمعنى التفضيل. وثانيهما وهو الأصح: أن الضمير راجع للدنيا، كما في: زيد أفضل أهل الدنيا، ويجوز أن يكون على تقدير مضاف محذوف، أي: خير نساء زمنها مريم، فيعود الضمير على مريم، وإنما جاز أن يرجع الضمير للدنيا وإن لم يجر لها ذكر؛ لأنه يفسره الحال والمشاهدة، ومعنى ذلك: أن كل واحدة منهما خير عالمها في وقتها. * * * 46 - بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} {يُبَشِّرُكِ} وَيَبْشُرُكِ وَاحِدٌ. {وَجِيهًا} شَرِيفًا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْكَهْلُ الْحَلِيمُ، وَالأَكْمَهُ مَنْ يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلاَ يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ يُولَدُ أَعْمَى. (باب قول الله تعالى: {يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} [آل عمران: 45])

قوله: (الصديق) بكسر الصاد. * * * 3433 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ، كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ". 3434 - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ، أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ". يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ. تَابَعَهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. (ركبن الإبل) كنايةٌ عن نساء العرب. (أحناه)؛ أي: أشفقُه وأعطَفُه، والحانية على ولَدها هي التي تقوم عليه بعد اليُتم فلا تتزوَّج، وكان القياس أحناهنَّ؛ لكن قالوا: العرب في مثله لا يتكلمون به إلا مفردًا. قال (ش): الأفصح في جمع التكسير إنْ كان جمعَ كثرةٍ أن يكون

47 - قوله: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله

الضمير للوَحْدة، نحو: الجُذوع تنكسر، وإنْ كان جمع قلَّةٍ أن يكون الضمير للجماعة، نحو: الأَجذاع ينكسِرون، قال تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، لما عاد الضمير إلى اثنا عشر، وقال: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، لمَّا عاد إلى أربعةٍ، ودون ذلك في الفصاحة أن يكون مفردًا مذكَّرًا، نحو: هذا أحسن الفتيان وأجملُهُ، ومنه هذا الحديث. (ذات يده)؛ أي: ماله المضاف إليه. وفيه فضيلة نساء قريش، وفضل هذه الخصال، وهي الحنوّ على الأولاد، والشفقة عليهم، وحسن تربيتهم، ومراعاة حق الزوج في ماله، وحفظه، والأمانة فيه، وحسن تدبيره في النفقة، وغيرها. (تابعه ابن أخي الزهري، وإسحاق الكلبي) وصلَهما في "الزُّهْريات". * * * 47 - قَوْلُهُ: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: {وَكَلِمَتُهُ} كُنْ فَكَانَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَرُوحٌ

48 - باب {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها}

مِنْهُ} أَحْيَاهُ فَجَعَلَهُ رُوحًا، {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ}. (باب قول الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171]) 3435 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ". قَالَ الْوَلِيدُ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ عُمَيْرٍ، عَنْ جُنَادَةَ، وَزَادَ: "مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، أَيَّهَا شَاءَ". (على ما كان)؛ أي: من شهد بالمبدأ والمعاد، وما يتعلق بالمعاش من النبوات أدخله الله تعالى الجنة على حسب أعماله عالي الدرجات. * * * 48 - بابٌ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} نَبَذْناَهُ أَلْقَيْنَاهُ. اعْتَزَلَتْ. {شَرْقِيًّا} مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ. {فَأَجَاءَهَا}

أَفْعَلْتُ مِنْ جِئْتُ، وَيُقَالُ: أَلْجَأَهَا اضْطَرَّهَا. {تَسَّاقَطْ} تَسْقُطْ. (قَصِيًّا) قَاصِيًا. (فَرِيًّا) عَظِيمًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {نَسْيًّا} لَمْ أَكُنْ شَيْئًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: النِّسْيُ الْحَقِيرُ. وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ: {إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}. 3435 / -م - قَالَ وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: {سَرِيًّا} نَهَرٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. (باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]) قوله: (فأجاءها) أصله: جاء، دخلت عليه الهمزة على معنى: ألجأَها. قال في "الكشاف ": فتغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. (الحقير)؛ أي: الذي شأْنه أن يُطرح ويُنسى كخِرقة الطَّامث، ونحوها. (نُهْيَة) بضم النون، وسكون الهاء، وقد تفتح: العقل؛ لأنه ينهى صاحبَه عن القبيح. * * * 3436 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي

الْمَهْدِ إِلَّا ثَلاَثَةٌ: عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ، كَانَ يُصَلِّي، جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي، فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِيِ، قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: لاَ إِلَّا مِنْ طِينٍ. وَكَانَتِ امْرَأةٌ تُرْضعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ -قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَمَصُّ إِصْبَعَهُ -ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ: سَرَقْتِ زَنَيْتِ، وَلَمْ تَفْعَلْ". الحديث الأول: (إلا ثلاثة) لعل المراد: في بني إسرائيل، ففي "مسلم" في قصَّة أصحاب الأُخدود: (لمَّا أُتي بالمرأة لتُلقَى في النار ومعها صبيٌّ مرضعٌ، قال لها: يا أُمَّه لا تجزعي؛ فإنَّك على الحقِّ)، وأسند الطبراني عن ابن عبَّاس: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تكلَّم في المَهْد أربعةٌ"،

فزاد على الثلاثة: (صاحب يوسُفَ)، أي: المذكور في قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26]، وهو ابن خالة زَلِيْخا، وفي "الكشاف": أربعةٌ: ابن ماشِطة فِرعون، وشاهد يوسُف، وصاحِب جُرَيج، وعيسى - عليه السلام -، وذكَر الطَّبراني: عن ابن عبَّاس: أنَّ ابن ماشِطة فِرعون تكلَّم في المَهْد. وقال ابن الجَوزي: إنَّ بنت فرعون أخبرتْه بأنَّ ماشطتَها أسلمتْ، فأمَر بإلقائها وإلقاء أولادها في النار، فلمَّا جاءت نَوبة آخِر ولدها وكان مُرْضَعًا قال: اصبِري يا أُمَّاه، فإنَّك على الحقِّ. واتفق ذلك لنبينا - صلى الله عليه وسلم - في خبَرٍ، ذكره الدَّارَقُطْني وغيره، فهؤلاء سبعةٌ. قال (ك): أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك قبْل أن يعلم بغير الثلاثة، أو أنَّ قول بعض المفسِّرين ليس بحجةٍ، وأن حكاية الماشطة لم تثبُت. (أو أصلي)؛ أي: تردد جُريج في نفسه أنه يجيبها، أو يتم الصلاة. (المومسات): الزانيات. (وسبُّوه) بتشديد الموحدة. وسبقت قصة جُريج في (باب: إذا دعت الأُمُّ ولدها في الصلاة). (ذو شارة) بمعجمةٍ، وراء، الشَّارة: اللباسُ، والهيئة الحسَنة، أي: يتعجب منها ويشار إليها.

(ثم مُرّ) بالبناء للمفعول. * * * 3437 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى -قَالَ: فَنَعَتَهُ- فَإِذَا رَجُلٌ -حَسِبْتُهُ قَالَ- مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ -قَالَ- وَلَقِيتُ عِيسَى -فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ- رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ -يَعْنِي الْحَمَّامَ- وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ -قَالَ- وَأُتِيتُ بِإِناَءَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ -أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ- أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ". الثاني: (فنعته)؛ أي: وصفَهُ. (مضطرب)؛ أي: خفيف اللحم، وقيل: الطويل. وسبق الحديث قريبًا. * * *

3438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ عِيسَى وَمُوسَى وإبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ". الثالث: (عن ابن عُمر) صوابه: ابن عباس. قال الحافظ أبو ذَرٍّ: ما في سائر الروايات المَسمُوعة عن الفِرَبْرِي: ابن عُمر، فلا أدري، هكذا حدَّثَ به البخاري، أو غَلِطَ فيه الفِرَبْرِيُّ؛ لأني رأيتُه في سائر الروايات عن ابن كثير وغيره، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس، وهو الصَّواب. وقال غيره: المَحفُوظ عن ابن عُمر ما سيذكُره البخاري بعدُ من رواية سالم عنه أن هذا الوصف -أعني: الجَسيم- في صفة الدجَّال. وقال التَّيْمي: إن بعض لفظ الحديث دخل في بعضٍ؛ لأن (الجسيم) إنما ورد في صفة الدجَّال. وأجاب بعضُهم: بأنَّ الجَسيم قد لا يكون باعتبار السِّمَن، بل باعتبار الطُّول، فمعناه طُوالٌ، كما هو صريح في الرواية الأُخرى. (سبط) بفتح الموحدة، وكسرها، وسكونها. (الزُّطّ) بضم الزاي، وتشديد المهملة: قومٌ سُودٌ، قيل: من الهنُود، وقيل: نوعٌ من السُّودان. * * *

3439 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَيِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلاَ إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ". الرابع: (ظهراني) قيل: إنه مُقحَمٌ. (طافئة) بالهمز، أي: ذهبَ نُورها، وطُفئت كما يُطفأ السِّراج، أو طافيةٌ بالياء، من طَفَا يطفو: إذا علَتْ، ولم ترسُب، كأنها بَرزَتْ ونتَأَت، وأبدلوا الواو ياءً في: فاعِلَة منه؛ لوُقوعها بعد الكسرة، كما أُبدلت في: لاغيَة ونحوه. وفي "مسلم" روايةٌ أنه: (أَعور العَين اليُسرى)، قيل: الأَعور مِن كلِّ شيءٍ: المختَلُّ المَعيب، وكلا عَيني الدجَّال مَعيبةٌ: إحداهما بذهابها، والأُخرى بنُتوئها وعَيبها. قال (خ): العِنَبة الطَّافئة في العُنقود هي الكبيرة التي خرجتْ عن أخَواتها. * * * 3440 - "وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آَدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهْوَ يَطُوفُ

بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ". تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ. (آدم) هذا يُؤيد أنَّ مجاهدًا يَروي عن ابن عبَّاس لا عن ابن عُمر؛ لمَا صرَّح بأنَّه أحمر. (من أُدم الرجال)؛ أي: من سُمرهم؛ لكن هذا لا يُخالف الرِّواية السابقة في عيسى أنَّه أحمر. (لِمّته) بكسر اللام، وتشديد الميم: الشَّعر المتدلِّي المُجاوِز شحمةَ الأُذُنين؛ لأنها لمَّتْ بالمنكبين، فإذا بلَغ المنكبين فهو جُمَّةٌ، فإذا بلغت شحمة الأُذن فهي وَفْرة. (رجل الشعر) لا يُنافي هذا ما سبق أنَّ عيسى جَعْد الشعر؛ لأن المراد هناك جُعودة الجسم، وهو اجتِماعُه واكتنازه، لا الشَّعر. (يقطر)؛ أي: بالماء الذي رجَّلَها به؛ لقُرب ترجُّله، أو هو استعارةٌ عن نَضارته وجماله. (قطط) بفتح القاف، والمهملة الأُولى: شَديدُ الجُعودة، قالوا: الجَعَد في صِفة عيسى - عليه السلام - مدْحٌ، وفي صفة الدجال ذمٌّ.

(عين اليمنى) من إضافة الموصوف إلى صفته بلا تأْويلٍ عند الكوفيين، ويُقدِّره البصريون: عَيْن صَفْحة وجْهه اليُمنى. (رأيت) بضم التاء وفتحها. (ابن قَطن) بفتح القاف، والمهملة: عبد العُزَّى الجاهِل الخُزاعي، ومنْع الدجَّال من دُخول مكة إنما هو في حال خُروجه، وفتْنته، ودَعواه الباطلة، فلا يُعارِض ذلك أحاديثَ المنْع. (تابعه عُبيد الله) وصلَه مسلم. * * * 3441 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لاَ وَاللهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعِيسَى أَحْمَرُ، وَلَكِنْ قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً -أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً- فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ ألتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. الخامس: (لا والله) استُشكل بأنه كيف طعن في رواية أحمر؟، وأُجيب:

بأنه اشتَبه على الراوي، وأما حَلِفُه وهو قريبٌ من شهادة النَّفي؛ فإنما هو بناءً على ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطْعًا يقينًا أنَّه آدَم، وليس غيره، ويجوز أن يُؤَوَّل ويُجمع بينهما بأنه ليس بأحمر صِرْفًا، بل مائلٌ إلى الأُدْمة. (يهادى)؛ أي: يمشي مُتمايلًا إلى أحَد الطَّرَفين، منكبًّا على رجُلين. (ينطف) بضم الطاء وكسرها. (يُهراق) بضم الياء، وفتح الهاء، وقيل: بسكونها. (ماءً) مفعولٌ به، والمعنى: يُريق الماءَ، ويأتي فيه ما في (يُهراق الدِّماء)، وقد سبق. (أعور عينه) بجرِّ (عينِه) بالإضافة، ورواه الأَصِيْلِي برفع (عينه) مبتدأً مخبرًا عنه بما بعدَه، أو بدلٌ من الضمير في (أعور) الرَّاجِع على الموصُوف بدَلَ بعضٍ من كُلٍّ. قال السُّهَيْلي: ولا يجوز أن يرتفِع بالصفة كما ترفع الصفة المشبَّهة؛ لأن (أَعوَر) لا يكون إلا نعتًا لمذكَّر. (كأن عينه عنبة (¬1) طافية) بالنصب على اسمِ (كأن)، والخبر مقدَّرٌ، وإنما يجوز في: (كأَنَّ) و (إنّ) حذْف الخبر إذا أوقعتَهما على النَّكِرات؛ فإنْ أوقعتَهما على المعرفة لم يجُز الحذْف، ¬

_ (¬1) "عنبة" ليس في الأصل.

وأنشد سِيْبَويْهِ: إِنَّ مَحِلًّا وإِنَّ مُرْتَحَلًا أي: إنَّ لنا مَحِلًا. وكأنه قال في الحديث: كأنَّ في وجهه، ولم يجيء الحذف مع المعرفة إلا نادرًا بقَرينة حالٍ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين: "أتعرفُون ذلك؟ "، يعني: الأنصار، قالوا: نعم، قال: "فإن ذلك"، أي: فإن ذلك يُشكر لهم. ويروى: (عينه طافيةٌ) بالرفع، فهو جائزٌ، ولكن بتخفيف النون، من (كأن)، ويُروى: (أعورُ عينِهِ)، بالإضافة، فهو من باب قولهم: حسنُ وجهِه، بالإضافة، وهو بعيدٌ في القياس؛ لأنه جمعٌ بين طرَفي نقيضٍ: نقْل الضمير إلى الصفة مع بقائه في اللفظ مضافًا إليه الوجه، وإنما الأصل أن يكون الوجه مرفوعًا مع الهاء، ومنصوبًا، أو مخفوضًا مع نقل الضمير إلى الصِّفة، وقد منَعها الزَّجَّاجي، وزعم أن جميع الناس خالَف فيها سِيْبَوَيْهِ، وسِيْبَوَيْهِ لم يُجِزْها قياسًا، وإنما أخبَر أنها جاءت في الشِّعر، وأنشد: كميت الأعالي حرسًا مصطلاها واعترف سِيْبَوَيْهِ برداءة هذا الوجه، ولكنْ ذكَره الفالي أبو علي في غير الشِّعر، وهو ثقةٌ، في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -: (شَثْنُ الكفَّين، طَويلُ أَصابعِه)، وقال: هكذا رويتُه بالخفْض، وذكَر الهرَوي وغيره في

حديث أُمِّ زَرْع: (صِفْرُ ردائِها، ومِلْءُ كسائها). (ابن قطن) هو عبد العُزَّى بن قطَن بن عمرو بن حَبِيْب، أُمُّهُ هالة بنت خُويلد، أُخت خديجة. وفي "طبقات ابن سعد": أكثَم بن أبي الجَون، عبد العُزَّى بن مُنقِذ، قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: "أشبَه مَن رأَيتُ به، يعني: الدجَّال، أكثَم بن أبي الجَوْن"، فقال أكثَم: يا رسولَ اللهِ، هل يضرُّني شَبَهي إيَّاه؟، قال: "لا، أنت مسلمٌ، وهو كافرٌ". وقال ابن مَنْدَه في أكثَم: إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - شبَّهه بعَمْرو بن لُحَيٍّ لا بالدجَّال. * * * 3442 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالأَنْبِيَاءُ أَولاَدُ عَلَّاتٍ، لَيسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نبِيٌّ". 3443 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ".

3443 / -م - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. السادس: (أولى)؛ أي: أقرب، وقيل: أخصُّ؛ إذ لا نبيَّ بينهما، وأنه مبشِّرٌ بأنه يأتي بعده، واسمه: أحمد، في آخِر الزمان، وأنه بعد نُزوله متابعٌ لشريعته، ناصرٌ لدينه. ولا يعارض هذا قولَه تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} [آل عمران: 68]؛ لأن الحديث واردٌ في كون النبي - صلى الله عليه وسلم - مَتبوعًا، والقرآن في كونه تابِعًا، وله الفَضْل تابعًا ومَتبوعًا. وعُلم منه أنَّ ما يقال: إنَّ بينهما خالد بن سِنَان لا اعتبارَ له. (عَلاّت) بفتح المهملة، وشدة اللام بمثناةٍ: الإخوة لأبٍ من أُمهات شتَّى، كما أن الإخوة من الأُمِّ فقط أولاد أَخْيَاف، ومن الأبوين أولاد أَعيَان. والمعنى: أن أُصولهم واحدة، وفروعهم مختلفةٌ، أي: متفقون في العقائد، مختلفون في الأحكام العملية، وهي الفقهيات. (أُمهاتهم شتى) هو تفسيرٌ لـ (عَلَّات)، مثل: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 19 - 21]، وأصل العَلَّات: الضَّرائِر. * * *

3444 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَى عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلَّا وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي". السابع: (آمنت بالله وكذبت عيني) بتخفيف الذال للمُستَمْلي، وتشديدها للحَمُّوي وأبي الهيْثَم، وهو الصَّواب؛ لأنه رُوي في "الصَّحيح" من رواية مَعْمر: (وكذَّبْتُ نفْسي)، ذكره الحُمَيدي في "جامعه". ثم هو على المبالغة في تصديق الحالف، لا أنه كذَّب عينه حقيقةً، وقيل: أراد أنه صدَّقه في الحكم؛ لأنه لم يحكُم بعلْمه. وقال (ع): ظاهره: صدَّقت من حلَف بالله، وكذَّبت ما ظهَر لي من ظاهر سَرِقته، فلعلَّه أخذَ ما له فيه حقٌّ، أو لم يقصِد الغَصْب، أو ظهَر له من مدِّ يده أنَّه أخذ شيئًا، فلمَّا حلَف أسقط ظنَّه، ورجَع عنه. قال (ك): جعل لفظ: (بالله)، متعلِّقًا بمحذوف، ولا حاجةَ إليه؛ لاحتمال أن يتعلق بلفظ: (آمنت). * * * 3445 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -

يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ". الثامن: (لا تطروني) الإطراء: المدح بالباطل، وذلك أنهم اتخذوه إلهًا، حيث قالوا: {ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، ودعَوهُ ولدَ إلهٍ، فقالوا: المسيح ابن الله، تعالى عما يشركون، وذلك من إفراطهم في مدحه، ولهذا المعنى -والله أعلم- هضَم النبي - صلى الله عليه وسلم - نفْسَه بقوله: "لا تُفضِّلوني على يُونس بن مَتَّى" شفَقًا أن يُطروه، ويقولوا فيه باطلًا. * * * 3446 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ ابْنُ حَيٍّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَالَ لِلشَّعْبِيِّ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَخْبَرَني أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَدَّبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا آمَنَ بِعِيسَى ثُمَّ آمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْدُ إِذَا اتَّقَى رَبَّهُ وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ". التاسع: سبق في (العلم)، في (باب: تعليم الرجل أمته).

(خراسان) إقليمٌ معروفٌ. * * * 3447 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: هُمُ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -. العاشر: (غُرلًا) جمع أَغْرَل: وهو الأقْلَف، أي: غير المختون. سبق في: (قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام). (أصحابي)؛ أي: هؤلاء أصحابي، وهو إشارةٌ إلى الذين هم في جِهَة الشَّمال، أي: طريق جهنَّم، أو معناه: أنهم يُؤخَذون من الطَّرَفين،

49 - باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام

ويشدُّون من جهة اليمين والشِّمال بحيث لا يتحرَّك يمينًا ولا شمالًا. * * * 49 - بابُ نُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام (باب نُزول عيسى عليه الصلاة والسلام) 3448 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}. الحديث الأول: (ليوشكن) بكسر المعجمة، من أفعال المُقارَبة، أي: لا بُدَّ من ذلك سَريعًا. (حَكَمًا)؛ أي: حاكمًا.

(فيكسر الصليب)؛ أي: يبطل النصرانية. وسبق الحديث في آخر (البيع)، و (الجزية). (ويقتل الخنزير) قال (خ): معناه تحريم اقتنائه وأكله. وفيه أنهُ نجسٌ، وأن سُؤره حرامٌ؛ لأن الطَّاهر المنتفَع به لا يُؤمر بإتلافه. (ويضع الجزية)؛ أي: يضربها على مَن لم يُؤمن، وقيل: لا يأخذُها؛ لعدم احتياج الناس إليه؛ لما تُخرج الأرض من بركاتها؛ ولما تُلقيه من الأموال، وهو معنى قوله بعده: (ويفيض المال) بفتح الياء، أي: يكثُر. وقال (خ): معنى وضْع الجِزْية: أن تكون الأديان كلُّها واحدًا، وهو الإسلام، فلا يبقَى ذميٌّ يؤدِّي جزيةً. (حتى تكون السجدة) إلى آخره، أي (¬1): تكون خيرًا من إعطاء الدنيا وما فيها؛ لأنه لا يمكن حينئذٍ التقرُّب بالمال، وإلا فمعلومٌ أنَّ السَّجدة الواحدة دائمًا خيرٌ من الدنيا وما فيها، لأن الآخرةَ خيرٌ وأبقى. وقال التُّوْرِبِشْتي: معناه أن النَّاس يرغَبون عن الدُّنيا، حتى تكون السجدة الواحدة أحبَّ إليهم من الدُّنيا وما فيها. * * * ¬

_ (¬1) "أي" ليس في الأصل.

3449 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ أَنْتُم إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وإمَامُكُمْ مِنْكُمْ". تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالأَوْزَاعِيُّ. الثاني: (وإمامكم منكم)؛ أي: رجلٌ منكم، أي: لا يتأَمَّر عليكم، ولا يأتكم، كما في "مسلم": أنه "يُقال له: صَلِّ لنا، فيقول: لا، إنَّ بعضَكم على بعضٍ أُمراء، تكرمةً لهذا الأُمة". ويحتجُّ به مَن يرى عدَم خلوِّ العصر عن القائم لله تعالى بالحجَّة. وحكى الجَوْزَقي عن بعضهم أنَّ معناه: يصير منكم بالجماعة، أو وَضَعَ المُظْهَر موضعَ المضمَر؛ تعظيمًا له، وتربيةً للمهابة، يعني: هو منْكم، والغرَض أنه خليفتكم، وهو على دينكم. (تابعه عقيل) وصلَه ابن مَنْدَه في كتاب "الإيمان". (والأوزاعي) وصلَه البيهقي. * * *

50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل

بِسْمِ اْللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ 50 - بابُ مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (باب ما ذُكِر عن بني إسرائيل) 3450 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو لِحُذَيْفَةَ: أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إذَا خَرَجَ مَاءً وَناَرًا، فَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءٌ بَارِدٌ، فأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ فَنَارٌ تُحْرِقُ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَى أَنَّهَا ناَرٌ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ". الحديث الأول: (يرى) بفتح الياء وضمها، أي: هذا من فتنَتِه التي امتَحن الله بها عبادَه؛ ليُحِقَّ الحقَّ، ويُبطل الباطلَ، ثم يفضحُه، ويُظهر للناس عجْزه. * * * 3451 - قَالَ حُذَيْفَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أتاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ لَهُ: انْظُرْ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايعُ

النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَأُجَازِيهِمْ، فَأُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأتجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ، فَأَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ". الثاني: (وأجازيهم) قيل معناه: أُعاوضُهم: آخُذ منهم وأُعطيهم، وقيل: صوابه: أتقَاضَاهم، يقال: تجازَيْتُ دَيني، أي: قضَيتُه، وقال (ك): إنَّ معنى: أُجازْيهم هو ذلك. وقد مرَّ في (البيع). * * * 3452 - فَقَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا وَأَوْقِدُوا فِيهِ ناَرًا، حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي، فَامْتَحَشْتُ، فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا، فَاذْرُوهُ فِي الْيَمِّ. فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ. فَغَفَرَ اللهُ لَهُ". قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَاكَ، وَكَانَ نبَّاشًا. الثالث: (فامتحشت) بفتح الحاء المهملَة، من الامتِحاش، وهو الاحتِراق، وقال (ش): بفتح المثناة وضمها.

(راحًا)؛ أي: كثير الريح، كقولهم: كبْش صافٍ، أي: كثير الصُّوف. قال الجَوْهَري: وإذا كان طيِّب الرِّيح يُقال: ريَّح بالتَّشديد، وقال (خ): يومٌ راحٍ، أي: ذو رِيحٍ، كما يُقال: رجلٌ مالٍ، أي: ذُو مالٍ. (فاذروه) بهمزة وصلٍ، من ذرَيتُ الشَّيءَ: طَيَّرتُه وأذهبتُه، وقيل: بقطْعها؛ من أَذْريتُه عن فرَسه، أي: رمَيتُه، والأول أليق بالمعنى؛ لأنَّ الإذهاب فيه معونةٌ لنَسْف الرِّيح إياه. (وكان)؛ أي: الرجل المُوصِي (نباشًا)؛ أي: للقُبور، يَسرق الأكفان. * * * 3453 - و 3454 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالاَ: لَمَّا نزَلَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ: "لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. الرابع: (نزل) قال (ش): بفتح النون، والزاي في أصل أبي ذَرٍّ، وهو

الصَّواب؛ لأن (ع) في "المَشارِق" قال: لما نزلتْ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني: منيَّتُه، ويُروى: (نُزِل)، أي: نزَل به الملَك لقبْض روحه - صلى الله عليه وسلم -. (خميصة) هي الكِساء له أعلامٌ. سبق في (الجنائز). * * * 3455 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نبَيٌّ خَلَفَهُ نبِيٌّ، وَإنَّهُ لاَ نبَيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ". الخامس: (أعطوهم حقهم)؛ أي: أَطيعُوهم، وعاشِروهم بالسمع والطاعة، فإنَّ الله يحاسبُهم بالخير والشر عن حال رعيَّتهم. * * * 3456 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ

النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ؟ ". السادس: (سنن) بفتح المهملة، والنون الأُولى: الطَّريقة، وفي بعضها بضم السين. (جحر ضبّ) إنما خصَّ الضبَّ؛ لأن العرب تقول: هو قاضِي الطَّير والبهائم، وإنما اجتمعتْ إليه لمَّا خُلق الإنسان، فوصَفوه له، فقال: تصفُون خلْقًا يُنْزل الطَّائر من السماء، ويُخرج الحُوتَ من البحر، فمَن كان ذا جناحٍ فليَطِرْ، ومن كان ذا مِخْلَبٍ فليَحتفِر. * * * 3457 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإقَامَةَ. السابع: سبق في (باب الأذان). * * *

3458 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُصَلِّي يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ. تَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ. الثامن: (خاصرته) هي الشَّاكلة، والمراد: في حال الصَّلاة. * * * 3459 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَإنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ؟ أَلاَ فَأَنْتُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ،

أَلاَ لَكُمُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ اللهُ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ". التاسع: (أجلكم)؛ أي: زمانكم. (خلا)؛ أي: مضى. وسبق الحديث في (مواقيت الصلاة). * * * 3460 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَاتَلَ اللهُ فُلاَنًا، ألمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا"؟ تَابَعَهُ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. العاشر: (قاتل)؛ أي: لَعَن، وأخزَى. (جملوها) بالجيم: أَذابُوها. وفيه تحريم الحِيْلَة، وسبق في (البيع).

(تابعه جابر وأبو هريرة) موصولان في (البيوع). * * * 3461 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". الحادي عشر: (ولو آية) قال البَيْضاوي: أي: مِن القُرآن، هذا مع تكفُّل الله بحفْظه، فتبليغ الحديث بطريق أَولى. وقال ابن حِبَّان في: "صحيحه": فيه دليلٌ على أن السُّنَن يُقال لها: آيٌ، قيل: وفيه نظَرٌ، إذ لا ينحصِر عنه التبليغ في السُّنن، بل القُرآن كذلك كما سبق. وقيل: المراد بالآية: العلامة الظاهِرة، أي: ولو كان المبلَّغ فعلًا، أو إشارةً، ونحوهما. (وحدثوا عن بني إسرائيل) هو أمرٌ إباحةٍ، إذ لا وُجوبَ ولا نَدْبَ فيه بالإجماع. (ولا حرج)؛ أي: إذا بلَغك عنهم حديثٌ فلا حرَج عليك في أدائه، لا أنه يجوز الافتِراء عليهم بخلاف حديثِ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه

لا يجوز التَّبليغ إلا بالإسناد عن الثِّقات. قال (خ): لا حرجَ إذا بلَّغتَ عنهم ذلك حقًّا، أو غير حقٌّ؛ لأنَّ شرعهم لا يلزمُنا، بخلاف الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يجوز إلا عن ثقةٍ؛ ليؤمنَ به الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال الشافعي: معنى ذلك: حدِّثوا عنهم، وإنْ استحال مثلُه في هذه الأُمة، مثل: نُزول نارٍ من السَّماء تأكل القُربان ونحوه، وليس له أن يحدِّث عنهم بالكذب. * * * 3462 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ". الثاني عشر: (لا يصبغون) بفتح الموحدة، وضمها. (فخالفوهم)؛ أي: اصبغوا أنتم لِحَاكُم. قال الشَّافعية: يستحبُّ خِضاب الشَّيب للرجل والمرأة بالحُمرة والصُّفرة كالحِنَّاء والزَّعْفران. * * *

3463 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي هَذَا الْمَسْجدِ، وَمَا نَسِينَا مُنْذُ حَدَّثَنَا، وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". الثالث عشر: (محمد) قال الحاكم: هو ابن يحيى الذُّهْلِي، وقيل: محمد بن مَعْمر، وعليه الأكثر. (المسجد)؛ أي: مسجد البصرة، وذكر مثل هذه القُيود للإشعار بحُسْن الضَّبْط، وكمال الحفْظ. (فجزع) بكسر الزاي، قيَّده الجَوْهَري، وقال: إنهُ نقيض الصبر. (فحز)؛ أي: قطَع. (رقأ) بالهمز، أي: انقطَع، وأرقأَ الله دمعَه، أي: أَسكنَه. (بادرني عبدي بنفسه) قيل: يحتمل أنه كان كافرًا؛ لقوله: "فحرَّمتُ عليهِ الجنَّةَ"، ويحتمل أنَّ المراد التَّغليظ عليه، أو يُحرِّمُها عليه في أوَّل الأمر، لا في آخره. * * *

51 - حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل

51 - حَدِيثُ أَبْرَصَ وَأعْمَى وَأَقْرَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ 3464 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا. فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإبِلُ -أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ، إِنَّ الأَبْرَصَ وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا: الإبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: الْبَقَرُ- فَأُعْطِيَ ناَقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ:

فَمَسَحَهُ، فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ، وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ، وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمِ إِلَّا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أتبَلَّغُ بِهَا فِي سَفرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ الله عنكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ". (باب حديثِ أَبْرَصَ وأَقْرعَ وأَعْمَى) (بدأ) بالهمز.

(الله) فاعل، أي: حكَم وأرادَ، وقال (خ): معناه: قضى؛ لأن قضاءه سابقٌ. ورواه بعضهم: (بَدَا)؛ أي: ظهَر، من البُدوِّ، وهو غلَطٌ؛ لأنه ممتنعٌ على الله تعالى، وكذا قال ابن قُرقُول: ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمز، ورواه بعضهم بلا همز، وهو خطأٌ؛ لأن البَداء محالٌ على الله تعالى إلا أن يُتأوَّل بمعنى: أراد، وفي "مسلم": (أراد الله)، أو أن المراد: سبَق في علم الله، فأراد فعلَه وإظهاره. (قذرني) بكسر المعجمة: كَرهوني، وفي بعضها: (قذَرُوني)، نحو: أكلُوني البراغيثُ. (شك) الموافِق لما في "شرح مسلم" وغيره: أن الضمير راجعٌ إلى إسحاق. (عشراء) هي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهرٍ، وهي من أنفس الإبل. (شاة والدًا)؛ أي: حاملًا، والشاة تذكَّر وتؤنَّث. (فأنتج) قيل: هو خلاف قول أهل اللغة: نُتجت الناقة، بضم النون، ونتَجها أهلُها، ويقال: أنتَجت الفرس، أي: حملَت، فهي نتَوج، ولا يقال: مُنتِج. (هذان)؛ أي: الإبل والبقر. (وولَّد هذا) بتشديد اللام، راعى العُرف في استعمال الولادة في الشاة، وفي الأولَين: أنتج.

(الحبال) بالمهملة، والموحدة: جمع (¬1) حبْل، وهو: الوِصال، أي: الأسباب التي يقطعُها في طلب الرزق، كالرَّسَن، وقيل: العقَبات. وفي بعضها بالجيم، قال (ش): رُوي بها، لكن بضم المثنَّاة مِن تقطَّعت. (بلاغ)؛ أي: كفايةٌ، وتبلَّغ بكذا، أي: اكتفَى به. (يقذَرك) بفتح الدال. (كابرًا عن كابر)؛ أي: كبيرًا عن كبيرٍ في العزِّ والشرف. (فصيرك) هو جواب الشرط، وإنما دخلت الفاء فيه؛ لأنه دعاءٌ. (أجهدك)؛ أي: بلَّغك غايةً، أي: لك ما تُريد، أو لا أشقُّ عليك، أو لا أشدِّد. وفي بعضها: (لأحمدك) بلام، وأحمدك من الحمْد، وفي بعضها: (لا أحمدك) بـ (لا) النافية، ولعلَّه من قولهم: فلانٌ يتحمَّد عليَّ، أي: يمتنُّ، يُقال: مَن أنفَق مالَه على نفسه، فلا يتحمَّدْ به على الناس. وقال (ن): معناه لا أحمدك بترْك شيءٍ تحتاج إليه، فتكون لفظة الترك محذوفةً، كقول الشاعر: ليسَ علَى طُول الحياةِ نَدَمُ أي: فوات طولها. ¬

_ (¬1) "جمع" ليس في الأصل.

52 - {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم}

وقال (ش): هو بالحاء والميم بلا خلافٍ في البخاري، ولبعض رواة مسلم بالجيم والهاء، وقال بعضهم: هو بإسقاط الميم، أي: لا أجدُك، أي: لا أمنعُك شيئًا، وهذا تكلفٌ وتغيير للرواية. (رَضِيَ) مبنيٌّ للمفعول، وكان هو خير الثَّلاث، وكان مزاجه أقرب للسلامة من مزاجهما؛ لأن البرَص لا يحصُل إلا من فسادٍ في المزاج، وخللٍ في الطبيعة، وكذلك ذهاب الشعر، بخلاف العمى؛ فإنه لا يستلزم فساده، وقد يكون من أمرٍ خارجيٍّ. * * * 52 - {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} الْكَهْفُ الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ، وَالرَّقِيمُ الْكِتَابُ، مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ، {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أَلهَمْنَاهُمْ صَبْرًا. {شَطَطًا} إِفْرَاطًا. الْوَصِيدُ الْفِنَاءُ، وَجَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ، وَيُقَالُ: الْوَصِيدُ الْبَابُ، {مُؤْصَدَةٌ} مُطْبَقَةٌ، آصَدَ الْبَابَ، وَأَوْصَدَ. {بَعَثْنَاهُمْ} أَحْيَيْنَاهُمْ. {أَزْكَى} أَكثَرُ رَيْعًا. فَضَرَبَ اللهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَنَامُوا. {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} لَمْ يَسْتَبِنْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقْرِضُهُمْ} تَتْرُكُهُمْ. (باب): {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف: 9]) قوله: (الوصيد) يقال: أوصدتُ البابَ، وآصدتُه: أغلقتُه. (ريعًا)؛ أي: نماءً وزيادةً، قال تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ}

53 - حديث الغار

[الكهف: 11]، أي: ضربنا عليهم حجابًا من أن تَسمع، أي: أغفاهم إنامةً لا تُنَبِّههم الأصواتُ، فأخذَ البخاري لازم لفظ القرآن، وفسَّره أيضًا بلازمه، إذ ليس ذلك لفْظ القرآن، ولا ذلك معناه. * * * 53 - حَدِيثُ الْغَارِ 3465 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللهِ يَا هَؤُلاَءِ لاَ يُنْجيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ، وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا، وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ، فَقُلْتُ له: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ! فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ، فَسَاقَهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا. فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كنْتَ تَعْلَمُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا

لَيْلَةً، فَجئْتُ وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الْجُوعِ، فَكُنْتُ لاَ أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا. فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ، حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنتنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتِ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا. فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا". (باب حديث الغار) (فانطبق)؛ أي: باب الغار. (إن كنت تعلم)، (إن) كلمة شكٍّ، وهم جازمون بأن الله تعالى عالمٌ، فمعناه: أنت تعلَمُ ذلك، فرتِّبْ عليه ما نسألك بفضلك. وقال (ك): إنه على خلاف مقتضى الظاهر، أو أنهم لم يكونوا عالمين بأنَّ لأعمالهم اعتبارًا عند الله، ولا جازمين به، فقالوا: إنْ كنت تعلم أنَّ لها اعتبارًا؛ ففرِّج عنا. (فَرَق) بفتح الفاء، والراء، وسُكونها: ظَرفٌ يسَع ثلاثة آصُعٍ.

وليس لمن جوَّز بيع الفُضولي تعلُّقٌ بهذا! لأنه شرْع من قبلَنا. وأيضًا فليس فيه أنَّ الفرَق كان معيَّنًا، ولم يكن في الذِّمَّة، وقبضَه الأجير، ودخَل ملْكه، بل كان هذا تبرُّعًا منه له. (انساخت) بالمعجمة، أي: غابتْ في الأرض. وقال (خ): صوابُه بمهملةٍ، أي: اتسعَتْ، ومنه ساحة الدَّار، ويُروى بالخاء المعجمة والصاد، مِن انصَاخَ الثَّوب انصِياخًا: إذا انشَقَّ من قِبَل نفْسه. قال (ك): ويمكِن أن يكُون: انسَاخَ، بالسين بدلًا من الصَّاد، يُقال: انسَاخَ البَرْق: إذا تصدَّع. (يتضاغون) بمعجمتين: يتصايحُون، وقيل: يَستغيثون من الجُوع، وأصله مِن ضُغاء الثَّعلب والسِّنَّور إذا صاحَ، وذلك صوتُ كلِّ ذليلٍ مقهورٍ. (فيستكينا) من السَّكينة، وقال (ك): يستكينا، أي: يَضعُفا لشربتهما التي فاتتْ عنهما. قال: وفي بعضها: (يستَكِنَّا)، أي: يَلبَثا في كِنِّهما منتظرَين لشُربهما. وسبق الحديث آخر (البيع) إلا أنَّ هناك الفرَق من الذُّرة، فلعلَّه كان مخلُوطًا منهما، وأُطلق كلًّا من النوعين بأَدنى مشابهةٍ بينهما. * * *

54 - باب

54 - بابٌ 3466 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهْيَ تُرْضِعُهُ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتِ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ، وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَ: أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا: تَزْنِي، وَتَقُولُ: حَسْبِي اللهُ. وَيَقُولُونَ: تَسْرِقُ، وَتَقُولُ: حَسْبِي الله". (باب) الحديث الأول: (ومر) مبنيٌّ للمفعول. (تجر) وفي بعضها: (تُجَرَّ). سبق الحديث في (قصة عيسى - عليه السلام -). (تزني) لو خاطبَها لقال: تَزنينَ. * * * 3467 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -،

قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ". الثاني: (يطيف)؛ أي: يطُوف، ويَدُور. (بِرَكية) بفتح الراء، وكسر الكاف: هو البِئْر قبل أن تُطوى. (بغي)؛ أي: زانية. (موقها)؛ أي: خُفها، وقال الجَوْهَري: هو الذي فَوق الخُفِّ، فارسيٌّ معرَّبٌ. * * * 3468 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ! أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ". الثالث: (المنبر)؛ أي: منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (قصة) بضم القاف، وشدة المهملة: شعر الناصية، والمراد هنا قِطْعةٌ، من قصَصتُ الشَّعرَ، أي: قطعتُه.

(حرسي) واحد الحرَس الذين يحرُسون السُّلطان، لكن لمَّا صار اسمَ جنسٍ نُسب إليه، ولا تقُل: حارِس، إلا أن تذهب به إلى معنى الحِراسة دون الجنْس، ويُطلَق الحرَسي ويُراد به الجُندي. (أين علماؤكم) هذا السؤال للإنكار عليهم بإهمالهم إنكارَ مثلِ هذا المُنكَر، وغَفْلتهم عن تغييره. وفي هذا اعتِناءُ الوُلاة بإزالة المنكَر، وتوبيخُ مَن أهملَه. (هذه)؛ أي: القُصَّة، والغرَض النهي عن تزيين الشعر بمثلها، والوَصْل به. قال (ع): يحتمل أنه كان مُحرَّمًا على بني إسرائيل، فعُوقبوا باستعماله، وهلَكوا بسبَبه، ويحتمل أنَّ الهلاك كان به وبغَيره من المعاصي، وعند ظُهور ذلك فيهم هلَكوا. وفيه معاتَبة العامة بظُهور المنكر. * * * 3469 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ". الرابع: (محدَّثون) بفتح المهملة المشدَّدة.

قال (خ): المُحدَّث: المُلهَم يُلقى الشيءُ في رُوعه، فكأنه قد حُدِّث به، يظُنُّ فيُصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون، وهي منْزلةٌ جليلةٌ من منازل الأولياء. وقيل: هو من يجري الصَّواب على لسانه، وقيل: مَنْ تُكلِّمه الملائكة، وعبارة البخاري فيه: يجري على ألسنتِهم الصَّواب من غير نُبوَّةٍ. وفيه إثبات الكرامات، وفَضيلة عُمر، وقِصَّته - رضي الله عنه - في: (يا ساريةُ الجبَلَ) مشهورةٌ. * * * 3470 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ لاَ، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْركَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ". الخامس: (يسأل)؛ أي: عن التوبة والاستغفار.

(راهبًا) أي: واحد رُهبان النصارى، وهو الخائِف المتعبِّد. (فأدركه الموت)؛ أي: في الطَّريق، والفاء فيه فصيحةٌ، والمراد إدراك أَمارات الموت. (فنأى)؛ أي: بتقديم الهمزة على الألف، وعكسِه، أي: نهَضَ بصَدْره مائِلًا إلى ناحية تلك القَرية التي توجَّه إليها للتَّوبة والعبادة. (إلى هذه) هي المتوجَّه منها. (أن تقربي)؛ أي: من الميِّت. (إلى هذه أن تباعدي) هي المتوجَّه منها. واعلم أنَّ حقَّ العباد لا يسقُط بالتَّوبة، ولكنَّ الله تعالى إذا قبِلَ توبته أَرضَى خُصومه بكرَمه. * * * 3471 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الصُّبْح، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ. فَقَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -وَمَا هُمَا ثَمَّ- وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا

غَيْرِي". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! ذِئْبٌ يَتكَلَّمُ. قَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ"، وَمَا هُمَا ثَمَّ. 3471 / -م - وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِهِ. السادس: (عن أبي سلمة عن أبي هريرة) في بعضها بإسقاط (أبي سلَمة)، وهو صحيحٌ أيضًا؛ لأن الأَعْرج يَروي عن أبي هريرة أيضًا بلا واسطةٍ. (هذا)؛ أي: الرجل. (استنقذها) وفي بعضها: (استَنقَذتها)، والإشارة للذِّئب. (السَّبُع) بضم الموحدة وسكونها، أي: مَن لها عند الفِتَن، حيث يتركُها الناسُ هَمَلًا لا راعي لها، شبَّهه للسِّباع، فبقيَ لها السبُع راعيًا. وقيل: هو يوم عيدٍ كان لهم في الجاهليَّة، أو غير ذلك. وقد سبق في (كتاب الحرث). * * * 3472 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: فِي عَقَارِهِ

جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا". السابع: (عقارًا) بفتح المهملة: الأرض، والضِّياع، والنَّخْل. (جارية)؛ أي: بنت مراهقةٌ. وفيه كمال تورُّعهم، واحتياطُهم، وفوائد أُخرى تظهر بالتأمُّل. * * * 3473 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ". قَالَ أَبُو النَّضْرِ: "لاَ يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ".

الثامن: (الطَّاعُون) الموت الكثير، أو بَثَرٌ، وَوَرَمٌ مُؤلمٌ جدًّا، يخرُج مع لهيبٍ، وَيسْوَدُّ ما حولَه، أو يخضَرُّ، ويحصل معه خفَقان القلْب، والقَيء، ويخرج في المراق والآبَاط غالبًا. (تقدموا) بفتح الدال. (لا يخرجكم)؛ أي: أن أبا النَّضْر فسَّر: لا تَخرجُوا فِرارًا: بأنَّ المراد منه الحَصْر، يعني: الخُروج المنهي عنه هو الذي لمُجرَّد الفِرار لا لغرَضٍ آخر، فهو تفسيرٌ للمعلِّل المنهي، لا للنهي، أو أنه زاد بعد رواية: (لا تخرجوا فرارًا، لا يُخرجُكم إلا فِرارًا)، فيكون تفسيره نقْلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا من تلْقاء نفسه، فإنْ ثبَت أنَّ: (إلا) تُزاد في كلام العرب، فيكون واضحًا. قال (ن): رُوي: (إلا فرارٌ) بالرفع والنصب، وكلاهما مُشْكلٌ؛ لأنَّ ظاهره المنْع من الخُروج لكل سبَبٍ إلا للفِرار، وهو ضِدُّ المراد. وقيل: لفْظة: (إلا) هنا غلَطٌ من الرَّاوي، وصوابه حذفها كما هو المعروف في الروايات. وَوَجّه طائفةٌ النصب، فقالوا: هو حالٌ، وكلمة: (إلا) للإيجاب لا للاستِثناء، وتقديره: لا تخرُجوا إذا لم يكن خُروجكم إلا فِرارًا منه. وفيه التَّسليم لقَضاء الله، ومنْع القُدوم على بلَد الطَّاعون، ومنْع الخُروج منه فِرارًا من ذلك، فأما الخروج لعارضٍ فلا بأْسَ به. * * *

3474 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي: "أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كتَبَ اللهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ". التاسع: (من أحد)، (مِنْ) فيه زائدةٌ. وفيه عناية الله بهذه الأُمة المكرَّمة، حيث جعل ما أُعِدَّ عذابًا لغَيرهم رحمةً لهم. * * * 3475 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالَ: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أتشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ". ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا

سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بْنَتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا". العاشر: (المخزومية) بمعجمةٍ، وزاي، اسمها: فاطِمة بنت الأَسوَد، وكان ذلك في غَزْوة الفتْح. (يجترئ)؛ أي: يتجاسَر عليه بطريق الإدلال. (حِب) بكسر المهملة، أي: محبوبُ. (وايم) بهمزة وصلٍ. وفيه النهي عن الشَّفاعة في الحُدود، وذلك بعد بُلوغه الإمامَ، ومنقَبةٌ ظاهرةٌ لأُسامة. * * * 3476 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلاَلِيَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ خِلاَفَهَا، فَجئْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ: "كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا". الحادي عشر: سبق في (كتاب المخاصَمات).

(ولا تختلفوا)؛ أي: اختِلافًا يؤدِّي إلى الكُفر، أو البِدْعة، كالاختلاف في نفْس القُرآن، وفيما جاز قراءتُه على وجهَين مثلًا، وفيما يُوقع في الفتْنة أو الشبهة، وأما الاختلاف في الفُروع، ومناظرات العُلماء لإظهار الحقِّ؛ فمأمورٌ به. * * * 3477 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نبَيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ". الثاني عشر: (اغفر لقومي) الجمْع بينه وبين ما قال نوحٌ - عليه السلام -: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]: أنَّ المقامات مختلفةٌ، فالاستِغفارُ: حيث توقَّع منهم الإيمان، وطلَبُ الهلاك: حيث عَلِم أنه لن يؤمن مِن قومه إلا مَن قد آمَن قبل ذلك. * * * 3478 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللهُ مَالًا، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟

قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللهُ عز وجل، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ". وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث عشر: (رَغَسه) بفتح الراء، والمعجمة، وبمهملةٍ، أي: أعطاه، وأَنماه، وقيل: أكثَر له، وباركَ فيه، وفي رواية مسلم: (راشَه الله)، بالراء، والمعجمة، من الرِّيْش: وهو المال، ويقَع ذلك في البخاري بسين مهملةٍ. قال (خ): وهو غلَطٌ؛ فإنْ كان محفوظًا فهو بالمعجمة. (حضر) مبنيٌّ للمفعول. (ما حملك)؛ أي: على هذه الوصيَّة. (فتلقاه) بقافٍ، وأشار السَّفَاقُسي إلى أنه بالفاء، قال: ولا أعلم له وجهًا إلا أن يكون أصله: فتلفَّفه رحمةٌ، أي: غشِيتْه، فاجتمع ثلاث فاآاتٍ، فأُبدلت الأَخيرةُ ألفًا، كقوله تعالى: {دَسَّاهَا} [الشمس: 10]، ويُروى: (فتلافاه). * * *

3479 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ: أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، لَمَّا أَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ، أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا، ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا، حَتَّى إِذَا أكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي، فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا، فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ -أَوْ رَاحٍ-، فَجَمَعَهُ اللهُ، فَقَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ، فَغَفَرَ لَهُ". قَالَ عُقْبَةُ وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ. حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَالَ: "فِي يَوْمٍ رَاحٍ". الرابع عشر: (عقبة) هو ابن عُمر، لا عُقبة بن عبد الغافِر السابق. (حاز) بالزاي المشددة، يَحُز بِحَرِّه، أو بَرده، كذا للمروزي، والأَصِيْلِي، وأبي ذر، وعند أبي الهيثم: (جار) بالراء، وأشار بعضهم إلى أن تفسيره بالمشدَّد، أي: لشدَّة ريحه. وفي بعض الروايات: (حان) بالنون المشدَّدة في آخره، أي: حانَ ريحُه، قال ابن فارِس: الحون: ريحٌ يحِنُّ كحَنين الإبل. (خشيتك) خبر مبتدأ محذوفٍ، أو مبتدأٌ خبره محذوفٌ، وفي بعضها بالنَّصب على نزْع الخافِض، أي: لخَشْيتك، وفي بعضها: بلفْظ الفعل، وفي بعضها بالكسْر.

قال (ش): وكأنَّه بتقدير: مِن، كما ثبَت في روايةٍ. (سمعته)؛ أي: سمعت حذيفة. (راح)؛ أي: كثير الريح. * * * 3480 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. قَالَ: فَلَقِيَ اللهَ فتجَاوَزَ عَنْهُ". الخامس عشر: (لفتاه)؛ أي: صاحبِه الذي يقضِي حوائجَه. * * * 3481 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبِنَيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا. فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ،

فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ. فَغَفَرَ لَهُ". وَقَالَ غَيْرُهُ: "مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ". السادس عشر: (يسرف) من الإسراف، وهو مجاوزة الحَدِّ، أي: يُبالغ في المعاصي. (وقال غيره)؛ أي: غير أبي هريرة، وهو عبد الرَّزاق، أخرجه أحمد عنه. وسبق مرَّاتٍ أنَّ قولَه: (لئن قدَرَ) ليس شكًّا في القُدرة، بل بمعنى: إنْ ضيَّق، أو حكَم وقضَى، أو على ظاهره وقالَه وهو غير ضابطٍ لنفْسه، ولا قاصدٍ معناه؛ لكن للدَّهشة، وشدَّة الخَوف بحيث ذهَب تدبُّره فيما يقول، فصار كالغافِل، والناسي، أو أنَّه جَهِل صفةً من صفاته تعالى، وفي تكفيره بذلك خلافٌ، أو كان في زمانٍ ينفع فيه مُجرَّد التوحيد، أو كان في شَرعهم جواز العفْو عن الكافر. قال (خ): أو أنه رجلٌ جاهلٌ ظنَّ أنه إذا فعل به ذلك تُرِكَ، فلم يُبعث، ولم يُعذَّب. وحيث قال: (خشْيتُك) عُلم أنه مؤمنٌ، فَعل ما فَعل خشيةً من الله، وبجهله حَسِبَ أنَّ هذه الحيلة تُنجيه مما يخافُه. * * * 3482 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

"عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنتهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ". السابع عشر: (في هرة)؛ أي: بسببها نحو: "في النَّفْس المؤمنةِ مائةٌ من الإبِل". (خشاش) بتثليث المعجَمة الأُولى، وتخفيف الثانية: حشَرات الأرض وهوامُّها. قال (ش): ويُروى بالحاء المهملة، أي: يابِس النَّبات، وهو وهمٌ. سبق الحديث في (باب: ما يقول بعد التكبير). * * * 3483 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوُنسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَافْعَلْ مَا شِئْتَ". 3484 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ".

الثامن عشر: (الناس) بالرفع، وبالنصب، أي: مما أدركَه الناسُ، أو مما بلَغ النَّاسَ. (من كلام النبوة)؛ أي: مما اتفَق الأنبياء عليه، فلم يُنسخ فيما نُسخ من شرائعهم؛ لأنه أمرٌ أطبقَت العُقول على حُسنه. (إذا لم تستحي) هذه الجملة الشَّرطية اسمُ (إنَّ) على تقدير القَول، أو خبرُه على تقدير (مِن) اسمًا، كلفْظ بعضٍ، فيكون هو اسم (إنَّ). (فاصنع) إما أمرٌ بمعنى الخبَر، أو تهديدٌ، أي: فإنَّ الله يَجزيك بفعلك، أو المعنى: انظُر إلى ما تُريده، فإن كان [مما لا يُستحيَا منه، فافعلْه، وإن كان مما يُستحيا منه فدعْهُ، أو إذا لم تستح من الله يكون ذلك الفعل] (¬1) مما لا يُستحيى منه بحسَب الدِّين فافعلْه، ولا تُبالِ (¬2) بالخلْق، أو هو لبَيان فضيلة الحياء، أي: لمَّا لم يَجُز صنْعُ ما شئتَ، لم يَجُز تركُ الاستحياء، كما قال: "الحيَاءُ مِن الإيمانِ". * * * 3485 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ¬

(¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل. (¬2) في "ف" و"ت": "تبالي".

"بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ، فَهْوَ يتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. التاسع عشر: (الخيلاء) التكبُّر عن تخيُّل فَضيلةٍ تراءَتْ للإنسان من نفْسه. (يتجلجل) بجيمين، أي: ينْزِل مضطرِبًا متدافِعًا، وقيل: بالخاء المعجمة، وهو بعيدٌ، إلا أن يكون من قولهم: خَلْخَلتُ العظْمَ، إذا أخذتَ ما عليه من اللَّحم، أو من التخلُّل والتداخُل خلال الأرض. قال (ع): ورويناه في غير "الصحيحين" بحاءين مهملتين. (تابعه عبد الرحمن) وصلَه الذُّهْلي في "الزُّهْريات". * * * 3486 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ كُلُّ أُمَّةٍ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتينَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا، فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى". 3487 - "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ".

الحديث العشرون: (الآخرن)؛ أي: في الدنيا. (السابقون)؛ أي: في الآخرة. (بَيْدَ) بفتح الموحدة، وسكون الياء، وفتح المهملة، بمعنى: غير. (اختلفوا فيه) أي: فُرض يوم الجمعة للعِبادة، ووُكِلَ إلى اختيارهم؛ فمالت اليهود للسَّبْت، والنصارى للأحد، وهدانا الله إلى يوم الجمعة أفضَل الأيام. ومر تحقيقه أول (الجمُعة). قال (خ): كأنه استثنى لهم هذه الفَضيلة الخاصة، وهي إيتاء الكتاب لهم أوَّلًا. * * * 3488 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمَّاهُ الزُّورَ. يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ. تَابَعَهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ.

الحادي والعشرون: (كية) بفتح الكاف. (الزور) هو الكَذِب، والتزيُّن بالباطل، ولا شكَّ أن وصْل الشعر منه، وسبق قريبًا. (تابعه غُنْدَر) وصلَه مسلم. * * *

61 - كتاب المناقب

61 - كِتابُ المنَاقِبِ

1 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وقوله {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}

61 - كِتابُ المنَاقِبِ 1 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وَقوُلُهُ {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وَمَا يُنْهَى عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ. الشُّعُوبُ النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ. (باب قَول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13]) قوله: (دعوى الجاهلية)؛ أي: النُّدبة على الميِّت، والنِّياحة، أو قولهم: يا لَفُلان، ونحوه. والمناسِب للمَقام أن يكون معناه: الانتِساب إلى غير أَبيه. (الشعوب) جمع شَعْب، بفتح الشِّين، وهو من العَشَائر أوَّلُها، أي: أكبرُها وأجمعها، ثم القَبيلة، ثم الفَصيلة، ثم العِمَارة، ثم البَطْن، ثم الفَخِذ.

قلتُ: يجمعها: فخُزَيمة شَعْبٌ، وكِنانَةُ قَبيلةٌ، وقُريش عمارةٌ، وقُصَي بطْنٌ، وهاشم فخِذٌ، والعباس فَصيلةٌ. * * * 3489 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما -: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} قَالَ: الشُّعُوبُ الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ، وَالْقَبَائِلُ الْبُطُونُ. الحديث الأول: سبق قريبًا. * * * 3490 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَكرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: "أَتْقَاهُمْ". قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نسأَلُكَ. قَالَ: "فَيُوسُفُ نبَيُّ اللهِ". 3491 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي رَبِيِبَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبُ بْنَةُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ؟.

الثاني: (أرأيت)؛ أي: خبريني. (إلا من مضر) بضم الميم، وفتح المعجمة، ابن نزار، بن مَعَدِّ، ابن عدنان. والاستثناءُ منقطعٌ، أي: لكن كان من مُضَر، أو من محذوف، أي: لم يكُن إلا من مُضَر، أو الهمزة محذوفةٌ من (كان)، و: (ممن)، كلمةٌ مستقلةٌ، أو الاستفهام للإنكار، ويُقال له: مُضَر الحَمْراء، ولأخيه رَبيعة الفرس. (النَّضْر) بسكون المعجمة. (كِنانة) بكسر الكاف، ابن خُزيمة، مصغَّرًا، ابن مُدرِكة، بلفظ اسم فاعل أدرك، ابن إلياس بن مضر، هذا بيانٌ له؛ لأن مُضَر قبيلةٌ، وهذا بطنٌ منه. * * * 3492 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا كُلَيْبٌ، حَدَّثتنِي رَبِيبةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَظُنُّهَا زَيْنَبَ قَالَتْ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَم وَالْمُقَيَّرِ وَالْمُزَفَّتِ. وَقُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ كَانَ مِنْ مُضَرَ كَانَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. الثالث: (المقير) كذا بالميم المفتوحة، وكسر القاف، وصوابه بالنون

لأجل عطْفه: المزفَّت عليه. وبقية الحديث سبق في (الإيمان). * * * 3493 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيةً". 3494 - "وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ". الرابع: (معادن)؛ أي: كمعادن. (وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية)؛ أي: الإمارة، واستُشكل: بأنه كيف يكون خير الناس بكراهة ذلك؟، وأُجيب: بأن المراد أن يتساووا في سائر الفضائل، أو يُراد من الأُمراء، أو معناه: من خيرهم، بقرينة ما بعده. (ذا الوجهين)؛ أي: المنافق، قال تعالى: {مُّذَبذَبِينَ} الآية [النساء: 143]. * * *

3495 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ". 3496 - "وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ". الخامس: (تبع لقريش) قال (خ): يُريد تفضيلهم على سائر العرب، وتقديمها في الإمارة والأمانة. (مسلمهم)؛ أي: يتبَع، ولا يخرج عن الطَّاعة للمُسلمين. (وكافرهم) هو إخبارٌ عما كان، أي: غيرهم كان يُطيعهم، وكانوا سادةً مقدَّمين على سائر العرب في حال الكفر أيضًا، فكانت لهم السِّدانَة، والسِّقاية، والرِّفادة، يسقُون الحجيج، ويطعمونهم، فحازوا به الشَّرَف والرِّياسة عليهم. (إذا فقهوا)؛ أي: مَن كانت له مأثرةٌ وشرفٌ في الجاهلية فأسلَم وفقِه في الدِّين فقد أحرَزَ مع شرَفه هذا الشَّرَف العظيمَ، ومن كان له شرفٌ في الجاهلية ولم يُسلِم؛ فقد هدَم شرَفه، وضيَّع قديمه، ثم أخبر بأنَّ خِيَار الناس هم الذين يحذَرون الإمارةَ، ويكرهون الوِلاية، حتى يقَعوا فيها، وهذا يحتمل وجهين:

أحدهما: أنهم إذا وقعوا فيها عن غير رغبةٍ وحرصٍ عليها زال عنهم حُسن الاختيار، أي: صفة الخيرية، لقوله: "من وَلِي قاضيًا، فقد ذُبِحَ بغيرِ سكِّين". والآخر: إنَّ خيارَ الناسِ هم الذين يَكرَهون الإمارة، فإذا وقعوا فيها زال معنى الكراهة، فلم يجز لهم أن يكرهوها، ولم يقوموا بالواجب من أمورها، بل يجب أن يجتهدوا في حقوقها فعْل الراغب غير الكاره. * * * 3497 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - {إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. السادس: (إلا أن تصلوا)؛ أي: إلا صلَةَ الأرحام، أي: لا أسألُكم عليه أجرًا إلا أن تَودُّوا أهل قرابتي، وتصلوا أرحامَهم، وهذا وإنْ لم ينْزل؛ لكن في معنى ما نزل، وهو: {إلا الْمَوَدَّةَ} [الشورى: 23]، أي: إلا المودة ثابتةٌ في أهل القُربى، أو ضمير: (نزلتْ) راجعٌ للآية. * * * 3498 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ،

عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مِنْ هَا هُنَا جَاءَتِ الْفِتَنُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْناَبِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". السابع: (يبلغ به) أعم من أن يكون سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من غيره عنه. (نحو المشرق) بيانٌ، أو بدلٌ لها هنا. (الفدّادين) بالتشديد، هم الذين يُعْلُون أصواتهم في حُروثهم ومواشيهم، وبالتخفيف: البقَر التي تَحرث، واحدها فَدَّان مشددًا. (ربيعة ومضر) قَبيلتان، وهو بدلٌ عن الفدَّادين. * * * 3499 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ". الثامن: (يمان) أصله: يمنيٌّ، حذفت إحدى الياءين، وعوض منها

2 - باب مناقب قريش

الألف، فصار مثل: قاض. (يمانية) بتخفيف الياء على الأصح. وسبق شرح الحديثين في (باب: ذكر الجنِّ). ووجه مناسبتهما للناس باعتبار الصفات، كالقبائل، وكون الأتقى منهم أكرم. * * * 2 - بابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشِ (باب مناقب قُريش) هم ولد النضر بن كِنانة، قيل: سموا قُريشًا من القَرش، وهو الكسب والجمع، وقيل: لدابةٍ في البحر أقوى دوابِّه تَأكُل ولا تُؤكل، وتعلو ولا تُعلى، مصروفٌ على الصحيح؛ لأنه الحي، وقد يمنع؛ لقصد القبيلة. 3500 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا

بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلاَ تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ". الحديث الأول: (قحطان) بفتح القاف، وإسكان المهملة الأولى: أبو اليمَن، واسم الملِك الذي من قَحطان: الجَهْجَاه بن قَيس الغِفاري. (تؤثر): تُروى. (إن هذا الأمر في قريش)؛ أي: الخلافة ولكن هذا لا يردُّ حديث عبد الله في خروج القحطاني؛ لأنه حكايةٌ عن الواقع، وحديث مُعاوية في الاستحقاق، ولم يقل إنه لا توجد في غيرهم. قال صاحب "المُفْهِم": وقد صح حديث عبد الله عن غيره، فقد رواه البخاري من بعد عن أبي هريرة، فلا تناقض بين الحديثين، لأن خروج القحطاني إنما يكون إذا لم تُقِم قريش الدِّين فيُدال عليهم في آخِر الزمان، ولعله الملك الذي يخرج عليه الدجَّال. (كبَّهُ) سبق مراتٍ أنه من النَّوادر أن يكون الثلاثي متعدِّيًا، وأكبَّ الرباعي بالهمز لازمًا، نحو: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا} [الملك: 22]. * * *

3504 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدٍ (خ) قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ مَوَالِيَّ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللهِ وَرَسُولِهِ". الثاني: (وقال يعقوب) وصله مسلم. (وجُهَينة) بضم الجيم، وفتح الهاء، وسكون الياء، وبنون. (ومزينة) مصغر المُزنة، بزايٍ، ونونٍ: قبيلةٌ من مضر. (وأسلم) بلفظ أفعل التفضيل. (وأشجع) بمعجمة، وجيم، ومهملة: قبيلةٌ من غَطَفان. (وغِفار) بكسر المعجمة، وتخفيف الفاء، وبالراء: رهطُ أبي ذَرٍّ من كِنانة. (مَواليّ) بتشديد الياء، أي: أَنصاري المختصِّين بي، وإن كان للموالي معانٍ غير ذلك، وقيل: (موالي) بالتخفيف. (ليس لهم مولى)؛ أي: متكفِّل بمصالحهم، متولٍّ لأُمورهم، وقيل: أراد من شرَفهم لم يجرِ عليهم رِقٌّ، وقيل: لا يقال لهم موالي؛

لأنهم ممن بادر للإسلام، ولم يُسْبَوا فيرقوا كغيرهم. * * * 3501 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ، مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ". الثالث: (الأمر)؛ أي: الخلافة. * * * 3502 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ". الرابع: (وتركتنا)؛ أي: من العطاء، فلم تعطنا. (بمنْزلة واحدة)؛ أي: لأن عثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أُمية بن عبد شمس، ومطعم هو ابن عدي بن نوفل، وعبد شمس

ونوفل ولدا عبد مناف، كما المطَّلب وهاشم -جدُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - - ولداه، فالأربعة سواءٌ في الأب، وهو عبد مناف. (شيء واحد)؛ أي: سواءٌ متفقان في الكفر، ثم في الإسلام، ولهذا ذكروا في الصحيفة التي كتبوها دون عبد شمس، وبني نوفل. وسبق الحديث في (باب: الخمُس)، وسبق عن ابن مَعِين أنه: (سِيٌّ) بمهملة، وياء مشددة. * * * 3503 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ذَهَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَرَقَّ شَيْءٍ لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (زُهْرة) بضم الزاي، وسكون الهاء. (لقرابتهم)؛ أي: لأن زُهرة هو ابن كِلاب، أخو قُصي بن كلاب، وأيضًا، فأُمه آمنة كانت منهم؛ لأنها بنت وَهْب بن عبد مناف بن زُهْرة. * * * 3505 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَبَّ

الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا، وَكَانَتْ لاَ تُمْسِكُ شَيْئًا مِمَّا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللهِ تَصَدَّقَتْ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: أَيُؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟ عَلَيَّ نَذْزٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ. فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبِأَخْوَالِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، فَامْتَنَعَتْ، فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: إِذَا اسْتَأْذَنَّا فَاقْتَحِم الْحِجَابَ، فَفَعَلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ، فَأَعْتَقَهُمْ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلًا أَعْمَلُهُ فَأَفْرُغ مِنْهُ. السادس: (تصدقت) حالٌ، أو استئنافٌ، وفي بعضها: (إلا تصدَّقت). (أن يؤخذ على يديها)؛ أي: تُمنع، ويُحجر عليها. (يَغوث) بفتح الياء، وتخفيف المعجمة، وبمثلثةٍ، أدرك عبد الرحمن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو القرشي الزهري الحِجازي التابعي. (فاقتحم) من: قَحَم، إذا رمَى بنفسه من غير روَّيةٍ. وفيه أن من قال: إن فعلتُ كذا فلله عليَّ نذرٌ؛ أنَّ كفارته كفارة اليمين، ورُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كفَّارة النَّذْر كفَّارة اليَمين"، وهو مذهب الشافعي - رضي الله عنه -.

3 - باب نزل القرآن بلسان قريش

(فأفرغ) بالرفع، والنصب؛ لأن (ودِدتُ) فيه معنى التمني. وحاصل قولها: أنها تمنَّت لو كان بدَل قولها علَيَّ نذرٌ، علَيَّ إعتاقُ رقَبة، أو صَوم شهرٍ، ونحوه من المعيَّن، حتى تكون كفَّارتها معلومةً معينةً، وتفرغ منها بالإتيان به، بخلاف علَيَّ نذرٌ؛ فإنه مبهمٌ لم يطمئنَّ قلبها بإعتاق رقبة، أو رقبتين، أو أرادت الزيادة عليه في كفارة، أو تمنت أن يدوم لها العمل الذي عملته للكفارة، أي: أكون دائمًا أعتق العبيد لها، ونحوه، أو تمنت أنها كفَّرت حين حلفت، ولم تقع هجرة ومفارقة في هذه المدة. * * * 3 - بابٌ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ 3506 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنتمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نزلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ.

4 - باب نسبة اليمن إلى إسماعيل

(باب: نزَلَ القُرآن بلُغة قُريشٍ) (القرشيين) هو عبد الله، وسعيد، وعبد الرحمن؛ وأما زيد، فليس بقرشي، بل أنصاري خزرجي. (إذا اختلفتم)؛ أي: في الهجاء، كالتابوت، هل هو بالتاء، أو بالهاء؟، وقيل: في الإعراب، ولا يبعُد إرادتهما، ألا ترى أن لغة الحجاز: (ما هذا بشرًا)، ولغة تميم: (بشرٌ)؟. * * * 4 - بابُ نِسْبَةِ الْيَمَنِ إلَى إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ. (باب نسبة اليمَن إلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام)؛ أي: أهل اليمن. (أسْلَم) بفتح اللام. (أفْصَى) بفتح الهمزة، وسكون الفاء، وبمهملةٍ، مقصورٌ. (حارثة) بمهملةٍ. (خُزاعة) بضم المعجمة، وتخفيف الزاي، وبمهملة، وفي بعضها: (عامر بن خُزاعة)، وهو سهوٌ. * * *

5 - باب

3507 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ، فَقَالَ: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ"، لأَحَدِ الْفَرِيقَينِ، فَأَمْسَكُوا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: "مَا لَهُم؟ ". قَالُوا: وَكيفَ نرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلاَنٍ؟! قَالَ: "ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ". (يتناضلون)؛ أي: يترامَون. سبق في (قصة إسماعيل). * * * 5 - باب (باب) 3508 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار". الحديث الأول: (ادعى)؛ أي: انتسب.

(وهو يعلم) قيدٌ لا بُدَّ منه؛ فإنَّ الإثم يتبَع العِلْمَ. (كفر) مؤوّلٌ بأنه في المستحِلِّ، أو بكُفران النعمة، وإنكار حق الله. (ليس له فيهم)؛ أي: شيءٌ من قرابةٍ ونحوها. (فليتبوأ)؛ أي: لينْزل منْزلةً منها، أو فليتخذ منْزلًا بها، وهو إما دعاءٌ، أو خبرٌ بلفظ الأمر. ومعناه: هذا جزاؤه، فقد يجازى، وقد يُعفى عنه، وقد يتُوب فيسقُط عنه. * * * 3509 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حَرِيزٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّصْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَمْ يَقُلْ". الثاني: (الفرى) جمع فرية: وهو الكذب المُخْتَلق، يقصر ويمد. (يرى) من أرى، أي: ينسُب الرؤية إلى عينه، بأن يقول: رأيتُ كذا، وهو يكذب، وإنما زادت عقوبتُه على الكذب في اليقَظة؛ لأنَّ

6 - باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع

الرُّؤيا جزءٌ من النبوة لم يُعطَه، والكاذب على الله أعظَم فِريةً ممن كذَب على غيره. (تَقوَّل) بالتشديد، أي: افترى. * * * 3510 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي كُلِّ شَهْرٍ حَرَامٍ، فَلَوْ أَمَرْتَناَ بِأَمْرٍ نأْخُذُهُ عَنْكَ، وَنُبَلِّغُهُ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، الإيمَانِ بِاللهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَى اللهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ". الثالث: (آمركم بأربعة) استُشْكِل: بأنَّ المعدود خمسةٌ، وسبقتْ أجوبته. * * * 6 - بابُ ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ (باب ذكر أسْلَم وغِفار) بكسر المعجمة، يصرف باعتبار الحي،

ويمنع باعتبار القبيلة. * * * 3512 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللهِ وَرَسُولِهِ". الحديث الأول: (سالمها): من المسالمة، وترك الحرب، قيل: دعاءٌ، وقيل: خبرٌ، وهو من حسن الكلام، كأنه دعا الله لهم بأن يُصنَع بهم ما يوافقُهم، وما أحسَن ما وقع هذا الجناس في الطَّرَفين، أو (سالمها) بمعنى: سلَّمها، نحو: قاتلَه الله، بمعنى: قتلَه. قال (خ): يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لهاتين القبيلتين؛ لأنَّ دخولهما في الإسلام كان من غير حربٍ، وكانت غِفَار تُتَّهم بسَرِقة الحاجِّ، فأحبَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يمحوَ عنهم، وأن يعلم ما سلَف منها مغفورًا لهم. (وعُصَية) بضم المهملة الأولى: قبيلةٌ، هي التي قتلَت القُرَّاء ببئْر مَعُونة، فقنَت - صلى الله عليه وسلم - شهرًا يدعو على رِعْل وذَكْوان، ويقول: "وعُصَيَّة عصَت الله ورسوله". * * *

3513 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ". 3514 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا". الثاني: في معنى ما قبلَه. * * * 3515 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي أَسَدٍ، وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ". فَقَالَ رَجُلٌ: خَابُوا وَخَسِرُوا، فَقَالَ: "هُمْ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفَانَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ".

الثالث: (عبد الله بن غَطَفَان) بفتح المعجمة، والمهملة، والفاء، كان اسمه عبد العُزَّى، فسماه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عبدَ الله، وسمتهم العرب بني مُحوِّلة، لتحويل اسم أبيهم. (صَعْصَعْة) بمهملاتٍ مفتوحات سوى الثانية، فإنها ساكنة. * * * 3516 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ -وَأَحْسِبُهُ: وَجُهَيْنَةَ، ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ شَكَّ- قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ -وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةُ- خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ، خَابُوا وَخَسِرُوا". قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه! إِنَّهُمْ لَخَيْرٌ مِنْهُمْ". الرابع: (أو مزينة) أي: قال: شيءٌ منها، أو قال: شيءٌ؛ إما من هذا، وإما من ذلك، يعني: شكَّ في أنه جمع بينهما، أو اقتصر على أحدهما.

7 - باب ذكر قحطان

(فقال: خابوا) ضمير (قال) للأقرع، وفي بعضها بدون (فقال)، لكنه مقدَّر، كما أن الجزاء مقدَّر، والسياق يدلُّ عليه. (لأخير) لغةٌ، واللُّغة الفُصحى: خَيْر، بلا همزٍ، كذا قاله (ك). وقال (ش): ويُروى: (لأخير منهم) على الأصل. * * * 7 - بابُ ذِكْرِ قَحْطَانَ (باب ذِكْر قَحْطان) هو أبو اليمَن. 3520 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ ابْنُ بِلاَلٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ". وهو موقوفٌ على أبي هريرة، ولكن رفعَه مسلم من حديث إسماعيل بن عُلَيَّة، عن أَيوب. (يسوق) كنايةٌ عن تسخير الناس، واسترعائهم، كما يسوق الراعي الغنم بعصاه. * * *

8 - باب ما ينهى من دعوة الجاهلية

8 - بابُ مَا يُنْهَى مِنْ دَعْوَة الْجَاهِلِيَّةِ (باب ما يُنهَى عن دَعْوى الجاهلية) 3521 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: غَزَوْناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ ناَسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّاب، فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟! ". ثُمَّ قَالَ: "مَاشَأْنُهُمْ؟ ". فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ". وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الْخَبِيثَ، لِعَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ". الحديث الأول: (ثاب) بمثلثة أولِه، أي: اجتمَعوا. (فكسع) هو ضرب مؤخَّرِ الإنسان بمقدَّم الرِّجل.

(تداعوا)؛ أي: قالوا: يا لفُلانٍ. (للأنصار) اللام للاستغاثة، وهذا يسمى دعوى الجاهلية. (دعوها)؛ أي: اتركوا هذه المقالة، أو هذه الدعوى. (لعبد الله)؛ أي: قال لأجل عبد الله، أو اللام للبيان، مثل: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]، وفي بعضها: (يعني: عبد الله). (لا)؛ أي: لا يقتل فيتحدَّث الناس. قال (خ): فيه بابٌ عظيمٌ من سياسة أمر الدِّين، والنظر في العواقِب، وذلك أن الناس إنما يدخلون في الدِّين ظاهرًا، ولا سبيل إلى معرفة ما في نفُوسهم، فلو عُوقب المنافق على باطن كُفْره، لوجَدَ أعداءُ الدِّين سبيلًا إلى تنفير الناس عن الدُّخول فيه، بأن يقولوا: ما يؤمنُكم إذا دخلتُم في دينه أن يَدَّعي عليكم كفْرَ الباطن، فيَستبيح بذلك دماءكم وأموالَكم، ولا تسلِّموا أنفسَكم للهلاك. قال في "الكشاف": روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين لقيَ بني المُصْطَلِق على المُريسِيْع وهزمَهم، ازدحَم على الماء جَهْجَاه -بجيمين- ابن سَعيد، أجيرٌ لعمر يقُود فرَسه، وسِنَان الجُهَني، حليفٌ لابن سَلول، واقتَتلا، صرَخ جَهْجَاه: يا لَلْمُهاجرين، وسِنَان: يا لَلأَنْصار، فأعانَ جِعالٌ -بكسر الجيم، وخفة المهملة- جَهْجاهًا، ولطَمَ سِنانًا، فقال أُبيُّ ابن سَلول: أما والله: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} [المنافقون: 8]، الآية. * * *

9 - باب قصة خزاعة

3522 - حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 3522 / -م - وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ". الثاني: (ليس منا)؛ أي: مقتديًا بنا، ولا مستنًّا بسنَّتنا، أو هو للتغليظ، إلا أن يفسَّر دعوى الجاهلية بما يوجب الكفْرَ، كتحليل الحرام، وعدَم التسليم لقضاء الله، والتكلم بكلمة الكُفْر عند النِّياحة ونُدبة الميت. * * * 9 - بابُ قِصَّةِ خُزَاعَةَ (باب قصة خُزاعة) بضم المعجمة، وخفة الزاي، وبمهملة. 3523 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا إِسْرائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَةَ".

الحديث الأول: (لُحي) بضم اللام، وفتح المهملة، وتشديد الياء. (قمعة) بفتح القاف، والميم. قال أبو الفرَج: كذا حفظ في نسَب الزُّبَير بن بكار. وقال (ع): بفتح القاف، وتسكين الميم، ضبطناه في "صحيح البخاري". قال: ومنهم من يفتح القاف والميم، وهو ما ضبطناه عن أكثر أئمتنا، وفي رواية السَّاجِي عن ابن مَاهَان بكسر القاف، وتشديد الميم، وكسرها، انتهى. وقال (ك): في المشدَّدة، وبفتحها أيضًا. (خِنْدِف) بكسر المعجمة، وسكون النون، وكسر المهملة وفتحها، وبالفاء أُمُّ القبيلة، فلا ينصرف، فنسَسب قمعة إلى أُمه، وأما أبوه فإلْياس بن مُضَر؛ قال قائلهم: أُمهتي خِنْدِف وإلياس أبي (أبو خزاعة)؛ أي: القَبيلة. * * * 3524 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ

وَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ الَّتِي كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ، فَلاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. قَالَ: وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". الثاني: (البحيرة) كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطُن آخرُها ذكَرٌ يجزُّون أُذنها، أي: يشقونها. (والسائبة) كان الرجل يقول: إذا قدمتُ من سفَري، أو برئْت من مرَضي، فناقتي سائبةٌ، وجعلها كالبَحيرة في تحريم الانتفاع بها بشيءٍ، هذا المشهور، وقد خصَّصه البخاري. (عمر بن عامر) قيل: هو من أعمام ابن قَمعة. (قُصْبه) بضم القاف، وسكون المهملة: الأمعاء، ولا يُعارض هذا ما في: إذا انفلتت الدَّابَّة في الصلاة، وفي "مسلم": أنه عَمْرو بن لُحَيٍّ، وفي رواية لمسلم: عَمْرو بن عامر؛ لأنهما واحدٌ؛ لكن عامر اسمٌ، ولحُيٌّ لقَبٌ، أو أحدهما اسم أبيه، والآخَر اسم جدٍّ من أجداده. قال ابن قُتَيبة: أما قَمعة، فيذكُر بعض النُّسَّاب أنَّ خُزاعة من ولده، ويزعُم أنهم من اليمَن من ولد عمْرو بن عامر. * * *

10 - باب قصة زمزم

10 - بابُ قِصَّةِ زَمْزَمَ 3518 - حَدَّثَنَا زيْدٌ هُوَ ابْنُ أَخْزَمَ، قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ: حَدَّثَنِي مُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْقَصِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: قال لَنَا ابْنُ عَبَّاسِ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نبَيٌّ، فَقُلْتُ لأَخِي: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ. فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ، فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ أُخْبِرُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ لأَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُني عَنْهُ بِشَيْءٍ، قَالَ فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا ناَلَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ انْطَلِقْ مَعِي. قَالَ: فَقَالَ: مَا أَمْرُكَ؟ وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ ألْقَاهُ.

فَقَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ فَاتَّبِعْنِي، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ قُمْتُ إِلَى الْحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي، وَامْضِ أَنْتَ، فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ، فَعَرَضَهُ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: "يَا أَبَا ذَرٍّ! اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُناَ فَأَقْبِلْ". فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ! فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ. فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ رَجُلًا مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ؟ فَأَقْلَعُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ، فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَصُنِعَ مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ، وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ. قَالَ فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللهُ. 3519 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ: "أَسلَمُ وَغِفَارُ وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ -أَوْ قَالَ: شَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ مُزَيْنَةَ- خَيْرٌ عِنْدَ اللهِ -أَوْ قَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- مِنْ أَسَدٍ وَتَمِيمٍ وَهَوَازِنَ وَغَطَفَانَ".

(باب قصَّة زَمزم) (لأخي) هو أُنيَس، أسْلَم مع أخيه، وأسلمتْ أُمهما، وكان شاعرًا. (لم تشفني) من الشفاء، أي: لم تجئ بجوابٍ يشفيني من مرض الجهل. (وأشرب) بالرفع. (أما نال)؛ أي: أما آنَ، يُقال: نالَ له: إذا آنَ له، وفي بعضها: (ما أنَى) بتخفيف النون، يقال: أَنَى يأْنَى وآنَ، أي: حانَ، وفي بعضها: (ما آنَ)، وفي بعضها بلا همزة استفهامٍ في اللفظ، وفاعل نالَ قوله بعد: (يعرف) أي: معرفةُ، على حدِّ: تسْمَع بالمُعَيديِّ خيرٌ من أن تَراه، أي: أما جاء الوقت الذي يعرف به منْزل الرجل بأن يكون له مَسكَنٌ معينٌ يسكنه، وفي بعضها: (يَعرِف) بالبناء للفاعل، ويحتمل أن يُريد علي - رضي الله عنه - بذلك دعوتَه إلى بيته للضِّيافة، ويكون إضافة المنْزِل إليه بملابسةِ إضافته إليه كما قال الشاعر: إذا قالَ قَدْني قال باللهِ حَلْفَةً ... لَتُغْنِيَ عنِّي ذَا إِنائِكَ أَجمَعَا أو يُريد إرشادَه إلى ما قدَّم له، وقصدُهُ: أما جاء وقتُ إظهار المقصود، كالاجتماع بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ودخول منْزله. (قلت: لا)؟ أي: لأنه على التقدير الأول لم يكن قصده التوطُّن، وعلى الثاني قصده أمرٌ أهمُّ من ذلك، وهو التفتيش عن

12 - باب قصة زمزم وجهل العرب

مقصوده، وعلى الثالث خافَ من الإظهار. (رشدت) بفتح الشين وكسرها، وإنما أسلم، ولم يرَ ما يدلُّ على نبُوتهِ - صلى الله عليه وسلم - من المعجزات؛ لما في الرِّوايات الأُخرى أن إسلامَه كان بعد ظُهور المعجزات له. (لأصرخنّ)؛ أي: لأرفَعَنَّ صَوتي، وإنما لم يمثتل الأمرَ؛ لأنه عَلِم بالقرائن أنه ليس للإيجاب، ولذلك سكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يمنعْه. (الصابئ) من صبا صَبْوةً: خرج من دينٍ إلى دينٍ، أو ارتكبَ الجهل. (أقلعوا) من الإقلاع، وهو الكفُّ. * * * 12 - بابُ قِصَّةِ زمْزَمَ وَجَهْلِ الْعَرَبِ 3525 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِينَ وَمِائَةٍ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} إِلَى قَوْلهِ: {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}.

13 - باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية

(باب جهل العرب) فيه مقالة ابن عباس في استخراجه من القرآن. * * * 13 - بابُ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإسْلاَمِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ،. وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَناَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ". (باب مَن انتسَب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية) قوله: (وقال ابن عمر وأبو هريرة) سبقا في (فضائل الأنبياء). (وقال البراء) موصولٌ في (الجهاد). * * * 3526 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَادِي: "يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، ببُطُونِ قُرَيْشٍ".

3527 - وَقَالَ لَنَا قَبِيصَةُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوهُمْ قَبَائِلَ قَبَائِلَ. الحديث الأول: (فِهْر) بكسر الفاء وسُكون الهاء، ابن مالك بن النضر بن كِنانة بطْنٌ من قريش، وكذا بنو عَدِيٍّ، بفتح المهملة الأُولى، ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر، رهط عُمر. (وقال لنا قبيصة) وصلَه الإسماعيلي، والطبراني. * * * 3528 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَا بَنِي عبْدِ مَنَافٍ! اشْتَرُوا أَنفسَكُمْ مِنَ اللهِ، يَا بني عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! اشْتَرُوا أنفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنَ اللهِ، لاَ أَمْلِكُ لَكُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا، سَلاَنِي مِنْ مَالِي مَا شِئتمَا". الثاني: (اشتروا) هم، وإن كانوا بائعين، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى

14 - باب ابن أخت القوم، ومولى القوم منهم

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111]، لكنْ العبدُ مشترٍ لنفسه باعتبار تخليصها من العذاب، بائعها باعتبار تحصيل الثواب. (يا أُمَّ الزُّبَير) هي صَفيَّة بنت عبد المطَّلب، عمته - صلى الله عليه وسلم -. * * * 14 - بابٌ ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ 3517 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأَنْصَارَ فَقَالَ: "هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ". قَالُوا: لاَ، إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ". (باب ابن أُخْتِ القَوم، ومولَى القَوم منهم) المولى: إما العتيق، أو المعتِق، أو الحَليف. ووجه خروجه من الحديث القياس على ابن الأُخت، أو غرضه أنه لم يجد حديثًا بشرطه يدلُّ على ذلك، أو أراد أن يذكُره ولم يتفق له. * * *

15 - باب قصة الحبش، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بني أرفدة"

15 - بابُ قِصَّةِ الْحَبَشِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بَنِي أَرفَدَةَ" (باب قصة الحبش) قوله: (أرْفِدة) بفتح الهمزة، وسكون الراء، وبكسر الفاء، لأبي ذر، وبفتحها لغيره، وبمهملةٍ: جنْس من الحبَشة يرقُصون. 3529 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانتهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ" وَتلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى. 3530 - وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي وَأَناَ أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُمْ أَمْنًا بَنِي أَرْفَدَةَ". يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ. (دعهم)؛ أي: اتركْهم. (أمنًا)؛ أي: آمنين، أو هو مفعولٌ مطلق، أي: أمنتم، أو ائْمَنوا أمنًا ليس لأحد أن يمنعَكم. (يعني من الأمن) الغرَض منه: إما بيانُ أنه مشتقٌّ من الأمْن لا من الإيمان، أو التنوين فيه للتعظيم، أو أنه منصوبٌ بأنه مفعولٌ له، أو

16 - باب من أحب أن لا يسب نسبه

بنَزع الخافض، أو أنه مشتقٌّ من الأمن، لا مصدرٌ، بل جمعٌ كصاحب وصَحْبٍ. وسبق الحديث آخر (العيد). هكذا رواه الأَصِيْلِي، والهرَوي، ولغيرهما: (أمِناء) بكسر الميم، والمد، نصبٌ على المفعول، أي: صادفتم أمناء، يريد هنا أمناء، أو بلدًا آمِنًا. * * * 16 - بابُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ لاَ يُسَبَّ نَسَبُهُ (باب من أحبَّ أن لا يسبَّ نسَبُه) بفتح ياء: (يسب)، وضمها، (فنسبه) بالرفع، والنصب على التقديرين. 3531 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَأذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: "كَيْفَ بِنَسَبِي". فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. وَعَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لاَ تَسُبُّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

17 - باب ما جاء في أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

(لأسُلنك)؛ أي: لأتلطَّفنَّ في تخليص نسبك من هجوهم، بحيث لا يبقى جزءٌ من نسبك فيما ناله الهجو، كما أن الشعرة إذا سُلت من العجين لا يبقى منها شيء، بخلاف سَلِّها من شيء صلب، فإنها ربما تقطعت، وبقي منها شيء. (أسب)؛ أي: لموافقته أهل الإفك. (ينافح) بإهمال الحاء، أي: يدافع وَيُخَاصِمُ. * * * 17 - بابُ مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} وَقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (باب ما جاء في أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) 3532 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ، أَناَ مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَناَ الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَناَ الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَناَ الْعَاقِبُ".

الحديث الأول: (يمحو)؛ أي: يُزيل الكفر من بلاد العرب ونحوها، أو بمعنى الغلبة بالحُجة، وظهور دليله؛ لقوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33]. (على قدمي)؛ أي: على إثْري، كما في بعض الروايات: (على عقِبي)، أو المعنى: على زماني، ووقت قيامي على القدم بظُهور علامات الخير فيه، أو بأنه لا نبيَّ بعدي، وضبطوه بتخفيف الياء وتشديدها، مفردًا ومثنى، ويحتمل أن يُريد: وأنا أكون أول المحشُورين، كقوله: "أنا أوَّلُ من تنشَقُّ عنه الأرضُ". (العاقب)؛ أي: جاء عَقِيْب كلِّ الأنبياء، فلا نبيَّ بعدَه، والعاقِب لغةً: هو الذي يخلُف في الخير من كان قبلَه. واعلم أن الماحي ونحوه صفةٌ، لكن الاسمَ يُطلق كثيرًا على الصِّفة، نعَمْ، صفاته أكثر من الخمسة، كخاتم النبيين، ونبي الرحمة، ونحوهما، حتى قال ابن العرَبي في "الأَحْوذي" عن بعضهم: إنَّ له - صلى الله عليه وسلم - ألفَ اسمٍ، كما لله تعالى ألف اسم؛ لكن العدَد لا اعتبارَ بمفهومه، فذِكْر الخمسة لا ينفي الزائد، أو لأنها الموجودة في الكتُب القديمة، ومعلومةٌ للأُمم السالفة. * * *

18 - باب خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -

3533 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَناَ مُحَمَّدٌ". الثاني: (وأنا محمد)؛ أي: كثير الخِصال الحميدة، وألهم الله تعالى أهلَه أن يُسمُّوه به؛ لمَا علم من حميد صفاته، وفي المثَل المشهور: الألقاب تنْزل من السَّماء، وكانت العَوراء زوجةُ أبي لهبٍ تقول: مُذَمَّم قَلَيْنا، ودِينَه أبَينا، وأمرَه عَصَينا. * * * 18 - بابُ خَاتِمِ النَّبِيِّينَ - صلى الله عليه وسلم - (باب خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -) 3534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءَ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا، إِلَّا مَوْضعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيتَعَجَّبُونَ، وَيَقُولُونَ: لَوْلاَ مَوْضعُ اللَّبِنَةِ".

الحديث الأول: (لَبِنة) بفتح اللام، وكسر الموحدة، وجاز إسكانها مع فتح اللام وكسرها. (لولا موضع) روي برفع (موضع) على الابتداء، أو الخبر محذوفٌ، نحو: لولا زيد لكان كذا، و (لولا): تحضيضيَّةٌ، لا امتناعيةٌ، والفعل محذوفٌ، أي: لولا تُرِك، أو سُوِّي موضعُ اللَّبِنة، وبالنصب، أي: لولا تركتَ موضِعَ، فإن قيل: المشبَّه به واحدٌ، والمشبَّه متعدِّدٌ، قيل: لأن الأنبياء كلهم كواحدٍ فيما قُصد في التشبيه، وهو أن المقصود من تعيينهم ما تم إلا باعتبار الكلِّ، كالدار لا تتمُّ إلا بجميع اللَّبِنات، أو أن التشبيه ليس من باب تشبيه المفرد بالمفرد، بل تشبيه تمثيليٌّ، فيؤخذ وصفٌ من جميع أحوال المشبَّه، ويشبه بمثْله من أحوال المشبَّه به، فيقال: شبَّه الأنبياء وما بُعثوا به من إرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق بدارٍ أُسِّس على قواعده، ورُفع بنيانه، وبقي منه موضعُ لَبِنة، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - بعث لتتميم مكارم الأخلاق، كأنه هو تلك اللَّبِنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار. * * * 3535 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَر، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ

19 - باب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -

وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، قَالَ: فَأَناَ اللَّبِنَةُ، وَأنَاَ خَاتِمُ النَّبِيِّينَ". الثاني: كالذي قبله. * * * 19 - بابُ وفاةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -) 3536 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفي وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ. (وأخبرني سعيد مثله) إما هو مرسلٌ، وإما أنه رواه عن عائشة رضي الله عنها. * * *

20 - باب كنية النبي - صلى الله عليه وسلم -

20 - بابُ كُنْيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب كُنية النبي - صلى الله عليه وسلم -) العَلَم إن صُدِّر بأبٍ أو أُمٍّ فكنيةٌ، وإن أشعر بمدحٍ أو ذمٍّ فلقَبٌ، وإلا فاسمٌ. 3537 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسم! فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". 3538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". 3539 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". الحديث الأول، والثاني، والثالث: كني - صلى الله عليه وسلم - أبا القاسم بولده القاسم. (سمّوا) بلفظ الأمر. وسبق الحديث وأقوال العلماء في ذلك في (العلم)، في (باب:

21 - باب

إثم من كذب). (تكنّوا) بتشديد النون، ويروى: (تَكتَنُوا). * * * 21 - باب 3540 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْجُعَيْدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَتسْعِينَ جَلْدًا مُعْتَدِلًا، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ بِهِ سَمْعِي وَبَصَرِي إِلَّا بِدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَ أُخْتِي شَاكٍ، فَادْعُ اللهَ. قَالَ: فَدَعَا لِي. الرابع: (معتدلًا)؛ أي: معتدِل القامَة، مع أنه مُعَمَّر في العشرة العاشرة. (سمعي) بدلٌ من الضمير. * * * 22 - باب خَاتِمِ النبُّوة (باب خاتَمِ النُّبوة) 3541 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَم بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ: الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ حَمْزَةَ: مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. (وقِعٌ) بكسر القاف والتنوين، أي: وجعٌ، وفي بعضها: (وقَعَ) بلفظ الماضي، أي: وقَع في المرض. (زِرّ) بكسر الزاي، وشدة الراء: واحدُ أَزْرار القميص. (الحَجَلة) بمهملةٍ، ثم جيمٍ مفتوحتين، ثم فتحٍ: بيتٌ للعَروس كالقُبَّة، زيِّن بالثِّياب والأسِرَّة والسُّتور، ولها أزرارٌ كِبارٌ. وقيل: الحَجَلة هي القبجة، أي: الطائر المعروف، وزِرُّها بيضُها، وكذا فسَّره الترمذي، ويدلُّ له ما روي: كبَيضة الحَمامة. وقد مرَّ في (باب: استعمال فضل الوضوء). وروي أيضًا بتقديم الراء على الزاي، ويكون المراد منه: البَيض، يُقال: أَرزَت الجرادة: إذا أدخلت ذنبَها في الأرض فباضَتْ، وقال البخاري: هذا هو الصحيح، وهو رواية إبراهيم بن حمزة التي نقلَها آخرًا، نعم، قيل: إنما خالف إبراهيم بن حمزة في ضم الحاء، فرواه بفتح الحاء والجيم.

23 - باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال (خ): روى إبراهيم: (رزِّ)، يعني: الراء قبل الزاي، قال: ولستُ أدري معنى الكلام الذي ذكره أبو عبد الله في تفسير الحجَلة، وما الفرَس وما بين عينيه، أي: لأن التَّحجيل في قوائم الفرَس لا في وجهه. قال (ك): وفي بعضها روايته كما هو المشهور. وفائدةُ ذكره: الإشعار بأنه روَى هذه الكلمة، لا محمد بن عُبيد الله، فإنه لم يَروِها، وعليه أكثر النُّسَخ. * * * 23 - باب صِفَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -) 3542 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَقَالَ: بِأَبِي شَبِيةٌ بِالنَّبِيِّ لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ. الحديث الأول: (بأبي) قسَمٌ. * * *

3543 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ الْحَسَنُ يُشْبِهُهُ. الثاني: نحوه. * * * 3544 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ يُشْبِهُهُ، قُلْتُ لأَبِي جُحَيْفَةَ: صِفْهُ لِي. قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ. وَأَمَرَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاَثَ عَشْرَةَ قَلُوصًا، قَالَ: فَقُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا. الثالث: (وكان الحسن بن علي يشبهه) نعم في "صحيح ابن حِبان"، في الحسين: أنه كان من أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: والجمع بينهما: أن الحسَن كان يشبهه ما بين الصَّدر إلى الرأس، والحسين أسفل من ذلك. (شَمِط) بفتح المعجمة، وكسر الميم، أي: اختلَط سوادُ شعر رأسه بالبياض. (بثلاثة عشر) كذا في الأصول، وصوابه: بثلاث عشرة، قاله ابن مالك.

(قَلُوصًا) بفتح القاف، وبمهملة: الناقة الشابَّة. * * * 3545 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ. الرابع: كالذي قبله. * * * 3546 - حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ. الخامس: وهو ثلاثيٌّ. (شعرات) جمع قِلَّةٍ، فلا يكون زائدًا على العشَرة. * * * 3547 - حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ

أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلاَ آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ، فَإذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ. السادس: (رَبْعة) بسكون الموحدة، أي: مربوع الخلْق، لا طويل، ولا قصير، قيل: والتأنيث فيه باعتبار النفس. قال الجَوْهَري: رجلٌ رَبْعةٌ، وامرأةٌ رَبْعةٌ. (أمهق)؛ أي: أبيض، لا في الغاية، وهو معنى: (ليس بأبيض)، وقال: رُؤية المهق خُضرة الماء، ولم يوجد (أمهق) في بعض النُّسخ، وهو الأظهر. (قَطَط) بفتح القاف، والمهملة الأولى: شديد الجُعودة، والسُّبوطة ضدها. (رجل) بكسر الجيم، وقيل بفتحها: المسترسِل، وهو بالرفْع على القطْع، أي: هو رجلٌ، وعند الأَصِيْلِي بالرفع والخفض، ووجْه الخفض أن: الرجِل غير السَّبط، فلا يصحُّ أن يكون وصفًا للسبط المنفي عن شعره - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن يُخفض على الجوار على بُعدٍ.

قال صاحب "مرآة الزمان": الجيم ساكنةٌ، مِن رجَّل الشَّعر. وحكى الجَوْهَري عن ابن السِّكِّيت لغتَين أُخريين، فتح الراء، وكسر الجيم وفتحهما، إذا لم يكن شديد الجُعودة، ولا سَبْطًا. (فلبث بمكة عشر سنين) هو على قول أنس، والصحيح أنه أقام بمكة ثلاث عشرة سنةً؛ لأنه توفي وعمُره ثلاثٌ وستون، ويلزم من قال: تُوفي ابن خمس وستين: أن لا خِلاف في أنَّ إقامته بالمدينة عشرٌ. (فسألت)؛ أي: أنسًا. * * * 3548 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ ابْنُ أَنسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالآدَمِ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فتوَفَّاهُ اللهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيِتَهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. السابع: (البائن)؛ أي: المفرِط، وبئْرٌ بائنةٌ، أي: بعيدةُ العُمْق واسعةٌ. (الأمهق) وجه الجمع بين نفيه هنا، وبين إثباته في الرِّواية

السابقة: أن المراد بالأمهَق هنا شدَّة البياض، وهناك التوسُّط بين البياض والسُّمرة. وقيل: صواب الرواية ليس بالأبيض الأبهق؛ لأن البَهَق يُشبه لون البرَص. * * * 3549 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ. الثامن: (وأحسنه) في بعضها: (وأحسَنهم). (خَلقًا)، الأصحُّ فتح الخاء. * * * 3550 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ. التاسع: (شيء)؛ أي: من الشَّيب.

(صدغيه) الصُّدغ: ما بين الأذُن والعنُق، ويسمى الشَّعر المتدلي عليه أيضًا صُدغًا، ولا يعارض نفي الصَّبْغ هنا ما روى ابن عُمر في "الصحيحين": أنَّه رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يصبَغ بالصُّفرة، إذ النَّفْي في غالب الأوقات، والإثْبات في وقتٍ، فكلٌّ من الراويين أخبَر بما رأَى، ومراد الراوي هنا أنه لم يكُن له من الشَّيب ما يحتاج إلى التخضيب. * * * 3551 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ، رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ. العاشر: (وقال يوسف) موصولٌ قبل ذلك بحديثٍ. (عن أبيه) إما أن الضمير عائدٌ إلى إسحاق، وإما أطلق على الجدِّ أبًا مجازًا. (إلى منكبيه)؛ أي: تبلغ الجُمَّة إلى مَنكِبَيه. * * * 3552 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سُئِلَ الْبَرَاءُ: أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لاَ بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ.

الحادي عشر: ظاهر المعنى. * * * 3553 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ بِالْمَصِّيصَةِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فتوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ، عَنْ أَبِيهِ، عن أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأَخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ. الثاني عشر: (بالمصِّيصة) بكسر الميم، وتشديد المهملة الأولى. (الهاجرة) نصف النهار عند اشتداد الحر. (البطحاء) المسيل الواسع الذي فيه دِقاقُ الحصا. (عَنَزة) بفتح المهملة، والنون، والزاي: أطْوَل من العصَا، وأقصر من الرُّمح، وفيه زُجٌّ. الثالث عشر: (عن أبي جحيفة) هو الصواب، خلافًا لما يقع في بعض النسخ:

(عن أبيه، عن أبي جُحَيفة)، [و] كما [في] بعضها: (زهير، عن ابن أبي إسحاق) بزيادة لفظ: (ابن)، وكما في بعضها: (يوسف بن أبي إسحاق) بزيادة: (الأب)، والصَّواب حذفُهما. * * * 3554 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. الرابع عشر: (المرسلة) بفتح السين. وسبق الحديث في (كتاب الوحي). * * * 3555 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ الْمُدْلِجيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ -وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا- إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ.

الخامس عشر: (يحيى) إما ابن موسى الخُتِّي، وإما ابن جعفر. (تَبْرُق) بضم الراء: تُضيء وتستنير من الفرَح. (أسارير) جمع أسرار، وهو جمع سَرَر، وهي الخُطوط التي في الجَبين. (المُدْلجي) بضم الميم، وسكون المهملة، وبجيم: اسم مُجَزِّز، بفتح الجيم، وكسر الزاي الأُولى المشدَّدة. كانت الجاهلية تقدح في نسَب أُسامة لكونه أسوَد وزيدٌ أبيض، فقال مُجزِّز حين رآهما نائمين غطَّا رؤوسَهما، وبدتْ أقدامهما: إِنَّ هذه الأقْدام بعضُها من بعضٍ، فقضى هذا القائِف بلَحاق نسبه، وكانت العرب تعتَمِدُ قول القائف، ويعترفون بأن القِيافة حقٌّ، ففرح - صلى الله عليه وسلم -؛ لكونه زجْرًا لهم عن الطَّعن في النَّسَب، وكانت أُمّ أُسامة حبَشيَّةٌ سوداء، اسمها بَرَكة. واختُلف في العمل بقول القائف؛ فأثبته الشافعي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُظهر الفرح، ولا يقرِّر إلا ما كان حقًّا، ونفاه أبو حنيفة، والمشهور عن مالك إثباته في الإماء، ونفيه في الحرائر. * * * 3556 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ

كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ، قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. السادس عشر: (فلما) جزاؤه محذوف، أي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أبشر). وسيجيء في (غزوة تبوك). * * * 3557 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ". السابع عشر: (قرنًا فقرنًا)؛ أي: بعثت من خير القُرون وأفضلها، إذا اعتبرت قرْنًا فقرْنًا من أوله إلى آخره، فهو حالٌ للتفضيل، فخيرُ القرون قرنه، ثم قرن الصحابة، ثم قرن التابعين. * * *

3558 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُسَهُمْ، فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُؤُسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ. الثامن عشر: (يسدل) بضم الدال وكسرها: يُرسِل. قال (ن): قال العلماء: المراد إرساله على الجبين، واتخاذه كالقصَبة، وسَدَل شعره: إذا أرسلَه، ولم يضمَّ جوانبَه. (يفرقون): بكسر الراء وضمها، وهو فَرْق الشَّعر بعضَه من بعضٍ، وموافقة أهل الكتاب؛ لأنهم أقرب إلى الحقِّ من عبَدة الأوثان، وهو مأمورٌ باتباع شرعهم فيما لم يُوحَ إليه فيه شيءٌ، فيكون دليلًا لمن يرى أن شرع من قبْلَنا شرعٌ لنا، وَرُدَّ بأنه لا يلزم من المحبَّة الاتباع، بل يجب أن يوحى إليه بمثْل شرعهم. (فرق) بالتخفيف، أي: شَعْرَ رأسه كُلَّه، فألقاه إلى جانبي الرأْس، ولم يبق منه شيءٌ على جبهته. * * * 3559 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -

فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا". التاسع عشر: (فاحشًا) الفحش: الزيادة بالخروج عن الحد في الكلام السَّيء. (متفحشًا)؛ أي: متكلِّفًا لفعله، أي: لم يكن الفُحش له جِبلِّيًّا، ولا كسبيًّا. (أخلاقًا) الخلُق: ملَكَةٌ تصدُر بها الأفعال بسُهولة من غير رَويَّةٍ، وحُسن الخلق: اختيار الفضائل، وترك الرذائل، وأمهاته داخلة في: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} الآية [الأعراف: 199]، وهذه صفة الأنبياء والأولياء. * * * 3560 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيِ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا. العشرون: (أيسرهما)؛ أي: أسهلهما. (ما لم يكن إثمًا) وهذا ظاهرٌ إن كان التخيير من الكفَّار، فإن كان من الله تعالى، أو من المسلمين؛ فالتخيير لا يكون بين ما يكون فيه إثمٌ

وغيره، فيؤوَّل: بأن المراد ما لم يُؤدِّ إلى إثمٍ، كالتخيير في المُجاهدة في العبادة، والاقتصادِ فيها، فإنَّ المُجاهدة بحيث ينجرُّ إلى الهلاك لا تجوز. (تنتهك): انتهاك حرمة الله: هو ارتكاب ما حرَّمه، وهو استثناءٌ منقطعٌ، أي: لكن إذا انتُهكت حُرمة الله انتصَر لله، وانتقَم ممن ارتكب ذلك. وفيه الأخذ بالأسهل، والحثُّ على العفو، والانتصار للدِّين، وإنما يستحب للحكام التخلُّق بهذا الخلق الكريم، فلا ينتقِم لنفسه، ولا يُهمل حق الله تعالى. * * * 3561 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أليَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحادي والعشرون: (مَسِستُ) بكسر السين. (شَمِمت) بكسر الميم، وفتحها. (عَرفًا) بفتح العين: الريح الطيِّبة، وترك التنوين في (ريح) لقصْد الإضافة، كقوله:

بَينَ ذِراعَيْ وجَبْهَةِ الأَسَدِ * * * 3562 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. الثاني والعشرون: (العذراء) هي البكر؛ لأن عُذْرتها -وهي جِلْدة البَكارة- باقيةٌ. (خدرها) هو ستر يجعل للبكر في جنْب البيت. * * * 3562 / -م - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ، وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ. الثالث والعشرون: العطف فيه على ما سبَق، كأنه روى الحديثَ وزاد فيه هذه الزيادة. * * * 3563 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ،

عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ. الرابع والعشرون: ظاهر المعنى. * * * 3564 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ ابْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نَرَى إِبْطَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ: بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. الخامس والعشرون: (ابن بحينة) صفة لـ (عبد الله)، فعلى هذا ينون: (مالكٌ)، ويكتب (ابن) بالألف؛ لأنه ليس صفةً لـ (مالك)، والحاصل أنه جمع بين ذكْر أبي عبد الله وأُمِّه. (الأسدي) بسكون السين؛ لأنه من الأَزْد، فيقال: بالزاي والسين، وهو أَزْد شَنوءة. ومن ظنَّه بالفتح حتى غلَّط البخاريَّ فهو الغالِط. * * *

3565 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الاِسْتِسْقَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. السادس والعشرون: (لا يرفع)؛ أي: الرفع البليغ، بدلالة السياق، وإلا فقد ثبت أنه رفَع في مواطِن غير الاستسقاء. (بياض) لا ينافي رواية: (عُفْرة)، فإنها البياض الذي ليس بناصع. * * * 3566 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ بِالأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ كَانَ بِالْهَاجِرَةِ، خَرَجَ بِلاَلٌ فَنَادَى بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلَ، فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ، فَرَكَزَ الْعَنَزَةَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ.

السابع والعشرون: (دفعت) مبنيٌّ للمفعول. (كان بالهاجرة) حال، أو استئناف. (وبيص) بإهمال الصاد: البريق واللمعان. * * * 3567 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ. 3568 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَلاَ يُعْجبُكَ أَبُو فُلاَنٍ! جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كسَرْدِكُمْ. الثامن والعشرون: (لأحصَاه) لا يُقال: فيه اتحاد الجزاء مع الشرط، إنما هو مثل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18]، أي: لا تُطيقوا عدَّها، وبُلوغَ آخرها. (وقال الليث) وصله في "الزُّهْريات".

24 - باب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه

(يُعْجبك) بسكون العين، ويروى بفتحها، وتشديد الجيم. (أبو فُلان) في بعضها: (أبا فُلان)، وهو جائزٌ على لغة من قال: ولو ضربهُ بأبا قُبيس، والمراد به: أبو هريرة، كما في "مسلم"، وروي: (بأبي فُلان). (أسبح) إما محمولٌ على حقيقته، وإما مجازٌ عن الصلاة. (يسرد)؛ أي: يتابع الحديث بحديثٍ استعجالًا، وسرْد الصوم تَواليه، أي: بل كان يتكلَّم بكلامٍ واضحٍ مفهومٍ على سبيل التأنِّي. * * * 24 - بابٌ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تَنامُ عَينُه ولا يَنام قلبُه) قوله: (رواه سعيد) موصولٌ في (الاعتصام). * * * 3569 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَان

يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ ركعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعَ ركَعَاتٍ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: "تَنَامُ عَيْنِي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي". الحديث الأول: (تنام)؛ أي: أتنام. (قبل أن توتر) يُشعر بأنَّ الإحدى عشرةَ غيرُ الوتر، فتجعل الفاء في: (فقلت) لتعقيب هذا الإخبار بالخبر السابق. وسبق الحديث في (التهجد)، في (باب: قيام النبي - صلى الله عليه وسلم -). * * * 3570 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَسْجدِ الْكَعْبَةِ: جَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ وَهُوَ ناَئِمٌ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، وَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاؤُا لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ناَئِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَتَوَلَّاهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.

25 - باب علامات النبوة في الإسلام

الثاني: (أخي)؛ أي: عبد الحميد. (خذوا)؛ أي: لأجل أن يُعرج به إلى السماء، قيل: وكان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ، حمزة، وجعفر. (فكانت)؛ أي: القِصَّة. (تلك)؛ أي: الحكاية لم يقَع شيءٌ آخر، فإن قيل: ثبت أنه في اليقظة في الروايات الأخرى. قال (ع): في حديث شَرِيك أوهامٌ أنكروها عليه، منها: قبل أن يُوحى إليه، وهو غلَطٌ لم يوافَق عليه، وشريك ليس بالحافظ، وهو منفردٌ به عن أنس، وسائر الحفاظ لم يَروُوه أيضًا، إن صحَّت، فلم يأتِه عَقِب تلك الليلة، بل بعدها بسنين؛ لأنه إنما أُسري به قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: بسنتين، وقيل: بسنة. * * * 25 - بابُ عَلاَمَاتِ النُّبُوَّة فِي الإِسْلاَمِ (باب علامات النُّبوَّة) 3571 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي

مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا، فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لاَ يُوقَظُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "يَا فُلاَنُ! مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ ". قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟، فَقَالَتْ: إِنَّهُ لاَ مَاءَ، فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَسَحَ فِي الْعَزْلاَوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا، فَمَلاناَ كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا وَهْيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ، ثُمَّ قَالَ: "هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ"، فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا، قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نبَيٌّ كَمَا زَعَمُوا، فَهَدَى اللهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا.

الحديث الأول: (فأدلجوا) الإدلاج بالتخفيف: سيرُ أوَّل الليل، وبالتشديد: آخره. (عرسوا) هو النُّزول آخر الليل، يقعون فيه وقْعة الاستراحة. (فجعل يكبر)؛ أي: أبو بكر، نعم، سبق في (التيمم)، وهي رواية مسلم أيضًا: أن عُمر هو الذي كبَّر ورفَع صوتَه حتى استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا منافاة، فكلاهما فعَلَ ذلك. (وجعلني) كذا وقَع، وصوابه: عجَّلَني، أي: أمرني بالتعجيل، وكذا رواه مسلم: "ثم عَجَّلَني في ركْبٍ بين يديه يطلُب الماءَ". (رُكُوب) هو بالضم، جمع راكِب، كشاهد وشهود، وبالفتح: ما يُركَب، فَعولٌ بمعنى مفعول، وقيل: صوابه الأول. (سادلة)؛ أي: مرسَلة، وسدَل ثوبَه: إذا أرخاه. (مزادتين) المزادَةُ، بفتح الميم، وتخفيف الزاي: الرَّاوية، وسميت بها؛ لأنه يُزاد فيها جِلْدٌ آخر من غيرها، ولهذا قيل: إنَّها أكبر من القِرْبة. (إنه) إنَّ وضمير الشأن، وفي بعضها: (أَيْهات) على وزْن (هَيْهات) ومعناه، وفي بعضها: (أَيْها)، قال الجَوْهَري: ومن العرب من يقول: أَيْها، بفتح الهمزة، بمعنى: هيهات.

قال (ن): ومنهم من يقول: أَيْها، بلا تنوين، وبحذف التاء، من أَيْهاتْ. (مؤتِمة)؛ أي: ذات أيتامٍ، وأيتَمت المرأة: صار أولادُها أيتامًا، وفي بعضها: (مؤتَمة) بفتح المثناة. (بالعزلاوين) تثنية عَزْلاء، بفتح المهملة، وإسكان الزاي: فَمُ المزادة الأسفل. (روينا) بكسر الواو، كرَضِيْنا. (عطاشًا) حالٌ. (أربعين) بيانٌ له. (لم نسق بعيرًا) أي: لأن الإبل تصبر. (تبض) فيها نحو العشر روايات: الأولى: بمثنَّاةٍ، فنون مكسورة، فضاد معجمة: من نَضَّ الماء من العين، أي: نبعَ، أو سالَ كما قال في"المُحكَم". ثانيهما: بمثناةٍ، فموحَّدةٍ مكسورةٍ، فضادٍ معجمة، أي: قطَر، وسالَ قليلًا. ثالثها: بمثناةٍ، فموحدة، ثم صادٍ مهملةٍ: من البَصيص، وهو البريق واللَّمعان: خُروج الماء القَليل. رابعها: بمثنَّاةٍ، فنون، فضاد معجمة مفتوحة مشدَّدة، وراء مهملة.

خامسها: كذلك، وهو ما في أصْل ابن عساكر، إلا أن المشدَّد الراء: من الضُرِّ. سادسها: كذلك، إلا أن الصاد مهملة، من قولك: صَرَرتُه فانصرَّ. سابعها: بمثناةٍ، ثم نون، ثم صاد مهملة مفتوحة، ثم موحدة مشددة، ونُسبت لأبي الهيثم. ثامنها: للأَصِيْلي: (تَقْطر) بمثناة، وقاف، وطاء، وراء مهملتين. قيل: وهذه الرِّوايات لا تخلو من نظَر، والصَّواب: تنضَرج، أي: تنشقُّ، من الانضِراج، وكذا رواه مسلم، فكأنه سقَط هنا حرف الجيم، وقد وقع في البخاري هنا تغييراتٌ يُعرف صوابها من كتاب مسلم. (الصرم) بكسر المهملة: نزولٌ على الماء. ومرَّ في (التيمم) مطوَّلًا. قال (خ): فيه أن آنية أهل الشرك طاهرةٌ، وأن الضرورة تُبيح الماء المملوك لغيره بعِوَض، وفيه بركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 3572 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ

سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِإِناَءٍ وَهْوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِناَءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلاَثَمِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلاَثِمِائَةٍ. الثاني: (بالزوراء) بفتح الزاي، وسُكون الواو، وبالراء، ممدودٌ: موضعٌ بسُوق المدينة. (ينبع) مثلث الموحدة: إما أنه يخرُج من نفْس الأصابع، أو تكثير الماء، فيفُور ببركته من بين أصابعه، وهو أعظم في الإعجاز من نبْعه من الحجَر. (زهاء) بضم الزاي، والمدِّ، أي: قدْر. * * * 3573 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، فَالْتُمِسَ الْوَضُوءُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِناَءِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فتوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.

الثالث: (من عند)؛ أي: إلى (¬1)، والكوفيون يُجوِّزون إقامة حرْفٍ مكان حرفٍ. * * * 3574 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُبَارَكٍ، حَدَّثَنَا حَزْمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ مَخَارِجِهِ وَمَعَهُ ناَسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلَمْ يَجدُوا مَاءً يَتَوَضَّؤُنَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فتوَضَّأَ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الأَرْبَعَ عَلَى الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ: "قُومُوا فتوَضَّؤُا"، فتوَضَّأَ، الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الْوَضُوءِ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ. 3575 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمعَ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ، فتوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: ثَمَانُونَ رَجُلًا. ¬

_ (¬1) "إلى" ليس في الأصل.

الرابع، والخامس: (بِمِخْضب) بكسر الميم، وسكون المعجمة، هو المِرْكَن، ومرَّ في (باب الوضوء في المِخْضَب): أنَّه الماء، يبلُغ الخِضاب إذا أدخَل اليد فيه، ويُقال: المُغمَر؛ لأنه يغمُر اليد. * * * 3576 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ يَدَيْهِ ركْوَةٌ، فتَوَضَّأَ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ: "مَا لَكُمْ"، قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نتَوَضَّأُ وَلَا نشرَبُ إلا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟، قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ ألفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. السادس: (فجهش) بفتح الجيم والهاء: هو أن يَفزَع الإنسان إلى غيره، ويُريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أُمِّه، وقد تهيَّأَ للبكاء. (يثور) بمثلثة، وفي بعضها بالفاء. (خمس عشرة) ذُكر هذا لابن المسيَّب رحمه الله فقال: وهمٌ،

حدَّثني أنهم كانوا أربع عشرة مائةً، وعلى هذا مالكٌ وأكثر الرواة. وقيل: كانوا ثلاث عشرة مائةً، وكان عام الحديبية عام ستٍّ. * * * 3577 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ -أَوْ صَدَرَتْ- ركَائِبُنَا. السابع: (صدرت)؛ أي: رجعت. (ركابنا): الإبل الّتي تحمل القوم. * * * 3578 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، فَأَخرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَذَهَبْتُ

بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ "، فَقُلْتُ: نعمْ، قَالَ: بِطَعَامٍ؟. فَقُلْتُ: نعمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا"، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْم! قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ؟ فَقَالَتِ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمِ مَا عِنْدَكِ"، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْم عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا. الثّامن: (دسته) يقال: دسَسْتُ الشيء: أخفيتُه. (ولاثتني) من لاثَ العمامة على رأْسه، أي: عصَبها، والالتِياث: الالتِفاف، واللَّوث: اللَّفُّ، ومنه: لاث به النَّاس: إذا استداروا حولَه. (آرسلك) بهمزة ممدودة على الاستفهام.

(هلم) هو على لغة الحجاز أنَّ (هلُمَّ) لا يؤنَّث، ولا يثنى، ولا يُجمَع، ومنه: {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إلينا} [الأحزاب: 18]، ومعناه: هات ما عندك. (عُكَّة) بضم المهملة، وتشديد الكاف: آنية السَّمْن. (فآدمته)؛ أي: جعلته إدامًا، ومضارعه: يَأْدِم، بالكسر، وقال (خ): آدمتُه: أصلحتُه بالإدام. (ائذن)؛ أي: بالدُّخول. (لعشرة)؛ لأن عشرةً عشرةً أرفَقُ بهم. * * * 3579 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كنَّا نعدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنتمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: "اطْلُبُوا فَضْلَة مِنْ مَاءٍ"، فَجَاؤُا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: "حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ"، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابعِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ. التّاسع: (الآيات)؛ أي: الأُمور الخارقة للعادة.

(تخويفًا)؛ أي: من قول الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. والحقُّ أن بعضها بركةٌ؛ لشِبَع الخلْق الكثير من الطَّعام القليل، وبعضها تخويفٌ، كالخَسْف في الأرض ونحوه. (حيّ)؛ أي: هلُمَّ، وأقبِلْ، فهو اسم فعل للأمر. (الطَّهور) بالفتح: الماء. (المبارك)؛ أي: الّذي أيده الله تعالى ببركة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. (والبركة من الله) مبتدأ وخبر. * * * 3580 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ - رضي الله عنه -، أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِي وَعَلَيْهِ دينٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيهِ دَيْنًا، وَلَيسَ عِنْدِي إلا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ، فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ، فَدَعَا، ثَمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "انْزِعُوه"، فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ. العاشر: (سنتين) بالتثنية، وفي بعضها بالجمع.

وسبق الحديث مرارًا. * * * 3581 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ مَرَّةً: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ"، أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ ثَلَاثَةً، قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي وَخَادِمِي بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ- وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ ضَيْفِكَ؟. قَالَ: أَوَ عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ، فَذَهَبْتُ فَأَخْتَبَأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ! فَجَدَّع وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا، وَقَالَ: لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا، قَالَ: وَايْمُ اللهِ مَا كُنَّا نَأَخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ إلا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ، فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا شَيْء أَوْ أَكْثَرُ، قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ! قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْني! لَهْيَ الآنَ أَكثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ! فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ، يَعْنِي يَمِينَهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا

إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ، فتفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ، قَالَ: أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ. الحادي عشر: (وإن أبا بكر جاء بثلاثة)؛ أي: إن أبا بكر كان من المُكثِرين، ممّن عنده طعامُ أربعةٍ وأكثر، وقوله بعد ذلك: (وأبو بكر ثلاثة) ليس تكرارًا للأول، لأن الثّاني لسَوق الكلام على التّرتيب. (فهو)؛ أي: فالشأن. (أنا وأبي وأُمي) في الدَّار، والغرض من هؤلاء: أنه لا بُدَّ أن يكون عنده طعام أربعةٍ وأكثر. (تعشى عند النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -) هذا يُشْعر بأن ذلك بعد الرجوع إليه؛ لكن ما تقدَّم يُشْعر بأنه مثله، فإما أن يكون ذلك بيان حال أبي بكر في عدم احتياجه إلى الطّعام عند أهله، والثّاني سوق القصة على التّرتيب، أو الأوّل: تعشَّى الصديق - رضي الله عنه -، والثّاني: تعشَّى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو الأوّل من العِشاء، بكسر المهملة، والثّاني بفتحها. (يا غُنْثَر) بضم المعجمة، وسكون النون، وفتح المثلثة، وبالراء: الجاهل، أو الذباب. (فجدّع)؛ أي: دعا بقطع الأنف.

(فإذا شيء)؛ أي: فإذا هو شيءٌ كما كان، وفي بعضها: (فإذا هي)؛ أي: البقية، أو الأطعمة. (فِراس) بكسر الفاء، وتخفيف الراء، وبمهملة، أي: واحدة منهم، وهي أُمُّ رومان. (فتعرفنا) يقال: تعرَّفتُ ما عند فلان، أي: تطلَّبْتُ حتّى عرفت، وتعرَّفت القوم، أي: صِرْتُ عريفَهم، وقمت بقضاء حوائجهم، وتعرف أحوالهم. (اثنا عشر)؛ أي: هم اثنا عشر رجلًا. (بعث)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معهم نصيبَ أصحابهم إليهم. واعلم أن هذا وإن كان كرامةً للصديق؛ لكنه أدخلَه في علامات النبوة؛ لأن المعجزة تظهر على يد الغير، أو الإعجاز في الأخير في قوله: (أكَلوا منها أجمعون). وسبق الحديث آخر (مواقيت الصّلاة). * * * 3582 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ، وَعَنْ يُونس، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، إِذْ قَامَ رَجُل فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الْكُرَاعُ، هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللهَ يَسْقِينَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. قَالَ أَنسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ،

فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ اجْتَمَعَ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، فَخَرَجْنَا نخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أتيْنَا مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، فَادْعُ اللهَ يَحْبِسْهُ، فَتَبسَّمَ ثُمَّ قَالَ: "حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا"، فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّع حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ. الثّاني عشر: (الكراع): الخيل. (كمثل الزجاجة)؛ أي: في الصفاء عن الكدورات. (عزاليها) بكسر اللام، أو فتحها: جمع عَزْلاء، بمهملةٍ، وزاي، كصحراء وصحاري. (إكليل) هو التاج والعصابة. ومرَّ في (الاستسقاء). * * * 3583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ، وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ الْجذْع، فَأَتاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ.

3583 / -م - وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثّالث عشر: (اسمه عُمر بن العلاء) سيأتي بعد ذلك أنه معاذ بن العلاء، وصوّبه صاحب "الكاشف". * * * 3584 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ -أَوْ رَجُلٌ-: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: "إِنْ شِئتُمْ"، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ، قَالَ: "كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا". الرّابع عشر: (يوم الجمعة)؛ أي: وقت الخطبة. * * *

3585 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَني حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنس بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَ الْمَسْجدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْع مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، وَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجذْع صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. الخامس عشر: (العِشار) بكسر العين، جمع عُشَراء: وهي الناقة الّتي أتتْ عليها من يوم أُرسل فيها الفَحْل عشرة أشهر. وسبق الحديث. * * * 3586 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ. حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتْنَةِ؟، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ، قَالَ: هَاتِ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِه تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ"، قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ، وَلَكِنِ الَّتى تَمُوجُ كَمَوْج

الْبَحْرِ، قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: يُفْتَحُ الْبَابُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: لَا بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ. قُلْنَا: عَلِمَ الْبَابَ؟ قَالَ: نعمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نسْأَلَهُ، وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ. السّادس عشر: (علم)؛ أي: عُمر. (الباب)؛ أي: عَلِمَ أنه يُستشهَد، وبعد ذلك لا تسكن الفتنة، واستشكل كون الباب عُمر، فإن الفتن إنّما كانت بعد عُثمان؛ لأن قتْله هو السبب المفرِّق للناس، فكأن الأَولى أنه الباب، وجوابه: أن قتْل عثمان نفْسه من جُملة الفتن بعد عُمر، وإن كان ظهور الفتنة بعده، فيصدق أن الفتن بعد عُمر. وسبق الحديث أول (المواقيت). * * * 3587 - حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوه، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".

3588 - "وَتَجدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ، حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلَامِ". 3589 - "وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ". السابع عشر: (ذلف) جمع أذْلَف، بالمعجمة، وروي بالمهملة: صغير الأنف، مستوي الأرنَبَة. (المجانّ) جمع مِجَنٍّ، وهو التُّرْس. (المطرقة)؛ أي: طبقةٌ فوق طبقةٍ، كالنعل المَخصُوفة. وسبق في (باب: قتال الترك). (لهذا الأمر)؛ أي: الإمارة والحكومة. * * * 3590 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنَ الأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوه، فُطْسَ الأُنُوفِ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، وُجُوهُهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ". تَابَعَهُ غَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَاقِ.

الثّامن عشر: (يحيى) إمّا الخُتِّي، أو البِيْكَنْدي. (خُوزًا)، بضم المعجمة، وبزاي، هو بلاد الأهواز وتُسْتَر. قال أحمد: أخطأ عبد الرزّاق في قوله: (جُوزًا)، بالجيم. (كرْمَان) بكسر الكاف، وفتحها، والأول هو المستعمل عن أهلها، ما بين خراسان وبحر الهند، وبين عراق العجم وسجستان. (فطس) جمع أفْطَس، والفُطوسة: تطامُن قصبة الأنف وانتشارها. قال (ك): وأهل هذين الإقليمين ليسوا على هذه الصفات؛ فإما أنَّ بعضَهم كانوا بهذه الصفات في ذلك الوقت، أو سيصيرون كذلك فيما بعد، وإما أنهم بالنسبة للعرب كانوا كالتَّوابع للترك. وقيل: إن بلادهم فيها موضعٌ اسمه كرْمان، وقيل: إنهم يتوجَّهون بين هاتين الجهتين. وقال الطِّيْبي: لعلَّ المراد أنهما صِنْفان من التُّرك، كان أحد أصول أحدهما من خُوز، وأحد أصول الآخر من كرْمان. (تابعه غيره) وصله أحمد، وإسحاق في "مسنديهما". * * * 3591 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي قَيْسٌ، قَالَ: أتيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ أكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ

الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ، وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ"، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ. التّاسع عشر: (في سني) بإضافة سنين -جمع سنة- إلى ياء المتكلِّم على لغة الإعراب بالحروف، أي: لم أكُنْ في مدة عمُري في هذه السنين الثلاث، والمفضَّل والمفضَّل عليه كلاهما أبو هريرة، مفضَّلٌ باعتبار الثّلاثة، مفضلٌ عليه باقي سني عمُره. (البارز) بتقديم الراء على الزاي، كذا قيَّده الأَصِيْلِي، مع الفتْح في الموضعين في الحديث، ووافقه ابن السَّكَن وغيره، إلا أنهم ضبَطوه بكسر الراء. قال القَابِسِي: يعني البارِزين لقتال أهل الإسلام، أي: الظاهرين في بَرازٍ من الأرض. قيل: المراد به أرض فارس، وقيل: هم أهل البارِز، وهم الأَكْرَادُ، يسكنون في البارِز، أي: الصحراء. وقيل: المراد الجبَل؛ لأنه بارزٌ عن وجه الأرض، وقيل: الديالَة. وأمّا أبو ذَرٍّ فقال في الموضع الآخر: إنّه بتقديم الزاي على الراء وفتحها، قومٌ بكرْمان، ويعني: القوم الذين أشار إليهم أنهم يقاتلُون، تقول العرب: هذا البازِر: إذا أشارتْ إلى شيءٍ.

وقال ابن كثير: قول سفيان: إنهم من أهل البارِز، فالمشهور في الرِّواية تقديم الراء، ولعلّه تصحيفٌ اشتبه على القائل من البازِر، وهو السَّوقُ بلغتهم. * * * 3592 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ، وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ". العشرون: (المطرقة) اسم مفعول، من الإطراق، والتطريق. * * * 3593 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ". الحادي والعشرون: (ورائي)؛ أي اختبأ خلفي، هذا في زمن عيسى -عليه السّلام-. * * *

3594 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نعمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ". الثّاني والعشرون: سبق أن أفضل القُرون قرنُه، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم. * * * 3595 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَم، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أتاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: "يَا عَدِيُّ! هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ "، قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: "فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لترَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، لَا تَخَافُ أَحَدًا إلا اللهَ"، قُلْتُ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟! "وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لتفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى"، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: "كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلَا

يَجدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ، فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينهِ فَلَا يَرَى إلا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إلا جَهَنَّمَ"، قَالَ عَدِيٌّ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ"، قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلا اللهَ، وَكنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ". حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، سَمِعْتُ عَدِيًّا: كنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثّالث والعشرون: (الفاقة): الفقر والحاجة. (الظعينة) الهودج والمرأةُ فيه. (الحِيْرة) بكسر المهملة، وسكون الياء، وبالراء: مدينةٌ معروفةٌ عند الكوفة، وهي مدينة النُّعمان بن المُنذِر. (الدعار) بمهملتين، جمع داعِر، وهو المفسِد، يُريد قطَّاع الطريق، من قولهم: عُودٌ داعرٌ: إذا كان كثير الدُّخان.

قال الجوالِيْقي: والعامة تقوله بالذال المعجمة، وإنّما هو بالمهملة، نعم، إنْ ذهب به إلى معنى الفزَع؛ جاز أن يقال بالمعجمة. (سعروا)؛ أي: ملَؤُوها شرًّا وفسادًا وفتنًا، وهو مستعارٌ من استِعار النّار، وهو تَوقُّدُهَا والتهابها. (كسرى) بفتح الكاف، وكسرها. (وأفضل) من الإفضال. وسبق الحديث في (الزَّكاة). * * * 3596 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، إِنِّي وَاللهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيح الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا". الرّابع والعشرون: (مفاتيح خزائن الأرض) في بعضها: (خزائن مفاتيح الأرض)، والأول أظهر. سبق في (الجنائز)، في (الصّلاة على الشهيد). * * *

3597 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ، فَقَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى، إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ". الخامس والعشرون: (أُطم) بضم الهمزة، والمهملة: جمع آطام: حُصون أهل المدينة. (مواقع القطر) وجه التشبيه: الكثرة والعموم، وهو إشارةٌ إلى الحروب الواقعة فيها وقعة الحَرَّة وغيرها. * * * 3598 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زينَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتهُ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ حَدَّثتهَا، عَنْ زينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا"، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِي تَلِيهَا، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كثُرَ الْخَبَثُ". 3599 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثتنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ،

وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ". السّادس والعشرون: السند فيه سُباعيٌّ. (بأُصْبُعِهِ)؛ أي: إبهامه، كما صرح به في (كتاب الأنبياء)، في (باب: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 83]). وفي "مسلم" رواية الحديث عن زينب، عن حبيبة، عن أُمِّها، عن زينب، فاجتمع فيه أربع صحابيات. (الصالحون)؛ أي: يقع العذاب بقومٍ فيهم من لا يستحقُّ ذلك. (الخبث) قيل: الزِّنا، وقيل: أولاد الزِّنا. * * * 3600 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ لِي: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَتتَّخِذُهَا، فَأَصْلِحْهَا وَأَصْلِحْ رُعَامَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَان تَكُونُ الْغَنَمُ فِيهِ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِم، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ -أَوْ سَعَفَ الْجبَالِ- فِي مَوَاقِعِ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينهِ مِنَ الْفِتَنِ". السابع والعشرون: (أبي سلمة بن الماجشون) صوابه إسقاط (ابن)، نعم، يقع في نون الماجِشُون الضم صفةً لعبد العزيز، والجرُّ صفةً لأبي سلمة.

(رُغامها) بضم الراء، وبمعجمة: ما يسيل من أنوفها، يقال: شاة رَغُومٌ، بها داءٌ يُسيل من أنفها الرُّغام، وقال (ك): هو بضم الراء، وخفة المهملة، وفي بعضها: (رعاتها) جمع راعٍ، كقاضٍ وقُضاة. (شعف) جمع شعَفةٍ، وهي رأْس الجبَل. (أو سعف) الشك فيه إمّا في حركة العين وسكونها، وإما في إعجام الشين وإهمالها، وهي غُصن النَّخلة، وقرحٌ يخرج في رأْس الصبي، أي: قطعةٌ من رأس الجبل. سبق في (الإيمان). * * * 3601 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَتكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِم، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأَ أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ". التّاسع والعشرون: (تشرف) فعل ماض من التفعيل، أو مضارع من الإفعال، وهو الانتصاب للشيء، والتطلع إليه، والتعرض له.

(تستشرفه)؛ أي: تغلبه وتصرعُه، وقيل: من الإشراف على الهلاك، أي: تستهلكُه، وقيل: يريد مَنْ طلَع لها بشخْصه، طالعتْه بسُوئها. (ملجأ)؛ أي: موضعًا يلتجئ إليه. (فليعذ)؛ أي: فليعتزل فيه. وفيه الحث على تجنب الفتن، والهرب منها، وأن شرها يكون بحسب التعلُّق بها. * * * 3602 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، إلا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ: "مِنَ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ". (من الصّلاة)؛ أي: صلاة العصر، يفسره ما مرَّ في (باب: إثم من فاتته صلاة العصر). (كأنما وتر أهله وماله)؛ بنصبِ (أهل)، أي: نقص، أو رَفْعِه كما سبق. * * * 3603 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ،

عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَا تَأَمُرُنَا؟ قَالَ: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ". الثلاثون: (أَثَرة) بمفتوحتين، وبضم الهمزة، وسكون المثلثة، استبدادٌ واختصاصٌ بالأموال فيما حقُّه الاشتراك. * * * 3604 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ"، قَالُوا: فَمَا تَأَمُرُنَا؟ قَالَ: "لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ". قَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ. الحادي والثلاثون: (إلياس) (¬1) بالنصب. ¬

_ (¬1) "إلياس" ليس في الأصل.

(هذا الحي) بالرفع، أي: بسبب الفِتَن والحُروب بينهم تتخبط أحوال النَّاس. (لو) جوابها محذوف، أو للتمني. (وقال محمود) قال أبو نُعيم: إن البخاريّ قال: قال لنا محمود. * * * 3605 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: "هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ". فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ. الثّاني والثلاثون: (المصدوق)؛ أي: من عند الله، أو المصدوق من عند النَّاس. (غِلْمَة) جمع غُلام، وهو من جموع القلة، واستعجب مروان من لفظ غِلْمَة، والمراد تلبُّسهم بالأمور الّتي وقعت بعد قتل عُثمان من بني أُمية وغيرهم. * * * 3606 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو

إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّهُ سَمعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْألونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلَهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ"، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا"، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! صِفْهُمْ لَنَا: فَقَالَ: "هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا" قُلْتُ: فَمَا تَأَمُرُني إِنْ أَدْركنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ"، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ؟. الثّالث والثلاثون: (يحيى)؛ أي: الخُتِّي. (دَخَن) بفتح المهملة، والمعجمة، جمع دُخان، أي: ليس خيرًا خَالِصًا، ولكن معه شَوبٌ وكدورةٌ، بمنْزلة الدخان في النّار. (هَدى) بفتح الهاء: السيرة، والطريقة. (من جلدتنا)؛ أي: من العرب، وقال (خ): من أنفسنا وقومنا، والجلد غشاء البدن، واللون إنّما يظهر فيه.

وقال (ن): المراد من الدَّخَن أن لا تصفوَ القلوب بعضها لبعضٍ، ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء. وقال (ع): المراد بالخير بعد الشر أيّام عُمر بن عبد العزيز، والذين تعرِف منهم وتُنكر الأُمراءُ بعدهم، ومنهم من يدعو إلى بدعةٍ وضلالٍ، كالخوارج ونحوهم. (ولو أن تَغَضَّ) بفتح العين، وتضم في لغة، أي: ولو كان الاعتزال بأن تعضَّ. وفيه لزوم جماعة المسلمين، ومطاوعة إمامهم، وإن فسَق في غير المعاصي، وفيه معجزاتٌ. * * * 3607 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ. الرّابع والثلاثون: معناه ظاهر. * * * 3608 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِتْيَانٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ". الخامس والثلاثون: (دعواهما واحدة): أي: يدعي كلٌّ منهما أنه على الحق، وخصمه مبطلٌ، ولا بدَّ أن يكون أحدهما مصيبًا، والآخر مبطِلًا، كما كان عليٌّ ومعاوية، وكان عليٌّ هو المصيب، ومخالفه مخطئٌ معذورٌ في الخطأ؛ لأنه باجتهادٍ، فلا إثم عليه، بل له أجرٌ، وللمصيب أجران. * * * 3609 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِتْيَانٌ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ". 3609 / -م - وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ، كلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ". السّادس والثلاثون: (حتّى يبعث)؛ أي: يخرج ويظهر، ويُسمى الدجال؛ لتمويهه، من: الدجل، وهو التمويه والتغطية، يقال: دَجَل الحقَّ، أي: غطاه بالباطل.

وقد وجد كثيرٌ أهلكهم الله، وقطع آثارهم، وكذلك يفعل بمن بقي منهم، والدجال الأعظم خارجٌ عن هذا العدد، وهو يدعي الإلهية، نعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال. * * * 3610 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أتاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ -وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ كُنْ أَعْدِلُ"، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: "دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نصلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمِّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ -وَهْوَ قِدْحُهُ- فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءُ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَالْتُمِسَ

فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي نَعَتَهُ. السابع والثلاثون: (ذو الخُويصِرة) بضم المعجمة، وفتح الواو، وسكون الياء، وبمهملة مكسورة، وراء، سبق وصفه في قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65]: أنه غائر العينين، محلوقٌ، كَثُّ اللِّحية. (خَبت) بلفظ التكلم والخطاب، أي: خبت أنت لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل، والفتح أشهر. (عُمر) سبق هناك أن خالدًا قال ذلك، ولا منافاة؛ لجواز أن كُلًّا منهما استأذن في قتله. (فأضرب) بالنصب، وقيل: صوابه: أضرب، بحذف الفاء والجزم. (فإن له أصحابًا) هذا ليس تعليلًا لمنع قتله مع وجود ما يوجب قتلَه، بل الفاء لتعقيب الإخبار، أي: قال: دَعْهُ، ثمّ عقَّب مقالته بذلك، وغايته أن حكمه حكم المنافق، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يقتلهم؛ لئلا يقال: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يقتل أصحابه. (لا يجاوز)؛ أي: لا تفقهه قلوبهم، ولا ينتفعون بما تَلوْه منه، أو لا تصعد تلاوتهم في جُملة الكَلِم الطيب إلى الله تعالى. (تَرَاقِيهم) جمع ترقوة، وهي عظام أعلى الصدر. (يَمْرقُون) يخرجون، وبه سميت هذه الفرقة: المارقة. (من الدين)؛ أي: الإسلام، وبه يتمسك من كفَّر الخوارج.

وقال (خ): الدِّين الطّاعة للإمام. (الرمية): فعيلةٌ، من الرمي، بمعنى مفعولةٍ. (نصله) هو حَديد السَّهم. (رِصافه) بكسر الراء، وبالمهملة، جمع رِصْفة، بالتحريك، وهي العصَب الّذي يلوى فوق مدخل النَّصل في السهم، وحكى القابِسِي ضم الراء. (نضيّه) بفتح النون، وكسر المعجمة، بوزن فَعِيل، وحكى السَّفَاقُسِي ضم النون؛ سُمي بذلك لكثرة البَرْي والنَّحْت، فكأنه جعل نِضْوًا، أي: هزيلًا. (قدحه) بكسر القاف، أي: العُود أول ما يكون قبل أن يعمل، وقيل: هو ما بين الريش والنصل. (قُذَذه) بضم القاف، وفتح المعجمة الأولى، جمع قُذَّة، وهي ريش السهم. (الفرث)؛ أي: السِّرجين، ما دام في الكَرِش، أي: مرَّ سريعًا في الرميَّة، وخرج منها لم يعلَق به شيءٌ منهما، ولم يظهر أثرهما فيه. وقال (ع): يعني نفذ السهم الصَّيد، وخرَج من جهة أُخرى، ولم يتعلَّق شيءٌ منه به. (آيتهم)؛ أي: علامتهم. (البضعة) بفتح الموحدة: القطعة من اللّحم.

(تدردر) أصله تتَدَرْدَرُ، فحذفت إحدى التاءين، وهو بمهملتين، وتكرار الراء، تضطَرِب: تجيء وتذهب. (حين فرقة)؛ أي: افتراق الأُمة، وفي بعضها: (خير فِرْقة) بكسر الفاء، أي: أفضل طائفةٍ. قال (ع) (¬1): هم عليٌّ وأصحابه، أو خير القرون، وهو الصدر الأول. وفيه معجزاتٌ؛ إذ الأُمة افترقوا فرقتين، ووقع القتال، وكان فيهم الرَّجل الموصوف ونحوه. * * * 3611 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُويدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيرِ قَؤلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قتلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". ¬

_ (¬1) "ع" ليس في الأصل.

الثّامن والثلاثون: قال الدَّارَقُطْني: ليس لسُويد بن غَفَلة عن علي حديثٌ صحيحٌ غيره. (خدعة) مثلث المعجمة، والظاهر أن حقيقة الكذب جائزةٌ في الحرب؛ لكن الاقتصار على التعريض أفضل. (حدثَاء)؛ أي: صغار. (الأسنان)؛ الأعمار. (سفهاء)؛ أي: ضعفاء. (الأحلام): العقول. (من قول)؛ أي: من سنة محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها: (من خَيْر قَول البريَّة)؛ أي: من القرآن، ويحتمل أن الإضافة من باب ما يكون المضاف داخلًا في المضاف إليه، وحينئذٍ تُراد السنَّة لا القرآن، وهو كما قال الخوارج: لا حُكمَ إلا لله، وهو حقٌّ؛ لكن أرادوا به باطلًا. (أجرًا)، في بعضها: (أَجْرٌ)، فيقدر ضمير الشأن. وفيه إيجاب قتال الخوارج على الأئمة. * * * (باب) كذا في بعض النسخ، وجرى عليه (ك).

3612 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينهِ، ويُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينهِ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إلا اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجلُونَ". الحديث الأوّل: (المنشار) بالنون: آلة قطع الخشب، ويقال: مِئْشار، بالهمزة، من أشَرتُ الخشَبة: قطعتُها. (وما دون لحمه)؛ أي: تحت لحمه، أو عند لحمه. (هذا الأمر)؛ أي: الإسلام. (صَنْعَاء) بفتح المهملة، وسكون النون، والمد: قاعدة اليمن، ومدينته العظمى. (حَضْرَمَوت) بفتح المهملة، وسكون المعجمة، وفتح الراء والميم: بلدة باليمن أيضًا، وجاز في مثله بناء الاسمين، وبناء الأوّل وإعراب الثّاني، فإن قيل: لا مبالغة فيه؛ لأنهما بلدتان متقاربتان؟

قيل: الغرض بيان انتفاء الخوف من الكفار عن المسلمين، ويحتمل أن المراد صنعاء الروم، أو صنعاء دمشق، قرية في جانبها الغربي في ناحية الربوة، وقال الجَوْهَري: إن حضرموت اسم قبيلة أيضًا. (والذئب) عطف على المفعول، أو على المستثنى منه المقدر، ولكن المعنيان متعاكسان. * * * 3613 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأتاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَاْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ. فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنسٍ: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". الثّاني: (ألا) للتنبيه، والهمزة للاستفهام، وفي بعضها: (أنا أعلم لكَ)، أي: لأجلك.

(حبط)؛ أي: بطل، قال تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2]. (بِبِشَارة) بكسر الموحدة، وحكى السفاقُسي الضم. (من أهل الجنَّة) المبشرون بالجنة كثير؛ لكن العشرة بشروا دفعةً، أو بلفظ البشارة، وإلا فمن يُقطع بأنه من أهل الجنَّة: الحسن، والحسين، وأُمُّهما، وجدهما، وأزواج النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وابن سلام وغيرهم. * * * 3614 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما -: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ فَجَعَلَتْ تنفِرُ فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ -أَوْ سَحَابَةٌ- غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اقْرَأْ فُلَانُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نزَلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تنزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ". الثّالث: (رجل) هو أُسيد بن حُضير. (فسلم)؛ أي: دعا بالسلامة كما يقال: اللهُمَّ سلم، أو فوض الأمر إلى الله، ورضي بحكمه، أو قال: سلام عليك. (ضبابة) سحابة تغشى الأرض كالدخان. (السكينة) المختار في تفسيرها أنها شيء من مخلوقات الله

تعالى، فيها طمأنينةٌ ورحمة، ومعه الملائكة يستمعون القرآن، وقيل: ريح هفافة ولها وجه، وقيل: يريد الملائكة وعليهم السكينة. (أقرأ فُلان)؛ أي: يا فُلان، ومعناه: كان ينبغي أن تستمر على القراءة، وتغتنم ما حصل لك من حصول الرّحمة، وتستكثر من القراءة. * * * 3615 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ! حَدِّثْنِي كيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَينَا لَيْلَتَنَا، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلَا الطَّرِيقُ لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأَتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟، فَقَالَ لِرَجُلٍ: مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ. قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمُ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ

وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى -قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ- فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْتَوِي مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّاُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَشَرِبَ، حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: "أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ "، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْشُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: "لَا تَحْزَنْ، إِنَّ اللهَ مَعَنَا"، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا -أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ- فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي، فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَجَا، فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلا قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إلا رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا. الرابع: (رحلًا) هو أصغر من القتب، اشتراه بثلاثة عشر درهمًا. (ينتقد)؛ أي: يستوفي. (سريت) يقال أيضًا: أسريت، لغتان اجتمعتا في الحديث، هذا وقول الصديق: أسرينا. (ومن الغد)؛ أي: بعد الغد، وهو من باب: علفتُها تِبنًا وماءً باردًا

إذ الإسراءِ إنّما يكون باللّيل. (قائم الظهيرة) نصف النهار، وهو استواء حال الشّمس، وسمي قائمًا؛ لأن الظل لا يظهر حينئذ، فكأنه قائم واقف. (رفعت)؛ أي: ظهرت لأبصارنا. (فروة) قيل: الجلد المعروف، وقيل: قطعة حشيش مجتمعة. (أنفض)؛ أي: أحرسك وأنظر هل أرى عدوًا، ونفضت المكان واستنفضته: نظرت جميع ما فيه، والنفضة: قوم يبعثون في الأرض، ينظرون هل بها عدو أو خوف. (المدينة)؛ أي: مكّة، بدليل قوله: (أو مكّة) فإنّه شك في أي اللفظتين قال، مع أن المراد واحد، وإن كان في رواية أُخرى الجزم بالمدينة. وفي "مسند أحمد": (فسماه فعرفته) وهي زيادة حسنة توضح أنه صديق أو قرابة له، وستأتي هذه الزيادة أيضًا في (مناقب المهاجرين)، فلهذا أقدما على شرب لبنها. وسبق فيه أقوال أُخرى في (باب البيع). وأيضًا فتسمية يثرب بالمدينة إنّما كان بعد الهجرة إليها، ويحتمل أنه أراد بالمدينة يثرب، ولكن حكاية ذلك بعد أن صار اسمها المدينة. (لَبَن) بفتح اللام والموحدة، ويروى بضم اللام، وبسكون الموحدة، أي: شياه ذوات لبن.

(القذا) أصلهُ ما يقع في العين، وفي نسخة: (القذر). (قعب) هو قدح من خشب ضخم. (كُثْبةً) بضم الكاف، وسكون المثلثة: قدر حلبة، وقيل: ملء القدح. (إداوة) بكسر الهمزة: وعاء من جلد. (يرتوي)؛ أي: يشرب. (حين استيقظ)؛ أي: وقت إتياني وقت استيقاظه، وفي بعضها: (حتّى)، أي: تأنَّيت به حتّى استيقظ. (برد) بفتح الراء، وقال الجَوْهَري: بضمها، وشربهما إمّا لأن عادة العرب الإذن لرعاتهم إذا مرَّ بهم ضيف أن يسقوه، أو كان ذلك لصديق، أو قريب، كما سبق من زيادة أحمد: (أنه سماه فعرفه)، أو أنه مال حربي لا أمان له، أو لعلّهم كانوا مضطرين. (ألم يأن)؛ أي: ألم يأت وقت الارتحال. (سُرَاقة) أسلم بالجِعْرَانة حين انصرف النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حنين والطائف، وقال له: (كيف بك إذا ألبست سوار كسرى)، ولما أُتِيَ عُمر بسواريه ألبسَهُ، وقال: ارفع يديك فقل: الله أكبر، الحمد لله الّذي سلبهما كسرى، وألبسهما سُرَاقة. (أُتينا) مبني للمفعول. (ارتطمت) بالمهملة، أي: غاصت قوائمها في تلك الأرض

الصلبة، ويقال: ارتطم في الوحل، أي: دخل فيه واحتبس. (أرى)؛ أي: أظن. (جَلَد) بفتح الجيم واللام: الصلب. (فالله لكما) مبتدأ وخبر، أي: ناصر لكما. (أن أرد)؛ أي: أدعو الآن، فهو علة الدُّعاء، وفي بعضها بالنصب والجر، أي: أقسم بالله لأن أرد عنكما، أي: لأجلكما، واللام المقدرة على تقدير الرفع بالكسر، وفي الأُخرى بالفتح، وقيل: التقدير: فادعوا لي على أن أرد طلبكما، أو فالله أشهد لأجلكما أن أرد، وفي "شرح السنة": أقسم بالله لكُما على الردِّ. (الطلب) جمع طالب. وفيه معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفضيلة أبي بكر - رضي الله عنه -، وخدمة التابع للمتبوع، واستصحاب الركوة في السَّفر، وفضل التوكل على الله، وأن الرَّجل الجليل إذا نام يُدافع عنه ويُحْرس. وقال (خ): استدل به بعض شيوخ السوء من المحدثين على الأخذ على الحديث؛ لأن عازبًا لم يحمل الرَّجل حتّى يحدثه أبو بكر بالقصة، وليس الاستدلال صحيحًا بأن هؤلاء اتخذوا الحديث بضاعةً يبيعونها ويأخذون عليها أجرًا، وأمّا ما التمسه أبو بكر من تحمل الرَّجل، فهو من باب المعروف، والعادة المقررة أن تلامذة التجار يحملون الأثقال إلى بيت المشتري، ولو لم يكن ذلك لكان لا يمنعه أبو بكر إفادة القصة، والقدوة في قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ

لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: 21]. * * * 3616 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ لَهُ: "لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ"، قَالَ: قُلْتَ طَهُورٌ، كَلَّا بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَعَمْ إِذًا". الخامس: وجه دخوله في التّرجمة بالمعجزات: أنه مات على وفق ما أخبر - صلى الله عليه وسلم - لقوله: (فنعم). * * * 3617 - حَدَّثَنَا أبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إلا مَا كتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا، فَأَلْقُوهُ فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ،

فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، فَأَلْقَوْهُ فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ. السادس: (نصراني) في "مسلم": (كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، فذكر نحوه في (كتاب المنافقين). (لفظته) بكسر الفاء، أي: طرحته ورمته، وقيل: بفتحها، وإنما فعل به ذلك، لتقوم الحجة على من رآهُ. * * * 3618 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ". 3619 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ" وَذَكَرَ وَقَالَ: "لَتُنْفَقَنَّ كنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ".

السابع، والثامن: (رفعه)؛ أي: إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، سبق بيان ما فيهما في (باب قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أُحلت لي الغنائم). * * * 3620 - حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ، وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ". 3621 - فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارينِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي"، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ. التّاسع: (ولن تعدوَ)؛ أي: أن له مدةً يبلغها.

(أمرَ اللهِ)؛ أي: خيبتك فيما أملته من النبوة، وهلاكك دون ذلك، وفيما سبق من قضاء الله بشقاوتك، وفي بعضها: (لن تعد)، بحذف الواو والجزم بـ (لن) لغة حكاها الكسائي، قالوا: وإنما جاءه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - تألفًا له ولقومه رجاء إسلامهم، وليبلغه ما أنزل إليه، وقال (ع): يحتمل أن مسيلمة قصده من بلده للقائه فجاءه مكافأةً. قال: وكان مسيلمة يومئذ يظهر الإسلام، وإنّما ظهر كفره بعد ذلك. (أدبرت) عن طاعتي. (ليعقرنك) ليقتلنك الله، وليُهلكنك، وأصله: من عقر الإبل، وهو أن يضرب قوائمها بالسيف، وكان كذلك، قتله الله يوم اليمامة. (لأراك)؛ أي: أظنك الشخص الّذي أريت في المنام في حقه ما رأيت. (سِوارين) بكسر المهملة وضمها. (أنفخهما) بالمعجمة، فيه دليل على اضمحلال أمرهما، وكان كذلك. (يخرجان)؛ أي: يظهران شوكتهما ودعواهما النبوة، وإلا فقد كانا في زمنه، والمراد بعد دعوى النبوة، أو بعد نبوتي. (العَنْسِي) بفتح المهملة، وسكون النون، ومهملة، اسمه: الأسود الصنعاني، ادعى النبوة، وقيل: اسمه: عَبْهلة، بفتح المهملة، وسكون الموحدة، ابن كعب، وكان يقال له: ذو حمار؛ لأنه زعم أن الّذي يأتيه

ذو حمار؛ قتله فيروز الديلمي الصحابي بصنعاء، دخل عليه فحطم عنقَهُ، وهذا كان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الّذي توفي فيه على الأصح المشهور، وبشر النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - الصّحابة بذلك، ثمّ بعده حمل رأسه إليه، وقيل: كان ذلك في زمان الصديق - صلى الله عليه وسلم -. (اليَمَامة) بفتح الياء، وتخفيف الميم: مدينة باليمن على أربع مراحل من مكّة. * * * 3622 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -أُرَاهُ- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْح وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ؟. العاشر: (وَهلي) بفتح الهاء، وسكونها، وقيل: بالسكون فقط، أي:

وهمي واعتقادي؛ وأمّا بالفتح معناه: جبُن، وأيضًا: قلق. (هجر) وربما قيل: الهجر -بالألف واللام-: مدينة معروفة، وهي قاعدة البحرين، وهو منصرف، بينها وبين البحرين عشر مراحل. (يثرب) تسميتها بذلك إمّا قبل النّهي عن ذلك، أو النّهي للتنْزيه، أو خوطب به من لا يعرفها إلا به، ولهذا جمع بين الاسمين فقال: المدينة يثرب. (الفتح)؛ أي: إمّا فتح مكّة، أو مجاز عن اجتماع المؤمنين، وانصلاح حالهم. (بقرًا) قال (ن): في بعض الروايات: (بقرًا تنحر)، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا، إذ نحر البقر كان قبل موت الصّحابة - صلى الله عليه وسلم - بأُحد. قال (ع): ضبطناه برفعهما مبتدأ وخبر، أي: ذلك خير على التفاؤل، وقد ذكر ابن هشام هذا الخبر فقال: (ورأيت والله خيرًا، رأيت بقرًا تنحر)، فقوله: (والله) مبين أنه قسم، وقوله: (خير) يدلُّ على أنه من جملة الرؤيا. (بَعْدُ) بضم الدال. (يوم بدر) بنصب يوم. قال (ع): ويروى بنصب الدال، ومعناه: ما جاء الله به بعد بدر الثّانية من تثبيت قلوب المؤمنين؛ لأن النَّاس جمعوا لهم، وخوفوهم، فزادهم ذلك إيمانًا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وتفرق العدوّ

عنهم هيبة لهم، ومعنى: (والله خير): ثواب الله خير، أي: صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا. قال: والأولى قول من قال: إنّه من جملة الرؤيا، فإنها كلمة سمعها في الرؤيا عند رؤيا البقر، بدليل تأويله لها بقوله: فإذا الخير ما جاء الله به. * * * 3623 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي، كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي"، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمِ تَبْكِينَ؟! ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ. 3624 - فَقَالَتْ مَا كنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَيَّ: "إِنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إلا حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي"، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ -أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ"، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. الحادي عشر: (أقرب من حزن)؛ أي: كان عقبه.

(حتّى قبض) متعلّق بمقدر، أي: لم يقل. وفيه أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنَّة، وفي تفضيلها على خديجة وعائشة خلاف، ولكن يستلزم لأنها أفضل، إلا أن يقال: الرِّواية بالشك؛ نعم المتبادر من لفظ المؤمنين، أي: غير النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عرفًا، وأيضًا ففي دخول المتكلم في عموم كلامه خلاف للأصوليين. * * * 3625 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاطِمَةَ ابْنتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا، فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ. 3626 - فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِي فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أتبَعُهُ فَضَحِكْتُ. الثّاني عشر: (فضحكت) رتبه هنا على أنها أول لاحق به، وفي الحديث السابق على أنها سيدَةُ نساء أهل الجنَّة، بل رتب فيه البكاء على وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وأنها أول لاحق به، وقد يجمع بأن البكاء رتب على الأمرين، وهو قبضه - صلى الله عليه وسلم -، أو على المجموع منه ومن لحاقها به، وأمّا الضحك فلا يبعد أن يرتب

على كلّ من الأمرين: السيادة، وأنها أول لاحق به، فذكر أحدهما هنا، والآخر في السابق، وفيه إيثارهم الآخرة، وسرورهم بالانتقال إليها، والخلاص من الدنيا. وفيه معجزتان: الإخبار ببقائها بعده، وأنها أول أهله لحاقًا به. * * * 3627 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لنا أَبْنَاءً مِثْلَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلا مَا تَعْلَمُ. الثّالث عشر: (مثله)؛ أي: في العمر، أي: نحن شيوخ وهو شاب، فلم تقدمه وتقربه، فأجاب بأن تقديمه من جهة العلم: والعلم يرفع قدرَ من لم يُرفع (أجل)؛ أي: مجيء النصر والفتح، ودخول النَّاس في الدين علامة وفاة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أخبر الله تعالى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك. * * *

3628 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْح فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَليَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ، فَلْيقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ"، فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. الرّابع عشر: (بملحفة) بكسر الميم. (العصابة)؛ أي: عمامة. (دسماء)؛ أي: سوداء. (كالملح في الطّعام) وجه التشبيه: الإصلاح بالقليل دون الإفساد بالكثير، كقولهم: النحو في الكلام كالملح في الطّعام، أو كونه قليلًا بالنسبة إلى سائر أجزاء الطّعام. * * * 3629 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِي، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه -:

أَخْرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ، فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". الخامس عشر: (ابني) دليل على أن ابن البنت يُطلق عليه ابن، ولا اعتبار بقول الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد قلت: هذا باعتبار الحقيقة، والأول مجاز. (فئتين)؛ أي: طائفتين، وقد كان كذلك، إذ بسبب صلحه مع مُعاوية انصلح حال طائفته، وطائفة مُعاوية جميعًا، وبقوا كلهم سالمين. * * * 3630 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى جَعْفَرًا وَزيدًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. السّادس عشر: (جعفرًا)؛ أي: ابن أبي طالب، ذا الجناحين. (وزيدًا)؛ أي: ابن حارثة.

(تذرفان) بالمعجمة، وكسر الراء، أي: تسيلان دمعًا. * * * 3631 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟، قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لنا الأَنْمَاطُ؟ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ"، فَأنَا أقولُ لَهَا -يَعْنِي امْرَأَتَهُ-: أَخِّرِي عَنِّي أَنْمَاطَكِ، فتقُولُ: ألَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهَا سَتكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ"؟ فَأدَعُهَا. السابع عشر: (أنماط) جمع نمط، وهو ضرب من البسط، له خمل رقيق؛ أخبرهم بأنها تكون، ونبههم على ترك السرف فيها، وابتغاء القصد على إظهار نعمة الله، لا فخرًا. (فأنا أقول لها)؛ أي: لامرأته. (فتقول)؛ أي: امرأة جابر. (فأدعها)؛ أي: فأتركها بحالها مفروشة. * * * 3632 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى،

حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشّأْمِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انتظِرْ حَتَّى إِذَا انتصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ، فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ: نعمْ. فتلَاحَيَا بَيْنَهُمَا. فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَم، فَإنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي. ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّأْمِ. قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ، وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، قَالَ: إِيَّايَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْربِيُّ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَّا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّد، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الصَّرِيخُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْربِيُّ، قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللهُ.

الثّامن عشر: (أُمَيَّة) بضم الهمزة، وتخفيف الميم، وتشديد الياء. (ابن خَلَف) بفتح المعجمة واللام، الجُمَحي بضم الجيم، وفتح الميم، وبمهملة. (فتلاحيا)؛ أي: تخاصما. (على أبي الحكم) بفتح المهملة والكاف، كنية لعدوّ الله، فكناه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أبا جهل، واسمه عمرو بن هشام المخزومي. (لأقطعن)؛ أي: فإنّه قادر على ذلك؛ لأنه سيد قبيلة الأوس، ومن أعظم الأنصار. (أنه قاتلك)؛ أي: أن أبا جهل يقتلك، وبيَّن ذلك بعد، فإنّه سبب في خروجه إلى بدر حتّى قتل، فكان أبو جهل هو قاتل أُميَّة بالتسبب. (أخي اليثربي) يعني سعدًا، أخوة المودة والصداقة بينهما، لا النسب ولا الدِّين. (فلما خرجوا إلى بدر) فيه تقديم وتأخير؛ لأن الصريخ قبل خروجهم، إلا أن يحمل: (خرجوا) على إرادة الخروج إلى يثرب لما أخبروهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه خرجوا إلى عير أبي سُفيان. (الصريخ) قيل: من الصراخ، وهو الصوت المستصرخ، أي: المستغيث.

(قالت له امرأته)؛ أي: قالت امرأة أمية له: لا تخرج للحرب مع أبي جهل، واذكر ما قال سعد. * * * 3634 - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأُمِّ سَلَمَةَ: "مَنْ هَذَا؟ "، أَوْ كمَا قَالَ، قَالَ: قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللهِ مَا حَسِبْتُهُ إلا إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نبَيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كمَا قَالَ، قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ. التّاسع عشر: (أُنبئتُ)؛ أي: أُخبرتُ، وهذا وإن كان ظاهره الإرسال من أبي عثمان النَّهْدي، لكنه اتصل آخرًا بقوله: (سمعته من أُسامة). (دِحْية) بكسر الدال المهملة وفتحها، وسكون المهملة: ابن خليفة الكلبي الصحابي، وكان من أجمل النَّاس. * * * 3633 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ

عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ، فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ"، وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبَينِ". العشرون: (رأيت)؛ أي: في المنام. (فنَزع)؛ أي: استقى. (ذَنوبًا) بفتح المعجمة: الدلو المملوء بالماء. (أو ذنوبين) كالقطع بهذا وزوال الشك، وهو مطابق لسنتي خلافته. (ضعف) بالضم والفتح، لغتان، والمراد ما قاله المسلمون في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - من أموال المشركين، وقيل: إنّما أراد قصر مدته؛ كيف وقد قاتل أهل الردة فلم يتفرغ لافتتاح الأمصار، وجباية الأموال. (غَرْبًا) بفتح المعجمة، وسكون الراء: الدلو العظيم، أي: تحولت الدلو من الصغر إلى الكبر، فإن فتحت الراء من (غرب) فهو الماء السائل من البئر والحوض. وهذا تمثيل، ومعناه أن عُمر لما أخذ الدلو ليستقي عظم في يده؛

لأن الفتوح في زمنه أكثر منها في زمن أبي بكر. (عبقريًّا) هو الحاذق في علمه، وعبقري القوم، هو سيدهم وكبيرهم وقويهم، وأصله فيما قيل: إن عبقر قرية يسكنها الجنّ، فصار مثلًا لكل منسوب إلى شيء غريب في جودة صنعته، وكمال رفعته. (يفري)؛ أي: يقطع. (فريه) بإسكان الراء، وتخفيف الياء، وبكسر الرأء، وتشديد الياء، قال تعالى: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27]، أى: عظيمًا، وأنكر الخليل التشديد، وغلَّط قائله. (بعطن) هو مبرك الإبل حول موردها لتشرب عللًا بعد نهل، وتستريح فيه. قال (ن): هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما، وانتفاع النَّاس بهما، وكله مأخوذ من النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، إذ هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام، وقرر القواعد، ثمّ خلفه أبو بكر - رضي الله عنه - سنتين، فقاتل أهل الردة، وقطع دابرهم، ثمّ خلفه عُمر - رضي الله عنه - فاتسع الإسلام في زمنه، فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الّذي به حياتهم وصلاحهم، وأميرهم بالمستقي لهم منها، وسقيه هو قيامه بمصالحهم، وقوله: (وفي نزعه ضعف)، ليس حطًّا من فضيلة أبي بكر، وإنّما هو إخبار عن حال ولايتهما، وقد كثر انتفاع النَّاس في ولاية عُمر،

لطولها، واتساع الإسلام وبلاده، والفتوحات؛ فمصَّر الأمصار، ودوَّن الدواوين، وأمّا قوله: (والله يغفر له) فليس فيه تنقيص له، ولا إشارة إلى ذنب، وإنّما هي كلمة كانوا يدعّمون بها كلامهم، ونِعْمةُ الدعامة. قال: وفيه إعلام بخلافتهما، وصحة ولايتهما، وكثرة انتفاع المسلمين بهما. قال (ع): ظاهر لفظ: (حتّى ضرب النَّاس بعطن) عَوده إلى خلافة عُمر، وقيل: يعود إلى خلافتهما؛ لأن بتدبيرها وقيامهما بمصالح المسلمين تَمَّ هذا الأمر؛ لأن أبا بكر - رضي الله عنه - جمع شملهم، وابتدأ الفتوح، وتكامل في زمن عمر - رضي الله عنه -. (وقال همام) موصول في (التعبير). * * *

26 - باب قول الله تعالى {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 26 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (باب قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146]) 3635 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤُا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَجدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْم؟ "، فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَوَضَعَ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ، إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْم، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْم. فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْم، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. (يحني) قال (خ): بمهملة، من حنيت الشيء أحنيته: إذا عطفته، والمحفوظ بالجيم والهمزة، من جنأ الرَّجل على الشيء يجنأ: إذا أكب عليه، انتهى.

27 - باب سؤال المشركين أن يريهم النبي - صلى الله عليه وسلم - آية، فأراهم انشقاق القمر

وفي الحديث عُلْقة لمن قال: إنّه - صلى الله عليه وسلم - كان متعبدًا بشرع موسى عليه الصّلاة والسلام فيما لم ينسخ منه. قلت: إنّما أرادَ تكذيبهم بظهوره عندهم. * * * 27 - بابُ سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - آيَةً، فَأَرَاهُمُ انشِقَاقَ الْقَمَرِ (باب سؤال المشركين أن يريهم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - آية، فأراهم انشقاق القمر) 3636 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْهَدُوا". الحديث الأوّل: (اشهدوا) من الشهادَة، وإنّما قال ذلك؛ لأنه معجزة عظيمة محسوسة، خارجة عن عادة المعجزات. * * *

3637 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونس، حَدَّثنا شَيْبَانُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَألوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ. 3638 - حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني، والثالث: قال (ع): انشقاق القمر آية عظيمة، لا يعادلها شيء من آيات الأنبياء؛ لأنه ظهر في ملكوت السَّماء، والخطب فيه أعظم، والبرهان به أظهر؛ لأنه خارج من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من العناصر؛ وأمّا إنكار بعضهم ذلك بأنه لو كان له حقيقة لم يخف أثره على عوام النَّاس، ولتواترت به الأخبار؛ لأنه أمر محسوس مشاهد، والناس فيه شركاءُ، وللنفوس دواعٍ على نقل الأمر العجيب، والأمر الغريب، فلو كان لَذُكِرَ في الكتب، ودوّن في الصحف، ولكان أهل التنجيم والسير والتواريخ عارفين به، إذ لا يجوز إطباقهم على إغفاله، مع جلالة شأنه وجلاء أمره؛ فالجواب عنه: أن الأمر فيه خارج عما ذهبوا إليه؛ لأنه شيء طلبه قوم خاص من أهل مكّة، وكان ذلك ليلًا، وأكثر النَّاس فيه نيام، ومستكنون بالحُجُب والأبنية، والأيقاظ البارزون في الصحاري لهم

28 - باب

اشتغال عن ذلك، وكيفَ ولم يكونوا رافعين رؤوسهم إلى السَّماء مترصدين مركز القمر من الفلك لا يغفلون عنه، حتّى إذا حدث لجرم القمر ما حدث من الانشقاق أبصروهُ، وكثيرًا ما يقع له الخسوف، ولا يشعر به النَّاس، حتّى يخبرهم الآحاد منهم مع طول زمانه، وهذا إنّما كان في قدر اللحظة الّتي هي مدرك البصر، ولو أحبَّ الله تعالى أن تكون معجزات النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمورًا واقعة بحسب الحس، بحيث يشترك فيه الكل لفعل ذلك، والله تعالى جرت سنته باستئصال الأُمة الّتي أتاها نبيها بالآية العامة الّتي تدرك بالحس ولم يؤمنوا بها، وخص هذه الأُمة بالرّحمة، فجعل آية نبيه - صلى الله عليه وسلم - عقلية، وذلك لِمَا أُوتوه من فضل العقول، وزيادة الأفهام، ولئلا يكون سبيلهم سبيلَ من هلك من الأُمم المسخوط عليهم، المقطوع دابرهم، ولم يبق لهم عين ولا أثر. * * * 28 - بابٌ (باب) 3639 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسٌ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيآنِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ.

الحديث الأوّل: سبق في (كتاب المساجد)، وأن الرجلين: عباد بن بشر، وأُسيد ابن حُضير، بتصغير لفظ أُسيد وأبيه. * * * 3640 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". الثّاني: (ظاهرين) من ظهرت، أي: علوت وغلبت. (أمر الله) قبل يوم القيامة، وتعلّق الحنابلة بهذا على أنه لا يخلو الزّمان من مجتهد. * * * 3641 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأْمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ"، قَالَ

عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّامِ. الثّالث: (ابن يُخَامِر) بضم الياء، وبمعجمة، وكسر الميم، وبالراء، يقال: أُخامر، بقلب الياء همزة، وأخيمر، مُصغر أخمر، الشامي، قيل: إنّه صحابي. (بالشام) قال البخاريّ في موضع: (آخرهم أهل العلم)، وقيل: العرب، فقيل: على ظاهره، وقيل: المراد أنهم بالشام، فإنها عرب الحجاز، وقيل: أهل الشدة والقوة في نصرة دين الله عَزَّ وَجَلَّ، وعرب كلّ شيء حده. * * * 3642 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبحَ فِيهِ. قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ

مِنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ. 3643 - وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْخَيرُ مَعْقُود بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ فِي دَارِهِ سَبْعِينَ فَرَسًا. قَالَ سُفْيَانُ: يَشْتَرِي لَهُ شَاةً كَأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ. الرابع: (الحي)؛ أي: القبيلة الّتي أنا فيها، ورواة الحي وإن كانوا مجاهيل؛ لكن قد علم أن شبيبًا لا يروي إلا عن عدل، أو لَمَّا كان الحديث ثابتًا بالطريق المعين المعلوم، اعتمد على ذلك فلم يبال بالإبهام، أو أراد نقله بوجه آكد، إذ فيه إشعار بأنه لم يسمع من رجل واحد فقط، بل من جماعة متعددة، وربما يفيد خبرهم القطع به؛ فإن قيل: الحسن بن عُمارة كاذب يكذب؛ فكيف جاز النقل عنه، قيل: لم يثبت شيء من هذا الحديث بقوله، مع احتمال أنه قال ذلك بناء على ظنه. قال (ش): إنّما قصد البخاريّ الحديث الّذي بعده، ولكنه لما سمع الكل أورده كما سمعه. (في داره)؛ أي: دار عروة. (له)؛ أي: للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعلَّق بالحديث من جوَّز بيع الفضولي؛ لأن عروة لم يكن وكيلًا إلا في الشراء، وأُجيب باحتمال أنه كان وكيلًا

مطلقًا، ووكله بالبيع أيضًا، وإن لم يذكر في الحديث. * * * 3644 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". 3645 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ". الخامس، والسادس: سبق شرح ما فيهما في (الجهاد). * * * 3646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ، لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، وَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، كَانَتْ

أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا، كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا، لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا، فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ، وَرَجُل رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإسْلَامِ، فَهْيَ وِزْرٌ"، وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحُمُرِ، فَقَالَ: "مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إلا هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ". السابع: (مرج) هو موضع رعيها. (طِيَلها) بكسر المهملة، وفتح الياء: الحبل الّذي يطول للدابة فترعى فيه. (فاستنت) هو العدو. (شرفًا)؛ أي: شوطًا، وأصله المكان العالي، وسبق الحديث في (كتاب الشرب)، وذكر هناك: (آثارها) بدل: (أرواثها)، وفي (باب الخيل لثلاثة) من (الجهاد)، وجمع هناك بين: (آثارها) و (أرواثها). (ونواء)؛ أي: معاداة. (الحمر) جمع حمار، وكثيرٌ يصحفه بالمعجمة، أي: في صدقة الحمر. * * *

3647 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: صَبَّحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، وَأَحَالُوا إِلَى الْحِصْنِ يَسْعَوْنَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللهُ أَكبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". الثّامن: (والخميس) بالرفع والنصب، أي: الجيش؛ لأنه خمسة: ميمنة، وميسرة، ومقدمة، وساقة، وقلب. (وأحالوا) بمهملة، أي: أقبلوا هاربين إلى الحصن، وأحال الرَّجل إلى مكان كذا: تحول إليه، وعن أبي ذر: (أجالوا) بالجيم، وليس بشيء، إلا أن يجعل من أجال بالشيء: أطاف به، وجال به أيضًا، وهو بعيد، ومرَّ الحديث مرارًا، وقال البخاريّ: لفظ: (فرفع النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يديه) غريب، أخشى أن لا يكون محفوظًا. * * * 3648 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثًا كثِيرًا فَأَنْسَاهُ، قَالَ: "ابْسُطْ رِدَاءَكَ"، فَبَسَطْتُ، فَغَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: "ضُمَّهُ"، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا

نسَيتُ حَدِيثًا بَعْدُ. التّاسع: سبق شرحه في (باب: حفظ العلم). * * *

62 - فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

62 - فَضَائِلُ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -

1 - باب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 62 - فَضَائِلُ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 1 - بابُ فَضَائِلُ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ (باب فضائل أصحاب النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -) قوله: (ومن صحب) إلى آخره، تفسير للصحابي، أي: مسلم صحب النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (أو رآه) ضمير المفعول للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل العكس، أو يكون النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو الرائي، والمسلم هو المرئي، وهما بمعنى؛ لتلازمهما عُرفًا. فإن قيل: الترديد ينافي التعريف؟ قيل: إنّما هو للتقسيم، فهو ترديد في المحدود، لا في الحدّ. فإن قيل: الصحبة تستلزم الرؤية، فما فائدة ذكرها؟ قيل: لا يلزم، بدليل ابن أُمِّ مكتوم، وحينئذ فمن اكتفى بالرؤية يقول:

يصدق في العرف أنه رأى، وان لم يكن هناك رؤية بصر. أنها من رآه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - قبل دفنه فالظاهر أنه صحابي. قلت: كأبي ذئب الشاعر، رآه مُدْرَجًا في أكفانه، وممن عده صحابيًّا الذهبيُّ في "التجريد". وأمّا الرؤية في المنام فلا يكون الرائي بها صحابيًّا؛ لأن المراد بالرؤية العرفية، وهي الّتي في اليقظة. * * * 3649 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نعمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نعمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فئامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُونَ: نعمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ". الحديث الأوّل: (فِئام) بكسر الفاء: الجماعة من النَّاس، لا واحد له من لفظه.

قال الجَوْهَري: والعامة تقول: فيام، بلا همز. وتسمى الطبقة الثّانية تابعين، والثالثة تابعي التابعين. * * * 3650 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ، سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْني، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ"، قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنهِ قَرْنينِ أَوْ ثَلَاثًا، "ثُمَّ إِنَّ بَعْدُكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". الثّاني: (إسحاق) إمّا ابن إبراهيم، أو ابن منصور. (يخونون)؛ أي: خيانة ظاهرة، بحيث لا يبقى معها اعتماد النَّاس عليه. (وَينْذرون) بكسر الذال وضمها. (ويظهر فيهم السمن)؛ أي: يتكثرون بما ليس فيهم من الشرف، أو يجمعون الأموال، أو يغفلون عن أمر الدين، ويقللون الاهتمام به؛ لأن الغالب على السمين أن لا يهتم بالرياضة، والظاهر أنه حقيقة في معناه، وقالوا: المذموم منه ما يستكسبه، وأمّا الخلقي فلا، وقد مر

الحديث وما بعده وهو: الحديث الثّالث، أوائل (كتاب الشهادات). * * * 3651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ". قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْربُونَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ صِغَارٌ. الثّالث: (ويمينه شهادته) ليس فيه دور؛ لأن المراد: من حرصهم على الشّهادة وترويجها أنهم يحلفون على ما يشهدون، تارة قبل، وتارة بعد، حتّى لا يدري بأيهما يبتدئ، وكأنهما يتسابقان، لقلة مبالاته بالدين. (يضربوننا)؛ أي: ضرب التأديب، أو يضربون رجالها على الحرص على الشّهادة، واليمين أن يأمروننا بأن نكف عنهما وأن نحتاط فيهما، وبعدم الاستعجال فيهما، وقال المهلب: على الشّهادة، أي: على قول الرَّجل: أشهد بالله ما كان كذا، على معنى الحلف، فكره ذلك كما كره الحلف وإن صادقًا. (ونحن صغار)؛ أي: لم نبلغ حدّ التفقّه، وإن كانوا بلغوا حدّ

2 - باب مناقب المهاجرين وفضلهم

الحلم، وقيل: يضربوننا على الجمع بين اليمين والشهادة. * * * 2 - بابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ - رضي الله عنه -، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وَقَالَ: {إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} إِلَى قَولَهِ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَارِ. (باب مناقب المهاجرين وفضلهم) المنقبة ضد المثلبة. (قُحافة) بضم القاف، وتخفيف المهملة وبالفاء. (التَّيْمي) بفتح المثناة، وسكون الياء. * * * 3652 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اشتَرَى أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْ إِلَيَّ رَحْلِي،

فَقَالَ عَازِبٌ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ؟ قَالَ: ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ، فَأَحْيَيْنَا -أَوْ سَرَيْنَا- لَيْلَتَنَا ويَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ فَآوِيَ إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ أَتَيْتُهَا فَنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا، فَسَوَّيْتُهُ ثُمَّ فَرَشْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: اضْطَجعْ يَا نبَيَّ اللهِ، فَاضْطَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُرُ مَا حَوْلِي، هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا، فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا، فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ. فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نعمْ، قُلْتُ: فَهَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لَبَنًا؟ قَالَ: نعمْ، فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كفَّيْهِ -فَقَالَ: هَكَذَا، ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى- فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "بَلَى"، فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونًا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا".

الحديث الأوّل: (عازب) قال (ن): هو صحابي، ذكر ابن سعد في "الطبقات": أنه أسلم. قال (ك): وقوله هنا: (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يدلُّ عليه. (أظهرنا)؛ أي: دخلنا في الظهر. (قائم الظهيرة)؛ أي: اشتد الحر. (آن الرحيل) لا ينافي ما سبق قريبًا: (ألم يأن الرحيل)؛ لجواز اجتماع الأمرين. (الطلب) جمع طالب. وسبق الحديث قريبًا. * * * 3653 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: "مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا". الثّاني: هو بعض الحديث السابق. * * *

3 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر"

3 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سُدُّوا الأَبْوَابَ إلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ" قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "سدوا الأبواب") سبق الحديث فيه في (باب: الخوخة في المسجد). * * * 3654 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ، وَقَالَ: "إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدَّا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ"، قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْمُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجدِ بَابٌ إلا سُدَّ، إلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ". (أعلمنا)؛ أي: حيث فهم أن المراد به النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنه اختار الآخرة، وقرب أجله.

(من أمنّ النَّاس)؛ أي: أسمح النَّاس بماله وأبذل، ولم يردّ معنى الامتنان؛ لأن المنة تفسد الصنيعة، ولا منة لأحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (أبا بكر) اسم (إن)، ويروى: (أبو بكر) بالرفع، إمّا لأن (من) زائدة على رأي الكسائي، وإما على إضمار الشأن، أي: أنه وما بعده مبتدأ وخبر: خبر (إن)، وإما على تقدير محذوف موصوف بالجار والمجرور، أي: إن رجلًا أو إنسانًا من أمنّ النَّاس؛ قاله ابن بَرِّي، وإما على مذهب من جوّز أن يقال: علي بن أبو طالب، وإما أن (إنّ) بمعنى: نعم. (مُتخذًا) بكسر الخاء، اسم فاعل، مِن (اتخذ) المتعدي لمفعولين، أحدهما بحرف الجر، بمعنى: اختار، وتقديره هنا من النَّاس، أي: أن أبا بكر - رضي الله عنه - أهل لأن يتخذه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - خليلًا لولا المانع، وهو أن قلبه الكريم لم يسع غير الله عَزَّ وَجَلَّ. (خليلًا) هو الّذي ينقطع إليه بالكلية. (أخوة) مبتدأ خبره محذوف، أي: أفضل من كلّ مودة لغير الإسلام، وسيأتي في الباب الثّاني: (ولكن أخوة الإسلام أفضل). قال الداودي: ما أراه محفوظًا، فإن يكن محفوظًا فمعناه أن أخوة الإسلام دون المخالَّة أفضل من المخالة دون أخوة الإسلام، وإن يكن قوله: (لو كنت متخذًا غير ربي خليلًا) مرويًّا لم يجز أن يقول: أخوة الإسلام أفضل. * * *

4 - باب فضل أبي بكر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -

4 - بابُ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب فضل أبي بكر) 3655 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رضي الله عنهم -. (نُخيّر)؛ أي: نقول: إنّه خير النَّاس بعد النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 5 - بابُ قَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا" قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ. (باب قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت متخذًا خليلًا") 3656 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أمُّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي". 3657 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى وَمُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبُ،

وَقَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ أفضَلُ". 3657 / -م - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبُ مِثْلَهُ. الحديث الأوّل، والثّاني: سبقا في الباب قبله، وسبق الكلام في (أفضل). (التبوذكي) وفي بعضها: (التَّنُوخي)، وهو سهوٌ. * * * 3658 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْجَدِّ، فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ"، أَنْزَلَهُ أَبًا، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ. الثّالث: (في الجد)؛ أي: في مسألة الجد وميراثه. (لاتخذته)؛ أي: اتخذت أبا بكر. (أنزله)؛ أي: أنزل أبو بكر الجد منزلة الأب في الإرث، وحاصله أنه قال في جوابهم: أما الّذي قال - صلى الله عليه وسلم - في حقه هو الّذي جعل الجد في الإرث.

وستأتي المسألةُ في (الفرائض). * * * 3659 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَتِ امرَأةٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إِنْ لَمْ تَجدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ". الرابع: (أرأيت)؛ أي: أخبرني. (إن لم أجدك)؛ أي: وإن لم أجدك، كيف أعمل؟ (كأنها تقول الموت)؛ أي: كأنها كنّت عن موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قائل هذا: هو جُبير ابن مطعم راوي الحديث، وروي: (قال أبي)، فإن صح، فقائله عنه ابنه محمّد بن جُبير المذكور في هذا الحديث. قال (ش): قد ذكره البخاريّ في (كتاب الأحكام)، وقال الحُمَيدي: عن إبراهيم بن سعد: (كأنها تعني الموت). وقد احتج به على خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - بعده - صلى الله عليه وسلم -. * * *

3660 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا مَعَهُ إلا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ. الخامس: فيه أن أبا بكر أول المسلمين من الرجال الأحرار. * * * 3661 - حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَائِذِ اللهِ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ"، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: "يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ"، ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ أثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمَ فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَاللهِ أَنا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ

وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ "، مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. السادس: إسناده شاميون. (أما) قسيمها محذوف، كأنه قال: وأمّا غيره فلا أعلمه. (غامر) بمعجمة، أي: خاصم، ولابس الخصومة، ونحوها من الأمور. (يَتَمَعَّر) بفتح المهملة المشددة، وبالراء، أي: يتغير لونه من الضجر، حتّى خاف أبو بكر - رضي الله عنه -. (فجثا) بجيم ومثلثة. (مرتين) ظرف لـ (قال)، أو لـ (كنت). (تاركو لي صاحبي) فيه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الاختصاص، وذلك جائز كقوله: فرشْنِي بخَيرٍ لا أكونَنْ ومِدْحَتي ... كناحِتِ يَومًا صخرة بفَسِيْلِ (¬1) والفصل بالظرف كذلك، وفي بعضها: (تاركون لي) بالنون، وإنّما جمع بين الإضافتين لنفسه للاختصاص والتعظيم. ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "هي صغار النخل ذكره في "المجمل".

قال أبو البقاء: الوجه تاركون؛ لأن الكلمة ليست مضافةً؛ لأن حرف الجر منع الإضافة، وإنّما يجوز حذف النون في موضع الإضافة، ولا إضافة هنا، أو يكون في: (تاركوا) ألف ولام، كقوله: الحافظُوا عورة العشيرة. قال: والأشبه أن حذفها من غلط الرواة. وقال غيره: فيه وجهان: أحدهما: أنها حذفت لاستطالة الكلمة، كما حذفت من الموصول، نحو: {كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]. والثّاني: الفصل بين المضاف والمضاف إليه كما سبق تقريره، ونظير هذا قراءة ابن عامر: {قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137]، بنصب (أولادهم)، وخفض (شركائهم)، فصل بالمفعول به. * * * 3662 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ"، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: "أَبُوهَا"، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"، فَعَدَّ رِجَالًا.

السابع: (السلاسِل) بفتح المهملة، وكسر الثّانية، كذا قيده البكري وغيره: موضع، قيل: لأنه أرض بها رمل ينعقد بعضه على بعض كالسلسلة، وقال ابن الأثير في "النهاية": بضم المهملة، وهو بمعنى السلسال، وكانت هذه الغزوة سنة سبع. * * * 3663 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي، وَبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ"، قَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ" - رضي الله عنهما -. الثّامن: (يوم السَّبُع) بضم الموحدة، وَرُويَ بالسكون، وفسروه بوجوه ستة، أظهرها: مَنْ لها عند الفتن، حين يتركها النَّاس هَمَلًا لا راعي لها، فبقي السَبُع راعيًا، وسبق في (كتاب الحرث). * * *

3664 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ الْمُسَيَّبِ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَا أَنا نائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نزعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ". التّاسع: (قليب) قال (خ): بئر تحفر فيقلب ترابها قبل أن تطوى، سبق الحديث قريبًا. * * * 3665 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي إلا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ" قَالَ مُوسَى: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ إلا ثَوْبَهُ. العاشر: (خُيلاء)؛ أي: كبرًا، وتجبُّرًا.

(لم ينظر إليه)؛ أي: لا يرحمه، فالنظر مجاز عن الرّحمة. (يسترخي) لعلّ عادته أنه عند المشي يميل إلى أحد الطرفين، إلا أن يحفظ نفسه عن ذلك. * * * 3666 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ -يَعْنِي الْجَنَّةَ- يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامٍ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ، (وَ) بَابِ الرَّيَّانِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ". الحادي عشر: (باب الريان) بدل ممّا قبله، أو بيان. وسبق الحديث في (الصوم). (من تلك الأبواب)؛ أي: من أحدها، أو هو من باب توزيع الأفراد على الأفراد؛ لأن الجمع والموصول كلاهما عام.

(ما) هي نافية. (ضروه)؛ أي: ضر، والمقصود دخول الجنَّة بلا ضرر، من أي باب دخل. * * * 3667 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ -قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ- فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إلا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيْتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ. 3668 - فَحَمِدَ اللهَ أَبُو بَكْرٍ وَأثنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَإنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} قَالَ: فَنَشَجَ

النَّاسُ يَبْكُونَ، قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إلا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فتكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنتمُ الْوُزَرَاءُ، فَقَالَ: حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللهِ لَا نفعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنتمُ الْوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نبُايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللهُ. 3669 - وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِم عَنِ الزُّبَيْدِيِّ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى"، ثَلَاثًا، وَقَصَّ الْحَدِيثَ، قَالَتْ: فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إلا نَفَعَ اللهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا، فَرَدَّهُمُ اللهُ بِذَلِكَ. 3670 - ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى وَعَرَّفَهُمُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ يَتَلُونَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلَى {الشَّاكِرِينَ}.

الثّاني عشر: (بالسُّنُح) بضم المهملة، والنون، وكان أبو ذَرٍّ يقول: بسكون النون، والحاء المهملة: موضع من عوالي المدينة. (إلا ذاك)؛ أي: عدم الموت حينئذ. (بأبي)؛ أي: مُفدَّى بأبي، فإن قيل: مذهب أهل السنة أن في القبر حياةً وموتًا، فلا بد من ذوق الموتتين؟ قيل: المراد نفي الموت اللازم الّذي أثبته عُمر بقوله: ليبعثنه الله في الدنيا؛ لقطع أيدي القائلين بموته، فليس نفي موت عالم البرزخ، وسبق أول (الجنائز). ويحتمل أن يُراد: أن حياتك في القبر لا يتعقبها موت، فلا تذوق مشقة الموت مرتين، بخلاف سائر الخلق، فإنهم يموتون في القبر، ثمّ يحيون يوم القيامة، وإنما جاز لعُمر أن يحلف لما في ظنه الغالب، حيث أدى اجتهاده إليه، أو من شدة ما دَهَمَه من سماع أنه مات، وعظم المصاب؛ نعم في "سيرة ابن إسحاق" عن ابن عبّاس: كنت أمشي مع عُمر في خلافته، وما معه غيري، وبيده الدِّرَّة، وهو يحدث نفسه، ويضرب وجه قدميه بدِرَّته، فالتفت إليَّ وقال: يا ابن عبّاس! هل تدري ما حملني على مقالتي يوم تُوفي النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: لا، قال: هو قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، فكنت أظن أنه يبقى في أُمته حتّى يشهد عليها في آخر أعمالها. وبهذا يزول الإشكال في نفي موته، والحلف عليه.

(رِسلك) بكسر الراء، أي: اتئد في الحلف، ولا تستعجل. (فنشج) بنون، ومعجمة مفتوحتين، وجيم، ويقال: نشج الباكي: إذا غَصَّ في حلقه بالبكاء، وقيل: النشج: بكاء معه صوت. (أبلغ النَّاس) قال السُّهَيْلي: ليس له وجه إلا الحال، جيء بها تأكيدًا وربطًا للكلام بما قبله، وتأكيدًا لمدحه، وصرف الوهم عن أن يكون الممدوح بالبلاغة غيره، وقال (ع): ضبطناه بالنصب، ويصح فيه الرفع على الفاعل، أي: تكلم منهم رجل بهذه الصِّفَة. (حُبَاب) بمهملة مضمومة، وخفة الموحدة الأولى، الأنصاري السلمي، كان يقال له: ذو الرأي، وهو الّذي أشار على النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر أن ينْزل على مائه للقاء القوم، ونزل جبريل فقال: الرأي ما أشار به حُبَاب، مات في خلافة عُمر - رضي الله عنهم -. (منا أمير)؛ أي: على عادة العرب أن لا يَسُودَ القبيلة إلا رجل منهم، فلما ثبت عندهم أن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخلافة في قُريش) أذعنوا، وبايعوا أبا بكر. (أوسط العرب دارًا)، أي: مكّة، وقال (خ): أراد توسط النسب. (أحسابًا)؛ أي: أحسنهم شمائل وأفعالًا بالعرب، والحسب مأخوذ من الحساب، إذا حسبوا مناقبهم، فمن عُدَّ له مناقب كثيرة كان أحسب. (فبايعوا) بلفظ الأمر. (قتلتُم)؛ أي: بتركه، يكني بذلك عن الإعراض والخذلان. (قتله الله) إمّا خبر عما قدره الله من إهماله، وإما دعاء عليه؛ لكونه

لم ينصر الحق، يقال: إنّه تخلف عن البيعة وخرج عن المدينة، فلم يزل حتّى مات بالشام في ولاية عُمر، قالوا: وجد ميتًا في مُغْتَسَلِه، وقد اخضَرَّ جسده، ولم يشعروا بموته، حتّى سمعوا قائلَا يقول ولا يرون شَخْصَهُ: قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... فرميناه بسهمين فلم نُخْطِ فؤاده (وقال عبد الله بن سالم) وصله الطَّبرانيُّ في "مسند الشاميين". (شخص) بالفتح: ارتفع. (في الرفيق الأعلى) متعلّق بمحذوف دل عليه السياق، أي: أدخلوني فيهم، يريد الملأ الأعلى، وذلك قاله - صلى الله عليه وسلم - حين خُيّر بين الحياة والموت، فاختار الموت. (من خطبتهما): (من) فيه للبيان، أو للتبعيض. (من خطبة): (من) زائدة، ونفع خطبة عُمر - رضي الله عنه - أنه خوّف فيها النَّاس بقوله: (ليُقطعنّ أيدي رجال)، وعاد من كان فيه زيغ إلى الحق بسبب ذلك وهو معنى قوله: (لقد خوف عُمر النَّاس) وهذا هو الصواب، ووقع للأصيلي: (أبو بكر). (لنفاقًا) كذا في النسخ. ووقع في "الجمع بين الصحيحين" للحُميدي: (لتقي)، فأفردهم الله بذلك، قال (ع): فلا أدري أهو إصلاح منه، أو من غيره، أو رواية؟ وكأنه أنكر النفاق عليهم يومئذ، ولكن لا إنكار؛ لأن النفاق كان في

زمنه، وعند موته، وقد ظهر في أهل الردة وغيرهم، لا سيما عند الحادث العظيم موتِه الّذي أذهل عُقول الأكابر، فكيف ضعفاء الإيمان. قال: والصواب عندي ما في النسخ، وفائدة خطبة أبي بكر - رضي الله عنه - تبصير الهدى، وتعريف الحق. * * * 3671 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنا إلا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. الثّالث عشر: (وخشيت) وجه خشيته مع أنه حق: أنه بني على ظنه أن عليًّا خير منه، فخاف أن يقول عليٌّ: عثمان خير مني، ويكون ذلك القول منه على سبيل الهضم والتواضع، ويفهم منه بيان الواقع، فيضطرب حال الاعتقاد فيه. * * * 3672 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِه، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِالنَّاسِ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاضعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، قَالَتْ: فَعَاتَبَنَي وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فتيمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ. الرّابع عشر: (بالبيداء) هو في الأصل المفازة، والمراد موضع خاص قرب المدينة، وكذلك (ذات الجيش) بجيم، ومعجمة. (يَطْعُنَني) بضم العين. (خاصرتي) هي الشاكلة. (أُسيد بن حُضير) بالتصغير فيهما، مر الحديث أول (التَّيمُّم). * * *

3673 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ". تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. الخامس عشر: (لا تسبوا) الخطاب لغير الصّحابة، نزَّلَ من لم يوجد كالموجود الحاضر، فإن الصّحابة هم الحاضرون. (أُحد) جبل بالمدينة. (ما بلغ)؛ أي: في الثّواب، قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} الآية [الحديد: 10]. (مُد) قال (خ): أي: المد من التّمر يتصدق به الواحد من الصّحابة، مع أن الحاجة إليه أفضل من الكثير الّذي ينفقه غيرهم مع السعة، وقد يروى: (مَد) بفتح الميم، أي: الطول والفضل. (نَصِيفه) بفتح النون، وبضمها، مصغرًا، أي: نصفه، فهو كالثمن، والثمين. (تابعه جَرير) وصله مسلم. * * *

3674 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَقُلْتُ: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا، قَالَ: فَجَاءَ الْمَسْجدَ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَهُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ، حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتَهُ، فتوَضَّأ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيْسٍ، وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وَكشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ فِي الْقُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كمَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا -يُرِيدُ أَخَاهُ- يَأْتِ بِهِ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ

ابْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأذِنُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَجئْتُ فَقُلْتُ: ادخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقُفِّ عَنْ يَسَارِه، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، فَجئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ" فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ: لَهُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ، فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَد مُلِئَ، فَجَلَسَ وُجَاههُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ، قَالَ شَرِيكٌ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأوَّلْتُها قُبُورَهم. السادس عشر: (وَجَّه)؛ أي: توجه، أو وجه نفسه، وفي بعضها: (وجه) بلفظ الاسم، أي: قصد هذه الجهة، وفي بعض (وجهه)، وهو مبتدأ، وها هنا خبره. (أرِيْس) بفتح الهمزة، وكسر الراء، وسكون الياء، وبمهملة: بستان بالمدينة وهو منصوب، وإن جعلته اسمًا للبقعة منعته من الصرف، والأريس: الأصل، ويطلق على الأكَّار، وعلى الأمين. (قفها): بضم القاف، وشدة الفاء: الدكة التي حول البئر، وأصله: ما غلظ وارتفع من الأرض.

(دلاهما): أرسلهما. (لأكونن) لا ينافي هذا ما سيأتي في (مناقب عُثمان - رضي الله عنه -) أنه قال: (وأمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفظ باب الحائط)، خلافًا للداودي، فإن كونه بوابًا ناشيء عن أمره - صلى الله عليه وسلم -. (رِسلك) بكسر الراء، أي: هينتك، وهو أسماء الأفعال، فهو بمعنى: اتئد. (فُلان) المراد به أخوه. (بلوى) هي البلية التي بها صار شهيد الدار. (وجاهه) بضم الواو وكسرها: هو المقابل، والتأويل بالقبور من جهة كون الشيخين - رضي الله عنه - مجتمعين معه في الحفرة المباركة، لا أن أحدهما عن اليمين، والآخر عن اليسار. وأما عُثمان - رضي الله عنه - فهو في البقيع مقابلًا لهم، وهذا من الفراسة الصادقة. * * * 3675 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتَادَةَ، أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ أُحُدًا وَأبَو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: "اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نبَيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ".

السابع عشر: (صعد أُحدًا) في "مسلم": صعد حِرَاء. (وأبو بكر) عطف على الضمير المرفوع في صعد؛ لوجود الفصل بـ (أُحدًا). (أحد) منادى، كما في: {يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} [هود: 44]، إما مجازًا، أو حقيقة، وهو الظاهر، فإن الله تعالى على كل شيء قدير. * * * 3676 - حَدَّثَنِي أحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا أَناَ عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْها جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَها ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَم أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، فَنَزَعَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ". قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ مَبْرَكُ الإبِلِ، يَقُولُ: حَتَّى رَوِيَتِ الإبِلُ فَأَنَاخَتْ. الثامن عشر: (رُوِيت) بكسر الواو، أي: أن معنى ضرب الناس بعطن حتى رويت الإبل فأناخت.

قال البيضاوي: البئر، إشارة إلى الدِّين الذي هو منبع مائه حياة النفوس، ويتم به أمر المعاش والمعاد، ونزع الماء إشاعة أمره، وإجراء أحكامه، ويغفر الله له، أي: أن ضعفه غير قادح فيه، والضعف إشارة إلى ما كان في زمنه من الارتداد، واختلاف الكلمة، وإلى لين جانبه، والمداراة مع الناس. * * * 3677 - حَدَّثَنِي الْوَليدُ بْنُ صَالح، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْمَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ، فَدَعَوُا الله لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقد وُضعَ عَلَى سَرِيرِهِ، إِذَا رجلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي يَقُولُ: رَحِمَكَ اللهُ، إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، لأَنِّي كثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. التاسع عشر: (يرحمك الله) الخطاب لعُمر. (لأرجو) اللام فيه هي الفارقة بين: (إن) المخففة والنافية.

(وأبو بكر) عطف على المرفوع المتصل بدون تأكيد، ولا فاصل غيره، وستأتي رواية: (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر)، وهو يدل على أن الراوي اختصر هنا. * * * 3678 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفي، حَدَّثَنَا الْوَليدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَاَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عمرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِداءَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أتقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءكم بِالْبيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكمْ. العشرون: (عُقْبة) بضم المهملة، وسكون القاف. (مُعَيط) بضم الميم، وفتح المهملة، قتل ببدر كافرًا، أو بعد انصراف النبي - صلى الله عليه وسلم - بيوم. (خَنْقًا) بسكون النون، وكسرها. وفي الحديث منقبة عظيمة لأبي بكر - رضي الله عنه -. * * *

6 - باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي - رضي الله عنه -

6 - بابُ مَنَاقب عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِي - رضي الله عنه - (باب مناقب عُمر - رضي الله عنه -)؛ أي: فضائله ومحاسنه. (حَفْص) بمهملتين. (العَدَوي) بفتح المهملتين. 3679 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنهالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءَ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمعْتُ خَشَفَة، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ فَقَالَ: هذَا بِلالٌ، وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ، فَأَردتُ أَنْ أَدخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غيْرتكَ"، فَقَالَ عُمَرُ: بِأُمِّي وَأَبِي يَا رَسُولَ اللهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟!. الحديث الأول: (رأيتني) بتاء المتكلم، وهذا من خصائص أفعال القلوب. (الرُّميصاء) تصغير رمصاء، تأنيث رامص، براء، ومهملة. قال الدراقطني: ويقال بالسين، وكذا ذكرها البخاري، وذكر مسلم: العُميصاء، بالعين. (مِلْحَان) بكسر الميم، وبمهملة: زوجة أبي طلحة.

(خَشْفة) بفتح المعجمة الأولى، وسكون الثانية: الصوت، أو الحس، أو الحركة الخفيفة، وقيل: حركة وضع القدم. (غَيْرتك) بفتح الغين المعجمة، مصدر غار الرجل على أهله غيرةً. (بأبي)؛ أي: أنت مُفدَّى بأبي. (أعليك) الظاهر: منك، أو: بك؛ لكن (عليك) ليس متعلقًا بـ (أغار)، بل معناه: مستعليًا عليك فأغار، ولا يمتنع تعلقه به أيضًا. فيه منقبة للرُّميصاء، ولبلال، وأنَّ الجنة مخلوقةٌ. * * * 3680 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا ناَئِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امرَأةٌ تتوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدبِرًا"، فَبَكَى وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ الله؟! الثاني: (تتوضأ) من الوضاءة، أو من الوضوء لا على وجه التكليف، إذ لا تكليف في الجنة.

(فبكى) عطف على (قال). * * * 3681 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أبُو جَعْفَرٍ الْكُوفي، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني حَمزَةُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ -يَعْنِي اللَّبَنَ- حَتَّى أَنْظُرُ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي -أَوْ فِي أَظْفَارِي- ثُمَّ ناَوَلْتُ عُمَرَ"، فَقَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ". الثالث: (عن أبيه)؛ أي: عبد الله بن عُمر. وسبق الحديث في (باب: فضل العلم). * * * 3682 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُرِيتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ نَزْعًا ضَعِيفًا، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَم أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ". قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْعَبْقَرِيُّ عِتَاقُ الزَّرَابِيِّ. وَقَالَ يَحيَى: الزَّرَابِيُّ

الطَّنَافِسُ لَها خَمْلٌ رَقِيقٌ. {مَبْثُوثَةٌ} كَثِيرَةٌ. الرابع: (أبو بكر) قال في "الكاشف": روى عنه عُبيد الله فقط. قال (ك): فعلى هذا لا يكون على شرط البخاري. (بَكْرة) بإسكان الكاف وتحريكها؛ حكاه الفزاري، وعلى التحريك اقتصر الجَوْهري، وجمعها: بُكَر، بفتحها، وسبق الحديث. (وقال ابن جُبير) في بعضها: (وقال ابن نُمير)، وهو أولى؛ لأنه راوي الحديث. (الزرابي) جمع زريبة، وهي البساط العريض الفاخر، وقيل: النمرقة. (يحيى)؛ أي: القطان؛ لأنه أيضًا راوي الحديث، كما سبق في (مناقب أبي بكر). (خَمل) بفتح المعجمة والميم، أي: هدَبُه، أي: هذا كله في أصل اللغة، وأما المراد به هاهنا: فهو سيد القوم. * * * 3683 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ الْحَمِيدِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ

ابْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالح، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سعْدِ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيشٍ يُكَلِّمنَهُ وَيَسْتكْثِرنه، عَالِيةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتهِ، فَلَمَّا اسْتَأذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُمنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجبْتُ مِنْ هؤُلاَءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابِ"، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهبْنَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أتهبْنَنِي وَلاَ تَهبْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟! فَقُلْنَ: نعم، أَنْتَ أفظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غيْرَ فَجِّكَ". الخامس: (ويستكثرنه)؛ أي: يطلبن كثيرًا من كلامه لحوائجهن، وفتاويهن. (عالية) بالرفع والنصب، فإما أنه قبل نزول: {لَا تَرفَعُوَا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2]، وإما أنه كان لاجتماع الأصوات، لا أن كلَّ واحدة تكلمت بانفرادها أعلى من صوته - صلى الله عليه وسلم -.

(أتهبْنَني) بفتح الهاء، أي: توقِرْنني، وسبق قبيل (باب ذكر الجنّ). (أفظ) إما بمعنى: فظ، بلا تفضيل، أو أن الفظاظة تكون من النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكفار، وعلى المنتهكين لحرمات الله. (إيهٍ) بكسر الهمزة والهاء: اسم فعل يطلب به استزادة الحديث، أو العمل، أي: هات، كان وصلت تؤنث، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - استزاد منه توقير جانبه - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك عقبه بما يمدحه، رضي منه بفعاله كلها، لا سيما هذه الفعلة، وقال السفاقُسي: ضبط بكسرة واحدة، أي: في الهاء، وصوابه بفتحة واحدة، أي: كُفّ من لومهن، وذلك أنه بالكسر والتنوين: حدثنا حديثًا، وبغير تنوين؛ أي: زدنا مما عهدناه، وبالفتح والتنوين: لا تبتد بنا، وبغير تنوين: كُفَّ من حديث عهدناه. وفي الحديث: أن الشيطان متى رأى عُمر ذهب في طريق آخر لشدة بأسه خوفًا أن يفعل به عُمر شيئًا، ويحتمل أنه مَثَل لبعد الشيطان عنه، وأنه في جميع الأحوال سالك طريق السداد. وفي الحديث أربعة تابعيون. * * * 3684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ.

السادس: فيه الثناء على قوة عُمر، وشدته في الدِّين. * * * 3685 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ سَمعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وُضعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِه، فتكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَناَ فِيهِم، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيٌّ، فترَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ ألقَى الله بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ الله! إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ أني كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ذَهبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. السابع: (فتكنفه)؛ أي: أحاطوا به. (يُرعني) بضم الراء، أي: يُفزعني ويُفجأني. (أحب) بالنصب والرفع. (أني) بالفتح والكسر استئنافًا تعليليًّا، أي: كان على حسابي الجعل سماعي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

3686 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنهالِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، قَالَ: "اثْبُتْ أُحُدُ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نبَيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدَان". الثامن: (وصديق وشهيد) تغيير العطف بتغيير الأسلوب؛ للإشعار بمغايرة حاليهما؛ لأن النبوة والصديقية حاصلتان، بخلاف الشهادة، والأولان حقيقة، والثالث مجاز، وفي بعضها بلفظ: (أو) فيهما، وقيل: أو بمعنى الواو، وإنما لم يقل: شهيدان؛ لأن معناه: عليك غير هؤلاء الناس، أي: لا تخلوا عنهم، أو فعيل يستوي فيه المثنى والجمع. * * * 3687 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَألنِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِ -يَعْنِي عُمَرَ- فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى انتُهى مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

التاسع: (بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: في هذه الخصال، أو بعد وفاته. (أجد) من الجد في الأمور. (وأجود) من الوجود. (انتهى)؛ أي: إلى آخر عمره. * * * 3688 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "وَمَاذَا أَعْدَدتَ لَها؟ ". قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ". قَالَ أَنسٌ: فَمَا فَرِحنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ". قَالَ أَنسٌ: فَأناَ أُحِبُّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أكُونَ مَعَهمْ بِحُبِّي إِيَّاهمْ، وَإِنْ لم أعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهمْ. العاشر: (مع من أحب)؛ فإن قيل: الدرجات متفاوتة، فكيف يكون معهم؟ قيل: المراد المعيَّة في الجنة، فمعنى: (أكون معهم)؛ أي: في دار الثواب.

3689 - حَدَّثَنَا يحيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَم مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ". زَادَ زكرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقدْ كَانَ (فِيمَنْ كَانَ) قَبْلَكُم مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فإنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتي مِنْهمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ". الحادي عشر: (مُحَدَّثون) بفتح الدال المشددة، أي: صادقو الظن، وقد سبق. (يكلمون)؛ أي: تكلمهم الملائكة، وقد قيل في (مُحَدَّثون) كما قال (ن)، قال: وقيل: يجري الصواب على ألسنتهم. (فإن يكن) ليس شكًّا، بل للتأكيد، كقول أجيرٍ: إن عملت لك فوفني حقي، فإن أمته أفضل الأُمم، فبالأولى أن يكون فيهم ذلك. * * * 3690 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَينَمَا رَاعٍ فِي

غَنَمِهِ عَدَا الذِّئْبُ فَأخَذَ مِنْها شَاةً، فَطَلَبَها حَتَّى اسْتَنْقَذَها، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَها يَوْمَ السَّبُعِ، لَيْسَ لَها رَاعٍ غَيْرِي"، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ"، وَمَا ثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. الثاني عشر: (يوم السَّبُع) سبَق تفسيرُه قريبًا وبعيدًا. * * * 3691 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرني أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا ناَئِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهمْ قُمُصٌ، فَمِنها مَا يَبْلُغُ الثَّديَ، وَمِنْها مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ"، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ". الثالث عشر: (الثَّدي) بمثلثة مفتوحة، ومهملة ساكنة، مفردًا، وبضمِّ الثاء، وكسر الدَّال، وتشديد الياء جمعًا. وسبَق الحديث في (الإيمان). * * *

3692 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَألَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فأحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُم، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُم لتفَارِقَنَّهم وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ، قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صحبةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صحبةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهْوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصحَابِكَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلاَعَ الأَرْضِ ذَهبًا لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ - عز وجل - قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ. قَالَ حَمَّادُ بْنُ زيدٍ: حَدَّثَنَا أيَّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بِهذَا. الرابع عشر: (يجزعه)؛ أي: يسلب الجزع عنه، ويزيله منه. (ولا كان ذلك) دعاء، أي: لا يكون ما يخاف منه العذاب ونحوه، أو لا يكون الموت بهذه الطعنة، وفي بعضها: (لئن كان ذلك)، وفي بعضها غير البخاري: (لا كل ذلك)، أي: ولا تبالغ فيما

أنت فيه من الجزع. (ومن أجل أصحابك)؛ أي: لما شعر من فتن تقع بعده فيهم. (طِلاع) بكسر الطاء، وتخفيف اللام، أي: المليء. * * * 3693 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ الله، ثُمَّ جَاءَ رَجلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَأَخْبَرتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ الله، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: "افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ"، فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ الله، ثُمَّ قَالَ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ. الخامس عشر: سبق قريبًا وبعيدًا. * * * 3694 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرني حَيَوَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ معْبَدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ

7 - باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي - رضي الله عنه -

جَدَّهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. السادس عشر: (أخذ بيد عُمر) دليلٌ على غاية المَحبَّة، وكمال المَودَّة والاتِّحاد. * * * 7 - بابُ مَنَاقِبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفانَ أَبِي عَمرِو الْقرَشِي - رضي الله عنه - وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَحفرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ"، فَحَفَرها عُثْمَانُ. وَقَالَ: "مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ"، فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ. (باب مناقب عُثمان - رضي الله عنه -) (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) سبَق وَصْل الحديثين آخرَ (كتاب الوقْف)، وأن (رُوْمَة) بضم الراء، وسكون الواو، وتخفيف الميم. (جهز)؛ أي: هيَّأ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لما قال: (مَنْ حَفَرَ بِئر رُوْمَة فَلهُ الجَنَّة)، حفرها واشتراها بعشرين ألف درهم، وسَبَّلها للمسلمين. (وإن جيش العُسرة)؛ أي: غزوة تبوك، سُمي بذلك؛ لأنه كان في شدة الحر، وجدب البلاد، وشُقُّة بعيدة، وعدوّ كثير؛ فجهزه

عُثمان بتسع مئة وخمسين بعيرًا، وخمسين فرسًا، وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بألف دينار. * * * 3695 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرني بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأذِنُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّة"، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأذِنُ فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَإِذَا عُمَرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهةً ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ"، فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. الحديث الأول: (وأمرني) سبق أنه قال: (لأكوننَّ بوابًا)، وأنه لا منافاة بينهما، فأما وصفه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يكن له بواب، فالمراد معين دائمًا، لا في بعض الأوقات. (هُنية) الهُنية: كناية عن الشيء من الزمان وغيره، أصله: هنوة، وتصغيره هُنية، وقد تبدل من الياء الثانية هاء، فيقال: هُنيهة. * * * قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَم، سَمِعَا أَبَا

عُثْمَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِه، وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ، قَدِ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ رُكبَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غطَّاها. الثاني: (عن ركبته) دليل على أنها ليست بعورة، وإنما غطَّاها من عُثمان - رضي الله عنه -؛ لأن عُثمان كان مشهورًا بكثرة الحياء، فاستعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - معه ما يقتضي الحياء، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أستحي ممن استحى الله منه"، وفي رواية: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة". * * * 3696 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونس، قَالَ ابْنُ شِهابٍ: أَخْبَرني عُرْوَةُ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالاَ: مَا يَمنَعُكَ أَن تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لأَخِيهِ الْوَليدِ فَقَد أكثَرَ النَّاسُ فِيهِ، فَقَصَدتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ، قَالَ: يَا أيها الْمَرءُ! -قَالَ مَعْمَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ- فَانْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِم، إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ فأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: مَا نصَيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ الله سُبْحَانهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ

وَلرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهاجَرْتَ الْهِجْرتيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَأَيْتَ هديَهُ، وَقَد أكثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَليدِ، قَالَ: أدركتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِها، قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَهاجَرْتُ الْهِجْرتيْنِ كَمَا قُلْتَ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أفلَيْسَ لِي مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُم؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَمَا هذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ، أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَليدِ، فَسَنأخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ. الثالث: (الوَليد) بفتح الواو: ابن عقبة بن أبي مُعَيط، أخو عُثمان لأُمِّه. (منك)، أي: أعوذ بالله منك. (الهجرتين)؛ أي: إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. (هديه) بفتح الهاء: أي: طريقته. (لا)؛ أي: ما رأيته، أي: أدرك زمانه ولم يره. (العذراء)؛ أي: البكر، ووجه الشبه: بيان حال وصول علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه كما وصل علم الشريعة إليها وهي من وراء الحجاب،

أي: يوصلوه إليه بطريق الأولى. (ما غَشَشته) بفتح الشين، وقصة الوليد: أن عُثمان ولاه الكوفة بعد أن عزل عنها سعد بن أبي وقاص، فصلى الوليد بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم؟ وكان سكران، فقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر، وأنه صلى الغداة أربعًا، ثم قال: أزيدكم؟ قال أحدهما: رأيته يشرب الخمر، وقال آخر: رأيته يتقيؤها، فقال عثمان: إنه لم يتقيَّئها حتى شربها، فقال لِعَليٍّ: أقم عليه الحد، فقال عليٌّ لابن أخيه عبد الله بن جعفر: أقم أنت عليه، فأخذ السوط فجلده، وعليٌّ يَعدُّ، فلما بلغ أربعين، قال عليٌّ: أمسك، هذا هو المشهور، وهو رواية مسلم، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عُمر ثمانين، وكلٌّ سنة، وقد أعاده البخاري في (هجرة الحبشة) بعد ذلك على الصواب من حديث مَعْمَر عن الزُّهْرِي، وقال فيه: (فجلد الوليد أربعين)، فقوله في هذا الباب: (فجلده ثمانين) على خلاف المشهور أنَّ غير عليّ هو الذي جلد، وأن الجلد أربعون، فلعله ثبت عنده ذلك، أو تجوَّز الراوي فيه باعتبار أن عليًّا عَدَّ، أو أنه أمر به. كما قال ابن عبد البر في "الاستيعاب": وأما الثمانون، فلعل السوط له طرفان، فجعل كل طرف ضربة. * * *

3697 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم بْنِ بَزِيغٍ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُون، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نافعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَعدِلُ بِأبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ. تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. الرابع: (لا نُفاضِلُ بينهم) إن قيل: عليّ أفضل بعدهم، ثم تمام العشرة، ثم أهل بدر، وهلم جرًا، فالجواب كما قال (ح): إنه أراد الشيوخ، وذوي الأسنان منهم، الذين كان - صلى الله عليه وسلم - يشاورهم، وكان علي في زمانه - صلى الله عليه وسلم - حديث السن، ولم يُرد ابن عُمر الازدراء بعليٍّ، ولا تأخيره عن الفضيلة بعد عثمان، لأن فضله لا ينكره أحد، قيل: فلا بد من هذا التأويل، وإلا ينتقض كثير من قواعد التفضيل. قال (ك): لا حجة في: (كنا نترك)، والاختلاف الذي في الأصول في: (كنا نفعل)، إنما هو فيما يتصور فيه تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن الكثير في ذلك أيضًا أنه ليس بحجة، ثم لو كان حجة، فإنما ذلك في العمليات التي يُعمل فيها بالظن، لا الاعتقاديات، وأيضًا فمحله إذا لم يعارضه دليل أقوى منه، كما هنا في أدلة الأفضلية، وأيضًا فلعل ذلك كان في أول أزمنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأما في آخرها فظهر فضله عليهم، ولو

سلم ذلك فقد انعقد الإجماع على أفضليته بعد عثمان - رضي الله عنهما -. * * * 3698 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، هُوَ ابْنُ مَوْهبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هؤُلاَءِ الْقَوْمُ؟ قَالَ: هؤُلاَءِ قُرَيْشٌ، قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِم؟ قَالُوا: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ. قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ! إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْء فَحَدِّثْنِي، هلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نعمْ. فقَالَ: تعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدرٍ وَلَم يَشْهد؟ قَالَ: نعم، قَالَ: تَعْلَمُ أنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَم يَشْهدها؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: اللهُ أكبَرُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبيِّنْ لَكَ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشهدُ أَنَّ الله عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بدرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدرًا وَسَهْمَهُ"، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ الْيُمنَى: "هذِهِ يَدُ عُثْمَانَ"، فَضَرَبَ بِها عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: "هذِهِ لِعُثْمَانَ"، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِها الآنَ مَعَكَ. 3699 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتادَةَ، أَنَّ أَنسًا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُم، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ

8 - قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان - رضي الله عنه -

وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ، وَقَالَ: "اسْكُنْ أُحُدُ -أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ- فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نبَيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ". قِصَّةُ الْبَيْعَةِ وَالاِتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه -. الخامس: (فأشهد أن الله عفا عنه) عرف ذلك من قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]. (بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: رُقَية، بضم الراء، وفتح القاف. (على يده)، أي: اليسرى. وحاصله: أنه لا نُقصان بعثمان بذلك، لأن الأولى عفا الله فيها عنه، والثانية: حصل له أجر الحضور ولو كان غائبًا، وسهمه، والثالثة: كانت أفضل له، لأن يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خير من يده لنفسه. * * * 8 - قِصَّةُ الْبَيْعَةِ وَالاِتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - (باب قصة البيعة، والاتفاق على عُثمان، ومقتل عُمر - رضي الله عنهما -) 3700 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ

حُصَيْنٍ، عَنْ عمرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأيّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كيْفَ فَعَلْتُمَا، أتخَافَانِ أَنْ تَكُوناَ قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ؟ قَالاَ: حَمَّلْنَاها أَمرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيها كبِيرُ فَضْلٍ. قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُوناَ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ، قَالَ: قَالاَ: لاَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا، قَالَ: فَمَا أتتْ عَلَيْهِ إِلَّا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ، قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْني وَبَيْنَهُ إِلَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوِ النَّخلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعتُهُ يَقُولُ: قتلَنِي -أَوْ أكَلَنِي- الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلاَ شِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مَاتَ مِنْهُم سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجدِ فَإِنَّهمْ لاَ يَدرُونَ غَيْرَ أنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ. فَصَلَّى بِهِم عَبْدُ الرَّحْمَنِ صلاَةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! انْظُرْ مَنْ قتلَنِي. فَجَالَ

سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: قَاتَلَهُ اللهُ لَقَد أَمَرْتُ بِهِ معْرُوفًا، الْحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي لَم يَجْعَلْ مَيتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإسْلاَمَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكانَ أكثَرَهم رَقِيقًا، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ؛ أَيْ: إِنْ شِئْتَ قتلْنَا، قَالَ: كَذَبْتَ، بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكم، وَصَلَّوْا قِبْلَتكُم، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ، فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِل يَقُولُ: لاَ بَأسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِر يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ لَكَ مِنْ صحبة رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدَمٍ فِي الإسْلاَمِ مَا قَدْ عَلمتَ، ثُمَّ وليتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهادَةٌ، قَالَ: وَددتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي. فَلَمَّا أَدبَرَ، إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلاَمَ، قَالَ: ابْنَ أَخِي ارفع ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأتقَى لِرَبِّكَ، يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ! انْظرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ، فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ ألفًا أَوْ نَحوَهُ، قَالَ: إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَموَالِهِمْ، وإلَّا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لم تَفِ أَمْوَالُهُم فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلاَ تَعْدُهُمْ إِلَى غيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هذَا الْمَالَ، انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ، وَلاَ تَقُلْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ

لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا، وَقُلْ: يَستَأذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَسَلَّمَ وَاسْتَأذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْها، فَوَجَدَها قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلاَمَ، وَيَسْتَأذِنُ أَنْ يُدفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هذَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ، قَالَ: ارْفَعُوني، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ. قَالَ: الْحَمدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ فَاحمِلُوني ثُمَّ سَلِّم، فَقُلْ: يَسْتَأذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأدخِلُوني، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدّوني إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعها، فَلَمَّا رَأَيْنَاها قُمنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ، فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ داخِلًا لَهُم، فَسَمِعنَا بُكَاءَها مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ، قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بهذَا الأَمرِ مِنْ هؤُلاَءِ النَّفَرِ -أَوِ الرَّهْطِ- الَّذِينَ تُوُفي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَنْهُم رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرحْمَنِ، وَقَالَ: يَشهدكم عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمرِ شَيْءٌ -كَهيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ- فَإِنْ أَصَابَتِ الإمرَةُ سَعْدًا فَهْوَ ذَاكَ، وإلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أيُّكم مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لم أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلاَ خِيَانَةٍ، وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعدِي بِالْمُهاجِرِينَ الأَوَّلينَ، أَنْ يَعرِفَ لَهُم حَقَّهُم، وَيَحْفَظَ لَهُم حُرْمَتَهُم، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا،

الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهم، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهمْ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئهِم، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهمْ ردْءُ الإسْلاَمِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُم أَضلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الإسْلاَمِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهمْ وَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُوفَى لَهُم بِعَهْدِهمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهمْ، وَلاَ يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقتهُمْ. فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: يَسْتَأذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَتْ: أَدخِلُوهُ، فَأدخِلَ، فَوُضعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هؤُلاَءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمرَكُم إِلَى ثَلاَثَةٍ مِنْكُم. فَقَالَ: الزُّبَيْرُ قَدْ جَعَلْتُ أمرِي إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحمَنِ أيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هذَا الأَمرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَاللهُ عَلَيْهِ وَالإسْلاَمُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرّحمَنِ: أفتجْعَلُونه إِلَيَّ، وَاللهُ عَلَيَّ أَنْ لاَ آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُم، قَالاَ: نعم، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَدَمُ فِي الإسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمتَ، فَاللهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لتعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرتُ عُثْمَانَ لتسْمَعَنَّ وَلتُطِيعَنَّ. ثُمَّ خَلاَ بِالآخَرِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ، قَالَ: ارْفَع يَدَكَ

يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ. (أتخافان) في بعضها: (تخافا)، بحذف النون تخفيفًا، وذلك جائز بلا ناصب وجازم. (الأرض)؛ أي: أرض العراق، أي: حملناها من الخراج. (ما لا تطيقه)؛ أي: لا تسعه. (انظرا)؛ أي: في التحميل، أو هو كناية عن الحذر؛ لأنه مستلزم للنظر. (رابعة)؛ أي: صبيحة رابعة، وفي بعضها: (أربعة)، أي: أربعة أيام. (أُصيب)؛ أي: طعن بالسكين، والكلب هو أبو لؤلؤة، واسمه: فيروز، غُلام المُغيرة بن شعبة، قيل: ظنَّ أن كلبًا عَضَّهُ لما جرح، وكان يقول: ما أظنه إلا كلبًا، حتى طعن الثالثة. (العِلْج) بكسر العين، وسكون اللام، وبالجيم: الرجل من كفار المعجم وغيرهم أيضًا، وهذا كان في أربعة بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين. (بُرنسًا)، بضم الموحدة، والنون: قلنسوة طويلة، وقيل: كساء يجعله الرجل في رأسه، رمى رجل من أهل العراق بُرنسه عليه، وبرك على رأسه، فلما علم أنهُ لا يستطيع أن يتحرك قتل نفسه.

قال (ش): وجاء أن الذي طرحه عبد الرحمن بن عوف، وهو الذي احتزَّ رأسه بعد قتله نفسه. (الصَّنَع) بفتح الصاد والنون، أي: الصانع، ويحتمل أن يكون مقصور الصنع، كما قرأ النخعي {وثلث وربع} [النساء: 3]، بقصر الألف منهما، وكان نجارًا، وقيل: نحَّاتًا للأحجار، وأما أمره بالمعروف، فكان قصته: أن عُمر - رضي الله عنه - كان يمر بالسوق، فلقيه أبو لؤلؤة، فقال له: ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي، قال: كم خراجك؟ قال: دينار، قال: ما أرى أن أفعل، إنك لعاقل محسن، وما هذا بكثير، ثم قال عُمر: ألا تعمل لي رحًى؟ قال: بلى، فلما ولى عُمر، قال: لأعملنَّ لك رحًى يتحدث بها ما بين المشرق والمغرب، وكان مجوسيًّا، وقيل: نصرانيًّا. (مِيتتي) بميم مكسورة، ويروى: (منيتي). (ثم أتي بلبن) وذلك أنه لما خرج النبيذ، قال الناس: هذا دم، هذا صديد، وكان قد ضربه طعنات أقطعهن ما كان تحت سرته، وهي قتلته. فإن قيل: فيه حل النبيذ، قيل: كانوا ينتبذون التمرات في الماء، وينقعونها فيه حتى تزول ملوحة الماء، فيشربونه، ولم يكن فيه اشتداد، ولا قذف، ولا إسكار. (ما قد عملت) مبتدأ. (لك) خبره.

(قَدم) بفتح القاف، أي: سابقة، ويقال: قدم صدق، أي: أثرة حسنة، وقال الجَوْهري: القدم السابقة في الأمر. (شهادة) بالرفع عطف على (ما علمت)، وبالجر على (صحبه). (لا عليّ)؛ أي: رضيت سواء بسواء، بحيث يكف الشر عني، لا عقابُهُ عليّ، ولا ثوابُه لي. (أنقى) بالنون، هو الأكثر، ويروى بالموحدة. (عَدِي) بفتح المهملة الأولى، وكسر الثانية، هو الجد الأعلى لعُمر، أبو القبيلة العدويين. (ولا تعدهم)؛ أي: لا تتجاوز عنهم. (وقل يستأذن عُمر) إنما أمرهم بإعادة الاستئذان بعد موته مخافة أن تكون أذنت له في حياته حَياءً. (داخلًا)؛ أي: مدخلًا كان لأهلها. (من الدخل)؛ أي: من الشخص الداخل، أو من المدخل. (وسعدًا)؛ أي: ابن أبي وقاص، وإنما لم يذكر أبا عُبيدة وسعيدًا مع أنهما من الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض؛ لأن أبا عُبيدة كان قد مات، وسعيدًا ابن عم عُمر، فلعله لم يذكره لذلك، أو لم يرَهُ أهلًا لسبب من الأسباب. (كهيئة التعزية) هو من كلام الراوي، لا من كلام عُمر. (ولم أعزله)؛ أي: عن الكوفة.

(من عجز)؛ أي: عن التصرف. (ولا خيانة)؛ أي: في المال؛ فإنه قوي أمين، قال تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]. (المهاجرين الأولين) قال الشَّعْبي: هم من أدرك بيعة الرضوان، وقال ابن المُسيب: من صلى للقبلتين. (رِدْء) بكسر الراء، وهمزة آخره، أي: عون. (وغيظ العدو)؛ أي: يغيظونهم بكثرتهم. (فضلهم)؛ أي: ما فضل عنهم. (حواشي أموالهم) هي التي ليست بخيار، ولا كرام. (بذمة الله)؛ أي: بأهل الذمة. (من ورائهم)؛ أي: إن قصدهم عدوّ قوتل عدوهم، ورفع عنهم مضرتهم، فقد استوفى بهذه الوصية الكل، المسلم المهاجر، والأنصاري، والذمي، والوبَري -وهو ساكن البوادي- والمدَري وهو ساكن الأمصار. (والله عليه)؛ أي: رقيبٌ مهيمنٌ عليه، وكذلك الإسلام. (لينظرن) بلفظ الأمر للغائب. (أفضلهم) بالنصب، أي: ليتفكر كل واحد منهما في نفسه: أيهما أفضل، وفي بعضها بفتح اللام، جوابًا للقسم المقدر. (اسكت) بمعنى سكت، وفي بعضها مبنيًّا للمفعول، وصوب الأولَ أبو ذَرٍّ.

9 - باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن - رضي الله عنه -

(والله عليّ)؛ أي: رقيب شاهد في أن لا أقصر عن أفضلكم. (ما قد علمت) صفةٌ، أو بدلٌ عن (القدم). (أهل الدار)؛ أي: أهل المدينة. وفي الحديث: شفقة عُمر على المسلمين، حيث خاف تثقيل الخراج، والنصح لهم، حيث أراد ترقية أرامل العراق، وإقامة السنة في تسوية الصفوف، واهتمامه بأمر الصلاة أكثر من معالجة نفسه، وملازمة الأمر بالمعروف على كل حال، والوصية بأداء الدَّين وغيره، والاعتناء بالرفق عند الأكابر. * * * 9 - بابٌ مَنَاقِبُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبِ الْقُرَشِيِّ الْهاشِمِيِّ أَبِي الحَسَنِ - رضي الله عنه - وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ: "أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ"، وَقَالَ عُمَرُ: تُوفي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ. (باب مناقب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -) قوله: (وقال عُمر) موصولٌ في الباب قبلَه. (وقال - صلى الله عليه وسلم -) موصول في (النكاح).

(أنت مني) تسمى (من) هذه الاتصالية. * * * 3701 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ"، قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُم أيُّهم يُعطَاها، فَلَمَّا أصبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُم يَرْجُو أَنْ يُعطَاها، فَقَالَ: "أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالبٍ؟ "، فَقَالُوا: يَشْتكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَأرسِلُوا إِلَيْهِ فَأتُوني بِهِ"، فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ الله! أُقَاتِلُهُم حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تنزِلَ بِسَاحَتِهِم، ثُمَّ ادعُهُمْ إِلَى الإسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُم بِمَا يَجبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". الحديث الأول: (يدوكون) بمهملة، وكاف، أي: يخوضون، ويتحدثون، يقال: باتوا يدوكون دوكًا: إذا باتوا في اختلاط ودوران، وفي بعضها: (يذكرون) من الذكر. (اُنفُذ) بضم الفاء، أي: امض في أمرك.

(رِسلك)؛ أي: التؤدة والرفق. (حمر النعم) هي أحسن أموال العرب، فهي يضرب بها المثل في نفاسة الشيء، وهذا كله للتقريب، وإلا فذرة من الآخرة خير من الدنيا وما فيها وأمثالها. وفيه معجزة قولية، وهي إعلامه بأن الله تعالى يفتح على يديه باب خيبر، فكان كذلك، وفعلية، وهي البَصْقُ في عينيه فبرأ في الساعة، وفضلُ عليٍّ، وشجاعته، وحبه لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. وسبق فيه فوائد أُخرى في (الجهاد)، في (باب فضل من أسلم على يديه رجل). * * * 3702 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ، فَقَالَ: أَنَا أتخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَها اللهُ فِي صَبَاحِها، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ -أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ- غدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ -أَوْ قَالَ: يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ- يَفتَحُ اللهُ عَلَيهِ"، فَإِذَا نحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ.

الثاني: (وما نرجوه)؛ أي: لم نكن نرجو قدومَهُ، وهو كالذي قبله. * * * 3703 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: هذَا فُلاَنٌ -لأَمِيرِ الْمَدِينَةِ- يَدْعُو عَلِيًّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ، قَالَ: فَيقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: يَقُولُ لَهُ أَبُو تُرَابٍ. فَضَحِكَ قَالَ وَاللهِ مَا سَمَّاهُ إِلَّا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ، فَاسْتَطْعَمتُ الْحَدِيثَ سَهْلًا، وَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ! كَيْف؟ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ فِي الْمَسْجدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّك"، قَالَتْ: فِي الْمَسْحِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِداءَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ، وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ يَمسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ، فَيَقُولُ: "اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ"، مَرَّتَيْنِ. الثالث: (فُلان) هو مروان بن الحكم. (لأمير المدينة)؛ أي: كنى بفُلان عن أمير المدينة، والاسم يُراد بالكنية، وتطلق التسمية على الكنية. (فاستطعمت)؛ أي: طلبت من سهل الحديث، وإتمام القصة.

(سهلًا)؛ أي: ابن سعد. (يا أبا عباس) هو كنيته. (مرتين) ظرف لـ (يقول). فيه جواز النوم في المسجد، واستحباب ملاطفة الغضبان، والمشي إليه لاسترضائه. وسبق الحديث مطولًا مرات. * * * 3704 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَألهُ عَنْ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ، قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: فَأَرْغَمَ اللهُ بأَنْفِكَ، ثُمَّ سَألهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ، قَالَ: هُوَ ذَاكَ بَيْتُهُ أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: فَأَرْغَمَ اللهُ بِأَنْفِكَ، انْطَلِقْ فَاجْهدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ. الرابع: (بأنفك) الباء زائدة، أي: أرغم الله أنفكَ، أي: ألصقه بالرغام، أي: التراب، أي: أهانه وأذله، ويروى: (رغم) بفتح الغين، وكسرها. (فأجهد)؛ أي: أبلغ غايتك في هذا الأمر، واعمل في حقي

ما تستطيع وتقدر عليه. * * * 3705 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْها السَّلاَمُ شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أثَرِ الرَّحَا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلم تَجدهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرتها، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا وَقدْ أَخَذْناَ مَضَاجِعَنَا، فَذَهبْتُ لأَقُومَ، فَقَالَ: "عَلَى مَكَانِكُمَا"، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صدرِي، وَقَالَ: "أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَألْتُمَانِي، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ". الخامس: (ابن أبي ليلى) إذا أطلقه المحدثون فهو عبد الرحمن، وأما الفقهاء فيعنون به محمد بن عبد الرحمن؛ قاله في "جامع الأصول". (على مكانكما)؛ أي: الزما مكانكما، ولا تفارقاه. (فكبرا) بصيغة الأمر، وفي بعضها: (تُكبِّرا) بمثناة، بلفظ المضارع، بلا نون؛ إما تخفيفًا، وإما لأن (إذا) جازمةٌ على شذوذٍ. وسبق الحديث في (باب الخُمس)، في (الجهاد). * * *

3707 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجعْدِ، أَخْبَرَنَا شعبةُ، عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: اقْضُوا كمَا كنتم تَقْضُونَ، فَإِنِّي أكرَهُ الاِخْتِلاَفَ حَتى يَكُونَ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ، أَوْ أَمُوتَ كمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَلَى عَلِيٍّ الْكَذِبُ. السادس: (أكره الاختلاف)؛ أي: الذي يؤدي للفتنة، وإلا فاختلاف الأُمة رحمة. (أو أموت) أتى بـ (أو)، وإن كان كلاهما مطلوبًا، إذ لا تنافي بينهما. (عامة)؛ أي: أكثر ما روته الرافضة عنه كذب. * * * 3706 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسَى". السابع: (مني بمنْزلة)؛ أي: نازلًا مني منْزلته، والباء زائدة، وتعلُّق الرافضة به في الخلافة بعد الموت باطل.

10 - باب مناقب جعفر بن أبي طالب

قال (خ): لأنه قاله له حين خرج إلى تبوك ولم يستصحبه، فقال: أتخلفني مع الذرية؟ فقال: (أما ترضى أن تكون مني)، فضرب له المثَل باستخلاف موسى هارون على بني إسرائيل حين خرج إلى الطُّور؛ لأن هارون مات قبل موسى، فلم يكن إلا في وقت خاص في حياته؛ فيجب تساويهما في التشبيه. * * * 10 - بابُ مَنَاقِبُ جَعفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبِ وَقَالَ له النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي". (باب مناقب جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -) وهو أسن من علي بعشر سنين، يلقب بالطيار، وبذي الجناحين، وذي الهجرتين، ويكنى أبا عبد الله، وأبا المساكين، وهو الشجاع، الجواد، متقدم الإسلام، هاجر إلى الحبشة، وهو كان سبب إسلام النجاشي، ثم هاجر إلى المدينة، ثم أمّرهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على جيش غزوة مُؤتَة -بضم الميم، وفتح المثناة- بعد زيد بن حارثة، فاستشهد فيها سنة ثمان، ووُجد به بضع وسبعون طعنة، أو رمية في مقدمه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "رأيت جعفرًا يطير في الجنة مع الملائكة"، وقال حين قطعت يداه في مُؤتَة: "جعل الله له جناحين يطير بهما".

(قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -) موصول في (النكاح). * * * 3708 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْجُهنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أكثَرَ أبُو هُرَيْرَةَ، وَإنِّي كُنْتُ ألزَمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِبَعِ بَطْنِي، حَتَّى لاَ آُكلُ الْخَمِيرَ، وَلاَ ألبَسُ الْحَبِيرَ، وَلاَ يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَلاَ فُلاَنة، وَكنْتُ ألصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كنْتُ لأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي كي يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيها شَيْءٌ، فَنَشُقُّها فَنَلْعَقُ مَا فِيها. الحديث الأول: (الخمير)؛ أي: الخبز الذي خمر وجعل في عجينه الخميرة، وفي بعضها: (الخبيز) بالموحدة، أي: الخبز المأدوم، والخُبْرة، بضم المعجمة، وسكون الموحدة، وبالراء: الأدم. (الحبير) بمهملة، وموحدة: المحبّر، المحسّن، كالبرود اليمانية ونحوها، ويروى: (الحرير). (ألصق بطني) فائدته انكسار حرارة شدة الجوع ببرودة الحجر.

12 - باب مناقب قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -

(أستقرئ)؛ أي: أطلب إليه أن يقرئنيها. (وهي)؛ أي: الآية. (معي)؛ أي: كنت أحفظها. (خير) في بعضها: (أخير)، وهي لغة فصيحة. (العُكَّة) بضم المهملة: آنية السمن. * * * 3709 - حَدَّثَنِي عَمرُو بْنُ عَلِي، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. الثاني: فُهم معناه مما سبق. * * * 12 - بابُ مَنَاقِبُ قَرَابَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ عَلَيْها السَّلاَمُ بِنْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (باب مناقب قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وفي شرح (ك) الترجمة: (مناقِب عبَّاس).

3711 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ -عَلَيْها السَّلاَمُ- أَرسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْألهُ مِيرَاثَها مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا أفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، تَطْلُبُ صَدَقَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدكٍ وَمَا بقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. 3712 - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهْوَ صدَقَةٌ، إِنَّمَا يأكلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هذَا الْمَالِ -يَعْنِي مَالَ اللهِ- لَيْسَ لَهُم أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأكلِ"، وإنِّي وَاللهِ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صدَقَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي كَانَتْ عَلَيْها فِي عَهْدِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلأَعْمَلَنَّ فِيها بِمَا عَمِلَ فِيها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فتشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ، وَذَكَرَ قَرَابَتَهُم مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَقَّهُم، فتكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. الحديث الأول: (تطلب صدقة) ليس هذا على اعتقادها؛ لأن الصدقة لجميع المؤمنين، فلا تطلبها، فهذا إنما هو من لفظ الراوي للتعريف بالواقع. وسبق في (الجهاد)، في (باب الخمُس)، شرح أملاك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنها صدقة بعد موته.

13 - باب مناقب الزبير بن العوام

(ما تركنا صدقة)، (ما) موصولة بمعنى: الذي، مبتدأ، وخبره: (صدقة) مرفوع. * * * 3713 - أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالدٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهم -، قَالَ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فِي أَهْلِ بَيْتِهِ. الثاني: (ارقبوا)؛ أي: احفظوا، والرقيب: الحافظ. (أهل بيتي) هم: فاطمة، وعلي، والحسن، والحسين - رضي الله عنهم -؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لف عليهم كساءً وقال: (هؤلاء أهل بيتي)، أو هم مع أزواجه؛ لأنه المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق. * * * 13 - بابُ مَنَاقِبُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ حَوَارِيُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَسُمِّيَ الْحَوَارُّيونَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهمْ.

(باب مناقب الزُّبَير بن العوام) أحد العشرة، رابع الإسلام، وأول من سل سيفًا في سبيل الله، ترك القتال يوم الجمل فلحقه جماعة من الغواة فقتلوه بوادي السباع بناحية البصرة سنة ثلاث وثلاثين - صلى الله عليه وسلم -. (وقال ابن عباس) قيل: موصولٌ في (التفسير)، في (سورة براءة)، ولا يحتاج لذلك؛ فإنه في الباب. (حوَارِيّ) بتخفيف الواو، وشدة الياء، لفظ مفرد: هو الناصر، وقيل: الخالص الصافي، والصحابة كان كانوا كلهم أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خلَصَاء له، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك حين قال يوم الأحزاب: "من يأتيني بخبر القوم؟ "، فقال الزُّبَير: أنا، ثم قال: "من يأتيني بخبر القوم؟ "، فقال الزبير: أنا، هكذا ثلاث مرات، فنصرته ذلك اليوم نصرة زائدة على غيره. * * * 3717 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخْبَرني مرْوَانُ بْنُ الْحَكَم، قَالَ: أَصَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ، حَتَّى حَبَسَهُ عَنِ الْحَجِّ وَأَوْصَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: اسْتَخْلِفْ، قَالَ: وَقَالُوه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: وَمَنْ؟ فَسَكَتَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجلٌ آخَرُ -أَحْسِبُهُ الْحَارِثَ- فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَقَالُوا؟ فَقَالَ:

نعم، قَالَ: وَمَنْ هُو؟ فَسَكَتَ، قَالَ: فَلَعَلَّهم قَالُوا الزُّبَيْرَ، قَالَ: نعم، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَخَيْرُهُم مَا عَلِمتُ، وَإِنْ كَانَ لأَحَبَّهُم إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 3718 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، أَخْبَرَني أَبِي، سَمِعْتُ مَرْوَانَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، أتاهُ رجل فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ، قَالَ: وَقِيلَ ذَاكَ؟ قَالَ: نعم، الزُّبَيْرُ. قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنَّكُم لتعْلَمُونَ أنَّهُ خَيْرُكُم، ثَلاَثًا. الحديث الأول: (سنة الرُّعَاف)؛ أي: كان فيها للناس رعَاف كثير. (الحارث) الظاهر أنه ابن الحكم بن أبي العاص الأموي، أخو مروان. (ما علمت)، (ما) موصولة، وهو خبر مبتدأ محذوف، أو مصدرية؛ أي: في علمي. (لأحبهم) في بعضها بدون اللام الفارقة، وهي لغة. * * * 3719 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لِكُلِّ نبَيٍّ حَوَارِيّ، وإنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ".

الثاني: (حواري) ضبطه جمع، بفتح الياء، كمصرخيّ، وأكثرهم بكسرها، فقيل: استثقلوا كسرتين، وثلاث ياءات، فحذفوا ياء المتكلم، وأبدلوا من الكسرة فتحة كراهة لثقل الكسرة على الياء، وقيل: المحذوف إحدى ياءي النسب، ومَرَّ في (باب: فضل الطليعة). * * * 3720 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا أَبَت! رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ، قَالَ: أَوَهَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نعم، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ يَأتِ بَنِي قُرَيظَةَ فَيَأتِيني بِخَبَرِهِم؟ "، فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَويهِ، فَقَالَ: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". الثالث: (يوم الأحزاب) هو الخندق سنة أربع؛ وعند انصرافهم كانت قريظة؛ فيكون سن عبد الله سنتين وأشهرًا، فإنه ولد في السنة الثانية من الهجرة، وقيل: كانت الأحزاب سنة خمس، فيكون سنهُ ثلاثة أعوام

وأشهرًا، ولا يذكر أن أحدًا من الصحابة عقل دون هذا السن، وغاية ما ذكر في محمود أنه في خمس. (تختلف)؛ أي: تجيء وتذهب. (بني قُرَيْظة) بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الياء، وبمعجمة: قبيلة من اليهود. * * * 3721 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلاَ تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَضَرُبوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ، بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ ألعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ. الرابع: (اليَرْمُوك) بفتح الياء، وسكون الراء، وضم الميم وبالكاف: موضع بناحية الشام، جرى فيه وقعة بين المسلمين والروم، وكانت الدولة للمسلمين، وكان في خلافة عُمر. (تشد) الشدُّ في الحرب هو الحَمْلة والجَوْلة. * * *

14 - باب ذكر طلحة بن عبيد الله

14 - بابُ ذِكرِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَقَالَ عُمَرُ: تُوُفي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ. (باب ذكر طلحة بن عُبيد الله - رضي الله عنه -) قوله: (وقال عُمر) موصولٌ في (وفاة عُمر) قريبًا. وهو أحد العشرة، والثمانية السابقين للإسلام، قتل يوم الجمل، سنة ست وثلاثين، وقبره بالبصرة. * * * 3722 - و 3723 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: لَم يبقَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بعضِ تِلْكَ الأيَّامِ الَّتي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ طَلْحَةَ وَسعْدٍ، عَنْ حَدِيثهِمَا. 3724 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثنا خَالدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتي وَقَى بها النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قدْ شَلَّتْ. (عن حديثهما)؛ أي: قال عثمان عن قولهما، أو عن حالهما. (يد طلحة)، وذلك أنه ثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد،

15 - باب مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري

وجعل نفسه وقايةً له، حتى أُصيب ببضع وثمانين جراحة، ووقاه بيده ضربة قُصِدَ بها فشلَّت يده كتابه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أوجبَ طلْحة" أي: الجنة. (شَلت) بفتح الشين. * * * 15 - بابُ مَنَاقِبُ سعْدِ بْنِ أَبِي وَقاص الزهْرِيِّ وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ. (باب مناقب سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه -) بتشديد القاف، وبمهملة. 3725 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعتُ يَحيَى، قَالَ: سَمِعتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: سَمِعتُ سَعْدًا يَقُولُ: جَمَعَ لِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَويهِ يَومَ أُحُدٍ. الحديث الأول: (جمع)؛ أي: في التفدية، فقال: فداك أبي وأُمي. * * * 3726 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هاشِمُ بْنُ هاشمٍ، عَنْ

عَامِرِ بْنِ سعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَد رَأَيْتُنِي وَأَنَا ثُلُثُ الإسْلاَمِ. الثاني: (وأنا ثلث) لعله أراد ثالث الرجال، وإلا ففي "الاستيعاب": أنه سابع سبعة في الإسلام، وهو أحد العشرة، وهو الذي فتح مدائن كسرى، وكَوَّفَ الكُوفة. * * * 3727 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا هاشِمُ بْنُ هاشمِ بْنِ عُتبةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحدٌ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أيامٍ وَإِنِّي لثلُثُ الإسْلاَمِ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هاشِمٌ. الثالث: (تابعه أبو أسامة) موصولٌ في (باب: إسلام سعد). * * * 3728 - حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمعْتُ سَعْدًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: إِنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا لنا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ

الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَناَ لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ الْبَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُني عَلَى الإسْلاَمِ، لَقَد خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي، وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ، قَالُوا: لاَ يحْسِنُ يُصَلِّي. الرابع: (رمى بسهم)؛ أي: وذلك أنه كان في سرية عُبَيدة، بضم المهملة، وفتح الموحدة، ابن الحارث بن عبد المطلب، وكان أسن من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعشر سنين، بعثه في ستين راكبًا من المهاجرين، وفيهم سعد، وعَقَد له لواء، وهو أول لواء عقده - صلى الله عليه وسلم -، فالتقى عُبيدة، وأبو سُفيان، وكان على المشركين، وهو أول قتال جرى في الإسلام، وأول من رمى السهم سعد، وقال: ألا هلْ جاءَ رسولَ الله أنِّي ... حمَيْتُ صحابَتي بصُدور نبلِي فما يعتدُّ رامٍ في عَدُوٍّ ... بسَهْمي مَع رسول الله قَبْلي (كما تضع)؛ أي: عند قضاء الحاجة يخرج منه مثل البعر؛ ليبسه، وعدم الغذاء المألوف. (ماله خلط)؛ أي: لا يختلط بعضه ببعض؛ لجفافه. (تغزرني)؛ أي: تعلمني الصلاة وتعيرني بأني لا أُحسنها، وقيل: تأدُبني، من التأديب. (خبتُ) من الخيبة، أي: إن كنت مُحتاجًا إلى تعليمهم، فقد ضل عملي في ما مضى خائبًا من ذلك.

16 - باب ذكر أصهار النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو العاص بن الربيع

(وكانوا)؛ أي: بنو أسد. (وشوا به)؛ أي: عابوه. وسبق الحديث في (باب: وجوب القراءة للإمام). * * * 16 - بابُ ذِكرُ أَصهارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبيعِ (باب ذكر أصهار النبي - صلى الله عليه وسلم -) هم أهل بيت المرأة، ومن العرب من يطلقه على الأحماء والأختان جميعًا. (أبو العاص) اسمه: مِقْسم، بكسر الميم، ابن الربيع بن عبد العُزى، كان زوج بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب، وهاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصافيًا مخلصًا له، استُشهد يوم اليمامة. 3729 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَن الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، هذَا عَلِيٌّ ناَكحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ: أَنْكَحْتُ أَبَا

17 - باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -

الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَإِنِّي أكرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ". فترَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبة. وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مِسْوَرٍ، سمعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شمس فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهرتهِ إِيَّاهُ فَأَحسَنَ، قَالَ: "حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي". (بضعة) بفتح الموحدة. (الخِطْبة) بكسر الخاء، أي: خطبة بنت أبي جهل. (وزاد محمد بن عمرو) موصول في (الخُمُس). * * * 17 - بابُ مَنَاقِبُ زَيدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتَ أَخُوناَ وَمَوْلاَناَ". (باب مناقب زيد بن حارثة - رضي الله عنه -) بالمهملة، القُضَاعي، بضم القاف، وتخفيف المعجمة، وبمهملة،

خرجت به أُمُّه تزور قومها، فاتفق غارة فيهم، فاحتملوا زيدًا وهو ابن ثمان سنين، ووفدوا به إلى سوق عُكاظ، فباعوه لحكيم بن حزام، اشتراه لخديجة بأربع مائة درهم، فلما تزوجها - صلى الله عليه وسلم - وهبته له، ثم إن خبره اتصل بأهله، فحضر أبوه حارثة في فدائه، فخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المقام عنده، وبين الرجوع إليهم؛ فاختار النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على أهله، وتبناه، وزوَّجه حاضنته أُم أيمن، فولدت له أُسامة، وسماه الله تعالى في القرآن، قتل في غزوة مؤتة. (وقال البراء) موصولٌ في (النكاح). * * * 3730 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهم أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارتهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارتهِ، فَقَد كُنتم تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ، إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وإنَّ هذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بعدَه". (بعثًا) هو السرية. (أن تَطْعَنوا) بفتح العين؛ لأنه من طعن العرض، أما طعنه بالرمح ونحوه، فإنه يَطْعُن بالضم، وقيل: هما لغتان فيهما. (إن كان)؛ أي: أنه، والمعنى: أنهم كانوا طعنوا في إمارته، ثم ظهر لهم أنه جدير بها، فكذلك حال أُسامة.

18 - باب ذكر أسامة بن زيد

وفيه جواز إمارة الموالي، وتولية الصغير على الكبار، والمفضول على الفاضل للمصلحة. * * * 3731 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعد، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَاهِدٌ، وَأسُامَةُ بْنُ زيد وَزيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجعَانِ، فَقَالَ: إِنَّ هذِهِ الأَقْدَامَ بَعضُها مِنْ بعضٍ، قَالَ: فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَعْجَبَهُ، فَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ. الثاني: (قَائِف)؛ أي: الذي يلحق بالشبه، والمراد هنا مُجَزِّز، بفتح الجيم، وتشديد الزاي الأولى المكسورة. وسبق الحديث في (باب: صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -). * * * 18 - بابُ ذِكرُ أُسَامَةَ بْنِ زَيدِ (باب ذكر أُسامة - رضي الله عنه -) إنما لم يقل: مناقب، كما قال في ما سبق؛ لأن المذكور في

الباب أعم من المناقب، كالحديث الثاني. * * * 3732 - حَدَّثَنَا قتيبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ قُرَيْشًا أَهمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ، فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 3733 - وحَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ذَهبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيةِ، فَصَاحَ بِي، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَلَم تَحْتَمِلْهُ عَنْ أَحَد؟ قَالَ: وَجَدتُهُ فِي كِتَابٍ كَانَ كتبَهُ أيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أَنَّ امْرَأ مِنْ بني مخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيها النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَم يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَهُ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ، فَقَالَ: "إِنَّ بني إِسْرَائِيلَ كانَ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ، لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعتُ يَدَها". الحديث الأول: (المخزومية) اسمها: فاطمة. (حِب) بكسر الحاء، أي: محبوب. وسبق قُبيل (مناقب قريش). * * *

3734 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ يَحيَى بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا الْمَاجِشُونُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ فِي ناَحِيةٍ مِنَ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ هذَا؟ لَيْتَ هذَا عِنْدِي. قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَمَا تَعْرِفُ هذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحمَنِ؟ هذَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ، قَالَ: فَطَأطأَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ، وَنَقَرَ بِيَدَيْهِ فِي الأَرضِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَحَبَّهُ. الثاني: (طأطأ)؛ أي: أطرق. (لأحبه)؛ أي: كما أحب أباه وجده. * * * 3735 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا معْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ - رضي الله عنهما -، حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَأخُذُهُ وَالْحَسَنَ فَيقُولُ: "اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا". الثالث: معناه ظاهر. * * * 3736 - وَقَالَ نُعيْمٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَعْمرٌ، عَنِ

الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني مَوْلى لأُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ، وَكَانَ أَيْمَنُ بْنُ أُمِّ أَيْمَنَ أَخَا أُسَامَةَ لأُمِّهِ، وَهْوَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَرآهُ ابْنُ عُمَرَ لَم يتمَ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ، فَقَالَ: أَعدْ. 3737 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الْوليدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، أنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ دَخَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ فَلم يتِمَّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ، فَقَالَ: أَعِدْ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: مَنْ هذَا؟ قُلْتُ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ رَأَى هذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَحَبَّهُ، فَذَكَرَ حُبَّهُ وَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعضُ أَصحَابِي عَنْ سُلَيْمَانَ: وَكَانَتْ حَاضِنَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: (أُمُّ أيمن) اسمها بركة، حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مولاة لأبيه عبد الله بن عبد المطلب، وأيمن كان على مطهرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، صحابيٌّ جليلٌ، ينسب إلى أُمِّهِ؛ لأنها كانت أشهر من أبيه، ولها الشرف العظيم بحضانتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فرآه ابن عُمر) هو عطف على مقدر، أي: رآه، فرآه كذا وكذا. (فذكر حبه)؛ أي: حب أيمن، وأولاد أُمِّ أيمن، والفاعل

19 - باب مناقب عبد الله ابن عمر في الخطاب - رضي الله عنهما -

محذوف، أي: حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لها مقرونًا بأولادها. (زادني بعض أصحابي) لا يضر الإبهام؛ لِما عُلِمَ أنه لا يروي إلا عن عدلٍ؛ نعم، فسر هذا البعض بأنه الذُّهْلي، كما في "الزُّهْريات". * * * 19 - بابٌ مَنَاقبُ عَبْدِ اللهِ ابنِ عُمَرَ فْيِ الْخَطابِ - رضي الله عنهما - (باب مناقب عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما -) كان من علماء الصحابة وزهادهم، والمكثرين من الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مات بمكة سنة ثلاث وسبعين. 3738 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ معْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّها عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فتمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أقصُّها عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكُنْتُ غُلاَمًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَناَمُ فِي الْمَسْجدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّة كطَيِّ الْبِئْرِ، وإِذَا لَها قَرْناَنِ كَقَرْنيَ الْبِئْرِ، وإذَا فِيها ناَسٌ قَد عَرَفْتُهم، فَجَعَلْتُ أقولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ. فَلَقِيَهُمَا ملكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، فَقَصَصْتُها عَلَى حَفْصَةَ.

3739 - فَقَصَّتها حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "نعمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ". قَالَ سَالِم: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا. الحديث الأول: (رؤيا) غير منون، مختصة بالمنام، كرؤية، لليقظة. (عزبًا) هو من لا أهل له، وفي بعضها: (أعزب) وهو الأفصح. (قرنان) هما الطرفان. (لن ترع) بمعنى: لا ترع، ورواية القابِسي: (لن ترع) بالجزم مع: لن، والجزم بـ (لن) لغة شاذةٌ. قال القَزَّاز: ولا أحفظ فيه شاهدًا. قال (ش): على ما يوجد في بعض النسخ في شاهد ذلك: لنْ يخِبِ الآنَ مِنْ رجائِكَ مَنْ ... حَرَّكَ مِن دُون بابِكَ الحَلَقَةْ وسبق الحديث في (باب: فضل قيام الليل). * * * 3740 - و 3741 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ، أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَها: "إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالحٌ".

20 - باب مناقب عمار وحذيفة - رضي الله عنهما -

الثاني: ظاهرٌ. * * * 20 - بابُ مَنَاقِبُ عَمَّارِ وحُذَيْفَةَ - رضي الله عنهما - (باب مناقب عَمَّار، وحُذيفة - رضي الله عنهما -) 3742 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأمَ فَصَلَّيْتُ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قد جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدرداءِ، فَقُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ الله أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَيَسَّرَكَ لِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطهرَةِ، وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوَلَيْسَ فِيكم صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: كيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى). قَالَ: وَاللهِ لَقَد أَقْرَأَنِيها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ.

الحديث الأول: (ابن أُمِّ عبد)؛ أي: عبد الله بن مسعود. (النعلين، والوسادة، والمطهرة) قال الداوُدي: أي: لم يكن له من الجهاز إلا ذلك؛ لتخلِّيه عن الدنيا، وقد أنكروا عليه ذلك، بل المراد الثناء عليه بخدمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي الفخْر، فكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يمشي معه - صلى الله عليه وسلم - حيث ينصرِف، ويحمل مِطْهرته، وسِواكه، ونعلَيه، وما يحتاج إليه. (الذي أجاره الله) هو عمار بن ياسر. (صاحب السر) هو حُذيفة بن اليَمان، كان عُمر - رضي الله عنه - إذا مات أحدٌ يتبَع حُذيفة؛ فإنْ صلى عليه صلى هو أيضًا عليه، وإلا لم يصلِّ، وهو وإنْ كان بالمَدائن؛ لكن المراد بالكوفة هي وتوابعها، يعني: العراق. (كيف يقرأ عبد الله)؛ أي: ابن مسعود. {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]، أي: بدون {وَمَا خَلَقَ} [الليل: 3]. (لقد أقرأنيها)؛ أي: كما يقرأ عبد الله، هو خلاف القراءة المتواترة المشهورة. * * * 3743 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ مُغِيرَةَ،

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ذَهبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجدَ قَالَ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صالِحًا، فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْداء، فَقَالَ أَبُو الدَّرْداء: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أليْسَ فِيكُم أَوْ مِنْكُم صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ يَعْنِي حُذَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: ألَيْسَ فِيكُمُ أَوْ مِنْكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ يَعنِي مِنَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي عَمَّارًا، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أليْسَ فِيكُف أَوْ مِنْكمْ صاحِبُ السِّوَاكِ، أَوْ السِّرَارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَقْرَأُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} قُلْتُ: (وَالذَّكَرِ وَالأنثَى)، قَالَ: مَا زَالَ بِي هؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُوني عَنْ شَيْءٍ سَمِعتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (أو السِواد) بكسر السين المهملة، أي: السِّرار، وسَاودتُه سوادًا، أي: سارَرْته، وأصله: إدْناءُ سواك من سواده، وهو الشَّخص، أي: ابن مسعود، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "آذنُكَ عليَّ أنْ ترفَع الحِجَابَ، وتَسمع سَوادي حتى أَنْهاك" رواه مسلم، وهذه خصوصيةٌ عظيمةٌ. وكان لا يحجبه - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء، ولا يخفي عنه سره، وكان يلج عليه، ويُلبسه نعليه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، وكان يُعرف في الصحابة بصاحب السِّواك، والسِّواد. * * *

21 - باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -

21 - بابُ مَنَاقِب أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رضي الله عنه - (باب مناقب أبي عُبَيدة - رضي الله عنه -) بضم المهملة، هو عامر بن عبد الله بن الجَرَّاح، بالجيم، وشدة الراء، وبمهملة، الفِهْري القرشي، شهد المشاهد كلها، وثبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد، ونزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حِلَقِ المِغْفر بفيه فوقعت ثنيتاه، مات بالشام سنة ثمان عشرة. فإن قيل: لِم أخَّرَهُ البخاري عن عمار ونحوه وهو من العشرة؟ قيل: الظاهر أنه ذكر الأحاديث في "الجامع" كيفما اتفق، ويحتمل أنه كما راعى الأفضلية في بعضهم، راعى في غيرهم التقدُّم في الإسلام، وبه إظهار القوة في نفْس الفضيلة، أو العُلوَّ في الإسناد، أو غيره. 3744 - حَدَّثَنَا عمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعْلَى، حَدَّثَنَا خَالدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسُ ئنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإنَّ أَمِينَنَا أيَّتُهَا الأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاح". الحديث الأول: (أيتها الأُمُّة) صورته نداء، وهو اختصاص، أي: المخصوصين من بين الأُمم، وقال (ع): هو بالرفع على النداء، والأفصح أنه

22 - باب مناقب الحسن والحسين - رضي الله عنهما -

منصوب على الاختصاص. والصحابة وإن كانوا كلهم أُمناء؛ لكن اختص بزيادة، والأمين هو الثقة المرضي، فخص - صلى الله عليه وسلم - بعض الصحابة بصفاتٍ غالبة فيهم، كما خص عثمان - رضي الله عنه - بالحياء. * * * 3745 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذيْفَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ نَجْرَانَ: "لأَبْعَثَنَّ -يَعْنِي عَلَيْكُم، يَعْنِي أَمِينًا- حَقَّ أَمِينٍ"، فَأَشْرَفَ أَصْحَابُهُ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ - رضي الله عنه -. الثاني: (فأشرف)؛ أي: تطلعوا إلى الولاية، ورغبوا فيها، لا من حيث هي، بل على أن يكون هو الأمين الموعود في الحديث. * * * 22 - بابُ مَنَاقِب الْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ - رضي الله عنهما - قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَانَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ. (باب مناقب الحسن والحسين - رضي الله عنهما -) فالحسن قَاسَمَ الله ماله ثلاث مرات، حتى كاد يتصدق بنعل

ويمسك نعلًا، وترك الخلافة لا لعلةٍ ولا لذلةٍ، وكان ذلك تحقيقًا لمعجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "يُصلِحُ الله به بين طائفتَين"، ومات بالمدينة مسمومًا سنة تسع وأربعين، ولم يكن بين ولادته وحمل الحسين إلا طهرٌ واحد. وأما الحسين - رضي الله عنه - فقتله سِنان -بكسر المهملة، وبنونين- ابن أنس النخعي، يوم الجمعة، يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق. (وقال نافع بن جبير) موصول في (البيوع). * * * 3746 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ، سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ: "ابْنِي هذَا سَيِّد، وَلَعَلَّ الله أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". الحديث الأول: ظاهرٌ، وسبق شرحه مرات. * * * 3747 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، فَالَ: سَمِعْتُ أَبِي،

قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ كَانَ يَأخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا"، أَوْ كَمَا قَالَ. الثاني: ظاهرٌ أيضًا. * * * 3748 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، أُتِيَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا، فَقَالَ أَنَس: كَانَ أَشْبههُمْ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ. الثالث: (عُبيد الله بن زِياد) بكسر الزاي، وخفة الياء، هو الذي سير الجيش لقتال الحسين، وهو يومئذٍ أمير الكوفة ليزيد بن معاوية، قُتِل بالموصل على يد إبراهيم بن الأشتر النخعي [في أيام المختار] (¬1)، سنة ست وستين. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

وزياد هو الذي ادعاه معاوية أخًا لأبيه، فألحقَه بنسبه، وهو الذي يقال له: زياد بن أبيه، ويقال له: زياد بن سُميَّة، وهي أُمُّه، مولاة الحارث، والد أبي بكْرة، وكان من أصحاب عليٍّ، فلما استخلفَه معاوية صار من أشدِّ الناس بُغضًا لعلي وأولاده. (ينكت)؛ أي: يضرب بقضيب على الأرض فيؤثر فيها. (وكان) شعر رأسه ولحيته. (مَخْضُوبًا بالوَسْمة) بسكون المهملة، وكسرها: نبت يختضب به، وهو الغِظْلِم، بكسر الغين واللام. * * * 3749 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهالِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: أَخْبَرني عَدِيٌّ، قَالَ: سَمعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْحَسَنُ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فأَحِبَّهُ". الرابع: ظاهر. * * * 3750 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرني عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - وَحَمَلَ الْحَسَنَ وَهْوَ يَقُولُ: بِأبِي شَبِيةٌ بِالنَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيهٌ بِعَليٍّ. وَعَليٌّ يَضْحَكُ.

الخامس: (بأبي)؛ أي: أفديك بأبي، أو هو قسَمٌ، وتقديره: لهو شَبيهٌ، أو أنه شَبيهٌ. (ليس شبيهًا) في بعضها: (شبيه) بالرفع؛ فيؤوّل بأنه ليس بمعنى (لا) العاطفة. قال ابن مالك في "شرح التسهيل": كذا ثبت في "صحيح البخاري" لفظه. * * * 3751 - حَدَّثَنِي يَحيَى بْنُ مَعِينٍ وَصَدَقَةُ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ، عَنْ شُعبة، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فِي أَهْلِ بَيْتِهِ. السادس: سبق شرحه قريبًا. * * * 3752 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنسٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: أَخْبَرَنَا معْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرني أَنسٌ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.

السابع: واضح المعنى. (وقال عبد الرزاق) وصله أحمد، والترمذي، وعبد بن حُميد في "مسنده". * * * 3753 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يعْقُوبَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نعم، سَمِعتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَسألهُ عَنِ الْمُحْرِمِ، قَالَ شُعبةُ: أَحْسِبُهُ: يَقْتُلُ الذُّبَابَ؟ فَقَالَ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْألونَ عَنِ الذُّبَابِ، وَقَد قتلُوا ابْنَ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هُمَا رَيْحَانتَايَ مِنَ الدُّنْيَا". الثامن: (وسأله عن المحرم)؛ أي: سأل رجلٌ ابن عُمر عن المُحرم، أي: بالحج أو العُمْرة، وهل له أن يقتُل الذباب حالَ الإحرام؟، فتعجَّب أبن عُمر من سؤال العراقيِّ ذلك، وقال: إنَّ أهل مملكته يسأَلون عن قتْل الذُّباب، ويتفكَّرون فيه، وقد كانوا اجترؤُوا على قتْل الحسين - رضي الله عنه -. (ريحانتاي) في بعضها: (ريحانتي)، والريحان: الورق، أو

23 - باب مناقب بلال بن رباح مولى أبي بكر - رضي الله عنهما -

المشموم؛ لأن الأولاد يُشمَّون ويُقبَّلون، فكأنهم رياحين. * * * 23 - بابُ مَنَاقِبُ بِلاَلِ بْنِ رباحٍ مَوْلَى أَبِي بكر - رضي الله عنهما - وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمعْتُ دَفَّ نَعلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَ فِي الجَنَّةِ" (باب مناقب بلال - رضي الله عنه -) أي: ابن رباح، من مولَّدي السراة، هو من أول من أظهر إسلامه بمكة، مات بالشام سنة عشرين. (وقال - صلى الله عليه وسلم -) موصولٌ في (صلاة الليل). (دُفّ) بمهملة، وفاء مشددة، أي: خفقَهما، أو السَّير اللَّيِّن. وفيه دليل أن الجنة مخلوقةٌ. * * * 3754 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: أَبُو بَكْر سَيِّدُناَ وَأعْتَقَ سَيِّدَناَ، يَعْنِي بِلالًا.

24 - باب ذكر ابن عباس - رضي الله عنهما -

الحديث الأول: (سيدنا) في الأول حقيقة، وفي الثاني تواضعٌ، فهو مجازٌ. * * * 3755 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثنَا إسمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، أَنَّ بِلالًا قَالَ لأَبِي بَكْر: إِنْ كنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فَأَمْسِكْنِي، وإنَّ كنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِلَّهِ فَدَعْنِي وَعَمَلَ اللهِ. الثاني: (وعمل الله) وفي بعضها: (وعملي لله)، قال ذلك حين توفي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني لا أُريد المدينة بدُون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أتحمَّل المقام بها خاليةً عنه. * * * 24 - بابٌ ذِكرُ ابنِ عَباسِ - رضي الله عنهما - (باب ذكر ابن عباس - رضي الله عنهما -) 3756 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى صَدره وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ".

25 - باب مناقب خالد بن الوليد - رضي الله عنه -

الحديث الأول: (الحكمة) هي العلم، وقيل: إتقان الأمور، وقيل: العلم الوافي، والعمل الكافي، وقيل: العلم بالسنة. وقال البخاري: الإصابة من غير النبوة. * * * حَدَّثَنَا أبو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، وَقَالَ: "عَلِّمهُ الْكِتَابَ". حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ مِثْلَهُ. الثاني: (الكتاب) هو القرآن، صار فيه حقيقةً عرفيةً. * * * 25 - بابُ مَنَاقِبُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيد - رضي الله عنه - (باب مناقب خالد بن الوليد - رضي الله عنه -) 3757 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ حُمَيدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نعى زبدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُم خَبَرُهُم، فَقَالَ: "أَخَذَ الرَّايَةَ زيدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ

26 - باب مناقب سالم مولي أبي حذيفة - رضي الله عنه -

-وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ- حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ حَتَّى فتحَ اللهُ عَلَيْهمْ". (تذرفان) بإعجام الذال: تسيلان دمعًا. (سيف من سيوف الله) هو خالد بن الوليد. وسبق الحديث في (الجنائز)، في (باب: الرجل يُنعَى). * * * 26 - بابُ مَنَاقبُ سَالِم مَوْليَ أَبِي حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - (باب مناقب سالم مولى أبي حُذيفة - رضي الله عنه -) مصغَّر حذفة -بمهملة، فمعجمة، وفاء- ابن عُتْبة -بسكون المثناة- ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، كان من أهل فارس، ومن فضلاء الموالي، معدودٌ في المهاجرين؛ لأنه هاجر إلى المدينة، وفي الأنصار لأنه عبدٌ لزوجة أبي حُذيفة الأنصارية، وفي قريش، وفي العجَم، وفي الموالي، وفي القُراء، قُتل يوم اليمامة. 3758 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ عَمرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللهِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اسْتَقْرِئُوا الْقُرآنَ مِنْ أَربَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ بِهِ- وَسَالمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ"، قَالَ:

27 - باب مناقب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -

لا أدرِي بَدَأَ بِأُبيٍّ وبِمُعَاذٍ. (من أربعة)؛ أي: لأنهم أكثر ضبطًا للفظ، وأتقن لأدائه، وإن كان غيرهم أفقه منهم في معانيه، أو لأنهم تفرغوا لأخذه عنه مشافهة، أو لأن يؤخذ منهم، أو أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد الإعلام بما يكون بعده. * * * 27 - بابُ مَنَاقِبُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - (باب مناقب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -) 3759 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمرٍو: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لم يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُم إِلَيَّ أَحْسَنَكم أَخْلاَقًا". 3760 - وَقَالَ: "اسْتَقْرِئُوا الْقرآنَ مِنْ أرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود، وَسَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَل". الحديث الأول: (فاحشًا)؛ أي: متكلمًا بالقبيح. (متفحشًا)؛ متكلِّفًا لذلك، أي: لا يقع منه ذلك، لا بطبعه،

ولا بتكلُّف فعله. * * * 3761 - حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ أَبِي عَوَانةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: دَخَلْتُ الشَّأمَ فَصَلَّيْتُ ركعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّر لِي جَلِيسًا، فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلًا، فَلَمَّا دَناَ قُلْتُ: أَرجُو أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أفلَمْ يَكُنْ فِيكُم صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهرَةِ، أَوَلم يَكُنْ فِيكُمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوَلَم يَكُنْ فِيكُف صَاحِبُ السِّرِّ الَذِي لاَ يَعْلَمُهُ غيْرُهُ، كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ {وَاللَّيْلِ} فَقَرَأْتُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} قَالَ: أَقْرَأَنِيها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاهُ إِلَى فِيَّ، فَمَا زَالَ هؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَرُدُّوني. الثاني: (والوساد)؛ أي: المخدة؛ لكن المشهور بدله: (السواد)، والمراد عبد الله بن مسعود. (الذي أجير): هو عمار. (صاحب السر): هو حذيفة، أي: عَرَّفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسماء المنافقين. (ابن أم عبد): هو ابن مسعود.

28 - باب ذكر معاوية - رضي الله عنه -

(يردوني)؛ أي: من قراءة: {والذكر والأنثى}، إلى قراءة {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]. * * * 3762 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَاَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهديِ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نأخُذَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمتًا وَهدْيًا وَدَلًّا بِالنبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. الثالث: (السمت): حُسن الهيئة. (والهدي) بفتح الهاء، وسكون المهملة: الطريقة، والمذهب. (ودَلًّا) بفتح المهملة، وشدة اللام: الشكل، والشمائل. * * * 28 - بابُ ذِكرُ مُعَاوَية - رضي الله عنه - (باب ذكر معاوية) أي: ابن أبي سفيان بن صخْر بن حرْب بن أُمية بن عبد شمس الأموي، أسلم في فتح مكة، أحد كتَّاب الوحي، ولما بعث أبو بكر

الجيش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد، فلما مات يزيد استخلفَه على عمَله، فأقره عُمر، ثم عُثمان، وكان فيها أيضًا زمن خلافة علي، ثم سلَّم إليه الحسَنُ الأمرَ، حتى مات بدمشق سنة ستين. * * * 3764 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِرَكعَةٍ وَعِنْدَهُ مَوْلًى لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: دعْهُ، فَإِنَّهُ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (فقال: دعه) الفاء فيه فصيحة، أي: فحكى إيتار معاوية بركعة، فقال: دعْهُ، فإنه عارفٌ بالفقه؛ لأنه صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعلم منه. * * * 3765 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: هلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إلَّا بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: إنَّهُ فَقِيهٌ.

29 - باب مناقب فاطمة عليها السلام

الثاني: (هل لك)؛ أي: كلامٌ في شأن معاوية حيث أوتَر بركعةٍ واحدةٍ. * * * 3766 - حَدَّثَنِي عَمرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفرٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمرَانَ بْنَ أَبَانَ، عَنْ مُعَاوِيَة - رضي الله عنه -، قَالَ: إِنَّكمْ لتُصَلُّونَ صَلاَةً لَقَد صَحِبْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيها، وَلَقَدْ نهى عَنْهُمَا، يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. الثالث: سبق في (كتاب الصلاة). * * * 29 - بابُ مَنَاقِبُ فَاطِمَةَ عَلَيْها السَّلاَمُ وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (باب مناقب فاطمة رضي الله عنها) هي أصغر بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - سنًّا، أنكحها عليًّا وهي بنت خمس عشرة سنة، بعد أُحد، ماتت في رمضان سنة إحدى عشرة، وغسلها عليٌّ، ودفنها ليلًا بوصيتها.

30 - باب فضل عائشة رضي الله عنها

(وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) تقدم موصولًا. * * * 3767 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَها أَغْضَبني". (بضعة) قال الجَوْهري: بفتح الباء، وقال (ن): بضمها، كالمضغة، وفي "النهاية": أنها بالفتح، وقد تكسر. * * * 30 - بابُ فَضلِ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنْها (باب فضل عائشة رضي الله عنها) 3768 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ أبو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا: "يَا عَائِشَ، هذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ"، فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لاَ أَرَى. تُرِيدُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (يا عائش)؛ أي: يا عائشة، فرخم بحذف التاء، وفي الشين

الفتح والضم. (يقرئك)؛ أي: يسلم عليك. فيه استحباب بعث السلام، ومن الأجنبي للأجنبية الصالحة حيث لا تخاف مفسدة، وأن رد السلام واجبٌ على الفور، وكذا من بلغه سلام في ورقة من غائب لزمه أن يردَّ - عليه السلام - باللفظ إذا قرأه. فإن قيل: لِمَ ذكر معاوية، ومناقِب فاطمة، وفضْل عائشة؟ قيل: أراد بالفضْل مُراعاة لفظ الحديث في حقِّها، وأما الذِّكْر فهو أعم من المناقب. * * * 3769 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَمرٌو، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمرَانَ، وَآسِيةُ امرَأةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". الثاني: (كَمُلَ): مثلث الميم. (ولم يَكْمُل)؛ أي: من نساء عصرها. (آسية) بوزن فاعلة، من الأسُوُّ.

سبق الحديث في (الأنبياء)، في (قصة موسى). * * * 3770 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ ابْنُ جعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطعَامِ". الثالث: كالذي قبله. * * * 3771 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَونٍ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عَائِشَةَ اشْتكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدقٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ. الرابع: (اشتكت)؛ أي: مرضت. (تقدمين) بفتح الدال. (فرَط) بفتح الراء، أي: الفارِط، أي: السابق للماء، والمنْزل.

(صدق)؛ أي: صادق، وهو الحسن، كقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر: 55]. (على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بدلٌ بتكرار العامل. * * * 3772 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنِ الْحَكَم، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّها زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ الله ابْتَلاَكُم لِتتَبِعُوهُ أَوْ إِيَّاها. الخامس: (ليستنفرهم)؛ أي: ليطالب الحسن خروجهم إلى علي، وإلى نصرته في مقاتلة كانت بينه وبين عائشة بالبصرة، ويُسمى بيوم الجمَل، بالجيم. (لتتبعوه)؛ أي: عليًّا. (أو إياها)؛ أي: عائشة. * * * 3773 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أَنَّها اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهلَكَتْ، فَأرسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَاسًا مِنْ أَصحابِهِ فِي

طَلَبِها، فَأَدركتْهُمُ الصَّلاَةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أتوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّم، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا جَعَلَ اللهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً. السادس: (أسماء) بالمدِّ، أُخت عائشة. (أُسيد بن حُضَير) بالتصغير فيهما. وسبق الحديث أول (التيمم). * * * 3774 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ: "أَيْنَ أَنَا غَدًا، أَيْنَ أَنَا غَدًا"، حِرْصًا عَلَى بَيْتِ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ. السابع: (عن أبيه)؛ أي: عروة، فالحديث مرسلٌ؛ لأنه تابعي. (يومي)؛ أي: نَوبتي. (سكن)؛ أي: مات، أو سكت عن هذا القول. * * *

3775 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يتَحَرَّوْنَ بِهدَايَاهُم يَوْمَ عَائِشَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ! وَاللهِ إِنَّ النَّاسَ يتَحَرَّوْنَ بهدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأمُرَ الناسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا دارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ! لاَ تُؤْذِيني فِي عَائِشَةَ، فَإنّهُ وَاللهِ مَا نزَلَ عَليَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امرَأَةٍ مِنْكُنَّ غيْرها". الثامن: (يتحرون)؛ أي: يقصدون، ويجتهدون. (فقلن) في بعضها: (فقالوا). (فمري)؛ أي: قولي، وبه يستدل على أن العُلوَّ والاستعلاء لا يشترط في الآمر. (في لِحَاف) بكسر اللام: ما يتغطى به. * * *

63 - مناقب الأنصار

63 - مناقب الأنصار

1 - باب مناقب الأنصار

63 - مناقِبِ الأنصارِ 1 - بابُ مناقِبِ الأنصارِ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} (باب مناقب الأنصار - رضي الله عنه -) هم أهل المدينة الذين آووا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونصروه. (والإيمان) مؤوّل بنحو ما في: علفتُها تِبْنًا وماءً بارِدًا 3776 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْديُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَنسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ ألأَنْصَارِ؛ كنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أمْ سَمَّاكُمُ الله؟ قَالَ: بَلْ سَمَّاناَ اللهُ. كُنَّا ندخُلُ عَلَى أَنسٍ، فَيُحَدِّثُنَا مَنَاقِبَ الأَنْصَارِ وَمَشَاهِدَهمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ فَيَقُولُ: فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا.

الحديث الأول: (أرأيتم)؛ أي: أخبروني أنكم قبل القرآن كنتم تسمون بالأنصار أم لا؟ (سلمنا)؛ أي: كما في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100]. * * * 3777 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ، وَجُرِّحُوا، فَقَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دُخُولهم فِي الإسْلاَمِ. الثاني: (بُعاث) بضم الموحدة، وتخفيف المهملة: اسم بقعة بقرب المدينة، وقع فيها حرب بين الأوس والخزرج. (ملاؤهم) الجماعة، والأشراف. (سَرَوَاتهم) بفتحات، جمع سراة، وهو جمع سري، بفتح السين، وهوَ السيد الكريم الشريف، وقدمه الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، إذ لو كان أشرفهم أحياء لاستكبروا عن متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولمنع حبهم الرياسة

أن يدخل - صلى الله عليه وسلم - رئيسًا عليهم، فهو من جملة مقدمات الخير له. (وجرحوا) ويروى: (خرجوا). * * * 3778 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوليدِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاح، قَالَ: سَمعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ وَأعْطَى قُرَيْشًا: وَاللهِ إِنَّ هذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهم! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا الأَنْصَارَ، قَالَ: فَقَالَ: "مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُم؟ "، وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ، فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ، قَالَ: "أَوَلاَ ترْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِم إِلَى بُيُوتهِمْ، وَترْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بُيُوتكُم، لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ". الثالث: (يوم فتح مكة)؛ يعني: من غنائم حُنين بعد فتح مكة؛ لأن أهل مكة لم تقسم أموالهم. (سيوفنا تقطر)؛ أي: دماؤهم تقطرُ من سيوفنا، فهو من باب القَلْب، كعرضتُ الناقةَ على الحَوض. (لو سلكت) أراد بذلك حسن موافقته إياهم، وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الجوار، والوفاء بالعهد، لا من

2 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا الهجرة لكنت من الأنصار"

متابعته لهم؛ لأنه هو المتبوع الواجب متابعته وطاعته على كل أحدٍ. * * * 2 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ الْهِجْرةُ لَكُنْتُ مِنَ الأَنْصَارِ" قَالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا الهجرةُ لكنتُ امرأً من الأنْصار") (قاله عبد الله بن زيد) موصول في (غزوة حُنين). * * * 3779 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -أَوْ قَالَ: أَبُو الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم - -: "لَوْ أَنَّ الأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعبًا، لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الأَنْصَارِ، وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امرَأً مِنَ الأَنْصَار"، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا ظَلَمَ بأَبِي وَأُمِّي، آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ. أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى. (ولولا الهجرة) قال مُحيي السُّنة: ليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي؛ لأنه حرام؛ وإنما أراد النسب البلادي، أي: لولا الهجرة أمرٌ دينيٌّ، وعبادةٌ مأمور بها، لانتسبت إلى داركم.

3 - باب إخاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار

والغرض أن فضيلته أعلى من النصرة بعد الهجرة، وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغًا لولا أنه من المهاجرين لعد نفسه من الأنصار، ففيه أن المهاجرين أفضل. (بأبي وأُمي)؛ أي: ما ظلم بهذا القول حال كونه مُفَدَّى بأبي وأُمي، لا سيما والمراد لازمه، وهو الرضا، أي: مرضيًّا. (وكلمة أُخرى) هي نحو: وساعدوه بالمال. * * * 3 - بابٌ إِخَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْمهاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ (باب إخاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بين المُهاجرين والأنصار) 3780 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ عَبْدِ الرَّحمَنِ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ: إِنِّي أكثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأقْسِمُ مَالِي نِضفَيْنِ، وَلي امرَأتانِ، فَانْظُر أَعجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّها لِي أُطَلِّقْها، فَإذَا انْقَضَتْ عِدَّتها فتزَوَّجْها. قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُم؟ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بني قَيْنُقَاعَ، فَمَا انْقَلَبَ إِلَّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسمنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيم"، قَالَ تَزَوَّجْتُ، قَالَ: "كَم سُقْتَ إِلَيْها؟ "، قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهبٍ، أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهبٍ، شَكَّ إِبْرَاهِيمُ.

الحديث الأول: (قَيْنُقَاع) بفتح القافين، وسكون الياء، والنون مثلثة، وبمهملة. (الغدوّ) قال تعالى: {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 205]، أي: فعل مثله في كل صبيحة يوم. (مَهْيَم) بفتح الميم والياء، وسكون الهاء بينهما، أي: ما حالك، وما شأنك، وما الخبر. (نواة) هي خمسة دراهم، واستنكر الداودي رواية: (وزن نواة)، مستندًا لقول أبي عُبيدة: إنها خمسة دراهم، أي: كما يُسمى أربعون أُوقية. وقال الأزهري: لفظ الحديث يدل على أنه تزوجها على ذهب قيمته خمسة دراهم، ألا تراه قال: (نواة من ذهب)، ولست أدري لِمَ أنكر أبو عُبيدة. * * * 3781 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، أنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرحمَنِ بنُ عَوفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سعدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَقَالَ سعد: قَد عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أنِّي مِنْ أكثَرها مَالًا، سَأقْسِمُ مَالِي بَيْني وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، ولي امْرَأتانِ، فَانْظُر أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُها، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتها. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَم يَرْجِعْ يَوْمَئذ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا

مِنْ سَمنٍ وَأَقِطٍ، فَلَم يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَم"، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امرَأةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: "مَا سُقْتَ فِيها؟ "، قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهبٍ، فَقَالَ: "أَوْلم وَلَوْ بِشَاةٍ". الثاني: (وَضَر) بفتح الواو والمعجمة، وبراء: لَطْخٌ من طِيب ونحوه. وسبقت مباحث الحديث أول (البيع). * * * 3782 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ ابْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو همَّامٍ، قَالَ: سَمعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحمنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ: اقْسِم بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ النَّخْلَ، قَالَ: "لاَ"، قَالَ: يَكْفُوناَ الْمَؤُنة وَتُشْرِكُوناَ فِي التَّمرِ. قَالُوا: سَمِعنَا وَأَطَعنَا. الثالث: (في الأمر) (¬1)؛ أي: الحاصل الذي أكثر منه، وهو من قولهم: أمِرَ ماله، أي: كثر، ومأموره، أي: كثيره. وسبق شرحه في (كتاب الحرث). * * * ¬

_ (¬1) هذه رواية الكشمينهي، ولغيره: "في التمر". انظر "إرشاد الساري" (6/ 150).

4 - باب حب الأنصار

4 - بابُ حُبُّ الأَنْصَارِ (باب حب الأنصار) 3783 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - -أَوْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - -: "الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُم إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُم أَبْغَضَهُ اللهُ". الحديث الأول: سبق في أول (الإيمان). * * * 3784 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "آيَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ". الثاني: (آية)؛ يعني: علامة؛ أي: أنهم جعلوا المدينة مستقرًا له ولأصحابه، فمن أحبهم فلا شك في كمال إيمانه. * * *

5 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار "أنتم أحب الناس إلي"

5 - بابُ قولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - للأنْصَار "أَنْتُم أحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ" (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: أنتم أحبُّ الناسِ إليَّ) 3785 - حَدَّثَنَا أَبو مَعمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ -قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ عُرُس- فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُمْثلًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَنتم مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيّ"، قَالها ثَلاَثَ مِرَارٍ. الحديث الأول: (مُمْثِلًا) بضم الميمم الأولى، وسكون الثانية، وكسر المثلثة، أو فتحها، أو بفتح الميم الثانية، وتشديد المثلثة مكسورة، أي: منتصبًا قائمًا، وإليه أشار البخاري بقوله: إنه من (مثل الرجل)؛ أي: بضم المثلثة. (قام) قال السَّفَاقُسِي: كذا وقع رباعيًّا، والمعروف أنه ثلاثي، من: مثل الرجل مُثولًا، انتصب قائمًا، فهو ماثل. قال (ع): فجاء هنا ممثلًا، أي: مُكلفًا نفسه ذلك، وطالبًا منها ذلك، فُعدي فعله، انتهى. ورواه البخاري في (النكاح): (مُمْتَنًّا)، بمثناة، ونون، من: المِنَّة، أي: مُفضلًا عليهم.

6 - باب أتباع الأنصار

وقال (ش): بمعنى طويلًا. * * * 3786 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ"، مَرَّتَيْنِ. الثّاني: عُلم معناه ممّا سبق. * * * 6 - بابُ أَتْبَاعِ الأَنْصَارِ (باب أتباع الأنصار) 3787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَتِ الأَنْصَارُ: لِكُلِّ نبَيٍّ أَتْبَاعٌ، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْع اللهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا، فَدَعَا بِهِ، فَنَمَيْتُ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَدْ زَعَمَ ذَلِكَ زَيْدٌ.

الحديث الأوّل: (أتباعنا منا)؛ أي: يجعل لهم ما جعل لنا من العِزِّ والشرف، أو متصلين بنا، مقتفين آثارنا بإحسان. (فَنَمَيتُ) بتخفيف الميم، أي: نقلت، وحدثت به، وأمّا بالتشديد: فإبلاغه على جهة الإفساد. (ابن أبي ليلى)؛ أي: عبد الرّحمن. (زعم)؛ أي: قال. (زيد)؛ أي: ابن أرقم، كما حسبه سعيد فيما سيأتي. * * * 3788 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ -رَجُلًا مَنَ الأَنْصَارِ- قَالَتِ الأَنْصَارُ: إِنَّ لِكُلِّ قَوْم أَتْبَاعًا، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهمَّ اجْعَلْ أتبَاعَهُمْ مِنْهُمْ"، قَالَ عَمْرٌو: فَذَكَرْتُهُ لاِبْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَدْ زَعَمَ ذَاكَ زَيْدٌ، قَالَ شُعْبَةُ أَظُنُّهُ زيدَ بْنَ أَرْقَمَ. الثّاني: كالذي قبله. * * *

7 - باب فضل دور الأنصار

7 - بابُ فَضْلِ دُورِ الأَنْصَارِ (باب فضل دور الأنصار) كانت كلّ قبيلة منهم تسكن محلة، تسمى تلك المحلة: دارًا. 3789 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ"، فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أَرَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إلا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا؟ فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ. وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ أَبُو أُسَيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا، وَقَالَ سَعْدُ ئنُ عُبَادَةَ. الحديث الأوّل: (النَجَّار) بفتح النون، وتشديد الجيم، أي: خير القبائل قبيلة بني النجار، فعبر عنهم بالدار، من إطلاق المحل وإرادة الحال، أو أن خيرتها بحسب خيره أهلها. (الخَزْرج) بفتح المعجمة، وسكون الزاي، وبراء، وجيم. (سَاعِدة) بكسر العين المهملة.

(سعد)؛ أي: ابن عُبادة. (على كثير)؛ أي: من القبائل غير المذكورة من الأنصار. (وقال عبد الصمد) موصول في (مناقب سعد بن عُبادة). (وقال سعد)؛ أي: صرح بأن سعدًا هو ابن عُبادة. * * * 3790 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خَيْرُ الأَنْصَارِ -أَوْ قَالَ: خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ- بَنُو النَّجَّارِ، وَبَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَبَنُو الْحَارِثِ، وَبَنُو سَاعِدَةَ". الثّاني: في معنى ما سبق. * * * 3791 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ خَيْرَ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ"، فَلَحِقْنَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ أَبَو أُسَيْدٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ نَبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيَّرَ الأَنْصَارَ، فَجَعَلَنَا

8 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض"

أَخِيرًا، فَأَدْرَكَ سَعْدٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! خُيِّرَ دُورُ الأَنْصَارِ فَجُعِلْنَا آخِرًا؟ فَقَالَ: "أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ". الثّالث: (أبو أُسيد) بالتصغير. (خَيَّرَ)؛ أي: فَضَّلَ بعضهم على بعض. (من الخيار) جمع خير، بمعنى أفعل التفضيل، وهو تفضيلهم على باقي القبائل أولًا بمعناه، وذلك ظاهر، والتفضيل بحسب نسبتهم إلى الإسلام، ومساعيهم في إعلاء الكلمة، ومآثرهم فيه. * * * 8 - بابُ قَوْل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلأَنْصَارِ: "اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ" قَالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: اصبروا) قوله: (قال عبد الله بن زيد) موصول في (المغازي)، في (غزوة خَيْبر). * * *

3792 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا؟ قَالَ: "سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ". الحديث الأوّل: (أَثَرة) بفتح الهمزة، والمثلثة: الاستيثار عليهم، والاختصاص عليهم، بمعنى: الأمراء يخصصون الأموال بأنفسهم، ولا يشركونهم فيها. (الحوض)؛ أي: الكوثر. وسبق الحديث مرارًا. * * * 3793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ ابْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلأَنْصَارِ: "إِنَّكمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، وَمَوْعِدكُمُ الْحَوْضُ". الثّاني: كالذي قبله. * * *

9 - باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أصلح الأنصار والمهاجرة"

3794 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: لَا، إلا أَنْ تُقْطِعَ لإخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا، قَالَ: "إِمَّا لَا، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أُثرَةٌ". الثّالث: (الوليد)؛ أي: ابن عبد الملك بن مروان. (يقطع) الإقطاع: إعطاء الإمام قطعةً من الأرض وغيرها. (البحرين): بلدٌ بساحل بحر الهند. (إما لا)؛ أي: إن كنتم لا تريدون أو لا تقبلون، فأدغم النون في الميم، وحذف فعل الشرط، قد تمال كلمة (لا)، وقد يُروى بفتح همزة (إمّا). * * * 9 - بابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصْلِحِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ" (باب دعاء النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أصلِح الأنصارَ والمُهاجِرة") 3795 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ

مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخِرَةِ، فَأصْلِح الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَة". 3795 / -م وَعَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ، وَقَالَ: "فَاغْفِرْ للأَنْصَارِ". الحديث الأوّل: (فاغفر)؛ أي: بدل: (أصلح). (للأنصار) بلام الجر، أي: بدل: (الأنصار). * * * 3796 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، سَمِعْتُ أَنَس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا فَأَجَابَهُمُ: "اللهُمَّ لَا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخِرَهْ، فَأكرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ". الثّاني: كالذي قبله. * * *

10 - باب {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}

3797 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ وَننقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَ لَا عَيشَ إلا عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ". الثّالث: (أكتادنا) جمع كتد، بمثناة، ومهملة: ما بين الكاهل إلى الظهر، وفي بعضها بالموحدة. قال (ش): وقيل: (على أكتافنا). * * * 10 - بابٌ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (باب: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9]) 3798 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إلا الْمَاءُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَضُمُّ -أَوْ يُضِيفُ- هَذَا؟ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكَرِمِي ضَيْفَ

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إلا قُوتُ صِبْيَانِي. فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانها، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأَكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ -أَوْ عَجبَ- مِنْ فَعَالِكُمَا"، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (من يضم)؛ أي: من يجمعه إلى نفسه في الأكل. (فقال رجل) هو أبو طلحة، وقيل: زيد بن سهل. (طاويين)؛ أي: جائعين. (ضحك) هو محال على الله تعالى، فالمراد منه لازمه، وهو الرضا بذلك. (فعالكما) بفتح الفاء، أي: الفعلة، ويطلق على الكرم. (خصاصة)؛ أي: خَلَّة، وفَقْر. * * *

11 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقبلوا من محسنهم، وتجاوزا عن مسيئهم"

11 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُا عَنْ مُسِيئِهِمْ" (باب قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقبلوا من مُحسنِهم، وتَجاوَزُوا عن مُسيئِهم") 3799 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ - رضي الله عنهما - بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمْ؟ قَالُوا: ذَكرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَّا. فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ، قَالَ: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئهِمْ". الحديث الأوّل: (كَرشي) بفتح أوله، وكسر ثانيه، هو بمنزلة المعدة للإنسان. (وعيبتي) بفتح المهملة، وسكون الياء، وبموحدة: مستودع الثِّياب، فالأولى باطن، والثّاني ظاهرٌ، فيحتمل أنه ضرب المثل بهما؛

لإرادة اختصاصهم في أموره الظاهرة والباطنة. وقال (خ): يريد أنهم بطانتي، ومَثَّلهم بالكرش؛ لأنه مستقر غذاء الحيوان الّذي يكون به بقاؤه، وقد يكون الكرش أهل الرَّجل وعياله، وبالعيبة: الّتي يخزن فيها المرء فاخر ثيابه، أي: أنهم موضع سره وأمانته. * * * 3800 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاس - رضي الله عنهما - يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ، مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْح فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعُهُ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، ويَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئهِمْ". الثّاني: (متعطفًا)؛ أي: مرتديًا، والعطاف: الرداء. (عصابة)؛ أي: عمامة. (دسماء)؛ أي: سوداء. * * *

12 - باب مناقب سعد بن معاذ - رضي الله عنه -

3801 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَالنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجاوزوا عَنْ مُسِيئِهِمْ". الثّالث: كالذي قبله. * * * 12 - بابُ مَنَاقِبُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ - رضي الله عنه - (باب مناقب سعد بن مُعاذ - رضي الله عنه -) بإعجام الذال، الأوسي، سماه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: سيد الأنصار. 3802 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِيِنهَا، فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا، أَوْ أَلَيَنُ". رَوَاهُ قتادَةُ وَالزُّهْرِيُّ، سَمِعَا أَنسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

الحديث الأوّل: (لمناديل سعد) خَصّهُ بذلك؛ إمّا لأنه كان يحب ذلك الجنس من الثِّياب، أو اللامسون المتعجِّبون كانوا من الأنصار، فقال: منديل سيِّدكم خيرٌ من هذا. ومرَّ في (باب قبول هدية المشركين)، وأنها كانت جُبَّةً من سُنْدس، أهداها له أُكَيْدِر دُومَة. (رواه قتادة) موصول في (الهِبَة). (والزُّهْري) يأتي في (اللباس). * * * 3803 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُسَاوِرٍ خَتَنُ أَبِي عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اهْتَزَّ الْعَرشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". 3803 / -م - وَعَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: فَإِنَّ الْبَرَاءَ يَقُولُ: اهْتَزَّ السَّرِيرُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ ضَغَائِنُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". الثّاني: (ختن) هو كلّ من كان من قِبَل المرأة، كأبيها وأخيها، وعند

العامة هو زوج البنت. (اهتز العرش) الاهتزاز: الحركة والاضطراب، فإن كان المراد العرش، فالمراد حملته، واهتزازهم: سرورهم واستبشارهم بقدومه، ومنه اهتزاز النباب: إذا حسن واخضر. قال (ك): ويحتمل أنه نفس العرش، والله على كلّ شيء قدير، استبشارًا بقدومه، أو مجاز، أي: تعظيم حاله، ومثلًا لكرامته عند الله تعالى. (فإن البراء يقول) إلى آخره، استُشكل من حيث إنّه لا يبقي خصوصية؛ إذ ما من سريرٍ إلا ويهتزُّ عند تجاذب الرجال إياه، والتصريح في رواية جابر: "عرش الرّحمن"، وجوابه: يحتمل أن المراد: اهتزازه عند انتفاء تجاذب الرجال عظمةً له، كما رَجَفَ أحُدٌ، فكان فضيلةً لمن كان عليه، وهو النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأمّا التصريح بعرش الرّحمن فقد لا يكون بلغَه بهذا اللّفظ. وأمّا قول جابر: (إنّه كان بين الحيين): الأوس والخزرج، (ضغائن)، أي: وكان البراء خزرجيًّا، وسعدٌ أوسيًّا، فذاك إنّما كان قبل الإسلام، وأمّا بعده فلا، ولكن قاله جابر بظنه، وحينئذٍ فلا قَدْح، لا في عدالة البراء، ولا في عدالة جابر. * * * 3804 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ

إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ أُنَاسًا نزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجدِ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ، أَوْ سَيِّدِكُمْ". فَقَالَ: "يَا سَعْدُ! إنَّ هَؤُلَاءِ نزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ"، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلتَهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ. قَالَ: "حَكَمْتَ بِحُكْم اللهِ، أَوْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ". الثّالث: (أن ناسًا نزلوا) هم بنو قُرَيظة، نزلوا من حصنهم على حكم سعد. (فأرسل)؛ أي: النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إليه يطلبه. (قريبًا من المسجد) قال (ع): أُراه وهمًا؛ لأن سعدًا جاء من المسجد، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان نازلًا علي بني قُرَيظة، ومن هناك أرسل لسعد ليأتيه من المسجد؛ اللهُمَّ إلا أن يراد مسجد اخْتَطهُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان يصلّي فيه مدة مقامه. قال (ش): قيل: والأشبه أن المسجد تصحيفٌ، وصوابه: لمَّا دنا من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كما رواه أبو داود بسند البخاريّ عن شعبة، والعجَب أنَّ مسلمًا رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن شعبة، كما رواه البخاريّ، والذي رواه ابن أبي شيبة في "مسنده": فلمَّا دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

13 - باب منقبة أسيد بن حضير وعباد بن بشر - رضي الله عنهما -

(خيركم) إن كان الخطاب للأنصار، فظاهر، وإن كان للأعم، فظاهر أيضًا إذا لم يكن في المجلس من هو أفضل منه، أو المراد سيادة خاصّة من جهة تحكيمه في هذه القصة. وفيه استحباب القيام للسادات. (ذراريهم) بتخفيف الياء، وتشديدها، يطلق على النِّساء والصبيان. (الملِك) بكسر اللام، وفتحها. قال (خ): يريد به الله تعالى الّذي له المُلك والملكوت، وهو أشبه بالصواب، أو المَلك الّذي نزل بالوحي في أمرهم، أي: جبريل عليه السّلام. * * * 13 - بابُ مَنْقَبَةِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرِ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرِ - رضي الله عنهما - (باب منقبة أُسيد بن حُضير - رضي الله عنه -) أي: الأشهلي، الأنصاري، ثبت مع النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد حين انكشف النَّاس عنه، مات سنة عشرين، وحمله عُمر بنفسه حتّى وضعه بالبقيع، وصلّى عليه. 3805 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِم، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ،

14 - باب مناقب معاذ بن جبل - رضي الله عنه -

أَخْبَرَنَا قتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَإِذَا نُورٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى تَفَرَّقَا، فتَفَرَّقَ النُّورُ مَعَهُمَا. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَرَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. وقَالَ حَمَّادٌ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنسٍ: كَان أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بنُ بِشْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وعَبَّاد بن بشر) قُتل يوم اليَمامة. والحديث سبق في (أبواب المسجد). * * * 14 - بابُ مَنَاقِبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - (باب مناقب معاذ بن جبل - رضي الله عنه -) هو بالذال المعجمة، الأنصاري، الخزرجي، القاضي باليمن، مات في طاعون عَمَواس. 3806 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ،

15 - منقبة سعد بن عبادة - رضي الله عنه -

وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيٍّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ". والحديث سبق مرات. * * * 15 - مَنْقَبَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - وَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا (باب مناقب سعد بن عُبَادة - رضي الله عنه -) بضم العين المهملة، وتخفيف الموحدة، الساعدي، النقيب، مات بالشام سنة خمس عشرة، وقصته مشهورة مع الجِنِّ. (قبل ذلك)؛ أي: قبل قصة الإفك. * * * 3807 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرجَ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ". فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -وَكَانَ ذَا قِدَمٍ فِي الإسْلَامِ-: أَرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ

16 - باب مناقب أبي بن كعب - رضي الله عنه -

فَضَّلَكُمْ عَلَى نَاسٍ كَثِيرٍ. (قِدَم) بكسر القاف، أي: تقدّم، وبفتحها، أي: سابقة فضل. * * * 16 - بابٌ مَنَاقِبُ أُبَيِّ بْنِ كَعْب - رضي الله عنه - (باب مناقب أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه -) بضم الهمزة، وفتح الموحدة، وتشديد الياء، الخزرجي، كاتب الوحي، سماه عُمر: سيد المسلمين، مات سنة عشرين، وله منقبة عظيمة لا يشركه فيها أحد من النَّاس؛ وهي قراءة النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - القرآن عليه. 3808 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ ذُكِرَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ بِهِ- وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ". الحديث الأوّل: سبق مرات. * * *

3809 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبة، سَمِعْتُ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ بنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأُبَيٍّ: "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} " قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَبَكَى. الثّاني: (وسماني)؛ أي: نصّ عليّ باسمي، أو قال: واحد من أصحابك؟. وأمّا تخصيص هذه السورة؛ فلأنها مع وجازتها جامعة لأصول، وقواعد ومهمات عظيمة، وكان الحال يقتضي الاقتصار. (فبكى)؛ أي: سرورًا، أو استصغارًا لنفسه عن تأهله لهذه النعمة، أو خوفًا من تقصيره في شكرها. والحكمة في أمره بالقراءة عليه أن يتعلم أُبَيٌّ ألفاظه، وكيفية أدائه - صلى الله عليه وسلم -، ومواضع الوقوف، فالقراءة عليه ليُعَلِّمَهُ، لا ليتعلم منه، وأن يَسن عرض القرآن على حفاظه المجوِّدين لأدائه، وإن كانوا دونه في النسب والدِّين والفضيلة ونحو ذلك، وأن ينبه النَّاس على فضيلة أُبَيّ، ويحثهم على الأخذ عنه، وتقديمه في ذلك، وكذا كان، فصار رأسًا، وإمامًا مشهورًا. * * *

17 - باب مناقب زيد بن ثابت - رضي الله عنه -

17 - بابُ مَنَاقِبُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - (باب مناقب زيد بن ثابت) أحد كتاب الوحي، والفقهاء الجلة، مات بالمدينة سنة خمس وأربعين. 3810 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيٌّ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبو زَيْدٍ، وَزيدُ بْنُ ثَابِتٍ. قُلْتُ لأَنسٍ: مَنْ أَبُو زيدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي. (وأبو زيد) هو سعد بن عُبيد الأوسي، البدري، يعرف بـ: سعد القارئ، استشهد بالقادسية سنة خمس عشرة، كذا قاله طائفة؛ محمّد بن نُمير وغيره، وقال الواقدي: هو قيس بن السكن بن قيس بن زَعورُاء، بفتح الزاي، وبالمهملة، وبالراء: ابن حرام، بالراء، النَّجَاري، الخزرجي. وقول أنس: (أحد عمومتي)؛ أي: أعمامي، يدلُّ عليه؛ لأن أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم، بالمعجمتين، بن زيد، ابن حرام، وافتخر الحيان: الأوس والخزرج، فقالت: الأوس: منا غَسِيلُ الملائكة حنْظلة، والذي حَمَتْه الدَّبَر عاصم،

والذي اهتز لموته العرش سعد، ومن شهادته بشهادة رجلين خُزيمة. فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مُعاذ بن جبل، وأُبَيّ، وزيد، وأبو زيد، وقال ابن مَعين: هو ثابت بن زيد، بن مالك الأشهلي. واعلم أن ذكر الأربعة لا ينفي غيرهم، فإن الخلفاء الأربعة وغيرهم جمعوه؛ لأن العدد لا ينفي الزائد، أو المراد جمعوه حفظًا عن ظهر قلب، ولا ينافي جمعهم إياه نزول بعضه قرب وفاة النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهم حفظوا ذلك البعض أيضًا قبل الوفاة. قال المازَري: تعلّق بذلك بعض الملاحدة في القدْح في تواتر القرآن، وجوابه: أنه ليس فيه نفي أن غير الأربعة لم يجمعه كما سبق، وأيضًا فيحتمل أن الّذي من الأنصار أربعة، ولو ثبت أن ما جمعه إلا (¬1) الأربعة لا يقدح في تواتره، فإن أجزاءه حَفِظ كُلَّ جزء منها خلائق لا يحصون كثرةً يحصل التواتر ببعضهم. * * * ¬

_ (¬1) "إلا" ليس في الأصل.

18 - باب مناقب أبي طلحة - رضي الله عنه -

18 - بابُ مَنَاقِبُ أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - (باب مناقب أبي طلحة - رضي الله عنه -) أي: زيد بن سهل النَّجَاري، الأنصاري، النقيب، شهد المشاهد كلها، ومات سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة، وقيل: بالبحر. 3811 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ الْقِدِّ، يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبةُ مِنَ النَّبْلِ فَيقُولُ: انْشُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ، فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ إِلَى الْقَومِ، فَيقولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نبَيَّ اللهِ! بَأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْم وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فتمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجيآنِ فتفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ، وَإِمَّا ثَلَاثًا. (مجَوِّب) بفتح الجيم، وكسر الواو المشددة، أي: يترس عليه: يقيه بها، ويقال للترس: جوبة.

(بحجفة) بمهملة، ثمّ جيم مفتوحتين، وفاء: الترس من جلد ليس فيه خشب. (شديد القد)؛ أي: في النَّزع في القوس والمد، وفي بعضها: (شديد)، وبعده: (لقد)، بلام مفتوحة، وحرف التوقع، وهي ما ابتدأ به (ش)، وقال: أي: شديد النَّزع، ولذلك أتبعه بقوله: كسر قوسين أو ثلاثة. قال: وفي رواية: (شديد المد)، بميم. قال (خ): ويحتمل أنَّ الرِّواية: (القِد)، بالكسر، ويراد به: وتر القوس. (انشرها) في بعضها: (انثرها)، بمثلثة. (لا تشرف) الإشراف: الاطلاع من فوق. (يصيبك) في بعضها: (يصبْك) بالجزم، نحو: لا تدن من الأسد تهلك، وهي رواية الأَصِيْلِي. قال (ع): وهو خطأ، وقلب للمعنى. (نحري) هو الصدر، أي: صدري عند صدرك، أي: أقف بحيث يكون صدري كالترس لصدرك. (وأُمُّ سُلَيم) بضم المهملة، وفتح اللام، قيل: اسمها: سهلة، هي أُمُّ أنس، وخالة النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة. (شمرتان)؛ أي: رافعتان ثيابهما، متهيئاتٌ للسَّقْي. (خَدَم) معجمة، فمهملة مفتوحتين: جمع خدمة، وهي الخلخال.

19 - باب مناقب عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -

(سوقهمَا) جمع ساق، وهذا كان قبل نزول آية الحجاب. (ينقزان) بنون، وقاف، وزاي: من النقز، وهو الوثوب، وهو لازم. (القرب) نصب بنَزع الخافض، أي: بالقرب، ويراد بذلك: تحرك القِرب على متونهما، إمّا لقلة عادتهما بحمل القرب، وإما لسرعة مشيهما وعجلتهما، أو مرفوع بالابتداء، و (على متونهما) خبر، وقال (خ): إنّما هو: تزفران القرب، أي: تحملانها، وقال التيمي: روي كذلك أيضًا. قال: وأمّا: ينقزان، فلو روي بالتشديد لكان أقرب، يقال: نقز: وثب، ونقزته أنا. وسبق الحديث في (غزو النِّساء). * * * 19 - بابُ مَنَاقِبُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ - رضي الله عنه - (باب مناقب عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -) بتخفيف اللام، الإسرائيلي، اليوسفي، ثمّ الأنصاري، مات سنة ثلاث وأربعين بالمدينة. 3812 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يُحَدِّثُ

عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إلا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: وَفِيهِ نزَلَتْ هَذ الآيَةُ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} الآيَةَ. قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ مَالِكٌ الآيَةَ أَوْ فِي الْحَدِيثِ. الحديث الأوّل: (ما سمعت) لا ينافي هذا بشارة العشرة بالجنة؛ لأن لفظ: (ما سمعت) لا ينفي أصل الإخبار، وأمّا التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد، إذ المراد بالعشرة الذين جاء فيهم لفظ البشارة، أو المبشرون بها في مجلسٍ واحدٍ، أو لم يقل لأحدٍ غيره حالَ مشيه على الأرض، ولا بدَّ من التّأويل، وإلا فالحسَنان، وأزواج النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأهل بدر، ونحوهم من أهل الجنَّة قطعًا. (وفيه نزلت) أنكر هذا مسروق، والشعبي، وقالا: السورة مكية، وانفصل ابن سيرين بأن الآية كانت تنْزل، فيقول: ألحقوها بسورة كذا. (لا أدري قال مالك)؛ أي: قال عبد الله بن يوسف: لا أدري، أقال مالكٌ الآية عند الرِّواية، أو كانت هذه الكلمة مذكورةً في جملة الحديث، فلا تكون خاصةً بمالك؟! * * *

3813 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَاد، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجدِ الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أثَرُ الْخُشُوعِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجدَ قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: وَاللهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ، رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ -ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا- وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: ارْقَهْ، قُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَأَتَانِي مِنْصَفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَاهَا، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ: اسْتَمْسِكْ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَإنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإسْلَامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإسْلَامِ، وَتلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، فأنْتَ عَلَى الإسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ"، وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ. الثّاني: (تجوَّز)؛ أي: خفف، وتكلف الجواز. (ما ينبغي) هذا إنكار من ابن سلام عليهم، حيث قطعوا له بالجنة؛ لاحتمال أن هؤلاء بلغهم ذلك ولم يسمع هو ذلك، أو كره

الثّناء عليه بذلك تواضعًا، أو غرضه: إنِّي رأيت رؤيا على عهده - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ذلك على مقتضاها، وليس فيه قطع النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالنص أنه من أهل الجنَّة، فلذلك أنكر عليهم. (ذكر من سعتها)؛ أي: ذكر عبد الله، يعني: سعتَها. (ارْقَ) في بعضها: (ارقه)، بهاء السكت. (مِنْصَفٌ) بكسر الميم: الخادم، ويقال بالفتح أيضًا. (فَرَقِيْتُ) بكسر القاف على المشهور، وروي بفتحها. (وإنها لفي يدي)؛ أي: استيقظت حال الأخذ من غير فصل، أو كانت يده بعد الاستيقاظ مقبوضةً، كأنها تمسك شيئًا، على أنه لا محذور في التزام كون العروة في يده عند الاستيقاظ؛ لشمول قدرة الله تعالى لنحوه. (الإسلام)؛ أي: جميع ما يتعلّق بالدين، والعمود الأركان الخمسة، أو كلمة الشّهادة وحدها، والعروة الوثقى الإيمان، قال تعالى: {وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256]. * * * 3813 / -م - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، عَنِ ابْنِ سَلَامٍ قَالَ: وَصِيفٌ، مَكَانَ مِنْصَفٌ.

الثّالث: فيه التصريح بمعنى (منصف): وهو الوصيف، بكسر المهملة، وهو الخادم، غلامًا كان أو جاريةً. * * * 3814 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أتيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: أَلَا تَجيءُ فَأُطْعِمَكَ سَوِيقًا وَتَمْرًا، وَتَدْخُلَ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ، أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ، أَوْ حِمْلَ قَتٍّ، فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا. وَلَمْ يَذْكُرِ النَّضْرُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ: الْبَيْتَ. الرابع: (فأطْعَمَكَ) بالنصب. (في بيت) تنكيره للتعظيم، ومشرف بدخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه. (بأرض)؛ أي: العراق. (فاش)؛ أي: شائع كثير. (قَتّ) بفتح القاف، وتشديد المثناة: ضرْب من علف الدواب، وقوله ذلك مع أن المستقرض إذا أهدى شيئًا بغير شرطه يجوز

20 - باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة وفضلها رضي الله عنها

للمقرض أخذه، لعلّه كان يرى أن عرف البلد ينزل منزلة الشرط. ووجه دخول الحديث في التّرجمة: أنه أشرفُ بدخول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - داره. (ولم يذكر النضر)؛ أي: في روايته للحديث، وروى حديث النضر إسحاق بن راهويه في "مسنده". * * * 20 - بابُ تَزْوِيِجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَدِيجَةَ وَفَضْلُهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (باب تزوُّج النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - خديجة وفضلها رضي الله عنها) في بعضها: (تزويج)، أي: تزويجه إياها نفسهُ، أو هو مضاف للمفعول الأوّل. 3815 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه -، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ. حَدَّثَنِي صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ ئنَ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ".

الحديث الأوّل: (نسائها)؛ أي: الأرض، أو الدنيا. * * * 3816 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ اللهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلَائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ. الثّاني: (قصب) قال الجَوْهَري: أنابيب من جوهر. وقال (ن): المراد به قصب اللؤلؤ المجوَّف، وقيل: قصبٌ من ذهب منظومٍ بالجوهر. قال (ك): اصطلاح الجوهريين أن يقال: قصب من الدر، أو من كذا لخيط منه. وقيل: هذا من المشاكلة لقصب سبقها إلى الإسلام. (خلائلها) جمع خليلة، وهي الصديقة. (يسعهنَّ)؛ أي: يكفيهن، في بعضها: (يتسعهنَّ). * * *

3817 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِنْ كثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا. قَالَتْ: وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ -أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. الثّالث: (تزوجني)؛ أي: دخل بي، إذ العقد كان بأقل من ثلاث. * * * 3818 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأةٌ إلا خَدِيجَةُ! فَيقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِئْهَا وَلَدٌ. الرابع: معناه واضح. * * *

3819 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: بَشَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَدِيجَةَ؟ قَالَ: نعمْ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ. الخامس: (صخب) بمهملة، فمعجمة، مفتوحتين: الصوت المرتفع المختلط. (نصب) المشقة، والتعب. * * * 3820 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ -أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ- فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ. السادس: (أتت)؛ أي: توجهت إليك، وأتت. (فاقرأ)؛ أي: سلم عليها من ربها ومني، كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السّلام، وهذا الحديث مرسل صحابي؛ لأن أبا هريرة لم يدرك خديجة وأيامها. * * *

3821 - وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُويلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: "اللهُمَّ هَالَةَ"، قَالَتْ: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيشٍ، حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا. (وقال إسماعيل) وصله أبو عَوانة في "صحيحه". (فعرف)؛ أي: تذكر، أو هو من الإضافة إلى المصدر، أي: استئذانها من خديجة. (ارتاع)؛ أي: تفزع، والمراد لازمه، أي: تغير؛ لأنه أعجبه، وروي: (ارتاح)، بالحاء المهملة، أي: حَنَّ لمجيئها، وسرته؛ لتذكره بها خديجة وأحوالها. قال في "جامع الأصول": طار لبُّهُ لمَّا سمع صوتها، انتهى. (اللهُمَّ هالة)؛ أي: هذه هالة، فحذف المبتدأ. وفيه دليلٌ لحسن العهد، وحفظ الود، ورعاية حرمة الصاحب في حياته ومماته. (عجوز) كبيرةٌ. (الشدقين) هما جانبا الفم، سقطت أسنانها من الكبر، فلم يبق فيها بياض أسنان، بل حمرة اللِّثَّات.

21 - باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -

قال السَّفاقُسي: ورُوي بالجيم، والزاي. (خيرًا)؛ أي: زوجًا خيرًا منها، تعني عائشة بذلك نفسَها. قال العلماء: الغيرة مسامحٌ فيها للنساء، لا عقوبة عليهن فيها لما جُبِلن عليه من ذلك، ولذلك لم يزجرها النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. قال العلماء: لعلَّ هذا جرى منها في صِغَر سنها، وأول شبِيبتها، ولم تكن بلغتْ. أما دخول الحديث في التّرجمة وهو التزوج، فإنّه لازمُ ما في الحديث، أو المراد من التّرجمة لفظ: (وفضلها)، كما يقال: أعجبني زيد وكرمه، والمقصود كرمه. * * * 21 - بابُ ذِكْرُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ - رضي الله عنه - (باب ذكر جَرِير بن عبد الله البَجَلي - رضي الله عنه -) وجرير، بفتح الجيم، وكسر الراء الأولى، والبَجَلي، بفتح الموحدة، الأحْمسي، بمهملتين، يوسف هذه الأُمة حُسنًا، مات سنة إحدى وخمسين. 3822 - حَدَّثَنَا إِسحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: ما حَجَبَنِي

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إلا ضَحِكَ. 3823 - وَعَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالَ لَهُ: ذُو الْخَلَصَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، أَوِ الْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ "، قَالَ: فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، قَالَ: فَكَسَرْنَا، وَقتلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا لنا وَلأَحْمَسَ. (ما حجبني)؛ أي: ما منعني الدخول عليه في وقت من الأوقات، وهو من خواصه. (ضحك)؛ أي: تبسم، أي: بشاشة به، ولطفًا، وإكرامًا. (بيت)؛ أي: لخَثْعَم، بفتح المعجمة، وسكون المثلثة، وفتح المهملة، أي: كان ذلك البيت في اليمن فيه صنمٌ. (الخَلَصَة) بمعجمة، ولام، ومهملة مفتوحات، وحُكِيَ سكون اللام. (اليمانية) بتخفيف الياء على الأصح. (والكعبة الشامية) قال (ن): فيه إشكالٌ؛ لأنهم إنّما سموا: الخلَصَة اليمانية، في مقابل الكعبة المكرَّمة، فيسمونها الشاميَّة، ففرقوا بينهما بالوصف المميِّز، فلا بُدَّ من تأويلٍ، فيقدِّروا الّتي بمكة

22 - باب ذكر حذيفة بن اليمان العبسي - رضي الله عنه -

الكعبة الشامية، وقد يُروى بدون واو، أي: كان يقال هذان اللفظان؛ أحدهما لموضع، والآخر لآخر. وقال (ع): ذكر الشاميَّة غلَطٌ من الرواة، والصواب حذفه. قال (ك): الضمير في (له) راجع إلى البيت، والمراد به بيت الصنم، يعني: كان يقال لبيت الصنَم: الكعبة اليمانيَة، والكعبة الشاميَّة، فلا غلطَ، ولا حاجةَ لتأويلٍ. قلت: كأنه يُريد، أي: والكعبة، بالجر، والشامية، بالرفع، أي: ويقال للكعبة المعروفة شرفها الله تعالى: الشاميَّة. (مريحي) من الإراحة، براء، ومهملة. (أحمس) بمهملتين: قَبيلةٌ، وتُسمَّى قريشٌ وكنانة حُمْسًا. وسبق الحديث في (الجهاد)، في (باب البشارة في الفتوح). * * * 22 - بابٌ ذِكْرُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الْعَبْسِيِّ - رضي الله عنه - (باب ذكر حُذَيْفة بن اليَمان العَبْسي - رضي الله عنهما -) بضم المهملة، وفتح المعجمة، وسكون الياء، وبفاءٍ، واليَمَان، بتخفيف الميم، والعَبْسي، بفتح المهملة، وسُكون الموحَّدة، وبمهملةٍ، اليمَني، ثمّ الأنْصاري، صاحبِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات في

المَدائن سنة ستٍّ وثلاثين. * * * 3824 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ هَزِيمَةً بَيِّنَةً، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ أُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإذَا هُوَ بِأَبِيهِ، فَنَادَى: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أَبِي أَبِي. فَقَالَتْ: فَوَاللهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قتلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللهُ لَكُمْ. قَالَ أَبِي: فَوَاللهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ. (هزم) مبنيٌّ للمفعول. (أخراكم)؛ أي: اقتلوا أُخْراكم، أو انصُروا أُخراكم. ومرَّ التوجيهان في (باب: صفة إبليس)، وأنه قال ذلك تغليطًا وتلبيسًا، وأن الخطاب للمسلمين، أو المشركين. (احتجزوا) بالزاي، أي: امتَنعُوا. (قتلوه)؛ أي: قتَلوا أباه خطأً. (فوالله) من قول عُروة. * * *

23 - باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة رضي الله عنها

23 - بابٌ ذِكْرُ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (باب ذكر هنْد بنت عُتبة رضي الله عنها) هي أُمُّ معاوية، أسلمتْ في الفتح، وماتت أولَ خلافة عُمر. 3825 - وَقَالَ عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَت: جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. قال: "وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ: "لَا أُرَاهُ إلا بِالْمَعْرُوفِ". (خباء)؛ أي: خيمةٌ من وبَرِ، أو صُوفٍ على عمودَين، أو ثلاثةٍ، وربما عُبر به عن دار الرَّجل ومسكنه كيف كان، ثمّ يحتمل أن تريد بذلك نفْس النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فكنت عنه إجلالًا له، أو أهل بيته. (قال: وأيضًا)؛ أي: ستَزيدين من ذلك، ويتمكَّن الإيمان في قلبك، فيزيد حبُّك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقوى رُجوعك عن بُغضه.

24 - باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل

وقيل: المراد: وأنا أيضًا بالنسبة إليك مثل ذلك، والأول أَولى. (مَسيك) بفتح الميم، وتخفيف السين، وبكسر الميم، وتشديد السين، أي: بخيلٌ شحيحٌ. (أن أطعم) بفتح (أن) وكسرها. (لا)؛ أي: لا حرَج. (بالمعروف)؛ أي: اطعمِي بالمعروف. وفيه وجوب نفَقة الأولاد الفُقراء الصِّغار، وجواز ذِكْر الإنسان بما يَكره عند الحاجة، وأخذ قدْر الحاجة من المال بغير إذْن صاحبه. واحتُجَّ به على جواز الحكم على الغائب، والحقُّ أنه كان إفتاءً لا حكمًا. * * * 24 - بابُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ (باب حديث زيد بن عمْرو بن نُفَيل - رضي الله عنه -) بضم النون، وفتح الفاء: القُرشي، العدَويُّ، والد سعيد، أحدِ العشَرة، كان يتعبَّد في الجاهلية على دين إبراهيم عليه الصّلاة والسلام، ويُوحِّد الله تعالى، واجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة، ومات أيضًا قبلها. * * *

3826 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْل بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سُفْرَة، فَأَبَى أَنْ يَأْكلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إلا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ زيدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونها عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ؟ إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإعْظَامًا لَهُ. الحديث الأوّل: (بَلْدَح) بفتح الموحَّدة، وسكون اللام، وفتح المهملة، وإهمال الحاء: وادٍ قبل مكّة من جهة المغرب، يصرف، ولا يصرف. (فأبى)؛ أي: زيدٌ. (أن يأكل) فإن قيل: نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - أَولى أن لا يأْكل؛ قيل: ليس في الحديث أنه أكَل من تلك السُّفْرة، وما كلّ ما يُوضع في سُفرة الإنسان يأكُل منه، بل يأكل منه أتباعُه، ولم يكن نزل عليه شيءٌ حتّى ينهاهم عن أكله. وأجاب السُّهَيْلي: بأن زيدًا إنّما قال ذلك بِرًّا، أي: منه، لا بشرعٍ قبله، فالذي في شرع إبراهيم تحريم الميِّتة، لا ما ذُبح لغير الله.

ورُدَّ ما قاله: بأن الّذي في شرع إبراهيم تحريم ما ذُبح لغير الله، وقد كان عدوَّ الأصنام، والله تعالى يقول: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123]. وقال (خ): امتناع زيدٍ لاحتمال أن يكون فيها ممّا ذُبح على الأصنام، وقد كان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يأكُل من ذبائحهم الّتي يذبحونها لأصنامهم، أنها ذبائحهم الّتي لمَأْكلهم فلم ينْزل عليه حينئذٍ فيها شيءٌ وقد كان مقيمًا بين ظَهرانيهم، ولم يُذكر أنه كان يتميَّز عنهم إلا في الميِّتة، فإنَّ قريشًا كانوا يتنَزَّهون في الجاهلية عنها. * * * 3827 - قَالَ مُوسَى: حَدَثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَلَا أَعْلَمُهُ إلا تُحُدِّثَ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ زيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، يَسْألُ عَنِ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ الْيَهُودِ، فَسَأَلهُ عَنْ دِيِنِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي. فَقَالَ: لَا تَكُونُ عَلَى دِيِنِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللهِ، قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إلا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إلا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إلا اللهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِيِنِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، قَالَ: مَا أَفِرُّ إلا مِنْ

لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إلا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إلا اللهَ. فَلَمَّا رَأَى زيدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ. 3828 - وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -، قَالَتْ: رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبةِ، يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ! وَاللهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْؤدَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنتَهُ: لَا تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيكَهَا مَؤُنَتَهَا، فَيَاْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَؤُنَتَهَا. الثّاني: (فأخبرني)؛ أي: عن حال دينكم، وكيفيته. (وأنى أستطيعه)؛ أي: والحال أن لي قدرةً على عدَم الحمْل. (غضب) هو إيصال العذاب. (لعنة) هي البعد عن الرّحمة، والغضَبُ أشدُّ من اللَّعنة، وكأن اليهود أحقُّ به؛ لأنهم أشد عداوةً لأهل الحق. (يحيي الموءودة) إطلاق الإحياء مجازٌ عن الإبقاء، ورفْع الهلاك، كما أن المراد بالموءودة: من يُقصد وأْدُها.

25 - باب بنيان الكعبة

(ترعرعت) براءٍ، ومهملةٍ مكرَّرتين، أي: تحرَّكَت، ونشأتْ. * * * 25 - بابٌ بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ (باب بُنيان الكَعبة) 3829 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، سَمعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنَ الْحِجَارَةِ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: "إِزَارِي إِزَارِي"، فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ. الحديث الأوّل: (من الحجارة)؛ أي: من أجْل دفع مضرَّتها، وفي بعضها: (يَقِيكَ مِنَ الحِجارة)، ويروى: (يقِكَ)، بالجزم. (فخر إلى الأرض)؛ أي: لمَّا جعل الإزارَ على عاتقه، فانكشفَتْ عورتُه، فخَرَّ مغشيًّا عليه، ثمّ أفاق، فقال: أعطوني إزاري، فأخذه، فستر عورته، وهذه القصة كانت قبل النبوة بخمس سنين، أو بخمس عشرة سنة.

وسبق الحديث أول (الصّلاة). قال العلماء: بني البيت خمس مراتٍ: بنته الملائكة، وقيل: آدم، ثمّ إبراهيم، ثمّ قريش في الجاهلية، وحضره - صلى الله عليه وسلم -، وهو هذه القصة، ثمّ ابن الزُّبير، ثمّ الحجاج، واستقر، وقيل: بني مرتين أُخرتين، أو ثلاثًا. * * * 3830 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعُبَيدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَا: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ، كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: جَدْرُهُ قَصِيرٌ، فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. الثّاني: (قالا: لم يكن) فيه إرسال؛ لأنهما تابعيان لم يدركا عهد النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (كان عُمر)؛ أي: زمان خلافته. (جُدر) جمع الجدار، وبناه قصيرًا. (فبناه ابن الزُّبير)؛ أي: طويلًا مرتفعًا، وفي بعضها: (جدرة)، بفتح الجيم، بلفظ المفرد منصوبًا، وقصرًا: حال. * * *

26 - باب أيام الجاهلية

26 - بابُ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ (باب أيّام الجاهلية) هي مدة الفترة بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، سميت بذلك لكثرة جهالاتهم. 3831 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَا يَصُومُهُ. الحديث الأوّل: (أمر)؛ أي: أوجب. وسبق آخر (كتاب الصِّيام). * * * 3832 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنَ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. قَالَ: فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ رَابِعَةً مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، وَأَمَرَهُمُ

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "الْحِلُّ كلُّهُ". الثّاني: (يسمون)؛ أي: يجعلونه مكانه في الحرمة، وذلك النسيء المشهور: يؤخرون ذي الحجة إلى المحرم، والمحرم إلى صفر، وهلم جرًا، ولهم تصرفات أُخرى. (صفرًا)، ويروى: (صفر)، وإنّما فعلوا ذلك؛ لأنه شق عليهم توالي ثلاثة أشهر حُرم، ففصلوا بينها؛ أن جعلوا المحرم صفرًا. (برأ) بفتح الراء. (الدَّبَر) بفتحتين، أي: السلخ الّذي على ظهر الإبل من الجراحات ونحوها من أثر السَّفر. وفي بعضها: (وعفا الأثر)؛ أي: انمحى بعد البُرء أثره، وكان البُرء والعفو غالبًا بعد انسلاخ صفر، وفي بعض الروايات صريحًا: (وانسلخ صفر). (رابعة)، أي: صبيحة رابعة ذي الحجة، أو ليلة رابعه. (أيُّ الحِل؟) أي: أيُّ شيء من الأشياء يحل علينا، لأنه قال لهم: اعتمروا، وأحلوا، فأجيب بالحِل كله، أي: يحل فيه جميع ما يحرم على المحرِم، حتّى الجماع، وتقدمت مباحث فيه في (باب التمتع في الحجِّ). * * *

3833 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ سَيْلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَسَا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَحَدِيِثٌ لَهُ شَأْن. الثّالث: (عن جده)؛ أي: حَزْن، بفتح المهملة، وسكون الزاي، وبنون، قال له - صلى الله عليه وسلم - وقد أسلم يوم الفتح: ما اسمك؟ قال: حَزْن، قال: (بل أنت سهل)، قال: لا أُغير اسمًا سمانيه أبي، فكان سعيد يقول: فما زالت الحزونة فينا بعد. قال (ن): قال الحاكم: لم يرو عن المسيَّب إلا ابنه سعيد، وفيه رد لقول الحاكم: إن البخاريّ لم يرو عن أحد ممّن لم يرو عنه إلا راو واحد، وقال: ولعلّه أراد غير الصّحابة. (الجبلين)؛ أي: جبلي مكّة المشرفين عليها. (ويقول)؛ أي: عمرو. (له شأن)؛ أي: قصة طويلة، وإنما غرق البيت في هذا السيل، وأمّا في الطوفان فحفظ، ورفع إلى السَّماء؛ لأن ذلك كان عذابًا، بخلاف هذا السيل. * * *

3834 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ بَيَانٍ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا: زينَبُ، فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟ قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً، قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فتكَلَّمَتْ فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ: أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَتْ: مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟، قَالَ: إِنَّكِ لَسَؤلٌ أَنَا أبُو بَكْرٍ، قَالَتْ: "مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ؟، قَالَ: بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ، قَالَتْ: وَمَا الأَئِمَّةُ؟ قَالَ: أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُؤُسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَهُمْ أُولَئِكَ عَلَى النَّاسِ. الرابع: (أحمس) بالمهملة، وفتح الميم: قبيلة. (مصمتة)؛ أي: صامتة، أي: ساكنة، يقال: أصمت إصماتًا، وصمتَ صموتًا وصمتًا وصماتًا، ولعلّها نذرت أن تحج ولا تتكلم فيه. (لم يحل)؛ أي: لم يشرع ذلك، ففيه التشبيه بأهل الجاهلية. (سؤول) بوزن فعول، أي: كثيرة السؤال، فيستوي فيه المذكر والمؤنث، ويعلم منه أنها كانت عاقلة، إذ لما عرفت من نفسها أنها كثيرة الكلام التزمت الصمت. (الصالح)؛ أي: الإسلام.

(ما استقامت) إنّما وقت بذلك؛ لأن باستقامتهم تقام الحدود، وتؤخذ الحقوق، ويوضع كلّ شيء في موضعه. * * * 3835 - حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَسْلَمَتِ امْرَأةٌ سَوْداءُ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، وَكَانَ لَهَا حِفشٌ فِي الْمَسْجدِ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأَتِينَا فتَحَدَّثُ عِنْدَنا، فَإذَا فَرَغَتْ مِنْ حَدِيثهَا قَالَتْ: وَيَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا ... أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي فَلَمَّا أكثَرَتْ قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: وَمَا يَوْمُ الْوِشَاحِ؟ قَالَتْ: خَرَجَتْ جُوَيْرِيَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِي وَعَلَيْهَا وِشَاحٌ مِنْ أَدَمٍ، فَسَقَطَ مِنْهَا، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِ الْحُدَيَّا وَهْيَ تَحْسِبُهُ لَحْمًا، فَأَخَذَتْ، فَاتَّهَمُونِي بِهِ فَعَذَّبُوني، حَتَّى بَلَغَ مِنْ أَمْرِي أنَّهُمْ طَلَبُوا فِي قُبُلِي، فَبَيْنَا هُمْ حَوْلِي وَأَنَا فِي كَرْبِي إِذْ أَقْبَلَتِ الْحُدَيَّا حَتَّى وَازَتْ بِرُؤُسِنَا ثُمَّ ألْقَتْهُ، فَأَخَذُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ. الخامس: (حِفْش) بكسر المهملة، وسكون الفاء، وشين معجمة: وعاء المغازل، والبيت الصغير. (الحُدية) تصغير حدأة، بوزن عنبة.

(وازت)؛ أي: حاذت، وفي بعضها: (آزت)، ومر تمام القصة في (باب النوم في المسجد). * * * 3836 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلَا مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلا بِاللهِ"، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِأَبَائِهَا، فَقَالَ: "لَا تَحْلِفُوا بِأَبَائِكُمْ". السّادس: سبق مرات. * * * 3837 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِم حَدَّثَهُ، أَنَّ الْقَاسِمَ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْجَنَازَةِ وَلَا يَقُومُ لَهَا، وَيُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُومُونَ لَهَا، يَقُولُونَ إِذَا رَأَوْهَا: كُنْتِ فِي أَهْلِكِ مَا أَنْتِ، مَرَّتَيْنِ. السابع: (كانت في أهلك ما كنت) يحتمل أن: (ما) موصولة، وبعض صلته محذوف، أي: الّذي أنت فيه كنت في الحياة مثله، إن خيرًا

فخير، وإن شرًّا فشر، وذلك فيما كانوا يدعون أن روح الإنسان تصير طائرًا مثله، وهو المشهور عندهم بالصدى، والهام، وأن: (ما) استفهامية، أي: كنت في أهلك شريفًا مثلًا، فأي شيء أنت الآن؟ أو: (ما) نافية ولفظ (مرتين) من تتمّة المقول، أي: كنت مرّة في القوم، ولست بكائن فيهم مرّة أُخرى، كما هو معتقد الكفار، حيث قالوا: {مَا هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: 24]. * * * 3838 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. الثّامن: (من جمع)؛ أي: مُزدلفة. (تَشْرُف) بفتح المثناة، وضم الراء، أي: تطلع، وبضم المثناة، وكسر الراء. (ثَبِير) بفتح المثلثة، وكسر الموحَّدة، وبراء: جبل مكّة. * * * 3839 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ:

حَدَّثَكُمْ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ، حَدَّثَنَا حُصَيْن، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} قَالَ: مَلأَى مُتَتَابِعَةً. 3840 - قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: اسْقِنَا كَأْسًا دِهَاقًا. التّاسع: (يحيى بن المهلب) قال الكلاباذي: روى عنه أبو أُسامة حديثًا موقوفًا في أيّام الجاهلية. (دهاقًا) يقال: أدهقت الكأس، أي: ملأتها. * * * 3841 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ". العاشر: (لَبِيد) بفتح اللام، وكسر الموحَّدة، أبو عَقيل، بفتح العين، الشاعر الصحابي، ابن رَبيعة، بفتح الراء، العامري، من فحول شعراء

الجاهلية، فأسلم ولم يقل شعرًا بعد إسلامه، وكان يقول: أبدلني الله به القرآن، وكان من المعمَّرين، عاش مائة وأربعة وخمسين سنة، وماتَ بالكوفة في خلافة عُثمان على الأصح. (باطل)؛ أي: فانٍ غير ثابت نحو: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، لا أن المراد كلية الباطل، ففي الدنيا الطاعات، وفي الآخرة الثّواب، وهما حق. (أُمَيَّة) بضم الهمزة، وتخفيف الميم، وتشديد الياء، أي: ابن أبي الصَّلْت، بفتح المهملة، وسكون اللام، وبمثناة، عبد الله الثقفي، كان يتعبد في الجاهلية، ويؤمن بالبعث، وأدرك الإسلام، ولم يسلم، وفي "مسلم" عن الشَّريد -بفتح المعجمة- ابن سُوَيْد: رَدِفتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "معك من شعر ابن أبي الصلت شيء؟ " قلت: نعم، قال: "هيه" فأنشدته بيتًا، فقال: "هيه"، حتّى أنشدته مائة بيت، فقال: "لقد كاد أن يسلم في شعره". * * * 3842 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: تَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبوُ بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إلا أنِّي

خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ. الحادي عشر: (يخرِّج) بتشديد الراء، أي: يعطي كلّ يوم لسيده خراجًا، عيَّنه له، وضربه عليه. (الكهانة) بكسر الكاف، أي: يكهن، وبفتحها، من: كهن، بالضم، كهانة، صار كاهنًا، قاله الجَوْهَري. (فقاء)؛ أي: تقيأ؛ لأن حلوان الكاهن منهي عنه، والمحصل بطريق الخديعة حرام. * * * 3843 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، قَالَ: وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نُتجَتْ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. الثّاني عشر: (حَبَل الحَبَلة) بفتح المهملة، والموحَّدة فيهما: نتاج النتاج. سبق في (باب: بيع الغرر). * * *

27 - القسامة في الجاهلية

3844 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ، قَالَ غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ: كُنَّا نَأَتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَيُحَدِّثُنَا عَنِ الأَنْصَارِ، وَكَانَ يَقُولُ لِي: فَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا. الثّالث عشر: (قومك)؛ أي: أزد. * * * 27 - الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (باب القسامة) هي الإقسام على متهم بالقتل أنه قتل، أو المتهم أنه قتل، وقيل: قسمة اليمين؛ إمّا على أولياء الدَّم عند من يرى به ابتداءً، أو قسمتها على المتهمين. وسبقت مباحث القسامة آخر (كتاب الجهاد)، في (باب: الموادعة مع المشركين). 3845 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا قَطَنٌ أَبُو الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بَنِي هَاشِمٍ، كَانَ رَجُلٌ مِنْ

بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى، فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إِبِلِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدِ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ، فَقَالَ: أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي، لَا تنفِرُ الإبِلُ. فَأَعْطَاهُ عِقَالًا، فَشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ، فَلَمَّا نزَلُوا عُقِلَتِ الإِبِلُ إلا بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ: مَا شَاْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الإبِلِ؟، قَالَ: لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ، قَالَ: فَأَيْنَ عِقَالُهُ؟، قَالَ: فَحَذَفَهُ بِعَضًا كَانَ فِيهَا أَجَلُهُ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ أتشْهَدُ الْمَوْسِمَ؟ قَالَ: مَا أَشهَدُ، وَرُبَّمَا شَهِدْتُهُ. قَالَ هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنَ الدَّهْرِ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: فَكُنْتَ إِذَا أَنْتَ شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ فَنَادِ: يَا آلَ قُرَيْشٍ! فَإذَا أَجَابُوكَ فَنَادِ: يا آلَ بَنِي هَاشِم! فَإِنْ أَجَابُوكَ فَسَلْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ، فَأَخْبِرْهُ أَنَّ فُلَانًا قتلَنِي فِي عِقَالٍ، وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ، فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أتاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: مَرِضَ، فَأَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ، فَوَلِيتُ دَفْنَهُ. قَالَ: قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَاكَ مِنْكَ. فَمَكُثَ حِينًا، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ، فَقَالَ: يَا آلَ قُرَيْشٍ! قَالُوا: هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَالَ: يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ! قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ، قَالَ: أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أُبْلِغَكَ رِسَالَةً أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ، فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: اخْتَرْ مِنَّا إِحْدَى ثَلَاثٍ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، فَإِنَّكَ قتلْتَ صَاحِبَنَا، وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ

قَوْمِكَ أنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ، فَإنْ أَبَيْتَ قتلْنَاكَ بِهِ، فَأَتَى قَوْمَهُ، فَقَالُوا: نَحْلِفُ، فَأَتَتهُ امْرَأةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَالِبٍ! أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنَ الْخَمْسِينَ، وَلَا تَصْبُرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ، فَفَعَلَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ! أَرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنَ الإبِلِ، يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ، هَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي وَلَا تَصْبُرْ يَمِيِنِي حَيْثُ تُصْبِرُ الأَيْمَانُ، فَقَبِلَهُمَا، وَجَاءَ ثَمَانِيةٌ وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ. الحديث الأوّل: (أبو يزيد المدني) بمثناة تحت، ثمّ زاي، انفرد البخاريّ بالرواية عنه، وليس له عنده سوى هذا الحديث، وقيل: لا يعرف اسمه؛ قاله (ش). (لفينا)؛ أي: الحكم بها إنّما كانت في بني المطلب حقيقة، وأجاب الدِّمْيَاطِي بأن بني هاشم وبني المطلب كالواحد، فلذلك قال: (فينا). (بني هاشم) نصب على الاختصاص، والصّحيح جواز كونه بدلًا من الضمير المجرور. (رجل من بني هاشم) هو عمرو بن علقمة بن عبد المطلب

ابن عبد مناف. (استأجره) في بعضها: (استأجر)، بحذف المفعول. (رجل) هو خِرَاش بن عبد الله بن أبي قيس، والسفر كان إلى الشّام؛ ذكره الزُّبير بن بكار في "الأنساب"، وزاد: أنهم تحاكموا إلى الوليد بن المغيرة، فقضى أن يحلف خمسون رجلًا من بني عامر بن لؤي عند البيت ما قتله خِرَاش، فحلفوا إلا حويطب بن عبد العُزى، فإن أُمه افتدت يمينه. (فخذ) سبق أن فوقه: بَطْن، وفوق البطن: عُمارة، وفوق العُمارة: فصيلة، وفوق الفصيلة: قبيلة. (جُوالِقه) بضم الجيم، وكسر اللام: الوعاء، وجمعه جُوالق، بضم الجيم، وجواليق. (بعِقَال) بكسر المهملة: الحبل. (فحذفه) بإهمال الحاء، وفي بعضها بإعجامها: وهو الرمي بالأصابع. (الموسم)؛ أي: موسم الحجِّ، ومجتمعهم. (مرّة)؛ أي: وقتًا من الأوقات. (فكتب) من الكتابة. قال (ع): كذا لهم، وعند الحَمُّوي، والمُسْتملي: (فكنت) من الكون، وتاء الخطاب.

(يا آل قُريش) في بعضها: (لقريش) بلام الاستغاثة. (فوليت) بكسر اللام. (أهل) بالنصب. (وافى)؛ أي: أتاه. (قتلهُ) في بعضها: (فتكه)، بفاء وكاف. (تؤدي) في بعضها: (أن تؤدي). (فإنك) الفاء للسببية. (حلف) فعل ماض، ومفعول المشبه محذوف. (تجيز ابني هذا برجل) الباء للمقابلة، أي: بدل رجل. قال صاحب "جامع الأصول": إن كان: (تجير) بالراء، فمعناه: تؤمنه، من اليمين، وإن كان بالزاي، فمعناه: تأذن له في ترك اليمين. (ولا تُصبر) بضم أوله، وفتح ثالثه، وكسره: يمين الصبر، هي الملزوم بها، واليمين مصبورة. (حيث تصبر الأيمان) هو بين الركن والمقام. (مائة من الإبل) فيه أن الدية كانت كذلك. وفي الحديث أيضًا: ردع الظالمين، وسَلْوه المظلومين، ووجه الحكمة في هلاكهم كلهم أن يتمانعوا عن الظلم، إذ لم يكن فيهم إذ ذاك نبيٌّ، ولا كتاب، ولا كانوا يؤمنون بالبعث، فلو تركوا مع ذلك

هملًا لأكُل الضعيف، ولاهتضم الظالم المظلوم. * * * 3846 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِّلتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا، قَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دُخُولِهِمْ فِي الإسْلَامِ. 3847 - وقالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةً، إِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنها وَيَقُولُونَ: لَا نُجيزُ الْبَطْحَاءَ إلا شَدًّا. الثّاني: (بُعَاث) بضم الموحدة، وتخفيف المهملة، وبمثلثة: يوم محاربة الأوس والخزرج. (ملؤهم) الأشراف. (سرواتهم) السادات. (وجرحوا)؛ أي: الجرح. وسبق الحديث في (مناقب الأنصار).

(وقال ابن وهب) وصله أبو نُعيم في "المستخرَج". (السعي) المراد به هنا اللغوي، وهو العَدْو والإسراع، وإلا فأصل السعي سنة وطريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل واجب ركن في الحجِّ والعُمرة؛ نعم، قال عامة الفقهاء باستحباب الإسراع في بطن المسيل: وهو العَدْو المعروف، وخالف ابن عبّاس، كما في الرمل في الثّلاثة الأولى. (لا تجيز) من أجزته، أي: خلفته، وتركته، وقطعته، وقيل: أجزته، بمعنى: جزته، أي: لا يقطع البطحاء إلا بقوة وسرعة، وفي بعضها: (لا يجوز). * * * 3848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ، سَمِعْتُ أَبَا السَّفَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اسْمَعُوا مِنِّي مَا أقولُ لَكُمْ، وَأَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ، وَلَا تَذْهَبُوا فتَقُولُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءَ الْحِجْرِ، وَلَا تَقُولُوا: الْحَطِيمُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَحْلِفُ فَيُلْقِي سَوْطَهُ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَوْسَهُ. الثّالث: (الحِجْر) بكسر المهملة، وسكون الجيم. (ولا تقولوا: الحطيم)؛ أي: لا تسموه بذلك؛ لأنه من أوضاع

الجاهلية، كان عادتهم إذا كانوا يتحالفون بينهم يحطمون، أي: يدفعون نعلًا أو سوطًا أو قوسًا إلى الحِجْر علامة لعقد حلفهم؛ فسموه لذلك، وقيل: سُمي الحطيم لما حطم من جداره، فلم يسوَّ ببناء البيت، وترك خارجًا منه. وقال الأزرقي: الحطيم ما بين الركن الأسود والمقام، وزمزم والحِجْر؛ لأن النَّاس يزدحمون على الدُّعاء فيه، ويحطم بعضهم بعضًا، وقيل: من حلف هناك عجلت عقوبته. * * * 3849 - حَدَّثَنَا نعيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ. الرابع: (عن عمرو بن ميمون) قال ابن عبد البرّ: إضافة الزِّنا إلى غير المكلَّف، وإقامة الحدود في البهائم ممّا أنكره جمع من العلماء، ولو صح لكانوا من الجنِّ؛ لأن العبادات في الإنس والجنِّ دون غيرهما. قال (ك): ويحتمل أنهم من الإنس، مُسِخوا قردة، وتغيروا عن الصورة الإنسانية فقط، أو كانت صورته صورة الزِّنا، والرجم، ولم يكن ثمّ تكليف. قال: وتمام القصة ما حكى لنا بعض شيوخ المدينة، وكتب

بعضهم على الحاشية، أي: الشّيخ الإمام نور الدين على بن يوسف الزرندي الأنصاري، محدث المدينة، قال (ك) بإسناده إلى عمرو: كنت في جبل باليمن إذ رأيت قردين اجتمعا، وبعد الفراغ ناما، وكانت يد الأُنثى تحت رأس الذكر، فجاء قردٌ آخرُ على التؤدة، وغمز الأُنثى؛ فسلت يدها من تحت رأس الذكر سلًا رفيقًا، ومشت إليه، واجتمعا، فلما رجعت إليه تنبه الذكر، فاشتم رائحتها، فصاح، فاجتمع القردة، فاشتموا، فعرفوا، فطلبوا القرد الزاني، وأخذوه مع الأُنثى، فرجموهما. * * * 3850 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، سَمعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خِلَالٌ مِنْ خِلَالِ الْجَاهِلِيَّةِ: الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ، وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا الاِسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ. الحديث الخامس: (خلال)؛ أي: خصال ثلاث. (الطعن)؛ أي: كطعنهم في نسب أُسامة. (الأنواء) جمع نوء: وهو منزل القمر، كانوا يقولون: مُطرنا بنوء كذا، وسُقينا بنوء كذا. * * *

28 - باب مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -

28 - بابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. (باب مَبْعَث النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -) قوله: (عبد المطلب) هذا لقبٌ، وإنما اسمه: شيبة على الصحيح، وقيل: عامر. (مَناف) بفتح الميم، وتخفيف النون. (قُصي) بضم القاف، تصغير قَصي، أي: بعيد؛ لأنه بعد عن عشيرته في بلاد قضاعة، واسمه: زيد. (كلاب) بكسر الكاف، وتخفيف اللام، قيل: اسمه حكم، ويقال فيه: الحكيم، وقيل: عمرو، وقيل: المهذب، ولقب بذلك؛ لأنه كان أكثر صيده بالكلاب. (مُرَّة) بضم الميم، وشدة الراء. (لُؤي) بضم اللام، وبهمزة في الأكثر. (غَالِب) بمعجمة، وكسر اللام.

(فِهْر) بكسر الفاء، لقب، واسمه: قُريش، وقيل: بل هو اسمه. (النَّضْر) بفتح النون، وسكون المعجمة. (كِنانة) بكسر الكاف، وتخفيف النون الأولى. (خُزَيمة) مصغر خزمة، بمعجمة وزاي. (مدركة) بلفظ اسم فاعل أدرك. (اليأس) بهمزة بعد الياء ساكنة، ضد الرجاء على ما صححه السُّهَيْلي، خلافًا لقول ابن الأنباري: إنّه بكسر الهمزة المقطوعة أوله على وفق اسم إلياس النبيِّ عليه الصّلاة والسلام، كما قال تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 123]. (مُضَر) بضم الميم، وفتح المعجمة، وبراء، ويقال له: مضر الحمراء، كما يقال لأخيه: ربيعة الفرس؛ لأن أباهما أوصى لمضر بقبة حمراء، ولربيعة بفرس. (نزار) بكسر النون. (مَعدّ) بفتح الميم، وتشديد الدال المهملة. (عَدْنان) بفتح المهملة الأولى، وسكون الثّانية، وبنونين. واعلم أن اقتصار البخاريّ على هذا لعلَّهُ لأن ما بعدَه من المختلَف فيه، ففي "طبقات ابن سعد": عن هشام بن الكَلْبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عبَّاس: أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انتسَبَ لم يُجاوِز في نسَبه عدنان بن أُدَد، ثمّ يُمسِك، ويقول: "كذَبَ النَّسَّابُون،

قال تعالى: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38]، قال ابن عبّاس: ولو شاءَ - صلى الله عليه وسلم - لعلَّمه. وقال ابن عبد البَرِّ، عن خَليفة بن خيَّاط، عن ابن الكلْبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عبَّاس: إن مِن عدنان إلى إسماعيل ثلاثين أَبًا. قال: وليس هذا الإسناد ممّا يُقطَع بصحَّته، ولكنَّه عمَّن علم، والأنساب صعبةٌ. وقال السُّهَيْلي: الأصح أنه من قول ابن مسعود، وروي عن عُمر. قال: وأصحُّ شيءٍ روي فيما بعد عدنان ما ذكره أبو بِشْر الدُّولابي من طريق موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهب بن زمَعة الرَّبْعي، عن عمِّه، عن أُمِّ سلَمة، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: "مَعَدّ بن عدنان بن أُدَد بن زيد البري بن أعراق الثَّرى"، قالت أُمُّ سلمة: فزَيدٌ هو الهمَيْسَع، والبَرِّي هو نبت، وأعراق الثرى هو إسماعيل؛ لأنه من إبراهيم، وإبراهيم -عليه السّلام- لم تأْكُلْه النّار، كما أن النّار لا تأكُل الثَّرى. قال (ش): أخرجه الحاكم من حديث خالد بن مَخْلَد، ثنا محمّد ابن يعقوب، عن عمه الحارث بن عبد الرَّحمن، عن أُمِّ سلَمة، وأخرجه أيضًا مرَّةً أُخرى عن عمه الحارث بن عبد الله بن زمَعة، عن أبيه، عن أُمِّ سلمة، وهذا أشبَهُ. وقال الدَّارَقُطْني: لا يُعرف زيد إلا في هذا الحديث، وزيدٌ هو ابن الجَون، وهو أبو دُلامَة الشاعر.

29 - باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة

وقال السُّهَيْلي: قوله: (الثَّرى بن إسماعيل) من الانتساب للجَدِّ البَعيد؛ لأنه [ليس] ابنه لصُلْبه؛ لأنه لا خلافَ في بُعد المدَّة بين عدنان وإبراهيم عليه الصّلاة والسلام، ويَستحيل أن يكون بينهما أربعة آباءٍ إلى سبعةٍ. * * * 3851 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَمَكَثَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَة ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِي - صلى الله عليه وسلم -. (أنزل)، أي: الوحي. (أمر) مبنيٌّ للمفعول. ففيه أن عمُره - صلى الله عليه وسلم - كان ثلاثًا وستين سنةً. * * * 29 - بابُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ (باب ما لَقِيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه من المُشركين بمكة) 3852 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ وَإِسْمَاعِيلُ،

قَالَا: سَمِعْنَا قَيْسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وَهْوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: أَلَا تَدْعُو اللهَ، فَقَعَدَ وَهْوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، ويُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيتمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إلا اللهَ"، زَادَ بَيَانٌ: وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ. الحديث الأوّل: (محمر) قيل: من الغضَب. (بأمشاط) في بعضها: (بمِشَاط)، جمعٌ كرُمح ورِماح، وخُفٍّ وخِفاف، ورُخٍّ ورِخَاخ؛ قاله الصَّاغَاني في "شوارِد اللُّغة"، ولم يذكر الجَوْهَري في جمعه إلا أَمْشَاط. (المنشار) بالنون، وفي بعضها بالهمز، وهما بمعنى، وقال (ش): بنونٍ، أو باءٍ. (مَفْرِق) بفتح الميم، وكسر الراء. (الأمر)؛ أي: الإسلام. ومرَّ الحديث في (باب: علامات النبوة).

(والذئب) بالنصب، عطفٌ على المستثنى منه، لا على المستثنى، قاله (ك). * * * 3853 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّجْمَ فَسَجَدَ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إلا سَجَدَ، إلا رَجُلٌ رَأَيْتُهُ أَخَذَ كفًّا مِنْ حَصًا فَرَفَعَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا يَكْفِيني، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا بِاللهِ. الثّاني: (إلا رجل) قيل: هو أُميَّة بن خلَف، وقيل: الوَليْد بن المُغيرة. (بعد)؛ أي: بعد ذلك. وسبق في (باب: سجود القرآن). * * * 3854 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ سَاجِدٌ وَحَولَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيشٍ جَاءَ عُقْبَةُ بِنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ، فَقَالَ

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُمَّ عَلَيكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ أَبَا جَهْلِ بِنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَة بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّة بْنَ خَلَفٍ" -أَوْ: "أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ" شُعْبَةُ الشَّاكُّ- فَرَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أُمَيَّةَ -أَوْ أُبَيٍّ- تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ. الثّالث: (عن عبد الله) قال الدَّاوُدي: لعلَّه ابن عُمر، وهذا عجَبٌ منه؛ فإنه ابن مسعود كما صرَّح البخاريّ به في (كتاب الصّلاة). (عُقْبة) بضم المهملة، وسُكون القاف، وبموحدةٍ. (مُعَيْط) بضم الميم، وفتح المهملة، وسكون الياء، وبمهملةٍ. (بسلا) مقصورٌ: الجِلْدة الّتي يكون فيها الولَد من المواشي. (عليك الملأ)؛ أي: الْزَمْ جماعتَهم وأشرافَهم، وأهلِكْهم. (وَعُتْبة) بضم المهملة، وسكون المثنَّاة، وبموحَّدةٍ. (رَبِيْعَة) بفتح الراء، وكسر الموحَّدة. (وَشَيْبَة) بفتح المعجمة، وسكون الياء، وبموحدةٍ. (وأُمَيَّة) بضم الهمزة، وفتح الميم، وشدَّة الياء. (أو أُبَيّ) بضم الهمزة، وفتح الموحَّدة، وشدَّة الياء. وسبق آخر (كتاب الوضوء): أنَّ الصّحيح أُمَيَّة؛ لأن أُبَيًّا قتلَه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدْرٍ. * * *

3855 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -أَوْ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ- قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَالَ: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتِيْنِ مَا أَمْرُهُمَا {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}؟ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ: فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ، وَدَعَوْنَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَدْ أَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} الآيَةَ فَهَذِهِ لأُولَئِكَ، وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ: الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الإسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ ثُمَّ قتلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ، فَقَالَ: إلا مَنْ نَدِمَ. الرابع: (ما أمرهما)؛ أي: ما التوفيق بينهما، حيث دلَّتْ الأُولى على العَفْو عند التوبة، والثّانية على وجوب الجَزاء مُطلقًا. (ولا تقتلوا النفس) كذا وقَع، والتلاوة إنّما هي: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} [الفرقان: 68]. (فقال: لما أنزلت)؛ أي: أجاب ابن عبّاس بأنَّ الّتي في (سُورة الفُرقان) في حقِّ الكفار، والتي في (النِّساء) في حقِّ المسلمين، وليس المراد أنَّه لا يُعفى عنه وإنْ تاب؛ لأن المراد أنَّ هذا جزاؤه، وقد يعفو

الله عنه، ويصحُّ أن يقال: جزاء فلانٍ القتْل، ولكن عفَوتُ عنه. والحاصل: أن الكافِر إذا تاب يَغفر الله له قطْعًا، والمسلم التائِب في مشيئة الله تعالى، إن شاء جازاه، وإن شاء عفا عنه. (فقال: إلا من ندم)؛ أي: أجاب مُجاهِد بأنَّ الآيةَ الثّانية -آية النِّساء- مُطلقةٌ، فتقيَّد بقوله: إلا مَنْ نَدِم، أي: تاب، مِن باب حمل المُطْلق على المقيَّد. * * * 3856 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرَنِي بِأَشَدِّ شَيءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} الآيَةَ. تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَالَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ.

30 - باب إسلام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -

الخامس: سبَق شرحه آخر (مناقب أبي بكر - رضي الله عنه -). (تابعه ابن إسحاق) وصلَه أحمد. (وقال عبدة) وصلَه النَّسائيُّ. (وقال محمّد بن عمرو) وصلَه البخاريّ في "خَلْقِ أفعال العباد"، وأبو يعلَى المَوصِلي. قال (ك): غرَض البخاريّ أن عبَّاسًا، وابن إسحاق قالا: عبد الله بن عمْرو بن العاص، وعَبْدة ومحمَّد بن عمرو قالا: عمرو بن العاص، لا عبد الله. * * * 30 - بابُ إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - (باب إسلام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -) 3857 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى ابْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ هَمَّامِ ابْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا مَعَهُ إلا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ.

31 - باب إسلام سعد

(عبد الله) قيل: ابن محمّد المُسنِدي، وقيل: ابن حَمَّاد الآمُلي. (خمسة أعبد) سبَق أنهم: بلالٌ، وزيدٌ، وعامر بن فُهَيرة، وأبو فُكَيهة، وياسر والد عمار. (وامرأتان) هما: خديجة، وأُمُّ الفضل لُبَابة الكُبرى بنت الحارث الهِلاليَّة، وقيل: سُميَّة والدة عمار. نعم، إسلام عليٍّ مقدَّمٌ على إسلام عمار، بل قال (ن): إنّه أسلم بعد بضعةٍ وثلاثين رجلًا، لكن لا يلزم من رؤيته ذلك أن لا يكون ثَمَّ غيره، أو أنه حكَى عن رؤيته له قبل إسلامه. * * * 31 - بابُ إِسْلَامِ سَعْدٍ (باب إسلام سَعْد بن أبي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه -) 3858 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إلا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلَامِ (إلا في اليوم) قد أسلم قبلَه كثيرٌ: أبو بكر، وعليٌّ، وخديجة،

32 - باب ذكر الجن وقول الله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن}

وزَيْد، ونحوهم، فلعلَّهم أسلموا أوَّلَ النهار، وهو آخره. (لثلث الإسلام) يُشكل بأنه قد أسلَم قبله أكثرُ من اثنين، فلعلَّه بالنسبة إلى الرِّجال البالغين. * * * 32 - بابُ ذِكْرِ الْجِنِّ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (باب ذِكْر الجنِّ) 3859 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ -يَعْنِي عَبْدَ اللهِ- أَنَّهُ آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ. الحديث الأوّل: (سمعت أبي)؛ أي: عبد الرّحمن بن عبد الله بن مسعود. (أبوك)؛ أي: ابن مسعود. (آذَنت)؛ أي: أعلَمت. * * *

3860 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ "، فَقَالَ: أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ. فَقَالَ: "ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلَا تأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ". فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُ إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟ قَالَ: "هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَنِعْمَ الْجنُّ، فَسَألُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ إلا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا". الثاني: (ابغني)؛ أي: اطلُبْ لي. وسبق في (الاستنجاء بالحجارة). (نَصِيبين) بفتح النون، وكسر المهملة، وسُكون الياءَين، وبموحَّدةٍ بينهما، وآخره نونٌ: بلَدٌ بين الشّام والعراق، وفيه مذهبان: إجراؤُه مَجرى الجمْع في الإعراب، وإجراؤُه مجرى مفردٍ لا ينصرِف. (طعمًا) في بعضها: (طَعامًا)، قيل: العَظْم لأنفسهم، والرَّوث لدوابِّهم. * * *

33 - باب إسلام أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -

33 - بابُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ الغفاري - رضي الله عنه - (باب إسلام أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه -) بإعجام الدَّال، وتشديد الرَّاء. (الغفاري): بكسر المعجمة، وتخفيف الفاء، وبراءٍ. 3861 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي، فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نبَيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ ائْتيِنِي، فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ، وَسَمعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أبِي ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ. فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي مِمَّا أَرَدْتُ، فتزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجدَ، فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، حَتَّى أَدْركَهُ بَعْضُ اللَّيْلِ، فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ، فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَصبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجدِ، وَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَرَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَمْسَى، فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟! فَأَقَامَهُ، فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ لَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الثَّالِثِ، فَعَادَ عَلِيٌّ

مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَامَ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنَّنِي فَعَلْتُ، فَفَعَلَ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي، فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَدَخَلَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ قَولِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي"، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانيهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجدَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، قَالَ: ويلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إِلَى الشَّأْمِ؟ فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ لِمِثْلِهَا، فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ، فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ. (عمرو بن عبّاس) بموحدةٍ، ومهملةٍ. (فاعلم لي)؛ أي: لأجلي. (وكلامًا) معطوف على الضمير المنصوب، ويأتي فيه ما في: عَلَفتُها تِبْنًا ومَاءً بَارِدًا لأن الكلام ليس مرئيًّا، فإما أن يُقدَّر فيه فعل، أو يُضمَّن الفعل معنًى يشمَلُهما.

34 - باب إسلام سعيد بن زيد - رضي الله عنه -

(آن)؛ أي: حانَ، وفي بعضها: (أَنَّى) بفتح النون، والقَصْر، وفي بعضها: (نالَ)، وكلُّه بمعنًى. وسبق الحديث في (قصة زمزم). * * * 34 - بابُ إِسْلَامِ سَعِيدٍ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - (باب إسلام سَعيد بن زَيد - رضي الله عنه -) هو أحَد العشَرة، وابن عم عُمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -. 3862 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ. (لموثقي) أي: يُوثقُني على الثَّبات على الإسلام، ويُسدِّدُني، ويُثبِّتني عليه. (أُحد) بضم الهمزة: جبَلٌ بالمدينة. (ارفض) بالتشديد، من الارفِضَاض، بالفاء، والمُعجمتين، أي: زالَ من مكانه، وتفرَّق أجزاؤه.

35 - باب إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

قال (خ): ومثله انفَضَّ، كقوله تعالى: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، قال: ومَن رواه: (انقضَّ) بالقاف، فمعناه: تقطَّع، وتكسَّر. (لكان)؛ أي: حقيقًا بالارفِضاض، وفي بعض النُّسَخ: (لكان مَحقُوقًا) بالقاف، وسيَذكر البخاريّ رواية: (لكان مَحقُوقًا أن يُنقَضَ). والمراد: أنَّ في الزمن الأوَّل كان المُخالفون في الدِّين يرغِّبون المُسلمين في الخير، وفي هذا الزّمان الموافقون يعمَلون الشرَّ بأصحابهم، ويُرغِّبون عليه. * * * 35 - بابُ إِسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - (باب إسلام عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -) 3863 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ. الحديث الأوّل: معناه ظاهرٌ. * * *

3864 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي جَدِّي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا، إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو، عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ، وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ -وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهمٍ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ- فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ، فَخَرَجَ الْعَاصِ، فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الْوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فَكَرَّ النَّاسُ. الثّاني: فائدته العطْف في: (فأخبرني) أنه حدَّث بغير هذا الحديث أيضًا. (العاص) بضم الصاد إذا قُلنا: إنّه من الأَجْوَف، أي: ألِفُه مبدلةٌ عن واو، وبكسرها إذا قلنا: من النَّاقص، وأصلُه: العاصِي، فخُفِّف بترك الياء، وهو والد عمْرو بن العاص، أدرك الإِسلامَ ولم يُسلِم. (حبرة) بوزن عِنَبَة: بُردٌ يماني، والجمع حِبَرٌ. (مكفوف) من كفَفتُ الثّوب: خطْتُ حاشيَتَه، وكفَّة الثّوب: حاشيتُه. (أمنت) بتاء المتكلِّم من الأَمان، أي: زالَ خَوفي؛ لأنَّ العاصي

كان مُطَاعًا في قومه. (قالها)؛ أي: الكَلِمة الّتي هي: (لا سَبيلَ إليك)، وهذه الجُملة من مَقُول ابن عُمر. (فكرّ)؛ أي: رجَع. * * * 3865 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالُوا: صَبَا عُمَرُ، وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيتِي، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: قَدْ صَبَا عُمَرُ، فَمَا ذَاكَ فَأَنَا لَهُ جَارٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ. الثّالث: (فما ذاك)؛ أي: فلا بأْسَ، أو لا قتْلَ، أو لا تعرُّضَ. (جار)؛ أي: أجرتُه من أن يظلمَه ظالمٌ. (تصدعوا)؛ أي: تفرَّقوا عنه. * * * 3866 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ،

قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي لأَظُنُّهُ كَذَا، إلا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إلا مَا أَخْبَرْتَنِي، قَالَ: كنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجنَّ وَإِبْلَاسَهَا، وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا؟ قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ، يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ: يَقُولُ: لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ قُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ لَا إِلَهَ إلا اللهَ، فَقُمْتُ، فَمَا نَشَبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نبَيٌّ. الرابع: (عُمر)؛ أي: ابن محمّد بن زيد بن عبد الله بن عُمر. قال الكَلابَاذي: هو عَمْرو -بالواو- ابن الحارِث. (كما يظن)؛ أي: لأنه كان من المُحَدَّثين. قال الشاعر:

الأَلْمَعيُّ الذِي يظُنُّ بكَ الظَّنْـ ... ـنَ كأَنْ قَدْ رأَى وقَدْ سَمِعَا (رجل جميل) هو سَوَاد بن قَارِب. (ظني)؛ أي: في كونه على الجاهلية، بأن صار مسلمًا. (أوْ إن) بإسكان الواو. (ولقد كان) في بعضها: (أو لقَدْ كانَ). (عليَّ الرَّجل)؛ أي: قرِّبْه منِّي، وقيل: الأسوَد بن قارِب الدَّوْسي، تقول: عليَّ يزيد، أو عليَّ زيدًا، أي: أعطني زيدًا. (استقبل) بالبناء للمفعول. (رجلًا) مفعول (رأَيتُ). (إلا ما أخبرتني)؛ أي: واللهِ لا أطلُبُ منكَ إلا إخبارَك. (ممّا أعجب) مرفوعٌ، و (ما) استفهامية. (جنيتك) الجنِّي: منسوبٌ إلى الجنِّ، كرُومي للرُّوم، والمراد منه واحدٌ من النَّوع، وأُنِّث تحقيرًا له. (وإبلاسها)؛ أي: انكسَارها، ويأْسها، وصَيرورتها كإبليس باليأس والإبعاد. (ويأسها)؛ أي: من السَّمْع، بعد أن كانت ألفَتْه، وقيل: صوابه: وبَأْسها، بالموحَّدة، بعد إنكاسها، وهي رواية ابن السَّكَن، وعند أبي ذَرٍّ: (أنسَاكَها)، جمع نُسُك، وهو العبادة. وقيل: في روايةٍ: (من بعد إيناسِها)، أي: كانت تأْنَس إلى ما تَسمع.

(ولحوقها) بالنصب. (بالقُلاص) جمع قُلُص، بضمتين، جمع قَلُوص: وهي الناقة الشابَّة، تسمى قَلُوصًا، ويُراد بالقُلُوص: أهل القُلُوص على سبيل الكِنَاية، وهم العرَب. (وأحلاسها) بمهملتين جمع حلس، وهو كساءٌ رقيقٌ يكون تحت البِرْذَعة. والغرَض من هذا بيان ظهور النَّبيّ العربي - صلى الله عليه وسلم -، ومتابعة الجنِّ للعرَب، ولُحقوهم بهم في الدِّين إذ هو رسولٌ إلى الثَقَلَين. (بعجل)؛ أي: ولَد البقرة. (يا جَلِيح) بفتح الجيم، وكسر اللام، وبمهملةٍ: الوَقحِ، المُكافح، المكاشِف بالعَداوة. (نجيح) من النجاح، وهو الظَّفَر بالحوائج. (فصيح) من الفصاحة، وفي بعضها: (نَصِيْحُ)، ويُروى أيضًا: (يَصِيْحُ)، من الصِّيَاح. (نشَبنا) بكسر المعجمة: مكَثْنا، وتعلَّقْنا بشيءٍ؛ إذ ظهر القَول بين النَّاس بخُروج النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن الأثير بدَل (أنساكَها): (إنكاسَها)، أي: انقلابها عن أمرها، وقال: الجَلِيْح: اسم رجلٍ. * * * 3867 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا

36 - باب انشقاق القمر

إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ لِلْقَوْمِ: لَوْ رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلَى الإسْلَامِ أَنَا وَأُخْتُهُ وَمَا أَسْلَمَ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ، لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ. (عُمر) مرفوعٌ. (موثقي) مضافٌ للمفعول. (وأُخته) هي فاطمة بنت الخطَّاب، أسلمتْ هي وزوجُها سعيد قبل عُمر - رضي الله عنهم -. (محقوقًا)؛ أي: واجبًا، يقول: لو تحرَّكت القبائل بطلَب ثأْر عُثمان لفعَلوا واجبًا. * * * 36 - بابُ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ (باب انشقاق القمر) هو من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - العِظام الّتي اختصَّ بها على سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعليهم حيث لم تتجاوَز معجزاتُهم من الأرضيات إلى السماويات. وأمّا قول بعض الفلاسفة: إن الفلكيات لا تقبَل الخَرْق والالْتِئَام؛ فقولٌ ظاهر البُطلان؛ لأن الكلَّ من خلْق الله تعالى، يفعل فيه ما يشاء،

كما يُفنيه، ويُكوِّره في آخر أمْرِه. وقال بعضهم: لو وقَع هذا الأمر الغَريب لاشترَك أهل الأرض في معرفته، ولم يختصَّ به أهل مكَّة. فأُجيب: بأنَّ الأنشقاق حصَل في اللَّيل، ومعظم النَّاس نيامٌ غافلون، والأبواب مغلقةٌ، والسُّتور حاجبةٌ. وكيف يُنكر والخسوف الّذي هو معتادٌ مشهورٌ، وكذا الشُّهُب العِظام وغير ذلك ممّا يحدُث في اللَّيل، ولا يتحدَّث بها إلا آحادُ النَّاس. وأيضًا قد يكون القمر في بعض المنازِل الّتي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعضٍ، كما يكون ظاهرًا لقومٍ، غائبًا عن آخرين، كما يَجِد الكسوفَ أهلُ بلدٍ دون أهل بلدٍ. * * * 3868 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرِيَهُم آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا. الحديث الأوّل: (شِقتين) بسكر الشين، أي: نِصفَين. (حِرَاء) بكسر المهملة، والمدِّ: جبَلٌ على يسار الذاهب

من مكّة إلى مِنَى. * * * 3869 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى، فَقَالَ: "اشْهَدُوا"، وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الْجَبَلِ. وَقَالَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: انْشَقَّ بِمَكَّةَ. وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِم، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. الثّاني: (فرقة)؛ أي: قطعةٌ في ناحية جبَل حِرَاء، وبقيتْ قطعةٌ في مكانه، والمشهور أنهما الْتَأَمَا في الحال، لا بعد الغُروب، ولا ينافي هذا قوله: (رأَوا حِرَاء بينهما)؛ لأنه إذا نزلَتْ قطعةٌ تحت حِرَاء وبقيت قطعةٌ منه فوقه فهو بينهما، وكذا إذا ذهبت الفرقة من يمين حِرَاء أو شِماله، أو أن الانشِقاق كان مرَّتين، كما أشار في "الكشاف" إلى أنَّه رُوي. (وقال أبو الضحى) وصلَه أبو داود الطَّيَالِسي في "مسنده"، وابن مَنْدَه في "المعرفة".

(بمكة): لا يُنافي رواية: (بمنَى)، خلافًا لما قالَه الدَّاوُدي؛ لأنه لم يقُل: (ونحن بمكة)، فالمراد بذلك الإخبار عمن رآه بمكة، لا أنَّ ذلك كان بمكة. (وتابعه محمّد بن مسلم) وصلَه البيهقي في "الدلائل". * * * 3870 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ الْقَمَرَ انشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - رضي الله عنه -. 3871 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ. الثّالث: (ابن عبّاس) هو مرسَلُ صحابيٌّ؛ لأنه كان حينئذٍ طِفْلًا ابن سنتَين أو ثلاث. وكذلك في الحديث الأوَّل أنَس لم يكُن في ذلك الوقت بمكة. * * *

37 - باب هجرة الحبشة

37 - بابُ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرِيتُ دارَ هِجْرَتَكُم ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ"، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ. فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَأَسْمَاءَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب هِجْرة الحبَشة) قوله: (وقالت عائشة) موصولٌ في (الصّلاة). (أريت) بضم الهمزة. (لابتين) اللَّابَة -بتخفيف الموحَّدة-: الحَرَّة ذات حِجارةٍ سُودٍ. (قِبَل) بكسر القاف: الجِهَة. (فيه عن أبي موسى وأسماء) موصولان في (غزوة خيبر) في حديثٍ واحدٍ. * * * 3872 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ

يَغُوثَ قَالَا: لَهُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ خَالَكَ عُثْمَانَ فِي أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبةَ؟ وَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسُ فِيمَا فَعَلَ بِهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَانْتَصَبْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهْيَ نصَيحَةٌ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَرْء! أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، فَانْصَرَفْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلَاةَ جَلَسْتُ إِلَى الْمِسْوَرِ وَإِلَى ابْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَحَدَّثْتُهُمَا بِالَّذِي قُلْتُ لِعُثْمَانَ وَقَالَ لِي، فَقَالَا: قَدْ قَضَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْكَ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمَا، إِذْ جَاءَنِي رَسُولُ عُثْمَانَ، فَقَالَا لِي: قَدِ ابْتَلَاكَ اللهُ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا نصَيحَتُكَ الَّتِي ذَكَرْتَ آنِفًا؟ قَالَ: فتَشَهَّدْتُ ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَآمَنْتَ بِهِ، وَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أكثَرَ النَّاسُ فِي شَاْنِ الْوَليدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي! آدْرَكتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ قَدْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا خَلَصَ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا، قَالَ: فتَشَهَّدَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَمَا قُلْتَ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَايَعْتُهُ، وَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللهُ أَبَا بَكْرٍ فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ

وَلَا غَشَشْتُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ؟ قَالَ: بَلَى: قَالَ فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ، فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ بِالْحَقِّ، قَالَ: فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَهُ، وَكَانَ هُوَ يَجْلِدُهُ. وَقَالَ يُونس وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ. الحديث الأوّل: (خالك عُثمان) ليس ذلك لكون أُمه أُختَ عُثمان، بل لكونها من بني أُمَيَّة، وهي أُمُّ قِتَال بنت أُسيد بن أبي العِيْص بن أُمَيَّة، وكذا أُمُّ أبي عُبيد الله، وهو عدي، أُمُّ إياس بنت أُمَيَّة. (الهجرتين الأولتين)؛ أي: هجْرة المدينة، وهجْرة الحبَشة، والأَوليَّة فيهما باعتبار هِجْران مَنْ هاجَر بعده من الصَّحابة. (هَدْيه) بفتح الهاء، وسُكون الدال: الطَّريقة، والسِّيرة. (يا ابن أُختي) هو الصَّواب، وفي بعضها: (أخي)، فإما أنَّه سهوٌ، أو على عادة العرَب من قوله: يا ابن أخي، ويا ابن عَمِّي. (العذراء) البِكْر، أي: إلى عِلْم الشَّريعة كما وصَل إلى المُخدَّرات، بل وُصولُه إليَّ بطريقٍ أَولى. وسبق الحديث في (مناقب عُثمان)، وشرحه، والجواب عن قوله هناك: (جلَده ثمانين)، وهنا: (أربعين)؛ إمّا بأن العدَد لا يَنفي

الزائدَ، وإما بأن السَّوط له طرَفان، فهي أربعون باعتبارٍ، وثمانون باعتبارٍ. (النعم)؛ أي: لأن البلاء من الأَضداد، بمعنى: النِّعمة، أو النِّقمة، وهما من الإفعال، يُقال: أبلاه اللهُ بلاءً حسنًا، وأَبليتُه مَعروفًا، والذي من المِحْنة فمن الافتِعال، أي: الابتِلاء بالمصيبات. * * * 3873 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَن أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِه مَسْجدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". الثّاني: سبق في (المساجد)، في (باب: هل تُنبش قُبور المشركين؟). * * * 3874 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ السَّعِيدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ، قَالَتْ: قَدِمْتُ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَنَا جُويرِيَةٌ، فَكَسَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمِيصَةً لَهَا أَعْلَامٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ الأَعْلَامَ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: "سَنَاهْ،

سَنَاهْ"، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: يَعْنِي حَسَنٌ حَسَنٌ. الثّالث: (أُم خالد) اسمها: أَمَة، بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، كُنيت بذلك؛ لأنها أُم خالد بن الزُّبير بن العَوَّام، وهي أيضًا بنت خالد بن سَعيد بن العاص. (سَنَاه) بفتح المهملة، وتخفيف النُّون: كَلِمةٌ حبَشيةٌ، بمعنى: حسَنٌ. مرَّ في (باب: مَنْ تكلَّم بالفارسية)، في (كتاب الجهاد). ولا يُنافي هذا قولها هناك: (أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مع أبي وعليَّ قميصٌ أصفر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سَنَه)؛ لجواز اجتماع الأمرين، أو أن القصَّة مكررةٌ. * * * 3875 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُصَلِّي فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فترُدُّ عَلَيْنَا؟ قَالَ: "إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا"، فَقُلْتُ لإبْرَاهِيمَ: كَيْفَ تَصْنَعُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَرُدُّ فِي نَفْسِي.

الرابع: (شغلًا)؛ أي: بالله عنكم. (لإبراهيم)؛ أي: قال الأعمش لإبراهيم النَّخَعي. * * * 3876 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنحنُ بِالْيَمَنِ، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَكُمْ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ". الخامس: (النجاشي) بفتح النون: أصْحَمة، بفتح الهمزة، وإسكان المهملة الأُولى، وفتْح الثّانية. وزعم ابن دِحْيَة أنه بكسر النون أيضًا، والحبَشة تقولُه بالخاء المعجمة. وقيل: اسم النجاشي: عَطيَّة. وفي "نوادر التفسير" لمُقاتِل: أن اسمه: مَكْحُول بن صَعْصَعة. * * *

38 - باب موت النجاشي

38 - باب مَوْتِ النَّجَاشِيِّ (باب مَوْت النَّجَاشِيِّ) فيه أربعةُ أحاديث. وسبق شرحُها في (كتاب الجنائز). 3877 - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاء، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: "مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ". 3878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، أَنَّ عَطَاءً حَدَّثَهُمْ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ نبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَصَفَّنَا وَرَاءَهُ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ. 3879 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَلِيم ابْنِ حَيَّانَ، حَدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. تَابَعَه عَبْدُ الصَّمَدِ. (تابعه عبد الصمد) وعبد الرزّاق، موصولٌ في (الجنائز).

39 - باب تقاسم المشركين على النبي - صلى الله عليه وسلم -

3880 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى لَهُمُ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ". 3881 - وَعَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَفَّ بِهِمْ فِي الْمُصَلَّى، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. * * * 39 - بابُ تَقَاسُمِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب مَقاسِم المُشركين على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 3882 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: "مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ". (أراد حُنينًا)؛ أي: قصَد غَزْوة حُنين.

40 - باب قصة أبي طالب

(بخيف): هو ما انحدَر عن غِلَظ الجبَل، وارتفَع عن مَسِيْل الماء، وفيه مَسجِد الخَيْف، والمراد بخَيْف بني كِنانة: المُحصَّب. (تقاسموا)؛ أي: تحالَفوا على إخْراج بني هاشم والمُطَّلِب من مكّة إلى خَيْف بني كِنانة، وكتَبوا الصَّحيفة المشهورة. وسبق في (الحجِّ)، في (باب: نُزول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مكّة). * * * 40 - بابُ قِصَّةِ أَبِي طَالِبِ (باب قصَّة أبي طالب) أي: عبد مَناف بن عبد المطَّلِب، عمُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مات قبل الهجرة وعمُر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - خمسون سنةً إلا ثلاثة أشهر وأيامًا. 3883 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه -، قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ. قَالَ: "هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ". الحديث الأوّل: (أغنيت)؛ أي: أي شيءٍ دفعتَه عنه؟، وماذا نفعتَه؟.

(يحوطك)؛ أي: يصونُك، ويحفظُك، ويَذُبُّ عنك. (ضَحْضَاح) بفتْح الضَّادِّين المعجمتين، وسُكون الحاء المهملة الأُولى: قَريبُ القَعْرِ. وقال (ش): ما يبلُغ الكَعْبَ، وضَحْضَحَ الشَّرابُ: إذا رَقَّ. (الدَّرَك) بفتح الراء، وإسكانها. وفيه تصريحٌ بتفاوُت عذاب أهل النار، وأعمال الكفَّار وإنْ كانتْ هَباءً منْثورًا لا فائدةَ لها؛ لكنْ هذا النَّفْع إنما هو من بَركَة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وخَصائصه. * * * 3884 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: "أَيْ عَمِّ! قُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ كلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ" فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ! تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالاَ يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ"، فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} وَنزَلَتْ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.

الثاني: (عن أبيه) لم يَروِ عنه غير سعيدٍ ولَده، ومِن شَرْط البخاري -كما قالَه الحاكم- أنْ يَروي عن الراوي اثنان، إلا أنْ يُقال: لعلَّه الراوي غير الصحابي. (حضرته)؛ أي: قَرُبتْ وفاتُه، وحضَرتْ علاماتها، وذلك قبل النَّزْع والغَرغرة. (أبو جهل) هو عمرو بن هشام بن المُغيرة، فِرعَون هذه الأُمة. (وعبد الله بن أبي أُمَيَّة) بضم الهمزة، وفتح الميم، وتشديد الياء، ابن المُغيرة، هو أخو أُمِّ سلَمة زوجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كان شديدًا على المسلمين، مبغِضًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لكنه أسلَم قبل الفتح، واستُشهد يوم الطَّائف. (يكلمانه) في بعضها: (يُكلِّماه)، وحذْف النُّون في مثله جائزٌ. (على ملة) خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: أنا على ملتِه. * * * 3885 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ، فَقَالَ: "لَعَلَّهُ تنفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ". حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ،

41 - باب حديث الإسراء، وقول الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}

عَنْ يَزِيدَ بِهَذَا، وَقَالَ: تَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ. الثالث، والرابع: (أُم دماغه)؛ أي: أَصْل دِماغه. * * * 41 - بابُ حَدِيثِ الإِسْرَاءِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالىَ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (باب حديث الإسراء) 3886 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلاَ اللهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ". (كذبني)؛ أي: في الإِسراء من المسجِد الحرام إلى المسجد الأقصى. (في الحِجْر) بكسر المهملة، وسكون الجيم: ما تحتَ مِيْزاب الكعبة، وهو من جِهَة الشام.

42 - باب المعراج

(فجلّى) بتشديد اللام، أي: أظهَرَ، كما في قوله تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هُوَ} [الأعراف: 187]. (آياته)؛ أي: علاماتِه، وأوضاعَه، وأحوالَه. وفيه أنَّ الرُّؤية لا يُشترط فيها قُرب المسافة، ولا ارتفاع الحائِل، ولا غير ذلك. * * * 42 - بابُ الْمِعْرَاجِ (باب المِعْرَاجِ) 3887 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: "بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ" -وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الْحِجْرِ "مُضْطَجِعًا، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ" قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ "مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ" فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ "فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ" فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ "يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا

فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيل: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إذا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَليه، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ،

قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالَأخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنتهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِناَءٍ مِنْ

خَمْرٍ وإِناَءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِناَءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ ناَدَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي". الحديث الأول: (الحطيم) بفتح المهملة: هو الحِجْر على الأصح، وسُمي به؛ لأنَّه حُطِم جِدارُه، فلم يَستوِ ببناء الكعبة، أو أنَّ البيت لمَّا وقَع تُرك ذلك مَحطُومًا، وقيل: لازدحام النَّاس وحَطْمِ بعضهم بعضًا.

(فَقَدَّ)؛ أي: قطَع، وشقَّ، أي: بالطُّول، والقَطُّ: القطْع بالعرض. (الجارود) بجيمٍ، وراءٍ، ومهملةٍ، أي: ابن أبي سَبْرة، بفتح المهملة، وسُكون الموحَّدة، وبراءٍ، الهُذَلي، التَّابعي. (ثغرة) بضم المثلَّثة، وسُكون المعجمة: ثُغْرة النَّحر التي بين التِّرْقَوتَين، وقيل: التي في النَّحر يُنحَر منها البعير، والجمع ثُغُر. (شعرته) بكسر الشين: شَعْر العَانَة. (قصة) بفتح القاف، وشدَّة المهملة: رأْس الصَّدر، أي: من صَدره، أو من سُرَّته، وفي بعضها بدَل (الشِّعرة): (الثُّنَّة)، بمثلثةٍ، ونونٍ: ما بين السُّرة والعانَة. (مملوء) وقد يُقال: مملوءةٌ، بالتأنيث باعتبار الآنيَة. (يا أبا حمزة) هو كُنية أنَس. (بكى) بُكاءُ موسى - عليه السلام - حُزْنًا على قومه، وقُصور عدَدِهم، وعلى فَوات الفضل العظيم منهم. (غُلامًا) ليس للتَّحقير والاستِصغار به، بل لعظيم مِنَّةِ الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير طُول العمُر. (فإذا إبراهيم) قد سبق في (كتاب الصلاة): أنَّه في السماء السادسة، ولا منافاةَ؛ لاحتمال أنه صعد قبْل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من السادسة إلى السابعة، ويحتمل أنه جاء إلى السماء السادسة استِقبالًا، وهو في السابعة على سبيل التوطُّن. (نَبْقها) هو حَمْل السِّدْر، ويُسكَّن ثانيه تخفيفًا، والأصل الكسر، والواحدة نَبِقَة.

(قِلال) بكسر القاف: جمع قُلَّة، بضمها: وهي جَرَّةٌ عظيمة تَسَعُ قِربتَين وأكثر. (هجر) اسم بلَدٍ، مذكَّرٌ، منصرفٌ، بقرب مدينة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو غير هجَر البَحرين. (الفيلة) بكسر الفاء وفتحها، وفتح الياء: جمع فِيْل. (فنهران في الجنة) هما: الكوثَر، والسَّلْسَبيل. (فالنيل)؛ أي: نهر مصْر. (والفُرات)؛ أي: نهر بَغْداد بالجانب الغَربي منه، وهو بالتاء الممدودة في الخطِّ وصلًا ووقفًا. (وإناء من عسل) هذا زائدٌ على ما في الرِّوايات الأُخَر. (الفطرة)؛ أي: علامة الإسلام، أي: لكَون اللَّبَن سَهْلًا، طيِّبًا، طاهرًا، سليمَ العاقبة، سائغًا للشَّاربين. ومرَّ شرح الحديث مِرارًا. قال (خ): يُشبه أن يكون الأمر الأول، أي: بخمسين صلاةً، غير مفروضٍ حتمًا، ولو كان عزيمةً لم يكن لهما في ذلك مراجعةٌ، وقد كان لموسى - عليه الصلاة والسلام - من المعرفة بأُمور المتعبِّدين ما لم يكن لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، فخشيَ من جهَة الشَّفَقة ما أَرشده إليه من جِهَة التَّخفيف، والله جوادٌ كريمٌ حيث خَفَّف وجَزى بعشْر أمثالها، فالصَّلاة خمسٌ عددًا، وخمسون جزاءً. * * *

43 - باب وفود الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وبيعة العقبة

3888 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. الثاني: (عين) قيَّد به؛ للإشْعار بأنَّ الرُّؤيا، بمعنى: الرُّؤية في اليقَظة. قال في "الكشاف": تعلَّق بهذه الآية مَن قال: كان الإسراء في المَنام، ومن قال كان في اليقَظة فسَّر الرُّؤيا بالرُّؤية. * * * 43 - بابُ وُفُودِ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ وَبَيْعَةِ الْعَقَبَةِ (باب وُفُود الأنْصار، وبَيعة العقَبة) أي: التي تُنسَب إليها جَمْرة العقَبة، وهي بمنَى، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعْرِض نفسَه على القبائل في كلِّ مَوسِمٍ، فبينما هو عند العقَبة إذ لقِيَ رَهْطًا من الخَزْرج، فدعاهم إلى الله تعالى، فأجابوه، فجاء في العام المقبِل اثنا عشَر رجلًا إلى الموسِم من الأنصار، أحدُهم عُبادة بن

الصَّامِت، فاجتمعوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العقَبة، وبايَعوه، وهي بيعة العقَبة الأُولى، فخرج في العام الآخَر سبعون إلى الحج، فواعدَهم - صلى الله عليه وسلم - العقَبةَ، فلمَّا اجتمعوا، أَخرجوا من كل فرقةٍ نَقيبًا، فبايعوه ليلًا هناك، وهي البيعة الثانية. * * * 3889 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ - وَكَانَ قَائِدَ كعْبٍ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، بِطُولِهِ، قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي حَدِيثهِ: وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا. الحديث الأول: (ولقد شهدت)؛ أي: قال كعْب: حضَرتُ العقبة الثانية. (بها)؛ أي: بدَلَها، وتُسمى باء البدليَّة، كقوله: فلَيْتَ لي بهِمُ قَومًا إِذَا رَكِبُوا

وإنما قال ذلك؛ لأنها أول عقدٍ أُجيب فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الخُروج والنُّصرة. (وما أحب)؛ أي: لأنَّ هذه البيعة كانت في أول الإسلام، ومنها فشَا الإسلامُ، وتأكَّد أساسه. (أَذْكَر) أفْعَل تفضيلٍ، أي: أشهر. * * * 3890 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: شَهِدَ بِي خَالاَيَ الْعَقَبَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَحَدُهُمَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ. الثاني: (أحدهما البراء) قال الدِّمْيَاطِي: هذا وهمٌ من سفيان؛ لأن أُمَّ جابر، أُنيَسة بنت عُتبة بن عَدِيِّ بن سِنَان، وأخوها خالاه ثَعْلَبة وعمْرو ابنا عُتْبة، وقد شهدا هُما وجابر بن عبد الله وأبوه العَقَبة مع السبعين، فثعلبة لمَّا أسلَم كان يكسِر أصنام بني سَلِمة هو ومعاذٌ وعبد الله بن أُنيَس، وشهد بدرًا، وأحُدًا، والخندق، وقُتل يومئذٍ شهيدًا، قتله هُبيرة ابن أبي وَهْب المَخزُومي. وأما عمرو فشَهِدَ أُحُدًا، وكان أحد البكَّائين المذكورين في القُرآن، وتُوفي وليس له عَقِبٌ. وقال (ك): البراء ليس خالًا لجابر، إذ نُسَيبة -بضم النون- بنت

عُقبة، بضم المهملة، وسُكون القاف، قال: فيحتمل أنه أَطلَق الخال عليه باعتبار أنَّ عُقبة أيضًا غُنْمي، يعني: سُلَميٌّ خزْرَجيٌّ، أو هو خالٌ رضاعيٌّ، أو هو من جهة الأُم فقط. * * * 3891 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: أَنَا وَأَبِي وَخَالِي مِنْ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ. الثالث: (خالاي) في بعضها: (خالِيْ) بالإفراد، وفي بعضها: (خالَيَّ) بالتشديد، أي: مع خاليَّ. قال السَّفَاقُسي: بواوِ مَعَ، مثل: استوى الماءُ والخشَبةَ. * * * 3892 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ مِنَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمِنْ أَصْحَابِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، أَخبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: "تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدكُمْ، وَلاَ تأْتُونَ بِبُهْتَانٍ

تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ"، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ عَلَى ذَلِكَ. الرابع: سبق شرحه أول (كتاب الإيمان). * * * 3893 - حَدَّثَنَا قتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه -، أنَّهُ قَالَ: إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لاَ نُشرِكَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَزْنِيَ، وَلاَ نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ، وَلاَ نَنْتَهِبَ، وَلاَ نَعْصِيَ بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللهِ. الخامس: (ولا نعصي)؛ أي: في معروفٍ. (بالجنة) متعلِّقٌ بقوله: (بايعْناه)، وفي بعضها: (فالجنَّة) بالفاء، كذا عندَ أبي ذَرٍّ، وهو ظاهرٌ؛ لأنَّ مَن لا يعصي له الجنَّة، ورُوي: (يقضي بالجنَّة) بالقاف، وبالموحَّدة: من القَضاء؛ لأنَّ الأمر موكولٌ

44 - باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها

إلى الله، لا حُكمَ لنا فيه. (فإن غشينا) رُوي بالتكلُّم والغَيبة، ففي: (شيءٌ) النصب والرفع. (قضاء)؛ أي: الحُكم، أي: إنْ شاء الله عاقَب، وإن شاء عفَا. * * * 44 - بابُ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ وَقُدُومِهَا الْمَدِينَةَ وَبِنَائِهِ بِهَا (باب تَزوُّج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) وفي بعضها: (تَزْويج) بمعنى: تزوُّجها، أو تَزويجه نفسِه إياها. (وبنائه بها) قال الجَوْهَري: يقال: بنى على أهله، أي: زفَّها، والعامة تقول: بنى بأَهله، وهو خطأٌ، وأصلُ تسميته بناءً أنَّ الدَّاخل على أهله يضرِب عليها قُبةً ليلةَ الدُّخول. 3894 - حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ ابْنِ خَزْرجٍ، فَوُعِكْتُ فتَمَزَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي، فَأَتَيْتُهَا لاَ أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ،

وَإِنِّي لأَنْهَجُ، حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. الحديث الأول: (وعكت) بضم الواو، أي: حُمِمْتُ، والوَعْك: الحُمَّى. (تمرق) بالراء، أي: سقَط شَعري من علَّةٍ، يقال: مرَقْتُ الإهابَ: إذا حلَقتَ عنه صُوفَه، وفي بعضها بالزاي. (حُميمة) تصغير حُمَة، وهي مجتمَعُ شعْر الرأْس، والجمُّ الكثير، ووفى، أي: كثُر. (أم رُومان) بضم الراء، وفتحها، اسمها: زينب الفِرَاسيَّة. (أُرْجُوحة) بضم الهمزة، وإسكان الراء، وضم الجيم، وبمهملةٍ. قال أبو عُبيد: تُوضع خشبةٌ على تَلٍّ، فيجلس واحدٌ على طرَفٍ، وآخر على الآخَر، فترجَح الخشَبة بهما، ويحركان، يميل أحدُهما بالآخَر، ولا يُقال: مَرجوحة، بالميم، وجوَّزه الخليل، أي: وهذا مثالٌ، وإلا فقد يُجعل في حبْلٍ بين جِذْعَين، ونحو ذلك. (أوقفتني) الأصل: وقَفْتني، ثُلاثيًّا. (لأنهج) مبنيٌّ للمفعول، يقال: أنْهَجَ: إذا غلبَه التنفُّس من الإعْياء ونحوه، والنَّهيْج: تتابُع النَّفَس، وقيل: مبنيٌّ للفاعل أيضًا.

(على خير)؛ أي: قدمتِ على خيرٍ. (طائر) حظٍّ، أو نصيبٍ. (فلم يرعني)؛ أي: لم يُفاجئني، وإنما يقال فيما يهجُم من غير أن يتوقَّعه في زمانٍ، أو في مكانٍ. * * * 3895 - حَدَّثَنَا مُعَلًّى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ". الثاني: (سَرَقة) بفتح المهملة، والراء: القطعة من الحرير، وأصلها بالفارسية: سَرَه، أي: جيد؛ فعرَّبوه كما عُرِّب (استبرق)، ونحوه. (إن يكن) ليس شكًّا؛ لأنها وحيٌ، بل لأن الرُّؤيا تكون على ظاهرها، وعلى غير ظاهرها، فالتردُّد في أيهما يقَع؟. * * * 3896 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى

45 - باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة

الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سنِينَ. الثالث: استُشكل من حيث إنَّ خديجة ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين؛ فإذا نكَحها بعد ذلك بثلاثٍ كان نكاحها حالَ الهجرة، أو بعدها، وهو خلافُ ما اتفقوا عليه، فلا يصحُّ، إلا إنْ قيل: تُوفيت قبل الهجرة بخمس سنين، ولهذا قال: أو قَريبًا من ذلك. ولا يخفَى أن الحديث مُرسَلٌ. قال الدِّمْيَاطِي: ماتت خديجة في رمضان سنة عشر، وتزوَّج سودة بعدها في رمضان المذكور، ثم تزوَّج عائشة في شوال سنة عشر. * * * 45 - بابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ"، وَقَالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ".

(باب هِجْرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة) قوله: (وقال عبد الله بن زيد) موصولٌ في (غزوة حنين). (وأبو هريرة) موصولٌ في (فضائل الأنصار). (وقال أبو موسى) موصولٌ في (غزوة خيبر). (وَهَلي) بفتحتين، أو بسكون الثاني، أي: وَهْمي، يقال: وهلي: إذا أراد شيئًا فذهبَ وهمه إلى غيره، ووهِمَ: غَلِطَ، وأَوهمَ: أسقَط، قاله السُّهَيْلي. (اليمامة) مدينةٌ باليمَن على مرحلتين من الطائف. (أو الهجر) وفي أكثرها بدون ألفٍ ولامٍ. (يثرب) اسم مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، غير منصرفٍ، وسماها بذلك خِطابًا لهم بما يعقلُونه، أو قبْل مجيء النَّهي عن تسميتها بذلك. * * * 3897 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: عُدْناَ خَبَّابًا، فَقَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نُرِيدُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُناَ عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيهِ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَناَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا.

الحديث الأول: سبق في (الجنائز) في (باب: الكفَن). والمراد من الأجْر أعمُّ من خير الآخرة؛ إذ مُصْعَب لم يأخُذ من الدُّنيا شيئًا، وأما الآخرة، فمعدَّةٌ له - رضي الله عنه -. * * * 3898 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زيدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -". الثاني: سبَق أوَّلَ "الجامع". * * * 3899 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَقُولُ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ.

3900 - وَحَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاء بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، فَسَأَلْنَاهَا عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَتْ: لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِيِنِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ الإِسْلاَمَ، وَالْيَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. الثالث، والرابع: (ونية)؛ أي: ثواب النيَّة في الهجرة، أو في الجهاد. وسبق بيانه أول (الجهاد). * * * 3901 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرتْنِي عَائِشَةُ: مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ. الخامس: (كذبوا رسولك) قال الدَّاوُدي: يعني قُرَيظة، وليس كما قال، بل قُريش؛ لأنهم الذين أخرجوه من مكة.

(وقال أبان)؛ أي: أبدل لفظ: (الرَّسول) بـ (النبي)، وزاد: (من قُريش). * * * 3902 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ. 3903 - حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّي وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ. السابع، والثامن: معناهما ظاهرٌ. * * * 3904 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عُبَيْدٍ -يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ-، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ،

فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ"، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ وَهْوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلَّا خُلَّةَ الإِسْلاَمِ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ". التاسع: (انظروا) تعجَّبوا من تَفديته؛ إذ لم يفهموا المناسبةَ بين الكلامين. (المُخَيَّر) بفتح الياء: خيَّرهُ الله تعالى بين بقائه في الدُّنيا ورحلته إلى الآخرة. (إلا خلة) استثناءٌ منقطعٌ؛ [أي]: لكن خَلَّة الإسلام أفضل، وقال الدَّاوُدي: المَحفُوظ: أُخوَّة الإسلام، وأنكر القَزَّاز ذلك من جهة العربية. وقيل: نفَى الخلة المختصة بالإنسان، وأوجَب العامة، وهي الإسلام. (خَوخة) بفتح المعجمة: الباب الصَّغير.

وسبق الحديث في (باب: الخوخة في المسجد). * * * 3905 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَناَ لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ: وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَناَ وَأَبْنَاءَناَ. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ،

فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاَتِهِ، وَلاَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دارِهِ ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكينَ وَأَبْنَاؤُهُم وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْناَ أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجدًا بِفِنَاءِ دارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلاَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَناَ وَأَبْنَاءَناَ فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْت لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجوَارِ اللهِ عز وجل. وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُسْلِمِينَ: "إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ"، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي"، فَقَالَ أَبُو

بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهْوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بِالثَّمَنِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزناَهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ،

وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهْوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا -وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. 3906 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجيُّ -وَهْوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ- أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَناَ رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ! إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهْيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ،

وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرَّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لاَ، فَخَرَجَ الَّذِي أكرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ لاَ يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلاَنِي إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيم، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ

مَخْرَجَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ! هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاَحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِداَئِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: "هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ الْمَنْزِلُ"، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْغُلاَمَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالاَ: لاَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ

يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ: "هَذَا الْحِمَالُ لاَ حِمَالَ خَيْبَرْ، هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ"، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ، فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ"، فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ. العاشر: (الدِّين): الإسلام. (ابتلي المسلمون)؛ أي: بإيذاء الكفار لهم. (برْك) بكسر الموحَّدة وفتحها، وسكون الراء. (الغِماد) بكسر المعجمة، وقد تضمُّ، وبدالٍ مهملةٍ: اسم موضعٍ، بينه وبين مكة خمس ليالٍ، مما يَلي ساحل البحر. وقال (ش): وادٍ في أقاصي هجَر. وقال الجَوْهَري: البِرْك كمثل القِرْد: موضعٌ بناحية اليمَن. (ابن الدَغنة) بفتح المهملة وكسر المعجمة وبنونٍ خفيفةٍ، وبضم الغين وتشديد النون، وبفتح الدال وسكون الغين، اسمه: رَبيْعة بن رُفَيع، والدَّغِنَّة أُمه، كذا [قال] ابن إسحاق. وقال السُّهَيْلي: اسمه: مالك، وهو أحد الأحابِيْش.

(القارة) بالقاف، وتخفيف الراء: قَبيلةٌ. (وتكسب المعدوم) فيه ما سبَق في (بدء الوحي) في قول خديجة ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (الكل) ما يَثقُل حملُه من القِيام بالعِيال ونحوه ممن لا يَقوم بأمرِ نفْسه. (جار)؛ أي: ناصِر، حامِي، مُدافِع. (فلم تكذب)؛ أي: لم تَردَّ، وكلُّ من كذَّب بشيءٍ فقد ردَّه، فأَطلق التكذيبَ وأراد لازمَه. (نُخفرك) بضم النون، من أَخفَره: نقَضَ عهْدَه. (بجواز) بضم الجيم، وكسرها. (يتقصف) بقافٍ، وصادٍ مهملةٍ، ثم فاءٍ، أي: يزدحم عليه حتى يسقُط بعضُهم على بعضٍ ويتكسَّر. قال (خ): هذا المَحفُوظ، وأما (يتقذَّف)؛ فلا وجْهَ له هنا إلا أن يُجعل من القَذْف، أي: يتدافعُون، فيَقذفُ بعضُهم بعضًا، فيتساقطون عليه. (أجرنا) بقصر الهمزة. (ذمتك)؛ أي: العهد. (نخفرك)؛ أي: ننقُض ذِمَّتَك، يقال: خفرتُ الرجل: أجَرتُه، وحفظتُه، وأَخفرتُه: نقَضتُ عهدَه.

(لابتين)؛ أي: حَرَّتين، والحَرَّة: شِبْه الجبَل من حِجارةٍ سُودٍ، يريد: المدينة، وهي بين حَرَّتَين. (قِبَل) بكسر القاف. (رِسلك)؛ أي: هِيْنَتك، أي: لا تَعجَل. (السمُر) بضم الميم: شجر الطَّلْح. (الخبط) بفتح المعجمة، والموحَّدة، أي: الورَق المضروب بالعصا، الساقط من الشجر. (بحر الظهيرة)؛ أي: أول وقْت الحرارة، وهو الهاجِرة. (متقنعا)؛ أي: مغطِّيًا رأْسَه. (الصحابة) بالنصب، أي: أُريد المصاحبَة، وأطلبُها، ويجوز الرفع خبرَ مبتدأ مضمرٍ. (أحث)؛ أي: أُسرِع. (الجَهاز) بفتح الجيم وكسرها: ما يُحتاج إليه في السَّفَر، ونحوه. (ثوب) بمثلَّثةٍ. (فكمنا) من الكُمون، ضِدُّ البُروز، وفي بعضها: (مكَثْنا) من المَكْث. (عبد الله) في بعضها: (عبد الرَّحمن)، والصَّحيح المشهور الأول. (ثَقِف) بفتح المثلَّثة، وكسر القاف، وقيل بفتْحها: الحاذِق الفَطِن. (لَقِن)؛ أي: حسَن التلَقِّي لمَا يَسمعُه، وقيل: سريع الفَهْم. (فيدلجُ)؛ أي: يخرج في ذلك الوقْت منصرِفًا إلى مكة، يُقال:

أَدلج رباعيًّا، سارَ أوَّل اللَّيل، وقيل: في كله، ادّلج، بتشديد الدال: سارَ في آخرَه. (كبائت)؛ أي: كمَن باتَ فظهَر ذلك للكفَّار. (يكادان) مِن قولهم: كِدْتُ الرَّجلَ: إذا طلبتَ له الغَوائل، ومكَرتَ به، وفي بعضها: (يَكتَادان) من باب الافتعال. (ويرعى)؛ أي: يحفظ. (فُهَيْرة) بضم الفاء، وفتح الهاء، وسكون الياء، وبراءٍ. (مِنحة) بكسر الميم، ويُروى: مَنِيْحة، بفتح الميم، وزيادة ياء: هي الشَّاة التي يجعل الرجلُ لبنَها لغيره، ثم يقَع على كل شاةٍ، ونحو ذلك في الناقة، وغيرها. (رِسل) بكسر الراء: اللبن. (ورضيفها) بالضاد المعجمة: اللبن يُعلى بالرَّضفة، وهي الحِجارة المُحمَّاة، وقيل: تُحْمى الحجارة فتُلقَى في اللَّبَن الحليب، فتُذهبُ وخامتَه وثقلَه، وقيل: الرَّضِيْف: الناقة المَحلوب، فهو بالجرِّ، وعلى الأول بالرفع. (ينعق)؛ أي: يَصيح بهما، ويزجُرهما، والنَّعيق: صوت الرَّاعي. (بها)؛ أي: بالمنْحة، أو بالغنَم، وفي بعضها: (بهما) بالتَّثنية. (رجلًا) هو عبد الله بن أُرَيقِط، بضم الهمزة، وفتح الراء، وكسر القاف.

(الدِّيْل) بكسر المهملة، وسكون الياء. (عَدِي) بفتح المهملَة، وكسر الثَّانية، وتشديد الياء. (خِرّيتًا) بكسر المعجمة، وتشديد الراء. (حِلْفًا) بكسر المهملة، وسُكون اللام، وبفاءٍ: العَهْد، أي: كان حَليفًا لهم؛ وأخَذَ بنصيبه من عقْدهم، وكانوا إذا تحالفُوا غمَسوا أيمانهَم في دمٍ، أو في خَلُوقٍ، أو نحوهما من شيءٍ فيه تلويثٌ، فيكون ذلك تأْكيدًا للحِلْف، أما: (الحَلِف)، بفتح الحاء، فمصدر: حَلَفَ. (وائل) بهمزٍ بعد الألف. (السَّهْمي) بفتح المهملة، وسكون الهاء. (فأمناه) بقصر الهمزة، وأمَّنْتُه على كذا، وائتَمنتُه بمعنًى. (سُرَاقة) بضم السين، وتخفيف الراء، وبالقاف. (ابن جعشم) كذا في بعضها، وهو موافقٌ لكونه ابن أَخيه؛ لكنَّ المشهور كما في بعضها وقالَه ابن عبد البَرِّ: أنَّه سُرَاقَة بن مالِك بن جُعْشُم. (آنفًا)؛ أي: الساعةَ. (أسودة)؛ أي: أشخاصًا. (انطلقوا) بلفْظ الماضي. (بأعيننا)؛ أي: في نظَرنا مُعاينةً. (أكمة) بالتحريك: هي الرَّابية المرتفِعة عن الأرض.

(فحططت) بحاءٍ مهملةٍ للأَصِيْلِي، أي: أمكنْت أسفلَه، وحفظْتُ أعلاه؛ لئلَّا يظهَر بَريقُه لمن بَعُدَ منه فيُنذِر به، ويَنكشِف أمرُه. وبمعجمة للجُمهور، أي: خفَض أعلاه، فأمسكَه بيده، وجر (زُجَّه) ونصبه. (بِزُجّه) بضم الزاي، وتشديد الجيم: الحديد الذي في أَسفَل الرمح. (فرفعتها)؛ أي: أسرعتُ بها السَّير. (تقرب) من التقريب، وهو سَيرٌ دون العَدْو وفوق العادة، وقال الأَصمعي: أن ترفَع الفرَس يدَيها وتضعَهما معًا. (فأهويت يدي)؛ أي: بسطتُها إليها للأَخْذ. (كنانتي) هي الخَريطة المُستطيلة من جُلودٍ، وتُجعل فيه السِّهام، وهي الجُعْبَة. (الأزلام) القِدَاح، وهي السِّهام التي لا رِيشَ لها ولا نَصْلَ، وكانت لهم في الجاهلية هذه الأزلام مكتوبٌ عليها: لا، أو نعم؛ فإذا اتفق لهم أمرٌ من غير قصدٍ كانوا يُخرجونها، فإذا خرَج ما عليه (نعم)، مضى على عزْمه، وإن خرج (لا) انصرَف عنه، والاستِقسام: طلَب معرفة النَّفْع والضُرِّ بالأزْلام، أي: التَّفاؤُل بها. (ساخت) بمهملةٍ، ثم معجمةٍ: تَسِيخُ، وتَسُوخُ: دخلت، وغابتْ، وغاصتْ.

(إذا) للمفاجأَة. (لأثر) خبرٌ مقدَّمٌ. (غبار) مبتدأٌ مؤخرٌ، وفي بعضها: (عُثان) بمهملةٍ مضمومةٍ، ومثلَّثةٍ، ونونٍ: وهو الدُّخْان، وجمعه: عَواثِن، على غير قياس، والأول أصح. (ساطع)؛ أي: مرتفعٌ، منتشرٌ، ظاهرٌ. (سيظهر) بالرفع. (ما يريد الناس)؛ أي: الكفارُ مِن قتْلهم، وأَسْرهم، وجعل الدِّيَة لمَنْ تصدَّى لذلك. (فلم يرزآني)؛ أي: لم يأْخُذا مني شيئًا، ولم ينقُصا من مالي. (قال ابن شهاب: فأخبرني عروة) إلى آخره، قال الدِّمْيَاطِي: لم يذكر الزُّبَير بن بكَّار، ولا أهل السِّيَر: أن الزُّبَير لقِيَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في طريق الهجرة قادِمًا من الشام، وكساهم، وإنما هو طلْحة بن عُبيد الله. قال ابن سعد: لما ارتحل النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحجاز في هجرته إلى المدينة لَقِيَ طلحة بن عُبيد الله من الغَد جائيًا من الشام في عِيْرٍ؛ فكسا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكرٍ من ثياب الشام، وأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن مَن بالمدينة من المسلمين قد استَبطؤُوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعجل لهم - صلى الله عليه وسلم -. (أوفى)؛ أي: أشرَف. (أُطُم) بضمتين: بناءٌ معمولٌ بالحجارة، كالقَصْر.

(مبيضين)؛ أي: لابِسين الثِّياب البِيض التي كساهم إياها الزُّبَير أو طلْحة، ويحتمل أن يُريد مُستعجلين، قال ابن فارس: يقال: بائض: مُستعجِل، ويدلُّ له قوله: (يزول بهم السراب)، أي: يزول السَّراب عن النظَر بسبب عُروضهم. قال في "جامع الأصول": أي: ظهرت حركتُهم فيه للعين، والسَّراب: أن ترى شيئًا في شدَّة الحر كالماء؛ فإذا جئتَه لم تلْقَ شيئًا. (جَدكم) بفتح الجيم، أي: صاحب جَدِّكم، وسُلْطانكم، أو يريد: هذا سَعْدكم، ودولتُكم. (يُحيّي)؛ أي: يُسلِّم عليه، ويُرحِّبه، وفي بعضها: (يجيء) بالجيم. (الذي أُسس على التقوى)؛ أي: مسجد قُباء. (مِرْبدًا) (¬1) بكسر الميم، وفتح الموحَّدة: البَيْدر الذي يُوضَع فيه التمر. (لِسُهيل وسَهْل)؛ أي: ابني رافِع النجَّاري. (زُرَارة) بضم الزاي، وخفَّة الراء الأُولى، الأنْصاري، الخَزْرجي، والمشهور أنهما كانا في حَجْر أخي سَعْد، واسمه أسعَد، أبو أُمامة. قال في "الاستيعاب": إنه أسعد، لا سعد. (الحِمال) بالمهملة المكسورة: هو الحِمْل، أي: هذا المَحمول من اللَّبِن. ¬

_ (¬1) "مربدًا" ليس في الأصل.

(أبَرُّ)؛ أي: عند الله، أي: أبقى ذُخْرًا، وأكثر ثوابًا، وأدوَم منفعةً، وأطهر من حِمال خيبر من التمر والزبيب. وفي بعضها: (الجِمال) بالجيم، وهي رواية المُستَمْلي. (ربنا) منادى مضاف، وفي بعضها مكانه: (دينًا). واعلم أنَّ هذا كلَّه مرسلٌ؛ لأن عُروة تابعيٌّ. (بشِعر رجل) يحتمل شِعره هذا، أو شِعرًا غيره، والأول هو المعتمد، والمراد بالرجل: هو عبد الله بن رَواحة. وهذا بناءً على أن الرَّجَز شِعرٌ، على أنه ليس بموزونٍ؛ فيُشكل من وجهين. * * * 3907 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ وَفَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: صَنَعْتُ سُفرَةً لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَا الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي: مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبُطُهُ إِلَّا نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ، فَفَعَلْتُ، فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ. الحادي عشر: سبق شرحه في (كتاب الجهاد)، في (باب: حمل الزاد). * * * 3908 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى

الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ، قَالَ: ادْعُ اللهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكَ، فَدَعَا لَهُ، قَالَ: فَعَطِشَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَرَّ بِرَاعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ. الثاني عشر: (كُثبة) بضم الكاف: قَدْر حَلْبة، وقيل: مِلْءُ القدَح. * * * 3909 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أسُامَةَ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ. تَابَعَهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْيَ حُبْلَى. الثالث عشر: (متمّ)؛ أي: لمدَّة الحمْل بإتمام الشهر التاسِع.

(حجره) بفتح الحاء، وكسرها. (تفل) بمثلَّثةٍ، وفاءٍ، أي: بزَق. (حَنّكه) التحنيك: أن يُمضَغ تمرٌ، أو شيءٌ غيره ويُدلَك بحنَك الصغير. (وبرّك)؛ أي: دعا بالبركة عليه. (تابعه خالد) وصلَه مسلم. * * * 3910 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَمْرَةً فَلاَكَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَأَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع عشر: (أول مولود ولد في الإسلام)؛ أي: بالمدينة من المهاجرين. (فلاكها)؛ أي: مضَغَها. قال السَّفَاقُسي: ظاهره أنَّ اللَّوك قبل أن يُدخلَها في فِيْهِ، ولكنْ في اللغة: أن اللَّوك في الفم، وكأنَّه توهَّم أن الضَّمير لواحدٍ، ولكن الضَّمير في: (لاكَها) للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أي: علَكَها، وفي: (فيهِ) لابن الزُّبَير. * * *

3911 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَابٌّ لاَ يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قَالَ: فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ"، فَصَرَعَهُ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! مُرْنِي بِمَ شِئْتَ، قَالَ: "فَقِفْ مَكَانَكَ، لاَ تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا"، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَانِبَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَاؤُا إِلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلاَحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللهِ. فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ، إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ وَهْوَ فِي نَخْلٍ لأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهْيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ

نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ ". فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بَابِي، قَالَ: "فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا", قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ! وَيْلَكُمُ اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا"، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ، قَالَ: "فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ"، قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُناَ وَابْنُ سَيِّدِناَ، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ: "أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ "، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: "أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ " , قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: "أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ "، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ، مَا كَانَ ليُسْلِمَ، قَالَ: "يَا ابْنَ سَلاَمٍ، اخْرُجْ عَلَيْهِمْ"، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس عشر: (وهو مردف أبا بكر) قال الدَّاوُدي: يحتمِل أنهما على بَعيرين،

أحدهما يَتلُو الآخر. قال السَّفَاقُسي: والأول أرجَح؛ لأنَّ المُردَف يكون خَلْف، ولا يصحُّ أن يكون أبو بكر يمشي بين يدَي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وأبو بكر شيخٌ)؛ أي: في الصُّورة لدُخول الشَّيْب في لِحْيته دون النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أسَنُّ منه. قال البيهقي: لأنَّ أبا بكرٍ أسرَعَ إليه الشَّيْب، ولمَّا ماتَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكُن في لحيته ورأْسه عشرُون شعرةً بيضاء، ومات أبو بكر بعد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بسنتين، وثلاثة أشهر، وعشرين يومًا، وعمرهما واحدٌ. (يعرف)؛ أي: لأنه كان يتردَّد إليهم في التِّجارة. (فيلقى الرجل أبا بكر) كان ذلك في انتِقالهم من بني عَمْرو بن عَوْف. والحديث نصٌّ في أنَّه كان في مَسيرهم من مكة إلى المدينة. (فيحسب)؛ أي: يظنُّ. (يُحَمْحِم) من الحَمْحَمَة، بمهملتين: صَوت الفرَس. (لا تتركن) هو مثل: لا تَدْنُ من الأَسَد تَهلِكُ، والكسائي يُجوِّزه. (مَسْلحة) بفتح الميم: صاحب السِّلاح. (وحفوا)؛ أي: أَحدَقوا، قال تعالى: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75]. (يَخْترف) بالمعجمة، أي: يجني الثِّمار. (وهو)؛ أي: الذي اجتَناه، وفي بعضها: (وهي)؛ أي: الثَّمرة.

(مَقيلًا)؛ أي: مكانًا نَقيلُ فيه، وهو النَّوم نصفَ النهار. وسبقت حكاية أسئلة ابن سلام في أول (كتاب الأنبياء). * * * 3912 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، يَعْنِي: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَمِائَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ. يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ. 3913 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. السادس عشر: (نافع عن عُمر) فيه انقطاعٌ؛ لأن نافعًا لم يُدرك عُمر، وفي بعضها: (عن ابن عُمر)، وهو واضحٌ. (فرض)؛ أي: عيَّن من بيت المال. (الأولين)؛ أي: الذين صلَّوا القِبْلتين، وقيل: الذين شَهِدوا بدْرًا. (أربعة ألاف) وفي بعضها زيادة: (في أربعة)، قال (ش): قيل: في أربعة أعوام، وقال (ك): لعلَّ فائدة ذكرها التوزيعُ، وبيانُ أنَّ لكل

مهاجريٍّ أربعةُ ألافٍ، أو المراد في أربعة فُصول. * * * 3914 - وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَبَّابٌ، قَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، وَوَجَبَ أَجْرُناَ عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِه شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجدْ شَيْئًا نُكَفِّنُهُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، فَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَناَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُغْطِيَ رَأْسَهُ بِهَا، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ إِذْخِرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا. السابع عشر: (ووجب)؛ أي: ثبَت، أو شُبِّه بالواجب. (نَمِرة)؛ أي: كساءً، ولا يُنافي ذلك الرواية السابقة في (الجنائز): (بُرْدةً)؛ لأنَّ البُردة كساءٌ أسوَد مربَّعٌ، وقيل: النَّمِرة بُرْدةٌ من صُوفٍ تلبَسها الأعراب. (أينعت) بياءٍ، ثم نونٍ: نضَجت. (يَهْدبها) بكسر المهملة، وضمها. * * *

3915 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي لأَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّ أَبِي قَالَ لأَبِيكَ: يَا أَبَا مُوسَى! هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلاَمُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ، وَجِهَادُناَ مَعَهُ، وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ، بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقَالَ أَبِي: لاَ وَاللهِ، قَدْ جَاهَدْناَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَصَلَّيْنَا، وَصُمْنَا، وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لنرْجُو ذَلِكَ، فَقَالَ أَبِي: لَكِنِّي أَنَا وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لنا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْناَ مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ وَاللهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي. الثامن عشر: (بَرَد) بفتحتين، أي: ثبَت، وسلِمَ لنا، يقال: بَرَد على الغريم حقٌّ، أي: ثبَتَ. (كفافًا)؛ أي: لا لي، ولا عليَّ، وعُمر - رضي الله عنه - قال ذلك هضْمًا منه لنفسه، أو لمَا رأَى أنَّ الإنسان لا يخلو عن تقصيرٍ في كلِّ خيرٍ يعملُه، أو أراد أن يقَع التَّقاصُّ بينهما، ويبقَى هو سالمًا لما في الدِّين. * * *

3916 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا قِيلَ لَهُ هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ يَغْضَبُ، قَالَ: وَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدْناَهُ قَائِلًا، فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ، فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ بَايَعْتُهُ. التاسع عشر: (أو بلغني) هو نوعٌ من الرواية عن المجهول. (يغضب)؛ أي: يتكلَّم كلامَ الغَضْبان. (قائلًا) من القَيلُولة. (نهرول) الهرولة: ضربٌ من السَّير، بين المَشْي والعَدْو. وغرضه أنه لما كانت بيعتُه متقدِّمةً على بيعة أبيه ظنَّ الناس أنَّ هجرته كانت متقدِّمةً. * * * 3917 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ: ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا، فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ،

قَالَ: فَسَألهُ عَازِبٌ عَنْ مَسِيرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: أُخِذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ، فَخَرَجْنَا لَيْلًا، فَأَحْثَثْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ، فَأَتَيْنَاهَا وَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ، قَالَ: فَفَرَشْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرْوَةً مَعِي، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ فِي غُنَيْمَةٍ يُرِيدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْناَ، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا لِفُلاَنٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرْعَ. قَالَ: فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَدْ رَوَّأْتُهَا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا وَالطَّلَبُ فِي إِثْرِناَ. 3918 - قَالَ الْبَرَاءُ: فَدَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيْتُ أَبَاهَا فَقَبَّلَ خَدَّهَا، وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ؟. العشرون: (بالرصد) مصدرٌ، أي: الترقُّب، أو جمع: راصِد. (فخرجنا)؛ أي: من الغَار.

(فأحيينا)؛ أي: من الإحياء ضِدُّ النَّوم، ويُروى: (فاحتثنا) بمثناةٍ، ثم مثلثةٍ. (رفعت)؛ أي: ظهَرتْ. (انفض) بفاءٍ، ومعجمةٍ، أي: أَدفَعُ. (كثفة) قال (خ): صوابه بالباء، لا بالفاء. (روّأتها) بتشديد الواو، أي: جعلتُ فيها الماء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال (ش): يُقال: روَّأْتُ في الأمر تَرويةً: إذا نظرتَ فيه ولم تعجَل. (والطلب) جمع: طالِب. (إثرنا) بفتحتين، وبكسر الهمزة، وإسكان المثلَّثة. ومرَّ الحديثُ مِرارًا، سِوى ما نُبِّه عليه هنا. (فرأيت) من الرُّؤية، وفي بعضها بالموحَّدة، من قولهم: رابَنِي فُلانٌ: إذا رأيتَ منه ما تكرهُه. * * * 3919 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. 3920 - وَقَالَ دُحَيْمٌ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي

أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا. الحادي والعشرون: (أشمط) هو الذي يُخالط شعرَه سوادٌ وبياضٌ. (فغلفها) بمعجمةٍ، ولامٍ مخفَّفةٍ، والضمير عائدٌ على اللِّحية، وإنْ لم يَسبِق ذكرٌ لها، لكن يدلُّ عليها: (أشمط)، أي: لطخَها، وسَترَها. (والكتم) بفتح التاء المثنَّاة: هو الوَسِمَة، وقيل: نبتٌ يُخلَط بالوَسِمَة، ويُختضب به. (وقال دحيم) وصلَه الإِسْماعيلي. (قَنَاء) بفتح القاف والنون، وبهمزةٍ، أي: اشتدَّ حُمرتها، ويجوز ترْك الهمز في لغةٍ، مِن القاني: وهو شديد الحُمرة. * * * 3921 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا، هَذَا الشَّاعِرُ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ، رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ:

وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ تُحَيِّي بِالسَّلاَمَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلاَمِ يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ الثاني والعشرون: (بالقليب) هو البِئْر قبل أن تُطوَى. والمراد: التي ألقَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيها جِيَف الكفَّار صناديد قُريش في غزوة بدرٍ، فرثاهم الشاعر بذلك. (الشِّيْزَى) بكسر المعجمة، وسكون الياء، وفتح الزاي، والقصر: شجرٌ تُتخذ منه الجِفان، وأراد نفس الجِفان على تقدير مضافٍ، أي: أصحاب الجِفان، وأصحاب القَينات، وفسَّره الدَّاوُدي بالجِمال، قال: ومعنى: (تزين بالسنام)؛ أي: بالأسنِمة من الإبل، إذا سَمنت تعظُم أسنمتها، ويعظم جمالها، وغُلِّط في ذلك، وإنما أراد المُطعِمين في الجِفان كما سبق، وكانوا يُسمون الرجل الكريم جَفْنة؛ لأنه يُطعم الأضياف فيها. (القينات) جمع: قَيْنة، وهي المُغنِّية، وفي بعضها: (الفَتيات) جمع: فتاة. (والشَرْب) بفتح المعجمة، وسُكون الراء: جمع شارِب، عند الأخفَش، كصاحب وصَحْب.

(سنحيا) بالبناء للمفعول، أو للفاعل. (أصداء) جمع صُداء: وهو ما كانت الجاهلية يزعمونَه من أنَّ رُوح الإنسان تصير طائرًا، يُقال له: الصُّداء، أي: وإذا صار طائرًا، فكيف يصير مرةً أُخرى إنسانًا؟، وكلُّ ذلك من تُرَّهاتهم الباطلة، وقيل: الصَّدى: الذَّكَر من الهام، أو ذكَر البُوم، وذلك من أباطيلهم، وإنكارهم البَعْث. (وهام) هو الصُّداء، فالعطف تفسيريُّ، وقيل: الصُّداء: هو الطائر الذي يظهر باللَّيل، وقيل: الهام: جُمجُمة الرأس، والصُّداء يخرُج منها. * * * 3922 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَارِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآناَ، قَالَ: "اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللهُ ثَالِثُهُمَا". الثالث والعشرون: (طاطأ)؛ أي: طامَنَهُ، وأمالَه إلى تحت. (اثنان) خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: نحن اثنان. (ثالثهما)؛ أي: في معاونتَهما، وتحصيلِ مُرادهما، كما في: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، وإلا فالله تعالى ثالثُ كلِّ اثنين بعلْمه وقُدْرته. * * *

3923 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: "وَيْحَكَ إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ ". قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا؟ "، قَالَ نَعَمْ، قَالَ: "فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءَ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا". الرابع والعشرون: (يمنح منها)؛ أي: تُعطيها لغيرك يحلِبُ منها. (وردها) بكسر الواو، أي: وُرودها على الماء، وشُربها، وإنما قيَّد بذلك؛ لأنه أرفَق بالإبل وبالمساكين. (لن يترك) من الوَتْر، وهو النَّقص، أي: لن ينقُصك إذا أدَّيت الحُقوق، ولا عليكَ في إقامتك في وطَنك. وسبق الحديث في (باب: زكاة الإبل). * * *

46 - باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة

46 - بابُ مَقْدَمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ الْمَدِيِنَةَ (باب مَقدَم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينةَ) 3924 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَنْبَأَناَ أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَبِلاَلٌ - رضي الله عنهم -. 3925 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى جَعَلَ الإمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ. الحديث الأول: (أنبأنا)؛ أي: أخبرنا، وسبَق أنَّ بعضهم قال: (أنبأنا) أعمُّ؛ لأنها

تكون في الإجازة. (المفصل) هو السُّبع الأخير من القرآن. * * * 3926 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ! كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ! كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنىَ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ". الثاني: (وعك)؛ أي: حُمَّ.

(تجدك)؛ أي: تجد نفْسَك. (شِرَاك) بكسر المعجمة: أحد سُيور النَّعل التي على وجْهها. (أقْلع)؛ أي: زَالَ. (عَقِيرته) بفتح المهملة، وكسر القاف: الصَّوت. (وجَليل) بفتح الجيم: الثُّمام، وهو نبتٌ ضعيفٌ يُحشى به خَصاص البيت. (أردن) مضارعُ المتكلِّم بنون التأكيد الخفيفة. (مَجَنّة) بفتح الجيم، والميم: موضعٌ على أميالٍ من مكة، وكان سُوقًا في الجاهلية. (شامة) بالمعجمة، وتخفيف الميم. (وطَفِيل) بفتح المهملة، وكسر الفاء: جَبَلان بقُرب مكة. قال الصَّاغَاني: صَوابه: (شابة) بموحدةٍ. (صاعنا) في بعضها: (صاعِها). (بالجحفة) بضم الجيم، وسُكون المهملة: على سَبعْ مَراحِلَ من المدينة، وبينه وبين البحر ستَّةُ أميالٍ، كان مَسكن اليهود، وهو الآن مِيْقات أهل مصر. * * * 3927 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ: دَخَلْتُ عَلَى

عُثْمَانَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَخْبَرَهُ، قَال: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآَمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ هَاجَرْتُ هِجْرتَيْنِ، وَنِلْتُ صِهْرَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ. تَابَعَهُ إِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ مِثْلَهُ. الثالث: (وقال بشر) وصلَه أحمد. (هجرتين)؛ أي: هِجْرة الحبَشة، وهجرة المدينة. (صهر)؛ أي: اتصالٌ بتزوُّجه بنتَي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا سُمي ذا النُّورَين. وسبَق في (مناقب عُثمان - رضي الله عنه -). (تابعه إسحاق) أخرجه أبو بكر بن شاذَانٍ البَزَّار في "نُسخة يحيى بن صالح، عن إسْحاق". * * * 3928 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ. وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ

عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهْوَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَوَجَدَنِي فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَتَخْلُصَ لأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: لأَقُومَنَّ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. الرابع: (وأخبرني يونس) هو من قَول ابن وَهْب أيضًا. (الموسم)؛ أي: مَوسِم الحجِّ: وهو مُجتمَع الناس، يُسمَّى به؛ لأنه مَعلَمٌ لمَجمَع الناس. (رَعَاع) بفتح الراء، وتخفيف المهملة الأُولى: الأَسْقاط، والسِّفْلة. وتمام القصَّة يأتي في (كتاب المُحاربين). * * * 3929 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ -امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ

الْعَلاَءِ: فَاشْتكَى عُثْمَانُ عِنْدَناَ، فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّي، وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ"، قَالَتْ: قُلْتُ: لاَ أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ فَمَنْ؟ قَالَ: "أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللهِ الْيقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي وَاللهِ وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَا يُفْعَلُ بِي"، قَالَتْ: فَوَاللهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ، قَالَتْ: فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "ذَلِكَ عَمَلُهُ". الخامس: (مظعون) بإعجام الظاء. (طار)؛ أي: وقَع. (قرعت) قيل: صوابه: (أُقْرعت). (أبا السائب) كُنية عُثمان. وسبق الحديث في (الجنائز). * * * 3930 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ عز وجل لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَقَدِ افْتَرَقَ

مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ. 3931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى، وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ بِمَا تَقَاذَفَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ؟ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُل قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَناَ هَذَا الْيَوْمُ". السادس: (بُعَاث) بضم الموحَّدة، وتخفيف المهملة، وبمثلَّثةٍ: يومُ حرْبٍ بين الأَوْس والخَزْرج، فيه قِتالٌ. (ملأهم): أشرافُهم. (سرواتهم): ساداتُهم؛ وكذا (السَّراة) بدون واوٍ أيضًا، ورُوي بهما. (في دخولهم) متعلِّقٌ بقوله: (قدَّمَه)، يعني: لو كان صناديدُهم أحياءً لمَا انقادوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حُبًّا للرِّياسة. (قينتان) القَينة: بفتح القاف: المُغنِّية، لكن المراد هنا جاريتان. فقد سبَق في (الصلاة) وغيرها: (وليسَتا بمغنِّيتين). (تعازفت) بمهملةٍ، وزاي، أي: تغنَّت بالمعازِف، وهي آلاتُ المَلاهي. وقال (خ): يحتمل أن يكون من عَزْف اللَّهو، وضرْب المَعازِف على تلك الأشعار المُحَرِّضَة على القتال، وأن يكون من العَزْف، وهو

أصوات الوغَى، كعَزيف الرِّياح، وهو ما يُسمع من دَوِّيها. ويُروى بالراء، أي: بما تعارفوا فيما جرى بينهم، ويُروى: (تقَاذفَت). * * * 3932 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَ: فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْركَتْهُ الصَّلاَةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاؤُا، فَقَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا"، فَقَالُوا: لاَ، وَاللهِ لاَ نطلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ، قَالَ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قَالَ: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً. قَالَ: قَالَ: جَعَلُوا يَنْقُلُونَ

47 - باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه

ذَاكَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُمْ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ، فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ. الثامن: (أبي) هو عبد الوارث المذكور في الإسناد الأول. (النَجّار) بفتح النون، وشدة الجيم. (مرابض) هي للغنَم، كالمَعاطِن للإبل، وربَض الغنَم، بالمعجمة: مَأْواها. (عضادتيه) هما خشبَتاه من جانبَيه. وسبَق الحديث في (الصلاة)، في (باب: هل تُنبش قُبور المشركين؟). * * * 47 - بابُ إِقَامَةِ الْمُهَاجِرِ بِمَكّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ (باب إقامة المُهاجِرين) 3933 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ النَّمِرِ: مَا سَمِعْتَ فِي سُكْنَى مَكَّةَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ

48 - باب (باب: التاريخ)

الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثٌ لِلْمُهَاجِرِ بَعْدَ الصَّدَرِ". (ثلاث)؛ أي: ليالٍ، أي: الإقامة للمُهاجر. (بعد الصدر)؛ أي: الرجوع من منى إلى مكة ثلاث ليالٍ، ولا تجوز الزيادة، وقد كانت مُطلَق الإقامة على المهاجِر حرامًا إذا قضى مَناسكَه. وفيه أنَّ إقامة ثلاثٍ ليس لها حُكم الإقامة، بل لصاحبها حكم المُسافر. * * * 48 - بابٌ (باب التَّاريخ) 3934 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ. الحديث الأول: (مقدمه)؛ أي: قُدومه، وذلك لأنَّ وقْت البعث كان مُختلَفًا فيه

بحسَب دعوته للحقِّ، ودخول مدة الرؤيا فيه أو لا، وهل كانت إقامته بمكة بعد البعثة عشر سنين أو أكثر؟، وكذلك مولده، ولم يُريدوا أن يجعلوا وقت وفاته مبدأَ أرزاقهم، وأُمورهم، وأحوالهم، لا سيَّما وذكرُهُ مُوجِبٌ للوَحْشة. نعم، الهجرة في ربيع الأول، ولكن جعلُوه من المُحرَّم؛ لأنه أوَّل السنة، أو لأنَّ أول الخُروج من مكة كان فيه. * * * 3935 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَتُرِكَتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الأُولَى. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. الثاني: (وتركت صلاة السفر) إنْ قيل: فلا يجوز حينئذٍ الإتمام في السَّفَر؟ قيل: المعنى تُركت على ما كانت عليه من عدَم وُجوب الزَّائد، بخلاف صلاة الحضَر، فإنها لم تُترك على عدَمه، بل فُرضت ركعتان أُخريان.

49 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم" ومرثيته لمن مات بمكة

قال (ن): ثبَت أنَّ أكثَر فعْل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كان القَصْر، فلا بُدَّ من تأْويله بأنْ يُقال: زيدٌ في الحضَر على سَبيل التحتُّم، وأُقرَّت صلاة السَّفَر على جواز الإتمام جمعًا بين الأدلة. (تابعه عبد الرزاق) وصلَه الإسماعيلي. * * * 49 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ" وَمَرْثِيَتِهِ لِمَنْ مَاتَ بِمَكّةَ (باب قَول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْضِ لأَصحابي هِجْرتَهم"، ومَرثيته لمَن ماتَ بمكَّة) (مرثيته)، بتخفيف الياء: معطوفٌ على: (قَول)، يُقال: رثَا للميِّت: رَقَّ له، ورثَيتُه: بكَيتُ عليه، وعدَدْتُ مَحاسنَه. 3936 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَن أَبيِهِ، قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ مَرَضٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لاَ"، قَالَ: فَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟

قَالَ: "الثُّلُثُ يَا سَعْدُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ذُرِّيَّتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ". قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: "أَنْ تَذَرَ ذُرِّيَّتَكَ، وَلَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا آجَرَكَ اللهُ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ". قُلْتَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي، قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ"، يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُوُفِي بِمَكَّةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: "أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ". (أشفيت)؛ أي: أشرفْتُ من الوَجَع. (إلا ابنه)؛ أي: حين ذلك، وإلا فقد تجدَّد له أولاد ذُكور بعد ذلكَ وغيرهم، فلا حاجةَ لتأْويله بأنَّه لا يَرثُه من النِّساء، أو لا يرثُه بالفَرْض، أو غير ذلك. (أن تذر) بفتح (أنْ)، وفي بعضها بكسرها، فالجواب: (خيرٌ)، أي: فهو خيرٌ. (ورثتك) كذا للجمهور، وعند القَابِسِيِّ: (ذُرِّيتَك)، والأول أصوب.

(عالة) جمع عائِل: وهو الفقير. (يتكففون)؛ أي: يبسُطون أكفَّهم للناس للسُّؤال. (بنافق) بمعنى: مُنْفِق، كما هو في بعضها، وهو واضحٌ. (أجرك) بقصر الهمزة. (حتى اللقمة) بالنَّصب، عطْفًا على (نفَقة). (أخلف)؛ أي: في مكَّة، أي: بعد أَصحابي، أو في الدُّنيا، فأَجابه بأنَّه لم يخلَّف بمكة ولا بغيرها حتى ينتفِع به أقوامٌ، ويستضِرَّ به آخَرون؛ وكذا وقَع، وبقي بعد ذلك نيِّفًا وأربعين سنةً، وولي العِراق، وفتَحَها الله تعالى على يدَيه، فأسلَم على يدَيه خلْقٌ كثيرٌ، فانتفعوا، وأَسَر من الكفَّار، وقتل، فاستضَرُّوا، فهو من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -. (أمض) من الإمضاء، أي: أَنفِذْها، وتمِّمْها لهم، ولا تُنقِصْها عليهم. (البائس): شديدُ الحاجَة الفَقير. (سعد بن خولة) بفتح المعجمة، وسُكون الواو، وباللام: بَدْريٌّ من بني عامِر بن لُؤَي، من أنفُسهم، وقيل: حَلِيْفٌ لهم، وهو زَوج سَبِيْعة الأَسلَميَّة، وقد اختُلف فيه، فقيل: لم يُهاجر من مكة حتى مات بها، فيكون قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك على وجْه الذَّمِّ له، وقال الأكثر: هاجَر، ورجَع إلى مكة، ومات بها في حَجَّة الوَداع، فيكون ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - تفجُّعًا عليه، وترحُّمًا.

50 - باب كيف آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه

(يرثي له) هو من كلام سَعْد، أو من كلام الزُّهْري، وعليه الأكثر. (إن توفي) مَنْ فَتَحَ (أنْ) قال: أَقامَ بها، ومَن كسر (إن) قال: لم يُقِم. (وقال أحمد بن يونس) موصولٌ في (حجة الوداع). (وموسى) في (الدعوات). (ورثتك)؛ أي: بدَل قوله في الرِّواية الأُولى: (ذُرِّيتَك)، ويحتمل أنَّ الطريق الأَولى بفتْح (أنْ)، وهذه بكسرها، أو بالعكس. ومرَّ الحديث في (الجنائز). * * * 50 - بابٌ كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبيِ الدَّرْدَاءِ. (باب كيفَ آخَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟) قوله: (وقال عبد الرحمن) موصولٌ في (البيوع)، وسبَق شرحه.

(وقال أبو جحيفة) موصولٌ في (الصوم). * * * 3937 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَآخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلِّنِي عَلَى السُّوقِ. فَرَبحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: "فَمَا سُقْتَ فِيهَا"، فَقَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". (فربح) الفاء فَصيحةٌ، أي: فَدلَّه، فذَهَب، فاتَّجَر، فرَبحَ. (وضر) بفتح الواو، والمعجمة، أي: لَطْخ من خَلُوقٍ، أو طيبٌ له لونٌ. (مَهيَم) بفتح الميم، والياء، أي: ما الخبَر؟. (نواة) هي وزْن خمسة دَراهِم. * * *

51 - باب

51 - بابٌ (باب) 3938 - حَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ سَلاَمٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نبَيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: "أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا"، قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، قَالَ: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نزَعَ الْوَلَدَ، وإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نزَعَتِ الْوَلَدَ"، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلاَمِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ فِيكُمْ؟ ". قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ؟ "، قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ.

الحديث الأول: (ينزع) بزايٍ مكسورةٍ، أي: يُشبِه أباه، ويَذهَب إليه. (زيادة كبد) هي القِطْعة المنفرِدة المتعلِّقة بالكَبِد، وهي أَطْيَبُها، وأهنأُ الأطعمة. (بُهت) بضم الموحَّدة، جمع: بَهُوتٍ، وهو كثير البُهتان. سبق أول (كتاب الأنبياء). * * * 3939 - و 3940 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُطْعِمٍ قَالَ: بَاعَ شَرِيكٌ لِي دَرَاهِمَ فِي السُّوقِ نسِيئَةً، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! أَيَصْلُحُ هَذَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ لَقَدْ بِعْتُهَا فِي السُّوقِ فَمَا عَابَهُ أَحَدٌ، فَسَأَلْتُ الْبَرَاءَ ابْنَ عَازِبٍ، فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ هَذَا الْبَيع، فَقَالَ: "مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَلاَ يَصْلُحُ"، وَالْقَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْظَمَنَا تِجَارَةً، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقَالَ مِثْلَهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَقَالَ: قَدِمَ عَلَينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ، وَقَالَ: نَسِيئَةً إِلَى الْمَوْسِمِ أَوِ الْحَجِّ. الثاني: (مثله)؛ أي: مثْل قَول البَراء في أنَّه لا بُدَّ في بيع الدَّراهم بالدَّراهم

52 - باب إتيان اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة

من التقابُض في المَجلِس، والحُلُول. مرّ في (باب: بيع الوَرِق). * * * 52 - بابُ إِتْيَانِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ {هَادُوا} صَارُوا يَهُودَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {هُدْنَا} تُبْنَا، هَائِدٌ تَائِبٌ. (باب إتْيان اليَهود النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -) 3941 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ لآمَنَ بِي الْيَهُودُ". الحديث الأول: (لو آمن بي عشرة)؛ أي: قبْل قُدومي المدينةَ، أو عَقِبَ قُدومي؛ لتَابعَهم الكلُّ، أو أنَّ المراد عشَرةٌ معيَّنين، كانُوا رؤساءَهم وزُعماءهم، وإلا فقد آمَن من اليهود عشَرةٌ وأكثَر بأضعافٍ مضاعفةٍ، ولم يُؤمِن الجميع. ففيه أنَّهم سالكُون للتقليد لأحبارِهم، لا مُتبِعُون للدَّليل، قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} الآية [البقرة: 78]. * * *

3942 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ -أَوْ مُحَمَّدُ- بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْغُدَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَإِذَا أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ"، فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ. الثاني: (أو محمد) كذا شكَّ البخاري في اسمه هنا، لكنْ جزَم [في] "التَّاريخ" بأنَّه أحمد. (ابن عُبيد الله)؛ أي: على الرَّاجِح الأشْهَر في تصغير عُبيد، وإن كان في بعضٍ: (عبْد) بالتَّكبير. وسبَق الحديث (آخر الصوم). * * * 3943 - حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أظْفَرَ اللهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ"، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ.

الثالث: سبَق شرحه أيضًا. * * * 3944 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُسَهُم، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُؤُسَهُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ. الرابع: (يسدُل) بضم الدَّال: مِن سَدَل الثَّوب: إذا أَرخاهُ، وقيل: بكسرها. (يفرقون) بفتْح أوله، وضمِّ ثالثه: مِن فَرَق، بتخفيف الراء. (ثم فرق)؛ أي: الشَّعر بعضَه من بعضٍ، أي: رجَع إلى ذلك آخِرًا، قيل: فعَل ذلك أولًا؛ لأنَّ شرع مَن قبْلَه شرعٌ له ما لم يَرِد ما يرفعُه، فلمَّا ورَد بدَّلَه، وقيل: إنما فعَل ذلك أولًا استِئْلافًا لهم، فلمَّا أغنى الله تعالى عن استِئْلافهم خالفَهم. * * * 3945 - حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ،

53 - باب إسلام سلمان الفارسي - رضي الله عنه -

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ جَزَّؤُهُ أَجْزَاءً، فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ، وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. الخامس: (هم أهل الكتاب)؛ أي: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91]. (جزؤوه)؛ أي: جعَلُوه جُزءًا جزءًا، يُقال: عَضَّيتُ الشيءَ: إذا فرَّقتَه. (ببعضه)؛ أي: ببعضِ القرآن. * * * 53 - بابُ إِسْلاَمِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رضي الله عنه - (باب إِسلام سَلْمان الفارسي - رضي الله عنه -) هو مَولى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال سَلْمان لمَّا سُئل عن نسَبه: أنا ابنُ الإِسلام، وقصَّتُه: أنه كان مَجوسِيًّا، فهرَب من أبيه يطلُب الحقَّ، فلحِق براهبٍ، ثم بجماعة رَهابين، واحدًا بعد واحدٍ، يصحبُهم إلى الوفاة، ودلَّه الراهب الأخير على الذَّهاب إلى الحِجاز، وأخبره بظُهور نبيِّ آخِر الزَّمان، فقصَده مع قومٍ من العرَب، فغَدَرُوا به وباعُوه في وادي القُرى، ثم اشتراه يهوديٌّ من بني قُرَيظة، فقَدِم به المدينةَ، فأقام

مُدَّةً حتى قَدِمَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه بصدَقةٍ، فلم يأْكُلْها، ثم أتى بهديةٍ، فأكل منها، ثم رأَى خاتَم النبوَّة، وكان الرَّاهب وصَفَ له هذه العلامات الثَّلاث للنبيِّ، فأجلسَه بين يديه - صلى الله عليه وسلم -، وحدَّثه بشأْنه كله، فأسلَم، وصار من عُلماء الصحابة وزُهَّادِهم. وروي أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتراه على العِتْق، والمشهور أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا سَلْمان، كاتِبْ عنْ نَفْسِكَ"، فكاتبَه على أنْ يَغرِسَ ثلاث مائة نخلةٍ، وأربعين وقيَّةً من ذهب، فغرَس له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيَدِه المُباركة الكُلَّ، وقال: "أَعِيْنُوا أخاكُم"، فأَعانوه حتى أُدِّي كلُّه. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "سَلْمان منا أهلَ البَيتِ" حين تَنازع الأنصار والمهاجرون فيه، إذْ قسَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفْر الخنْدق عليهم، فقال الأنصار: سَلْمان منا، وقال المهاجرون: سَلْمان منا، وولَّاه عُمر العِراق في خلافته. وكان يعمَل الخُوص بيده فيأْكُل منه، عاش مائتين وخمسين سنةً بلا خلافٍ، وقيل: ثلاث مائةٍ وخمسين، وقيل: إنَّه أَدرك وصيَّ عيسى بن مريم - عليه السلام -، وماتَ بالمَدائن سنة ستٍّ وثلاثين. * * * 3946 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ أَبِي: وَحَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنَّهُ تَدَاوَلَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ.

الحديث الأول: (وحدثنا) فيه إشعارٌ بأنَّه حدَّثَه غير ذلك أيضًا. (تداوله)؛ أي: أخَذَه هذا مرةً، وهذا مرةً. (من رب) هو المالِك، والسيِّد. * * * 3947 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: أَنَا مِنْ رَامَ هُرْمُزَ. الثاني: (رَام هُرْمُز) بالرَّاء، وضم الهاء، والميم، وسُكون الرَّاء بينهما، وبالزاي، وقيل: بفتْح الميم الأُولى، والظَّاهر أنَّ حُكمه حُكم (بعلبك)، وهي بلْدةٌ بخُوزْستان، بضم المعجمة، وبالتاء: من بلاد فارس، قريب عِراق العرَب. وروى ابن عبَّاس عن سَلْمان أنَّه قال: كنتُ مِن أصبَهان من قريةٍ يُقال لها: جَيٌّ، بفتح الجيم، وشدَّة الياء، وكان أبي دِهْقَانها. والأحسن أن تُكتَب منفصلةً، ومَن كتبَها متصلةً يلزمه أنْ يكتُب مَعْدِي كَرِب متصلةً. * * * 3948 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ،

أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: فَتْرَةٌ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ. الثالث: (فترة) هي ما بين الرَّسولَين عليهما الصلاة والسلام، ورُوي بإضافتها إلى (بين) وعدَمها، وإنْ صحَّ أنَّه أدركَ وصيَّ عيسى عليه السلام؛ فهو عن زمانِ عاشَ في أكثَره. ووجه تعلُّق هذه الأحاديث بإسلامه: أنَّه أسلَم بعد تداوُل بضعةَ عشَر ربًّا، وبعد هجرته عن وطنه، وبعد عَيشه مدةً طويلةً - رضي الله عنه -. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [11]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

64 - كتاب المغازي

64 - كِتابُ المَغازِي

1 - باب غزوة العشيرة أو العسيرة

64 - كِتابُ المَغازِي 1 - بابُ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ أَوِ الْعُسَيْرَةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأَبْوَاءَ، ثُمَّ بُوَاطَ، ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ. (كتاب المَغازي) (باب غَزْوة العَشيرة) بضم المهملة، وفتح المهملة، أو المعجمة، وإسكان الياء، وبراءٍ، كما سيأتي. * * * 3949 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْعُسَيْرَةُ، أَوِ

الْعُشيْرُ، فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ فَقَالَ: الْعُشَيْرُ. الحديث الأول: (تسع عشرة غزوة)؛ أي: على ما انتَهى إليه عِلْم زيدٍ، وإلا حصَل أزيَد من ذلك، فقال ابن سَعْد: سَبْعًا وعشرين. قال: وسَراياه نيِّفٌ وأربعون. والتي قاتَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيها: بَدْر، وأُحُد، والمُرَيْسِيع، والخَنْدق، وخَيْبر، وقُرَيظة، والفتح، وحُنين، والطَّائف، قال: وهو الذي اجتمَع لنا علْمُه، انتهى. وأخبر جابر: أنها أحدٌ وعشرون. (فأيهم) قال ابن مالك: صوابه: أيُّهنَّ، أو أيُّها. قال (ك): إلا أن يؤوَّل بأنَّ المضاف محذوفٌ، أي: أوَّل غُزواتهم. (أول) بالنَّصب خبر (كان). (العسير أو العشير)؛ أي: بسينٍ مهملةٍ، أو معجمةٍ، وهل هو بالهاء، أو بلا هاء؟، فيه خلافٌ، وهو موضعٌ بالقُرب من الينبع، سكن بني مدلج، بينه وبين المدينة تسعة بُرد. قال القُرطبي في "مختصر البخاري": قال القاضي: هو بالمهملة غَزوة تَبوك، وبالمعجمة غزوة بني مُدْلِج، وسُميت تبوك بذلك لمشقَّة السير فيها، وعُسرها على الناس، وأنها كانت في زمن الحَرِّ، ووقْت

طِيْب الثِّمار، ومفارقة الظِّلال، وكانت في مفاوِزَ صعبةٍ، وشُقَّة كبيرة، وعدوٍّ كثيرٍ، وأما قول زيد: إنَّها أوَّلهنَّ، فإنما مراده غزوة بني مُدلِج، وهو خلاف ما حكاه البخاري عن ابن إسحاق. قال القُرطبي: والذي قاله ابن إسحاق في تَرتيب الثلاث غزَوات هو الصَّحيح. وقال السَّفَاقُسي: يُجمع بينهما بأن زيدًا أراد أوَّل ما غزَوتُ أنا معه، ولكن يُضعفه رواية مسلم: (فقلتُ: فما أول غزاةٍ غزاها، قال: ذاتُ العَسِير، أو العَشِير). (فذكرت لقتادة، فقال: العشير)؛ أي: بالمعجمة، كذا رواه البخاري عن شُعبة، عن أبي إسحاق. وفي "مسند الطَّيَالسي": حدَّثنا شُعبة، عن أبي إسْحَاق، قلتُ لزيد بن أَرْقَم: ما أوَّل غزاةٍ غزاها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟، فقال: العَسِيرة، أو العَشِيرة، بالهاء في الموضعين. قال ابن سَعْد: غَزا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذا العَسيرة في جُمادى الآخرة، على رأس ستة عشر شهرًا من مهاجَره، في خمسين ومائةٍ، وقيل: في مائتين من المُهاجرين على ثلاثين بعيرًا يَعتقبُونها، وحمل لِواءَه -وكان أبيَضَ- حمزةُ بن عبد المطَّلِب، واستَخلَف على المدينة أبا سلَمَة المَخْزُومي، يطلُب عِيرًا لقُريشٍ التي كان القِتال ببدْرٍ بسبَبها، حتى رجَعتْ من الشَّام، فبلغ ذا العَشِيرة، فوجد العِيْر قد مضَتْ إلى الشَّام قبل ذلك بأيامٍ، فوادَعَ بني مُدلِج وحلفاءَهم من بني ضَمْرة، ثم رجع

2 - باب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من يقتل ببدر

إلى المدينة، ولم يَلْقَ كَيْدًا. (الأبْواء) بفتح الهمزة، وسُكون الموحَّدة، والمَدِّ. (بَواط) بفتح الموحَّدة، وضمها، وتخفيف الواو المهملة. وكانت الأَبْواء في صفَر سنة اثنتين، وادعَ فيها بني ضَمْرة، بفتْح المعجمة، وبَوَاط في ربيع الآخَر من السنَة المذكورة. * * * 2 - بابٌ ذِكْرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرِ (باب ذِكْر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَن يُقتَل ببَدْرٍ) 3950 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أنَّهُ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ! مَنْ هَذَا مَعَكَ؟، فَقَالَ: هَذَا سَعْدٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلاَ أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ

آمِنًا، وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَكُمْ تنصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ، أَمَا وَاللهِ لَوْلاَ أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَا وَاللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَم سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ، فَوَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ، قَالَ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ! أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ، قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي، فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللهِ لاَ أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ، فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ! إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي، فَوَاللهِ لأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ! جَهِّزِينِي، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ! وَقَدْ نسَيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: لاَ، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لاَ يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قتلَهُ اللهُ عز وجل بِبَدْرٍ. (أبو جهل) هو عَمْرو المَخزُومي، كان يُكنى في الجاهليَّة أبا

الحكَم، فكنَّاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأبي جَهْل. (آويتم) بالمد، والقصر. (الصُّباة) بضم المهملة: جمع صابِئ، وهو المائِل عن دِينه إلى دينٍ غيره. (إنهم قاتلوك) في بعضها: (قَاتلِيْكَ)، فيُقدَّر له ناصبٌ، أي: يكونون قاتِلِيْك. (أخبرهم)؛ أي: أصحابَه. (إنهم)؛ أي: أبا جَهْل، وأتباعَه. (قاتلي) بالتشديد. (استنفر)؛ أي: طلَب من النَّاس الخُروج. (عِيركم) بكسر العين: الإبل التي تَحْمِل المِيْرَة. (متى يرك) في بعضها: (يَرَاكَ) حملًا على معنى: إِذا، فلم يجزم. (اليثربي)؛ أي: سَعْد، والأُخوَّة بينهما بحسَب المُعاهدة والمُوالاة. (ما أريد أن أجوز)؛ أي: أُنفِذ، ولا أَسلُك. (قتله الله)؛ أي: قدَّر قَتْلَه بيد بلالٍ مُؤذِّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعُلم بذلك أنَّ نِسْبة قتْله إلى أبي جهلٍ باعتبار تسبُّبه في خُروجه إلى بدْرٍ حتى قُتل.

3 - باب قصة غزوة بدر

ومرَّ الحديث آخر (كتاب الأنبياء). * * * 3 - بابٌ قِصَّةُ غَزْوَةِ بَدْرِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ}. وَقَالَ وَحْشِيٌّ: قَتَلَ حَمْزَةُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} الآيَةَ. (باب قصَّة غزْوة بَدْر) اسم ماءٍ معروفٍ، كان لرجلٍ اسمه بَدْر؛ فسُمِّيت به، وهو على نحو أربعة مراحِلَ من المدينة. (وَحْشِيّ) بفتح الواو، وسُكون المهملة، وكسر المُعجَمة، وشدَّة الياء، ابن حَرْب، بفتح المهملة، وسُكون الراء، وموحَّدة: مَولى طُعَيْمة، وقيل: مَولى جُبَيْر بن مُطعِم.

(طُعيمة) مصغَّر طُعمة، بمهملتين. (ابن الخيار) قال (ع): كذا في جميع النسخ، وصوابه: طُعَيمة ابن عَدِي بن نَوفَل بن عبد مَناف القُرشي، وإنما طُعَيمة بن عَدِي بن خِيَار، ابن أُخته. فلمَّا قتلَه حمزة، قال جُبَيْر بن مُطعِم، وهو ابن أخي طُعَيْمة لعبده وَحْشِيٍّ: إنْ قَتلْتَ حمزة بعمِّي فأنتَ حُرٌّ. (الشوكة)؛ أي: شدَّة البأْس، والحِدَّة في السلاح. قال في "الكشاف": استعارةٌ من واحدة الشَّوك. * * * 3951 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كعْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. (غير) هي صفةٌ، أي: ما تخلَّفْتُ إلا في تَبُوك حالَ مغايرةِ تخلُّف بدرٍ لتخلُّف تَبوك؛ لأن التوجُّه فيه لم يكن بقصْد الغزْو، بل بقصد أخذ العِيْر. * * *

4 - باب

4 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (باب قَوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: 9]) 3952 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكينَ، فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: (اذهب أنت وربك فقاتلا) وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِيِنكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ، يَعْنِي قَوْلَهُ. الحديث الأول: (صاحبه)؛ أي: صاحِب المَشهَد، قاتلَ تلك المقاتَلة.

(ابن الأسود) نُسِب إليه؛ لأنه تبنَّاه في الجاهلية، وإنما هو المُقْدَاد بن عمرو بن ثَعْلبة، كما صرِّح به فيما يأتي قريبًا، فلذلك يُكتب: (ابن) بالألف؛ لعدَم وقوعه بين علَمين، قاله (ش)، وفيه نظَرٌ. (عدل به) قيل: أي: مِن الثَّواب الذي عدَل ذلك المشهَد به، وهذا منه مبالغةٌ، وإلا فذَرَّة من الثواب خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، والأَولى أن يُقال: أتَى مِن كلِّ شيءٍ يُقابل ويوازن به من الدُّنيويات. * * * 3953 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: "اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ". فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. الثاني: (أنْشُدك) بضم الشين، أي: أَطلُب منك الوفاءَ بما عاهدتَ ووعدتَ من الغلَبة على الكفَّار، والنَّصر للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإظهار الدِّين، قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا} الآية [الصافات: 171]، وقال: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} الآية [الأنفال: 7]. (إن شئت)؛ أي: إن شئْتَ أنْ لا تُعبَد بعد هذا اليَوم يُسلَّطون على المؤمنين.

5 - باب

ويُروى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - نظَر إلى الكفَّار وهم ألفٌ، ونظَر إلى أصحابه وهم ثلاث مائةٍ، فاستقبَل القبلة وقال: "اللهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وعَدتَني، اللَّهُمَّ إنْ تهلِك هذه العِصابَة لا تُعبَد في الأَرضِ"، فما زالَ كذلك حتى سقَط رِداؤُه، فأخذَه أبو بكرٍ فألقاه على مَنْكِبه، وقال: يا نبيَّ الله! كفاكَ مُناشدتُك لربِّك، فإنَّه سيُنجِز لك ما وعدَك. وقال (خ): لا يَتوهَّمُ أحدٌ أنَّ أبا بكرٍ كان أوثَق بوَعْد ربِّه؛ فإنَّه مُحالٌ، بل المعنى في ذلك الشَّفَقة على أصحابه، وتَقْويتُهم؛ إذْ كانوا يعلَمون أنَّ وسيلتَه مقبولةٌ، ودُعاءَه مُستجابٌ، فلمَّا قال له أبو بكر مقالتَه كفَّ عن الدُّعاء؛ إذ عَلِم أنه استُجيب دُعاؤه مما وجَده أبو بكر في نفْسه من القُوَّة والطُّمأْنينة حتى قال له ذلك القَول، ولهذا قال بعدَه: "سيُهزَمُ الجَمْع". وقد مرَّ في (الجهاد). * * * 5 - بابٌ (بابٌ) 3954 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الْكَرِيم أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: {لَا يَسْتَوِي

6 - باب عدة أصحاب بدر

الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ. المراد بذلك تفسيرُ ابن عبَّاس للآية. * * * 6 - بابُ عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرِ (باب عِدَّة أصحابِ بدْرٍ) 3955 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ. 3956 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيَّفًا عَلَى سِتِّينَ، وَالأَنْصَارُ نَيَّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائتَيْنِ. 3957 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلاَثَمِائَةٍ، قَالَ الْبَرَاءُ: لاَ وَاللهِ مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ. الحديث الأول: (استصغرت) هو أن تعدَّ صغيرًا، قيل: كانا ابني أربع عشرة سنة.

(نيف) مشدَّد، ومخفَّف، وهو كلُّ ما زاد على العِقْد، يقال: عشرةٌ ونَيِّف، ونَيَّفَ فلانٌ على السبعين، أي: زاد عليها. (والأنصار نيف وأربعين ومائتين) قال السَّفَاقُسي: نُصب أربعين ومائتين بواوِ: مع، إذا قدَّرتَ: عدَّتهم نيفًا؛ لأنه وقَع بغير ألِف، ويُروى برفع: (نيِّفٌ) وما بعده. (طالوت) رجلٌ فقيرٌ كان سقَّاءً، أو دبَّاغًا، فآتاه الله عز وجل المُلْك، واصطفاه، وكانت فئتُه قليلةً، غلَبتْ على فئةٍ كثيرةٍ بإذن الله تعالى، قال تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ} الآية [البقرة: 249]، ولا تخفَى المُشابهة بين القِصَّتين من وجوه. (لا) نافيةٌ، أو لكلامٍ متقدِّمٍ بينهم فيما يتعلَّق بالمسألة، أو زائدةٌ تأكيدًا لمعنى عدَم المُجاوَزة. * * * 3958 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلاَثَمِائَةٍ. 3959 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحَيْى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ

7 - باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على كفار قريش: شيبة وعتبة والوليد وأبي جهل بن هشام، وهلاكهم

ثَلاَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، بِعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ، وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ. الثاني: كالذي قبله. * * * 7 - بابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - علَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ: شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدِ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامِ، وَهَلاَكُهُمْ (باب دُعاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على كفَّار قُرَيش) 3960 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَأَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرتْهُمُ الشَّمْسُ، وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا. الحديث الأول: (والوليد بن عتبة) بمثنَّاةٍ، كذا رواه البخاري، ووقع في "مسلم": (عُقْبة)، بالقاف، ثم نبَّه على صَوابه هو، أو راويه إبراهيم الفَقيه؛ فإنَّ

8 - باب قتل أبي جهل

الوليد بن عُقْبة بن أبي مُعَيط لم يكن في هذا الوقْت وُلد، أو كان طِفْلًا مسَح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأْسَه يوم فتْح مكة. (صرعى) جمع صَرِيع، أي: مَطروحٌ بين القَتْلى في المَصَارع التي عيَّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل القِتال. * * * 8 - بابُ قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ 3961 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟. الثاني: (أعمد) قال الجَوْهَري: أنا أَعمَد مِن كذا، أي: أَعجَبُ منه، ومنه قول أبي جَهْل: أَعمَدُ من سيِّدٍ قتلَه قومُه، والعرب تقول: أَعمَدُ مِن قتلِ محق، أي: هل زاد على هذا، أي: ليس قتلُكم لي إلا قتلَ رجلٍ قتلَه قومُه، لا يَزيد على ذلك، ولا هو فَخْر لكم، ولا عارٌ عليَّ. وقيل: المعنى: هل زاد الأمر على رجلٍ قتلَه قومه، فأعمَد: بمعنى: فوق، ويُؤيِّده الرواية الثانية. وقيل: بمعنى: أغضَب، وقيل: أتوجَّع، وأَشتكي.

وبالجملة فالمراد أنه يُهوِّن على نفْسه ما حلَّ به من الهَلاك. وروي: (هل أُعذَر)؛ أي: أنه معذورٌ. * * * 3962 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ "، فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، قَالَ: آأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟ أَوْ: رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ قَالَ أَحمد بْنُ يُونُسَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ. 3963 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: "مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ؟ "، فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ أَوْ قَالَ: قَتَلْتُمُوهُ؟. 3963 / -م - حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَحْوَهُ.

الثالث: (عَفْرَاء) بفتح المهملة، وسُكون الفاء، وبراءٍ، ممدودٌ: اسم أُمهما، وأما أبوهما فالحارث ابن رِفَاعة النجَّاري، واسم ابني عَفْراء: مُعاذ، ومُعوِّذ، بإهمال العين، وإعجام الذال، ولهما أخٌ ثالثٌ اسمه عَوْف، وهو أيضًا شاهَد الوَقْعة، بل قيل: إنه أحد القاتلَين. وسبق في (الجهاد)، في (باب: من لم يُخمِّس الأسلاب): وهو مُعاذ بن عَفْراء، ومُعاذ بن عمْرو بن الجَموح، وفي "الاستيعاب": مُعاذ بن عمرو هو الذي قطَع رِجل أبي جهلٍ وصرَعه، ثم ضرَبه مُعوِّذ بن عَفْراء حتى أثبتَه، ثم تركَه وبه رمَق، فذفَّف عليه ابن مَسعود، واحتزَّ رأْسَه. وقال (ن): قتلَه مُعاذ بن عمرو، وابن عَفْراء. ووجه الجمْع بين ذلك أنَّ الكلَّ فعلُوا، فأسند كلُّ راوٍ إلى ما رآه من الضَّرْب، أو من زيادة الأثَر على حسَب اعتقاده. (برد)؛ أي: ماتَ. (أبا جهل) نُصب بالنِّداء؛ أي: أنت مَصْروعٌ يا أبا جهل، أو هو على مذهب مَن يقول: ضربه بأبا قُبيس، أو تقديره: أنت تكون يا أبا جَهْل؛ نعم، صحَّ أنَّ أنسًا لم يَشهَد بدرًا، فهو من مَراسيل الصَّحابة. * * * 3965 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ،

قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قَالَ: هُمُ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَعُبَيْدَةُ -أَوْ أَبُو عُبَيْدَةَ- بْنُ الْحَارِثِ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ، وَالْوَليدُ بْنُ عُتْبةَ. الرابع: (يجثو) بجيمٍ، ومثلَّثةٍ، أي: يَبْرُك على الرُّكَب، وهي جِلْسة المُخاصِم المُجادِل، وهو إشارةٌ إلى ما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج: 17]. (وقال قيس) هو ابن عُبادة المذكور، وهو موصولٌ بالإسناد المذكور. (تبارزوا) من البُروز: وهو الخُروج من بين الصفِّ على الانفِراد للقِتال. (وعُبيدة) بالضم، على التَّصغير، ابن الحارِث بن عبد المطَّلِب، كان أسنَّ من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعشر سنين، أسلَمَ قبْلَ دُخوله - صلى الله عليه وسلم - دار الأَرقم، بارَزَ الوليدَ بن عُتْبة، فاختُلف بينهما ضربتَان، ومات عُبَيدة منها بعد ذلك، وأما الوليد فمات يومئذٍ، وبارزَ عليٌّ شَيْبةَ فقتلَه، وحمزةُ عُتْبة فقتلَه.

قال ابن الأثير في "الجامع": عن ابن إسحاق: بارَز عُبيدة عُتبة، وحمزةُ شَيبة، وعليٌّ الوليد، وهذا هو المَشهور، وهذه الستَّة أقارِب، فكلٌّ من بني عبد مَنَاف؛ فحمزة عمُّه، وعليٌّ وعُبيدة ابنا أخوَيه، وشَيبة بن ربيعة بن عبد شمس أخو عُتْبة، وعم الوليد. * * * 3966 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِم، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: نزَلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي سِتَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ: عَلِيٍّ، وَحَمْزَةَ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبة. الخامس: يتعلق بالذي قبله؛ وكذا السادس، والسابع. * * * 3967 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ -كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَهْوَ مَوْلًى لِبَنِي سَدُوسَ- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: فِينَا نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}.

3968 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِم، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا ذَر - رضي الله عنه - يُقْسِمُ: لَنَزَلَتْ هَؤُلاَءِ الآيَاتُ فِي هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ، نَحْوَهُ. 3969 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا إِنَّ هَذِهَ الآيَةَ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} نزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةَ، وَعَلِيٍّ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُتْبةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبةَ. 3970 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أَشَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا؟ قَالَ: بَارَزَ وَظَاهَرَ. الثامن: (وظهر)؛ أي: عليه، وفي بعضها: (وظاهَرَ)؛ أي: عاوَنَ. * * * 3971 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ -فَذَكَرَ قَتْلَهُ وَقَتْلَ ابْنِهِ- فَقَالَ بِلاَلٌ: لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ. التاسع: (كاتبت)؛ أي: عاهَدْتُ. (أُمَيَّة) بضم الهمزة، وتشديد الياء: ابن خَلَف؛ قتلَه بلالٌ، وقد كان يُعذِّب بلالًا كثيرًا في المُسْتضعَفين بمكةَ، وقيل في ذلك: هَنِيْئًا زادكَ الرَّحمنُ فَضْلًا ... فقَدْ أَدركتَ ثَأْرَكَ يا بِلالُ (ابنه) بالنون. وسبق الحديث في (الوكالة). * * * 3972 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَرَأَ {وَالنَّجْمِ} فَسَجَدَ بِهَا، وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ، غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ، فَقَالَ: يَكْفِيني هَذَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا. العاشر: (إن شيخًا) هو أُميَّة بن خَلَف، وقيل: الوَليد بن المُغِيْرة.

وسبق في (سُجود التلاوة). * * * 3973 - أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ فِي الزُّبَيْرِ ثَلاَثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ، إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا، قَالَ: ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَوَاحِدَةً يَوْمَ الْيَرْمُوكِ. قَالَ عُرْوَةُ: وَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: يَا عُرْوَةُ، هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ؟ قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: فَمَا فِيهِ؟ قُلْتُ: فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: صَدَقْتَ: بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِب ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى عُرْوَةَ، قَالَ هِشَامٌ: فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلاَثَةَ آلاَفٍ، وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ. الحادي عشر: (إن كنت) هي المخفَّفة من الثَّقيلة. (اليرموك) بفتح الياء، وسُكون الراء، وبالكاف: مَوضعٌ بناحيَة الشَّام، تَقاتلَ فيه المسلمون وعسكر قَيْصر الرُّوم هِرَقْل في خلافة عمر. (فلة) بفتح الفاء: واحدُ فُلُول السيف، وهي كُسورٌ في حدِّه،

وفَلَّه يفُلُّه، أي: كسَره. (فلّها) بالبناء للمفعول، والضمير راجعٌ للفَلة. (بهن فلول من قراع الكتائب)؛ أي: ضَرْب الجُيوش بعضهم بعضًا، وأول البيت: ولا عَيْبَ فيهِمْ غيرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ (فأقمناه)؛ أي: قوَّمناه: وهو ما يَقُوم مِن ثمنِه مَقامه. (بعضنا)؛ أي: بعض الورَثة. * * * 3974 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ سَيْفُ عُرْوَةَ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ. الثاني عشر: معناه ظاهرٌ. * * * 3975 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلاَ تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ، فَقَالَ: إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ، فَقَالُوا: لاَ نَفْعَلُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ، فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ

مُقْبِلًا، فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ، فَضَرَبُوهُ ضَرْبتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ: عُرْوَةُ كنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ ألْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ. قَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهْوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَكَّلَ بِهِ رَجُلًا. الثالث عشر: (تشد) هو أن يَحمِل في الحرْب. (كذبتم) يُقال: حمل فُلانٌ فما كذَّبَ، بالتشديد، أي: ما جبُنَ. قال (خ): كذب الرجلُ الرجلَ في القِتال: إذا حمَل، ثم كَعَّ وانصرَف. (لا نفعل)؛ أي: لا نجبُن، ولا ننصرِف، ويحتمل أن يكون: (لا) ردًّا لكلامه، أي: لا نكذِّب، ثم قالوا: نفعَل الشَّدَّ. (ضربتين على عاتقه) وجْه الجمْع بينه وبين ما سبَق: أنَّ إحداهما على عاتقِه؛ أنَّ العدَد لا يدلُّ على نفْي غيره، ويحتمل أن يكُون المراد بالعاتق أولًا وسَط العاتِق، أي: إحداهُنَّ في وسَطه، والضَّربتان في طرَفيه. نعَمْ، سبَق أن الضربتَين كانتا في بَدْر، وواحدة في اليَرموك، والمفهوم هنا بالعكس، ولا مُنافاةَ؛ لاحتمال أنَّ الضربتَين بغير السَّيف، والتي تقدَّمتْ مقيَّدةٌ به. (ضربها) مبنيٌّ للمفعول، والضمير للمَصْدر. * * *

3976 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قتادَةَ قَالَ: ذَكرَ لَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، فلَمَّا كانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: "يَا فُلاَنُ بنَ فُلاَنٍ، وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْناَ مَا وَعَدَناَ رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبكُّمْ حَقًّا؟ "، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنتمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أقولُ مِنْهُمْ". قَالَ قتادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا. الرابع عشر: (صناديد) جمع صِنْديد، وهو السيِّد الشُّجاع العَظيم. (طوى) فَعِيْل، بمعنى: مَطْوِيٍّ، وهو البِئْر المطْويَّة بالحِجارة، والجمْع: أَطْواء. (خبيث) ضِدُّ الطَّيِّب.

(مُخَبِث) بكسر الموحَّدة، من قولهم أخبَثَ، أي: اتخذَ أصحابًا خُبْثًا. (ظهر)؛ أي: غلَب. (عَرَصَة) هي كلُّ بُقعةٍ بين الدُّور واسعة. (الرَّكِيّ) بفتح الراء، وكسر الكاف، وتشديد الياء: جمع رَكِيَّة، وهي البئر. (ما تكلم) استفهامٌ. (وتصغيرًا) من الصَّغار: وهو الذُّلُّ، والهَوان. (ونقيمة)؛ أي: عُقوبة. * * * 3977 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عَطَاءً، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ: هم وَاللهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالَ عَمْرٌو: هُمْ قُرَيْشٌ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - نِعْمَةُ اللهِ، {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قَالَ: النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ. الخامس عشر: (البوار) الهَلاك، والمراد به هنا: النار يومَ بدْر. * * * 3978 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ،

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَن ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ"، فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ". * * * 3979 - قَالَتْ: وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: "إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أقولُ"، إِنَّمَا قَالَ: "إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أقُولُ لَهُمْ حَقٌّ"، ثُمَّ قَرَأَتْ: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} يَقُولُ: حِينَ تَبَوَّؤُا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ. السادس عشر: حاصل كلام عائشة: أنَّ الباء للمُصاحَبة، لا للسَّبَبية. وسبق الحديث في (الجنائز). (القليب) هي البِئْر قبْل أنْ تُطوَى. والجمع بين هذا وبين ما سبَق أنه كان مَطْويًّا: أنْ يكون بعضها مَطْويًّا، وبعضها غير مَطْويٍّ، فالنَّفْي والإثْبات باعتبارَين، أو المُراد في الموضِعَين مُطلَق البئْر. (مثل ما قال)؛ أي: ابن عُمر في تعذيب الميِّت.

(إنهم ليسمعون) بيانٌ، أو بدَلٌ، ووجه المشابهة بينهما حمْل ابن عُمر على الظَّاهر، والمراد منها غير الظَّاهر. واعلم أنَّها لم تكذِّب ابن عُمر فيما رَوَى، بل البحْث بينهما أنَّ ابن عُمر يقُول حقيقةً، وهي تحمله على المَجاز. ثم يحتمل أنَّ معنى الآية: إنَّك لا تُسمع، بل الله المُسمع، مع أنَّ المفسِّرين قالوا: المُراد بالموتى: الكفَّار باعتبار مَوْت قُلوبهم وإنْ كانوا أحياءً صورةً، وكذا المراد من الآية الأُخرى. قال في "الكشاف" في: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]: شُبِّهوا بالموتى وهم أحياء؛ لأنَّ حالهم بحالِ الأموات، وقال في: {مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]: أي: الذين هم كالمقْبُورين. (أن ما كنت) بفتح (أنَّ) وكسرها، ويُروى في (حق): (لَحقٌّ) باللام. * * * 3980 - و 3981 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ: "هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ " ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا أًقُولُ". فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ هُوَ الْحَقُّ"، ثُمَّ قَرَأَتْ: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} حَتَّى قَرَأَتِ الآيَةَ.

9 - باب فضل من شهد بدرا

السابع عشر: (يسمعون)؛ أي: الرَّسولَ - صلى الله عليه وسلم -، أو القائلَ: وَجَدْنا ما وعَدَنا ربُّنا حقًّا، للكفار حين يتمكَّنون يوم القيامة في مَقاعدهم من النَّار، قال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44]. ووجه التعريض بأنه لم يقُل هذا الكلام زمانَ كونهم في القَليب، وإنما يُقال يوم القيامة، أي: القول المراد به في ذلك اليوم الحقيقة، وأما هذا فكان قولًا مجازيًّا، والله أعلم. * * * 9 - بابُ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا (باب فَضْلِ مَن شَهِدَ بدْرًا) 3982 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِنْ تَكُ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: "ويحَكِ! أَوَ هَبِلْتِ أَوَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّها جِنَانٌ كثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ".

الحديث الأول: (تر) في بعضها: (تَرى)، وهو مثل: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ} , بالرفْع في قراءة قُنْبل، على حذف الفاء، كأنَّه قيل: فيدركُكم. (أو هبلت) الهمزة للاستفهام، والواو للعطْف على مقدَّرٍ، وهو بالنِّداء للفاعل، أو للمفعول، من قولهم: هبَلَتْه أُمُّه، أي: ثَكِلتْه، وهبَلَه اللَّحم، أي: غلَب عليه، والهابِل: التي ماتَ ولدُها. قال (ع): وليسى على حقيقته، وإنما المعنى: أَفقَدتِ خَيْرك وعقلكِ مما أصابكِ من الثَّكَل بابنك حتى جهلتِ صفَة الجنة؟. وقال (ش): قيَّده بعضُهم بفتح الموحَّدة، ولا يصحُّ. (أو جنة) الهمزة للاستِفهام، والواو عاطفةٌ مفتوحةٌ. (الفردوس) هو أَوسَط الجنَّة، وأَعلاها، ومنه تتفجَّر أنهار الجنَّة. وسبَق في أوائل (الجِهاد)، وما فيه من الاختِلاف. * * * 3983 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبَا مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرَ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ،

فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكينَ"، فَأَدْركْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْنَا: الْكِتَابُ، فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ، فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لنجَرِّدَنَّكِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْيَ مُحْتَجزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ، فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ ". قَالَ حَاطِبٌ: وَاللهِ مَا بِي أَنْ لاَ أكُونَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا"، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: "أليْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ "، فَقَالَ: "لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئتمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. الثاني: (خاخ) بمعجَمتين: مَوضِعٌ. (امرأة) هي سارة، بمهملة وراء. (حاطب) بمهملتين.

(بَلْتَعة) بفتْح الموحَّدة، وسُكون اللام، وفتح المثنَّاة، وبمهملةٍ: اللَّخْمِي، بفتح اللام، وسُكون المعجَمة، من أهل اليمَن. (الكتاب) نصب بفعلٍ مقدَّرٍ، أي: أَعطِي، أو هاتي، أو أَخرِجي. (ما معي)؛ أي: ما مُصاحبي، وفي بعضها: (ما معنا)، مشتقٌّ من العِناية. (حجزة) حُجْزة الإزار: مَعْقِده، وحُجْزة السَّراويل التي فيها التِّكَّة، واحتجز الرجلُ بإزاره: إذا شدَّهُ على وسطه. (إلا أكون) استثناءٌ، أو بفتح الهمزة، بتقدير: أنْ لا أكون. (القوم)؛ أي: المشركين. (يد)؛ أي: مِنَّةٌ، ونعمةٌ. ولا منافاة بين هذا وبين ما سبق في (الجهاد)، وفي (باب: الجاسوس): أنه بعثه والمقداد، والزُّبَير، وأنها أخرجتْه من العقاص؛ لاحتمال أنه بعَث الأربعة. وأما الحُجْزة فإنها المَعْقِد مُطلَقًا، وأجوبةٌ أُخرى سبقت في (الجهاد)، في (باب: إذا اضطُرَّ). (لعل) قال (ن): معنى الترجِّي فيه راجعٌ إلى عُمر؛ إذ وُقوعه عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - محقَّقٌ، وأوثر على التحقيق بعْثًا له على التأمُّل، ومعناه: الغُفران لهم في الآخرة، وإلا، فلو توجَّه على أحدٍ منهم حدٌّ مثلًا يُستوفَى منه.

10 - باب

(اعملوا ما شئتم) ليس للاستقبال، وإنما المعنى: أيُّ عملٍ كان لكم فقد غفَرتُه، إذ لو كان مستقبَلًا لكان جوابه: فسأَغفِر. وأيضًا يلزَم أنْ يصير إطلاقًا في فِعْل الذُّنوب، ولا وَجْهَ له، ويوضِّح ذلك أن القوم خافوا من العقوبة بعدَه، حتى قال عُمر: يا حُذَيفةُ أنا منْهم؟. وسبق إيضاحه في (الجهاد). * * * 10 - بابٌ (باب) 3984 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: "إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نبلَكُمْ". 3985 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالْمُنْذِرِ ابْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ لنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: "ذَا أَكْثَبُوكُمْ يَعْنِي كثَرُوكُمْ فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نبلَكُمْ".

الحديث الأول: (والزُّبَير بن المنذر بن أبي أُسيد) فيه اختلافٌ، ففي "المدخَل" للحاكم تَسميتُه بذلك، ثم قال: وقيل: الزُّبَير بن أبي أُسَيد عن أبي أُسَيد. وفي "الكاشف": روى عن أبي أُسَيد ابناه: حمزة، والزُّبَير، ثم قال: في بعض نُسَخ البُخاري: ابن الزُّبَير بن المُنذِر، وفي بعضها في الإسناد الثاني ذكر: (المنذر، عن أبي أُسيد)، وأسقط لفظ الزُّبَير هذا، والمفهوم من بعض الكتُب أنَّ الزُّبَير هو نفْسه المنذر، سمَّاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالمُنذِر. (أكثبوهم) بالمثلَّثة، من الكثَب، بفتحها: القَرِيْب، يُقال: رماه من كثَبٍ، ويُقال: أكثَبَكَ الصَّيد، أي: أمكنَكَ منه. (يعني: أكثروكم) كذا رواه البخاري، ولكن المعروف في اللُّغة: قاربُوكم، والهمزة فيه للتَّعدية؛ وكذا رواه أبو داود: "إذا أكثبوكُم"، يعني: غَشُوكم. (واستبقوا) استِفعالٌ من البقاء، يعني: لا تَرمُوهم من بُعدٍ، فيذهبَ نبْلُكم بلا نفْعٍ؛ لأنَّه إما يسقُط في الأرض، وإما في الشَّجَر، فيستَبقي الرَّامي النَّبْل لوقْت حاجتها، وفي بعضها بكسر الموحَّدة من السَّبْق. (نبلكم) السهام العرَبية. * * *

3986 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَة سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ. الثاني: (على الرماة)؛ أي: أميرًا. (ابن جُبير) بضم الجيم، الأنصاري، واستُشهد يومئذٍ. (سجال) جمع سَجْل، بمهملةٍ، وجيمٍ: الدَّلْو، شُبِّه المتحاربان بالمُستَقيَين، يستقي هذا دَلْوًا وذاك دَلْوًا. قال الشاعر: فيَومٌ عَلَينا ويومٌ لَنَا ... وَيومٌ نُساءُ ويومٌ نُسَرٌ * * * 3987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أُرَاهُ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَاناَ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ".

الثالث: (وإذا الخير) هو ضِدُّ الشَّرِّ. وهو مختصرٌ من الحديث المذكور أواخر (باب: علامات النبوَّة)، وهو رُؤيته - صلى الله عليه وسلم - بقَرًا تُنحَر، فإنهم المؤمنون، أُصِيبوا يوم أُحُدٍ، وأنَّ الخير هو الذي جاء الله به بعد ذلك. وقيل: معناه ما صنَع الله بالمقتُولين هو الخير، أو هو خيرٌ لهم من بقائهم. وقيل: هو ما جاء الله به يوم بدْرٍ الثانية من تثْبيت قلُوب المؤمنين؛ لأنَّ الناس قد جمعوا لهم وخوَّفُوهم، فزادَهم ذلك إيمانًا، وقالوا: حسْبُنا الله ونعْمَ الوكيل. (من الخير) بيانٌ لقَوله: (ما جاءَ الله به). (الصدق) المراد به الأمر المَرضِيُّ الصالح، ويحتمل أنه من إضافة الموصوف إلى الصِّفَة، أي: الثَّواب الصالح الجيِّد. * * * 3988 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذِ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فتيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ، فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا، إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ: يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا

جَهْلٍ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي! وَمَا تَصْنعُ بِهِ؟ قَالَ: عَاهَدْتُ اللهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ. فَقَالَ لِي الآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ، قَالَ: فَمَا سَرَّني أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا، فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ، فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. الرابع: (عن جده)؛ أي: جَدِّ سَعْدٍ، وهو عبد الرَّحمن، والحديث مُسَلْسل بالأُبوَّة؛ إذْ هو يعقُوب بن إبراهيم بن سَعْد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن، رَوى كلُّ واحدٍ منهم عن أبيه. (لم آمن)؛ أي: من العَدوِّ بجهة مكانهما، ويحتمل أن يكون مكانهما كنايةً عنهما، أي: لم أثِقْ بهما. (فما سرني) نفيٌ. (مكانهما)؛ أي: بدَلَهما. (الصقرين) تثنيةُ صَقْر، وهو الطَّائر الذي يُصادُ به. (عَفْرَاء) بمهملةٍ، وفاءٍ، ممدودٌ. وسبق الحديث قريبًا، وبعيدًا. * * * 3989 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُمَرُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِي حَلِيفُ بَنِي

زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيهِم عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيب مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنزَلٍ نزَلُوهُ، فَقَالُوا: تَمْرُ يَثْرِبَ، فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا حَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَاُبهُ لَجَؤُا إِلَى مَوْضعٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لاَ نقتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: أَيُّهَا الْقَوْمُ! أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نبَيَّكَ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا، وَنزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزيدُ بْنُ الدَّثِنَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ لِي بِهَؤُلاَءِ أُسْوَةً، يُرِيدُ الْقَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وَزيدِ بْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قتلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهْيَ غِافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ

وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، قَالَتْ: فَفَزِعْتُ فَزْعَة عَرَفَهَا خُبَيْبٌ، فَقَالَ: أتخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأَكلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، وَكَانَتْ: تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُوني أُصَلِّي رَكعَتَيْنِ، فترَكُوهُ، فَرَكَعَ ركعَتَيْنِ، فَقَالَ: وَاللهِ لَوْلاَ أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلاَةَ، وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ ناَسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِم بْنِ ثَابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ أَنْ يُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قتلَ رَجُلًا عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَبَعَثَ اللهُ لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: ذَكَرُوا مُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيَّ، وَهِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِي، رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا.

الخامس: (عمرو بن أسيد) بفتح الهمزة، ونقَل البخاريُّ في "تاريخه": أنَّ بعضهم يقول: عُمر، أي: بلا واوٍ، قال: والأول أصحُّ، أي: عمرو، بالواو. (حليف) بالمهملة. (زُهْرَة) بضم الزاي، وسكون الهاء. (عشرة)؛ أي: من الرجال. (عينًا)؛ أي: جاسوسًا. (بالهدأة) بفتح الهاء، والمهملة، والهمزة. (عُسْفان) بضم المهملة الأُولى، وسُكون الثانية، وبفاءٍ. (ذكروا) مبنيٌّ للمفعول. (فنفروا) ذهَبوا. (مأكلهم)؛ أي: مكانَ أكلِهم. (حس) كذا وقَع هنا، وصوابه: أحَسَّ، رُباعيًّا، كما قال تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98]، ولفْظ الرواية السابقة في (الجهاد): (فلمَّا رآهُم عاصمٌ). (خُبَيْب) بضم المعجَمة، وفتح الموحَّدة الأُولى، واعلم أنَّ خُبَيْبًا في هذا الحديث قال الدِّمْيَاطِي: هو خُبَيْب بن عَدِي، أحد بني جَحْش، وهو الحارِث بن عامر بن نَوفَل بن عبد مَنَاف، فهذا لم يشهَد بدرًا، والذي شهدَها وقُتِل فيها الحارِث إنما هو خُبَيب بن يَسَاف بن

عُقْبة بن عَمْرو بن خَدِيج، وأما ابن عَدِيٍّ فمات في زمن عُثمان. قال (ش): وكذا قال البخاري في "تاريخه": إنَّ ابن يَسَاف شَهِد بدْرًا، ولم يذكر ابن عَديٍّ، نعم، ذكَر في "الاستِيعاب": أنَّ ابن عَدِيٍّ شَهِد بدْرًا. وقال ابن عبد البَرِّ في "مَغازيه": إنَّ الذي قتَل الحارث: عليٌّ، وهذا قولٌ ثالثٌ. (الدَثِنة) بفتح المهملة، وكسر المثلَّثة، وبالنون. (موسى) بالصَّرف، ومنْعه، نظرًا إلى اشتِقاقه. (يستحد)؛ أي: استِعدادًا للِقاءِ ربِّه، لفَهْمه إجماعَهم على قتْله. (أتخشين) في بعضها: (تخشَي)، وحذف النون بلا ناصبٍ وجازمٍ لغةٌ فصيحةٌ. (ما بي)؛ أي: التبَس بي، من إرادة الصَّلاة. (أحصهم) بمهملتين: دَعَا عليهم بالهَلاك. (بددًا) بفتح الموحَّدة، والمُهملَة الأُولى، مصدرًا، بمعنى: المتبدّد، أي: ذَوي بَدَدٍ، قاله السُّهَيْلي. ويُروى بكسر الموحَّدة، أي: متفرِّقةً منقطعةً، جمع: بَدَّة، وهي القِطْعة من الشَّيء المتبدِّد، ونصبُه على الحال من المدعوِّ عليهم، أي: متبدِّدين أين ما كانوا. قال مُعاوية: كنت من الحاضِرين يومئذٍ، ولقد رأَيتُ أبي يُلقِيني

إلى الأرض فَرَقًا من دَعوة خُبَيْب، وكانوا يقُولون: إنَّ الرجل إذا دُعي عليه فاضطَجَع لجنْبهِ زالتْ عنه. (في ذات)؛ أي: لوَجْه اللهِ تعالى، وطلَبِ رضاه وثوابه. (شِلْوٍ) بكسر المعجمة، وسُكون اللام: العُضْو. (مُمَزَّع) بفتح الزاي المشدَّدة، وبمهملةٍ: المُقطَّع، والبَيتان من قصيدةٍ له مشهورةٍ. (وأخبر)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو من المعجزات. (أُصيب)؛ أي: كلُّ واحدٍ منهم. (الدَّبْر) بفتح المهملة، وسُكون الموحَّدة: ذكَر النَّحل، ولهذا يُسمَّى عاصم بـ: حَمِيِّ الدَّبْر، وقيل: إنَّ الأرض ابتلعتْه، وقيل: إنَّ السَّيْل اختطفَه. قالوا: كان عاصم عاهَدَ الله لا يمسُّه مشركٌ، ولا يمسُّ مشركًا أبدًا تنجُّسًا عنه، فمنَعَه الله أيضًا بعد وفاته من ذلك، وهذا هو المسمَّى بيَوم الرجِيع، بفتح الراء، وكسر الجيم، وبالمهملة، وتسمى غزوة الرَّجِيع، في سنة ثلاث. (وقال كعب)؛ أي: في قصَّة توبته، وهي موصولةٌ في (غزوة تبوك). (صالحين شهدا بدرًا) هو موضع الاستشهاد من ذِكْر ذلك، لكن قيل: لم يذكر أحدٌ من أهل السِّيَر أنَّ مُرارة وهلالًا شهداء، إلا

ما جاء في حديث كعْبٍ هذا، وإنما ذُكروا في الطَّبقة الثانية من لم يشهَد بدرًا، وشَهِد أُحُدًا. * * * 3990 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْل -وَكَانَ بَدْرِيًّا- مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ وَاقْتَرَبَتِ الْجُمُعَةُ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ. السادس: (ذكر له أن سعيد بن زيد)؛ أي: أحد العشَرة، والأكثر أنه لم يشهد بدرًا إلا أنه كان غائبًا، لكنْ ضَرَبَ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسَهْمه وأجره. (فركب)؛ أي: ابن عُمر إلى سَعيد. (وترك الجمعة)؛ أي: للعُذر، وهو إشرافُ القَريب على الهَلاك؛ لأنَّه ابن عمّه عُمر، وزوج أُخته. * * * 3991 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، أَنَّ أَبَاهُ كتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَرْقَم الزُّهْرِيّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ،

فَيَسْأَلهَا عَنْ حَدِيثهَا، وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اسْتَفْتَتْهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَرْقَم إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرتْهُ أنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَهْوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فتوُفِي عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهْيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تنشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ- فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ، فَإِنَّكِ وَاللهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؟ قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، وَأَتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، وَأَمَرَني بِالتَّزَوُّج إِنْ بَدَا لِي. تَابَعَهُ أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونس. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ -وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا- أَخْبَرَهُ. (وقال الليث) وصلَه قاسم بن أصبَغ، ومن طَريقه ابن عبد البَرِّ في "التمهيد"، نعم، حديث انقضاء عِدَّتها موصولٌ في (النكاح). (استفتته)؛ أي: في انقِضاء عِدَّة الحامِل بالوَضْع.

(خَوْلة) بفتح المعجمة، وسُكون الواو، وباللام، العامِري، مات بمكة، ورثَا له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كما سبق مراتٍ. (فلم تنشب)؛ أي: لم تمكُث. قال (ك) هنا: إنَّ الحمْل وإنْ كان مما يختصُّ بالنساء، فلا يُؤتَى فيه بتاءِ التأنيث، لكن دخلَتْ هنا؛ لأنه أُريد أنها ذاتُ حملٍ؛ أما لو أُريد التي مِن شأْنها ذلك لم تدخُل التاء، كما في مُرضِعةٍ، ومُرْضع. (تَعَلّت) بمهملة، وتشديد اللام، أي: خرجتْ منه، وطَهُرتْ من دمها. (للخطاب) جمع: خاطِب. (أبو السنابل) بفتح المهملة، وبنونٍ، وموحدةٍ: اسمه عمرو بن بَعْكَك، بفتح الموحَّدة، وبسكون المهملة، وفتح الكاف الأُولى، وهو منصرفٌ، وأسلَم يوم الفتح، وكان شاعرًا، وسكن الكوفة. (ترجين) بضم أوله، وتشديد الجيم المكسورة، وبفتح أوله، وتخفيف الجيم المكسورة والمفتوحة. (بناكح)؛ أي: ليس مِن شأْنك النكاح، ولستِ من أهله. (جمعت)؛ أي: تجلبَبتْ برداءٍ ومِلْحفةٍ فوق ثيابها. (وأمرني بالتزويج) قال (خ): فيه أنَّ للمرأة أن تنكِح حين الوضْع، وإنْ لم تعلَّ من نِفاسها، ودمُ النِّفاس لا يمنَع من عقْد النكاح، وأما: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الآية [البقرة: 234]، ففي الحائِل، دُون الحامِل. (تابعه أصبغ) وصلَه الإسماعيلي.

11 - باب شهود الملائكة بدرا

(وقال الليث) وصلَه البخاري في "التاريخ". (أخبره)؛ أي: بهذا الخبَر، ويحتمل أنْ يكون المقصود بيان أنَّه شَهِد بدرًا، لا بيان أنَّه أخبره بهذا الحديث أو بغيره. * * * 11 - بابُ شُهُودِ الْمَلاَئِكَةِ بَدْرًا (باب شُهود المَلائكةِ بدْرًا) 3992 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ-، قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ"، أَوْ كلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ". الحديث الأول: (وكذلك)؛ أي: الملائكة الذين شَهِدوا بدرًا هم من أفضَلهم أيضًا. * * * 3993 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى،

عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَكَانَ رِفَاعَةُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانَ رَافِعٌ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبةِ، فَكَانَ يَقُولُ لاِبْنِهِ: مَا يَسُرُّني أَنِّي شَهِدْتُ بَدْرًا بِالْعَقَبَةِ، قَالَ: سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، بِهَذَا. الثاني: (ما)، قال (ك): استفهاميةٌ، وفيه معنى التمنِّي لشُهود بدْرٍ، ويحتمل أن تكون نافيةً. (بالعقبة)؛ أي: بدَل العقَبة، يُريد تعظيم العَقَبة على بدْرٍ، وهذا قالَه بحسَب اجتهاده؛ لأنها لما كانتْ مَنْشأ نُصرة الإسلام، وسبَب هجرته - صلى الله عليه وسلم -، التي هي سبَبٌ لقوَّته، واستعدادِه للغزَوات كلِّها، كانت أفضَل، لكنَّ الراجح أنَّ بدرًا أفضل الغزَوات، وأصحابها أفضلُ من أصحاب العقَبة. * * * 3994 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، سَمعَ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ أَنَّ مَلَكًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وَعَنْ يَحْيَى، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْهَادِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ حَدَّثَهُ مُعَاذ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ يَزِيدُ: فَقَالَ مُعَاذ: إِنَّ السَّائِلَ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. 3995 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا

12 - باب

خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: "هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ". الثالث: (أن ملكًا) قول مُعاذ ذلك مع أنه تابعيٌّ، إما أنه مُرسَل، وإما أنه اعتمادٌ على الطَّريق السابق، والمسؤُول به هو شُهود بدْرٍ، وذلك كان قبل وُقوعه، وأفضلية بدر أو العقبة، يُقال: سألتُه عنه، وبه، بمعنى واحدٍ، قال تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1]، أي: عن عذابٍ. * * * 12 - بابٌ (باب) 3996 - حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَاتَ أَبُو زيدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا، وَكَانَ بَدْرِيًّا. الحديث الأول: (أبو زيد) هو قَيْس بن السَّكَن الأَنْصاري، أحد الذين جمعُوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أحد عُمومة أنَس.

3997 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ خَبَّابٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا مِنْ لُحُومِ الأَضْحَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِآكِلِهِ حَتَّى أَسْأَلَ، فَانْطَلَقَ إِلَى أَخِيهِ لأُمِّهِ -وَكَانَ بَدْرِيًّا- قتادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ نَقْضٌ لِمَا كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الأَضْحَى بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. الثاني: (نَقْض) بفتح النون، وبسُكون القاف، وبمعجمةٍ، أي: ناقض، أي: كأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ادخار لحم الأُضحية إلى بعد أيام التَّشريق، ثم أباحَ لهم ادخاره، والأكل منه. * * * 3998 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ لَقِيتُ: يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهْوَ مُدَجَّجٌ لاَ يُرَى مِنْهُ إلا عَيْنَاهُ، وَهْوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ، فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأْتُ، فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نزَعْتُهَا وَقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا، قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا

أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ. الثالث: (مُدَجج) بضم الميم، وكسر الجيم المشددة، وفتحها: الفارس الشَّاكُّ في السلاح، يقال: تدجج فُلان: إذا دخل في سلاحه، كأنه تغطَّى به. (الكَرش) بفتح الكاف، هو لغةً: لكل مُجترٍّ، بمنْزلة المَعِدة للإنسان، وكَرِش الرجل: عِياله، والكَرِش أيضًا: الجماعة من الناس. (بالعَنزة) هي أَطْول من العصَا، وأقصَر من الرُّمح. (تمطيت) من التَّمطِّي، وهو مدُّ اليدَين في الشَّيء، وتمطَّط، أي: تمدَّد، وفي بعضها: (تمطَّأتُ). قال (ش): والمعروف: تمطَّيتُ. (فأعطاه)؛ أي: أعطاه إياها عاريةً. * * * 3999 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَايِعُونِي".

الرابع: ظاهر المعنى. * * * 4000 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبةَ، وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. الخامس: (تبنا)؛ أي: اتخذَه ابنًا. (سالمًا) هو ابن مَعْقِل، بفتح الميم، وسُكون المهملة، وكسر القاف، وقيل: ابن عُبيد بالتصغير. قال في "الاستيعاب": كان سالمٌ عبدًا لثُبَيْتة، بضم المثلثة، وفتح الموحَّدة، وسكون الياء، وبمثناة: بنت يَعَار، بياءٍ، ومهملةٍ، وراءٍ، الأنصارية، زَوج أبي حُذَيفة؛ فأعتَقتْه، فانقطَع إلى أبي حُذَيفة، فتبنَّاه،

وزوَّجه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عُتْبة، بضم المهملة، وسُكون المثناة. وقال في مواضع: إنَّ سالمًا هو مولى أبي حُذيفة. وقال ابن الأثير: فاطمة بنت الوليد امرأةُ سالم مَولى أبي حُذَيفة، وهي بنت أخي حُذَيفة، كذا في "الموطأ"، وأما في "أبي داود والنَّسائي" فاسمها: هند، ولم أجد في الصَّحابيات من اسمها: هند بنت الوليد بن عُتْبة. قال (ك): فبين رواية البخاري و"الموطأ" تفاوت من جهتين، والتفاوت الثاني أنه قال: لامرأةٍ من الأنصار، يعني: ثُبَيْتة. وقال في "فضائل الصحابة"، باب: مناقب سالم مولى أبي حُذيفة. وجوابه: أنه نُسب لأبي حُذيفة مجازًا؛ لأن الإضافة بأدنى ملابسةٍ. (سهلة)؛ أي: فقالت له: إن سالمًا بلغَ مبلَغ الرجال، وأظنُّ في نفس أبي حُذيفة شيئًا في الدُّخول علينا، فقال: "أَرضِعيهِ". والبحث فيه مذكورٌ في موضعه. * * * 4001 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ بُنِيَ

عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُويرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نبَيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُولي هَكَذَا، وَقُولي مَا كُنْتِ تَقُولينَ". السادس: (كمجلسك) بفتح اللام، بمعنى: الجُلوس. (يَنْدُبن) بضم المهملة: من النُّدْبة. وفيه جواز الضَّرْب بالدُّفِّ. * * * 4002 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ - رضي الله عنه - صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ قَالَ: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ"، يُرِيدُ التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِيهَا الأَرْوَاحُ. السابع: (أخي) هو عبد الحميد بن أبي أُوَيس.

(يُريد) هو كلام ابن عبَّاس تفسيرًا له، وتخصيصًا لعُمومه. * * * 4003 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ -عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ- أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَم يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَانِي مِمَّا أفاءَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- بِنْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، حَتَّى جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ الْمَنْظَرَ، قُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءَ، فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ أَكبَادِهِمَا، قَالَ عَلِيٌّ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ زيدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ: "مَا لَكَ؟ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ

اللهِ! مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى ناَقتيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزيدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأُذِنَ لَهُ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ، مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنتمْ إِلَّا عَبِيدٌ لأَبِي، فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. الثامن: (شارف) هي المُسِنَّة من النُّوق. (أعطاني) مفعوله الثاني محذوفٌ، أي: شارِفًا أُخرى. (قَيْنُقاع) بفتح القاف، وسُكون الياء، وبتثليث النُّون، وبمهملةٍ. (والغرائر) جمع غِرَارة: معروفةٌ، يُجعل فيها التِّبْن ونحوه، وهو معرَّبٌ. (ألا يا حمزُ) بالترخيم، أي: يا حمزةُ، وهما بيتان من قصيدةٍ: أَلا يَا حمْزُ للشُّرُفِ النِّواءِ ... وهُنَّ مُعقَّلاتٌ بالفَنَاءِ ضَعِ السِّكِّينَ في اللِّبَّاتِ مِنْها ... وضَرِّجْهُنَّ حمزَةُ بالدِّمَاءِ (للشرف) جمع شارِف، والنِّواء جمع ناوية، أي: سَمينة، مُعقَّلات،

أي: مُقيَّدات، والتَّضْريج: التَّدْميَة والتَّلطيخ. (فأجبّ) كذا وقَع هنا، وصوابه كما رواه في أثناء (البُيوع): (جَبَّ). (ثمل) الثَّمِل: النَّشْوان، وثَمِلَ الرجل: إذا أَخَذ فيه الشَّراب. وسبَق الحديث في (الشرب)، وفي (الجهاد)، في (فرض الخمُس). * * * 4004 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَنْفَذَهُ لَنَا ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ مَعْقِلٍ، أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا. التاسع: (أنفذه)؛ أي: أرسلَه. (كبر) تمام الحديث: (كبَّر خمْسًا)، وفي "كتاب البَرْقَاني"، و"معجم البَغَوي": (سِتًّا)، وكذا رواه البخاري في "تاريخه الكبير". وسبَق الحديث في (الجنائز). * * * 4005 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ

السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، تُوُفِي بِالْمَدِينَةِ، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ. قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أتزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا، قَالَ: عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ، قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ تَرَكهَا لَقَبِلْتُهَا. العاشر: (يومي هذا)؛ أي: في هذا الوقْت الحاضِر. (أوجد)؛ أي: أَحزَن، فإنْ قيل: فما المفضَّل والمفضَّل عليه، قيل: عُمَر مفضَّلٌ باعتبار أبي بكرٍ، مفضَّلٌ عليه باعتبار عُثمان، ذلك عكْس أمْر الخِلافة. * * * 4006 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ

يَزِيدَ، سَمعَ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ صَدَقَةٌ". 4007 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي إِمَارَتِهِ: أَخَّرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الْعَصْرَ، وَهْوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ، فَدَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ -جَدُّ زيدِ بْنِ حَسَنٍ- شَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ نزَلَ جِبْرِيلُ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَمْسَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أُمِرْتَ. كَذَلِكَ كانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. الحادي عشر، والثاني عشر: (أبا مسعود البدري)؛ أي: عُقْبة، بالقاف، وهو جَدُّ زيد بن حسَن بن علي، أبو أُمِّه، والأكثَر أنَّه لم يشهد بدرًا، وإنما نُسِب إليها لأنه نَزَلها. (علمت)، وكذا (رأيت) بالخِطَاب فيهما. (كذلك) إلى آخره، هو كلام عُروة. وسبق الحديث أول (مواقيت الصلاة)، وفيه نوعٌ من الإرسال. * * * 4008 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ

إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ"، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُهُ فَحَدَّثَنِيهِ. الثالث عشر: سبق شرحه. * * * 4009 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ، أَنَّهُ أتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 4010 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ هُوَ ابْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ -وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهْوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ- عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، فَصَدَّقَةُ. الرابع عشر، والخامس عشر: قصة عِتْبان سبق شرحُها في (باب: المساجد في البيوت)، وغيره. * * *

4011 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ مِنْ أَكبَرِ بَنِي عَدِيٍّ، وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ خَالُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ - رضي الله عنهم -. السادس عشر: واضحٌ. * * * 4012 - و 4013 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيج عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عَمَّيْهِ -وَكَانَا شَهِدَا بَدْرًا- أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارعِ. قُلْتُ لِسَالِمٍ: فَتُكْرِيهَا أَنْتَ؟ قَالَ: نعمْ، إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ. 4014 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيَّ، قَالَ: رَأَيْتُ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا. السابع عشر: (أن عميه) هما: ظَهير ومُظَهِّر، كما سبق في (البيوع).

(إن رافعًا أكثر على نفسه) إنما قال ذلكَ مع أنَّ رافعًا رفَع الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه لعلَّ غرَضه أنْ لا يُفرَّق بين الكِراء ببعض ما يحصُل من الأرض، والكِراء بالنقْد ونحوه، والأول هو المنهيُّ عنه لا مطلقًا. وسبقَ الحديث في (كتاب الحرث والمزارعة). أو أنه بيَّنَ الناسِخَ والمنسُوخ. * * * 4015 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِم الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فتبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ؟ ". قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ، فتنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".

الثامن عشر: (العلاء) بالمدِّ. (الحَضْرَمي) بفتح المهملة، وسُكون المعجمة، وفتح الراء. (وأملوا) من الأمَل. (الفقر) بالنصب، مفعولٌ مقدَّمٌ. وسبق الحديث في (كتاب الجِزْية). * * * 4016 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ كُلَّهَا. 4017 - حَتَّى حَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ الْبَدْرِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ، فَأَمْسَكَ عَنْهَا. التاسع عشر: (جنان) جمع: جانٍّ، وهي الحيَّة البَيضاء الرَّقيقة، أي: الصَّغيرة. ومرَّ في (باب: ذكر الجِنِّ). * * * 4018 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنترُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا

عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، قَالَ: "وَاللهِ لاَ تَذَرُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا". العشرون: (فلنترك) هو مثْل: قُوموا فلأُصَلِّ لكم، وقد سبَق إيضاحه. والإذْن سبَب التَّرْك نفْسه لا لأَمرهم أنفُسهم به، لكنْ ذُكر كذلك على سبيل المبالغة، كأنهم تأْمرهم أنفُسهم بذلك، ولو صحت الرواية (فنتركَ) بالنصب، كان بتقدير الخبر للمبتدأ المحذوف، أي: فالإذن للترك. ووجه تعلُّق هذا الحديث ببدْر: أن العباس أُسِر ببدرٍ، وهؤلاء الرجال كانوا بدريِّين. * * * 4019 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عَمِّه، قَالَ: أَخْبَرَني عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ -وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَهُ أنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَرَأَيتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، آأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بَعْدَ أَنْ قَالهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

"لاَ تَقْتُلْهُ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ". الحادي والعشرون: (بمنزلته) ليس المراد أنَّ المؤمن يكفُر بالقتْل، بل معناه أنه مثلُه في كونه مُباح الدَّم فقط. نعم، القتل ليس سبَبًا لكون كلٍّ منهما بمنْزلة الآخر؛ فتأْويل (مثلُه) عند النحاة: بأنه سبَبٌ للإخبار بذلك، وعند البيانيين: بأن المراد لازِمه، نحو: يُباح دمك إن عصيت، وتأويل الحديث بذلك هو ما قاله (خ)، وغيره، وتأويلٌ ثانٍ: إنك تكون آثمًا كما كان هو آثمًا في حال كفره، فيجمعكما اسم الإثم، وثالثٌ: أنت عنده مباح الدَّم قبل أن يُسلم، كما أنه عندك مباح الدم، ورابعٌ: حَمْلُه على المُستحِلِّ. ثم ظاهر الحديث أن قول الكافر: أسلمتُ لله، يصير به مسلمًا، وإن لم يتلَّفظ بكلمة الشَّهادة، لكن قال (خ): معناه أنَّ الكافر مُباح الدم بحكم الدِّين قبل أن يقول كلمة التَّوحيد، فإذا قالها صار محظُورَ الدَّمِ كالمسلم، فإنْ قتَله المسلمُ بعد ذلك صار دمُه مُباحًا بحقِّ القِصاص كالكافر بحق الدِّين، ولم يُرِدْ إلحاقَه بالكافر على ما يقوله الخوارج من التكفير بالكبيرة. * * *

4020 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَنسٌ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: "مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ"، فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، فَقَالَ: آنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ -قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: قَالَ سُلَيْمَانُ: هَكَذَا قَالَهَا أَنسٌ قَالَ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ - قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: أَوْ قَالَ: قَتَلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي. الثاني والعشرون: (برد)؛ أي: ماتَ. (أبا جهل) منادى، أي: أنت المقتُول الذَّليل يا أبا جَهْل، على جهة التوبيخ، قاله (ع)، أو أنه خبرٌ مرفوعٌ، لكنْ على لُغة القَصْر، أو يُقيَّد بإضمار فعلٍ، أي: أعني أبا جهل، ذكَر الداوُدي هذا مع وجهٍ آخَر: أنَّه استَعمل اللَّحْنَ حتى يُغيظَه في مثل هذه الحالة، وردَّه السَّفَاقُسي بأن غَيْظَه بمثْل هذا لا معنى له، وردَّ الأوَّلَ بأنَّ ذلك إنما هو فى تعدُّد النُّعوت. قال (ش): ولا يُردَّان؛ لأن اللَّحن أبلَغ في التهكُّم، والقطْع في النَّعت لا يُشترط فيه التكرُّر وإنْ أوهمه عبارة ابن مالك. وفي رواية الحُمَيدي: (أنتَ أبو جهل)، وكذا رواه البخاري من رواية يونسُ.

(وهل فوق)؛ أي: ليس فعلُكم زائدًا على قتْل رجلٍ. (أكَّار)؛ أي: زرَّاع؛ لأنَّ الأنصار قتلُوه، وهم أهل زِراعةٍ، أي: بالبيت غير زرَّاعٍ قتلَني، وهذا مثل: لو ذاتُ سِوَارٍ لطَمتْني، يُريد بذلك استحقارهم؛ لأنَّ (لو) لا تلي إلا الفعلَ، وجواب الشَّرط محذوفٌ، أي: لتَسلَّيتُ، أو (لو) للتمني، فلا يُحتاج للجواب. * * * 4021 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنهم -: لَمَّا تُوُفِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ شَهِدَا بَدْرًا. فَحَدَّثْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: هُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ. الثالث والعشرون: (عُويم) مُصغَّر عام، بمعني: السنَة، الأنصاري الأَوسِي. (ومعن) بفتح الميم، وسكون المهملة، ابن عَدْي، بفتح المهملة الأولى، وسكون الثانية، البَكْري، حَليف بني عمرو بن عَوْف، ويقال له: الأنْصاري لذلك. * * * 4022 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ، عَنْ

إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ: كَانَ عَطَاءُ الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ، وَقَالَ عُمَرُ: لأُفَضِّلنَّهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ. الرابع والعشرون: واضحٌ، وسبق. * * * 4023 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإيمَانُ فِي قَلْبِي. 4024 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لترَكْتُهُمْ لَهُ". وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى -يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ- فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ -يَعْنِي الْحَرَّةَ- فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ. الخامس والعشرون: (وقر)؛ أي: حصَل لي وَقارٌ، أي: حصل ذلك يومئذٍ، أما إسلامه

صَريحًا فإنما كان عند الفتح. (النتنى) بنونين بينهما مثنَّاةٌ، أي: الجِيَف، أي: قتْلى بدر، قُتلوا وصاروا جيفًا. (لتركتهم)؛ أي: أحياءً، ولم أقتُلهم احترامًا لكلامه، وقَبولًا لشفاعته، وذلك لأنه في قصَّة حصْر الكفَّار له في خَيْف بني كِنَانة، وتقاسُمهم على الكفر سعَى سعيًا جميلًا، وكانت له عند رسول اللُّه - صلى الله عليه وسلم - يدٌ في ذلك. (الحرة)؛ أي: حَرَّة المدينة، وكان اقتَتل عسكر يَزيد مع أهل المدينة، وذلك سنة اثنتين وستِّين. وأما الفِتْنة الثَّالثة فهي جرَتْ بين عبد الله بن الزُّبَير، والحجَّاج بن يوسُف، وقتله له وتخريب الكعبة عام أربع وستين، زمانَ عبد الملِك بن مروان. وقال (ش): الثالثة: الفِتَن بالعِراق مع الأزَارقة. (وللناس طَبَاخ) بفتح المُهملة، وتخفيف الموحَّدة، ومعجمةٍ: القُوَّة، والسِّمَن في اللُّغة، لم يُستعمل في غير ذلك، فيقال: فُلانٌ لا طَبَاخَ له، أي: لا عَقْل له، ولا خيرَ عنده. قال حسان: المالُ يَغْشَى رجالًا لا طَبَاخَ لهمْ ... كالسَّيْل يَغشَى أُصُولَ الدِّنْدِنِ والدِّنْدِن: بكسر المهملتين، وسُكون الأُولى: ما اسوَدَّ من النبات لقِدَمه.

وفي بعضها: (وفي النَّاس). واعلم أن المعروف: (ولو وقعت الثالثةُ لم ترتفِع، وللنَّاس طَبَاخٌ) كما روى ابن أبي خَيْثَمة بسنده: سمعت سعيدًا يقول: وقعتْ فِتْنة الدار، فلم تُبق من أهل بدرٍ أحدًا، ووقعت فِتْنة الحَرَّة فلم تُبق من أهل الحُدَيبيَة أحدًا، ولو وقعت فتنةٌ لم ترتفِع وفي النَّاس طَبَاخٌ. فإن قيل: كيف قال: لم تُبق أحدًا من البَدْريين، وقد بقي منهم مَن عاشَ طويلًا، وماتوا حتْف أنفُسهم، مثل مالك بن ربيعة، وأبي أُسَيد الأنصاري؛ وكذا أصحاب الحُدَيبيَة، مثل ابن عُمر، حتى قال الدَّاوُدي: إنَّ هذا وهمٌ بلا شكٍّ، فقد عاش عليٌّ، والزُّبَير، وطَلْحة، وسَعْد، وسعيد؟! قيل: إن عُثمان - رضي الله عنه - صار سبَبًا لهلاك كثيرٍ من البَدْريين، كما في القِتال الذي بين عليٍّ ومُعاوية - رضي الله عنهما -، ونحوه، وقصة الحَرَّة للحُديبيين، فغايةُ قوله: أحد في النكرة أنَّ يكون عامًّا خُصَّ؛ إذ ما مِن عامٍّ إلا وخُصَّ إلا في نحو: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، على أنَّ العام الذي قُصد به المبالغة قد اختلَفوا فيه: هل عُمومه باقٍ أو لا؟. * * * 4025 - حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ

بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، قَالَتْ: فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتِ، تَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا، فَذَكَرَ حَدِيثَ الإِفْكِ. السادس والعشرون: (أُم مِسْطَح) بكسر الميم، وسكون المهملة الأُولى، وفتح الثانية، اسمها: سَلْمَى. (تَعِسَ) بكسر العين وفتحها. وسبق في (حديث الإفْك) بطوله في (كتاب الشهادات). * * * 4026 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْح بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: هَذِهِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُلْقِيهِمْ: "هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُّمْ حَقًّا؟ ". قَالَ مُوسَى: قَالَ نَافِعٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ! تُنَادِي ناَسًا أَمْوَاتًا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ يَقُولُ: قَالَ الزُّبَيرُ:

قُسِمَتْ سُهْمَانهمْ فَكَانُوا مِائَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ. 4027 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ضُرِبَتْ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِمِائَةِ سَهْم. السابع والعشرون، والثامن والعشرون: (هذه)؛ أي: قال ابن شِهاب بعد أن ذكَر هذه الغزَوات: هي مَغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكَر حديث بدرٍ. (بأسمع لما قلت منهم) فيه شاهدٌ للفَصْل بين أَفعَل التفضيل. (قسمت سهمانهم، فكانوا مائة)؛ أي: فيكون مَن شَهِد بدرًا من قريش مائةً، فالتفاوت بين الرِّوايتين تسعةَ عشرَ رجلًا. (والله أعلم) تردَّد الراوي في أنَّ هذا من قول الزُّبَير، أو الراوي عنه. قال: وإنما كانوا أربعةً وثمانين، والسُّهمان مائة؛ لأنَّ فيهم ثلاثةَ أفراسٍ، فأسهَم لها سهمَين سهمَين، وضرَب لرجالٍ بعثهم في بعض أمره بسهامهم مع أهل بدرٍ، وبشَّرهم بمثل أُجورهم، فلعلَّ قول الزُّبَير يصحُّ باعتبار من ضرَب له بسهمٍ وهو غائبٌ، وكان كمَن شَهدها كعُثمان، وغيره. قلت: وذكر منهم شيخنا شيخ الإسلام البُلْقيني بضعة عشر،

13 - باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم

ونظمَهم في أبياتٍ، فعلى هذا يتضحُ كمال المائة. * * * 13 - باب تَسْمِيةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي الْجَامِعِ الَّذي وَضَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْهَاشِمِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِيَاس بْنُ الْبُكَيْرِ، بِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيِّ، حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ، أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ، حَارِثَةُ بْنُ الرُّبَيعِ الأَنْصَارِيُّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهْوَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كانَ فِي النَّظَّارَةِ، خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِيُّ، الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ، زيدُ بْنُ سَهْلٍ أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ، أَبُو زيدٍ الأَنْصَارِيُّ، سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الزُّهْرِيُّ، سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ الْقُرَشِيُّ، سَعِيدُ بْنُ زيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْقُرَشِيُّ، سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ، ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ وَأَخُوهُ، عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْقُرَشِيُّ، عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، عُتْبةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ، عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ، عُثْمَانُ بْنُ

عَفَّانَ الْقُرَشِيُّ خَلَّفَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنَتِهِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ، عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنَزِيُّ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، عُويْمُ بْنُ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيُّ، عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، قتادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ، مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَأَخُوهُ، مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، مِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، هِلاَلُ بْنُ أمُيَّةَ الأَنْصَارِيُّ - رضي الله عنهم -. (باب مَن سُمِّي مِن أهل بَدْرٍ في "الجامع") أي: في هذا الصحيح الجامع لأقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله وأيامه، والقصد تَسمية مَن فيه أنه مِن أهل بدرٍ على الخُصوص، فكأنَّه فَذْلَكَةٌ وإجمالٌ لمَا تقدَّم مفصَّلًا، لا تسمية المذكورين منهم فيه مُطلَقًا؛ إذ كثيرٌ ممن لا خِلافَ أنه شَهِدَها لم يُذكر، كأبي عُبيدة بن الجرَّاح، ولا تسميةُ مَن روى منهم حديثًا؛ فإنَّ كثيرًا من المذكورين فيه لم يَروُوا حديثًا، نحو حارِثة، وغيرهم، وقد ذكرهم على ترتيبِ حُروف التَّهجِّي إلا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاءَ الأربعة - رضي الله عنهم -، فقدَّمهم لشرَفهم، وفي بعضها بتقديم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقط. (محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أفضل الخلْق على الإطْلاق، وأما الصحابة:

فالأول: (أبو بكر) - رضي الله عنه -. سبق أول (المغازي): أنه - صلى الله عليه وسلم - يوم بدرٍ قال: "اللهمَّ إني أنشدك"، فأخَذ أبو بكر بيَدِه، وقال: حَسْبُك. 2 - (عُمر) - رضي الله عنه -، مذكورٌ حيث قال: ما تُكلِّمُ من أجسادٍ لا أرواحَ لها. 3 - (عُثمان) - رضي الله عنه -، لكنْ باعتبار أنَّه لما اشتغل برُقَيَّةَ أعطاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سهمه وأجرهُ، لكنْ على هذا كان ينبغي له أن يَذكُر عاصم بن عدي، كما فعَل ابن إسحاق؛ لمَا ذكر ابن عُقبة وغيره: أنه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا بلَغه عن أهل مسجِد الضِّرار شيءٌ بعثَه - صلى الله عليه وسلم - لينظُر في ذلك، وضرَب له بسهمه مع أهل بَدْرٍ. 4 - (عليّ) - رضي الله عنه -، قال: كان لي شارِفٌ من المَغْنَم يوم بدرٍ. 5 - (أياس) - رضي الله عنه -، بفتح الهمزة، وكسرها، وخفَّة الياء، ومهملةٍ، ابن البُكَير، بضم الموحَّدة، ويُقال: ابن أبي البُكَير اللَّيثي. سبَق قُبيل (باب: شُهود الملائكة بدرًا)، حيث قال في محمد بن أَياس: وكان أبوه شَهِد بدرًا. 6 - (بلال) - رضي الله عنه -، في (كتاب الوكالة): قال بلالٌ يوم بدر: لا نَجوتُ إنْ نجا أُمَيَّة بن خَلَف. قال السُّهَيْلي: وذكر البُخاري في البَدْريين: جابر بن عبد الله، وقال أبو عُمر: لا يصحُّ شهوده بدرًا، وذكر اختلاف الناس فيه.

7 - (حمزة) - رضي الله عنه -، في أول (المغازي): أنَّ حمزة بارَزَ يوم بدرٍ. 8 - (حاطب) - رضي الله عنه -، بمهملَتين، في (باب: فضل من شهد بدرًا): قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أليس مِنْ أَهل بدْرٍ". 9 - (أبو حُذيفة) - رضي الله عنه -، هشام، على الأكثَر، ابن عُتْبة، بمثناة في بابٍ بعد (باب: شهود الملائكة) قال: وكان ممن شهد بدرًا. 10 - (حارثة) - رضي الله عنه -، بمهملةٍ، ومثلَّثةٍ، ابن الرُّبَيِّع، مُصغَّرًا، وهي أُمُّه، وأما أبوه: فسُراقَة، بضم المهملة، وتخفيف الراء، وبقاف، في (باب: فضل من شهد بدرًا) قال: أُصيب حارثةُ يومَ بدْرٍ، والنظَّارة، بتشديد الظاء. 11 - (خُبَيْب) - رضي الله عنه -، مُصغَّرُ: خِب، بمعجمةٍ، وموحدةٍ، ابن عَدِيٍّ، في (باب: مَن شَهِد بدرًا) قيل: كان خُبَيْب قتَل الحارِث بن عامِر يوم بدرٍ، وسبق أن الدِّمْيَاطِي وهَّمَ في ذلك، وقال: إنما هو خُبيْب بن يَسَاف. 12 - (خُنَيْس) - رضي الله عنه -، بضم المعجَمة، وفتح النون، وسُكون الياء، وبمهملةٍ، ابن حُذَافة السَّهمي، في بابٍ بعد (فضْل من شَهد بدرًا) قال: قد شَهِد بدْرًا. 13 - (رِفَاعة) - رضي الله عنه -، بكسر الراء، وتخفيف الفاء، وبالمهملة، ابن رافعٍ، في الباب المذكور، قال: وكان من أهل بدر. 14 - (رفاعة): - رضي الله عنه -، قيل: المذكور ابن عبد الله المُنذِر، أبو

لُبَابة، قال في الباب المذكور: أبو لُبَابة البَدْري. قال الدِّمْيَاطِي: رِفاعة أخو أبي لُبَابة، وليس بأبي لُبَابة، واسم أبي لُبابة: بِشْر بن عبد المُنذِر، خرَج مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى بدرٍ، ثم ردَّه، وضرَب له بسهمٍ مع أصحاب بدرٍ، وشهد أخواه رِفاعة، ومُبشِّر بدرًا، وقُتل يومئذٍ مُبشِّر. 15 - (الزُّبَير) - رضي الله عنه -، في الباب، قال: لقِيتُ يوم بدرٍ. 16 - (زيد بن سهل) - رضي الله عنه -، أبو طَلْحة، فيه أيضًا قال: وكان قد شَهِد بدرًا. 17 - (أبو زيد) - رضي الله عنه -، قَيْس الأنصاري، فيه قال: وكان بدريًّا. 18 - (سعد بن أبي وقاص) - رضي الله عنه -، بدريٌّ بالاتفاق؛ لكنْ موضع ذكره في البخاري لا يحضُرني. 19 - (سعد بن خولة) - رضي الله عنه -، في (باب: الفَضل)، قال وكان ممن شهد بدرًا. 20 - (سعيد بن زيد) - رضي الله عنه -، ابن عمرو، بن نُفَيل، فيه قال: وكان بَدْريًّا. نعَمْ، وهَّموا البخاريَّ في ذلك؛ لأنَّ سعيدًا إنما خرَج من المدينة يُريد لقاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فوجده مُنصرِفًا من بدرٍ. 21 - (سهل بن حُنيف) - رضي الله عنه -، مُصغَّر: الحنف، بمهملةٍ، ونونٍ، سبَق قريبًا، قال: شهد بدرًا.

22 - (ظهير) - رضي الله عنه -، بالتصغير، ابن رافِع، بفاءٍ، ومهملةٍ. 23 - (وأخوه مظهر) - رضي الله عنه - في الباب، قال: كانا شَهِدا بدرًا، قيل: لم يَشهدا بدرًا، وإنْ شهدا أُحدًا، ومُظهِّر قُتل بخيبر في خلافة عُمرَ، قتلَه غِلْمان له، فأجلَى عُمر أهل خيبر من أجل ذلك؛ لأنه كان بأَمرِهم. 24 - (عبد الله بن مسعود) - رضي الله عنه -. 25 - (عبد الرحمن بن عوف) - رضي الله عنه -، في (باب: الفضل)، قال: إني لَفي الصَّفِّ يوم بدرٍ. 26 - (عُبيدة) - رضي الله عنه -، بالتصغير، في أول (المغازي)، قال: برزَ عُبيدة يوم بدرٍ. 27 - (عُبادة) - رضي الله عنه -، بضم العين، وتخفيف الموحَّدة، ابن الصامت، في بابٍ بعد (شُهود الملائكة)، قال: وكان شهد بدرًا. 28 - (عمرو بن عوف) - رضي الله عنه -، بفتح المهملة، وبالفاء، حَلِيْف بني عامِر بن لُؤَيٍّ، بضم اللام، وفتح الهمزة، وتشديد الياء، فيه أيضًا، قال: وكان شهد بدرًا. 29 - (عُقبة) - رضي الله عنه -، بضم المهملة، وسكون القاف، ابن عمرو، فيه أيضًا قال: شهد بدرًا. قال (ش) (¬1): لم يشهد بدرًا، وشَهِد العقَبة، ويُعرف بالبَدْري لنُزوله وموته بها. ¬

_ (¬1) (ش) ليس في الأصل.

30 - (عامر بن ربيعة) - رضي الله عنه -، بفتح الراء، العَنْزي، بفتح المهملة، وسكون النون، وبالزاي، فيه قال: وكان أبو عبد الله عامِر شَهِد بدرًا. 31 - (عاصم) - رضي الله عنه -، ابن ثابِت، في (كتاب الجهاد)، في (باب: قتْل الأسير) قال: كان قتَل رجلًا من عُظمائهم يوم بدرٍ. 32 - (عُويم) - رضي الله عنه -، تصغير العام، سبَق آنفًا، حيث قال: فلقينا رجلان صالحان شهدا بدرًا: عُويم، ومَعْن. 33 - (عِتْبان) - رضي الله عنه -، بكسر المهملة، وسُكون المثنَّاة، وبموحدة، مرَّ قريبًا، حيث قال: وكان شهد بدرًا. 34 - (قُدَامة) - رضي الله عنه -، بضم القاف، وتخفيف المهملة، ابن مَظْعُون، بفتح الميم، وسكون المعجمة، وضم المهملة، مرَّ آنفًا، قال: وكان ممن شهد بدرًا. 35 - (قتادة بن النعمان) - رضي الله عنه -، سبق قريبًا، قال: وكان بدريًّا. 36 - (مُعاذ) - رضي الله عنه -، بضم الميم، وبالمهملة، وآخره معجمةٌ، ابن عمرو بن الجَمُوح، بفتح الجيم. مرَّ في (الجهاد)، في (سلَب أبي جَهْل): فضربَه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - له. 37 - (مُعوِّذ) - رضي الله عنه -، بكسر الواو المشددة، وإعجام الذال، ابن عَفْراء، بمهملةٍ ومدٍّ. 38 - (وأخوه مُعاذ) - رضي الله عنه -، وكان الأخُ الثالث عَوف أيضًا شَهِد

بدرًا، تقدَّما قريبًا، وبعيدًا. 39 - (مالك بن ربيعة) - رضي الله عنه -، بفتح الراء، أبو أُسَيد، بضم الهمزة، مصغَّر الأسد، في (باب: الفضل): قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدرٍ. 40 - (مِسْطح) - رضي الله عنه -، بكسر الميم، ابن أُثاثة، بضم الهمزة، وبمثلَّثتين، سبق في (أحاديث الإفك): أتسُبِّين رجُلًا شَهِد بدرًا. 41 - (مُرارة) - رضي الله عنه -، بضم الميم، وخفَّة الراء الأُولى، ابن الرَّبيع، في (باب: الفضل)، قال: ذكروا مُرارة وهِلالًا، رجلَين صالحين؛ شهدا بدرًا. وقد سبق ما في ذلك. 42 - (مَعْن) - رضي الله عنه -، بفتح الميم، وسُكون المهملة، وبنونٍ، ابن عَدي، بفتح المهملة الأُولى، سبق أيضًا حيث قال: فلقيَنا رجلان صالحان، شهدا بدرًا: عُوَيم، ومَعْن. 43 - (مِقْداد) - رضي الله عنه -، بكسر الميم، وسكون القاف، وبمهملتين، ابن عمرو الكِنْدي، بكسر القاف، وسُكون النون، سبق قريبًا، قال: وكان ممن شَهِد بدرًا. 44 - (هلال بن أُمية) - رضي الله عنه -، بضم الهمزة، وتخفيف الميم، وتشديد الياء، حيث ذكروا مُرارة وهِلالًا، وسبق ما فيه. وهؤلاء وغيرهم مذكورون في السِّيَر فيمَن شهد بدرًا، إلا مَن نبَّهنا عليه أنه ذكره البخاريُّ، وخالفَه غيره.

14 - باب حديث بني النضير، ومخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم في دية الرجلين، وما أرادوا من الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال (ك): وفائدة ذكْرهم: معرفةُ فَضيلة السَّبْق؛ لأجل السَّبْق، وترجيحهم على غيرهم، والدُّعاء لهم بالرِّضوان على التعيين، رضي الله عنهم أجمعين. * * * 14 - باب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ، وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إليهم فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ، وَمَا أَرَادُوا مِنَ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ. وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} وَجَعَلَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونة وَأُحُدٍ. (باب حديث بني النَضِير) بفتح النون، وكسر المعجمة: قبيلة من يهود المدينة، كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقْدُ مُوادَعةٍ. (ومخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم) سبَبه أن رجلين من بني عامر طلَعا المدينةَ متوجِّهَين إلى أهليهما، وكان معهما عهدٌ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فالتقى عمرو بن أُمَيَّة بهما، ولم يعلَم العهدَ فقتَلهما، فلما قَدِمَ المدينةَ وأُخبر الخبَر؛ قال له - صلى الله عليه وسلم -: "قتَلْتَ قَتيلَينِ كانَ لهمَا منِّي جِوارٌ، لأَدِيَنَّهُما"، فخرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى بني النَّضِير مُستعينًا بهم في دِيَة القتيلَين.

وقد اكتفى البخاري بشُهرة ذلك في السِّيَر عن أن يُسنِدَه. (وما أرادوا من الغدر) وهو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا كلَّمهم في الإعانة قالوا: نعم يا أبا القاسم، اجلسْ حتى تَطعَم، ونَقومَ، فنَتشاوَر، ونُصلِح أمرنا فيما جئتَنا فيه، فقعد رسول - صلى الله عليه وسلم - مع أبي بكرٍ، وعُمر، وعليٍّ، وغيرهم إلى جِدارِ حجرٍ من جُدُرهم، فاجتمَع بنو النَّضِير، وقالوا: مَن يصعَد على ظَهْر البيت، ويُلقي على محمَّدٍ صخرةً؟، وفي رواية: رَحًى، فيقتُلَه، ويُريحنا منه؛ فإنا لن نجدَه أقربَ منه الآن، فانتَدبَ عمْرو بن جَحَّاش -بجيمٍ، فمهملةٍ، فمعجمةٍ- لذلك، فأوحى الله تعالى إلى نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - بما ائتَمَروا به، فقامَ، وتهيَّأَ للقِتال، وخرَج إليهم فحاصَرَهم، وقطَع نخيلَهم، وحرَّقَها، فصالحوا على إخلاء سَبيلهم إلى خَيْبر، وإجلائهم من المدينة. (وقال الزُّهَري) وصلَه عبد الرزَّاق. (الذين كفروا)؛ أي: يَهود بني النَّضِير حين أجلاهُم، وحشَرهم إلى الشَّام، وهو أوَّل الحشر، والثاني حشرُهم يوم القيامة. (وجعله ابن إسحاق)؛ أي: محمد بن إسحاق بن نَصْر، بفتح النون، وسكون المهملة، جعَل قِتال بني النَّضِير. * * * 4028 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَضْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: حَارَبَتِ

النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ، فَأَجْلَى بني النَّضِيرِ، وَأقرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقتلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِي قيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ. الحديث الأول: (وقُرَيظة) 2222222222222 ......... مصغَّر قَرَظ، بقافٍ، وراءِ، ومعجمةِ: قبيلة أيضًا من يهود المدينة، عطف على النَّضِير، فاعل: (حاربت)، والمفعول محذوفٌ، أي: حاربا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. (فآمنهم)؛ أي: جعلَهم آمنين. (قَيْنُقاع) بفتح القاف، وسُكون الياء، وتثليث النون. * * * 4029 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْحَشْرِ، قَالَ: قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ. تَابَعَهُ هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ. الثاني: (لا تقل) قيل: لمَّا تأَوَّل أنَّ الحشْرَ يوم القيامة كَرِه النِّسبة إلى

غير الوقْت المعلوم. (تابعه هُشيم) موصولٌ في (تفسير سورة الحشْر). * * * 4030 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. الثالث: ظاهر المعنى. * * * 4031 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: حَرَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُويرَةُ، فَنَزَلَتْ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}. 4032 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، قَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُويرَةِ مُسْتَطِيرُ قَالَ: فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ:

أَداَمَ اللهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيع ... وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ سَتَعْلَمُ أيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ ... وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ الرابع: (البُويرة) تصغير البُوْرة: موضعٌ بقُرب المدينة، ونخلٌ كان لبني النَّضِير، وقال الجَوْهَري: البُؤْرة - بالهمز: الحَفِيْرة. ومرَّ الحديث في (كتاب الحرْث). (سرَاة)؛ أي: السادات. (لُؤَيّ) بضم اللام، وفتح الهمزة، وتشديد الياء، أي: صَناديد قُريش، وهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاربُه. (أبو سُفيان بن الحارث) بالمثلَّثة: اسمه المُغِيرة، ابن عَمِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان يوم التَّحريق لم يُسْلِم، ثم أسلَم في الفتْح. (منها)؛ أي: من البُوَيرة، أي: من جِهَتها وإحراقها، وفي بعضها: (منْهم)، أي: من بني النَّضِير. (بنُزه) بضم النون، وفتحها، من النَّزاهة، وهي البُعد من السُّوء. (أرضينا)؛ أي: من المدينة التي هي دار الإيمان، أو مكَّة التي بها الكفَّار، تبقَى متضرِّرةً، أو ناضرةً. (تضير) من الضَّير، أي: تتضرَّر بذلك، وفي بعضها: (نَضِيْرُ) بالنون، قيل: من النَّضارة، وإنما قال: أدامَ الله ذلك، مع أنه يومئذٍ كان كافِرًا، فهو لا يَدعو عليهم؛ إذْ مُراده أن يمتدَّ التَّحريق في تلك

الأرض حتى يتصِل ذلك بالمدينة، وبمواضع المسلمين، فيكون دَعا عَليهم لا لهم. * * * 4033 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - دَعَاهُ، إِذْ جَاءَهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ فَقَالَ: نعمْ، فَأَدْخِلْهُمْ. فَلَبِثَ قَلِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ يَسْتَأْذِناَنِ؟ قَالَ: نعمْ، فَلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْني وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَاسْتَبَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ، فَقَالَ الرَّهْطُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ" يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ؟ قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَبَّاسٍ وَعَلِيٌّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نعمْ، قَالَ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} إِلَى قَوْلهِ: {قَدِيرٌ} فَكَانَتْ هَذِهِ خَالصَةً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وَاللهِ

مَا احْتَازَهَا دُونكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَقَسَمَهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ مِنْهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيَاتَهُ، ثُمَّ تُوُفِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَناَ وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبَضَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنتمْ حِينَئِذٍ. فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَقَالَ: تَذْكُرَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهِ كمَا تَقُولاَنِ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهِ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهُ سَنتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهِ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي كلاَكُمَا وَكلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكمَا جَمِيعٌ، فَجئْتَنِي -يَعْنِي عَبَّاسًا- فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لتعْمَلاَنِ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ، وَإِلَّا فَلاَ تُكَلِّمَانِي، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا، أفتلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهِ بِقَضَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهُ، فَادْفَعَا إِلَيَّ فَأَناَ أَكفِيكمَاهُ. 4034 - قَالَ فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: صَدَقَ

مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ، أَنَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلنَهُ ثُمُنَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكُنْتُ أَنَا أَرُدُّهُنَّ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلاَ تتَّقِينَ الله، أَلَمْ تَعْلَمْنَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ -يُرِيدُ بِذَلِكَ نفسَهُ- إِنَّمَا يَأكلُ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْمَالِ"، فَانتُهَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَا أَخْبَرَتْهُنَّ. قَالَ: فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ، مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاسًا فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، كِلاَهُمَا كَاناَ يَتَدَاوَلاَنِهَا، ثُمَّ بِيَدِ زيدِ بْنِ حَسَنٍ، وَهْيَ صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَقًّا. 4035 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- وَالْعَبَّاسَ أتيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا، أَرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. 4036 - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ"، وَاللهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. الخامس: (يَرْفأ) بفتح الياء، وسكون الراء، وبالفاء، مهموزٌ، أو غير مهموز،

وقد يُقال: (اليَرْفَأ) باللام: حاجِبُ عُمر. (فاستب)؛ أي: لا بنوعٍ محرَّمٍ، بل من حيث العَتب، ونحوه. (اتئدوا)؛ أي: لا تَستعجِلوا، من التُّؤَدة: وهي التَّأَنِّي. (أنْشُدُكُم) بضم الشين. (لا نُورَث) بفتح الراء، ويصحُّ المعنى على الكسر أيضًا، أي: لا نُصيِّر أحدًا وارثًا منا شيئًا. (احتازهما) من الحَوْز، بهملةٍ، وزايٍ. (ولا استأثر)؛ أي: استَبَدَّ، واستقَلَّ. (فيه)؛ أي: في العمَل، فإن قيل: كيف يُطابق: (أنتُم) وهو جمعٌ، (تذكران) وهو مثنى، فلا يُطابق المبتدأ الخبَر؟، قيل: على قَول: إنَّ أقلَّ الجمْع اثنان ظاهرٌ، أو لفظ: (حينئذٍ) هو الخبَر، و (تذكران) ابتداءُ كلامٍ. وفي بعضها: (أنتما)، فلا إشكال. (فجئتني) لا يُنافي قولَه أولًا: (جِئْتما)؛ لجواز أنهما جاءا معًا أولًا، ثم جاء العبَّاس وحدَه. (بدا)؛ أي: ظهَر. (في هذا المال)؛ أي: في جملة مَن يأْكُل منه؛ لأنَّه لهم بخصوصهم. (فغلبه عليها)؛ أي: بالتصرُّف فيها، وتخصيص غَلَّاتها، لا بتخصيص الحاصِل بنفْسه.

15 - باب قتل كعب بن الأشرف

(يتداولانها)؛ أي: عليّ بن الحسَين بن علي، والحسَن بن الحسَن -مُكبَّرَين- ابن عليٍّ، وكلٌّ منهما ابن عمِّ الآخَر، أي: يتناوَبان في تصرُّفهما. (زيد بن الحسن)؛ أي: ابن علي، أخو الحسَن المذكور. وسبق في (الجهاد)، وكذا الحديث السادس في (باب: فرض الخُمُس). * * * 15 - بابُ قَتلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ (باب قَتْل كعْب بن الأَشْرَف) بالمعجَمة، اليَهوديِّ، الشَّاعِر، كان يَهجُو رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. 4037 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ"، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: "نعمْ"، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أقولَ شَيْئًا، قَالَ: "قُلْ"، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَألنَا صَدَقَةً، وَإنَّهُ قَدْ عَنَّانَا، وَإِنِّي قَدْ أتيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللهِ لتمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى ننظُرَ إِلَى أَيِّ

شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْناَ أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا، أَوْ وَسْقَيْنِ -وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، فَقَالَ: أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ- فَقَالَ: نعم ارْهَنُوني، قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُوني نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَناَ وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَناَ فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ، فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ؟ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نرهَنُكَ اللأْمَةَ -قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي السِّلاَحَ- فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ، وَهْوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأتُهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَخِي أَبُو ناَئِلَةَ -وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو ناَئِلَةَ- إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لأَجَابَ، قَالَ: ويُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ -قِيلَ لِسُفْيَانَ: سَمَّاهُمْ عَمْرٌو؟ قَالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ، قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ عَمْرٌو: وَجَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ -فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونكُمْ فَاضْرِبُوهُ -وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ- فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهْوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: مَا رأَيتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا -أَيْ أَطْيَبَ- وَقَالَ غَيْرُ

عَمْرو: قَالَ: عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءَ الْعَرَبِ وَأكمَلُ الْعَرَبِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَال: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشَمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نعمْ، فَشَمَّهُ، ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نعمْ. فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أتوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرُوهُ. (من لكعب)؛ أي: يستعدُّ لقتْله. (مَسْلَمة) بفتح الميم، واللَّام. وقيل: القائِم القائِل: أتحبُّ أنْ أقتُلَه، هو: أبو نائِلَة. قال الدِّمْيَاطِي: أكثر رواة الحديث من أهل السِّيَر وغيرهم أنَّ الذي هتَف وتحدَّث معه إنما هو أبو نائِلَة، وكان أخاه من الرَّضاعة، ونَديمَه في الجاهليَّة، فركَن إليه، ونزل من المربَض، وكان معه محمَّد بن مَسْلَمة. (وعَنّانا) بتشديد النون، أي: أتعبَنَا وآذانا. (لتملنه)؛ أي: لتزيدَنَّ مَلالتُكم، وضَجَركُم عنه. (وحدثنا غير مرة)؛ أي: قال سُفيان: حدثنا عمرو مِرارًا. (أُرى)؛ أي: أظُنُّ. (نَرْهنك) بفتح أوله؛ لأنَّه مِن رَهَن، وفيه لغةٌ: أَرهَن. (اللأمة) بالهمز: السلاح، أو الدِّرْع. (أبو نائلة) بالنون، والهمز بعد الألف، واسمه: سِلْكان، بكسر

16 - باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق، ويقال: سلام بن أبي الحقيق

المهملة، وسكون اللام: ابن سَلامة الأشْهَلي. قال في "جامع الأصول": هو بالنون، والياء. (معه)؛ أي: مع أبي نائِلَة. فإنْ قيل: المفصَّل ثلاثةٌ، والمُجمَل رجلان؟ قيل: هو في روايةِ غير عمْرو. (قائل بشعره)؛ أي: آخذٌ به. (دونكم)؛ أي: خُذُوه. (متوشحًا) يُقال: توشَّح الرجُل بثَوبه، وسَيفه. (أعطر)؛ أي: امرأةٌ أعطَر. (سيد)؛ أي: أعطَر امرأةِ سيِّدٍ، فهو على حذْف مضافٍ، وهو أبلَغ مما لو قال: أعطَر العرَب. (وأكمل) رُوي بالرفع، والنصب. ومرَّ الحديث في (باب: الكذب في الحرْب) من (كتاب الجهاد). * * * 16 - بابُ قَتْلِ أَبِي رَافِعِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، ويُقَالُ: سلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ كَانَ بِخَيْبَرَ، وَيُقَالُ: فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ. وَقَالَ: الزُّهْرِيُّ

هُوَ بَعْدَ كعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ. (باب قتْل أبي رافِع) ضِدُّ خافِض. (سلَّام) بالتشديد. (قال الزُّهْري) وصلَه يعقوب بن سُفيان في "تاريخه". (بعد كعب)؛ أي: بعد قتْل كَعْب. * * * 4038 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا وَهْوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ. 4039 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي حِصْن لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَرَاحِ النَّاسُّ بَسَرْحِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لأَصْحَابِهِ: اجْلِسُوا مَكَانكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَناَ مِنَ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ:

يَا عَبْدَ اللهِ إِنْ كنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ، فَإنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ، فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى الأَقَالِيدِ، فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلاَلِيَ لَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فتحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ، قُلْتُ: إِنِ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَانتهَيْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ، لاَ أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ! قَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَأَهْويتُ نَحْوَ الصَّوْتِ، فَأَضْرِبهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ، فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ، فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ فَقَالَ: لأُمِّكَ الْوَيْلُ، إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أثخَنتهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ، فَعَرَفْتُ أَنِّي قتلْتُهُ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انتهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدِ انتهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، فَانْكَسَرَتْ سَاقِي، فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: لاَ أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقتلْتُهُ؟ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعي عَلَى السَّورِ فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ: النَّجَاءَ، فَقَدْ قتلَ اللهُ أَبَا رَافِعٍ، فَانتهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: "ابْسُطْ رِجْلَكَ"،

فَبَسَطْتُ رِجْلِي، فَمَسَحَهَا، فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتكِهَا قَطُّ. الحديث الأول، والثاني: (عَتِيك) بفتح المهملة، وكسر المثنَّاة، وسُكون الياء، وبكافٍ. (يا عبد الله) الظاهر أنه يُريد به معناه اللُّغوي، لا العَلَم، وإنْ احتمل ذلك. (الأغاليق) جمع: مِغْلاق، وهو ما يُغلَق به الباب. وقال (ع): أعلق الأَعاليق، بالمهملة فيهما، أي: علَّق المَفاتيح، كذا للأَصِيْلِي، ولغيره: علَّق وأعلَق سواءٌ. وقال الأقْلِيْشي: الأغاليق بمعجمةٍ، ولكنَّ الصَّواب بمهملةٍ. (ودّ) بالإدغام، هو على لُغةِ تميمٍ: الوَتَد، ورُوي: (وتد). (الأقاليد) جمع: إقْليد، وهو المِفْتاح، والظاهر أنها المراد بالأَغاليق أيضًا؛ لأنَّ الأَغاليقَ المُسمَّرة على الأبواب لا تُغلَق بالوتَد، فيكون الإقْليد كما يُفتَح به يُغلق به أيضًا. وفي بعضها: (الأَعاليق) بالمهملة. (يسمر) من التسمير، وهو الاقتِصاص باللَّيل. (علالي) جمع عُلِّية، بضم المهملة، وكسرها: وهي الغُرفة. (نذروا) بكسر الذال المعجمة، أي: عَلِموا، وهو نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6]. (فأهويت)؛ أي: قصَدتُ.

(أغنيت)؛ أي: نفَعت. (قَبْلُ) بالضم، أي: قبْل هذه الساعة. (ظبيب) بفتح المعجمة، وكسر الموحَّدة الأُولى. قال (خ): هكذا رُوي، وما أراه مَحفُوظًا، إنما هو: ظُبَة السَّيْف، وهو حَرْف حَدِّ السَّيف وطرَفه، ويُجمع على: ظِبَاب وظَبيب، وللسيف ظُبَتان، أي: حَدَّان. قال (ش): وكذا قاله القَابِسِيُّ، وصاحب "المُحْكم". قال (خ): وأما: الضَّبيب، فلا أَدري له معنًى يصحُّ فيه، إنما هو من سيَلان الدَّمِ من الفَمِ، يُقال: ظبَّت لثته ظَبيبًا. وقال (ع): روى بعضُهم: (صَبِيب) بمهملةٍ، وقال: أظنُّ أنه الطَّرَف. قال (ك): فلو كان بالذال المعجمة: مصغَّر ذُباب السَّيف: وهو طَرَفه، لكان ظاهِرًا. قال (ش): نقل (ع) عن الحَرْبي أنه بصادٍ مهملةٍ، وهو خِلاف حكاية ابن الأَثير عنه بالظَّاء المُشَالة، وأنه كذا رُوي، وإنما هو: ظُبَة. (أنعا)؛ أي: نعوه، وهي لغةٌ ذكرها الداوُدي، والنَّاعي: المُعْلِم بالموت. (النجاء)؛ أي: الإسراع، نُصب بأنه مفعولٌ مطلقٌ، والمَدُّ أشهَر إذا أفردُوه، فإِنْ كرَّروا قصَروا.

وسبق الحديث في (باب: قتل المشرك النائم) في (كتاب الجهاد). * * * 4040 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ هُو ابْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاء - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنوا مِنَ الْحِصْنِ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنتمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ. قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ، فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ، قَالَ: فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونهُ، قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ، قَالَ: فَغَطَّيْتُ رَأْسِي كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً، ثُمَّ ناَدَى صَاحِبُ الْبَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغلِقَهُ، فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ، فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَتِ الأَصْوَاتُ وَلاَ أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ، فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ، قَالَ: قُلْتُ: إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتهِمْ، فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ، فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ، فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فَعَمَدْتُ نَحْوَ

الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ، وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: أَلاَ أعجبُكَ لأُمِّكَ الْوَيْلُ، دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْم، ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أتيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ، فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا، ثُمَّ أتيْتُ أَصحَابِي أَحْجُلُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَإنِّي لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْح صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافعٍ. قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ، فَأَدْرَكتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأتُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَشَّرْتُه. الثالث: (عبد الله بن عُتْبة) الرِّواية بضم المهملة، وسُكون المثنَّاة، ثم الموحَّدة. والذي في كتُب المَغازي إنما هو بدَله: (عبد الله بن أُنيس)، تصغير أنَس، بنونٍ، ومهملةٍ، وكانوا خمسة: هذان، وأبو قَتادة بن رِبْعِي، ومَسعود بن سِنَان، وأَسوَد بن خُزاعي. وكانتْ هذه السريَّة في رمضان سنة ستٍّ.

وقال ابن الأَثِيْر في "الجامع": عبد الله بن عِنَبة، بكسر المهملة، وفتح النون، وبموحدةٍ، الخَوْلاني، بفتح المعجمة، وسُكون الواو، وبالنون، له ذِكْر في (قتْل أبي رافع بن أبي الحُقَيْق)، وفي كُنيته واسم أبيه اختلافٌ. فيحتمل أن الاختلاف في اسم أبيه، أهو بالنون أو بالمثنَّاة؟، أو الاختلاف في أنه أُنيَس أو عُتْبة؟. وأما عبد الله بن عُتْبة، بالمثنَّاة، ابن مَسعود الهُذلي، فقال ابن عبد البَرِّ: مَن قال إنه صحابيٌّ فقد غَلِطَ، إنما هو تابعيٌّ. (بقبس)؛ أي: شُعلةٍ من النار. (هدت) قيل: صَوابه بالهمز، أي: سَكَتت الأصواتُ، ونام الناس. (كُوة) بضم الكاف وفتحها: ثُقْب البَيت. (فغلقتها) يُروى بتشديد اللام، وتخفيفها، (وأَغلَقتْ) بالألف. قال ابن سِيْدَه: غلَقَ البابَ، وأَغلقه، وغلَّقه، وهي لغةُ التنْزيل، قال تعالى: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف: 23]. قال سِيْبوَيْهِ: غلَّق للتكثير، وقد يُقال: أَغلَق للتكثير. (أنكفئُ)؛ أي: أَنقلِبُ عليه. (فانخلعت) لا يُنافي رواية: (انكسَرت) السابقة؛ إذ المراد بكلٍّ منهما مجرَّد اختِلال الرِّجل.

(أحجل) بمهملةٍ، وجيمٍ: من الحجَلان: وهي مِشْيَة المقيَّد، كما يحجل البعير على ثلاثٍ، والغُلام على رِجْلٍ واحدةٍ. (قَلَبة) بفتح القاف، واللام، أي: تقلُّبٌ، واضطِرابٌ من جهة الرِّجل. فإنْ قيل: سبَق أنه قال: (فمَسَحها، فكأنما لم أشْتَكِها قطُّ)؟ قيل: لا مُنافاةَ؛ إذ لا يَلزم من عدَم التقلُّب عَوده إلى حالته الأُولى، وعدَم بقاء الأثَر فيها. وكذا لا مُنافاةَ بين ما في حديث البَراء: (أنَّه ضَربَه ضَربتَين)، وفي الرواية الأُخرى: (ثلاثَ ضرَباتٍ)، فقد تكون إحدى الثَّلاث لم يعتبرها في الإخبار بالاثنتَين لأمرٍ ما. وكذا قوله: (علَّق الأغاليق على وَدٍّ)، وفي الرِّواية الأُخرى: (في كُوَّةٍ)؛ لاحتمال وجودهما في حالتَين. وكذا في إحدى الروايتَين: أنه بعد سَماعه النَّاعيَةَ انطلَق إلى أصحابه، فقال: النَّجاء، وفي الأُخرى قال لهم: انطلِقُوا فبَشِّروا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإِني لا أبرَحُ حتى أسمعَ النَّاعيَة؛ لاحتمال أنهم لم يذهبوا حين قال لهم أوَّلًا: انطلِقوا، أو المراد في الأول أنَّه انطلَق إلى أصحابه، أي: أدركَهم يَسيرون. * * *

17 - باب غزوة أحد

17 - بابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، وَقَوْلهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} , وقوله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} , {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الآيَةَ. (باب غَزْوَة أُحُد) 4041 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ: "هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ".

الحديث الأول: (صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أُحد) إنما لم يأْخُذ بهذا الشافعية، وأخذوا برواية: "أنَّه لم يُصلِّ عليهم"؛ للجمْع بين الدَّليلين، فحمَلوا هذا على الصلاة اللُّغوية، وهي الدُّعاء، أي: دعا لهم بدُعاءٍ كدعائه للميت. قلتُ: قوله: (ثم طلع المنبر) يَدلُّ على أن المِنْبَر كان موجودًا حينئذٍ، فتأَمَّلْه. وطلَع، بفتح اللام وكسرها، يُقال: طلَعْت على القوم: أتيتُهم، وطلِعت الجبَل -بالكسر: علَوتُه، قاله الجَوْهَري. * * * 4042 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: "إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تنافَسُوهَا"، قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 4043 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي

إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَس النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ وَقَالَ: "لاَ تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُوناَ ظَهَرْناَ عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُوناَ"، فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ تَبْرَحُوا، فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ، فَأَصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا، وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: "لاَ تُجيبُوه"، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: "لاَ تُجيبُوه"، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ، أَبْقَى اللهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أُعْلُ هُبَلْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَجِيبُوه"، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ"، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لنا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَجِيبُوهم"، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهُ مَوْلاَناَ وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ"، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْني. الثاني: (عبد الله) هو ابن جُبَير، أخو بني عمرو بن عَوْف، قاله ابن إسحاق في "السِّيرة"، وكذا رواه أبو داود، والنَّسائي.

وسبق في (الجهاد)، في (باب: ما يكون من التَّنازُع والاختلاف في الحرب). قال: فكانت السريَّة خمسين رجلًا. (يُسْندن) بضم الياء، من: أسنَد، أي: صارَ في سنَد الجبَل. وقال (خ): معناه يَصْعَدْن، وفي بعضها: (يَشْتَدِدْنَ)، من الشِّدَّة بالمعجمة. (بدت): ظهَرت. (خلاخلهن) جمع: خِلْخَال، كجمعه على خلاخيل. (صرف وجوههم) هو عُقوبة المعصية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (هُبل) بضم الهاء: اسمُ صنَمٍ كان في الكعبة، وهو منادى، ومعنى: اُعْلُ، ولا عُلُوَّ في هُبَل: أنه بمعنى: العَليِّ، أو المراد: أعلى من كل شيءٍ. (العُزّى) تأنيث الأَعَزِّ: صنَمٌ لقُريش، وقيل: العُزَّى: سَمُرةٌ كانت غطَفان يعبُدونها، وبنَوا عليها بيتًا، وأقاموا لها سَدَنةً، فبعث إليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خالدَ بن الوليد، فهدَم البيت وأحرَق السَّمُرة، وهو يقول: يا عُزَّ كُفرانَك لا سُبْحانَكِ ... إِنِّي رأَيتُ اللهَ قدْ أهانَكِ (مُثْلة) بضم الميم، فُعلةٌ من: مثَّل، إذا قطَع وجدعَ، كما صنَعوا بحمزة - رضي الله عنه -.

وسبق في (الجهاد)، في (باب: ما يُكره). * * * 4044 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اصطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ. الثالث: (اصطبح)؛ أي: شَرِب الخمْر صَبُوحًا. * * * 4045 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وإِنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ -وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي- ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ -أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا- وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ. الرابع: (يبكي)؛ أي: شفَقًا على أن لا يَلْحَق بمن تقدَّمَه، وحُزنه على تأخُّره عنهم.

وسبق في (الجنائز)، في (باب: الكفن). * * * 4046 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ"، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. الخامس: (رجل) في كتب المَغازي أنه: عُمَير، بالتَّصغير، ابن الحُمَام، بضم المهملة، وتخفيف الميم، الأنْصاري، لكنهم قالوا: كان ذلك يوم بدرٍ. * * * 4047 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابٍ - رضي الله عنه - قَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نبتَغِي وَجْهَ اللهِ، فَوَجَبَ أَجْرُناَ عَلَى اللهِ، وَمِنَّا مَنْ مَضَى -أَوْ ذَهَبَ- لَمْ يَأَكلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً، كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإذْخِرَ -أَوْ قَالَ-: أَلْقُوا عَلَى رِجْلِهِ مِنَ الإذْخِرِ" - وَمِنَّا مَنْ قَدْ

أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرتُهُ فَهْوَ يَهْدُبُهَا. السادس: (خبّاب) بفتح المعجمة، وتشديد الموحَّدة الأُولى. (أينعت)؛ أي: نضَجتْ. (يهدبها) مِن هَدَبَ الثَّمرة، أي: اجتَناها، واختَرفَ منها. وسبق الحديث في (الجنائز). * * * 4048 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللهُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أُجِدُّ، فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فتُقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ؟ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، فَمَضَى فَقُتِلَ، فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ -أَوْ بِبَنَانِهِ- وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ. السابع: (أول قتال)؛ أي: من القِتالات العَظيمة، وإلا فليستْ بدرٌ أوَّل الغزَوات.

(أُجدّ) قال السَّفَاقُسي: رُوي بضم الهمزة، وتشديد الدال، وصوابه: بفتح الهمزة، وكسر الجيم، وتشديد الدال، يُقال: جَدَّ جِدًّا: إذا اجتَهد في الأمْر وبالَغَ. وروي بفتح الهمزة، وتخفيف الدال، أي: ما أَفعل، وأما بضم الهمزة فمعناه أنَّه صارَ في أرضٍ مستويةٍ، ولا معنى له هنا. (فهزم) مبنيٌّ للمفعول. (أي: سعد)؛ أي: يا سعدُ. (دون أحد)؛ أي: عند أُحُدٍ، ومِن قِبَله. (بشَامَةٍ) بتخفيف الميم، أي: خالٍ. (ببنانه) هو رأْس الأصبع. سبق الحديث في (الجهاد)، في (باب: قول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب: 23]). * * * 4049 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَني خَارِجَةُ بْنُ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ سَمِعَ زيدَ بنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ كنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْناَهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} فَالحَقْنَاهَا فِي سُورَتهَا فِي الْمُصْحَفِ.

الثامن: (مع خزيمة)؛ أي: من المَكتُوب عنده، وإلا فالقرآن مُتواترٌ لا يثبُت بالواحد ولا بالاثنين، فكانت متواترةً، وإنما فقَدُوا مَكتوبيَّتها عند غيره. وفيه أنَّ الآيات كان لها في حياةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مقاماتٌ مخصوصةٌ من السُّوَر. ووجه تعلُّقه بهذا الموضع نُزول الآية في عَمِّ أنسٍ ونظائرِه من شُهداء أُحُد، وسبق ذلك هناك أيضًا. * * * 4050 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِرْقتيْنِ، فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةً تَقُولُ: لاَ نُقَاتِلُهُمْ. فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}، وَقَالَ: "إِنَّهَا طَيْبَةُ تنفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ". التاسع: (أنها)؛ أي: المدينة. (تنفي)؛ أي: تُطَهِّر وتُميِّز.

18 - باب {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون}

(الذنوب)؛ أي: أصحاب الذُّنوب. وسبق في (فضائل المدينة). * * * 18 - باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (باب: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122]) 4051 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، وَاللهُ يَقُولُ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}. الحديث الأول: (سلمة) بكسر اللام. (حارثة) بمهملةٍ، ومثلَّثةٍ: قَبيلتان من الأنْصار. * * * 4052 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ؟ "، قُلْتُ: نعمْ،

قَالَ: "مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ ". قُلْتُ: لاَ بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: "فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، وَلَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: "أَصَبْتَ". الثاني: (فهل لا): تحضيضٌ. (جاريةً) نُصب بفعل مقدَّرٍ، أي: تَزوجتَ. (تُلاعبك) من اللَّعِب، أو اللُّعاب، والأول أَبيَن، بدليل رواية: (تُداعِبُك) بالدال. (خرقاء)؛ أي: غير كَيِّسةٍ، ولا تَجْرِبةَ لها. * * * 4053 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، فَلَمَّا حَضَرَ جِذَاذُ النَّخْلِ قَالَ: أتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي قَدِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ دَينًا كثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى ناَحِيَةٍ"، فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى

مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ لَكَ أَصْحَابَكَ"، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّيَ اللهُ أَمَانَة وَالِدِي، وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلَّمَ اللهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا، وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّهَا لَمْ تنقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً. الثالث: (ست بنات) لا يُنافي الرواية السابقة: (سبْع)؛ لأنَّ العدَد لا يُعْمَل بمفهومه. (جذاذ) وكذا جَداد، بفتح جيمهما وكسرها. (كل تمر)؛ أي: كلُّ نوعٍ منه. (أغروا)؛ أي: هُيِّجوا، كأنَّهم أُمروا بذلك، أو حُرِّشوا. (أطاف)؛ أي: ألمَّ به، وقاربَه. (بَيْدَرًا) هو الموضع الذي يُداس فيه الطَّعام، أو يُجمع. وسبق الحديث مراتٍ، والجواب عن اختلافٍ وقع فيه في (الصلح)، و (القرض) وغيرهما. وفيه معجزةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 4054 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ،

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ. الرابع: (كأشد) الكاف فيه زائدةٌ، والرجلان: ملَكان. * * * 4055 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ هَاشِمٍ السَّعْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: نَثَلَ لِي النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: "ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". الخامس: (نثل) بنونٍ، ومثلَّثةٍ، أي: استَخرج. (فداك) المراد لازِمُ التَّفدية، وهو الرضَا، أي: اِرْمِ مَرضِيًّا. سبق في (المناقب) مِرارًا. * * * 4056 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: جَمَعَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ.

4057 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه -: لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ أَبَويهِ كلَيْهِمَا. يُرِيدُ حِينَ قَالَ: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي"، وَهُوَ يُقَاتِلُ. 4058 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ أَبَويهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ. 4059 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ أَبَويهِ لأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: "يَا سَعْدُ ارْمِ، فِدَاكَ أَبَي وَأُمِّي". السادس، والسابع، والثامن، والتاسع: عُلِمَ معنى التفدية فيها مما سبق. * * * 4060 - و 4061 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعْتَمِرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: زَعَمَ أَبُو عُثْمَانَ أنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِي يُقَاتِلُ فِيهِنَّ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثهِمَا. العاشر: (زعم أبو عُثمان)؛ أي: قالَ.

ومرَّ الحديث في (المناقب). * * * 4062 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: صَحِبْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَطَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ اللهِ وَالْمِقْدَادَ وَسَعْدًا - رضي الله عنهم - فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُم يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِلَّا أنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ الحادي عشر: ظاهر المعنى، وكذلك الثاني عشر. * * * 4063 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ، وَقَى بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ. * * * 4064 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا

رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبةٍ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ: انْثُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: ويُشْرِفُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيقولُ أَبُو طَلْحَةَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تنقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أفوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فتمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجيئَانِ فتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا. الثالث عشر: (مجوّب)؛ أي: مُتَرِّسٌ، من الجَوبَة: وهي التُّرس. (بحجفة) بمهملةٍ، فجيمٍ، وفاءٍ: تُرسٌ من جِلْد، ويُسمَّى الدَّرَقة. (خَدَم) بمهملةٍ بعد المعجمة مفتوحتين: هو الخِلْخال. (تنقُزان) بنونٍ، وقافٍ، وزايٍ. وسبق شرحه مبسوطًا في (الجهاد)، في (باب: غزو النساء). * * * 4065 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أسُامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِ: أَيْ عِبَادَ اللهِ!

19 - باب قول الله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم}

أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أَبِي أَبِي. قَالَ: قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ. بَصُرْتُ: عَلِمْتُ، مِنَ الْبَصِيرَةِ فِي الأَمْرِ، وَأَبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ، وَيُقَالُ: بَصُرْتُ وَأَبْصَرْتُ وَاحِدٌ. الرابع عشر: (أخُراكم)؛ أي: قاتلوهم. (احتجزوا)؛ أي: امتنَعوا من قتْله. مرَّ في (باب: صفة إبليس). * * * 19 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (باب: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [آل عمران: 155]) 4066 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ الْقُعُودُ؟ قَالُوا: هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ، قَالَ: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالُوا: ابْنُ

عُمَرَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ أَتُحَدِّثُنِي؟ قَالَ: أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَبَّرَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ لأُخْبِرَكَ وَلأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ". وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ عُثْمَانَ، وَكَانَ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ"، فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: "هَذِهِ لِعُثْمَانَ"، اذْهَبْ بِهَذَا الآنَ مَعَكَ. (القعود) جمع: قاعد. (أنْشُدك) بضم الشين، أي: أطلُب منك. (تغيب عن بدر) قال الدَّاوُدي: هذا خطأٌ في اللَّفْظ، إنما يُقال: تغيَّب، لمن تعمَّد التخلُّف، أما مَن تخلَّف لعُذْرٍ فلا. (فكبر)؛ أي: قال: الله أكبر. (عفا عنه)؛ أي: حيث قال تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} [آل عمران: 152].

20 - باب {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون}

(بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: رُقَيَّة. وسبق الحديث في (مناقِب عُثمان - رضي الله عنه -). * * * 20 - بابٌ {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} تُصْعِدُونَ: تَذْهَبُونَ، أَصْعَدَ وَصَعِدَ فَوْقَ الْبَيْتِ. (باب: {إِذْ تُصْعِدُونَ} [آل عمران: 153]) 4067 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. (على الرجالة)؛ أي: جمع: راجِل، خِلاف الفارِس. (وأقبلوا منهزمين)؛ أي: إلى المَدينة، وإلا فكان الأَصل: أَدبَروا. * * *

21 - باب {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور}

21 - بابٌ {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (باب: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154]) 4068 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ، حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا، يَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ. قوله: (وقال) إنما لم يقُل: حدَّثني؛ لأنه على وجه المُذاكرة. * * * 21 / -م - بابٌ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} قَالَ حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: شُجَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ،

فَقَالَ: "كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نبَيَّهُمْ؟! "، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}. (باب: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]) قوله: (قال حُميد) وصلَه التِّرمذي، والنَّسائي. (وثابت) وصلَه مسلم. * * * 4069 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا"، بَعْدَ مَا يَقُولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ"، فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. 4070 - وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. (يدعو على صَفْوان)؛ أي: ثم أسلَمَ بعد ذلك يوم الفتْح إسلامًا حسَنًا.

22 - باب ذكر أم سليط

(وسُهيل بن عمرو)؛ أي: والِد أبي جَنْدَل، خطيب قُريشٍ، وعلى يده تمَّ صُلْح الحُديبِيَة، وأسلَم بعد ذلك، وحسُن إسلامه غاية الحُسن، وفي بعضها: (سُهيل بن أبي عمرو)، بزيادة: (أبي)، وهو سهوٌ. (والحارث بن هشام) هو أخو أبي جَهْل، أسلَم يوم الفتح، وصار من المُحسِنين في الإسلام. * * * 22 - بابُ ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ (باب ذِكْر أُمِّ سَلِيط) بفتح المهملة، وكسر اللام، ومهملةٍ، مات زوجها أَبو سَلِيط عنها فتزوَّجها مالك بن سِنان، فولدتْ له أبا سَعيدٍ الخُدْري. 4071 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَعْطِ هَذَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي عِنْدَكَ. يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ. فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ بِهِ. وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ.

23 - باب قتل حمزة - رضي الله عنه -

(مروطًا) أَكسِيَةً من صوفٍ، وخَزٍّ يُؤتَزَر بها. (كُلْثُوم) بضم الكاف. (أحق به) إنما قال ذلك؛ لأنه كان من عادته يُعطي الأجانب، ويحرم مَن عنْده، كما كان يفعل بابنه عبد الله، وابنتِه حَفْصة، ولهذا قيل: أتْعَبَ مَن بعدَه. (تَزْفر) بزاي، وفاءٍ، وراءٍ، قال البخاري: تَخيط، والمعروف في اللغة، بمعنى: تحمِل، يقال: زَفَر، وأَزفَر. وسبق في (الجهاد)، في (باب: غزو النِّساء). * * * 23 - باب قَتْلِ حَمْزَةَ - رضي الله عنه - (باب قَتْل حَمْزة - رضي الله عنه -) 4072 - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ

قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيتٌ. قَالَ: فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ، فَسَلَّمْنَا، فَرَدَّ السَّلاَمَ، قَالَ: وَعُبَيْدُ اللهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ، مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لاَ وَاللهِ، إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلاَمًا بِمَكَّةَ، فَكُنْتُ أَسْتَرْضعُ لَهُ، فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلاَمَ مَعَ أُمِّهِ، فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ. قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُخْبِرُناَ بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ -وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ- خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، أَتُحَادُّ اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ، قَالَ: وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، فَلَمَّا دَناَ مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكيْهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ، حَتَّى فَشَا فِيهَا الإِسْلاَمُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولًا، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ لاَ يَهِيجُ الرُّسُلَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا

رَآنِي قَالَ: "آنْتَ وَحْشِيٌّ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ "، قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي"، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ: لأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ، قَالَ: فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ: فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ. (وَحْشِيّ) بفتح الواو، وسكون المهملة، وكسر المعجمة، وشدة الياء، ابن حَرْب، ضد الصُّلْح، كان من سودان مكة. (حمص) بلدٌ بالشَّام، يُذكَّر ويُؤنَّث. قال (ن): غير منصرفٍ؛ للعُجمة، والعلَمية، والتأنيث، وقال (ش): فيه الصَّرْف وعدَمه، وفي "العرائس" للثَّعلبي: نزل حمص سبْعُ مائةِ صحابيٍّ. (حَمِيت) بفتح المهملة، وكسر الميم: هو الزِّقُّ الذي لا شَعْر عليه، ويشبَّه به الرجل السَّمين الجسمِ. (معتجرًا) الاعتِجَار: لَفُّ العِمامة على الرأْس، والمراد لفُّها من

غير أنْ يُديرها تحت لحيته. (أُم قِتال) بكسر القاف، وخفَّة المثنَّاة، وبلامٍ. قال (ك): وفي بعضها بضم القاف. (بنت أبي العِيْص) بكسر المهملة، وسكون الياء: ابن أُمَيَّة بن عبد شمس. قال (ش): إنما هي ابنة أَسِيْد بن أبي العِيْص، أُخت عَتَّاب؛ قاله مصعب بن عبد الله. (طُعيمة) مصغَّر: طُعمة. (بن عَدْي بن الخيار) فعلى هذا يكون قوله: (بعمي) فيه تجوُّزٌ، لكن المشهور أنَّ طُعيمة هو ابن عَدي بن نَوفَل بن عبد مَناف، فهو عَمُّ جُبير بن مُطعِم بن عَدي بن نَوفل، وأما عَدي بن الخِيَار فهو ابن أخي طُعيمة، لأنه عَدي بن الخِيار بن عَدي بن نَوفل بن عبد مَناف. (عام عينين) بصورةِ مُثنَّى عَيْن: هو عام أُحُدٍ. قال (ك): وبلفْظ الجمع، وعلى التَّقديرين النون متعقَّب الإعراب، منصرفًا، وغير منصرفٍ. (بحِيال) بكسر الحاء المهملة، وتخفيف الياء، أي: مُحاذِي. (يا سِبَاع) بكسر المهملة، وخفة الموحَّدة، وبمهملة: هو ابن عبد العُزَّى الخُزاعي. (أنْمار) بفتح الهمزة، وسكون النون.

(البظور) جمع: بظَر، بموحدةٍ، ومعجمةٍ، وهو ما تقطعه الخاتِنَة من فُروج النِّساء، وذلك لأنَّ أُمه كانتْ خاتنةً تختِنُ النِّساءَ، وتُسمَّى الخافِضة، فعيَّره بذلك. وبعضهم يقول: مقطَّعة البُظور، بفتح الظاء، وهو خطأٌ. (أتحاد) أي: تعانِد، وتُعادي، وأصل المُحادَّة أن تكون في حَدٍّ، وذاك في حَدٍّ. (الذاهب) صفةٌ لازمةٌ لـ (أمسِ) مؤكِّدةٌ، والمراد أنه قتَلَه في الحال، ولم يَبقَ له أثرٌ. (وكمنته) بفتح الميم، أي: اختَبأْتُ. (في ثُنّته) بضم المثلثة، وشدَّة النون: ما بين السُّرة والعانَة. (العهد) منصوبٌ، أي: كان ذلك آخِرَ الأَمْر. (فأرسلوا) كان ذلك في عام ثمانٍ مع رسُل أهل الطَّائف، أي: جاءَ وَحْشِيٌّ رسولًا من جملة الرسُل. (لا يهيج الرسل) بفتح أوله، أي: لا يَنالهم منه مكروهٌ. (أن تغيب وجهك) فيه ما كان عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الرِّفْق، وأنَّ المرء يَكره أن يَرى قاتِلَ وَليِّه. (مُسيلمة) تصغير مُسلِمة، بن حَبِيب، وقيل: ابن ثُمَامة، بمثلَّثة، الحنَفِي الكَذَّاب، ادَّعَى النبوَّةَ، وكان صاحب نيرنجيات، وهو أول مَن وضَع البيضة في القارُورة، وجمع جموعًا كثيرةً من بني حَنِيفة

24 - باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجراح يوم أحد

وغيرهم لقِتال الصحابة على إثْر وفاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فجهَّز إليه أَبو بكر جيشًا، وأمَّر عليه خالد ابن الوليد، فقتلوه. (فأكافئ) هو تأكيدٌ، واشتفاف، وإلا فالإسلام يجُبُّ ما قبلَه. (أوْرَق)؛ أي: أسمر لونه كالرَّماد. (ثائر الرأس)؛ أي: قائمُ شعرِ الرأْس. (هامته)؛ أي: رأْسه، وكان وَحْشِيٌّ يقول: قتَلْتُ في كُفْري خيرَ النَّاس، وفي إسلامي شَرَّ الناس. (وا أمير المؤمنين) بنصب (أمير) على النُّدبة. (العبد الأسود)؛ أي: وَحْشِيٌّ. * * * 24 - باب مَا أَصَابَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ (باب ما أَصابَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - من الجراح يوم أُحُد) 4073 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ -يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ- اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَبِيلِ اللهِ".

الحديث الأول: (رَباعِيَتهُ) بفتح الراء، وتخفيف الياء، بوزن ثمانيةٍ: هي السِّنُّ التي تَلي الثَّنِيَّة من كلِّ جانبٍ، فللإنسان أربَعُ رَباعيَات، والذي كَسَر رَبَاعِيتَه هو عُتبة بن أبي وقَّاص، اليُمنى السُّفلَى، وجرَح شَفَته السُّفْلى، وابن قَمِئَة هو الذي جرَح وجهَه - صلى الله عليه وسلم -، فدخلتْ حلْقتانِ من حِلَق المِغْفَر في وَجْنَته، وشجَّه يومئذٍ أيضًا عبدُ الله بن شِهاب الزُّهْري، وكان هؤلاء ومعهم أُبيُّ بن خَلَف تعاهَدوا يوم أُحُد لنَقْتُلَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لنُقْتَلَنَّ دونه. * * * 4074 - حَدَّثَنِي مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَبِيلِ اللهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نبَيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (دمَّوا) مشدَّد الميم، أصله: دَمَيُوا، ولا يخفف لأنه غير متعدٍّ، يقال: دمِي وجهُه -بكسر الميم-. (من قتله النبي صلى الله عليه وسلم)؛ أي: بيده كما قتلَ أُبيَّ بنَ خلفٍ الجُمَحي. (في سبيل الله)؛ يَحترز من قتله في حدٍّ أو قِصاص؛ لأنَّ من يقتله في سبيل الله كان قاصدًا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. * * *

4075 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهْوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ، قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَغْسِلُهُ وَعَلِيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ، وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ. 4076 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ قتَلَهُ نَبِيٌّ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث، والرابع: (بالمِجَنِّ)؛ أي: التُّرس؛ لأنه جُنَّةٌ يُتقى به. (استمسك) فعلٌ لازمٌ. في الحديث وُقوع الابتلاء والأَسقام بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ ليَنالوا جَزيل الأجْر، ولِتَعرف أُمتُهم ذلك فيَتأسَّوا بهم،

25 - باب {الذين استجابوا لله والرسول}

وليَعلموا أنهم من البشَر تُصيبُهم مِحَن الدُّنيا، ويتيقَّنوا أنهم مخلوقون، فلا يفتَتِنوا بما ظهَر على أيديهم من المُعجزات، وفيه استِحباب لُبْس البَيضة وغيرها من أسباب التحصُّن في الحرْب، وفيه إثْبات المُداواة، وأنَّه لا يَقدح في التوكُّل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك مع قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58]. * * * 25 - بابٌ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (باب: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [آل عمران: 172]) 4077 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي! كَانَ أَبُوكَ مِنْهُمُ: الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا قَالَ: "مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ؟ ". فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. (يا ابن أُختي) لابن عُروة بن أسماء، أُخت عائشة، والزُّبَير كان أباه.

26 - باب من قتل من المسلمين يوم أحد

(وأبو بكر) عطفٌ على (أبوك)، وفي بعضها: (أبَواك)، فأبو بكر عطف على الزُّبَير،، وأطلق الأب على أبي بكر وهو جَدُّه مجازًا. (فانتَدب) يقال: ندَبه لكذا، أي: طلبَه، فانتَدَب، أي: فأَجابَ. * * * 26 - بابٌ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْيَمَانُ، وَأَنسُ بْنُ النَّضْرِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ. (باب مَن قُتل من المُسلِمين يومَ أُحُدٍ) قوله: (واليَمان) بفتح الياء، وتخفيف الميم، وكسر النون: لقَبُ حِسْل، بكسر المهملة الأولى، وسُكون الثانية، والد حُذَيفة، وإنما قيل له: اليَمَان؛ لأنَّ الأنْصار من الأَزْد، والأَزْد من اليمَن ابن الحارِث. وكلام البخاري يُوهِم أنَّه قتيل الكفَّار، وإنما قتلَه المسلمون خطأً، فتصدَّق ابنُه بدِيَتِه على المسلمين. (والنَّضْر بن أنس) كذا عند أبي ذَرٍّ، والصواب: أنس بن النَّضْر عَمُّ أنس بن مالك بن النَّضْر، وكذا ذكره الحفَّاظ: أَبو نُعيم، وابن عبد البَر، والصريْفِيني، وغيرهم.

(ومُصْعب) بضم الميم، وسُكون المهملة الأُولى. * * * 4078 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَكثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ، قَالَ: وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. الحديث الأول: (أغر) بمعجمةٍ، وراءٍ، ويُروى بمهملةٍ، وزاي، من العِزَّة، وهو صفةٌ لما قبْله، أو بدلٌ، أو عطْفٌ على تقدير حرفٍ للعطف، وأنَّه يجوز كما في: "التحياتُ المباركات". (مُعونة) بضم الميم، وبالنون، والمقتولون يومئذٍ هم المؤمنون. (اليمامة) بلَدٌ من اليمَن على مَرحلتين من الطَّائف. * * * 4079 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ

أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ ". فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ، قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: "أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا. 4080 - وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَوْنِي وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَبْكِيهِ -أَوْ مَا تَبْكِيهِ- مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ". الثاني: (أخذًا للقرآن)؛ أي: أيُّهم أعلَم. سبق في (الجنائز)، في (باب: ما يُكره من النِّياحة) إلا أنَّ هناك أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة عمَّة جابر: "تَبكيهِ أو لا تَبْكِيهِ!، ما زالَتِ الملائكةُ تُظِلُّه بأَجنِحتِها"، فلا مُنافاةَ، فيكون قالَه للاثنين، وهناك قال: "حتى رفَعتُموه". * * * 4081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - أُرَى-

عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ اللهُ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ". الثالث: (أُرى) بضمِّ الهمزة، أي: أظُنُّ. (والله خير) قال (ع): ضبَطناه بالرفع مبتدأً وخبرًا، أي: ثَواب الله خيرٌ، أو صُنْع الله خيرٌ لهم من ثَوابهم في الدُّنيا. قال (ن): جاء في روايةٍ: (رأيتُ بقَرًا تُنحَر)، وبهذه الزِّيادة يتمُّ تأْويل الرؤيا؛ إذ نَحر البقَر هو قَتْل الصَّحابة بأُحُد. سبَق مراتٍ آخرَ (باب: علامات النبوة). * * * 4082 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابٍ - رضي الله عنه - قَالَ: هَاجَرْناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، فَوَجَبَ أَجْرُناَ عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَيْهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ" -أَوْ قَالَ: "أَلْقُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ"- وَمِنَّا مَنْ

27 - باب أحد يحبنا

أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا. الرابع: (يَهدُبها) بضم الدال المهملة وكسرها، أي: يجتَنيها مِرارًا. * * * 27 - بابٌ أُحُدٌ يُحِبُّنَا قَالَهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب أُحُد جبَلٌ يُحبُّنا ونُحبُّه، قالَه عبَّاس بن سَهْل) موصولٌ في أواخر (الحج). * * * 4083 - حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". الحديث الأول: (يحبنا)؛ أي: أهلُه، ويحتمل الحقيقةَ بأنْ يخلق الله فيه ذلك، والله على كل شيءٍ قديرٌ. * * *

4084 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا". الثاني: هو كالذي قبلَه. (لابتيها) بتخفيف الموحَّدة، أي: الحَرَّتين. * * * 4085 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ -أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ- وَإنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا". الثالث: سبق في (غزوة أُحد). * * *

28 - باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه

28 - بابُ غَزْوَةِ الرَّجِيعِ وَرِعْلِ وَذَكْوَانَ وَبِئْرِ مَعُونَةَ وَحَدِيثِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ. (باب غزوة الرَجِيع) بفتح الراء، وكسر الجيم: ماءٌ لهُذَيل، وكانوا عشرة رَهْطٍ، أميرهم مَرْثد الغَنَوي. (ورِعْل) بكسر الراء، وسكون المهملة، وبلام. (وذَكْوان) بفتح المعجمة، وسكون الكاف، وبواوٍ، ونونٍ: قَبيلتان من بني سُلَيم، بضم المهملة، وفتح اللام. (بئر مَعُونة) بفتح الميم، وضم المهملة، وبنونٍ. (وحديث عَضَل) بفتح المهملة، والمعجمة بعدها. (وقارة) بقافٍ، وتخفيف الراء. (عاصم بن ثابت، وخُبَيب) بضم المعجمة، وفتح الموحَّدة الأُولى. قال الدِّمْيَاطِي: الوجه تقديم عَضَل وما بعدها على الرَّجيع، وتأخير رِعْل وذَكْوان مع بئر مَعُونة.

قال (ك): هذا المذكور كلُّه غزوتان: الرَّجِيع قاتَل فيها هُذَيْلٌ عاصمًا، وخُبَيبًا وأصحابهما، وغزوة بئر مَعُونة قاتَل فيها رِعْل [و] ذَكْوان القوم المشهورين بالقُرَّاء. (ابن إسحاق)؛ أي: محمد صاحب "المَغازي". * * * 4086 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ -وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لَحِيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نبَيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ، وَزيدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا. فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي

مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزيدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ، فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ أَسْتَحِدَّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي، وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأَكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ: ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَت قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ

رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ. الأول: (وهو جد عاصم) قال المُنذِري: كذا غَلِط عبد الرزَّاق، وابن عبد البَرِّ في كَونه جدَّه، وإنما هو خاله؛ لأنَّ أم عاصم بن عُمر جميلةُ بنت ثابت، وعاصِم هو أخو زيد، كذا ذكَره إماما النَّسَبِ: الزُّبير بن بكَّار، وعمُّه مُصْعَب. قال (ك): وهو قول الأكثَرين. (عُسْفان) بضم المهملة الأُولى، وسُكون الثانية، وبالفاء. (ذكروا) مبنيٌّ للمفعول. (هُذَيْل) بضم الهاء، وفتح المعجمة، وسُكون الياء. (لِحْيان) بكسر اللام، وسُكون المهملة (¬1)، وبياءٍ، وآخره نونٌ. وإنما ذكر في الترجمة: (عَضَل)، وإنْ لم يكن مذكورًا في الحديث؛ لأنَّ عَضَلًا أصلُ قصة الرَّجيع، وذلك أن رَهْطًا من عَضَل، والقَارَة قدِموا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: ابعَثْ معَنا نَفَرًا يُعلِّموننا شرائع الإسلام، فبعث معهم بعضًا من الصَّحابة عاصمًا وغيره، فلمَّا كانوا على الرَّجِيع -ماءٍ لهُذَيْل- غدَروا بهم، واستَصرخوا عليهم، فقتلُوهم. ¬

_ (¬1) في الأصل: "المعجمة"، والمثبت من (ف) و (ت).

(فَدْفَد) بفتح الفاءين، وسكون المهملة الأُولى: الرَّابِية المُشْرِفة، وفي "الصِّحاح": الأرض المُستوية؛ وكذا قاله ابن فارس، وظاهر الحديث التفسير الأول. (وزيد) هو ابن الدَّثِنَّة، بفتح المهملة، وكسر المثلثة، والنون. (ورجل آخر) هو عبد الله بن طارِق الظَّفَري، وهو الرَّجُل الثالث. (أحصهم عددًا) دَعا عليهم بالهلاك استِئْصالًا بحيث لا يبقَى أحدٌ من عدَدهم. (شِلْوٍ) بكسر المعجمة: العُضْو. (مُمَزع): مقطَّع. (يعرفونه)؛ أي: ليتحقَّق عندهم أنه هو المقتُول. وقد كانت سُلافَة -بالفاء- بنت سَعْد نذَرت حين أصاب ابنَها لئِنْ قدَرتْ على عاصِم لتشربَنَّ في قَحْفه الخمْر، فأرادوا رأْسَه لذلك. (الظُّلَّة)؛ أي: مثل السَّحابة المُظِلَّة. (من الدَّبْر) بفتح المهملة، وسُكون الموحَّدة: ذُكور النَّحل، لا واحِدَ له من لفْظه، وجمعه دُبُور. وسبق في (الجهاد)، في (باب: هل يستأثر الرجل؟)، وقريبًا في (غزوة بدر). * * *

4087 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ. الثاني: (أَبو سِرْوعة) بكسر المهملة أو فتحها، وسكون الراء، وبمهملةٍ، كتبه عُقْبة بن الحارث، وقال الحُميدي: إنه رآه بخطِّ الدَّارَقُطْني: بفتح السِّين، وضم الراء. * * * 4088 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعِينَ رَجُلًا لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: رِعْلٌ وَذَكوَانُ، عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَعُونَةَ، فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا، إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَتَلُوهُمْ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ، وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ، وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنِ الْقُنُوتِ: أَبَعْدَ الرُّكوعِ، أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ؟ قَالَ: لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ. الثالث: (سُليم) بضم المُهملة. (عند فراغه من القراءة) في الحديث الذي بعدَه أنَّ القُنوت بعد

الركوع، وهو: * * * 4089 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ. الرابع: فيُطلَب الترجيح، وقد سبَق في موضعه بيانُه. * * * 4090 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ ويُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ. قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْناَ فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ

شَهْرًا فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ. زَادَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ زُريْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ. قُرْآنًا: كِتَابًا، نَحْوَهُ. الخامس: (أن رِعْلًا) إلى آخره، قيل: إنه وهمٌ، والصَّواب أنَّ عامِر بن الطُّفيل استمدَّهم على أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقتَلوهم، ولم يكن بنو لِحْيان مع بني سُلَيم، فهو وهمٌ آخر، وإنما بنو لِحْيان من بني هُذَيل قتَلوا أصحاب الرَّجِيع، وأَخذوا خُبَيبًا، وباعوه بمكة. (وعُصية) مصغَّر العَصا، بمهملتين. وسبق شرح الحديث أول (الجهاد). (قرآنا كتابًا) غرَضه تفسير القُرآن بالكتاب، وفي بعضها: (قَرأْناَ) بالهمز، فعلًا ماضيًا على نحو ما تقدَّم في روايته. * * * 4091 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ خَالَهُ أَخٌ لأُمِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ،

أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ، فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلاَنٍ، فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلاَنٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ -وهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ- وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ، قَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ، فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ، وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ. فَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ، فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ -قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ- بِالرُّمْحِ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَلُحِقَ الرَّجُلُ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ: إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَاناَ. فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ، الَّذِينَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. السادس: (خاله) الضَّمير لأنس، أو للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رضاعًا، أو نسبًا بعيدًا، واسمه: حَرام. (الطُفيل) بضم المهملة. (خَيّرَ) بفتح المعجمة، والراء، والياء المشدَّدة، أي: خيَّر هو النبيَّ صلى الله عليه وسلم. (السهل)؛ أي: خَيَّر سُكان البوادي. (أهل المدر)؛ أي: أهلُ البلاد.

(غَطفان) بمعجمةٍ، ومهملةٍ، وفاءٍ: قبيلةٌ. (طُعِن)؛ أي: أخذَه الطَّاعون. (غدة) بالرفع على الابتداء، أو الفاعل، أي: أصابني غدةٌ. ويُروى بالنصب، وهو أعرَب وأعرَف، وحكَى سِيْبوَيْهِ في المنصوباب: أَغُدَّةً كغُدَّة البعير، أي: أَغدَّ غُدةً، طلَع له في أَصْل أُذُنه غُدَّةٌ عظيمةٌ كالغُدَّة التي تطلُع في البَكْر، وهو الفتيُّ من الإبل. (بيت امرأة)؛ أي: من بَنِي سَلول، وكان هذا من حماقة عامِر، فأماتَه الله بذلك لتصغُر إليه نفسُه. (وهو رجل أعرج) ووجْه الكلام هو رجلٌ أعرَجُ كما في بعض النُّسَخ؛ لأنَّ حَرامًا لم يكن أعرج، بل الأعرَج رفيقُه، فحَرام قُتل، والأعرج لم يُقتَل، فإما أنْ تكون كلمةُ: (هو) زائدةً، أو تقدُّم الواو على (هو) مِن سَهْو النَّاسِخ، أو أنَّ الضَّمير مُبْهَمٌ، فيجب أن يُفسَّر بمفردٍ كما في ضمير الشَّأْن يُفسَّر بجملةٍ. (فلحق رجل)؛ أي: الثَّاني مِن رَفيقَي حَرام بالمُسلمين، أو الرجل الطَّاعِن بقَومه المشركين، ثم بالاتفاق توجَّهوا إلى المسلمين، فقتَلوهم، وفي بعضها بالبناء للمَفعول، أي: صار الرجل الثاني مَلْحوقًا، فلم يَقدِر، فبلغ المسلمين قبل بُلوغ المشركين إليهم. وفي بعضها: (الرَّجِلَ) بكسر الجيم، ونصب اللام، جمع: راجِل، أي: لحِق الطاعنُ قومَه رِعْلًا، وذَكْوانًا، وعُصَيَّة، فجاؤوا

فقَتلوا كلَّ القُرَّاء، ويُقال: لحقَه، ولحقَ به. * * * 4092 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ -وَكَانَ خَالَهُ- يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. السابع: (قال بالدم)؛ أي: أخذه. * * * 4093 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ فِي الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى، فَقَالَ لَهُ: "أَقِمْ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنِّي لأَرْجُو ذَلِكَ" قَالَتْ: فَانْتُظَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَالَ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمَا ابْنتَايَ، فَقَالَ: "أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! الصُّحْبَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الصُّحْبَةُ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عِنْدِي ناَقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَأَعْطَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَاهُمَا وَهْيَ

الْجَدْعَاءُ، فَرَكِبَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ، وَهْوَ بِثَوْرٍ، فَتَوَارَيَا فِيهِ، فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيرَةَ غُلاَمًا لِعَبدِ اللهِ بْنِ الطُّفَيلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا، وَكَانَتْ لأَبِي بَكْرٍ مِنْحَةٌ، فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِمْ، وَيُصْبحُ فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ، فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. 4093 / -م - وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ. فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ: "إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا، وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ"، وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ ابْنِ الصَّلْتِ، فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ، وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ مُنْذِرًا. الثامن: (عامر بن فُهَيرة) تصغير: فُهْرة، بفاءٍ، وراءٍ: مملوكٌ لعبد الله بن الطُّفَيل بالتَّصغير ابن سَخْبَرة، بفتْح المهملة، وسكون المعجمة، وبموحَّدةٍ، وراءٍ، فأسلَم وكان رَفيقَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وثالثَهما في

الهجْرة إلى المدينة. نعَمْ، المشهور فيه أنَّه للطُّفَيل بن عبد الله بن الحارِث كما في "الاستيعاب"، وغيره، وهو الصَّواب، له حديثٌ في "سُنَن ابن ماجَه" في (النَّهي أنْ يُقال: ما شاءَ الله وشاءَ محمَّد - صلى الله عليه وسلم -). وكان عبد الله بن الحارِث قَدِم هو وزوجتُه أُم رُومان الكِنَانيَّة مكة، فحالَف أبا بكرٍ قبْل الإسلام، وتُوفي عن أُم رُومان، وقد ولَدت له الطُّفَيل، فخلَف عليها أَبو بكر، فولَدتْ له (¬1) عبد الرَّحمن، وعائشَة، فهما أَخَوا الطُّفَيل لأُمه، وكان عامِر بن فُهَيرة أَبو عمْرو مملُوكًا للطُّفَيل، فأسلَم وهو مملوكٌ، فاشتَراه أَبو بكرِ من الطُّفَيل وأعتَقَه، وكان مَولودًا من مُولَّدي الأَزْد، أسودَ. (مِنْحة) بكسر الميم، وسُكون النُّون: ناقةٌ تدرُّ من اللَّبَن. (فيدلج) الإِدْلاج: سَيْر أوَّل اللَّيل، وبالتَّشديد: سَيْر آخِر اللَّيل. (يعقبانه)؛ أي: يُردِفانِه بالنَّوبَة. (ثم وضع)؛ أي: على الأرض، ويُروى عنه أنه قال: رأَيتُ أوَّل طعنةٍ طعَنتُها عامرًا نُورًا خرَج منه. وقال عُروة: طُلب عامرٌ يومئذٍ في القَتْلى، فلم يُوجَد، قال: يُروى أنَّ الملائكة دفَنتْه، أو رفعتْه، وذلك تعظيمٌ له، وبيانٌ لقَدْره، أو تخويفُ الكفَّار وترهيبُهم. ¬

_ (¬1) "له" ليس في الأصل.

فإنْ قيل: هذا يُشعِر بأنَّ موتَ عامِر بن الطُّفَيل كان بعد بئْر مَعُونة، وتقدَّم أنه مات على ظَهر فرَسه، فانطلَق حَرامٌ بعد ذلك إليهم. قيل: فـ (انطلَق) عطفٌ على (بعَثَ) لا على (ماتَ)، وقصَّة عامِر وقَعتْ في المتْن على سبيل الاستِطراد. (عروة بن أسماء) بوزْن: حَمْراء. (ابن الصَلْت) بفتح المهملة، وسُكون اللام، وبمثنَّاةِ، السُّلَمي، فسُمي عُرْوة به، أي: سَمَّى الزُّبَير ابنَه عُروةَ بسبَب ذلك. (ومنذر بن عمرو سمى به منذرًا)؛ أي: وسمَّى الزُّبَير أيضًا ابنَه مُنذِرًا؛ لأجْل مُنذِر بن عمْرو المَعروف بالمُعْنِق ليَموت، والعَنَق، بفتْح المهملة، والنُّون: ضَرْبٌ من السَّيْر، وهو كان أمير تلْك السريَّة، وإنما سمَّى ابنَه ذلك تفاؤُلًا باسمي مَن رضي اللهُ عنهما. و (أسماء) مِنَ الأَعلام المُشتركة بين الذَّكَر والأُنثى، فهو أَبو عُروة السُّلَمي، وأُم عروة بن الزُّبَير. وكان القِياس أنْ يُقال: سُمِّيَ به مُنذِرٌ بالرفع؛ لأنَّه نائب الفاعل إلا على قَول الكوفيِّين: بجَواز نيابة الجار والمجرور مع وُجود المفعول، كقِراءة أبي جَعْفر: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14]. قال (ش): ثم رأيتُ في "الصحيحين": أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أُتيَ بمولودٍ لأبي أُسَيد، فقال له: ما اسمه؟، فقال: فُلانٌ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا، ولكن اسمُه: المُنْذِر".

قال (ن) في "شرح مسلم": قالوا: سبَب تسميته - صلى الله عليه وسلم - بالمُنذِر أنَّ عمَّ أبيه المُنْذِر بن عمرو كان قد استُشهد ببئْر مَعْونة، فتفاءَل لكونه خلَفًا منه، وهو أحَدُ نقيبَي بَني سَاعِدَة، والآخَر: سَعْد بن عُبَادة، وكان على المَيْسَرة يوم أُحُدٌ، وأمير القَوم يوم بئْر مَعْونة. * * * 4094 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَيَقُولُ: "عُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ". 4095 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا -يَعْنِي أَصْحَابَهُ- بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا، حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ أَنَسٌ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْناَهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ: بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ. 4096 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ، قُلْتُ: فَإِنَّ فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَهُ؟ قَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أنَّهُ كَانَ بَعَثَ ناَسًا يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَبَينَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ قِبَلَهُمْ، فَظَهَرَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ. التاسع، والعاشر، والحادي عشر: (حدثنا يحيى بن بُكير، حدثنا مالك) هو أحد الأحاديث الخمسة التي ليس في "الجامع" غيرُها عنه عن مالك. وسبَق الجمْع في القُنوت قبل الركوع وبعدَه في موضعه أولَ (الاستسقاء)، وغيره. (بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد قبلهم) بكسر القاف، وفتح الموحَّدة، وبفتح القاف، وسكون الموحَّدة، فإنْ قيل: كيف بعَث الجيشَ إلى المعاهَدين، وما معنى هذا التركيب؟، قيل: بينهم جملةٌ ظرفيةٌ حاليةٌ، والتقدير: بعَثَ إلى ناسٍ من المشركين، أي: غيرِ المُعاهَدين، والحالُ أنَّ بين ناسٍ منهم هم قُدَّام المبعوث عليهم أو مُقابلَهم، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ، يعني: رِعْلًا، وذَكْوان، وعصَيَّة، فغلَب المعاهَدون، وغَدَروا، وقتلوا القُرَّاء المبعوثين لإمدادهم على عَدوِّهم، فقنَتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا يَدعو عليهم. * * *

29 - باب غزوة الخندق وهي الأحزاب

29 - بابٌ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وَهْيَ الأَحْزَابُ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ. (باب غَزوة الخَنْدق وهي الأَحزاب) جمع: حِزْب، وهي الطَّائفة التي اجتَمعتْ طوائف العرَب ويَهود، واتفَقوا على قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (موسى بن عُقْبة)؛ أي: صاحب "المغازي"، مات سنة إحدى وأربعين ومائة. * * * 4097 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ، وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهْوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ. الحديث الأول: (عرضه) العَرْض: الإمرار والاختبار ليُعلم حال مَن يصلُح. (فلم يجزه) الإجازة: الإنْفاذ. ففيه أنَّ البلوغ [يكون بخمس عشرةَ سنةً] (¬1)، وفيه حُجَّةٌ لموسى ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

ابن عُقبة أنَّ الخندق في الرابعة؛ فإن أُحُدًا كانت في الثالثة، أما على قول ابن إسحاق، وابن سعد، وغيرهما: أنَّ الخندق في الخامِسة، فاعتذَروا عن هذا الحديث بحمْله على أنَّه كان في أُحُد ابن ثلاث عشرةَ سنةً وأشهُر، فعبَّر بأربعةَ عشَر، وأنَّه في الخندق كان ابن خمس عشرةَ سنةً وأشهُر، فألغَى الزائدَ، وعبر بالخمْس عشرةَ. * * * 4098 - حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ". الثاني: (أكتادنا) بمثنَّاةٍ: جمع كَتَد، وهو ما بين الكاهِل إلى الظَّهر، وفي بعضها بالموحَّدة، والمراد به: ما على الكبد من الجنْب. قيل: والصَّواب الأول. * * * 4099 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي

غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا الثالث: (بايعوا) هو باعتبار لفْظ: (الذين)، وأما باعتبار: (نحن)، فيقال: بايَعْنا، كما في نحو: أَنا الذي سَمَّتْني أُمِّي حَيْدَرَةْ وسبق الحديث في (باب: التحريض على القتال)، في (الجهاد). * * * 4100 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدَا قَالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُجِيبُهُمُ: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ، فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"، قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفَّي مِنَ الشَّعِيرِ فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهْيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ.

الرابع: (متونهم) جمع: مَتْن، وهو الظَّهر. (كف) في بعضها مُضافًا لياء المتكلِّم، وفي بعضها مع التَّثنية. (فيصنع)؛ أي: يُطبَخ. (بإهالة) بكسر الهمزة. (الودك)؛ أي: الشَّحم المُذاب. (سَنِخة) بفتح المهملة، وكسر النون، وبمعجمةٍ: فاسدةٍ متغيرةِ الرِّيح. (بشعة)؛ أي: كَريهة. (في الحلق)؛ أي: كَريهة الطَّعْم والرِّيح. (مُنْتِن) بضم الميم، وكسر المثنَّاة، وبكسر الميم أيضًا إتْباعًا لكسرة المثنَّاة، قالدالجَوْهَري، قيل: صوابه: مُنتنةٌ؛ لأن الريح مؤنثةٌ إلا أنَّ المؤنَّث غير الحقيقي يُعبر عنه بالمذكَّر. * * * 4101 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه - فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاؤُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: "أَنَا ناَزِلٌ"، ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا

أَهْيَلَ -أَوْ أَهْيَمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ، فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِي قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ، قَالَ: "كَمْ هُوَ؟ "، فَذَكَرْتُ لَهُ، قَالَ: "كَثِيرٌ طَيِّبٌ"، قَالَ: "قُلْ لَهَا لاَ تَنْزِعُ الْبُرْمَةَ وَلاَ الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ"، فَقَالَ: "قُومُوا"، فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: "ادْخُلُوا وَلاَ تَضَاغَطُوا"، فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، ويُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: "كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ". الخامس: (فعرضت كبدة) بموحدةٍ، ثم دالٍ. قال (ش): هذا لأبي ذَرٍّ، ويُروى: (كتَدةٌ) بالمثناة. وروى أَبو الهَيْثم: (كُدْيَةٌ) بضم الكاف، وبياءٍ، وكذا رواه ابن أبي شَيبة في "مسنده"، وهي الأرض الصُّلْبة التي لا يعمَل فيها مِعْوَلٌ،

وهذه الرواية هي الصَّواب. قال (خ): إنْ كانت: (كبدةٌ) محفوظةً فهي القِطْعة الصُّلبة من الأرض، وأرضٌ كَبْداء، وقوسٌ كَبْداء: شديدةٌ. (وبطنه معصوب بحجر) لعلَّه لتَنكسِر حَرارة الجُوع ببُرودة الحجَر، أو ليَعتدِل قائمًا، أو لأنها حِجَارةٌ رِقاقٌ تعضِدُ البطْن فتشدُّ العُروق والأمعاء، فلا يتحلَّل شيءٌ مما في البطْن، فلا يحصُل ضعفٌ زائدٌ بحسب التَّحلُّل. وفي "مسند أحمد" زيادةُ: "من الجُوع"، وأنكر ابن حِبَّان في "صحيحه" ذلك كلَّه، وقال: هذا باطلٌ كلُّه، وإنما هو: (بحِجزٍ) بالزاي، أي: بطرَف الإزار؛ إذ اللهُ تعالى كان يُطعِم رسولَه - صلى الله عليه وسلم - ويسقيه إذا واصَل، فكيف يتركُه جائعًا مع عدَم الوصال حتى يحتاج إلى شدِّ الحجَر على بطنه؟!. وقال غيره: بل كانت عادة العرَب إذا خلَت أجوافُهم وغارَتْ بُطونهم يشدُّون عليها حجَرًا، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليُعْلِم أصحابَه أنه ليس عنده ما يَستأثِر به عليهم، وإنْ كان هو محمولًا في ذلك، فقد قال: "إني لستُ كأَحَدِكُم؛ إِنِّي أبيتُ عند رَبِّي يُطعمُني ويَسقِيني"، فأخبر أنَّه محمولٌ فيما يَرِد عليه من الله عز وجل بما يُغْنيه عن الطَّعام والشَّراب. (كثيبًا) هو الكِدْس من الرَّمل. (أهْيل) بسكون الهاء: السَّائل عنه. (أهيم) بالميم: مثله، والهَيَام من الرَّمل: ما كان دفَّاقًا هابِطًا.

(انكسر) قال الخليل: كلُّ شيءٍ تغيَّر عن أمرٍ تعجَزُ عنه؛ فقد انكسَر، يقال: اكسِر مِن بَرْد الماء حتى يَنكسِر. (الأثافي) جمع أُثفيَّة، وهي أحجارٌ ثلاثةٌ تُوضع عليها القِدْر. (تَنْضَج) بفتح الضاد المعجمة، أي: تطيب. (طُعَيّم) بتشديد الياء: تصغير طَعام. قال السَّفَاقُسي: ضبطَه بعضُهم بتخفيفها، ولا وَجْهَ له. (تضاغطوا)؛ أي: لا تَزدَحموا، والضَّغْط: الزَّحمة. (ويُخَمر)؛ أي: يُغطَّى. (وأهدي)؛ أي: ابعثي بالهديَّة إلى الجيران. * * * 4102 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شَدِيدًا؟ فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ، فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَناَ، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ. فَصَاحَ

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتكُمْ، وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ"، فَجئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْدُمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ، فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجينًا، فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا، وَهُمْ ألفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كمَا هُوَ". السادس: (خَمْصًا) بفتح المعجمة، والميم: ضُمور البطْن من الجُوع. (فانكفيت)؛ أي: انقلبْتُ، وأصله الهمز، وقد يُسَهَّل. (بهيمة) تصغير بَهْمَة، وهي الصَّغيرة من أَولاد الغنَم. (داجن) هو من الغنَم: ما يُربَّى في البُيوت ولا يخرج إلى المرعَى، والدَّجْن: الإقامة بالمكان، ولا يدخلُه التاء؛ لأنه صار اسمًا للشَّاة، وخرج عن الوصفيَّة. (طَحنَت) بلفظ الغَيبة. (سورًا) السُّور بغير همزٍ بلسان الفُرس: طَعام العُرس. (فحيهلا) كلمةُ استدعاءٍ فيها حثٌّ واستعجالٌ. (يَقْدُم) بضم الدال.

(بك) متعلِّقٌ بمحذوفٍ على سبيل الدُّعاء عليه، نحو: فعَل الله بكَ كذا وكذا حيث أتيتَ بناسٍ كثيرٍ، والطَّعامُ قليلٌ، وذلك موجِبٌ للخَجْلة. (فبسق) بالسين، ويُقال بالصاد، وبالزاي. (واقدحي)؛ أي: اغرِفي، والمِغْرفة تُسمى المِقْدَحة. (وانحرفوا): مالُوا. (لتغط) تفُورُ من الامتلاء، فيُسمَع لها غَطِيْطٌ. هذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم. * * * 4103 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} قَالَتْ: كَانَ ذَاكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. 4104 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ -أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ- يَقُولُ: وَاللهِ لَوْلاَ اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: "أَبَيْنَا أَبَيْنَا". السابع، والثامن: (أغْمَر) بفتح الهمزة، وسكون المعجمة، وفتح الميم، وبالراء. (أو اغبرّ) بالمعجمة، والموحَّدة، وتشديد الراء: مِن الغُبار. قال (خ): هذا معروفٌ، وأما (أغمر)، فإنْ كان محفوظًا فمعناه: وارَى التُّرابُ جِلْدة بطْنه، ومنه غِمار الناس، وهو جُموعهم إذا تكاثَفوا والتزَم بعضُهم بعضًا، ورجلٌ غَمْر، وهو الذي يَلتبسُ عليه الأَمْر والرَّأْي. ويُروى: (أغفر) من الغَفَر -بالتحريك- وهو التراب. قال (ع): (حتى أغْفرَ بطنَه، أو أغْبرَ)، كذا لهم، وكذا ضبَطه بعضهم بفتْح بطنه، ولبعضهم: (اغمرَّ) بتشديد الراء، ورفع (بطنُه). وعند النَّسَفي: (حتى غَبَر بطنه، أو اغبَرَّ)، أي: عَلاه. ولا وجْهَ للميم إلا أن يكون بمعنى ستَر. وأما تشديد الراء ورفْع (بطنه) فبعيدٌ، وللفاء وجهٌ من الغَفَر، وهو التُّراب، والأوجه: اغْبَرَّ. (والله لولا الله) الأبيات موزونةٌ إلا أنَّ الأُولى: (قد بَغَوا علَينا)، ساقطٌ منه: (وقد)، وهوَ قوله: (هم)، إلا أنْ يتَّزِنَ بما أولًا. (ورفع)؛ أي: كان يرفَع صوتَه بالكلمة الأخيرة، ويكرِّرها، ويمدُّها. * * *

4105 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". التاسع: (بالصَّبا) بفتح المهملة، مقصورٌ: الرِّيحُ الشَّرقية، والدَّبور الغَربية، وقيل: الصَّبا التي تجيء من ظَهرك إذا استقبلتَ القِبلة، والدَّبور عكسها. وقال الجَوْهَري: الصَّبا ريحٌ مَهبُّها موضع مَطلِع الشَّمس إذا استوى الليل والنَّهار، والدَّبور ما يقابلُها. ولما حاصَر الأحزابُ المدينةَ هبَّت الصَّبا، وكانت شديدةً، فقلعتْ خِيامَهم، وقلبَتْ قُدورَهم فهربُوا، وذلك قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]. * * * 4106 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ، وَهْوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:

أللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا. العاشر: سبق في السادس ما يوضِّحه. * * * 4107 - حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَوَّلُ يَوْمٍ شَهِدْتُهُ يَوْمُ الْخَنْدَقِ. الحادي عشر: ظاهرٌ. * * * 4108 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنسوَاتُهَا تَنْطُفُ، قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ

لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، فَقَالَتِ: إلْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ، قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ. فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللهُ فِي الْجنَانِ. قَالَ حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. قَالَ مَحْمُودٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَنَوْسَاتُهَا. الثاني عشر: (ونسَوَاتها) بفتح النون، والمهملة، والواو، وبسُكون السِّين كما في " المُحْكم"، أي: ضَفائِرها، وهو شَعرها (¬1). وقال (خ): نسَواتها ليس بشيءٍ، إنما هو: نَوسَاتها، أي: ذَوائِبها تقطُر، وكلُّ شيءٍ جاء وذهَبَ، فقد نَاسَ. وقال الجَوْهَري: النَّوْس التَّذَبذُب، وذُو نُوَاسٍ مِن أمراء اليمَن، سمي بذلك لذُؤابتين كانتا تَنُوسان على ظَهْره. وقال (ع): نَسْواتها، كذا لهم، ولابن السَّكَن: (نَوْسَاتها) بتقديم ¬

_ (¬1) "وهو شعرها" ليس في الأصل.

الواو كما ذكَره البخاري عن عبد الرزَّاق، وهو أشبَهُ بالصِّحة. وقال أَبو الوليد الوَقْشِي: إنه أشبَهُ بالصِّحة مِن ناسَ يَنُوسُ: إذا تقلقل، وتحرَّك. وسمى الذَّوائبَ نَوساتٍ؛ لأنها تتحرَّك كثيرًا. (تَنْطُف) بضم الطاء وكسرها، أي: تَقطر. (من الأمر)؛ أي: من الإِمارة. (الحقْ)؛ أي: بالقَوم. (فرقة)؛ أي: افتِراقٌ بين الجماعة، ومخالفةٌ بينهم. (تفرق الناس)؛ أي: عن المبايعة، والاجتماع عليها. (قَرْنه) بفتح القاف، أي: رأْسَه، أي: يُرينا وجهَه، والقَرنان في الوجْه، أو فليُبْدِ لنا بِدْعتَه، وهذا تعريضٌ منه بابن عُمر، وعُمر - رضي الله عنهما -. (ابن مَسْلَمة) بفتح اللام: الفِهْري. (حبْوتي) بضم المهملة وكسرها، وبموحدةٍ: اسمٌ مِن احتَبى الرجلُ: إذا جمَع ظهرَه وساقَيه بعِمامته، أو نحوها. وكأنَّ ابن عُمر أرادَ التخلُّف عن البَيعة لمعاوية لمَا تقدَّم من الاختِلاف، فنبَّهتْه حفصةُ على أنَّ تخلُّفه يُوجب الاختلافَ، فخرَج وبايَعَ - رضي الله عنه -. (وأباك)؛ أي: أبا سُفيان، وذلك لأنَّ مُعاوية وأباه أسلَما يوم الفتْح، وكان عُمر وعبد الله قبل ذلك يُقاتلانهما على الإسلام.

(حفظتَ) مبنيٌّ للمفعول، والتاء للخِطاب. (قال محمود)؛ أي: ابن غَيْلان، وقد أخرج روايته محمَّد بن قُدامة في كتاب "أخبار الخوارج". * * * 4109 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ: "نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا". 4110 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابُ عَنْهُ: "الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ". الثالث عشر: ظاهر المعنى. * * * 4111 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: "مَلأَ اللهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ ناَرًا، كَمَا شَغَلُوناَ عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ".

4112 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ جَعَلَ يَسُبُّ كفَّارَ قُرَيْشٍ، وقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا"، فَنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بُطْحَانَ، فتوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ وَتَوَضَّأْناَ لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. الرابع عشر، والخامس عشر: (بُطْحان) بضم الموحَّدة، وسكون المهملة، ثم مهملة، غير منصرفٍ. سبق الحديث آخرَ (مواقيت الصلاة). * * * 4113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ: "مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ "، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٍّ، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ".

السادس عشر: (حواريًّا) بتشديد الياء، مصروفٌ، قاله الزجَّاج، أي: ناصِر. (وحواريَّ) بالإضافة إلى ياءِ المتكلِّم، وبحذْفها والاكتِفاء بالكسرة، وبفتْحها. مرَّ في (الجهاد)، في (باب: هل يبعث الطَّليعةَ؟). * * * 4114 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلاَ شَيءَ بَعْدَهُ". السابع عشر: (أعز جنده) إلى آخره، عُلم منه أنَّ السَّجع المذموم هو الذي بالتكلُّف، والتزامِ ما لا يَلزم، لا الذي بالسَّجيَّة، أو الذي فيه إبطالُ حقٍّ، كما في: "أَسَجْعٌ كسَجْع الكُهَّان". (فلا شيء بعده)؛ أي: جميع الأشياء بالنِّسبة إلى وُجوده تعالى كلا شَيءَ، أو معناه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88]. * * *

4115 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا الفَزَارِيُّ وَعَبْدَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الأَحْزَابِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". الثامن عشر: (سريع الحساب)؛ أي: في الحساب، أو سَريعٌ حسابُه، قريبٌ زمانُه. * * * 4116 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ وَناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنَ الغَزْوِ، أَوِ الحَجِّ، أَوِ العُمْرَةِ، يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونُ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". التاسع عشر: (لربنا) يحتمل تعلُّقه بما قبلَه، وبما بعده. * * *

30 - باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم

30 - بابُ مَرْجَعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَحْزَابِ وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قرَيْظَةَ وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ (باب مَرجع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب) فتح الجيم (مَرجَع) مناسبٌ للمُحاصَرة. 4117 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ، وَاللهِ مَا وَضَعْنَاهُ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ: "فَإِلَى أَيْنَ؟ ". قَالَ: هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ. الحديث الأول: ظاهر المعنى. * * * 4118 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبِ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. الثاني: (زُقاق) بالضم: السِّكَّة.

(غَنْم) بفتح المعجمة وضمها، وسُكون النُّون: أَبو حَيٍّ مِن تَغْلِب، بفتح المثنَّاة. (موكب) بالحركاتِ الثَّلاث: نوَعٌ من السَّير، أو القَوم الرُّكوب على الإبِل للزِّينة، وكذلك جماعة الفُرسان. ويَعرفُه أنَس وكذا عائشة رضي الله عنها أنَّه جِبْريل بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم. * * * 4119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ العَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. الثالث: (العصر) رواية مسلم: (الظُّهر)، ولكن العصر هو الذي قالَه موسى بن عُقْبة، وابنُ إسحاق، وغيرُهما من أهل المغازي. ووجه الجمْع، إما أنه قال: الظُّهر لمن كان قَريبًا، والعصر للبَعيد، أو لأهل القوَّة الظُّهر، ولمن دُونهم العصر. (لم يرده)؛ أي: ليس المقصود تأْخيرَ الصلاة ألبتَّةَ، بل الاستِعجال.

وسبق شرح الحديث في (باب: صلاة الخوف). * * * 4120 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْأَلَهُ الَّذِينَ كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ: كَلَّا وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ لاَ يُعْطِيكَهُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهَا، أَوْ كمَا قَالَتْ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَكِ كَذَا". وَتَقُولُ: كَلَّا وَاللهِ، حَتَّى أَعْطَاهَا -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- "عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ". أَوْ كَمَا قَالَ. الرابع: (يجعل)؛ أي: هبةً؛ لأنَّه لا يحلُّ له أَكْل الصَّدقة، وقيل: كانوا أَعطَوه ليُفرِّقَه على المهاجرين، فهو الأَشبَه. (والنبي يقوله) جملةٌ حاليةٌ. (لك) فيه تقديرٌ، أي: لها ذلك، ثم قال: (لك) لظَنِّها أنها كانت هبةً مؤبَّدة، وتمليكًا لأصل الرَّقَبة، فأراد - صلى الله عليه وسلم - استطابَةَ قلْبها؛ لمَا لها عليه من حقِّ الحَضانة، فما زال يَزيدُها في العِوَض حتى رضيت. * * *

4121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - يَقُولُ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَناَ مِنَ المَسْجدِ قَالَ لِلأَنْصَارِ: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، أَوْ: خَيْرِكُمْ". فَقَالَ: "هَؤُلاَءِ نزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ"، فَقَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِّيهُمْ، قَالَ: "قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللهِ"، وَرُبَّمَا قَالَ: "بِحُكْمِ المَلِكِ". الخامس: (المسجد) قال (ك): هو مسجدٌ اختطَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أمكنة بني قُرَيظة، وكان يُصلِّي فيه مدَّةَ مُقامه هناك. لكنْ سبَق أن ذلك وهمٌ، وأنْ لا مَسجِدَ هناك، وأن المَحفوظ: فلمَّا دَنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قيل: المُراد موضع السُّجود، أي: موضع مُصلَّى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيث كان. قال القُرطُبي في "اختصاره": المَسجِد الذي جُعل فيه سَعْد، وسالَ دمُه فيه، ليس هو مسجد المَدينة، وإنما كان مَوضِعًا يُصلَّى فيه غير مَخطُوطٍ، والله أعلم. ولم يرد أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خطَّ في بني قُريظة مسجدًا حين حاصرَهم. (أخْيرَكم) دليلُ استِعمال أَفْعَل التَّفضيل من الخير. (الملَك) بفتح اللام، وهو جبريل - عليه السلام -، أو بكسرها،

وهو الله تعالى، وهو أوضح. * * * 4122 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ، رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْمَةً فِي المَسْجدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهْوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الغُبَارِ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ، وَاللهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَيْنَ؟ ". فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُم فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا. فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وَفِي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ - إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ! مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا - رضي الله عنه -.

السادس: (حِبان) بكسر المهملة، وشدَّة الموحَّدة، وبالنون. (ابن العَرِقة) بفتْح المهملة، وكسر الرَّاء، وبالقاف: اسم أُمِّه، سُمِّيتْ به لطِيْب رِيْحها. قلتُ: وهو حِبَّان بن قَيْس من بَني معيص بن عامِر بن لُؤَي. (الأكْحل) عِرْق في اليَدِ يُفصَد. (فنزلوا على حكمه) الضَّمير للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. والجمْع بينه وبين ما سبَق: أنهم نزَلوا على حُكم سَعْد؛ إما باعتبار بعضٍ كذا، وبعضٍ كذا، أو أنَّ معنى: (نَزلوا على حُكم سَعْد): رَضُوا بحُكمه، ففي "مغازي ابن إسحاق": لمَّا أيقَنوا أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - غير مُنصرِفٍ عنهم، حتى يُناجزهم نزلُوا على حكمه - صلى الله عليه وسلم -، فقالت الأَوْس: يا رسول الله، هم مَوَالِيْنا، فقال: "أَلا تَرضَونَ -يا معشَر الأَوْس- أنْ يَحكُم فيهم رجلٌ منكم"، قالوا: بلَى، قال: "فذلكَ سَعْد بن مُعَاذ"، فحكَّمه فيهم. (فافْجُرها) بضم الجيم، وهمزةِ وصلٍ، أي: الجِرَاحة. (واجعل موتتي فيها) هذا تمنٍّ للشَّهادة؛ فإنَّ تمنِّي أصْل الموت غير جائزٍ، أي: فلا تَحرمْني ثَوابَ هذه الشَّهادة. (في ليلته) في بعضها: (لَبَّتِه) بفتح اللام، أي: المَنْحَر، ومَوضِع القِلادة من الصَّدْر.

(فلم يرعهم) من الرَّوع، وهو الفَزَع، والضَّمير لبَني غِفَار يدلُّ عليه السِّيَاق. (من بني غِفار) هو على حَذْف مضافٍ، أي: خَيْمة من خِيَام بني غِفَار، وهو بكسر المعجمة، وتخفيف الفاء، وبالراء. (يغذو) بمعجمتين: يَسِيل دَمًا. سبق في (باب: الخَيمة في المسجِد). * * * 4123 - حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِحَسَّانَ: "اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ". 4124 - وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: "اهْجُ المُشْرِكِينَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ". السابع: (وزاد إبراهيم) وصلَه النَّسائي. * * *

31 - باب غزوة ذات الرقاع

31 - بابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهْيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ فَنَزَلَ نَخْلًا، وَهْيَ بَعْدَ خَيْبَرَ، لأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ. (باب غَزْوة ذاتِ الرِّقَاع) بكسر الراء، وبقافٍ، ومهملةٍ. (مُحَارِب) بضم الميم، وبمهملةٍ، وكسر الراء، وموحَّدةٍ: قبيلةٌ من فِهْر. (خَصفة) بفتح المعجمة، ثم المهملة، والفاء. (من بني ثَعْلبةَ) بمثلَّثةٍ، ومهملةٍ. (من غَطفان) بفتح المعجمة، ثم المهملة، وبفاءٍ: ابن سَعْد بن قَيْس بن غَيْلان. قال الغَسَّاني: الصَّواب: وبني ثَعْلَبة، بالواو العاطفة، أي: كما جاء بعد ذلك في حديثِ بكْر بن سَوَادَة. وكذا ذكَر ابن إسحاق: عن يونُس: ثم غَزا نَجْدًا يُريد بَني مُحارِب، وبني ثَعْلَبة من غطَفان، وذلك أنَّ مُحارِبًا هو ابن جعفر، وكلاهما من قَيْسٍ، ويُصحِّحه قوله بعد ذلك: (يوم مُحارِب وثَعْلَبة). (لأن أبا موسى)؛ أي: كان شَهِدَ غَزوة ذات الرِّقاع، وهو إنما قدِم عام خَيبر سنة سبعٍ، فهو ظاهرٌ على رأْيهِ، فإنَّه يقول: إنها بعد

خَيبر، لكنْ أهل السِّيَر خالَفوه. قال الدِّمْيَاطِي: حديث أبي مُوسَى مُشْكِلٌ مع صِحَّته، وما ذهَب أحدٌ من أهل السِّير إلى أنها بعد خَيبر. * * * 4125 - وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ الْعطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الخَوْفِ فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ. (وقال عبد الله بن رجاء) وصلَه أَبو العبَّاس السَّرَّاج في "مسنده"، وسَمُّويه في "فوائده". (في الغزوة السابعة)؛ أي: من غزَوات النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها: (غَزْوة السَّابعة) بالإضافة، أي: غزوة السنَة السابعة من الهجْرة، وهذه هي التي اقتصر عليها (ش)، قال: لأنَّ ذات الرِّقاع ليست الغَزوة السابعة، قال: وقَصد البخاري بذلك الاستِشهاد على أنَّ ذات الرِّقاع بعد خَيبر؛ لأنَّ قُدوم أبي مُوسَى كان عام خَيبر سنة سبعٍ، أي: كما سبق تقريرُه. (وقال ابن عباس) وصلَه أحمد، وإسحاق، والنَّسائي. (قَرَد) بفتح القاف، والراء، وبمهملةٍ: ماءٌ على نحو يومٍ من

المَدينة مما يَلي غَطَفان، وقيل: بضم القاف، والراء، وهذه غزوة الغَابَة. * * * 4126 - وَقَالَ بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُمْ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ. (وقال بكر) وصلَه حَرْمَلَة في حديثه عن ابن وَهْب، وسَعيد بن منصور في "سُنَنِهِ". * * * 4127 - وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ، سَمِعْتُ جَابِرًا: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ، وَأَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيِ الخَوْفِ. وَقَالَ يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ القَرَدِ. (وقال ابن إسحاق) وصلَه أحمد. (نَخْل) بفتح النون، وسُكون المعجمة، وبلامٍ: مكانٌ من نَجْد من أرضِ غَطَفان. (وقال يزيد)؛ أي: ابن أبي عُبَيد، وصلَه البخاري مطوَّلًا قبل

(غزوة خيبر). * * * 4128 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا، ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ. كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. الحديث الأول: (نعتقبه)؛ أي: نتَناوَبُ في الرُّكوب عليه. (فنقبت) بكسر القاف، ويُقال: نُقِبَ البَعير: خَفَّتْ أخفافُه، ورقَّتْ، ونُقِب الخُفُّ: إذا تخرَّق. (فسميت) قيل: أيضًا في سبَب التَّسمية أنَّهم رقَّعوا راياتهم بها، وقيل: اسم شَجَرة بذلك الموضع، وقيل: جبَلٌ نزلُوا عليه، أرضُه ذات ألوانٍ من حُمرةٍ وصُفرةٍ وسَوادٍ، فسُمُّوا به. * * * 4129 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ،

عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلاَةَ الخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وُجَاهَ العَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وُجَاهَ العَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِم الرَّكعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. 4130 - وَقَالَ مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَخْلٍ، فَذَكَرَ صَلاَةَ الخَوْفِ. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلاَةِ الخَوْفِ. تَابَعَهُ اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ. الثاني: (عمن شهد) لا تضرُّ الجَهالة فيه؛ إذ الصَّحابة كلُّهم عُدولٌ، وفُسِّر بأنَّه سَهْل بن أبي حَثْمة، وقيل: خَوَّات بن جُبَير، وهو الأَشبَه. (وُجاه) بضم الواو وكسرها، أي: مُحاذِي، ومُقابِل، أي: جَعلُوا وجوهَهم تِلْقاءَ وُجوههم. (فقال مُعاذ) رواه ابن جَرير. (تابعه الليث) وصلَه البخاري في "تاريخه". (أنْمار) بفتح الهمزة، وسُكون النون، وبالرَّاء: قَبيلةٌ من بَجِيْلة،

بفتْح الموحَّدة، وكسر الجيم. نعم، رواية القاسِم مُرسلةٌ إلا أنْ يكُون معتمدًا على إسناد الذي بعدَه فيتصِل. * * * 4131 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: يَقُومُ الإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ العَدُوِّ وُجُوهُهُمْ إِلَى العَدُوِّ، فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَرْكعُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ، ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلاَءِ إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَهُ ثِنْتَانِ، ثُمَّ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ. الثالث: (قِبَل) بكسر القاف: الجِهَة، والمقابِل. * * * 4131 / -م (1) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 4131 / -م (2) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي

حَازِمٍ، عَنْ يَحْيَى، سَمِعَ الْقَاسِمَ، أَخْبَرَنِي صَالِحِ بْنُ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلٍ، حَدَّثَهُ قَوْلَهُ. الرابع، والخامس: كالذي قبلَهما. * * * 4132 - حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازينَا العَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ. السادس: (فوازينا) الموازاة: المقابَلَة. * * * 4133 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ العَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ، فَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ ركْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ، وَقَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ. 4134 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:

حَدَّثَنِي سِنَانٌ وَأَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ. 4135 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَليِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، أَخْبَرَهُ أنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي العِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوناَ، فَجِئْنَاهُ فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي، قُلْتُ: اللهُ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ". ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. السابع، والثامن: (فقضوا) المراد معناه اللُّغَوي لا الاصطِلاحي. (أخي) هو عبد الحَمِيْد بن أبي أُوَيْس. (القائلة)؛ أي: الظَّهيرة، أو القَيلُولة. (العِضاه) بكسر المهملة، وتخفيف المعجمة، وبالهاء: كلُّ شجَرٍ عظيمٍ له شَوكٌ.

(اخترط)؛ أي: سَلَّه. (صَلْتًا) بفتح المهملة، وإسكان اللام، أي: مُجرَّدًا من الغِمْد. وقد سبق الحديث في (الجهاد)، وفيه زيادةٌ رواها سَعيد بن منصور، عن أبي عَوَانَة، عن أبي بِشْر، عن سُلَيمان بن قَيس، عن جابر، وهي: أنَّه سقَط السَّيْف من يَدِ الأعرابيِّ، فأخَذَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "مَنْ يمنعُكَ منِّي؟ "، قال: كُنْ خَيرَ آخِذٍ، قال: "أتشهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا الله، وأنِّي رسولُ الله"، قال: لا، ولكنْ أُعاهدُك أنْ لا أُقاتلَكَ، ولا أَكونَ مع قَومٍ يُقاتلونَكَ، فخلَّى سَبيلَه، فرجَع، فقال: جئْتُكم من عند خَير النَّاس، فلمَّا حضَرتِ الصَّلاةُ، فذكَر الحديثَ إلى أن قال: فكانَ لرسول اللهِ أربَعُ ركَعاتٍ، وللقَوم ركعتَين ركعتَين. * * * 4136 - وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَسَيْفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ، فَاخْتَرَطَهُ، فَقَالَ: تَخَافُنِي؟ قَالَ: "لاَ". قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: "اللهُ"، فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعٌ وَللْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ،

عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ: اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَاتَلَ فِيهَا مُحَارِبَ خَصَفَةَ. (وقال أبان) وصلَه مسلم، والإِسْماعِيْلي. (وقال مسدد) وصلَه في "مسنده الكبير" رواية مُعاذ بن المُثَنَّى، عنه. (غَوْرَث) بفتح المعجمة، والراء، وسُكون الواو بينهما، وبالمثلَّثة: ابن الحارِث، كان من قَبيلةِ مُحارِب أتى ليَفتكَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشرَطَ ذلك لقَومه، وأخَذَ سَيفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا أصْلَتَه وهمَّ به صَرَفه الله عنه، ولحقَه بَهْتٌ. (وقاتل)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في تلك الغَزوة. * * * 4137 - وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَخْلٍ فَصَلَّى الخَوْفَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ نَجْدٍ صَلاَةَ الخَوْفِ. وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَيَّامَ خَيْبَرَ. (وقال أَبو الزُّبَير) وصلَه ابن جَرير. (وقال أَبو هريرة) وصلَه أَبو داود، وابن حِبَّان. * * *

32 - باب غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع

32 - بابُ غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهْيَ غَزْوَةُ المُرَيْسِيعِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ حَدِيثُ الإِفْكِ فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيعِ. (باب غَزْوة بني المُصْطَلِق) بضم الميم، وسُكون المهملة الأُولى، وفتح الثانية، وكسر اللام: حَيٌّ من خُزَاعةَ، بضم المعجمة، وتخفيف الزَّاي، وبالمهملة، الأَزْدي اليَمَني. (المُرَيْسِيع) بضم الميم، وفتح الراء، وسُكون الياءَين، وكسر المهملة بينهما، وإهمال العَين: ماءٌ لهم من ناحية قُدَيْد مما يَلي السَّاحل. * * * 4138 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلتُهُ عَنِ العَزْلِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

فِي غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ العَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا العُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا العَزْلَ، فَأَرَدْناَ أَنْ نَعْزِلَ، وَقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِناَ قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا وَهْيَ كَائِنَةٌ". الحديث الأول: (العزل): نَزْع الذَّكَر من الفَرْج عند الإنْزال. (نسمة) النَّسَمة: النَّفْس، أي: ما مِن نفْسٍ كائنةٍ في علم الله تعالى إلا وهي كائنةٌ في الخارِج، أي: ما قدَّر اللهُ بمجيئه لا بُدَّ منه. سبق في (العِتْق). * * * 4139 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ القَائِلَةُ وَهْوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَاناَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجِئْنَا فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا ناَئِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَالَ: مَنْ

33 - باب غزوة أنمار

يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللهُ، فَشَامَهُ، ثُمَّ قَعَدَ، فَهْوَ هَذَا". قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (فشامه) بشينٍ معجمةٍ: هو مِن الأضداد، يُقال: شِمْتُ السَّيف: ردَدْتُه في الغِمْد، وشِمتُه: سلَلْتُه. وإنما لم يُعاقبْه؛ لأنَّه كان يَستميلُهم بذلك ليَدخُلوا في الإسلام. فإن قيل: هذه القصَّة في غَزوة ذات الرِّقاع، فَلِمَ ذكَرها البخاري في هذا الباب على ما في بعض النُّسَخ؟، وإنْ كان في بعضها ذكَرها هناك، قيل: لمَّا صرَّح بذِكْرها في غزْوة نجْدٍ؛ عُلم أنها ليست في غَزْوة بني المُصْطَلِق. وقيل: لمَّا تقارَب الغَزوتان أُعطيا حكم الواحدة، أو أنَّ الناسِخ هو الذي نقلَها من الحاشية حيث اشتَبه عليه مَوضِعُها. * * * 33 - بابُ غَزْوَةِ أَنْمَارِ (باب غَزْوة أنْمَار) بفتح الهمزة، وسُكون النون، وبراءٍ، وقد يُقال: غَزْوة بني أنْمار، وهي قبيلةٌ.

34 - باب حديث الإفك

4140 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سُرَاقَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا قِبَلَ المَشْرِقِ مُتَطَوِّعًا. (قِبل) بكسر القاف، أي: جِهَة. فيه جواز صلاة النَّفْل على الرَّاحلة، وأنَّ صَوب السَّفَر بدَلٌ عن القِبْلة. * * * 34 - بابُ حَدِيثِ الإِفْكِ وَالأَفَكِ، بِمَنْزِلَةِ النِّجْسِ وَالنَّجَسِ، يُقَالُ: إِفْكُهُمْ. (باب حَديث الإفْك) هو أبلَغ ما يكون من الكَذِب، وقيل: البُهتان، والمراد به: ما أُفِكَ به عائشة رضي الله عنها، والمَشهور فيه كسر الهمزة، وسُكون الفاء، وجاء فتحهما جميعًا، وذلك معنى قول البخاري: (بمنزلة النِجس والنَجَس) يُريد أنهما واحدٌ، وهو أَسوأُ الكَذِب. لكنْ في "المثلَّث" لابن مالِك: الإفْك الكَذِب، والأفك جمعُ أَفُوك، وهو الكَذوب. نعم، تمثيلُه بالنَّجَس فيه نظَرٌ، فقد قال ابن عزيز: إنَّ النَّجِس

بكسر النون لا يُستعمل إلا تابِعًا للرِّجْس. (يقول إفكهم) إلى آخره، مُراد البخاري منه بَيان القِراءات في قوله تعالى: {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: 28]. وفي "الكشَّاف": أنه قُرئ أيضًا: (إفَّكهم) بالتشديد، وآفَكهم بالمد، أي: جعلَهم آفِكِين، وآفِك بلفظ الفاعل، أي: قولهم الكاذِب. * * * 4141 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجِ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْناَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ

غَزْوَتهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، دَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأَكُلْنَ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ فَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَهُمْ نُزُولٌ، قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بنَ سَلُولَ.

قَالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ، فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ. وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلَّا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ فِي نَاسٍ آخَرِينَ لاَ عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ -كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى- وَإِنَّ كُبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بنُ سَلُولَ. قَالَ عُرْوَةُ كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي قَالَ: فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ "، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَناَ، وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنَفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا. قَالَتْ: وَأَمْرُناَ أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي البَرِّيَّةِ قِبَلَ الغَائِطِ، وَكنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ -وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ- فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ

شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟! فَقَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ! وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ: مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "كيْفَ تِيكُمْ؟ "، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ! مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَت: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ يَسْأَلهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ، فَقَالَ: "أَيْ بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ ". قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ

تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ! مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي"، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَسْهَلِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهْوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ. قَالَتْ: فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا لاَ يَرْقأ لي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ

عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ، ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ"، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِّي فِيمَا قَالَ، فَقَالَ أَبِي: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قَالَ، قَالَتْ أُمِّي: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةٌ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كثِيرًا: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، فوَاللهِ لا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا، فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسَهُ، وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! أَمَّا اللهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ"، قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، فَإِنِّي لاَ أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ عز وجل، قَالَتْ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} العَشْرَ الآيَاتِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ ابْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَيْنَبَ: "مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ". فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالوَرَعِ، قَالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ. ثُمَّ

قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ ما قِيلَ لَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ. 4142 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ حِفْظِهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ؟ قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِكَ -أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ- أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَهُمَا كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأْنِهَا. 4143 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَع، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ -وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: فَعَلَ اللهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ، فَقَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: ابْنِي فِيمَنْ حَدَّثَ الحَدِيثَ. قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَغَطَّيْتُهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخَذَتْهَا الحُمَّى بِنَافِضٍ، قَالَ: "فَلَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ

بِهِ؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: وَاللهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنْ قُلْتُ لاَ تَعْذِرُونِي، مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ، قَالَتْ: وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عُذْرَهَا، قَالَتْ: بِحَمْدِ اللهِ لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ وَلاَ بِحَمْدِكَ. 4144 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ، عن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَتْ تَقْرَأُ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} وَتَقُولُ: الوَلْقُ الكَذِبُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ لأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا. 4145 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لاَ تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَتْ عَائِشَةُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هِجَاءَ المُشْرِكِينَ قَالَ: "كيْفَ بِنَسَبِي؟ "، قَالَ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ العَجِينِ. 4145 / -م - وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ فَرْقَدٍ، سَمِعْتُ هِشَامًا، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَبَبْتُ حَسَّانَ، وَكَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَيْهَا. 4146 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا

يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، وَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ. قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَأْذَنِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؟ فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى؟ قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ -أَوْ يُهَاجِي- عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول، والثاني، والثالث، والرابع، والخامس: (وكلهم)؛ أي: قال الزُّهْري: وكلُّهم. (أثبت اقتصاصًا)؛ أي: أحفَظَ، وأحسَنَ إيرادًا، وسَرْدًا للحديث. ولما كان الأربعة حُفَّاظًا لم تضُرَّ رواية الزُّهْري ذلك، وإدراجه هنا بين غَزْوة بني المُصْطَلِق، وحديث الإفْك غَزْوة أنْمار؛ لأنَّه لا يُراعي ترتيب الأبْواب، ولاحَظَ التعلُّق الذي بين الغَزْوتين. (جَزْع) بفتح الجيم، وسُكون الزاي، وبمهملةٍ: خَرَز. (ظَفار) بفتح المعجمة، وخفَّة الفاء، والراء، مبنيٌّ على الكسر: قَريةٌ باليمَن. (يهبلن) بالبناء للمَفعول، مُضارِع التَّهبِيل، وللفاعِل من الهَبَل، والإِهْبَال، وهو الإثْقال، وكثْرة اللَّحم والشَّحْم. (العُلقة) بضم المهملة: القَليل.

ولا يُنافي هذا ما سبَق في (الشَّهادات)، في (باب: تَعديل النِّساء): (فلم يَستنكِر القَومُ ثِقَل الهَوْدَج)؛ لأنهما من الأُمور المُتضايِفة، فيَتفاوَتان. (المُعَطَّل) بفتح المهملتين، وتشديد الثانية. (السُّلَمي) بضم المهملة، وفتح اللام. (الذَّكْواني) بفتح المعجمة، وسُكون الكاف، وبالنُّون. (باسترجاعه)؛ أي بقَوله: إِنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعُون. (فخمرت)؛ أي: غَطَّيتُ. (على يدها)؛ أي: ليَسهل الرُّكوب عليها، ولا تحتاجَ لمساعدةٍ. (موغرين)؛ أي: داخلِين في الوَغْرة، بمعجمةٍ وراءٍ، وهي شِدَّة الحَرِّ. (في نحر الظهيرة): أوَّل الظَّهيرة. (كبر)؛ أي: مُعظَم. (أُبي) بضم الهمزة. (سَلُول) بفتح المهملة: أُمُّه. (عندَه) تنازَعَه عاملان. (ويستوشيه)؛ أي: يَستخرجُه بالبَحْث والمسأَلة حتى يُفشيَه، وقال الجَوْهَري: أي: يطلُب ما عنده ليَزيدَه. (ومِسْطَح) بكسر الميم، وسُكون المهملة الأُولى، وفتح الثانية.

(أُثاثة) بضم الهمزة، وتخفيف المثلَّثة الأُولى. (وحَمْنة) بفتح المهملة، وإسكان الميم، وبنونٍ: بنْت جَحْشٍ، بفتح الجيم، وسُكون المهملة، ثم معجمةٍ. (قال الله)؛ أي: فيما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11]. (أَبى) هو ثابِت. (ووالده)؛ أي: والِد أبيه هو مُنْذِر بن حرام، بالمهملة، عاش كلُّ واحدٍ من الأربعة مائةً وعشرين سنةً، وهذا البيت من قصيدةٍ مشهورةٍ. (فاشتكيت)؛ أي: مرضتُ. (يفيضون)؛ أي: يخوضُون. (يَريبني) بفتح أوله وضمِّه. (اللُّطْف) بضم اللام، وسُكون المهملة، وبفتحهما: البِرُّ، والرِّفق. (نَقَهت) بفتح القاف وكسرها. (أُمّ مِسْطَح) سَلْمَى بنت صَخَر. (تَعسَ) قال الجَوْهَري: بالفتح، والقاضِي: بالكسر. (يا هَنْتاهُ) بفتح الهاء، وسُكون النُّون، وفتْحها، والهاء الأَخيرة

تُضمُّ وتُسكَّن، أي: يا هذه، وهي مما يختصُّ بالنِّداء. وقيل: معناها: يا بَلْهاء، كأنها نُسبت إلى قلَّة المعرفة بمكائد النَّاس وشرورهم. (وضيئة) حسنةٌ جميلةٌ. (أكْثرن)؛ أي: القَول الرَّديء. (يَرْقأ) بالقاف، والهمز: ينقَطِع. (أهلك) بالرفع والنَّصب. (وقال علي) لم يقُل ما قالَه عداوةً وبُغْضًا، لكنْ لمَّا رأَى انزعاجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأمر، وتقلقُلَه به أرادَ راحةَ خاطِره، وتَسهيلَ الأَمْر عليه. (أغْمِصه) بفتح الهمزة، وسُكون المعجمة، وكسر الميم، وبمهملةٍ، أي: أَعيبُه. (فاستعذر)؛ أي قال: مَن يَعذُرني، مَن يقُوم بعُذْري إنْ كافأْتُه على قُبْح فِعْله. وقيل: مَعناه: مَن ينصُرني، والعَذِيْر: النَّاصِر. (سعد أخو بني عبد الأشهل) هو ابن مُعاذ الأَوسِي. قال (ع): هذا مُشْكلٌ؛ لأنَّه مات عقِب الخندق سنة أربعٍ من الرَّمْية التي أصابتْه، والمُرَيْسِيع سنة ستٍّ، فقيل: ذكْر سعد وهمٌ، والمتكلِّم أولًا وآخِرًا أُسَيد بن حُضَير، كما في "مغازي ابن إسحاق"،

والجواب: أن المُرَيْسِيع كانت سنة خمسٍ، والخنْدق وقُريظة بعدَها، ذكَرها الواقِدي وغيرُه، وهو أصحُّ. قال (ك): والإشكال مُندفِعٌ أيضًا على ما روى البخاري عن موسى بن عُقْبة أنَّ غزوة الخندق سنة أربعٍ، وكذا غزوة بني المُصْطَلِق. (أُمّ حَسّان) اسمها: فُرَيعة، تصغير: فَرعة، بفاءٍ وراءٍ ومهملةٍ. (من فخذه) فائدتُه مع أنَّه عرَف من بنْت عمِّه أنَّها من عَشيرته بَيان أنَّها ليستْ بنت عمِّه الحقِيقي، بل مِن جُملة أَقاربه؛ لأنَّ فُرَيعة بنت خالد بن خُنيْس، مصغَّر الخنس، بمعجمةٍ، ونونٍ، ومهملةٍ، ابن لَوذَان، بفتح اللام، وبمعجمةٍ، ابن عبْد ودِّ بن زيد بن ثَعلبة الخزْرجي السَّاعدي. (صالحًا)؛ أي: كامِلًا. (الحمية) فيه إشارةٌ إلى أنَّ العصَبية تنقُل الرجل عن الصَّلاح، أي: عصَبيته حملتْه على الجهل. (منافق)؛ أي: تفعلُ أفعالَ المُنافقين، ولم يُرد النِّفاقَ الحقيقيَّ. (مبرئي) اسم فاعلٍ مِن التَّبرئة. (ببراءتي) الباء للسَّبَبية، أي: تحوَّلتُ مقدِّرةً أن الله تعالى يُبرِّئني عند الناس بسبَب براءتي في نفْس الأمر، فهو جملةٌ حاليةٌ مقدَّرةٌ، وفي بعضها بلفظ الفاعل مِن الإبْراء، وهي صلته. (ما رام)؛ أي: ما فارقَ.

(البرحاء) بضم الموحَّدة، وفتح الراء، وبمهملةٍ، ومدِّ الشدَّة. (ليتحدّر)؛ أي: ينصَبُّ. (الجُمان) بضم الجيم، وخفة الميم: الدُّرُّ، شبَّهتْ قطَرات عرَقه - صلى الله عليه وسلم - بحبَّات اللّؤلؤ. (فَسُرِّي)؛ أي: أُزِيلَ. (لا أقوم) من باب الإِدْلال والمُعاتَبة؛ لكَونهم شكُّوا في حالها مع علمهم بحُسن طريقتها، وجميل سِيرتها. (زينب) قد استُشكل بما ذكَره غيرُ واحدٍ من الأخباريِّين أنَّه - صلى الله عليه وسلم - تزوَّج زَينَب بنت جَحْش لهلالِ ذي القَعدة سنة خمسٍ، وكانت غزْوة بني المُصْطَلِق قبْلَها في السنَة في شعبان، لكنْ حكَى أَبو عُمر عن أبي عُبيدة: أنَّه تزوَّجها في سنة ثلاثٍ، وعلى هذا القول يصحُّ اجتماعُهما في حديث الإفْك الواقِع في غزوة بني المُصْطَلِق، لكنَّ الصحيح أنه تزوَّجها في ذي القَعدة سنة أربعٍ. (أحمي)؛ أي: أحفَظُ، فلا أقولُ: سمعتُ في ما لم أَسمَع. (تساميني)؛ أي: تُضاهيني، وتُناظِرُني بجَمالها ومكانها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (تحارب)؛ أي: تتعصَّب لها، فتَحكي ما يقُولُه أهل الإفْك، وفي بعضها بالزاي. (الرجل)؛ أي: صَفْوان.

(من كَنَف) بفتح الكاف، والنون: الثَّوب الذي يَستُرها، وفي "مسلم": (عن كَنَف)، وهو كنايةٌ عن عدَم الجِماع. ويُروى: أنَّه كان حَصُورًا، وأنَّ معه مِثْلُ الهُدْبَة. وبَراءة عائشة - رضي الله عنها - قطعيةٌ بنصِّ القُرآن، مَن تشكَّك فيها كفَر. وسبق الحديث في (الشهادات) بفَوائد كثيرة. (قومك)؛ أي: قُريش. (مُسَلِّمًا) بكسر اللام، كما رواه السَّفَاقُسي، مِن تَسليم الأَمْر بمعنى: السُّكوت، وبفتْحها كما رواه الحمُّوي، مِن السَّلامة في الخَوض فيه. ورواه النَّسَفي، وابن السَّكَن: (مُسيئًا) (¬1) ضِدُّ مُحسِنًا، أي: في تَرْك التَّحزُّن لها ونحوِه، وكذا رواه ابن أبي شَيبة. وهو - رضي الله عنه - مُنزَّهٌ أنْ يقولَ مَقالة أهل الإفْك، فغرَضُها بالإساءَة قولُه: (النِّسَاءُ سِواها كثيرٌ)، وفي بعضها: (فراجَعوه)، أي: الزُّهْري في المسأَلة، فلم يَرجِعْ، أي: فلم يُجبْ بغير ذلك. وقال مَعْمر: قال الزُّهري: (مسلمًا)، لا شكَّ في هذا اللَّفظ، وزاد أيضًا لفظة: (عليه)، أي: قال: فلم يَرجِع الزُّهريُّ على الوليد، وكأنَّ في النُّسَخ العَتيقة القديمة: (مُسلِّمًا) لا (مُسيئًا)، و (لم يَرجِع ¬

_ (¬1) "مسيئًا" ليس في الأصل.

عليه) بزيادة لفظ: (عليه). (أمُّ رُومان) زينب الفارسيَّة، وقد استُدركَ على سنَد هذا الحديث؛ فإنَّ أُمَّ رُومان ماتتْ سنة ستٍّ من الهجرة، ونزَل - صلى الله عليه وسلم - قبرَها (¬1)، ومَسروقًا قدِم في خِلافة أبي بكرٍ أو عُمر. قال أَبو عُمر: رواية مَسروق عنها مرسلةٌ، ولعلَّه سمع ذلك من عائشَة. وقال عبد الغني: قد رُوي الحديث عن مَسْرُوق، عن ابن مَسعود، عن أُمّ رُومان، وهو الصواب. (بنافض)؛ أي: ذات رِعْدَةٍ. (حلفت)؛ أي: على بَراءتي. (قلت)؛ أي: أن تخلُّفي عن الجيْش كان بسبَب العِقْد. (تقرأ: إذ تَلِقُونَهُ) بفتح المثنَّاة، وكسر اللام، والوَلْق، بفتْح الواو، وسُكون اللام: الكَذِب. (يُشَبِّب) هو ذكْر الشَّاعرِ ما يتعلَّق بالغَزَل ونحوِه. (حَصان) بفتح المهملة: العَفِيْفة. (رَزَان) بفتح الراء، والزاي: صاحِبة الوَقار، رَزيْنةٌ في مجلِسها. (تُزن) مبنيٌّ للمفعول، من الإزْنان، بزايٍ، ونونيَن، وهو الاتِّهام. ¬

_ (¬1) "قبرها" ليس في الأصل.

35 - باب غزوة الحديبية وقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}

(بريبة) بكسر الراء: التُّهْمة. (غَرْثى)؛ أي: جائعةً لا تَغتاب الناس، لو كانتْ مُغتابةً لكانت آكلةً من لحم أخيها، فتكون شبعانةً لا جوعانةً. (لست كذلك) إشارةٌ إلى أنَّ حسَّان اغتابَ عائشةَ حين وقَعتْ قِصَّة الإفْك. (تولى كبره) قد أُنكر بأنَّ الذي تَولَّى كِبْره هو عبد الله بنُ أُبيٍّ ابنُ سَلُوْل، وإنما كان حسَّان من جُملتهم. (من العمى)؛ أي: لأنَّه عَمِي في آخِر عمُره. (ينافح)؛ أي: يَذُبُّ عنه بالشِّعر، ويُخاصم عنه. * * * 35 - بابُ غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (باب غَزْوة الحُدَيْبِية) وفي نسُخةٍ: (عُمْرَة الحُدَيبِيَة)، وهي بتخفيف الياء على الأفْصح، قريةٌ صغيرةٌ، سُميت ببئرٍ هناك عند مَسجِد الشَّجَرة، وهي سَمُرةٌ بايَع الصَّحابة تحتَها على نحوِ مرحلةٍ من مكة. 4147 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ:

حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ "، قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: "قَالَ اللهُ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْناَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَبِرِزْقِ اللهِ وَبِفَضْلِ اللهِ. فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْناَ بِنَجْمِ كَذَا، فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي". الحديث الأول: (كافر بي) سبق شرح الحديث، وبَيانُ معنى ذلك في (كتاب الصلاة)، في (باب: يستقبل الإمامُ النَّاسَ إذا سلَّم). * * * 4148 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ، عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. الثاني: (عُمْرَة من الحُديبية) عدَّها من العُمَر؛ لأنَّ ما حُصِر فيها يُعدُّ وإنْ

لم يُتمَّ مَناسكَها. وسبَق في (كتاب العُمْرة). (الجِعْرانة) بكسر الجيم، وسُكون المهملة، وتخفيف الراء، وبكسر المهملة، وتشديد الراء على الأَرْجَح. وسبق في (الجهاد)، في (باب: ما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعطي المؤلَّفةَ): أنَّ نافعًا قال: لم يَعْتمِرْ من الجِعْرانة، ولو اعْتمَر لم يَخْفَ على ابن عُمر. وسبَق الجوابُ باحتِمال غَيبته في ذلك الوقْت، أو نسيانه. كما مرَّ في (كتاب العُمْرة): أنَّه قال: إحداهُنَّ في رجَب، وأنكَرت عليه عائشة رضي الله عنها. قال (ن): إما للاشتِباه عليه، أو لنسيانٍ ونحوه. * * * 4149 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ. الثالث: سبق في (الحج). * * *

4150 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فتوَضَّأَ ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا. الرابع: (الفتح)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]، فالفتْح العظيم هو بَيعة الرِّضْوان؛ لأنها كانت مقدِّمةً لفتْح مكَّة وسبَبًا لرضوان الله تعالى. (أربع عشرة مائة) لم يقُل: ألفًا وأربع مائة؛ لأنهم كانوا مُنقَسِمين مائتين متميِّزين كذلك. [قال] (ك): كل مائةٍ متميِّزةٌ عن الأُخرى. (أصدرتنا) من الإصْدار، يُقال: أَصدَرتُه فصَدَر، أي: رجَعتُه فرجَعَ. (ما شئنا)؛ أي: القَدْر الذي أردنا شُربَه. (وركابنا)؛ أي: الإبِل التي يُسار عليها. * * *

4151 - حَدَّثَنِي فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: أَنْبَأَناَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَنَزَلُوا عَلَى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى البِئْرَ وَقَعَدَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ قَالَ: "ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا"، فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: "دَعُوهَا سَاعَةً"، فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا. 4152 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيةِ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فتَوَضَّأَ مِنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لَكُمْ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَيْسَ عِنْدَناَ مَاءٌ نتَوَضَّأُ بِهِ وَلاَ نَشْرَبُ إِلَّا مَا فِي رَكْوَتِكَ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْناَ. فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَاناَ، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. الخامس، والسادس: (من بين أصابعه) فيه ظُهور البركة في الدَّلْو. وفي الحديث السَّابق: أنَّ بركة الماء ظهَرتْ في البئْر، ولا مُنافاةَ لاحتمال الظُّهور فيهما جميعًا.

(خمس عشرة مائة) لا تَنافيَ بين هذا، وبين رواية: (أربَعَ عشْرةَ مائةً)، ولا: (ألفًا وثلاث مائةٍ)؛ لأنَّ العدَد لا يَنفي غيرَه، أو كُلٌّ أخبر بحسَب ظنِّه، أو لعلَّ بعضَهم اعتبَر الأكابِر، والبعض الأَصاغِر، والبعض الأَوساط. قال (ن): يُمكن أنهم كانوا أربعَ مائةٍ وكسرًا، فمَن قال: (ألفًا وأربع مائة) لم يعتبِر الكسْرَ، ومَن قال: (ثلاث مائةٍ) ترَك بعضَهم؛ لأنه لم يتيقَّن العدد. * * * 4153 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ كَانَ يَقُولُ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَقَالَ لِي سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ قَتَادَةَ. تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: حدَّثنا أبُو داوُدَ: حدَّثنا شُعْبَةُ. السابع: (قال أَبو داود)؛ أي: سُليمان الطَّيَالِسي الحافظ. (تابعه محمد بن بشار) وصله الإسماعيلي. * * *

4154 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: "أَنتمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ"، وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ اليَوْمَ لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ. تَابَعَهُ الأَعْمَشُ، سَمِعَ سَالِمًا، سَمِعَ جَابِرًا: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. 4155 - وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلاَثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ المُهَاجِرِينَ. الثامن (¬1): (ولو كنت أبصر)؛ أي: لأنَّه قد صار ضَريرًا في آخِر عمُره. (تابعه الأعمش) وصلَه البخاري في (الأَشربة). (وقال عُبيد الله بن مُعاذ) وصلَه أَبو نُعيم في "المُستخرَج". (أسْلَم) بفتح اللام: قبيلةٌ. (ثمن)؛ أي: كان مِن قَبيلتهم قَدْر ثُمُن المُهاجِرين. * * * 4156 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، ¬

_ (¬1) "الثامن" ليس في الأصل.

عَنْ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مِرْدَاسًا الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، لاَ يَعْبَأُ اللهُ بِهِمْ شَيْئًا. التاسع: (الأول فالأول) بالرفْع على الصِّفَة، أو البدَل، وبالنَّصب على الحال، نحو: ادخُلوا الأَوَّلَ فالأَوَّلَ، أي: مُترتِّبين، واغتُفر فيه الألف واللام؛ لأنَّ الحالَ ما يتخلَّصُ منه. قال أبو البَقاء: وهل الحال الأوَّل، أو الثاني، أو المجموع منهما؟، خِلافٌ كالخلاف في: هذا حُلْوٌ حامِضٌ؛ لأنَّ الحالَ أصلُها الخبَر. قال (ك): معناه الأَصلَح فالأَصلَح. (حُفالة) بضم المهملة، وتخفيف الفاء، ومثلُه: حُثالَة، بالمثلَّثة، فالفاء والثَّاء يَتعاقَبان، كجَدَف وجَدَث، وفُوم وثُوم، أي: لا خيرَ فيهم، وقيل: الرذل من كلِّ شيءٍ. (ولا يعبأ بهم)؛ أي: ليس لهم عند الله منزلةٌ. وراوي هذا الحديث: مِرْداس بن مالك الأسْلَمي ممن بايَع تحت الشَّجَرة، وسكَن الكُوفة، وليس له سِوى هذا الحديث الواحِد، ولم يَروِه عنه غيرُ قَيس بن أبي حازِم، انفَرد البخاري بهذا الحديث عن الخمْسة. * * *

4157 - و 4158 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالاَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الحُدَيْبِيَةِ في بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا. لاَ أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لاَ أَحْفَظُ مِنَ الزُّهْرِيِّ الإشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ، فَلاَ أَدْرِي يَعْنِي مَوْضعَ الإشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ، أَوِ الحَدِيثَ كُلَّهُ. العاشر: (وأشْعر) الإشعار: هو أن يَضرِب صَفْحَة السَّنام اليُمنَى بحَديدةٍ، فيُلطِّخَها بالدَّمِ؛ ليُشعِر به أنه هَدْيٌ. وتَقْليد البَدَنة: أنْ يُعلِّق في عنُقها شيئًا؛ ليُعْلَم أنها هَدْيٌ. (لا أُحْصي كم) يحتمل أنْ يُريد: لا أُحْصِي كم مرةً سمعتُ هذا الحديث من سُفيان، ويحتمل: لا أُحصِي كم عددًا سمعتُ: أخمس مائةٍ، أم أربَع مائةٍ، أم ثَلاث مائةٍ. * * * 4159 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ "، قَالَ: نعمْ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَحْلِقَ وَهْوَ

بِالحُدَيْبِيَةِ، لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ الفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. الحادي عشر: (فَرَقًا) بفتح الفاء، والراء، وقد تُسكَّن الرَّاء: مِكْيال يسَع ستَّةَ عشَر رِطْلًا. (بين)؛ أي: مقسُومًا بين ستَّة مَساكين. وسبق في (الحج)، في (باب: المُحصَر). * * * 4160 - و 4161 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا في الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا

بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! أَكْثَرْتَ لَهَا، قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللهِ إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا، فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نستَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. الثاني عشر: (ما يُنضجون به كراعًا) بضم أَوَّل الفِعل، أي: يطبُخون، والمعنى: لا كُراعَ لهم حتى يُنضِجُوه، أو لا كِفايةَ لهم في تَرتيب ما يأْكُلونه، أي: لا يقدرُون على الإنْضاج. والكراع: ما دُون الكَعْب، والمراد: لا يكفُون أنفُسَهم خدمةَ ما يأْكُلونه، فكيف غيره؟!. (ولا لهم ضرع)؛ أي: ليس لهم ما يحلبُونه، والضَّرع كنايةٌ عن النَّعَم. (الضَّبُع) بفتح المعجمة، وضم الموحَّدة، وبالمهملة: السَّنَة المُجدِبة الشَّديدة. (بنت خُفاف) بضم المعجمة، وتخفيف الأُولى. (إيماء) بكسر الهمزة، وسُكون الياء، وبالمدِّ، وقيل: بفتح الهمزة، والقَصْر، ابن رَحْضَة، بفتح الراء، فالمهملة، فالمعجمة. (الغِفاري) بكسر المُعجمة، وخفَّة الفاء، والراء.

(ظَهير) (¬1) بفتح المعجمة، أي: قويٍّ. (غِرارتين) بكسر الغين، مثنَّى غِرارة، والجمْع غَرائِر: ما يُجعَل فيه التِّبْن ونحوه، قيل: إنَّه معرَّبٌ. (نستفيء) نسَتَفعِل من الفَيء، أي: نطلُب الفَيءَ مِن سُهمانهما، أو نَسترجِع منهما، وفي بعضها: (نستَقِي) بالقاف. (سهمانهما) بالمهملة، جمع: سَهم، وهو النَّصيب. * * * 4162 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ، ثُمَّ أتيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا. قَالَ مَحْمُودٌ: ثُمَّ أنسِيتُهَا بَعْدُ. 4163 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا هَذَا المَسْجدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ نسَينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: ¬

_ (¬1) "ظهير" ليس في الأصل.

إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ. 4164 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا طَارِقٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا العَامَ المُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا. 4165 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَارِقٍ، قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الشَّجَرَةُ فَضَحِكَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ شَهِدَهَا. الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر: (فعميت)؛ أي: اشتَبهتْ، قالوا: سبَب خفائها أنْ لا يُفتَتن النَّاس بها؛ لمَا جرَى تحتها من الخيْر، ونُزول الرِّضْوان، فلَو بقِيَتْ ظاهرةً لخِيْفَ تعظيم الجُهَّال إِيَّاها، وعبَادتهم لها. ورواية سعيد عن أبيه قال (ن): فيه ردٌّ على الحاكم أنَّ شرْط البخاري أنْ يَرويَ عن راوٍ له راويان؛ فإنه لم يَروِ عن أبي سَعيدٍ إلا سعيدٌ, ولعلَّه أراد من غير الصحابة. * * * 4166 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ-

قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ" فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى". السادس عشر: (بصدقة)؛ أي: زكاةٍ. وسبق في (الزكاة)، في (باب: صلاة الإمام لصاحب الصَّدقة). * * * 4167 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الحَرَّةِ، وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: عَلَى مَا يُبَايعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ؟ قِيلَ لَهُ: عَلَى المَوْتِ، قَالَ: لاَ أُبَايعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الحُدَيْبِيَةَ. السابع عشر: (يوم الحَرّة)؛ أي: مُقاتَلة عَسكَر يَزيد لأهل المدينة. (لعبد الله بن حَنْظلة) بفتح المهملة، والمعجمة، وسُكون النُّون بينهما، كان يَأْخُذ البيعة من الناس ليَزيد بن مُعاوية. (فقال ابن زيد) هو عبد الله بن زَيد بن عاصِم الأنْصاري، صاحبُ الوُضوءِ الذي قَتَل مُسيلِمة، وقُتِل هو يوم الحَرة، سنة ثلاثٍ وثلاثين. * * *

4168 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ فِيهِ. الثامن عشر: سبق في (كتاب الصلاة). * * * 4169 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى المَوْتِ. التاسع عشر: واضح المعنى. * * * 4170 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - فَقُلْتُ: طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ.

العشرون: (ما أحدثنا بعده) قالَه إما هَضْمًا لنفْسه، وتواضُعًا، وإما نظَرًا إلى ما وقَع من الفِتَن بينهم - رضي الله عنهم -. * * * 4171 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ بَايَعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ. الحادي والعشرون: واضح المعنى. * * * 4172 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ: الحُدَيْبِيَةُ، قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا، فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} قَالَ شُعْبِةُ: فَقَدِمْتُ الكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ عَنْ قتَادَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} فَعَنْ أَنسٍ، وَأَمَّا هَنِيئًا مَرِيئًا فَعَنْ عِكْرِمَةَ. الثاني والعشرون: (فما لنا)؛ أي: فأيُّ شيءٍ لنا؟ وما حُكمنا فيه؟.

(له)؛ أي: لقَتادة. (أمَّا: إنَّا فتحنا)؛ أي: تَفسيره بالحُدَيبِيَة، فأَرويه عن أنَس، (وأما هَنِيئًا مَرِيئًا)، فأَرويه عن عِكْرمة. * * * 4173 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ- قَالَ: إِنِّي لأُوقِدُ تَحْتَ القِدْرِ بِلُحُومِ الحُمُرِ إِذْ ناَدَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ. 4174 - وَعَنْ مَجْزَأَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ اسْمُهُ أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ وَكَانَ اشْتكَى رُكْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَعَلَ تَحْتَ رُكْبَتِهِ وِسَادَةً. الثالث والعشرون: (مَجْزَأة) بفتح الميم، وسُكون الجيم، وفتح الزاي، والهمزة، وتاء التأْنيث. قال الغَسَّاني: والمُحدِّثون يُسهِّلون الهمْزة، ورُبَّما كسَر بعضُهم الميم، قال: وليس لزاهِرٍ في "الجامع" غيرُ هذا الحديث. (إذ نادى) هذا النِّداء كان في غَزْوة خيبر لا في الحُديبِيَة. قال (ك): الغرَض منه بَيان أنَّ زاهِرًا كان من أصحاب الحُديبِيَة

من غير تعرُّضٍ فيه لمكان النِّداء وزمانه. (منادي) هو أَبو طَلْحة. (منهم)؛ أي: من الصَّحابة. (أُهْبان) بضم الهمزة، وسُكون الهاء، وبموحَّدةٍ، ونُونٍ: مُكلِّم الذِّئْب، نزل الكُوفة، وماتَ بها. وفي بعضها: (وُهْبَان) بضم الواو، ابن أَوْس السُّلَمي. قال الكَلابَاذي: روى عن أُهْبان مَجْزأَةُ حديثًا مَوقوفًا في عُمرة الحُديبِيَة. * * * 4175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ-: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَاُبهُ أُتُوا بِسَوِيقٍ فَلاَكُوهُ. تَابَعَهُ مُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ. الرابع والعشرون: (تابعه مُعاذ) وصلَه الإِسْماعِيلي. * * *

4176 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَألْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍ - رضي الله عنه -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ-: هَلْ يُنْقَضُ الوِتْرُ؟ قَالَ: إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ فَلاَ تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ. الخامس والعشرون: (ينقض الوتر) بالمعجمة، أي: إذا صلَّى مثلًا ثلاثَ ركَعاتٍ منه وناَمَ؛ فهل يُصلِّي بعد النَّوم شيئًا آخر منه مضافًا للأول؟، أو إذا صلَّى مرةً؛ فهل بعدَ النَّوم يُصلِّيه مرةً أُخرى؟. * * * 4177 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسِيرُ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ المُسْلِمِينَ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، وَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيِّ اللَّيْلَةَ

سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} ". السادس والعشرون: (ثكلتك) دعاءٌ من عُمر على نفْسه لا على حقيقة الدُّعاء. (نزرت) بتخفيف الزاي المفتوحة، أي: أَلْحَحْتُ عليه، وتُشدَّد أيضًا الزاي للمُبالغة، يُقال: فُلان لا يُعطي حتى ينزَّر عليه، أي: يُلَحَّ عليه، والنَّزْر: القِلَّة، ومنه النَّهر النَّزُور: القليل الماءِ. قال الحافظ أبو ذَرٍّ الهرَوي: سأَلتُ مَن لقيتُه أربعين سنةً، فما قرأتُه قطُّ إلا بالتخفيف. (نَشِبْت) بالكسر، أي: مَكثْتُ. * * * 4178 - و 4179 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الحَدِيثَ، حَفِظْتُ بَعْضَهُ، وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، قَالاَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الحُدَيْبِيَةِ في بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ، أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ

جَمَعُوا لَكَ الأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ البَيْتِ وَمَانِعُوكَ، فَقَالَ: "أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوناَ عَنِ البَيْتِ، فَإِنْ يَأْتُوناَ كَانَ اللهُ عز وجل قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ المُشْرِكِينَ، وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا البَيْتِ، لاَ تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلاَ حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ. قَالَ: "امْضُوا عَلَى اسْمِ اللهِ". السابع والعشرون: (وثبّتني)؛ أي: جعلَني مَعْمَر ثابتًا فيما سمعتُه من الزُّهْري في هذا الحديث. (عَيْنًا)؛ أي: الجاسُوس، وهو الرَّبِيئة الذي ينظُر للقَوم. والمراد به هنا بُسْر بن سُفيان، بضم الموحَّدة، وسُكون المهملة، بن عَمْرو بن عُوَيمر الخُزاعي، أحد بني قُمَير، أسلَم سنة ستٍّ، وشهد الحُديبِيَة، قالَه الحافظان البَكْريُّ، والسُّهَيْليُّ. (خُزاعة) بضم المعجمة، وخفَّة الزاي، وبمهملةٍ: قبيلةٌ. (بغدير): مُجتمَع الماء. (الأشطاط) بفتح الهمزة، وسُكون المعجمة، وبمهملتين: مَوضعٌ تِلْقاء الحُديبِيَة، قاله (ع)، وصاحبُ "المطالع" تبَعًا للبَكْري. وعن أبي ذَرٍّ روايتُه بالمعجمتَين؛ وكذا قاله السُّهَيْلي في "الرَّوض".

(الأحابيش) قال ابن فارِس: جماعاتٌ من قَبائل شتَّى، واحدُهم: أُحبُوش، بمهملةٍ، فموحدةٍ، فمعجمةٍ. قال الخَليل: إنهم أحياءٌ من القَارَة انضمُّوا إلى بني ليثٍ في محاربتهم قُريشًا قبل الإسلام. وقال ابن دُريد: هم حُلَفاء قُريش تحالفوا تحت جبَلٍ يُسمى حُبْشًا، فسُموا بذلك. (فإن يأتونا) كذا لأكثرهم مِن الإتْيان، وعند ابن السَّكَن: (باتُّونا) بموحدةٍ، وتشديد المثنَّاة، مِن البَتات بمعنى: قاطعونا بإظْهار المُحارَبة، والأول أظهَرُ هنا. (عَيْنًا) ويروى: (عَنَقًا) بنونٍ، وقافٍ. قال الخَليل: جاء القوم عُنُقًا عُنُقًا، أي: طَوائِف، والأَعْناق: الرُّؤساء. قال (خ): المَحفوظ منه: (كان الله قد قطَع عنُقًا) بالقاف، أي: جماعةً من أهل الكفر، فيَقلُّ عددُهم، وتهِنُ بذلك قوَّتُهم. (من المشركين) متعلِّقٌ بقوله: (قطع)، أي: إنْ يَأْتُونا كان الله قد قطَع منهم جاسُوسًا، يعني: الذي بعثَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: غايتُه أنَّا كُنَّا كمَن لم يَبعث الجاسُوسَ، ولم يَعبُر الطَّريق، وواجَههم بالقِتال، وإنْ لم يأْتُونا نهبْنا عِيَالهم وأَموالَهم، وتركْناهم. (محروبين) بمهملةٍ، وراءٍ، أي: مَسلُوبين مُنهزِمين، يُقال: حَربَه: إذا أَخذ مالَه، وتركَه بلا شيءٍ، وقد حُرب مالُه، أي: سُلِبَهُ،

فهو محروبٌ. * * * 4180 - و 4181 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ، فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّهِ المُدَّةِ، وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، فَكَرِهَ المُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا، فتكَلَّمُوا فِيهِ، فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، كَاتَبَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ المُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتِ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أبي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلْونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي المُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ. 4182 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ

رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنَ المُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ}. وَعَنْ عَمِّهِ، قَالَ: بَلَغَنَا حِينَ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرُدَّ إِلَى المُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ. الثامن والعشرون: (وامّعضوا)؛ أي: بتشديد الميم، أصلُه: انمعَضُوا، فأُدغمَت النُّون في الميم، وهو في الأصل بالظَّاء المُشَالة. ويُروى: (امتَعَضُوا)، أي: شَقَّ عليهم، وعَظُم، يُقال: مُعِض من شيءٍ سَمعه، وامتَعَض: إذا غَضِب، وشقَّ عليه، ويُروى: (اتعظُوا). (جَنْدَل) بفتح الجيم، والمهملة، وسُكون النون بينهما. (مُعيط) مُصغَّر: مَعَط، بمهملتين. (أن أبا بصير؛ فذكره) إشارةٌ إلى حديثٍ مطوَّلٍ، تقدَّم آخر (كتاب الصُّلْح). * * * 4183 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ، فَقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْنَا كمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ.

4184 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَهَلَّ وَقَالَ: إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَفَعَلْتُ كمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ، وَتَلاَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. 4185 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ. وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللهِ قَالَ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ العَامَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ تَصِلَ إِلَى البَيْتِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ البَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَدَايَاهُ، وَحَلَقَ وَقَصَّرَ أَصْحَاُبهُ، وقَالَ: "أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً"، فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ البَيْتِ طُفْتُ، وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ البَيْتِ صَنَعْتُ كمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا أُرَى شَأْنَهُمَا إِلَّا وَاحِدًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي، فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعْيًا وَاحِدًا، حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. التاسع والعشرون، والثلاثون، والحادي والثلاثون، والثاني والثلاثون: واضحة المعنى، وسبق ما يُفهم شرحَها مراتٍ. * * *

4186 - حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الوَلِيدِ، سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَايعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَعُمَرُ لاَ يَدْرِي بِذَلِكَ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللهِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الفَرَسِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَايعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. 4187 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ تَفَرَّقُوا في ظِلاَلِ الشَّجَرِ، فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ، فَبَايَعَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ فَبَايَعَ. الثالث والثلاثون: (يستلئم)؛ أي: يَلبَس اللأمَة، أي: الدِّرْع. (محدقون)؛ أي: مُحيطُون به. فإنْ قيل: سبَق آخرَ (هجْرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للمدينة): أنَّ هذه القِصَّة كانتْ عند قُدوم عُمَر وعبد الله - رضي الله عنهما -، وهنا يقتضي أنه في الحُديبِيَة.

قيل: هذه غيرُ تلك، ولهذا قال هناك: كان إذا قيل: إنَّه هاجَر قبلَ أبيه يَغضَب، وهنا قال: يَتحدَّثون أن ابن عُمر أسْلَم قبل عُمر. * * * 4188 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اعْتَمَرَ، فَطَافَ فَطُفْنَا مَعَهُ، وَصلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لاَ يُصِيبُهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ. الرابع والثلاثون: واضح المعنى. * * * 4189 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ، فَقَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ، وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إلا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الأَمْرِ، مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ.

الخامس والثلاثون: (صِفّين) بكسر المهملة، والفاء المشدَّدة: موضعٌ بين العِراق والشَّام، قاتلَ فيه مُعاويةُ عليًّا - رضي الله عنهما -. (اتهموا الرأي) لأنَّ سَهْلًا كان يُتَّهم بالتَّقصير في القِتال، فقال: اتَّهِموا رأْيَكم، فإنِّي لا أُقصِّر، وما كنتُ مقصِّرًا وقت الحاجة كما في الحُديبِيَة؛ فإنِّي رأيتُ نفْسي يومئذٍ بحيث لو قَدرتُ مخالفةَ حُكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتَلْتُ قِتالًا لا مَزيدَ عليه، لكنِّي أتوقَّف اليوم لمَصلحة المسلمين. وإنما أُضيف اليَوم لأبي جَنْدل؛ لأنَّه في ذلك اليوم رَدَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبيه، فشَقَّ عليهم ذلك. (يفظعُنَا) يقال: فظَعَهُ الأمرُ، وأَفظَعه: اشتَدَّ عليه، وثَقُل. (أسهل بنا)؛ أي: أفْضَى بنا إلى سُهولةٍ. (قبل) ظرفٌ لقوله: (وَضعنا). (هذا الأمر)؛ أي: مُقاتَلة عليٍّ ومُعاوية. (ما نشد منه)؛ أي: من هذا الأمر، وفي بعضها: (منها). (خُصْمًا) بضم المعجمة، وسُكون المهملة: الجانِب، وأصلُه خُصْم القِرْبة وهو طرَفها, ولهذا استعارَهُ هنا مع ذِكْر الانفِجار كما يَنفجِر الماءُ من نواحي القِربَة، وقيل: الحبْل الذي يُشدُّ به الأَحمال، أي: ما يُلفَّق منها حبْلٌ إلا انقطَع آخَر.

وهذا قالَه سهلٌ يوم صِفِّين لمَّا حكم الحكَمان، وأراد الإخْبار عن انتِشار الأمر وشِدَّته. وتقدَّم الحديث آخر (الجهاد). * * * 4910 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ ابْنِ عُجْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسكَ؟ " , قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً". قَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِي بِأَيِّ هَذَا بَدَأَ. 4191 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَصَرَناَ المُشْرِكُونَ، قَالَ: وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ فَجَعَلَتِ الهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسكَ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.

36 - باب قصة عكل وعرينة

السادس والثلاثون، والسابع والثلاثون: سبقا في (الحج). (هوام) جمع: هامَّة، بتشديد الميم، والمراد هنا القمل. (وفرته) بسُكون الفاء: الشَّعر إلى شَحْمة الأُذُن. * * * 36 - بابُ قِصَّةِ عُكْلِ وَعُرَيْنَةَ (باب قِصَّة عُكْلٍ) بضم المهملة، وسُكون الكاف. (وعُرَيْنة) بضم المهملة، وبالنون، مصغَّر: عُرْنَة؛ قَبيلتان. 4192 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَكَلَّمُوا بِالإسْلاَمِ، فَقَالُوا: يَا نبَيَّ اللهِ! إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا المَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذوْدٍ وَرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ ألْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا ناَحِيَةَ الحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ الطَّلَبَ في آثَارِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ،

وَتُرِكُوا في نَاحِيَةِ الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ كانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنِ المُثْلَةِ. وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ: مِنْ عُرَيْنَةَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ. (وتكلموا بالإسلام)؛ أي: تكلَّموا بكلمة الإسلام، وأظهَروا أنهم أَسلَموا. (رِيف) بكسر الراء: أرضُ زرعٍ وخِصْبٍ. (واستوخموا) من قولهم: أرضٌ وخيمةٌ: إذا لم تُوافق ساكنَها. (بذَودٍ) هو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر. (ورَاعٍ) هو يَسَار مَولى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (الطلب) جمع: طالِب. (المثلة)؛ أي: القِطْعة، يُقال: مثَّل بالقَتيل: إذا جدَعَه، وهذا مُرسَلٌ من قَتادة. وسبق الحديث في (الوضوء)، في (باب: أبوال الإبل). (فقال شعبة) موصولٌ في (الزكاة). (وحماد) وصلَه أبو داود، والترمذي، والنَّسائي. (وقال يحيى) موصولٌ في (المُحاربين).

37 - باب غزوة ذات القرد

(وأيوب) موصولٌ فيه أيضًا. * * * 37 - بابُ غَزْوَةِ ذَاتِ الْقَرَدِ وَهْيَ الغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاَثٍ. (باب غَزْوة ذي قَرَد) بفتح القاف، والراء، ويقال بضمهما، هو ماءٌ في شِعْب ناحيةَ خَيبر، وتُسمَّى غَزوة الغَابَة، على بَريدٍ -وقيل: يومٍ- من المدينة مِن ناحية الشَّام، سنة ستٍّ، وكان أبو ذَرٍّ وابنه في اللِّقاح، فأغارتْ عليهم غَطَفان في أربعين فارسًا عليهم عُيَيْنة بن حِصْن قبْل قصَّة عُرَينة بستة أشهرٍ. (قبل خيبر بثلاث) قيل: صَوابه: قبلَها بسَنةٍ. قلتُ: في "مسلم" عَقِيب غزوة ذي قَرَد، قال، يعني: سلَمة: هو اللهِ ما لبِثْنا ثلاث ليالٍ حتى خرَجنا إلى (¬1) خَيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 4194 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي ¬

_ (¬1) "إلى" ليس في الأصل.

عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى، وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ، قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ، قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ! قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ المَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ المَاءَ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي، وَكُنْتُ رَامِيًا، وَأقولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعْ ... اليَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ وَأَرْتَجِزُ، حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً، قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! قَدْ حَمَيْتُ القَوْمَ المَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: "يَا ابْنَ الأَكْوَعِ! مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ"، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ناَقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا المَدِينَةَ. الحديث الأول: (لِقاح) بكسر اللام: الإبِل، واحدها لَقُوح، وهو الحَلُوب. (غَطَفان) بمعجمةٍ، ومهملةٍ مفتوحتين. (يا صباحاه) كلمةٌ تُقال عند الغَارَة. (لابتي) اللَّابَة: الحَرَّة.

(الرضع) جمع: راضِع، أي: اللَّئيم. وأصله أنَّ رجلًا كان يَرضَع إبِلَه أو غنَمه ولا يَحلِبُها؛ لئلا يُسمَع صَوت الحلْب، فيَطمَعَ فيه الفقير ونحوه، أو لئلا يُصيبه من الإناء شيءٌ، أي: اليَوم يومُ اللِّئام، أي: يوم هَلاكهم، يقال في اللُّؤم: رَضُع يَرضَع، بالضم في الماضي، والفتح في المستقبل، رَضاعةً بالفتْح لا غيرُ، ورَضع الصَّبيُّ أُمَّه يَرضَعها رَضاعًا مثل: سَمِع يسمَع سَماعًا. (فأسجح) الإسْجاح، بالجيم، والمهملة: حُسن العَفْو. سبق الحديث في (الجهاد)، في (باب: مَن رأى العدوَّ فنادى: يا صباحاهُ). * * * 4193 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، وَالْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَكَانَ مَعَهُ بِالشَّأْمِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَشَارَ النَّاسَ يَوْمًا، قَالَ: مَا تَقُوُلونَ في هَذِهِ القَسَامَةِ؟ فَقَالُوا: حَقٌّ، قَضَى بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَضَتْ بِهَا الخُلَفَاءُ قَبْلَكَ، قَالَ: وَأَبُو قِلاَبَةَ خَلْفَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: فَأَيْنَ حَدِيثُ أَنَسٍ في الْعُرَنِيِّينَ؟ قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: إِيَّايَ حَدَّثَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ: مِنْ عُرَيْنَةَ. وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنسٍ: مِنْ عُكْلٍ، ذَكَرَ القِصَّةَ.

38 - باب غزوة خيبر

الثاني: (القسامة) هي قِسْمة الأَيمان على الأَولياء في الدَّم عند اللَّوث، أي: القَرائن المغلِّبة على الظَّنِّ. فإنْ قيل: كيف يدفَع حديث العُرَنيِّين القَسامةَ؟، قيل: لأنَّهم قتَلوا الرَّاعي، وهناك لَوْثٌ، ولم يَحكُم به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، بل اقتصَّ منهم. (قال عبد العزيز) وصلَه مسلم، وغيره. (وقال أبو قِلابة) موصولٌ في (الطهارة)، و (القَسامة)، وغيرهما. * * * 38 - بابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ (باب غزْوة خَيْبر) بالرَّاء: بَلْدةٌ معروفةٌ على نحو أَربع مَراحل من المدينة مما يَلي الشَّام. 4195 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كنَّا بِالصَّهْبَاءِ -وَهْيَ مِنْ أَدْنىَ خَيْبَرَ- صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ وَأكلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ

صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. الحديث الأول: (فثرى)؛ أي: بل بالماء، واللَّبن. ومرَّ الحديث في (الوضوء)، في (باب: مَن مَضمضَ من السَّويق). * * * 4196 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْناَ لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ! أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ، وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا وَألقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ "، قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: "يَرْحَمُهُ اللهُ"، قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نبَيَّ اللهِ، لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ. فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ، فَحَاصَرْناَهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ الله تَعَالَى فتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ اليَوْمِ

الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذِهِ النِّيرَانُ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ "، قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: "عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ "، قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَهْرِيقُوهَا وَاكسِرُوهَا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: "أَوْ ذَاكَ"، فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ، فَمَاتَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَالَ: "مَا لَكَ؟ "، قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ". حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ: "نَشَأَ بِهَا". (فقال رجل)؛ أي: أُسَيد بن حُضير. (لعامر) وابن الأَكْوَع عمُّ سلَمة. (هنياتك) ورُوي: (هَناتِك) بلا تصغيرٍ، والهَنُ بوزْن: أخٍ؛ كنايةٌ عن الشَّيء، وأصله: هَنَوٌ، ويُقال للمؤنَّث: هَنَةٌ، وتصغيرها: هُنَيَّة، وقد يُبدل من الياء الثانية هاءٌ، فيُقال: هُنَيْهَة، والجمْع هُنيَّاتٌ، وقد رُوي بهما، والمراد هنا بذلك، الأراجيز: جمع أُرجُوزة. (يَحْدُو)؛ أي: يَسوق الإبل. (اللهم لولا أنت) إلى آخره.

سبق في (الجهاد): أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقُولها في حَفْر الخنْدق، وأنها من أراجِيْز ابن رَوَاحة، ولا مُنافاةَ بينهما, ولفظ: (اللَّهمَّ) هو الرواية، لكن المَوزُون: (لاهُمَّ). (فَداء) بفتح الفاء وكسرها. قال المَازَرِيُّ: لا يُقال لله: فداءً لك؛ لأنه إنما يُستعمل في مكروهٍ يُتوقَّع حُلوله بالمُفدَّى، فيَختار شخصٌ أن يحلَّ ذلك به، ويفديه منه، فيُؤوَّل إما بأنه مجازٌ عن الرِّضا، كأنه قال: نفْسي مبذولةٌ لرِضاك، أو هذه كلمةٌ وقَعتْ في البيت خطابًا لسامعِ الكلام. وقال: لفْظ: (فِداء) مقصورٌ وممدودٌ، مرفوعٌ ومنصوبٌ. (أبقينا) مبنيٌّ للفاعل أو المفعول، وفي بعضها: (أَتَينا) من الإتْيان، أي: للقِتال أو للحقِّ، وفي بعضها مِن الإِباء عن خِلاف الحقِّ أو الفِرار، ويُقال: عوَّلتُ عليه: إذا حملتَ عليه، أو أعيلت عليه. (الأكوع) اسمه: سنان بن عبد الله. (قال رجل من القوم) هو عُمر بن الخطاب كما في "صحيح مسلم". (وجبت)؛ أي: الجنَّةُ له ببركة دُعائك له. (هل لا متعتنا) وفي بعضها: (لولا متَّعتَنا)، وفي بعضها: (أَمتَعْتَنا)، أي: ببَقائه، والتمتُّع التَّرفُّه، أي: ليتَك أشركتَنا في هذا الدُّعاء. وقيل: معناهُ: وجبتْ له الشَّهادة بدُعائك، وليتَك تركتَه لنا.

قال ابن عبد البَرِّ: كانوا عرَفوا أنَّه - صلى الله عليه وسلم - ما استَغفر لإنسانٍ قطُّ يخصُّه بالاستِغفار إلا استُشهد، فلمَّا سمع عُمرُ ذلك قال: يا رسول الله! لو متَّعتَنا بعامرٍ، فبارزَ يومئذٍ مَرْحَبًا -بفتح الميم، والمهملة، وسُكون الراء بينهما، وبموحَّدةٍ- اليهوديَّ، فاختلَفا ضربتَين، فرجَع سيْفُ عامرٍ على ساقه فقَطَع أكْحَله، فماتَ منها. (لحوم) بالرفْع خبر مبتدأ محذوفٍ، وبالنَّصب على إسقاط الخافِض، أي: على لُحوم. (الإنْسية) بكسر الهمزة، وسُكون النون، وبفتحهما، أي: إما من الأُنس، وهو التَّأْنيس، أو من الإنْس، وهو الإبْصار، وقيل: هما بمعنًى غير أنَّ إحداهما خالفت القِياس. مرَّ في (كتاب المظالم). (أو نُهْرِيقها) بـ (أو) العاطفة، وسُكون الهاء، وفتحها، وبحذفها. (ذباب)؛ أي: طَرَفه الذي يُضرَب به. (حبط)؛ أي: لأنَّه قتَل نفْسه. (أجرين)؛ أي: أجر الجُهد في الطَّاعة، وأَجْر المُجاهدة في سبيل الله. (لجاهد مجاهد) بصيغة اسمَي فاعِل، وفي بعضها بلفظ الماضي، وفتْح الجيم، جمع: مَجهَدة، وهي روايةُ الحَمُّوي، والمُستَمْلِي.

(قلَّ عربي مشى)؛ أي: قليلٌ من العرَب مشَى في الدُّنيا بهذه الخَصْلة الحميدة التي هي الجهاد مع الجَهد، أي: الحِدَّة، أو التي هي الجُهد في المُجاهدة، وفي بعضها: (نَشَا) بلفظ الماضي من النُّشُوِّ، وفي بعضها: (مُشابهًا) اسم فاعلٍ من المشابهة. قال (ع): يحتمل أنه يرجع اللَّفظين كما يقال: جادٌّ مُجِدٌّ، ولَيلٌ لايلٌ، وشِعْرٌ شاعِرٌ، أي: فيكون الأول: خبَر (إنَّ)، والثاني: إتْباع. قال: وضبَطناه: (مشَى بها) من المَشْي، أي: مشَى بالأرض أو الحرْب، و (مُشابِهًا) من المشابهة، أي: مُشابهًا لصِفات الكمال، وقد يُنصب بفعلٍ محذوفٍ، أي: رأَيتُه مُشابهًا، ومعناه: قلَّ عربيٌّ مثلُه في جمْعه صِفات الكمال. قال: وضبَطَه بعضهم: (نَشَأَ بها)، بالنون، والهمز، أي: شبَّ وكَبر بها، أي: فيها، والهاء عائدةٌ إلى الحرْب، أو بلاد العرَب. وهذه أوجه الرِّوايات. ورُوي: (عَربيًّا) بالنصب، قال السُّهَيْلي: على التَّمييز، و (مثلُه) فاعلُ (قَلَّ)؛ لأنَّ في الكلام معنى المدْح، نحو عَظُم زيدٌ رجلًا، ووزْن قَلَّ فَعُلَ بالضمِّ؛ لأنَّ اسم فاعله قَليلٌ. * * * 4197 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا

أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتِ اليَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ". الثالث، والرابع: (مكاتلهم) جمع: مِكتَل، بمثنَّاةٍ، وهو الزَّنْبيل. (والخميس) مرفوعٌ، أو نُصب مفعولًا معه، وسُمي الجيش خَميسًا؛ لأنه خمسةٌ: مَيْمَنة، ومَيْسَرة، وقَلْب، ومُقدِّمة، وسَاقَة. (بساحة)؛ أي: بفِناء، وأصلُها: الفَضاء بين المنازِل. * * * 4198 - أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً، فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالمَسَاحِي، فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ"، فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الحُمُرِ، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ. 4199 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ،

حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: "أُكِلَتِ الحُمُرُ، فَسَكَتَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: أُكِلَتِ الحُمُرُ، فَسَكَتَ، ثُمَّ أتاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: أُفْنِيَتِ الحُمُرُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: إِنَّ الله وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَأُكْفِئَتِ القُدُورُ، وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمٍ. 4200 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ قَالَ: "اللهُ أُكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ"، فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ في السِّكَكِ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ. 4200 / -م - وَكَانَ في السَّبْيِ صَفِيِّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! آنْتَ قُلْتَ لأَنسٍ مَا أَصْدَقَهَا، فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ. 4201 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: سَبَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَفِيَّةَ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ ثَابِتٌ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا، قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا.

الخامس، والسادس، والسابع: (فاطبخوا) بتشديد الطاء، أي: طبَخوا، وفاء الافتعال فيه أُبدلت طاءٌ وأُدغمت. (فأكفئت) قيل: صوابه: كُفِئَت؛ لأنَّ كفأَه: قلبَهُ، وأكفأَه: أَمالَه. ويحتمل أنَّ المراد: أمالَها حتى يَزول ما فيها، فأُكفِئَتْ صحيحٌ، على أنَّ المُطرِّزي حكَى: أَكفأَ لغةً في كَفَأَ، وعليها الحديث. (ما أصدقها)؛ (ما) استفهاميةٌ. سبق في (النكاح)، وفي (الصلاة)، في (باب: ما يُذكر في الفَخِذ). * * * 4205 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ -أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - - أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهْوَ مَعَكُمْ"، وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَقَالَ لِي: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ"، قُلْتُ لَبَّيْكَ: رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَلاَ

أَدُلُّكَ عَلَى كلِمَةٍ مِنْ كنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ "، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ". الثامن: (أشرف) يُقال: أشرفتُ عليه، أي: اطَّلعتُ عليه من فَوق. (ارْبَعوا) بكسر الهمزة، وفتح الموحَّدة، مِن ربَع يَربَع: إذا رفَق. (معكم)؛ أي: بالعِلْم. وسبق في (باب: ما يُكره من رفع الصوت)، في (كتاب الجهاد). (كنز)؛ أي: ثوابها من نفِيْس ما في الجنَّة، وما ادُّخر فيها للمُؤمنين، أو من محصَّلات نَفائس الجنة وذَخائرها. قال (ن): كما أنَّ الكنْز أنفَس الأموال، وسبَبه أنها كلمةُ استِسلامٍ، وتفويض إلى الله تعالى، وأنَّ العبد لا يملِك شيئًا من أَمْره. ومعناه: لا حِيْلةَ في دفْع شَرٍّ، ولا قُوَّةَ على تحصيل خيرٍ إلا بالله، أو لا حَوْلَ عن مَعصيته إلا بعِصْمته، ولا قوةَ على طاعتِه إلا بمَعُونته. * * * 4202 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْتَقَى هُوَ وَالمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً

وَلاَ فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا اليَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرعَ أَسْرعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ في طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ في الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ". التاسع: (شاذة) ما كان مع جماعةٍ، ثم فارقَها. (فاذة) الذي لا يختلِطُ قطُّ بجماعةٍ. (أجزأ) مهموزٌ، أي: أغنَى، وجَزَى غير مهموز: كَفَى، أي: ما كفَى أحدٌ مثل كِفَايته، ولا سَعى مثل سَعيه. (صاحبه)؛ أي: أُصاحبُه وأُلازمُه حتى أَرى مآلَ حالِه.

(ذبابه)؛ أي: طرَفه. مرَّ الحديث في (الجهاد)، في (باب: لا يقول: فُلانٌ شهيدٌ). * * * 4203 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: شَهِدْناَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإسْلاَمَ: هذا مِنْ أهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ القِتَالِ، حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الجِرَاحَةُ، فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ ألَمَ الجرَاحَةِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كنَانَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ، انْتَحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: "قُمْ يَا فُلاَنُ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ". تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. العاشر: (خَيْبر) هو الصَّواب، ورواه بعضهم: (حُنَين)، وكذا الجميع، رواه مسلمٌ، وهو وهمٌ. (يرتاب)؛ أي: يشكُّ. (فنحر بها) في الرِّواية الأُخرى: أنَّه قتَل نفْسَه بذُباب السَّيف،

ولا تَنافي؛ إذْ قد يكون بهما معًا. (فاشتّد)؛ أي: عدَا؛ مِن العَدْوِ. (انتحر)؛ أي: نحر نفْسَه. (بالرجل الفاجر) يحتمل أنَّ اللام للعهد عن الشخص المعيَّن، وهو قزمان، أو للعموم في كل فاجرٍ أيَّدَ الدِّين، وساعدَه بوجهٍ من الوُجوه. (تابعه مَعْمر) موصولٌ في (القَدَر). * * * 4204 - وَقَالَ شَبِيبٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. تَابَعَهُ صَالِحٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَسَعِيدٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وقال شبيب) وصلَه الذُّهْلي، وابن مَنْدَه في "الإيمان".

(وقال ابن المبارك) وصلَه في "كتاب الجهاد" له، وهي مرسلةٌ من روايته. (تابعه صالح) وصلَه البخاري في "التاريخ". (وقال الزبيدي) وصلَه في "التاريخ" أيضًا. (عُبيد الله بن عبد الله)؛ أي: ابن عُمر بن الخَطَّاب، والأول بالتَّصغير، وفي بعضها بالتَّكبير. قال الغَسَّاني: عُبَيد الله لا أَدري من هو؟، ولعلَّه وهمٌ، والصَّواب: عبد الرحمن بن عبد الله بن كَعْب. * * * 4206 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ في سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَفَثَ فِيهِ ثَلاَثَ نَفَثَاتٍ، فَمَا اشْتكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ. الحادي عشر: (نَفْثات) بسكون الفاء: وهو دُون التَّفْل. (حتى الساعة) لا يُقال: إنَّه يقتضي أنَّ الشِّكاية وُجدت بعد الغاية لدلالة المفهوم عليه؛ لأنَّا نقول: (حتى) هنا عاطفةٌ، و (السَّاعةَ)

بالنَّصب، مثل: أكلْتُ السَّمكةَ حتى رأْسَها، فيكون ما بعد: (حتى) داخلًا في حُكم ما قبلَها. * * * 4207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: الْتَقَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالمُشْرِكُونَ في بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي المُسْلِمِينَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ مِنَ المُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمْ مَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ، فَقَالَ: "إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: لأَتَّبِعَنَّهُ، فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ. حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ " فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْو مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ". الثاني عشر: عُلِمَ شرحه مما سبق. * * *

4208 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَرَأَى طَيَالِسَةً، فَقَالَ: كَأَنَّهُمُ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ. الثالث عشر: (طيالسة) جمع: طَيْلَسان، بفتح اللام والطاء؛ لأنَّه فارسيٌّ مُعرَّبٌ، وهي الأَكسيَة. قال الحافظ أبو ذَرٍّ: أنكَرَ ألوانهَا؛ لأنَّها صُفرٌ. (كأنهم)؛ أي: أصحاب الطَّيَالِسة. (يهود)؛ أي: لأنَّهم كانوا يَلبَسونها. * * * 4209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا، فَقَالَ: أَنَا أتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَلَحِقَ، فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ، قَالَ: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا، أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، يُفْتَحُ عَلَيْهِ"، فَنَحْنُ نَرْجُوهَا، فَقِيلَ: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ فَفُتِحَ عَلَيْهِ. الرابع [عشر]: (رَمِدًا) بكسر الميم.

(أنا أتخلف؟) باستفهامٍ مقدَّرٍ إنكاريٍّ، أي: أَأَنا أتخلَّف؟. * * * 4210 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَومَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ". قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: "أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ " فَقِيلَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ يَشْتكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: "فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ"، فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ. يَا رَسُولَ اللهِ! أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْر النَّعَمِ". الخامس عشر: (يدوكون)؛ أي: يَبيتُون في اختلاطٍ ودَوَرانٍ، وقيل: يخوضُون ويتحدَّثون في ذلك. (فأرْسَلوا) بفتح السِّين خبَرًا، وبكسرها أَمْرًا.

(فبرأ) بفتح الراء، بوزْن: ضَرَب، وبكسرها بوزْن: عَلِم. (أنْفُذ) بضم الفاء، وبالمعجمة. (رِسلك) بكسر الراء، أي: على تُؤَدةٍ ومَهَلٍ. (حمر) بسكون الميم: لَونٌ عندهم في الإبل. ومرَّ الحديث في (مناقب علي - رضي الله عنه -). * * * 4211 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ح). وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا، حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا في نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ"، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكبَ.

السادس عشر: (أحمد) قيل: ابن عِيْسَى التُّسْتَري، وقيل: ابن صَالح المِصْري. (حُيَيّ) بضم المهملة، وفتح الياء المخفَّفة، ثم ياءٌ مشدَّدةٌ. (أخطب) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ. (زوجها)؛ أي: كِنَانَة بن الرَّبيع بن أبي الحُقَيْق، بضم المهملة، وفتح القاف الأُولى، وسُكون الياء. (سَد الصهباء) بفتْح السِّين المهملة: مَوضعٌ بأسفَل خَيْبر. وصوَّب بعضُهم ما سبَق آخرَ (البيع): أنه سَدُّ الرَّوحاء، ولكنْ لا مُنافاةَ، فإما هما واحدٌ، أو متقاربان سُمِّي كلُّ واحدٍ منهما بالآخَر. (حلت)؛ أي: صارتْ حَلالًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطَّهارة عن الحَيض، ونحوه. (حَيْسًا) بفتح المهملة، وإسكان الياء، وبالمهملة: تمرٌ يُخلَط بسَمْنٍ وأَقِطٍ. (نِطَع) بكسر النُّون، وفتح الطاء، في أفْصح اللُّغات. (يُحَوِّي) بكسر الواو المشدَّدة. ويُروى بإسكان الحاء المهملة، وتخفيف الواو، وهو ما ذكَره (خ). وكلاهما صحيحٌ، أي: يُهيِّئ لها مِن وَرائه بالعَباءة مَركَبًا وَطِيًّا، ويُسمى ذلك حَوِيَّةً، وهي لغةً: كساءٌ يُحوَّى حول سَنام البَعير.

ورواه ثابِت: (يُحوِّل) باللام. * * * 4212 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، سَمعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا، وَكَانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ عَلَيْهَا الحِجَابُ. السابع عشر: (ضرب عليها الحجاب)؛ أي: من أُمهات المؤمنين؛ لأنَّ ضَرْب الحِجاب إنما هو على الحَرائِر لا على مِلْك اليمين. (بالأنطاع) جمع: نِطَعِ، بكسر النون، وفتح الطاء في أفْصح اللُّغات. * * * 4213 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا - رضي الله عنه -، يَقُولُ: أَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلاَلًا بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ

يَمِينُهُ؟ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الحِجَابَ. الثامن عشر: بمعنى ما قبلَه. * * * 4214 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَحْيَيْتُ. التاسع عشر: (بِجراب) بالكسر على الأشهر. (فنزوت)؛ أي: وثبتُ. (فاستحييت)؛ أي: من اطِّلاعه على حِرْصي عليه. * * * 4215 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ

عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، وَسَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثَّوْمِ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. نَهَى عَنْ أكلِ الثَّوْمِ هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ، وَلُحُومُ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ عَنْ سَالِمٍ. العشرون: (وحده)؛ أي: النَّهي عن أكل الثُّوم لم يَروِه سالمٌ، وأجمع العُلماء على إباحة أكْله، لكن يُكره لمن أَرادَ حُضورَ جماعةٍ أو جمعةٍ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يترُك الثُّوم دائمًا؛ لأنه يتوقَّع مجيء الملائكة كلَّ ساعةٍ، فقيل: كان حَرامًا عليه، وقيل: مَكروهًا. نعم، إذا كان نهيه لغيره تنزيهًا، ولحم الحُمُر حرامٌ، فيَلزم منه استعمال اللَّفْظ الواحد في حقيقةٍ ومجازٍ، وهو جائزٌ عند الشافعي، - رضي الله عنه -، وأما عند غَيره فعلى سَبيل عُموم المَجاز. * * * 4216 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِب - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ. الحادي والعشرون: (ومتعة النساء): النِّكاح إلى وقتٍ لا أبَدًا، كان الرجل يقول:

أتمتَّع بكِ كذا مدةً بكذا من المال. * * * 4217 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. 4218 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، وَسَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. 4219 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ، وَرَخَّصَ في الخَيْلِ. 4220 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَإِنَّ القُدُورَ لَتَغْلِي، قَالَ: وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ، فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِيقُوهَا، قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَهَى عَنْهَا البَتَّةَ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ العَذِرَةَ.

4221 - أو 4222 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه -: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَصَابُوا حُمُرًا، فَطَبَخُوهَا، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم: أَكْفِؤُا القُدُورَ. 4223 - و 4224 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - يُحَدِّثَانِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدْ نَصَبُوا القُدُورَ: أَكْفِؤُا القُدُورَ. 4225 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: غَزَوْناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، نَحْوَهُ. 4226 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنضِيجَةً، ثُمَّ لَمْ يَأمُرْنَا بِأَكْلِهِ بَعْدُ. 4227 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: لاَ أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَجْلِ أنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ، فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ، أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ، لَحْمَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.

الثاني والعشرون إلى آخر التاسع والعشرون: كلها في تحريم الحُمُر الأهلية. (ألبتة)؛ أي: قطْعًا، وهمزته همزة قطعٍ على خلاف الأصل. (العَذِرة): النَّجاسة. وفي التَّعليلين مناقشةٌ؛ لأنَّ التَّبْسُّط في المَأْكولات قبل القِسمة قدر الكِفَاية حلالٌ، وأكل العَذِرة موجبٌ للكراهية لا للتَّحريم. وقال (ن): السَّبَب في الإراقة أنها نجسةٌ. وقيل: نهى عنها للحاجة إليها، وقيل: إنهم أَخذُوها قبل القِسمة، وهذان التَّأْويلان لأصحاب مالكٍ القائلين بإباحة لُحومها. (أكفئوا) من الإكفاء، وهو القَلْب، وجاء الثلاثيُّ بمعناه. (حمولة) بالفتح، أي: يُحمل عليها سواءٌ الحِمار وغيره، وسواءٌ كانت عليها الأَحمال أو لم تكُنْ. (أو حرمه)؛ أي: تحريمًا مُطلَقًا أبَديًّا. * * * 4228 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ، فَلَهُ ثَلاَثَةُ

أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ، فَلَهُ سَهْمٌ. الثلاثون: ظاهر المعنى. * * * 4229 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ؟ فَقَالَ: "إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ". قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا. الحادي والثلاثون: (بمنزلة)؛ أي: بنو أعمامه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّ عُثمانَ بن عبد شمس، وجُبير من بني نَوفَل، وكلاهما ابن عبد مَنافٍ كالمُطَّلب وهاشم. (شيء واحد)؛ أي: لم يُفارق أحدهما الآخر لا في جاهليةٍ ولا إسلامٍ، وكانا محصورَين معًا في خَيْف بني كِنانة. * * * 4230 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ

ابْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ بِاليَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ، وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، إِمَّا قَالَ: بِضْع، وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا -يَعْنِي: لأَهْلِ السَّفِينَةِ-: سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ. 4230 / -م - وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ -وَهْيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا- عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ عُمَرُ: الحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ البَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ. قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللهِ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا في دَارِ -أَوْ في أَرْضِ- البُعَدَاءِ البُغَضَاءِ بِالحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَايْمُ اللهِ! لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسْأَلُهُ، وَاللهِ لاَ أَكْذِبُ، وَلاَ أَزِيغُ، وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ.

4231 - فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: يَا نبَيَّ اللهِ! إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "فَمَا قُلْتِ لَهُ؟ " قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ"، قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ في أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الحَدِيثَ مِنِّي. 4232 - قَالَ أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالقُرْآنِ، حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ، إِذَا لَقِيَ الخَيْلَ -أَوْ قَالَ: العَدُوَّ- قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ". الثاني والثلاثون: (مخرج)؛ أي: خُروجه من مكة إلى المدينة. (وافينا)؛ أي: صادَفْنا. (الحبشية هذه البحرية هذه) باستفهامٍ مقدَّرٍ فيهما، ونِسبتُها إلى الحبَشة؛ لمُلابَسَة هجرتها إليها، وإلى البَحر؛ لمُلابسَة رُكوبها السَّفينةَ.

(في دار، أو في أرض) بغير تنوينٍ للإضافة. (البعداء)؛ أي: عن الرِّفْق. (البغضاء) له، وهما جمعُ بَعِيدٍ، وبَغِيضٍ. (أهل السفينة) بالنَّصب: منادى، أو على الاختصاص. فإن قيل: يقتضي أن يكونوا أفضل من عُمر، وهو خلاف الإجماع، قيل: لا يلزم من تفضيلهم من جهةٍ تفضيلُهم على الإطلاق، أو عُدِل به عن ظاهره لمُصادَمته الإجماعَ. (أرسالًا) بفتح الهمزة، أي: أَفْواجًا يَتبَعُ بعضُهم بعضًا. (رفقة) بضم الراء وكسرها. قلتُ: وبفتحها أيضًا: الجَماعة تُرافقُهم في سفَرك. (الأشعريين) نِسبةً للأَشْعَر، وهو أبو قبيلةٍ من اليمَن، وتقول العرب أيضًا: جاءَك الأَشعَرون، بحذْف ياء النِّسْبة. (حَكِيم) بفتح المهملة، وكسر الكاف: رجلٌ شجاعٌ. * * * 4233 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أَنِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَسَمَ لَنَا، وَلَمْ يَقْسِمْ لأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الفَتْحَ غَيْرَنَا.

الثالث والثلاثون: ظاهر المعنى. * * * 4234 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا البَقَرَ وَالإِبِلَ وَالمَتَاعَ وَالحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى وَادِي القُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ العَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا"، فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ ناَرٍ". الرابع والثلاثون: (وادي القُرى) جمع قَرية: مَوضعٌ بقُرب المدينة. (مِدْعم) بكسر الميم، وإسكان المهملة الأُولى، واختُلف، هل

أَعتَقَه - صلى الله عليه وسلم -، أو مات رقيقًا؟. (الضباب) بكسر الضاد المعجمة، كذا في أكثر النُّسَخ، بل في كلِّها، والمشهور إنما هو الضُّبيب، بضم المعجمة، وهو رِفاعة بن زيد بن وَهْب الجُذَامي، كذا رواه مسلم. وقال المُنذري: كذا يقُوله بعضُ أهل الحديث، وأما أهل النَّسَب فيقولون فيه: الضَّبَني، بفتح الضاد، والموحَّدة، وبعدها نونٌ، منسوبٌ إلى ضَبَنة بطْنٍ من جُذام. ورِفاعة هذا قد مرَّ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من مَقدَمه من الحُديبِيَة في قومٍ، وأسلموا، وعقَد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قَومه. (عائر) بمهملةٍ، وهمزٍ بعد الألف، أي: جائِر عن قَصْده، وقيل: سهمٌ لا يُدرى من أين أتَى. (الشملة): كساءٌ يُشتَمل به. يحكى عن عليٍّ: أنَّ رجلًا قال له: ألا تَعرفُني؟، قال: نعم، كانَ أبوكَ يَنسج بيمينه شِماله. (لتشتعل)؛ أي: لأنَّه غَلَّها من الغَنيمة قبل القِسمة، قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ} الآية [آل عمران: 161]. (شِراك) بكسر المعجمة: أحَد سُيور النَّعل التي تَكون على وجهها. (شرَاكان من نار) في بعضها: (شِراكَين) على سَبيل الحِكاية. * * *

4235 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلاَ أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. الخامس والثلاثون: (ببّانًا) بالموحَّدتين، وشدَّة الثانية منهما، وبالنون، أي: شَيئًا واحدًا، وقيل: مُستَويًا، أي: في الأرض المغنُومة. قال أبو عُبيد: ولا أحسبُها عربيَّةً؛ لأنَّه لا يجتمِع حرفان في صَدْر الكلمة من جنسٍ واحدٍ، وقال غيره: هي حبَشيَّة. وقال أبو سَعيد الضَّرير: ليس في كلام العرَب ببَّان، والصَّحيح أنه بَيَّان، فإن العرب إذا ذكرتْ من الناس مَن لا تَعرف قالوا: هذا هَيَّان بن بَيَّان. قال الأزهري: ليس كما ظَنَّ، وكأنها لغةٌ يمانيةٌ. وقال الجَوْهَري: هو فعلان، وقال عُمر: إن عشتُ فسأَجعَلُ الناسَ بَبَّانًا واحدًا، يُريد التَّسوية في القَسْم، وكان يُفضِّل المهاجرين، وأهل بَدْرٍ في العَطاء، انتهى. وغرض عُمر - رضي الله عنه -: أي: لا أقسِمُها على الغانمين كما قسَم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نظَرًا للمَصلحة العامة للمُسلمين، وذلك كان بعد

استِرضائهم كما فَعَل بأرض العِراق. * * * 4236 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَوْلاَ آخِرُ المُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ. السادس والثلاثون: في معنى الذي قبلَه. * * * 4237 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ -وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ- قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ، قَالَ لَهُ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لاَ تُعْطِهِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ. فَقَالَ: وَاعَجَبَاهْ لِوَبْرٍ تَدَلَّى مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ! 4238 - وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِي قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِخَيْبَرَ، بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا، وَإِنَّ حُزْمَ

خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لاَ تَقْسِمْ لَهُمْ. قَالَ أَبَانُ: وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَانُ اجْلِسْ"، فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ. 4239 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي: أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ، وَقَالَ أَبَانُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: وَاعَجَبًا لَكَ وَبْرٌ تَدَأْدَأَ مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ! يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أَكْرَمَهُ اللهُ بِيَدِي، وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ. السابع والثلاثون، والثامن والثلاثون: (بعض بني سعد) هو أَبَان بن سعيد. (بن قَوْقَل) بفتح القافين، وسُكون الواو، وباللام، الأَنْصاري الصَّحابي، قتلَه أَبَان يوم أُحُدٍ. (لِوَبْر) بسُكون الموحَّدة: دُوَيبَةٌ أصغر من السِّنَّور، لا ذنَبَ لها، تُدجَّن في البُيوت. (تدلى)؛ أي: نزَل. (قَدَوم)؛ بفتح القاف، وتخفيف المهملة: ثنية جبَلٍ ببلاد دَوْسٍ. (الضأن) بالمعجمة غير مهموز: جبلٌ لدَوْسٍ الذين منهم أبو هريرة.

(قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله! لا تقسم لهم) قد سبق أنَّ أَبَان هو الذي قال: لا تُعطي أبا هريرة، ولا تنافيَ بينهما؛ لاحتمال الأمرَين بينهما. (وأنت بهذا)؛ أي: وأنت قائلُ هذا، ومتكلمٌ به، أي: متلبسٌ بهذا القول، أو قائلٌ به. (يا وبْر) فيه تعريضٌ بأبي هريرة. (تحدر) بلفظ الماضي على سَبيل الالتِفات من الخِطاب إلى الغَيبة، أي: جئتَ من أرضِ غُربةٍ، ولستَ من أهل هذه النَّواحي مكة والمدينة. وكان إسلام أَبَان بين الحُديبية وخَيبر، وهو الذي أجارَ عُثمان يوم الحُديبية حين بعثَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رسولًا إلى أهل مكة، والذي قتَل النُّعمان بن قَوْقَل في أحُدٍ إنما هو صَفْوان بن أُمَيَّة الجُمَحِي، ذكره أهل السِّير. (ضال) بلامٍ: هو السِّدر البَرِّي. (تدأدأ) بمهملتين، وهمزتين. قال (خ): وأصلُه تَدَهْدَه، قُلبت الهاء همزةً، والدَّأْدَأة: وَقْع الحِجارة في المَسيل، كأنه يقول: وَبْرٌ هجَمَ علينا. قال (ع): وعند المَرْوَزي: (تَردَّى، وتَدلَّى) أي: نزَلَ، والمعنى متقاربٌ. (ينعى)؛ أي: يَعيب عليَّ. (امرأً)؛ أي: ابن قَوْقَل.

(أكرمه الله)؛ أي: حيث صار شهيدًا بيَدي، ومنَعه أن يكون بالعكْس بأَنْ يَقتُل النُّعمانُ أَبَانًا على سبيل الإهانة والخِزْي في الدَّارين؛ لأنه لم يكُن يوم أُحُدٍ مسلمًا. وسبق كثيرٌ من شرح الأحاديث في (الجهاد)، في (باب: الكافر يقتل المسلم). * * * 4240 - و 4241 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ بِنْتَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - في هَذَا المَالِ"، وَإِنِّي وَاللهِ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ في ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ

وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، وَلاَ يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ؛ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَر عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لاَ وَاللهِ! لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟ وَاللهِ لآتِيَنَّهُمْ! فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أبُو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ، وَمَا أَعْطَاكَ اللهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نصَيبًا. حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ، فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الخَيْرِ، وَلَمْ أترُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ لأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ العَشِيَّةُ لِلْبَيْعَةِ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى المِنْبَرِ، فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ، وَتَخَلُّفَهُ عَنِ البَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا في هَذَا الأَمْرِ نصَيبًا، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْناَ فِي أَنْفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ المُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا، حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ المَعْرُوفَ. التاسع والثلاثون: (بالمدينة) وذلك من نحو بني النَّضير حين أَجْلاهم، ومما صالَح

أهلَ فَدَك على نصف أرضها، وكان النِّصْف له، وما كان له أيضًا من أرض خيبر، لكنَّه ما استأثَرَ بها، بل كان يُنفقها على أهله، والمسلمين، فصارت بعدَه صدقةً، حَرُمَ التملُّك لها، ومرَّت قصَّتُه في (الجهاد)، في (باب: الطَّعام عند القُدوم). (وفَدَك) بفتح الفاء، والمهملة، يُصرف ولا يُصرف: قَريةٌ على نحو مَرْحلتَين من المدينة. (فوجدت)؛ أي: غضِبَتْ، وكان ذلك أمرًا وقَع على مُقتضَى البشَرية، ثم سكَن بعد ذلك، والحديثُ كان مُؤَوَّلًا عندها بما فضَل عن ضَرورات مَعاش الورَثَة. (فهجرته) هو انقِباضُها عن لِقائه، وعدَم الانبِساط لا الهجران المُحرَّم من تَرْك السَّلام ونحوه. (حياة فاطمة) لأنهم كانوا يَعذُرونه عن المُبايَعة في تلك المدَّة؛ لاشتِغاله، وتسلية خاطرها من قُرب عهدها بمفَارقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (لا تدخل) إنما قال عُمر ذلك تَوهُّمًا أنهم لا يُعظِّمونه حقَّ التعظيم، وأما تَوهُّمه ما لا يَليق فحاشاه، وحاشاهم من ذلك، وأما كراهتُهم حُضورَ عُمر؛ فلعلَّهم تَوهَّموا كثْرة المعاتَبة والمقاوَلة، فقصدوا التَّخفيف في البحث، والإسراعَ في إتمام قَضيَّة المُصافاة. (ما عسيتهم) بكسر السين المهملة وفتحها، أي: ما رَجَوتُهم أن يفعلُوا، و (ما) استفهاميةٌ، و (عسى) استُعمل استعمال الرَّجاء، ولهذا اتصل به ضمير المَفعول.

وفي بعض الروايات: (وما عساهم)، والغرَض أنهم لا يفعلُون شيئًا لا يَليقُ بهم. قال ابن مالك: استعمل (عسَى) استِعمالَ (حَسْب)، وكان حقُّه أن يقول عاريًا من (أنْ)، ولكنْ جِيء به لئلا يُخرج (عسى) بالكُلِّية عن مُقتضاها, ولأنها قد تسدُّ بصِلَتها مَسَدَّ مفعولَيه، فلا يُستبعد مجيئُها بعد المفعول الأول سادةً مسَدَّ ثاني المفعولَين. (تنفس) بفتح الفاء: مضارع نَفِسَ بالكسر، أي: لم نَضِنَّ عليك. (استبدت) أصله: استَبْدَدْتَ، بدالين، وكذا لأبي ذَرٍّ، فحُذِف أحدهما تَخفيفًا نحو: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65]. (بالأمر)؛ أي: الخِلافة، وما شَاورتَنا فيه، وما عيَّنْتَ لنا نَصيبًا منه. (شجر)؛ أي: وقَع النِّزاع، والاختِلاف فيه. (فلم آل)؛ أي: لم أُقصِّر. (العشية) بالرفع والنصب. (رقي) بوزْن عَلِمَ. (وعُذره) بضم المهملة، ولأبي ذَرٍّ بفتحها، أي: قَبِل عُذره. (الأمر المعروف)؛ أي: موافقةُ سائر الصَّحابة بالمبايعة للخِلافة. * * *

39 - باب استعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل خيبر

4242 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا: الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ. 4243 - حَدَّثنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ. الأربعون، والحادي والأربعون: (نشبع) وشبِعنا، كنايةٌ عن الكثْرة والخِصْب والرُّخْص. * * * 39 - بابُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ (باب استِعمال النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على أَهل خَيْبر) 4244 - و 4245 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَجيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا"؟ فَقَالَ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا

بِالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ: "لاَ تَفْعَلْ، بعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِم، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِم جَنِيبًا". الحديث الأول: (رجلًا) هو سَوَاد بن غَزِيَّة، بفتح المعجمة، وكسر الزاي، وتشديد الياء. وهو الذي طعنَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمِخْصَرته، ثم أَعطاهُ إياها، وقال: "استَقِدْ"، وهو المراد في الحديث بعده: "بَعَث أخا بني عَدِيٍّ". (جَنِيب) بفتح الجيم، وكسر النون: نوعٌ من التَّمْر الغَريب، وهو أجوَد تُمورِهم. (بالثلاثة) بدَلٌ من الصَّاعَين، وفي بعضها: (والصَّاعين بالثَّلاثة). (الجَمْع) بسكون الميم: نوعٌ رَدِيءٌ، وقيل: الأَخْلاط من التُّمور. (وقال عبد العزيز) وصلَه أبو عَوَانَة، والدَّارَقُطْني. * * * 4246 - و 4247 - وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ عَبْدِ الْمَجيدِ، عَنْ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَاهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا. وَعَنْ عَبْدِ الْمَجيدِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

40 - باب معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر

وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ. الثاني: (عَدِي) بفتح المهملة الأُولى، وكسر الثانية. * * * 40 - بابُ مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ خَيْبَرَ (باب مُعامَلَة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أهلَ خَيْبَر) 4248 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَعْطَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ اليَهُودَ؛ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. (شطر)؛ أي: النِّصف، وقد يُطلَق على البعض. ومرَّ الحديث في (كتاب الحَرْث). * * * 41 - بابُ الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِخَيْبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

42 - باب غزوة زيد بن حارثة

(باب الشَّاة التي سُمَّتْ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 4249 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ. (سم) بالضم والفتح، واسم المَرأَة التي فعلَتْ ذلك: زَينَب بنت الحارِث بن سَلام، وقيل: هي أُخْت مَرْحَب اليهودي. وروي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صَفَح عنها، وروي أنَّه قتَلَها وصلَبَها، وجُمع بينهما بأنَّه عَفَا عنها في حقِّ نفْسه، ولما مات البَراء بن مَعْرُور اقتصَّها به. وروى مَعْمَر في "جامعه" عن الزُّهْري: أنَّها أسلَمَتْ فتركَها، وأشار إلى تفرُّده به. وسبَق الحديث. * * * 42 - بابُ غَزْوَة زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ (باب غَزْوة زَيْد بن حَارِثة) بمهملةٍ، ومثلَّثةٍ: القُضَاعي، بقافٍ، ومعجمةٍ، ومهملةٍ، مَولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

43 - باب عمرة القضاء

4250 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ، فَطَعَنُوا في إِمَارَتِهِ، فَقَالَ: "إِنْ تَطْعَنُوا في إِمَارَتِهِ، فَقَدْ طَعَنْتُمْ في إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللهِ! لَقَدْ كانَ خَلِيقًا لِلإمَارَةِ، وَإِنْ كانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ". (تَطْعَنوا) قيل: بفتْح العين؛ لأنَّه من القَول، وأما طَعْن الرمح فمُضارعُه بالضَّمِّ. (خَليقًا)؛ أي: جَديرًا، فلم يكُن طعْنُكم فيه حقًّا كما ظَهَر لكم في آخِر الأمر، فكذلك في ولَدِه. (للإمارة) بالكسر: الوِلايَة. (وإن كان)؛ أي: أنَّ زيدًا كانَ. (وإن هذا)؛ أي: أُسامة. سبق في (المناقب). * * * 43 - بابُ عُمْرَةِ القَضَاءِ ذَكَرَهُ أَنسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب عُمْرَة القَضاء) هو اشتِقاقٌ مما كتَبوه في الصُّلْح يوم الحُديبية: (هذا ما قاضَى عليه)، لا مِن القَضاء الاصطِلاحي؛ إذ لم تكُن هذه العُمْرَة قَضاءً للعُمْرة التي تحلَّلوا منها يوم الصُّلْح. وسبب ذِكْر هذا الباب في (كتاب المَغازي) الخُصومة التي جرَتْ بينهم وبين الكُفَّار في سنَة التحلُّل، والسنَة القابِلَة وإنْ لم تكُن بالمُسايفَة؛ إذ لا يَلزم من إطْلاق الغَزْو وُقوع المُقاتَلة بالسُّيوف، ولهذا في بعضها: (باب: غزْوة القَضاء). (ذكره أنس) موصولٌ في (الحج). * * * 4251 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذِي القَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الكِتَابَ، كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: لاَ نُقِرُّ بِهَذَا، لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ: "أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ". ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: "امْحُ رَسُولَ اللهِ". قَالَ عَلِيٌّ: لاَ وَاللهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكتُبُ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ

السِّلاَحَ، إِلَّا السَّيْفَ في القِرَابِ، وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ، إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا، فَلَمَّا دَخَلَهَا، وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمِّ! يَا عَمِّ! فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، حَمَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهْيَ بِنْتُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: "الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ". وَقَالَ لِعَلِيِّ: "أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ". وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: "أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي". وَقَالَ لِزَيْدٍ: "أَنْتَ أَخُوناَ وَمَوْلاَناَ". وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلاَ تتزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ". (قاضاهم)؛ أي: صالحَهم على أنْ يُقيم بها في السَّنَة المستقبَلة ثلاثةَ أيامٍ، وعليه تُحمل الرواية الأُخرى: (أنْ يُقم بها ما أحبُّوا)؛ لأنَّ محبَّتهم كانت ثلاثةَ أيامٍ. (لا أمحوك)؛ أي: لا أَمحُو اسمَكَ، وإنما لم يمتَثِلْ عليٌّ الأمرَ؛ لأنَّه عرَف بالقَرائن أنه لغير الإيجاب. (فكتب) إنما كان كذلك مع أنَّه النبيُّ الأُميُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ الأُميَّ مَن لا يُحْسِن الكِتَابة لا مَن لا يَكتُب، أو الإسناد مجازيٌّ؛ لأنَّه أمَرَ بها، أو كتَب خارِقًا للعادة على سَبيل المُعجزة.

(القراب) هو الوِعاء الذي يُغمَد فيه السَّيف. (فلما دخلوا)؛ أي: من العام المقبِل. (ومضى الأجل)؛ أي: الثلاثةُ أيامٍ. (دونك)؛ أي: خُذي، وهي كلمةٌ تُستعمل في الإغْراء بالشَّيء. (بنت أخي)؛ أي: لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان آخَى بين زيدٍ وحمزة. (إنها بنت أخي من الرضاعة)؛ أي: لأنَّ ثُوْيبَة أرضعتْه - صلى الله عليه وسلم -، وحمزةَ. ومرَّ في (الصُّلْح). فإن قيل: كيف أخذوها وفيه مخالفةٌ لكتاب العهد؟ قيل: لعلَّهم أرادوا أخْذ المكلَّفين، أو الذُّكور. * * * 4252 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ (ح). وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ العَامَ المُقْبِلَ، وَلاَ يَحْمِلَ سلاَحًا عَلَيْهِمْ إِلَّا سُيُوفًا، وَلاَ يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ العَامِ

المُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاَثًا، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ. الثاني: كالذي قبلَه. * * * 4253 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ المَسْجدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ قَالَ: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَرْبَعًا. 4254 - ثُمَّ سَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ، قَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ! أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ؟ فَقَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُمْرَةً إِلَّا وَهْوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ في رَجَبٍ قَطُّ. الثالث: (استنان)؛ أي: استِيَاك. (ألا تسمعين) في بعضها: (ألم تَسمَعين)، وهو على لُغة مَن لا يُوجِب الجزْم بأدوات الجزم. * * *

4255 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ: لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَتَرْناَهُ مِنْ غِلْمَانِ المُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ، أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: واضحُ المعنى. * * * 4256 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الإبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. وَزَادَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ، قَالَ: ارْمُلُوا؛ لِيَرَى المُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ، وَالمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ. 4257 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: إِنَّمَا سَعَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ؛ لِيُرِيَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ.

الخامس: (وفد) جمع: وافِدٍ، في بعضها بالقاف والواو للعطْف، و (قد) للتَّقريب. (وهنتهم)؛ أي: أضعفتْهم، يُقال: وهَّنَهُ وأوهَنَهُ، لغتان. (يرملوا) هو الهَرْوَلَة، أي: الإِسْراع في المشْي مع تقارُب الخُطَا. (الثلاثة)؛ أي: الأول مِن الأَطْوِفة السَّبْعة. (الإبقاء)؛ أي: الرِّفْق، يُقال: أبقَيتُ على فُلانٍ: إذا رحمتَه. (وزاد ابن سَلَمة) بفتح اللام، وصلَه الإِسْماعيلي، والطَّبَراني. (استأمن)؛ أي: دخَل في الأَمان. (قُعَيْقِعَان) بضم القاف الأُولى، وكسر الثانية، وفتح المهملتين، وسُكون الياء: جبَلٌ بمكة معروفٌ، مقابِلٌ لأبي قُبَيْس. * * * 4258 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَيْمُونَةَ وَهْوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهْوَ حَلاَلٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ. 4259 - وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَأَبَانُ بْنُ صَالحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -

44 - باب غزوة مؤتة من أرض الشام

مَيْمُونَةَ في عُمْرَةِ القَضَاءِ. السادس: (وهو مُحْرم) قال ابن المُسيَّب: وهِمَ فيه، ما تزوَّجَها إلا وهو حلالٌ، أي: لرواية يَزيد بن الأَصَمِّ، وأبي رافِع، وغيرهما، وقد رواه الدَّارَقُطْني عن ابن عبَّاسِ أيضًا. (بسَرِف) بفتح المهملة، وكسر الراء: مَوضعٌ بين الحرَمين. (وزاد ابن إسحاق) وصلَه ابن خُزيمة، وابن حِبَّان. * * * 44 - بابُ غَزْوَةِ مُؤتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ (باب غزوة مُؤْتة) بضم الميم، وبالهمزة، والمثنَّاة: قَريةٌ من أرض البَلْقاء، وأما بلا همزِ فضربٌ من الجُنون؛ قاله السُّهَيْلي. وقال (ن): يجوز ترك الهمزة كما في نظائره. وقال الدِّمْيَاطِي: هي بأَدنى البَلْقاء دُون دمشق، وقيل: على مَرحلتين من بيت المقدِس، وكانت في جمادى الأُولى سنةَ ثمانٍ من الهجرة، التَقَوا مع هِرَقْل.

4260 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ وَهْوَ قَتِيلٌ، فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ في دُبُرِهِ؛ يَعْنِي: فِي ظَهْرِهِ. الحديث الأول: (أحمد) قال الكَلابَاذِي: وابن عِيْسى التُّسْتَري. (دُبره) بضم الموحَّدة، وسُكونها: الظَّهْر، أي: لم يكن شيءٌ منها في حالِ الإدبار بل كلُّها في حال الإقْبال، وغرَضه بَيان شَجاعته. * * * 4261 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ مُوتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُنْتُ فِيهِمْ في تِلْكَ الغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْناَهُ في القَتْلَى، وَوَجَدْناَ مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. الثاني: (بضعًا وتسعين) لا يُنافي الرواية السابقة: خمسين؛ لأنَّ ذلك في قتله خاصَّةً، وهنا في جميع جسَده، أو ذاك من الطَّعَنات والضَّرَبات،

وهذا من الرَّمْيات معها؛ لأنَّ الطَّعن بالرُّمح، والضَّرب بالسَّيف، والرمي بالسَّهم، على أنَّ التَّخصيص بالعدَد لا يدلُّ على نفْي الزائد. * * * 4262 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى زَيْدًا، وَجَعْفَرًا، وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ"، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، "حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ حَتَّى فتحَ اللهُ عَلَيْهِمْ". الثالث: (أحمد بن واقد) هو ابن عبد الملِك بن وَاقِد. (تذرفان) بذالٍ معجمةٍ، وراءٍ مكسورةٍ، أي: يَسيل منهما الدَّمْع. (سيف) هو خالد بن الوليد. مرَّ في (الجنائز)، في (باب: الرجل ينعى). * * * 4263 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرتْنِي عَمْرَةُ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللهِ

ابْنِ رَوَاحَةَ - رضي الله عنهم -، جَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ البَابِ؛ تَعْنِي: مِنْ شَقِّ البَابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ! إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ، قَالَ: وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، قَالَ: فَذَهَبَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ. وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ، قَالَ: فَأَمَرَ أَيْضًا فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَى، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا. فَزَعَمَتْ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَاحْثُ في أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ، فَوَاللهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ العَنَاءِ. الرابع: (صائر) بمهملةٍ، وهمزٍ بعد الألف: الشِّقُّ. (إن نساء جعفر) خبره محذوفٌ، أي: يَبكِينَ، والنَّهي عن البُكاء إنما هو إذا كان مع النِّياحة ونحوها. (فاحثُ) بضم المثلَّثة وكسرها؛ لأنَّه يُقال: حثَا يَحثُو، ويَحثِي. (العناء) بالمهملة، والمدِّ: التِّعَب، والنَّصَب، قيل: معناه: إنَّك قاصِرٌ لا تقُوم بما أُمرت به، ولا تُخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بمقصودك عن ذلك حتى تُرسِل غيرَك، وتَستريح من العَناء. وسبقت فيه فوائد في (كتاب الجنائز)، في (باب: من جلس عند المصيبة). * * *

4264 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الجَنَاحَيْنِ. الخامس: (ذي الجناحين) لقَبٌ لجَعْفر؛ لِما رُوي أنه لَما قُطعت يداه في مُؤْتة جعلَ الله له جَناحَين يَطير بهما في الجنَّة، ويُلقَّب بالطَّائر أيضًا. وسبق في (مناقبه). * * * 4265 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْقَطَعَتْ في يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بَقِيَ في يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانيةٌ. السادس: (صحيفة)؛ أي: السَّيف العَرِيض. (يمانية) بتخفيف الياء في الأفْصح. قال سِيْبوَيْهِ: وبعضُهم يقول: يمانيٌّ، بالتشديد. * * *

4266 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدْ دُقَّ في يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَصَبَرَتْ في يَدِي صَفِيحَةٌ لِي يَمَانِيَةٌ. السابع: (وصبرت)؛ أي: لم تنقطِع، ولم تَنْدقَّ. * * * 4267 - حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي: وَاجَبَلاَهْ، وَاكَذَا، وَاكَذَا. تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي: آنْتَ كَذَلِكَ؟ 4268 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْثَرُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِهَذَا، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ. الثامن، والتاسع: (واجبلاه) بالجيم، والموحَّدة. (أنت كذلك)؛ أي: قيل لي ذلك على سَبيل الإيذاء، والإِهانَة. * * *

45 - باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة

45 - بابُ بَعْثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ بْنَ زيْدِ إِلَى الحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ (باب بَعْثِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُسامةَ إلى الحُرَقَاتِ) بضم المهملة، وفتح الراء، وبقاف: قَبيلةٌ، والجمع فيه باعتِبار بُطون تلك القَبيلة. (من جُهينة) تصغير: جهِيْن، بجيمٍ، وهاءٍ، ونونٍ. 4269 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا القَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ. فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَا أُسَامَةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ"؟ قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ. الحديث الأول: (رجلًا منهم) هو مِرْداس، بكسر الميم، وإسكان الراء، وبمهملتين، ابن نَهِيك، بفتح النون، وكسر الهاء، وبالكاف، كان يرعَى غنَمًا له.

(متعوذًا)؛ أي: من القَتْل. (يُكررها)؛ أي: تلك الكلِمة، وهي: (أقتَلتَه بعد أنْ قال: لا إلهَ إلا الله). (تمنيتُ) على معنَى المُبالَغة لا الحقيقة، وقيل: وجْه التمنِّي أنه تمنَّى إسلامًا لا ذَنْبَ فيه. قال (خ): فيه أنَّ المُشرِك إذا قال الكلمةَ رُفِع عنه السَّيْف، ويُشبه أنَّ أُسامة أوَّلَ قولَه تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] , وهو معنى مقالته: (كان مُتعوِّذًا)، ولذلك عذَرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - , فلم يُلزمه دِيَةً، ونحوَها. قال (ش): نقل القُرطبي في "تفسيره": أنَّه أمرَه بالدِّيَة. واعلم أنَّ هذه الغَزوة مشهورةٌ عند أصحاب المَغازي بغزْوة غالِب الكَلْبي اللَّيْثي، وفيه نَزل: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]. * * * 4270 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ، يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ البُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ.

4271 - وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ، يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبع غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ البَعْثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، عَلَيْنَا مَرَّةً أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً أُسَامَةُ. الثاني: (وقال عُمر بن حفص) هو في "مستخرَج أبي نُعَيم"، و "فوائد سَمُّويه". * * * 4272 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبع غَزَوَاتٍ، وَغَزَوْتُ مَعَ ابْنِ حَارِثَةَ، اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا. 4273 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبع غَزَوَاتٍ، فَذَكَرَ خَيْبَرَ، وَالحُدَيْبِيَةَ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَيوْمَ القَرَدِ، قَالَ يَزِيدُ: وَنسَيتُ بَقِيَّتَهُمْ. الثالث، والرابع: (مع ابن حارثة) الظَّاهر أنه أُسامة بن زَيد بن حارِثة بدليل السِّياق.

46 - باب غزوة الفتح وما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي - صلى الله عليه وسلم -

(فاستعمله)؛ أي: جعلَه أميرًا علَينا. * * * 46 - بابُ غَزْوَةِ الفَتْحِ وَمَا بَعَثَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب كِتَاب حَاطِب، وغزْوة الفتْح) (حَاطِب) بكسر المهملة الثانية. (بَلْتَعة) بفتح الموحَّدة، وسكون اللام، وفتح المثناة، اللَّخْمي، بسُكون المعجمة. 4274 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ سَمعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا مِنْهَا"، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ، أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبعْض أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا حَاطِبُ! مَا هَذَا؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ، يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتدَادًا عَنْ دِينِي، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ"، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الله اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". فَأَنْزَلَ اللهُ السُّورَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إِلَى قَوْلهِ: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}. (عُبيد الله) هو مَولى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (خاخ) بمعجمتين: موضعٌ بين مكة والمدينة. (ظعينة) اسمها: سَارَة. (لتلقين) بكسر الياء وفتحها. سبق في (الجهاد)، في (باب: الجاسُوس). (عِقَاصها) بكسر المهملة، وبقاف: الشَّعْر المضفُور. وسبَق أنَّه لا يُعارض: (أخرجَتْه من الحُجْزة)؛ لاحتمال أنها أخرجتْه من الحُجْزة فأخفَتْه في العُقْصة، ثم أخرجتْه منها، وأجوبةٌ

47 - باب غزوة الفتح في رمضان

أُخرى سبَقت. وأما صُورة الكتاب؛ ففي (المغازي) هي: أما بعدُ: يا مَعشَر قُريش، فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءكم بجيشٍ كاللَّيل، يَسيرُ كالسَّيل، وواللهِ لو جاءكَم وحدَه لنصرَه الله عليكم، وأنجزَ له وعْدَه، فانظُروا لأنفُسكم، والسَّلام. (مُلصقًا)؛ أي: بسبب الحِلْف. (يدًا)؛ أي: حقًّا. * * * 47 - بابُ غَزْوَةِ الفَتْحِ في رَمَضَانَ (باب غزْوة الفتْح في رمَضان) 4275 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزَا غَزْوَةَ الفَتْحِ في رَمَضَانَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - قَالَ: صَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا بَلَغَ الكَدِيدَ -المَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ- أَفْطَرَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ.

الحديث الأول: (الكَدِيد) بفتح الكاف، وكسر المهملة الأُولى: العقَبَة المُطِلَّة على الجُحْفة. (قُديد) مصغَّر: قَدَد، بقافٍ، ومهملتين. (وعُسْفان) بضم المهملة الأُولى، وسُكون الثانية: على نحو أربعةِ بُرُدٍ من مكَّة. * * * 4276 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنِا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ في رَمَضَانَ مِنَ المَدِينَةِ، وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ، فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ، يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ -الكَدِيدَ وَهْوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ- أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الآخِرُ فَالآخِرُ. الثاني: (وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة). قلتُ: هذا مُشْكل؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِم المدينة في هجرته في ربيع

الأوَّل، فإنْ كان قد أُرِّخ به هنا؛ فيكون سبعُ سنين ونصفٌ، وإنْ أُرِّخ من أول المحرَّم؛ فيكون سبع سنين وتسعة أشهرٍ، فما وجه ثماني سنين ونصف؟!. (الآخر فالآخر)؛ أي: أنَّ الآخِرَ ينسَخ الذي قبلَه، والصَّوم في السَّفَر كان أولًا، والفِطْر بعده. * * * 4277 - حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ المُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا. 4278 - وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (في رمضان إلى حُنين) المَحفُوظ أنَّ خُروجه لها كان في شوَّال، فإنَّ مكة فُتحت في سابع عشر رمَضان.

48 - باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح؟

وسيأتي عن ابن عبَّاس: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة تسعة عشَرَ يومًا يُصلِّي ركعتَين. (وقال عبد الرزاق) وصلَه أحمد. (عن عكرمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) مُرسَلٌ. * * * 4279 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَافَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا؛ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. قَالَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: صَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. الرابع: واضحٌ. * * * 48 - بابٌ أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّايَةَ يَوْمَ الفَتْحِ؟ (بابٌ: أين رَكَز النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّايةَ يوم الفتح؟) 4280 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ،

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ؟ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْروٌ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ ناَسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَدْرَكُوهُمْ، فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: "احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى المُسْلِمِينَ"، فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ القَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ قَالَ: يَا عَبَّاسُ! مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ غِفَارُ. قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارَ، ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ، قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! اليَوْمُ يَوْمُ المَلْحَمَةِ، اليَوْمَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ! حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ، ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ، وَهْيَ أَقَلُّ الكَتَائِبِ، فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بأبِي سُفْيَانَ، قَالَ: ألمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: "مَا قَالَ؟ ". قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: "كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ

هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الكَعْبَةُ"، قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالحَجُونِ، قَالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ، قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كُدَا، فَقُتِلَ مِنْ خَيلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ؛ حُبَيْشُ بْنُ الأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ. الحديث الأول: (مر الظَهْران) بفتح الميم، وشدَّة الراء، وفتح المعجمة، وإسكان الهاء، وبراءٍ، ونونٍ: مَوضعٌ بقُرب مكَّةَ. (لكأنها) جوابُ قسَمٍ محذوفٍ، أي: واللهِ لكأَنَّها نيران ليلة عرَفَة، وكان عادتُهم أنهم يُشعلون نيرانًا كثيرةً فيها. (خَطم) بفتح المعجمة. (الجبل) بجيمٍ، وموحَّدةٍ، أي: أنْف الجبَل، وهو طرَفه السائل منه، وهو المسمَّى بالكُراع، هذه رواية النَّسَفي، والقَابِسِيّ. ورواه الجمهور: (حَطْم) بمهملة، و (الخيل) بمعجمةٍ، وياءٍ، أي: مُجتمَع الخيل الذي يُحطَم به، أي: يتضايَق حتى كان بعضُها يكسر بعضًا، والحَطْم: الكَسْر.

وقال السَّفَاقُسي: ضُبط (حَطِم) بفتح المهملة، وكسر الثانية وسُكونها، والأوَّل ضبْط اللُّغة، يُريد عند مَوضع ما تهدَّم من الجبَل وتكسَّر. وإنما حبَسَه هناك؛ لأنه موضعٌ ضيِّقٌ، فلا تَفُوته رؤية أحدٍ منهم. (كتيبة) بالمثنَّاة: قطعةٌ من العسكَر، من الكَتْب، وهو الجَمْع. (غِفار) بكسر المعجمة، وخفَّة الفاء، وبالراء. (جُهينة) مصغَّر: الجُهْنة، بجيمٍ، ونونٍ. (ابن هُذيم) مصغَّر: الهذم، بالمعجمة، وفي بعضها بحذْف لفظ (ابن). (سُليم) مصغَّر: سَلْم، بالمهملة. (أقل الكتائب) قال (ع): كذا لجميعهم، ورواه الحُمَيديُّ في "مختصره": (أجَلُّ) بالجيم، واللام، مِن الجَلالَة، وهي أظهر. وقد يُوجَّه الأول بأنها كانت كَتيبة المهاجرين، وهم كانوا أقلَّ عدَدًا من الأنصار. (يوم الملحمة)؛ أي: يوم حَرْبٍ لا تجِد منه مَخلَصًا، أو يوم القِتال، يُقال: لُحِمَ فُلانٌ: إذا قُتل، ويُقال له: يوم المعركة أيضًا. (الذِّمار) بكسر المعجَمة، أي: حين الغَصْب للحُرَم والأَهْل، أي: الانتِصار لمن يُمكِنه، وقد فاتَ أبا سفيان ذلك لمَّا غُلب.

وقيل: أراد: هذا يوم يَلزمُك فيه حفْظي وصِيانتي من أنْ يَنالني أحدٌ بمكروهٍ. (بالحَجُون) بفتح المهملة، وضم الجيم: جبَلٌ بمكَّة قَريبٌ من الصَّفا، وهو مقبرةٌ. (كَداء) بفتح الكاف، وتخفيف المهملة، والمدِّ، وأما (كُدَا) بضم الكاف، والقَصْر، والتَّنوين، فهو من أسفَل مكة على الأصحِّ. (خُنيس) مصغَّر: الخنس، بمعجمةٍ، ونونٍ، ومهملةٍ، كذا قال ابن إسحاق، والأصحُّ بمهملةٍ، وموحَّدةٍ، ثم معجمةٍ. (ابن الأشعر) بمعجمةٍ، ومهملةٍ، وراءٍ، وقيل: حُبيش الأَشْعر بدون (ابن)، كذا قاله ابن الكَلْبي، ولكنْ عند ابن سعد وغيره: أنَّ الأَشْعر هو أبوه خالد، وهو المقتول مع كُرْزٍ لا ابنُه حُبيش. (وكُرْز) بضم الكاف، وسُكون الراء، وبزايٍ، ابن جابِر، كان أَغارَ على سَرْح المدينة، فخرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في طلَبه حتى بلَغ سَفْوان، وادٍ بناحية بدْرٍ، فلم يُدركهُ، وهي بدْرٌ الأُولى. ثم أسلم فحسُن إسلامه، وولَّاه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على الجيش الذي خرَج في طلَب العُرَنيِّين. (الفِهْري) بكسر الفاء، وسُكون الهاء، وبراءٍ. * * * 4281 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ،

قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى ناَقَتِهِ، وَهْوَ يَقْرَأُ (سُورَةَ الفَتْحِ) يُرَجِّعُ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي، لَرَجَّعْتُ كمَا رَجَّعَ. الثاني: (يرجع) من التَّرجيع، وهو التَّرديد في الحَلْق. * * * 4282 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الفَتْح: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ"؟ 4283 - ثُمَّ قَالَ: "لاَ يَرِثُ المُؤْمِنُ الكَافِرَ، وَلاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُؤْمِنَ". قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ، قَالَ: وَرِثَهُ عَقِيلٌ، وَطَالِبٌ. قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَيْنَ تنزِلُ غَدًا؟ في حَجَّتِهِ، وَلَمْ يَقُلْ يُونس: حَجَّتِهِ، وَلاَ: زَمَنَ الفَتْح.

الثالث: (عَقيل) بفتح المهملة، وكسر القاف، وذلك أنَّه باعَ بعد هجرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من مكة الدُّورَ التي لعبد المطَّلِب كلَّها, ولما ماتَ أبو طالبٍ كان عَقِيْلٌ كافرًا، فورثَها منه. وسبَق شرحه في (الحج)، في (باب: توريث دُور مكة). (قال مَعْمر) موصولٌ في (الجهاد). (ولم يقل يونس)؛ أي: في روايته، وهي موصولةٌ في (الحج). * * * 4284 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللهُ إِذَا فتحَ اللهُ الخَيْفُ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ". الرابع: (الخَيْف) (¬1) ما انحدَر عن غِلَظ الجبل، وارتفَع عن مَسِيْل الماء. (تقاسموا)؛ أي: تحالَفوا على إخْراج الرسول وبني هاشِم والمطَّلِب من مكة إلى الخَيْف، وكتَبوا الصَّحيفة المشهُورة، كما مرَّ. * * * 4285 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، ¬

_ (¬1) "الخيف" ليس في الأصل.

أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: "مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ". الخامس: (حُنَين) بالنُّون. (كِنانة) بكسر الكاف، وخَيْفُهم هو الذي بمِنَى، وفيه المسجد المعروف. * * * 4286 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْح وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ؟ فَقَالَ: "اقْتُلْهُ". قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا نُرَى -وَاللهُ أَعْلَمُ- يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا. السادس: (المِغْفر) بكسر الميم: زَرَدٌ يُنسَج من الدُّروع على قدْر الرأْس، يُلبَس تحت القَلَنْسوة. (خطل) بمعجمةٍ، ومهملةٍ مفتوحتين، كان مسلمًا، وارتدَّ،

وقَتَل قَتيلًا بغير حقٍّ، وكان له قَيْنتَان تُغنِّيان بهَجْوِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. مرَّ أول (الحج). * * * 4287 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِئَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ في يَدِهِ، وَيَقُولُ: "جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، جَاءَ الحَقُّ، وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ". السابع: (نُصب) بضم النون، وسكون المهملة وضمها: الصَّنَم المنصوب للعِبادة، قال تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]. * * * 4288 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ في أَيْدِيهِمَا مِنَ الأَزْلاَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَاتَلَهُمُ اللهُ! لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ"، ثُمَّ دَخَلَ البَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي البَيْتِ، وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ.

49 - باب دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مكة

تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ. وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثامن: (الآلهة)؛ أي: الأَصنام التي يُسمِّيها المشركون آلهةً. (الأزلام) السِّهام التي كان أهلُ الجاهليَّة يقتَسِمون بها الخير والشرَّ. مرَّ أول (كتاب الأنبياء). (تابعه مَعْمر) وصلَه أحمد. (عكرمه) روايته مُرسلةٌ. * * * 49 - بابُ دُخُولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ (باب دُخول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من أَعلَى مكَّة) 4289 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُس، قَالَ: أَخْبَرَني نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ يَوْمَ الفَتْح مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الحَجَبَةِ، حَتَّى أَنَاخَ فِي المَسْجدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ البَيْتِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَمَكَثَ فِيهِ نهارًا طَوِيلًا، ثُمَّ خَرَجَ، فَاسْتبقَ النَّاسُ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ

عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ البَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى المَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلهُ: كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟ قوله: (وقال الليث) موصولٌ في (الجهاد). (من الحجبة)؛ أي: حَجَبة الكعبة، جمع: حاجِب. واعلم أنَّ رواية: (أنَّه صلَّى) مقدَّمةٌ على رواية (لم يُصَلِّ)؛ لأنَّ الإثبات مقدَّمٌ على النَّفي، وسبَق تحقيقه. * * * 4290 - حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَخْبَرتهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الفَتْح مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ في كَدَاءٍ. 4291 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْح مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ. الحديث الأول، والثاني: (من كداء) قال (ع): هو هنا بضم الكاف، مقصورٌ، وتابعَه على ذلك وُهَيْب، وأبو أُسامة. وقال عُبيد بن إسماعيل: وقد دَخَل عام الفتْح من أعلى مكة مِن

50 - باب منزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح

كَداء بالمد، أي: وهو الحديث الثاني في الباب. (تابعه أبو أُسامة) كذا هنا مُرسَلٌ، لكنَّها في (الجهاد) موصولةٌ متصلةٌ. (وهيب) موصولٌ في (الحج). * * * 50 - بابُ مَنْزِلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الفَتحِ (باب مَنْزِل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتْح) 4292 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى غير أُمِّ هَانِيءٍ، فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ: أَنَّهُ يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ اغْتَسَلَ في بَيْتِهَا، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ ركَعَاتٍ، قَالَتْ: لَمْ أَرَهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا، غير أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. (غير أُمّ هانئ) بنونٍ بعد الألِف، وهي فاخِتَة، بفاءٍ، ومعجمةٍ، ومثنَّاة، بنت أبي طالب. واعلم أنَّه قد روى غيرُها أَيضًا: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الضُّحى، لكنْ لا يَلزم من عدَم وُصول الخبَر إليه عدَمه. * * *

51 - باب

51 - بابٌ (باب) 4293 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللهُمَّ، رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي". الحديث الأول: (وبحمدك)؛ أي: مُتلبِّسًا بحمْدك تأْويلًا لقوله تعالى: {بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3]، ولتَعقيبه بقوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، وهذا مناسبٌ ذكْره في فتْح مكة. * * * 4294 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا، وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ. قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، وَدَعَانِي مَعَهُمْ، قَالَ وَمَا رُؤِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إلا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} حَتَّى خَتَمَ

السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ الله وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِي. أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا. فَقَالَ لِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ اللهُ لَهُ؛ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}: فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلا مَا تَعْلَمُ. الثاني: (قد علمتم)؛ أي: فضْلَه، وغَزارة عِلْمه. (مني)؛ أي: بعض فَضيلتي. (ابن عباس) نصب على النِّداء. * * * 4295 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ: أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهْوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ! أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الغَدَ يَوْمَ الفَتْح، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، حَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، لَا يَحِلُّ لاِمْرِيءٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فِيهَا فَقُولُوا: لَهُ إِنَّ الله أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ". فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْروٌ؟ قَالَ: قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ: إِنَّ الحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ. الثالث: (بخربة) بفتح المعجمة وضمها: البَليَّة، وقيل: السَّرِقة. وقد مرَّ في (العلم)، في (باب: لِيُبلِّغ الشاهدُ الغائبَ). * * * 4296 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الفَتْح وَهْوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ". الرابع: سبَق مراتٍ. * * *

52 - باب مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة زمن الفتح

52 - بابُ مَقَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ زَمَنَ الفَتْحِ (باب مُقَام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمكَّة زمَنَ الفتْح) مقام بضم الميم، أي: الإقامة، والقصد وصفُه بأنه أقامَ وإنْ لم يذكر تفصيلَه. 4297 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ. 4298 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أقامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ. 4299 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ عَاصمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا زِدْنَا أتمَمْنَا.

53 - باب

الحديث الأول، والثاني، والثالث: واضحةُ المعنى. * * * 53 - بابٌ (باب) 4300 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الفَتْحِ. (وقال الليث) وصلَه البُخَارِيّ في "تاريخه الصَّغير"، و"الأدب المُفرَد". * * * 4301 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: وَزَعَمَ أَبُو جَمِيلَةَ: أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الفَتْحِ. الحديث الأول: (وزعم)؛ أي: قالَ.

(جميلة) بفتح الجيم، قال الأُصوليُّون: إذا قال عدْلٌ مُعاصِرٌ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنا صَحابيٌّ صُدِّقَ فيه ظاهرًا. * * * 4302 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو قِلَابَةَ: أَلَا تَلْقَاهُ فتسْأَلَهُ؟ قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ، فَنَسْأَلهُمْ مَا لِلنَّاسِ؟ مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ الله أَرْسَلَهُ، أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ أَوْحَى اللهُ بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الكَلَامَ، وَكَأنَّمَا يُغْرَى في صَدْرِي، وَكَانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمِ الفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهْوَ نبِيٌّ صَادِقٌ. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتكُمْ وَاللهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَقًّا، فَقَالَ: "صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا في حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا في حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكثَرُكُمْ قُرْآنًا". فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكثَرَ قُرْآنًا مِنِّي؛ لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُوني بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأةٌ مِنَ الحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارئكُمْ؟ فَاشْتَزَوْا، فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ القَمِيصِ.

الثاني: (يقرأ) مبنيٌّ للمفعول، وهو لأكثرهم بالهمز، ولأبي الهَيْثَم بغير همزٍ، من قَريتُ الماءَ، أي: جمعتُه، ويُروى: (يُقرُّ) بتشديد الراء، ويُروى (يغرِّي) بغين معجمةٍ، وراء مشدَّدة، أي: يُلصق بالغِراء، وقال (ع): إنَّه الوَجْه. (تلوم) من التَّلوُّم، وهو الانتِظار والتَّمكُّث. (تقلصت) بقافٍ، ومهملةٍ، أي: ارتفعتْ، وانضمَّتْ، أو تأخَرتْ. (ألا تغطوا) قال السَّفَاقُسي: صوابه: تُغطُّون؛ لأنه مرفوعٌ على أصله. (استَ)؛ أي: عَجُز. (فاشتروا)؛ أي: ثَوبًا. * * * 4303 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وَقَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ في الفَتْح أَخَذَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: هَذَا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. قَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا أَخِي، هَذَا ابْنُ زَمْعَةَ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ، هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ"؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ"؛ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ". وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ. الثالث: سبق في (باب: البيع). (احتجبي)؛ أي: احتِياطًا وتَورُّعًا. (الحجر)؛ أي: الخَيْبَة. * * * 4304 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَني يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ

يَسْتَشْفِعُونه، قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أتكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟! ". قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ! فَلَمَّا كَانَ العَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا". ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتِلْكَ المَرْأَةِ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الرابيع: (امرأة) هي فاطِمة المَخزُوميَّة. (ففزع)؛ أي: التَجأَ. ومرَّ في (مناقب أُسامة). * * * 4305 - و 4306 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أبي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَخِي بَعْدَ الفَتْح، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! جِئْتُكَ بِأَخِي؛ لِتبَايِعَهُ عَلَى الهِجْرَةِ، قَالَ: "ذَهَبَ أَهْلُ الهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا". فَقُلْتُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ

تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: "أُبَايِعُهُ عَلَى الإسْلَامِ وَالإيمَانِ وَالجهَاد"، فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ بَعْدُ -وَكَانَ أكبَرَهُمَا- فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. 4307 - و 4308 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ: انْطَلَقْتُ بأَبِي مَعْبَدٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ليبَايِعَهُ عَلَى الهِجْرَةِ، قَالَ: "مَضَتِ الهِجْرَةُ لأَهْلِهَا، أُبَايِعُهُ عَلَى الإسْلَامِ وَالجهَادِ"، فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. وَقَالَ خَالِدٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ مُجَاشِعٍ: أنَّهُ جَاءَ بِأخِيهِ مُجَالِدٍ. الخامس، والسادس: ظاهران. * * * 4309 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّأْمِ، قَالَ: لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ، فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئًا وَإِلَّا رَجَعْتَ. 4310 - وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ، أَوْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ.

السابع: (فإن وجدت شيئًا)؛ أي: من الجِهاد، أو من القُدرة عليه، فذاك هو المَطلُوب. * * * 4311 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَقُولُ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ. 4312 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَسَأَلهَا عَنِ الهِجْرَةِ، فَقَالَتْ: لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ، كَانَ المُؤْمِنُ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينهِ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا اليَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ الإسْلَامَ، فَالمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنيَّةٌ. الثامن، والتاسع: (ونية)؛ أي: ثوابُ النيَّة في الهِجْرة. * * * 4313 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَامَ يَوْمَ

الفَتْح، فَقَالَ: "إِنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهْيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إلا سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ، لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلا لِمُنْشِدٍ"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إلا الإذْخِرَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالبُيُوتِ؟! فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: "إلا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ حَلَالٌ". وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ الْكَرِيم، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ هَذَا، أَوْ نَحْوِ هَذَا، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. العاشر: (إسحاق) قال الغَسَّاني: الأشبَهُ أنَّه ابن مَنْصور، وقال الحاكم: هو ابن نَصْر. (لمنشد)؛ أي: مُعرِّفِ، أي: فلا يتملَّك كسائِر البِلاد. (للقين)؛ أي: للحدَّاد، وفي بعضها: (للقَبْر)، والحديث مُرسَلٌ. ومرَّ في (باب: كتابة العلم). (أو نحو هذا) شكٌّ من الرَّاوي، وهما إما مترادفان، أو المِثْل المساوي، والنَّحو أعمُّ. * * *

54 - باب قول الله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (25) ثم أنزل الله سكينته} إلى قوله: {غفور رحيم}

54 - بابُ قَوْلِ الله تعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ} إلى قولهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (باب قَولِ الله عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25]) حُنَين: وادٍ بين مكة والطائف. 4314 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ: رَأَيْتُ بِيَدِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً، قَالَ: ضُرِبْتُهَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ. قُلْتُ: شَهِدْتَ حُنَيْنًا؟ قَالَ: قَبْلَ ذَلِكَ. الحديث الأول: واضح المعنى. * * * 4315 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -، وَجَاءَهُ رَجُل، فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! أتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ،

وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ القَوْمِ، فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ يَقُولُ: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". الثاني: (يَا أَبا عُمارة) بضم العين المهملة، وخفَّة الميم: كُنْية البَراء. (أتوليتَ) التَّولِّي: الانهِزام. (سَرَعان) بفتح المهملة، والراء: أوائِل النَّاس، جمع: سَرِيْع، وحُكي تسكين الراء. (هَوَازِن) بفتح الهاء، والواو، وكسر الزَّاي: قَبيلةٌ من قَيْس. (وأبو سُفيان بن الحارث) هو ابن عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (بغلته) البَيضاء اسمها: دُلْدُل. * * * 4316 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: قِيلَ لِلْبَرَاءَ وَأَنَا أَسْمَعُ: أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْن؟ فَقَالَ: أَمَّا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا، كَانُوا رُمَاةً، فَقَالَ: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". الثالث: كالذي قبلَه. * * *

4317 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ -وَسَألهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ-: أفرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَفِرَّ، كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً، وَإنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِم انْكَشَفُوا، فَأَكْبَبْنَا عَلَى الغَنَائِمِ، فَاسْتُقْبِلْنَا بِالسِّهَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ، وَإنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، وَهْوَ يَقُولُ: "أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ". قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ: نزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَغْلَتِهِ. الرابع: (انكشفوا)؛ أي: انهزَموا. (فأكببنا)؛ أي: وقعْنا على الغنائم، وهو فعلٌ لازمٌ. (فاستلقينا) بالبناء للمفعول. (لا كذب) قيل: كان يقُوله بفتح الموحَّدة؛ ليَخرُج عن الوزْن، وقيل: هو رجَزٌ لا شِعرٌ. (قال إسرائيل وزهير) موصولان في (الجهاد). وسبق شرح الحديث هناك في (باب: من قاد بلِجام دابَّة غيره). * * * 4318 - و 4319 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي لَيْثٌ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.

وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَألوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ؛ إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا المَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنيتُ بِكُمْ". وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إلا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في المُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ، حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا، فَلْيَفْعَلْ"، فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ في ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ". فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا، هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ.

الخامس: (استأنيت)؛ أي: انتظَرتُ، وذلك لرجائه - صلى الله عليه وسلم - إسلامَهم. (أنظرهم)؛ أي: انتظَرَهم، والنَّظَر: الانتِظار. (يطيب)؛ أي: يُعطي وقلْبه طيِّبٌ. (عرفاؤكم) جمع: عَرِيْف، وهو النَّقيب. وسبق الحديث مِرارًا أوَّل (الوَكالة)، وغيرها. * * * 4320 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عُمَر قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ، سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَذْرٍ كانَ نَذَرَهُ في الجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِوَفَائِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. السادس: (اعتكافٍ) بدَلٌ من (نَذرٍ)، فإنْ قيل: هذا مَرويٌّ عن عُمر، فما

معنى: عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟، قيل: المرويُّ عنه أنَّه أمَر بوَفائه. * * * 4321 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قتادَة، عَنْ أَبِي قتادَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا التَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ، قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ، فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ المَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ المَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ عز وجل. ثُمَّ رَجَعُوا، وَجَلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَنْ قتلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ"، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي، ثُمَّ جَلَسْتُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ، فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي، ثُمَّ جَلَسْتُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: "مَا لَكَ يَا أَبَا قتادَةَ؟ " فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ، وَسَلَبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنِّي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَاهَا اللهِ، إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ، يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ فَأَعْطِهِ"، فَأَعْطَانِيهِ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا في بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ في الإسْلَامَ.

السابع: (جولة)؛ أي: اضطراب تقدُّمٍ وتأخُّرٍ، وفي العبارة لُطْفٌ حيث لم يقُل: هزيمة، وهذه الجَولة كانت في بعض المسلمين لا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَن حوالَيهِ. (حبل عاتقه)؛ أي: عَصَبِه، والعاتِق: موضع الرِّداء من المَنكِب. (أمر الله)؛ أي: حُكمه الذي حكَم به. (قتيلًا)؛ أي: مُشرِفًا على القَتْل، فهو مجازٌ باعتبار المآل. ويحتَمل أنَّه حقيقةٌ باعتبار أنَّه قَتيلٌ بهذا القتْل لا بقتلٍ سابقٍ كما قال المتكلِّمون في جواب المُعضِلة المشهورة وهي: أنَّ إيجاد المعدوم محالٌ؛ لأنَّ الإيجاد إما حالَ العدَم؛ فهو جمعٌ بين النَّقيضين، وإما حال الوجود؛ فهو تحصيل الحاصِل، فيُجاب بأنَّ الإيجاد للمَوجود بهذا الوُجود لا بوُجودٍ متقدِّمٍ. (سلبه)؛ أي: ما معَه من الثِّياب، والأسلحة، ومركَبٍ، ونحوه. (لا ها الله) قال الجَوْهَري: ها للتَّنبيه، وقد يُقسَم بها، فيُقال: لا ها اللهِ ما فعلتُ، أي: واللهِ ما فعلتُ. وقد مرَّ له توجيهان في (الجهاد)، في (باب: من لم يُخمِّس الأسلاب). (مَخْرَفًا) بفتح الميم والراء وكسرها: البُستان.

(سلِمة) بكسر اللام. (تأثلته)؛ أي: اتخذتُه أصْل المال، واقتنيتُه. وفيه فضيلةٌ عظيمةٌ لأبي بكر - رضي الله عنه - اجتَهد، وأفتَى، وحكَم بحضْرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصوَّبَه. * * * 4322 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قتادَةَ: أَنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ، وَآخَرُ مِنَ المُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيقْتُلَهُ، فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ، فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي، وَأَضْرِبُ يَدَهُ، فَقَطَعْتُهَا، ثُمَّ أَخَذَنِي، فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ، ثُمَّ تَرَكَ فتحَلَّلَ، وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قتلْتُهُ، وَانْهَزَمَ المُسْلِمُونَ، وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ، فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ في النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ، ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أقامَ بيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قتَلَهُ، فَلَهُ سَلَبُهُ". فَقُمْتُ لألتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي، فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سلَاحُ هَذَا القَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلَّا لَا يُعْطِهِ أُصَيْبغَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ، يُقَاتِلُ

عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَدَّاهُ إِلَيَّ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تأثَّلْتُهُ في الإِسْلَامِ. الثامن: (وقال الليث) موصولٌ في (الأحكام). (يختله)؛ أي: يَخدعُه. (أُصيبغ) بإهمال الصاد، وإعجام الغَين، وبالعكس، فهو على الأول: تَصغيرٌ وتحقيرٌ له بوصْفه باللَّون الرَّديء، وقيل: مَذمَّةٌ بسَواد اللَّون وتغيُّره، وقيل: وصفٌ له بالمَهانة والضَّعف، وعلى الثاني: تصغير ضِبْع على غير قياسٍ، شبَّهه به لضَعْف افتِراسه، وما يُوصف به من العجْز ونحوه؛ لأنَّه قد عظَّم أَبا قَتادة، وجعلَه كالأسَد. وقال ابن مالك: أُضَيْبع، بالمعجمة، وإهمال العين، تَصغير: أَضْبع، وهو القصير الضَّبْعِ، أي: العَضُد، ويكنى به عن الضَّعيف. وقال (خ): الأَصْبَع، بصادٍ، ومهملةٍ: نوعٌ من الطَّير، ويجوز أن يكون شبَّهه بنَباتٍ ضعيفٍ الضَّبْعاء، وأوَّل ما يَطلُع من الأرض يكون أوَّل ما يَلي الشَّمسَ منه أصفَر. وقيل: سُمِّي بذلك لشَامةٍ كانت له يصبغُها. (وتدع) بالرفع، والنصب، والجزم، نحو: لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشرَب اللَّبَن. (خرافًا) هو اسم ما يُخرَف من الثِّمار، أراد بُستان خِرافٍ،

55 - باب غزاة أوطاس

فحذف المضاف، والمَحفوظ: مِخْرَافًا؛ أي: بُستانًا. * * * 55 - بابُ غَزَاةِ أَوْطَاسٍ (باب غَزْوة أَوْطاس) بفتح الهمزة، وسُكون الواو، وبمهملتين: وادٍ في بلاد هَوْازن. 4323 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ الله عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حُنَيْنٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُريدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثنَي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ في رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ، فَأَثْبَتَهُ في رُكْبَتِهِ، فَانتهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ! مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي. فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ، وَجَعَلْتُ أقولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِي؟ أَلَا تثبُتُ؟ فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لأَبِي عَامِرٍ: قتَلَ اللهُ صَاحِبَكَ. قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ المَاءُ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! أَقْرِيءِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكَثَ يَسِيرًا، ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ، وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ، قَدْ أثَرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بِمَاءٍ فتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ"، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ"، فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَومَ القِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا". قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لأَبِي عَامِرٍ، وَالأُخْرَى لأَبِي مُوسَى. (على جيش)؛ أي: أميرًا عليهم، وذلك أن هَوَازِن بعد الهزيمة اجتَمع بعضُهم في أوْطاس، فأراد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - استئصالَهم، فبعثَه إليهم. (جُشَميّ) بضم الجيم، وبفتح المعجمة: نسبةٌ إلى جُشَم، قيل: اسمُهُ العلاء بن الحارث، وقيل: أَوفَى بن الحارِث. (وَلّي)؛ أي: أدبَرَ. (فاتبعته) ضُبط بقطْع الألف، وصوابه بوَصْلها، وتشديد المثنَّاة؛ لأنَّ معناه: سِرْتُ في أثَره، وأما بالقَطْع بخفَّته، والمراد هنا الأول. (فكفّ)، أي: توقَّف، أي: كفَّ نفسَهُ، يتعدَّى ولا يتعدَّى. (فنزا)؛ أي: وثَبَ. (مرمل)؛ أي: مَنْسُوج بحبْلٍ ونحوه. وقال (ك): مِن رمَلتُ الحصِير: إذا شقَقتَه، ورِمال الحَصير: شَريطُه.

56 - باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، قاله موسى بن عقبة

(وعليه فراش) قيل: الصَّحيح على وفْق سائر الرِّوايات: (وما عَليهِ) بزيادة (ما) النافية. (ومن النَّاس) هو تعميمٌ بعد تخصيصٍ. * * * 56 - بابُ غَزْوَةِ الطَّائِفِ في شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقَبْةَ (باب غَزْوة الطَّائف) بلَدٌ معروفٌ على مرحلتَين من مكَّة في جِهَة الشَّرق. 4324 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، سَمِعَ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ ابنةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُمَيَّةَ: يَا عَبْدَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ فتحَ اللهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ". قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: المُخَنَّثُ هيتٌ. حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا، وَزَادَ: وَهْوَ مُحَاصِرٌ الطَّائِفَ يَوْمَئِذٍ.

الحديث الأول: (مخنث) قال (ن): بكسر النُّون على الأَفْصح، وبفتحها على الأشهر: الذي يتشَبَّه بالنِّساء، سُمِّي بذلك لانكِسار كلامه ولِيْنه، يُقال: خنَّثتُ الشَّيءَ فتخنَّثَ، أي: عطَفتُه فتعطَّف. (لعبد الله)؛ أي: أخيها، أسلَم عامَ الفتح، ورُمِيَ يومَ الطائف بسهمٍ، فماتَ منه. (فعليك)؛ أي: الْزَمْ. (بابنة غَيْلان) بفتح المعجمة، وسُكون الياء، وبالنون، اسمها: بادِيَة -ضِدُّ الحاضِرة- الثَّقَفيَّة، تزوَّجها عبد الرَّحْمَن بن عَوف. (بأربع) قال (خ): يُريد أربَع عُكَن في البَطْن لسِمَنها، وذلك من قُدَّامها إذا أقبلَتْ رُؤيت مواضعُها شاخصَةً منكسِرة الغُضون. (بثمان)؛ أي: إذا أَدبرَتْ يُرى لكلِّ عُكَنٍ طرَفان، فهي ثمانية أطرافٍ، وإنما لم يقُل: ثمانية والأَطْرافُ مذكَّرةٌ؛ لعدَم ذكْر المعدُود. قال (خ): وإنما كان يُؤذَن له على أزْواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه من جُملة: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31]، فلمَّا سَمِع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هذا ورأَى أنَّه يَفطَنُ لمثْل هذا في النَّعت أمَرَ بأن يُحجَب، فلا يدخُلُ عليهنَّ. (هَيْت) بكسر الهاء، وسكون الياء، وبمثنَّاةٍ، وقيل: بفتح الهاء، وهو مَولى لعبد الله المَذكور، هذا هو المشهور. وقال ابن دُرُسْتَوَيهِ: بالهاء، والنون، والموحَّدة، وقال: إنَّ

ما سِواه تصحيفٌ، وقيل: هذا لقَبٌ، وإنما اسمه: مَانِع. * * * 4325 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأَعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الطَّائِفَ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، قَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ"، فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: نَذْهَبُ، وَلَا نَفْتَحُهُ، وَقَالَ مَرَّةً: نَقْفُلُ، فَقَالَ: "اغْدُوا عَلَى القِتَالِ"، فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ"، فَأَعْجَبَهُمْ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فتبَسَّمَ. قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الخَبَرَ كُلَّهُ. الثاني: (ابن عُمر)؛ أي: ابن الخطَّاب. ورُوي: (ابن عمرو) بالواو، أي: ابن العاصي، قال ابن زَيْد: إنَّ هذا غَلِطَ فيه كثيرٌ من النَّاس، منهم عليُّ بن المَدِيْنِي، خطَّأَه فيه حامِد بن يحيى البَلْخي، وكان عليٌّ يقُول: عَمْرو، فرجَع. (كله)؛ أي: حدَّث كلَّ الحديث بلفْظ الإخبار، لا بلفْظ العَنْعَنة، وفي بعضها: (بالخبَرِ كُلِّه) بتأْخير لفْظ: (كلِّه)، فهو بالجَرِّ تأكيدًا له. * * *

4326 - و 4327 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبهُ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا -وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللهِ- وَأَبَا بَكْرَةَ -وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ في أُنَاسٍ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَا: سَمِعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غيرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ، فَالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ". وَقَالَ هِشَامٌ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ عَاصِمٌ: قُلْتُ: لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلَانِ حَسْبُكَ بِهِمَا، قَالَ: أَجَلْ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَائِفِ. الثالث: (وأبا بكرة)؛ أي: نُفَيْع بن الحارِث، مُصغَّر: نفع، بالنُّون، والفاء، وكُنِّي بذلك؛ لأنه تَدلَّى مِن حِصْن الطَّائِف ببَكَرةٍ، وكان أسلَم في الحِصْن، وعجَز عن الخُروج منه إلَّا بهذه الطَّريقة. (تسور)؛ أي: تسلَّقَ. (ادعى)؛ أي: انتَسَب. (حرام) إما تغليظٌ، أو المراد المُستحِلُّ. (فأول من رمى) كان ذلك في أوَّل لِقاءٍ عقدَه - صلى الله عليه وسلم -، وأوَّل سريَّةٍ بعثَها.

وسبق في (مناقبه). * * * 4328 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: كنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ نَازِلٌ بِالجعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَا تُنْجزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: "أَبْشِرْ"، فَقَالَ: قَدْ أكثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ. فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الغَضْبَانِ، فَقَالَ: "رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلَا أَنْتُمَا"، قَالَا: قَبِلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا، وَأَبْشِرَا". فَأَخَذَا القَدَحَ فَفَعَلَا، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءَ السِّتْرِ: أَنْ أَفْضِلَا لأُمِّكُمَا، فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً. الرابع: (بالجعْرَانة بين مكة والمدينة) قيل: هو وهمٌ، وصوابُه: بين مكة والطَّائف، وكذا قاله (ن). (لأُمّكما)؛ تعني: نفْسَها. ووجْه مُناسبته لغزْوة الطَّائف: أنَّ ذلك وقْتَ قُفوله منها. * * *

4329 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، أَخْبَرَ: أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالجعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أظُلَّ بِهِ، مَعَهُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كيْفَ تَرَى في رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ في جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ؟ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ. فَجَاءَ يَعْلَى، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْمَرُّ الوَجْهِ، يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: "أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلنِي عَنِ العُمْرَةِ آنَفًا؟ ". فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: "أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ في عُمْرَتِكَ كمَا تَصْنَعُ في حَجِّكَ". الخامس: (متضمخ) بمعجمتين، أي: مُتلطِّخ. (يغط) من غَطَّ، أي: هَدَر في الشَّقشَقة، وغَطِيْط النائمِ: نَخِيْره. (سُرِّيَ)؛ أي: كُشِف. وسبق أول (الحج)، في (باب: غَسل الخَلُوق). * * *

4330 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ في النَّاسِ في المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنتمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي". كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: "مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجيبُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "؟! قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: "لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا ... أترْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَكمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني عَلَى الحَوْضِ". السادس: (وجدوا)؛ أي: حَزِنُوا، وفي بعضها: (وُجْد) بضم الواو، وسكون الجيم، جمعُ: واجِد، وفي بعضها بضم الجيم أَيضًا، فهو إما تثقيلٌ له، وإما جمع: وَجِيْد. فإنْ قيل: فما فائدة التَّكرار؟، قيل: إذا كان الأول والثاني فعلًا؛ فهو ظاهرٌ، أو أحدهما بمعنى: الحُزْن، والآخَر بمعنى: الغَضَب، أو

هو شكٌّ من الرَّاوي. (وعالة) جمع: عائِل، وهو الفَقير. (قالوا) هو في المرَّة الثَّانية على طَريق الالتِفات، أو تكرارٌ من كلام الرَّاوي. (كذا وكذا)؛ أي: سبَبًا للهِداية من الهَلاك ونحوه، وقيل: بعكس ذلك، أي: جئتَنا مكذَّبًا فصدَّقْناك، وطَريدًا فَآوَيناك. (شِعار): ما يَلِي الجسَدَ، والدِّثَار ما فوقَه. (أثرة)؛ أي: استِقلال الأُمراء بالأَموال. قال (خ): سأَل سائلٌ: كيف يَنتقل عمَّن هو منهم، ويدَّعي غيرَ نسَبه، ودارُ مَولده أَيضًا غيرُ دارهِم. قلتُ: إنما أَراد به تألُّف الأَنْصار، واستِطابةَ نُفوسهم، والثَّناءَ عليهم في دِيْنهم ومَذْهبهم حتَّى رَضِي أنْ يكون واحدًا منهم لَولا ما يمنعُه عنه من الهجْرة التي لا يجوز تَبديلُها. ونِسْبة الإنسان على وُجوهٍ: الوِلاديَّة كالقُرشيَّة، والبِلاديَّة: كالكُوفة، والاعتقادية: كالسُّنِّية، والصِّناعيَّة: كالصَّيرفيَّة. فلم يُرِد - صلى الله عليه وسلم - الانتِقال عن نسَبه؛ لامتناعه قطعًا، مع أنَّه أفضلُهم نسَبًا وأكرمُهم أصلًا، وأما الاعتقادي فلا موضع فيه للانتقال؛ إذْ كان دينُه ودينُهم واحدًا، فلم يَبقَ إلَّا القِسمان الآخَران الجائز فيهما الانتِقالُ، وكانت المدينة دارَ الْأَنصار والهِجْرة إليها واجبةٌ، أي: لولا

ذلك لانتَقلتُ عن هذا الاسم إليكم، ولانتَسبْتُ إلى دارِكم. ووجهٌ آخَر: أنَّ العرَب كانت تُعظِّم شأْن الخُؤولة تَكاد تُلحقُها بالعُمومة، وكانت أُمُّ عبد المطَّلِب من بَني النجَّار، فكأنَّه إنْ أراد نسَب الولادة ذَهَب إلى مثْل هذا. * * * 4331 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي رِجَالًا المِائَةَ مِنَ الإبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ؟! قَالَ أَنسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ في قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا، قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ"؟؛ فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ؟! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ، أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خيرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

"سَتَجدُونَ أثرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا الله وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ"، قَالَ أَنسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا. السابع: (وسُيوفنا تَقْطر) من القَلْب. (ولم يدع) من الدُّعاء. (رؤساؤنا) جمع: رئِيس، وفي بعضها: (رِيسَانا) بكسر الرَّاء. ومرَّ الحديثُ مِرارًا. * * * 4332 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ، قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ، فَغَضِبَتِ الأَنْصَارُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -"؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ". الثامن: (من قريش)؛ أي: ابتِداء القَسْم منهم، وفي بعضها: (في قُريش). (لو سلك النَّاس) لأنَّ العادة انتِقال الإنسان معَ قَبيلته، والحِجاز كثيرةُ الأَوديَة والشِّعاب، فإذا تفرَّقُوا في السَّفَر أَسلُك مَسلَك الأَنْصار. قال (خ): ويحتَمل أنْ يُريد بالوادي الرَّأْي والمَذْهَب، كما يُقال:

فُلانٌ في وادٍ، وأنا في وادٍ. * * * 4333 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ زيدِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، الْتَقَى هَوَازِنُ، وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةُ آلَافٍ وَالطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرُوا، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ" قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ". فَانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالُوا، فَدَعَاهُمْ، فَأَدْخَلَهُمْ في قُبَّةٍ، فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ". التاسع: (والطلقاء) جمع: طَلِيْق، وهو الأَسير الذي أُطلِق، وخُلِّي سَبيلُه، ويُراد بهم أهل مكة، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - أطلَق عنهم، وقال لهم: أَقُول لكم ما قال يُوسُف: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92] زمانَ فزَعِهم وقَولهم: أَنْتَ أخٌ كريمٌ، وابن أخٍ كريمٍ. فمن الطُّلَقاء أبو سُفيان بن حَرْب، وابنُه مُعاوِيَة، وحَكِيْم بن

حِزَام، وبُدَيْل بن وَرْقَاء. * * * 4334 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، قَالَ: سَمِعْتُ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَمَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: "إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بُيُوتكُمْ"؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "لَوْ سَلَك النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ، أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ". العاشر: (ومصيبة)؛ أي: مِن قتْل أقاربهم، وفتْح بِلادهم. (أجبرهم) مِن الجَبْر ضِدُّ الكَسْر، ومِنَ الجائِزة بمعنى: العَطيَّة. * * * 4335 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قِسْمَةَ حُنَيْنٍ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللهِ. فَأَتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فتغَيَّرَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: "رَحْمَةُ اللهِ عَلَى مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِنْ هَذَا، فَصَبَرَ".

4336 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَاسًا، أَعْطَى الأَقْرَعَ مِئَةً مِنَ الإبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ القِسْمَةِ وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ: لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "رَحِمَ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَصَبَرَ". 4337 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدِ بْنِ أنَس بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةُ آلَافٍ وَمِنَ الطُّلَقَاءِ، فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ، فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا، التَفَتَ عَنْ يَمِينهِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ"! قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. ثُمَّ التَفَتَ عَنْ يَسَارهِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ"! قَالُوا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. وَهْوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، فَنَزَلَ فَقَالَ: "أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ"، فَانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ في المُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى، وَيُعْطَى الغَنِيمَةَ غَيْرُنَا. فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَهُمْ في قُبَّةٍ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ". فَسَكَتُوا، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَلَا

تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحُوزُونهُ إِلَى بُيُوتكُمْ"؟ قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ". فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟ الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر: (الأقْرع) بقافٍ، وراءٍ، ومهملةٍ، ابن حَابِس، بمهملتين، وموحَّدةٍ. (عُيَيْنة) بضمِّ المهملة، وبياءَين، ثم نونٍ، ابن حِصْن، بكسر المهملة الأُولى، الفَزَاريّ، بالفاء والزاي، والراء. قال شاعرهم: وما كان حِصْنٌ ولا حَابِسٌ ... يَفُوقانِ مِرْدَاسَ في مَجْمَعِ (وغَطَفَان) بفتح المعجمة، والمهملة، والفاء. (وذراريهم) بتشديد الياء وتخفيفها، وكانتْ عادتُهم إذا أَرادوا التَّثبُّت في القِتال استِصحابَ الأهل، ونقْلَهم معهم إلى موضع القِتال. (والطلقاء) في بعضها: (من الطُّلَقاء)، والأوَّل أَصحُّ، وقيل: إنَّ الواو مقدَّرةٌ عند مَنْ جوَّز تقدير حرف العَطْف. وسبَق توجيهه في (التشهُّد في الصلاة). (تحيزونه)؛ أي: تُنقذونَه، وفي بعضها: (تَحوزُونه) بمهملةٍ، وزاي.

57 - باب السرية التي قبل نجد

(يَا أَبا حمزة) هو كُنية أنَس. * * * 57 - بابُ السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ (باب السَّريَّة التي قِبَل نَجْدٍ) بكسر القاف، وفتح الموحَّدة، وكلُّ ما ارتفَع من تِهَامَة إلى أرض العِراق فهو نَجْدٌ. 4338 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فِيهَا، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا. (ونفلنا) هو عَطيَّةُ التَّطوُّع من حيثُ لا يجِبُ. * * * 58 - بابُ بَعْثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ (باب بعْث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خالدَ بن الوليد - رضي الله عنه - إلى بَني جَذِيمَة) بفتح الجيم، وكسر المعجمة: قبيلةٌ من عبد قَيْسٍ.

4339 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. وَحَدَّثَنِي نُعَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإسْلَامِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ، فَقَالَ: "اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ" مَرَّتَيْنِ. (صبأنا) يُقال: صَبَأَ الرجلُ: إذا خرَجَ من دينٍ إلى دينٍ. قال (ح): إنما نَقِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على خالِدٍ مَوضع العَجَلة، وتركَ التثبُّت في أمرهم، وأما خالدٌ فتأوَّلَ في قتْلهم -فيما أظُنُّ- أنَّه كان مأْمورًا بقِتالهم إلى أن يُسلِموا. وقولهم: (صَبَأْنا) يحتمل أن يكون معناه؛ خرَجْنا من دِينِنا إلى دينٍ آخَر، وهو أعمُّ من الإِسلام، فلمَّا لم يكُن هذا القول صَريحًا في الانتقال إلى دِين الإِسلام، نفَّذَ خالدٌ الأمرَ الأوَّل؛ إذ لم تُوجَد شَريطةُ حقْن الدَّمِ بالتَّصريح، ويحتمل أنَّه إنما لم يكفَّ عنهم بهذا القَول من قِبَل أنَّهم عدَلوا عن اسم الإِسلام إليه أنَفَةً من الاستِسلام والانقِياد، فلم يَرَ ذلك القَولَ إِقْرارًا.

59 - سرية عبد الله بن حذافة السهمي، وعلقمة بن مجزز المدلجي، ويقال: إنها سرية الأنصار

وروى ابن سَعْدٍ: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - بعَث عليًّا، فوَدَى لهم قَتْلاهم، وما ذَهَب منهم. وإنما عَذَر خالدًا في هذا؛ لأنَّه ليس صَريحًا في قَبولهم الدِّين؛ فإنَّ كثيرًا من الأُمَم يُعظِّمون رُؤَساءهم بالسجود. * * * 59 - سَرِيَّةُ عَبْدِ اللهِ بن حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزِ الْمُدْلِجِيِّ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ (باب سَريَّة عبد الله بن حُذَافة السَّهْمي) السَّريَّة قِطْعةٌ من الجيش تخرج منه، تُغير، ثم ترجِع إليه، وقيل: الخيل تبلغ أربع مائة ونحوها، وسُميت بها؛ لأنها تَسري باللَّيل، ولأنها تُخفي ذهابها. وحُذافة، بضم المهملة، وتخفيف المعجمة، السَّهْمي، بفتح المهملَة، بعثَه - صلى الله عليه وسلم - إلى كِسْرى، ومات في خلافة عُثْمان - صلى الله عليه وسلم - بمِصْر. (مُجَزّز) بضم الميم، وفتح الجيم، وفتح الزاي المشدَّدة وكسرها، وبزايٍ أُخرى. وقيل: بمهملةٍ، وراءٍ مشدَّدة، فتحًا وكسرًا، ثم الزاي، قال (ع): إنَّ هذا لكافة الرُّواة. وقيَّده بعضُهم عن القَابِسِيِّ على الأول، وهو الصواب.

قال عبد الغَني: وكسر الزاي الأُولى هو الصَّواب؛ لأنَّه جَزَّ نوَاصي العرَب. (المُدْلِجي) بضم الميم، وسُكون المهملة، وكسر اللام، وبجيم. * * * 4340 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً، فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُم أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُوني، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ". (رجلًا) هو عبد الله بن حُذَافة، وقيل: بل هو عَلْقَمة بن مُجَزِّز، ولكنْ تعجَّل بعض النَّاس، فأمَّرَ عليهم عبد الله. قلتُ: لعلَّ هذا عُذر البُخَارِيّ حيث جمَع بينهما، هذا مع أنَّه في الحديث لم يُسمِّ واحدًا منهما، فترجمة البُخَارِيّ كأنَّها تفسير للمُبهَم الذي في الحديث.

60 - بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع

(فهموا)؛ أي: حَزِنوا. قال ابن عبد البر: كان في عبد الله بن حُذَافَة دُعَابةٌ، ومن جُملتها أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَّره على سَريَّةٍ، فأمرَهم أن يجمَعوا حطَبًا، وذكَر الحديثَ. (خمدت) بفتح الميم، وحكَى المُطَرِّزي كسرَها، وأنكَره أبو حاتِم، والزَّمَخْشَريُّ، أي: طَفِيء لهبُها. (لو دخلوها ما خرجوا منها)؛ أي: لأَنَّ الدُّخول فيها مَعصيةٌ، والعاصي يستحقُّ النَّارَ؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23] والمراد بقَوله: (إلى يَومِ القِيَامةِ) التَّأْبيد، أي: لو دَخلُوها مُستحلِّين له لمَا خرَجوا منها أبدًا، وهذا جزاءٌ من جِنْس العمَل. * * * 60 - بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ (باب بَعْثِ أَبي مُوسَى، ومُعاذٍ إلى اليمَن) 4341 - و 4342 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ، قَالَ: وَاليَمَنُ مِخْلَافَانِ، ثُمَّ قَالَ: "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا"،

فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ في أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ، أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ في أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ! أَيَّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، قَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ، فَانْزِلْ، قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ نزَلَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! كيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كتَبَ اللهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي، كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. الحديث الأول: (مِخْلاف) بكسر الميم، وسُكون المعجمة: هو لليَمَن كالرِّيف للعِراق، أي: الرُّسْتاق، والمَخالِيْف: الرَّسَاتيق. (إلى عمله)؛ أي: إلى مَوضع عمَله. (أحدث به عهدًا)؛ أي: جدَّد عَهْد الصُّحبة. (أيّما هذا)؛ أي: أيُّ رجلٍ هذا المجموعُ اليَدِ، فزِيدتْ (ما) على (أيُّ)، وربَّما سقَطت الألف، فيُقال: أيُّم، وقد تخفَّف الياء. (أتفوّقه)؛ أي: أقرأَ شيئًا بعد شيءٍ في آناء اللَّيل، وأطراف

النهار، أي: لا أَقرأَ وِرْدِي دفعةً واحدةً، بل هو كما تحلب اللَّبَن ساعةً بعد ساعةٍ، والفُوَاق: ما بين الحلْبَتين. (فأحتسب)؛ أي: أَطلُب الثَّواب في نَومتي؛ لأنها من جملة المُعِيْنات على الطَّاعة في القِراءة ونحوها. * * * 4343 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ، فَسَألهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ: "وَمَا هِيَ"؟ قَالَ: البِتْعُ وَالمِزْرُ، فَقُلْتُ لأَبِي بُرْدَةَ: مَا البِتْعُ؟ قَالَ: نبَيذُ العَسَلِ، وَالمِزْرُ: نبَيذُ الشَّعِيرِ، فَقَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". رَوَاهُ جَرِيرٌ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. الثاني: (البِتْع) بكسر الموحَّدة، وسُكون المثنَّاة، وبمهملةٍ. (والمِزْر) بكسر الميم، وسُكون الزاي، وبالراء. * * * 4344 - و 4345 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا إِلَى

اليَمَنِ، فَقَالَ: "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا"، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نبَيَّ اللهِ! إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ المِزْرُ، وَشَرَابٌ مِنَ العَسَلِ البِتْعُ، فَقَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، فَانْطَلَقَا، فَقَالَ مُعَاذٌ لأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا، وَقَاعِدًا، وَعَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأتفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي، وَضَرَبَ فُسْطَاطًا، فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ، فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى، فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. تَابَعَهُ الْعَقَدِيُّ، وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ وكيعٌ، وَالنَّضْرُ، وَأَبُو داوُدَ: عَنْ شُعْبة، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. الثالث: (فسطاطًا) هو البَيت من الشَّعْر، وفيه لُغاتٌ: فُساط، وفُسَّاط، وكسر الفاء لغةٌ في الثَّلاث. (يتزاوران)؛ أي: يَزورُ أحدُهما الآخَرَ. (تابعه العقدي) موصولٌ في (الأحكام). (ووهب) وصلَه أبو نُعيم. (وقال وكيع) موصولٌ في (الجهاد) مختصرًا، وأخرجه ابن أبي عاصِم في "كتاب الأشربة" تامًّا.

(وأبو داود)؛ أي: الطَّيَالِسي، هو في "مسنده"، ومن طريقه أخرجه النَّسائي. * * * 4346 - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَليدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَرْضِ قَوْمِي، فَجئْتُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنِيخٌ بِالأَبْطَح، فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ"؟ قُلْتُ: نعمْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ إِهْلَالًا كَإِهْلَالِكَ، قَالَ: "فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْيًا؟ " قُلْتُ: لَمْ أَسُقْ، قَالَ: "فَطُفْ بِالبَيْتِ، وَاسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَة، ثُمَّ حِلَّ"، فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ، وَمَكُثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ. الرابع: (العباس) بموحَّدةٍ، وسينٍ مهملةٍ: هو النَّرْسي، بنونٍ، وراءٍ مهملة، ونَرْس لقَبُ جدِّه نَصْر؛ قاله له بعض النَّبَط، فنُسب إليه. وقيده الدِّمْيَاطِي بياءٍ، وشينٍ معجمةٍ، وهو الرَّقَّام، وكلاهما من شيوخ البُخَارِيّ. (حتَّى استخلف عُمر) مفهومُ الغاية فيه أنَّهم تَركوا التَّمتُّع، وقد وقَع فيه اختلافٌ.

وسبق تحقيقه في (الحج). * * * 4347 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِي، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَإِذَا جِئتهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {طَوَّعَتْ}: طَاعَتْ، وَأَطَاعَتْ لُغَةٌ، طِعْتُ وَطُعْتُ وَأَطَعْتُ. الخامس: سبق شرحه في أول (الزكاة). * * * 4348 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: أَنَّ مُعَاذًا - رضي الله عنه -

61 - بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى اليمن قبل حجة الوداع

لَمَّا قَدِمَ اليَمَنَ، صَلَّى بِهِم الصّبْحَ، فَقَرَأَ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ. زَادَ مُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَرَأَ مُعَاذٌ في صَلَاةِ الصُّبْح (سُورَةَ النِّسَاءِ)، فَلَمَّا قَالَ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}، قَالَ رَجُلٌ خَلْفَهُ: قَرَّتْ عَيْنُ أُمُّ إبْرَاهِيمَ. السادس: (قرت) يحتمل الدُّعاء والإِخْبار. * * * 61 - بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخَالِدِ بنِ الْوَلِيدِ - رضي الله عنه - إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ (باب بَعْث عليِّ بن أَبي طالِب، وخالِد بن الوَليْد إلى اليمَن) 4349 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ خَالِدٍ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانهُ، فَقَالَ: "مُرْ

أَصْحَابَ خَالِدٍ، مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ"، فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ، قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ. الحديث الأول: (أن يعقب) التَّعقيب. قال (ح): هو أنْ يعود الجيشُ بعد القُفول؛ ليُصيبوا غِرَّةً من العدوِّ. وقال ابن فارس: غزاةٌ بعد غزاةٍ، وهو معنى قَول الجَوْهَري: أنْ يَغزُوَ الرَّجل، ثم يُثنِّي في سَنَته. (أواق) أصله: أَواقيٌّ بتشديد الياء وتخفيفها، فحُذفت الياء استثقالًا. (ذوات عدد)؛ أي: كثيرةٍ. * * * 4350 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ؛ لِيَقْبِضَ الخُمُسَ، وَكنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا، وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا؟ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ " فَقُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "لَا تُبْغِضْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ في الخُمُسِ أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ".

الثاني: (أُبغض عليًّا) بضم الهمزة، قال الحافظ أبو ذَرٍّ: وإنما أبغَضَه لأنَّه رآه أخَذَ جاريةً من السَّبْي ووطئِها، فظَنَّ أنَّه غَلَّ، فلمَّا أَعلمَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أخَذَ أقلَّ مِن حقِّه أحبَّه، رضي الله عنهم أجمعين. (وقد اغتسل)؛ أي: وقَع على جاريةٍ قد صارتْ له من الخُمُس. وفي روايةٍ خارج "الصحيح": وفي السَّبْي وَصيفةٌ من أفضَل السَّبْي، فوقَعَتْ في الخمُس، ثم خُمِّس فصارتْ من أهل بيت النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم خُمِّس فصارت في آل عليٍّ؛ لأنه من ذَوي القُربى. وبذلك يَزول إِشكال إصابتِها قبْل الاستِبراء، ولعلَّها كانت غير بالغٍ، أو كانت بِكْرًا ورأى أنْ لا استِبراءَ كما صارَ إليه بعضُ الصَّحابة. وأما قسمته لنفسه؛ فيجوز أن يقَع ذلك ممن هو شريكٌ فيما يقسِمه كما يقسِمُه الإِمام بين الرَّعيَّة وهو منهم، ومَنْ يَنصبُه الإِمام قائم مقامَ الإِمام. * * * 4351 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ في أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الخَيْلِ،

وَالرَّابعُ؛ إِمَّا عَلْقَمَةُ، وَإمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَلَا تأَمَنُونِي، وَأَنَا أَمِينُ مَنْ في السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً"؟! قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنتَيْنِ، نَاشِزُ الجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اتَّقِ الله. قَالَ: "وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ الله"؟ قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: "لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي"، فَقَالَ خَالِدٌ: وَكمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ في قَلْبِهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونهمْ"، قَالَ: ثُمَّ نظَرَ إِلَيْهِ وَهْوَ مُقَفٍّ، فَقَالَ: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْم يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ رَطْبًا، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ"، وَأَظُنُّهُ قَالَ: "لَئِنْ أَدْرَكتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ". الثالث: (بذهيبة) واحدةُ الذَّهب. (مقروظ) بقافٍ، ومعجمةِ، أي: مدبوغٍ بالقَرَظ، وهو ورَق السَّلَم. (لم تُحَصّل)؛ أي: يخلُص منه بالسَّبْك. (عُيَيْنة) مصغَّر: العين.

(الأقْرع) بقافٍ، وراءٍ، ومهملةٍ. (وزيد الخيل) سماه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَيدَ الخَيْرِ، بالراء، وهو ابن مُهَلْهِل الطَّائي. (وعَلْقمة) بن عُلاثَة، بضم المهملة، وخفَّة اللام، الكِلابي، هذا هو الصحيح المشهور؛ لأن عامِر بن الطُّفَيل القَيْسيّ قَدِم على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأسلَم، وعاد مِن عنْده، فخَرج به خَرَّاجٌ في أصل أُذُنه، فمات منه. (لعله أن يكون يصلي) استعملَها بـ (أنْ) استِعمالَ (عسَى). قيل: مفهومه أنَّ تارك الصَّلاة مقتولٌ. (أنقب) بفتح الهمزة، وسكون النُّون، وضم القاف، لابن مَاهَان، أي: أَشُقُّ، وهو الظاهر؛ لقوله في قصَّة أُسامة: "هلَّا شَقَقْتَ عن قَلْبِه". ولغيره بضم الهمزة، وفتح النُّون، وتشديد القاف المكسورة، أي: أُفتِّش. (مُقفٍّ)؛ أي: مُوَلِّي، يُقال: قَفَّى: إذا وَلَّاك قَفاه. (ضِئِضِئ) بكسر المعجمتين، وسُكون الهمزة الأُولى: الأَصْل. (رطبًا)؛ أي: مُواظِبين على التِّلاوة، أو تحسين الصَّوت بها، أو الحِذَاقة والتَّجويد فيها، فيَجري لسانُه عليها، ويمرُّ عليها مَرًّا، ولا يَتعثَّر، ولا يَتكسَّر.

(حناجرهم) الحنْجَرة: الحُلْقوم، أي: لا يُرفَع في الأعمال الصَّالحة، ولا يُقبل منهم. (الدِّين) الطَّاعة، وقيل: طاعة الأئمَّة والأُمَراء. (الرَمَيّة) فَعِيْلَة بمعنى: مَفعولَةٍ. (قتل ثمود) قد سبَق الحديث في (قصة هود)، وفيه: (لأقتُلَنَّهم قَتْلَ عادٍ)، ولا تَنَافيَ؛ لإمكان أنَّه قالهما؛ لأنَّ القَصْد الاستِئصال بالكُلية، فعادٌ استُؤصِلَتْ بالرِّيْح الصَّرصَر، وأما ثمود فأُهلِكُوا بالطَّاغية، أي: الرَّجْفة، أو الصَّاعقة، أو الصَّيحة. وإنما منع خالدًا من قتْله مع بَيان أنَّ قتْلهم جائزٌ؛ لأنَّه لا يَلزم من جَواز قتْلهم جَواز قتْله. وقال (خ): لمَّا كان قتلُهم عُقوبةً لهم كان أبلَغ في المصلحة. * * * 4352 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابرٌ: أَمَرَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ. زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابرٌ: فَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - بِسِعَايَتِهِ، قَالَ لَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ " قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "فَأَهْدِ، وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ"، قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا. 4353 - و 4354 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ

62 - غزوة ذي الخلصة

حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ: أَنَّهُ ذَكَرَ لاِبْنِ عُمَرَ: أَنَّ أَنسًا حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، فَقَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ، وَأَهْلَلْنَا بِهِ مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً"، وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - هَدْيٌ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ اليَمَنِ حَاجًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ فَإِنَّ مَعَنَا أَهْلَكَ"، قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "فَأَمْسِكْ؛ فَإِنَّ مَعَنَا هَدْيًا". الرابع: سبق شرحه في (كتاب الحج). * * * 62 - غَزْوَة ذِي الخَلَصَة (باب غَزْوة ذِي الخَلَصَة) بمعجمةٍ، ولامٍ، ومهملةٍ مفتوحاتٍ، وقد تُضم الخاء، واللام، وعَزَاه ابن دِحْيَة إلى أهل اللُّغة. قال ابن دُرَيد: هو اسم صنَمٍ ببلاد دَوْسٍ. وسبق بيانه في (الجهاد)، وفي (باب: ذكر جَرير بن عبد الله البَجَلي)، وبَيان تسمية الكعبة اليَمَانيَة، والشَّاميَّة، وما وقَع للبُخاريِّ فيه، وأنَّ تأْويله بأن يُقال له: الكَعْبة اليَمانيَة، والذي بمكة الكعبة الشَّاميَّة. * * *

4355 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كانَ بَيْتٌ في الجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: ذُو الخَلَصَةِ، وَالكَعْبَةُ اليَمَانِيَةُ، وَالكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ"؟ فَنَفَرْتُ في مِئَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا، فَكَسَرْنَاهُ، وَقتلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأحْمَسَ. 4356 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرٌ - رضي الله عنه -: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ"؟ وَكَانَ بَيْتًا في خَثْعَمَ يُسَمَّى الكَعْبَةَ اليَمَانِيّةَ، فَانْطَلَقْتُ في خَمْسِينَ وَمِئَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانوُا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكنْتُ لَا أثبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ في صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أثَرَ أَصَابِعِهِ في صَدْرِي، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا"، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ! مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَارَكَ في خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. 4357 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا أبُو أسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ"؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَانْطَلَقْتُ في خَمْسِينَ وَمِئَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ،

وَكنْتُ لَا أثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أثَرَ يَدِهِ في صَدْرِي، وَقَالَ: "اللهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا"، قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ. قَالَ: وَكَانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتًا بِاليَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ: الكَعْبَةُ. قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا. قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ اليَمَنَ، كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَا هُنَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا وَلتشْهَدَنْ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ! مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. الحديث الأول، والثاني، والثالث: (يريحني) براءٍ، ومهملة. (خَثْعم) بفتح المعجمة، والمهملة، وإسكان المثلَّثة بينهما: قبيلةٌ باليمَن. (أحمس) بمهملتين: قبيلةُ جَرِيْر. مرَّ في (مناقبه).

63 - غزوة ذات السلاسل

(أجرب)؛ أي: صارتْ سوداءَ من الاحتِراق كأنها مُطْلاةٌ بالقَطِران. (فحرقها)؛ أي: ما كان فيها من الخشَب. (وكسرها)؛ أي: ما كان من الحجَر. (ليستقسم)؛ أي: يطلب قِسمة الخير والشر بالقِداح، قال تعالى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} [المائدة: 3]. (أَبا أَرْطاة) بسكون الراء، وبمهملةٍ، اسمه حُصين، بمهملتين، مصغَّر، ابن ربيعة بن أَزْور. وسبق في (الجهاد)، في (باب: حَرْق الدُّور). * * * 63 - غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وهْي غَزْوَةُ لَخْمٍ وجُذَامَ، قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عُرْوَةَ: هِيَ بِلَادُ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَنِي القَيْنِ. (باب غَزْوة ذاتِ السَّلاسِل) بفتح المهملة الأُولى، وكسر الثَّانية، سُميت بماءٍ بأرض جذام يقال له: السَّلاسِل مما يَلي طَريق الشَّام، كانت سنة سبع، وقيل: ثمانٍ. وقيل: سُميت بذلك لأنَّ المشركين ارتبَطَ بعضُهم إلى بعضٍ مخافةَ أن يَغزُوَهم النَّاس. (لَخْم) بفتح اللام، وسكون المعجمة.

(وجُذام) بضم الجيم، وتخفيف المعجمة: قَبيلتان باليمَن. (ابن إسحاق) هو محمَّد صاحب "المغازي". (بَلِيّ) بفتح الموحَّدة، وكسر اللام، وشدَّة الياء: قبيلةٌ من قُضاعَة، بقافٍ، ومعجمةٍ. (وعُذْرة) بضم المهملة، وسُكون المعجمة، وراءٍ: قبيلةٌ من اليمَن. (القَيْن) بفتح القاف، وسُكون الياء، وبنونٍ. * * * 4358 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ"، قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا"، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "عُمَرُ"، فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي في آخِرِهِمْ. (خالد) الأول: ابن عبد الله الوَاسِطي، والثاني: ابن مِهْرَان الحَذَّاء. (عن أبي عُثْمان) هو عبد الرَّحمن النَّهْدي، بفتح النُّون، أسلَم على عَهْد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُهاجر إليه، ولم يَره، فالحديث مرسلٌ. (بعث عمرو بن العاص)؛ أي: يَستنفِرُهم إلى الإِسلام، وأُمُّ

64 - ذهاب جرير إلى اليمن

العاص كانت من بَلِيٍّ، فبعثَه إليهم يَستأْلفُهم بذلك. * * * 64 - ذَهَابُ جَرِيرٍ إِلَى اليَمَنِ (باب ذَهابِ جَريرٍ إلى اليمَن) 4359 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيس، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كنْتُ بِالبَحْرِ، فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ ذَا كَلَاعٍ وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْرٍو: لَئِنْ كَانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ، لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ. وَأَقْبَلَا مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا في بَعْضِ الطَّرِيقِ، رُفِعَ لَنَا رَكبٌ مِنْ قِبَلِ المَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ. فَقَالَا: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا، وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَرَجَعَا إِلَى اليَمَنِ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ، قَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ؟ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ! إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً، وإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكمْ مَعْشَرَ العَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنتمْ إِذَا هَلَكَ أَميرٌ تَأَمَّرْتُمْ في آخَرَ، فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ، كَانُوا مُلُوكًا، يَغْضَبُونَ غَضَبَ المُلُوكِ، وَيَرْضَوْنَ رِضَا المُلُوكِ. (ذا كَلاع) بفتح الكاف، وتخفيف اللام، وبمهملةٍ، الحِمْيَري،

65 - باب غزوة سيف البحر، وهم يتلقون عيرا لقريش، وأميرهم أبو عبيدة

كان رئيسًا في قومه مُطَاعًا. (وذا عمرو)، كان أَيضًا من رُؤساء اليمَن، ومقدَّميهم، أقبَلا مُسلمَين، ولم يصِلا للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (منذ ثلاث) بالرفع والجر، وجواب القسَم هو جزاء الشَّرط في المعنى، لكنْ على تأْويل الإخبار، أي: إن تُخبرني بذلك أُخبرك بهذا، فالإخبار سببٌ للإخبار. ومعرفة ذي عمرو بوفاة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إما بسماعٍ من بعض القادِمين من المَدينة سِرًّا، وإما أنَّه كان في الجاهليَّة كاهنًا. (بحديثهم) باعتبار أنَّ أقلَّ الجمْع اثنان، أو باعتبار أتباعهم. (بعد) مبنيٌّ على الضمِّ. (كرامة) منصوبٌ. (تأمّرتم) من التَّفعُّل، أي: تَشاوَرتُم. (في آخر)؛ أي: في أميرٍ آخَر. * * * 65 - باب غَزْوَةُ سِيفِ البَحْرِ، وَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ (باب غَزْوة سِيْف البَحْر) السِّيف، بكسر المهملة: السَّاحِل.

(عِيرًا) بكسر المهملة: الإبِل التي تحمِل المِيْرة. * * * 4360 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلَاثُ مِئَةٍ، فَخَرَجْنَا وَكنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الجَيْشِ، فَجُمِعَ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَلِيلٌ حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إلا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ: مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، ثُمَّ انتهَيْنَا إِلَى البَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهَا القَوْمُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فنصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا، فَلَمْ تُصِبْهُمَا. الحديث الأول: (فخرجنا) فيه التفاتٌ من الغَيبة إلى التكلُّم. (مِزْودي) بكسر الميم: ما يُجعل فيه الزَّاد. (يقوتنا) من الثلاثي، ومن التَّفعيل، والقُوت: ما يَقُوم به بدَن الإنسان من الطَّعام. (قليلًا) بالنصب، ويُكتب في بعضها بلا أَلْفٍ كأنَّه على لُغةِ ربيعة في الوقْف على المنْصوب المنوَّن.

(وجدنا فقدها)؛ أي: مُؤثَّرًا. (الظَرِب) بفتح المعجمة، وكسر الراء، وقيل: بسُكونها: الرَّابية الصَّغيرة، ورُبَّما يقَع في بعضها بالضاد، لكن الصَّواب الأوَّل. (بضِلَعين) بكسر المعجمة، وفتح اللام. (فَنُصِبا) حقُّه: فنُصِبَتا، لكنَّه غير حقيقيِّ التأنيث. * * * 4361 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَ مِئَةِ رَاكِبٍ، أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الخَبَطَ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الجَيْشُ جَيْشَ الخَبَطِ، فَألْقَى لَنَا البَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا: العَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا مِنْ وَدكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَنَصَبَهُ، فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ، قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَنَصَبَهُ، وَأَخَذَ رَجُلًا وَبَعِيرًا، فَمَرَّ تَحْتَهُ، قَالَ جَابرٌ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ. 4361 / -م - وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لأَبِيهِ: كُنْتُ في الجَيْشِ فَجَاعُوا؟ قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نَحَرْتُ،

قَالَ: ثُمَّ جَاعُوا؟ قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نَحَرْتُ، قَالَ: ثُمَّ جَاعُوا؟ قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نَحَرْتُ، ثُمَّ جَاعُوا؟ قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نُهِيتُ. 4362 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْروٌ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه -، يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى البَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا، لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ: العَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ. 4362 / -م - فَأَخْبَرَني أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللهُ، أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ"، فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ، فَأَكَلَهُ. الثاني، والثالث: (الخَبَط) بالتحريك: الوَرَق، يُقال: خبَطت الشَّجرة: إذا ضربتَها بالعصَا ليَسقُط ورَقُها. (العَنْبَر) بفتح المهملة، وسكون النُّون، وفتح الموحَّدة، وبالراء. (وَدكهُ) بفتح الدال المهملة، أي: دُهْنُه. (ثابت) بمثلَّثة، أي: رجعتْ إلى ما كانت عليه من القُوَّة، والسِّمَن. (فنصبه) ذكَّر الضمير؛ لأنَّ الضِّلَع تأْنيثه مجازيٌّ، وقال سُفيان

66 - حج أبي بكر بالناس في سنة تسع

مرَّة: (عُضْوًا من أَعضَائِه). (نُهبت) مبنيٌّ للمفعول، والثاني هو أبو عُبَيدة. * * * 66 - حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ في سَنَةِ تِسْعٍ (باب حَجِّ أبي بكْرٍ بالنَّاس في سنَة تسعٍ) 4363 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ داوُدَ أَبو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه - بَعَثَهُ في الحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ في رَهْطٍ يُؤَذِّنُ في النَّاسِ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ. 4364 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نزَلَتْ كَامِلَةً (بَرَاءةٌ)، وَآخِرُ سُورَةٍ نزَلَتْ خَاتِمَةُ (سُورَةِ النِّسَاءَ): {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}. الحديث الأول، والثاني: (آخر سورة نزلت) إنْ قيل: {يَسْتَفْتُونَكَ} آخِر آيةٍ نزلتْ

67 - وفد بني تميم

لا سورةٍ نزلتْ كما صرح به في التفسير؛ قيل: المراد بالسُّورة القِطْعة من القرآن، أو الإضافة فيهما بمعنى: مِنْ، والأُولى (مِنْ) البَيانية نحو: شَجَر الأَراك، أي: هو سورة، والثانية: (مِن) التَّبعيضيَّة، أي: الآخِر من السُّورة، أو الخاتمة. ووجْه مُناسبته للتَّرجمة: أنَّ الآية التي في بَراءة -وهي: في {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]- لمَا وقَع في حَجَّته. * * * 67 - وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ (باب وَفْد بَني تميمٍ) 4365 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي صَخْرَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازنيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تمِيمٍ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيِمٍ"! قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَرِيءَ ذَلِكَ في وَجْهِهِ، فَجَاءَ نفَرٌ مِنَ اليَمَنِ، فَقَالَ: "اقْبَلُوا البُشْرَى؛ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ"، قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ! الحديث سبق شرحه. * * *

68 - باب قال ابن إسحاق: غزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فأغار وأصاب منهم ناسا، وسبى منهم نساء

68 - بابٌ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ، فَأَغَارَ وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاسًا، وَسَبَى مِنهُمْ نِسَاءً (بابٌ) قوله: (منهم)؛ أي: من بَني تميم، وفي بعضها: (فيهم)، وهو ظاهرٌ إِنْ جُوِّز إقامة بعض حُروف الجرِّ مقام بعضٍ. 4366 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُهَا فِيهِمْ: "هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ"، وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ"، وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ: "هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمٍ، أَوْ قَوْمِي". الحديث الأول: (قوم)؛ أي: بلا إضافةٍ لياء المتكلِّم. (أو قومي)؛ أي: بالإضَافة. * * *

69 - باب وفد عبد القيس

4367 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ: أَنَّهُ قَدِمَ رَكبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إلا خِلَافِي، قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ في ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا} حَتَّى انْقَضَتْ. الثاني: معناه ظاهرٌ. * * * 69 - بابُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ (باب وَفْد عبْدِ القَيْس) 4368 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ لِي نبِيذٌ، فَأَشْرَبهُ حُلْوًا في جَرٍّ، إِنْ أَكثَرْتُ مِنْهُ، فَجَالَسْتُ القَوْمَ، فَأَطَلْتُ الجُلُوسَ، خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضحَ، فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِالقَوْمِ غير خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى"، فَقَالُوا:

يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ المُشْرِكينَ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إلا في أَشهُرِ الحُرُمِ، حَدِّثْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ، إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الجَنَّةَ، وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإيمَانِ بِاللهِ، هَلْ تَدْرُونَ مَا الإيمَانُ بِاللهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ المَغَانِم الخُمُسَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: مَا انْتُبِذَ في الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالحَنْتَمِ، وَالمُزَفَّتِ". الحديث الأول: سبَق في آخِر (الإيمان). (في جر) الجرُّ بمعنى جَرَّةٍ من الخَزَف، والتقدير: إنَّ لي جَرَّةً كائنةً من جُملة جِرَارٍ، فأَشربُ في الجَرِّ، وأخشَى إنْ أكثَرتُ من شربه. (أن أفتضح) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ، أي: لمَّا كانت تَشتَبه أفْعالي وأقْوالي بالسُّكارى. (خزايَا)؛ أي: مُفتضَحين. (ندامَى)؛ أي: نادِمين. (مضر) بضم الميم، وفتح المعجمة: قبيلةٌ. (حدثنا) بلفْظ الأمر، والمأمورُ به خصمن، والمذكور أنَّها أربعٌ، لأنَّ الشَّهادة لم تُعدَّ منها؛ لعِلْمهم بذلك، وإنما أمرَهم بأَربعٍ لم يكونوا عَلِموها.

وسبقت أجوبةٌ أُخرى. (الدُبّاء) بتشديد الموحَّدة، والمدِّ: اليَقْطين اليابِس. (والنقير) جمع: مَنْقُور. (والحَنْتم) بفتح المهملة: جَرَّة خَضْراء. (والمُزَفت) المَطْلي بالزِّفْت. والمراد في النَّهي المظْروف، أي: المُسكِر لا الظَّرْف؛ لأنَّ الغالب على ما نبُذَ فيها أن يُسكِر. * * * 4369 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا هَذَا الحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إلا في شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَشْيَاءَ نَأْحُذُ بِهَا، وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، الإيمَانِ بِاللهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ -وَعَقَدَ وَاحِدَةً- وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالحَنْتَم وَالمُزَفَّتِ". الثاني: (ربيعة) بفتح الراء، وسُقوط الصَّوم في هذه الرِّواية إما لأنَّ

القِصَّة وقعتْ مرَّتين، وفي المرَّة الأُولى ذَكَر ما الأمر به أهمُّ بالنسبة إليهم، أو الرَّاوي نسيَه. * * * 4370 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَني عَمْرٌو. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ: أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوا إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، وَإِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّيهَا، وَقَدْ بَلَغَنَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ النَّاسَ عَنْهُمَا. قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا، وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَرَدُّوني إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُوني إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهُمَا، وإِنَّهُ صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَصَلَّاهُمَا، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الخَادِمَ، فَقُلْتُ: قُومِي إِلَى جَنْبِهِ، فَقُولِي: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ألمْ أَسْمَعْكَ تنهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟ فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي. فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا

انْصَرَفَ قَالَ: "يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ! سَأَلتِ عَنِ الرَّكعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، إِنَّهُ أتانِي أُنَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ بِالإسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ". الثالث: (عمرو) هو ابن الحارِث المِصْري. (وقال بكر) وصلَه الطَّحَاوي. (تصليهما) حذْف النُّون منه لغةٌ فصيحةٌ. * * * 4371 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ -هُوَ ابْنُ طَهْمَانَ-، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ في مَسْجدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مَسْجدِ عَبْدِ القَيْسِ بِجُوَاثَى؛ يَعْنِي: قَرْيَةً مِنَ البَحْرَيْنِ. الرابع: (بجُواثا) بضم الجيم، وتخفيف الواو، وبالمثلَّثة مقصورًا، ومنهم مَن يَهمِزه: حِصْنٌ قريبٌ من البَصْرة. (البحرين) موضعٌ بساحل بَحْرِ عُمَان. * * *

70 - باب وفد بني حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال

70 - بابُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَحَدِيثِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ (باب وَفْد بَني حَنِيفَة) بفتح المهملة: قبيلةٌ معروفةٌ باليَمامَة. (ثُمامة) بضم المثلَّثة، وتخفيف الميم. (ابن أُثال) بضم الهمزة، وخفَّة المثلَّثة. 4372 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أثالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ! إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ، تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ، فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ. حَتَّى كَانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ؛ إِنْ تُنْعِمْ، تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. فترَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ"، فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ! وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ،

فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا وَاللهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (نخل) بالخاء المعجمة. وسبق في (الصلاة)، في (باب: ربْط الأَسير في المَسجِد) بلفْظ: (نَجْل)، بالجيم، وهو الماء. (خيلك)؛ أي: فُرسانك. (فبشره)؛ أي: بخير الدُّنيا والآخِرة. * * * 4373 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ. وَقَدِمَهَا في بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،

وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفي يَدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ في أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجيبُكَ عَنِّي"، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ. 4374 - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأيْتُ"، فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ في يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ في المَنَامِ: أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي؛ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ". الثاني: (مُسيلمة) مصغَّر مُسلِمة، ابن حَبِيْب الكذَّاب المُتنبِّي، صاحب نيرنجيات، قتلَه وَحْشِي في خلافة الصِّدِّيق. (من بعده)؛ أي: الخلافة بعدَه. وسبق الحديث في (علامات النبوة) بلفْظ الأمر. (ولن تعدو)؛ أي: لن تُجاوِز قَدْرَك بنصبِ؛ (تَعْدو)، وكلام السَّفَاقُسِيِّ: أنَّ الرواية بالجزْم على لغةِ مَن يَجزِم بـ (لَنْ)، وقد حكاها الكِسَائي، قاله (ش).

(أمر الله)؛ أي: حكمه بأنه كذابٌ مقتولٌ جهنميٌّ، ونحوه. (أدبرت)؛ أي: عن مُتابعتي. (ليعقرنك الله)؛ أي: ليَقتلنَّك، ويُهلكنَّك، وكان كما أخبَر - صلى الله عليه وسلم -. (أُريت) بضم الهمزة، (ما رأيت) مفعولُه. (من ذهب) قيل: تأكيدٌ؛ لأنَّ السِّوار لا يكون إلَّا مِن ذهَب، والذي من الفِضَّة قلب. والحق أنَّه لبَيان الجِنْس، فقد يكون من فِضَّةٍ كما قال تعالى: {أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 21]. (انفخهما) بإعجام الخاء. * * * 4375 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضعَ في كفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا؛ صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ اليَمَامَةِ". الثالث: (فكبُرَا) بضم الموحَّدة، أي: عُظْمًا وثِقَلًا.

(صَنْعاء) بفتح المهملة، وسُكون النُّون، وبالمدِّ: قاعدةُ اليمَن، ومدينتُها العُظمى، وصاحبها هو الأَسْوَد العَنْسيّ، بالنُّون. (واليَمامة) مدينةٌ باليمَن، على مرحلتَين من الطَّائف، وصاحبُها مُسَيلِمَة. * * * 4376 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بْنَ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ، وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا، جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ، فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ، قُلْنَا: مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ، فَلَا نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلَا سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ، إلا نزَعْنَاهُ، وَألْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ. 4377 - وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُولُ: كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غُلَامًا أَرْعَى الإبِلَ عَلَى أَهْلِي، فَلَمَّا سَمِعْنَا بِخُرُوجِهِ، فَرَرْنَا إِلَى النَّارِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. الرابع: ولا يُعدُّ سنَده ثلاثيًّا؛ لأنَّه ليس فيه عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بل حكاية عن حالة فقط. (أحسن) في بعضها: (أخْيَر)، وهو لغةٌ في (خير).

71 - قصة الأسود العنسي

(فحلبنا عليه)؛ أي: حقيقةً، أو مجازًا عن التقرُّب إليه. (مَنْصل) بوزْن: مَخْرَج لفظًا ومعنًى. وإنما سَمَّوه به لأنهم كانُوا يَنزعون الأَسِنَّة في رجَب، ولا يغزُون ولا يُغير بعضهم على بعضٍ، فالإسناد إليه مجازٌ، يُقال: أنصَلتُ الرُّمح: إذا نزَعتَ نَصْلَه، ونصَل السَّهمُ: إذا خرَج منه النَّصلُ، ونصَل أَيضًا إذا ثبَت أصلُه في الشَّيء فلم يخرج، فهو من الأَضْداد. (شهر رجب)؛ أي: في شهر رجبٍ. (إلى مُسيلمة) بدَلٌ من (إلى النَّار) بتكرار العامِل. * * * 71 - قِصَّةُ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ (باب قِصَّة الأَسْوَد العَنْسيّ) بفتح المهملة، وسكون النُّون، قيل: اسمه عَبْهَلَة، بفتح المهملة، وسُكون الموحَّدة، وفتح الهاء، وهو ابن كَعْب، قتَلَه فَيْرُوز الدَّيْلَمي على المشهور في مرَض النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. والحديث المذكور في هذا الباب مرسلٌ. 4378 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صالحٍ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نشَيطٍ -وَكَانَ في مَوْضعٍ آخَرَ اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ-: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ:

بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ المَدِينَةَ، فَنَزَلَ في دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَهْيَ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَهْوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: خَطِيبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضِيبٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ، ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ سَألْتَنِي هَذَا القَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، وَسَيُجيبُكَ عَنِّي"، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. 4379 - قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي ذَكَرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضعَ في يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ". فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قتلَهُ فَيْرُوزُ بِاليَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ. (ابنة الحارث) بالمثلَّثة: هي امرأةٌ من الأَنْصار، من بَني النَّجَّار، واسمها: كَيْسَة، بفتح الكاف، ثم ياء، ثم سين مهملة. (كُرَيز) مصغَّر: كُرْز، بكافٍ، وراءٍ، وزايٍ.

72 - باب قصة أهل نجران

(وهي أُمّ عبد الله) قيل: صَوابه: أُمُّ ولَدِ عبد الله، لا أُمُّه، استعملَه عثمان على البصرة وعزَل أَبا مُوسَى. (إن شئت خليت) بلفْظ الخِطاب فيهما، أي: أمْرَ الحُكومة في حَيَاتك، وبعدَك تكون الخلافَة والحُكومة لنا. (ذُكر) مبنيٌّ للمفعول، والذَّاكر هو أبو هُريرة. (ففظعتهما) بفاءَين، ومعجمةٍ مُشالةٍ، مكسورةٍ، وعينٍ، مهملة، من قولك: شيءٌ فَظِيعٌ، أي: شَديدٌ. قال ابن الأَثِيْر: كذا رُوي مُتعدِّيًا، والمعروف قطعةٌ به أو منه، والتَّعدية تكون حَمْلًا على المعنى؛ لأنه بمعنى: أكبَرتُهما، وخِفْتُهما. * * * 72 - بابُ قِصَّةِ أَهْلِ نَجْرَانَ (باب قِصَّة أَهْل نَجْران) بفتح النُّون، وسُكون الجيم، وبراءٍ: بلدةٌ معروفةٌ من اليمَن، على سبْع مَراحِل من مكة، كانت منزلًا للأنصار. 4380 - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ،

قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ، فَوَاللهِ لَئِنْ كَانَ نبَيًّا فَلَاعَنَّا، لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إلا أَمِينًا، فَقَالَ: "لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ"، فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ"، فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ". الحديث الأول: (السيِّد) بفتح المهملة، وكسر الياء المشدَّدة. (والعاقب) بمهملةٍ، وقافٍ، وموحَّدة، اسمه: عبد المَسِيْح، وهما رجُلين من أكابر نَصَارى نَجْران وسَاداتهم وحُكَّامهم. (يلاعناه) من المُلاعَنة، وهي المُبَاهَلَة، وفي ذلك نزلت: {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} الآية [آل عمران: 61]. (يَا أَبا عُبيدة) هو أحد العشَرة، واسمه: عامِر. * * * 4381 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: ابْعَثْ لنا رَجُلًا أَمِينًا، فَقَالَ: "لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ"، فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ،

73 - قصة عمان والبحرين

فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. الثاني: كالأول. * * * 4382 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ". الثالث: تعلُّقه بالباب ما سبَق في الذي قبلَه أنَّه بعثَه إلى نَجْران. * * * 73 - قِصَّةُ عُمَانَ وَالبَحْرَيْنِ (باب قِصَّة عُمَان) بضم المهملة، وتخفيف الميم: بلَد بقُرب البَحْرَين، وأما الذي بالشَّام فهو عَمَّان، بالفتح والتشديد. 4383 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: سَمعَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا" ثَلَاثًا، فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ

البَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِض رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا، فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي. قَالَ جَابِرٌ: فَجئْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَأَخْبَرْتُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا" ثَلَاثًا، قَالَ: فَأَعْطَانِي، قَالَ جَابرٌ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَلَمْ يُعْطِنِي، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي. فَقَالَ: أقلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي؟ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ البُخْلِ؟ قَالَهَا ثَلَاثًا، مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ. وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جِئْتُهُ، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا، فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِئَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ. (تَبَخل)؛ أي: تُنسَب إلى البُخْل. (عني)؛ أي: عن جِهَتي. (أدوأ)؛ أي: أقْبَح، غير مهموزٍ؛ لأنَّه مِن: دَوِيَ، قاله السَّفَاقُسي. وقال (ع): كذا يَرويه المحدِّثون غيرَ مهموزٍ، والصَّواب بالهمز؛ لأنه من الدَّاء، والفعل منه داءَ يَدَاءُ، كنَامَ وينَام، فهو داءٍ كجارٍ، وأما غير المهموز فهو مِن: دَوِيَ كسَمع: إذا كان به مرَضٌ باطنٌ في جَوفه.

74 - باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن وقال أبو موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هم مني وأنا منهم"

(البُخْل) بضم الموحَّدة، وسكون المعجمة، وبفتحهما. وسبق الحديث كثيرًا. * * * 74 - بابُ قُدُومِ الأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ اليَمَنِ وَقَالَ أَبُو مُوسى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" (باب قُدُوم الأَشْعَرييِّن) وفي بعضها: (الأَشْعَرين) بحذف إحدى الياءَين، وتخفيف الأُخرى. (وقال أبو موسى) موصولٌ في (هجرة الحبَشة). (مني) تُسمَّى مِنْ الاتصاليَّة، ومعناه المبالغة في اتحاد طريقَتهما، واتفاقُهما على طاعة الله تعالى. 4384 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ اليَمَنِ، فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إلا مِنْ أَهْلِ البَيْتِ؛ مِنْ كثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ.

الحديث الأول: (وآخى) تقدَّم أنَّه أبو رُهْم، وأنَّ أُمَّ ابن مسعود هي أُمُّ عبد. * * * 4385 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى أَكْرَمَ هَذَا الحَيَّ مِنْ جَرْمٍ، وَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ وَهْوَ يَتَغَدَّى دَجَاجًا، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ، فَدَعَاهُ إِلَى الغَدَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ جملُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأَكُلُهُ، فَقَالَ: إِنِّي حَلَفْتُ لَا آكُلُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ أُخْبِرْكَ عَنْ يَمِينِكَ، إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَرٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ، فَأَبَى أَنْ يَحْمِلَنَا، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُتِيَ بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَأَمَرَ لنا بِخَمْسِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا قَبَضْنَاهَا قُلْنَا: تَغَفَّلْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، لَا نُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَدًا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا، وَقَدْ حَمَلْتَنَا؟ قَالَ: "أَجَلْ، وَلَكِنْ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلا أتيْتُ الَّذِي هُوَ خيرٌ مِنْهَا". الثاني: (قدم أبو موسى)؛ أي: إلى اليمَن، وقال بعض العصريين: إلى الكُوفة. (أكرم) الضَّمير لأبي مُوسَى.

(جَرْم) بفتح الجيم، وسكون الراء. (يتغدى) بإهمال الدال. (فَقَذِرْته) بكسر المعجمة، وقال (ك): وبفتْحها، أي: كَرِهتُه. (فاستحملناه)؛ أي: طلبْنا منه إبِلًا تحمِلُنا. (بنهب)؛ أي: بغَنيمةٍ. (ذود) هو من الإبِل ما بين الثَّلاث إلى العَشْر. (تغفلنا)؛ أي: استغفَلْناه، واغتَنَمنا غفلتَه. وسبق مباحثُ الحديث في (الجهاد)، في (باب: الخمُس). * * * 4386 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ الْمَازنِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ"! قَالُوا: أَمَّا إِذْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْبَلُوا البُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ"، قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ! الثالث: سبق أولَ (كتاب بدء الخلق). * * *

4387 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الإيمَانُ هَا هُنَا"، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى اليَمَنِ: "وَالجَفَاءُ وَغِلَظُ القُلُوبِ في الفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإبِلِ، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ، رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". الرابع: (الفدادين) إما جمع: فدَّاد، وهو الشَّديد الصَّوت، وذلك من دَأْب أصحاب الإبِل، أو جمع فدَاد بمعنى: آلَة الحَرْث إنْ رويته بتخفيف الدال، والمراد أَهْل الحَرْث، وإنما ذمَّهم لأنه يَشغَل عن أمر الدِّين ويُلهي عن الآخِرة. (حيث يطلع قرنا الشيطان)؛ أي: من جِهَة المَشْرِق، وحيثُ هو مَسكَن القَبيلتَين. (رَبِيْعة) بفتح الرَّاء. (ومُضَر) بضم الميم، وفتح المعجَمة، وعبَّر عن المَشرِق بذلك؛ لأنَّ الشَّيطان ينتصِبُ في مُحاذاة المَطلِع، حتَّى إذا طلَعتْ كانت بين جانبَي رأْسه، فتقَع السَّجدة له حين يَسجُد عبَدَةُ الشَّمس لها.

وسبَق آخِرَ (كتاب بدء الخلق). * * * 4388 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبة، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأليَنُ قُلُوبًا، الإيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالفَخْرُ وَالخُيَلَاءُ في أَصْحَابِ الإبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالوَقَارُ في أَهْلِ الغَنَمِ". وَقَالَ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (الإيمان يَمان) لأنَّ مَبْدأه من مكة، وهي يمانيَةٌ، والمراد منه وصْف أهل اليمَن بكمال الإيمان، والثَّناء عليهم بمبادرتهم إلى الإيمان. وقيل: قالَه بتبُوك، والمدينة حينئذٍ بينه وبين اليمَن، وهو يُريد مكة والمدينة. وقيل: أراد الأنْصارَ؛ لأنهم يمانيون. (والحكمة) هي الفِقْه. ففيه ثناءٌ على الأَنْصار؛ لأنهم أكثَر فُقهاء الصَّحابة.

(وقال غُنْدر) وصلَه أَحْمد. * * * 4389 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الإيمَانُ يَمَانٍ، وَالفِتْنَةُ هَا هُنَا، هَا هُنَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". السادس: (والفتنة ها هنا)؛ أي: من المَشْرِق؛ لأنَّ أعظَم أسباب الكُفر مَنْشَؤه هنالك كخُروج الدَّجَّال ونحوه. * * * 4390 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الفِقْهُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ". السابع: (أضعف قلوبًا وأرق أفئدة) جمع: فُؤاد. قال (ح): وصف القُلوب باللِّين، والأفئِدةَ بالرِّقَّة؛ لأنَّ الفُؤاد غِشَاءُ القلْب، إذا رقَّ نفَذَ القَول فيه، وخلَصَ إلى ما وراءَ، وإذا

غَلُظ تعذَّر وصوله إلى داخله، وإذا صادَف القلب شيئًا عَلِقَ به إذا كان لَيِّنًا. * * * 4391 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ خَبَّابٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَيَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ الشَّبَابُ أَنْ يَقْرَؤُا كَمَا تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ شِئْتَ أَمَرْتُ بَعْضَهُمْ يَقْرَأُ عَلَيْكَ، قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: اقْرَأْ يَا عَلْقَمَةُ! فَقَالَ زيدُ بْنُ حُدَيْرٍ: أَخُو زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ أَتَأْمُرُ عَلْقَمَةَ أَنْ يَقْرَأَ، وَلَيْسَ بِأَقْرَئِنَا؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قَوْمِكَ وَقَوْمِهِ. فَقَرَأْتُ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ (سُورَةِ مَرْيَمَ)، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا أَقْرَأُ شَيْئًا إلا وَهُوَ يَقْرَؤُهُ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَى خَبَّابٍ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: ألَمْ يَأْنِ لِهَذَا الخَاتَمِ أَنْ يُلْقَى؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُ عَلَيَّ بَعْدَ اليَوْمِ، فَأَلْقَاهُ. رَوَاهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. الثامن: (في قومك وقومه) قومُ عَلْقمة هم النَّخَع، قبيلةٌ باليمَن، وقومُ زيدٍ بنو أَسَد، وأراد بذلك مدْح النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأهل اليمَن، وذمَّه لبني أَسَد.

75 - قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي

(خاتم من ذهب) تختُّمُ خَبَّاب به مع أنَّه صحابيٌّ؛ لعلَّه لكونه لم يبلُغه النَّهي. * * * 75 - قِصَّةُ دَوْسِ وَالطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرِو الدَّوْسِيِّ (باب قِصَّة دَوْسٍ) بفتح المهملة، وسُكون الواو، وبمهملةٍ: قبيلةٌ من اليمَن. (والطُّفيل) مصغَّر: طفل، أسلَم بمكة، ورجَع إلى بلَده، فأسلَم أبوه، ولم تُسْلم أُمُّه، ثم هاجَر إلى المدينة مع قومه عام خيبر، ولم يَزَل بها حتَّى قُبِض النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقُتل باليمامة شهيدًا. 4392 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ، عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأْتِ بِهِمْ". الحديث الأول: (اهد دَوْسًا وائت بهم) دعاؤُه لهم بالهداية في مُقابل قوله: (عَصَتْ)، والإتيانُ بهم في مقابلة قوله: (وأبَتْ). * * *

76 - باب قصة وفد طيئ، وحديث عدي بن حاتم

4393 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ في الطَّرِيقِ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ وَأَبَقَ غُلَامٌ لِي في الطَّرِيقِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الغُلَامُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! هَذَا غُلَامُكَ"، فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللهِ، فَأَعْتَقْتُهُ. الثاني: (وعنائها) بفتح المهملة، والمدِّ: التَّعَب، والنَّصَب. (دارة) هو أخصُّ من الدَّار. (وأبق) قيل: إنه وهمٌ، وإنما ضَلَّ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبه. وقد سبق في (كتاب العِتق). * * * 76 - بابُ قِصَّةِ وَفْدِ طَيِّئِ، وَحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (باب وفْد طَيِّيء، وحديث عَدِيٍّ) بفتح المهملة الأُولى، وكسر الثَّانية.

77 - باب حجة الوداع

(ابن حاتم) بمهملةٍ. * * * 77 - بابُ حَجَّةِ الوَداعِ (باب حَجَّة الوَداع) بكسر الحاء وفتحها، وفتح الواو وكسرها. 4395 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهلِلْ بِالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا"، فَقَدِمْتُ مَعَهُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالحَجِّ، وَدَعِي العُمْرَةَ"، فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الحَجَّ، أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيم، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: "هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ". قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالعُمْرَةِ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ

أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. الحديث الأول: (فأهللنا)؛ أي: أحْرمنا. (مكان) بالرفع والنصب. وسبقت مباحثُه في (الحيض)، وفي (الحج). * * * 4396 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَباس: إِذَا طَافَ بِالبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ، فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا في حَجَّةِ الوَدَاعِ. قُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ المُعَرَّفِ. قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قَبْلُ وَبَعْدُ. الثاني: (فقد حل)؛ أي: قبل السَّعي والحَلْق. (المُعَرَّف) بفتح الراء، أي: التَّعريف، وهو الوُقوف بعرَفة. * * *

4397 - حَدَّثَنِي بَيَانٌ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِالبَطْحَاءِ، فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "كَيْفَ أَهْلَلْتَ؟ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كإِهْلَالِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "طُفْ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ"، فَطُفْتُ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَتيْتُ امْرَأةً مِنْ قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي. الثالث: (أحججت)؛ أي: أحرمت بالحجِّ، وهو شامل للحجِّ الأكبر والأصغر الذي هو العُمْرَة. (فَفَلَت) بفتح الفاء، واللام الخفيفة، أي: فتَّشتْ رأْسي، واستخرجَتْ منه القَمل. * * * 4398 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، أَخْبَرَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ؟ فَقَالَ: "لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي".

الرابع: (فما يمنعك)؛ أي: عن التحلُّل يَا رسولَ الله؟. (لبدت) التَّلْبيد أن يجعل المُحرِم في رأْسه شيئًا من صَمْغٍ؛ ليَصير شعرُه كاللِّبْد؛ لئلا يتشعَّثَ في الإحرام. (وقلدت) التقليد أن يعلَّق في عنُق النَّعَم شيءٌ؛ ليُعلَم أنَّه هديٌ. * * * 4399 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُعَيب، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نعمْ". الخامس: (خَثْعم) بفتح الخاء المعجمة، والعين المهملة، وبينهما مثلَّثةٌ ساكنةٌ: قبيلةٌ من اليمن. وسبق الحديث في (الحج). * * *

4400 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْح وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى القَصْوَاءِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ: "ائْتِنَا بِالمِفْتَاح"، فَجَاءَهُ بِالمِفْتَاح، فَفَتَحَ لَهُ البَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ، ثُمَّ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمِ البَابَ، فَمَكَثَ نهارًا طَوِيلَا، ثُمَّ خَرَجَ، وَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ، فَسَبَقْتُهُمْ، فَوَجَدْتُ بِلَالًا قَائِمًا مِنْ وَرَاءِ البَابِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: صَلَّى بَيْنَ ذَيْنكَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ. وَكَانَ البَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ، صَلَّى بَيْنَ العَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ المُقَدَّم، وَجَعَلَ بَابَ البَيْتِ خَلْفَ ظَهْرهِ، وَاسْتَقْبَلَ بوَجْههِ الَّذِي يَسْتَقْبِلكَ حِينَ تَلِجُ البَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجدَارِ، قَالَ: وَنسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى؟ وَعِنْدَ المَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ. السادس: (القَصْواء) بفتح القاف، وسكون المهملة، والمد: اسم ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم تكن مقطوعةَ الأُذُن. (سطرين) بسينٍ مهملةٍ للجماعة، وعند الأَصِيْلِي بمعجمةٍ. قال (ع): وهو تصحيفٌ. (بينه)؛ أي: بين الذي يستقبلُك، أو بين رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمَرمَرة: الرُّخام.

وسبق الحديث في (باب: الصلاة بين السَّواري). (مرمرة) هي حجارةٌ معروفةٌ. * * * 4401 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُمَا: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَاضَتْ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ " فَقُلْتُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللهِ! وَطَافَتْ بِالبَيْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْتَنْفِرْ". السابع: سبق شرحه في (الحج). * * * 4402 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كُنَّا نتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الوَدَاعِ؟ فَحَمِدَ الله، وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَأَطْنَبَ في ذِكْرِهِ، وَقَالَ: "مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نبَيٍّ إلا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ، أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فَمَا خَفِي عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ، فَلَيْسَ يَخْفَى

عَلَيْكُمْ: أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبةٌ طَافِيَةٌ". 4403 - : "أَلَا إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قَالُوا: نعمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلَاثًا". 4403 / -م - "ويلَكُمْ -أَوْ وَيْحَكُمُ- انْظُرُوا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". الثامن: (فما خفي)، (ما) شرطيةٌ، أي: خَفِي عليكم بعضُ شأْنه فلا يَخفى عليكم أنَّ ربَّكم ليس بأَعور. ولفظ (ما) الثاني بدلٌ من الأول، أي: لا يخفى أنَّه ليس مما يخفَى أنَّه ليس بأعور، أو استئنافٌ. وسبق في (الأنبياء)، في (باب: ذكر مريم). (كفارًا)؛ أي: كالكفَّار، فهو تشبيهٌ، أو هو من باب التَّغليظ، فهو مجازٌ، أو المراد: الكُفر اللُّغَوي، وهو السَّتْر، أي: التَّستُّر بالأسلحة. والأَولى أنَّه على ظاهره، وهو نهيٌ عن الارتِداد. وتعلَّق بهذا الخوارجُ على التَّكفير بالكبيرة.

(أيضرب) بالجزم والرفع. وسبق الحديث في (العلم). * * * 4404 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ أرْقَمَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً، لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا؛ حَجَّةَ الوَدَاعِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى. التاسع: (حجة الوداع) عَلِموا أنها حَجَّة الوداع من قوله: (هل بلَّغْت؟). ومرَّ تمام الحديث. (وبمكة أخرى)؛ أي: وإنْ كان ذلك قبْل فرْض الحجِّ؛ لأنه إنما فُرض بعد الهجرة على الخِلاف في تعيين السنَة إلَّا أنَّ ما قبلَها كان على قاعدتهم، أي: على هذه الصُّورة، أو نحوٍ منها. قال ابن الأثير في "الجامع": حجَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة وبعدَها حَجَّاتٍ. * * * 4405 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ

مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ لِجَرِيرٍ: "استَنْصِتِ النَّاسَ"، فَقَالَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". العاشر: سبق معناه. * * * 4406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثةٌ مُتَوَالِيَاتٌ؛ ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ؛ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَننَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ ذُو الحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ

هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَسَيَسْأَلكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ"، فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ: صَدَقَ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ" مَرَّتَيْنِ. الحادي عشر: (الزمان) صادقٌ على قليلِ الوقتِ وكثيره، وأراد به هنا السَّنَة. (حرم) جمع: حَرام، كان القتال كان فيها حَرامًا، ثلاثةٌ منها سَرْدٌ، وآخَر فردٌ. (مُضر) قبيلةٌ كانت تُحافظ على تحريم رجَب أشدَّ من سائر العرب. (بين جمادى وشعبان) تأكيدٌ وإزالة لرَيبٍ يحدُث بسبَب النَّسيء. قال في "الكشَّاف": النَّسيء: تأَخيرُ حُرمة شهرٍ إلى آخر، كانوا يُحلُّون الشهر، ويُحرمون مكانه شهرًا آخَر، حتَّى رفَضُوا تخصيصَ هذه الأربعة، وحرَّموا من شُهور العام أربعةً مُطلقًا. وربما زادوا في الشُّهور، فيجعلونها ثلاثة عشَر، أو أربعةَ عشرَ. والمعنى: رجَعت الأشهُرُ إلى ما كانت عليه، وعادَ الحجُّ إلى ذِي الحِجَّة، وبطَلَ النَّسيء.

وسبق بسْطه في (الحج)، في (باب: التمتُّع)، وكلامُ (خ) وغيره فيه. وقال بعضهم: إنما أخَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحجَّ من سنة تسعٍ إلى عشرٍ لأجل ذلك. (البلدة)؛ أي: مكَّة. قال (ك): واللام للعَهْد، وقيل: ذلك اسمها. * * * 4407 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِم، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أُنَاسًا مِنَ اليَهُودِ قَالُوا: لَوْ نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ فَقَالُوا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ مَكَانٍ أُنْزِلَتْ، أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ. الثاني عشر: (إنِّي لأعلم، أي مكان) إلى آخره، وجْه مطابقته لكلامهم أنَّه عندنا عيدٌ؛ لأنه يعقُبه العيد. وقد سبق تقريره في (الإيمان). * * *

4408 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ، أَوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَقَالَ: مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ مِثْلَهُ. الثالث عشر، والرابع عشر: معلومٌ معناهما مما سبق في (الحج)، وغيره. * * * 4409 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ -هُوَ ابْنُ سَعْدٍ-، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ، أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى المَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إلا ابْنةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأتصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قَالَ: "وَالثُّلُثُ كثيرٌ، إنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خيرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً

تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إلا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا في في امْرَأَتِكَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! آأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فتعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ إلا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ البَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ"، رَثَى لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُوُفِي بِمَكَّةَ. الخامس عشر: حديث سعدٍ سبق في (الجنائز)، في (باب: رِثاء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -). وأتى به البخاريُّ هنا لأجل قوله: (في حَجَّة الوداع)، وردًّا لقول سفيان بن عُيْيَنة أنَّ ذلك كان يوم فتْح مكة. (أشفيت): أشرفتُ. (عالة) جمع: عائِل، أي: فقيرٌ. (يتكففون)؛ أي: يمُدُّون أكُفَّهم إلى النَّاس للسُّؤال. (البائس) شديدُ الحاجَة، وهي كلمةُ ترحُّم. (خَوْلة) بفتح المعجمة، وسكون الواو، هي أُمُّ سَعْد، مُهاجريٌّ بدريٌّ، مات بمكة في حَجَّة الوَداع، وكان يَكره أن يموت بمكة، ويتمنَّى أن يموت بغَيرها، فلم يُعطَ ذلك، فرثاه - صلى الله عليه وسلم -، أي: ترحَّم له. * * *

4410 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَلَقَ رَأْسَهُ في حَجَّةِ الوَدَاعِ. 4411 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرنِي مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَخْبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَلَقَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. السادس عشر: عُرف معناه مما ذكر في (الحج). * * * 4412 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ أَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى حِمَارٍ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَسَارَ الحِمَارُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، ثُمَّ نزَلَ عَنْهُ، فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ. السابع عشر: سبق في (الصلاة). * * *

4413 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا شَاهِدٌ عَنْ سَيْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّتِهِ، فَقَالَ: العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. الثامن عشر: (العَنَق) بفتح المهملة، والنون: ضربٌ من السَّير متوسطٌ. (فجوة)؛ أي: فُرْجةٌ. (نَصّ) بالنُّون والمهملة: أَسرعَ. * * * 4414 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الخَطْمِيِّ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعًا. التاسع عشر: (جمعًا)؛ أي: يجمع بينهما في وقتٍ واحدٍ. * * *

78 - باب غزوة تبوك، وهي غزوة العسرة

78 - بابُ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهْيَ غَزْوَةُ العُسْرَةِ (باب غَزْوة تَبُوك) بفتح المثناة، وخفَّة الموحَّدة المضمومة: موضعٌ بالشَّام بينه وبين دمشق إحدى عشرة مرحلةً، وبينه وبين المدينة أربعَ عشرةَ، والمشهور عدَم صرفه؛ للتأْنيث والعلَمية، وهي آخر غزْوة غزاها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بنفْسه. (العُسْرة) بضم المهملة الأُولى: ضِدُّ اليُسْرة، سُميت بذلك لمَا فيها من المشقَّة بقِلَّة الزَّاد والرَّاحلة، وفي حرٍّ شديدٍّ، والمَفَازةُ بعيدةٌ، والعام جَدْبٌ، والأعداء كثيرةٌ، وهم عسكَرُ قَيْصَر والرُّوم. وسبق بيانه أوَّل (المغازي). 4415 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسأَلُهُ الحُمْلَانَ لَهُمْ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِيِ جَيْشِ العُسْرَةِ، وَهْيَ عَزْوَةُ تَبُوكَ، فَقُلْتُ: يَا نبَيَّ اللهِ! إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُوني إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، فَقَالَ: "وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ"، وَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، وَلَا أَشْعُرُ، وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ في نفسِهِ عَلَيَّ،

فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ ألْبَثْ إلا سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِي: أَيْ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ! فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، قَالَ: "خُذْ هَذَيْنِ القَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ القَرِينَيْنِ؛ لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ، فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ، فَقُلْ: إِنَّ الله -أَوْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، فَارْكَبُوهُنَّ"، فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَكِنِّي وَاللهِ لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا لِي: إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ، فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ، فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى. الحديث الأول: (الحُملان) بضم المهملة: الحمْل. (ووافقته)؛ أي: صادفتُه. (القرينين) القَرين: البعير المقْرون بآخَر، يُقال: قرنتُ البعيرَين جمعتُهما في حبْلٍ واحدٍ. (ابتاعهن) في بعضها: (ابْتَاعَهُم) تَشبيهًا للأَبْعرة بذُكور العُقلاء.

إنْ قيل: سبَق في (باب: قُدوم الأَشعريين): أنَّه أمرَهم بخمْسٍ ذَودٍ من إبِل نهبٍ. قيل: هما قضيَّتان أحدهما عند قُدومهم، والأُخرى في غزْوة تبوك، وعقْد الترجمتين يُشعر بذلك، أو اشتراهما مِن سَعْد من سُهمانه من ذلك النَّهب. وأما قوله هناك: (بخمسٍ)، وهنا: (بسبعةِ أبعرةٍ)؛ فلأنَّ العدَد لا يَنفي الزائد. ولا يُقال: القَرين إنما يقتضي اثنين، فالقَرينان أربعةٌ؛ لاحتمال أن يُراد بالقَرين الأعمُّ، فالثلاثة قَرينٌ أَيضًا، وذكر المرة الثَّانية تأكيدًا. وأما قوله: (هذين) بالتذكير مع أن القَرينة مؤنثةٌ؛ فلأنَّ المراد بها البعير، وهو مذكَّرٌ، أو أشار أولًا بلفْظ: (هذين)، ثم قال: أعني القَرينين، فهو منصوبٌ على الاختصاص لا على الوصفيَّة. وأما اللام فإما متعلقةٌ بـ (قالَ)، أو هي لام التَّبيين نحو: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]. * * * 4416 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي في الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: "أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إلا أنَّهُ لَيْسَ نبَيٌّ بَعْدِي".

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم: سَمِعْتُ مُصْعَبًا. الثاني: (بمنزلة هارون من موسى)؛ أي: حيثُ استخلفَه على بني إسرائيل حين توجُّهه إلى الطُّور. (وقال أبو داود)؛ أي: الطَّيَالسي، هو في "مسنده". * * * 4417 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - العُسْرَةَ قَالَ كَانَ يَعْلَى يَقُولُ: تِلْكَ الغَزْوَةُ أَوْثَقُ أَعْمَالِي عِنْدِي. قَالَ عَطَاءٌ: فَقَالَ صَفْوَانُ: قَالَ يَعْلَى: فَكَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ، قَالَ عَطَاءٌ: فَلَقَدْ أَخْبَرَني صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الَآخَرَ فَنَسِيتُهُ، قَالَ: فَانتزَعَ المَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ في العَاضِّ، فَانتزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ، فَأَتيَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، قَالَ عَطَاءٌ: وَحَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفيَدَعُ يَدَهُ في فِيكَ تَقْضَمُهَا؟! كَأَنَّهَا في فِي فَحْلٍ يَقْضَمُهَا؟! ". الثالث: (العُسْرة)؛ أي: غزوة تَبُوك.

79 - حديث كعب بن مالك، وقول الله عز وجل: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}

(تلك) الإشارة إليها. (ثنيّته)؛ أي: السِّنُّ. (يَقْضَمها) بفتح المعجمة، والقَضْم: الأكل بأطْراف الأسنان. مرَّ في (الجهاد)، في (باب: الأجير). * * * 79 - حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَوْلُ اللهِ عز وجل: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (باب حديث كعْب بن مالِك) 4418 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّف عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةٍ غَزَاهَا إلا في غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غيرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي: أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ

أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الغَزْاةِ، وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إلا وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا، وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ؛ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ الدِّيوَانَ- قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَي أتجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ في نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الجدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أتجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ الحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَننَي أَنِّي لَا أَرَى إلا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهْوَ

جَالِسٌ في القَوْمِ بِتَبُوكَ: "مَا فَعَلَ كعبٌ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَنَظَرُهُ في عِطْفِهِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أتَذَكَّرُ الكَذِبَ، وَأقولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ، فَجئْتُهُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَ"، فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: "مَا خَلَّفَكَ؟ ألمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ، لَا وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ،

وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ"، فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ كنْتَ أَذْنبتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ المُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكَ، فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نعم، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ، فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِي، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ في نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ القَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ، فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ المُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ في نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ

أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا قتَادَةَ! أَنْشُدُكَ بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُنِي أحُبُّ الله وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ، فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجدَارَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي، دَفَعَ إِلَيَّ كتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ البَلَاءِ، فتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ، فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا بَلِ اعْتَزِلْهَا، وَلَا تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الحَقِي بِأَهْلِكِ، فتكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ في هَذَا الأَمْرِ. قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأةٌ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ"، قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللهِ مَا بِهِ حَرَكةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللهِ

مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في امْرَأَتِكَ، كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَأْذَنتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ؟ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْع بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ! أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ. قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ

رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ قَالَ: "لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ". وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الله إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أحُدِّثَ إلا صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللهُ في صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فِيمَا بَقِيتُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِين} إِلَى قَوْلهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإسْلَامِ أَعْظَمَ في نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ الله قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ:

{فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}. قَالَ كَعْبٌ: وَكنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللهُ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ. (عن قصة) متعلِّقٌ بقوله: (يحدِّث). (عِير) بكسر المهملة: الإبِل تحمِل المِيْرةَ. (ليلة العقبة)؛ أي: التي بايَع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها الأنصارَ على الإِسلامِ، والإيْواءِ، والنَّصرِ، وذلك قبل الهجرة، وهي التي في طرَف مِنَى التي تُضاف إليها جمرة العَقَبة، وكانت بيعةُ العقَبة مرَّتين، في السنَة الأُولى: اثني عشَر، وفي الثَّانية: سَبْعين من الأَنْصار. (تواثقنا)؛ أي: توافَقْنا، وتعاهَدْنا. (بها)؛ أي: بدلَها، ومُقابلَها، وذلك لأنَّها كانت سبَب قوَّته - صلى الله عليه وسلم -، وظُهورِ الإِسلام، وإعلاءِ الكلمة. (أَذْكر)؛ أي: أشهَر عند النَّاس بالفَضيلة. (فجليّ) بالتخفيف والتشديد، أي: كَشَفَ وعرَّفَهم؛ ليستعدُّوا بما يحتاجُون إليه في سفَرهم ذلك.

(الدِيوان) بكسر الدال، ويُحكى بالفتح: مُعرَّبٌ، وقيل: عربيٌّ، وظَنُّ الخَفاءِ لكثْرة العَسْكر. (وتجهز) الجَهَاز، بفتح الجيم وكسرها: الأُهبَة. (الجدّ) كذا لجُمهورهم بكسر الجيم: الجِهاد في الشَّيء، والمُبالغة فيه. وضُبط برفْع (النَّاس) على أنَّه فاعلٌ، ويكون (الجِد) منصوبًا على إسقاط الخافض، أو نعتًا لمصدرٍ محذوفٍ، أي: أشَدُّ النَّاس الاشتدادَ الجِدَّ. وعند ابن السَّكَن: (بالنَّاسِ)، وهو الصَّواب. (وتفارط)؛ أي: تَبَاعَد، والفَارِط: السَّابِق، أي: فاتَ. (أني لا أرى) بفتح (أنَّ) على التعليل. (مغموصًا) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ، أي: مَطعُونًا بالنِّفاق، ومتَّهمًا به، وقيل: مُستَحقَرًا، مِنْ غمَصَه: إذا استَحقَره. (تَبُوكًا) بالألِف في مُعظم النُّسخ، كأنه صُرف لإرادة الموضع. (سلِمة) بكسر اللام. (عطفيه) بكسر العين، أي: جانبَيه. والعرَب تضَع الرِّداء مَوضع الحَالِ، والحُسن، والبَهجة، وتُسمي الرِّداءَ عِطْفًا؛ لوقوعه على عِطْفَي الرَّجل، وهو إشارةٌ إلى إعجابه بنفْسه ولبَاسه.

(أَظَلَّ)؛ أي: دنَا، كأنَّ ظلَّه وقَع عليه. (زاح) بزأيٍ، ومهملةٍ. (فأجمعت)؛ أي: عزَمتُ. (علانيتهم)؛ أي: ظاهرهم. (المغضب) بفتح الضاد، أي: الغَضْبان. (جدلًا) فصاحةً وقوةً في الكلام بحيث أخرُج من عهدِ ما يُنسَب إليَّ. (ليُوشِكن) بكسر المعجمة. (تَجِد) بكسر الجيم: تغضَبُ. (وثار)، أي: وثَبَ. (كافيك) بالنصب خبرُ (كانَ)، و (استِغفار) اسمها، و (ذنبك) نصب بإسقاط الخافِض، أي: مِن ذَنْبك. (يؤنبّوني) بنونٍ مشدَّدةٍ، وبموحَّدةٍ، أي: يَلُوموني أشدَّ اللَّوم. (مُرَارة) بضم الميم، وخفة الراء الأُولى. (ابن الرَّبيع) ضدُّ الخَريف، وفي "مسلم": "ابن ربيعة العمري"، وفي بعضها: (العامِريّ)، وأنكروه، فقد قال المَازرِيُّ وغيره: إنما هو العمري من بني عَمْرو بن عَوف. (أُميَّة) بضم الهمزة، وخفَّة الميم، وشدَّة الياء. (الواقِفي) بكسر القاف، وبالفاء.

وقد جمع بعضهم أسماء الثلاثة فقال: أول أسمائهم: مكة، وآخر أسمائهم: عكة، ويجمعها قولك: همك ارم، فالأوَّل لأسمائهم، والثاني لأسماء آبائهم. (شهدا بدرًا) قيل: هذا غريبٌ، ولم يذكُرهما أحدٌ من أهل السِّيَر فيمَن شَهِد بدْرًا، ولا يُعرف إلَّا في هذا الحديث. (لها الثلاثة) بالرفْع، وموضعُه نصبٌ على الاختِصاص، أي: متخصِّصين من بين سائر النَّاس، وحكَى سِيْبَويهِ: اللهمَّ اغفِرْ لنا أيَّتُها العِصَابَة. (فما هي التي أعرف)؛ أي: تغيَّر كلُّ شيء عليَّ، حتَّى الأرض توحَّشَتْ، حتَّى كأنِّي لم أعرفْها. (فأُسارقه) بالقاف. (حائط)؛ أي: بستان. (ابن عمي)؛ أي: على بُعدٍ، وإنما هو ابن عَمِّ جَدِّ جدِّه، وإنما لم يردَّ السَّلامَ عليه؛ لعُموم النهي عن كلامهم. (أنْشُدك) بضم الشين، أي: أسأَلُك. (فقال: الله ورسوله أعلم) لم يُرِدْ بهذا تكليمَه؛ لأنه منهيٌّ عنه بل أظهَر اعتقادَه، فلو حلَف: لا يُكلِّم زيدًا، فسأَلَه عن شيءٍ؛ فقال: اللهُ أعلَم، ولم يُرِد جوابَه، ولا إسماعَه، لم يَحْنَث. (تسورت)؛ أي: علَوتُ سُورَه للخُروج من الحائط.

(نبَطي) بفتح النُّون، والموحَّدة: الفَلَّاح. (مَضْيعة) بفتح الميم، وإسكان الضاد المعجمة وكسرها، وفتح الياء، أي: حيث أَضاعَ حقَّك. (فتيممت)؛ أي: فقصدتُ. (بها) أُنِّث على معنى الصَّحيفة. (فسجرته)؛ أي: أوقدتُه بها، فاحتَرق. (الحق) بكسر الهمزة. (كملت) بتثليث الميم. (فأوفى)؛ أي: ارتفَع، وأشرَفَ. (سِلْع) بفتح المهملة، وسكون اللام، وبمهملةٍ: جبَلٌ بالمدينة معروفٌ. (أسلم) بلفْظ أفعَل التَّفضيل: قبيلةٌ. (فوجًا)؛ أي: جماعةً. (لتهنك) قيَّده بعضهم بكسر النُّون، وبعضهم بفتحها، وهو الصواب؛ لأن أصله: يَهنَأَ، بفتح النُّون؛ قالَه السَّفَاقُسِي. قال (ش): وفيه نظرٌ. (لطلحة)؛ أي: لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان آخَى بينهما. (يُهرول) هو السَّير بين المشْي والعَدْو.

(بخير يوم) المراد سِوى يوم إسلامه، وتَركَه لظُهوره. (أنخلع)؛ أي: أَخرُج، وأتصدَّقُ به. ولا يُنافي ذلك ما سبَق من قوله: (ما أملِكُ غيرَهما)، أي: من الثِّياب، وإلا فكان له مالٌ. (صدقه) مصدرٌ، يجوز انتصابه بـ (أَنخلِعُ)؛ لأنَّ معناه: أتصدَّقُ، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال، أي: متصدِّقًا. (أمسك) إنما أمره بالاقتِصاد خَوفًا من تضرُّره بالفقْر، وعدَم صبره على الإضاقة، بخلاف تصدُّق أبي بكرٍ بجميع مالِه؛ فإِنَّه كان صابِرًا راضِيًا. (لبلاه الله)؛ أي: أعطاه، وأنعمَ عليه. (أبلاني)؛ أي: أنعَم عليَّ، كما في قوله تعالى: {ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [إبراهيم: 6] أي: نعمةٌ، والابتلاء مطلَقٌ على الخير وعلى الشَّرِّ، وأصله الاختِبار، وأكثر ما يأْتي مُطلَقًا في الشرِّ، وفي الخير يقيَّد كما في: {بَلَاءً حَسَنًا} [الأنفال: 17] وكما قال هنا: أحسَن مما أَبْلاني. (أن لا أكون) بدلٌ من (صِدْقي)، أي: ما أنعَمَ أعظَم من عدَم كَذِبي، ثم عدَم هَلاكي. قال (ع) وكذا (ن): لفظة (لا) زائدةٌ، ومعناه: أن أكُون كذبتُه، نحو: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12].

(فأهلك) بكسر اللام، وحُكِيَ فتحُها. (وأرجأ)؛ أي: أخَّرَ. (إنما هو تخليفه) حُكِيَ عن محمَّد بن زيد أنَّه قال: معنى خُلِّفُوا تُركوا؛ لأن معنى خلَّفْتُ فُلانًا: فارقتُه قاعدًا عما نهضتُ عنه. وفي الحديث أربعون فائدةً أو أكثر: إباحة الغَنائم؛ إذ قال: (يُريدون عِيرًا لقُريش)، وفضْل أهل بدْرٍ، والعَقَبة، والمُتابَعة مع الإِمام، وجَواز الحَلِف من غير استِحلاف، وتَورَية المقصِد حيث لا ضرورةَ، والتأَسُّف على ما فاتَه من الخير، وتمنِّي المتأَسِّف، ورَدُّ الغِيبة، وهجْران أهل البِدْعة، وأن للإمام أنْ يُؤدِّبَ بعض أصحابه بإمساك الكلام عنه، وتَرْك قُربان الزَّوجة، واستِحبابُ صلاة القادِم، ودُخوله المسجدَ أوَّلًا، وتوجُّه النَّاس إليه عند قُدومه، والحُكم بالظَّاهر، وقَبُول المعاذِير، واستِحباب البُكاء على نفْسه، وأنَّ مُسارَقَة النظَر في الصَّلاة لا تُبطلها، وفَضيلة الصِّدق، وأنَّ السَّلام وردَّه كلامٌ، وجواز دُخول بُستان صَديقه بغير إذْنه، وأنَّ الكِنَاية لا يقَع بها الطَّلاق ما لم يَنوِه، وإيثارُ طاعة الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ على مزدَّة القُربى، وخِدْمة المرأة لزَوجها، والاحتِياط بمُجانبَة ما يُخاف منه الوُقوع في منهيٍّ عنه؛ إذ لم يَستأذن في خدمة امرأتِه لذلك، وجَواز إحراقِ ورقةٍ فيها ذِكْر الله تعالى لمصلحةٍ، واستِحباب التَّبشير عند تجدُّد النِّعمة، واندِفاع الكُربة، واجتماعُ النَّاس عند الإِمام، وسُروره بما يسرُّ أصحابَه، والتصدُّق بشيءٍ عند ارتفاع الحزْن، والنَّهي عن التصدُّق بما يملِك عند

80 - نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحجر

خَوف عدم الصَّبْر، واجازة البَشير بخلعة، وتخصيصُ اليَمين بالنيَّة، وجَواز العارِيَّة، ومُصافحة القادِم، والقِيامُ له، واستِحباب سجدةِ الشُّكر، والتِزام مُداومة الخير الذي انتفَع به، وغير ذلك. * * * 80 - نُزُولُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الحِجْرَ (باب نُزول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الحِجْرَ) بكسر المهملة، أي: مَنازِل ثمود قَومِ صالح، بين المدينة والشَّام، عند وادي القُرى. 4419 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِالحِجْرِ، قَالَ: "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ، إلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ" ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ، وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الوَادِيَ. الحديث الأول: (أن يصيبكم) مفعولٌ لأجله، أي: خَشية أنْ يُصيبَكم، وقيل: لئلَّا يُصيبَكم. (قنّع)؛ أي: ألبَسَ رأْسَه القِناع.

81 - باب

(أجاز)؛ أي: خلَّف، أو قطَع، أو سلَك. وسبَق الحديث في (باب: الصلاة في موضع الخَسْف). * * * 4420 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِ الحِجْرِ: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ إلا أَنْ تَكُونُوا بَاكينَ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ". الثاني: (لأصحاب الحجر)؛ أي: الصَّحَابَة الذين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الموضع، فأُضيف إلى الحِجْر بملابَسة عُبورهم عليه. (المعذبين)؛ أي: بعذاب الصَّيحة، وهلاكهم بها وقْعةً واحدةً. * * * 81 - بابٌ (بابٌ) 4421 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: ذَهَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِبَعْض

حَاجَتِهِ، فَقُمْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ المَاءَ -لَا أَعْلَمُهُ إلا قَالَ: في غَزْوَةِ تبوكَ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَذَهَبَ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ عَلَيْهِ كُمُّ الجُبَّةِ، فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. 4422 - حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةِ تبوكَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ، قَالَ: "هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". 4423 - حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنسِ بْنِ مالك - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَدَنَا مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالَ: "إِنَّ بِالمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إلا كَانُوا مَعَكُمْ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَهُمْ بِالمَدِينَةِ؟ قَالَ: "وَهُمْ بِالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ". الحديث الأول، والثاني، والثالث: واضحةٌ. (طابة) اسم المَدينة. (كانوا معكم)؛ أي: لتعلُّق قلوبهم، وشُغْل ضمائرهم، فهم يقولون: هم اليَوم بموضع كذا، فالمعيَّة بالنِّية والثَّواب. وهو دليلٌ على أنَّ المعذور له ثَواب الفعل إذا تَركَه للعُذْر. * * *

82 - باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر

82 - باب كِتَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ (باب كتاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى كِسرَى) بفتح الكاف وكسرها، والمشهور الكسر: مَنْ ملَك الفُرس. (وقيصر) بفتح القاف، والصاد المهملة، والراء: مَن ملَك الرُّوم، وهو كان يومئذٍ هِرَقْل. 4424 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ البَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ -فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ- فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. الحديث الأول: (حذافة) بضم المهملة، وتخفيف المعجمة، وبالفاء. (ممزق)؛ أي تمزيق، وفي التَّواريخ: أنَّ ابنه شِيْرُوَيه -بكسر المعجمة، وسكون الياء، وضم الراء- مزَّق بطنَه فقتلَه، ولم يقُم لهم بعد ذلك أمرٌ نافذٌ، وأدبرَ عنهم الإقْبال حتَّى انقَرضُوا بالكُلية. * * *

4425 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ ألحَقَ بَأَصْحَابِ الجَمَلِ، فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْم وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً". الثاني: (أيام الجمل) متعلِّقٌ بـ (نفَعني)، وهي وقْعةٌ بين عليٍّ وعائشة - رضي الله عنهما - بالبَصرة سنة ستٍّ وثلاثين. (ملكوا)؛ أي: جعلوها مَليكةً. (بنت كسرى) بُوْران، بضم الموحَّدة، وسُكون الواو، وبراءٍ، ونونٍ. ووجْه تعلُّقه بالترجمة: أنَّه من تتمَّة قضية كتاب كِسْرى حيث مزَّقَه، وقتلَه ابنُه، ثم مات الابن بالسُّمِّ الذي دَسَّه أبوه، ثم جُعِل البِنْت ملِكةً. وفيه أنَّ النِّساء لا يَلِقْنَ للإمارة، ولا للقَضاء. * * * 4426 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، يَقُولُ: أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الغِلْمَانِ

83 - باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته

إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ نتَلَقَّى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: مَعَ الصِّبْيَانِ. 4427 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ: أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ نتَلَقَّى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تبوكَ. الثالث، والرابع: (ثنية) هي طريق العَقَبة، وكان هناك تَوديعُ المُسافِرين. (مقدمه)؛ أي: زمان قُدومه. ومُناسبَته للترجمة: أنَّ التوجُّه إلى مملَكة قَيْصَر يقتضي التَّدبير في تَسخيره ببعْث الكِتاب إليه ونحوه، فهما متلازمان عادةً. * * * 83 - بابُ مَرَضِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَوَفَاتِهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}. (باب مرَض النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 4429 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بـ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}، ثُمَّ مَا صَلَّى لنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ. الحديث الأول: واضح المعنى. * * * 4430 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لنا أَبنَاءً مِثْلَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاس عَنْ هَذِهِ الَآيَةِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلا مَا تَعْلَمُ. الثاني (¬1): (يدني)؛ أي: يُقرِّب. (إنه من حيث تعلم)؛ أي: تقديمه من جهة عِلْمك بأنَّه من أهل العلم وفُضلائهم. * * * ¬

_ (¬1) "الثاني" ليس في الأصل.

4428 - وَقَالَ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "يَا عَائِشَةُ! مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ". (وقال يونس) وصلَه الإِسْماعيلي، والبَزَّار، والحاكم. (الطعام)؛ أي: المَسموم. (أوان) بالرفع: خبر المبتدأ، وبالنَّصب ظرْفٌ مخبرٌ به، أو مبنيٌّ على الفتْح؛ لإضافته لجملةِ (وجدتُ)، فإنَّ فيه وجهين أرجحُهما هنا البِناء؛ لأنَّ الفعل مبنيٌّ. (أبهري) بفتح الهمزة، والهاء، وسُكون الموحَّدة بينهما: عِرْقٌ إذا انقَطَع ماتَ صاحبُه، وهما أبهران يخرُجان من القَلْب، ثم يتشعَّب منها سائرُ الشَّرايين، وقيل: عِرْقٌ في الصُّلْب متصِلٌ بالقلب. (السم) بالفتح والضم. قلتُ: وبالكسر، وسبَق حديثُه مراتٍ، وأنَّ المرأَة التي سمَّتْه اسمها: زَينَب. * * * 4439 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَخْبَرتْهُ: أَنَّ

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اشْتكَى نَفَثَ عَلَى نفسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ، طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نفسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ، الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ. الثالث (¬1): (بالمعوذات)؛ أي: اللَّتان آخِرَ القُرآن مع سُورة الإخلاص تَغليبًا، أو أنَّ أقلَّ الجمع اثنان، أو أنَّ المُراد الكلِمات المعوِّذة بالله من الشَّيطان الرجيم، والأمراضِ، والآفاتِ، ونحوها. (أنفث) بكسر الفاء. * * * 4431 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاس: يَوْمُ الخَمِيسِ! وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ فَقَالَ: "ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا"، فتَنَازَعُوا، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ، فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "دَعُونِي؛ فَالَّذِي أَنا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ"، وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ، قَالَ: "أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ" وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا. ¬

_ (¬1) كذا وقع ترتيب هذه الأحاديث عند المصنف رحمه الله، وقد قدم وأخَّر عمَّا هي في "اليونينية".

الرابع: (لن تضلوا) قال (ش): صَوابه: لا تَضِلُّون، وهي رواية الكُشْمِيْهَني. (أهجر) قال (ن): بهمزةِ استفهامٍ إنكاريٍّ، أي: أنكَروا على مَن قال: لا تَكتبُوه، لا تجعلُوا أمره كأَمْر مَن هذا في كَلامه، وإنْ صحَّ بدون الهمزة لمَّا أَصابَه الحَيْرة والدَّهْشة لعِظَم ما شاهدَه من هذه الحالة الدالَّة على وَفاته، وعظم المُصيبة أَجرى الهُجْر مَجرى شدَّة الوجَع. قال (ك): هو مجازٌ؛ لأنَّ الهذَيان الذي للمَريض مُستلزِمٌ لشدَّة الوجَع، فأَطلَق الملزومَ، وأراد اللازِمَ. أو هو من الهَجْر ضِدُّ الوصل، أي: يهجر من الدُّنيا، وأطلق بلفظ الماضي لما رأَوا فيه من علامات الهجْرة من دار الفَناء. وفي بعضها: (أَهجَرَ)، مِن باب الأفعال. (فذهبوا يرددوا) صوابُه: يُردِّدون. (جزيرة العرب) هي من عَدَن إلى العِراق طُولًا، ومن جُدَّة إلى الشَّام عرضًا. (وأجيزوا)؛ أي: أَعطُوا. (فنسيها) هو قَول سُليمان الأَحْول، وقال المُهلَّب: الثالثة هي بعْث أُسامة. وقال (ع): يحتمل أنها: لا تتخِذُوا قَبْري وثَنًا يُعْبَد، وفي (كتاب

المغازي): إنها ما قال: الله الله في الصَّلاة، وما ملَكتْ أيمانُكم. مرَّ في (الجهاد)، في (باب: جَوائز الوفْد). * * * 4432 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثنا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفي البَيْتِ رِجَالٌ، فَقَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَلُمُّوا أَكتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ"، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غَلَبَهُ الوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ وَاخْتَصَمُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غير ذَلِكَ، فَلَمَّا أَكثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا". قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ لاِخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. الخامس: (الرَّزِية) بفتح الراء، وكسر الزاي: المُصيبة. (ولغطهم) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ: الصَّوت، والصِّياح. * * *

4433 - و 4434 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- في شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ، فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ، فَضَحِكَتْ، فَسَأَلنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَهُ يُقْبَضُ في وَجَعِهِ الَّذِي تُوفِّي فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي: أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ يَتْبَعُهُ، فَضَحِكْتُ. السادس: سبق مراتٍ، وفيه معجزاتٌ. * * * 4435 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نبَيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ -وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ- يَقُولُ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآيَةَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. السابع: (بُحَّة) بضم الباء الموحَّدة، وشدَّة المهملة: ثِقَلٌ في مَجاري النَّفَس.

(خُيّر)؛ أي: بين الدُّنيا والآخِرة. * * * 4436 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَما مَرِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَرَضَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلَ يَقُولُ: "في الرَّفِيقِ الأَعْلَى". الثامن: (الرفيق) قال (ح): الصَّاحِب المرافِق، وهو هنا بمعنى الرُّفَقاء، أي: المَلائكة، ويُطلَق على الجمع والواحد. قال (ك): والظاهر أنَّه معهودٌ من قوله تعالى: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] والحديث السَّابِق يشهَد بذلك. * * * 4437 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - -وَهْوَ صَحِيحٌ- يَقُولُ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا، أَوْ يُخَيَّرَ"، فَلَمَّا اشْتكَى وَحَضَرَهُ القَبْضُ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ، غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ البَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ في الرَّفِيقِ الأَعْلَى"، فَقُلْتُ: إِذًا لَا يُجَاوِرُنَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ.

التاسع: (يحيّا) أي: يُسلِّم إليه الأمر، أو يملك في أمره، أو يُسلِّم عليه تسليمَ الوَداع. (أو يخيّر) يحتمل عطفه على: يحيَّا، وعلى: (يَرى). (شَخَص) بفتح الخاء، أي: ارتفَع، وكذا مضارعه. قال أبو زيد: ولا أعرِف الكسر، وإنما الكسر إذا عظُم شَخْصه، ويُقال: شخَصَ: إذا فتَح عينَيه، وجعلَ لا يَطْرُفُ. * * * 4438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُويرِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ، فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "في الرَّفِيقِ الأَعْلَى" ثَلَاثًا، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ مَاتَ: بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي. العاشر: (محمَّد) قالوا: هو محمَّد بن يحيَى الذُّهْلي.

(يَسْتنّ)؛ أي: يَستاكُ. (فأبدّه) بتخفيف الموحَّدة، وتشديد المهملة، من الإِبْداد، أي: أَعطاه بُدَّتَه، أي: نَصيبَه من النظَر، ويُروى بالميم بدَل الموحَّدة. (فقضمته) بالكسر من القَضْم، بالمعجمة، وهو الأَكل بأَطراف الأَسنان، يُقال: قضِمتِ الدابَّةُ شَعيرها، تَقضَمُ، بكسر الضاد في الماضي، وفتحها في المضارع. وقال (ع): رواه أكثرُهم بالفتح، والمهملة، يُقال: قصمتُه: كسَرتُه، والقُصَامة من السِّواك: ما يُكسَر منه. (ونفضته) بالقاف، والفاء، وهو المشهور. (وطيبته)؛ أي: ليَّنته. (حاقنتي) بمهملةٍ، وقافٍ: النُّقْرة بين التِّرقُوة وحبْل العاتِق. (وذاقنتي) بالمعجمة: طرَف الحُلقوم، وقيل: الذَّاقِنة ما تَنالُه الذَّقَن من الصُّدور، والذَّواقِن أسفَل البَطْن. * * * 4440 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْغَتْ إِلَيهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهْوَ مُسْنِدٌ إِلَيَّ ظَهْرَهُ، يَقُولُ: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَألْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ".

الحادي عشر: (وأصغت)؛ أي: مالَتْ بسَمْعها نحوَه. * * * 4441 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ! اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْلَا ذَلِكَ لأُبْرِزَ قَبْرُهُ؛ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجدًا. الثاني عشر: (خشي)؛ أي: قالت عائشة: خَشِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. مرَّ في (الجنائز)، في (باب: ما يُكره من اتخاذ المساجد). * * * 4442 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ في بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهْوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ في الأَرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ،

فَقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَلِيٌّ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ بهِ وَجَعُهُ، قَالَ: "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبع قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ؛ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ"، فَأَجْلَسْنَاهُ في مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ طَفِقْنَا نصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، فَصَلَّى لَهُمْ، وَخَطَبَهُمْ. 4443 - و 4444 - وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -، قَالَا: لَمَّا نزَلَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، وَهْوَ كَذَلِكَ يَقُولُ: "لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى! اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"؛ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. الثالث عشر، والرابع عشر: (لم تسم عائشة) سبَق سبَب ذلك أنَّ العبَّاس كان مُلازِمًا أحدَ الجانبَين، والجانب الآخَر تارةً عليٌّ، وتارةً أُسامة، فلذلك لم تذكُره، لا لعداوةٍ ونحوها، حاشاها من ذلك. ومرَّ الحديث في (الوضوء). (أهريقوا) في بعضها: (هَرِيقُوا) بلا همزٍ، أي: صُبُّوا.

(أوكيتهن) الوِكَاء، بكسر الواو: ما يُشدُّ به رأْس القِرْبة. (أعهد)؛ أي: أَوصي. (مِخْضَب) بكسر الميم، وسكون المعجمة الأُولى، وفتح الثَّانية: الإِجَّانَة. (وأخبرنا) هو منقولُ ابن شِهَاب. (نزل) مبنيٌّ للمفعول، أي: نَزل المرَضُ به. (خميصة) كساءٌ أسود مربَّعٌ له علَمان. (اغتم) إذا كان يأَخُذ بالنَّفس من شدَّة الحرِّ. * * * 4445 - أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إلا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ في قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَلَا كُنْتُ أُرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ أحدٌ مَقَامَهُ إلا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 4446 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَاتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي، فَلَا أَكرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ

أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس عشر: (في ذلك)؛ أي: في أمره - صلى الله عليه وسلم - أَبا بكرِ بإمامة الصلاة، وما حملني عليه إلَّا ظَنِّي لعدَم محبَّة النَّاس للقائم مَقامَه، وظنِّي بتشاؤُمهم به. (رواه ابن عُمر، وأبو موسى، وابن عباس) الثلاثة موصولةٌ في (الصلاة)، والثاني في (قِصَّة يوسف) أَيضًا، والثالث هنا أَيضًا. * * * 4447 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني عَبْدُ اللهِ بْنُ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ كعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ! كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا! وَإِنِّي وَاللهِ لأُرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ؟ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ في غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللهِ لَئِنْ سَألنَاهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَنَعَنَاهَا،

لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. السادس عشر: (وإسحاق) قال الغَسَّاني: قال ابن السَّكَن: هو ابن مَنْصُور. (عن الزُّهْرِي: أخبرني عبد الله بن كعب) قال الدِّمْيَاطِي: انفرد البخاريُّ بهذا الإسناد عن الأئمة، وعندي في سماع الزُّهْرِيّ من عبد الله بن كعب نظَرٌ. وقد تقدَّم من حديث كعْب بن مالك رواية الزهُّري، عن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كعب، عن أَبيه عبد الله بن كعب، عن أَبيه كعب، وهو كذلك عند مسلم. (الثلاثة)؛ أي: الذين في قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]. (بارئًا) بالهمز مِن البُرء من المرَض. (عبد العصا)؛ أي: بلا عِزَّةٍ ولا حُرمةٍ بين النَّاس، وهو كنايةٌ عنه. (هذا الأمر)؛ أي: أمر الخِلافة. (لا يعطينا)؛ أي: لو منَعَنا منها لم تَصِل إلينا قطُّ، أما لو لم يمنَع بل سكت؛ فيحتمل أن تصِل إلينا في الجُملة. * * *

4448 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ في صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الإثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ، لَمْ يَفْجَأْهُمْ إلا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ كشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ في صُفُوفِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ؛ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ أَنسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا في صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَشَارَ إِلَيْهِم بِيَدِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. السابع عشر: (فنكص)؛ أي: رجَع متأخِّرًا، وهو القَهْقَرى. (وهمّ)؛ أي: قصَد المسلمون إبطالَ الصلاة بإظْهار السُّرور قَولًا وفِعْلًا. * * * 4449 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّي في بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ الله جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتيِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبِيَدِهِ

السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسهِ أَنْ نَعمْ، فتنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسهِ أَنْ نعمْ، فَلَيَّنْتُهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، أَوْ عُلْبَةٌ -يَشُكُّ عُمَرُ- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ في الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إلا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ". ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. الثامن عشر: (سَحْري) بفتح السِّين المهملة وضمها: الرِّئَة. (ونحري) موضع القِلادة من الصَّدْر. (علبة)؛ أي: المَحلَب من الجِلْد. (سكرات) السَّكْرة: الشِّدَّة. * * * 4450 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْأَلُ في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولَ: "أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ " يُرِيدُ: يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ في بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي

الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ في بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي، ثُمَّ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! فَأَعْطَانِيهِ فَقَضِمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيتُهُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي. التاسع عشر: (فأذن له أزواجه) بتشديد النُّون على لغةِ: أكلوني البراغيث. (وخالط)؛ أي: بسبب السِّواك. * * * 4451 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تُوُفِّي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: "في الرَّفِيقِ الأَعْلَى، في الرَّفِيقِ الأَعْلَى". وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً، فَأَخَذْتُهَا، فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا، وَنَفَضْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ نَاوَلَنِيهَا، فَسَقَطَتْ يَدُهُ، أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ، فَجَمَعَ اللهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ في آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا،

وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ. العشرون: (وفي يومي)؛ أي: في نَوبَتي. * * * 4452 - و 4453 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرتْهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نزَلَ، فَدَخَلَ الْمَسْجدَ، فَلَمْ يُكَلِّم النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فتيَمَّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَاللهِ لَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا. 4454 - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ الله، فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللهُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى قَوْلهِ: {الشَّاكِرِينَ}، وَقَالَ: وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ هَذ الآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ،

فتلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إلا يَتْلُوهَا. فَأَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللهِ مَا هُوَ إلا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وَحَتَّى أَهْوَيتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَاتَ. 4455 - و 4456 و 4457 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَبَّلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَوْتهِ. الحادي والعشرون: (بالسُّنْح) بضم المهملة، وسُكون النُّون وضمها، وبمهملةٍ: موضِعٌ من عَوالي المدينة كان للصِّدِّيق - رضي الله عنه - فيه سكَنٌ. (حِبَرة) بكسر المهملة، وفتح الموحَّدة: ثَوبٌ يَمانيُّ، ويُقال: ثَوبُ حِبَرةٍ؛ بالإضافة، وبالصفة. (لَّا يجمع الله عليك موتتين)؛ أي: أن عُمر لمَّا كان يقول: إنَّ الله سيَبعثُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -، فيقَطِّع أَيدي رجالٍ قالوا: إنَّه ماتَ، ثم يموتُ آخِرَ الزَّمان، فأراد أبو بكر رَدَّ كلامِه، أي: لا يكون لك في الدُّنيا إلَّا مَوتةٌ واحدةٌ، ويُقال: ماتَ يَمات، ويموت. وسبق الحديث أول (الجنائز). (فأخبرني)؛ أي: ابن المُسيَّب.

قال (ح): لا أدري مَن يقول ذلك أبو سَلمة، أو الزُّهْري. (فعَقِرت) بفتح المهملة، وكسر القاف، أي: تَحيَّرتُ ودُهشتُ، وفي بعضها: (عُقِرت) بالبناء للمفعول؛ حكاه السَّفَاقُسِي. ويُروى بتقديم القاف المضمومة على العين، والصَّواب الأَوَّل. (تقلني) من الإقْلال، وهو الحَمْل، يُقال: أقلَّ الجَرَّةَ، أي: أطاقَ حملَها. (تلاها؛ أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قد مات) أي: تلاها لأجْل ذلك، لا أنَّ هذا قرآنٌ يُتلى. * * * 4458 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدّثَنَا يَحْيَى، وَزَادَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ في مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أفاقَ قَالَ: "أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟ " قُلْنَا: كَرَاهيةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. 4458 / -م - فَقَالَ: "لَا يَبْقَى أَحَدٌ في الْبَيْتِ إلا لُدَّ -وَأَنَا أَنْظُرُ- إلا الْعَبَّاسَ، فَإنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكمْ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني والعشرون: (وزاد)؛ أي: عليٌّ في روايته على عبد الله بن أبي شيبة عن يحيى.

(لَّا تلدوني) اللَّدود: ما يُصبُّ في أحد شقَّي الفَمِ من الأدوية، بخلاف الوُجور، فإنَّه الذي يُجعَل في وسَطه، وقد لُدَّ الرجلُ، فهو مَلْدود، قيل: وكان الذي لُدَّ به العُود الهنْدي والزَّيت. (كراهية) قال (ع): ضبَطناه بالرفع، أي: هذا منه كراهيةٌ، وهو أَوجَهُ من النَّصب على المصدر، أي: كره كراهيةً. قال أبو البَقاء: أو النَّصب على أنَّه مفعولٌ له، أي: لكَراهية. (وأنا أنظر) جملةٌ حاليةٌ، أي: لا يبقَى أحدٌ إلَّا لُدَّ في حُضوري، وحالَ نظَري إليه قِصاصًا لفعلهم. (لم يشهدكم)؛ أي: لم يحضركم حالةَ اللَّدودة، وميمونة كانت منهم فلُدَّتْ وهي صائمةٌ لقسَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي "مغازي ابن إسحاق": أنَّ العبَّاس هو الآمِر باللَّدِّ، وقال: والله لألُدَّنَّه، ولمَّا أَفاقَ قال: "مَن صنعَ هذا؟ "، قالوا: عمُّك. فليكن الجمْع بأنَّه لا مُنافاةَ بين الأمر وعدَم الحُضور وقْت اللَّدِّ. (رواه ابن أبي الزِّناد) وصلَه أَحْمد، والحاكم، وأبو يعلَى. * * * 4459 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَتْ: مَنْ قَالَهُ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى

صَدْرِي، فَدَعَا بِالطَّسْتِ، فَانْخَنَثَ، فَمَاتَ، فَمَا شَعَرْتُ، فَكَيْفَ أَوْصَى إلَى عَلِيٍّ؟! الثالث والعشرون: (فانخنث)؛ أي: استَرخَى، ومالَ. * * * 4460 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ، قالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: آوْصَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: كيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ، أَوْ أُمِرُوا بِهَا؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. الرابع والعشرون: (أوصى بكتاب الله) لا ينافي قولَه أولًا: (لا)؛ لأنَّ المعنى: أَوصِني بما في كتاب الله. وفيه الأمر بالوصيَّة. * * * 4461 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، إلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلَاحَهُ،

وَأَرْضًا جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. الخامس والعشرون: هذا مع الاثنين قبلَه، سبقت الثلاثة في (كتاب الوصيَّة). * * * 4462 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: وَاكَرْبَ أَبَاهُ! فَقَالَ لَهَا: "لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ"، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ! أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ! مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهْ! إِلَى جِبْرِيلَ ننعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: يَا أَنسُ! أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التّرَابَ؟ السادس والعشرون: (يتغشاه)؛ أي: يتغشَّاه الثِّقَل، أي: الكَرْب، وهو الغَمُّ الذي يأْخذ النفَس والشدَّة. (واكرب أباه) مندوبٌ، والألِف ألِف النُّدْبة، والهاء للوقْف. وقد رواه مُبارَك بن فَضَالة عن ثابتٍ بلفْظ: (واكَرْبَاه). ولا يُقال: هذا نوعٌ من النِّياحة؛ لأنَّ النياحة ما أَشبَهَ نَوحَ الجاهلية من الكَذِب ونحوه، لا مُطلَق النَّدب.

84 - باب آخر ما تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال (خ) (¬1): قال بعضهم: إنما كان كَرْبه شفَقةً على أُمته؛ لمَا عَلِم من وُقوع الفِتن بعده، وليس بشيءٍ؛ إذ لو كان كذلك لوجَب انقِطاع شفَقته على الأُمة بعد مَوته، لكنَّ شفَقته - صلى الله عليه وسلم - دائمةٌ على الأُمة أيام حياته، وباقيةٌ بعد وفاته، بل هو ما كان يجدُه من كَرْب الموت، وكان - صلى الله عليه وسلم - بشرًا يَنالُه الشيء، فيَجد له من الألم مثْل ما يجِدُ النَّاسُ وأكثر، وإنْ كان صَبْره عليه واحتمالُه أحسَن، كما أنَّ أجْره أكثر، فمعناه: لا يُصيبه بعد اليوم نصَبٌ ولا وصَبٌ يكرهه إذا قضَى إلى دار الآخرة، والنَّعيم المقيم. (ينعاه) قال صاحب "مرآة الزَّمان": وقع في الأصل: (أنْعَاه) بالألف، وهو غلطٌ من الرُّواة، والصحيح: نعاه، بغير أَلف. وزاد أبو داوُد عن حمَّاد: (يَا أبتَاهُ، مِن ربِّه ما أَدناه!). * * * 84 - بابُ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (باب آخِر ما تكلَّم به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -) 4463 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ: قَالَ يُونس: قَالَ ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل.

85 - باب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -

الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ في رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نبَيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ"، فَلَمَّا نزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". فَقُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا. وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". (في رجال)؛ أي: أخبَرني في جُملة رجالٍ أخبَرُوه كذلك، أو في حُضور رجالٍ. (نزل به)؛ أي: صارَ المرَضُ نازِلًا، والرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - مَنْزولٌ به. (الرفيق) بالنصب بتقدير: أختارُ، أو أُريد. * * * 85 - بابُ وَفَاةِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - (باب وَفاة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 4464 - و 4465 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى،

86 - باب

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. 4466 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّي وَهْوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ. الحديث فيه ظاهرٌ. * * * 86 - بابٌ (بابٌ) 4467 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: تُوُفِّي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَدِرْعُهُ مَرْهُونةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ. (بثلاثين)؛ أي: صاعًا من الشَّعير، ويُروى في غير الصَّحيح: (عشرين). * * *

87 - باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - في مرضه الذي توفي فيه

87 - بابُ بَعْثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ - رضي الله عنهما - في مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ (باب بعْث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُسامةَ) أي: إلى الشَّام. 4468 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ، فَقَالُوا فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكمْ قُلْتُمْ في أُسَامَةَ، وَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ". 4469 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ في إِمَارَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنْ تَطْعُنُوا في إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ في إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ! إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإمَارَةِ، وَإِنْ كانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَاِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ". الحديث الأول، والثاني: (فقالوا)؛ أي: طعَنُوا في إِمارته.

88 - باب

وسبق في (مناقب زيد). * * * 88 - بابٌ (بابٌ) 4470 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ: أَنَّهُ قَالَ لَهُ: مَتَى هَاجَرْتَ؟ قَالَ: خَرَجْنَا مِنَ الْيَمَنِ مُهَاجِرِينَ، فَقَدِمْنَا الْجُحْفَةَ، فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ، فَقُلْتُ لَهُ: الْخَبَرَ؟ فَقَالَ: دَفَنَّا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ خَمْسٍ، قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: نعمْ، أَخْبَرَنِي بِلَالٌ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ في السَّبعِ في الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. (الجحفة) بضم الجيم: من مَواقيت الحج، والقائل مَقولةَ: (هل سمعت) هو أبو الخير. (العشر الأواخر)؛ أي: من رمضان، وهو ليس بدَلًا من (السبْع)، بل التقدير: السبْع الكائن في العشر، أو في معنى: مِن، وجمع الأَواخر باعتبار أيام العشر، أو جنْس العشر كالدِّرهم البِيْض. فإن قيل: السبْع هو الأوائل من العشر، أو الأوسط، أو الأواخر، قيل: الأواخر؛ لما مرَّ في (الصوم)، في (باب: فضْل ليلة القَدْر): (فمَنْ

89 - باب كم غزا النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

كان مُتحرِّيها، فليتَحرَّها في السَّبْع الأَواخِر)، فالأواخر صفةٌ للسَّبْع والعشْر كليهما، فاكتُفي بأحدهما عن الآخَر، وهو نوعٌ من التنازع. * * * 89 - بابٌ كَمْ غَزَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ (باب: كم غَزا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟) 4471 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ زيدَ بْنَ أَرْقَمَ - رضي الله عنه -: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ. قُلْتُ: كَمْ غَزَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. 4472 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ - رضي الله عنه -، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَمْسَ عَشْرَةَ. 4473 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً. الحديث الأول، والثاني: (أَحْمد)؛ أي: ابن حنبل الإِمام، ولم يُخرج له البُخَارِيّ مسنَدًا إلَّا في هذا الحديث، نعم، استشهد به في (النكاح)، في (باب:

ما يحلُّ من النِّساء)، فقال: (وقال لنا أَحْمد)، وفي (اللباس)، في (باب: هل يجعل نقْش الخاتم ثلاثة أسطر): (وزادني أَحْمد) (¬1). * * * ¬

_ (¬1) إلى هنا ينتهي الجزء الثاني من النسخة الخطية المرموز لها بـ "ت".

65 - كتاب التفسير

65 - كتاب التفسير

65 - كتاب التفسير (كتاب التفسير) هو الكشْف عن مَدلولات نظْم القُرآن. (بسم الله الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: اسْمَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْعَلِيم وَالْعَالِمِ. (الرَّحْمَن الرَّحِيم اسمان) قيل: يُريد أنهما بمعنًى، وإليه نحا الجَوْهَري كـ: نَديم ونَدْمان، ولكنَّ الصَّحيح أن الرَّحْمَن أَبلَغ. (الرَّحِيم والراحم بمعنى) استُدرِك عليه بأن الرَّحِيم إما صيغة مبالغةٍ، فيَزيد على معنى: راحم، أو صفةٌ مشبَّهةٌ، فيدلُّ على الثُّبوت، فلا يكونان بمعنًى واحدٍ، لكنَّ نظَره إلى أصل المعنى دون الزِّيادة، أو غرَضه أن فعيلًا بمعنى: فاعلٍ، لا بمعنى: مفعولٍ. * * *

1 - باب ما جاء في فاتحة الكتاب

1 - بابُ مَا جَاءَ في فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ؛ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا في الْمَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا في الصَّلَاةِ. وَالدِّينُ: الْجَزَاءُ في الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بِالدِّينِ}: بِالْحِسَابِ، {مَدِيِنِينَ}: مُحَاسَبِينَ. (باب ما جاء في فاتحة الكِتاب) قوله في تفسير أُمِّ الكتاب: (أنَّه يبدأ) إلى آخره، إنما يُناسب تسميتها فاتِحة الكتاب لا أُمَّ الكتاب إلَّا أنْ يُريد أنَّ الأُمَّ مَبدأُ الولَد. وقيل: في تعليل أنَّها أُمُّ القرآن اشتمالها على المعاني التي فيه من الثناء على الله تعالى، والتعبُّد بالأمر والنهي، والوعد والوعيد. وقيل: لأنَّ فيها ذكر الذَّات والصِّفات والأفعال، وليس في الوجود سِواها. وقيل: لاشتمالها على ذِكْر المبدأ والمعاد. (بالدِّين)؛ أي: في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون: 1] ونحو ذلك كما في: {إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة: 86]. * * * 4474 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي

خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي في الْمَسْجدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: "أَلِمْ يَقُلِ اللهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} "، ثُمَّ قَالَ لِي: "لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ في الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجدِ"، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ: "لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ في الْقُرْآنِ"؟ قَالَ: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتيتُهُ". (المثاني) من التثنية، وهي التَّكرير؛ لأن الفاتحة مما يُكرَّر قراءتها في الصلاة، أو من الثَّناء لاشتمالها على ما هو ثناءٌ على الله تعالى. (والقرآن العظيم) قال (خ): أي: لعِظَم ثَواب قراءتها، وذلك لما تجمَّع من الثَّناء والدُّعاء والسُّؤال. قال: والواو فيه ليستْ للعطف المُقتضي للتَّغايُر بل من التَّخصيص، أي: من عطْف الخاص على العامِّ كما في قوله تعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة: 98]، {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]. قال (خ): المشهور بين النُّحاة أن هذه الواو للجمع بين الوصفَين، أي: فقوله تعالى: {آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} الآية [الحجر: 87]، أي: آتينَاك ما يُقال له كلًّا منهما، ويُوصف به. قال (خ): في الحديث أنَّ الخاصَّ يُقضى به على ما يُقابله من

باب {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

العامِّ؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - حرَّم الكلام في الصلاة مطلقًا، وهنا أخرَجَ منه إجابةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإجابته لا تُفسد الصلاة. * * * بابُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (باب: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]) 4475 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَالَ الإمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فَقُولُوا: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". سبَق في (باب: فضل التأمين). * * * 2 - سورة الْبَقَرَةِ باب {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) 4476 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ،

عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوِ استَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ، فَيَسْتَحِي، ائْتُوا نُوحًا؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ. فَيَأْتُونَهُ فَيقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، فَيَسْتَحِي، فَيَقُولُ: ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَهُ فَيقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا كَلَّمَهُ اللهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ. فَيَأْتُونَهُ فَيقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغيرِ نَفْسٍ، فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ، فَيَقُولُ: ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللهِ وَرُوحَهُ. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - عَبْدًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَأْتُوني، فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأقُولُ: مَا بَقِيَ في النَّارِ إلا مَنْ

حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: "إلا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ"؛ يَعْنِي: قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا}. (يريحنا) بالراء، وقيل بالزاي، أي: يُذهبنا، ويُبعدنا عن هذا المكان، وهو موقِف العرَصات عند الفَزَع الأكبَر. (ذنبه)؛ أي: قُربان الشَّجرة، والأَكَل منها. (نوحًا فإنَّه أول رسول)؛ أي: وآدم وإنْ كان نبيًّا رسولًا لكنْ كانت رسالتُه بمنزلة التَّربية والإرشاد للأولاد، ونوحٌ أوَّل رسولٍ مبعوثٍ بإنذار قَومه وإهلاكهم بمخالفته، أو هو أول رسولٍ أُرسل بعد الطُّوفان، أو أنَّ آدَم خرَج بقوله: (إلى أهل الأرض)؛ لأنه لم يكُن لها حينئذٍ أهل. (وكلمة الله وروحه)؛ أي: قال تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]، فهو كلمة الله؛ لأنه وُجِدَ بكلمة الله بلا واسطةِ أبٍ، ونُطفةٍ، ورُوحٍ بقوله تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] أو لحُصول الرُّوح فيمَن أَحيَا من المَوتَى. وقال الزَّمَخْشري: لأنه ذُو رُوحٍ وُجد من غير جُزءٍ من ذي رُوحٍ كالنُّطفة المُنفصِلة من الأَبِ الحيِّ، وإنما اختُرع اختراعًا من عند الله تعالى. (فيؤذن) بالرفع والنصب. (تشفع)؛ أي: تُقبل شفاعتك.

باب

(فيحد لي حدًّا)؛ أي: يُعين لي قومًا. (مثله)؛ أي: أقَعُ ساجدًا، ويدعني، ثم يقول: ارفَعْ، فأَرفعُ، ثم أشفَعُ. (ووجب عليه الخلود)؛ أي: الكفَّار. (حبسه)؛ أي: حكم عليه بالحبْس في النَّار أبدًا. فإن قيل: المطلوب هو الإراحة مِن مَوقِف العرَصات لا الإخراجُ من النَّار؛ قيل: انتهتْ حكاية الإراحة عند لفْظ: (فيُؤذَن)، وما بعده فهو زيادةٌ على ذلك. * * * بابٌ قَالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}: أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، {مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}: اللهُ جَامِعُهُمْ، {عَلَى الْخَاشِعِينَ}: عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا. صِبْغَة: دين. وقال أبو العالية: مرض: شَك. قَالَ مُجَاهِدٌ: {بِقُوَّةٍ}: يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ. (باب) قوله (صبغة)؛ أي: من قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ} [البقرة: 138]،

(باب) {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} [البقرة: 22])

أي: دين الله. (بقوة)؛ أي: في قوله تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171]، أي: عامِلِين بما فيه. (مرض)؛ أي: في قوله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الحج: 53]. (خطوات)؛ أي: في قوله تعالى: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208]. * * * قوله تَعالَى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (باب) {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]) الند: المِثْل، والنَّظير. 4477 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ".

(حليلة) بفتح المُهملَة: الزَّوجة. * * * وقوله تَعالَى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَنُّ: صَمْغَةٌ، وَالسَّلْوَى: الطَّيْرُ. (باب: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} [البقرة: 57]) قوله: (والسلوى: الطير)؛ أي: وهو السُّمَاني، بضم المهملة، وتخفيف الميم، وفتح النُّون. 4478 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ". (الكَمْأة) بفتح الكاف، وإسكان الميم، وفتح الهمزة، واحدها: كَمَأٌ، عكْس تَمْرة وتَمْرٌ، وهو من النَّوادر. قال (خ): لم يُرِد بها أنَّها نوعٌ من المَنِّ الذي أُنزل علي بني إسرائيل؛ فإنَّه روي أنَّه كان شيءٌ يسقُط عليهم كالترنجبين، وإنما معناه: أنَّ الكَمْأة شيءٌ ينبُت بنفسه من غير استنباتٍ وتكلُّفِ مؤنة، فهو بمنزلة المَنِّ الساقط عليهم بلا كُلفةٍ، وإنما نالَت الكَمْأة هذا الثَّناء؛ لأنها من الحَلال الذي ليس في اكتسابه شبهةٌ.

باب {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين}

وقال في: (وماؤها شفاء)؛ أي: بأن يربى به الكُحل والتُّوتياء ونحوهما مما يُكتحَل به، فيُنتفع بذلك، وليس بأنْ يُؤخذ بحتًا فيُكتحَل به؛ لأنَّ ذلك يُؤذي العين، ويُقذِيها. وقال (ن): قال كثيرون: شبَّهها به، أي: كما سبَق، وقيل: هي من المنِّ المنزَّل عليهم حقيقةً عملًا بظاهر اللَّفظ. وأما ماؤها، فقيل: يُخلَط بالدَّواء، ويُعالج به، وقيل: إنْ كان لبُرودةِ ما في العين من حرارةٍ، فماؤُها مجردًا شفاءٌ، وإلا فالتَّركيب. وصوَّب (ن) أنَّه شفاءٌ مُطلقًا. قال: وقد رأَينا في زمننا مَن كان عمِيَ وذهَب بصره، فكحَل عينَيه بمائه المجرَّد، فشفي، وعاد إليه بصره، وهو الشيخ الصالح المُحدِّث: ابن عبدٍ الدِّمشقيّ. قال (ك): ويحتمل أن يكون معناه: الكَمْأة مما منَّ الله على عبادة بها بإنعامه ذلك لهم، وأما الماء فيَكفي ما فيه من الشِّفاء في الجُملة. * * * بابٌ {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} رَغَدًا: وَاسِعٌ كَثِيرٌ.

قوله: {من كان عدوا لجبريل}

(باب: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} [البقرة: 58]) 4479 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ}، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، فَبَدَّلُوا وَقَالُوا: حِطَّةٌ، حَبَّةٌ في شَعَرَةٍ". (يزحفون على أستاههم)؛ أي: يَدبُّون على أَوراكهم، أُمروا بالسُّجود عندَ الانتهاء إلى بيت المَقدِس شُكرًا لله، وبقولهم: (حِطَّة)، أي: مسألتُنا حِطَّةٌ، والأصل النَّصب، أي: حُطَّ عنا ذُنوبَنا حِطَّةً، فبدَّلوا السُّجود بالزَّحف، وقالوا بدَلَ حِطَّة: (حِنْطَة)، فزادوا النُّون استهزاءً، هذا هو الصَّواب، وإنْ كان المَرْوَزي رواه: (حِطَّة) أَيضًا بلا نونٍ. (في شعرة) يُروى: (في شعيرةٍ). * * * قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} وَقَالَ عِكْرِمَةُ: جَبْرَ، وَمِيكَ، وَسَرَافِ: عَبْدٌ. إِيلْ: اللهُ. (باب: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} [البقرة: 97]) 4480 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا

حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ في أَرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلا نبَيٌّ؛ فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: "أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا". قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: "نعمْ". قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. فَقَرَأَ هَذِهِ الَآيَةَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ}: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نزَعَتْ". قالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللهِ. يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي. فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ فِيكُمْ"؟ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا. قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ سَلَامٍ"؟ فَقَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ. فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا. وَانتقَصُوهُ. قَالَ: فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ! الحديث: (يَخْتَرِف) بإعجام الخاء، أي: يَجتني من ثمارها. (ينزع الولد)؛ أي: يُشبه، أي: يَجذِب شبَهه له. (فقرأ) قيل: قرأَ الرَّاوي استِشهادًا بها؛ لأنَّها نزلتْ بعد هذه القصَّة.

باب قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسها}

(فزيادة كبد) هي القطْعة المُنفردة المتعلِّقة بالكَبِد، وهي أطيَبها، وأَهنأُ الأطعمة. (بهت) جمع: بَهُوت، وهو الكثير البُهتان. (أخيرنا) الأكثَر الأشهر أن يُقال: خَيْرنا. ومرَّ الحديث أوَّل (كتاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام). * * * بابُ قُوِلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (باب قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106]) 4481 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ، وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لَا أَدعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}. (لندع)؛ أي: نترك. (لا أدع) كان لا يقول بنسخ شيءٍ من القرآن، قيل: لأنه كان لا يُخبره بالنَّسخ إلَّا واحدٌ، فلا يدَع ما يَسمع بخبر الواحد، فردَّ ذلك

باب {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه}

عُمر بالآية؛ فإنَّها تدلُّ على ثُبوت نسخ بعضِه، والشَّرط وإنْ كان لا يقتضي الوقوعَ إلَّا أن السِّياق يدلُّ عليه؛ لأنها نزلت بعد وُقوعه، وإنكارهم عليه، أو بمنْع عدَم الدَّلالة في مثلها؛ لأن (ما) ليست شرطيةً محضةً. (أو نُنْسِها)، أي: بضم النُّون، والمعروف عن عُمر أنَّه كان يقرأ: {أو ننساها} [البقرة: 106]، وكذا وقع بعضُ هذا في (فضائل القرآن) بالسَّنَد المذكور. * * * بابٌ {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} (باب: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [البقرة: 116]) 4482 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ: كذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا". (كذبني) التكذيب هو نِسبة المتكلِّم إلى أن خبَره خلافَ الواقِع. (وشتمني) هو الوصف بما يكون إزراءً وتنقيصًا للمَشتوم.

قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}

(فقوله: لي ولد) لأنَّ إثبات الولَد له تعالى يلزم منه النَّقْص؛ لأنه يستلزم الإمكان والحدوث، فسبحانه وتعالى ما أحلَمه، وما أرحمَه، {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58]، وهذا من الأحاديث القدسية. * * * قَوْلُهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} {مَثَابَةً}، يَثُوبُونَ: يَرْجِعُونَ. (باب: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]) 4483 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ الله في ثَلَاثٍ، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي في ثَلَاثٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوِ اتَّخَذْتَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ نِسَائِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ، قُلْتُ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - خَيْرًا مِنْكُنَّ. حَتَّى أتيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ، قَالَتْ: يَا عُمَرُ! أَمَا في رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} الآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنْ عُمَرَ.

قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}

(لو اتخذتَ)؛ أي: فنزل فيه: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]. (آية الحجاب) هي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} الآية [الأحزاب: 59]. (إحدى نسائه) هي أُمُّ سلَمة، وهذا العدَد ليس لنفْي غيره، فقد ثبتت الموافقة أَيضًا في منْع الصلاة على المُنافقين، وفي قصَّة أُسارى بدْرٍ، وفي تحريم الخمر، أو أنَّ الثلاثة الأُولى قالَها قبْل الموافقة في غيرها. وسبَق في (باب: ما جاء في القِبْلة). (وقال ابن أبي مريم) موصولٌ في (الصلاة). * * * قُوُلُهُ تعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الْقَوَاعِدُ: أَسَاسُهُ، وَاحِدَتُهَا: قَاعِدَةٌ. {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ}، وَاحِدُهَا: قَاعِدٌ. (باب: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ} [البقرة: 127]) قوله: (قاعد) يُريد أنَّ: قاعدة -بالتاء- الأساس، وبدُونها: المرأة. * * *

{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا}

4484 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الْكَعْبَةَ وَاقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيم؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: "لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ". فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إلا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. (الحِدْثان) بكسر الحاء: مصدرُ حدَثَ يحدُث حُدوثًا وحِدْثانًا، والمراد قُرب عهدهم بالكُفْر، فلو هدَمها وبناها؛ ربما نفَروا عن ذلك، أي: لولا قُرب عهدِ قَومِك ثابتٌ لكنتُ ردَدتُها، فخبر المبتدأ وجواب (لولا) كلاهما محذوفٌ. (الحِجْر) بكسر الحاء، أي: ستَّة أذرُعٍ منه كانت من البَيت، فالرُّكنان اللَّذان فيه لم يكُونا على الأَساس الأول. * * * {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (باب: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]) 4485 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا

عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُنَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ} الآيَةَ". الحديث فيه، قال (خ): إنه أصلٌ في وجوب التوقُّف عما يُشكل من الأُمور، فلا يُقضى عليه بصحةٍ أو بطلانٍ، ولا بتحليلٍ، وتحريمٍ. وقد أُمرنا أن نؤمن بالكتُب المنزَّلة على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إلَّا أنَّه لا سبيلَ لنا أن نعلم صحيحَ ما يُحلُّونه منها من سَقيمه، فنتوقَّف، فلا نُصدِّقهم لئلا نكون شُركاء معهم فيما حرَّفوه منه، ولا نكُذِّبهم، فلعلَّه يكون صحيحًا، فنكون منكِرين لما أُمرنا أن نُؤمن به. وعلى هذا كان يتوقَّف السَّلَف عن بعض ما أشكَل عليهم، وتعليقُهم القول فيه، كما سُئل عُثْمان عن الجمْع بين الأُختين في مِلْك اليمين، فقال: أحلَّتْهما آيةٌ، وحرَّمتْهما آيةٌ، وكما سُئل ابن عُمر عن رجلٍ نذَر أن يصوم كل اثنين، فوافَق ذلك اليوم يومَ عيدٍ، فقال: أَمرَ الله بالوفاء بالنَّذْر، ونهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم العِيد. فهذا مذهب مَن سلَك طريق الورَع، وإنْ كان غيرهم قد اجتهدوا، واعتبروا الأُصول، فرجَّحوا أحد المَذهبَين على الآخَر، وكلُّ ما يَنويه من الخير، وَيؤُمُّه من الصَّلاح مشكورٌ. * * *

{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (باب: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة: 142]) 4486 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمٍ، سَمِعَ زُهيْرًا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلتهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَإِنَّهُ صَلَّى -أَوْ صَلَّاهَا- صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ، قَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}. (قِبَل)؛ أي: جِهَة. (صلاة العصر) من إبدال الظَّاهر من المُضمَر. (رجل) سبَق أنَّه عَبَّاد بن بِشْر. وقال (ك): عَبَّاد -بفتح المهملة- بن نَهِيْك -بفتح النُّون، وكسر الهاء، وبالكاف- الأَنْصَارِيّ. (أهل المسجد) هو مَسجِد المَدينة، فقيل: مسجد قُباء، والصلاة

{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}

هي الصُّبْح، وقيل: مسجد بني عبد الأَشْهَل، وهذا هو الظَّاهر، والصلاة صلاة العصر. (قتلوا) استُشكل بأنَّ تحويل القِبْلة كان قبْل بَدْرِ، ولم يُقتل أحدٌ قبل بَدْرٍ، إنما مات قبل تحويل القِبْلة البَراء بن مَعْرُور في صفَر قبل مَقْدم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبو أُمامة أسعد بن زُرَارة، مات، ومسجد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بُني بعد الهجرة بستَّة أشهُر. (لم ندر)؛ أي: هل صلاتُهم ضائعةٌ أولًا؟. (إيمانكم)؛ أي: صلاتَكم. وسبق الحديث في (الإيمان). * * * {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (باب: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]) 4487 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَاللَّفْظُ لِجَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالحٍ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ! فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أتانَا مِنْ

{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم}

نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ: أنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"، فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}. وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ. سبَق الحديث فيه مراتٍ. * * * {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (باب: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} الآية [البقرة: 143]) 4488 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ في مَسْجدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: أَنْزَلَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُرْآنًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، فتوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. (جاء) قيل: عَبَّاد بن بِشْر، وخُطِّئ بأنَّ ذلك هو المخبِر لمن يُصلِّي العصرَ في مسجد بني عبد الأَشْهَل، وهذا لمن يُصلي الصُّبْح

باب {قد نرى تقلب وجهك في السماء} إلى {عما يعملون}

في مسجد قُباء. (فاستقبلوها) بكسر الموحدة وفتحها. * * * بابُ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} إِلَى {عَمَّا يَعْمَلُونَ} (باب: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]) 4489 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِي. (لم يبق ممن صلى القبلتين غيري) هذا قاله أنسٌ آخرَ عمره، والذين صَلَّوا للقِبْلتين هم المهاجرون الأوَّلون. وسبَق الحديث (الإيمان). * * * {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} إِلَى قَوِلِه: {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (باب: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية [البقرة: 145]) 4490 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ

{الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق} إلى قول: {من الممترين}

بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: بَيْنَمَا النَّاسُ في الصُّبْح بِقُبَاءٍ جَاءَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَأُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكانَ وَجْهُ النَّاسِ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْكَعْبَةِ. الحديث سبَق مرَّاتٍ. * * * {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقِّ} إِلَى قَوِلِ: {مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (باب: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} الآية [البقرة: 121]) 4491 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ في صَلَاةِ الصُّبْح إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآن، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. فيه الحديث أَيضًا. * * *

{ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير}

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (باب: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} الآية [البقرة: 148]) 4492 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نحوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ نحوَ الْقِبْلَةِ. * * * {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} شَطْرُهُ: تِلْقَاؤُهُ. 4493 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: بَيْنَا النَّاسُ في الصُّبْح بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ: أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، فَأُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ، فتوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبهَ، وَكَانَ وَجْهُ النَّاسِ إِلَى الشَّأْمِ. * * *

{ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم} إلى قوله: {ولعلكم تهتدون}

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} إِلَى قَوِلِهِ: {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 4494 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ في صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ. فيه الحديث أَيضًا بثلاثة طرُقٍ. * * * قَوِلِه: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} شَعَائِرُ: عَلَامَاتٌ، وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّفْوَانُ: الْحَجَرُ. ويُقَالُ: الْحِجَارةُ الْمُلْسُ الَّتي لَا تنبِتُ شَيْئًا، وَالْوَاحِدَةُ: صَفْوَانةٌ؛ بِمَعْنَى: الصَّفَا، وَالصَّفَا لِلْجَمِيعِ. (باب قوله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه} [البقرة: 158]) قوله: (والصفا للجمع)؛ أي: أنَّه مقصورٌ، جمع: صَفَاةٍ، وهي الصَّخرة الصَّمَّاء. * * *

4495 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فَمَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في الأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلَامُ، سَألوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. الحديث الأول: (كلا)؛ أي: ليس مفهومها عدَم وجوب السَّعي، بل عدَم الإثْم على الفِعْل، ولو كان على التَّرْك لقيل: أنْ لا يطُوف، بزيادة (لا). (لمَناة) (¬1) بفتح الميم، وخفَّة النُّون: صنَمٌ كان يُحاذي قُديدًا، بالتصغير: ماءٌ بالحِجَاز. (يتحرجون)؛ أي: يتأثَّمون بمعنى الإلقاء للحرَج والإثْم، وأما التَّحريج فالتَّضييق. ¬

_ (¬1) "المناة" ليس في الأصل.

ووجه تعلُّق حكاية مَنَاة لتحرُّجهم أنَّه كان لغير الْأَنصار صنَمان: أحدهما بالصَّفَا، والآخَر بالمَرْوة، اسمهما: إسافٌ، بكسر الهمزة، ونائِلَةٌ، بنونٍ، وهمزٍ بعد الألف، فتحرُّجهم لكَراهة ذَينِك الصَّنَمين، وكَراهةً لصنَمهم الذي بقُدَيد. * * * 4496 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ: كنَّا نَرَى أَنَّهُمَا مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كانَ الإسْلَامُ أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} إِلَى قَوْلهِ: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. الثاني: (من أمر الجاهلية)؛ أي: كان فعلَ غير الْأَنصار، فالفَريقان كانا في الإِسلام يتحرَّجان، فالفريق الأوَّل للتَّشبيه بما كانوا يفعلُونه في الجاهلية، والثاني للتَّشبيه بالفَريق الأول. وعند ابن السَّكَن: (كُنَّا نَرى أنَّهما مِن أَمْر الجاهليَّة)، وبه يستقيم الكلام. * * *

{ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا}

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} أَضْدَادًا، وَاحِدُهَا: نِدٌّ. (باب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 165]) 4497 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيق، عَنْ عَبْدِ اللهِ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَةً، وَقُلْتُ أُخْرَى؛ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ"، وَقُلْتُ أَنَّا: مَنْ مَاتَ وَهْوَ لَا يَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قوله: (يعني: أضدادًا) استُدرك بأنَّ النِّدَّ لغة: المِثْل لا الضِّدُّ، وأُجيب بأنَّه أراد بالضدِّ المُخالِف المُعادي، ففي النِّدِّ معنى الضدِّيَّة أَيضًا. (وقلت أنا) استفَادَ ذلك ابن مَسعودٍ من قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ انتِفاء السَّبب يقتضي انتِفاء المسبَّب، وهذا بِناءً على أنَّه لا واسطةَ بين الجنَّة والنَّار. * * * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} إلى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} عُفِيَ: تُرِكَ.

(باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]) 4498 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْروٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: كَانَ في بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}، فَالْعَفْوُ: أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ في الْعَمْدِ، {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}: يَتَّبِعُ بِالْمَعْرُوفِ ويُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: قتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ. 4499 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ". الحديث الأول: قال (خ): العَفْو في الآية لا يحتاج إلى تفسيرٍ، وذلك أنَّ ظاهِر العفْو يُوجِب أنْ لا تَبِعَةَ لأحدهما على الآخَر، فما معنى الاتِّباع والأَداء؟، فمعناه أنَّ مَن عُفي عنه الدَّمُ بالدِّيَة؛ فعلى صاحب الدِّية اتباعٌ، أي: مُطالبَةٌ بالدِّيَة، وعلى القاتِل أداء الدِّيَة. وفيها دليلٌ على أنَّ وليَّ الدَّم مُخيَّرٌ بين القِصاص والدِّيَة. * * *

4500 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الأَرْشَ فَأَبَوْا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَوْا إلا الْقِصَاصَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَنسُ! كتابُ اللهِ الْقِصَاصُ". فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ". الثاني: (كسرت) محمولٌ على القَلْع، أو كان الكَسْر مَضبُوطًا، فإنَّ الكَسْر غير المَضبوط لا قِصَاصَ فيه. (لا والذي بعثك بالحق) ليس للإنْكار، بل للاستِشفاع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، أو أنَّ ذلك كان قبْل أن يَعرف أن كتاب الله القِصاصُ على التَّعيين، فظنَّ التخيير بين القصاص والدية. وقد سبَق في (باب: الصُّلْح في الدِّيَة). (لأبرّه)؛ أي: جعلَه بارًّا في قسَمه، وفعَلَ ما أرادَه. * * *

{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]) 4501 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا نزَلَ رَمَضَانُ قَالَ: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ". 4502 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ عَاشُورَاءُ يُصَامُ قَبْلَ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نزَلَ رَمَضَانُ قَالَ: "مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أفطَرَ". 4503 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ، فَقَالَ: الْيَوْمُ عَاشُورَاءُ! فَقَالَ: كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ، فَادْنُ فَكُلْ. 4504 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ في الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ

{أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}

الْفَرِيضَةَ، وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ. فيه أربعةُ أحاديث في صيام عاشُوراء، سبق شرحها في آخر (الصيام). * * * {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وَقَالَ عَطَاءٌ: يُفْطِرُ مِنَ الْمَرَضِ كُلِّهِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْحَسَنُ وَإبْرَاهِيمُ في الْمُرْضعِ وَالْحَامِلِ إِذَا خَافتا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا: تُفْطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ. وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ، فَقَدْ أَطْعَمَ أَنسٌ بَعْدَمَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ. قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: {يُطِيقُونَهُ} وَهْوَ أَكثَرُ. (باب قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]) قوله: (فقد أطعم) ليس هو جَوابًا لقوله: (أما الشَّيخ)، بل دليلٌ على الجواب المَحذوف. (كبر) بكسر الموحَّدة، أي: أَسَنَّ. * * *

{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} إلى قوله: {يتقون}

4505 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَلْيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. (يطوقونه) بضم الياء، وفتح المهملة المخفَّفة، وتشديد الواو، مِن طوَّقتُك الشَّيء، أي: كلَّفتُك، أو التفعُّل بمعنى السَّلْب. وفي بعض النسخ زيادة: (ولا يُطيقونه). والباب فيه أمورٌ موقوفةٌ في قوَّة المرفوع، والمعنى فيها ظاهرٌ. * * * {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} إلى قوله: {يَتَّقُونَ} الْعَاكِفُ: الْمُقِيمُ. (باب: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187]) 4509 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيٍّ، قَالَ: أَخَذَ عَدِيٌّ عِقَالًا أَبْيَضَ

وَعِقَالًا أَسْوَدَ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ، نَظَرَ، فَلَمْ يَسْتَبِينَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! جَعَلْتُ تَحْتَ وِسَادتِي. قَالَ: "إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ؛ أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ". الحديث الأول: (عِقالًا) بكسر المهملة: الحَبْل الذي يُشدُّ به البعير. (جعلت)؛ أي: العِقالين. (أن كان) بفتح الهمزة وكسرها. * * * 4510 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ؟ أَهُمَا الْخَيْطَانِ؟ قَالَ: "إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا، إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ"، ثُمَّ قَالَ: "لا، بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ". الثاني: واضحٌ. * * * 4511 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ

مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: وَأُنْزِلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} وَلَمْ يُنْزَلْ: {مِنَ الْفَجْرِ}، وَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلاَ يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدَهُ: {مِنَ الْفَجْرِ}، فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي: اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ. الثالث: (من الفجر) بيانٌ للخيط الأَبيض، واكتفَى به عن الأَسود؛ لأنَّ بيانَ أحدهما بيانٌ للآخر، أو الفجر فيه اختِلاطٌ من سواد اللَّيل، وبَياض النَّهار، وهذا تشبيهٌ لا استعارةٌ. وفيه جواز تأخير البيان، فإن قيل: يُعلم منه أنَّ فهمهم من الخَيطَين الحقيقةَ كان قبْل نُزول: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، فلِمَ استحقُّوا التَّعريض بالبَلاهَة؟، قيل: الرَّبْط في الرِّجل كان مقدَّمًا على النُّزول، وأصحابُه ما عرضوا بها، والجَعْل تحت الوِسادة بعد النُّزول، وصاحبه هو المُعرَّض بها، وإنما التَبس عليه؛ لأنَّه غفَل عن البَيان، ولذلك عرَّض - صلى الله عليه وسلم - بعَرْض قَفاه الدَّالِّ على البَلاهة، وهو كنايةٌ عنه؛ لإمكان إرادة الحقيقة معه أيضًا. وأما عَرْض الوِسادة فهو كنايةٌ عن عَرْض القَفَا، فهو كنايةٌ عن كنايةٍ. وقال (خ): المراد بعرْض الوِسادة: طُول النَّوم، فكنَّى بالوِسادة عن النَّوم؛ لأنَّ النائم يتوسَّدُهُ، ولم يُرِد بالعرْض خِلاف الطُّول، بل

{وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون}

أراد به السَّعة والكَثْرة. قال (ش): يحتمل أنَّ المراد أنْ يكون بعَرْض المَشرق والمغرب بدليل: (إِنَّ وِسادَك لعَريض). قال (خ): ويُقال: عَريض القَفَا لمنْ نُسب إلى البَلَه، والغَفْلة، ولقِلَّة الفِطْنة، وقد يُؤوَّل بأنه إذا كان يأْكُل حتى يتبيَّن له الخَيطان لا يُنهِكُه الصَّوم، ولا ينقص شيءٌ من لحْمه وقُوَّته، فيكون قويَّ البدَن عَريضَ القَفا، أي: أثَرُ الصوم غيرُ ظاهرٍ فيه. * * * {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (باب: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} [البقرة: 189]) 4512 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أتوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. (كانوا إذا أحرموا)؛ أي: كانوا يَتفاءَلون بالإتْيان من الظُّهور عَن تَعكُّس الأمر بالتَّحوُّل من الشرِّ إلى الخير، والانتِقال من المَعصية إلى الطَّاعة.

{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إلا عَلَى الظَّالِمِينَ} (باب: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]) 4513 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَتَاهُ رَجُلاَنِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا، وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي، فَقَالاَ: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟ فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنة، وَكانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنتمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنة، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللهِ. 4514 - وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي فُلاَنٌ، وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ: أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا، وَتترُكَ الْجهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ - عَزّ وَجل -؟ قَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللهُ فِيهِ! قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: إِيمَانٍ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلاَةِ الْخَمْسِ، وَصِيَامٍ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ. قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ

فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إِلَى أَمْرِ اللهِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟ قَالَ: فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ؛ إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ، فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ. 4515 - قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ فَكَأَنَّ اللهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَتَنُهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ. (في فتنة ابن الزُّبَيْر)؛ أي: لمَّا حاصَره الحَجَّاج بمكة. (صيعوا) بالمهملة، وفي بعضها: (ضُيِّعوا) بالمعجمة، بالبناء للمفعول، مِن التَّضييع بمعنى: الهلاك في الدنيا والدِّين. (فُلان) قيل: هو عبد الله بن لَهِيْعة، بفتح اللام، وكسر الهاء، ومهملةٍ، قاضي مِصر، مات سنة أربعٍ وسبعين ومائةٍ. قال البيهقي: أجمعوا على ضعفه، وتَرْكِ الاحتجاج بما يَنفرد به. (وحَيْوة) بفتح المهملة، وبالواو، وسُكون الياء بينهما. (ابن شُريح) بالإِعجام، والتَّصغير، المِصْري، ويُسمى هذا بالأكبر، وهو غير حَيْوة بن شُريح الحَضْرمي. (الجهاد)؛ أي: القِتال الذي كالجِهاد في الأَجْر، وإلا فالجهاد الحقيقيُّ القِتال مع الكفَّار.

{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}

(إما قتلوه) أتَى به بلفْظ الماضي، وقابلَه بالمضارع في: (يعذبوه)؛ لأنَّ التَّعذيب يستمرُّ بخلاف القِتْل. (يعفو)؛ أي: اللهُ، وفي بعضها: (تَعفُوا) بالخِطاب للجمْع، فتُسكَّن واوه. (حيث ترون)؛ أي: من حُجرات النبي - صلى الله عليه وسلم -، يُريد بَيان قُربه وقرابته، فهو قريبٌ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - منزلًا ومنزلةً. * * * {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} التَّهْلُكَةُ وَالْهَلاَكُ وَاحِدٌ. (باب: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 195]) 4516 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: نزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ. ما أوردَه فيه ظاهرٌ.

{فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه}

{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} (باب: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184]) 4517 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي هَذَا الْمَسْجدِ -يَعْنِي: مَسْجدَ الْكُوفَةِ-، فَسَأَلْتُهُ عَنْ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ}، فَقَالَ: حُمِلْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ بِكَ هَذَا، أَمَا تَجدُ شَاةً؟ " قُلْتُ: لاَ، قَالَ: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ". فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً. (من صيام) متعلِّقٌ بـ (فِدْية)، أي: الفِدْية التي هي الصِّيام، أَهوَ ثَلاثة أيامٍ، أو أكثَر، أو أقلُّ؟، أو سألتُه عن هذه الآية. (حملت) مبنيٌّ للمفعول، أي: إما حقيقةً لمرَضٍ ونحوه، أو هو مِن حمَل نفسَه في السَّير، أي: جَهَدها. (أُرى) بالضم، أي: أظُنُّ. (الجهد) بفتح الجيم: الطَّاقة، وبالضم: المَشقَّة. (عامة)؛ أي: لجميع الأُمة، أي: من باب: خُصوص السَّبَب، وعُموم الحُكم. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [12]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

تَابِع (65) كِتابُ التَّفسِيرِ (باب: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]) 4518 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كتَابِ اللهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يُنْزَلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. الحديث فيه اجتمع ثلاثةٌ كُلٌّ يُسمَّى: عِمْران، وهو لطيفٌ. (ففعلناها)؛ أي: المُتْعة. (بحرمة)؛ أي: التمتُّع، فلا القُرآن حرَّمه، ولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، فمَن حرَّمه قال شيئًا برأْيه، وإليه الإشارة بقوله: (قال رجل)، فقيل: المراد به عثمان، وهو كان يمنع التمتُّع، وسبَق في (الحج). وقال البخاري: يُقال: إنه عُمر، واستُشكل بأنه إنما كان ينهى عن فسخ الحج إلى العُمْرَة، ولم يُخالف فيه كتابًا ولا سنةً. * * *

{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (باب: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]) 4519 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِم، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِم الْحَجِّ. الحديث الأول: (عمرو)؛ أي: ابن دِيْنار. (عُكاظ) بضم المهملة، وخفَّة الكاف، وبمعجمةٍ. (ومَجَنّة) بفتح الميم، والجيم، وشدَّة النون. (وذو المَجاز) بفتح الميم: أَسْواقٌ كانت للعَرَب. (في المواسم) وسُمي مَوسِمًا؛ لأنَّه مَعْلَمٌ يجتمع الناس إليه، قيل: ولفظ: (في مواسم) عند ابن عبَّاس مِن القرآن مِن تَتمَّة الآية. والصَّحيح أنه تفسيرٌ بيَّن به مَحلَّ ابتِغاء الفَضْل، فكأنه قال: أي: في مَواسِم الحجِّ، والله أعلم. * * *

{ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} 4520 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ، أَمَرَ اللهُ نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا، فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}. الثاني: (الحُمْس) جمع: أحْمَس، بمهملتين. قال الجَوْهَري: هم قُريش، وكِنانَة، وكانوا في الإحرام لا يَستظِلُّون بمِنَى. (الناس)؛ أي: أكثَر الناس، وهو سائِر العرَب. قال (خ): القَبائل التي كانت تَدينُ مع قُريش: بنو عامِر بن صَعْصَعْة، وثَقِيْف، وخُزَاعَة، وكانوا إذًا لا يَتناولون السَّمْن والأَقِط، ولا يَدخلون من أبواب بُيوتهم، وإنما سموا حُمْسًا؛ لأنهم تحمَّسوا في دينهم، أي: تشدَّدوا وتَصلَّبوا، والحَماسة الشِّدَّة. قال: وفي قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا} [البقرة: 199] بيانُ أنَّهم مأْمورون بالوُقوف بعَرَفة؛ لأنَّ الإفاضة -ومعناها التفرُّق- لا تكون إلا عن اجتِماعٍ في مكانٍ واحدٍ، وكان الناس -وهم أكثَر قبائل العرَب-

يقفون بعرَفاتٍ، ويُفيضون منها، فأُمروا هم أيضًا أن يُفيضوا منها. * * * 4521 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَطَوَّفُ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلاَلًا حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا رَكِبَ إِلَى عَرَفَةَ، فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ هَدِيَّةٌ مِنَ الإبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ، غَيْرَ إِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ، فَعَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الأيَّامِ الثَّلاَثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَنْطَلِقْ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ يَكُونَ الظَّلاَمُ، ثُمَّ لِيَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إِذَا أَفَاضُوا مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا جَمْعًا الَّذِي يَبِيتُونَ بِهِ، ثُمَّ لِيَذْكرِ اللهَ كثِيرًا، وأَكْثِرُوا التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا، ثُمَّ أَفِيضُوا، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يُفِيضُونَ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} حتى ترموا الجمرة. الثالث: (الرجل)؛ أي: المُتمتِّع. (ما تيسر له) هو جواب الشَّرط، أي: فَفِدْيَتُهُ ما تَيسَّر، أو بدَلٌ من الهَدْي، والجَزاء بأَسره محذوفٌ، أي: فَفِدْيَتُه ذلك، أو فليَفتدِ بذلك.

{ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}

(من صلاة العصر) هذا مراعاةٌ للأَشرف مِن وقْت الوُقوف، وهو من الزَّوال إلى صُبح الغَدِ. (جَمْعًا)؛ أي: مُزْدَلفة. (يتبرز)؛ أي: يَخرج للبَراز، وهو الفَضاء الواسِع، وفي بعضها بتكرار الرَّاء، أي: يتكلَّف البِرَّ فيه. فإن قيل: هذا السِّياق يدلُّ على أنَّ الإفاضة في قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا} من المُزْدَلِفَة، والحديث السابِق يدلُّ على أنها من عَرَفاتٍ. قيل: لا مُنافاةَ؛ إذْ هذا تفسيرُ ابنِ عبَّاس، والمراد من الناس: الحُمْس، وذلك تفسير عائشة، والمراد منهم غير الحُمْس. * * * {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 4522 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". الرابع: مُناسبة دُخوله هنا أنَّ الغرَض الاستِمرار المُستَفاد مِن: (كان

{وهو ألد الخصام}

يقول)، والإكثارِ منه حتى في الحجِّ ومَقاماته. * * * {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} وَقَالَ عَطَاءٌ: النَّسْلُ: الْحَيَوَانُ. (باب قوله تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204]) قوله: (النسل)؛ أي: في قوله تعالى: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة: 205]. * * * 4523 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ، قَالَ: "أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ". وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (ترفعه)؛ أي: الحديثَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (الألد): شَديد الخُصومة. (الخَصِم) بكسر الصاد المهملة: تأكيدٌ للأَلَدِّ.

{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} إلى {قريب}

(وقال عبد الله) موصولٌ في "جامع سُفيان". * * * {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} إِلَى {قَرِيبٌ} 4524 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} خَفِيفَةً، ذَهَبَ بِهَا هُنَاكَ، وَتَلاَ: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}. فَلَقِيتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ. 4525 - فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَعَاذَ اللهِ! وَاللهِ مَا وَعَدَ اللهُ رَسُولَهُ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا عَلِمَ أَنَّهُ كَائِنٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلِ الْبَلاَءُ بِالرُّسُلِ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَكُونَ مَنْ مَعَهُمْ يُكَذِّبُونَهُمْ، فَكَانَتْ تَقْرَؤُهَا: {ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} مُثَقَّلَةً. الثاني: (خفيفة)؛ أي: بتخفيف الدَّال، وقال ابن أبي مُلَيْكَة: ذهب ابن عبَّاس بهذه الآية إلى الآية التي في البقرة، يعني: فَهِم من هذه ما فَهِم من تلك؛ لكَون الاستفهام في: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] للاستِبعاد،

والاستِبطاء، فهُمَا متناسبان في مَجيء النَّصر بعد اليَأْس والاستِبعاد. (فلقيت) هو كلام ابن أبي مُلَيْكة. (معاذ الله) وجه إنكار عائشة على ابن عبَّاس وقراءةُ التَّخفيف تحتمل هذا المعنى أيضًا بأنْ يُقال: خافُوا أن يكون مَن معهم يُكذِّبونهم أنَّ مُراده أنَّ الرُّسُل ظَنُّوا أنَّهم مكذَّبون من عند الله لا من عنْدهم بقَرينة الاستِشهاد بالآية التي في البقرة. فإن قيل: لو كان كما قالت عائشة لَقِيل: وتيقَّنوا أنَّهم قد كُذِّبوا؛ لأنَّ تكذيب القَوم لهم كان متيقَّنًا. قيل تكذيب أتْباعهم من المؤمنين كان مَظنونًا، والمتيقَّن تكذيب الذين لم يُؤمنوا أصلًا. وأما وجه كلام ابن عبَّاس، فقال في "الكشَّاف": وعن ابن عبَّاس أنَّهم ظنُّوا حين ضعُفوا وغُلبوا أنهم قد أُخلفوا ما وعَدَهم الله تعالى من النَّصر، وكانوا بشرًا، وتلا: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة:214]، فإنْ صحَّ هذا، فقد أَرادَ بالظَّن ما يَهجِس في القلب من شِبْه الوَسوسة، وحديث النَّفس على ما عليه البشَريَّة، وأما الظن الذي يترجَّح أحَدُ الجانبين فيه على الآخَر فغير جائزٍ على آحاد الأُمة، فيكف بالرسُل؟. وذكر (خ) في وجه قول ابن عبَّاس: أنَّ مذهبه أنه لم يجز على الرسل أن يُكذِّبوا بالوحي الذي يأْتيهم من قِبَل الله تعالى، لكن يحتمل أن يُقال: إنهم عند تَطاوُل البلاء وإبْطاءِ نَجْز الوَعْد توهَّموا أن الذي جاءَهم من الوَحْي كان غلَطًا منهم، فالكَذِب متأَوَّل بالغلَط، كقولهم:

{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم} الآية

كذَبَتْكَ نفْسُك، أي: فالذي عرَض من الرِّيبة إنما ينصرف إلى الوسائط التي هي مقدِّمات الوَحْي. (قبل) ظرفٌ للعِلْم لا للكَون. (كذبوا) بالتشديد قراءة نافِع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وبالتخفيف قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي. * * * {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} الآيَة (باب: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223]) 4526 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتكَلَّمْ حَتَّى يَفْرغُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ قَالَ: تَدْرِي فِيمَا أُنْزِلَتْ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكلذَا. ثُمَّ مَضَى. 4527 - وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قَالَ: يَأْتِيهَا فِي. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}

الحديث الأول: (فأخذت عليه يومًا)؛ أي: ضبَط عليه قراءتَه. (يأتيها في)؛ أي: في مَوضع الحَرْث، أي: في قُبُلها وإنْ كان مِن خَلْفها. ففيه شاهدٌ بحذْف المَجرور وإبْقاء الجارِّ، ويُسمَّى نحوه الاكتِفاء. * * * 4528 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: سَمِعْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. الثاني: (جامعها)؛ أي: في فَرْجها لكنْ مِن خَلْفٍ. * * * {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} باب: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231]) 4529 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ،

{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} إلى {بما تعملون خبير}

حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ إِلَيَّ. 4529 / -م - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ يُونس، عَنِ الْحَسَنِ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ. حَدَّثَنَا أَبو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فترَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَخَطَبَهَا، فَأَبَى مَعْقِلٌ، فَنَزَلَتْ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}. الحديث فيه واضحٌ. * * * {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} إِلَى {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} يَعْفُونَ: يَهَبْنَ. (باب: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234]) 4530 - حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}، قَالَ: قَدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا أَوْ تَدَعُهَا؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ.

الحديث الأول: (الآية الأُخرى) هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234]. (الآية الأُخرى)؛ أي: لم يَتركْها في المُصحف، والشكُّ من الرَّاوي. (يا ابن أخي) إما على عادة العرَب في هذا الإطلاق، أو المراد أُخوَّة الإيمان، أو أن عُثمان مِن أولاد قُصَيٍّ، وكذلك عبد الله. * * * 4531 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} قَالَ: جَعَلَ اللهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}؛ فَالْعِدَّةُ كمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا. زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فتعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ

أَهْلِهِ، وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ}. قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ، فَنَسَخَ السُّكْنَى، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلاَ سُكْنَى لَهَا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا. وَعَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا فِي أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ؛ لِقَوْلِ اللهِ: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} نَحْوَه. الثاني: (وصية) قيل: أراد مُجاهد أنها تخرج بعد تمام العِدَّة غير أنه يذهب إلى أنَّ هذا للأزواج كلِّهن، وليس كذلك، إنما هو للزوجة التي لا تَرِثُ، فتجوز لها الوصيَّة. (فالعدة)؛ أي: العِدَّة الواجبة عند أهل زوجها هي الأربعة الأشهر، والزَّائد إلى تمام الحَول هو بحسَب بالوصيَّة، فإنْ شاءَتْ قَبِلت الوصيَّة، وتعتدُّ في بيت أهل الزَّوج إلى التَّمام، وإنْ شاءت اكتفت بالواجب. (ورقاء) مؤنَّث الأَورق، أي: ابن عمر الخوَارِزْمِي. فإنْ قيل: (غيرَ إخراجٍ) يدلُّ على أنها لا تعتدُّ إلا في مَسكن الزوج، فكيف جعله دليلًا على أنها تعتدُّ حيث شاءت؟.

قيل: الإخْراج غير الخُروج، فلها الخُروج، وليس له الإخْراج، أو الاستِدلال ببقيَّة الآية، وهي قوله: {فَإِنْ خَرَجْنَ} [البقرة: 240]. * * * 4532 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي شَأْنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَلَكِنَّ عَمَّهُ كَانَ لاَ يَقُولُ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: إِنِّي لَجَرِيءٌ إِنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الْكُوفَةِ. وَرَفَعَ صَوْتَهُ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ، فَلَقِيتُ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ، أَوْ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهْيَ حَامِلٌ؟ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أتجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ، وَلاَ تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ، لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاء الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى. وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ مُحَمَّدٍ لَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ. الثالث: (عُظْم) بضم المهملة، وسُكون المعجمة، أي: عُظماؤهم، فخطَبها أبو السَّنابل -بلفْظ جمع سُنْبلة: الحِنْطة ونحوها-، فاستأذَنَت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن تَنكح، فأَذِنَ لها، فنكَحت. (عمه)؛ أي: عبد الله بن مسعود.

(على رجل في جانب الكوفة) هو عبد الله بن عُتْبة، كان سكَن الكوفة، ومات بها في زمان عبد الملِك بن مَرْوان. (مالك بن عامر)؛ أي: الهَمْذاني الصَّحابي، على اختلافٍ في كُنْيته أَبو عَطيَّة. (أو مالك بن عوف) بالفاء، ابن نَضْلَة، بفتح النون، وسُكون المعجمة، الجُشَمي، بضم الجيم، وفتح المعجمة، صاحِب ابن مَسعود. (التغليظ)؛ أي: طُول العِدَّة بالحَمْل إذا زادتْ مُدَّته على مدة الأَشهر، بل قد يمتدُّ إلى أربع سِنين، فإذا جعلتُم التَّغليظَ عليها؛ فاجعلُوا لها الرُّخصة إذا ولَدتْ لأقلَّ من الأربعة الأشهر وعشرٍ. (القصرى) هي سُورة الطَّلاق، وفيها: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. (الطُولَى) هنا البقرة؛ لأنها أَطول سُوَر القرآن، لا أنَّ المُراد سُورة النِّساء؛ لأنَّ البقَرة فيها: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الآية [البقرة: 240]. وقال (خ): حمَل ابن مَسعود على النَّسخ، أي: جَعَل ما في الطَّلاق ناسِخًا لما في البقرة، وكان ابن عبَّاس يجمَع عليها العِدَّتين، فتعتدُّ أقصاها؛ لإمكان الجمع، وأما عامة الفُقهاء فمحمولٌ عندهم على التَّخصيص بخبر سُبَيْعة. * * *

{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (باب: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238]) 4533 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: قَالَ: هِشَامٌ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: "حَبَسُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ، وَبُيُوتَهُمْ أَوْ أَجْوَافَهُمْ -شَكَّ يَحْيَى- ناَرًا". (عبد الرحمن)؛ أي: ابن بِشْر، بكسر الموحَّدة، وسُكون المعجمة، ابن الحَكَم. * * * {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}: مُطِيعِين (باب: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]) 4534 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنَّا نتكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ؛ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فَأُمِرْناَ بِالسُّكُوتِ.

{فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون}

(والصلاة الوسطى) قال (خ): في أكثر الروايات أنها العصْر، وقيل: الفَجْر، وقيل: الظُّهْر، والأقرب أنها المَغرب؛ لأنها ليستْ بأكثَر عدد الركَعات، ولا أقلَّ، فهي وسَطٌ بين أربع وثنتَين، والواو بمعنى التَّخصيص، أي: عطف خاصٍّ على عامٍّ كما في: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]. (قانتين) قال (خ): أصحُّ الأقوال في تفسير القانِت: الدَّاعي في حال القِيام، وليس السُّكوت المذكور تفسيرَ القُنوت؛ لكن لما أُمروا بالذِّكر شُغلوا عن الكلام، فانقطَعوا عنه، فقيل: (فأُمرنا بالسكوت) مبنيٌّ للمفعول. * * * {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: {كُرْسِيُّهُ} عِلْمُهُ، يُقَالُ: {بَسْطَةً} زِيَادَة وَفَضْلًا، {أَفْرِغْ}: أَنْزِلْ، {وَلَا يَئُودُهُ}: لاَ يُثْقِلُهُ، آدَنِي: أَثْقَلَنِي، وَالآدُ وَالأَيْدُ: الْقُوَّةُ. السِّنَةُ: نُعَاسٌ. {يَتَسَنَّهْ}: يَتَغَيَّرْ. {فَبُهِتَ}: ذَهَبَتْ حُجَّتُهُ. {خَاوِيَةٌ}: لاَ أَنِيسَ فِيهَا. عُرُوشُهَا: أَبْنِيَتُهَا. السِّنَةُ نُعاسٌ، نُنْشِرُهَا: نُخْرِجُهَا، {إِعْصَارٌ}: رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {صَلْدًا} لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَابِلٌ} مَطَرٌ شَدِيدٌ. الطَّلُّ: النَّدَى، وَهَذَا مَثَلُ عَمَلِ الْمُؤْمِنِ. {يَتَسَنَّهْ}: يَتَغَيَّرْ. (باب: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]) 4535 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاَةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الإمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمِ الإمَامُ رَكعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّوُا الَّذِينَ مَعَهُ رَكعَةً، اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلاَ يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكَعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الإمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَيُصَلُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكَعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الإمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكَعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا؛ قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا؛ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لاَ أُرَى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ذَكرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. سبَق شرح الحديث فيه في (باب: صلاة الخوف)، وأن (قيامًا) جمع: قائمٍ، أو مصدرٌ. * * *

{وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى}

(باب: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 240]) 4536 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْلهِ: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَدْ نَسَخَتْهَا الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟ قَالَ: تَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي! لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ نَحْوَ هَذَا. سبَق قريبًا الترجمة، وشرح ما فيها، وأن (تدعها) بمعنى: تتركها. * * * {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} (باب: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260]) قوله: (فصرهن: قطعهن) قال (ع): هذا غريبٌ، والمعروف: أَمِلْهُنَّ، يُقال: صارَ يصِير ويَصُور، أي: أَمالَ. قال السَّفَاقُسي: الذي ذكَره المفسِّرون: أنَّ (صُرْهُنَّ) بضم الصاد

معناه: ضُمَّهنَّ إليك، وبكسرها: قَطِّعْهنَّ. قال (ش) (¬1): وبالكسر قرأ حمزة، وغيره، فينبغي على هذا تَقييده في البخاري بالكَسر. * * * 4537 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}. (بالشك)؛ أي: لو شكَّ، لكنَّه لم يَشُكَّ، فنحن لا نَشُكُّ، أو معناه: لا شكَّ عندنا، فهو أَولى أن لا يكون الشكُّ عندَه، وقيل: الشَّكُّ في إجابة الدعوة أو في كيفية الإحياء. وسبَق في (كتاب الأنبياء). ووجه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (نحن أحق) مع أنه أفضَل الخلْق، فهو أَولى بعدَم الشَّكِّ لا بالشك أن ذلك تواضُعٌ، وهضْمٌ للنفْس، أو نحن -أيَّتُها الأُمةُ- أحقُّ. * * * ¬

_ (¬1) "ش" ليس في الأصل.

باب قوله: {أيود أحدكم أن تكون له جنة} إلى قوله: {تتفكرون}

باب قَوْلِهِ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {تَتَفَكَّرُونَ} (باب: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} [البقرة: 266]) 4538 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَوْمًا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}؟ قَالُوا: اللهُ أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي نفسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ، وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ - عزَّ وجلَّ -، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ. {فَصُرْهُنَّ}: قَطعْهُنَّ. (فغضب) ليس وجه غضبه أنهم وكَلُوا العلم إلى الله، قيل: لأنَّه قصَد منهم تَعيين هل يعلمون أو لا؛ لأنَّ جوابَهم يصلُح للعالِم بالجواب، والجاهِل به. قول ابن عبَّاس: (في نفسي منها شيء)؛ أي: من العِلْم.

{لا يسألون الناس إلحافا}

(مثلًا) قال أهل البَلاغة: التَّشبيه التَّمثيلي متى فشَى استِعماله على سَبيل الاستعارة سُمِّي مثَلًا. (أيُّ عمل) يجوز في (أيِّ) الجرُّ على البدَل من عمَل المَجرور قبلَه، والرَّفعِ على الابتداء. (غنيّ) ضِدُّ الفَقير، وفي بعضها بالمهملة، فعلٌ مبنيٌّ للمفعول من العِناية. (أغرق) بالمعجمة، أي: أفنَى الرجل أعمالَه الصَّالحات، ولا عُلْقةَ فيه للمُعتزلة في إحباط الطاعة بالمعصية؛ لأنَّ الكُفر مُحبطٌ للأعمال اتفاقًا، أو يُقال: الإغْراق لا يَستلزم الإحباطَ. * * * {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} يُقَالُ: ألحَفَ عَلَيَّ، وَألحَّ عَلَيَّ، وَأَحْفَانِي بِالْمَسْأَلَةِ، {فَيُحْفِكُمْ}: يُجْهِدْكُمْ. (باب: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]) نصب على المفعول لأجله، أي: لا يَسألون كراهيةَ الإِلْحَاف، ويحتمل أن يكون مصدرًا في مَوضع الحال، أي: يَسأَلون عند الحاجة غير مُلِحِّين. (فيحفكم)؛ أي: في قوله تعالى: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} [محمد: 37]، فحاصل قوله: إنَّ الإلْحَاف والإلْحَاح والإِحْفَاء

{وأحل الله البيع وحرم}

بمعنًى، وهو المُبالغة والجهد. * * * 4539 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيَّ، قَالاَ: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلاَ اللُّقْمَةُ وَلاَ اللُّقْمَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ، وَاقْرَؤُا إِنْ شِئْتُمْ؛ يَعْنِي: قَوْلَهُ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ". (يَتَعَفّف)؛ أي: يتحرَّز عن السُّؤال ويَحسَبُه الجاهل غَنيًّا. وسبَق في (كتاب الزكاة). * * * {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ} الْمَسُّ: الْجُنُونُ. (باب: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]) 4540 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ لَمَّا نزَلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا، قَرَأَهَا

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. سبَق الحديث فيه في (الصلاة)، في (باب: تحريم التِّجارة في الخَمْر في المسجد). * * * {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا}: يُذهِبُهُ (باب: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]) 4541 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ الأَوَاخِرُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتلاَهُنَّ فِي الْمَسْجدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ}: فَاعْلَمُوا. 4542 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَرَأَهُنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ، وَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. الحديثان فيه بمعنى ما قبلَهما. * * *

{وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}

{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (باب: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280]) 4543 - وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَهُنَّ عَلَيْنَا، ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. الحديث عُلم شرحه أيضًا مما سبَق. * * * {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (باب: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]) 4544 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ ابْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - آيَةُ الرِّبَا. (آخر آية نزلت) ترجمة البُخاري تدلُّ على أنَّ ابن عبَّاس عنى بآية الربا: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]. وقد سبَق في (المغازي)، وسيأتي في آخر (سورة النِّساء): أنَّ آخِرَ آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ} [النساء: 176]، ولا مُنافاةَ؛ لأنَّ ذلك قَول

{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير}

البَراء، وهذا قول ابن عبَّاس، أو تخصيص بأنَّ المراد هناك آخِرُ آيةٍ نزلتْ في المواريث، وهنا في أحكام البَيع. * * * {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (باب: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 235]) 4545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْكِين، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - -وَهْوَ ابْنُ عُمَرَ-: أَنَّهَا قَدْ نُسِخَتْ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} الآيَةَ. {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِصْرًا} عَهْدًا. ويُقَالُ {غُفْرَانَكَ}: مَغْفِرَتَكَ، فَاغْفِرْ لَنَا. 4546 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - -قَالَ: أَحْسِبُهُ ابْنَ عُمَرَ- {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} قَالَ: نسًخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا.

الحديث الأول، والثاني: (محمد) قال الكَلابَاذِي: أُرى أنه ابن يحيى الذُّهْلي، ويقال: إنَّه ابن إبراهيم البُوْشَنْجِي. (وهو ابن عُمر) وفي الثاني: أحسِبُه ابن عُمر، فعيَّنه بعد قوله أولًا: (رجلٌ) بالإبهام، إما لأنَّ التَّوضيح من الرَّاوي عن مَرْوان، أو أنَّه تذكَّر آخِرًا بَعد نسيانه. (نسختها الآية التي بعدها) هي آية: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. قال في "الكشَّاف": تلاها ابن عُمر، وقال: لئِنْ آخَذَنا الله بهذا لنَهلكَنَّ، ثم بكَى حتى سُمع نشَيجُه، فذكر لابن عبَّاس، فقال: يَغفر اللهُ لأبي عبد الرَّحمن قد وجَد المُسلمون مثلَ ما وجَد، فنزل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. قال (خ): جريٌ على أن النسخ يَدخُل في الخبَر المستقبَل دون الماضي، وعليه جماعةٌ من الأُصوليين؛ لأنَّه بخلاف المستقبَل لجَواز أن يُعلِّقه بشَرط. قال البيهقي: هذا النَّسخ بمعنى التَّخصيص أو التَّبيين؛ فإنَّ الآية الأُولى وردتْ مَورِد العُموم، فبيَّنت التي بعدها أنَّ ما يَخفى لا يُؤاخذ به، وهو حديث النَّفْس الذي لا يستطيع دفعَه. * * *

3 - سورة آل عمران

3 - سورة آلِ عِمْرَانَ تُقَاةٌ وَتَقِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، {صِرٌّ}: بَرْدٌ، {شَفَا حُفْرَةٍ}: مِثْلُ شَفَا الرَّكِيَّةِ، وَهْوَ حَرْفُهَا، {تُبَوِّئُ}: تتَّخِذُ مُعَسْكَرًا، الْمُسَوَّمُ: الَّذِي لَهُ سِيمَاءٌ بِعَلاَمَةٍ أَوْ بِصُوفَةٍ أَوْ بِمَا كَانَ، {رِبِّيُّونَ}: الْجَمِيعُ، وَالْوَاحِدُ رِبِّيٌّ، {تَحُسُّونَهُمْ}: تَسْتَأْصِلُونهمْ قَتْلًا. {غُزًّى}: وَاحِدُهَا غَازٍ، {سَنَكْتُبُ}: سَنَحْفَظُ، {نُزُلًا}: ثَوَابًا، وَيَجُوزُ: وَمُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، كقَوْلِكَ: أَنْزَلْتُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ: الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: {وَحَصُورًا}: لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {مِنْ فَوْرِهِمْ} مِنْ غَضَبِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ} النُّطْفَةُ تَخْرُجُ مَيِّتَةً، وَيُخْرِجُ مِنْهَا الْحَيَّ. الإِبْكَارُ: أَوَّلُ الْفَجْرِ، وَالْعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ -أُرَاهُ- إِلَى أَنْ تَغْرُبَ. (سورة آل عمران) قوله: (الركية) بتخفيف الكاف المكسورة، أي: البِئْر. (رِبيون) نسبةً إلى الرَّبِّ، وكُسرت الراء للمُناسبة. (ويجوز: ومنزل)؛ أي: ويجوز أن يكون نُزُلًا بمعنى: مَنْزِلًا،

{منه آيات محكمات}

ولكنَّ الأول مُناسب للمعنى اللُّغوي، وهو ما يُوضَع للقادِم من السفَر النازِل في الحال. (المطهمة) قال الخَلِيْل: هو التامُّ الخَلْق، وقال يعقوب: الذي يحسُن منه كلُّ شيءٍ على حِدَتِه كالأنْف، والفَمِ، والعَين. * * * {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ. {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}: يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلا الْفَاسِقِينَ}، وَكَقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، وَكَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}. {زَيْغٌ}: شَكٌّ، {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}: الْمُشْتَبِهَاتَ، {وَالرَّاسِخُونَ} يَعْلَمُونَ {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}. (باب: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7]) قوله: (يصدق) تفسيرٌ للمُتشابه، وذلك أنَّ المفهوم من الآية الأُولى أنَّ الفاسِق -أي: الضَّالَّ- تَزيد ضلالتُه، وتصدقه الأُخرى حيث يجعل الرِّجْس للذين لا يَعقلون، وكذلك حيث يُريد للمُهتدي الهدايةَ. وأما اصطِلاح الأُصوليين، فالمُحْكم: هو المُشترَك بين النَّصِّ والظَّاهر، والمتشابِه: هو المشترَك بين المُجمَل والمُؤوَّل.

وقيل: المُحْكم: ما أُحكم عبارتُه بأن حُفظت من الاحتِمال، والمتشابه بخلافه. وقال (خ): المُحْكم هو الذي يُعرف بظاهر بَيانه تأْويلُه، وبواضح أدلته باطِن معناه، والمتشابِه ما اشتَبه منها، فلم يُتلقَّ معناه من لفْظه، ولم يُدرَك حكمه من تلاوته، وهو ضربان: ما إذا رُدَّ إلى المُحكَم واعتُبر به عُلِمَ معناهُ، وما لا سَبيل إلى الوُقوف على حقيقته، وهو الذي يَتَّبعه أهل الزَّيغ، فيَطلبون تأْويلَه، ولا يَبلُغون كُنْهَهُ، فيَرتابون فيه، فيفتون به، وذلك كالإيمان بالقدر ونحوه. قيل: وأحسَنُ ما قيل في المُحْكَم قول جعفر بن محمد: ما لا يَحتمِل إلا وَجْهًا واحدًا، والمتشابه خلافه، وعلى هذا فلا يكون المُحْكَم إلا نَصًّا. وأسلَم من هذا وأعمُّ أنه ما وضَحَ معناه، فيدخُل فيه النصُّ والظَّاهر كما سبَق تقديره. والأَولى في: {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] رفعه بالابتداء {يَقُولُونَ} [آل عمران: 7] خبره؛ لاستحالة علْمهم بالمُتشابه كعِلْم الله تعالى؛ لأنَّه يعلمه من كلِّ وجهٍ، ولأنَّ جميع الرَّاسخين يقولون: آمنَّا به، والعالِم بالمُتشابهات بعضُهم، فكان الأَولى. * * * 4547 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ

{وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}

التُّسْتَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} إلَى قَوْلِهِ: {أُولُو الْأَلْبَابِ} قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ". (فإذا رأيت) إما بكسر التاء على أنَّ الخِطاب لعائشة، أو بفتحها على أنه لكلِّ أحدٍ. (فأولئك) يُروى أيضًا بكسر الكاف وفتحها. (فاحذريهم) في بعضها: (احْذَرْهم) بلا ياءٍ على ما سبَق أيضًا، وفي بعضها: (احذَرُوهم) بلفظ الجمع. * * * {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (باب: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]) 4548 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ،

فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}. (فيستهل)؛ أي: يَصيح. ومرَّ الحديث في (كتاب الأنبياء). * * * {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ}: لاَ خَيْرَ {أَلِيمٌ}: مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ، مِنَ الأَلَمِ، وَهْوَ فِي مَوْضعِ مُفْعِلٍ. (باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 77]) قوله: (في موضع مفعل)؛ أي: الفَعِيْل بمعنى: المُفعِل، وهو قليلٌ كقوله: أمِن ريحانةِ الدَّاعِي السَّمِيع أي: المُسمِع. * * * 4549 - و 4550 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ؛ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} إلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قُلْنَا: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ؛ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ"، فَقُلْتُ: إِذًا يَحْلِفَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ". الحديث الأول: (بيمين صبر) هو بإضافة (يَمين) إلى (صَبْر)، أي: يحبِسُه السُّلطان على الحَلِف. وإطلاق الغضب على الله تعالى مجازٌ، والمراد لازِمُه، أي: إرادة إيْصال العِقَاب. وسبَق الحديث في أواخر (كتاب الشَّهادات). نعم، الحديث السَّابق يدلُّ على أنَّ سبَب النُّزول البِئْر التي في الأرض، وهذا على أن سبَبه بيع السِّلْعة، وذلك لاحتِمال أنَّ الآية لم تبلُغ ابن أبي أَوْفَى إلا عند إقامة السِّلْعة، فظَنَّ أنها نزلت في ذلك، أو وقَعت القَضيَّتان في وقتٍ واحدٍ، فنَزلت الآية بعدَهما، واللَّفظ عامٌّ

متناوِلٌ لهما ولغيرهما. * * * 4551 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ -هُوَ ابْنُ أَبِي هَاشِمٍ-، سَمِعَ هُشَيْمًا، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ فِيهَا: لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَهُ؛ لِيُوقعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. الثاني: (أعطى) مبنيٌّ للفاعل أو المفعول. * * * 4552 - حَدَّثَنَا نصرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نصرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ امْرَأتيْنِ كَانتَا تَخْرِزَانِ فِي بَيْتٍ -أَوْ فِي الْحُجْرَةِ-، فَخَرَجَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفًا فِي كفِّهَا، فَادَّعَتْ عَلَى الأُخْرَى، فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ"، ذَكِّرُوهَا بِاللهِ، وَاقْرَءُوا عَلَيْهَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ}. فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ".

{قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله}

الثالث: (تَخْرُزان) بضم الراء وكسرها. (فجرحت) كذا للأَصِيْلِي، بالجيم من الجَرْح، على ما لم يُسمَّ فاعلهُ، وعند الباقين: (فخَرَجَتْ) من الخُروج، وهو الصَّواب. (لم يعطه) مبني للفاعل والمفعول أيضًا. (بإشْفى) بكسر الهمزة، وسكون المعجمة، وبالفاء، مقصورٌ: آلَة الخَرْز للإِسْكاف، هذه رواية الأَصِيْلِي وغيره. ولبعضهم: (بالشفاء)، وهو خطأٌ. * * * {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ} سَوَاء: قَصْدٌ. (باب: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: 64]) 4553 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ، قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي

الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى هِرَقْلَ، قَالَ: وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ، قَالَ: فَقَالَ هِرَقْلُ: هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نبَيٌّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ، فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نبَيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقُلْتُ: أَنَا. فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذّبُوهُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللهِ! لَوْلاَ أَنْ يُؤثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُ: كيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ كُنتمْ تتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوه؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا، يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، لاَ نَدْرِي

مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا. قَالَ: وَاللهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ عَنْ أتبَاعِهِ؛ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أتبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَألتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تتَّهِمُونه بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ يَذْهَبَ، فَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ، وَسَأَلتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ، وَسَألتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوه؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكمْ قَاتَلْتُمُوهُ، فتكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا، يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لاَ يَغْدِرُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَد قَبْلَهُ، قُلْتُ: رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. قَالَ: إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا، فَإِنَّهُ

نَبِيٌّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ، لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كنْتُ عِنْدَهُ، لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيم الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيِسِيِّينَ، و {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ} إِلَى قَوْلهِ: {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ". فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا، قَالَ: فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ! فَمَا زِلْتُ مُوقنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ، فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ! هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ، قَالَ: فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِقَتْ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمْ، فَدَعَا بِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ.

{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} إلى {به عليم}

(المدة)؛ أي: مُدَّة المُصالحة. سبَق شرح الحديث مطوَّلًا أول "الجامع". (حَسَب) سبَق هناك: (نَسَب)، وهما متلازمان. * * * {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} إِلَى {بِهِ عَلِيمٌ} (باب: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} [آل عمران: 92]) 4554 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ نَخْلًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءٍ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْحِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وَإنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءً، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَايحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَايحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ". قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.

{فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: "ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ". حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ: "مَالٌ رَايحٌ". 4555 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبِيٍّ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي مِنْهَا شَيْئًا. (بَيرَحا) أشهَر الوجوه فيه: فتْح الموحَّدة، وسُكون الياء، وفتح الرَّاء، وإهمال الحاء، مقصورًا: بُستانٌ بالمدينة. وسبَق الحديث في (باب: الزكاة على الأقارب). * * * {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (باب: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ} [آل عمران: 93]) 4556 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ: "كَيْفَ تَفْعَلُونَ بِمَنْ زَنىَ مِنْكُمْ"؟ قَالُوا: نُحَمِّمُهُمَا وَنَضْرِبُهُمَا. فَقَالَ: "لاَ تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ"؟ فَقَالُوا: لاَ نَجِدُ فِيهَا شَيْئًا، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ، {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فَوَضعَ

{كنتم خير أمة أخرجت للناس}

مِدْرَاسُهَا الَّذِي يُدَرِّسُهَا مِنْهُمْ كَفَّهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَطَفِقَ يَقْرَأُ مَا دُونَ يَدِهِ وَمَا وَرَاءَهَا، وَلاَ يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ، فَنَزَعَ يَدَهُ عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَالُوا: هِيَ آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ مَوْضعُ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجدِ، فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا يَجْنَأُ عَلَيْهَا؛ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. (نُحِمّمهما)؛ أي: نُسوِّد وجوههما بالفَحم والرَّماد، وقيل: نسَكُب عليهما الماء الحَميم. وسبق الحديث قُبيل (كتاب فضائل الصحابة). فإن إحضار التوراة إظهارٌ للحكم الذي كانوا يكتُمونه احتجاجًا عليهم، ولم يحكُم في الحقيقة إلا بوحي من الله. وفيه أنَّ الإحصانَ يقَع بنكاحِ أهل الكُفر. * * * {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (باب: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]) 4557 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاَسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ.

{إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا}

(خير الناس للناس)؛ أي: خيرُ بعضِ الناس لبعضهم، وأنفَعُهم لهم مَن يأْتي بأسيرٍ مقيَّدٍ في السِّلسلة إلى دار الإسلام، فيُسلم، وإنما كان خيرًا؛ لأنَّه بسبَبه صار مُسْلِمًا، وحصل جميع أصل السَّعادات الدُّنيوية والأُخروية. قيل: هذا التفسير غير صحيحٍ، ولا معنى لإدخاله في المُسنَد؛ لأنه لم يرفعْه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: الكاف زائدةٌ، ومعنى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]: أنتُم خير أُمَّةٍ، والخِطاب للصَّحابة، قيل: عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "نَحنُ نَحمِل سَبعينَ أُمةً نحنُ آخرُها، وأَكرمُها علَى اللهِ"، وعلى هذا فهم جميع الأُمة، والمعنى: كُنتُم في علْم الله، أو في اللَّوح المَحفوظ. * * * {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} (باب: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122]) 4558 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: فِينَا نزَلَتْ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}، قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ؛ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا نُحِبُّ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَمَا يَسُرُّنِي- أنَّهَا لَمْ تُنْزَلْ؛ لِقَوْلِ اللهِ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}.

{ليس لك من الأمر شيء}

(بنو حارثة، وبنو سلِمة) بكسر اللام: قبيلتان من الأنصار، الأُولى من الأَوْس، والثانية من الخَزْرَج. * * * {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (باب: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]) 4559 - حَدَّثنا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ: أنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا" بَعْدَمَا يَقُولُ: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَنَّا وَلَكَ الْحَمْدُ". فَأنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. الحديث الأول: (رواه إسحاق بن راشد) وصلَه الطبراني في "الكبير". * * * 4560 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ

عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ -إِذَا قَالَ: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ"-: "اللَّهُمَّ أَنجْ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كسِنِي يُوسُفَ"، يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا"؛ لأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآيَةَ. الثاني: (وطأتك) كالضَّغْطة لفظًا ومعنى. (مضر) بضم الميم، وفتح المعجمة. ومرَّ الحديث في (باب: يهوي بالتكبير حين يسجد)، وفي أول (الاستسقاء). * * * {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ}، وَهْوَ تَأْنِيثُ آخِرِكُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْحُسْنَيَيْنِ} فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً. (باب: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153]) 4561 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ ابْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرَّجَّالَةِ

باب {أمنة نعاسا}

يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. قوله: (تأنيث آخركم) كذا ثبت في النُّسَخ بكسر الخاء، وإنما هو (تأْنيثُ آخَر) بفتْحها أَفْعَل تفضيلٍ كفُضْلَى وأفْضَل، لكنَّ المراد هنا الانتِهاء، فإنَّه ذُكر مَدْحًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والأَعقاب موقِف الأَبْطال. (الرجّالة) بتشديد الجيم. (غير اثني عشر) قيل: هم العشَرة، وجابِر بن عبد الله، وعَمَّار، أو ابن مَسْعُود. وقال السَّفَاقُسي: رُوي أنه بقِي معه طَلْحة، واثنا عشَر من الأنصار، فاستأذنه طَلْحة فلم يأذَنْ له، ولم يَزَل إلا اثنَا عشَر يَستأْذنُونه في المُقاتَلة حتى قُتل الاثنَا عشَر، ولَحِقَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وطَلْحةُ بالجبَل. * * * بابٌ {أَمَنَةً نُعَاسًا} (باب: {أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154]) 4562 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسٌ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ:

{الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم}

فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ. (مصافّنا) بتشديد الفاء، وهو جمع: مَصَفٍّ، وهو المَوقِف في الحَرْب. مرَّ في (غزوة أُحُد). * * * {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} الْقَرْحُ: الْجرَاحُ. اسْتَجَابُوا: أَجَابُوا. يَسْتَجيبُ: يُجيبُ. (باب: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [آل عمران: 172]) قوله: (يستجيب)؛ أي: يجيب، استَفعَل بمعنى: أفعَلَ، قال الشاعر: [الطويل] فلَمْ يَستَجبْهُ عنْدَ ذاكَ مُجِيْبُ ... وداعٍ دَعَا، يا مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدَى * * * {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الآية (باب: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173]) 4563 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس؛ أُرَاهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ

{ولا يحسبن الذين يبخلون} الآية

أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ ألقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. 4564 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيل، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ ألقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. الحديث الأول، والثاني: (أُراه) بضم الهمزة، أي: أظنُّه، وفي كون هذه الرواية حجةً خلافٌ. (قال لهم الناس) المراد بهم عُرْوة بن مَسْعُود الثَّقَفِي. قلتُ: وقيل: نُعَيْم بن مَسْعُود الأَشْجَعِي، ونصَّ الشَّافعي في "الرِّسالة": أنَّهم أربعةٌ. * * * {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآية {سَيُطَوَّقُونَ}: كَقَوْلِكَ: طَوَّقْتُهُ بِطَوْقٍ. (باب: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران: 180]) 4565 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ

{ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا}

الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتِهِ -يَعْنِي: بِشِدْقَيْهِ- يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ"، ثُمَّ تَلاَ هَذ الآيَةَ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. (مُثّلَ)؛ أي: صُوِّرَ له مالُه. (شُجاعًا)؛ أي: حَيَّةً. (أقْرَع)؛ أي: مُنْحَسِر شَعر الرَّأْس لكثْرة سُمِّه. (زَبِيبَتان) بفتح الزاي، وكسر الموحَّدة الأُولى: هما النُّقطتان السَّوداوان فَوق العَين، وقيل: النَّابان. (بِلِهْزِمتيه) بكسر اللام، والزاي. سبَق شرحه في (باب: إثم مانع الزكاة). * * * {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (باب: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: 186]) 4566 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، قَالَ: حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبُيٍّ فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ! إِنَّهُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلاَ تُؤْذِينَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ رَكَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - دَابَّتَهُ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا سَعْدُ! أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ " -يُرِيدُ: عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ- "قَالَ كَذَا وَكَذَا". قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ! لَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ، لَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ، فَيُعَصِّبُونه بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ

ما رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كمَا أَمَرَهُمُ اللهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى، قَالَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الآيَةَ، وَقَالَ اللهُ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ اللهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدْرًا، فَقَتَلَ اللهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ. فَبَايَعُوا الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإسْلاَمِ، فَأسْلَمُوا. (قَطيفة)؛ أي: دِثَار مُخمَّل، أي: مُهَدَّب. (فَدَك) بفتح الفاء، والمهملة: قَريةٌ على مَرحلتين من المدينة. (واليهود) عطفٌ على المُشركين، أو على العَبَدة، وفي بعضها وقع لفظ: (والمُسلمين) مرَّةً أُخرى بعد اليهود، فلعلَّ في بعض النُّسَخ كان أولًا، وفي بعضها آخِرًا، فجمَع النَّاسخ بينهما. (لا أحسن) بلفْظ أَفْعَل التَّفضيل، وهو جواب الشَّرط، وهو إنْ كان على مذهب الكوفيِّين، وأما عند البصريين فدليلُ الجواب. ويجوز في: (أحسَن) الرفع على أنه خبَرُ (لا)، والاسم محذوفٌ، أي: لا شَيءَ أحسَنُ من هذا، وهذا اعترافٌ منه بفَصاحة القُرآن،

وحُسنه، والنَّصب صفةٌ لاسمِ (لا) المَحذوف، والخبَر الجارُّ والمَجرور بعدَه، أو محذوفٌ، والجارُّ متعلِّقٌ بـ (أحسَن)، أي: لا شيءَ أحسَن من كلام هذا، أو نصبٌ بفعل محذوفٍ، أي: ألا فَعلتَ أحسَن من هذا؟، وحُذف الاستفهام؛ لظُهور معناه. ويُروى: (لا أُحْسِن) بضم الهمزة، ويُروى: (لا حسن) بحذْفها. (والمشركون واليهود) عطفُ خاصٍّ على عامٍّ. (سكنوا) بالنون أو بالمثنَّاة، روايتان. (أبو حُباب) بضم المهملة، وخفَّة الموحَّدة الأُولى، والتَكْنِيَة هنا لا يَلزم أن تكون تَكْرمةً، بل للشُّهرة ونحوها. (ولقد اصطلح) في بعضها بلا واوٍ، إما بدَلًا، أو عطْفَ بيانٍ، أو بتقديرِ عاطفٍ. (البُحيرة) مصغَّر: بَحْرة ضِدُّ البَرِّ، أي: البُلَيدة، يُقال: هذه بَحرتُنا، أي: بَلْدَتنا، والمراد مدينة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (فيعصبوه) في بعضها: (فيَعصِبُونَه) بالنون، أي: يجعلُونه رئيسًا ويُسوِّدونه، وكان الرَّئيس مُعصبًا لما يُعصب برأْيه من الأمر. وقيل: بل كان الرُّؤَساء يَعصِبون رؤُوسهم بعِصابةٍ يُعرَفون بها. وقال (ش): قال أبو البَقاء: الوَجْه في رفْع (فيَعصِبونه): أنْ يكون في الكلام مبتدأٌ محذوفٌ، تقديره: فهُم يَعصِبونَه، أو فإذا هم يَعصِبُونه، ولو رُوي: (يَعصِبُوه) بحذف النُّون لكان مَعطوفًا على

{لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا}

(يُتوِّجوه)، وهو صحيحٌ في المعنى. (شَرِق) بفتح المعجمة، وكسر الراء، أي: غَصَّ بذلك. (صناديد) جمع: صِنْدِيد، وهو السيِّد. (وعبدة الأوثان) عطَفه على المشركين تخصيصًا؛ لأنَّ إيمانهم كان أبعَدَ، وضلالَهم أشَدَّ. (فبايعوا) بلفْظ الماضي أو الأمر. * * * {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} (باب: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: 188]) 4567 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآيَةَ. الحديث الأول: (بمقعدهم خلاف رسول الله)؛ أي: بقُعودهم بعد خُروج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يُقال: أقامَ خِلاف الحيِّ، أي: بعدَهم، يعني: ظَعَنوا

ولم يَظعَن معهم. * * * 4568 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ؟ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَهُودَ، فَسَأَلهُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَألهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} كَذَلِكَ حَتَّى قَوْلِهِ: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. 4568 / -م - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ مَرْوَانَ بِهَذَا. الثاني: (لئن كان كل امرئ فرح بما أُوتي) كذا في البخاري، ورواه مسلم، عن الحَجَّاج، عن ابن جُرَيْج: (بهِ بما أَتى)، وهذا هو الوَجْه

{إن في خلق السماوات والأرض} الآية

لمُوافَقة التِّلاوة، ومَرسومِ المُصحف، وبَيان المعنى، فإنَّه من الإتْيان، أي: المَجيء، وهو المُناسب لتفسير ابن عبَّاس وأبي سَعيد اللذَين أوردَهما البخاري. والذي وقَع هنا من كلام مَروان: أُوتوا، من الإيْتاء، وهو الإعطاء، وقد رُويت قراءةً عن سعيد بن جُبَير، وأبي عبد الرَّحمن السُّلَمي، وفيها بُعدٌ، والقراءة المشهورة أَولى. (لنُعَذبن)؛ أي: لأنَّ كلَّنا كذلك. (تابعه عبد الرزاق) وصلَه جَرير. * * * {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية (باب: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190]) 4569 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فتحَدَّثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، ثُمَّ قَامَ، فتوَضَّأَ وَاسْتَنَّ، فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكَعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ. (الآخر) بالرفع صفةٌ لـ (ثلاث).

{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}

(واستن)؛ أي: استَاكَ. * * * {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (باب: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران: 191]) 4570 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَطُرِحَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةٌ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي طُولِهَا، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَ، ثُمَّ أَتَى شَنًّا مُعَلَّقًا، فَأَخَذَهُ فتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ، فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِي، فَجَعَلَ يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ. (بأُذني يفتلها)؛ أي: ليَنتبه عن بَقيَّة النَّوم، وليَستحضِر أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

{ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار}

{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (باب: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192]) 4571 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْيَ خَالَتُهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى انتصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فتوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمِّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. (عُرض) بضم العين وفتحها. (مُعلقة) وفي رواية: (مُعلَّقًا) نظَرًا إلى لفْظ (الشَّنِّ)، وإلى معنى القِرْبة.

{ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان}

وقد مرَّ الحديث في (باب: السَّمَر في العلم)، وفي (باب: التَّخفيف في الوُضوء)، وفي (كتاب الوِتر). * * * {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} (باب: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا} [آل عمران: 193]) 4572 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْيَ خَالتهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِي طُولهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا انتصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فتوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

4 - سوره النساء

فيه حديث ابن عبَّاس أيضًا. * * * 4 - سوره النِّسَاءِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَسْتَنْكِفُ: يَسْتكبِرُ. قِوَامًا: قِوَامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ. {لَهُنَّ سَبِيلًا}؛ يَعْنِي: الرَّجْمَ لِلثَّيِّبِ وَالْجَلْدَ لِلْبِكْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: {مَثْنَى وَثُلَاثَ}؛ يَعْنِي: اثْنتَيْنِ وَثَلاَثًا وَأَرْبَعًا، وَلاَ تُجَاوِزُ الْعَرَبُ رُبَاعَ. (سورة النِّساء) (قال ابن عبَّاس) وصلَه ابن أبي حاتم بإسنادٍ صحيحٍ. قوله: (قوامًا) قال (ك): هي قراءة ابن عامر، قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:5]. وقال (ش): قِوامًا: قِوامكم مِن مَعايشكم، أو ما يَقوم به أَمْرُكم، قيل: هذا غريبٌ، إنما التلاوة: (قِيامًا) بالياء لا بالواو، وبها يَليق التَّفسير المذكور، ويمكن أن يُجاب بأنَّه إنما أتَى به على الأصل، قيل: قلب الواو ياءً للكسرة التي قبلَها، ولهذا قال أبو عُبَيدة: قِيامًا وقِوامًا بمنزلةٍ واحدةٍ، يُقال: هذا قِوام أمرك، وقِيامه، أي: ما يَقوم به أمرُك، فإنما أذهبوا الواو بكسرة القاف، وتركَها بعضهم، قالوا: ضِياء وضِوَاءً.

(يعني اثنتين وثلاثًا وأربعًا) انتُقد عليه بأنَّ معناها اثنَين اثنَين، إلى آخره، وأُجيب بأنه تركَه اعتمادًا على الشُّهرة، أو أنَّ عنده أنَّه لا تَكرارَ فيه. وهو غير منصرفٍ للعدْل، والوَصْف، وقال الزَّمَخْشري: لمَا فيها من العَدلَين: عَدْلها عن صِيغتها، وعَدْلها عن تَكرُّرها. (ولا تجاوز) هو قول بعض النحاة أنَّه لا يُقال: خُماس ومَخمَس، ونحو ذلك، بل يُقتصر على رُباع ومَربَع، وكذا قال ابن الحاجِب، والأصحُّ أنه لم يثبُت. قال: وقد نصَّ البخاري في "صحيحه" على ذلك. قال الحَريري في "الدُّرَّة": رَوى خلَفٌ الأَحمر: أنَّهم صاغوا هذا البِناء مُتَّسِقًا إلى عُشَار، وعزاه غيره برواية أَبي حاتم وأبي عمْرو اللُّغَويَين. * * * (باب: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]) 4573 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}، أَحْسِبُهُ قَالَ: كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ وَفِي مَالِهِ.

الحديث الأول: (عَذْق) هو بفتح المهملة، وسُكون المعجمة: النَّخْلة نفْسها، وبكسر المهملة: القِنْو مِن النَّخل كالعُنقود من العِنَب، والمراد به هنا الحائِط. (ولم يكن لها من نفسه شيء)؛ أي: لم يكُن يُحبُّها وتُحبُّه. * * * 4574 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، وَيُعْجبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ، فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءَ سِوَاهُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ}، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}: رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، قَالَتْ: فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا عَنْ مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ، مِنْ أَجْلِ

رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلاَتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ. (فيعطها) بالنصب. (فنهوا)؛ أي: عن نكاحِ المَرغوب فيها جَميلةً مُتموِّلةً؛ لأجل رغْبتهم عنها قليلةَ المال والجَمال، فينبغي أن يكون نكاح اليَتيمات كلِّهنَّ على السَّواء. يُقال: رغب فيه: إذا أَرادَه، ورَغِب عنه: إذا لم يُرِدْه. (أن يقسطوا) قال (خ): يُقال: أَقسَط: إذا عَدَل، وقَسَط: إذا جَارَ، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]، وقال: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 14]، أي: فإن خِفْتُم المُشاحَّةَ في الصَّداق، وأن لا تَعدِلوا فيهنَّ؛ فلا تَنكحوهنَّ، وانكِحوا غيرهنَّ من الغَرائب. قيل: والهمز في (أَقسَط) للسَّلْب، كأنَّه أزالَ القُسوط، هذا هو المشهور، وحكى الصَّاغَاني في "كتاب الأَضْدَاد": قَسَط: إذا جَارَ، وإذا عَدَلَ. (في آية أُخرى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]) إنما هنا: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} [النساء: 127]، في آيةٍ واحدةٍ إلا أن تَكون أرادتْ بالأُخرى الآيةَ المتقدِّمة: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]، وفيه بُعدٌ، وعليه الجمهور. قال المُبَرِّد: تقديره: وإنْ خِفْتُم ألا تُقسِطوا في نِكاح اليَتامى، ثم حُذف، ودلَّ عليه: {فَانْكِحُوا} [النساء: 3]، وقوله: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ

{ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} الآية

تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]، أي: في أن. * * * {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} الآيَةَ و {وَبِدَارًا}: مُبَادَرَةً. {أَعْتَدْنَا}: أَعْدَدْنَا، أَفْعَلْنَا مِنَ الْعَتَادِ. (باب: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]) قوله: (أعتدنا: أعددنا) يريد أنهما بمعنًى؛ لأن العَتيد: الشَّيء المُعَدُّ. * * * 4575 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}: أَنَّهَا نزَلَتْ فِي مَالِ الْيَتِيم إِذَا كَانَ فَقِيرًا، أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ. (من كان غنيًّا) التلاوة بالواو. * * * {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} الآيَةَ (باب: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8]) 4576 - عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ

{يوصيكم الله}

عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. تَابَعَهُ سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (وليست بمنسوخه) تفسير للمُحْكَمة، والأمر في: {فَارْزُقُوهُمْ} للندب، أو للوجوب، فيُشرع إعطاء الحاضِرين نَصيبًا من التَّرِكة، إما مندوبًا، وإما واجبًا. وقيل: منسوخٌ بآية المِيْراث. (تابعه سعيد) وصلَه المصنِّف في (الوصايا). * * * {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} (باب: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]) 4577 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مُنْكَدِرٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ مَاشِيَيْنِ، فَوَجَدَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فتوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: مَا تأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. (سَلِمة) بفتح المهملة، وكسر اللام.

{ولكم نصف ما ترك أزواجكم}

(فنزلت) قال بعضهم: إنَّ الآية نزَلتْ في حقِّ سَعْد بن أبي وَقَّاص. قال (ش): قال الدِّمْيَاطِي: وَهِمَ ابن جُرَيج في هذا الحديث، والذي نزَل في جابر إنما هو: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]، كذا رواه شُعبة، والثَّوري، وابن عُيَيْنة عن محمد بن المُنْكَدِر، ويُؤيده ما رُوي في بعض الطُّرُق قولُ جابر: (يا رسولَ اللهِ! إنما يَرثُني كلالةٌ) والكلالة: مَن لا ولَدَ له، ولا وَالدَ، وأما آية: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] فنزلتْ في ورَثة سَعْد بن الرَّبِيع، قُتل يوم أُحُدٍ، وخلَّف ابنتَين وأُمَّهما وأَخاه، فأراد أَخوه المالَ. * * * {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} (باب: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]) 4578 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلأَبَوينِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. الحديث فيه واضح المعنى. * * *

{لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} الآية

{لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الآية وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}: لاَ تَقْهَرُوهُنَّ، {حُوبًا}: إِثْمًا، {تَعُولُوا}: تَمِيلُوا، {نِحْلَةً} النِّحْلَةُ: الْمَهْرُ. (باب: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19]) قوله: (تنهروهن) قال (ع): كذا لأكثر الرُّواة بالنُّون، مِن الانتِهار، وعند المُستَمْلِي: (تَقهروهُنَّ) بالقاف. (تعولوا: تميلوا) وورَد مرفوعًا ما يُؤيِّد: تَجُوروا، وقال زيد، أي: لا تَكثُر عِيَالكم، وبه قال الشَّافعيُّ، وأنكره المُبرِّد وغيره؛ لأنه أحلَّ مما ملكت اليمين ما كان من العدد، وهي مما يُعال، وأيضًا فإنما ذكر النساء وما يحلُّ منهنَّ، والعَدْلَ بينهنَّ، والجَورَ، فليس: لأَنْ لا تَعُولوا من العِيال هنا معنًى، وأيضًا فإنما يُقال: أَعال يعيل: إذا كثُر عِياله. وانتَصر بعضُهم للشافعي وصنَّف فيه. (فالنحلة: المهر) وقيل: أي: عن طِيْب نفْسٍ، يُقال ذلك لأَولياء النِّساء لا لأزواجهنَّ؛ لأن الأَزواج في الجاهلية كانوا لا يُعطُون النِّساء من مُهورهنَّ شيئًا، وكانوا يقولون لمن وُلد له بنتٌ: هَنِيئًا لكَ النَّافِجَة، يُريدون أنه يَأْخذ مهرَها إبِلًا فيضمُّها إلى إبِله، فيَنتفِجُها، أي: يُعظِّمها ويُكثِّرها، ولذلك قالتْ إحدى النِّساء في زَوجها: لا يَأْخُذُ الحُلْوانَ مِن بَناتِنَا تقول: لا يفعل ما يفعله غيره، والحُلوان هاهنا: المهر، وأصله

{ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون} الآية

النِّحْلة العظيمة، يُقال: نَحلتُه نِحلةً حسنةً، أي: أعطَيتُه عطيَّة حسَنةً، والنِّحْلة لا تكون إلا عن طِيْب نفْسٍ، فأما ما أُخِذ بالحاكم فلا يُقال له: نِحلةٌ. * * * {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الآيَةَ {مَوَالِيَ}: أَوْلِيَاءَ وَرَثَةً. {عَقَدَتْ}: هُوَ مَوْلَى الْيَمِينِ، وَهْوَ الْحَلِيفُ، وَالْمَوْلَى أَيْضًا ابْنُ الْعَمِّ، وَالْمَوْلَى الْمُنْعِمُ الْمُعْتِقُ، وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ، وَالْمَوْلَى الْمَلِيكُ، وَالْمَوْلَى مَوْلَى فِي الدِّينِ. (باب: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء: 33]) قوله (موالي)؛ يعني: أولياءَ ورثةً بنصب اللَّفظين تفسيرًا للمَوالي، وفي بعضها: (أولياء موالي)، والإضافة للبَيان نحو: شجَر الأَراك، يعني: أولياءَ الميِّت، أي: الذين يَلُون ميراثَه، وَيحوزُونه على نوعَين: وليٌّ بالإِرْث، أي: القَرابة، وهو الوالدان والأَقْربون، ووليٌّ بالمُوالاة والمُعاقَدة، وهم الذين عاقَدتْ أيمانُكم. * * * {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، يَعْنِي: زِنَةَ ذرَّةِ (باب: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 45]) أي: وَزْنَ ذَرَّةٍ، يُقال: هذا مِثْقال هذا، أي: وَزْنه، مِفْعالٌ من

الثِّقَل، والذَّرَّة: النَّمْلة الحَمْراء الصَّغيرة. * * * 4581 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ، هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ ". قَالُوا: لاَ. قَالَ: "وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ ". قَالُوا: لاَ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: تتبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ؛ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ، وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَقَالُوا: عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. فَيُشَارُ أَلاَ تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ كُنتمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟

فَكَذَلِكَ مِثْلَ الأَوَّلِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، أتاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي أَدْنىَ صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، فَيُقَالُ: مَاذَا تنتَظِرُونَ؟ تتبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. قَالُوا: فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَفْقَرِ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، وَنَحْنُ ننتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: لاَ نشرِكُ بِاللهِ شَيْئًا" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. (تضارون) بتشديد الرَّاء، وأصله: تَتضارُّون، فحُذفت إحدى التاءين، أي: هل تُضارُّون غيرَكم حالَ الرُّؤية بمزاحمةٍ، أو خَفاءٍ، أو نحوه. وبتخفيفها، أي: هل يَلحقُكم في رُؤيته ضَيْرٌ، وهو الضَّرَر. (ضوء) بالجرِّ بدَلٌ مما قبلَه، وفي بعضها: (ضَوْءَا) بلفْظ فَعْلَى بفتح الفاء. والتشبيه إنما وقَع في الوُضوح، وزَوال الشك، والمشقَّة، والاختِلاف، لا في المُقابَلة والجِهَة، وسائرِ الأمور التي جرَت العادةُ بها عند الرُّؤية. والحديث يردُّ مذهب المعتزلة فيها. (تتبع) بالرفع، وفي بعضها بالجزم بتقدير اللام كقوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: 31]. (برًّا وفاجرًا) بالرفع والنصب.

(وغُبَّرات) جمع لجمْع: غابِر، كراكعٍ ورُكَّع، وطرُق وطُرقات، أي: بَقَايا، وهو بالرفع والجرِّ، منوَّنًا وتشديد الموحَّدة. والمشهور في الاستعمال أنَّ الغبَّر اسم واحدٍ، وهو البقيَّة، وأما البَقايا فهي الغبَّرات، وواحد الأَغبار: غُبَّر، وغُبَّر الشيء: بقاياه. (كذبتم) قياس التَّكذيب والتَّصديق عَودُه إلى النِّسبة في الأَصْل لا لنِسبةٍ في ضِمْن أحد الطَّرَفين، فإذا قُلت: جاء زيدُ بن عَمْرو؛ فكذَّبتَه، فإنما يَعودُ إلى نِسبة المَجيء لا لنِسبَة البُنوَّة، لكن لمَّا كان نفْي اللازِم -وهو كونُه ابنَ الله- إذا نُفي يَلزم منه نفْي المَلزوم، وهو عِبادة ابن الله، أو يُقال: قد يَتوجَّه إليهما معًا، أو إلى المُشارِ إليه فقط. (يَحْطِم)؛ أي: يَكسِر بعضُها بعضًا، وبذلك سُمِّيت الحُطَمة. (أتاهم)؛ أي: ظهَر لهم. (أدنى): أقرَب. (صورة) قال (خ): أي: صِفَة، يقال: صُورة هذا الأَمْر كذا، أي: صِفَته، أو أطلق الصُّورة على سَبيل المُشاكلة والمُجانَسة. (رأوه) الرُّؤية بمعنى: العِلْم؛ لأنَّهم لم يرَوه قبل ذلك، ومعناه: يتجلَّى لهم على الصِّفة التي يَعرفُونه بها. قال (خ): وهذه الرُّؤية غير الرُّؤية التي هي ثَواب الأولياء، وكرامةٌ لهم في الجنَّة؛ إذ هذه للتَّمييز بين مَنْ عَبَدَ الله، ومَنْ عَبَدَ غيرَه. (أفقر)؛ أي: أحوج، أي: لم تبعثهم في الدنيا مع الاحتياج

{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}

إليهم ففي هذا اليوم بطريق الأولى. (لا نشرك) فائدته في القيامة التي ليست دار تكليف الاستلذاذ والافتخار وتذكار سبب النعمة التي وجدوها. * * * {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} الْمُخْتَالُ وَالْخَتَّالُ وَاحِدٌ. {نَطْمِسَ}: نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ، طَمَسَ الْكِتَابَ: مَحَاهُ. {سَعِيرًا}: وُقُودًا. (باب: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء: 41]) قوله: (المختال)؛ أي: المتكبر، أي: يتخيل في صورة من هو أعظم منه كبرًا، وفي "الكشاف": هو التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه. (واحد)؛ أي: بمعناهما واحد؛ لكن الخال بغير تاء: الكبر، فكيف يكون بمعنى المختال، ولعل الخال بمعنى الخاتل، أي: المتكبر، وفي بعضها: (المختال والختال واحد)، وهو غير ظاهر؛ إذ الختل هو الخديعة فلا يناسب معنى التكبر، وكذا قال (ع) في باب الخاء والتاء -أي: المثنَّاة-: أن عند غير الأَصِيْلِي: والختال. وليس بشيء، وأنكره أيضًا ابن مالك، وقال: الصَّواب: الخال بغير تاء. وكان قد ذكر (ع) قبل ذلك في تفسير النساء ما نصه: في

المختال والختال واحد: كذا لهم، وعند الأَصِيْلِي: والخال؛ وكُلٌّ صحيح من الخيلاء. (نطمسَ) بالنصب حكاية عن قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ}. (حتى تعود كأقفائهم)؛ أي: تذهب بالأنف، والشفاه، والأعين، والحواجب، فيردها أقفاء، وإنما يفعل ذلك بهم؛ لأن المخاطب به رؤوسهم ممن آمن؛ قاله ابن عبَّاس، أو لأنهم حذروا أن يفعل هذا بهم في الآخرة. (وقودًا) هو تفسير (سعيرًا) من قوله تعالى: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} [النساء: 55]. * * * 4582 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ يَحْيَى: بَعْضُ الْحَدِيثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ عَلَيَّ". قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي". فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءَ حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}، قَالَ: "أَمْسِكْ"، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. (قال يحيى) ذكره للتقوية، وإلا فإسناد عمرو مقطوع، وبعض الحديث مجهول.

{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط}

قال (ش): يعني الأعمش عن عمرو بن مرة عن إبراهيم كما جاء في (فضائل القرآن): مُسدد، عن القطان، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال الأعمش: وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرة، عن إبراهيم، عن عُبيدة، عن عبد الله. (تَذْرِفان) بكسر الراء، أي: يسيل منها الدمع. * * * {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} {صَعِيدًا}: وَجْهَ الأَرْضِ. وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ، وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ، وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ، كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ. وَقَالَ عُمَرُ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْجبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: شَيْطَانٌ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ. (باب: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43]) قوله: (جهينة) مُصغر جهنة بجيم ونون: قبيلة. (أسلم) بصورة أفعل التفضيل: قبيلة أيضًا، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60]، وقال تعالى: {يُؤْمِنُونَ

بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]. (الجبت) كلمة تقع على الصنم، والكاهن، والساحر، والشيطان، وليس بعربي؛ لأن الجيم والتاء لا يجتمعان في كلمة واحدة من غير حرف ذَوْلَقِي. * * * 4583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لأَسْمَاءَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَلَبِهَا رِجَالًا، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ، وَلَمْ يَجدُوا مَاءً، فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ, فَأَنْزَلَ اللهُ؛ يَعْنِي: آيَةَ التَّيَمُّم. (لأسماء): سبَق أول التيمم أنها لعائشة والجمع: أنها مِلك لأسماء واستعارَتْها عائشةُ، فأسند إليهما بالاعتبارين. * * * {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ": ذوِي الأَمْرِ (باب: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]) 4584 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قَالَ: نزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَرِيَّةٍ.

{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر}

(ابن حُذافة) بضم المهملة وخفة المعجمة، وسبَق حديثه في (السرايا)، في (باب سرية عبد الله)، وفي غيرها، وقال الداودي: هذا وَهْم على ابن عبَّاس، إنما عبد الله خرج على جيش، فغضب، فأوقد نارًا، وقال: اقتحموها ... إلى آخره، فلما ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال: "إنما الطاعة في المعروف". قال: فإن كانت الآية قبلُ؛ فكيف يخص عبد الله بالطاعة، أو بعدُ؛ فإنما قيل لهم: لِمَ لم يطيعوه. * * * {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ} (باب: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء: 65]) 4585 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ فِي شَرِيجٍ مِنَ الْحَرَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ! ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ". فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فتلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ! ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ". وَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيح الْحُكْم حِينَ أَحْفَظَهُ الأَنْصَارِيُّ، كَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ. قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَاتِ إِلَّا نزَلَتْ فِي ذَلِكَ:

{فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين}

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ}. (أن كان ابن عمتك) قال (ش): هو هنا بفتح الهمزة ومدها عند أبي ذَرٍّ، ولم يذكر (ع) وغيره فيها مدًّا. وسبَق شرح الحديث في (كتاب الشرب)، وفي (الصلح). * * * {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} (باب: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} [النساء: 69]) 4586 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. (بُحّة) بضم الموحدة وتشديد المهملة: غِلظ في الصوت، وخشونة في الحلق. (خير)؛ أي: بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة. * * *

قوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله} إلى {الظالم أهلها}

قَوُلُهُ: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى {الظَّالِمِ أَهْلُهَا} (باب: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 75]) 4587 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ. 4588 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَلاَ: {إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} قَالَ: كنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَصِرَتْ}: ضَاقَتْ. {تَلْوُوا}: ألْسِنتكُمْ بِالشَّهَادَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَاغَمُ: الْمُهَاجَرُ، رَاغَمْتُ: هَاجَرْتُ قَوْمِي. {مَوْقُوتًا}: مُوَقَّتًا وَقْتَهُ عَلَيْهِمْ. (عذر الله)؛ أي: جعلهم من المعذورين المستضعفين. * * * {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَدَّدَهُمْ. فِئَةٌ: جَمَاعَةٌ.

(باب: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88]) قوله: (بدّدهم)؛ أي: فرَّقهم. * * * 4589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}: رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أُحُدٍ، وَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فِرْقتيْنِ؛ فَرِيقٌ يَقُولُ: اقْتُلْهُمْ، وَفَرِيقٌ يَقُولُ: لاَ، فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}، وَقَالَ: "إنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ، كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ". (طيبة) بفتح الطاء، وسكون الياء: اسم المدينة. (خَبث) بفتح المعجمة، وخفة الموحدة: ما نفَاه الكِيْر. * * * {أَذَاعُوا بِهِ}: أفشَوْهُ. {يَسْتَنْبِطُونَهُ}: يَسْتَخْرِجُونَهُ. {حَسِيبًا}: كَافِيًا. {إلا إِنَاثًا}: الْمَوَاتَ حَجَرًا أَوْ مَدَرًا وَمَا أَشْبَهَهُ. {مَرِيدًا}: مُتَمَرِّدًا. {فَلَيُبَتِّكُنَّ}: بَتَّكَهُ قَطَّعَهُ. {قَلِيلًا} وَقَوْلًا وَاحِدٌ. {طَبَعَ}: خُتِمَ.

{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم}

(باب: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83]) قوله: (إلا إناثًا)؛ أي: المذكور في قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلا إِنَاثًا} [النساء: 117]. (الموات)؛ أي: ضد الحيوان، وقيل: المراد الملائكة، وقيل: اللات والعُزَّى، ومَنَاة، وكانوا يقولون في أصنامهم: هي بنات الله. قال الحسَن: لكل حيٍّ من العرَب صنَمٌ يُسمى أُنثى بني فُلان. * * * {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (باب: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93]) 4590 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ، فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، هِيَ آخِرُ مَا نزَلَ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ.

{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}

(فيها)؛ أي: في حكمها، وفي بعضها بدل (فيها): (فقهاء) جمع فقية، فيقدر لفظ: (فيها). (هي آخر) الوجه: في آخر، أو: من آخر. (وما نسخها شيء) لا عُلْقة لمن قال بتخليد أرباب الكبائر بهذا؛ لأن المراد بالخلود المكث الطويل؛ إذ ثبت أنه لا يبقى في النار مَنْ في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. قال (خ): لو جمع بين آية {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، وآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} [النساء: 93]، وألحق به كلمة {لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، لم يكن مناقضًا، فشرط المشبه قائم في الذنوب كلها ما عدا الشرك، وأيضًا فإن {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:93]، يحتمل أن يكون: إن جازاه ولم يعف عنه، وهو وعيد يرجى فيه العفو. * * * {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} السِّلْمُ وَالسَّلَمُ وَالسَّلاَمُ وَاحِدٌ. (باب: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]) السلم: الاستسلام، وقيل: السلام، وقيل: التسليم الذي هو تحية أهل الإيمان.

{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله}

4591 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ. قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السَّلاَمَ. (غُنيمة) مصغر غنم، وذلك أن مِرْداس بكسر الميم وسكون الراء وبمهملتين، ابن نهِيك بفتح النون وكسر الهاء وبكاف، رجلًا من أهل فَدك أسلم وألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصَعَد، فلما تلاحقوا به قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم، فقتله أُسامة واستاق غنمه، فنزلت الآية. * * * {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (باب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]) 4592 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ

ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَّهُ رَأَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَم فِي الْمَسْجدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْلَى عَلَيْهِ: لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَهْوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَاللهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ أَعْمَى-، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. الحديث الأول: (أنه رأى مروان) هذا من رواية الصحابي وهو سهل، عن التابعي وهو مروان، [كذا للترمذي، لكن ذكره ابن عبد البر وغيره في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة اثنتين، فسماعه ممكن، وقال البخاري: لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -، نفى أباه إلى الطائف فلم يرده إلا عثمان لمَّا استخلف، وتقدمت روايته في (الشروط) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬1). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين من "ت".

(يملها)؛ أي: يمليها فهما بمعنىً، قال تعالى: {وَلْيُمْلِلِ} [البقرة: 282]. (ترض) بمعجمة، أي: تدق. (سُري عنه)؛ أي: أُزيل وكشف. * * * 4593 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زيدًا فَكَتَبَهَا، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَشَكَا ضَرَارَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. 4594 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعُوا فُلاَنًا". فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ أَوِ الْكَتِفُ، فَقَالَ: "اكْتُبْ: لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ". وَخَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا ضَرِيرٌ. فَنَزَلَتْ مَكَانها: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. الثاني، والثالث: (ابن أُمّ مَكْتُوم) عمرو بن قيس، واسم أُمّه: عاتكة.

(فُلانًا)؛ أي: زيدًا. (وحلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أُمّ مَكْتُوم) قد سبَق في الحديث الأول ما يشعر بأنه جاء حالة الإملال، وفي الثاني: أنه جاء بعد الكتابة، ولا منافاة إذ معنى (كتبها)؛ أي: كتب بعض الآية نحو: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]، إلى آخره مثلًا، وأما جاء فهو حقيقة، أي: جاء وجلس خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بالعكس، أو مجاز عن تكلم ودخل في البحث. * * * 4595 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ (خ). وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيم: أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ. الرابع: ظاهر المعنى. * * *

{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} الآية

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} الآيَةَ (باب: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النساء: 97]) 4596 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبو الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ، فَاكتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى بِهِ، فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآيَةَ. رَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ. (بعث)؛ أي: جيش. (أو يضرب) عطف على (يأتي)، وغرض عكرمة أن الله ذمهم بتكثير سوادهم مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم، فكذلك أنت لأنك تكثر سواد هذا الجيش، ولا تريد موافقتهم، لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله. (رواه الليث) وصلَه الطبراني في "الأوسط".

{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا}

{إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (باب: {لَا يَسْتَطِيعُونَ} [النساء: 98]) 4597 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {لَا يَسْتَطِيعُونَ} قَالَ: كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ. (أُمّي ممن عذر الله)؛ أي: جعلها من المستثنين بقوله تعالى: {إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98]. * * * {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (باب: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}) التلاوة: {عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99]. 4598 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَينَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذْ قَالَ: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: "اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ

{ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم}

الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". (وطأتك) كالضَّغْطة لفظًا ومعنًى، أي: الأَخْذة الشَّديدة. (مُضَر) بضم الميم، وفتح المعجمة، وبراءٍ، غير منصرف: أبو قُريش. * * * {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} (باب: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى} الآية [النساء: 102]) 4599 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني يَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى}، قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ كَانَ جَرِيحًا. (كان جريحًا) في بعضها: (وكان)، ومعنى التركيب قال ابن عبَّاس: عبد الرحمن كان جريحًا، فنزلت الآية فيه، وحينئذ فلا مقول لعبد الرحمن، ويحتمل أن ابن عبَّاس قال: قال عبد الرحمن: ومن كان جريحًا حكمه كذلك، كأنه عطف الجريح على المريض إلحاقًا له بالقياس، أو يجعل الجرح نوعًا من المرض فهو مقول لعبد الرحمن،

{ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء}

والكل مروي عن ابن عبَّاس. * * * {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} (باب: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} [النساء: 127]) 4600 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}، قَالَتْ: هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ، هُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا، فَأَشْرَكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعِذْقِ، فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلًا، فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ بِمَا شَرِكَتْهُ، فَيَعْضُلَهَا، فَنَزَلَتْ هَذ الآيَةُ. (العَذَق) بفتح المهملة: النخلة، وبالكسر: الكباسة. (شركته) وفي بعضها: (أشركته) من الإشراك بمعناه المشهور، أو بمعنى الوُجود عليه نحو: أحْمدتُه، وأنجلتُه. * * * {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شِقَاقٍ}: تَفَاسُدٌ. {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ

{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}

الشُّحَّ}: هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ. {كَالْمُعَلَّقَةِ}: لاَ هِيَ أَيِّمٌ، وَلاَ ذَاتُ زَوْجٍ. {نُشُوزًا}: بُغْضًا. (باب: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]) 4601 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}، قَالَتِ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأةُ لَيْسَ بِمُسْتكْثِرٍ مِنْهَا، يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ. الحديث فيه ظاهرٌ. * * * {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَسْفَلَ النَّارِ. {نَفَقًا}: سَرَبًا. (باب: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145]) قوله: (نفقًا)؛ أي: سربًا في الأرض، والنفق إنما هو في سورة الأنعام: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 35]، ولا تعلق له بقصة المنافقين، ولكنه ذكره لبيان اشتقاق المنافقين منه. * * *

{إنا أوحينا إليك} إلى قوله: {ويونس وهارون وسليمان}

4602 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللهِ، فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ. قَالَ الأَسْوَدُ سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ اللهَ يَقُولُ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}، فتبَسَّمَ عَبْدُ اللهِ، وَجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجدِ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ، فتفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، فَرَمَانِي بِالْحَصَا، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: عَجبْتُ مِنْ ضَحِكِهِ، وَقَدْ عَرَفَ مَا قُلْتُ، لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ، ثُمَّ تَابُوا، فتابَ اللهُ عَلَيْهِمْ. (أنزل النفاق) الغرض أن الكفر، والإيمان، والنفاق، والإخلاص، بخلق الله تعالى كما هو مذهب أهل السنة، والمراد أنه حذرهم أنه ينزع منهم إيمانهم؛ لأن الأعمال بالخواتيم، وتبسُّمُ عبد الله يحتمل أنه تعجب لحُذَيْفة، وما قام به من القول بالحق، وما حذر منه، ثم بين أنهم كانوا خيرًا من هؤلاء لما تابوا وإن كانوا من أفاضل طبقتهم؛ لأن لأولئك فضيلة الصحبة - رضي الله عنهم -. * * * {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إِلَى قَوِلِهِ: {وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ} (باب: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النساء: 163]) 4603 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي

{يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد}

الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". 4604 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونس بْنِ مَتَّى، فَقَدْ كَذَبَ". الحديث الأول، والثاني: (أخبر) يحتمل عود الضمير للعبد، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (مَتّى) بفتح الميم، وشدة المثنَّاة، مَقصُورًا: اسم أبيه على الأَصحِّ. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك سبَق فيه أجوبةٌ في (باب: يونس عليه الصلاة والسلام). * * * {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} وَالْكَلاَلَةُ: مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ أَوِ ابْنٌ، وَهْوَ مَصْدَرٌ مِنْ: تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ. (باب: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]) قال الجَوْهَري: مصدر قولك: تكلَّله النَّسب، أي: أخَذ بطَرفيه

5 - المائدة

من جهة الولَد والوالِد، وليس له منهما أحدٌ. وسبَقَ قريبًا الجواب عن أنَّها آخر ما نزل، وما سبَق في البقرة أنها آية الرِّبا باختلاف الرِّوايتين. * * * 5 - الْمَائِدَةِ (سورة المائِدة) (حُرُمٌ): وَاحِدُهَا حَرَامٌ. (فبِمَا نَقْضِهِم): بِنَقْضِهِمْ. (اَلَّتَى كَتَبَ اَللَّهُ): جَعَلَ اللهُ. {تَبُوءَ}: تَحْمِلُ. (دَائِرَةٌ): دَوْلةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الإغْرَاءُ التَّسْلِيطُ. (أُجُوَرَهُنَّ): مُهُورَهُنَّ. [قالَ سُفيانُ: ما في القرآنِ آية أشدُّ عليَّ من {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا): سبيلًا] (¬1). (المُهَيمِنُ): الأَمِينُ، الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كتَابٍ قَبْلَهُ. (فبما نقضهم) يُريد أنَّ (ما) زائدةٌ نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 159]، وهذا أحد القولَين، والثاني: أنَّ (ما) اسمٌ نكرةٌ أُبدِل منها (نقْضِهم) بدَل معرفةٍ من نكرةٍ، أي: فبفعلٍ هو نقْضُهم المِيثَاقَ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين جاء على هامش "اليونينية".

{اليوم أكملت لكم دينكم}

(حرم) جمع: حَرامٍ، أي: مُحرِمون. (تبوءَ) بالنصب؛ لأنه من قوله تعالى: (أَن تبُوَأَ) [المائدة: 29]. (دائرة)؛ أي: دُوْلةً. (أشد عليَّ) إنما كانت أشدَّ؛ لمَا فيها من تكلُّف العلم بأحكام التوراة، والإنجيل، والعمل بهما. (شرعة): سُنَّةً. (ومنهاجًا)؛ أي: سبيلًا، فهو لفٌّ ونشرٌ غير مرتَّبٍ. (المهيمن) مُفَيْعِل من الأَمْن. قلتُ: همزته هاءٌ. قال إمام الحرمين، وغيره: أسماء الله تعالى لا تُصغَّر. * * * {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَخْمَصَةٌ: مَجَاعَةٌ. (باب: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة: 3]) 4606 - حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نزَلَتْ فِينَا لاَتَّخَذْنَاهَا عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ

{فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا}

أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَت، وَأَيْنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أُنْزِلَتْ؛ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَإِنَّا وَاللهِ بِعَرَفَةَ -قَالَ سُفْيَانُ: وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لاَ- {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. (حين أنزلت)؛ أي: زمان النُّزول، وفي بعضها: (حيثُ أُنزِلَتْ)، والأول أَولى؛ لئلا يتكرَّر المكان، ولئلا يُفقد الزَّمان. (يوم عرفة) بالرفع، وفي بعضها: (أُنزِلَتْ في يَومِ عَرَفة، وبعَرفة) إشارةٌ إلى المكان؛ إذْ تُطلق عرَفة على عرَفات. * * * {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} تَيَمَّمُوا: تَعَمَّدُوا، (ءامِّينَ): عَامِدِينَ، أَمَّمْتُ وَتَيَمَّمْتُ وَاحِدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَسْتُمْ، وَتَمَسُّوهُنَّ، وَاللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، وَالإفْضَاءُ: النكِّاحُ. (باب: فإن لم تجدوا ماءً) التلاوة (فَلَمْ تَجِدُوا) [المائدة: 6]. (لمستم)؛ أي: في قوله تعالى: {لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6]. (وتمسوهن)؛ أي: في قوله: (مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ) [الأحزاب: 49]. (دخلتم)؛ أي: في قوله تعالى: (دَخَلتُمْ بِهِنَّ) [النساء: 23].

(والإفضاء)؛ أي: في قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، أي: أنَّ الألفاظ الأربعة بمعنى: الوطء. * * * 4607 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأقامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأتى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؛ أقامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرتِي، وَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا الْعِقْدُ تَحْتَهُ. حديث عائشة في العِقْد سبَق في (باب: التيمم)، وغيره. * * *

4608 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِم حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: سَقَطَتْ قِلاَدَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءَ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ، فَأَنَاخَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنزلَ، فَثَنَى رَأْسَهُ فِي حَجْرِي رَاقِدًا، أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلاَدَةٍ. فَبِي الْمَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَوْجَعَنِي، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَيْقَظَ، وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ، فَالْتُمِسَ الْمَاءُ، فَلَمْ يُوجَدْ، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآيَةَ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لَقَدْ بَارَكَ اللهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، مَا أَنتمْ إِلَّا بَرَكَة لَهُمْ. (فيكم)؛ أي: بسبَبكم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "في النَّفْس المُؤْمِنَة مائةٌ من الإِبِلِ". فإنْ قيل: كيف جعل فقْدَ العِقْدِ سبَبًا لنُزول الآية هنا، ولمَا في سُورة النِّساء، والقِصَّةُ واحدةٌ؟ قيل: إنما أرادَ هناك بآية التَّيمم هذه الآية؛ إذ تلْك الآية كان سبَب نُزولها قُربان الصلاة سُكارى، وذِكْر التيمُّم وقَع فيها بالعَرَض، على أنه لا مَحذورَ في نُزول الآيتين على سببٍ واحدٍ. * * *

{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون (24)}

{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)} (باب: (فَاذهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ) الآية [المائدة: 24]) 4609 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْم، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَاد (ح). وَحَدَّثَنِي حَمْدَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا لاَ نقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، وَلَكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ. فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ وَكيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ الْمِقْدَادَ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. (سُري)؛ أي: أُزيل عنه - صلى الله عليه وسلم - المكروهات كلُّها. * * * {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} إِلَى قوِلِهِ: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} الْمُحَارَبَةُ لِلَّهِ: الْكُفْرُ بِهِ.

(باب: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33]) 4610 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرُوا، وَذَكَرُوا، فَقَالُوا، وَقَالُوا: قَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَهْوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ زيدٍ؟ أَوْ قَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلاَبَةَ؟ قُلْتُ: مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الإسْلاَمِ إِلَّا رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قتلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، أَوْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عَنْبَسَةُ: حَدَّثَنَا أَنسٌ بِكَذَا وَكَذَا، قُلْتُ: إِيَّايَ حَدَّثَ أَنسٌ، قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمُوهُ، فَقَالُوا: قَدِ اسْتَوْخَمْنَا هَذِهِ الأَرْضَ. فَقَالَ: "هَذِهِ نَعَمٌ لَنَا تَخْرُجُ، فَاخْرُجُوا فِيهَا، فَاشْرَبُوا مِنْ ألْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا". فَخَرَجُوا فِيهَا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَألْبَانِهَا، وَاسْتَصَحُّوا، وَمَالُوا عَلَى الرَّاعِي فَقَتَلُوهُ، وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ، فَمَا يُسْتَبْطَأُ مِنْ هَؤُلاَءِ قتلُوا النَّفْسَ وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ: تتَّهِمُنِي؟ قَالَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا أَنسٌ. قَالَ: وَقَالَ: يَا أَهْلَ كَذَا! إِنَّكمْ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا أُبْقِيَ هَذَا فِيكُمْ، ومِثْلُ هَذَا. (سلمان) هو أبو رَجَاء.

{والجروح قصاص}

قال الغَسَّاني: وفي بعض النسخ: (سُليمان) بالتصغير، وهو وَهْمٌ. قال (ش): وهي رواية أبي الهَيْثَم، ورواية الجماعة بخلافه. (وذكروا)؛ أي: القَسامة، وحُكمها. (فقالوا)؛ أي: قبلها الخلفاء. (أقادت بها الخلفاء) مِن أقَاد القاتِلَ بالقتيل: إذا قتلَه به. وسبَق الحديث فيه مراتٍ. (ما أبقى هذا)؛ أي: أبو قِلابَة. * * * {وَالجُروحَ قِصَاصٌ} (باب: {وَالجُروحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]) 4611 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ -وَهْيَ عَمَّةُ أَنس بْنِ مَالِكٍ- ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ، فأتوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنس بْنِ مَالِكٍ: لاَ وَاللهِ! لاَ تُكْسَرْ سِنُّهَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَنسُ! كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ"، فَرَضِيَ الْقَوْمُ، وَقَبِلُوا الأَرْشَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّه".

باب {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}

(الرُّبيع) مصغَّر: ربيع. (جارية)؛ أي: شابَّة. وسبَق الحديث في (الصُّلْح)، وغيره. * * * بابٌ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (باب (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) [المائدة: 67]) 4612 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقَدْ كَذَبَ، وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} الآيَةَ. سبَق الحديث فيه مراتٍ. * * * (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) (باب: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) [المائدة: 89]) 4613 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:

{لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}

(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لاَ وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ. 4614 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ أَبَاهَا كَان لاَ يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ أَرَى يَمِينًا أُرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا قَبِلْتُ رُخْصَةَ اللهِ، وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. الحديث الأول، والثاني: (علي) قال الكَلابَاذِي: يقال: إنه ابن سلَمة اللَّبَقي، بفتح اللام، والموحدة، وبالقاف. (رخصة الله)؛ أي: الحِنْث، والتَّكفير. * * * {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (باب: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]) 4615 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلاَ نَخْتَصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَرَخَّصَ لنا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نتَزَوَّجَ الْمَرْأةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ

{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان}

مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}. (فرخص) النكاح وإنْ كان ثابتًا قبل ذلك عزيمةً؛ لكنَّ التزوُّج بالشَّيء الحقير كالثَّوب ثبتَ بعدَه رُخصةً. * * * {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَالْأَزْلَامُ}: الْقِدَاحُ يَقْتَسِمُونَ بِهَا فِي الأُمُورِ. وَالنُّصُبُ: أَنْصَاب يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: الزُّلَمُ: الْقِدْحُ لاَ رِيشَ لَهُ، وَهُوَ وَاحِدُ الأَزْلاَمِ. وَالاِسْتِقْسَامُ: أَنْ يُجيلَ الْقِدَاحَ، فَإِنْ نهتْهُ انتُهَى، وإِنْ أَمَرَتْهُ فَعَلَ مَا تأْمُرُهُ، وَقَدْ أَعْلَمُوا الْقِدَاحَ أَعْلاَمًا بِضُرُوبٍ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا، وَفَعَلْتُ مِنْهُ: قَسَمْتُ، وَالْقُسُومُ الْمَصْدَرُ. (باب: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} [المائدة: 90]) في "تفسير الثعلبي": الأوثان سميت بذلك؛ لأنهم كانوا ينصبونها، واحدها: نَصْب، بفتح النون، وسكون المهملة، ونُصُب، بضم النون مثقَّلًا ومخفَّفًا. (والأزلام) واحدها: زَلَم، قال السَّفَاقُسي: ضُبط بفتح الزاي، واللام، وفيه لغةٌ أُخرى: بضم الزاي، أي: مع فتْح اللام، وتَفسيره

بالقدَح الذي لا رِيْشَ عليه. وعند ابن فارس: السَّهم بلا قُذَذٍ ولا نَصْلٍ. (وفعلت منه: قسمت)؛ أي: الاستِقسام: استِفعالٌ من القَسم، وقسَمت هو الثُّلاثي المُجرَّد له. * * * 4616 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: نزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وإِنَّ فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ. الحديث الأول: (بخمسة أشربة ما فيها شراب العنب) ستأتي رواية: (خمسةٌ من العِنَب). وكذا: * * * 4617 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: ما كَانَ لنا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ فَقَالُوا:

وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ. قَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلاَلَ يَا أَنسُ! قَالَ: فَمَا سَأْلوا عَنْهَا، وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ. الثَّاني: (فضيخكم) بفاء، ومعجمتين: شرابٌ يُتخذ من البُسْر وحدَه من غير أن تمسَّه النار، والفِضْخ بالكسر؛ لأنَّ البُسْر يُشْدَخ، ويُترك في وعاءٍ حتى يُنتِنَ. (وفلانًا وفلانًا) تقدَّم ممن سُمِّي ممن كان مع أبي طلحة: أُبَي بن كَعب، وسُهَيل بن البيضاء، وغيرهما. (القلال) جمع: قُلَّة، وهي التي يُقلها القوي من الرجال، والكُوز: اللَّطيف الذي تُقله الأيدي، ولا يثقُل. وفيه قبول خبر الواحد، وأن الخمر لا يجوز استصلاحها بمعالجةٍ لتصير خلًّا. * * * 4618 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَبَّحَ أُنَاسٌ غَدَاةَ أُحُدٍ الْخَمْرَ، فَقُتِلُوا مِنْ يَوْمِهِمْ جَمِيعًا شُهَدَاءَ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا. 4619 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:

{ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} إلى قوله: {والله يحب المحسنين}

سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ: أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ نزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ؛ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. الثالث، والرابع: معناهما واضحٌ. * * * {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} إِلَى قَوِلِهِ: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (باب: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]) 4620 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه: أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي أُهْرِيقَتِ الْفَضِيخُ. وَزَادنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}.

{لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}

(وزادني محمد) قال الغَسَّاني: هو ابن يحيى الذُّهْلي، وقال بعضهم: هو البِيْكَنْدي كما في رواية أبي ذَرٍّ: (وزادني محمد البِيْكَنْدي)، فالقائل: (وزادني) هو البخاري. وقال (ش): إن قائل ذلك الفِرَبْري، ويعني: محمد البخاري. وهو عجيبٌ؛ لأن البخاري قد حدثه الحديث كله فما معنى: (وزادني). * * * {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (باب: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101]) 4621 - حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، قَالَ: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كثِيرًا"، قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: فُلاَنٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}. رَوَاهُ النَّضْرُ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ شُعْبَةَ. الحديث الأول: (لهم حنين) بمهملةٍ: البُكاء بدون نَحيبٍ، ويُقال: هو من الصَّدر،

{ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}

وبالمعجمة: مِن الأنْف، وقد يُجعلان بمعنًى واحدٍ. (رجل) هو عبد الله بن حُذَافَة السَّهْمي. (رواه النضر)؛ أي: ابن شُمَيل، وصلَه أبو نُعيم في "المستخرَج". (ورَوْح) موصولٌ في (الرِّقاق). * * * 4622 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجُويرِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْألونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتِهْزَاءً، فَيقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقتهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كلِّهَا. الثاني: في معنى ما قبلَه. * * * {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} {وَإذْ قَالَ اللهُ} يَقُولُ: قَالَ اللهُ، وَإِذْ هاهنا صِلَةٌ. الْمَائِدَةُ: أَصْلُهَا مَفْعُولةٌ، كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ،

وَالْمَعْنَى: مِيدَ بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ خَيْرٍ، يُقَالُ: مَادَنِي يَمِيدُنِي. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مُتَوَفِّيك}: مُمِيتُكَ. (باب: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المائدة: 103]) قوله: (يقول: قال الله) غرَضه: أنَّ هذا القَول وهو: {يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116]، هو في يوم القيامة، فيكون (قال) بمعنى: يقول. (صلة)؛ أي: زائدةٌ؛ لأن (إذْ) للماضي، والقَول في المُستقبل. (راضية) بمعنى: مَرْضيَّة. (وتطليقة بائنة)؛ أي: مُطلَّقة بائنة، فالمفاعلة بمعنى المفعول. قال (خ): المائدة: الخِوَان إذا كان عليه طعامٌ، مِن مادَّه: إذا أَعطاه، كأنَّها تمِيدُ مَن تقدَّم إليه. وقال أبو حاتم: المائِدة الطَّعام نفْسُه، والنَّاس يَظنُّونَها الأَخْوِنَة. (متوفيك) ذكر هذه الكلمة هنا وإنْ كانتْ من سورةِ آل عمران لمُناسبة: (فَلَمَّا تَوَفيتَنِي) [المائدة: 117]، وكلاهما من قصة عيسى عليه السلام. * * * 4623 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ:

الْبَحِيرَةُ: الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ: كَانُوا يُسَيِّبُونها لآلِهَتِهِمْ، لاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". وَالْوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ الْبِكْرُ تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الإبِلِ، ثُمَّ تُثنِّي بَعْدُ بِأُنْثَى، وَكَانُوا يُسَيِّبُونهمْ لِطَوَاغِيتِهِمْ إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ، وَالْحَامِ: فَحْلُ الإبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ، فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ، وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ، وَأَعْفَوْهُ مِنَ الْحَمْلِ، فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَسَمَّوْهُ الْحَامِيَ. وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعْتُ سَعِيدًا، قَالَ: يُخْبِرُهُ بِهَذَا، قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. (البحيرة) مشتقَّةٌ من البَحْر، وهو الشَّقُّ، كانوا يشقُّون أُذُنها. (عمرو بن عامر) إنما هو عمرو بن لُحَيٍّ، بضم اللام، وفتح المهملة، ولُحَيٌّ اسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو، من مزيقيا بن عامر ماء السَّماء. قال (ك): لعلَّ عامرًا اسمٌ، ولُحَيٌّ لقَبٌ، أو بالعكس، أو

أحدهما اسمٌ للجَدِّ. (قُصبَه) بضم القاف: الأَمعاء. (سيب السوائب) هو تَرْك الدابَّة تَذهب حيث تَشاء. وسبَقَ الحديث في (مناقب قُريش)، في (باب: قصة خُزاعة). (تبكر)؛ أي: تُبادر، وكلُّ من بكَّر إلى شيءٍ فقد بادَرَ إليه. (أن وصلت) بفتح الهمزة وكسرها. (ودعوه)؛ أي: تَركُوه للأَصنام. (الحام)؛ أي: لأنَّه حمَى نفسَه، وإلا فهو في الحقيقة مَحميٌّ. (رواه ابن الهاد) وصلَه الطبراني في "الأوسط". * * * 4624 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ أبُو عَبْدِ اللهِ الْكَرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ، وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". الثاني: (يَحْطِم) بمهملتين، مِن الحَطْم، وهو الكَسْر. * * *

{وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}

{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (باب: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) [المائدة: 117]) 4625 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "يَا أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكم مَحْشُورُونَ إِلَى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَالَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأقُولُ يَا رَبِّ! أُصَيْحَابِي! فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأقُولُ كمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}، فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ". (غُرْلًا) جمع: أغْرَل، بالمعجمة، والراء، هو الذي لم يُختَن، والغُرْلَة: ما يقطعُها الخاتِن من ذكَر الصَّبيِّ. (أول الخلق) ليس فيه أنه بذلك أفضل؛ إذ لا يَلزم من اختصاص الشَّخص بفَضيلة كونه أفضل مطلقًا. (ذات الشمال)؛ أي: جِهَة النَّار.

{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}

وسَبق الحديث في (كتاب الأنبياء)، في (باب إبراهيم عليه الصلاة والسلام). (أصيحابي) قال (خ): تصغير: أَصحاب، والمراد تَقليل عدَدهم، ولم يرتدَّ بعدَه خَواصُّ أصحابه الذين لَزموه وعُرفوا بصُحبته، فقد صانهم الله تعالى وعصمهم من التَّبديل، ومن الارتداد الذي هو الرُّجوع عن الدِّين، وإنما المراد بكونهم ارتدُّوا: التأخُّر عن بعض الحُقوق، والتَّقصير فيه، ولم يرتدَّ أحدٌ من أصحابه بحمد الله تعالى، وإنما ارتدَّ قومٌ من جُفاة الأعراب من المؤلَّفة قلوبُهم ممن لا بصيرةَ له في الدِّين، وذلك لا يُوجِب قَدْحًا في الصَّحابة المَشهورين - رضي الله عنهم -. * * * {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (باب ({إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118]) 4626 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِنَّكمْ مَحْشُورُونَ، وإنَّ نَاسًا يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأقولُ كمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالحُ: {وكنتُ عَلَيْهِم شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِم} إلَى قوله: {العَزيزُ الحَكيم} ". الحديث عرف شرحه مما سبَق آنفًا، والله أعلم. * * *

6 - سورة الأنعام

6 - سورة الأَنعَامِ (سورة الأنعام) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (فِتْنَتُهُمْ): مَعْذِرتَهُمْ. (مَعروشَات): مَا يُعْرَشُ مِنَ الْكَرْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (حَمولَةً): مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا. (وَلَلَبسنَا): لَشَبَّهْنَا. (وينئون): يتبَاعَدُونَ. تُبْسَلُ: تُفْضَحُ. (أُبسِلُوا): أُفْضِحُوا. (بَاسِطُوَا أَيْدِيهمِ)، الْبَسْطُ: الضَّرْبُ. (اسْتَكَثَرْتُم): أَضْلَلْتُمْ كثِيرًا. (ذَرَأَ مِن الحرث): جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمَالِهِمْ نصَيبًا، وَللشَّيْطَانِ وَالأَوْثَانِ نصَيبًا. (أمَّا اشْتَمَلَت)؛ يَعْنِي: هَلْ تَشْتَمِلُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنثى، فَلِمَ تُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَتُحِلُّونَ بَعْضًا. (مَسْفُوحًا): مُهْرَاقًا. (وَصدَفَ): أَعْرَضَ. (أُبْلِسُوا): أُويِسُوا. و (أُبسِلُوا): أُسْلِمُوا. (سَرْمَدًا): دائِمًا. (استَهْوَتهُ): أَضَلَّتْهُ. (يَمتَرُون): يَشُكُّونَ. (وَقرٌ): صَمَمٌ، وَأَمَّا الْوِقْرُ: الْحِمْلُ. (أسَاطِيرُ): وَاحِدُهَا: أُسْطُورَةٌ وَإسْطَارَةٌ، وَهِيَ التُّرَّهَاتُ. (البأساء): مِنَ الْبَأسِ، وَيَكُونُ مِنَ الْبُؤْسِ. (جَهْرَةً): مُعَايَنَةً. الصُّوَرُ: جَمَاعَةُ صُورَةٍ، كَقَوْلِهِ: سُورَةٌ وَسُوَرٌ. (ملكوُتُ): مُلْكٌ، مِثْلُ: رَهَبُوتٍ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ، وَيَقُولُ: تُرْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُرْحَمَ. (جَنَّ): أَظْلَمَ. يُقَالُ: عَلَى اللهِ حُسْبَانهُ؛ أَيْ: حِسَابُهُ، وَيُقَالُ: (حُسبَانًا): مَرَامِيَ وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، (مُسْتَقَرٌ) فِي الصُّلْبِ، و (وَمُستودعٌ) فِي الرَّحِمْ. الْقِنْوُ: الْعِذْقُ، وَالاِثْنَانِ قِنْوَانِ، وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ، مِثْلُ: صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ.

قوله: (فتنتهم: معذرتهم) الذي في "كتاب أبي عُبَيدة": مقالتُهم، ويُقال: مَعذرتُهم. (البسط: الضرب) هو من قوله تعالى: {لَئن بَسَطتَ إِلى يَدَكَ} [المائدة: 28] وحقيقته: باسطُوا أيديْهم بالضَرب، لا أنَّ البَسْطَ الضَّربُ نفْسُه. (أكنة، أحدها كِنان) بكسر الكاف، وهي كأَغْطِيَةٍ وزْنًا ومعنًى. (وأما الوِقْر)؛ أي: بكسر الواو (الحِمل) بكسر المهملة، أي: للحِمَار، والبَغْل، وأما للبَعير فوَسْقٌ، قاله الرَّاغِب. (أُسطورة) بضم الهمزة. (وإسطارة) بكسرها. (التُرّهات) بضم المثنَّاة، وتشديد الرَّاء المفتوحة: الأَباطيل، واحدها: تُرَّهة، وأصلُها: تُرَّهات الطَّريق، وهي بُنيَّاتها، وقيل: التاء مُنقلبةٌ عن واوٍ، أصله من الوَره، وهو الحُمْق، ويُجمع أيضًا على تَوارِيهٍ. (البؤس) ضِدُّ النَّعيم. (الصور)؛ أي: في قوله تعالى: {يَوْمَ ينُفَخُ فِي الصُّورِ} [النبأ: 18]. (سورة وسور) بسُكون الواو، وهذا ما قاله أبو عُبَيدة، فقال: صُوَر جمع: صُورة يُنفخ فيها الرُّوح بمنزلة قولهم: سُوْر المَدينة، واحدها: سُورةٌ، قاله ابن قُتَيبة.

وقال غيره: الصُّور: القَرْن بلُغة قومٍ من أهل اليمَن. قال: وهذا أعجب إليَّ من القول الأول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كيف أَنْعَمُ، وصاحبُ القَرْن قد التقَمَه، وحَنَا جبْهتَه يَنتظِر حتَّى يُؤمَر بالنَّفْخ؟ ". (مستقر في الصلب، ومستودع في الرحم) كذا ذكَره ابن عُزَير، والذي قالَه جمهور المفسِّرين العكْس: مُستقَرٌّ في الرَّحِم، ومُستودعٌ في الصُّلْب، حتى قال سَعيد بن جُبَير: قال لي ابن عبَّاس: هل تَزوَّجتَ؟، قلتُ: لا، قال: إنَّ الله سُبحانه سيُخرج من ظَهْرك ما استَودعَه فيه. (العِذْق) بكسر العين، وهو الكبَّاسَة. (قِنْوان) مشتركٌ بين المثنَّى والجمْع، قال تعالى: {وَمنَ النَّخلِ مِن طَلْعِهَا قِنوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعام: 99]. (فلم تحرمون) في بعضها بلا نُونٍ؛ لأنَّ حَذْفها بدون ناصبٍ وجازمٍ لغةٌ فصيحةٌ. (أبلسوا أو يئسوا)؛ أي: كما قال تعالى: {فإذا هُم مُّبلِسُونَ} [الأنعام: 44]، أي: آيِسُون. (أبسلوا)؛ أي: بتقديم السين: أُسلِموا للهَلاك بسُوء كَسْبهم، ولا يُنافي هذا ما سبَق من تفسير الإِبْسَال بالفَضيحة، لأنَّها لازمةُ الإهلاك. (على الله حسابه) يُفسِّر بذلك: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسبَانًا} [الأنعام: 96]،

{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}

وقيل: أي: مَرامِي، يعني: سِهامًا، ورُجومًا للشياطين. (سرمدًا) هذه إنما هي في سُورة القَصَص في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} [القصص: 71]، لكن ذكرت هنا لمناسبة: {فَالِقُ الإصْبَاحَ وَجَعَلَ اللَّيلَ سَكنًا} [الأنعام: 96]. * * * {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلا هُوَ} (باب: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59]) 4627 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، ويُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". الحديث فيه واضحٌ، وسبَق فيه. * * * {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} الآيَةَ {يَلبسَكُمْ}: يَخْلِطَكُمْ، مِنَ الاِلْتِبَاسِ، {يَلْبِسوَا} يَخْلِطُوا.

(شِيَعًا): فِرَقًا. (باب: (قُل هُوَ القَادِرُ) [الأنعام: 65]) 4628 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ". قَالَ: {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، قَالَ: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ"، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا أَهْوَنُ"، أَوْ: "هَذَا أَيْسَرُ". (من فوقكم)؛ أي: كما أَمطَر على قوم لُوطٍ الحِجارةَ. (أو من تحت أرجلكم)؛ أي: كما خسَف بقارون. (بوجهك) بذاتِك. (يلبسكم) اللَّبْس: الخَلْط، أي: اشتِباكهم في مَلاحم القِتال، وقتْل بعضِهم بعضًا. (هذا أيسر)؛ أي: لأنَّ الفِتَن من المَخلوقين وعذابَهم أهونُ من عذاب اللهِ، فابتُليت هذه الأمة بالفِتَن؛ ليُكفَّر بها عنهم. * * *

{ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}

{وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (باب: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]) 4629 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، قَالَ أَصْحَابُهُ: وَأيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. سبَق الحديث فيه في (الإيمان)، في (باب: ظُلْم دون ظُلْم). * * * {وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (باب: {وَيُونُسَ وَلُوطًا} [الأنعام: 86]) 4630 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيةِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نبَيِّكُمْ؛ يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونس بْنِ مَتَّى". 4631 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي

{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}

هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونس بْنِ مَتَّى". الحديثان فيه سبَق شرحهما مراتٍ، وأنَّ (أنا) إما العبْد القائِل، وإما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالَه تواضُعًا، وإلا فهو أفضَل الكِنايات. * * * {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} باب: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [الأنعام: 90]) 4632 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ: أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَفِي (ص) سَجْدَةٌ؟ فَقَالَ: نعمْ. ثُمَّ تَلاَ: (وَوَهَبْنَا) إِلَى قَوْلهِ: (فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه)، ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْهُمْ. زَادَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: نبَيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ. (أمر أن نقتدي بهم) لا يُؤخذ منه أنَّهم أفضَل منه؛ لأنَّ المُقتدَى به يكون أفضَل، لأنَّ الاقتداء إنما هو بهداهم، والهُدى -وهو أصل الدّين- واحدٌ لا اختلافَ فيه. * * *

{وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} الآية

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} الآيَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}: الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ. (الحوَايَا): الْمَبْعَرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {هادُوا}: صَارُوا يَهُودًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (هُدْنَا): تُبْنَا، هَائِدٌ: تَائِبٌ. (باب: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146]) قوله: (البعير، والنعامة) هذا قول المفسِّرين، وقال قَتادة: هو من الطَّير ما لم يكن مَشقوق الظُّفُر كالبَطِّ، وقيل: ما لَه أُصبعٌ من دابّةٍ، أو طائرٍ. (الحوايا): الأَمْعاء. قال الكِسَائي: واحدها: حاوِيَة، وحَوِيَّة، وقال أبو عُبَيدة: وهي عنْدي ما يَحوي من البَطْن إلى الاستِدارة. * * * 4633 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ عَطَاء: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ! لَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأكَلُوهَا".

{ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}

وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ: كتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (أجملوه) يُقال: جملْتُ الشَّحم: إذا أذبتَه، وربما قالوا: أَجمَلْتُ. (وقال أبو عاصم) سبَق بيانه في (البيوع). * * {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (باب: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} [الأنعام: 151]) 4634 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: "لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ، وَبذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ". قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: نعمْ. قُلْتُ: وَرَفَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. {وَكيلٌ}: حَفِيظٌ وَمُحِيطٌ بِهِ. {قُبُلًا} جَمْعُ قَبِيلٍ، وَالْمَعْنَى: أنَّهُ ضُرُوبٌ لِلْعَذَابِ، كُلُّ ضَرْبٍ مِنْهَا قَبِيلٌ. (زُخرُفَ): كُلُّ شَيْءٍ حَسَّنْتَهُ وَوَشَّيْتَهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَهْوَ زُخْرُفٌ. (وَحَرْثٌ حِجْرٌ):

حَرَامٌ، وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهْوَ حِجْرٌ مَحْجُورٌ، وَالْحِجْرُ: كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ، وَيُقَالُ لِلأُنثى مِنَ الْخَيْلِ: حِجْرٌ. وَيُقَالُ لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ وَحِجًى، وَأَمَّا الْحِجْرُ فَمَوْضِعُ ثَمُودَ، وَمَا حَجَّرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ فَهُوَ حِجْرٌ، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ الْبَيْتِ حِجْرًا، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومٍ، مِثْلُ: قَتِيلٍ مِنْ مَقْتُولٍ، وَأَمَّا حَجْرُ الْيَمَامَةِ فَهْوَ مَنْزِلٌ. (أغير) قال ابن جِنِّي: يقال: لا أحدَ أفضلُ منك، برفْع (أفضل)؛ لأنه خبَرُ (لا)، كما يُرفع خبر (إنَّ)، وتقول: لا غُلام لكَ، فإنْ فصَلتَ بطَل عمَلُها، تقول: لا لكَ غُلامٌ، فإنْ وصَفتَ اسمَ (لا) كان لك ثلاثةُ أوجهٍ: النَّصب بغير تنوينٍ، وبتنوينٍ، والرفْع بتنوينٍ. (أحب) بالرفع والنصب، وهو أفْعل تفضيلٍ بمعنى المَفعول، و (المَدْح) فاعلُه نحو: ما رأيت رجلًا أحسَنَ في عَينه الكُحلُ منه في عَين زيدٍ. وفيه أن الشَّيء يُطلَق على الله تعالى، واستَنبط منه عبد اللَّطيف البَغدادي أنَّه يُقال: مدَحتُ الله، وليس صريحًا؛ لاحتمال أن يكون المراد: أنَّ الله تعالى يُحبُّ أن يَمدَح غيره ترغيبًا للعبد في الازدياد مما يقتَضي المَدْحَ، ولذلك مدَح نفسَه، لا أنَّ المراد: يُحبُّ أن يمدحَه غيرُه. (ووكيل)؛ أي: في قوله تعالى: {لسْتُ عليكُم بوكيل} [الأنعام: 66]، وكان هذا قبل الأمر بالقتال، وأما: {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي

{هلم شهداءكم}

وَكِيلًا} [الإسراء: 2]، فقيل: شَريكًا لي تَكِلُون أمورَكم إليه. (قبلًا) جمع: قَبِيْل. قال السَّفَاقسي: ضُبط في بعض الأُصول، أي: بكسر القاف، وفتْح الموحَّدة، وليس ببيِّنٍ، وإنما يكون جمعًا إذا كان بضم القاف، والموحَّدة. قال (ش): وكذا هو في التِّلاوة. (حجر اليمامة) بالفتح: قَصَّة اليَمامة، وأما حَجْر الإنسان فبالفتح والكسر، والحِجْر الحَرام مثلَّثٌ، والكسر أفصح، قالَه الجَوْهَري، وقُرئ بهنَّ في: {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138]. * * * {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ: هَلُمَّ؛ لِلْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ. (باب: (هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ) [الأنعام: 150]) قوله: (لغة أهل الحجاز)؛ أي: أما لغة أهل نجد فيصرفونها فيقولون للاثنين: هلما، والجمع: هلموا، وللمرأة: هلمي، وللنساء: هلمن. * * *

باب: {لا ينفع نفسا إيمانها} [الأنعام: 158])

باب: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158]) 4635 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارةُ، حَدَّثنا أبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نفسًا إِيمَانُهَا، لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ". 4636 - حَدَّثَنِي إِسحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ، آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانها"، ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ. الحديث الأول، والثاني: (من عليها) أي: على الأرض، والسِّياق يدلُّ عليه. * * * 7 - سورة الأَعْرَافِ (سورة الأَعراف) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَرِيَاشًا: الْمَالُ. (المُعتَدِين): فِي الدُّعَاءِ وَفِي غَيْرِهِ. (عَفَوا): كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ. (الفَتَّاحُ): الْقَاضِي. (افتَحْ بَينَنَا): اقْضِ بَيْنَنَا. (نَتَقنَا): رَفَعْنَا. (انْبَجَسَتْ): انْفَجَرَتْ.

(مُتَبَّرٌ): خُسْرَانٌ، (ءَاسَى): أَحْزَنُ. (تَأْسَ): تحزَنْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)، يَقُولُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ. (يَخصِفَانِ): أَخَذَا الْخِصَافَ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ، يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ، يَخْصِفَانِ الْوَرَقَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. (سَوْءَاتهمَا): كنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا. (وَمَتَعٌ إلَى حِينٍ): هَاهُنَا إِلَى الْقِيَامَةِ، وَالْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ يُحْصَى عَدَدُهَا. الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ، وَهْوَ: مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ. (وَقَبِيلُهُ): جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ. (ادَّارَكُوا): اجْتَمَعُوا. وَمَشَاقُّ الإنْسَانِ وَالدَّابَّةِ كلُّهُمْ يُسَمَّى: سُمُومًا، وَاحِدُهَا سَمٌّ، وَهْيَ: عَيْنَاهُ وَمَنْخِرَاهُ وَفَمُهُ وَأُذُناَهُ وَدُبُرُهُ وإحْلِيلُهُ. (غَوَاشٍ): مَا غُشُّوا بِهِ. (نَشرًا): مُتَفَرِّقَةً. (نَكدًا): قَلِيلًا. (يَغْنَوْا): يَعِيشُوا. (حَقِيقٌ): حَقٌّ. (وَاسترهَبُوهُمْ): مِنَ الرَّهْبَةِ. (تَلقَفُ): تَلْقَمُ. (طَائرُهُم): حَظُّهُمْ. طُوفَانٌ: مِنَ السَّيْلِ، وَيُقَالُ لِلْمَوْتِ الْكَثِيرِ: الطُّوفَانُ. الْقُمَّلُ: الْحُمْنَانُ، يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَمِ. عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ بِنَاءٌ. (سُقِطَ): كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدهِ. الأَسْبَاطُ: قَبَائِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. (يَعدُونَ فِي السَّبتِ): يتَعَدَّوْنَ لَهُ: يُجَاوِزُونَ، تَعْدُ: تُجَاوِزْ. (شُرَّعًا): شَوَارعَ. (بئس): شَدِيدٍ. (أخلَدَ): قَعَدَ وَتَقَاعَسَ. (سَنستَدْرِجهُم): نَأْتِيهِمْ مِنْ مَأْمَنِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}. (مِن جِنَّةٍ): مِنْ جنودٍ. (فمَرَّت بِهِ): اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ، فَأتمَّتْهُ. (يَنزَغنَّك): يَسْتَخِفَّنَّكَ، طَيْفٌ: مُلِمٌ بِهِ لَمَمٌ،

ويُقَالُ: (طائفٌ)، وَهْوَ وَاحِدٌ. (يَمُدُّونَهُم): يُزَيِّنُونَ. (وَخُفْيَةٌ): خَوْفًا، (وَخُفيَة): مِنَ الإخْفَاء، (وَاَلأَصَالِ): وَاحِدُهَا أَصِيلٌ: مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ، كقَوْلِهِ: (بُكرَةً وَأَصِيلًا). قوله: (ورياشًا) في بعضها: (وريْشًا). قال (ش): وقال في (باب: خلْق آدم وذُرِّيته): الرِّياش والرِّيش واحدٌ، وهو ما ظهَر من اللِّباس، انتهى. قلتُ: وقاله في الباب أيضًا. وقال ابن عبَّاس: هو المال. (يخصفان) الخَصْف: الخَرْز، أي: يُلْزِقان بعضَه ببعضٍ؛ ليَستُرا عورتهما. (ومسام) في بعضها: (مشاق). (سم)؛ أي: الثُّقب، فمَسامُّ الإنسان التِّسعة التي عدَّها. (الحَمْنان) بفتح المهملة، وسُكون الميم: القُراد. قال الأصمعي: أوَّله قَمقَامة، ثم حَمْنَانة، ثم قُراد، ثم حَلْمة، وهي القُراد العظيم. قال (ش): هو بكسر المهملة. (عروش) تفسير لقوله: {وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137]، أي: يَبنُون. (شوارع)؛ أي: جمع: شارع، وهو للظَّاهر على وجْه الماء.

{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}

(لمم) هو صِغَار الذُّنوب، وضَرْبٌ من الجُنون. (من الإخفاء) المشهور إنما هو أنَّ المَزيد فيه مأخوذ من الثُّلاثيِّ، وإنما قال مِن الإخْفاء نظَرًا إلى أنَّ الاشتقاق أن تَنتَظِم الصِّيغَتان معنًى واحدًا. (أُصُل) بضم الهمزة، والصاد: جمع: أَصيل. قال السَّفَاقُسي: ضُبط بذلك، وفي بعضها: (أَصيْل)، وليس ببيِّنٍ إلا أنْ يُريد أنَّ آصَالًا جمع: أَصِيل، فيصحُّ ذلك. وقال ابن فارس: الأَصيْل بعد العِشَاء، وجمعه: أُصُل، وجمع أُصُل: آصَال، ثم أَصائِل. وقيل: أَصيل جمع: أُصُل، كعُبُد، وعَبِيْد، فأَصائِل على هذا: جمعُ جمعِ الجَمْع. * * * {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (باب: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} [الأعراف: 33]) 4637 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَرَفَعَهُ. قَالَ: "لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَد أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ

{ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}

اللهِ، فَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ". سبَق شرح الحديث فيه قَريبًا وبَعيدًا. * * * {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَرِنِي): أَعْطِنِي. (باب: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا) [الأعراف: 143]) 4638 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ في وَجْهِي. قَالَ: "ادْعُوه"، فَدَعَوْهُ قَالَ: "لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ"؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي مَرَرْتُ بِالْيَهُودِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ! فَقُلْتُ: وَعَلَى مُحَمَّدٍ؟ وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ، فَلَطَمْتُهُ، قَالَ: "لاَ تُخَيِّرُوني مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا

أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِم الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ". (لا تخيروني)؛ أي: لا تُفضِّلُونِي. وسبَقَ الحديث في (كتاب الخصومات). (أول من يفيق) بنصب (أوَّل). قال الدَّاوُدي: ليس بمحفوظٍ، والصَّحيح (¬1): (أوَّلُ مَن يَنشَقُّ عنها الأَرضُ). قال (ع): الصعق الموت، والهلاك، والغَشْي أيضًا، فيجوز أن تكون الصَّعقة صعقَةَ فزَعٍ بعد النَّشر حين تنشقُّ السَّماوات والأرض جميعًا. وأما (فلا أدري أفاق قبلي) فيحتمل أن يكون قبْل أن يَعلم أنَّه أوَّل مَن تنشقُّ عنه الأرض إنْ حملْنا اللَّفظ على ظاهره، أو انفرادَه بذلك، وتخصيصَه، وإنْ حُمل على أنَّه من الزُّمرة الذين هم أوَّل مَن تنشقُّ عنهم الأرض لا سيَّما على رواية مَن رَوى: (أو في أول من يبعث)، فيكون موسى -عليه الصلاة والسلام- أيضًا من ذلك الزُّمرة، وهي زُمرة الأنبياء. * * * ¬

_ (¬1) "والصحيح" ليس في الأصل.

(المن والسلوى)

(الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) (باب: {المَنَّ وَالسَّلْوَى} [الأعراف: 160]) 4639 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْكَمْأةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءُ الْعَيْنِ". (الكَمْأة) بفتح الكاف، وسُكون الميم، واحدها: كَمْءٌ. (من المن)؛ أي: نوعٌ منه يَنبت بنفسه بلا علاجٍ ومؤنةٍ كما كان يَنزل على بني إسرائيل. (وماؤهما شفاء)؛ أي: بخلْطه بدواءٍ، وإما بمجرده. وسبَقَ شرحه في (سورة البقرة). * * * {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (باب: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]) 4640 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،

وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ، فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا، فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو الدَّرْداءِ: وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ". قَالَ: وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ، وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْخَبَرَ. قَالَ أَبُو الدَّرْداءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! لأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ أَنتمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ هَلْ أَنتمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ إِنِّي قُلْتُ: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْر: صَدَقْتَ". (عبد الله) قال الكَلابَاذِي: هو ابن حمَّاد الآمُلِي، كان تلميذ البخاري، يُورِّق للناس بين يدَيه، وروى عنه البخاري أيضًا. (غامر) بالمعجمة، أي: خاصَمَ، والمُغامِر الذي يُدخل نفسه في غَمْرة الخُصومة، وهي مُعظمها. وقيل: إنه من الغِمْر بالكسر، وهو الحِقْد، أي: حاقَدَ غيرَه. وقال (ع): فسَّره المُستَملي عن البخاري، أي: سبَق بالخبَر،

{وقولوا حطة}

وهذا يدلُّ على أنه عند المُستَمْلي دون الحمُّوي، وأبي الهيْثَم. (تاركون) في بعضها: (تَارِكُو)، ووقَع الجارُّ والمَجرور وهو (لي) صلةً بين المضاف والمضاف إليه، وذلك جائزٌ. ومرَّ في (فضْل أبي بكر). * * * {وَقُولُوا حِطَّةٌ} (باب: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [الأعراف: 161]) 4641 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58]، فَبَدَّلُوا، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ". (يزحفون على أستاههم)؛ أي: يَدِبُّون على أَوراكِهم. وسبَقَ أوَّل (البقرة). * * * {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الْعُرْفُ: الْمَعْرُوفُ.

(باب: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199]) 4642 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرتهِ؛ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي! لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ. قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! فَوَاللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ. وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ. 4643 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَّا فِي أَخْلاَقِ النَّاسِ. 4644 - وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ،

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَمَرَ اللهُ نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاَقِ النَّاسِ، أَوْ كمَا قَالَ. الحديث الأول، والثاني: (ومشاورته) بلفْظ المصدر عطْفًا على (مَجالِس)، وبلفظ المفعول أو الفاعل عطفًا على (أصحاب). (هِيه) بكسر الهاء الأُولى، وفي بعضها: (إِيْهِ)، وهو من أسماء الأفْعال، تقول للرجل إذا استَزَدتَه من حديثٍ أو عملٍ: إيهٍ، وفي بعضها: (هِيْ) بحذف الهاء الثانية، أو هي: ضَمير، وهناك مَحذوفٌ، أي: ذَا هيه، أو القِصَّة هذه. (يحيى) قال ابن السَّكَن: هو ابن مُوسَى، وقال أبو إسحاق المُستَمْلي: هو ابن جعفر البَلْخي. {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] قال جعفر الصَّادق: ليس في القرآن آيةٌ أجمَعُ لمكارمِ الأخلاق منها. ولعلَّ ذلك أنَّ المعاملة إما مع نفْسه أو مع غيره، والغير إما عالمٌ أو جاهلٌ، أو لأَنَّ أُمَّهات الأخلاق ثلاثةٌ: العَقليَّة، والشَّهويَّة، والغَضَبيَّة، ولكلِّ قوةٍ فضيلةٌ هي وسَطُها، للعمليَّة: الحِكْمة، وبها الأمر بالمعروف، وللشَّهوية: العِفَّة، ومنها أَخْذ العَفْو، وللغَضَبيَّة: الشَّجاعة، ومنها الإعراض عن الجُهَّال، والخُلُق تعريفه: ملَكَةٌ تصدُر

8 - سورة الأنفال

بها الأَفعال بلا رَوَّيةٍ. * * * 8 - سورة الأنفَالِ (سورة الأنفال) قَوْلُهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (الْأَنْفَالِ): الْمَغَانِمُ. قَالَ قتادَةُ: (رِيحُكُمْ): الْحَرْبُ. يُقَالُ: نَافِلَةٌ عَطِيَّةٌ. 4645 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاس: سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَالَ: نزَلَتْ فِي بَدْرٍ. {الشَّوْكَةِ}: الْحَدُّ. {مُرْدِفِينَ}: فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ، رَدِفَنِي وَأَرْدَفَنِي: جَاءَ بَعْدِي. (ذُوقوا): بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِّ. {فَيَرْكُمَهُ}: يَجْمَعُهُ. (شَرِّدْ): فَرِّقْ. (وَإِن جَنَحُوا): طَلَبُوا. {يُثْخِنَ}: يَغْلِبَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (مُكاءً): إِدْخَالُ أَصَابِعِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ. و (وَتَصْدِيَةً): الصَّفِيرُ. (ليُثبِتُوكَ): لِيَحْبِسُوكَ. قوله: (في أفواههم)؛ أي: بالصَّفير.

{إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}

(وتصدية: الصفير) قال (ش): الصَّواب أنَّ المُكاء: الصَّفير، والتَّصْدِيَة: التَّصفيق بالأكُفَّ. * * * {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} (باب: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ} [الأنفال: 22]) لم يَذكر فيه بسنَده إلا مقالةَ ابن عبَّاس. 4646 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} قَالَ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. * * * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} {اسْتَجِيبُوا): أَجِيبُوا. {لِمَا يُحْيِيكُمْ}: يُصْلِحُكُمْ. (باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24]) 4647 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ حَفْصَ ابْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي

سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَانِي، فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أليْتُهُ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ؟ أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}؟ " ثُمَّ قَالَ: "لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ"، فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَخْرُجَ، فَذَكَرْتُ لَهُ. وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبٍ، سَمعَ حَفْصًا، سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا، وَقَالَ: "هِيَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}، السَّبع الْمَثَانِي". (أعظم سورة)؛ أي: في ثَواب قراءتها، ولمَا تَجمع من الثناء، والدُّعاء، والسُّؤال. قال (ش): كذا لأبي ذَرٍّ، وعند غيره بدُون (أعظم). (السبع)؛ أي: الآيات. (المثاني) من التَّثنية، وهي التَّكرير؛ لأن الفاتحة تُكرَّر في الصلاة، أو من الثَّناء لاشتمالها على الثَّناء على الله تعالى، والكَلِمات المَثاني، أي: المكرَّرة، وهي: الله، الرَّحمن، الرَّحيم، وإيَّاك، والصِّراط، وعليهم، وغَيرِ؛ إذ (لا) في معنى (غير)، فهذه سبعُ كلِماتٍ مكرَّرةٍ فيها. * * *

{وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم}

{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا سَمَّى اللهُ تَعَالَى مَطَرًا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْغَيْثَ، وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}. (باب: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32]) 4648 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عُبيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ -هُوَ ابْنُ كُرْدِيدٍ صَاحِبُ الزِّيادِيِّ-: سَمِعَ أنَس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ. (أحمد) قال الكَلابَاذِي: هو ابن النّضْر -بسُكون المعجمة- النَّيْسَابُوري، أخو محمد بن النّضر المذكور في الباب بعدَه، كأَنَّ البخاري نزَل عندهما بنَيْسَابُور. * * *

{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (باب: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33]) 4649 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيادِيِّ: سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ أبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءَ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ. معنى الحديث الذي فيه ظاهر. * * * {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (باب: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39]) 4650 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَمَا

يَمْنَعُكَ أَنْ لاَ تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلاَ أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} إِلَى آخِرِهَا. قَالَ: فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ كَانَ الإسْلاَمُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ؛ إِمَّا يَقْتُلُوهُ وَإمَّا يُوثِقُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإسْلاَمُ، فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، فَلَمَّا رَأَى أنَّهُ لاَ يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ، فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنُهُ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ- وَهَذِهِ ابْنتهُ -أَوْ بِنتهُ- حَيْثُ تَرَوْنَ. الحديث الأول: (فما يمنعك أن لا تقاتل) وكان لم يُقاتِل أصلًا في الحروب التي جرَت بين المسلمين لا في صِفِّيْن، ولا في الجَمَل، ولا في مُحاصَرَة ابن الزُّبَير، وغيره. (اغتر) من الاغتِرار -بالمُعجمة، والرَّاء المكرَّرة-؛ أي: تأْويل هذه الآية أحبُّ إليَّ من تأويل الآية الأُخرى التي فيها تَغليظٌ شديدٌ، وتهديدٌ عظيمٌ. ويُروى: (أُعَيَّر) بمهملةٍ، وياءٍ. (يقتلوه) بلا نونٍ؛ لأنَّ حذْفها بلا ناصبٍ وجازمٍ لغةٌ فصيحةٌ.

(عفا عنه)؛ أي: لدُخوله في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]. (وهذه أبنيته) جمع: بِنَاء، وفي بعضها: (ابنتُه)، أي: بِنْتُه، وفي بعضها: (بَيتُه)، وتأنيث الإشارة باعتبار البُقعة. (حيث ترون)؛ أي: بين حُجَر النبي صلى الله عليه وسلم، فبيَّن قُربه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَكانًا ومكانةً. وسبَقَ في (البقرة)، في ({وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39]). * * * 4651 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا بَيَان: أَنَّ وَبَرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا -أَوْ إِلَيْنَا- ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ كَانَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ. (وليس)؛ أي: القِتال معه قتالًا على المُلْك، بل كان قتالًا على الدِّين؛ لأنَّ المشركين كانوا يَفتِنُون المسلمين إما بالقتْل، وإما بالحبْس. * * *

{يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} (باب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65]) 4652 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: لَمَّا نزلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}، فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ: أَنْ لاَ يَفِرَّ عِشْرُونَ مِنْ مِائتَيْنِ، ثُمَّ نزلَتِ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الآيَةَ، فَكَتَبَ أَنْ لاَ يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائتَيْنِ، زَادَ سُفْيَانُ مَرَّةً: نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ}. قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: وَأُرَى الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِثْلَ هَذَا. (مثل هذا)؛ أي: من أنْ لا يفِرَّ الواحدُ من الاثنين، ولا المائةُ من المائتين عند الأَمْر والنَّهي. * * *

{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} الآية إلى قوله: {والله مع الصابرين}

{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} الآية إِلَى قَوِلِهِ: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (باب: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66]) 4653 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}. قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ، نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ. عُلم مما تقدَّم. * * * 9 - سورة بَرَاءَةَ (سورة بَراءة) (وَلِيجَةً): كُلُّ شَيْءَ أَدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ. {الشُّقَّة}: السَّفَرُ. الْخَبَالُ: الْفَسَادُ، وَالْخَبَالُ: الْمَوْتُ. {وَلَا تَفتِنِّي}: لاَ تُوَبِّخْنِي. {كَرْهًا}: وَكُرْهًا وَاحِدٌ. {مُدَّخَلًا}: يُدْخَلُونَ فِيهِ. {يَجْمَحُونَ}:

يُسْرِعُونَ. {وَالمُؤتفكات}: ائتفَكَتْ: انْقَلَبَتْ بِهَا الأَرْضُ. {أهوى}: أَلْقَاهُ فِي هُوَّةٍ. {عَدْنٍ}: خُلْدٍ، عَدَنْتُ بِأَرْضٍ؛ أَيْ: أقمْتُ، وَمِنْهُ: مَعْدِنٌ، ويُقَالُ: فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ: فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ. {الخَوَالِفِ}: الْخَالِفُ الَّذِي خَلَفَنِي، فَقَعَدَ بَعْدِي، وَمِنْهُ: يَخْلُفُهُ فِي الْغَابِرِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ مِنَ الْخَالِفَةِ، وَإِنْ كَانَ جَمْعَ الذُّكُورِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَقْدِيرِ جَمْعِهِ إِلَّا حَرْفَانِ: فَارِسٌ وَفَوَارِسُ، وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ. {الخيرات}: وَاحِدُهَا خَيْرَةٌ، وَهْيَ: الْفَوَاضِلُ. {مُرْجَؤُنَ}: مُؤَخَّرُونَ. الشَّفَا شَفِيرٌ، وَهْوَ: حَدُّهُ، وَالْجُرُفُ: مَا تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالأَوْدِيَةِ. {هَارٍ}: هَائِرٍ. {لَأوَّاهٌ}: شَفَقًا وَفَرَقًا، وَقَالَ: إِذَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ قوله: (الشقة)؛ أي: مِن بعُدت عليهم الشُّقَّة. (هوّة)؛ أي: مكانٍ عميقٍ. قال في "الكشاف": أي: رفعَها على جَناح جبريل، ثم أَهواها إلى الأرض، أي: أسقطَها، وهذه الكلمة وإنْ كانت في سورة النَّجْم؛ لكن ذُكرت هنا لمناسبة: {وَالمؤَتفكات} [التوبة: 70]. (ويجوز أن تكون النساء) هو الظَّاهر؛ لما ذُكر. (على تقدير جمعه) احترازًا عما إذا كان جمعًا للإِناث، وإما احترازًا عن كونه اسمَ جمعٍ. قال (ش): هذا يُوضِّحه قول أبي عُبَيدة في "غَريب القرآن":

يجوز أن تكون الخَوالِف النِّساء، ولا يَكادون يجمعون الرِّجال على تَقدير فَوَاعِل غير أنَّهم قد قالوا: فارِسٌ وفوارسٌ، وهالكٌ وهوالكٌ. قال ابن جذل (¬1): فأَيْقَنْتُ أَنِّي ثائِرُ ابنِ مُكَدَّمِ ... غَداةَ إذٍ أَوْ هالِكٌ في الهوالِكِ وقال ابن قتيبة: الخَوالِف يُقال: النِّساء، ويقال: خِساس النَّاس وأَدنِيَاؤُهم، يُقال: فلانٌ خالفةُ أهلِه: إذا كان دُونَهم، والظَّاهر أن الخَوالِف جمع: خالِف، وهو المُخلَّف بعد القَوم. والمُراد به هنا النِّساء، والصِّبيان، والرِّجال العاجِزون، فلذلك جاز جمعُه للتَّغليب. وقال قَتادة: الخالِفُون: النِّساء، وهو مردودٌ لأجل الجمْع. (الشفا: الشفير)؛ أي: في قوله تعالى: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ} [التوبة: 109]، أي: طرَفٍ. (وهو جده) قد سبَق له في (آل عمران) بغير هذا اللَّفظ. (ما تجرف من السيول) عبارة الجَوْهَري: ما تَجرَّفتْه السُّيول، فيُوفَّق بينه وبين ما في البخاري أنَّ (مِن) للابتداء، أي: تجرَّف مِن جِهَة السَّيل وبسَببه. (هار: هائر) يُريد أنَّه مقلوبٌ مثل: شاكٍ في السِّلاح، وشائِك، ¬

_ (¬1) في الأصل: "ابن جندل"، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (2/ 925).

{براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين}

وهذا أحد الأَقوال فيه. وقيل: حُذفت عينُه اعتِباطًا -بالعين- لغير مُوجِب. وقيل: لا قَلْبَ فيه، ولا حَذْف، وهذا أَعدَل الأقوال؛ لسَلامته من ادِّعاء القَلْب، والحَذْف، ومعناه: ساقِط. (الأوَّاه) وتأَوَّه أي: تكلَّم بكلمةٍ تدلُّ على التوجُّع، وقولهم عند الشِّكاية: أَوَّهْ مِن كذا، إنما هو توجُّعٌ، وكذلك آهةٌ بالمَدِّ، ومعناه أنه لفَرْط تَرحُّمه وحِلْمه كان يتعطَّف على أبيه الكافر إلى أنْ تبيَّن له أنه عدوٌّ لله. * * * {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُذُنٌ}: يُصَدِّقُ. {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهم بِهَا} وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ، وَالزَّكَاةُ: الطَّاعَةُ وَالإخْلاَصُ، {لَا يُؤتُونَ الزَّكَاةَ}: لاَ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ. {يُضَاهُونَ}: يُشَبِّهُونَ. (باب: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1]) 4654 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ نزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}، وَآخِرُ سُورَةٍ نزَلَتْ بَرَاءَةٌ. قوله: (يصدق)؛ أي: يُصدِّق كلَّما سَمِع.

{فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين}

(آخر آية) لا يُنافي قول ابن عبَّاس أنها آية الرِّبا؛ لأنَّ كُلًّا قال باجتِهاده، أو أراد كُلٌّ خاصًّا، وسبَق بَيانه. * * * {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} {فَسِيحُوا}: سِيرُوا. (باب: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]) 4655 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَني حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ، يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى: أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. (تلك الحجة)؛ أي: التي كان أبو بكر أَميرًا على الحاجّ، وذلك في السنَة التاسعة.

(قال أبو هريرة) في بعضها: (أبو بكْر)، والأصحُّ الأول. * * * {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} آذَنَهُمْ: أَعْلَمَهُمْ. (باب: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3]) 4656 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي الْمُؤَذِّنِينَ، بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى: أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَان. قَالَ حُمَيْدٌ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. {إلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 4657 - حَدَّثَنَا إِسحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا

{فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم}

هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَنْ لاَ يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. فَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكبَرِ؛ مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. الحديث الأول، والثاني: (وأخبرني) فيه إشعارٌ بأنَّه أخبَره بغير ذلك أيضًا، فهو عطْفٌ على مُقدَّرٍ. (الحج الأكبر)؛ أي: لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا وقف يوم النحر بين الجمَرات قال: هذا يومُ الحجِّ الأكبَر. * * * {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} (باب: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]) 4658 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ إِلَّا ثَلاَثَةٌ، وَلاَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - تُخْبِرُونَا فَلاَ نَدْرِي، فَمَا بَالُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ

بُيُوتنا، وَيَسْرِقُونَ أَعْلاَقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ، أَجَلْ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كبِيرٌ، لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ. (هذه الآية)؛ أي: آية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]، أي: فقاتلُوهم، فأُقيمَ المُظهَر مُقام المُضمَر. (إلا ثلاثة)؛ أي: ثلاثةٌ آمَنُوا، ثم ارتَدُّوا، وطَعنُوا في الإسلام مِن ذَوي الرِّياسة والتقدُّم، وذلك لأنَّ حُذَيْفة كان صاحبَ سِرِّهِ - صلى الله عليه وسلم - في شأْن المُنافقين، لا يَعرفُهم بعدَه غيرُه. (إنكم أصحاب) بالنصب بفعلٍ مُضمَرٍ. (تخبرونا) بالتَّشديد وعدَمه. (يَبْقُرون) بياءٍ، ثم موحَّدةٍ ساكنةٍ، ثم قافٍ مضمومةٍ، ويُروى بضمِّ أوَّله، وفتْح ثانيهِ، وتَشديد القاف المَكسورة، أي: يَفتَحونَها، والبَقْر أكثَره في الخشَب والصُّخور، قاله (خ). (أعلاقنا) جمع: عِلْقٍ، وهو الشَّيء النَّفيس. (الفُساق)؛ أي: لا الكفَّار، ولا المُنافقون. (لما وجد برده)؛ أي: لم يُحسَّ به، أي: عاقَبَه الله في الدُّنيا ببلاءٍ وخوفٍ لا يَجدُ معه ذَوْقَ الماءِ، ولا طَعْم بُرودَتِه. * * *

{والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}

{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (باب: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ} [التوبة: 34]) 4659 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثنا أبُو الزِّنَادِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ". 4660 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الأَرْضِ؟ قَالَ: كُنَّا بِالشَّأْمِ، فَقَرَأْتُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا، مَا هَذِهِ إِلَّا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ. الحديث الأول، والثاني: (بالرَّبَذَة) براءٍ، وموحَّدةٍ، ومُعجَمةٍ مفتوحاتٍ: مَوضِعٌ قَريبٌ من المدينة، وذلك أنَّه لما ناظَر مُعاويةَ في تفسير الآية تَضجَّرَ من الشَّام، فارتَحلَ إلى المدينة، ثم تَضجَّر من المدينة، فارتَحلَ إلى الرَّبَذَة، فأقام بها. * * *

{يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}

{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (باب: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 35]) 4661 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ، جَعَلَهَا اللهُ طُهْرًا لِلأَمْوَالِ. الحديث فيه ظاهرٌ. * * * {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (الْقيِّمُ): هُوَ الْقَائِمُ. (باب: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]) 4662 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ،

{ثاني اثنين إذ هما في الغار}

السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ؛ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ". (كهيئته)؛ أي: على الوَضْع الذي كان قبْل النَّسِيء، لا زائدًا في العدَد، ولا مُغيَّرًا كل شهرٍ عن موضِعه. وسبَقَ الحديث مرَّاتٍ. * * * {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} (مَعَنَا): نَاصِرُنَا. (السَّكِينَةَ): فَعِيلَةٌ مِنَ السُّكُونِ. (باب قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة: 40]) 4663 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنَا أَنسٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: كنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَارِ، فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا. قَالَ: "مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا"؟ الحديث الأول: من حديث الهجرة، وسبَق. * * *

4664 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ قَالَ حِينَ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ: أَبُوهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَخَالَتهُ عَائِشَةُ، وَجَدُّهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ. فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِسْنَادُهُ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا، فَشَغَلَهُ إِنْسَانٌ، وَلَمْ يَقُلِ: ابْنُ جُرَيْجٍ. الثاني: (فقلت لسفيان إسناده) الإسناد وإنْ كان قد ذكَره أوَّلًا، ولكن أرادَ ثانيًا أنَّ العَنْعَنة بواسطةٍ. * * * 4665 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، فَغَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فتحِلُّ حَرَمَ اللهِ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ! إِنَّ اللهَ كتَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأمُيَّةَ مُحِلِّينَ، وَإِنِّي وَاللهِ لاَ أُحِلُّهُ أَبَدًا. قَالَ: قَالَ النَّاسُ: بَايعْ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ. فَقُلْتُ: وَأَيْنَ بِهَذَا الأَمْرِ عَنْهُ؟ أَمَّا أبُوهُ فَحَوَارِيُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يُرِيدُ: الزُّبَيْرَ، وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الْغَارِ، يُرِيدُ: أَبَا بَكْرٍ، وَأُمُّهُ فَذَاتُ النِّطَاقِ، يُرِيدُ: أَسْمَاءَ، وَأَمَّا خَالَتُهُ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، يُرِيدُ: عَائِشَةَ، وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يُرِيدُ:

خَدِيجَةَ، وَأَمَّا عَمَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَدَّتُهُ، يُرِيدُ: صَفِيَّةَ، ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الإسْلاَمِ، قَارِئٌ لِلْقُرآنِ. وَاللهِ إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُوني مِنْ قَرِيبٍ، وَإِنْ رَبُّونِي رَبَّنِي أكفَاءٌ كِرَامٌ، فآثَرَ التُّوَيْتَاتِ وَالأُسَامَاتِ وَالْحُمَيْدَاتِ، يُرِيدُ: أَبْطُنًا مِنْ أَسَدٍ؛ بَنِي تُوَيْتٍ وَبَنِي أُسَامَةَ وَبَنِي أَسَدٍ، إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَاصِ بَرَزَ يَمْشِي الْقُدَمِيَّةَ؛ يَعْنِي: عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَإِنَّهُ لَوَّى ذَنَبَهُ؛ يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ. الثالث: (بينهما)؛ أي: بين ابن عبَّاس وابن الزُّبَير، قيل: في بعض قِراءَات القرَآن. (كَتَب)؛ أي: قدَّر. (محلين)؛ أي: مُبِيْحين القِتالَ في الحَرَم، يعني به: ابن الزُّبَير. (بايع) بلفْظ الأمر. (وأين هذا الأمر عنه)؛ أي: مَعْدِلٌ عنه، أي: هو أهل لذلك، أي: يَستحقُّ الخِلافة. (وأما عمته فزوج النبي صلى الله عليه وسلم يريد: خديجة)؛ أي: لأنَّها عمَّة أبيه الزُّبَير؛ لأن الزُّبَير هو ابن العَوَّام بن خُوَيلِد، وهي خَديجة بنت خُويلِد، فهي عمةٌ له. (قارئ القرآن والله إن وصلوني وصلوني من قريب) كذا في

جميع النُّسَخ، وسقَط من ذلك قول ابن عبَّاس: (وتركتُ بني عَمِّي إنْ وصلُوني)، الحديثَ، يُريد بني أُميَّة؛ لكونهم من بني عبد مَنَاف، وقد جاء مبيَّنًا كذا في روايةِ ابن أبي خَيْثمة في "تاريخه"، وبهذه الزيادة يستقيم الكلام، وكذا الحديث الآخَر بعدَه: (وإنْ كان لا بُدَّ؛ لأَنْ يَربَّني بَنو عَمِّي)، وفي هذا الحديث: (لأُحاسِبَنَّ نفْسي له ما حاسبتُها لأبي بكر، وعُمر)، وبه يَتمُّ الكلام. (رُبوني) بضم الراء هنا، وفتحُها خطأٌ كما قاله (ع). وقال السَّفَاقُسي: هو بضم الموحَّدة مثل: شَدُّوني، وعَدُّوني، وهو يقتضي فتح الراء، وكذا قال ابن الأَثِيْر، أي: يكونون عليَّ أُمراءَ وسادةً مُقدَّمين؛ فإنَّهم في النَّسَب إلى ابن عبَّاس أقْرب من ابن الزُّبَير. (رَبني) بفتح الرَّاء. (أكفاء)؛ أي: أَمْثال، واحدُه: كُفُؤٌ، وفي بعضها: (رُبوني أَكْفَاء)، أي: على لُغة: أَكلُوني البَراغيثُ. قال (ك): هو بضم الموحَّدة وفتحها، مِن الرَّبِّ، والتَّربية. (فآثر)؛ أي: فذكر ابن عبَّاس بني أَسَد على سبيل التَّحقير والتَّقليل، وفي بعضها: (آثَر) بالمد، أي: قال ابن عبَّاس: فاختار ابن الزُّبَير الأسديين وفضلهم عليّ. (التويتات) جمع: تُوَيْت مصغَّر بمثنَّاتين وواوٍ. (والأُسامات) جمع: أُسامة.

(والحميدات) جمع حُمَيد، وكان المُناسِب لإخوته أن يَقول: بَنِي حُمَيد مكان: بَنِي أَسَد. (القُدَمية) بضم القاف، وفتح المُهملة. قال (خ): يعني التَّبختُر، وهو مثَلٌ، يُريد أنَّه قد بلَغ الغايةَ فيما يَلتمسُه، وكذا قال أبو عُبَيدة. وقال الجَوْهَري: إنَّه بالضَّمِّ، والسُّكون، يُقال: فلانٌ مشَى القُدْميَّة، أي: تَقدَّم، ورُوي: (التقدُّمية) بفتْح الدال وضمها؛ أنَّه تقدَّم في الشَّرف، والفَضيلة على أَصحابه. (عبد الملك بن مروان) بن الحَكَم بن أبي العَاص بن أُميَّة بن عبْد شَمس بن عبْد مَنَافٍ. (لوى ذنبه) بتشديد الواو، ويُقال بالتَّخفيف، وقُرِيء بهما: {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [المنافقون: 5]، كُنِّي به عن النَّوم على الجَنْبَين، وإيثارِ الدَّعَة كما تَفعل السِّبَاع بأذْنابها إذا أرادت النَّوم. قال أبو عُبيد: يُريد أنَّه لم يَبرُز لاكتِساب المَجْد، وطلَب الحَمْد، ولكنَّه زاغَ، وتَنحَّى، أو لم يتمَّ له ما أراد. * * * 4666 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: دَخَلْنَا عَلَى

ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَلاَ تَعْجَبُونَ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ؟ قَامَ فِي أَمْرِهِ هَذَا، فَقُلْتُ: لأُحَاسِبَنَّ نفسِي لَهُ مَا حَاسَبْتُهَا لأَبِي بَكْرٍ وَلاَ لِعُمَرَ، وَلَهُمَا كَانَا أَوْلَى بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْهُ، وَقُلْتُ: ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنُ أَخِي خَدِيجَةَ، وَابْنُ أُختِ عَائِشَةَ، فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عَنِّي، وَلاَ يُرِيدُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَعْرِضُ هَذَا مِنْ نَفْسِي، فَيَدَعُهُ، وَمَا أُرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا، وإنْ كَانَ لاَ بُدَّ لأَنْ يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي غَيْرُهُمْ. الرابع: (أمره)؛ أي: الخِلافة. (لأُحاسبن نفسي)؛ أي: لأطالبَنَّ نفْسي بمُراعاةِ وحفْظِ حقِّه، ولأُنَافِسَنَّ في مَعونتِه، ولأَستَقصيَنَّ عليها في النُّصْح له، والذَّبِّ عنه. (ما حاسبتها)، (ما) للنَّفْي، واللام في (ولهما) للابتِداء، ولا يُريد ذلك القول إذا عاتبَه. (يتعلى)؛ أي: يَرتفع عليَّ متجنِّبًا عني. (فقلت) هو من كلام ابن عبَّاس لا ابن أبي مُلَيكة، أي: قلتُ في نفْسي ذلك: فُلانٌ تَركني تركتُه. (أعرض)؛ أي: أُظهر هذا من نفْسي، وأَرضَى به، فيتركُه، ولا يَرضى هو بذلك. (وما أراه)؛ أي: ما أظنُّه يُريد خيرًا، يعني في الرَّغبة عني، أي:

{والمؤلفة قلوبهم}

إنَّ ذلك منه لا أظنُّه خيرًا. (بنو عمي)؛ أي: الأُمويُّون. (يربني)؛ أي: يكون ربًّا عليَّ، وأَميرًا، وربَّه بمعنى: رَبَّاهُ، وقامَ بأَمره، وملَك تَدبيره. قال الحافظ إسماعيل في "كتاب التخيير": يعني قولَه: (لأَنْ يَرُبَّني بَنو عَمِّي أحبُّ إليَّ من أنْ يَرُبَّني غيرُهم): لأنْ أَكُونَ في طاعتهم أحبُّ إليَّ مِن بني أَسَد. * * * {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَألَّفُهُمْ بِالْعَطِيَّةِ. (باب: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 65]) قيل: كان ينبغي أن (¬1) يُترجِمَ ما ذكر في الباب بقوله تعالى: {وَمِنهُم مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58]، ويُدخِل حديثَ أبي سعيد في ذي الخُوَيْصِرة الذي خرَّجه في (المرتَدِّين). * * * 4667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ¬

_ (¬1) "أن" ليس في الأصل.

{الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين}

ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ: "أتألَّفُهُمْ"، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ: "يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ". (أربعة) هم: الأقْرَع بن حابِس، وعُيَيْنة بن بَدْر، وزيد بن مُهَلْهِل، وعَلْقمة بن عَلاثة -بالمثلثة-. (رجل) هو ذو الخُوَيصرة. (ضِئْضِئِ) بكسر المعجمتين، وسُكون الهمزة، هو الأصل، ومثْله السِّنْح، والجِذْم، فيحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد مَن ينتمي إلى ذلك الرجل نسَبًا، ويحتمل مَذْهبًا، فعلى الأول يكون المراد من نسل هذا، ثم اختُلف في التألُّف هل يكون قبل أن يسلموا أو بعدها ليتَمادوا؟، واختُلف أيضًا في قطع ذلك، فقيل: في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه -، وقيل: في خلافة عُمر - رضي الله عنه -، واختلف هل نسخ (¬1) ذلك أو الحكم باقٍ؟. وسبَقَ الحديث في (كتاب الأنبياء). * * * {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {يَلْمِزُونَ}: يَعِيبُونَ. وَجُهْدَهُمْ، وَجَهْدَهُمْ: طَاقتَهُمْ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "وهل" بدل "واختلف هل نسخ"، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (2/ 929).

(باب: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التوبة: 79]) 4668 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أبُو مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نتَحَامَلُ، فَجَاءَ أبُو عَقِيلٍ لِنصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ إِلَّا رِئَاءً. فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ} الآيَةَ. الحديث الأول: (نتحامل)؛ أي: نتكلَّف في الحَمْل من حطَبٍ ونحوه، وصوابه: (كنا نُحامِلُ)، كما سبَق في بقيَّة الرِّوايات. (أبا عَقيل) بفتح المهملة: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن ثَعْلَبة، كان اسمه عبد العُزَّى، فسمَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، شَهِد بدرًا وما بعدها، واستُشهد يوم اليَمَامة. (نصف صاع) سبَق في (الزكاة): أنَّه جاءَ بصاعٍ، لكنه يحتمل أنَّ ذلك غير أبي عَقِيْل، بل والنِّصف الثاني لا يُنافي المَجيءَ بالكلِّ؛ لجَواز أنَّه أتَى بنصفٍ، ثم بنصفٍ. ورُوي أن أبا عَقِيل جاءَ بتمراتٍ، فقالوا: الله غنيٌّ عن صدَقته، ولكنه أراد أن يُذكِّر بنفْسه ليُعطَى من الصَّدَقات، وجاء عبد الرَّحمن بن

{استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة}

عَوْف بأربعين أُوقيَّةٍ من الذَّهَب، فقالوا: ما أعطى إلا رِياءً. * * * 4669 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ زَائِدَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، فَيَحْتَالُ أَحَدُنَا حَتَّى يَجيءَ بِالْمُدِّ، وَإِنَّ لأَحَدِهِم الْيَوْمَ مِائَةَ ألفٍ. كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَفْسِهِ. الثاني: (فيحتال)؛ أي: يجتهد، ويسعى. (يعرض بنفسه)؛ أي: ابن مَسْعود، ويُعرِّض بأنَّه صارَ من أرباب الأموال الكثيرة، والقَصْد ذكر الضِّيْق الذي في زمَن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والسَّعَة التي بعدَه بالفتوحات. * * * {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (باب: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80]) 4670 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ،

فَأَعْطَاهُ، ثُمِّ سَأَلهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُصَلِّيَ، فَقَامَ عُمَرُ، فَأَخَذ بِثَوْب رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! تُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نهاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}، وَسأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ". قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}. الحديث الأول: (فأعطاه)؛ أي: مكافأة له على ما أعطَى يوم بدْرٍ قميصًا للعبَّاس، حتى لا يكون للمُنافق عليه مِنَّةٌ. (وقد نهاك ربك أن تصلي عليه)؛ أي: لا بقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 84]، فإنها إنما أُنزلت بعدُ كما صرَّح به في آخِر الحديث، حتى جعَل بعضُهم ذلك وهمًا في الحديث، وأنَّ حديث ابن عبَّاس الآتي ليس فيه: (وقَدْ نَهاكَ اللهُ)، بل ولا في طريقٍ آخر عن ابن عُمر، بل يُقال: لعلَّ عُمر - رضي الله عنه - إنما فَهِم النَّهي من قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]، أو من قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]؛ فإنَّه إذا لم يكُن للاستغفار فائدةٌ كان عبَثًا، وهو منهيٌّ عنه. (وسأزيده) حمل صلى الله عليه وسلم عدَد السَّبعين على حقيقته، وعُمر حملَه

على المُبالَغة، ورأَى الشِّدَّة على المنافقين. قال (خ): فيه حُجَّةٌ لمن رأَى الحُكْم بالمَفهوم؛ لأنه جعَل السَّبعين بمنزلة الشَّرط، فإذا جاوز هذا العدَد كان بخلافه، وقصَد صلى الله عليه وسلم الشَّفاعة على من تعلَّق بطرَفٍ من الدِّين، والتَّألُّف لأُمته ولقَومه، فاستعمل أحسَن الأمرَين وأفضلَهما. * * * 4671 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْل، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ، دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَثَبْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أتصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَبسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ"، فَلَمَّا أكثَرْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: "إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ، لَزِدْتُ عَلَيْهَا". قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نزَلَتِ الآيتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إِلَى قَوْلهِ: {وَهُمْ فَاسِقُونَ}، قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

{ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}

الثاني: (خيرت)؛ أي: بين الاستِغفار وعدَمه، فاختَرتُ الاستغفارَ. * * * {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (باب: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 84]) 4672 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِيهِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: تُصَلِّي عَلَيْهِ وَهْوَ مُنَافِقٌ؟ وَقَدْ نهاكَ اللهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ! قَالَ: "إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ، أَوْ أَخْبَرَنِي فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} "، فَقَالَ: "سَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ". قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}. فيه الحديث في عبد الله بن أُبَيٍّ. وقد سبَقت فيه مباحث في (الجنائز)، في (باب: الكفن في

{سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون}

القميص)، وفي (باب: الصلاة على المنافقين). * * * {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (باب: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} [التوبة: 95]) 4673 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ: وَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي أَعْظَمَ مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنْ لاَ أكُونَ كَذَبْتُهُ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أُنْزِلَ الْوَحْيُ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} إِلَى {الْفَاسِقِينَ}. (تبوك) غير منصرفٍ. (أن لا أكون كذبته) لا منافاةَ بينهما؛ لأنَّ المستقبَل في معنى الاستِمرار المتناوِل للماضي. وقال (ع): كذا في نُسَخ "الصحيحين"، والمعنى: أَنْ أَكُون، و (لا) زائدةٌ. وسبَقَ الحديث بطوله في (المغازي). * * *

{وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم}

{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (باب: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} [التوبة: 96]) 4674 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّل -هُوَ ابْنُ هِشَامٍ-، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَنَا: "أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِي، فَانتُهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فتلَقَّانَا رِجَالٌ؛ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَح مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالاَ لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ. فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالاَ لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالاَ: أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، فَإِنَّهمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ". (آتيان)؛ أي: ملَكان. وسبَقَ شرح الحديث قبل (التفسير). (ابتعثاني)؛ أي: من النَّوم. (الذين كانوا) في بعضها: (الذي كانوا)، فيُؤوَّل كما في: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]، وقَسِيْم (أَما) ما يُفهَم من قوله: (وهذاك مَنْزِلُك)، أي: وأما هذا فمَنْزلك.

{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}

(كانوا شطر منهم حسن) قياسه أنْ يُقال: كان شَطْرٌ منهم حسَنًا، إلا أن تُجعل (كان) تامةً، و (شطْر) مبتدأ، و (حسن) خبره، والجملة حالٌ بدون الواو نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الأعراف: 24]. * * * {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} (باب: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]) 4675 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَيْ عَمِّ! قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ. أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ". فَقَالَ أبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ! أترْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ". فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}. (عن أبيه) سبَق مراتٍ أنَّ فيه دَفْعًا لقَول الحاكم: إن شَرْط البخاري أنْ يَرويَ عن كل راوٍ راويان، وأنَّه لعلَّه الرَّاوي غير الصَّحابي. (أحاج) جواب الأمر.

{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم}

وسبَق في (الجنائز). * * * {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (باب: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 117]) 4676 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونس. قَالَ أَحْمَدُ: وحَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ ابْنُ كعْبٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ". الحديث الأول: سبَق ما فيه في حديث تَوبة كعْب.

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. * * * 4677 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ: أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، وَهْوَ أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ: أنَّهُ لَمْ يتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ؛ غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ وَغَزْوَةِ بَدْرٍ. قَالَ: فَأَجْمَعْتُ صِدْقَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى، وَكَانَ قَلَّمَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ سَافَرَهُ إِلَّا ضُحَّىَ، وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْمَسْجدِ، فَيَرْكَعُ ركعَتَيْنِ، وَنهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلاَمِي وَكَلاَمِ صَاحِبَيَّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلاَمِ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ غَيْرِنَا، فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلاَمَنَا، فَلَبِثْتُ كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الأَمْرُ، وَمَا مِنْ شَيْءِ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ، فَلاَ يُصَلِّي عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ يَمُوتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَكُونَ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، فَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلاَ يُصَلِّي عَلَيَّ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نبَيِّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مَعْنِيَّةً فِي أَمْرِي،

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ! تِيبَ عَلَى كَعْبٍ"، قَالَتْ: أفلاَ أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُمْ قَالَ: "إِذًا، يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ، فَيَمْنَعُونكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ". حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْفَجْرِ، آذَنَ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا، وَكَانَ إِذَا اسْتَبْشَرَ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقَمَرِ، وَكنَّا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنِ الأَمْرِ الَّذِي قُبِلَ مِنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا حِينَ أَنْزَلَ اللهُ لَنَا التَّوْبَةَ، فَلَمَّا ذُكِرَ الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ، وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ، ذُكِرُوا بِشَرِّ مَا ذُكِرَ بِهِ أَحَدٌ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} الآيَةَ. الثاني: (محمد، ثنا أحمد) قال الغَسَّاني: لم يقع في نسُخة ابن السَّكَن ذكْر محمد قبل أحمد، وثبَت لغيره من الرُّواة، واضطرَب قول الحاكم فيه، فمرةٌ يقول: هو ابن النَّضْر بن عبد الوهَّاب، ومرةً: ابن إبراهيم البُوشَنْجِي، وقال: وعندي أنه ابن يحيى الذُّهْلِي. (غزوة العُسْرة) وهي غزْوة تَبُوك. (فأجمعت)؛ أي: عزمتُ. (صاحبي)؛ أي: مُرَارة بن الربيع، وهِلال بن أُمية.

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}

(أهم) يقال: أهمَّه الأمرُ، أي: أقلقَه، وأحزنَه. (ولا يصلى) مبنيٌّ للمفعول، وفي بعضها: (لا يُسَلم). (معينه) من الإِعانة، أي: النُّصْرة، أو مَعْنيَّةٌ، بفتح الميم، وتشديد الياء بعد النُّون. قال (ع): ذات اعتِناءٍ. (يخطفكم) مجازٌ عن الازدحام، وفي بعضها: (يحطِمُكم) بمهملتين. (أيها الثلاثة) بلفْظ النِّداء، ومعناه الاختصاص. (خلفنا عن الأمر)؛ أي: ليس المعنى في الآية التخلُّف عن الغَزْوة، بل التخلُّف عن حُكْم أمثالهم من المُتخلِّفين عن الغَزْوة. * * * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]) 4678 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ- قَالَ: سَمِعْتُ كعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ: فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْلاَهُ اللهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}؛ من الرأفة

رَسُولهِ صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} إِلَى قَوْلهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. (عن قصة) متعلِّقٌ بقوله (يُحدِّث). (أبلاه) هو الابتلاء بالخير والشر، وفي بعضها: (ابتَلاهُ). * * * {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}؛ مِنَ الرَّأْفَةِ (باب: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128]) 4679 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ: أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه - وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أتانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرحَ اللهُ لِذَلِكَ صدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زيدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يتَكَلَّمُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ، وَلاَ نتَّهِمُكَ،

كنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجبَالِ مَا كَانَ أثقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ، فتتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهِمَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَاللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ. وَقَالَ مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ. وَتَابَعَهُ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ أَبُو ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ: مَعَ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ.

(اليمامة) بتخفيف الميم: مدينةٌ باليمَن، والمراد بمقتَلِهم: مُقاتلة الصحابة - رضي الله عنهم - مُسيلمةَ الكذَّابَ. (استحر)؛ أي: اشتدَّ، وكثُرَ، وهو استَفْعَل من الحَرِّ، والمَكروه أبدًا يُضاف إلى الحَرِّ، والمَحبوب إلى البَرْد، ومنه المَثَل: يَتولَّى حَارَّها مَن تَولَّى قَارَّهَا. (خير) يحتمل أنه أفْعَل تفضيلٍ، والمراد أفضليَّته باعتبار هذا الزَّمان، وترَك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأنه خيرٌ في عَهْده؛ لعدَم تَمام النُّزول، واحتمال النَّسْخ ونحوِه. (والعُسُب) بضم المهملتين: جمع عَسِيْب، وهو سُعُف النَّخْل، كانوا يَكتُبون فيها. (آيتين مع خُزيمة) إنما ألحقَها بالقرآن وشَرْطُه التَّواتر؛ لأنَّ المعنى: لم أجدهما مَكتوبتَين عند غيره، أو المراد: لم أَجدْهما مَحفوظَتين، ولأنَّ المقصود بالتَّواتر العِلْم، وخبر الواحد إذا احتفَّتْ به القرائن المُفيدة لليقين أفادَ العِلْم، والقرائن هنا كتابتُهما، وأنَّ مثْله لا يَقدِر في مثْله بمحضَر الصحابة أنْ يقول إلا حقًّا وصِدْقًا، والجواب الأوَّل أَولى. (تابعه عثمان) وصلَه أحمد، وإسحاق في "مسنديهما". (والليث عن يونس) موصولٌ في (فضائل القرآن). (وقال الليث) وصلَه البَغَوي في "معجمه".

(مع أبي خُزيمة)؛ أي: لم يقل: مَعَ خُزَيمة، أي: وهو ابن أَوْس البُخاري. (وقال موسى)؛ أي: ابن إسماعيل، موصولٌ في (التوحيد). (وتابعه يعقوب) وصلَه أبو يَعلَى، وابن أبي داود في "المَصاحف". (وقال أبو ثابت) موصولٌ في (الأحكام)، والمراد أنَّه في هذه الطريق الثَّالث تردَّدَ بين خُزيمة وأبي خُزيمة. قال (خ): هذا مما يَخفَى على كثيرٍ، فيتهمون أنَّ بعض القرآن أُخِذ من الآحاد، ولكن القُرآن كلَّه كان مجموعًا في صُدور الرِّجال في حياته - صلى الله عليه وسلم - بهذا التَّأْليف الذي نقرؤُه إلا سورةُ براءة، فإنَّها نزَلتْ آخِرًا لم يُبيِّن لهم صلى الله عليه وسلم موضعَه. وثبَت أنَّ أربعةً من الصَّحابة كانوا يجمعون القُرآن كلَّه في زمانه، ولهم شُركاء، ولكن هؤلاء أكثَر تَجريدًا للقِراءة؛ فتبين أنَّ جمع القرآن كان متقدِّمًا على زمان أبي بكر، وأما جمْع أبي بكر فمعناه: أنَّه كان قبْل ذلك في الأَكتاف ونحوها، فهو قد جمعَه في المُصحَف، وحوّله إلى ما بين الدُّفَّتَين، ولعلَّ النبي صلى الله عليه وسلم ترَك الجمْع في مصحفٍ كما فعل الصحابة؛ لأنَّ النَّسْخ قد كان يَرِدُ على التِّلاوة، فلو جمَعه بين الدُّفَّتَين وسارتْ به الرُّكبان إلى البُلدان، ثم تُنسخ تلاوته لأَدَّى ذلك إلى اختِلافٍ عظيمٍ فيه، فحَفِظَه الله تعالى منه إلى أنْ خُتِم بوفاته صلى الله عليه وسلم، ثم قُدِّر لخُلَفائه باتفاق سائر الصحابة جَمْعُه بين الدُّفَّتَين عند الحاجة، وحين لم يكُن للنَّسْخ ترقُّبٌ.

فإن قيل: إذا كان محفوظًا في الصُّدور فما الحاجة إلى استخراجه من الرقاع ونحو ذلك؟، فجوابه: أنَّ ذلك استظهارٌ. فإنْ قيل: فما معنى قول زيد: لم أَجدْهما إلا مع خُزيمة؟، قيل: ما سبَق أنَّهما لم يكونا محفوظتَين فيما بلَغ زيدًا إلا لخُزَيمة، وذلك لقُرب العَهْد بنُزولها، فألحقها زيا بآخِر السُّورة، وإذًا وافق ذلك المَكتوبَ في الظُّروف. وأما الذي اعتمدَه الفقهاء في جمْع القرآن فهو أن جميع ما وُضع بين الدُّفَّتين إنما كان عن اتفاق الشَّيخين، ووافقَهما عُثمان عليه، وكان زيدٌ كاتبَ الوحي، وهو الذي وَلِيَ الجَمْع، ثم اتفاق المَلأ من الصحابة على أن ما بين الدُّفَّتين قرآنٌ، لم يَختلفوا في شيءٍ منه، فهذا هو الحُجَّة فيه، ولا يُنكر أنْ يكون غيرُ خُزَيمة أيضًا حَفِظَ الآيتين، وثبت العِلْم به عند الصَّحابة، حتى حصَل الإجماع عليه، وإنما كان ما ذكَره زيد حكايةً عن نفسه، ومَبْلَغ عِلْمه في الحال المتقدِّمة، ولا بُدَّ مع ذلك أن يكون قد تَظاهرَ به الخبَر من قِبَل غيره، ومن جِهاتٍ شتَّى اشتَركوا كلُّهم في علمه، فصار ذلك شهادةً من الجَمِّ الغَفير به، فثبَت به حُكم الإجماع، وزالَ اعتبارُ ما قبلَه من رواية الآحاد، ولله الحمد. * * *

10 - سورة يونس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم 10 - سورة يُونُسَ (سورة يونسُ عليه الصلاة والسلام) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: (فَاخْتَلَطَ): فَنَبَتَ بالْمَاءِ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ. و {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ}. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ): مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَيْرٌ. يُقَالُ: {تِلْكَءَايَتُ}؛ يَعْنِي: هَذِهِ أَعْلاَمُ الْقُرْآنِ، وَمِثْلُهُ: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}؛ الْمَعْنَى: بِكُمْ. (دَعْوَاهُمْ): دُعَاؤُهُمْ. (أُحِيطَ بِهِمْ): دَنَوْا مِنَ الْهَلَكَةِ، {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}. فَاتَّبَعَهُمْ وَ (أتبَعَهُم) وَاحِدٌ. (عَدْوًا): مِنَ الْعُدْوَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ}: قَوْلُ الإنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ لاَ تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ، {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}: لأُهْلِكُ مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ وَلأَمَاتَهُ. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى}: مِثْلُهَا حُسْنَى، {وَزِيَادَةٌ}: مَغْفِرَةٌ. (الكِبرِيَاءُ): الْمُلْكُ.

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. {نُنَجِّيكَ}: نلقِيكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الأَرْضِ، وَهْوَ: النَّشَزُ؛ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ. (قدم صدق محمد صلى الله عليه وسلم) قيل فيه أيضًا: إنَّ المُراد به الخيْر، وصوَّب في "الكشَّاف": أي: السَّابقة والفَضْل. (وزيادة)؛ أي: مَغفرةٌ ورضوانٌ كما في حديثٍ مرفوعٍ رواه التِّرْمِذي: "الزِّيادَة: النَّظَر إلى وجْه اللهِ تعالى في الجَنَّة". (فاتبعهم وأتبعهم واحد) هذا أحَد القولَين، وقيل: اتبَعَه في الأمر: اقتَدَى به، وأتبَعه -بقطْع الألف- تَلاهُ. (نجوة)؛ أي: رَبْوةٍ مرتفعةٍ، والجمْع: نِجًا، بكسر النون، والقصر، أو من النَّجا، وهو العَلامة. وتفسيره قِراءةَ بعضهم بالحاء المهملةِ من التَّنحِية، أي: نلُقيك بناحيةٍ مما يلي البحر، وفي "تفسير عبد الرَّزَّاق": أنَّه رَماهُ إلى ساحِل البَحْر كالثَّور. (النشز) بنونٍ، ومعجمةٍ، وزايٍ. * * *

11 - سورة هود

4680 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثنا غُنْدَرٌ، حَدَّثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: "أَنتمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ، فَصُومُوا". (ظهر)؛ أي: غَلَب. وأما الحديث فمُناسبته للتَّرجمة: غلَبة موسى -عليه الصلاة والسلام- على فِرْعَون. وسبَق في (الصوم). * * * 11 - سورة هُودٍ (سُورة هود عليه الصلاة والسلام) وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: الأَوَّاهُ: الرَّحِيمُ بِالْحَبَشِةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بادِيَ اَلرأيِ}: مَا ظَهَرَ لنا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْجُودِيّ}: جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {إِنَّكَ لَأنْتَ الحَلِيمُ}؛ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أقلعِي}: أَمْسِكِي. {عَصِيبٌ}: شَدِيدٌ.

{لَا جَرَمَ}: بَلَى. {وَفَارَ التَّنُّوُرُ}: نَبَعَ الْمَاءُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ. {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}. وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَحَاقَ}: نزَلَ، يَحِيقُ: يَنْزِلُ. يَؤُوسٌ: فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تبتئس}: تَحْزَنْ. {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}: شَكٌّ وَامْتِرَاءٌ فِي الْحَقِّ. {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}: مِنَ اللهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا. قوله: {يثنون}؛ أي: أنَّه مِن الثَّني، وهو الشَّكِّ في الحَقِّ، والازْوِرَار عنه. (الحليم الرشيد) هو على سَبيل الاستِهزاء، أي: السَّفيه الغَوِيُّ. (الجودي) جبَل بالجَزيرة التي بين دِجْلَة والفُرات بقُرب المَوصِل. * * * 4681 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: (أَلاَ إِنَّهُمْ تثنَوْنِي صُدُورُهُمْ)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: أُناَسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاء، وَأَنْ يُجَامِعُوا

نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ. الحديث الأول: (يثْنُوْنِي) بمثنَّاة مفتوحةٍ، ثم مثلَّثة ساكنةٌ، ثم نونٌ مفتوحةٌ، ثم واوٌ ساكنة، ثم نونٌ مكسورةٌ بوزْن يَحْلَوْلي يَفْعَوْعِل، وهو بناء مبالغةٍ كاعْشَوشَبَ، وجعَل الفعل للصُّدور، أي: يَلتَوي. قال (ك): وفي بعضها بتاءِ الإناث، أي: لأنَّ الصُّدور تُؤنَّث. وفي بعضها: (يَثْنَونِ) بحذف الياء تخفيفًا. قال (ش): وعن ابن عبَّاس قِراءاتٌ أُخرى: (يَثْنَوِنِّ)، بفتح الياء، وسكون المُثلَّثة، وفتح النون، وكسر الواو، وتشديد النون الأَخيرة، والأصل: يَثْنَوْيِن على وزْن: يَفْعَوْعِل من الثَّن، وهو ما حُشَّ وضَعُف من الكَلأ، ويَثْنَوِي بوزن: يَرْعَوِي، وهي مشلكةٌ. قال أبو حاتم: إنَّ هذه القراءة غلَطٌ لا تتجِهُ؛ لأنه لا معنى للواو في هذا الفعل؛ إذ لا يُقال: ثَنَوتُه كرَعَوتُه، أي: كفَفْتُه، فارعَوى، أي: فانكَفَّ، ووزْنه افْعَلَّ كاحْمَرَّ. * * * 4682 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ: (أَلاَ إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ) قُلْتُ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ! مَا تثنَوْنِي صُدُورُهُمْ؟ قَالَ: كَانَ

الرَّجُلُ يُجَامِعُ امْرَأتهُ فَيَسْتَحِي، أَوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِي، فَنَزَلَتْ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}. الثاني: (يتخلى) يُروى بالمعجمة، من الخَلْوَة، أي: يدخُل في الخَلاء، أي: كانوا يَكشفُون عَوراتهم في الخَلاء، أو عند الجِماع، فيُميلون صُدورهم، ويغطُّون رؤُوسهم استحياءً، فقال الله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود: 5]، ويُروى بالمهملة، مِن حلاوة (¬1) قفاه. * * * 4683 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ}. وَقَالَ غَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (يَسْتَغْشُونَ): يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ. (سِيءَ بِهِمْ): سَاءَ ظَنُّهُ بِقَوْمِهِ. (وَضاقَ بِهِمْ): بِأَضْيَافِهِ. {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}: بِسَوَادٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (أُنِيبُ): أَرْجِعُ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "حلاة"، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (2/ 932).

الثالث: كالذي قبلَه. (وضاق بهم)؛ أي: في قوله تعالى: {سِىَءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} [هود: 77]، الضمير الأول للقَوم، والثاني للأَضياف. (الكبير) بالمُوحَّدة أو المُثلَّثة. (أُختان)؛ أي: هما في هذه الكلمة بمعنًى واحدٍ، والمَشهور أنَّ سِجِّيْل مُعرَّبٌ كما سيأتي تفسيره في (سورة الفيل) نقلًا عن ابن عبَّاس. (تَميم بن مُقْبِل) ضد المُدْبِر، وقال الصَّاغَاني: هو تميم بن أُبَيٍّ، بضم الهمزة، وفتح المُوحَّدة، ابن مُقْبِل. (ورجله)؛ أي: رجاله ضِدُّ الفُرسان، وهو بالجر، وقيل: بالنَّصْب عطفًا على ما قبلَها، وهو قول الشاعر: وإنْ فسَاءَ صَبوحًا (البيض) بكسر المُوحَّدة: جمع أبيَض، وهو السَّيف، وبفتْحها واحدُه بَيضة، أي: بَيضة الحديد. (ضاحية)؛ أي: وقْت الضُّحى، أو علانيةً. قال الصَّاغَاني: والرِّواية عن عُرُض بضمتين بدَل: ضاحيةً، وتَوَاصَتْ بدَل: تَوَاصَى، والمراد: أنهم يَضربُون مواضع البيض، وهي الرُؤوس.

ورواه الجَوْهَري: فيَضرِبُون الهامَ عن عُرُض ضَربًا. (الأبطال) جمع: بطَل، وهو الشُّجاع. (سجينًا)؛ أي: شَديدًا، نعَمْ، البَيت لا يدلُّ عل أنَّ سِجِّيل باللام بمعنى الشَّديد، ولا أنهما بمعنًى. (الفلك)؛ أي: مفردُه وجمعُه سواءٌ، أي: لكنْ ضمَّة المُفرَد ضمةُ قُفْل، وضمة الجمْع ضمَّة أشدِّ، قال تعالى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41]، وقال: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22]. ومنْهم من ضبَطه في البخاري بسُكون اللام في الأُولى وفتحها في الثَّانية. قيل: وصوابه: الفَلَكُ واحدٌ، والفُلْك جمع، بفتحتين في الأُولى، ويضم الفاء وإسكان اللام في الثَّانية، ولكنَّ الصَّواب -كما قال (ع) - ما سبق. (مُجراهما) بضم الميم. (موقفها) قال (ش): كذا لبَعضهم، والصَّواب: مَجرَاها: مَسِيْرها. (ومرساها) موقِفُها، ومَحبَسها، مَصدران بمعنى: الإِجْراء، وقُرئ بفتح ميمِهما مِن الجَرْي والرُّسوِّ. أما مجراها، ففي السبعة قرأَ بها: الأَخَوان، وحفْص، واتفقُوا على ضمِّ ميم مُرسَاها، وقرأ ابن مَسعود وغيرُه: مَرسَاها، بالفتح.

{وكان عرشه على الماء}

(من فعل بها) أشارَ إلى أنه قُرئ: مُجرِيْها، ومُرسِيْها، بضم الميم اسمَ فاعلٍ، أو اسم مفعول وحينئذ فقوله: (من فعل) إما مبني للفاعل أو للمفعول؛ أي: مجرًى بها. (تأكيد التجبر)؛ أي: الذي في "كتاب أبي عُبَيد": أنَّه هو الجائِر العادِل عن الحَقِّ، وفي "كتاب ابن قُتَيبة": المُعارِض لك بالخِلاف عليك. (وفار التنور)؛ أي: نبَع الماءُ، والمراد غلَبة الماءِ، وظُهور العذاب، كما في: حَمِيَ الوَطِيْسُ، فلا فَرْقَ بين (حَمِيَ) وبين (فارَ). * * * {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]) 4684 - حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ عز وجل: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيرْفَعُ". {اعْتَرَاكَ}: افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ؛ أَيْ: أَصَبْتُهُ، وَمِنْهُ: يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي.

{آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}؛ أَيْ: فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ. {عَنِيدٍ} وَعَنُودٌ وَعَانِدٌ وَاحِدٌ، هُوَ تأكيدُ التَّجَبُّرِ. {وَاسْتَعْمَرَكُمْ}: جَعَلَكُمْ عُمَّارًا، أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ، فَهْيَ عُمْرَى: جَعَلْتُهَا لَهُ. {نَكِرَهُمْ} وَأَنْكَرَهُمْ وَاسْتَنْكَرَهُمْ وَاحِدٌ. {حَمِيدٌ مَجِيدٌ}؛ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ. سِجِّيلٌ: الشَّدِيدُ الْكَبِيرُ، (سِجِّيلٍ) وَ (سِجِّينٌ) وَاللَّامُ وَالنُّونُ أختَانِ، وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ: وَرَجْلَةٍ يَضْرِبُونَ الْبَيْضَ ضَاحِيَةً ... ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّينَا {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}: إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ؛ لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، وَاسْأَلِ الْعِيرَ؛ يَعْنِي: أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَالْعِيرِ. {وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا}: يَقُولُ: لَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وَيُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ الرَّجُلُ حَاجَتَهُ: ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي، وَجَعَلْتَنِي ظِهْرِيًّا، وَالظِّهْرِيُّ هَاهُنَا: أَنْ تأخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ. {أَرَاذِلُنَا}: سُقَاطُنَا. {إِجْرَامِي}: هُو مَصْدَرٌ مِنْ أَجْرَمْتُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: جَرَمْتُ. {الْفُلْكُ} وَالْفَلَكُ وَاحِدٌ، وَهْيَ: السَّفِينَةُ وَالسُّفُنُ. (مُجْرَاهَا): مَدْفَعُهَا، وَهْوَ مَصْدَرُ أَجْرَيْتُ، وَأَرْسَيْتُ: حَبَسْتُ، وَيُقْرَأُ: (مَرْسَاهَا) مِنْ رَسَتْ هِيَ، و (مَجْراهَا) مِنْ جَرَتْ هِيَ،

{ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}

و (مُجْرِيهَا) وَ (مُرْسِيهَا): مِنْ فُعِلَ بِهَا، الرَّاسِيَاتُ: ثَابِتَاتٌ. (لا يغيضها)؛ أي: لا ينقصها، وهو لازمٌ ومتعدٍّ. (سحاء) فَعْلاء، مِن السَّحِّ، وهو الصَّبُّ والسَّيَلان كأنَّها لامتلائها بالعَطاء تَسيلُ. (الليل والنهار) نصب على الظَّرفية. (وبيده الميزان)؛ أي: العَدْل بين الخلْق، وهو من المُتشابِه، فمَناطه هنا التَّفويض والتَّأْويل. * * * {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وَاحِدُ الأَشْهَادِ: شَاهِدٌ، مِثْلُ: صَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ. (باب: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ} [هود: 18]) 4685 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، وَهِشَامٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: بَيْنَا ابْنُ عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَوْ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ! سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُدْنىَ الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ -وَقَالَ هِشَامٌ: يَدْنُو الْمُؤْمِنُ- حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ

{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}

كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ: تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ يَقُولُ: أَعْرِفُ، يَقُولُ: رَبِّ أَعْرِفُ مَرَّتَيْنِ، فَيَقُولُ: سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الآخَرُونَ أَوِ الْكُفَّارُ، فَيُنَادَى عَلَى رُؤسِ الأَشْهَادِ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ". وَقَالَ شَيْبَانُ: عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ. (النجوى)؛ أي: المُناجاة بين الله تعالى، والمؤمِن، وإنما أَطلَقها لمُقابلة خِطَاب الكُفَّار على رُؤوس الأَشْهاد. (كنفه) بفتح النون، أي: ستره، وهو أيضًا من المُتشابِه. (الآخرون) بالمَدِّ، وفتْح الخاء وكَسْرها، وفي بعضها بالقَصْر والكَسْر، أي: المُدبِرون المتأَخِّرون عن الخير. * * * {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (الرفِدُ المَرفُودُ): الْعَوْنُ الْمُعِينُ، رَفَدْتُهُ: أَعَنتهُ. (تَرْكَنُوا): تَمِيلُوا. {فَلَوْلَا كَانَ}: فَهَلَّا كَانَ. (أُتْرِفُوا): أُهْلِكُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ): شَدِيدٌ، وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ. (باب: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102]) قوله: (المعين) كذا في النُّسَخ، وهو تفسير للمَرفُود، فالوجْه:

المُعَانُ إلا أن يكون الفاعِل فيه بمعنى: المفعول، أو يكون من باب: ذِي كَذَا، أي: عَونٍ: ذي إعانةٍ. وقال مجاهد، وزيدٌ: المعونة في القيامة، والمعنى: الذي يَقوم لهم مَقام المَعونة اللَّعن، والتقدير: بِئْس الرِّفْدُ المَرفُودُ. (أترفوا: أهلكوا)؛ أي: كان تَرَفُهم لهلاكهم؛ لأنَّه أَطغاهم، وإلا فالإتْراف إنما هو التَّنعيم، فكيف يكون إهلاكًا؟!. * * * 4686 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ ابْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ". قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}. (ليملي للظالم)؛ أي: يُمهِلُه، قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ} [الأعراف: 183]، أي: أُطيل لهم المُدَّةَ. (لم يفلته) من الإفْلات، أي: لم يُؤخِّره، أو لم يُخلِّصه أبدًا؛ لكثْرة مَظالمه بالكُفْر وغيره، فإنْ كان الظلم في مؤمنٍ فلا يخلِّصه مدةً طويلةً. * * *

{وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} {وَزُلَفًا}: سَاعَاتٍ بَعْدَ سَاعَاتٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ: الْمُزْدلِفَةُ، الزُّلَفُ: مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ، وَأَمَّا زُلْفَى فَمَصْدَرٌ مِنَ الْقُرْبَى، ازْدلَفُوا: اجْتَمَعُوا، أَزْلَفْنَا: جَمَعْنَا. (باب: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]) بضم لام: (زُلُفًا) وفتحها وسكونها. (المُزدلفة)؛ أي: لِمَجِيء الناس إليها في ساعات اللَّيل والنَّهار، وقيل: لازدِلافهم، أي: تقرُّبهم إلى الله تعالى، وقيل: لاجتِماع الناس، وقيل: لأنَّها مَنازِل. * * * 4687 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ -هُوَ ابْنُ زُريعٍ-، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}. قَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي".

12 - سورة يوسف

(هذه الآية)؛ يعني: أهذه الآية مُختصةٌ بي بأنَّ صَلاتي مُذهِبةٌ لمَعصيتي، أو عائدٌ لكلِّ الأُمَّة؟. والرجل هو أبو اليَسَر -بفتح الياء، والمهملة- كَعْب بن عَمْرو، وكان غَمَزَ امرأةً بعَينه وقبَّلَها لمَّا أدخلَها بيتَه لتَشتري منه تَمْرًا بدِرْهم، رواه التِّرمِذي، والنَّسائي، شَهِد العَقَبة مع السَّبْعين، وبَدرًا وهو ابن عشرين سنةً، وأسَرَ العبَّاس يومئذٍ، وكان رجلًا قَصيرًا دِحْداحةً ذا بَطْنٍ، تُوفي بالمدينة سنة خمسٍ وخمسين، وله عَقِبٌ. * * * 12 - سورة يُوسُفَ وَقَالَ فُضَيْلٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: مُتْكَأً: الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْل: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ مُتْكًا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: مُتْكًا: كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ. وَقَالَ قتادَةُ: {لَذُو عِلْمٍ}: عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعٌ: مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {تُفَنِّدُونِ}: تُجَهِّلُونِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: غَيَابَةٌ: كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ. وَالْجُبُّ: الرَّكِيَّةُ الَّتِي لمْ تُطْوَ. {بِمُؤمنٍ لَنَا}: بِمُصَدِّقٍ. {أَشُدَّهُ}:

قَبْلَ أَنْ يَأخُذَ فِي النُّقْصَانِ، يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُها شَدٌّ. وَالْمُتَّكَأُ: مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَاب أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ. وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ: الأُتْرُجُّ، وَلَيْسَ فِي كلاَمِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ، فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ، فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ، وَإِنَّمَا الْمُتْكُ: طَرَفُ الْبَظْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَها: مَتْكَاءُ، وَابْنُ الْمَتْكَاءِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أتُرُجٌّ، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ. {شَغَفَهَا}: يُقَالُ: إِلَى شِغَافِها، وَهْوَ: غِلاَفُ قَلْبِها، وَأَمَّا (شَعَفَها) فَمِنَ الْمَشْعُوفِ. {أصْبُ}: أَمِيلُ. {أَضْغَاثُ أَحلامٍ}: مَا لاَ تأوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبههُ، وَمِنْهُ: {وَخُذْ يدِكَ ضِغْثًا}، لاَ مِنْ قولهِ: {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ}، وَاحِدُها ضِغْثٌ. {ونَمِيرُ}: مِنَ الْمِيرَةِ. {وَنَزدادُ كَيْلَ بعيرٍ}: مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ. {أَوَى إلَيْهِ}: ضَمَّ إِلَيْهِ. {السِّقَايَةَ}: مِكْيَالٌ. {تَفتَؤُا}: لاَ تَزَالُ. {حَرَضًا}: مُحْرَضًا، يُذِيبُكَ الهمُّ. {تَحَسَّسُوْا}: تَخَبَّرُوا. {مُزجَاةٍ}: قَلِيلةٍ. {غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ}: عَامَّة مُجَلِّلَةٌ. (سورة يوسُف عليه الصلاة والسلام) قوله: (عن مجاهد: مُتْكَأً)؛ أي: بضم الميم، وسُكون المثنَّاة، وتَنوين الكاف، فإنَّها القِراءة المَنقولة عن مُجاهد.

(الأتْرُج) وأصلُه: أترُنجْ، ولكن قد يُدغِمون النُّون في الجِيْم، فتُشدَّد الجيم. (عن رجل عن مجاهد) هي روايةٌ أُخرى عنه بهذا السنَد المَجهول، ومَتَكَ الشَّيءَ: قطعَهُ، فهو أعمُّ من الأول؛ لكنَّ البخاري قد أَبطَل بعد أَسطرٍ هذا القَول، وسنُقرِّره بعد ذلك. (مَكّوك) بفتح الميم، وتشديد الكاف الأُولى: مِكْيال فيه ثلاثُ كيلَجات. (غيابة) تُقرأ بالجرِّ، لأنَّه حكايةٌ عما في قوله تعالى: {وأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 10]. (بلغ أشده، وبلغوا أشدهم)؛ أي: فيكُون: (أَشُدُّ) في المفردِ والجمعِ بلفظٍ واحدٍ خلافًا لمَن قال: واحدُ الأَشُدِّ شُدٌّ، كما حكاه (ع) عن بعضهم، وهو قول الكِسَائي، نحو: قُدٌّ وأَقُدٌّ. قال سِيْبَوَيْهِ: جمع: شِدَّةٍ كنِعمةٍ وأَنْعُمٍ. قال الطَّبَري: جمعٌ لا واحدَ له، وقيل: واحدٌ لا نظيرَ له في الآحاد. (والمُتكأ)؛ أي: بضم الميم، وتشديد المثنَّاة، كما في القِراءة الجادة. (ما اتكأت عليه) فهو اسم مفعولٍ من الاتِّكاء، وسَواءٌ فيما اتكأت عليه الجسم كالنُّمْرُقة وكالطعام، أو معنًى كالحديث.

(وأبطل)، أي: أتَى بقولٍ باطلٍ مَن قال: إنَّ المُتكَأَ بمعنى: الأُتْرُجِّ، إذ ليس في كلامهم ذلك. (فرّوا)؛ أي: لَمَّا ثبت أن المُتكأَ هو النُّمرُقة والمَخدَّة ونحوهما لا الأُتْرُنج = فرُّوا إلى تفسير المُتكَأ بشرٍّ من تفسيرهم الأول، فقالوا: المُراد من المتَّكأ بالتشديد إنما هو المُتْك، أي: بضم الميم، وسُكون المثنَّاة، الذي هو طرَف البَظَر بموحَّدةٍ، ومعجمةٍ، أي: الفَرْج. (متكاء)؛ أي: مؤنَّث الأفتَك. (وابن المتكاء)؛ أي: ابن المَرأة التي هي مَتْكَاء، أي: التي لم تُخفَض، وقيل: التي لا تُحسِن لولدها. (فإن كان ثم أترُج) أشار إلى ما قالَه أبو عُبَيدة، فإنَّه قال: المُتكَأ: النَّمرُقة التي يتكأ عليها، وزعَم قومٌ أنَّه الأُتْرُنج، وهذا أبطَلُ باطلٍ في الأرض، ولكن عسَى أنْ يكون مع المُتكَأ تُرُنجْ يأْكلونه، وكذا أوضَح بذلك ابن عَطيَّة، فقال: المُتكَا: ما يُتكَأ عليه من فُرُشٍ ووسائد، ومعلومٌ أن هذا النوع والكرامات لا تَخلو من طعامٍ وشرابٍ، فلذلك فسَّر مُجاهد وعِكْرمة المُتكأَ بالطَّعام. ووجَّهه الزَّمَخْشَري: بأنَّه على سَبيل الكِناية مِن قولهم: اتكأْنا عند فلان، أي: طَعِمنا؛ لأن من دعوتَه ليَطعَم عندكَ: اتخذتَ له مُتكأةً يتكِئُ عليها. (بعد المتكأ) يُهيَّأُ، ويُرتَّب بعد تهيئة المُتكَأ، وفي بعضها: (قبْل المُتكَأ).

قال في "الكشاف": قال الشاعر: وأهدت متكةً لبني أبيها ... تخبّ بها العَثَمثَمة الوقاح تخبُّ: بمعجمةٍ وموحدةٍ، والعَثَمثَمَة: بفتح المهملة، والمثلَّثتين: الناقة الشَّديدة، والوِقاح: بقافٍ، ومهملةٍ: الصُّلبة. قال: وكانتْ أهدتْ أُترنْجةً على ناقةٍ، فكأنَّها الأُتْرُنجة التي ذكَرها أبو داود في "سننه": أنَّها شُقَّت بنِصْفَين، وحُمِلا كالعِدلَين على جَمَلٍ. (إلى شغافها) قال السَّفَاقُسي: في كتُب اللُّغة بفتح الشين، وضبطَه المُحدِّثون بكسرها. (وأما شعفها)؛ أي: بالعين المُهملة كما هي في قراءة عليٍّ وغيره، أي: عَلاها كلُّ مرتبةٍ من الحُبِّ، مأخوذٌ من شَعَف الجِبال: أَعاليها. وقال (ك): شغَفَه الحُبُّ، أي: أحرَقَ قلْبَه. (الميرة)؛ أي: الطَّعام. (كيل بعير) قال مُجاهد: أرادَ كَيْل حمارٍ. قال: وكان بعض العرَب يقول للحِمار بَعير، وهذا شاذٌّ، وذلك أنَّ يعقوب وإخوة يوسُف كانوا بأَرض كَنْعان، ولم يكُن هناك إبِلٌ، وكذا ذكَره مُقاتِل. وفي زَبور داود: البَعير كلُّ ما يَحمِل، ويُقال لكلِّ ما يُحمل

بالعِبْرانية بعيرٌ. قال ابن خَالَوَيْهِ: وهذا حرفٌ نادرٌ ألقيتُه على المتنبِّي بين يدَي سيف الدَّولة، فكسَرتُ من قَرْنه، انتهى. ولم يأتِ بحُجَّةٍ؛ لأنَّ المَقالة لم تكُن بأرض كنْعان، بل بأرض مِصر. وما حكاه عن الزَّبُور لا سبيلَ إلى إثْباته؛ لثُبوت البعير، ثم إنه لم ينزل لبَيان اللُّغات حتى يصحَّ ذلك عنه. ونظيرُه ما حكاه الأصفهاني في "الأَغاني": أنَّ في التَّوراة أبر (¬1) درست زور. (مكيال) قيل: كان يَسقي بها الملِك، ثم جُعلت صاعًا يُكال به. (يجلله) بالجيم، يُقال: جلَّلَ الشيء تجليلًا، أي: عَمَّه. (يئسوا)؛ أي: الاستِفعال بمعنى الثُّلاثي. (معناه)؛ أي: معنى عدَم اليَأْس. (الرجاء) ومعنى التَّركيب الرَّجاء؛ إذ لا رَوْحَ هناك حقيقةً. (نجيًّا)؛ أي: يُطلق للواحد والاثنين والجمْع، وقال الأزهري: نَجِيٌّ جمع: أُنجيَة، وكذا قال ابن فارس: الواحد نَجِيٌّ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "ابن"، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (2/ 938).

{ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق}

{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} (باب: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف: 6]) 4688 - وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْكَرِيمُ ابنُ الْكَرِيم ابْنِ الْكَرِيم ابنِ الْكَرِيم يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ". الحديث فيه ظاهر، وتقدَّم. * * * {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} (باب: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7]) 4689 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَدِاللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ النَّاسِ أَكرَمُ؟ قَالَ: "أكرَمُهُمْ عِنْدَ اللهِ أتقَاهُمْ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نَسْألكَ. قَالَ: "فَأكرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نبِيُّ اللهِ ابْنُ نبِيِّ اللهِ ابْنِ نبَيٍّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نسألكَ، قَالَ: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألونِي"؟ قَالُوا: نعُم، قَالَ: "فَخِيَارُكُم فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا".

{قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا}

تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. (معادن)؛ أي: أُصولٌ إليها يُنسَبون، وبها يَتفاخَرون، وشُبِّهوا بالمعادِن؛ لمَا فيها من الاستِعدادات المُتفاوِتة. (فقهوا) بضم القاف وكسرها. وسبَق في (الأنبياء)، في (قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام)، وغيره. (تابعه أبو أُسامة) موصولٌ في (أحاديث الأنبياء). * * * {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} {سَوَّلَتْ}: زَيَّنَتْ. (باب: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} [يوسف: 18]) 4690 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالح، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونس بنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ، قَالَ: سَمعْتُ الزُّهْرِيَّ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَها أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا،

فَبَرَّأها اللهُ، كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كنْتِ ألممتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي الله وَتُوبِي إِلَيْهِ". قُلْتُ: إِنِّي وَاللهِ لاَ أَجِدُ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، وَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} الْعَشْرَ الآيَاتِ. الحديث الأول: (ألممت)؛ أي: قصدتُ إليه، ونزلتُ به. * * * 4691 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبو عَوَانة، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَع، قَالَ: حَدَّثتنِي أُمُّ رُومَانَ، وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا وَعَائِشَةُ أَخَذَتْها الْحُمَّى، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ؟ " قَالَتْ: نعم، وَقَعَدَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنيهِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ. الثاني: (حدثتني أُمُّ رُومان) قال الخَطيب: هذا وهمٌ لم يَسمع مَسروقٌ من أُمِّ رُومان. وقال الحَرْبي: سأَلَها وهو ابن خمس عشرةَ سنةً، وذكر أنَّه صلَّى خَلْف أبي بكرٍ، وكلَّم عُمر، وأحالَ الخَطيب هذا كلَّه، وكذا قال أبو

{وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك}

عُمران: الحديث مُرسَلٌ. قال الخَطيب: ولذلك لم يُخرجه مسلم من طريق مَسْروقِ، وذكر أنَّه عن حُصَين، عن أبي وائل، عن مَسْرُوق مُعَنْعنًا، ولعلَّه رواه لهؤلاء عند اختِلاطه آخرَ عمُره. وقد رواه أبو سَعيد الأَشَجُّ، عن حُصَين، عن أبي وائِل، عن مَسْرُوق، وقد سُئلت أُمُّ رُومان. قال: وهذا أشبَه، فقد يَكتب بعض الناس هذه الهمزة بصورة الأَلِف، فقرأَها مَن لم يحفظ: سأَلتُ، ثم غيَّرها، وحدَّث بها على المعنى، فقال: حدَّثتني. وقال أبو عمر: رُوْمان بضم الراء وفتحها؛ وفي فتْحها نظَرٌ، وقيل: اسمها زينب، وليس بمشهورٍ. (كيعقوب) لا يُنافي قولَها في الرِّواية السَّابقة: (أَبا يوسُف)؛ لأنَّ الرَّاوي يَروي بالمعنى. * * * {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {هَيْتَ لَكَ} بِالْحَوْرَانِيَّةِ: هلُمَّ. وَقَالَ ابنُ جُبَيرٍ: تَعَالَهْ. (باب: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: 23]) قوله: (هيت) بكسر الهاء بمعنى: تهيَّأتُ.

(بالحورانية: هلم) هذا على قول مَن قرأها مُعربةً، والجمهور على أنها عربية. قال مُجاهد: كلمةُ حثٍّ وإقبالٍ. * * * 4692 - حَدَّثَنِي أَحمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: هَيْتَ لَكَ، قَالَ: وإنَّمَا نَقْرَؤُها كَمَا عُلِّمنَاها. {مَثوَاهُ}: مُقَامُهُ. {وَألفَيَا}: وَجَدَا، {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ}، {ألفَيِنَا}. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}. الحديث الأول: (عجبت) بالضمِّ، وكان شُرَيح القاضي يَقرأ بالفتح، ويقول: إنَّ الله لا يَعجَب من شيءٍ، وإنما يَعجَب مَن لا يَعلَم، وقال إبراهيم النَّخَعي: إنَّ شُرَيحًا يُعجبه عِلْمُه، وإنَّ ابن مَسعود كان يَقرأ بالضم. وذكر هذا هنا، وإنْ كان في (سُورة الصَّافات) آيتان أنَّ ابن مَسعود يَقرؤُه مضمومًا كما يَقرأ: (هيْتُ) مضمومًا. * * * 4693 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِم، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَؤُا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

{فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم (50) قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش}

بِالإِسْلاَمِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اكفِنِيهِمْ بِسَبع كسَبع يُوسُفَ"، فَأَصَابَتْهُمْ سنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أكلُوا الْعِظَامَ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَها مِثْلَ الدُّخَانِ، قَالَ اللهُ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}، قَالَ اللهُ: {إنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} أفيُكْشَفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! وَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ، وَمَضَتِ الْبَطْشَةُ. الثاني: (حصت)؛ أي: ذهبتْ، وسَنةٌ حَصَّاءُ، أي: جَرداءُ لا خيرَ فيها. (البطشة) هي يوم بدْرٍ، ومرَّ الحديث في (كتاب الاستسقاء). ووجْه مناسبته للتَّرجمة لعلَّه بالنظَر إلى آخِر الحديث، وهو أنَّ أبا سُفيان قال له: إنَّك بُعثتَ بصِلَة الرَّحِم، فدَعا لهم بكشْف العَذاب، ففيه أنَّه عفَا عن قومه كما عفَا يوسُف عن زليخا. * * * {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ} وَحَاشَ وَحَاشَى: تنزِيهٌ وَاسْتِثْنَاءٌ. {حَصْحَصَ}: وَضَحَ. (باب: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ} [يوسف: 50]) قوله: (تنزيه)؛ أي: بالزَّاي، وقيل: بالرَّاء، وهما بمعنًى.

وفي "الصِّحاح": حاشَا للهِ، أي: مَعاذَ اللهِ، وقُرئ: (حاشَ للهِ) بلا ألف اتِّباعًا للكتاب، والأصل: حاشا، بالألف. * * * 4694 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونس بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يرْحَمُ اللهُ لُوطًا! لَقَد كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، لأَجَبْتُ الدَّاعيَ، وَنَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَهُ: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ". (عبد الرحمن بن القاسم) هو صاحب مالك، وليس له في البُخاري غيرُ هذا الحديث. (ركن شديد) قال (ن): التَجأَ إلى الله تعالى فيما بينه وبين الله، وأظهرَ للأَضْياف العُذْر وضِيْقَ الصَّدر، ويجوز أنه نسِي الالتجاء إلى الله تعالى في حِماية الأَضْياف. (لأجبت الداعي)؛ أي: الذي يَدعُوني من السِّجْن إلى المَلِك، وإلا فلا استِعجالَ فيه، فهو يصفُه بالصَّبر والثَّبات، أي: لو كنتُ مَكانَه لخرجتُ ولم أَلبثْ.

{حتى إذا استيأس الرسل}

وهذا من حُسن تواضُعه - صلى الله عليه وسلم - كما في قوله: "لا تُفضِّلُوني على يُونس". وسبق الحديث في (كتاب الأنبياء). * * * {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} (باب: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف:110]) 4695 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قَالَتْ لَهُ، وَهُوَ يَسْألها عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}، قَالَ: قُلْتُ: كُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: كُذِّبُوا. قُلْتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُم كَذَّبُوهم، فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ. قَالَتْ: أَجَلْ لَعَمرِي! لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ. فَقُلْتُ لَها: وَظَنُّوا أَنَّهمْ قَدْ كُذِبُوا؟ قَالَتْ: مَعَاذَ الله! لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّها. قُلْتُ: فَمَا هذِهِ الآيَةُ؟ قَالَتْ: هُمْ أتبَاعُ الرّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُم، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلاَءُ، وَاسْتَأخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُم مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أتبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ، جَاءَهُمْ نصرُ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ. 4696 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:

13 - سورة الرعد

أَخْبَرَني عُرْوَةُ، فَقُلْتُ: لَعَلَّها {كُذِبُوا} مُخَفَّفَةً؟ قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ! سبَق الحديث فيه في (كتاب الأنبياء)، في (قصة يوسف). * * * 13 - سورة الرَّعْدِ (سورة الرَّعْد) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}: مَثَلُ الْمُشْرِكِ الَّذِي عَبَدَ مَعَ اللهِ إِلَهًا غَيْرَهُ كَمَثَلِ الْعَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى خَيَالِهِ فِي الْمَاءِ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يتنَاوَلَهُ وَلاَ يَقْدِرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {سَخَّرَ} ذَلَّلَ. {مُتَجَاوِرَاتٌ}: مُتَدَانِيَاتٌ. {الْمَثُلَاتُ} وَاحِدُها: مَثُلَةٌ، وَهْيَ: الأَشْبَاهُ وَالأمثَالُ، وَقَالَ: {إلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا}. {بمقدارٍ}: بِقَدَرٍ. {مُعَقِّباتٌ}: مَلاَئِكَةٌ حَفَظَةٌ تُعَقِّبُ الأُولَى مِنْها الأُخْرَى، وَمِنْهُ قِيلَ: الْعَقِيبُ، يُقَالُ: عَقَّبْتُ فِي إِثْرِه. {المِحَالِ}: الْعُقُوبَةُ. {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ}؛ لِيَقْبِضَ عَلَى الْمَاءِ. {رَابِيًا} مِنْ: رَبَا يَرْبُو. {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ} الْمَتَاعُ: مَا تَمَتَّعتَ بِهِ. {جُفَاءً}: أجفَأَتِ الْقِدرُ: إِذَا غَلَتْ فَعَلاَها الزَّبَدُ، ثُمَّ تَسْكُنُ، فَيَذْهبُ الزَّبَدُ بِلاَ مَنْفَعَةٍ، فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ.

{المِهَادُ}: الْفِرَاشُ. {وَيَدْرَءُونَ}: يَدفَعُونَ، دَرَأْتُهُ: دَفَعْتُهُ. {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}؛ أَيْ: يَقُولُونَ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ. {وَإِلَيْهِ مَتَابِ}: تَوْبَتِي. {أَفَلَمْ يَيْأَسِ}: لَم يتبينْ. {قَارِعةٌ}: داهِيَةٌ. {فَأَمليْتُ}: أَطَلْتُ، مِنَ الْمَلِيِّ وَالْمُلاَوَةُ، وَمِنْهُ: مَلِيًّا، وَيُقَالُ لِلْوَاسعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ: مَلًى مِنَ الأَرْضِ. {أَشَقُّ}: أَشَدُّ مِنَ الْمَشَقَّةِ. {معقِّبَ}: مُغَيِّرٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {متجاوات}؛ طَيِّبُها، وَخَبِيثُها؛ السِّبَاخُ. {صنواَنٌ}: النَّخْلَتَانِ أَوْ أكثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ، {وَغيرُ صنوَانٍ}: وَحدَها. {بِماء واحِدٍ} كَصَالح بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهم، أَبُوهُم وَاحِدٌ. السَّحَابُ الثِّقَالُ: الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ. {كباسط كفيه}: يَدْعُو الْمَاءَ بِلِسَانِهِ، ويُشِيرُ إِلَيْهِ بيده، فَلاَ يَأتِيهِ أَبَدًا. {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}: تَملأُ بَطْنَ وَادٍ. {زَبَدًا رَابِيًا} زَبَدُ السَّيْلِ: خَبَثُ الْحَدِيدِ وَالْحِلْيةِ. قوله: (ولا يقدِر) كذا عند القَابِسِيِّ، وعند غيره: (ولا يقدُر)، وهما صحيحان، يقال: قدَرتُ الشيء، أقدِره، وأقدُره. (قال ابن عبَّاس) وصلَه ابن أبي حاتِم، وابن جَرير. (مثله) كسَمُرة وسَمُرات، وهي العُقوبة الفاضحة. (وهي الأمثال) كذا قال ابن قتيبة: أنَّ أصل المُثْلة الشُّبْهة والنَّظير.

(تعقب الأولى منها الأُخرى)، أي: كما في: "يَتعاقَبُون فيكُم ملائكةٌ". (عقبت) قال السَّفَاقُسي: هو بفتح القاف وتخفيفها، وبعضهم ضبَطَه بالتشديد، وبعضهم ضبطَه بكسرها، ولا وجه له إلا أنْ يكون لُغةً. (أجفأت) المشهور في اللُّغة: جَفأْتُ لا أَجفَأْتُ. (يقولون: سلام عليكم) الأحسَن تقدير: يدخُلون قائلين: سلامٌ عليكم، فالجملة مَحكيةٌ بقولٍ مُضمرٍ، والقول المُضمَر حالٌ مِن فاعلِ (يدخُلون). (أفلم ييأس: لم يتبين) كذا قال أبو عُبيد: ألم يَعلَمْ، قال سُحَيْم اليَرْبُوعي: أقولُ لهم بالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُوننَي ... ألمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فارِسِ زَهْدَمِ وأنكر الفَرَّاء أن (يَئِسَ) تأتي بمعنى: عَلِم، ولكنْ مَن حَفِظَ حُجَّةٌ على من لم يَحفَظ، بل قَرأ ابن عبَّاس وجَمْع: (أَفلَم يتبيَّن)، وقد افتَرى مَن قال: كتَبَه الكاتِبُ وهو ناعِسٌ، فسوَّى هذه الحُروف مِن (يتبيَّن)، فصارت: (يَيْئَس). قال الزَّمَخْشَري: وهذا [و] نحوُه مما لا يُصدَّق في كتاب الله تعالى الذي لا يأْتيه الباطلُ من بين يدَيه ولا من خَلْفه.

باب: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى}

(مَلًى من الأرض) بالقصر، أي: يُسمي الصَّحراء بذلك. (بطن واد) كذا لبعضهم، وللأَصِيْلي: (تَملأُ كلَّ وادٍ)، وهو الأصح. * * * {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} غِيضَ: نُقِصَ. (باب: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} [الرعد: 8]) 4697 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا معْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مالكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمها إِلَّا اللهُ: لاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلَّا اللهُ، وَلاَ يَعْلَمُ متَى يَأْتي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ، وَلاَ تَدرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا الله". (مفاتح الغيب)؛ أي: الوُصلة إلى عِلْم الغَيب، فهو إما استعارةٌ بالكناية، وإما بالتصريح. (خمس) ذكَر هذا العدَد وإنْ كانت الغُيوب لا تَنحصر؛ إما أنَّهم كانوا يعتقدون أنهم يعرفونها، أو أنَّهم سألوه عنها، مع أنَّ مفهوم

14 - سورة إبراهيم

العدَد لا يُحتجُّ به. وسبَق الحديث آخر (الاستسقاء). * * * 14 - سورة إِبْرَاهِيمَ (سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هادٍ}: داعٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَدِيدٌ: قَيْحٌ وَدَمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}: أَيَادَيَ اللهِ عِنْدكم وَأيّامَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}: رَغِبْتمْ إلَيْهِ فِيهِ. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا}: يَلْتَمِسُونَ لَها عِوَجًا. {وَإذ تأَذَّنَ رَبُّكُمْ}: أَعْلَمَكُم آذَنَكُم. {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}: هذَا مَثَلٌ؛ كفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ. {مقامي}: حَيْثُ يُقِيمُهُ اللهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. {مِن وَرَائِهِ}: قُدَّامِهِ. {لَكمُ تَبَعًا}، وَاحِدُها: تَابِعٌ، مِثْلُ: غَيَبٍ وَغَائِبٍ. {بِمُصْرِخِكُمْ} اسْتَصْرَخَنِي: اسْتَغَاثَنِي، يَسْتَضرِخُهُ، مِنَ الصُّرَاخ. {وَلَا خِلاَلٌ}: مَصْدَرُ خَالَلْتُهُ خِلاَلًا، وَيَجُوزُ أَيْضًا جمْعُ خُلَّةٍ وَخِلاَلٍ. {اجتثَّت}: اسْتُؤْصِلَتْ.

قوله: (أيادي) جمع: يَدٍ، بمعنى: النِّعمة. (رغبتم إليه فيه) قال النَّحَّاس: هذا قولٌ حسنٌ يذهب إلى أنَّهم أُعطوا ما لم يَسألوه. قال: وذلك معروفٌ في اللُّغة أن يُقال: امضِ إلى فلانٍ؛ فإنَّه يُعطيك كلَّ ما سأَلتَ، وإنْ كان يُعطيه غيرَ ما سأَل، يُشير إلى أنَّ (مِنْ) في الآية ليست للتَّبعيض، ثم قيل: زائدةٌ على رأْي الأخفَش، وقيل: موصولةٌ، أي: مِن كلِّ الذي سأَلتُموه، يعني: مِن كلِّ الأشياء التي سأَلتُم. وفي الآية قولٌ آخر: وهو أنَّه لا مفهومَ لهذا، فلم يَنفِ إتْيانَ ما لم يَسأَلوه. (مصدر: خاللته) هو قول الجمهور. (ويجوز أيضًا جمع)؛ أي: يجوز أن يكون جمع: خُلَّة كقُلَّة وقِلال، وبُرْمة وبِرَام، وهو قول الأخفَش. (تأذن: آذن)؛ أي: مثْل: تَوعَّد وواعَد. (مثل كفوا عفا أمروا) قال أبو عُبَيدة: لا أعلَم أحدًا قال: ردَّ يدَه في فيهِ إذا أَمسكَ عن الشَّيء، وإنما المعنى: أنَّهم عَضُّوا عليها حَنَقًا وغَيْظًا، أي: كما عَضُّوا عليكم الأناملَ من الغَيظ، وقال الشاعر: يردون (¬1) في فيهِ غَيْظَ الحَسُود ¬

_ (¬1) في الأصل: "يرددني"، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (2/ 943).

أي: يُغيظون الحسودَ حتى يَعَضَّ على أصابعه العَشْر، وكذا فسَّر هذا الحَرْفَ ابنُ مَسعود. (من ورائه: قدامه) هذا قول أبي عُبَيد، وقُطْرُب: أنَّه من الأَضْداد. وقال ابن عَرَفة: هذا غير محصَّل إلا أَمامًا وصُدورًا، وإنَّما يصلُح هذا في الأماكن والأَوقات، يَقول الرجل إذا وعَد وَعْدًا في رجَب لرمضَان، ثم قال: مِن وَرائك شَعْبان، فيجوز وإنْ كان أمامه؛ لأنَّه يُخلِّفه إلى وقْت وَعْده، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 17] أي: يَدخُل في العَذاب، فيتخلَّف ما دخَل فيه وراءَه، وكذلك قوله تعالى: {وكَانَ وَرآءَهُم مَلِكٌ} [الكهف: 79]، والملِك أَمامَهم، فجاز أنْ يقولَه؛ لأنه يكون أمامَهم ويطلبُهم، فهو من وَراءِ مَطْلبِهم، وإلى هذا ذهب الفَرَّاء. وقال الأَزْهري في قوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} [إبراهيم: 16]، معناه: ما تَوارَى عنك فاستَتر، ومنه قول النابغة: ولَيْسَ وَراءَ اللهِ للمَرْءِ مَذْهَبُ أي: بعد الله تعالى. (عوجًا) هو بفتْح العين: ما كان مُنتصِبًا فمالَ كالعُود ونحوِه، وبالكسر في الأَرض، والدِّين ونحوِهما، قاله ابن السِّكِّيْت، وابن فارِس، وغيرهما. * * *

باب: {كشجرة طيبة} [إبراهيم: 24])

{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} باب: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24]) 4698 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِم؛ لاَ يتحَاتُّ وَرَقُها، وَلاَ، وَلاَ، وَلاَ، تُؤتي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّها النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يتكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أتكَلَّمَ، فَلَمَّا لم يَقُولُوا شَيْئًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ النَّخْلَةُ". فَلَمَّا قُمْنَا، قُلْتُ لِعُمَرَ: يَا أَبَتَاهُ! وَاللهِ لَقدْ كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّها النَّخْلَةُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ؟ قَالَ: لَم أَركمْ تَكَلَّمُونَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أتكَلَّمَ -أَوْ أقولَ- شَيْئًا. قَالَ عُمَرُ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَها أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. (لا يتحات) من باب التَّفاعل، أي: لا يَسقُط ويتناثر. (ولا ولا ولا) أي: ذكَر ثلاث صفاتٍ أُخرى لم يَذكُرها الرَّاوي. (تؤتي أُكلها) هي صفةٌ خامسةٌ. وقد مرّ في (كتاب العلم) أنواع متعدِّدةٌ من المُشابَهة. (وكذا)؛ أي: من حُمر النَّعَم، وقد صرِّح به في بعض الرِّوايات.

باب: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}

وأحبَّ عُمر ذلك إيثارًا لظُهور فضْله ونشَاطه لغيره من العلْم. * * * {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (باب: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]) 4699 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: أَخْبَرني عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، قَالَ: سَمِعتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشْهدُ أَنْ لاَ إِلَه إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ". في الحديث المذكور فيه إثبات حياة القبر، وسُؤال مُنكَر ونَكِير. * * * {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ}: ألم تعلم؟ كقولِهِ: {ألم تَرَ كَيفَ} {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا}؟ الْبَوَارُ: الْهلاَكُ، بَارَ يَبُورُ، {بورًا}: هالِكِينَ. (باب: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28]) هو بمعنى: ألم تعلم؛ إذ الرُّؤية البَصَرية غير حاصلةٍ إما لتعذُّرها،

15 - سورة الحجر

أو لتعسُّرها عادةً. * * * 4700 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمرٍو، عَنْ عَطَاءٍ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} قَالَ: هُم كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ. (هم كفار مكة) روى عنه في (المغازي) قال: (هُمْ -واللهِ- كُفَّار قُرَيش). (دار البوار) هو يوم بدر، وفي "مصنف عبد الرزاق": عن أبي الطُّفَيْل: أنَّ ابن الكَوَّاء سأل عليًّا - رضي الله عنه -: مَن الذين بَدَّلُوا نِعمةَ الله كُفْرًا وأَحَلُّوا قَومَهم دارَ البَوارِ؟، قال: هم الأَفْجَران: بنو أُميَّة، وبَنو مَخْزُوم، كُفيتَهم يومَ بدرٍ. * * * 15 - سورة الحِجْر وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} الْحَقُّ يرْجِعُ إِلَى اللهِ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَعمرُكَ}: لَعَيْشُكَ. {قَوم منكرُون}: أَنْكَرَهُم لُوطٌ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: {كتاب معلوم}: أَجَلٌ. {لو ما تأتينا}: هلَّا تأتينا. شِيَعٌ: أُمَمٌ، وَللأَوْليَاءِ أَيْضًا: شِيَعٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُهْرَعُونَ}: مُسْرِعِينِ. {للمتوسمين}: لِلنَّاظِرِينَ. {سُكِّرت}: غُشِّيَتْ. {بُرُوجًا}: مَنَازِلَ لِلشمسِ وَالْقَمَرِ. {لَواقِحَ}: مَلاَقِحَ مُلْقَحَةً. {حَمَإٍ}: جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ، وَهْوَ: الطينُ الْمُتَغَيِّرُ، وَالْمَسْنُونُ: الْمَصبُوبِ. {تَوْجَلَ}: تَخَفْ. {دَابِرَ}: آخِرَ. {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} الإمَامُ: كُلُّ مَا ائْتَمَمتَ وَاهْتَدَيْتَ بِهِ. {الصيحة}: الْهلَكَةُ. (سورة الحجر) هو منازل ثَمود بين المدينة والشام. (عليَّ مستقيم) قال في "الكشاف": أي: هذا طريق عليَّ أن أُراعيَه. ويقع في بعض الأُصول: (وقال مجاهد)، وكذا حكاه النَّحَّاس عنه، أي: هذا أمرٌ مصيره إليَّ، والعرَب تقول: طَريقُك في هذا الأمر على فلانٍ، أي: إليه يَصير النَّظَر في أمِرك. (غشيت) هو قول أبي عُبَيدة، مأخوذٌ من السُّكر في الشَّراب. (لبإمام)؛ أي: تسمى به الطريق، لأنه يُؤتَمُّ به. (شيع)؛ أي: في قوله تعالى: {فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ} [الحجر: 10]،

{إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين}

أي: في طَرائقهم. * * * {إلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِين} (باب: {إلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18]) 4701 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عمرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأجْنِحَتِها خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ -قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُم ذَلِكَ- فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبكُّم؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ، وَهْوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُو السَّمعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمعِ هكَذَا؛ وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ -وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابعِ يَدِهِ الْيُمنَى، نَصَبَها بَعْضَها فَوْقَ بَعْضٍ- فَرُبَّمَا أَدرَكَ الشِّهابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بها إِلَى صَاحِبِهِ، فَيُحْرِقَهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِها إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ، حَتَّى يُلْقُوها إِلَى الأَرْضِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: حَتَّى تنتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ- فتلْقَى عَلَى فَم السَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَها مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُصَدَّقُ، فَيقُولُونَ: ألم يُخْبِرناَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا؟ لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ".

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عمرو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِذَا قَضَى اللهُ الأَمرَ. وَزَادَ: الْكَاهِنِ. وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، فَقَالَ: قَالَ عمرو: سَمعتُ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِذَا قَضَى اللهُ الأَمرَ، وَقَالَ: عَلَى فَم السَّاحِرِ، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: قَالَ: سَمِعتُ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: نعم، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْكَ، عَنْ عَمرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَرفَعُهُ: أَنَّهُ قَرَأَ: فُرِّغ؟ قَالَ سُفْيَانُ: هكَذَا قَرَأَ عَمرو، فَلاَ أَدرِي سَمِعَهُ هكَذَا أَم لاَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَهْيَ قِرَاءَتُنَا. الحديث الأول، والثاني: (يبلغ به)؛ أي: أن أبا هريرة لم يقُل صَريحًا: سَمعتُه، وربَّما يكون بالواسطة، أو نَسِي كيفيَّة البَلاغ. (خُضْعان)؛ أي: خاضعِين، وهو بضم الخاء مَصدر خَضَع، كغُفْران وحُسْبان، إلا أنَّه لم يَصرفْه، وهو منصوب. وضُبط في بعض النُّسَخ بفتح الخاء. والخُضوع: الانقِياد والتَّسليم؛ قاله السَّفَاقُسي، وذكَر غيره: رُوي بكسر الخاء؛ كحَرَمَه حِرْمانًا. (صفوان) هو الحجَر الأَملَس. (وقال غيره)؛ أي: غير سُفيان. (ينفذ ذلك)؛ أي: يُنفِذ الله ذلك الأَمر، والصَّفْوان ذلك السِّلْسِلة،

أو صَوتها، والسِّياق يدلُّ. وفي بعضها: (يُنفِذُهم)، أي: يُنفِذ ذلك القَول إلى المَلائكة، أو عليهم. (فُزِّع)؛ أي: أُزيل الخَوفُ. قال (خ): الصَّلْصَلة: صوتُ الحديد إذا تَحرَّك، يُقال: صَلْصَلَ الحديدُ: إذا تداخَلَ صوتُه، فروايته بالصاد. قال: وفيه إثْبات كلامِ الله تعالى، وأنَّ كلامَه قَولٌ يُسمع سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. (مسترق) مُفْتَعَل مِن سرَق: إذا اختلَسَ، واختَطَف، وفي بعضها: (مُستَرِقُوا)، وفي بعضها: (مُسْتَرِقِي)، أي: فيُسمع اللهُ تلْك الكلمةَ المُسترقين. (وصفّ) بتشديد الفاء، وفي بعضها: (ووَصف). (يَرْمي)؛ أي: المُستمِع بتلك الكلمة إلى السَّاحر. (وزاد: والكاهن)؛ أي: فقال: ثم السَّاحِر، والكاهِن. (أنه قرأ: فرّغ)؛ أي: بالراء، والمعجَمة، من قولهم: فرَغَ الزَّادُ: إذا لم يَبقَ منه شيءٌ. فإنْ قيل: كيف جازَت القِراءة إذا لم يكُن مَسمُوعًا؟، قيل: لعلَّ مذهبَه جَواز القِراءة بدُون السَّماع إذا كان المعنى صحيحًا. قال في "الكشاف" في (سُورة الدُّخان): وعن أَبي الدَّرْدَاء: أنَّه

{ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين}

كان يُقرئ رجلًا، وكان يقُول: طَعام الأَثِيْم، فقال: قل: طَعام الفَاجِر، وبهذا يُستدلُّ على أنَّ إبدال كلمةِ مكان كلمةٍ جائزٌ إذا كانت مُؤدِّية معناها. قلتُ: لا يخفَى على أحدٍ فسادُ هذا، فتَغيير القرآن لا يجوز قطْعًا. * * * {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} (باب: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر: 80]) 4702 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَصحَابِ الْحِجْرِ: "لاَ تَدخُلُوا عَلَى هؤُلاَءِ الْقَوْمِ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكينَ، فَإِنْ لمْ تَكُونُوا بَاكينَ فَلاَ تدخُلُوا عَلَيْهِم أَنْ يُصِيبَكمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ". (لأصحاب الحجر)؛ أي: أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين قَدِموا الحِجْر لا المَذكورين في الآية. (باكين) قال السَّفَاقُسي: ضبْطهُ عند الشَّيخ أبي الحَسَن بياءَين، ولا وجة له؛ لأنَّه ليس أصلُ البكاء مهموزًا.

{ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم}

(أن يصيبكم)؛ أي: أن لا يُصيبكم، أو كَراهةَ أنْ يُصيبكم. وسبق الحديث في (باب: الصلاة في مَوضع الخَسْف). * * * {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (باب: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87]) 4703 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أُصَلِّي، فَدَعَانِي، فَلَم آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أتيْتُ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تأْتِيَ"؟ فَقُلْتُ: كنْتُ أُصلِّي، فَقَالَ: "ألم يَقُلِ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}؟ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجدِ؟ " فَذهبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِيَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجدِ، فَذَكَّرْتُهُ، فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبع الْمَثَانِي، وَالْقرآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتيتُهُ". 4704 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمُّ الْقُرآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمثَانِي، وَالْقُرآنُ الْعَظِيمُ".

قوله: {الذين جعلوا القرآن عضين}

استُدلَّ به على أنَّ الأمر للوجوب، وأنَّه للفَور. وسُميت الفاتحة أُمَّ القرآن لاشتِمالها على المَعاني التي في القُرآن من الثَّناء على الله تعالى، ومن التعبُّد بالأمر والنَّهي، ومن الوَعْد والوَعيد، أو لمَا فيها من الأُصول الثلاثة: المَبدأ، والمَعاش، والمَعاد. * * * قوِلهِ: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} {الْمُقْتَسِمِينَ}: الَّذِينَ حَلَفُوا. وَمِنْهُ: {لا أقسِمُ}؛ أَيْ: أُقْسِمُ، وَتُقْرَأُ: (لأُقْسِمُ)، {وَقَاسَمَهُما}: حَلَفَ لَهُمَا، وَلَم يَخلِفَا لَهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقَاسَمُوا}: تَحَالَفُوا. (باب: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91]) قوله: (ومنه: لا أقسم) أي: فتكُون (لا) زائدةً، وهو قول ابن عبَّاس، وقيل: هي تنبيهٌ بمنزلةِ: أَلا، وقُرئ: (لأُقسِمُ) باللام. (ولم يحلفا له) إشارةٌ إلى أنَّ المُفاعلة بمعنى: فَعَل لا للمُشارَكة. * * * 4705 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ

{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}

عِضِينَ} قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً، فآمَنُوا بِبَعْضِهِ، وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. 4706 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} قَالَ: آمَنُوا بِبَعْضٍ، وَكَفَرُوا بِبَعضٍ؛ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. الحديث الأول، والثاني: (المقتسمين)؛ أي: الذين حلَفُوا. * * * {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} قَالَ سَالِمٌ: الْمَوْتُ. (باب: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]) ذكر فيه قول سَالِم: اليقين: المَوت، ولو أورد ما ذكَره في (الجنائز) من قوله - صلى الله عليه وسلم - عند عُثمان بن مَظْعون: (أمَّا هذا فقد رأَى اليَقين)، وليس اليَقين من أسماء المَوت، وإنما العِلْم به يقينٌ لا يمتَرى فيه، فسُمي يقينًا مجازًا. * * *

16 - سورة النحل

16 - سورة النَّحلِ (سورة النَّحل) {رُوحُ الْقُدُسِ}: جِبْرِيلُ، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}. {فَى ضَيْقٍ} يُقَالُ: أَمْرٌ ضَيْق وَضَيِّقٌ، مِثْلُ: هيْنٍ وَهيِّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فِي تَقَلُّبِهِم}: اخْتِلاَفِهِم. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمِيدُ: تَكَفَّأُ. {مُّفرَطُونَ}: مَنْسِيُّونَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}: هذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الاِسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَمَعنَاها: الاِعْتِصَامُ بِاللهِ. {قصْدُ اَلسَّبِيلِ}: الْبَيَانُ. الدِّفْءُ: مَا اسْتَدفَأْتَ. {تُريحُونَ}: بِالْعَشِيِّ، و {تسْرحُونَ}: بِالْغَدَاةِ. {بِشِقِّ} يَعْنِي: الْمَشَقَّةَ. {علَىَ تَخَوُّفٍ}: تنقُّصٍ. {الأَنعامِ لعبرةً}، وَهْيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، كَذَلِكَ النَّعَمُ لِلأَنْعَامِ: جَمَاعَةُ النَّعَم. {سَرابيلَ}: قُمُصٌ. {تَقِيكُمُ اَلحَرَّ}. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}، فَإِنَّها الدُّرُوعُ. {دَخَلًا بينكُمْ}: كلُّ شَيْء لَمْ يَصِحَّ فَهْوَ دَخَلٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَحَفَدةً}: مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ. السَّكَرُ: مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرتها، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا أَحَلَّ اللهُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ صَدَقَةَ: {أنكاثًا}: هِيَ خَرْقَاءُ، كَانَتْ

إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَها، نَقَضَتْهُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الأُمَّةُ مُعَلِّمُ الْخَيْرِ. قوله: (تقلبهم)؛ أي: في قوله تعالى: {أَوْ يأخُذَهُم فِي تَقَلُّبُهِمْ} الآية [النحل: 46]، والتَّخوُّف: التَّنقُّص كما سيَذكره من بعدُ، وهذا محلُّه. (تميد: تكفأ) ضبَطَه بعضهم: بضم المثنَّاة، وتخفيف الفاء، وبعضهم: بفتح المثنَّاة، وتشديد الفاء، بعدها همزةٌ، قال السَّفَاقُسي: وهو أَشبَهُ، وقيل: تَميدُ: تَتحرَّكُ. (مفرطون) بفتح الراء، ومَن قرأ بكسر الراء المشدَّدة فمعناه: يُبالِغون في الإساءة. (هذا مقدم ومؤخر)؛ أي: لأنَّ الاستعاذة قبْل القِراءة، وقال الجُمهور على الأَصْل لكنْ بإضمارٍ، أي: فإذا أَردتَ القِراءةَ؛ لأنَّ الفعل يُوجد عند القصْد والإرادة من غير فاصلٍ، وكان منه بسبَبٍ قويٍّ، ومُلابَسةٍ ظاهرة. وقيل: هو على ظاهره في تأْخير الاستعاذة، قاله أبو هُريرة، وعليه من الأئمة: مالك، ومن القُراء: حمزة. (ومعناها) الضَّمير للاستِعاذة. (تؤنث)؛ أي: كما في: {خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: 5]. (وتذكر)؛ أي: كما في: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66].

{ومنكم من يرد إلى أرذل العمر}

(حفدة من ولد الرجل)؛ أي: المتولِّد من ولَده، وذلك ولَد الولَد، وقال ابن قُتَيبة: الحَفَدة: الخَدَم، والإِخْوان، أي يقول: هم بَنُون، وخَدَم. وقيل: الحفَدَة: الأَصهار، وأصْل الحَفْد: الخَطْو، والإِسْراع في المَشي، وإنما يفعل هذا الخَدَم، فقيل: هم حفَدَةٌ، وواحدهم: حافِدٌ، ككافرٍ وكَفَرَةٍ. (السكر ما حرم) وفي نسُخةٍ: (من شُربها)، قال النَّحَّاس: هذه الرِّواية معناها الإخبار بأنَّهم يفعلون ذلك لا أنهم أُذِنَ لهم فيه. قال: وهي روايةٌ ضعيفةٌ؛ لأن راويها عَمرو بن سُفيان، وقال ابن قُتَيبة: سَكَرًا، أي: خَمرًا، ونزَل هذا قبْل تحريم الخمر، يعني: لأنَّ النَّخل مكيةٌ، وتحريم الخمر كان بالمدينة. قال: وقال أبو عُبيدة: السَّكَر: الطَّعْم، يُقال: هذا له سَكَرٌ، أي: طَعْمٌ، وأنكَر عليه ابن قُتَيبة. (خرقاء) هي ريْطَة بنت سَعْد، كانتْ تَغزِل بمِغْزَلٍ كبير، فإذا بَرمَتْه وأتقنتْه أَمرتْ جارية فنَقضتْه، والأَنكاث: ما نُقِضَ ليُغزَل ثانيًا. * * * {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} (باب: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل: 70]) هو أن يَهْرَم إلى أن يَنقُص عقلُه.

17 - سورة بني إسرائيل

4707 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ مُوسَى أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَعْوَرُ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَدعُو: "أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ، وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَةِ الْمَحيَا وَالْمَمَاتِ". الحديث فيه ظاهرُ المعنى. * * * 17 - سورة بَنِي إِسْرَائِيلَ (سورة بني إسرائيل) 4708 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ) وَ (الْكَهْفِ) وَ (مَريَمَ): إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَسَيُنغِضُونَ}: يَهُزُّونَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نَغَضَتْ سِنُّكَ؛ أَيْ: تَحَرَّكَتْ. {وَقَضَينا إلىَ بني إِسرائيلَ}: أَخْبَرنَاهُم أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ، وَالْقَضَاءُ عَلَى وُجُوهٍ؛ {وَقَضى رَبُّك}: أَمَرَ رَبُّكَ، وَمِنْهُ: الْحُكْمُ؛ {إن رَبَّكَ

يقضي بينهم}، وَمِنْهُ: الْخَلْقُ؛ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}. {نفِيًرا}: مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُ. {وليتبروا}: يُدَمِّرُوا. {مَا عَلوا}. {حَصِيًرا}: مَحْبِسًا مَحْصَرًا. {حَقَّ}: وَجَبَ. {ميسُورًا}: لَيِّنًا. {خَطأً}: إِثْمًا، وَهْوَ اسمٌ مِنْ خَطِئْتُ، وَالْخَطَأُ -مَفْتُوحٌ- مَصْدَرُهُ، مِنَ الإثْم، خَطِئْتُ بِمَعْنَى: أَخْطَأتُ. {تَخرِقَ}: تَقْطَعَ. {وَإِذ هُم نجوى} مَصدَرٌ مِنْ ناَجَيْتُ، فَوَصَفَهُمْ بِها، وَالْمَعنَى: يتنَاجَوْنَ. {وَرُفاتًا}: حُطَامًا. {وَاستَفزِز}: اسْتَخِفَّ. {بِخَيلِكَ}: الْفرْسَانِ، وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ، وَاحِدُها: رَاجِلٌ، مِثْلُ: صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. {حَاصِبًا}: الرِّيحُ الْعَاصِفُ، وَالحَاصِبُ أَيْضًا: مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ، وَمِنْهُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: يُرْمَى بِهِ فِي جَهنَّمَ، وَهْوَ حَصَبُها، ويُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَرْضِ: ذَهبَ، وَالْحَصَبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَصْبَاءِ وَالْحِجَارَةِ. {تَاَرةً}: مَرَّةً، وَجَمَاعَتُهُ: تِيَرَةٌ وتَارَاتٌ. {لأَحتَنِكنَّ}: لأَسْتَأصِلَنَّهم، يُقَالُ: اختَنَكَ فُلاَنٌ مَا عِنْدَ فُلاَنٍ مِنْ عِلْم: اسْتَقْصَاهُ. {طائِرُهُ}: حَظُّهُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ. {وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ}: لَمْ يُحَالِفْ أَحَدًا. (في بني إسرائيل، والكهف، ومريم) فيه اختصارٌ، فقد رواه في (فضائل القرآن) بزيادة: (طه، والأنبياء). (العتاق) العَتِيْق: كلُّ ما بلَغ الغايةَ في الجودة، وأراد أنَّ نُزولهنَّ متقدِّمٌ بمكة، وأنهنَّ مِن أوَّل ما تُعُلِّم من القرآن، وتَفضيلهنَّ لمَا تضمَّنه من ذِكْر القَصَص، وأخبار أجِلَّة الأنبياء، وما فيهنَّ من الغَريب الخارِق للعادة كالإِسراء، وقصَّة أهل الكَهْف، وقصَّة مريم، ونحوها، فالأَوليَّة إما باعتبار النُّزول، أو الحِفْظ. (تِلادي) وهو بكسر المثنَّاة: ما كان قَديمًا، يُقال: ما لَه طَارِفٌ ولا تَالِدٌ، أي: لا حديثٌ ولا قديمٌ. (نَغِضت) بفتح النون، وكسر المعجمة الأُولى. (والقضاء على وجوه)؛ أي: له في اللُّغة معانٍ مَردُّها إلى انقِطاع الشَّيءِ وتمامِه، منها: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا} [الأنعام: 2]، أي: حتَم، والأَمْر نحو: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23]، والإعلام: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4]، أي: أَعلمناهم إعلامًا قاطِعًا، وقضَى دينَه، أي: قطَع بالعزيمة عليه بالأَداء. (من ينفر)؛ أي: يَذهب، ثم قيل: نفَر بمعنى: نافِرٍ؛ كقَديرٍ

وقادرٍ، وقيل: جمع نفَر كعبْد وعَبيدٍ، وأصلُه: القَوم يجتمعون فيَسيرون إلى أعدائِهم ليُحاربوهم. (وهو اسم من خطئت) إلى آخره، هذا آخِرُه من كلام أبي عُبَيد، وفيه نظَرٌ من وُجوهٍ: أحدها: جعْلُه (خِطْأ) اسمَ مصدرٍ ممنوعٌ، بل هو مصدرُ خَطِئَ يُخطِئُ، كأثِمَ يأْثَم إثمأ، وهذه أشهر القِراءَتين في السَّبْع. ثانيها: جعْله (خَطَأً) بفتح الخاء والطاء، كما هي قِراءة ابن ذَكْوَان مصدرًا ممنوعٌ، إنما هو اسم مصدرٍ من أَخطأَ يُخطئ خَطأ إذا لم يُصِبْ، أو مصدر: خَطِأَ يُخطئ إذا لم يُصب أيضًا، كما خرَّجهما الزَّجَّاجيُّ وغيره على هذين الوجهين، والمراد عليهما أنَّ قتْلهم كان غير صوابٍ. نعم، استَبعد قَومٌ هذه القراءة بأنَّ الخطَأ هو ما لم يُتعمَّد، ولا يصحُّ معناه هنا، وخَفِي عليهم ما سبَق من الوَجْهين. ثالثها: كَون خَطِئْتُ بمعنى: أَخطأتُ خِلاف قول أهل اللُّغة أنَّ خَطِئ: أثِمَ وتعمد الذَّنْب، وأخطأ: إذا لم يتعمَّد. (فوصفهم بها)؛ أي: بنجوى مُبالغة كما يُقال: أبو حَنيفة فقُهَ، كأنَّه صارَ نفْسَ الفِقْه. (واحدها راجل)؛ أي: ضِدُّ الفارِس، وكذلك الرُّجَّل، بضم الراء، وشدة الجيم.

(وجماعته)؛ أي: جَمْعه. (لم يحالف) بالمهملة، أي: لم يُوَالِ أحَدًا من أجْلِ مذلَّةٍ به؛ ليَدفعَها بمُوالاته. * * * * 4709 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس (خ). وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أسرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، فأَخَذَ اللَّبَنَ، قَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الْخَمرَ غوَتْ أُمَّتُكَ. (باب: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]) الحديث الأول: (بإيلِياء) بكسر الهمزة، واللام، وبالمَدِّ: بيت المَقدِس. (للفطرة)؛ أي: للإسلام الذي هو مُقتضَى الطَّبيعة السَّليمة التي فَطَر الله الناسَ عليها. وسبق في (حديث المعراج): أنَّه ثلاثةُ أقداحٍ، والثالث: عَسَلٌ، ولا مُنافاةَ بينهما. * * *

4710 - حَدَّثَنَا أحْمَدُ بْنُ صَالحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيشٌ، قُمتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُم عَنْ آيَاتِهِ، وأنَاَ أنظُرُ إلَيْهِ". زَادَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَمِّهِ: "لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ" نَحْوَهُ. الثاني: (الحِجر) بكسر المهملة: تَحتَ مِيْزاب الكعْبة. (زاد يعقوب) هو في "الزُّهْريات"، ورواها أحمد عن يَعقوب. * * * {قَاصِفًا}: رِيحٌ تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ. {كرَّمنَا} وَأكرمنَا وَاحِدٌ. {ضِعْفَ اَلحيَاةِ}: عَذَابَ الْحَيَاةِ، وَعَذَابَ الْمَمَاتِ. {خِلافَكَ} وَخَلْفَكَ سَوَاءٌ. {وَنَاء}: تَبَاعَدَ. {شَاكِلِتَهِ}: ناَحِيتهِ، وَهْيَ مِنْ: شَكْلِهِ. {صَرَّفْنَا}: وَجَّهْنَا. {قبيَلًا}: مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً، وَقِيلَ: الْقَابِلَةُ؛ لأَنَّها مُقَابِلتها وَتَقْبَلُ وَلَدها. {خَشَيةَ الإنفَاقِ}، أَنْفَقَ الرَّجُلُ: أَمْلَقَ، وَنَفِقَ الشَّيْءُ: ذَهبَ. {قتُورًا}: مُقَتِّرًا. {للأَذْقَانِ}:

مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، وَالْوَاحِدُ: ذَقَنٌ. وَقَالَ مُجَاهدٌ: {مَوْفُورًا}: وَافِرًا. {تَبِيعًا}: ثَائرًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَصِيرًا. {خَبَتْ}: طَفِئَتْ. وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: {وَلَا تُبَذِّرْ}: لاَ تُنْفِقْ فِي الْبَاطِلِ. {ابَتغَاء} رَحْمَةٍ}: رِزْقٍ. {مَثبُورًا}: مَلْعُونًا. {وَلَا تقفُ}. لاَ تَقُلْ. {فَجاسُوا}: تَيَمَّمُوا. {يُزجي} الْفُلْكَ: يُجْرِي الْفُلْكَ. {يَخِرُّوُنَ للأَذقاَنِ}: لِلْوُجُوهِ. (باب: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]) قوله: (شاكلته: ناحيته) قيل في معناه أيضًا: نِيَّتِه، أو على مَذهبِه، وطَريقِه. (من شكله) بالفتح، أي: مُشتَقٌّ من ذلك، ومعناه: المِثْل، أو مِن الشِّكْل بالكسر بمعنى: الدَّلِّ، وفي بعضها: من شَكَلتُهُ: إذا قيَّدتَهُ. (مقابلتها)؛ أي: مُقابلها. (وتقبل ولدها) قال السَّفَاقُسي: ضبَطه بعضُهم بضم المثنَّاة، وليس ببيِّنٍ؛ لأنَّه من قَبِل يَقْبَل: إذا رضِيَ الشيءَ وأخذَه، ولعلَّهُ ظنَّ أنه من كَفَلَ يَكْفُل، وذلك لا يُقال قيس: إلا قَبَل به يقبَل به، ظنَّ أنه إذا تكفَّل به.

(ونفق) بفتح الفاء على الفصحى، ويُقال بكسرها. (اللحيين) بفتح اللام وكسرها. (ذقن) بفتح القاف. (وافرًا)؛ أي: المفعول به بمعنى الفاعل، عكس: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21]. (ثائرًا)؛ أي: طالبًا لأَخْذ الثَّأر. (لا ينفق في الباطل) الإنْفاق فيما لا يَنبغي، أما الإسراف فالصَّرف فيما ينبغي لكن زائدًا على ما يَنبغي. (فتيمموا)؛ أي: قَصَدُوا. * * * (باب: {وإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء: 16]) 4711 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا نقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أمَرَ بَنُو فُلاَنٍ. حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَقَالَ: أَمِرَ. (أمِر) بكسر الميم، ورُويت هذه القِراءةُ عن ابن عبَّاس، وأنكَرها أهل اللُّغة؛ لأنَّ أمِرَ لا يتعدَّى، وإنما أَمِرَ بَنو فلانٍ: إذا كثُروا، وأَمَّرهم الله بالتشديد: أكَثَرهم، ولا يُعرف أمَرَهم اللهُ، كذا قال السَّفَاقُسي.

{ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا}

لكن حكَى أبو حاتم، عن أبي يَزيد: أنَّه يُقال: أمرَ الله مالَه، وأمَرَه -بفتح الميم، وكسرها- إذا كثَّره. ونقَل البخاري، عن الحُمَيدي، عن سفيان: أَمَر، أي: بفتح الميم، واستَشكلَه السَّفَاقُسي؛ لأنه لا يُقال بالفتح بمعنى: كَثُر، وليس كما قال. وقال (ك): إنَّه على هذه الرواية بالبناء للمفعول. * * * {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} (باب: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3]) 4712 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمرِو بْنِ جَرِير، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ، فرُفِع إِلَيهِ الذِّرَاعُ، وَكانَتْ تُعْجبُهُ، فَنَهسَ مِنْها نهسَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وهلْ تدرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يُجْمَعُ النَّاسُ؛ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُم؟ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُم إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُم بآدَمَ، فَيَأتُونَ آدَمَ - عليه السلام -،

فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نهانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيقُولُونَ: يَا نُوحُ! إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفعْ لَنَا إلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيقُولُ: إِنَّ رَبِّي - عز وجل - قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعوَة دَعَوْتُها عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَنْتَ نبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَع لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُم: إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ -فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ- نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفع لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحنُ فِيهِ؟ فَيقُولُ: إنَّ رَبِّي قَدْ غضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا

لم يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِها، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهبُوا إِلَى عِيسَى، فَيَأتُونَ عِيسَى، فَيقُولُونَ: يَا عِيسَى! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ ألقَاها إِلَى مَريَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَغ لَنَا، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَم يَذْكُر ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأتُونَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَيقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَد غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيه؟ فَأَنْطَلِقُ، فآتِي تَحتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي - عز وجل -، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتحهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَع تُشَفَّعْ. فَأرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ! فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! أَدخِلْ مِنْ أمُّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ، كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى".

{وآتينا داوود زبورا}

(ينفذهم)؛ أي: يُحيط بهم بصَر النَّاظِر. وقد سبَق الحديث في (كتاب الأنبياء)، في (قصة نوح). (كما بين مكة وحِمْير)؛ أي: صَنْعاء؛ لأنَّها بلَد حمير. * * * {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (باب: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55]) 4713 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خُفِّفَ عَلَى داوُدَ الْقِرَاءَةُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَجَ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ"؛ يَعْنِي: الْقُرآنَ. (يعني القرآن)؛ يُريد: الزَّبُور. قال (ك): أو التَّوراة، وكلُّ شيءٍ جمعتَه فقد قرأتَه، وسُمي القرآن قراَنًا؛ لأنَّه جمَع الأمرَ والنَّهي وغيرَهما، وفي الحديث: "إنَّ الله يَطوِي الزَّمانَ لمَن شاءَ مِن عِبَاده كما يَطْوِي المَكان". ومرَّ في (قصة داود عليه الصلاة والسلام). * * *

{قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا}

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} (باب: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الإسراء: 56]) 4714 - حَدَّثَنِي عَمرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {إلى رَبِّهِمُ اَلوَسِيلَةَ} قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الإنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجنُّ، وَتَمَسَّكَ هؤُلاَءِ بِدِينهم. زَادَ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ}. (ناسًا من الجن)؛ أي: طائفةً، وإلا فالناس هم الإنْس ضِدُّ الجِنِّ كما قال تعالى: {شَياطِينَ الإنسِ وَاَلجِنِّ} [الأنعام: 112]. (وتمسك)؛ أي: الناس العابدون بدينهم، ولم يتابعوا المعبودين في إسلامهم. (زاد الأشجعي) هي موصولةٌ في (تفسير الشورى)، والزيادة هي أنه زاد في القراءة، فقرأ {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} [الإسراء: 56]، إلى آخر الآيتين، ثم قال: كان ناسٌ. * * *

{أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} الآية

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآية (باب: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ} [الإسراء: 57]) الضمير في: (يَبتغون) -على ما فسَّره ابن مَسعود- يَعُود على المَحذوف من (يَدعُون)، تقديره: أولئك الذين يَدعونَهم أنَّهم يَبتغُون، وقرأَ ابن مَسعود: (تَدعُون)، بالمثنَّاة. 4715 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبة، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - فِي هذه الآيَةِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} قَالَ: نَاسٌ مِنَ الْجنِّ يُعْبَدُونَ، فَأَسْلَمُوا. (يعبدون) بالبناء للمَفعول. * * * {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (باب: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]) 4716 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عمرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، {وَاَلشَّجَرَة اَلمَلعُوَنةَ}: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ.

{إن قرآن الفجر كان مشهودا}

(رؤيا عين) فيه شاهدٌ على أنَّ (رُؤْيا) تكون مَصدرًا لـ (رأَى) البصَرية، خلافًا لما أنكَره الحَرِيري، وأنَّه إنما يُقال: رُؤية حَقًّ خطأً، والمُتنبِّي في قوله: ورُؤْياكِ أحْلَى في العُيُونِ مِنَ الغَمْضِ * * * {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قَالَ مُجَاهِدٌ: صَلاَةَ الْفَجْرِ. (باب: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]) 4717 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا معْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَضْلُ صَلاَةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلاَةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهارِ فِي صَلاَةِ الصُّبْح". يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُا إِنْ شِئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. سبَق شرح الحديث فيه مرَّات. * * *

{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}

{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (باب: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]) 4718 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحوَصِ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِي، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَومَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلّ أُمَّةٍ تتبَعُ نَبِيَّها، يَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ اشْفَع، حَتَّى تنتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ - رضي الله عنه -، فَذَلِكَ يَومَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحمُودَ. الحديث الأول: (جُثا) بضم الجيم، وفتح المُثلَّثة مقصورًا، أي: جَماعاتٍ، واحده: جُثْوة، وهو كلُّ شيءٍ جمعتَه مِن تُرابٍ ونحوِه، كخُطْوةٍ وخُطَا. قال الأثير: وتُروى هذه اللَّفظة: (جُثَّى)، بتشديد المُثلَّثة جمع: جاثٍ، وهو الذي يجلِس على رُكبتَيه، أي: كما في: {لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68]. * * * 4719 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ،

{وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}

وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ حَمزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (حلت له شفاعتي)؛ أي: غَشِيَتْه، ونزَلتْ به، وقيل: وجبَتْ له وحقَّتْ. * * * {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} يَزْهقُ: يَهْلِكُ. (باب: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ} [الإسراء: 81]) 4720 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي معمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنها بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}. (نُصُب) بضم النُّون، والمُهملة، ويُقال بسُكون المهملَة، ويُقال بفتْح النُّون، وسُكون المهملة، كذا رواه الأَصِيْلِي، والوَجْه نَصبًا

{ويسألونك عن الروح}

منصوبًا على التَّمييز؛ إذ لو رُفع لكان صفةً، والواحِد لا يقَع صفةً للجَمْع. (يطعنها) بضم العين على ما قال بعضُهم، وأما في القَول، فإنَّه بالفتح. * * * {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} (باب: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء: 85]) 4721 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرْثٍ، وَهْوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ، فَقَالَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ: مَا رَابَكُمْ إِلَيْه؟ وَقَالَ بَعْضُهم: لَا يَسْتَقْبِلُكُم بِشَيْءٍ تَكْرَهُونهُ، فَقَالُوا: سَلُوهُ، فَسألوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَأَمْسَكَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَلم يَرُدَّ عَلَيْهِم شَيْئًا، فَعَلمتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمتُ مَقَامِي، فَلَمَّا نزَلَ الْوَحْيُ، قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا}. (حرث)؛ أي: زَرْعٍ. (عسيب) قال السَّفَاقُسي: لعلَّه أرادَ: قَضِيْب، قال: ابن فارِس: عُسْبَان النَّخْل كالقُضْبان لغيره.

{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}

(مأربكم) بفتحتين، أي: حاجتُكم، وفي بعضها: (رابَكُم) بلفظ الماضي مِن الرَّيْب. قال (خ): كذا مَقُولة العامَّة، والصَّواب الأَول. وفي بعضها: (رأْيُكم) مِن الرَّأْي، أي: فِكْركم. (الروح) إما جِبْريل عليه السلام، أو نفْس الآدميِّ. وسبق الحديث في (العلم). (فلما نزل الوحي) ظاهرُه أنَّه لم يتأَخَّر، لكنْ في "مغازي ابن إسحاق": أنَّه تأخَّر خمسَ عشرةَ ليلةً، كذا قال (ع): إنَّه ثبَتَ في "مسلم" ما يَقتَضي الفَورَ، وهو وهْمٌ بيِّنٌ؛ لأنَّه إنما جاء هذا الفِعْل عند انكِشاف الوَحْي، وفي "البخاري" في (الاعتصام)، وهو: (فلمَّا صَعِدَ الوَحْي)، وهو صحيحٌ. ثم يحتمل أنْ يكون جَوابًا لهم عن الرُّوح، أي: أنه من أَمْره، أو ليس جوابًا، ولكنْ بَيان أنَّ هذا مما يختصُّ الله تعالى بعِلْمه، فلا سُؤالَ فيه لأحدٍ. * * * {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} (باب: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110]) 4722 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أبو بِشْرٍ،

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، كَانَ إِذَا صَلَّى بِأصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرآنِ، فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ، سَبُّوا الْقرآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}؛ أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقرآنَ، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصحابِكَ، فَلَا تُسْمِعُهُمْ، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. 4723 - حَدَّثَنِي طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءٍ. الحديث الأول، والثاني: (هُشيم، قال: أنا أبو بشر) قال الفِرَبْري: قال محمد بن عبَّاس: إنَّ أبا عبد الله لم يُخرِّج من أحاديث هُشَيم في هذا الكِتَاب إلا بلفْظ التَّحديث، أو الإِخْبار؛ لأنَّ هُشَيمًا كان مُدلِّسًا، فلم يذكُر له عَنْعنةً. قال (ك): وفي بعض النُّسَخ بدلَه، أي: بدَل أبي بِشْر: (يُونس)، وهو تصحيفٌ من النَّاسِخ. (بصلاتك)؛ أي: بقِراءَتك فيها، فهو من إطْلاق الكُلِّ على البعْض. (في الدعاء) إما مِن إرادةِ معنى: الصَّلاة، أو من إطلاق الكُل على الجُزء؛ لأنَّ الدُّعاء جُزءٌ منها. * * *

18 - سورة الكهف

18 - سورة الْكَهْفِ وَقَالَ مُجَاهدٌ: {تَّقْرِضُهُم}: تترُكُهُم. {وكان له ثَمَرٌ}: ذَهبٌ وَفِضَّة، وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ. {باخِعٌ}: مُهْلِكٌ. {أسَفًا}: نَدَمًا. الْكَهْفُ: الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ. وَالرَّقِيمُ: الْكِتَابُ، مَرْقُومٌ: مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْم: {وَرَبَطنَا علىَ قُلُوبِهم}: ألهمنَاهم صبْرًا، {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}. {شَطَطًا}: إِفْرَاطًا. الْوَصِيدُ: الْفِنَاءُ، جَمْعُهُ: وَصَائِدُ وَوُصُدٌ، وَيُقَالُ: الْوَصِيدُ الْبَابُ، {مُؤصدَةٌ}: مُطْبقَةٌ، آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ. {بَعَثنَاهُم}: أَحْيَيْنَاهُمْ. {أزكى}: أكثَرُ، وَيُقَالُ: أَحَلُّ، وَيُقَالُ: أكثَرُ ريعًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُكُلَهَا ولم تظلم}: لَم تنقُص. وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الرَّقِيمُ: اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ، كتَبَ عَامِلُهُمْ أَسمَاءَهمْ، ثُمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانتَهِ، فَضَرَبَ اللهُ عَلَى آذَانِهِمْ، فَنَامُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَألتْ تَئِلُ: تنجُو. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَوئِلًا}: مَحْرِزًا. {لَا يَسْتَطِيعُون سمعًا}: لَا يعْقِلُونَ. (سورة الكهف) قوله: (ثُمُر) بضم المُثلَّثة، والميم.

{وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}

(جماعة الثمر)؛ أي: أنَّه جمع: ثَمَرة على ثِمَار، ثم جمع: ثِمَارًا على ثُمُر، فثُمُر جمعُ الجمعِ. (أسفًا ندمًا) المَشهور في معناه: الحُزْن. (وَألَت) بفتح الواو، والهمزة، واللام: مِن الوَأْل، وهو اللَّجَأ. (تئل)؛ أي: مضارعُه كيَعِدُ. (محرزًا)؛ أي: مَوضِعًا حَصِيْنًا. * * * {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (باب: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]) 4724 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرني عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ قَالَ: "أَلاَ تُصَلِّيَان"؟ {رجمًا بالغيب}: لم يَسْتَبِنْ. {فُرُطًا}: نَدَمًا. {سُرَادِقُها}: مِثْلُ السُّرَادِقِ وَالْحُجْرَةِ الَّتِي تُطِيفُ بِالْفَسَاطِيطِ. {يُجَاوره}: مِنَ الْمُحَاوَرَةِ. {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}؛ أَيْ: لَكِنْ أَنَا هُوَ اللهُ رَبِّي، ثُمَّ حَذَفَ الأَلِفَ، وَأَدغَمَ إِحْدَى النُّونينِ فِي الأُخْرَى. {زَلَقًا}: لَا يثبُتُ فِيهِ قَدَمٌ. (هُنَالِكَ الْوِلاَيَةُ): مَصدَرُ الْوليِّ.

{عُقبًا}: عَاقِبةٌ وَعُقْبَى وَعُقْبةٌ وَاحدٌ، وَهْيَ الآخِرَةُ. قِبَلًا وَ {قُبُلًا} وَقَبَلًا: اسْتِئْنَافًا. {ليدْحِضُوْا}: لِيُزِيلُوا، الدَّحْضُ: الزَّلَقُ. (طرقه)؛ أي: ليلًا، وسبَبه أنَّ فاطمة أتَتْه فلم تَجدْه، فلمَّا جاءَ أخبَرتْه عائشةُ، فخرَج إليها، وفي الحديث اختصار، فتمامه بعد قوله: (أَلا تُصلِّيان)، قال عليٌّ: يا رسولَ اللهِ، أنفُسُنا بيدَي الله، إلى آخره. وقد سبق بتمامه في (كتاب التهجد). وفي الحديث حُجَّة على أنَّ المُراد بالإنسان الكافِر. (السرادق) هو الذي يُمدُّ فوقَ صَحْن الدَّار. (قبلًا) مثلَّث القاف. (استئنافًا) مُجدِّدًا لأمثُل سُنَّة الأوَّلين. قال السَّفَاقُسي: لا أَعرف هذا التَّفسير، إنما هو استِقبالًا، وهو يعود على (قَبَلًا) التي هي بفتح القاف والمُوحَّدة. وقرأَ عاصم، وحمزة، والكِسائيُّ بضمَّتين، قال الكِسَائي: عِيَانًا، وقرأَ الباقون بكسر القاف، وفتح المُوحَّدة. (فرطًا ندمًا) معنى الفُرُط لُغةً: مُجاوَزَة الحَدِّ. (أي: لكن أنا هو الله ربي) كذا في بعض النُّسَخ، وتعقَّبه (ش): بأنَّه قدَّر مبتدأَين، وإنما هو ثلاثةٌ: أنا، هو، الله ربي، خبَرُ الثَّالث: ربِّي، وهو وخبرُه خبر الثَّاني، وهو لفْظ: (هو الذي)، وهو ضمير الشَّأْن، والثاني، وخبره خبَرُ الأوَّل، والرَّابط بين الأَوَّل وخبرِه: الياء

{وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا}

في (ربِّي)، انتهى. لكن كثيرٌ من النُّسَخ فيه ذِكْر الثَّلاثة. (ثم حذف الألف)؛ أي: همزة (أَنَا)، وظاهره أنَّه حذف اعتِباطيٌّ، أي: بلا مُوجِب، وهو رأْيٌ لبعض النحويين، وقيل: الحَذْف قياسيٌّ؛ لأنَّه قد نُقلت حركة الهمزة على نونٍ، لكن بالسُّكون، فوجَبَ حذْف الهمزة على قاعدة التَّخفيف بالنَّقْل، فالتقَى مِثْلان، فأُدغِمَ، وجرَى عليه في "الكشاف". نعم، رجَّح بعضُهم الأول، وضعَّف الثاني؛ فإنَّ المَحذوف لعِلَّةٍ بمنزلة الثَّابِت، وحينئذٍ فيَمتنع الإدغام؛ لأنَّ الهمزة فاصلةٌ في التقدير. قال (ك): الرَّبط بالياء هو الباعِث على العُدول عن الظَّاهر في لفْظ: (لكِنَّا)، وتقديره بضميرِ المُفرد المتكلِّم ليَحصُل التَّطابق. (مصدر الولي) ورُوي: مصدر الوَلاء، وقُرئ في السَّبْعة في الوِلاية بالكسر والفتح، وحُكي عن أبي عمرو، والأَصمَعي: أنَّ كَسْرها لَحنٌ؛ لأنَّ فِعالة إنما تَجيء فيما كان صَنْعة أفعل فيه، أو معنًى متقلدًا، وليس هناك تَوالي أُمور. * * * {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} زَمَانًا، وَجَمعُهُ: أحْقَابٌ.

(باب): {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ} [الكهف: 60]) 4725 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِن نوفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ: أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ! حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كعبٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَم يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحرَيْنِ هُوَ أَعلَمُ مِنْكَ، قَالَ مُوسَى: يَا رَب! فَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تأخُذُ مَعَكَ حُوتًا، فتجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقدتَ الْحُوتَ، فَهْوَ ثَمَّ، فَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، حَتَّى إِذَا أتيَا الصَّخْرَةَ، وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، فَخَرَجَ مِنْهُ، فَسَقَطَ فِي الْبَحرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحرِ سَرَبًا، وَأَمسَكَ اللهُ عَنِ الْحُوتِ جِريَةَ الْمَاءِ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ، فَانْطَلَقَا بَقيةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا، حَتَّى إِذَا كانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، لَقَد لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هذَا نَصَبًا، قَالَ: وَلَم يَجد مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ فتاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوينَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ

عَجَبًا، قَالَ: فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا، وَلِمُوسَى وَلفَتَاهُ عَجَبًا، فَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نبغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، قَالَ: رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انتهيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نعم، أتيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا، يَا مُوسَى! إِنِّي عَلَى عِلْم مِنْ عِلْم اللهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْم اللهِ عَلَّمَكَ اللهُ لَا أَعْلَمُهُ. فَقَالَ مُوسَى: سَتَجدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا، وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْء حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانْطَلَقَا يَمشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ سَفِينةٌ، فَكَلَّمُوهُم أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ، فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا ركِبَا فِي السَّفِينَةِ، لَم يَفْجَأ إلا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ ألوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدتَ إِلَى سَفِينَتِهمْ، فَخَرَقْتها؛ لِتُغْرِقَ أَهْلها، لَقَد جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ: ألمْ أقلْ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا؟ قَالَ: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نسَيتُ، وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْم اللهِ إلا مِثْلُ مَا نَقَصَ هذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هذَا الْبحْرِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ،

فَبَينَا هُمَا يمشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ، إِذْ أَبصَرَ الْخَضِرُ غُلاَمًا يَلْعبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ، فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أقتلْتَ نفسًا زَاكِيةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ لَقد جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا. قَالَ: ألمْ أقُلْ لَكَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا؟ قَالَ: وَهذَا أَشَدُّ مِنَ الأُولَى، قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْء بَعدَها فَلَا تُصَاحِبْنِي، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أتيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ، اسْتَطْعَمَا أَهْلَها، فأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيها جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ -قَالَ: مَائِل- فَقَامَ الْخَضِرُ، فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ أتيْنَاهُمْ فَلَم يُطْعِمُونَا، وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} إلَى قوله: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَدِدنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا". قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالِحَةٍ غَصْبًا)، وَكَانَ يَقْرَأُ: (وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ). سبَق حديث موسى مع الخَضِر في (كتاب العلم) وغيره، ولكن يُذكر هنا شيءٌ من الزَّوائد ونحوها. (نَوْف) بفتح النون، وسكون الواو، وبالفاء. (البِكالي) بكسر المُوحَّدة، وخفَّة الكاف، ويقال أيضًا بفتحها والتشديد.

(عدو الله) أَطلَق عليه ذلك، وإنْ كان مُؤمنًا حسَن الإسلام والإيمان تَغليظًا لا سيَّما في حال الغضَب. (مجمع البحرين) قال قَتَادة: بَحْر الرُّوم، وبحر فارِس، وقال غيرُه: هو المَوضع الذي وعَدَه الله تعالى أنْ يَلقَى الخَضِر فيه. وفيه تنبيهٌ على حِكْمة الله تعالى في جمع موسى مع الخَضِر بمجمَع البَحرين، وذلك أنَّهما بَحران في العِلْم، أحدهما بالظَّاهر، وهو الشَّرعيات، والآخَر بالباطِن، وأَسرار الملَكوت. (يُوشع) بضم الياء، وفتح المعجمة، وقيل: المهملة، وبإهمال العين. (ابن نُون) بضم النون الأُولى. (واضطرب)؛ أي: تَحرَّك. (المكتل): الزَّنْبِيل. (جِرية) بكسر الجيم. (الطاق): عقْد البِناء. (مسجى)؛ أي: مُغطَّى. (الخَضِر) بفتح المعجمة الأُولى، وكسر الثانية، ويجوز إسكانها مع فتْح الأُولى وكسرها، لأنه كان إذا صلَّى اخضَرَّ ما حولَه، أو كان على أرض بَيضاء، فكانت تَهتَزُّ مِن خلْفه خَضراء، واسمه: بَلْيَا، واختُلف في نبُوَّته، وفي حياته، وسبَق بيانُ ذلك في (العلم).

{فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا}

(نَول) بفتح النون: الأُجرة. (وأنقص هذا العصفور) القَصْد منه بَيان القِلَّة، وإلا فلا نِسبةَ للمُتناهي إلى غير المُتناهي. (أشد)؛ أي: أَوكَد مِن الأوَّل حيث زاد (لَكَ). (يقرأ: وكان أمامهم) هذه القِراءة كالتَّفسير، لا أنَّها تُثبت في المُصحف. * * * {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} مَذْهبًا، يَسْرُبُ: يَسْلُكُ، وَمِنْهُ: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}. (باب: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} [الكهف: 61]) 4726 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَني يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، وَعَمرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَغَيْرَهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ، إِذْ قَالَ: سَلُوني، قُلْتُ: أَيْ أَبَا عَبَّاسٍ! -جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ- بِالْكُوفَةِ رَجُلٌ قَاصٌّ يُقَالُ لَهُ: نَوْفٌ، يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَمَّا عَمرٌو فَقَالَ لِي: قَالَ: قَدْ كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، وَأَمَّا يعْلَى فَقَالَ لِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مُوسَى رَسُولُ اللهِ -عَلَيْهِ

السَّلاَمُ- قَالَ: ذَكَّرَ النَّاسَ يَوْمًا حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ، وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ، وَلَّى، فَأَدْركَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ! هلْ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا، فَعَتَبَ عَلَيْهِ إِذْ لَمُ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَى اللهِ، قِيلَ: بَلَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ! فَأَيْنَ؟ قَالَ: بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ: أَيْ رَبِّ! اجْعَلْ لِي عَلَمًا أعْلَمُ ذَلِكَ بِهِ". فَقَالَ لِي عَمرٌو قَالَ: "حَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ". وَقَالَ لِي يعْلَى: قَالَ: "خُذْ نُونًا مَيِّتًا، حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، فَقَالَ لِفَتَاهُ: لَا أكُلِّفُكَ إِلَّا أَنْ تُخْبِرني بِحَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ. قَالَ: مَا كَلَّفْتَ كَثِيرًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذكره: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} يُوشَعَ بْنِ نُونٍ -لَيْسَتْ عَنْ سَعِيدٍ- قَالَ: "فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ، إِذْ تَضَرَّبَ الْحُوتُ، وَمُوسَى نَائِمٌ، فَقَالَ فتاهُ: لَا أُوقِظُهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ نسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَتَضرَّبَ الْحُوتُ، حَتَّى دَخَلَ الْبَحْرَ، فأمْسَكَ اللهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْبَحْرِ حَتَّى كَأَنَّ أثَرَهُ فِي حَجَرٍ، قَالَ لِي عَمرٌو: هكَذَا كَأَنَّ أثَرَهُ فِي حَجَرٍ، وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهامَيْهِ وَاللَّتَيْنِ تَلِيانِهِمَا. {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}، قَالَ: قَدْ قَطَعَ اللهُ عَنْكَ النَّصَبَ -لَيْسَتْ هذِهِ عَنْ سَعِيدٍ- أَخْبَرَهُ، فَرَجَعَا، فَوَجَدَا خَضِرًا -قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كبِدِ الْبَحْرِ- قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَطَرَفَهُ تحْتَ رَأْسِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: هلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلاَمٍ؟ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي

إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَمَا شَأنُكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمتَ رَشَدًا. قَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ، وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأتِيكَ؟ يَا مُوسَى! إِنَّ لِي عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَهُ، وَإِنَّ لَكَ عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْلَمَهُ، فأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا عِلْمِي وَمَا عِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْم اللهِ إِلَّا كمَا أَخَذَ هذَا الطَّائِرُ بِمِنْقَاره مِنَ الْبَحْرِ، حَتَّى إِذَا ركِبَا فِي السَّفِينَةِ، وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ أَهْلَ هذَا السَّاحِلِ إِلَى أَهْلِ هذَا السَّاحِلِ الآخَرِ، عَرَفُوهُ، فَقَالُوا: عَبْدُ اللهِ الصَّالح -قَالَ: قُلْنَا لِسَعِيدٍ: خَضر؟ قَالَ: نعمْ- لَا نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ، فَخَرَقها، وَوَتَدَ فِيها وَتِدًا. قَالَ مُوسَى: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ لَقَد جِئْتَ شَيْئًا إِمرًا -قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْكَرًا- قَالَ: ألم أقلْ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا؟ كَانَتِ الأُولَى نِسْيَانًا، وَالْوُسْطَى شَرْطًا، وَالثَّالِثة عمدًا، قَالَ: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ، وَلَا تُرهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، {لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ}، قَالَ يَعْلَى: قَالَ سَعِيدٌ: وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، فَأَخَذَ غُلاَمًا كَافِرًا ظَرِيفًا، فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ. قَالَ: أَقتَلْتَ نَفْسًا زكيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، لَم تَعْمَلْ بِالْحِنْثِ -وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأها: (زكيَّةً)، زَاكيَةً: مُسْلِمَةً، كقَوْلكَ: غُلاَمًا زكيًّا- فَانْطَلَقَا، {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} قَالَ سَعِيد: بِيَدِهِ هكَذَا -وَرَفَعَ يَدَهُ- فَاسْتَقَامَ، قَالَ يَعلَى: حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ، {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نأكلُهُ. {وَكاَنَ وَرَآءهُم}: وَكَانَ أَمَامَهم -قَرَأَها ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَمَامَهُم مَلكٌ) -

يَزْعُمُونَ عَنْ غَيْرِ سَعِيدٍ: أنَّهُ هُدَدُ بْنُ بُدَدٍ، وَالْغُلاَمُ الْمَقْتُولُ اسْمُهُ -يَزْعُمُونَ- جَيْسُورٌ. {مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}، فَأَردتُ إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعها لِعَيْبها، فَإِذَا جَاوَزُوا أَصلَحُوها، فَانتفَعُوا بِها، وَمِنْهمْ مَنْ يَقُولُ: سَدُّوها بِقَارُورَةٍ، وَمِنْهُم مَنْ يَقُولُ: بِالْقَارِ. {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ}: وَكاَنَ كَافِرًا، {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}: أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى دِينهِ، {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} لِقَوْلهِ: أَقتلْتَ نَفْسًا زكيَّةً؟ {وَأَقرَبَ رُحْمًا} وأقْرَبَ رُحْمًا: هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالأَوَّلِ، الَّذِي قتلَ خَضِرٌ، وَزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدٍ: أَنَّهُمَا أُبْدِلَا جَارِيَةً، وَأَمَّا داوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، فَقَالَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: إنَّهَا جَارِيَةٌ. (وغيرهما)؛ أي: قال ابن جُريج: سمعتُ غيرهما، أو أخبرني غيرُهما عن سعيد بن جُبير. (ثريان) النَّديُّ، فَعلان مِن الثَّرى، وهو التُّراب الذي فيه نَداوَةٌ. (تضرب)؛ أي: اضطَرب، وتَحرَّك. (حجر) بمفتوحتين، وفي بعضها بضم الجيم، وسُكون المُهملة. (طِنْفِسة) بكسر المُهملة، والفاء، وبضمِّها، وبكسر المهملة، وفتح الفاء، وهو الأفصح: بِسَاطٌ له خَمَلٌ.

(كبد)؛ أي: وسَط، وهذه الرِّواية القائلة بأنَّه كان في وسَط البحر غريبة. (هل بأرض من سلام) معناه معنَى: وأَنَّى بأَرضِك السَّلامُ، أي: بأرضكَ التي أنْتَ بها في الحالِ. (لا ينبغي في)؛ أي: قال ذلك، لأنه كان نبيًّا، فلا يجب عليه تعلم شريعة نبي غيره أو وليًّا، فلعله مأمور بمتابعة نبي غيره. (وتد) لا ينافي ما سبَق أنه خرَقها، فإن قلَع منها لوحًا بالقَدُوم، لاحتمال أنه خرَق بالقَدُوم وبالوتد، أو كان الوتَد للإصلاح ولدفْع نُفوذ الماء. (نسيانًا)؛ أي: حيث قال: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73]. (شرطًا)؛ أي: حيث قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ} [الكهف: 76]. (عمدًا)؛ أي: حيث قال: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77]. (ذبحه) لا ينافي رواية: (اقْتَلَعَه بيَدِه)؛ لاحتمال أنه قطع بعضه بسكين، ثم قلع الباقي، أو نزع أعضاءه وعروقه من مكانه، ثم ذبَحه قطعًا. (بالحنث)؛ أي: الإثم، أي: لم يَبلُغ. (زكية: زاكية) قراءة أهل الكوفة: زَكيَّة، واختار أبو عَمرو: زَاكيَة، وزعم أنَّ الزَّكيَّة التي لم تُذنب، والأكثرون على أنَّهما بمعنًى

واحدٍ كعالِمٍ وعَليمٍ. (مسْلِمة) بسكون السين، وكسر اللام، وفي بعضها بفتح السين، واللام وتشديدها. قال السَّفَاقُسي: وهو أَشبَهُ أنَّه كان كافرًا. (فمسحه) ظاهره أنَّه أقامَه بيَدِه، وقيل: كما (¬1) يُقِيم القِلال الطِّيْن بمَسْحِه. (هُدَد) بضم الهاء، وفتح المهملة الأُولى. (بُدد) بضم المُوحَّدة، وفتح المهملة الأُولى؛ قاله في "جامع الأُصول". (جيسور) بجيمٍ، وراءٍ آخرَه، كذا لبعضهم، وهو ما قيَّده الدَّارَقُطْني. وحكى السَّفَاقُسي عن بعضهم أنه بالنون في آخره، وقال: في حِفْظي إنما هو جَيْسُون بالنون، ولأبي ذَرٍّ، وابن السَّكَن: (حَيْسُور) بمهملةٍ، وراءٍ آخرَه. وقال أبو الفرَج: في أَصْل الحُمَيدي بحاءٍ مهملةٍ، وبعدها ياءٌ، وشينٌ معجمةٌ، ونونٌ. وقال الدَّارَقُطْني: جَيْسُور. (بقارورة) لعلَّه فَعلُولَةٌ من القَار، يُقال: قَريتُ السَّفينةَ: طلَيتُها ¬

_ (¬1) في الأصل: "كان"، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (2/ 956).

{فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} إلى قوله: {عجبا}

بقارٍ، وإلا فالقارورة واحدةُ القَوارير من الزُّجاج. قال (ك): وكيفيَّتُه غير معلومةٍ، ويحتمل أنْ يكون قارورة بقَدْر المَوضِع المَخروق، فتُوضَع فيه، وأن يُسحَق الزُّجاج، ويُخلَط بشيءٍ كالدَّقيق فيُسدَّ به. (القار)؛ أي: القَيْر. (غير سعيد)؛ أي: ابن جُبير، هذا منسوبٌ لابن عبَّاس أنَّهما أُبدلا منه جاريةً ولدتْ نبيًّا. * * * * {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} إِلَى قوله: {عَجَبًا} {صُنعًا}: عَمَلًا. {حِوَلًا}: تَحَوُّلًا. {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا}. {إمرًا} وَ {نُكرًا}: داهِيَةً. {ينقَضَّ}: يَنْقَاضُ، كَمَا تنقَاضُ السِّنُّ. لتخِذْتَ وَاتَّخَذْتَ وَاحِدٌ. {رُحْمًا} مِنَ الرُّحْم، وَهْيَ: أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَةِ، وَنظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الرَّحِيم، وَتُدعَى مَكَّةُ أُمَّ رُحم، أَيِ: الرَّحْمَةُ تنزِلُ بِها. (باب: {فَلَمَّا جَاوَزَا} [الكهف: 62]) قوله: (تنقاض السن) قيَّدَه المُتقِنون بتخفيف المعجمة، وعند أبي ذَرٍّ بالتشديد والتخفيف، وعند غيره: (الشيء) بدَل: (السِّن)،

ومعنى ينقض: ينكَسِر، ويَنهدِم، وينقاضُّ: يَنقلِعُ من أصله. وقُرئ: (يَنقاصُّ) بالصاد المُهملة، قيل: معناه الشَّقُّ طُولًا. وقال ابن دُرَيْد: انقَاصَّ بمهملةٍ: انصَدَع، ولم يَبِنْ، وبمعجمةٍ: انكسَر وبانَ. قال الكِسَائيُّ: وأرادَ به مَيْلَه. (لتخذت واتخذت) قُرئ بهما في السَّبْعة. (الرحم) بكسر الحاء، أي: القَرابَة، وهي أَشدّ مُبالغةً من الرَّحمة التي هي رِقَّة القَلْب، والتَّعطُّف لاستِلْزام القَرابة للرِّقَّة غالِبًا من غير عكْسٍ. وظنَّ بعضهم أنه مشتقٌّ من الرَّحيم الذي مِن الرَّحمة، وغَرَضَه أنه بمعنى القَرابة لا الرَّأْفة، وعند بعضِهم بالعَكْس. (أُمّ رُحْم) بضم الراء، وسُكون المهملة: اسم من أَسماء مكَّة. * * * 4727 - حدثنِي قُتيْبة بن سَعِيدٍ، قالَ: حَدّثنِي سُفيَان بْنُ عيينة، عَنْ عَمرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاس: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى الْخَضِرِ؟ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ! حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقِيلَ لَهُ: أَيّ النَّاسِ أعْلَمُ؟ قَالَ:

أَنَا، فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَم يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ: بَلَى، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعلَمُ مِنْكَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ! كيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: تأخُذُ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدتَ الْحُوتَ، فَاتَّبِعْهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مُوسَى، وَمَعَهُ فتاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَمَعَهُمَا الْحُوتُ، حَتَّى انتهيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدها، قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ عَمرٍو: قَالَ: وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَها: الْحَيَاةُ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِها شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ، فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ، قَالَ: فتحَرَّكَ، وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَدَخَلَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى، {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا} الآيَةَ، قَالَ: وَلَمْ يَجِدِ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ، قَالَ لَهُ فتاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} الآيَةَ، قَالَ: فَرَجَعَا يَقُصَّانِ فِي آثَارِهِمَا، فَوَجَدَا فِي الْبَحْرِ كَالطَّاقِ مَمَرَّ الْحُوتِ، فَكَانَ لِفَتَاهُ عَجَبًا، وَللْحُوتِ سَرَبًا، قَالَ: فَلَمَّا انتهيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، قَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بني إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نعمْ، هلْ أتَبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلمتَ رَشَدًا؟ قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى! إِنَّكَ عَلَى عِلْم مِنْ عِلْم اللهِ عَلَّمَكَهُ اللهُ لَا أَعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْم مِنْ عِلْم اللهِ عَلَّمَنِيهِ اللهُ لَا تعْلَمُهُ. قَالَ: بَلْ أتَّبِعُكَ. قَالَ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْء حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانْطَلَقَا يَمشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينةٌ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ،

فَحَمَلُوهُم فِي سَفِينَتِهِم بِغَيْرِ نولٍ -يَقُولُ: بِغَيْرِ أَجْرٍ- فَرَكبَا السَّفِينَةَ، قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ الْبحْرَ، فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ فِي عِلْم اللهِ إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هذَا الْعصْفُورُ مِنْقَارَهُ، قَالَ: فَلَم يَفْجَأْ مُوسَى، إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى قَدُومٍ، فَخَرَقَ السَّفِينَةَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدتَ إِلَى سَفِينَتِهم فَخَرَقْتَها؛ {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ} الآيَةَ، فَانْطَلَقَا إِذَا هُمَا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} إِلَى قولهِ: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}، فَقَالَ بِيَدِهِ هكَذَا، فَأَقَامَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّا دَخَلْنَا هذهِ الْقَرْيَةَ، فَلَم يُضَيِّفُونَا، وَلَم يُطْعِمُونَا، {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا". قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا)، (وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا). (عين يقال لها: عين الحيا) قال أبو الفَرَج: كذا رُوي بغير هاءٍ، والحَيَا: ما يحيا النَّاسُ به، والمَشهور في التَّعارُف في عَين الحياة. وقال الدَّاوُدي: لا أَرى هذا يَثبُت وإنْ كان مَحفوظًا، فذلك كلُّه من خَلْق الله تعالى وقُدرته إذا أَراد إحياءَ ميتٍ أَنشَرَه.

{هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}

وقال: في دُخول الحُوت في العَين دليلٌ على أنه حيٌّ قبل دُخوله في العَين، لو كان كما في هذا الحديث فلا يَحتاج إلى العَين، واللهُ قادرٌ على أن يُحييَه بلا عَينٍ. قال: وقوله: (فلمَّا استَيقَظَ؛ قال: آتِنَا غَداءَنا) وَهْمٌ، إنما قال له ذلك بعدَ أنْ سارَ يومًا وليلةً. قال: وكذلك قولُه: (وجَدناهُ عنْد الصَّخرة). وما زَعَمه الداوُدي مِن دُخول الحُوت العَينَ وهو حيٌّ ليس كما قال، وإنما أصابَ الحوتَ من ماءِ تلْك العَين، فتَحرَّكَ، وتَوهيمُه وُجْدانَه عند الصخرة عجيبٌ، ففي الحديث المتقدِّم أنَّهما وجَداه عند الصَّخرة. (قدوم) بتخفيف الدال: الآلَة. * * * {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (باب: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103]) 4728 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ عمرٍو، عَنْ مُصعَبٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} هُمُ الْحَرُورِيَّةُ؟ قَالَ: لَا، هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، وَأَمَّا النَّصَارَى كَفَرُوا بِالْجَنَّةِ، وَقَالُوا:

{أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم} الآية

لَا طَعَامَ فِيها، وَلَا شَرَابَ، وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ. وَكَانَ سَعدٌ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ. (سألت أبي)؛ أي: سَعْد بن أبي وَقَّاص. (الحَرُورِية) بفتح المهملة، وضم الراء الأُولى: الخَوارِج، نُسِبوا إلى قَريَة حَرُوراء بقُرب الكُوفة. (والنصارى)؛ أي: وأمَّا النَّصارى، وذلك بقَرينة الفاء في (فكفَروا)، وأيضًا فلا بُدَّ من مُعادِل لـ (أمَّا)، والحَرُورية هم الخاسِرُون؛ لأنَّهم ليسوا كفَرةً بل فَسَقَةٌ، قال تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 27]، والكافرون هم الأَخسَرون؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} الآية [الكهف: 105]. * * * {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} الآية (باب: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِه} [الكهف: 105]) 4729 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مرْيَمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّهُ لَيَأتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ اقْرَؤُا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} ".

19 - كهيعص

وَعَنْ يَحيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرحمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِثْلَهُ. (العظيم)؛ أي: جُثَّة، أو جَاهًا عند الناس. * * * 19 - كهيعص قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ}، اللهُ يَقُولُهُ، وَهُمُ الْيَوْمَ لَا يَسْمَعُونَ، وَلَا يُبْصِرُونَ، فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ؛ يَعْنِي: قَوْلَهُ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}، الْكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيءٍ وَأَبْصَرُهُ. {لَأَرْجُمَنَّكَ}: لأَشْتِمَنَّكَ. {وَرِئْيًا}: مَنْظَرًا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}: تُزْعِجُهُم إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِدًّا}: عِوَجًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وِرْدًا}: عِطَاشًا. {أَثَاثًا}: مَالًا. {إِدًّا}: قَوْلًا عَظِيمًا. {رِكْزًا}: صَوْتًا. {غيًّا}: خُسْرَانًا. {وبُكيًّا} جَمَاعَةُ بَاكٍ. {صليًّا}: صَلِيَ يصْلَى. {نَدِيًّا} وَالنَّادِي: مَجْلِسًا. (سورة كهيعص) قوله: (لا يسمعون ولا يبصرون) يُريد أنَّ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} [مريم: 38] أمرٌ بمعنى الخبَر كما قال الله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ

{وأنذرهم يوم الحسرة}

لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171]. وقال (ك): أسمِع النَّاسَ وأَبصِرهُم لكنْ هم اليَومَ، أي: في الدُّنيا في ضَلالٍ مبينٍ، لا يَسمعون ولا يُبصرون. (نُهْية) بضم النون، وسُكون الهاء، وبياءٍ، أي: عَقْل؛ لأنَّه يَنهى عن القَبيح. (صوتًا) المشهور أنَّه الصَّوت الخَفيُّ لا مُطلق الصَّوت الذي لا يُفهم. (بُكيًّا: جمع باك) هذا على خِلاف القِياس، بل القِياس في جمعه: فُعَلَة، كقاض وقُضَاة، ولم يُسْمع منه إلا هذا الأصْل. وقيل: ليس بجمْع بل مصدرٌ على فُعول كجَلَس جُلُوسًا. (صلي): احتَرق. (فليدعه)؛ أي: ليترُكْه، وليُهملْه؛ ليَزداد إثْمًا. * * * {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: 39]) 4730 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُؤْتَى بِالْمَؤتِ كهيئَةِ كبشٍ أَملَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّة! فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيقُولُ: هلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟ فَيقُولُونَ: نعم، هذَا الْمَوْتُ، وَكلُّهُم قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ! فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيقُولُ: هلْ تَعرِفُونَ هذَا؟ فَيقُولُونَ: نعم، هذَا الْمَوْتُ، وَكلُّهُم قَدْ رآهُ، فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ! خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ}: وهؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ؛ أَهْلُ الدُّنْيَا، {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ". (أملح) ما كان فيه سَوادٌ وبَياضٌ، والبَياضُ أكثَر. (فَيشْرئبّون) بهمزة بعد الرَّاء، وتشديد المُوحَّدة، مِن الاشْرِئْبَاب، أي: يمُدُّون أعناقَهم لينظُروا، وقال الأَصْمَعي: أنْ يَرفع رأْسَه. (فيذبح) يحتمل الحقيقة، وإنْ كان المَوتُ عرَضًا، فإنَّ الله سبحانه يَقلبُه جِسْمًا حيوانًا مثل الكَبْش، وبالجُملة فالقَصْد التمثيلُ، وبيانُ أنَّه لا يَموت أحدٌ بعد ذلك. (خلود) مصدرٌ، أو جمع: خَالِد. (وهم في غفلة) فسَّرهم بقوله: (وهؤلاء)؛ ليُشير إليهم بَيانًا لكونهم أهلَ الدُّنيا؛ إذ الآخرة ليستْ دارَ غَفْلةٍ. * * *

{وما نتنزل إلا بأمر ربك}

{وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} (باب: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64]) في "تفسير عبد الرزاق": عن مَعْمَر، عن قَتادة: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لجِبْريل وقَد أَبطأ عليه، فقال جبريل: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64]. 4731 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِجبْرِيلَ: "مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورنَا أكثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ " فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا}. (ما بين أيدينا)؛ أي: من الآخرة. (وما خلفنا)؛ أي: من الدُّنيا. (وما بين ذلك)؛ أي: ما بين النَّفختَين. * * * {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} (باب: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} [مريم: 77]) 4732 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَمعْتُ خَبَّابًا قَالَ: جِئْتُ الْعَاصِيَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أتقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ

بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: لَا حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وإنِّي لَمَيِّتٌ، ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نعم. قَالَ: إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَأَقْضِيكَهُ. فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}. رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعبةُ، وَحَفْصٌ، وَأبُو مُعَاوِبَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الأعْمَشِ. (العاص) بفتح الصاد المُهملة، أو بكَسْرها على أنَّه أَجوَف، أو ناقِص. قال (ش): سُمِّي بذلك مِن عَصَا يَعصُو: إذا ضَرَب بالسَّيف، وقيل: لأنَّه تقلد بالعَصَا بدَلًا من السَّيف. (أتقاضاه حقًّا)؛ أي: أطلُب قَضاءَه. (لا)؛ أي: لا أكفُر. (حتى) لا يُقال مفهوم الغَاية أنْ يكفُر بعد المَوت؛ لأنَّ ذلك محالٌ، فكأنَّه قال: لا أَكفُر أبدًا كما في: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] في أنَّ ذِكْرَه للتَّأكيد. (ورواه الثوري، وشعبة، وحفص، وأبو معاوية، ووكيع) رواية الثَّوريِّ وصلَها بعدَ هذا، وكذا رواية شُعبة، ووَكِيع، ورواية حَفْص وصلَها في (الإجارة). * * *

قوله: {أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا}

قوله: {أطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} قَالَ: مَوْثِقًا. (باب: {أطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: 78]) 4733 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِي بْنِ وَائِلِ السَّهْمِيِّ سَيْفًا، فَجئْتُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قُلْتُ: لَا أكفرٌ بِمُحَمَّدٍ - رضي الله عنه - حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ، ثُمَّ يُحْيِيَكَ. قَالَ: إِذَا أَمَاتَنِي اللهُ، ثُمَّ بَعَثَنِي، وَلِي مَالٌ وَوَلدٌ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}، قَالَ: مَوْثِقًا. لَم يَقُلِ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ: سَيْفًا، وَلَا مَوْثِقًا. (قينًا)؛ أي: حَدَّادًا. وسبَق الحديث في (البيع)، في (باب: ذِكْر القَين)، وفي (الإجارة). * * *

{كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا}

{كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} (باب: {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} [مريم: 79]) 4734 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعبةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ، قَالَ: فَأَتَاهُ يتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: وَاللهِ لَا أكفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ، ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: فَذَرْنِي حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ أُبْعَثَ، فَسَوْفَ أُوتَى مَالًا وَوَلَدًا، فَأَقْضِيكَ. فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدً}. الحديث تقدَّم في الباب قبلَه. * * * قوِله - عز وجل -: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الجبال هدًّا}: هَدْمًا. (باب: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 80]) 4735 - حَدَّثَنَا يحيَى، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أتقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي: لَا أَقْضِيكَ

20 - طه

حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قَالَ: قُلْتُ: لَنْ أكفرَ بِهِ حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وإنِّي لَمَبْعُوث مِنْ بَعدِ الْمَوْتِ؟ فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ. قَالَ: فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}. فيه الحديث مذكور أيضًا. * * * 20 - طه قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: بِالنَّبَطِيَّةِ {طه}: يَا رَجُلُ. يُقَالُ: كُلُّ مَا لم يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأةٌ، فَهْيَ عُقْدَةٌ. {أَزْرِي}: ظَهْرِي. (فَيَسْحَتَكُمْ): يُهْلِكَكُم. {المُثْلَى}: تأْنِيثُ الأَمْثَلِ، يَقُولُ: بِدينكمْ، يُقَالُ: خُذِ الْمُثْلَى، خُذِ الأمثَلَ. {ثُمَّ آئتُوْا صَفًّا} يُقَالُ: هلْ أتيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ؛ يَعنِي: الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ. {فَأَوْجَس}: أَضْمَرَ خَوْفًا، فَذَهبَتِ الْوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} لِكَسْرَةِ الْخَاءِ. {فِى جُذُوعِ}؛ أَيْ: عَلَى جُذُوعِ. {خطبُك}: بَالُكَ. {مساس}: مَصدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا. {لننسفنَّه}: لنذْرِيَنَّهُ. {قَاعًا}: يَعْلُوهُ الْمَاءُ. وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مِن زِينَةِ القَوْم}: الْحُلِيُّ الَّذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. فَقَذَفْتُها: فَألقَيْتُها.

{أَلقَى}: صَنَعَ. {فَنسِيَ} مُوسَاهُم يَقُولُونه: أَخْطَأَ الرَّبَّ. {أَلَّا يرَجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا}: الْعِجْلُ. {هَمْسًا}: حِسُّ الأَقْدَامِ. {حَشرتَنِي أَعمى}: عَنْ حُجَّتِي، {وَقَد كنُتُ بَصِيرًا}: فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {أمثَلُهُم}: أَعْدَلُهمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هضمًا}: لَا يُظْلَمُ، فَيُهْضَمُ مِنْ حَسَنَاتِهِ. {عِوَجًا}: وَادِيًا. {أمتُا}: رَابِيَةً. {سِيرَتَها}: حَالتها الأُولَى. {النُّهى}: التُّقَى. {ضَنكًا}: الشَّقَاءُ. {هوَى}: شَقِيَ. {المقدس}: الْمُبَارَكَ. {طُوًى}: اسْمُ الْوَادِي. {بمَلكِنا}: بِأمرِنَا. {مَكانًا سُوًى}: مَنْصَفٌ بَيْنَهمْ. {يَبَسًا}: يَابِسًا. {على قَدَرٍ}: مَوْعِدٍ. {وَلَا تَنِيَا}: تَضْعُفَا. (سورة طه) قوله: (بالنَّبَطية) النَّبَط، بفتح النون، والمُوحَّدة، وبمهملةٍ: قومٌ يَنْزِلون بالبَطائح بين العِراقَين، وكثيرًا ما يُستَعمل ويُراد به الزَّارعون. (أي طه)؛ أي: حرف نِداءٍ، وطَه: معناه الرَّجُل، فمعناه: يا رجُلُ، ولكن حُذف في القرآن حرف النِّداء نحو: (يُوسُفُ أعرض عَن هذَا} [يوسف: 29]، أي: يا يُوسُفُ. قال (ش): صحَّح بعضهم أنَّه بحرفَين من الهِجاء، وقال: هي لُغةُ عَكٍّ.

{واصطنعتك لنفسي}

وقال الخَليل: مَن قرأَ (طَهْ) مَوقوفًا فهو رجلٌ، ومن قَرأَ: (طه) بحرفين في الهِجاء، فقيل: معناه: اطمأَنَّ، وقيل: طاء الأَرض، والهاء كنايةٌ عنها، وبلَغَنا أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا سَمعَ كلامَ الله تعالى استفزَّه الخَوف حتى قامَ على أَطْراف أصابع قدَميه، فقال تعالى: طه اطمأَنَّ. (فيسحتكم)؛ أي: يُهلكَكُم. (خوفًا) يُريد أنَّ أصل حقيقة خِوْفةً بكسر الخاء، فقُلبت الواو ياءً؛ لكسر ما قبلَها. (أي: على جذوع) هي طَريقةٌ كوفيةٌ، والمُحقِّقون على أنَّها للظرفية لكن مَجازيَّةً. (يفرط عقوبة)؛ أي: يُعاقبُنا. * * * {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (باب: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41]) 4736 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى لآَدَمَ: آنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ لَهُ آدَمُ: آنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ،

{ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى (77) فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم (78) وأضل فرعون قومه وما هدى}

وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ، وَأنزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَوَجَدتَهُ كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: نعم. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". الْيَمُّ: الْبَحْرُ. (فحج آدم موسى)؛ أي: غلَبَه في الحُجَّة، وظَهر عليه بها. قال (خ): وذلك أنَّ الاعتِراض والابتِداء بالمَسأَلة كان من مُوسى، وعارضَه آدمُ (¬1) بأمرٍ دفَع عنه اللَّوم، فكان هو الغالِب. وقال (ن): لمَّا تابَ الله على آدمَ، وغفَر له؛ زالَ عنه اللَّوم، فمَن لامَه كان مَحجُوجًا بالشَّرع. وسبق الحديث في (كتاب الأنبياء). * * * {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} (باب: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى) التلاوة: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا} [طه: 77]. 4737 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شعبةُ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: لَمَّا ¬

_ (¬1) في الأصل: "موسى"، والمثبت من "ف" و"ت".

{فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى}

قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَسَألهُمْ، فَقَالُوا: هذَا الْيَوْمُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُم، فَصُومُوهُ". (ظهر فيه موسى)؛ أي: غلَبَ. ومرَّ في (الصوم). * * * {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (باب: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117]) 4738 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ، عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "حَاجَّ مُوسَى آدَمَ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُم. قَالَ: قَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى! أَنْتَ الَّذِي اصطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ، أتلُومُنِي عَلَى أَمرٍ كتبَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي -أَوْ:- قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ " قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". سبَق معناه. قيل: إنما احتجَّ في خُروجه من الجنَّة بأنَّ الله تعالى خلَقَه ليَجعلَه

21 - سوره الأنبياء

خليفةً في الأرض إلا أنَّه نفَى عن نفْسه الذَّنْب، قيل: وإنما أنكَر على مُوسَى أن يلومَه لتَوبتِه منه. * * * 21 - سوره الأَنْبِيَاء (سورة الأنبياء) 4739 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: (بَنِي إِسْرَائِيلَ) وَ (الْكَهْفُ) وَ (مَرْيَمُ) وَ (طَهَ) وَ (الأَنْبِيَاءُ) هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي. وَقَالَ قتادَةٌ: {جُذَاذًا}: قَطَّعَهُنَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {فِي فَلَكٍ} مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ. {يَسْبَحُونَ}: يَدُورُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {نَفشَتْ}: رَعَتْ. {يُصْحَبُونَ}: يُمنَعُونَ. {أمَّتُكم أمَّة واحِدَةً} قَالَ: دِينُكم دِينٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ}: حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ غَيرُهُ: {أَحسُّوْا}: تَوَقَّعُوهُ، مِنْ أَحْسَسْتُ. {خَامِدِينَ}: هامِدِينَ. حَصِيدٌ: مُسْتَأصَلٌ، يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ. {وَلَا يستَحْسِرُونَ}: لَا يُعْيُونَ، وَمِنْهُ: حَسِيرٌ، وَحَسرْتُ بَعِيرِي.

عَمِيقٌ بَعِيدٌ. (نُكِّسُوا): رُدُّوا. {صنعَةَ لبَوُسٍ}: الدُّرُوعُ. {وتقطَّعُوَا أَمرَهُم}: اخْتَلَفُوا، الْحَسِيسُ وَالْحِسُّ وَالْجَرْسُ وَالْهمسُ وَاحِدٌ، وَهْوَ: مِنَ الصَّوْتِ الْخَفِي. {آذَنَّاكَ}: أَعلَمنَاكَ، {آذنتكم}؛ إِذَا أَعْلمتَهُ، فأَنْتَ وَهْوَ {عَلى سَوَاءٍ}، لَم تَغْدِر. وَقَالَ مُجَاهدٌ: {لَعَلَكُم تسئَلُونَ}: تُفْهمُونَ. {ارتضى}: رَضِيَ. {التماثيل}: الأَصنَامُ. السِّجِلُّ: الصَّحِيفَةُ. (قال بني إسرائيل) كذا وقَع، وصوابه: بَنُو إسرائيل. (العتاق) العَتِيْق: ما بلَغَ الغايةَ في الجودة، والأَوَّليَّة باعتبار النُّزول؛ لأنَّها مكِّيَّاتٌ. وسبق تقرير ذلك. (فلكة المغزل) قال الجَوْهري: سُمِّيت بذلك لاستِدارتها. قال ابن عَطِيَّة: تكلَّموا فيما هو الفَلْك، فقال بعضُهم: كحَديد الرَّحَا، وقال بعضهم: كالطَّاحُونة، وغير هذا مما لا يَنبَغي التَّسوُّر عليه، غير أنَّا نَعرفُ أنَّ الفَلَك جِسْمٌ مُستديرٌ. وفي الحديث: جَواز الخَرْق والالتِئام على الأَفْلاك، وإنما ذُكر بضَمير العُقلاء -وهو الواو- لوصْفِهم بالسِّباحة. (نفشت)؛ أي: رعَتْ لَيلًا بلا راعٍ، فإنْ رعَتْ بالنَّهار بلا راعٍ قيل: هَمَلَتْ. (أحسوا) من أحسَستُ.

قال أبو عبيد: {فَلَما أَحسوْا بَأسَنَا} [الأنبياء: 12]، أي: لَقُوه، ورأَوه، يُقال: هل أحسَستَ فُلانًا، أي: وجَدتَه، ورأَيتَه، ويقال: هل أَحسَستَ منِّي ضَعْفًا؟. (والحصيد) إلى آخره، قال أبو عُبَيدة: يُطلَق على الواحد، والاثنَين، والجمْع كالوصْف بالمَصدر. (يعيون) قال السَّفَاقُسي: مِن أَعيَا، وضُبط في رواية أبي ذَرٍّ بفتْح الياء، وليس بشيءٍ. (عميق)؛ أي: في قوله تعالى: {من كل فج عميق} [الحج: 27]، ولكن هذا من الحج، فلعلَّ الناسخ أخَذَه مِن على الحاشِيَة، وكتبَه هُنا. (والجرس)؛ أي: بفتح الجيم وكسرها، وسُكون الراء، أي: كلُّها بمعنَى الصَّوت الخَفِي. (آذناك) (¬1) ذُكر لمُناسبة: (آذَنْتُكم)، وإلا فهو من سورةٍ أُخرى. (السجل: الصحيفة) هذا قول مُجاهد، أي: تُطوَى ليُكتَب فيها. وعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: هو رجلٌ كان يَكتُب للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، رواه أبو داوُد في "سُننه" عن أبي الجَوزَاء، وأنكَره الثَّعلَبي، وقال: ليس في كُتَّاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَن اسمه: سِجِلٌّ، وإنما المُراد الصَّحيفة، وحكاه عن ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ف": "هو في سورة فصلت في قوله تعالى: {قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} [فصلت: 47].

{كما بدأنا أول خلق}

ابن عبَّاس أيضًا. قال: واللام في (للكِتاب) بمعنى: على، أي: كطَيِّ الصَّحيفة على مَكتُوبها، وقيل: هو اسم مَلَكٍ يَكتُب أَعمالَ العِباد. * * * {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ} (باب: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]) 4740 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعمَانِ شَيخٍ مِنَ النَّخَعِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّكمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِم ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: لَا تَدرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأقولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالح: {كنتُ عَلَيهم شَهِيدًا مَّا دُمْتُ} إِلَى قَوْلهِ: {شَهِيدٌ}، فَيُقَالُ: إِنَّ هؤُلاَءِ لَم يَزَالُوا مُرتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ". (غُرْلًا) جمع: أغْرَل، بالمعجمة، والراء: الأَقْلَف. (ذات الشمال)؛ أي: جِهة النَّار. (مرتدين) ليس المُراد الرِّدَّة عن الإسلام، بل التخلُّف عن

22 - سورة الحج

الحُقوق الواجِبة، ولم يَرتدَّ -بحمْد الله تعالى- أحدٌ من الصَّحابة، وإنما ارتدَّ قَومٌ من جُفاة العرَب الدَّاخلين في الإسلام رَغْبةً أو رهبةً. وسبق في (كتاب الأنبياء). * * * 22 - سورة الحجِّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {المُخْبِتِينَ}: الْمُطْمَئِنِّينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فِي أمنيَّتِهِ}: إِذَا حَدَّثَ، ألقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ، فَيُبْطِلُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ، وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ. وَيُقَالُ: أُمنِيَّتُهُ: قِرَاءَتُهُ، {إلا أَمانيَّ}: يَقْرَءُونَ، وَلَا يَكْتبونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَشِيدٌ بِالْقَصَّةِ. وَقَالَ غيْرُهُ: {يسُطون}: يَفْرُطُونَ، مِنَ السَّطْوَةِ، وَيُقَالُ: {يسطُونَ}: يَبْطُشُونَ. {وَهُدوا إِلَى الطيبِ من القول}: ألهِمُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بسببٍ}: بِحَبْلٍ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ. {تَذْهَلُ}: تُشْغَلُ. (سورة الحَجِّ) قوله: (المطمئنين)؛ أي: بذِكْر اللهِ، وقيل: المُتواضِعين، وقيل: الخاشِعين.

(ويحكم الله آياته)؛ أي: إنَّ الشيطان عندَ تحديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قد يُوقع في مَسامِع أهل الشِّرك ما يُوافق رأْيَهم، فيتوهَّم أنه حدَّث عن الرَّسول، وليس كذلك. وأما الحديث الذي رواه البَزَّار في "مسنده"، وذكَره ابن أبي حاتم، وابن جَرير الطَّبَري في "تفسيريهما" في قصَّة الغَرانِيْق العُلا فهو حديثٌ باطلٌ، وإنْ كثَّر الطَّبَريُّ طُرُقَه، وقد تكلَّم عليه (ع) في "الشِّفَا"، والإمامُ الرَّازي في "تفسيره". وقال ابن قُتَيبة: الأُمنيَّة: التّلاوة، قال تعالى: {لَا يعْلَمُونَ اَلكتابَ إلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]، أي: لا يَعرفونَه إلا تلاوةً، وقال الشاعر: تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أَوَّل لَيلةٍ ... تَمنِّيَ داودَ الزَّبُورَ على رِسْلِ (بالقَصّة) بفتح القاف، وشدَّة المُهملة: الجِصُّ، وقال ابن قُتَيبة: المَشِيْد المَبنيُّ بالشِّيْد، وهو الجِصُّ. * * * (باب: {وتُرى الناس سكارى وما هم بسكارى} [الحج: 2]) هي على قراءة الأَخَوين، واختُلف هل هي صيغةُ جمعٍ على فَعْلَى كمَرْضَى، أو صفةٌ مفردةٌ استُغني بها في وَصْف الجَماعة؟ على قَولَين. * * *

4741 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صالحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ - عز وجل - يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ! يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَينادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ الله يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ. قَالَ: يَا رَبّ! وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كلِّ ألفٍ -أُرَاهُ قَالَ- تِسْعَمِائَةٍ وَتسْعَةً وَتسعِينَ، فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الْحَامِلُ حَملها، ويَشِيبُ الْوليدُ، {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}. فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُم، فَقَالَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وَتسْعَةً وتسعِينَ، وَمِنْكم وَاحدٌ، ثُمَّ أَنتمْ فِي النَّاسِ كَالشَّعْرَةِ السَّوْداءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَبْيَض، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبيضَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرنَا، ثُمَّ قَالَ: "ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّة"، فَكَبَّرنَا، ثُمَّ قَالَ: "شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرْنَا. قَالَ أبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ: {وتُرى الناس سكارى وما هم بسكارى}، وَقَالَ: مِنْ كُلِّ ألفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتسْعَةً وتسعِينَ. وَقَالَ جَرِيرٌ، وَعِيسَى بْنُ يُونس، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ: (سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى). (فينادى) بفتح الدَّال، ويروى بكسرها. (بعثًا)؛ أي: مَبعُوثًا، وأصلُه: الجَيْش، وجمعه بُعوث، أي: أَخرِجْ من بَين الناسِ الذين هم أهل النَّار، وابْعَثْهم إليها.

{ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة} إلى قوله: {ذلك هو الضلال البعيد}

(أو كالشعرة) يَحتمل التَّنويع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والشَّكَّ من الرَاوي. ومرَّ الحديث أوَّل (كتاب الأنبياء). (فكبرنا)؛ أي: قُلنا: اللهُ أكبَر سُرورًا بهذه البِشارة، أو عظَّمنا ذلك. (وقال أبو أُسامة) موصولٌ أوَّل (كتاب الأنبياء). وقال (ش): هذا مُكرَّرٌ مع ما سبَق، وكأنَّه نَسِيَ أن يَضرِب عليه هنا، وفي "الجامع" مواضعُ كثيرةٌ. (وقال جرير) موصولٌ في (الرِّقاق). (وقال عيسى بن يونس) أخرجَه إسحاق بن رَاهْوَيْهِ في "مُسنَده". (وأبو معاوية) وصلَه مسلمٌ، والطَّبَري. * * * {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} إِلَى قوِلهِ: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} {وأترفَنَاهُمْ}: وَسَّعْنَاهُمْ. (باب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11]) قوله: (أترفناهم) كذا ذكَره هنا، وإنَّما موضعُه (سُورة المُؤمنين). * * *

{هذان خصمان اختصموا في ربهم}

4742 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} قَالَ: كاَنَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امرَأتُهُ غُلاَمًا، وَنُتِجَتْ خَيلُهُ، قَالَ: هذَا دِينٌ صَالِحٌ. وإِنْ لمْ تَلِدِ امرَأتُهُ، وَلَم تُنْتَجْ خَيْلُهُ، قَالَ: هذَا دِينُ سُوءٍ. (ونُتِجت) بضم النُّون، فهي مَنْتُوجةٌ مثل: نُفِسَتْ فهي مَنْفُوسةٌ: إذا وَلَدتْ. * * * {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (باب: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج: 19]) 4743 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو هاشمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ فِيها: إِنَّ هذِهِ الآيَةَ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} نزَلَتْ فِي حَمزَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعُتْبةَ وَصَاحِبَيْهِ يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدرٍ. رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هاشِمٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ: عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي هاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَوْلَهُ.

23 - سورة المؤمنين

4744 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنهالٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعتُ أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ قَيْس: وَفِيهِم نزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بدرٍ؛ عَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَعُبَيْدَةُ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدُ بْنُ عُتْبةَ. الحديث الأول، والثاني: (وصاحبيه)؛ أي: صاحبَي حمزةَ، وهما: عليٌّ، وعُبَيدة -بضم المهملة، وفتح المُوحَّدة- ابن الحارِث بن عبد المُطَّلِب. (وصاحبيه)؛ أي: صاحبَي عُتْبة، وهما: شَيْبَة، والوَليد. وسبق الحديث أوَّل (كتاب المَغازي). * * * 23 - سورة الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {سَبْعَ طَرَائِقَ}: سَبْعَ سَمَوَاتٍ. {لهَا سابقونَ}: سَبقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ. {وقلوُبهُم وَجِلةٌ}: خَائِفِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ}: بَعِيدٌ بَعِيدٌ. {فسئَل اَلْعَاَدِّينَ}: الْمَلاَئِكَةَ. {لناكبون}: لَعَادِلُونَ. {كالِحُون}: عَابِسُونَ. {مِن

24 - سورة النور

سلالةٍ}: الْوَلَدُ، وَالنُّطْفَةُ: السُّلاَلَةُ. وَالْجِنَّةُ وَالْجُنُونُ وَاحِدٌ. وَالْغُثَاءُ: الزَّبَدُ، وَمَا ارتَفَعَ عَنِ الْمَاءِ، وَمَا لَا يُنتفَعُ بِهِ. (سورة المؤمنين) قوله: (بعيد بعيد) فسَّر النُّحاةُ هيْهاتَ بالفِعل، وهو بَعُدَ، فلعلَّ البخاريَّ أراد تفسيرَه معنَى. (العادين: الملائكة) هذا قول مُجاهِد، وقال قَتَادة: هم الحَاسِبُون. (من سلالة الولد)؛ أي: لأنَّه استُلَّ من أبيه وهو مِثْل البُرَادَة، والنُّحاتَة لمَا يَتساقَطُ من الشَّيء بالبَرْد، والنَّحْت، وقيل: لآدَم سُلالةٌ، لأنه سُلَّ مِن كلِّ تُربةٍ، وهو فُعالة مِن السَّلِّ، يَأتي على التَّقليل كالنُّخامة والقُلامَة. وقال (ك): ليس الولد تفسيرًا للسُّلالة بل مبتدأٌ خبَرُه السُّلالة. * * * 24 - سورة النُّورِ {مِن خِلالِهِ}: مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِ السَّحَابِ. {سَنَا بَرْقِهِ}: الضِّيَاءُ. {مُذْعِنِينَ}، يُقَالُ لِلْمُسْتَخْذِي: مُذْعِنٌ، {أَشتَاتًا} وَشَتَّى وَشَتَاتٌ وَشَتٌّ وَاحدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {سُوَرةٌ أَنزلناها}: بَيَّنَّاها.

وَقَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَ الْقُرآنُ؛ لِجَمَاعَةِ السُّوَرِ، وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ؛ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرَى، فَلَمَّا قُرِنَ بعْضُها إِلَى بَعضٍ، سُمِّيَ قُرآنًا. وَقَالَ سَعدُ بْنُ عِيَاضٍ الثُّمَالِيُّ: الْمِشْكَاةُ: الْكُوَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}: تأْلِيفَ بَعْضِهِ إلَى بعْضٍ. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}: فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَألَفْنَاهُ {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}؛ أَي: مَا جُمِعَ فِيهِ، فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ، وَانتهِ عَمَّا نَهَاكَ اللهُ، وَيُقَالُ: لَيْسَ لِشِعْرِهِ قُرْآنٌ؛ أَيْ: تألِيفٌ، وَسُمِّيَ الْفُرْقَانَ؛ لأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَيُقَالُ لِلْمرْأَةِ مَا قَرَأَتْ بِسَلًا قَطُّ؛ أَيْ: لَم تَجْمَع فِي بَطْنها وَلَدًا. وَقَالَ (فَرَّضْنَاها): أَنْزَلْنَا فِيها فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً، وَمَنْ قَرَأَ: {وَفَرَضنَاهَا} يَقُولُ: فَرَضْنَا عَلَيْكمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدكم. قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَوِ الطِّفلِ الذين لَم يَظهروا}: لَمْ يَدرُوا؛ لِمَا بِهِم مِنَ الصِّغَرِ. (سورة النُّور) قوله: (من بين أضعاف السحاب) أضعاف معجَمة، ولهذا قال غيرُه: مِن بين السَّحاب. (للمستخذي) بمهملةٍ، ومعجمتين: اسم فاعل مِن استَخذَى. قال الجَوْهري: استَخذَيتُ: خضَعتُ، وقيَّلَ: بهمزٍ، وقيل لأَعرابيٍّ في مَجلِس أبي زيدٍ: كيف تقُول استَخذَأْتُ، ليُتعرَّف منه الهمزةُ؟، قال: العرَب لا تَستخذِئُ، وهمَزَه.

(مذعن) قال ابن فارِسٍ: أَذعَنَ: انقادَ، وبناؤُه ذَعِن، إلا أنَّ استعماله: أَذعَن. (الكُوة)؛ أي: بضم الكاف وفتحها. (بلسان الحبشة) لعلَّه يُريد أنَّ أصلها كلمةٌ حَبَشيَّةٌ، فاستَعملَتْها العرَب، وصارت مُعَرَّبةً. (أنزلناها: بيناها) كذا في النُّسَخ، وصوابه: أَنزلْنَاها، وفَرَضْنَاها: بَينَّاها، فبيَّنَّا تفسيرُ: فَرَضْناها، لا أَنْزلناها، ويدلُّ عليه قوله: مِن بعدُ، ويُقال في فَرَضْناها: أَنزلْنا فيها فرائضَ مختلفةً، فدلَّ على أنَّه تفسيرٌ آخَر. (السورة) أي: طائفةٌ من القُرآن أقلُّها ثلاثُ آياتٍ، وهي إما من سُور المَدينة؛ لأنَّها طائفةٌ من القُرآن محدودةٌ، أو من السُّورة التي هي المَنزلة، والرُّتْبة، أو من السُّؤر الذي هو البقيَّة، فقُلبت الهمزةُ واوًا؛ لأنَّها قِطعةٌ من القُرآن. وقيل: سُميت بذلك لشَرَفها وفَضْلها، ويُقال لكلِّ شيءٍ عمادٍ: سُورٌ. (ومن قرأ: فرضناها)؛ أي: بتخفيف الرَّاء، قال: مَعناه فرضْناها عليكم. (لم يظهروا على عورات النساء: لم يدروا) هذا قَول مُجاهِد، وقال يَزيد بن أبي حَبِيْب: لم يَبلُغوا الحُلُم. * * *

{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين}

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (باب: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]) 4745 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ عُويْمرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلاَنَ، فَقَالَ: كيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فتقْتُلُونَهُ، أَمْ كيْفَ يَصْنعُ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسَائِلَ، فَسَأَلهُ عُويْمِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، قَالَ عُويْمِرٌ: وَاللهِ لَا أَنتهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فتقْتُلُونَهُ، أَمْ كيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَنْزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ"، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُلاَعَنَةِ بِمَا سَمَّى اللهُ فِي كتَابِهِ، فَلاَعَنَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا، فَطَلَّقَهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرُوا؛ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الألْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمرًا إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيهَا"، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نعتَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ،

فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ. (إسحاق) قال الغَسَّاني: لعلَّه ابن مَنْصور. (فسأله)؛ أي: عاصِمًا. (فيك وفي صاحبتك) ليس هذا صَريحًا في أنَّه أوَّل مَن لاعَنَ؛ لمَا سيأْتي بعدَه أنَّ هِلال بن أُمَيَّة لاعَنَ قبْل عُوَيْمِر، ولا خِلاف أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُلاعِن إلا بينهما. (بالملاعنة) هو مُشتقٌّ من لفْظ اللَّعْن في قوله: {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7]. (في كتابه)؛ أي: في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية [النور: 6]. (أسْحَم) بمهملتين: مِن السُّحْمة، وهو السَّواد. (أدْعَج) هو شِدَّة سَواد العَين مع شِدَّة بياضِها. (الأليتين) بفتح الهمزة: العَجُز. (خَدلّج) بمعجمةٍ مفتوحةٍ، ومهملةٍ، ولامٍ مشدَّدةٍ، وجيمٍ، أي: غَلِيْظ، وساقٌ خَدلَّجَةٌ، أي: مَملوءةٌ. (أُحيمر) تصغير: أَحْمَر، وهو الأبيض، كذا وقَع غير مُنصرِفٍ، والصَّواب صَرْفه. (وَحَرَة) بفتح الواو المهملة، والراء: دُوَيْبَةٌ حمراءُ تَلزَق بالأَرض

{والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين}

كالقَطَاة، قال الجَوْهَري: أكبَر من الوَزَغَة، وجمعها: وَحَرٌ، شبَّهه بها لحُمْرتها، وقِصَرها. وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتَبَر الشَّبَه في الولَد بالوالِد، ثُمَّ لم يَحكُم به، وذلك لمُعارضته ما هو أَقوى منه، وهو الفِراش، وكذا صنَع في ابن وَليْدة زَمَعَة، وإنما يُحْكم بالشَّبَه -وهو حُكْم القَافَة- إذا استَوت العَلائِق بوَاطِئَينِ في طُهْرٍ. (ينسب إلى أُمّه) في "كتاب أبي داود": (فكان -يعني: الغُلام- أَميرًا على مِصْرٍ ولا يُدعَى لأبٍ). * * * {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (باب: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7]) 4746 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ داوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ رَجُلًا رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّلاَعُنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ قُضِيَ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ"، قَالَ: فَتَلاَعَنَا، وَأَنَا شَاهِدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَفَارَقَهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا، فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا، وَكَانَ ابْنُهَا

{ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين}

يُدْعَى إِلَيْهَا، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا، وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللهُ لَهَا. معنى الحديث فيه يُعرف مما سبَق. * * * {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} (باب: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8]) 4747 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ! " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا، يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْبيِّنَةَ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ! " فَقَالَ هِلاَلٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! إِنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلاَلٌ، فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ " ثُمَّ قَامَتْ، فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فتلَكَّأَتْ وَنكًصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ،

فَمَضَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْصِرُوهَا؛ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهْوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ"، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كتَابِ اللهِ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ". (أن هلال) قيل: لم يَذكُر هلالًا في هذا إلا هِشَام، وهو غلَطٌ، والدَّليل عليه أنَّ القاسِم بن محمَّد رَوى هذا الحديثَ عن ابن عبَّاس، فذكَر فيه العَجْلانيَّ، وكذلك ذكَر ابنُ عُمر العَجْلانيَّ في حديث اللِّعان كما ذكَر سَهْل بن سَعْدٍ، فاتفقَت الطُّرُق على العَجْلاني، وهو عُوَيْمِر، فصحَّ بذلك غلَطُ هِشَام، وأيضَا فإنَّ هِشَامًا ذكَر شَرِيْك بن سَحْماء، ولم يَرِد في طُرُق البخاري ذلك. وعلى تقدير صحَّتهما معًا مع تَنافيهما فإنَّ كلًّا يَقتضي أنَّ ذاك هو الذي نزَلت فيه الآيةُ، وقضَى فيه، فنقول: قال (ن): اختُلف في نزُول آية اللِّعان هل هي في هِلال، أو عُوَيْمِر؟، الأكثرَ على أنَّه هِلال، وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعُوَيْمِر: (أَنْزَل اللهُ فيكَ وفي صاحِبَتِك)، فقالوا: مَعناهُ الإشارةُ إلى ما نزَل في هلال؛ لأنَّ الحُكْمَ عامٌّ لجميع الناس. قال: قلتُ: ويَحتمل أنَّها نزلتْ فيهما جميعًا، سأَلا في وقتَين مُتقاربَين، فنَزلت الآيةُ فيهما، وسبَق هلالٌ باللِّعان. (البينة) نصب بفِعل مُضمَرٍ، أي: أَحضِرْ، ويُروى بالرفع. (فشهد)؛ أي: شَهاداتِ اللِّعان.

{والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}

(موجبة)؛ أي: للعَذاب الأَليم إنْ كانت كاذبةً. (فتلكأت)؛ أي: تَباطَأَتْ عنه. (ونكصت)؛ أي: تأَخَّرتْ، وأَحجَمتْ. (فمضت)؛ أي: في تَمام اللِّعان. (أكحل) هو أنْ يَعلُوَ جفْنَ العين سَوادٌ كالكُحل من غير تكحُّلٍ. (سابغ) بمهملةٍ، ومعجمةٍ آخرَه: هو التَّامُّ الضَّخْم. (شأن) يُريد: الرَّجم، أي: لولا أنَّ الشارع أسقَط الرَّجْم عنها لحكَمتُ بمقتضى المُشابهة ورجَمتُها. * * * {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (باب: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9]) 4748 - حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأتَهُ، فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتلاَعَنَا كَمَا قَالَ اللهُ، ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ. (وفرق بين المتلاعنين) قال (ن): اختَلَفوا في الفُرقة باللِّعان؛

{إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}

فقال الشَّافعية: تَحصُل بنفْس اللِّعان، ولا يَحتاج إلى طلاقٍ، وإنَّما طلَّقَها؛ لأنَّه ظَنَّ أن اللِّعان لَم يُحرِّمْها عليه، فأراد تَحريمَها بالطَّلاق. وقال (خ): احتَجَّ بقوله: (فَرَّق) مَن يَرى فُرقة اللِّعان غير واقعةٍ حتى يُفرِّق بينهما الحاكمُ، ومَن أوقعَها بنفْس الطَّلاق يَزعُم أنَّه إخبارٌ عن الفُرقة المتقدِّمة الواقِعَة، وإنما أُضيف التَّفريق إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ اللِّعان قد جرَى بحُضوره. قال: وفيه أنَّ الزَّوج إذا قذَف زوجتَه برجلٍ، ثم تَلاعنا سقَط عنه الحَدُّ؛ إذ لم يُروَ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - عرَّضَ لهلالٍ بعُقوبةٍ، ولا أنَّه عفَا عنه شَريكٌ. * * * {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أفَاكٌ: كَذَّابٌ. (باب: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11]) 4749 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} قَالَتْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ. سبَق في (الشَّهادات) قِصَّة الإِفْك، وتَكرَّرت كثيرًا.

{ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم}، {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}

{وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}، {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (باب: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} [النور: 16]) 4750 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ؛ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَمَا نزَلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي، وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَتهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ

الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي، أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا تأْكُلُ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدجَ حِينَ رَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجئْتُ مَنَازِلَهُمْ، وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجيبٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُوني، فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجلْبَابِي، وَاللهِ مَا كلَّمَنِي كلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَناَخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا، فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بْنَ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ،

وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي: أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اللَّطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتكِي، إِنَّمَا يَدْخُل عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ " ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ، فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهْوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ، فَكُنَّا نتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي، قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ! فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ! أتسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ! أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ تَعْنِي: سَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ " فَقُلْتُ: أتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ! مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَيْكَ، فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ:

فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! وَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ؛ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نفسِهِ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَهْلَكَ، وَمَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ فَقَالَ: "أَيْ بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءِ يَرِيبُكِ؟ " قَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أكثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجينِ أَهْلِهَا، فتأَتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكلُهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي؟ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي". فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ، ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرجِ، أَمَرْتَنَا، فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ،

قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرجَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ! لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ! لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فتثَاوَرَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: فَمَكُثْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي -وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا؛ لَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ- يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أبكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِس عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي، قَالَتْ: فتشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ! فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كنْتِ ألمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ إِلَى اللهِ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ"، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا

قَالَ. قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -! قَالَتْ: فَقُلْتُ، وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ- لتصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ، فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأَخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ، وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، سُرِّيَ عَنْهُ وَهْوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "يَا عَائِشَةُ! أَمَّا اللهُ عز وجل فَقَدْ بَرَّأَكِ"، فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَا أقومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ عز وجل، وَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ

عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ} الْعَشْرَ الآيَاتِ كلَّهَا، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أثاثَةَ؛ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَفَقْرِهِ-: وَاللهِ لَا أنفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: "يَا زَيْنَبُ! مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاج رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الإفْكِ. فيه حديث الإفْك أيضًا بطُوله. ومما يُذكَر هنا أنَّ زَينَب بنت جَحْش حين ذاك كان تَزوَّجَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أو قبْل أن يَتزوَّجها، والظَّاهر الأول؛ لأنَّها كانت تُساميها، وذلك غالبًا في الضَّرَّتَين. (أُمّ مسطح بنت أبي رهم بن عبد مناف) صَوابه: أَبي رهْمِ بن المُطَّلِب بن عَبد مَنَافٍ.

{ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم}

(يريبني) كذا في بعض النُّسَخ، وفي أكثَرها: (مُرِيْبُنِي) بميمٍ في أوله. قال السَّفَاقُسي: وهو غير بَيِّنٍ؛ لأنَ نون الوِقاية إنما تدخُل في الأفعال؛ لتَسلَم من الكسر، والأسماء تُكسَر. قال (ش): قد تدخُل مع اسم الفاعِل كقوله: وَليْسَ المُوافِيْنِي * * * {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ {تَلَقَّوْنَهُ}: يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، {تُفِيضُونَ}: تَقُولُونَ. (باب: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 14]) قوله: (تلقونه: يرويه بعضكم عن بعض) هذا التَّفسير لمَفتوح اللام مع تشديد القاف، وهي قِراءة الجمهور، وقراءة عائشة بكسر اللام وتخفيف القاف المَضمومة، مِن وَلَقَ الرَّجُل: إذا كذَبَ. قال ابن سِيْدَه: جاؤوا بالمُتعدِّي شاهدًا على غَير المُتعدِّي، والظاهر أنَّه أرادَ: يَلقَونَ منه، فحُذف الحرف.

{إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}

وقال الطَّبَري: إنَّه مأْخوذٌ مِن الوَلَق، وهو الإسراع في الشَّيء بعد الشَّيء ككلامٍ بعد كلامٍ. * * * 4751 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أُمِّ رُومَانَ أُمِّ عَائِشَةَ أنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا رُمِيَتْ عَائِشَةُ خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا. (عن أُمّ رُومان) الأصحُّ أنَّ مَسْرُوقًا سَمِعَ أُمَّ رُومان، وسبَق بيانُ ذلك. (مَغْشيًّا) قال السَّفَاقُسي: صَوابه: مَغشيَّةً. قال (ش): هو على تقدير الحَذْف، أي: عليها، فلا معنى للتَّأْنيث. * * * {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (باب: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15]) 4752 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقْرَأُ (إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ).

{ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم}

وسبَق آنِفًا شَرْحُ قراءة عائشة. * * * {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (باب: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16]) قوله: (اللجة معظم البحر) يُريد أنَّه مَنْسوبٌ إلى اللُّجَّة، وهو وسَط البَحْر. 4753 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتهَا عَلَى عَائِشَةَ، وَهْيَ مَغْلُوبَةٌ، قَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ، فَقِيلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَتِ: ائْذَنُوا لَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ، قَالَ: فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللهُ؛ زَوْجَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ. وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلاَفَهُ، فَقَالَتْ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا. الحديث الأول: (مغلوبة)؛ أي: بالمَرَض. (أخشى)؛ أي: لأَنَّ الثَّناء يُورِث العجَب.

(تجدينك) الفاعل والمفعول ضميران لواحدٍ، وهو من خَصائص أفعال القُلوب، فإنْ قيل: من خصائصه أيضًا أنْ لا يُقتصَر على أحَد المَفعولين بالذِّكْر؟ قيل: إذا كان الفاعل والمَفعول عبارة عن شيءٍ واحدٍ جازَ الاقتِصارُ. قال في "الكشَّاف" في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 169]: هو في الأَصْل مبتدأٌ، فيُحذف كما يُحذَف المُبتدأ. وله تَحقيقٌ ذكَرناه مِرارًا. (إن اتقيت)؛ أي: إنْ كُنت مِن أهل التَّقوى. (خلافه)؛ أي: خُلفَه مُتخالفَين ذهابًا وإيابًا، أي: وافَق رُجوعُه مَجيئه. * * * 4754 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِم: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ نحوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: نِسْيًا مَنْسِيًّا. الثاني: كالذي قبلَه. * * *

{يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا}

{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} (باب: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} [النور: 17]) 4755 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: جَاءَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا، قُلْتُ: أتأْذَنِينَ لِهَذَا؟ قَالَتْ: أَوَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ؟ قَالَ سُفْيَانُ: تَعْنِي: ذَهَابَ بَصَرِهِ، فَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ قَالَتْ: لَكِنْ أَنْتَ. (عذاب) إشارةٌ إلى ما في الآية: {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11]، يعني: وصَل إلى جَزائه صارَ ضَريرًا، وبيت حَسَّان: حَصَانٌ رَزَانٌ ... إلى آخِره، سبَق في (المَغازي). * * * {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} باب: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} [النور: 18] 4756 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلَ

{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون (19) ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف}، {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}

حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ، فَشَبَّبَ وَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ قَالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ، قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}؟ فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ وَقَالَتْ: وَقَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (يُشبب) التَّشبيب: إنْشاد الشِّعر على وَجْه الغَزَل. (تدعين)؛ أي: تَترُكين. (يرد)؛ أي: يُدافِع هَجْوَ الكفَّار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَهجُوهم، ويَذُبُّ عنه. * * * {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ}، {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (باب: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19]) 4757 - وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي

أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَايْمُ اللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءً، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي"، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرجَ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللهِ، أَنْ لَوْ كَانُوا مِنَ الأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَج شَرٌّ فِي الْمَسْجدِ، وَمَا عَلِمْتُ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ وَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ: أَيْ أُمِّ! تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ وَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَانتهَرْتُهَا، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ، فَقُلْتُ: فِي أَيِّ شَأْنِي؟ قَالَتْ: فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نعمْ وَاللهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي كأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَوُعِكْتُ، فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلاَمَ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ، فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ

مِنِّي، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ، لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُل يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا حَسَدْنها وَقِيلَ فِيهَا، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نعمْ، قُلْتُ: وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ نعمْ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهْوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ فَقَالَ لأُمِّي: مَا شَأْنُها؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاه، قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ -أَيْ بُنَيَّةُ- إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ، فَرَجَعْتُ، وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتِي، فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا أَوْ عَجينَهَا، وَانتهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ. وَبَلَغَ الأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ مَا كشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللهِ. قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شمَالِي، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ: إِنْ كنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللهِ، فَإِنَّ اللهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ"، قَالَتْ: وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَهْيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَسْتَحِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا، فَوَعَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ:

أَجِبْهُ، قَالَ: فَمَاذَا أَقُولُ؟ فَالْتَفَتُّ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ: أَجِيبِيهِ، فَقَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَلَمَّا لَمْ يُجيبَاهُ تَشَهَّدْتُ، فَحَمِدْتُ اللهَ وَأثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ فَوَاللهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَاللهُ عز وجل يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ، مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَإنْ قُلْتُ: إِنِّي فَعَلْتُ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ، لتَقُولُنَّ: قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا -وَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ- إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَاعَتِهِ، فَسَكَتْنَا، فَرُفِعَ عَنْهُ وإنِّي لأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَهْوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ: "أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَكِ"، قَالَتْ: وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُهُ، وَلَا أَحْمَدُكُمَا، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ، فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: أَمَّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَعَصَمَهَا اللهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي يتكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَهْوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهْوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ، قَالَتْ: فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ؛ يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ، {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} يَعْنِي: مِسْطَحًا، إِلَى قَوْلِهِ: {وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ

غَفُورٌ رَحِيمٌ}، حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللهِ يَا رَبَّنَا إِنَّا لنحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا، وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ. قوله: (أبنوا أهلي) بموحَّدةٍ، ونونٍ خفيفتَين، أي: اتَّهمُوهم وذَكَرُوهم بالسُّوء، وفي بعضها بتشديد المُوحَّدة، وفي بعضها بتقديم النُّون المشددة، أي: وبَّخُوهم، ولامُوهم. قال (ع): وهو تصحيفٌ؛ فإنَّ هذا ليس مَوضعَ اللَّوم. (فقام سعد بن عُبادة) هذا وهمٌ من أبي أُسامة، أو مِن هِشَام، والمَحفوظ: سَعْد بن مُعَاذ، والذي عارضَه سَعْد بن عُبادة، وقد تقدَّم بيانُه قريبًا. (فنقرت) بنونٍ، وقافٍ مشددةٍ، أي: أَظهَرتْ، وقَرَّرتْ لِعُجَرِه وبُجَره. (لا أجد منه) فقد تقدَّمَ آنفًا أنَّه كان بعدَ قَضاء الحاجَة حيث قالتْ: قَد فَرَغْنا مِن شأْنِنا، وجوابُه: أنَّ غرَضَها أنِّي دُهشتُ بحيث ما عَرفتُ لأَيِّ أمرٍ خَرجتُ من البَيت. (وَوُعكت) بضم الواو: صِرْتُ مَحمومةً. (فأرسل معي الغلام) هذا زائدٌ على السِّيَاق السَّابِق إلى قولها: (فقالتْ أُمِّي: ما جاءَ بكِ يا بُنَيَّةُ). قال الدَّاوُدي: في قولها: (لم تَبلُغ منْها مثْل ما بلَغ منِّي) معانٍ منها: أنَّ أُمَّ رُومان لسِنّها قد مارسَتْ مِن الرَّزايَا ما هَوَّن عليها ذلك.

(أقسمت عليك يا بُنيّة إلا رجعت) هذا مثْل: نشَدتُك بالله إلا ما فَعلتَ، أي: ما أَطلُب منك إلا رُجوعَك إلى بَيتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (فقالت)؛ أي: الخادِم، وهو يُطلَق على الذَّكَر والأُنثى، والمُراد به: بَرِيْرَة. (أسقطوا لها به) السَّقَط، والسُّقَاط: الخَطَأ من القَول، أي: حتى أتوا السَّقَط مِن القَول في حقِّها بسبَب ذلك، وأصل الكلام: سقَطُوا لها به، قاله بعضُهم. قال (ع): أسقَطُوا لها به، كذا أثْبتْناه وحَفِظناه عن شُيوخنا، أي: أتوا بسُؤالها بسَقَطٍ من الكلام، والضَّمير في (به) عائدٌ إلى الانتِهار، أو السُّؤال. وقيل: إنَّهم صرَّحوا بذلك مِن قولهم: سقَطْتُ على الأمر: إذا عَلِمته، وفي بعضها: (إلهابةً) بلفْظ المصدر مِن اللَّهَب، وفي بعضها: (لَهَاتَها)، واللَّهَاة هي سَقْف الفَمِ. والمَضبوط من الشُّيوخ هو الأوَّل. (كنف أُنثى) ما جامعتُ امرأةً، وقيل: كان حَصُورًا، وقيل: أرادَ عن حَرامٍ. (قارفت) بقافٍ، وراءٍ، وفاءٍ، أي: كسَبتُ. (تذكر)؛ أي: المَرأة شيئًا على حسَب فَهْمها لا يَليق بجَلالَة حُرمتِك، أو أنتَ يا رسولَ الله.

{وليضربن بخمرهن على جيوبهن}

(أقول ماذا) الاستِفهام له الصَّدر، فالفعل مقدَّرٌ بعدَه. وقال ابن مالك: فيه شاهدٌ على أنَّ (ما) الاستِفهاميَّةُ إذا رُكبتْ مع (ذا) تُفارِق وُجوبَ التَّصدير، فتعمَل فيما قبلَها رفْعًا ونصبًا، فالرفْع كقولهم: كان ماذَا؟ والنَّصب: كقول أُمِّ المُؤمنين: أَقولُ ماذا؟ وأجازَ بعض العُلماء وقوعَها تَمييزًا. (باءت به)؛ أي: أقرَتْ به. (أشد ما كنت غضبًا) هو مِثْل: أخَطَبُ ما يكونُ الأميرُ قائمًا. (يستوشيه)؛ أي: يَطلُب ما عندَه ليَزيدَه، ويُريبَه. وقد ذكَر البخاريُّ في (كتاب الاعتصام): أنَّه جلَد الرُّماة، وحكَم فيهم بما أَمَر اللهُ تعالى. (ولا يأتل)؛ أي: لا يَحلِفْ، مِن ائْتلَى: إذا حلَفَ، فكلمة (لا) مقدَّرةٌ، أي: أنْ لا يُؤتُوا، أو مِن قولهم: ما ألوتُ جُهدًا، أي: لم يَدَّخِر منه شيئًا، ولم يُقصِّرْ فيه، ولا حاجةَ إلى تقديرها. * * * {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (باب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]) 4758 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونس، قَالَ

25 - الفرقان

ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ. 4759 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِم، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ: لَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي، فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. الحديث الأول، والثاني: (نساء المهاجرات)؛ أي: النِّساء المُهاجرات، نَحو: شَجَرُ الأَراكِ، أي: شجرٌ هو الأَراكُ. (أُزرهن) الإزَار: المُلاءَة بضمِّ الميم، وخِفَّة اللام، والمَدِّ، أي: المِلْحَفة. * * * 25 - الْفُرْقَانِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَبَاءً مَنْثُورًا}: مَا تَسْفِي بِهِ الرَّيحُ. {مَدَّ الظِّلَّ}: مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. {سَاكِنًا}: دائِمًا. {عَلَيْهِ دَلِيلًا}: طُلُوعُ الشَّمْسِ. {خِلْفَةً}: مَنْ فَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ عَمَلٌ

أَدْركَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ فَاتَهُ بِالنَّهَارِ أَدْركَهُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} فِي طَاعَةِ اللهِ، وَمَا شَيْءٌ أَقَرَّ لِعَيْنِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَرَى حَبِيبَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ثُبُورًا}: وَيْلًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: السَّعِيرُ مُذَكَّرٌ، وَالتَّسَعُّرُ وَالاِضْطِرَامُ: التَّوَقُّدُ الشَّدِيدُ. {تُمْلَى عَلَيْهِ}: تُقْرَأُ عَلَيْهِ، مِنْ: أَمْلَيْتُ وَأَمْلَلْتُ، الرَّسُّ: الْمَعْدِنُ، جَمْعُهُ: رِسَاسٌ. {مَا يَعْبَؤُاْ}، يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيْئًا: لَا يُعْتَدُّ بِهِ. {غَرَامًا}: هَلاَكًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وَعَتَوْا}: طَغَوْا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {عَاتِيَةٍ}: عَتَتْ عَنِ الْخُزَّانِ. (سورة الفُرقان) قوله: (هباء منثورًا: ما تسفي به الريح)، ويُقال أيضًا على شُعاع الشَّمس الذي يدخُل من الكُوةِ، وهباءٌ جمع: هَباءَة. (مد الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) قال ابن عَطِيَّة: تظاهرَتْ أقوال المُفسِّرين على هذا، وهو مُعترَضٌ بأنَّ ذلك في غير نهارٍ، بل في بَقايا ليلٍ، لا يُقال له: ظِلٌّ، ثم لا خُصوصيَّة لهذا الوقْت، بل مِن بَعد مَغيب الشمس مُدَّةَ يسيرةً، فإنَّ في هذا الوقْت على الأرض كلِّها ظِلٌّ مَمدودٌ مع أنَّه في نهَارٍ، وفي سائر أوقات النَّهار ظِلالٌ مُتقطِّعةٌ. (ساكنًا)؛ أي: دائمٌ غير زائلٍ، وقيل: لاصِقًا بأصْل الجِدار غير مُنبسِط. (دليلًا)؛ أي: طُلوع الشمس دليلٌ على حُصول الظّلِّ، وقيل:

الشمس دليلٌ للنَّاس على أحوال الظِّلِّ، فيَستعينُون فيه على حاجاتِهم. (خلفة: من فاته من الليل) إلى آخره، هذا التفسير تُؤيِّده رواية مسلم من حديث عُمَر مَرفوعًا: "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِه مِنَ اللَّيلِ، أو عَنْ شيءٍ منهُ؛ فقَرأ ما بين صَلاةِ الفَجْر وصَلاةِ الظُّهْر كُتِبَ له كأنَّما قَرأَهُ باللَّيل". وقال: أبو عُبيدة: أي: يَجيء الليلُ بعد النهار، والنهارُ بعد الليل، يَخلُف منه، وجعلَهما خِلْفَةً، وهما اثنان؛ لأنَّ الخِلْفة مصدرٌ، يكون للمُفرد، والمُذكَّر، وفُروعهما بلفْظٍ واحدٍ. (ثبورًا: ويلًا)؛ أي: في قوله تعالى: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13]، ودُعاؤه أنْ يُقال: واثُبوراه، أي: تَعالَ يا ثُبُورُ، فهذا حِينُك وزمانُك. وقيل: الثُّبُور: الهَلاك. (وقال غيره) هو قَول أبي عُبَيدة في "المَجاز"، وكذا قوله في الشُّعَراء، وقال غيرُه: شِرْذِمةٌ: طائفةٌ قليلةٌ. (السَّعير: مذكر) المَشهور أنَّ السَّعير مؤنثٌ، قال تعالى: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12]، قيل: يَحتمل عَود الضمير إلى الزَّبَانيَة، قاله في "الكشَّاف"، أو غرَضه أنَّ لفْظه مُذكَّر، ومَعناه لغةً: المَهِيْج والمُلْهَب إما فاعِلًا، أو مفعولًا، وتأْنيثه باعتِبار النَّار، أو أنَّ الفَعِيْل يصدُق عليه أنَّه مذكر، وأنَّه مؤنثٌ. (الرس: المعدن) قيل فيه أيضًا: البِئْر، وقيل: قَريةٌ باليَمَامة، وقيل: الأُخْدود.

{الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا}

قال (ش): المَشهور في الرَّسِّ: البِئْر غير المَطويَّة، وقيل: إنما قِيْل لهم: أَصحاب الرَّسِّ؛ لأنَّهم قَتَلُوا نبيَّهم في البِئْر، ورَسُّوه في البِئْر، أي: دَسُّوه فيها. * * * {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} (باب: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} [الفرقان: 34]) 4760 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونس بنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ! يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "ألَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ " قَالَ قتادَةُ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا. سبَق شرْح الحديث. * * * {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}: الْعُقُوبَةَ (باب: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68]) 4761 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي

مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي وَاصِلٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ، أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللهِ أَكبَرُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ". قَالَ: وَنزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ}. الحديث الأول: (خشية) لا اعتبارَ لمَفهومه؛ لأنَّه خرَجَ مَخرَج الغالِب. (حليلة)؛ أي: زوجةَ، ومُطلَق الزِّنا وإنْ كان من الكَبائر لكنَّ هذا أفحَشُ؛ لأنَّ جعْل الشرِّ من حيثُ يُتوقَّع منه الخَير أشَدُّ، والجارُ مَحلُّ الإحسانِ إليه لا الإِساءَة. * * * 4762 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: هَلْ لِمَنْ قتلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ}، فَقَالَ سَعِيدٌ: قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ، نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ، الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

الثاني: (الذين لا يقتلون النفس) التِّلاوة: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]. (التي في سورة النساء) هي قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية [النساء: 93]؛ إذ ليس فيه استثناءُ التائبِ. * * * 4763 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ، فَرَحَلْتُ فِيهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: نزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نزَلَ، وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. 4764 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، قَالَ: لَا تَوْبَةَ لَهُ. وَعَنْ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، قَالَ: كانَتْ هَذِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. الثالث، والرابع: (لا توبة له) إنما قال ابن عبَّاس ذلك تَبَعًا لسُنَّة اللهِ تعالى في التَّغْليظ، وإلا فكُلُّ ذنْبٍ قابلٌ للتَّوبة، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور: 31]، وقال: {هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [التوبة: 104]، والإجماعُ قائمٌ

{يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا}

على قَبول التَّوبة، وسيَحكي عنه روايةً أُخرى أنَّها نَزلتْ في المَعاصي الواقِعة في الجاهليَّة، ثم يُسلِمون، وحينئذٍ فلا يكون مِن باب النَّاسِخِ والمَنسُوخ. ولعلَّه كان يقُول بالنَّسخ، ثم رجَع لإمكان الجمْع، ولهذا أَخَّر البُخاريُّ الرِّوايةَ الثانيةَ. * * * {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (باب: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الفرقان: 69]) 4765 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبْزَى: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}، وَقَوْلِهِ: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} حَتَّى بَلَغَ {إلا مَنْ تَابَ}، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَمَّا نزَلَتْ قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللهِ، وَقتلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأتيْنَا الْفَوَاحِشَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} إلَى قَوْلهِ {غَفُورًا رَحِيمًا}. الحديث فيه معناه ظاهرٌ مما سبَق. * * *

{إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}

{إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (باب: {إلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70]) 4766 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. وَعَنْ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، قَالَ: نزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ. الحديث فيه كذلك. * * * {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}: هَلَكَةً (باب: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]) 4767 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}. (مضين)؛ أي: وقَعْنَ، أي: الأُمور الغائبة التي أخبَر الله تعالى

26 - الشعراء

بوُقوعها قد وقَع منْها خمسٌ، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، وقال: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]، وقال: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1 - 2]، وقال: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16]، وهو القَتْل الذي وقَع يومَ بدْرٍ، وقال: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]، قيل: هو القَحْط، وقيل: التِصاق القَتْلى بعضِهم ببعضٍ في بدرٍ، وقيل: هو الأَسْرُ فيه، وقد أُسِرَ سَبْعون قُرشيًّا يومئذٍ. ومرَّ الحديث في (الاستِسقاء). قال (ش): هذه أربعة، أي: لأنَّ ابن مَسعود فسَّر اللِّزام والبَطْشةَ بيوم بدْرٍ كما سيَذكره البُخاريُّ في (سورة الرُّوم)، فيحتاج لبَيان الخامِس. قال: وقال أبو عُبَيدة فيما حكاه عنه ابن دُرَيْد: لِزَامًا: فَيْصَلًا، كأنَّه من الأَضْداد عندَه. * * * 26 - الشُّعَرَاءِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَعْبَثُونَ}: تَبْنُونَ. {تَعْبَثُونَ}: يَتَفتَّتُ إِذَا مُسَّ، {الْمُسَحَّرِينَ}: الْمَسْحُورِينَ. لَيْكَةُ وَالأَيْكَةُ جَمْعُ: أَيْكَةٍ، وَهْيَ جَمْعُ شَجَرٍ. {يَوْمِ الظُّلَّةِ}: إِظْلاَلُ الْعَذَابِ إِيَّاهُمْ. {مَّوْزُونٍ}: مَعْلُومٍ. {كَالطَّوْدِ}: الْجَبَلِ. الشِّرْذِمَةُ: طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ. {فِي السَّاجِدِينَ}: الْمُصَلِّينَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}: كَأنَّكمْ. الرِّيعُ: الأَيْفَاعُ مِنَ الأَرْضِ، وَجَمْعُهُ: رِيعَةٌ وَأَرْيَاعٌ، وَاحِدُ: الرِّيَعَةِ. {مَصَانِعَ}: كُلُّ بِنَاءٍ فَهْوَ مَصْنَعَةٌ (فَرِهِينَ): مَرِحِينَ، {فَارِهِينَ}: بِمَعْنَاهُ، وَيُقَالُ: {فَارِهِينَ}: حَاذِقِينَ. {تَعْثَوْا}: أَشَدُّ الْفَسَادِ، عَاثَ يَعِيثُ عَيْثًا. الْجِبِلَّةُ: الْخَلْقُ، جُبِلَ: خُلِقَ، وَمِنْهُ: جُبُلًا وجِبِلًا وَجُبْلًا؛ يَعْنِي: الْخَلْقَ. (سورة الشُّعراء) قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ} [الشعراء: 128]، كانوا يَبنُون بُروجًا للحَمَامات يَعبثُون بها. (لعلكم تخلدون: كأنكم) في "تفسير البَغَوي" عن الواحدي: كلُّ ما في القُرآن مِن (لعلَّ) فإنَّها للتعليل إلا قوله: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129]، فإنَّها للتَّشبيه، ويُؤيِّده ما في حرفِ أُبِيٍّ: (كأَنَّكُم تَخلُدون). ومَجيء لعلَّ للتَّشبيه غريبٌ، والمَشهور أنَّها للتَّعليل، ويُؤيِّده قراءة عبد الله: (كَي تَخلُدون). والمَعنى: أنَّهم كانوا يَستَوثقُون في البِناء والحُصُون، ويذهبُون إلى أنَّها تُحصِّنُهم من أَقْدار الله تعالى. (موزون) ليس في هذه السُّورة، بل في الحِجْر. (ريع) هو المُرتفِع من الأرض، وقيل: هو الارتفاع، والجمْع: رِيَعَةٍ بكسر الراء، وفتح الياء، وأما الأَرْيَاع فمُفرده: رَيْعَة

{ولا تخزني يوم يبعثون}

بالكسر، والسُّكون. (مصانع) واحده: مَصنَعةٌ، وهو كالحَوْض يُجمَع فيه المَطَر، والمَصانِع أيضًا الحُصون، وقيل: كلُّ بناءٍ يُسمَّى بذلك. (فرحين: مرحين) الذي في التِّلاوة: {فَارِهِينَ} [الشعراء: 149]، وكأنَّ الهاء عنده مُبدلةٌ من الحَاء؛ لأنَّهما من حُروف الحَلْق. (فارهين: بمعناه)؛ أي: لأنَّ الفَراهة: النَّشاط والقُوَّة، وقيل: الخَوْف، يُقال: دابَّة فَارِهٌ، ولا يُقال: فَارِهةٌ. (الأيكة والليكة) هما قراءَتان في السَّبْع، قيل: هما بمعنًى، وقيل: اللَّيْكَة اسمٌ للقَرية التي كانُوا فيها، والأَيكة اسمٌ للبلَد كلِّه، وقيل: لَيْكَة قريةٌ، والأَيكَة الشَّجَر المُجتمع المُلتَفُّ الكثير، والواحِد: أَيْكَةٌ، وقيل: الغَيْضَة -بمعجمتين-، أي: الأَجَمَة. (تعثوا) يقال: عَثَا يَعثُو، وعَثِيَ -بكسر المُثلَّثة- يَعْثَى بفتحها. (عاث يعوث) لم يُرد ما يُوهمه ظاهرُ لفْظه أنَّ الناقِص مُشتقٌّ، بل أنَّه بمعناه. * * * {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} (باب: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87]) 4768 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ

سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ رَأَى أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ الْغَبَرَةُ وَالْقَتَرَةُ". الْغَبَرَةُ: هِيَ الْقَتَرَةُ. قوله: (وقال إبراهيم بن طَهْمان) وصلَه النَّسائي في التَّفسير عنه. (الغبرة) هو مشتقٌّ مِن قوله تعالى: {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 40 - 41]. (والقترة): السّواد كالدُّخان، واجتماعها في الوَجْه غايةُ الشَّنَاعة. * * * 4769 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَخِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَيَقُولُ اللهُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ". (أن لا تخزني) لا يُقال: إِدْخال أَبيه النَّارَ مِن الخِزْي؛ لأنَّ ذاك إذا دخَل على صُورته. وسبَق في (كتاب الأنبياء): أنَّ اللهَ يَمسَخُه على صُورة ذِيْحٍ -بكسر المعجمة الأُولى، وسكون الياء-، فليس الخِزْيُ إلا لأَبيه فقَطْ، لا لَهُ، أو يُقال: إنَّ الوَعْد كان مَشروطًا بالإيمان كما أنَّ

{وأنذر عشيرتك الأقربين}

الاستِغفار له كان عَنْ مَوْعِدةٍ وعدَها إيَّاه، فلما تَبيَّنَ له أنه عَدوٌّ للهِ تبَرَّأَ منه. * * * {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ}: أَلِنْ جَانِبَكَ. (باب: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]) 4770 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نزلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: "يَا بَنِي فِهْرٍ! يَا بَنِي عَدِيٍّ! " لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}.

(مصدقيّ) بتشديد الياء، أُدغمت الياءُ في الياءِ، وحُذفت النُّون للإضافة. (نذير)؛ أي: مُخَوِّفٌ، فنَذِيْرٌ ومُنذِرٌ بمعنًى واحدٍ. * * * 4771 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَنْزَلَ اللهُ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ! لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا". تَابَعَهُ أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. الثاني: (لا أغني)؛ أي: لا أنفَع ولا أمنعَ. (تابعه أصبغ) سبَق بيانه في (الوصايا). * * *

27 - النمل

27 - النَّمْلِ وَالْخَبْءُ: مَا خَبَأْتَ. {لَا قِبَلَ}: لَا طَاقَةَ. الصَّرْحُ: كُلُّ مِلاَطٍ اتُّخِذَ مِنَ الْقَوَارِيرِ، وَالصَّرْحُ: الْقَصْرُ، وَجَمَاعَتُهُ: صُرُوحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَهَا عَرْشٌ}: سَرِيرٌ. {كَرِيمٌ}: حُسْنُ الصَّنْعَةِ وَغَلاَءُ الثَّمَنِ. {مُسْلِمِينَ}: طَائِعِينَ {رَدِفَ}: اقْتَرَبَ. {جَامِدَةً}: قَائِمَةً. {أَوْزِعْنِي}: اجْعَلْنِي. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَكِّرُوا}: غَيِّرُوا. {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ}: يَقُولُهُ سُلَيْمَانُ. الصَّرْحُ: بِرْكَةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ ألْبَسَهَا إيَّاهُ. (سورة النَّمْل) قوله: (ما خبأت) خبَأَ السَّماءُ المَطَر، وخبَأَ الأرضُ النَّباتَ. (بلاط) هو بموحَّدةٍ مفتوحةٍ لابن السَّكَن، والأَصِيْلِي: كلُّ ما فُرشتْ به الأرضُ من آجُرٍّ أو حجارةٍ أو غيرهما. ولغيرهما: (مِلاط) بميمٍ مكسورةٍ: الطيْن الذي يُجعل في أثْناء البُنْيان، قاله (ع). وقيَّده السَّفَاقُسي بالفتْح، وقال: المُراد به هنا كل بُناءٍ. (طائعين) يُقال: طاعَه فهو طائعٌ: إذا انقادَ له، وأما أَطاعَ فهو مُطيعٌ، فمعناه: أجابَ أَمرَه، فهو أَقوى مُناسبةً لمَا وَرَد؛ لأنَّ هؤلاء أَجابوا أَمْرَ سُليمان.

28 - القصص

(ردف: اقترب) هذا التفسير يَردُّ دَعوى المُبرِّد ومَن وافقَه أنَّ اللام في قوله: {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72] زائدةٌ للتَّوكيد؛ فإنَّه إذا كان معناه: اقتَربَ كانتْ للتَّعدية نحو: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء:1]. (يقول سليمان) غرَضه بذلك أن: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} [النمل:42]، ليس من تتمَّة قولها فيما قال تعالى: {فَقَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} [النمل:42]. * * * 28 - الْقَصَصِ {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ}: إِلَّا مُلْكَهُ، وَيُقَالُ: إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْأَنْبَاءُ}: الْحُجَجُ. {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. (سورة القَصَص) (باب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]) 4772 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَ عِنْدَهِ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي أمُيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: "أَيْ عَمِّ! قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ"، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ

الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فَأَنْزَلَ اللهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}، وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُولِي الْقُوَّةِ}: لَا يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ. {لَتَنُوءُ}: لتثْقِلُ. {فَارِغًا}: إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. {الْفَرِحِينَ}: الْمَرِحِينَ. {قُصِّيهِ}: اتَّبِعِي أثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يَقُصَّ الْكَلاَمَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ}. {عَنْ جُنُبٍ}: عَنْ بُعْدٍ، عَنْ جَنَابَةٍ، وَاحِدٌ، وَعَنِ اجْتِنَابٍ أَيْضًا، {يَبْطِشَ} وَيَبْطُشُ. {يَأْتَمِرُونَ}: يَتَشَاوَرُونَ. الْعُدْوَانُ وَالْعَدَاءُ وَالتَّعَدِّي وَاحِد. {آنَسَ}: أَبْصَرَ. الْجذْوَةُ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الْخَشَبِ، لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ، وَالشِّهَابُ: فِيهِ لَهَبٌ. وَالْحَيَّاتُ: أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ. {رِدْءًا}: مُعِينًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُصَدِّقُنِي}، وَقَالَ غَيْرُهُ: {سَنَشُدُّ}: سَنُعِينُكَ كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا، مَقْبُوحِينَ: مُهْلَكِينَ، {وَصَّلْنَا}: بَيْنَّاهُ وَأتمَمْنَاهُ، {يُجْبَى}: يُجْلَبُ، {بَطِرَتْ}: أَشِرَتْ، {فِي أُمِّهَا رَسُولًا}: أُمُّ الْقُرَى مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا، {تُكِنُّ}: تُخْفِي، أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ: أَخْفَيْتُهُ، وَكَنَنْتُهُ: أَخْفَيْتُهُ وَأَظهَرْتُهُ، {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ}: مِثْلُ ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ}: يُوَسِّعُ عَلَيْهِ ويُضَيِّقُ عَلَيْهِ.

(كلمة) بالنَّصب على البَدَل، والرَّفْع، أي: هي (¬1) كلمةٌ. (أحاج) من المُحاجَّة. (أترغب عن) يُقال: يَرغَب عن الشَّيء: إذا لم يُرِدْه، ورَغِبَ فيه: إذا أَرادَه. (ويعيدانه) صَوابه: ويُعيدانِ له تلْك المَقالة. (آخر) ظرفٌ. (على ملة) أي: أنا، فحُذف المُبتدأ. (من أحببت)؛ أي: أَحببتَه لقَرابةٍ ونحوها، أو أحبَبتَ هِدايتَه. وسبَق الحديث في (الجنائز). (عدوان) هو والعِدَاء والتَّعدِّي بمعنىً، وهو الظُّلْم كأنه قال: أَيَّ الأَجلَين قَضيتُ فلا تَعْتَدِ عليَّ بأَنْ تُلزمَني أكثَرَ منه. (وصلنا بيتنا) وقيل: أَتبَعْنا بعضَه بعضًا، فاتصَل عندَهم، أي: القُرآن. (بطرت: أشرت)؛ أي: وكأنَّ المعنى: أبطَرتْها مَعيشَتُها كما يقول: أَبطَرَكَ مالُكَ، فبَطِرتَ. قال ابن فارس: البَطَر: مُجاوزَة الحَدِّ عن المَزْح، وقيل: هو الطُّغْيان بالنِّعْمة، والمعنى: بَطِرتْ في مَعيشَتِها. (في أُمها رسولًا: أُمّ القرى مكة وما حولها)؛ أي: الضَّمير عائدٌ ¬

_ (¬1) "هي" ليس في الأصل.

29 - العنكبوت

على القُرى، وقوله: (مكَّة وما حولَها) تفسير للأُمِّ المَذكورة، والإشارةُ بالرَّسول على هذا التَّفسير إلى نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -. (وخفيته: أظهرته) هو ما قال ابن فارِس، قال: وأَخفَيتُه: سَتَرتُه. قال أبو عُبَيدة: هو من الأضداد. * * * (باب: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85]) 4773 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قَالَ: إِلَى مَكَّةَ. الحديث فيه ظاهرٌ. * * * 29 - الْعَنْكَبُوتِ (سورة العَنْكَبُوت) قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}: ضَلَلَةً، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ}: عَلِمَ اللهُ ذَلِكَ، إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ: فَلِيَمِيزَ اللهُ، كقَوْلِهِ: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ}، {وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}: أَوْزَارِهِمْ.

30 - {الم (1) غلبت الروم}

قوله: (ضللة)؛ أي: جمع: ضَالٍّ. قال (ش): في "تفسير ابن عَطِيَّة" عن مجاهد، وابن عبَّاس: معناه: لهم بَصيرةٌ في كُفرهم، وإعجابٌ به، وإصرارٌ عليه، فذَمَّهم لذلك. وقيل: لهم بصيرةٌ في أنَّ الرِّسالةَ والآياتِ حقٌّ، لكنْ كانُوا مع ذلك يكفُرون عِنَادًا، وَيردُّهم الضَّلال إلى مُجاهلةٍ، ومُبالغةٍ، فهو نَظير: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14]. (الحيوان والحي واحد) كذا لأكثَرهم، وهو مصدرُ: حَيِيَ حَيَاء، مثل: عَيِيَ عَياءً. وعند ابن السَّكَن، والأَصِيْلِي: (الحيَوان والحَياةُ واحدٌ)، والمعنى لا يَختلف. (علم الله) فُسِّر به: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 3]، كما فَسَّر أبو عُبيدة، وهو إشارةٌ إلى أنَّ عِلْمَه قديمٌ، فلا يمثل مقيَّده بالمستقبَل. (فليميز)؛ أي: لمَا بين العِلْم والتَّمييز من المُلازمة. * * * 30 - {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} {فَلَا يَرْبُو}: مَنْ أَعْطَى يَبْتَغِي أَفْضَلَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحْبَرُونَ}: يُنَعَّمُونَ، {يَمْهَدُونَ}: يُسَوُّونَ الْمَضَاجِعَ، الْوَدْقُ: الْمَطَرُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فِي

الآلِهَةِ، وَفِيهِ: {تَخَافُونَهُمْ} أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، {يَصَّدَعُونَ}: يَتَفَرَّقُونَ، {فَاَصْدَعْ}، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضُعْفٌ وَضَعْفٌ لُغَتَانِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {السُّوأَى}: الإسَاءَةُ، جَزَاءُ الْمُسِيئينَ. (سورة الرُّوم) قوله تعالى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ} الآية [الروم:28]، أي: هل ترضون لأنفُسكم أنْ يُشارككُم بعضُ عَبِيْدكم فيما رزقناكم؟، تَكونُون أنتم وهم سَواءٌ تخافون أن يَرِثَ بعضُكم بعضًا، وأنْ يَستبِدُّوا بتصرُّفٍ دونكَم كما يَخاف بعضُ الأحرار بعضًا، فهو ضَرْبُ مثَلٍ، فإذا لم تَرضَوا لأنفسكم بذلك؛ فكيف تَرضونَه لرَبِّ الأربابِ أنْ تَجعلُوا بعضَ عَبيده شَريكًا له؟!. (يصدعون): يتفرَّقون. (السوأى)؛ أي: العُقوبة التي هي أَسوأُ العُقوبات. قال السَّفَاقُسي: ضُبط بفتح الهمزة والمَدِّ، وبكسرها والمَدِّ، وبفتحها والقَصْر، وكذا هو في اللُّغة مقصورًا، يُكتب بالياء، لأنَّك تقول: رجلٌ أَسْيَانُ، وقالوا: أَسْوانُ أيضًا، فيجوز على هذا كَتْبه بالألف. (ضعف) بفتح الضاد وضمِّها، وقال الخَليل: إنهما مُختلفان، فالبضمِّ ما كان في الجسَد، وبالفتح ما كان في العَقْل. * * *

4774 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كنْدَةَ فَقَالَ: يَجيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كهَيْئَةِ الزُكَامِ، فَفَزِعْنَا، فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَغَضِبَ، فَجَلَسَ فَقَالَ: مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْم أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ لَا أَعْلَمُ، فَإنَّ اللهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَؤُا عَنِ الإسْلاَمِ فَدَعَا عَلَيْهِمِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبع كَسَبع يُوسُفَ"، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلوُا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! جِئْتَ تأْمُرُنَا بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ الله، فَقَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إِلَى قَوْلهِ {عَائِدُونَ}، أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذابُ الآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كفْرِهِمْ؟ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يَوْمَ بَدْرٍ وَ {لِزَامًا}: يَوْمَ بَدْرٍ، {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ} إِلَى {سَيَغْلِبُونَ}، وَ {الرُّومُ}: قَدْ مَضَى. (كَنْدة) بكسر الكاف، وسُكون النُّون، وبمهملةٍ: مَوضعٌ بالكُوفة. (من العلم أن يقول) إلى آخره، أي: لأنَّ تَمييز المَجهول نَوعٌ من

{لا تبديل لخلق الله}: لدين الله، {خلق الأولين}: دين الأولين، والفطرة: الإسلام

العِلْم كما في: لا أَدري نِصفُ العِلْم، لا أنَّ عدَم العلْم يكُون علْمًا. (سنة)؛ أي: قَحْط. (يوم بدر) قد سبَق في (الفُرقان): أنَّ اللِّزامَ واحدٌ من الخَمْس، والبَطْشة واحدٌ، وهنا فُسِّر كليهما بيوم بدْرٍ، وجوابه: أنَّه أراد بالبَطْشة القَتْل فيه، وباللِّزام الأَسْر فيه. * * * {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}: لِدِينِ اللهِ، {خُلُقُ الْأَوَّلِينَ}: دِينُ الأوَّلِينَ، وَالْفِطْرَةُ: الإِسْلاَمُ (باب: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} [الروم: 30]) قوله: (والفطرة: الإسلام)؛ أي: فتَغاير معنى الخَلْق والفِطْرة. 4775 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"، ثُمَّ يَقُولُ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. (فأبواه يهودانه) إلى آخره، قال القاضي أبو بكر بن الطَّيِّب:

31 - لقمان

معناه أنَّه مُلْحَق بهما في الأَحكام، وتَحريمِ الصَّلاةِ عليه، وضَرْب الجِزْية، وتقريرِه، وغيرُ ذلك، ولولا كَونُه مولودًا على فِراشهما لمُنِع من ذلك كلِّه، ولم يُرِدْ أنَّهما يَجعلانه يَهوديًّا ولا نَصرانيًّا، كيف وهما عنْدنا وعندَ القدَريَّة لا يَفعَلان فيه اعتقادَ اليَهوديَّة ولا النَّصرانيَّة. (تُنتج) بالبناء للمجهول، يُقال: نُتِجَت البَهيمةُ بالضم، ونتَجَها أهلُها. (بهيمة)؛ أي: تَلِدُ بَهيمةً. (جمعاء)؛ أي: سالِمةً من العُيوب، سُميت به؛ لاجتماع سلامة أعضائها. (تُحسون) بضم أُوله، مِن أحسَسْتُ، أي: عَلمتُ. (من جدعاء)؛ أي: لا جَدَعَ فيها من أَصْل الخِلْقة، إنما يَجدَعُها أهلُها بعد ذلك، أي: يَسِمُون أُذُنهَا، فكذلك المولود يُولَد على الفِطْرة، ثُم يتغيَّر مِن بعدُ. وسبَق في الحديث مَباحثُ كثيرةٌ في (الجنائز)، في (باب: إذا أسلم الصبي). * * * 31 - لُقْمَانَ {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}

{إن الله عنده علم الساعة}

(سورة لُقْمان) 4776 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ". الحديث سبَق شرحه في (الإيمان)، في (باب: ظُلمٌ دون ظُلمٍ). * * * {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} (باب: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}} [لقمان: 34]) 4777 - حَدَّثَنِي إسْحَاقُ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الإيمَانُ؟ قَالَ: "الإيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: "الإِسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ"،

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: "الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْؤُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ رَبَّتَهَا، فَذَاكَ مِنْ أَشرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُؤُسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}، ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ: "رُدُّوا عَلَيَّ"، فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ". الحديث الأول: سبَق أيضًا في (الإيمان)، في (باب: سؤال جبريل). (بالبعث الآخر) الوصْف بالآخِر إما من الصِّفات اللازِمة، أو احترازٌ عن البَعْث الأوَّل كما سبَق تقريرُهُ. (الزكاة المفروضة) الوصْف للتأْكيد؛ لتَخرُج صدَقةُ التَّطوُّع. (في خمس) متعلِّقٌ بمحذوفٍ، أي: هي. * * * 4778 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ"،

32 - تنزيل السجدة

ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}. الثاني: سبَق أيضًا قَريبًا. * * * 32 - تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَهِينٍ}: ضَعِيفٍ، نُطْفَةُ الرَّجُلِ، {ضَلَلْنَا}: هَلَكْنَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجُرُزُ: الَّتِي لَا تُمْطَرُ إِلَّا مَطَرًا لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا، {نَهْدِ}: نُبَيِّنُ. (سورة السَّجْدة) {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} (باب: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} [السجدة: 17]) 4779 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي

هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ اللهُ مِثْلَهُ، قِيلَ لِسُفْيَانَ: رِوَايَةً؟ قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ؟ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (قُرَّاتِ). الحديث الأول: (رواية)؛ أي: يَرويه رواتُه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: تقُول عن اجتِهادك. (فأي شيء)؛ أي: لَولا الرِّواية؛ فأَيُّ شيءٍ كنتُ أَقولُ. * * * 4780 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا، بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. الثاني: (بَلْه) بفتح المُوحَّدة، وسُكون اللام. قال السَّفَاقُسي: ضُبط بفتح الهاء كأنَّه ظنَّ بِناءَها على الفْتح كأَينَ، وكيفَ، وآخَرون بكسرها، وهو الوَجْه؛ لأنَّه مضافٌ إلى ما بعدَهُ مثل: قَبْلُ وبَعدُ إذا أُضيفا خُفِضَا.

33 - الأحزاب

قيل: معناه: دع ما اطَّلعتُم عليه؛ فإنه سَهلٌ أو يسير من حيث ما ذَخَرتُه لهم. وقيل: بمعنى: فَضَلَ؛ حكاه اللَّيث كأنه يقول: هذا الذي غَيَّبتُه عن عِلْمكم فَضَلَ ما اطلعتُم عليه منها. والأَشْبَه أنه هاهنا بمعنى: سِوَى وغَيْر، حكاه ابن فارس لأَجْل قوله: (مِنْ بَلْهَ). وقال الصَّاغَاني: صوابُه: (بَلْهَ) بدون (مِن)، وصوابُه: (أُطلعُكم). وقال ابن مالك: المعروف أن (بَلْهَ) اسم فِعْلٍ بمعنى: اتْرُك ناصِبًا ما يَليها بمقتَضَى المفعولية، واستعماله مَصْدرًا بمعنى التَّرْكِ مُضافًا إلى ما يَليه، والفتْحة في الأُولى بِنائيةٌ، وفي الثانية إِعْرابيةٌ، وهو مصدرٌ مُهملُ الفِعْل، مَمنوعُ الصَّرْف. وقال الأخفش: (بَلْهَ) هنا مصدر كما تقول العرب: ضَرْبُ زَيدٍ، ونَدَر دُخول (مِنْ) عليه زائدةً. * * * 33 - الأَحْزَابِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صَيَاصِيهِمْ}: قُصُورِهِمْ.

{ادعوهم لآبائهم}

(سورة الأحزاب) 4781 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤُا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي وَأَنَا مَوْلاَهُ". (من كانوا)، (مَن) موصولةٌ، و (كان) تامةٌ، وفائدةُ ذِكْر هذا الوَصْف تَعميم العَصَبة للقَريب والبَعيد. وسبَقت مَباحث الحديث في (باب: الاستقراض). (ضياعًا) بفتح المعجمة: العِيَال الضَّائعون الذين لا شيءَ لهم، ولا قَيِّمَ لهم، مصدرٌ، فإنْ كُسرت الضاد كان جَمعَ: ضائِع كجَائِع، وجِيَاع. (مولاه)؛ أي: ناصِرُه. * * * {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (باب: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]) 4782 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ،

{فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ زيدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نزَلَ الْقُرْآنُ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}. (حارثه) بمهملةٍ، ومثلثةٍ. * * * {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} {نَحْبَهُ}: عَهْدَهُ، {أَقْطَارِهَا}: جَوَانِبُهَا، {الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا}: لأَعْطَوْهَا. (باب: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23]) النَّحْب معناه في الأصل: القَدر، ثم استُعير لآخِر كلِّ شيءٍ. 4783 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نُرَى هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ فِي أَنس بْنِ النَّضْرِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. 4784 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، كُنْتُ أَسْمَعُ

{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا}

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَؤُهَا، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ؛ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. الحديث الأول: (نُرى) بضم النُّون، أي: نَظنُّ. (فُقدت) مبنيٌّ للمفعول. ({مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب: 23]) سبَق أنَّ الآية المُنفردة التي وُجدتْ عند خُزَيْمَة هي آخِر سُورة التَّوبَة، ولا مُنافاةَ؛ لاحتِمال أنَّ الآيتَين معًا وُجدتا مَكتوبتَين عنده، أو الأُولى كانت عند النَّقْل من العُسُب ونحوِها إلى الصُّحُف، والثانية عند النَّقْل من الصُّحُف إلى المُصحَف. ومرَّ تحقيقُ ذلك. * * * {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} التَّبَرُّجُ: أَنْ تُخْرِجَ مَحَاسِنَهَا، سُنَّةَ اللهِ اسْتَنَّهَا: جَعَلَهَا. (باب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28]) 4785 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ

{وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهَا حِينَ أَمَرَ اللهُ أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، فَبَدَأَ بِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيكِ أَنْ تَسْتَعْجلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَويكِ"، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} "، إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. (فلا عليك)؛ أي: لا تَستَعجِلي حتى تَستَأْمري، أي: لا بأْسَ عليك في عدَم الاستِعجال حتى تُشاوري أَبوَيكِ. * * * {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} وَقَالَ قتادَةُ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}: الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. (باب: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 29]) فيه الحديث السَّابق من غير ذلك الطَّريق، وبغَير المَتْن. 4786 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:

أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، فَقَالَ: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَويْكِ"، قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إِلَى {أَجْرًا عَظِيمًا}، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيِدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو سُفْيَانَ الْمَعْمَرِيُّ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. (وقال الليث) وصلَه الذُّهْلي. (ثم فعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -) فيه رَدٌّ على مَن زعَم أنَّ امرأةً منهنَّ اختارتِ الدُّنيا، وأنَّها عُوقبتْ. (تابعه موسى بن أعْين) وصلَه النَّسائي. (وقال عبد الرزاق) وصلَه أحمد. * * *

{وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}

{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (باب: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]) 4787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} نزَلَتْ فِي شَأْنِ زينَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. أخرَج الحديثَ فيه بأوضَحَ من هذا في (كتاب التوحيد)، في (باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]: جاءَ زيد بن حارِثةَ يَشكُو، فجَعَل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول له: (اتَّقِ الله). . . الحديثَ. * * * {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُرْجِئُ: تُؤَخِّرُ، أَرْجِئْهُ: أَخِّرْهُ. (باب: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51]) 4788 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ هِشَامٌ، حَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى

اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأقولُ: أتَهَبُ الْمَرْأةُ نَفْسَهَا، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ}، قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارعُ فِي هَوَاكَ. الحديث الأول: (أغار)؛ أي: أَعتِب. (إلا يسارع)؛ أي: يُوجِدُ لك مُرادَك بلا تأْخيرٍ. * * * 4789 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَاصمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ}، فَقُلْتُ لَهَا: مَا كنْتِ تَقُولِينَ؟ قَالَتْ: كنْتُ أَقُولُ لَهُ: إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ، فَإِنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أَحَدًا. تَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، سَمِعَ عَاصِمًا. الثاني: (يستأذن في اليوم المرأة)؛ أي: في نَوبَتِها، وفي بعضها: (في يَوم). (ما كنت) استفهامٌ.

قوله: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي

(تابعه عَبّاد) مرويٌّ في "تفسير أبي بكْر بن مَرْدَويهِ"، وفي "فوائد يحيى بن مَعِيْن". * * * قوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} يُقَالُ: {إِنَاهُ}: إِدْرَاكُهُ، أَنَى يَأْنِي أَناَةً، {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}: إِذَا وَصَفْتَ صِفَةَ الْمُؤَنَّثِ قُلْتَ: قَرِيبَةً، وَإِذَا جَعَلْتَهُ ظَرْفًا وَبَدَلًا وَلَمْ تُرِدِ الصِّفَةَ نزَعْتَ الْهَاءَ مِنَ الْمُؤَنَّثِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُهَا فِي الْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ لِلذَّكَرِ وَالأُنْثَى. (باب: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53]) (إناه: إدراكه)؛ أي: وقْتَ الطَّعام. (قريبًا)؛ أي: القِياس: قَريبةً، فأجابَ البُخاريُّ عن ذلك بما ذكَره.

وقيل: فَعيلٌ يَستوي فيه المؤنَّث والمذكَّر، وفي "الكشَّاف": التَّقدير: شَيئًا قَريبًا، أو في زمانٍ قريبٍ، أو لأنَّ السَّاعةَ في معنى اليَوم. * * * 4790 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ. 4791 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زينَبَ بْنَةَ جَحْشٍ دَعَا الْقَوْمَ، فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَإِذَا هُوَ كأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَم يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ، وَقَعَدَ ثَلاَثَةُ نَفرٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهمْ قَامُوا، فَانْطَلَقْتُ فَجئْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ، فَألقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآيَةَ. 4792 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الآيَةِ

آيَةِ الْحِجَابِ، لَمَّا أُهْدِيَتْ زينَبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ، صَنَعَ طَعَامًا، وَدَعَا الْقَوْمَ، فَقَعَدُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ، ثُمَّ يَرْجِعُ، وَهُمْ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إِلَى قَوْلِهِ {وَرَاءِ حِجَابٍ}، فَضُرِبَ الْحِجَابُ، وَقَامَ الْقَوْمُ. 4793 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِزَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا، فَيَجيءُ قَوْمٌ فَيَأْكلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو، فَقُلْتُ: يَا نبِيَّ اللهِ امَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، قَالَ: ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ، وَبَقِيَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللهِ"، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللهُ لَكَ، فتقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا ثَلاَثَةُ من رَهْطٍ فِي الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَمَا أَدْرِي آخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا، فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَأُخْرَى خَارِجَةً أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ.

4794 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَ لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلاَنِ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ، فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا، أَمْ أُخْبِرَ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 4795 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَابِ، فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ! أَمَا وَاللهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى، وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ

مَا وَضَعَهُ فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ". الحديث الأوَّل وخمسةٌ بعده: في زواجه - صلى الله عليه وسلم - بزَينب. (أهديت) قال الصَّاغَاني: صوابُه: هُدِيَتْ بلا ألفٍ؛ لكن النُّسَخ بالألف. (فتقرأ) فعلٌ ماضٍ من التَّقَرِّي، وهو التَّتبُّع، أي: تتبَّعهنَّ واحدةً واحدةً، تقول منه: قَرَوْتُ الأَرضَ: إذا تتبَّعتَها أرضًا بعد أرضٍ، وناسًا بعد ناسٍ. نعَمْ، بعضُ الطُّرُق يدلُّ على أنَّ نُزول الآية قبْل قِيام القَوم، وفي بعضها يدلُّ على أنَّه بعدَه، فيُؤوَّلُ بأنه حالٌ، أي: أنْزَلَ الله وقد قامَ القَومُ. (صبيحة بنائه)؛ أي: صبَاحًا بعد لَيلة الزَّفاف. (رجلين) لا يُنافي ما في الرِّوايات الأُخرى: ثَلاثة؛ لأنَّ مفهوم العدد لا اعتبارَ به، أو المُحادثَة بين اثنين، والثَّالث ساكتٌ. (فانكفأت): انقَلبت. (عَرْق) بفتح المهملة، وإسكان الرَّاء: العَظْم الذي عليه اللَّحْم، نعَمْ، هذا يَقتضي أنه بعدَ ما ضُرِب الحِجَاب، وسبَق في (الوضوء)، في (باب: خُروج النِّساء إلى البَراز): أنَّه قبْل الحِجَاب، فيُجاب: بأنَّه وقَع مرَّتين. * * *

{إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما (54) لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا}

{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} (باب: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} [الأحزاب: 54]) 4796 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَقُلْتُ: لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأة أَبِي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تأْذَنِين عَمُّكِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأة أَبِي الْقُعَيْسِ، فَقَالَ: "ائْذَنِي لَهُ فَإنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ"، قَالَ عُرْوَةُ: فَلِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ. (القُعَيس) بضم القاف، وفتح المهملة. وسبَق الحديث في (الشَّهادات). (أن تأذني) في بعضها: (أنْ تأْذَنين)، وقيل: هو مثل: {لِمَن

{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}

أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، على قراءة نافع. (ما تحرمون) في بعضها: (تُحرِّمُوا) بلا نونٍ، وحذْفها بلا ناصبٍ وجازمٍ لغةٌ فصيحةٌ كعكسه، واجتَمَع في الحديث الأَمْران. قال (خ): فيه من الفِقْه إثْبات اللَّبَن للفَحْل، وأنَّ زَوج المُرضِعة بمنزلة الوالِد، وأَخوهُ بمنزلة العَمِّ، ويُقال: تَرِبَتْ يداكِ -وهي كلمةٌ يُدعَى بها على الإنْسان- ولا يُريد بذلك وُقوعَ الأَمْر، وهو الافتِقار. * * * {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: صَلاَةُ اللهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلاَئِكَةِ، وَصَلاَةُ الْمَلاَئِكَةِ الدُّعَاءُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُصَلُّونَ}: يُبَرِّكُونَ، {لَنُغْرِيَنَّكَ}: لنسَلِّطَنَّكَ. (باب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]) 4797 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنِ الْحَكَم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رضي الله عنه -، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَّا السَّلاَمُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،

كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ". الحديث الأول: (عرفناه)، وهو: سَلامٌ عليكَ أَيُّها النَّبيُّ ورحمةُ الله وبَركاتُه. (كما صليت على إبراهيم) ليس فيه أنَّ المُشبَّه به يكُون أفضَلَ من المُشبَّه؛ لأنَّه ليس المُراد بالتَّشبيه إلْحاقَ الناقِص بالكامِل، بل القَصْد بَيان حالِ ما لا يُعرَف بما يُعرَف، أو التَّشبيه فيما يُستقبَل، وذلك ليس بأَقْوَى، بل هو حاصلٌ له - صلى الله عليه وسلم - أَقْوَى وأَكمَل مما لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو المَجموعُ مُشبَّهٌ بالمَجموع، ولا شَكَّ أنَّ آلَ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أفضَلُ من آلِ محمَّد؛ إذْ فيهم الأَنْبياء، ولا نبَيَّ في آلِه. وقيل: كان ذلك قبْل أن يَعلَم أنه أفضَلُ من إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. * * * 4798 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا التَّسْلِيمُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ"، قَالَ أَبُو صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ: "عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ

قوله: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى}

عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ". 4798 / -م - حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، وَقَالَ: "كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ". الثاني، والثالث: في مَعنى ما قبلَهما. * * * قوله: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} (باب: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزاب: 69]) 4799 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلاَسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} ". (حييًّا) فَعِيْلٌ مِن الحَياء، وكان لا يَغتسِلُ إلا في الخَلْوة، فاتَّهمُوه بأنَّه آدَرُ، أي: مُنتَفِخُ الخِصْيَة، وآذَوه بذلك، فبَرَّأَه اللهُ منه حيث أخذَ الحجَرُ ثَوبَه، وذهبَ به إلى بَنِي إسرائيل، واتَّبعَه مُوسَى

34 - سبأ

-عليه الصلاة والسلام- عُريانًا، فرأَوه لا عَيْبَ فيه. * * * 34 - سَبَأ يُقَالُ: {مُعَاجِزِينَ}: مُسَابِقِينَ، {بِمُعْجِزِينَ}: بِفَائِتِينَ، {مُعَاجِزِينَ}: مُغَالِبِينَ، {سَبَقُوا}: فَاتُوا، {لَا يُعْجِزُونَ}: لَا يَفُوتُونَ، {يَسْبِقُونَا}: يُعْجزُونَا، قَوْلُهُ: {بِمُعْجِزِينَ}: بِفَائِتِينَ، وَمَعْنَى {مُعَاجِزِينَ}: مُغَالِبِينَ، يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صَاحِبِهِ. مِعْشَارٌ: عُشْرٌ، الأُكُلُ: الثَّمَرُ، {بَاعِدْ}: وَبَعِّدْ وَاحِدٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا يَعْزُبُ}: لَا يَغِيبُ. {الْعَرِمِ}: السُّدُّ، مَاءٌ أَحْمَرُ أَرْسَلَهُ اللهُ فِي السُّدِّ فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ وَحَفَرَ الْوَادِيَ، فَارْتَفَعَتَا عَنِ الْجَنْبَيْنِ، وَغَابَ عَنْهُمَا الْمَاءُ فَيَبِسَتَا، وَلَمْ يَكُنِ الْمَاءُ الأَحْمَرُ مِنَ السُّدِّ، وَلَكِنْ كَانَ عَذَابًا أَرْسَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ: {الْعَرِمُ}: الْمُسَنَّاةُ بِلَحْنِ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {الْعَرِمُ}: الْوَادِي. السَّابِغَاتُ: الدُّرُوعُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُجَازَى}: يُعَاقَبُ. {أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ}: بِطَاعَةِ اللهِ. {مَثْنَى وَفُرَادَى}: وَاحِد وَاثْنَيْنِ. {التَّنَاوُشُ}: الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا. {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}: مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ. {بِأَشْيَاعِهِمْ}: بِأَمْثَالِهِمْ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: {كَالْجَوَابِ}: كَالْجَوْبةِ مِنَ الأَرْضِ. الْخَمْطُ: الأَرَاكُ. وَالأَثَلُ: الطَّرْفَاءُ. الْعَرِمُ: الشَّدِيدُ. (سورة سَبَأ) قوله: (فشقه) كذا لهم، ولأبي ذَرٍّ: (فبَثَقَه)، وهو الوَجْه، يُقال: بَثَقْتُ النَّهر: إذا كسَرتَه عن مَجْراه. (فارتفعنا عن الجنتين) إنْ قيل: القِياس ارتفَعتِ الجنَّتانِ عن الماء؛ قيل: المُراد من الارتفاع الانتِفاءُ، والمُراد: يعني: ارتفَع اسم الجَنَّتين عنهما، فتقديره: ارتفَعت الجنَّتان عن كونهما جَنَّةً. قال في "الكشاف": وتَسمية البَدَل جَنَّتَين على سَبيل المُشاكَلة. وقال (ش): صوابه: (يعني: الجنَّتَين)، أي: يكون (يعني) بدَل: (عَنْ)، وكذا هو في بعض النُّسَخ في رواية أبي ذَرٍّ. (العرم: المسناة بِلَحَن) بفتح الحاء، أي: بلُغَة، وواحد العَرِم: عَرِمَة، وكأنَّه أُخِذ مِن عَرَامَة الماءِ، وهو ذَهابُه في كلِّ مَذْهَب. والمُسنَّاة: ما بُني في عرْض الوادي بمُرتفَع المَسِيْل ليَحبِسَ الماءَ، وضُبط عند الأكثر بضم الميم، وتشديد النون، وللأَصِيْلِي بفتْح الميم، وسُكون السين، وتخفيف النون. (كالجوابي) قيل: أَصْلُه في اللُّغة مِن الجَابِيَة، وهي الحَوض الذي يُجبَى فيه الشَّيء، أي: يُجمَع، فوَزْن جَوابِي على هذا: فَوَاعِل؛

{حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}

لأنَّ عين الفعل واوٌ. والجَوْبَة المُطمئِنُّ من الأرض، فلعلَّ ابن عبَّاس إنما شَبَّه الجابِيَة بالجَوْبَة، ولم يُرد أنَّ اشتقاقَهما واحدٌ؛ لأنَّ عين الفعل في الجَوْبة واوٌ، وأصلُهْ جابَ يَجُوب. (مثنى، وفرادى: واحد، واثنين) صوابه: واحدًا واحدًا، واثنين اثنين، وإنما اكتفَى بواحدٍ منه لشُهرته. (التناوش): الرَّدُّ. (زهرة)؛ أي: زَهرة الحياة الدُّنيا. * * * {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (باب: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23]) 4800 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعٍ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ -وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فحَرَفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ- فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ،

قوله: {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد}

ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا ألْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: ألَيْسَ قَدْ قَالَ لنا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا؟ فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمعَ مِنَ السَّمَاءِ". (خُضْعانًا) بضم الخاء، أي: خُضوعًا لقوله تعالى، فهو بوَزْن كَفَر كُفْرانًا. (مسترق السمع) صوابه: (مُستَرِقُو السَّمْع) في المَوضعين. * * * قوله: {إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} (باب: {إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46]) 4801 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: "يَا صَبَاحَاهْ! " فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، قَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ، أَمَا كُنتمْ تُصَدِّقُونِي؟ " قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! فَأَنْزَلَ اللهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. (يا صباحاه) الصَّباح: الغَارة، وهو من باب النُّدْبة، كأَنَّ معناه:

35 - الملائكة

يا قَومُ أُنذِرُكم الغارَةَ، احذَرُوها. (يصبحكم)؛ أي: يأْتيكُم صباحًا، ويُغير عليكم. (أو يمسِّيكم) يأتيكم مساءً. وسبَق الحديث في (الحِجْر). * * * 35 - الْمَلاَئِكَةُ قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِطْمِيرُ: لِفَافَةُ النَّوَاةِ. {مُثْقَلَةٌ} مُثَقَّلَةٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَرُورُ: بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ، {وَغَرَابِيبُ}: أَشَدُّ سَوَادٍ، الْغِرْبِيبُ: الشَّدِيدُ السَّوَادِ. (سورة المَلائِكَة) قوله: (غرابيب سود) قال أبو عُبيدة: هو على التَّقديم والتَّأْخير، أي: سُودٌ غَرابيبُ، وهو أشَدُّ السَّواد. * * * 36 - سورة يس (سورة يس) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَعَزَّزْنَا}: شَدَّدْنَا. {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}: كَانَ

حَسْرَةً عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ. {أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ}: لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. {سَابِقُ النَّهَارِ} يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ. {نَسْلَخُ}: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. {مِنْ مِثْلِهِ}: مِنَ الأَنْعَامِ. {فَكِهُونَ}: مُعْجَبُونَ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}: عِنْدَ الْحِسَابِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ: {الْمَشْحُونِ}: الْمُوقَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ}: مَصَائِبُكُمْ. {يَنسِلُونَ}: يَخْرُجُونَ. {مَرْقَدِنَا}: مَخْرَجِنَا. {أَحْصَيْنَاهُ}: حَفِظْنَاهُ. مَكَانَتُهُمْ: وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ. (يا حسرة) حَسْرتُهم في الآخِرة هي استهزاؤُهم بالرُّسُل في الدُّنيا. (من مثله من الأنعام) هو قول مُجاهد، والضَّمير في مثْله راجعٌ للفُلك، وقال ابن عبَّاس: يعني: السُّفُن، قيل: وهو أشْبَهُ؛ لقوله: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} [يس: 43]، وإنَّما الغَرَق في الماء. (فكهون: معجبون) كذا عند أبي ذَرٍّ، وعند القَابِسِيِّ: (فاكِهُون)، وقال الفَرَّاء: هما بمعنًى واحدٍ كحَذِرٍ وحاذِرٍ. وقيل: معناه مُتنعِّمون مُتلذِّذون. * * *

{والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}

{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (باب: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ} [يس: 38]) قال (خ): لأجَلِ أُجِّل لها، وقَدَرٍ قُدِّر لها، أي: انقِطاع مُدَّة بَقاء العالَم. وقيل: مُستقرُّها غاية ما تَنتهي إليه في صُعودها وارتفاعِها لأَطْول يومٍ من الصَّيف، ثم تأْخُذ بالنُزول حتى تنتَهيَ إلى أقصَى مَشارِق الشِّتاء لأقْصَر يومٍ منه، ولا يُنكَر أنْ يكون لها استِقرارٌ تحت العَرْش من حيثُ لا نُدركُه، وإنما هو إخبارٌ عن غَيبٍ. ويَحتمل أن يكون المعنى: أنَّ عِلْمَ ما سألتَ عنه عن مُستقَرِّها تحتَ العَرْلض في كتابِ كُتب فيه مَبادئُ أُمور العالَم ونهاياتُها، والوقْت الذي تَنتهي إليه مُدَّتُها، وتستقرُّ عند ذلك، وتَبطُل حركتُها. 4802 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ " قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ". 4803 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ

37 - الصافات

إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قَالَ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ". وفي الحديث إخبارٌ عن سُجودها تحتَ العَرْش في سَيرها، وليس في سُجودها لربِّها تحتَه ما يَعُوقها عن الدَّأَب في سَيْرها. قال: وهذا ليس مُخالِفًا لقوله تعالى: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86]؛ لأنَّها نِهايةُ مُدرَكِ البصَر إيَّاها عند الغُروب، وأما مَسيرها تَحت العَرْش للسُّجود فإنما يكون بعد غُروبها، وليس معناه أنَّها تسقُط في تلك العَين، بل هو خبَرٌ عن الغايَةِ التي بلَغَها ذُو القَرنيَن في مَسيرِه، ووجدَها تَتدلَّى عند غُروبها فوقَ هذه العين، أو على سَمْتِها، ولذلك مَن كان في البَحْر يَرى كأنَّها تغرُب في البَحْر وإنْ كانت في الحقيقة تَغيبُ وراءَه. * * * 37 - الصَّافَّاتِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ}: يُرْمَوْنَ، {وَاصِبٌ}: دائِمٌ، {لَازِبٍ}: لَازِمٌ، {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} يَعْنِي الْحَقَّ، الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيْطَانِ، {غَوْلٌ}: وَجَعُ بَطْنٍ، {يُنْزَفُونَ}: لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ،

{وإن يونس لمن المرسلين}

{قَرِينٌ}: شَيْطَان، {يُهْرَعُونَ}: كهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ، {يَزِفُّونَ}: النَّسَلاَنُ فِي الْمَشْيِ، {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}: قَالَ كفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجنِّ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}: سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}: الْمَلاَئِكَةُ، {صِرَاطِ الْجَحِيمِ}: سَوَاءَ الْجَحِيم، وَوَسَطِ الْجَحِيمِ، {لَشَوْبًا}: يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ، {مَدْحُورًا}: مَطْرُودًا، {بَيْضٌ مَكْنُونٌ}: اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ، {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ}: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ، {يَسْتَسْخِرُونَ}: يَسْخَرُونَ، {بَعْلًا}: رَبًّا. (سورة: والصَّافَّاتِ) قوله: (اليمين)؛ أي: جِهَة الخَيْر والحَقِّ، وهو طَريق الجنَّة ملبِّسين علَينا. (المكنون)؛ أي: المَصُون عن الأَيْدي والأَبْصار. * * * {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (باب: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 139]) 4804 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ

38 - ص

أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنِ ابْنِ مَتَّى". 4805 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونس بْنِ مَتَّى، فَقَدْ كَذَبَ". مرَّ الحديثُ فيه في (باب الأنبياء)، وغيره. * * * 38 - ص (سورة ص) 4806 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: سَألتُ مُجَاهِدًا عَنِ السَّجْدَةِ فِي {ص}: قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، وَكانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْجُدُ فِيهَا. الحديث الأول: (يسجد) وذلك لأَن داود سَجَدَ فيها، والرَّسول - صلى الله عليه وسلم - مأْمورٌ بالاقتِداء به، ونَحنُ مأْمُورون باتباعه - صلى الله عليه وسلم -.

4807 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَةِ {ص}، فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: مِنْ أَيْنَ سَجَدْتَ؟ فَقَالَ: أَوَ مَا تَقْرَأُ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ}، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}؟ فَكَانَ داوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. {عُجَابٌ}: عَجِيبٌ. الْقِطُّ: الصَّحِيفَةُ، هُوَ هَاهُنَا صَحِيفَةُ الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فِي عِزَّةٍ}: مُعَازِّينَ، {الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ}: مِلَّةُ قُرَيْشٍ، الاِخْتِلاَقُ الْكَذِبُ، الأَسْبَابُ: طُرُقُ السَّمَاءِ فِي أَبْوَابِهَا، {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ}؛ يَعْنِي: قُرَيْشًا، {أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ}: الْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ، {فَوَاقٍ} رُجُوعٍ، {قِطَّنَا}: عَذَابَنَا، {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} أَحَطْنَا بِهِمْ، {أَتْرَابٌ}: أَمْثَالٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَيْدُ: الْقُوَّةُ فِي الْعِبَادةِ، الأَبْصَارُ: الْبَصَرُ فِي أَمْرِ اللهِ، {حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي}: مِنْ ذِكْرٍ، {فَطَفِقَ مَسْحًا}: يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا، {الْأَصْفَادِ}: الْوَثَاقِ. الثاني: (سجدت) بلفْظ الخِطاب، وفي بعضها بلفْظ المَجهول للغائِبَة،

{وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} [ص: 35]

أي: بأيِّ دليلٍ صارتْ (سورةُ ص) مَسجُودًا فيها؟. (عجاب: عجيب)؛ أي: مِثْل: طَويل، وطُوَال، وقال أبو البَقاء في مَعناهما: عُجَّابٌ، أي: بالتَّشديد. (في أبوابها) في بعضها: (وهي أَبْوابُها). (فواق) قال أبو عُبيدة: هو بفتح الفاء: راحةٌ، وبضمِّها: انقِطاعٌ، وقيل: هما لُغتان. (أحطنا بهم) قال (ع): كذا وقَع، ولعلَّه: أَخْطَأْناهُم، وحُذف مع ذلك القَول الذي في تَفسيره، وهو قوله: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [ص:63]. وقال ابن عَطِيَّة: المعنى: أَليسُوا معَنا، أو هم معَنا ولكنْ أبصارُنا تَميلُ عنهم، فلا نَراهُم. * * * {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35] (باب: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ}) 4808 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً

{وما أنا من المتكلفين}

نَحْوَهَا- لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتنظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} ". قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا. (عفريتًا) هو المُبالِغُ في كلِّ شيءٍ. (تفلت) بلفْظ الماضي المُتَفَعِّل، أي: تَعرَّضَ لي فَجأةً البارحةَ. وسبَق الحديث في (الصلاة)، في (باب: الأسير يُربط في المسجد). * * * {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (باب: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]) 4809 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللهُ

أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْم أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنِ الدُّخَانِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَا قُرَيْشًا إِلَى الإِسْلاَمِ فَأَبْطَؤُا عَلَيْهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ"، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ فَحَصَّتْ كُلَّ شَيْء حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْجُلُودَ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنَ الْجُوعِ، قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، قَالَ: فَدَعَوْا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، أَفَيُكْشَفُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: فَكُشِفَ، ثُمَّ عَادُوا فِي كُفْرِهِمْ، فَأَخَذَهُمُ اللهُ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}. (فحصّت) بمهمَلتَين، أي: أَذهبَتْ، أو أَفْنَتْ، فإن قيل: قِصَّة الدُّخان، ما تَعلُّقُها بما قبلَها؟؛ قيل: قد تقدَّم في (سورة الرُّوم): أنه قيل لابن مَسعود: إنَّ رجلًا يقول: يَجيءُ دُخان كذا وكذا، قال ابن مَسعود: مَن عَلِمَ شيئًا، إلى آخره. * * *

39 - الزمر

39 - الزُّمَرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ}: يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ، وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، {ذِي عِوَجٍ}: لَبْسٍ، {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ}: مَثَل لآلِهَتِهِم الْبَاطِلِ، وَالإلَهِ الْحَقِّ، {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}: بِالأَوْثَانِ، خَوَّلْنَا: أَعْطَيْنَا، {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ}: الْقُرْآنُ، {وَصَدَّقَ بِهِ}: الْمُؤْمِنُ يَجيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ، {مُتَشَاكِسُونَ}: الشَّكِسُ: الْعَسِرُ لَا يَرْضَى بِالإِنْصَافِ، وَرَجُلًا سَلْمًا -وَيُقَالُ: سَالِمًا- صَالِحًا، {اشْمَأَزَّتْ}: نَفرَتْ، {بِمَفَازَتِهِمْ}: مِنَ الْفَوْزِ، {حَافِّينَ}: أَطَافُوا بِهِ مُطِيفِينَ بِحِفَافَيْهِ بِجَوَانِبِهِ، {مُتَشَابِهًا}: لَيْسَ مِنَ الاِشْتِبَاهِ وَلَكِنْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي التَّصْدِيقِ. (سورة الزُّمَر) قوله: (يجر) بالجيم، وفي بعضها بخاءٍ معجمةٍ، أي: يُلقَى مَغلولةً يَداهُ، فلا يَتهيَّأُ له أن يتَّقي إلا بوَجْهه، أي: الذي كان يَتقِي المَخاوِفَ عنه بغَيره. (أفمن يلقى في النار) وَجْه التَّشبيه بينَه وبين ما سبَق: أنَّ غرَضه أنَّ فيه حَذْفًا، أي: كمَن أَمِنَ العَذابَ. (الشَّكِس)؛ أي: بكسر الكاف وسكونها، قاله السَّفَاقُسي.

{قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}

(متشابهًا)؛ أي: في تَصديق بعضِه لبعضٍ، والقُرآن يُفسِّر بعضُه بعضًا، أو في تصديق الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - في رسالته؛ لسبَب إِعْجازه، وليس من الاشتِباه الذي هو اختِلاط والتِباسٌ. (بجانبيه) في بعضها: (بِحفَافَيهِ) بكسر المهملة، وخفَّة الفاء الأُولى، أي: بطَرَفَيه، وحَفَافَا الشَّيء: جانِبَاه. * * * {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (باب: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53]) 4810 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ: قَالَ يَعْلَى: إِنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشَرْكِ كَانُوا قَدْ قتلُوا وَأَكثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً، فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}، وَنزَلَ: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}. (يعلى) إما ابن مُسلم، أو ابن حَكِيم، فكلاهما يَروي عن سَعيد بن جُبَير، ويَروي عنهما ابن جُرَيج، ولا قَدْحَ بهذا الالتِباس؛ لأنَّ

{وما قدروا الله حق قدره}

كُلًّا على شَرْطه. * * * {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (باب: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67]) 4811 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّا نَجدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبِعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. (حَبْر) بفتح المهملة وكسرها، أي: عالِمٌ. (إصبع) قال (خ): مِثْلُه لا يُطلَق على الله إلا بكتابٍ أو خبرٍ قطعيٍّ، وإلا فالتوقُّف عن الإطلاق واجبٌ، وليس معنَى اليَدِ في الصِّفات معنى الجارِحَة حتَّى يَتوهَّمَ مُتوهِّمٌ مِن ثُبوتها ثُبوت الإصبع، وقد روى هذا الحديثَ كثيرٌ من أصحاب عبد الله مِن طريق عَبِيْدة فلم

يذكُروا فيه تصديقًا لقَول الحَبْر، وقد ثبَت أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما حَدَّثَكُم به أهلُ الكِتَابِ فلا تُصدِّقُوهم، ولا تُكذِّبُوهم"، ولم يُوجَد من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا الضَّحِك المُخِيْل للرِّضَا مرَّةً، وللتَّعجُّب، والإنْكار أُخرى، وقولُ مَن قال من الرُّواة: تَصديقًا لقَول الحَبْر ظَنٌّ منه، والاستدلالُ بالضَّحك في مثْل هذا الأمر غير جائزٍ، ولو صحَّ الخَبَر لا بُدَّ من التَّأْويل بنَوعٍ من المَجاز، وقد يقُول الإنسان في الأَمْر الشاقِّ إذا أُضيفَ إلى الرجل القَويِّ المُستقِلِّ المُستظْهِر: إنَّه يَعملُه بإصبعٍ، أو بخِنْصَر، ونحوه، يُريد به الاستِظهار في القُدرة عليه، والاستِهانةَ به، فعُلم أنَّ ذلك من تَحريف اليَهود، وأنَّ ضَحِكَه - صلى الله عليه وسلم - إنَّما كان على معنى التَّعجُّب والنَّكير له، فسَبيلُه الإيمانُ به مع نفْي التَّشبيه فيه، وقد جاء في رواية الفُضَيل بن عِيَاض، عن مَنْصور، عن إبراهيم، عن عَبِيْدة، عن عبد الله: فضَحِكَ - صلى الله عليه وسلم - تعجُّبًا وتَصديقًا. قال التَّيْميُّ: تكلَّفَ (خ)، وأتَى فيه بما لم يأْتِ به السَّلَف، والصَّحابةُ كانوا أعلَمَ بما روَوهُ، وقالوا: إنَّه ضَحِك تَصديقًا، وثبَتَ في السُّنَّة الصَّحيحة: "مَا مِنْ قَلْبٍ إلا وهُو بَينَ إِصبَعَينِ من أَصَابعِ الرَّحمَنِ". قال (ك): الحديث صحيحٌ قَطْعًا، وهو من المُتشابِه، ففيه طَريقا التَّفويضِ والتَّأْويل. قال (ش): الأَولى طَريقة السَّلَف في الكَفِّ مع اعتقاد أنَّه لم يُرَدْ به ظاهرُه، ويَكِلُ علمَه إلى الله تعالى.

{ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}

قلت: الصَّواب في هذه الأَزْمان سُلوك طريق التَّأْويل؛ لمَا يَلزَم من ذلك من فَساد الاعتقادات، والتعلُّق بطَريقة السَّلَف. وقد أوضحنا ذلك في "شرح ألفية الأُصول"، وفي غيره. (بدت نواجذه)؛ أي: ظهَرتْ أسنانُه. * * * (باب: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [الزمر: 67]) 4812 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ". الحديث فيه عُرف مما سبَق. * * * {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (باب: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الزمر: 68]) 4813 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا

عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الآخِرَةِ، فَإذَا أَنَا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِكَ كَانَ أَمْ بَعْدَ النَّفْخَة". الحديث الأول: (النفخة الأُخرى) هي نَفْخة الإحياءِ، والأُولى الإماتَة. (فلا أدري)؛ أي: أنَّه لم يَمُت عند الأُولى اكتفاءً بصَعْقة الصُّور، أم أُحيِيَ قبْل النَّفْخة الثَّانية قبْلي، وتعلَّق بالعرش. قال الداوُدي: إن قَولَه: (أَكذلكَ كان أم بعدَ النَّفْخة) وَهْمٌ؛ لأَن موسى مَقبُورٌ مبعوثٌ بعد النفخة، فكيف يكون قبلَها؟!. وسبَق في (كتاب الأنبياء) إيضاحُه. * * * 4814 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ". قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، "وَيَبْلَى كُلُّ شَيْء مِنَ الإنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنبَهِ، فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ".

40 - المؤمن

الثاني: (بين النفختين)؛ أي: نفْخة الإماتَة، ونفْخة الإحياء. (أبَيْتُ)؛ أي: امتَنعتُ عن التصديق لشيءٍ مُعين منها، وقال البيضاوي: أي: لا أَدري أنَّ الأربعين هي المَشهور أو غيرها، وامتَنعتُ من الإخبار عما لا أَعلَمُ. (يبلى)؛ أي: يَخْلَق. (عَجْب) بفتح المهملة، وسُكون الجيم: أَصْل الذَّنَب، ويقال: أَمْرُ العَجْب عَجَبٌ، هو أوَّل ما يُخْلَق، وآخِر ما يَخْلَق، أي: يَبلَى. * * * 40 - الْمُؤْمِنُ (سورة المُؤمِن) قَالَ مُجَاهِدٌ: مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ اسْمٌ؛ لِقَوْلِ شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الْعَبْسِيِّ: يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلَّا تَلاَ حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ الطَّوْلُ: التَّفَضُّلُ. {دَاخِرِينَ} خَاضِعِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى النَّجَاةِ}: الإِيمَانِ. {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ}: يَعْنِي الْوَثَنَ. {يُسْجَرُونَ}: تُوقَدُ بِهِمِ النَّارُ. {تَمْرَحُونَ}: تَبْطَرُونَ. وَكَانَ الْعَلاَءُ ابْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟

قَالَ: وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقنَّطَ النَّاسَ، وَاللهُ عزَّ وجلَّ يَقُولُ: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} وَيَقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}؟ وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ. 4815 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِم، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}. قوله: (مجاز أوائل السور)؛ أي: تَأْويل مَجازها، وصَرْف لفْظِها عن ظاهره، فقيل: إنها للتَّنبيه على أنَّ القُرآن من جِنْس هذه الحُروف، ولقَرْعِ العَصَا عليهم، وقيل: اسم عَلَمٍ للسُّورة، وقيل: للقُرآن، وعند أبي ذَرٍّ قال: (هم مَجازها). (ويقال: بل هو اسم) قال السَّفَاقُسي: لعلَّه يُريد على قراءة عِيْسى بن عُمر بفتح الحاء والميم الأَخيرة، ومعنى قِراءته: (اُتْلُ حم)،

ولم يَصرفْه؛ لأنه جعلَه اسمًا للسُّورة، وَيجوز أن يكون فتحه لالتقاء الساكنين. (لقول شُرَيح) بضم المعجمة، وفتح الراء، وبمهملة. (أوْفى) بفتح الهمزة، والفاء، وسكون الواو بينهما، مقصورٌ. (العَبْسِي) بفتح المهملة الأُولى، وكسر الثانية، وسُكون المُوحَّدة بينهما. (والرمح شاجر) يُقال: شَجَر الرُّمحُ، أي: اختَلَف، وقِصَّته أنَّ محمد بن طَلْحة بن عُبيد الله القُرشي السَّجَّاد كان يومَ الجمَل كلَّما حَمَل عليه رجلٌ يقول: نشَدتُكَ بحم، حتى شَدَّ عليه شُرَيح، فقَتلَه، وأَنشَأ يقول: يُذكِّرُني حم. . . . . . وقيل: المُراد بقوله: (حم) قولَه تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]. وأمَّا وجْه الاستِشهاد به، فإنَّه أعربَه ولو لم يكُن اسمًا، بل كان معروفًا يتهجَّاه لمَا دخَل عليه الإعرابُ. (العلاء) هو العَدَوي البَصْري التابِعي. (والله تعالى يقول) غرَضه: أنِّي لا أَقْدر على التَّقْنيط، وقد قال تعالى لأهل النَّار: {لَا تَقْنَطُوا} [الزمر: 53]. * * *

41 - حم السجدة

41 - حم السَّجْدَةِ وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {ائْتِيَا طَوْعًا} أَعْطِيَا. {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}: أَعْطَيْنَا. وَقَالَ الْمِنْهَالُ: عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاس: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْاَنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ: قَالَ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}، {رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، فَقَدْ كتَمُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَقَالَ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {دَحَاهَا}، فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى {طَائِعِينَ}، فَذَكَرَ فِي هَذ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، {عَزِيزًا حَكِيمًا}، {سَمِيعًا بَصِيرًا}، فَكَأَنَّهُ كاَنَ ثُمَّ مَضَى. فَقَالَ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ}: فِي النَّفْخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}، {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} عِنْدَ ذَلِكَ {وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ}، فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ: لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآيَةَ، وَ {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا: أَنْ

أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الْجبَالَ وَالْجِمَالَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {دَحَاهَا}، وَقَوْلُهُ: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْء فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ. {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} سَمَّى نفسَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ؛ أَيْ: لَمْ يَزَلْ كذَلِكَ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَمْنُونٍ}: مَحْسُوبٍ. {أَقْوَاتَهَا}: أَرْزَاقَهَا. {فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}: مِمَّا أَمَرَ بِهِ. {نَحِسَاتٍ}: مَشَائِيمَ. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}: عِنْدَ الْمَوْت. {اهْتَزَّتْ}: بِالنَّبَاتِ. {وَرَبَتْ}: ارْتَفَعَتْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مِنْ أَكْمَامِهَا}: حِينَ تَطْلُعُ. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أَيْ: بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا. {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}: قَدَّرَهَا سَوَاءً. {فَهَدَيْنَاهُمْ}: دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَقَوْلِهِ: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}، وَكَقَوْلِهِ: {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}، وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الإرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْناَهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. {يُوزَعُونَ}: يُكَفَّوْنَ. {مِنْ أَكْمَامِهَا}: قِشْرُ الْكُفُرَّى هِيَ الْكُمُّ. {وَلِيٌّ حَمِيمٌ}: الْقَريبُ. {مِنْ مَحِيصٍ}: حَاصَ: حَادَ. {مِرْيَةٍ}: وَمُرْيَةٍ وَاحِدٌ؛ أَيِ: امْتِرَاءٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}: الْوَعِيدُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَب وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلوهُ عَصَمَهُمُ اللهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. (سورة حم السجدة) قوله: (أتينا طائعين: أعطينا) ليس هذا المَعنى مَعروفًا. قال السَّفَاقُسي: لعلَّ ابن عبَّاس قَرأَ بالمَدَّ؛ لأنَّ الرُّباعي بمعنى: أَعطَى، وأما الثُّلاثي فبمعنى: جاءَ. وقال السُّهَيلي في "أَمالِيه": إنَّ البُخاري كان يَهِمُ في القُرآن، وإنه أَوردَ في كتابه آياتٍ كثيرةً على خِلاف ما في التِّلاوة، فإنْ كان هذا المَوضع منها، وإلا فهي قراءةٌ بَلَغَتْه، ووجَّهَها، أي: أَعطَينا الطَّاعةَ كما يقال: فُلانٌ يُعطي الطَّاعة لفُلانٍ، والمراد: أتيْنا لمَا يُراد منا. وقد قُرئ: {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا} [الأحزاب: 14]، وأتَوْها، والفِتْنة خِلافُ الطَّاعة، أو ضدُّها، وإذا جازَ الإيتاء في هذه جازَ في هذه. (يختلف)؛ أي: يُشْكِل عليَّ إما لتَنافٍ بين ظاهر آيتَين، وإما إفادة الآية شيئًا لا يَصحُّ عقلًا؟، فأجاب ابن عبَّاس عن الأوَّل، وهو أنه في آيةٍ: {وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، وأُخرى {يَتَسَاءَلُونَ [الصافات: 27]، بأنَّ التَّساؤُل بعد النَّفْخة الثانية، وعدَمَه قبلَها، وعن الثَّاني، وهو أنه في آيةٍ: {يَكْتُمُونَ}، وأُخرى {وَلَا يَكْتُمُونَ} [النساء: 42]، بأنَّ الكِتْمان

قبْل إنْطاق الجَوارح وعدمُه بعدَها، وعن الثالث، وهو أنه في آيةٍ خلَق السماءَ قبل الأرض، وفي أُخرى بعدَها بأن خلْق نفْس الأرض قبْل السَّماء، ودَحوُها بعدَه، وعن الرَّابع، وهو قوله: إنَّ قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]، يدلُّ على أنه كان مَوصُوفًا بهذه الصِّفات في المَاضي، وهو لم يَزَلْ كذلك بأنَّه سَمَّى نفسَه غفورًا رحيمًا، وهذه التَّسمية مضَتْ؛ لأنَّ التعلُّق انقطَع، وأما ذلك، أي: ما قال مِن الغَفورَّية والرَّحميَّة فمعناه: أنَّه لا يَزال كذلك، لا يَنقطعُ، فإن الله تعالى إذا أراد المغفرةَ من الأشياء في الحالِ أو الاستِقبال فلا بُدَّ من وُقوع مُراده قَطْعًا، ويحتمل أنْ يكون ما قالَه جوابَين: أحدهما: أن التَّسمية التي كانتْ ثم مضَتْ لا الغَفوريَّة. والثاني: أنَّ معناه الدَّوام، وأنه لا يَزال كذلك. ووجه ثالث: وهو أنَّ السُّؤال يُحمَل على مُشكِلَين، والجَواب على دفْعهما بأنْ يقال: إنه مُشعِرٌ بأنه في الزَّمان القديم كان غفورًا، ولم يكُن في الأزَل ما يُغفَر، ولا مَن يُغفَر له (¬1) بأنَّه ليس في الحال غَفُورًا؟، فأجاب أولًا بأنه كان في الماضي مُسمًّى به، وعن الثاني: بأنَّ معنى (كان) الدَّوام، هذا مُحتملات كلامِه. وأما النحاة فقالوا: (كان) هو لثُبوت خبرها ماضيًا دائمًا أو منقطِعًا. ¬

_ (¬1) "له" ليس في الأصل.

وأَما مسأَلة الخَلْقَين؛ فأجاب بعضُهم عنها: بأنَّ (ثُمَّ) لتَقارُب ما بين الخَلْقَين لا للتَّراخي في الزَّمان، وقيل: إنَّ (ثُمَّ) لتَرتيب الخبَر، أخبَر أولًا بخلْق الأرض، ثم أخبَر بخلق السَّماء، وقيل: خلَق بمعنى: قدَّرَ، وقيل: استَوى ليس بمعنى: خَلَق. (والسماء بناها) صوابه: أم السماء. (فلا يختلف) بالجزم، فإن القرآن من عند الله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]. (عن المنهال) هو الذي علَّق عنه ذلك مِن قبلُ، فيحتمل أنَّه سَمعه أولًا مُرسَلًا، وآخِرًا مُسنَدًا، فنقَلَه كما سَمعه. وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الإسناد ليس بشَرطٍ. {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]) غرَضه أنَّ الهداية نَوعان: بمعنى الدَّلالة المُطلَقة، وهي عامةٌ، وبمعنى المُوصِلَة للنِّعمة، والآياتُ في هذه، وفي هذه. وقيل: هو مشتركٌ بينهما، أو حقيقة ومجازٌ؟ خِلافٌ. (الكُفَرّى) بضم الكاف، وفتح الفاء وقد تُضمُّ، وتشديد الراء، مقصورٌ: الطَّلْع، وقيل: وِعَاء كلِّ شيءٍ كافوره. وقال (خ): قول الأكثَرين أنَّ الكُفَرَّى هو الطَّلْع بما فيه، وعن الخَليل أنَّه الطلْع، وقوله في الحديث: (قِشْر الكُفَرَّى) يُصحِّح ذلك. (بمنزلة أسعدناه) قال السُّهَيلي: هو بالصاد أقْرب إلى تفسيرِ

{وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}

أَرشدناه مِن أَسعدناه بالسين؛ لأنه إذا كان بالسين كان من السَّعد، والسَّعادة، وأرشدتُ الرَّجل إلى الطَّريق، وهديتُه السَّبيلَ بعيدٌ من هذا التَّفسير، فإذا قلت: أصعدناهم -بالصاد-، خرَج اللَّفظ إلى معنى: الصَّعَدات، وهي الطُّرُق، وكذلك أصعَدَ في الأرض: إذا سارَ فيها على قَصْدٍ. فإن كان البخاري قصَدَ هذا، وكتبَها في نسُخته بالصاد التِفاتًا إلى حديث الصَّعَدات؛ فليس بعجيبٍ، ولا نكيرٍ. (يعني الوعيد)؛ لأنَّه أمرُ تَهديدٍ. * * * {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} (باب: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} [فصلت: 22]) 4816 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} الآيَةَ: كَانَ رَجُلاَنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ، أَوْ رَجُلاَنِ مِنْ ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ حَدِيثنَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْمَعُ بَعْضَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ

{وذلكم ظنكم} الآية

يَسْمَعُ كُلَّهُ، فَأُنْزِلَتْ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} الآيَةَ. (بعضه)؛ أي: ما جهرنا به، ولئِنْ كان يَسمع بعضَه لقد سَمع كلَّه، بيانُ المُلازمة: أنَّ جميع المَسمُوعات إليه واحدة، فالتَّخصيص تحكُّمٌ. * * * {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ} الآية (باب: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} [فصلت: 23]) 4817 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - من، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِي -أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِي- كَثِيرَةٌ شحمُ بُطُونهم قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهم، فَقَالَ أَحَدُهُم: أترَوْنَ أَنَّ الله يَسْمَعُ مَا نَقُولُ، قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إنْ جهرنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ: إنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهرناَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الآيَةَ. وَكَانَ سُفْيَانُ يُحَدِّثُنَا بهذَا، فَيقُولُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، أَوِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَوْ حُمَيْدٌ، أَحَدُهم أَوِ اثْنَانِ مِنْهُم، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَى مَنْصُورٍ، وَتَرَكَ ذَلِكَ مِرَارًا غَيْرَ وَاحِدَةٍ.

42 - حم عسق

قَوْلُهُ: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} الآيَةَ. 4817 / -م - حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بِنَحوِه. (كثيرة)؛ أي: الشَّحمِ، إما مبتدأٌ، أو اكتَسى التأْنيث من المُضاف إليه، وكثيرة خبَره، وإما أنَّ التاء للمُبالغة؛ كعَلَّامة. وسبق الحديث. * * * 42 - حم عسق ويُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {عَقِيمًا}: لَا تَلِدُ. {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}: الْقرآنُ. وَقَالَ مُجَاهد: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}: نسلٌ بَعدَ نسلٍ. {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا}: لَا خُصُومَةَ. {طَرْفٍ خَفِيٍّ}: ذَلِيلٍ. وَقَالَ غَيْرهُ: {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ}: يتحَرَّكْنَ وَلَا يَجْرِينَ فِي الْبَحرِ {شَرَعُوا}: ابْتَدَعُوا. (سورة حم عسق) قوله: (رواكد يتحركن) كأنَّه سقَط منه لفْظة (لا)، ولهذا فسَّر

{إلا المودة في القربى}

رَواكِد بسَواكِن. * * * {إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (باب: {إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]) 4818 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمعتُ طَاوُسًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلهِ: {إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُربَى آلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: عَجلْتَ؛ إِنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهم قَرَابَةٌ، فَقَالَ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْني وَبَيْنَكُم مِنَ الْقَرَابَةِ. حاصل كلام ابن عبَّاس: أنَّ جَميع قُريش أقاربُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وليس المُراد بنو هاشم ونحوِهم. * * * 43 - حم الزُّخْرف (سورة الزُّخرُف) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ}: عَلَى إِمَامٍ. {وَقِيلِهِ يَارَبِّ} تَفْسِيرُهُ:

أيحسِبُونَ أنَّا لَا نسمَعُ سِرَّهم وَنجوَاهُم، وَلَا نسمَعُ قِيلَهُم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}: لَوْلَا أنْ أجْعَلَ النَّاسَ كُلَّهم كُفَّارًا، لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ، وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ، وَهْيَ دَرَجٌ، وَسُرُرَ فِضَّةٍ. {مُقْرِنِينَ}: مُطِيقِينَ. {ءَاسَفُونَا}: أَسْخَطُونَا. {يَعْشُ}: يَعمَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ}؛ أَيْ: تُكَذِّبُونَ بِالْقرآنِ، ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟ {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}: سُنَّةُ الأَوَّلينَ. {مُقْرِنِينَ}؛ يَعنِي: الإبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ. {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}: الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرّحمَنِ وَلَدًا، فَكَيْفَ تحكُمُونَ؟ {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}؛ يَعنُونَ: الأَوْثَانَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}: الأَوْثَانُ؛ إِنَّهم لَا يَعلَمُونَ. {فِي عَقِبِهِ}: وَلَدِه. {مُقْتَرِنِينَ}: يمشُونَ مَعًا. {سَلَفًا}: قَوْمُ فِرعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أمُّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، {وَمَثَلًا}: عِبْرَة. {يَصِدُّونَ}: يَضِجُّونَ. {مُبْرِمُونَ}: مُجْمِعُونَ. {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}: الْعَرَبُ تَقُولُ: نحنُ مِنْكَ الْبَرَاءُ وَالْخَلاَءُ، وَالْوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ وَالْجَمِيعُ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُقَالُ فِيهِ: بَراء؛ لأَنَّهُ مَصدَرٌ، وَلَوْ قَالَ: بَرِيءٌ، لَقِيلَ فِي الاِثْنَيْنِ: بَرِيئَانِ، وَفِي الْجَمِيعِ: بَرِيئُونَ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ} بِالْيَاء.

{ونادوا يامالك ليقض علينا ربك} الآية

وَالزُّخْرُفُ: الذَّهبُ. {مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ}: يخلُفُ بَعْضُهُمْ بعْضًا. * * * {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} الآية 4819 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}. وَقَالَ قتادَةُ: {وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}: عِظَةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُقرنينَ}: ضَابِطِينَ، يُقَالُ: فُلاَنٌ مُقْرِنٌ لِفُلاَنٍ: ضَابِطٌ لَهُ، وَالأكوَابُ: الأَبَارِيقُ الَّتِي لَا خَرَاطِيمَ لَها. {أَوَّلُ العابدِينَ}؛ أَيْ: مَا كَانَ، فَأَنَا أَوَّلُ الأَنِفِينَ، وَهُمَا لُغَتَانِ: رَجلٌ عَابدٌ وَعَبِدٌ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ: {وَقَالَ الرسول يارب} وَيُقَالُ: {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: الْجَاحِدِينَ، مِنْ عَبِدَ يعبَدُ. وقال قَتادَةُ: {في أم الكتاب}: جُملَةِ الكِتابِ، أصلِ الكِتابِ. {أفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}: مُشْرِكينَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ هذَا الْقرآنَ رُفِعَ حَيْثُ رَدَّهُ أَوَائِلُ هذِهِ الأُمَّةِ، لَهلَكُوا. {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}: عُقُوبَةُ الأَولينَ. {جُزءًا}: عِدلًا.

قوله: (ولا نسمع قيلهم) هذا يَقتَضي أنَّه فصَل بين المُتعاطفَين بجُمَلٍ كثيرةٍ، وينبغي حَمل كلامه على أنَّه أرادَ تفسيرَ المَعنى، ويكون التقدير: ونعلم قيْلَه، فحذف العامِل. وقال السَّفَاقُسي: هذا التفسير أنكره بعضهم، وقالوا: إنما يصحُّ هذا لو كانت التلاوةُ (وقِيلُهم)، المعنى: إلا مَن شَهِد بالحقِّ، وقال قبلَه: {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ} [الزخرف: 88] على الإنْكار. (مقرنين: مطيقين)؛ أي: بالقاف، وقيل: ضابِطِين. (يعشى: يعمى) قال الشَفَاقُسي: يَجب أن تكُون القراءةُ عليه بفتح الشِّين. قال (ش): وكذا قال ابن قُتَيبة، فإنَّه حكَى قول أبي عُبَيدة على قِراءة الضمِّ: أنه تُظلِم عَينه (¬1)، قال: وقال الفَرَّاء: يُعرِضُ عنه، ومن قرأ: (يَعشَ) بنصب الشين أراد: يَعمَى عنه. قال: ولا أَرى القول إلا قَول أبي عُبَيدة، ولم أَرَ أَحدًا يُجيزُ: عَشَوتُ عن الشَّيء: أَعرضْتُ عنه، إنما قال: تعاشَيْتُ عن كذا: تغافَلتُ عنه كأني لم أَرَهُ، ومثله: تَعامَيْت. ورجَّح غيرُه قَولَ أبي عُبَيدة بأنَّه إنما يقال: عَشِي: إذا مَشَى ببصرٍ ضعيفٍ، ونظيره: عَرِجَ مَشَى مِشْيةَ الأعرج، وعَرِج إذا صار أَعرَج، فكذلك يُقال: عَشي يَعشَى إذا عَمِيَ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "تكلم عقبه"، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (2/ 986).

{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} [الزخرف: 5]) معنَى ضَرْب الذِّكْر عنهم: رفْع القُرآن من بَينهم إلى السَّماء بخلاف ما تقدَّم من تفسير مُجاهد، وكذلك فُسِّر المثَل هاهنا بمعنى العُقوبة، وفيما تقدَّم بمعنى الشَّبَه. (يصدون: يضجون) يُريد بكسر الصاد، ومَن قرأ بالضم فالمعنى عنده: يُعرِضُون، وقال الكِسَائي: هما لُغتان بمعنًى، وأنكَر بعضُهم الضمَّ، وقال: لو كان مَضمومًا لكان: (عنْه)، ولم يكُن: (منه)، أي: مِن أَجْله، فيكون الضمُّ صحيحًا. (أي: ما كان)؛ أي: فـ (إنْ) في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} الآية [الزخرف: 81] نافيةٌ. (عابد وعبد) بفتح المُوحَّدة، كذا ضبَطه ابن فارِس، وغيره. قال الجَوْهري: العَبَد بالتحريك: الغَضَب، وعَبِدَ بالكسر، أي: أَنِفَ. (العابدين: الجاحدين من عَبَدَ يعْبُد) بفتح المُوحَّدة في الماضي، وضمِّها في المُستقبَل. قال السَّفَاقُسي: كذا ضبطوه هنا، قال: ولم يذكُر أهل اللُّغة عَبَد بمعنى: جَحَدَ. وذكر ابن عُزير: أنَّ معنى العابِدين: الآنِفِين، والجاحِدين، وذلك ما أشارَ إليه البُخاري.

44 - الدخان

ورُوي (عَبِدَ) بالكسر في الماضي، والفتح في المضارع. * * * 44 - الدُّخانِ (سورة الدُّخَان) وَقَالَ مجَاهِدٌ: {رَهْوًا}: طَرِيقًا يَابِسًا. {عَلَى العالمين}: عَلَى مَنْ بين ظَهْرَيْهِ. {فاعْتِلُوُه}: ادفَعُوهُ. {وَزوَّجْنَهُم بحُورٍ}: أنكَحْنَاهُمْ حُورًا عينًا، يَحَارُ فِيها الطَّرْفُ. {ترجُمُون}: الْقَتْلُ. وَ {رَهْوًا}: سَاكِنًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كالمهل}: أَسْوَدُ كمُهْلِ الزَّيْتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تُبَّعٍ}: مُلُوكُ الْيَمَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم يُسَمَّى تُبَّعًا؛ لأنه يتبَعُ صَاحِبَهُ، وَالظِّلُّ يُسَمَّى تُبَّعًا؛ لأَنَّهُ يتبَعُ الشّمسَ. قوله: (بين ظهريه)؛ أي: على أهل عَصْره. (كمهل الزيت)؛ أي: كدُرْدِيِّ الزَّيت. (بحور) جمع: حَوراء. * * * {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قال قَتادَةَ: {فَارْتَقِبْ}: فَانتظِرْ.

{يغشى الناس هذا عذاب أليم}

(باب: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]) 4820 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: مَضَى خَمْسٌ: الدُّخَانُ وَالرُّومُ وَالْقَمَرُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ. (والقمر)؛ أي: انشِقاق القمَر. (والبطشة) قال تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16]، أي: القَتْل يوم بَدرٍ. (اللزام)؛ أي: الأَسْر يومَ بدرٍ، وقيل: القحْط. * * * {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (باب: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11]) 4821 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا أَبُوْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّمَا كَانَ هذَا؛ لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، دَعَا عَلَيْهِم بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَها كَهيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}،

{ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}

قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اسْتَسْقِ اللة لِمُضَرَ؛ فَإِنَّها قَدْ هلَكَتْ. قَالَ: "لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ"، فَاسْتَسْقَى فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابتْهُمُ الرَّفَاهيةُ، فَأَنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}، قَالَ: يَعْنِي: يَوْمَ بدرٍ. (يحيى)؛ أي: الخَتِّي؛ قاله الغَسَّاني. (قال لمضر)؛ أي: لأَبي سُفيان، فإنَّه كان كبيرَهم في هذا الوقْت، وهو الآتي للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَستدعي منه الاستِسقاءَ، تقول العرَب: قتَل قُريشٌ فُلانًا، والقاتِلُ واحدٌ منهم. (لجريء)؛ أي: تُشركُ بالله، وتَطلُب الرَّحمة منه، وإذا كشَف العذابَ عنكُم إنَّكُم عائدون إلى شِرْككُم. (الرفاهية) بالتخفيف: السَّعَة. (يعودوا: تعد) كذا وقَع، وصوابه: يَعودُون. * * * {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} (باب: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} [الدخان: 12]) 4822 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي

{أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين}

الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: إِنَّ مِنَ الْعِلْم أَنْ تَقُولَ لِمَا لَا تَعلَمُ: اللهُ أَعْلَمُ، إِنَّ الله قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}، إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتعصَوْا عَلَيْهِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهم بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ"، فَأَخَذَتْهُم سَنَةٌ أَكَلُوا فِيها الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجَهْدِ، حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كهيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ، قَالُوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كشَفْنَا عَنْهُم عَادُوا، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُم، فَعَادُوا، فَانْتَقَمَ اللهُ مِنْهُم يَوْمَ بَدْرٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إِلَى قَوْلهِ جَلَّ ذِكرُهُ: {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}. (لما لا تعلم) تعريضٌ بالرجُل القاصِّ الذي كان يقُول: يَجيءُ يومَ القيامة دُخان كذا، وأنكَر ابن مَسعود ذلك، وقال: لا تتكلَّفوا فيما لا تَعلَمون، وبيَّن قِصَّةَ الدُّخان، وقال: إنَّه كهيئَتِه، وذلك قد كانَ، ووقَعَ. * * * {أنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِيِنٌ} الذِّكرُ وَالذِّكرَى وَاحِدٌ. (باب: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} [الدخان: 13]) 4823 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ

{ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون}

الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا دَعَا قُرَيْشًا، كَذَّبُوهُ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كسَبْعِ يُوسُفَ"، فأَصَابَتْهُم سنةٌ حَصَّتْ؛ يَعْنِي: كُلَّ شَيْء، حَتَّى كَانُوا يَأكلُونَ الْمَيْتَةَ، فَكَانَ يَقُومُ أَحَدُهُمْ، فَكَانَ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، ثم قَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} حَتَّى بَلَغَ: {إنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}، قَالَ عَبْدُ اللهِ: أفيُكْشَفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! قَالَ: وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى: يَوْمُ بدرٍ. (حصت) بمهملتين، أي: ذَهبَتْ، وسنَةٌ حَصَّاءُ، أي: جَرداءُ لا خَيرَ فيها. * * * {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} (باب: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان: 14]) 4824 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ شُعبةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ، عَنْ أبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدا - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ

الْمُتَكَلِّفِينَ} فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهم بِسَبْعٍ كسَبع يُوسُفَ"، فَأخَذَتْهُمُ السَّنَةُ حَتَّى حَصَّتْ كُلَّ شَيْء، حَتَّى أكَلُوا الْعِظَامَ وَالْجُلُودَ، فَقَالَ أَحَدُهمْ: حَتَّى أكلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ، وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الأَزضِ كَهيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأتاهُ أَئو سفْيَانَ، فَقَالَ: أَيْ مُحَمَّدُ! إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هلَكُوا، فَادعُ الله أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُم، فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: "تَعُودُوا بَعدَ هذَا". فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: ثُمَّ قَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إِلَى: {عَائِدُونَ}، أَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ؟! فَقَد مَضَى الدُّخَان وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ، وَقَالَ أَحَدُهُمُ: الْقَمَرُ، وَقَالَ الآخَرُ: الرُّومُ. (يخرج من الأرض) لا يُنافي ما في الرِّواية الأُخرى: (فكانَ يَرى بينَه وبين السَّماء مِثْل الدُّخان)؛ لأنَّ المَبدأ من الأَرض، ومُنتهاهُ، ومَوقفُه ذلك، وهذا الخُروج حقيقةً، وأما إضافتُه إلى الجُوع حيث قال: يَرَى من الجُوع، فإنَّه يقتضي أن يكون أمرًا مُتخيَّلًا لهم لشِدَّة حَرارة الجُوع، فلا يُنافيه؛ لجَواز اجتِماع الأَمرَين، يَخرُج من الأرض، ويتخيَّلون مثلَه أيضًا من الجُوع، أو أنَّ خُروجه من الأرض باعتبارِ خَيالهم من شِدَّة المَخمَصة. (وقال أحدهم) القياس أحدُهما، أي: سُليمان ومَنْصور، فيحتمل أنَّه على: أقل الجمْع اثنان. * * *

{يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}

{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} (باب: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ} [الدخان: 15]) 4825 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَمس قَدْ مَضَيْنَ: اللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ، وَالدُّخَانُ. الحديث عُلم شرحُه مما سبق. * * * 45 - الْجَاثِيةِ (سورة الجاثِيَة) مُسْتَوْفِزِينَ عَلَى الرُّكَبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نستَنسخُ}: نكتُبُ. {نَنْسَاكُم}: نترُككُمْ. قوله: (نترككم) من إطلاق المَلزوم وإرادةِ اللازِم. * * * {وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْرُ} الآيَة (باب: {وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْر} [الجاثية: 24]) 4826 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ

سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: يُؤْذِيني ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ". (يؤذيني)؛ أي: يقُول ما يُتأَذَّى به مَن يَصحُّ في حقِّه التأَذِّي لا أنَّ الله تعالى يَتاَذَّى؛ لأنَّ ذلك مُحالٌ. (وأنا الدهر) قال (خ): معناه: أنا صاحِبُ الدَّهر، وفاعِلُ الأمور التي يَنسبُونَها إلى الدَّهر، فإذا سَبَّ ابنُ آدمَ الدَّهر من أجْل أنه فاعِلُ هذه الأُمور عادَ سَبُّه إلي؛ لأنِّي فاعلُها، وإنما الدَّهر زمانٌ جعلتُه ظَرْفًا لمَواقع الأُمور. وكان من عادتِهم إذا أصابَهم مَكروهٌ أضافوه إلى الدَّهر، وقالوا: ما يُهلكنا إلا الدَّهر، وسَبُّوه، وقالوا: بُؤْسًا للذَهر، وتَبًّا له؛ إذ كانوا لا يَعرفُون للدَّهر خالقًا، ويَرونَه أزليًّا أبَديًّا، ولذلك سُمُّوا بالدَّهْريَّة، فأَعلمَهم اللهُ تعالى أنَّ الدَّهر مُحْدَثٌ، يُقلِّبه بين ليلٍ ونهارٍ، لا فِعلَ له في خيرٍ وشرٍّ، ولكنَّه ظَرْفٌ للحَوادث. وقال (ن): (أنا الدَّهرُ) بالرفع، وقيل: بالنَّصب على الظرف، أي: أنا باقٍ أبَدًا، والمُوافِق لقوله: (إنَّ الله هو الدَّهر) الرَّفْع، فهو مجازٌ. قال (ش): الرفْع ضَبْط المُحقِّقين، أي: أنا الفاعِل لمَا تُضيفونه للدهر، أو الخالِق، أو المُقدِّر.

46 - الأحقاف

وقال الرَّاغِب: الدَّهر الثاني غيرُ الأول، أي: كما تقدَّم تقريرُه. وكان أبو بكر بن داود الظَّاهري يَرويه بالفتْح نصبًا على الظَّرف، أي: أنا طُول الدَّهر بيَدي الأَمرُ، وكان. يقول: لو كان مَضمومَ الرَّاء لصار اسمًا من أسماء الله تعالى. ولكنَّ ما قالَه ليس بلازمٍ؛ لمَا سبَق لا سيَّما على رواية: (فإنَّ الله هو الدَّهر). وقد جوَّزَ النَّصب جماعةٌ منهم: النَّحَّاس، وقال (ع): نصَبه بعضُهم على الاختصاص، والظَّرف أَصحُّ. * * * 46 - الأَحقَاف (سورة الأَحقاف) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تُفِيضُونَ}: تَقُولُونَ. وَقَالَ بَعضُهُم: أثَرَةٍ وَأُثرَة وَأثَارَةٍ: بقِيَّةُ عِلْم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}: لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَرَأَيْتُمْ}: هذِهِ الأَلِفُ إِنَّمَا هِيَ تَوَعُّدٌ، إِنْ صَحَّ مَا تَدَّعُونَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: {أَرَأَيْتُمْ} بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ: أتعْلَمُونَ، أَبَلَغَكُم أَنَّ مَا تَدعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ خَلَقُوا شَيْئًا؟ {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ

قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إلا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (إثرة وأثرة وإثارة)؛ أي: أثرة، بفتح الهمزة وكسرها، وكذا: أَثارة. (بدعًا)؛ أي: لستُ بأوَّل الرُّسُل. قال بعض الأئمة: هذه السُّورة مكيةٌ مُحكمةٌ إلا آيتَين: هذه، و {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9]، قالوا: ليس في كتاب الله تعالى من المَنسوخ آيةٌ ثبتَ حُكمها كهذه الآية، ثبتتْ ستَّة عشَر سنةً، وناسخُها أوَّل سُورة الفتْح. قال (ش): وممن نصَّ على أنَّ ذلك ناسخَها الشافعيُّ في "أحكام القرَآن". * * * 4827 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهكَ، قَالَ: كانَ مَرْوَانُ عَلَى الْحِجَازِ، اسْتَعمَلَهُ مُعَاوِيَةُ، فَخَطَبَ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، لِكَيْ يُبَايعَ لَهُ بعدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا، فَقَالَ: خُذُوهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ، فَلَم يَقْدِرُوا، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي}، فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءَ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنَّ الله أَنْزَلَ عُذْرِي.

{فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم}

(مروان)؛ أى: ابن الحَكَم -بفتح الكاف- الأُمَوي. (شيئًا)، قيل: إنَّه قال: بَينَنا وبينَكم ثلاثٌ: تُوفِّي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكرٍ، وعمر، ولم يَعهدُوا. (فلم يقدروا)؛ أي: على أَخْذه إعْظامًا لحُجْرة عائشة رضي الله عنها. (أنزل فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ} [الأحقاف: 17]) الصَّحيح أنَّها نزَلتْ في الكافِر العاقِّ، ولا يَجوز أنْ يُقال: نَزلتْ في عبد الرَّحمن بن أبي بَكْر؛ لأنَّ الله تعالى قال: {(17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ} [الأحقاف: 18]، وعبدُ الرَّحمن مِن خِيَار المُسلمين. (ما أنزل الله فينا شيئًا)؛ أي: بَني أبي بَكْرٍ، وأما أبو بكر فنَزل فيه: {ثَاني اثنين} [التوبة: 40]. * * * {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {عَارِضٌ}: السَّحَابُ. (باب: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} [الأحقاف: 24]) 4828 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمرو: أَنَّ أَبَا

النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهوَاتِهِ، إنَّمَا كَانَ يتبَسَّمُ. 4829 - قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا؛ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهية؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيح، وَقَد رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ، فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ". (لهواته) جَمْع: لَهاةٍ، وهي اللَّحمة الحَمْراء المُعلَّقة في أَعلى الحنَك. (وقد رأى قوم) هم السَّابقون الذين قالوا: هذا عارِضٌ مُمطِرنا، وقولهم: إنَّ النكَرة إذا أُعيدتْ يكون الثاني غيرَ الأول مَحلُّه حيث لا قَرينةَ على الاتحاد، وإلا فهو كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، ولئِنْ قُلْنا باطِّراد القاعدة فيحتمل أنَّ عادًا قَومان: قومٌ بالأَحقاف، أي: بالرِّمال، وهم أصحاب العارِض، وقومٌ غيرُهم. * * *

47 - الذين كفروا

47 - الذِينِ كَفَرُوا (سورة {الذين كفروا} [محمد:1]) {أوزَارَها}: آَثَامها حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مُسْلِمٌ. {عَرَّفَها}: بَيَّنَها. وَقَالَ مُجَاهدٌ: {مولى الذين آمنوا}: وليُّهم. {عَزَمَ الأمرُ}: جَدَّ الأمْرُ. {فَلَا تَهِنُوا}: لَا تَضْعُفُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَضْغانهم}: حَسَدَهُم. {آسِنٍ}: مُتَغَيِّرٍ. قوله: (آثامها)؛ أي: حتى لا يَبقَى في الدُّنيا إلا مسلمٌ. قال (ش): قال السَّفَاقُسي: لم يَذكر هذا التَّفسير أحدٌ غيرُه، والمَعروف السِّلاح، وقيل: حتى يَنزل عِيْسى بن مَريم، ووجدتُ بخط البيَّاسي الحافظ قال: وجدتُ بخطِّ ابن قُرْقُول: هذا التَّفسير يَحتاج إلى تفسير، وذلك أنَّ الحربَ لا آثامَ لها فتُوضَع، فلعلَّه كما قال الفَرَّاء: آثامُ أهلها المُجاهدين، ثم حُذف المُضاف، وأُبقي المضاف إليه، أو كما قال ابن النَّحَّاس: حتى تضَع [الحرب] أهلَ الآَثام فلا يَبقى مُشركٌ، وكذا قاله (ع). وقال: قال الفَرَّاء: الهاء في: (أَوزارَها) عائدٌ على أهل الحَرْب، أي: آثامَهم، ويحتمل أن تعود على الحرْب، أوزارها: سِلاحُها. * * *

باب: {وتقطعوا أرحامكم}

{وَتُقَطِّعُوَا أَرحَامَكُمْ} (باب: {وَتُقَطِّعُوَا أَرحَامَكُم} [محمد: 22]) 4830 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ. قَالَتْ: هذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أصلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ! قَالَ: فَذَاكِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤا إِنْ شِئتمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}. 4831 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمزَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي أبو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بهذَا، ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: اقْرَؤا إِنْ شِئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ}. 4832 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي الْمُزَرَّدِ بِهذَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاقْرَؤُا إِنْ شِئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ}. الحديث الأول، والثاني، والثالث: (فرغ)؛ أي: قضاه، وأتَمَّه.

(الرحم)؛ أي: القَرابة. (فأخذت بحَقْوي الرحمن) بفتح المهملة، وسُكون القاف، وبالواو: الإِزَار، والخَضر: مَشَدُّ الإِزَار. قال (ش): كذا عند ابن السَّكَن، وسقَط قوله: (بحِقْوَي الرَّحمن) مرةً من بعض النُّسَخ. قال القَابِسِيُّ: أبَى أبو زَيدٍ أنْ يقرأَ لنا هذا الحَرْف لإشْكاله، قال: وهو ثابتٌ لكنْ مع تَنْزيه الله تعالى، وقيل: المُراد: أخذتْ بقائمةٍ من قوائم العَرْش. (مَهْ)؛ أي: اكفُف، وهو اسم فِعلٍ، وقال ابن مالك: وهي هنا (ما) الاستفهامية، حُذفت ألفها، ووقف عليها بهاء السَّكت. قال: والشائع أن لا يُفعَل بها ذلك إلا وهي مَجرورةٌ، ومِن استعمالها غيرَ مجرورةٍ قول ابن أَبي ذِئْب: قَدمتُ المَدينة، ولأَهلها ضَجيجٌ بالبُكاء كضَجيجِ الحَجيج أَهلُّوا بالإِحْرام، فقلتُ: مَهْ، فقِيل لي: تُوفِّي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. والحديث من المُتشابه، ففيه طريقتَا التَّفويض والتَّأويل. قال البَيْضاوي: لمَّا كان مِن عادة المُستجِيْر أنْ يَأخُذ بذَيلِ المُستَجار به، أو بطَرَفِ رِدائه، وإزارِه، ورُبَّما أخَذ بحِقْوَي إزاره مبالغةً في الاستِجارة، فكأنَّه يُشير إلى أن يَحرسَه، ويَذبَّ عنه ما يُؤذيه كما يَحرُس ما تَحت إزاره، ويَذبُّ عنه، كأنَّه لاصِقٌ به، لا يَنفكُّ، استُعير ذلك

للرَّحِم كما يُقال: نَمنَعُه مما نَمنعَ منه أُزُرنا، فاستَعاذ بالله من القَطيعة. وقال الطِّيْبيُّ: هذا القَول مبنيٌّ على الاستعارة التمثيلية، شبَّه حالَ الرَّحِم وافتقارَها إلى الصِّلة بحال مُستجيرٍ يأخُذ بحِقْوَي المُستجارِ به، أو هي مَكنيَّةٌ بأَنْ يُشبَّه الرَّحم بانسانٍ مُستَجير بمن يذبُّ عنه ما يُؤذيه، ثم أُسنِد على سبيل الاستِعارَة التَّخييلية ما هو لازمُ المُشبَّه به من القِيام؛ لتكون قرينةً مانعةً عن إرادة الحقيقة، ثم رُشِّحت الاستعارةُ بالقَول، والأَخْذ، ولفْظ: (بحِقْوَي الرَّحمن) استعارةٌ أُخرى. قال (ك): وتَثْنية (حِقْو) للتأْكيد؛ لأنَّ الأَخْذ باليدَين آكَدُ في الاستِجارة من الأَخْذ باليد الواحدة. قال (ن): الرَّحم معنًى من المَعاني لا يَتأتَّى منه القيام، ولا الكلام، فالمُراد تعظيم شأنها، وفَضيلةُ واصِلِها، وإثْم قاطِعها. قال: ولا خِلافَ أنَّ صِلةَ الرَّحم واجبةٌ في الجُملة، وقطيعتها معصيةٌ، والصِّلة دَرَجاتٌ بعضها أرفَعُ من بعضٍ، وأدناها صِلَتُها بالكلام ولو بالسَّلام، ويختلف ذلك بالقُدرة، والحاجَة. واختُلف في حَدِّ الرَّحِم، فقيل: المَحارِم، وقيل: عامٌّ في كل مَحرَمٍ من ذَوي الأرحام في المِيْراث. (هذا) الإشارةُ للمَقام، أي: قِيامِي هذا قِيامُ العائذ بكَ من قَطيعة الرَّحم، ووصْلُ الله هو إيْصال الرَّحمة إليه، وقطْعها قَطْعه. * * *

48 - سورة الفتح

48 - سورة الْفَتحِ (سورة الفتح) وَقَالَ مُجَاهِد: {سِيمَاهُم فِي وجُوههم}: السَّحْنَةُ. وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: التَّوَاضُعُ. {شَطْئَهُ}: فِرَاخَهُ. {فَاستَغلَظَ}: غَلُظَ. {سُوقه}: السَّاقُ: حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ. وَيُقَالُ: دائِرَةُ السَّوْءِ، كقَوْلكَ: رَجُلُ السَّوْءِ. وَ {دائرةُ السوء}: الْعَذَابُ. {تُعَزِّرُوهُ}: تنصُرُوهُ. {شطئه}: شَطْءُ السُّنْبُلِ، تُنْبِتُ الْحَبَّةُ عَشْرًا أَوْ ثَمَانِيًا وَسَبْعًا، فَيَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فآزره}: قَوَّاهُ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقم عَلَى سَاقٍ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ خَرَجَ وحْدَهُ، ثُمَّ قَوَّاهُ بِأَصحَابِهِ، كمَا قَوَّى الْحَبّة بِمَا يَنْبُتُ مِنْها. قوله: (السحنة) بفتح المهملة الثانية وسكونها، وبالنون: الهيئَة. وقال (ش): إنَّه بكسر السين، وسُكون الحاء المهملة، كذا قيَّده أبو ذَرٍّ، وقيده الأَصِيْلِي وابن السَّكَن بفتح السين، والحاء معًا. قال (ع): وهو الصَّواب عند أهل اللغة، وهو لِيْن البشَرة، والنِّعمة في المَنْظَر، وقيل: الحال. قال: وعند القَابِسِيِّ، وعَبْدُوس في تفسير: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29]، السجدة، يُريد أثَرَها في الوَجْه، وهي السِّيْماء، وعند النَّسَفي: السِّحْنة.

{إنا فتحنا لك فتحا مبينا}

وجَوَّز العُكْبَري فتح السين والحاء، وفتح السِّين وإسكان الحاء، وفسَّرها باللَّون لَون الوَجْه. * * * {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (باب: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]) 4833 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسِيرُ فِي بَغضِ أَسْفَارِ؛، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَألهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْء، فَلَمْ يُجبْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ سَألهُ فَلَم يُجبْهُ، ثُمَّ سَألهُ فُلم يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ! نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ تَقَدَّمتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ الْقرآنُ، فَمَا نشَبْتُ أَنْ سَمعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، فَقُلْتُ: لَقَد خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نزَلَ فِيَّ قرآنٌ، فَجئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "لَقَد أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"، ثُمَّ قَرَأَ: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}. الحديث الأول: (عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) صورتُه مُرسَلٌ؛ لأنَّ أسلَم تابعيٌّ. قال القَابِسِيُّ: لكن قوله في الحديث: (قال عُمر: فَحرَّكتُ

بَعيْري)، إلى آخِره يُبيِّن أنْ أَسلَم رواه عن عُمر. (ثَكِلت) بكسر الكاف: هو فَقْد المَرأةِ ولدَها، دعَا على نفْسه حيث ألحَّ ولم يُجبْه. (نزرت) بنونٍ، وزايٍ مخفَّفة ومشددةٍ، وراءٍ، أي: ألحَحْتَ عليه، وبالغْتَ، والتخفيف هو المعروف، قاله ابن فارس، و (خ). وقال الداوُدي: قلَّلتَ كلامَه؛ إذ سألتَه فيما لا يحب أن يُجيبَ فيه. (نَشِبت) بكسر المعجمة، أي: لبِثْتُ. (أحب إليّ)؛ أي: لمَا فيه مِن مَفْغرته ما تقدَّم، وما تأخَّر، والنَّصر، والفتْح، وإتمام البَيعة، وغيرها مِن رِضَا الله تعالى عن أصحاب الشَّجَرة، ونحوها، وإنَّما سَمَّى الحُديبية فتْحًا؛ لأنه لمَّا قال رجلٌ من أصحابه: ما هذا بفتْحٍ، قال له - صلى الله عليه وسلم -: "بِئْسَ ما قُلتَ؛ بل هو أعظَمُ الفَتْحِ، رَضِيَ المُشرِكُون أنْ يَدفَعُوكم عَن بلادِهم بالرَّاحَةِ، ويَسألوكُم الصُّلْح، وَيرغبوا إليكُم في الإِمارة". * * * 4834 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ: سَمِعتُ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ. 4835 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ

{ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما}

سُورَةَ الْفَتْح، فَرَجَّعَ فِيها. قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَحكِيَ لَكُم قِرَاءَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لَفَعَلْتُ. الثاني، والثالث: (فرجع) بتشديد الجيم: هو ترديد الصَّوت في الحَلْق كقراءة أَصحاب الألحان. * * * {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (باب: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: 2]) 4836 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ: أَنَّهُ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأَخَّرَ؟ قَالَ: "أفلَا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟! " 4837 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحيَى، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، سَمِعَ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تتفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هذَا يَا رَسُولَ اللهِ! وَقَد غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ

{إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}

ذَنْبِكَ وَمَا تأخَّرَ؟ قَالَ: "أفلاَ أُحِبُّ أَنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟ "، فَلَمَّا كثُرَ لَحْمُهُ، صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكعَ قَامَ، فَقَرَأَ ثُمَّ ركعَ. الحديث الأول، والثاني: (كثر لحمه) أنكَره الدَّاوُدي، وقال: المَحفُوظ: فلمَّا بَدَن، يعني: كَبِر، وهو مُحتمِلٌ لكثْرة اللَّحم، فكأنَّ راويهِ تأَوَّلَه على هذا، وفيما قالَه نظَرٌ. (قام)؛ أي: في صلاة اللَّيل. * * * {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (باب: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الفتح: 8]) 4838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرِو بْنِ الْعَاص - رضي الله عنهما -: أَنَّ هذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ: يَا أيُّها النَّبِيُّ! إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ، وَلَا يَنفَعُ السَّيئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعفُو وَيَصفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، فَيَفْتَحَ بِها أَعْيُنًا عُميًا، وَآذَانًا

{هو الذي أنزل السكينة}

صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. (عبد الله) قيل: إما ابن رَجاء، وإما ابن صَالح. (وحرزًا) هو المَوضع الحَصِيْن، ويُسمَّى التَّعويذ حِرْزًا. (للأُميين)؛ أي: العرَب، قال - صلى الله عليه وسلم -: "نَحنُ أُمةٌ أُميةٌ، لا نكَتُب، ولا نَحسُب". (ليس بفظ) من الالتِفات إلى الغَيبة، والفَظُّ هو الخَشِنُ الخُلُقِ، قال تعالى: {وَلَو كُنتَ فَظًّا} الآية [آل عمران: 159]، وأما: {وَاغْلُظْ عليهم} [التوبة: 73]؛ فهو مع الكُفَّار، وذاك مع المُسلمين كما قال تعالى: {رُحَمَاَءُ بَينَهُم} [الفتح: 29]، أو أنَّ ذلك بالمُعالجة والتَّكلُّف، ومعناه: ليس مِن صِفَته الغِلْظة، ولا مِن خلُقه وعادته. (غليظ) صِفَةٌ مُشبَّهةٌ تدلُّ على الثُّبوت، أو صِيغةُ مبالغةٍ. (ولا سخاب) السَّخَب بمهملةٍ، ثم معجمة: الصِّياح. ومرَّ في (البيع)، في (باب: السَّخَب في الأسواق). قال (ع): ويُقال بالصاد وبالسين، والأول أشهر. * * * {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} (باب: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 4]) 4839 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي

{إذ يبايعونك تحت الشجرة}

إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ، وَفَرَسٌ لَهُ مرْبُوطٌ فِي الدَّارِ، فَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ، فَنَظَرَ، فَلَم يَرَ شَيْئًا، وَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أصْبَحَ، ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "تِلْكَ السَّكِينَةُ تنزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ". (رجل) هو أُسَيد بن حُضَير، كان من أحسَن الناس صَوتًا بالقرآن. (تنفر) بالفاء والراء، وفي بعضها بالقاف والزاي، مِن النَّقْر، وهو الوُثوب. (السكينة) المُختار في تفسيرها أنَّها شيءٌ من مَخلوقات الله تعالى فيه طُمأنينة ورحمةٌ، ومعه الملائكة. * * * {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (باب: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]) 4840 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ألفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. 4841 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ قتادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنيِّ:

إِنِّي مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ، نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَذْفِ. 4842 - وَعَنْ عُقْبةَ بْنِ صُهْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنيِّ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ. 4843 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَليدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ - رضي الله عنه -: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ. الحديث الأول، والثاني: (علي) قال الكَلابَاذِي: هو ابن سلَمَة اللَّبقي. (الخذف) بمعجمتين: الرَّمي بالحصَا بالأَصابع. (في البول في المغتسل) كذا لجَميعِهم، وعند الأَصِيْلِي فيه زيادةٌ: (يأْخُذ منه الوَسْواس)، وكذا أخرجَه أصحابُ السُّنَن الأربعة مرفوعًا، وقال التِّرْمِذي: غريبٌ، وقال الحاكم: على شَرْط الشَّيخين، ولم يُخرجاه. * * * 4844 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ إسْحَاقَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا يعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْألهُ، فَقَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُدعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعمْ. فَقَالَ سَهْلُ بْنُ

حُنَيْفٍ: اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُم، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ -يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُشْرِكِينَ- وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: ألسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُم فِي النَّارِ؟ قَالَ: "بَلَى". قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيّة فِي دِيننَا؟ وَنرْجِعُ، وَلَمَّا يَحكُم اللهُ بَيْنَنَا؟ فَقَالَ: "يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أَبَدًا"، فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا، فَلَم يَصْبرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا. فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْح. الثالث: (بِصِفّين) بكسر المهملة، والفاء المشدَّدة: بُقعةٌ بقُرب الفُرات، بها وَقْعةُ عليٍّ ومعاوية. ({ألم تَرَ إلَى الَّذَين}) {أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} [آل عمران: 23]، هكذا التلاوة، وغرَضه أنَّ الله تعالى قال في كتابه: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} [الحجرات: 9]. (سهل بن حنيف) كان يُتَّهمُ بالتقصير في القِتال، فقال: اتَّهِمُوا أنفُسَكم؛ فإني لا أُقصِّر، وما كنتُ مقصِّرًا وقْت الحاجة كما في يوم الحُديبِيَة، فإنِّي رأَيتُ نفْسي يومئذٍ بحيث لو قدَرتُ على مُخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتَلتُ قتالًا عَظيمًا، لكن اليَوم لا نرَى مصلحةً في

49 - الحجرات

القِتال؛ بل التوقُّف أَولى لمَصلحة المُسلمين، وأما الإنْكار على التَّحكيم إذْ ليس ذلك في كتاب الله، فقال علي كتابه: لكنَّ المُتكبِّرين هم الذين عدَلوا عن كتاب الله؛ لأنَّ المُجتهِد لمَّا أدَّى ظنُّه إلى جواز التحكيم فهو حكم الله. وقال سهلٌ: اتَّهِمُوا أنفُسَكم في الإنكار؛ لأنَّا أيضًا كُنَّا كارهين لتَرْك القِتال يوم الحُديبِيَة، وقَهرَنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على الصُّلْح، وقد أعقَبَ خيرًا عظيمًا. (الدنية) بكسر النون، وتشديد الياء: الخَصْلة الرَّذيلة، وهي المُصالَحة بهذه الشُّروط التي تدلُّ على العَجْز والضَّعف. ومرَّ الحديث آخر (الجهاد). * * * 49 - الْحُجُرَاتِ (سورة الحُجُرات) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لا تقدموا}: لَا تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ عَلَى لِسَانِهِ. {امْتَحَنَ}: أَخْلَصَ. {تنابَزوا}: يُدعَى بِالْكُفْرِ بعْدَ الإسْلاَمِ. {يَلِتْكُمْ}: يَنْقُصْكُم، ألتْنَا: نَقَصْنَا. قوله: (لا تقدموا: لا تفتاتوا)؛ أي: لا تَسبِقُوا، والظَّاهر أن

{لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية

هذا التفسير على قراءة ابن عبَّاس: (تَقدَّموا)، بفتح المثنَّاة، والدال، وكذا قيَّده البيَّاسي بخطِّه. * * * {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية {تشعرون}: تَعلَمُونَ، وَمِنْهُ: الشَّاعِرُ. (باب: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2]) 4845 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا؛ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما -، رَفَعَا أَصوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ ركبُ بَنِي تَمِيمٍ، فأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ -قَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدتَ إِلَّا خِلاَفِي، قَالَ: مَا أَرَدتُ خِلاَفَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {ياأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآيَةَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ هذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، وَلَم يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ؛ يعْنِي: أَبَا بَكْرٍ. الحديث الأول: (يهلكا) قال السَّفَاقُسي: كذا وقَع بغير نونٍ، وكأنَّه نُصب بتقدير (أن) ورواه بعضهم: (أنْ يَهلِكانِ)، قال (ك): حذْف النُّون بلا

ناصبٍ وجازمٍ لغةٌ، وهو بكسر اللام على الأشهر. وهذا الحديث صريحٌ في أنَّ سبَب الآية كلامُ الشَّيخين. وقال ابن عَطِيَّة: الصَّحيح أنه كَلام جُفاة الأَعراب، ولهذا تكلَّم السَّفَاقُسي في هذا الحديث، وقال: إنَّه ليس بمتصِلٍ، لأنَّ البُخاريَّ لم يذكُره عن ابن الزُّبَير، إنما ذكَر في آخره عن ابن الزُّبَير، فما كان عُمر يُسْمعُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ هذه الآيةِ حتى يَستفهمَه. قال (ش): لكنَّ الطَّريق الأُخرى كما سيَذكُره البخاري صرَّحتْ بأن عبد الله بن الزُّبَير هو الذي أخبَر ابن أبي مُلَيكة بذلك. (فأشار أحدهما) هو عُمر - رضي الله عنه -، أي: أشارَ بأنَّ تفويض الإمارة منوطٌ (بالأقْرَع) بقافٍ، وراءٍ مهملةٍ، (ابن حَابِس) بمهملتين، وموحَّدةٍ مكسورةٍ. (مُجاشع) بجيمٍ، ومعجمةٍ، ومهملةٍ. (برجل آخر) هو القَعْقَاع، بفتح القافين، وسُكون المهملة الأُولى، أي: أشارَ أبو بكر - رضي الله عنه - بالتفويض إليه. (عن أبيه) يُريد جَدَّه، فأَطلَق على (¬1) الجد أبًا، وإنما أبوه الحقيقي الزُّبَير، ولكن أُمَّ عبد الله أسماءُ بنت أبي بكْر. * * * ¬

_ (¬1) "على" ليس في الأصل.

4846 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهرُ بْنُ سَعدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنسٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا أعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأتاهُ، فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ. كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: "اذْهبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". الثاني: (أنا أعلم لك علمه) إنْ قيل: القِياس: أنا أَعلَم لك حالَه؛ قيل: هو مصدرٌ مضافٌ إلى المَفعول، أي: أَعلَمُ لأجلِكَ علْمًا متعلِّقًا به. (من أهل الجنة) عُلم بذلك أنَّ العشَرة ليس حَصْرًا، أو أن العشرة أُتِيَ فيهم بلفْظ بشِّرْهُ بالجنَّة، أو أنَّهم مُبشَّرون بالجنَّة دفعةً واحدةً في مجلسٍ واحدٍ، ولا بُدَّ من التأْويل؛ إذ أزواجُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفاطمةُ، والحسَنان، ونَحوهم من أهل الجنَّة إجماعًا. * * *

{إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}

{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (باب: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: 4]) 4847 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ: أنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَى -أَوْ إِلَّا- خِلاَفِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فتمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} حَتَّى انْقَضَتِ الآيَةُ. {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}. (إلا خلافي)؛ أي: مُخالفةَ قَولي، وفي بعضها: (ما أَردتَ إلى خِلافِي؟)، أيَّ شيءٍ قصَدتَ مُنتهيًا إلى مُخالفتي؟. (فتماريا)؛ أي: تخاصَما. * * * 50 - سورَةُ ق (سورة ق) {رَجْعٌ بَعِيدٌ}: رَدٌّ. {فُرُوجٍ}: فُتُوقٍ، وَاحِدُهَا: فَرْجٌ. وَرِيدٌ:

فِي حَلْقِهِ، الْحَبْلُ: حَبْلُ الْعَاتِقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَا تنقُصُ الأرضُ}: مِنْ عِظَامِهم، {تبصرةً}: بَصِيرَةً. {وَحبَّ الْحَصِيدِ}: الْحِنْطَةُ. {بَاسِقاتٍ}: الطِّوَالُ. {أَفَعَيينَا}: أفأعْيَا عَلَيْنَا. {وَقَالَ قَريِنُهُ}: الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ. {فَنَقَّبُوا}: ضَرَبُوا. {أو أَلْقَى السَّمْعَ}: لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ حِينَ أَنْشَأكمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُم. {رقيبٌ عتيدٌ}: رَصدٌ. {سائق وشهيدٌ}: الْمَلَكَانِ؛ كاتبٌ؛ وَشَهِيدٌ. {شَهِيدٌ}: شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ. {لُغُوبٍ}: النَّصَبُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {نَضِيدٌ}: الْكُفُرَّى مَا دامَ فِي أكمَامِهِ، وَمَعْنَاهُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أكمَامِهِ، فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ. فِي (أَدبَارِ النُّجُومِ) وَ {وَإدبار السجود}، كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ الَّتِي فِي (ق) وَبَكْسِرُ الَّتِي فِي (الطُّورِ)، وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا ويُنْصَبَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (يَوْمَ الْخُرُوجِ): يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ. قوله: (وريداه في حبله) ويُروى: (في حَلْقه). (من عظامهم) كذا لأبي ذَرٍّ، وهو الصَّواب، وعند القَابِسِي: (من أَعظامهم)، وقيل: من أجسامهم. (الكُفرّى) بضم الكاف وفتحها، وتشديد الراء، وبالقصر: الطَّلْع الذي في الكُمِّ. (بفتح التي في ق)؛ أي: بفتح الهمزة: جمع: دُبُر.

{وتقول هل من مزيد}

(وبكسر التي في الطور) أي: مَصدرًا. (وينصبان)؛ أي: يُفتحان، وبعضُهم يُعبِّر عن الفتح بالنَّصب، وبالعكس، والقُرَّاء السَّبْعة متفِقون على كسر ما في (الطُّور)، ففتْحها من الشَّواذِّ. * * * {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (باب: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]) 4848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شعْبةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُلْقَى فِي النَّارِ، وَتَقُولُ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟} حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ، فتقُولُ: قَطِ قَط". الحديث الأول: (قدمه) هذا من مَشاهير أحاديث الصِّفات المُشْكِلة. قال (ن): والعُلَماء فيه على مَذْهبين: التَّفويض، والتَّأويل، فقيل: المُراد بالقَدَم المُتقدِّم، أي: يضَع اللهُ تعالى فيها مَن قَدَّمَه لها من أهل العذَاب، أو قَدَمَ بعض المَخلوقين، فيَعود الضمير في قدَمه إلى المَخلوق المَعلوم، أو هناك مَخلوق اسمه القَدَم. قال: وأما الرِّجْل فيجوز أنْ يُريد به الجَماعة من النَّاس كما يقال: رِجْلٌ من جَرادٍ، أي: قطعةٌ منه.

وقال (خ): ومثْل هذه الأسماء يُراد بها إثْبات معانٍ، لا حَظَّ لظاهر الأَسماء فيها من طَريق الحقيقة كما يُراد بوَضْع القَدَم والرِّجل عليها نَوعٌ من الزَّجْر لها والتَّسكين، كما يقول القائل لشيءٍ يُريد مَحوَه وإبطالَه: جعَلتُه تَحتَ رِجْلي، ووضَعتُه تحت قدَمي ونحوه، فالمُراد تَذليل جهنَّم عند طُغيانها، وقَولها: هل مِن مَزيدٍ؟. قال (ك): ويَحتمل أنْ يعود الضَّمير إلى المَزيد، ويُراد بالقَدَم الآخِر؛ لأنَّه آخِر الأعضاء، أي: حتى يضَع اللهُ آخِرَ أهل النَّار فيها. (قط قط) بالتَّخفيف والسُّكون، وبكسر القاف، ويُروى: (قَطْنِي، قَطْنِي)، و (قَطِي قَطِي)، ومعنى الكُلِّ: حَسْبي، وكَفاني، قاله (ع). وقال السَّفَاقُسي: فيه رواياتٌ: فتْح القاف وسُكون الطَّاء، وفتْح القاف وكسر الطاء من غير تنوينٍ، وفتح القاف وكسر الطَّاء بالتَّنوين، فهذه ثلاث لُغاتٌ مع فتْح القاف، والرَّابعة بكسر القاف، وسُكون الطَّاء، وقيل: إنَّ (قَطِ): صوتُ جهنَّم. * * * 4849 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِميَرِيُّ سَعِيدُ بْنُ يَحيَى بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ -وَأكثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبو سُفْيَانَ-: "يُقَالُ لِجَهنَّمَ: هلِ امتَلأْتِ؟ وَتَقُولُ: هلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ

عَلَيْها، فتقُولُ: قَطِ قَطِ". الثاني: (رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان)؛ أي: إنَّه لم يَرفَع الحديث مرَّةً، ورفَعَه أُخرى. وقوله: (يُوقفُه)، كذا وقَع رُباعيًّا، والمَشهور: وقَف يَقِفُ، فيحتَمل أنْ يكون رفعَه ثم لم يَرفعْه. ولهذا أسقَطَها الأَصِيْلِي، وتَرَك موضعَها بَياضًا كراهةً لروايتها، وقد رُوي كراهيةُ ذلك عن مالك. قال (خ): أُضيف القَدَمُ في رواية أبي هريرة إلى الله تعالى، إلا أنَّ الرَّاوي كان يقِفَه مرةً ويَرفعه أُخرى، وفي رواية أنَس رفْعه قطْعًا، ولكنْ لم يُصرِّح بإضافته إلى الله - عزَّ وجلَّ -. وحاصله: أنه إما صَرَّح بالإضافة من غير رفعٍ، وإما رفَع من غير تصريحٍ بالإضافة. * * * 4850 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُم؟ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ

وَتَعَالَى- لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحمتي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَبكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُها، فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ، فتقُولُ: قَطٍ قَطٍ قَطٍ، فَهُنَالِكَ تَمتَلِئُ، ويُزْوَى بَعْضُها إِلَى بَعض، وَلَا يَظْلِمُ اللهُ - عزَّ وجلَّ - مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ، فَإِنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يُنْشِئُ لَها خَلْقًا". الثالث: (تحاجت الجنة والنار) قال (ن): هذا الحديث على ظاهِره، وأنَّ الله تعالى يَخلق في الجنَّة والنار تَمييزًا يُدركان به، ويَقدران على الاحتِجاج. (بالمتكبرين والمتجبرين) هو مِن عطف الشَّيء على مُرادفه تأكيدًا، وقيل: بينهما فَرقٌ، فالمُتكبِّر: المُتعظِّم بما ليس فيه، والمُتجبِّر: المَمنوع الذي لا يُنال إليه، وقيل: الذي لا يَكتَرثُ بأمرٍ. (وسقطهم) بفتح المهملة، والقاف، أي: الضُّعَفاء المحتَقَرون السَّاقطُون عن أَعيُن النَّاس. فإنْ قيل: ما معنى الحَصْر وقد يدخُل الجنَّة غيرُ الضُّعَفاء من الأنْبياء، والمُرسَلين، والمُلوك العادلة، والعُلَماء المَشهورين؟ قيل: إما باعتبار الأَغلَب، أو أنَّ المُراد بالضَّعيف السَّاقِط هو الخاضع لله، المُذِلُّ نَفْسَهُ لله تعالى، المُتواضع للخَلْق، ضِدُّ المُتكبِّر المُتجبِّر.

{وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}

قال (ن): في الحديث دليلٌ على أنَّ الثَّواب ليس موقوفًا على العمَل كما يحصُل للأطفال. * * * {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (باب: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} الآية) قال (ك): أما لفْظ: (فسَبِّح) فهو بالواو لا بالفاء، والمُناسِب للسُّورة: وقبْل الغُروب، لا غُروبها. 4851 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ: "إِنَّكم سَتَرَوْنَ رَبَّكُم كَمَا تَرَوْنَ هذَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعتُم أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَقَبْلَ غُرُوبها، فَافْعَلُوا"، ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}. الحديث الأول: (لا تضامون) بإعجام الضاد، وتخفيف الميم من الضَّيم، وتشديدها من الضَّمِّ، أي: لا يَظلِمُ بعضُكم (¬1) بعضًا بأنْ يَستأثِرَ به ¬

_ (¬1) "بعضكم" ليس في الأصل.

51 - والذاريات

دُونه، أو لا يُزاحِم ويُغضِبُ. وسبقت مباحث في الحديث في (كتاب مواقيت الصلاة). (فسبح) التلاوة: {وَسَبِّح} [ق: 39]. * * * 51 - وَالذَّارياتِ (سورة والذَّارِياتِ) قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: الرِّيَاحُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَذْرُوهُ: تُفَرِّقُهُ. {فِي أَنْفُسِكُمْ}: تأكُلُ وَتَشْرَبُ فِي مَدخَلٍ وَاحِدٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ. {فَرَاغَ}: فَرَجَعَ. {فصكَّت}: فَجَمَعَتْ أَصَابِعَها، فَضَرَبَتْ جَبْهتَها. وَالرَّمِيمُ: نَبَاتُ الأَرضِ إِذَا يبس وَدِيسَ. {لَمُوسِعُونَ} أَي: لَذُو سَعَةٍ، وَكَذَلِكَ {على الموسع قدره}؛ يَعْنِي: الْقَوِيَّ. {زَوجين}: الذَّكَرَ وَالأُنْثَى، وَاخْتِلاَفُ الألوَانِ؛ حُلْوٌ وَحَامِضٌ، فَهُمَا زَوْجَانِ. {ففروا}: مِنَ اللهِ إِلَيْهِ. {إلًا ليعبُدُونِ}: مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادة مِنْ أَهْلِ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ، وَقَالَ بَعضُهُم: خَلَقَهُم لِيَفْعَلُوا، فَفَعَلَ بعضٌ، وَتَرَكَ بَعْضٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ الْقَدَرِ، وَالذَّنوُبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صَرَّةٍ}: صَيْحَةٍ. {ذنوبًا}: سبِيلًا. {العَقِيمَ}: الَّتِي لَا تَلِدُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْحُبُكُ: اسْتِوَاؤُها وَحُسْنها. {في غَمْرَةٍ}: فِي

ضَلاَلَتِهم يتمَادَوْنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَوَاصَوْا: تَوَاطَؤُا، وَقَالَ: {مُسَوَّمَةً}: مُعَلَّمَةً مِنَ السِّيمَا. قوله: (قال عليّ)؛ أي: ابن أبي طالب - رضي الله عنه -، أسنَده عبد الرَّزَّاق في "تفسيره": سُئِل، فقال: الذَّارِيَات: الرِّياح، الحامِلات السَّحَاب، فالجَارِيَات: السُّفُن، فالمُقسِّمات: المَلائكة، وقال الحاكم: صحيحٌ على شَرْط الشَّيخين. (موضعين)؛ أي: القُبُل والدُّبُر. (وديس) من الدَّوْس، وهو الوَطْءُ بالرِّجْل. (ففروا)؛ أي: من معصية الله إلى طاعتهِ. (ليوحدون) إنما خصَّهم بالسُّعداء، وفسَّر العبادةَ بالتَّوحيد؛ لتَظْهر المُلازَمة بين العِلَّة والمَعلُول. (لأهل القدر)؛ أي: المُعتزلة احتَجُّوا به على أنَّ إرادةَ الله لا تتعلَّق إلا بالخَير، والشَّرُّ ليس مُرادًا له، فقال البُخاري: لا يَلزم من كَون الشَّيء مُعلَّلًا بشيءٍ أنْ يكون الشَّيء الذي هو العِلَّة مُرادًا، أو لا يكون غيره مُرادًا. ويحتمل أنَّ مُراده أنَّهم يَحتجُّون به على أنَّ أفعال الله تعالى لا بُدَّ أن تكون معلَّلةً، فقال: لا يَلزم من وُقوع التَّعليل وُجوبُه، ونحن نقول: يَجوز التَّعليل، أو على أنَّ أفعال العِباد مَخلوقةٌ لهم لإسناد

52 - والطور

العِبادة إليهم، فقال: لا حُجَّةَ لهم فيه؛ لأنَ الإسناد من جهة الكَسْب، وكَون العبْد مَحلًّا لها. قال (ش): وهذا يدلُّ على إِمامة البخاري في عِلْم الكَلام، وذُكر للآية تأْويلان: أحدهما: أن اللَّفظ عامٌّ، والمراد خاصٌّ، وهم أهل السَّعادة، وكلٌّ مُيسَّرٌ لمَا خُلق له. ثانيهما: خلقَهم مُعَدِّين للعبادة كما تقول: البقَر مخلوقة للحَرْث، وقد يكون فيها ما لا يَحرُث. * * * 52 - وَالطُّورِ (سورة الطُّور) وَقَالَ قتَادَةُ: {مسطورٍ}: مَكْتُوبٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورُ: الْجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {رقٍّ مَنْشُورٍ}: صَحِيفَةٍ. {والسقف المرفوع}: سَمَاءٌ. {المسجور}: الْمُوقَدِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ مَاؤُها، فَلَا يَبقَى فِيها قَطْرَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِد: {أَلَتْنَاهُمْ}: نَقَصْنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَمُورُ}: تَدُورُ. {أحلامهم}: الْعُقُولُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {البَرُّ}: اللَّطِيفُ. {كِسْفًا}: قِطْعًا. الْمَنُونُ: الْمَوْتُ.

وَقَالَ غَيْرُ: {يتنازعون}: يتَعَاطَوْنَ. قوله: (الموقر) هي بالراء، وهي رواية أبي زيد عند الأَصِيْلِي، يُقال: سَجرتُ التَّنُّور: إذا حَميتَه، وسَجرتُ النَّهر: إذا ملأْتَه، وقال الحسَن: إذا ذهب ماؤُه، فلفْظة (سَجَرَ) مشتركةٌ بين الضِّدَّين. (أحلامهم: العقول) كَنى عن العَقْل بالحِلْم؛ لأنَّه لا يكون إلا بالعَقْل. (كسفًا: قطعًا)؛ أي: على قراءة فتْح السين كقِرْبة وقِرَب، ومَن قرأه بالسُّكون على التَّوحيد فجمعه: أَكسَاف، وكُسوف. (المنون: الموت) المَشهور في اللُّغة أنَّه حَوادِث الدَّهر، وبه فسَّره مُجاهِد، وحكى الدَّاوُدي: أنَّه جمعِ: مَنيَّة، وضُعِّف يقول الأَصمَعي: إنَّه واحدٌ لا جمْعَ له، وقول الأخْفش جميعٌ لا واحدَ له. * * * 4853 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مالكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَن زينَبَ بْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنِّي أَشتكِي، فَقَالَ: "طُوفي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ"، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُور. 4854 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثُوني عَنِ

الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هذِهِ الآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ}،كادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. قَالَ سُفْيَانُ: فَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. لَمْ أَسْمَعْهُ زَادَ الَّذِي قَالُوا لِي. (شكوت)؛ أي؛ اشتَكيتُ مرَضي. (لم أسمعه زاد)؛ أي: لم أَسمعْه زائدًا عليه، لكنَّ أصحابي حدَّثوني عنه الزَّائدَ، وهو من قوله: (فلمَّا بلَغ)، إلى آخِر الحديث. قال (خ): كان انْزعاجُه عند سَماع الآيةِ؛ لحُسن تلقِّيه مَعناها، ومعرفتِه بما تضمَّنه بَليغ الحُجَّة، واستدراكها بلَطيف طبْعه. قالوا: معناه: ليس هم أشدُّ خَلْقًا من خَلْق السَّماوات والأرض؛ لأنَّهما خُلقتا من غير شيءٍ، وهم خُلقوا من آدَم، وهو من التُّراب. والقول الآخر: أنَّ المَعنى: خُلقوا لغير شيءٍ، أي: خُلقوا باطلًا لا يُؤمَرون ولا يُنهون. قال: وهنا قولٌ ثالثٌ أجوَدُ منهما: وهو أنَّهم خُلقوا من غير خالقٍ، وذلك لا يَجوز، فلا بُدَّ له من خالقٍ، وإذا أنكَروا الإلة الخالقَ؛

53 - والنجم

أَفهُمُ الخالقون لأنفُسهم؟!، وذلك في الفَساد أكفَر، وفي البُطلان أشَدُّ، لأنَّ ما لا وجودَ له كيف يَخلُق؟!، وإذا أبطل الوَجْهان قامت الحُجَّة عليهم بأنَّ لهم خالقًا، ثم قال: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور: 36]، أي: إنْ جاز لهم أن يَدَّعوا خَلْق أنفُسكم، فليَدَّعوا خلْق السماء والأرض، وذلك لا يُمكنُهم، فالحُجَّة لازمةٌ عليهم، ثم قال: {بَلْ لَا يُوقِنُونَ}، فذكَر العِلَّة التي عاقتْهم عن الإيمان، وهي عدَم اليقين الذي هو مَوهبةٌ لهم من الله تعالى، ولا يُنالُ إلا بتَوفيقه، فلهذا انزَعجَ جُبَيرٌ حتى كاد قلْبُه يَطير، وهذا بابٌ لا يَفهمُه إلا أربابُ العُقول (¬1). * * * 53 - وَالنَّجْمِ (سورة والنَّجْم) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذوُ مِرَّةٍ): ذُو قُوَّةٍ. {قاب قوسين}: حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ. {ضِيزى}: عَوْجَاءُ. {وأكدى}: قَطَعَ عَطَاءَهُ. {رَبُّ الشِّعرَى}: هُوَ مِرْزَمُ الْجَوْزَاءِ. {اَلَذى وَفَّى}: وَفَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ. {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ}: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ. {سَامِدُون}: الْبَرْطَمَةُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يتَغَنَّوْنَ بِالْحِميَرِيَّةِ. ¬

_ (¬1) في "ف" و"ت": "القلوب".

وَقَالَ إِبْراهِيمُ: {أفتمارونه}: أفتجَادِلُونه؟ وَمَنْ قَرَأَ: (أفتمرونه)؛ يَعْنِي: أفتجْحَدُونهُ؟ {مَا زَاغَ البَصَرُ}: بَصَرُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. {وَمَا طَغَى}: وَلَا جَاوَزَ مَا رَأَى {فتمَارَوا}: كَذَّبُوا. وَقَالَ الْحَسَنُ: {إذا هَوَى}: غَابَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أغْنىَ وَأقنَى}: أَعْطَى فَأَرْضَى. قوله: (ضيزى) أصلُه بضم الضاد؛ إذ ليس في كلامهم فِعْلى بالكسر نعت، فكُسرت الضاد لتَصحَّ الياءُ كما في: بِيْضٌ. (وأكدى: قطع عطاءه) قال مُجاهد: هو الوليد بن المُغِيرة، أَعطى قليلًا، ثم قطَع عطاءَه. (مِرْزَم) بكسر الميم، وسُكون الراء، وفتح الزاي: هو الكَوكَب الذي يَطلُع وراءَ الجَوزَاء. وهما شِعرَيانِ: الغُمَيصاء مصغَّر: غَمصاء بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ، ممدودٌ، والعبور، الأوَّل في الأَسَد، والثاني في الجَوزاء، وكانت خُزاعة تَعبُد الشِّعرى العبور. وقال السَّفَاقُسي: مِرْزَم الجَوزاء هو الهنْعة؛ لأنَّ الشِّعرى كوكبٌ يُقابل الهَنْعة من جِهة القِبْلة لا يُفارقُها. (البَرْطَمة) بفتح المُوحَّدة، وسكون الراء، وفتح المهملة،

وبميمٍ، وعند الأَصِيْلِي، والقَابِسِيِّ بنُونٍ بدَل الميم، وفسَّرَه الحمُّوي في الأَصل بأنَّه ضَرْبٌ من اللَّهو. وقال الجَوْهري: هو الانتِفاخ من الغَضَب. (يتغنون)؛ أي: كانُوا إذا سَمعوا القُرآن تغنَّوا، وهي لُغة اليمَن، يقول: اُسمُدْ لنا، أي: تَغَنَّ، وقيل: السَّامِد: الحَزِيْن. (بالحِميَرية) بكسر المهملة، وسكون الميم، وفتح الياء. (أفتمارونه: أفتجادلونه) ومن قرأ: (أفتَمرُونَه)، قال: معناه: أفتَجْحَدونَه، وهما قراءتان في السَّبْع. * * * 4855 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: يَا أُمَّتَاهْ! هلْ رَأَى مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَد قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ! أَينَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ؟ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَد كَذَبَ، ثُمَّ قرأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كتَمَ، فَقَدْ كَذَبَ، ثم قَرَأَتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي صُورتهِ مَرَّتَيْنِ.

(يا أمتاه) نداءٌ بزيادة ألفٍ وهاءٍ. قال (خ): هم يقولون في النِّداء: يا أَبَه ويا أُمَّه إذا وقَفُوا، وإذا وصَلُوا قالوا: يا أَبَتِ، ويا أُمَّتِ، وإذا فتَحوا للنُّدبة، قالوا: أَبَتاهُ، ويا أُمَّتا، والهاء للوقْف. قال (ك): ليس هذا من باب النُّدبة؛ إذ ليس ذلك تفجُّعًا عليها. (قف شعري)؛ أي: اقشَعرَّ جِسْمي حتى قامَ ما عليه من الشَّعر. واعلم أن هذا منها ليس إنْكارًا لجَواز الرُّؤية مطلقًا كما تَقولُه المُعتزلة، وإنما أنْكرتْ وُقوعَها في الدّنيا، ويدلُّ على صِحَّة قولها قولُ ابن مَسعود الآتي: رأَى جِبْريلَ له ستُّ مئةِ جَناحٍ. نعَم، ما استَندتْ إليه عائشةُ أجاب عنه ابن عبَّاس لمَّا أَوردَه عليه عِكْرمة، فقال: ذاك نُوره، إذا تَجلَّى بنُوره لم يُدركْه شيءٌ. وليس في قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار} [الأنعام: 103] دليلٌ على أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَرَ ربَّه، ولا في: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]؛ لأنَّ الآيةَ دلَّت على أن البَشَر لا تَرى الله في حال التكلُّم، فنَفْيُ الرُّؤية مُقيَّدٌ بهذه الآية دُون غيرها، وإنما يكون مُخالِفًا أنْ لو قال: كلَّم الله في حالةِ الرُّؤية. وقال بعض الأئمة: ثبَتَ عن ابن عبَّاس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه، وليس ذلك مما يثبُت بالعُقول والآراء، وإنما يُدرَك من طريق النُّبوَّة. قال مَعْمر بن راشد: ما كانتْ عائشةُ عندنا بأعلَم من ابن عبَّاس،

وهي لم تَروِ ذلك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما تأَوَّلت الآيتين، وليس في واحدةٍ منهما ما يدلُّ على نفْي الرُّؤية. وقال ابن عبَّاس، وأبو ذَرٍّ، وأنسَ: إنه رآه. وذكر الحافظ أبو الشَّيْخ: أن العبَّاس بن عبد العَظيم قال: كُنَّا عند أحمد بن حَنْبَل، فتَذاكَروا ذلك، فقال أَبو تَوْبَةَ: رُوي عن ابن عبَّاس: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رأَى ربَّه بعَينِ رأْسه مَنْ شاءَ غَضِبَ، ومَن شاء رَضِيَ، وقد رُوي عن عائشة إنكارُ ذلك، فقال أبو تَوْبَة: قد صحَّ الخبَر أنه رأَى ربَّه، واختلَفوا في عَينيه، وقَلْبه، فقال أحمد: ما أَحسَن هذا. وأعجبَه ذلك. (في صورته)؛ أي: التي خُلِق فيها، وهي أنَّ له ستُّ مئةِ جَناحٍ، رآه - صلى الله عليه وسلم - كذلك مرَّتين، وفي سائر الأَوقات كان يَراه في صُورة دِحْيَة الكَلْبيِّ، وغيرِه؛ لأنَّ الملَكَ يتشكَّل بأيِّ شكلٍ أرادَ. * * * (باب: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 9]) 4856 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زِرًّا، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.

قوله (¬1): (حيث الوتر)؛ أي: القَاب: مَوضِع رَأْس الوَتَر. قال الجَوْهري: القَابُ: ما بين المِقبَض والسِّيَة، ولكلّ قَوسٍ قَابَانِ. وقيل: المراد من: {قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9] قابَا قَوسٍ، فهو مِن بابِ القَلْب. * * * (باب: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10]) 4857 - حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَولهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ: أَنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. مِن رُؤية جِبْريل له ستُّمائةِ جَناحٍ، ولا يُنافي ما سبَق من ثُبوت رُؤيته - صلى الله عليه وسلم -. قال (ن): الرَّاجِح عند أكثر العُلَماء أنَّه - صلى الله عليه وسلم - رأَى ربَّه بعَين رأْسهِ ليلةَ الإسراء، وأنَّ عائشةَ - رضي الله عنها - لم تَنْفِ الرُّؤْية بحديثٍ، ولو كان معَها حديثٌ لذَكَرتْ، إنَّما اعتَمَدت الاستِنْباطَ من القرآن، والصَّحابيُّ إذا قال قَولًا، وخالفَه غيرُه منهم لم يكُن ذلك حُجَّةً لا سِيَّما ¬

_ (¬1) يعني في أول سورة النجم.

{أفرأيتم اللات والعزى}

إذا كان لوَجْهِ استِنْباطها أجوبةٌ مذكورةٌ في مواضعها. * * * (باب: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]) 4858 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ. (رفرفًا) قيل: البِسَاط، وقيل: الفِراش، وقيل: ثَوبٌ كان لِبَاسًا له، وقيل: رَفْرَف الدِّرع ما فَضَل مِن ذَيْلها. قال (خ): تؤؤُل هذه الآيات على معنى رُؤيته جبريل - عليه السلام - - في الصُّورة التي خُلِقَ عليها، والدُّنُو منه عند المَقام الذي رُفع إليه، وتَدَلَّى: أي: جِبْريل مِن مَقال الذي جُعِلَ له الأُفُق الأَعلى، فاستَوى، أي: وقَفَ وِقْفةً، ثم تَدلَّى، أي: نَزَل حتَّى كان بَينَه وبين المَصعَد الذي رُفع إليه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - قاب قَوسين أو أَدنى فيما يَراهُ الرَّائي، ويُقدِّرُه المُقدِّر. * * * {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} (باب: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19]) 4859 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهيبِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوْزَاءِ،

عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - في قوله: {اللَّاتَ وَالْعُزَّى}: كَانَ اللَّاتُ رَجُلًا يَلُتٌّ سَوِيقَ الْحَاجِّ. الحديث الأول: (يَلتّ) بتشديد المثنَّاة، أي: يَبُلُّ، قيل: لمَّا ماتَ عكَفُوا على قَبْره يَعبُدونه، وهذا على قراءة (اللاتّ) بتشديد التاء، وأما بالتخفيف فهو اسمُ صنَمٍ لثَقيفٍ، وقيل: لقُرَيش، كما أنَّ العُزَّى لغَطَفان، وهي سَمُرةٌ، ومَنَاة لهُذَيلٍ وخُزاعةَ، وهي صخرةٌ. * * * 4860 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا معمرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيقُلْ: لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيتَصَدَّقْ". الثاني: (فليقل: لا إله إلا الله) قال (خ): اليَمين إنما تكُون بالمَعبود الذي يُعظَّم، فإذا حَلَفَ بهما فقد ضاهى الكفَّار في ذلك، فأُمر أنْ يَتداركَه بكلمة التَّوحيد المُبرِّئة من الشِّرْك. (فليتصدق)؛ أي: بشيءٍ من مالِه؛ لأَجْل ما قالَ، وقال الأَوْزاعيُّ:

{ومناة الثالثة الأخرى}

يتصدَّق بالمالِ الذي أحبَّ أنْ يُقامِر عليه. * * * {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} (باب: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 20]) 4861 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ: سَمعْتُ عُرْوَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، فَقَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهلَّ بِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَروَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، فَطَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ. قَالَ سُفْيَانُ: مَنَاةُ بِالْمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: نزَلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا همْ وَغَسَّانُ -قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا- يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، مِثْلَهُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ -وَمَنَاةُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ- قَالُوا: يَا نبِيَّ اللهِ! كنَّا لَا نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِمَنَاةَ، نَحْوَه. (أهل)؛ أي: أَحرَمَ.

{فاسجدوا لله واعبدوا}

(بمناة) بفتح الميم، (الطاغية) صفةٌ لها باعتِبار طُغْيان عَبَدتِها، أو مضافٌ إليها. (بالمُشَلَّل) بضم الميم، وفتح المعجمة، وشدَّة اللام المفتوحة: مَوضعٌ من قُدَيد مُصغَّر: قَدَد بقافٍ، ومهملتين، أي: مَن كان يَحجُّ لهذا الصَّنم كانت لا تَسعَى بين الصَّفَا والمَروة تعظيمًا لصَنَمهم حيث لم يكُن في المَسعَى، وإنما كان فيها صَنَمان لغَيرهما: إِسافٌ بكسر الهمزة، وإهمال السِّين، وبفاء، ونَائِلَةٌ مِن النَّول بالنون، والواو. ومرَّ تحقيقُ ذلك في (الحج)، في (باب: وُجوب الصَّفا). (وقال عبد الرحمن) وصلَه في "الزُّهْرِيات". (وقال مَعْمَر) رواه أحمد في "مسنده". * * * {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} (باب: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]) 4862 - حَدَّثَنَا أبُو معمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: سَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِـ (النَّجْم)، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجنُّ وَالإنْسُ. تَابَعَهُ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أيوبَ، وَلَم يَذْكُرِ ابْنُ عُلَيَّةَ ابْنَ عَبَّاسٍ.

الحديث الأول: (والجن والإنس) ذكْر المُسلمين وإنْ تناولهما لكنْ قَصَد [رفْعَ وَهْمِ اختصاصِه بالإِنْس، وأما سُجود المشركين فإِمَّا لأنَّها أوَّل سجدةٍ نزَلتْ، فأَرادوا مُعارَضة المُسلِمين] (¬1) بالسَّجدة لمعبودهم، أو أنَّ ذلك وقَع منهم بلا قَصْدٍ، أو خافُوا في ذلك المَجلِس من مُخالفتهم، وما قيل: كان (¬2) ذلك بسبَب ما ألقَى الشَّيطان في أثْناء قراءة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا صِحَّةَ له نقْلًا ولا عقْلًا. وقد سبَق بيانُه في (باب: سُجود القرآن). (تابعه إبراهيم) وصلَه الإسماعيلي. * * * 4863 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَني أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيها سَجْدَةٌ {وَالنَّجْمِ}، قَالَ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلَّا رَجُلًا رَأَيتُهُ أَخَذَ كفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهْوَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل. (¬2) "كان" ليس في الأصل.

54 - اقتربت الساعة

الثاني: كالذي قبلَه. * * * 54 - اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ (سورة اقْتَربَتْ) قَالَ مُجَاهِدٌ: {مستمر}: ذَاهِبٌ. {مُزْدَجَرٌ}: مُتَنَاهٍ. {وَازْدُجِرَ}: فَاسْتُطِيرَ جُنُونًا. {ودُسُرٍ}: أَضْلاَعُ السَّفِينَةِ. {لمَن كانَ كُفِرَ}: يَقُولُ: كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنَ اللهِ. {محتصر}: يَحْضُرُونَ الْمَاءَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: {مهطِعِينَ}: النَّسَلاَنُ، الْخَبَبُ السِّرَاعُ. وَقَالَ غيْرُهُ: {فتعاطي}: فَعَاطَها بِيَدِهِ، فَعَقَرها {المحتظر}: كحِظَارٍ مِنَ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ. {وَازدُجِرَ}: افْتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ. {كُفِرَ}: فَعَلْنَا بِهِ وَبِهِم مَا فَعَلْنَا جَزَاءً لِمَا صُنِعَ بِنُوحٍ وَأَصحَابِهِ. [مُستَقرٌّ}: عَذَابٌ حَقٌّ. يُقَالُ: الأَشَرُ: الْمَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ. 4864 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ شُعبةَ، وَسُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِرْقتَيْنِ؛ فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْهدُوا". 4865 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ،

عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَارَ فِرْقتيْنِ، فَقَالَ لَنَا: "اشْهدُوا، اشْهدُوا". 4866 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبه بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 4867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونس بنُ مُحَمدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُم آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ. 4868 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ شُعبةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ فرْقتيْنِ. قوله: (ذاهب)؛ أي: سيَذهب، ولا يَبقَى، وقيل: مُحكَم. (متناهي) بفتح الهاء: اسم مفعولٍ من التَّناهي بمعنى: الانتِهاء، أي: حاكِمٌ من أجناد هذه الأُمَم السَّالفة ما فيه مَوضعُ الانتِهاء عن الكُفْر، والإخبار عنه، أو بصِيْغة الفاعِل، أي: مُنتهاه في الزَّجَر لا مَزيدَ عليه. (وازدجر فاستطير جنونًا) وقيل: معناه ازدجرتْه الجِنَّة، وتَخبَّطتْه، وذَهبَتْ بعَقْله. (أضلاع (¬1) السفينة) وقيل: المِسْمَار. ¬

_ (¬1) "أضلاع" ليس في الأصل.

(لمن كان كفر) من الكُفْران بالنِّعمة، والمُراد أنَّا فعَلنا بنُوح -عليه الصلاة والسلام-[وبهم ما فَعلْنا مِن فتْح أَبواب السَّماء]، وما بعدَه من التَّفجير ونحوه جزاء من الله بما صنَعوا بنُوح -عليه الصلاة والسلام، وأصحابِه. وذكر البخاريُّ في الباب خَمسةَ أحاديثَ في انشِقاق القمَر. وقد سبَق المَباحثُ في ذلك في آخِر (المناقب)، وأنها من أُمَّهات المُعجِزات الفائِقة على مُعجِزات سائر الأنبياء؛ لأنها لم تَتجاوَز عن الأَرضيَّات، وأنَّ الفَلَكيَّاتِ قابلةٌ للخَرْق، والالتِئام، وأنَّه لا يَلزم اطِّلاع أكثَر النَّاسِ عليه. (النَّسَلان) بفتحتين. قال صاحب "العين": وحَرَكة العَين تدلُّ على حَرَكة العَين، وهو بمعنى: الخَبَب بالمعجمة، والمُوحَّدة المَفتوحة: وهو بمعنَى المُسارَعة. (فعاطها) قال السَّفَاقُسي: لا أعلمُ لتَفسير: فتَعَاطَى بذلك وَجْهًا إلا أَنْ يكون من المَقلُوب الذي قُدِّمتْ عَينُه على لامه؛ لأنَّ العَطْو التَّناوُل، فيكون المعنى: تَناوَلَها بيَده، وأما عَوَط فلا أَعلمُه في كلامٍ، وأما عَيَطَ فليس معناه مُوافِقًا لهذا. والذي قالَه المُفسِّرون: فتعاطَى عَقْرَ النَّاقةِ، فعقَرَها، وقال ابن فارس: التعاطي الجُرْأة، والمعنى: أنَّه تَجرَّأَ بعَقْره. (المحتضر كحضار من الشجر) يَجُوز في (الحضار) فتح الحاء وكسرها.

{تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر (14) ولقد تركناها آية فهل من مدكر}

(من زجرت) يُريد أنَّ الدَّال فيه بدَلٌ من التَّاء. * * * {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ قتَادَةُ: أَبْقَى اللهُ سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أَدركها أَوَائِلُ هذِهِ الأُمَّةِ. (باب: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر: 14]) قوله: (أبقى الله)؛ أي: شيئًا من أَجْزائها إلى زَمان بِعْثَة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو تفسير لقوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً} [القمر: 15]. 4869 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. قَالَ مُجَاهِدٌ: {يسَّرنَا}: هوَّنَّا قِرَاءَتَهُ. 4870 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحيَى، عَنْ شُعبةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. (مدكر) بالدَّال المُهملة، أصله: مُذْتَكِر، فاستُثقِل الخُروج من

{أعجاز نخل منقعر (20) فكيف كان عذابي ونذر}

حرْفٍ مَجْهورٍ، وهو الذَّال إلى حرْفٍ مَهموسٍ، وهو التَّاء، فأُبدلتْ من التاء دالًا، فتَقارَب مَخرجُهما، وأُدغمت الذَّال في الدَّال، وأما: (مُتْذَكِّر) فبفتح التاء، وتشديد الكاف: مِن تَذكَّرَ. * * * {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} (باب: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 21]) 4871 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا سَأَلَ الأَسْوَدَ: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَوْ مُذَّكِرٍ؟ فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقْرَؤها: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}، قَالَ: وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَؤُها: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} دالًا. * * * (وباب: {أعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20]) * * * {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (وباب: {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر: 31]) 4872 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعبةَ، عَنْ أَبِي

{ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر (38) فذوقوا عذابي ونذر}

إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} الآيَةَ. * * * {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} (وباب: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ} [القمر: 38]) 4873 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قرأَ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. * * * {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (وباب: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} [القمر: 51]) 4874 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَهلْ مِنْ مُذَّكِرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. فإن قلت: ما معنى تَكرار هذا الحديث في هذه التَّرجمة؟، وما

قوله: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}

وجْه المُناسَبَة بينه وبَينها؟؛ قلتُ: لعلَّ غرَضه أنَّ (مُدَّكِر) في هذه السُّورة الذي هو في المَواضع السِّتَّة كلها بالمُهملة. * * * قَوْلهِ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (باب: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [القمر: 45]) 4875 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلمٍ، عَنْ وُهيْبٍ، حَدَّثَنَا خَالدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهْوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بدرٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا تعبَد بَعْدَ الْيَوْمِ"، فَأخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ! ألحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهْوَ يثِبُ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ، وَهْوَ يَقُولُ: " {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ". (محمد بن حَوْشب) هو محمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب. قال الغَسَّاني: لعلَّه ابن يَحيَى الذُّهْلي. (أنْشُدك) بضم الشِّين، أي: أَطلُبكَ. (عهدك)؛ أي: نحو: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} [الصافات: 171، 172].

{بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}

(ووعدك)؛ أي: في: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} [الأنفال: 7]. (إن تشأ) مفعوله محذوفٌ، أي: هلاك المُؤمنين، و (لا تُعبَد) في حُكم المَفعول، والجَزاء هذا المَحذوف. (ألححت)؛ أي: بالَغْتَ. وسبَق في (الجهاد)، في (باب: ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم -). * * * {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} يَعْنِي: مِنَ الْمَرَارَةِ. (باب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]) 4876 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهم قَالَ: أَخْبَرني يُوسُفُ بْنُ مَاهكَ، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَقَد أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ ألعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}. 4877 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهْوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: "أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعبدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا"، فَأَخَذَ أَبُو

55 - سورة الرحمن

بَكْرٍ بِيَده وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَد ألحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهْوَ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ، وَهْوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} ". (مِن المَرارة)؛ أي: لا مِن المُرور. الحديثان فيه ظاهران. * * * 55 - سورة الرَّحْمَنِ (سورة الرَّحمن) {وَأَقِيمُوا الوَزن}؛ يُرِيدُ: لِسَانَ الْمِيزَانِ، وَالْعَصْفُ: بقْلُ الزَّرْعِ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْء قَبْلَ أَنْ يُدرِكَ، فَذَلِكَ الْعَصْفُ، {وَاَلرَّيْحَانُ}: رِزْقُهُ، {وَالحَبُّ}: الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالرَّيْحَانُ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ: الرِّزْقُ. وَقَالَ بَعْضُهُم: وَالْعَصْفُ، يُرِيدُ: الْمَأكولَ مِنَ الْحَبِّ، وَالرَّيْحَانُ: النَّضِيجُ الَّذِي لَمْ يُؤْكلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعصفُ: وَرَقُ الْحِنْطَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْعصْفُ: التِّبْنُ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: الْعَصْفُ: أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ، تُسَمِّيهِ النَّبَطُ هبُورًا. وَقَالَ مُجَاهدٌ: الْعَصْفُ: وَرَقُ الْحِنْطَةِ. وَالرَّيْحَانُ: الرِّزْقُ. وَالْمَارِجُ: اللَّهبُ الأَصفَرُ وَالأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ.

قوله: (كحسبان الرحى) هو العُود المُستدير الذي باستِدارته تَستَديرُ المِطْحَنة، أي: يَدوران في قُطْب الرَّحَى. وقيل: جمع: حِسَاب كشِهَاب، وشُهْبان، وهو معنى قَول ابن عبَّاس: بحُسبَان، ومَنازِل، أي: يَجريان في مَنازلهما بحُسبَان لا يُغادر ذلك. (وقال غيره: وأقيموا الوزن: لسان الميزان) هو قول ابن عبَّاس، ورواه ابن جَرير في " التفسير" من طَريق المُغيرة بن مُسلِم. (الرزق) براءٍ، ثم زايٍ. (وقال بعضهم: العصف) إلى آخره، هو قول أبي عُبَيدة في "المَجاز"، ويحيى بن زياد الفَرَّاء في كتاب "معاني القُرآن". (وقال أبو مالك) قال (ك): ولا يُعرَف اسمُه. (النَّبَط) بفتح النون، والمُوحَّدة: قَومٌ يَنزلُون بالبَطائح بيْن العِراقَين، أي: أَهل الزِّراعة. (هبُورًا) بفتح الهاء، وضم المُوحَّدة، وبواوٍ، وراءٍ. (والمارج: اللهب الأصفر، والأخضر الذي يعلو النار) وقيل: هو الخالِصُ منها، ومَرَج الأَميرُ رعيَّتَه: إذا خَلَّاهم، أي: تَركَهم يَظلِمُ بعضُهم بعضًا، ومَرجَت الدَّابَّة -بالفتح أيضًا- إذا تركَها، وأما مَرَجَ أمرُ النَّاس فهو بالكسر، أي: اختَلَطَ.

وَقَال بعضهم، عَنْ مُجَاهِدٍ: {ربُّ المشرقين}: لِلشَّمسِ فِي الشِّتَاءِ مَشْرق، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ. {ورب المغربين}: مَغْرِبُها فِي الشِّتَاءِ والصيف {لا يبْغيَانِ}: لَا يَخْتَلِطَانِ. {المنشئات}: مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ، فَلَيْسَ بِمُنْشَأَةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَنحَاسٌ}: الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ، يُعَذَّبُونَ بِهِ. {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}: يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَذْكُرُ الله - عزَّ وجلَّ -، فَيترُكُها. الشُّوَاظُ: لَهبٌ مِنْ ناَرٍ. {مُدْهَامَّتَانِ}: سَوْداوَانِ مِنَ الرِّيِّ. {صلصالٍ}: طِين خُلِطَ بِرملٍ، فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، ويُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ، يُقَالُ: صَلْصَال، كَمَا يُقَالُ: صَرَّ الْبَابُ عِنْدَ الإغْلاَقِ وَصَرْصَرَ، مِثْلُ: كَبْكَبْتُهُ؛ يَعْنِي: كَبَبْتُهُ. {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}، وَقَالَ بَعضُهُم: لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالْفَاكهةِ، وَأَمَّا الْعَرَبُ فَإِنَّها تَعُدُّها فَاكِهةً، كقَوْلهِ - عزَّ وجلَّ -: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}، فَأَمَرَهُم بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَعَادَ الْعصْرَ تَشْدِيدًا لَها، كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ، وَمِثْلُها: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}، ثُمَّ قَالَ: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}، وَقَد ذَكرهم فِي أَوَّلِ قَوْلهِ: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}. وَقَالَ غيْرُهُ: {أفنان}: أَغْصَانٍ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}: مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ}: نِعَمِهِ. وَقَالَ قتادَةُ: {ربكما}؛ يَعْنِي: الْجنَّ وَالإنْسَ. وَقَالَ أَبُو الدرْداءِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}: يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {برزَخ}: حَاجِزٌ. الأَنَامُ: الْخَلْقُ. {نَضَّاخَتَانِ}: فَيَّاضَتَانِ. {ذُو الجلالِ}: ذُو الْعَظَمَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَارِجٌ: خَالِصٌ مِنَ النَّارِ، يُقَالُ: مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ: إِذَا خَلَّاهُم يَعْدُو بَعضُهُم عَلَى بَعْضٍ، مَرَجَ أَمرُ النَّاسِ، {مَرِيجٍ}: مُلْتَبِسٌ، {مَرَجَ}: اخْتَلَطَ الْبَحْرَانِ، مِنْ: مَرَجْتَ دابتكَ: تَرَكْتَها. {سَنفرغُ لَكم}: سَنُحَاسِبُكُم، لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَهْوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ، يُقَالُ: لأتفَرَّغَنَّ لَكَ، وَمَا بِهِ شُغْلٌ، يَقُولُ: لآخُذَنَّكَ عَلَى غِرَّتِكَ. (باب: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17]) قوله: (للشمس في الشتاء مشرق) إلى آخره، لا يُنافي قولَه تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [المزمل: 9]؛ إذ المُراد بالمَشرق في الآية الجِنْس، وأما: {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40]، فباعتبار مَشْرِق كلِّ يومٍ، أو كلِّ فَصْلٍ، أو كلِّ بُرجٍ، أو كلِّ كوكبٍ. (قِلْعة) بكسر القاف، وسُكون اللام، وبمهملةٍ: وهو شِرَاعُ السَّفِينة، قاله (ع).

وقال السَّفَاقُسي: بسكون اللام، وإنَّ بعضَهم ضبطه بفتْحها. (قال بعضهم: ليس الرمان) إلى آخره، قيل: يُريد أبا حنيفةَ أنَّ مَذْهبه أن مَن حلَفَ لا يأْكُل فاكهةً فأكل رُمَّانًا أو رُطَبًا لا يَحنَث، فاحتجَّ عليه بأن العرَب تَعدُّهما فاكهةً، وأنَّ عَطْفَهما في الآية على الفاكِهة من عَطْف خاصٍّ على عامٍّ كما في الصَّلاة الوُسطَى. (تشديدًا)؛ أي: تأْكيدًا لها، وتعظيمًا، وتفضيلًا. (ومثلها)؛ أي: في عطْف الخاصِّ على العامِّ، فأجاب بعضهم عمَّا قاله حتى (ك) وافقَهم أنَّ في الآيتَين المُشبَّه بهما صِيغة عُمومٍ، وأما فاكهة، فليس بعامٍّ، لكنه نَكِرةٌ في سِياق الإثْبات، ولكن جوابه هذا من وجهين: أحدهما: أنه ليس المُراد بالعُموم والخُصوص هنا المَعنى الاصطِلاحي، بل كون الأول فيه شامِلًا للثاني. الثاني: لو سلَّمنا أنَّ المُراد بالعموم الحقيقيُّ فـ (فاكهةٌ) عامٌّ؛ لأنه نكرة في سياق الامتِنان. (كل يوم هو في شأن) إلى آخره، قال غير أبي الدَّرْدَاء: يَخرج كل يومٍ ثلاثُ عساكر: عسكرٌ من الأَصلاب إلى الأَرحام، وعسكرٌ من الأَرحام إلى الأرض، وآخَرُ إلى القُبور. (غِرتك) بكسر المُعجمة: الغَفْلة. * * *

{ومن دونهما جنتان}

{وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} (باب: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانَ} [الرحمن: 62]) 4878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عمرَانَ الْجَوْنيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ؛ آنِيتهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهبٍ؛ آنِيتهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهم إِلَّا رِداءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ". (آنيتهما) مبتدأٌ قُدِّم خبرُه، وهو: (من فِضَّةٍ). (على وجهه) من المُتشابِه: فيه التَّفْويض، أو التَّأويل بأنَّ المُراد بالوَجْه الذَّات، و (الرِّداء) شيءٌ كالرِّداء مِن صفاته اللَّازِمة المُتقدِّسة عما يُشبه المَخلوقات، تعالى الله عن ذلك، وهو كما جاء: "الكِبْرِياءُ رِدائِي". (في جنة عدن) ظَرْفٌ للقَوم، أو نصبٌ على الحاليَّة. ولا يُؤخَذ من هذا أنَّ رُؤيةَ الله تعالى غيرُ واقعةٍ؛ إذ لا يَلزم من عدَمها في جَنَّة عَدْنٍ، أو في ذلك الوقْت عَدَمُها مُطلقًا، أو رِداءُ الكبرياء غير مانعٍ منها. * * *

{حور مقصورات في الخيام}

{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {حُورٌ}: سُودُ الْحَدَقِ. وَقَالَ مُجَاهِدُ: {مَقْصُوراتٌ}: مَحْبُوسَاتٌ، قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأَنْفُسُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، قَاصِرَاتٌ لَا يَبْغِينَ غَيْرَ أَزْوَاجِهِنَّ. * * * (باب: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]) قوله: (سود الحدق)؛ أي: مع شِدَّة بَياضها كما قاله الأكَثَرون. وقيل: سَواد العَين كلِّها كالظِّباء والبقَر، وهذا ليس في النِّساء، إنَّما هو على التَّشبيه بالظِّباء والبقَر، ويحتمل أن ابن عبَّاس أَرادَ هذا، وهوَ الأَشبَهُ بكلامه. (طرفهن)؛ أي: عَينهنَّ. (لا يبغين)؛ أي: لا يَطلُبْنَ. * * * 4879 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمرَانَ الْجَوْنيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُها سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْها أَهْلٌ، مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ".

56 - الواقعة

4880 - "وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضةٍ؛ آنِيتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنّتانِ مِنْ كذَا؛ آنِيتهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهمْ إِلَّا رِداءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عدْنٍ". (مجوفة)؛ أي: واسعةُ الجَوف. (ميلًا) هو أربعة آلافِ خُطْوةٍ. * * * 56 - الْوَاقعَةِ (سورة الواقِعَة) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رُجَّتِ}: زُلْزِلَتْ. {وَبُسَّتِ}: فُتَّتْ، لُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ. الْمَخْضُودُ: الْمُوقَرُ حَمْلًا، وَيُقَالُ أَيْضًا: لَا شَوْكَ لَهُ. {مَنْضُودٍ}: الْمَوْزُ. وَالْعُرُبُ: الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. {ثُلَّةٌ}: أُمَّة. {يَحْمُومٍ}: دُخَانٌ أَسْوَدُ. {يُصِرُّون}: يُدِيمُونَ. الْهِيمُ: الإبِلُ الظِّمَاءُ. {لَمُغرَمُون}: لَمُلْزَمُونَ. {رَوْح}: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ. {وَرَيحانٌ}: الرِّزْقُ. {وَنُنشِئَكُمْ}: فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ. وَقَالَ غَيْرهُ: {تَفَكَّهُونَ}: تَعْجَبُونَ. {عُرُبًا}: مُثَقَّلَةً، وَاحِدُها عَرُوبٌ، مِثْلُ: صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيها أَهْلُ مَكَّةَ: الْعَرِبَةَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: الْغَنِجَةَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: الشَّكِلَةَ. وَقَالَ فِي {خَافِضَةٌ}: لِقَوْمٍ إلَى النَّارِ، وَ {رافِعَةٌ}: إلَى الْجَنَّةِ.

{موضُونةٍ}: مَنْسُوجَةٍ، وَمِنْهُ: وَضِينُ النَّاقَةِ. وَالْكُوبُ: لَا آذَانَ لَهُ، وَلَا عُرْوَةَ، وَالأَبَارِيقُ: ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَى. {مَسْكوبٍ}: جَارٍ. {وَفُرُشٍ مرفوعَةٍ}: بَعضُها فَوْقَ بَعْضٍ. {مترفين}: مُتَمَتِّعِينَ. {ما تُمْنُونَ}: هِيَ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. {للمقوِينَ}: لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ. {بمواقع النُّجُوم}: بِمُحْكَم الْقُرْآنِ، وَيُقَالُ بِمَسْقِطِ النُّجُومِ إِذَا سَقَطْنَ، وَمَوَاقِعُ وَمَوْقعٌ وَاحِدٌ. {مُّدهِنُونَ}: مُكَذِّبُونَ مِثْلُ: {لو تدهن فيدهنون}. {فَسَلامٌ لَكَ}؛ أَيْ: مُسَلَّمٌ لَكَ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَألغِيَتْ (إِنَّ) وَهْوَ مَعنَاها، كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ مُصَدَّق مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: إِنِّي مُسَافرٌ عَنْ قَلِيلٍ، وَقَد يَكُونُ كَالدُّعَاءَ لَهُ، كقَوْلكَ: فَسَقْيًا مِنَ الرِّجَالِ؛ إِنْ رَفَعْتَ السَّلاَمَ، فَهْوَ مِنَ الدُّعَاءِ. {تُوُرون}: تَسْتَخْرِجُونَ، أَوْرَيْتُ: أَوْقَدتُ. {لغوًا}: بَاطِلًا. {تأثيمًا}: كَذِبًا. قوله: (زلزلت)؛ أي: تَحرَّكتْ، واضطَربَت. (عُرُبًا: مثقلة) يُريد أنَّها بضم الراء جمع عَرُوب، لا بسُكونها. (العَرِبة) بفتح المهملة، وكسر الراء. (الغَنِجة) بفتح المعجمة، وكسر النُّون. (الشَّكِلة) بفتح المعجمة، وكسر الكاف. (المحتببات) وفي بعضها: (المُحبَّبات)، والتَّفعيل يَجيءُ

بمعنى: التَّفعُّل. (وضين الناقة) قال الجَوْهريُّ: الوَضِيْن للهوْدَج بمنزلة البِطَان للقَتَب، والحِزَام للسَّرْج، وهما كالنِّسْع إلا أنَّهما من السُّيور إذا نُسج نِسَاجةً بعضُه على بعضٍ مُضاعفًا. (مترفين: متمتعين)؛ أي: بالحَرام، ويروى: (مُنَعَّمِين). (القِن) بكسر القاف، وكذلك القَنْو، بفتح القاف وكسرها. (بمواقع النجوم: بمحكم القرآن) لأنَّ القُرآن نزَل نَجْمًا نَجْمًا. قال في "الكشَّاف": أي: بأَوقاتِ وَقْع نُجوم القرآن، أي: أَوقات نُزولها. (بمسقط) بفتح القاف، أي: بمَغْرِب، ولعلَّ لله تعالى في آخِر الليل إذا انحطَّت النُّجوم إلى المَغرب أفعالًا مَخصوصةً عظيمةً. (ومواقع وموقع واحد)؛ أي: وإنِ اختلَفا أفْرادًا وجمعًا، لكنَّهما عامَّان، فصار مُفادُهما واحدًا، فلا تَفاوُت على الصحيح، أو لأنَّ إضافتَهُ إلى الجَمْع تَستلزمُ تعدُّده كما يُقال: قَلْب القَومِ، والمراد: قُلوبهم. (مدهنون: مكذبون) وقيل: مُتهاوِنُون. (فسلام لك، أي: سلم لك أنك من أصحاب اليمين، وأُلقيت إن) بالقاف، وفي بعضها بغينٍ معجمةٍ، أي: إنَّ (أنَّ) فيه مقدَّرةٌ في المعنى، وفي بعضها: (مُسلَّمٌ لك)، وفي بعضها: (سَلْمٌ لكَ). (كقوله: فسقيا) قال الزَّمَخْشَري: معناه سَلامٌ لك -يا صاحِبَ

{وظل ممدود}

اليَمين- مِن إخوانِكَ أَصحابِ اليَمين، أي: يُسلِّمُون عليكَ. (إن رفعت السلام) لم يَقرأْ أحدٌ بالنَّصب، فما معنى: إنْ رفعتَ؟، وجوابُه: أنَّ الغرَض أنَّ (سَقْيًا) بالنصب هو دُعاءٌ بخلاف السَّلام، فإنَّه هو بالرَّفع دُعاءٌ، وعنده النَّصب لا يكون دُعاءٌ. * * * {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (باب: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30]) 4881 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّها مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُها، وَاقْرَؤُا إِنْ شِئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}. (يبلغ به)؛ أي: لم يذكُر لفظه في الرَّفع للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يحتمِل أنه سَمعَه ممن سَمعَه منه. * * * 57 - الْحَدِيدُ (سورة الحَدِيد) قَالَ مُجَاهِدٌ: {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ}: مُعَمَّرِينَ فِيهِ. {مِنَ الظُّلُمَاتِ

58 - المجادلة

إِلَى النُّور}: مِنَ الضَّلاَلَةِ إِلَى الْهُدَى. {ومنافعُ للِنَّاسِ}: جُنَّةٌ وَسِلاَحٌ. {مَوْلَاكُمْ}: أَوْلَى بِكُمْ. {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}: لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ. يُقَالُ: الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْء عِلْمًا، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. {انظُرُوَنا}: انتُظِرُونَا. قوله: (جنة)؛ أي: تُرْسٌ، ومَنافِع الحديد كثيرةٌ، قالوا: ما مِنْ صَنْعةٍ إلا والحديدُ آلةٌ فيها. (ليعلم) يُريد أنَّ (لا) مِنْ (لئلا) صِلَةٌ، أي: زائدةٌ، وقد قرأَه ابن عبَّاس: (لِيَعْلَمَ). (انظرونا) قُرئ بفتح الهمزة، أي: أَخِّرُونا، وأكثَرهم لا يُجيزه، لأنه لا معنى للتأخير هنا، وقيل: المَعنى: أَنظُر في آخِر عمُري. * * * 58 - المجَادِلَةُ (سورة المُجَادِلَة) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحَادُّون}: يُشَاقُّونَ الله. {كُبِتُوا}: أُخْزِيُوا، مِنَ الْخِزْيِ. {اَستَحوذَ}: غَلَبَ. قوله: (كبتوا: أُخزوا) مِن الإِخْزاء، يُقال: كَبَتَ اللهُ عَدوَّه، أي: أذَلَّهُ، وقيل: أَصله كبَدَه: إذا أصابَه بوجَعٍ في كَبِده، ثم أُبدلت التاءُ

59 - الحشر

من الدال؛ لقُربها منها كما في: سبَتَ، رأسه، وسبَدَه، أي: حلقه. (استحوذ)؛ أي: غلَبَ، جاء على الأصل من غير إعلالٍ. * * * 59 - الْحَشْرُ الْجَلاَء مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ. (سورة الحَشْر) 4882 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَة؟ قَالَ: التَّوْبَةُ هِيَ الْفَاضِحَةُ، مَا زَالَتْ تنزِلُ: وَمِنْهُم، وَمِنْهُم ... حَتَّى ظَنُّوا أنَّها لَمْ تُبْقِ أَحَدًا مِنْهُم إِلَّا ذُكِرَ فِيها، قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَالَ: نزَلَتْ فِي بَدرٍ، قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: نزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ. الحديث الأول: (الفاضحة) لأنها تفضَحُهم، أي: تُبيِّن مَعايبَهم. (تنزل: ومنهم)؛ أي: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة: 61]- صلى الله عليه وسلم -، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ} [التوبة: 58]، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} [التوبة: 49]، {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75].

(النضير) بنو النضِيْر قَبيلةٌ كبيرةٌ من بني إسرائيل مُوازِنةٌ في القَدر والمَنزلة لبني قُرَيظة، وكان يُقال للقَبيلتين: الكاهِنَتان؛ لأنَّهما من ولَد الكاهِن بن هارُون، وكانت أرضُهم وحُصونهم قريبًا من المَدينة، ولهم نخلٌ وأموالٌ بالمدينة، فلمَّا رجَع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من أُحُدٍ خرَج إليهم، فحاصرَهم وأَجْلاهُم، وإنَّما كَرِه ابن عبَّاس تسميتَها بالحَشْر؛ لأنَّ الحَشْر يومَ القيامة. قال: وقال لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ: (اخرُجوا)، فقالوا: إلى أين؟، قال: (إلى أَرْضِ المَحشَر)، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في رواية أبي صالح: يُريد أنَّهم أوَّل مَن حُشر، وأُخرج من داره، وهو الجَلاء. 4883 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدرِكٍ، حَدَّثَنَا يحيى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أبو عَوَانَة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ. الثاني: كالذي قبلَه. * * *

{ما قطعتم من لينة}: نخلة ما لم تكن عجوة أو برنية

{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}: نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوة أَو بَرنِيَّةً (باب: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5]) 4884 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا ليثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}. قوله: (بَرْنِيّة) بفتح المُوحَّدة، وسكون الراء، وكسر النون، وشدَّة الياء: ضرْبٌ من التَّمْر، والعَجْوة أَجوَدُ أنواعه. وأَصْل لِيْنَةٍ: لِوْنَة بكسر اللام، فقُلبت الواو ياءً؛ لانكِسار ما قبلَها، وتفسيرُ البخاري لها بذلك هو قَول أبي عُبَيدة وغيرِه، وقال ابن عبَّاس وغيره: هي النَّخْلة، وإنما أُفردت العَجْوة؛ لأنَّها قُوتُهم. * * * قَوْلُهُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (باب: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7]) 4885 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنْ عَمرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتْ أَموَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا لَمْ

{وما آتاكم الرسول فخذوه}

يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْها نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بقِيَ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ؛ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ. (يوجف) الإِيْجاف مِن الوَجْف، وهو السَّير السَّريع. (بخيل) هي الفُرسان. (ركاب) هي الإبِل التي يُسارُ عليها. (والكراع) اسمٌ لجَمع الخَيْل. * * * {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (باب: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]) 4886 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَها: أُمُّ يعْقُوبَ، فَجَاءَتْ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أنَّكَ لَعَنْتَ كيْتَ وَكيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي لا ألعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللهِ؟ فَقَالَتْ: لَقَد قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ! قَالَ: لَئِنْ كنْتِ قَرَأْتِيهِ، لَقدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}،

قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نهى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونه، قَالَ: فَاذْهبِي فَانْظُرِي، فَذَهبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَم تَرَ مِنْ حَاجَتِها شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا. (الواشمات) بالمعجمة: مِن الوَشْم، وهو أن تَغرز الإبرةَ في ظَهْر الكفِّ أو الشَّفَة أو نحوهما حتى يَسيلَ الدَّمُ، ثم يُحشَى ذلك المَوضع بالكُحل، أو النُّورة فَيَخْضَرَّ، والمَفعول به ذلك مَوشُومة، والطَّالبة له مُستَوشِمة. قالوا: هذا المَوضع يَصير بذلك نَجِسًا، فإنْ أمكَن إزالتُه بالعلاج وجبتْ إزالته، وإنْ لم يمكن إلا بالإخْراج، فإنْ خافتْ منه شيئًا فاحِشًا، أو فَواتَ مَنْفعةٍ، أو عُضو لم تَجِبْ، وإلا وجبتْ إزالتُه، وتَعصي بالتَّأخير. (والنامصات) النَّامِصَة بالمهملة: التي تُزيل الشَّعرَ من الوَجْه بالنَّتْف ونحوه، والمِنْمَاص: المِنْقَاش. (والمتنمصات) المُتنمِّصة: التي تَطلُب فِعْل ذلك بها. (والمتفلجات) بالفاء، والجيم، من الفَلج، وهو فُرجةٌ بين الثَّنايا والرَّباعيات، أي: مُفلَّجات الأسنان بأَنْ تَبردَ ما بين أَسنانِها، وتفعَلُ ذلك العَجوز إظهارًا للصِّغَر، وحُسن الأَسنان؛ لأنَّ هذه الفُرجة اللَّطيفة تكُون للصِّغار، وذلك حرامٌ لتَغيير خَلْق الله تعالى، وتَزويرٌ، وتدليسٌ، نعَم، لو احتاجتْ لذلك لعلاجٍ ونحوه فلا بأسَ به، وليس كلُّ تغييرٍ

لخَلْق الله يكون مَذْمومًا، فتكونَ الصِّفة في ذلك لازمةً، ولهذا لم يقُل، والمُغيِّرات بالواو. (ومن هو في كتاب الله) هو عطْفٌ على: (مَن لعَن)، أي: ما لي لا أَلعَنُ مَن هو في كتاب الله مَلْعونٌ، والمراد أنه يُؤخذ من كتاب الله لَعنَتُه استِنباطًا؛ لأنَّ الله تعالى قال: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، ففاعلُه ظالمٌ، والله تعالى يقول: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]. (ما بين اللوحين)؛ أي: الدُّفَّتين، أي: القُرآن، أو أرادَ باللَّوحين الذي يُسمَّى بالرحل، ويُوضَع المُصحَف عليه، وهو كنايةٌ عن القُرآن. (قرأته) في بعضها: (قرأْتِيْهِ)، بإشباع كسرة المُثنَّاة ياءً. (جامعتنا)؛ أي: صاحَبتْنا، بل كُنَّا نُطلِّقها ونُفارقُها. وفيه أنَّ مَن عنده مُرتكبة معصيةٍ كالوشم، وتَرْكِ الصَّلاة أنْ تُطلَّق ويُخرجها. * * * 4887 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابسٍ حَدِيثَ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْوَاصِلَةَ، فَقَالَ سَمعْتُهُ مِنِ امرَأَةٍ يُقَالُ لَها: أُمّ يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ.

{والذين تبوءوا الدار والإيمان}

الثاني: (الواصلة) هي التي تَصِلُ شَعر المرأَة بشعرٍ آخَر. (والمستوصلة) هي التي تَطلُب أن يُفعل بها ذلك. وفي الفقه تفصيلٌ في المَسألة، وهو أنَّ الوَصْل بشَعْر آدميٍّ حرامٌ مُطلقًا؛ لأنَّه مُستحِقٌّ للدَّفْن، وبغيره بنجَس حرامٌ؛ لأنه يَصير حامِلًا نجاستَه، وبطاهرٍ أَصحُّ الوُجوه إنْ كان بإذْن الزَّوج فجائزٌ، وإلا فحرامٌ. وأما تَحميرُ الوجْه، والخِضَاب؛ فإنْ لم يكُن لها زوجٌ، أو فعلتْه بغير إذْنه فحرامٌ، وإلا فلا. * * * {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} (باب: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9]) 4888 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمرِو بْنِ مَيْمُون، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: أُوصِي الْخَلِيفَةَ بِالْمهاجِرِينَ الأَوَّلينَ؛ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأُوصِي الْخَلِيفَةَ بِالأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُهاجِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهم، وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئهِمْ. (بالمهاجرين الأولين) هم الذين صَلَّوا للقِبْلتَين، وقيل: الذين

{ويؤثرون على أنفسهم} الآية

شَهِدُوا بدرًا، وقيل: أَهل بَيعة الرِّضْوان. (تبوؤوا الدار والإيمان)؛ أي: وأَلِفُوا الإِيْمان كما في: عَلَفْتُها تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا * * * {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآيَة الْخَصَاصَةُ: الْفَاقَةُ. {الْمُفْلِحُونَ}: الْفَائِزُونَ بِالْخُلُودِ، الْفَلاَحُ: الْبَقَاءُ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ: عَجِّلْ. وقَالَ الْحَسَنُ: {حاجةً}: حَسَدًا. (باب: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9]) 4889 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، قَالَ: أتى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَصَابَنِي الْجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ، فَلَم يَجدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ رَجُلٌ يُضَيِّفُ هذِهِ اللَّيْلَةَ يرْحَمُهُ اللهُ"، فَقَامَ رجلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَذهبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لاِمرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهم، وَتَعَالَيْ، فَأَطْفِئِي

السِّرَاجَ، وَنَطْوِي بُطُوننا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَقَد عَجبَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -أَوْ: ضَحِكَ- مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنةَ"، فَأَنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. (الجهد)؛ أي: المَشقَّة، والطَّاقة في الجُوع. (رجل من الأنصار) هو ثابِتُ بن قَيْس. (لا تدخريه)؛ أي: لا تُمسِكي عنه شيئًا فتدَّخِريهِ. (الصبية) بكسر الصاد: جمع صَبيٍّ. (العشاء) بفتح العين، وهذا القدر كانَ فاضِلًا عن قَدر ضَرورتهم، وإلا فنَفَقةُ الأطفال واجبةٌ، والضِّيافَةُ سُنةٌ. (ونطوي)؛ أي: نُجِيع؛ لأنَّ مَن جاعَ: انطَوى جِلْدُ بَطْنه. (عجب الله، أو ضحك) المرادُ نِسبَة لَوازِم مثْل ذلك إلى الله تعالى، أما حقيقة العَجَب، وهو حالةٌ تَحصُل عند إِدراك أَمرٍ غريبٍ، وكذا الضَّحِك، وهو ظُهور الأَسنان للشَّيء الغَريب؛ فمُحالان على الله - عزَّ وجلَّ -. وقال (ح): المُراد الرِّضَا؛ لأن ذلك الصَّنيع منهما حلَّ من الرِّضى عند الله تعالى، والقَبول له، ومُضاعَفة الثَّواب عليه مَحلَّ العَجَب عندكُم في الشَّيء التَّافِه إذا رُفع فَوق قَدْره وأُعطي به الأكثَر من قِيْمته بأَضعافٍ.

60 - الممتحنة

قال: وهذا أَقْرب من تأويل البُخاري بالرَّحمة؛ لأن الضَّحِك من الكِرام يدلُّ على الرِّضَا، وهو مُقدِّمة إنْجاح الطَّلَب. قال: ويحتمل أنْ يكون للمَلائكة؛ لأنَّ الإيثار على النَّفْس نادرٌ في العادات مُستَغرَبٌ في الطِّباع، فعَجِبَ منه الملائكةُ. * * * 60 - الْمُمتَحِنَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا تجعلنا فِتنَةً}: لَا تُعَذِّبْنَا بِأيْدِيهِمْ، فَيقُولُونَ: لَوْ كَانَ هؤُلاَءِ عَلَى الْحَقِّ مَا أَصَابَهُم هذَا. {بِعِصَمِ الكَوَافِرِ}: أُمِرَ أصحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِفِرَاقِ نِسَائِهِم، كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ. (سورة المُمتَحَنة) 4890 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عمرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِي: أنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبَ عَلِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تأتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فَإِنَّ بِها ظَعِينَةً مَعَها كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْها"، فَذَهبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا، حَتَّى أتيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لتخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لنلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ

عِقَاصِها، فَأتيْنَا بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُم بِبَعضِ أمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هذَا يَا حَاطِبُ"؟ قَالَ: لَا تَعجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كنْتُ امرَأً مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَم أكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِم، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ لَهُم قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِها أَهْلِيهم وَأَموَالَهُم بِمَكَّةَ، فَأَحبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فِيهِم أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحمُونَ قَرَابتيِ، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كفْرًا، وَلَا ارْتدَادًا عَنْ دِيني، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ". فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ! فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: "إِنَّهُ شَهِدَ بَدرًا وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّ الله - عزَّ وجلَّ - اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بدرٍ، فَقَالَ: اعمَلُوا مَا شِئتم، فَقَد غَفَرْتُ لَكُم". قَالَ عمرٌو: وَنزَلَتْ فِيهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ}. قَالَ: لَا أَدرِي الآيَةَ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ قَوْلُ عَمرٍو. الحديث الأول: (خاخ) بمعجمتين: مَوضع بين مكة والمدينة. (ظَعِينة) بفتح المعجمة، وكسر المُهملة: المَرأة الهوْدجَ. (تعادى) بلفْظ الماضي، أي: تَباعَدَ. (عِقاصها) بكسر المهملة، وبقافٍ: الشَّعر المَضفور. (حَاطِب) بكسر المهملة الثانية، وبموحَّدةٍ. (بَلْتَعة) بفتح المُوحَّدة، والمثنَّاة، وسُكون اللام، وبمهملةٍ.

(لم أكن من أنفسهم) دليلٌ على أنَّ قوله أولًا: (لا مِن قُرَيْشٍ)، أي: بالحِلْف والوَلاء لا بالنَّسَب والوِلادة. (يدًا)؛ أي: يَدَ مِنَّةٍ عليهم. (غفرت)؛ أي: الأُمور الأُخرَوَّية، وإلا فتُقام عليهم أَحكامُ الدُّنيا. وقد سبَق شرحُه مُستوفًى في (الجهاد)، في (باب: الجاسوس). * * * حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: قِيلَ لِسُفْيَانَ فِي هذَا، فَنَزَلَتْ: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} قَالَ سُفْيَانُ: هذَا فِي حَدِيثِ النَّاسِ حَفِظْتُهُ مِنْ عَمرٍو، مَا تَرَكْتُ مِنْهُ حَرْفًا، وَمَا أُرَى أَحَدًا حَفِظَهُ غَيْرِي. الثاني: (قال سفيان) إلى آخره، أي: لا أَدري أن حِكايةَ نُزول الآية من تتمَّة الحديث الذي رواه عليٌّ - رضي الله عنه -، أو قَول عمْرو بن دِيْنار مَوقوفًا عليه. وقال ابن المَدِيْني: قيل لسُفيان: أَفي هذا الحديث نَزلتْ: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} [الممتحنة: 1]، فقال: هذا في حَديث النَّاس، ورِواياتِهم، وأما الذي حَفِظتُه أنا من عَمرو فهو الذي رويتُه عنه مِن غَير

إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات

النُّزُول، وما تَركتُ منه حَرْفًا، ولم أَظنَّ أَحَدأ حَفِظَ هذا الحديث من عمرٍو غيري. * * * إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهاجِرَاتٍ (باب: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10]) 4891 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرني عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرتهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمتَحِنُ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهذِهِ الآيَةِ، بِقَوْلِ اللهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} إِلَى قولهِ: {غَفُورٌ رحيمٌ}. قَالَ عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهذَا الشَّرطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ بَايَعتُكِ"؛ كَلاَمًا، وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلهِ: "قَدْ بَايَعتُكِ عَلَى ذَلِكَ". تَابَعَهُ يُونس، وَمَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمرَةَ. (إسحاق) هو إما ابن إِبْراهِيم، وإما ابن مَنْصُور.

{إذا جاءك المؤمنات يبايعنك}

(بهذا الشرط)؛ أي: أن يُشرِكْنَ بالله شيئًا، إلى آخِره. (تابعه يونس) موصولةٌ في (سورة الطَّلاق). (ومَعْمَر) موصولةٌ في (الأحكام). (وعبد الرحمن) وصلَه ابن مَرْدَويه في "تفسيره". (وقال إسحاق) وصلَه الذُّهْلي في "الزُّهْريات". * * * {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} (باب: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12]) 4892 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيّة رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: بَايَعنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَ عَلَيْنَا: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} نهانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امرَأةٌ يَدها، فَقَالَتْ: أَسْعَدَتنِي فُلاَنة أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَها، فَمَا قَالَ لَها النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ فَبَايَعَها. الحديث الأول: (فقبضت امرأة) هي أُمّ عَطِيَّة. ولا يُنافي هذا أنه ما كان يُبايعهنَّ إلا بقَوله؛ لأنَّ معنى قَبْضِها يدَها: تأَخُّرُها عن القَبول، أو أنَّ المُبايِعَة كانت تَبسُط يدَها للبيعة

إشارة بلا مُماسَّةٍ. (أسعدتني) قال (خ): أَسعَدت المرأةُ صاحبتَها: إذا قامتْ في نِيَاحتِها، والإسْعاد خاصٌّ بهذا المَعنى، والمُساعدة عامةٌ في جميع الأُمور. (فما قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا) استُشكل بأنَّ النِّياحة حرامٌ، فكيف لم يُنكِر عليها؟!، وحَمَلَه (ن) على التَّرخيص لأُم عَطِيَّةَ خاصة، وللشَّارع أنْ يُخصِّص العُمومات. قال (ش): وهذا لا يَخفَى ضَعفُه، ولو حُمل على أنَّها ساعَدتْ بالبُكاء الذي لا نِيَاحةَ فيه لكان أقْرب. قلتُ: وفيه نظَرٌ أيضًا؛ لأنَّ السِّياق للنِّياحة، وأما البُكاء فلا يَحتاج لشيءٍ. * * * 4893 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ سَمعْتُ الزُّبَيْرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ اللهُ لِلنِّسَاءِ. الثاني: (شرطه الله للنساء) لا يَنفي أنَّه شَرَطَه للرِّجال أيضًا، فقد بايعَهم

في العَقَبة على ذلك؛ لأنَّ مفهومَ اللَّقَب لا اعتبارَ به. * * * 4894 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَاهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ، سَمعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أتبَايِعُوني عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكوا بِاللهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا"، وَقَرَأَ آيَةَ النِّسَاءِ -وَأكثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ: قَرَأَ الآيَةَ-: "فَمَنْ وَفَى مِنْكُم فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كفَّارةٌ لا لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْها شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ فَهْوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ فِي الآيَةِ. الثالث: (أتبايعوني) فيه التَّصريح بأنَّ بيعة الرِّجال كبَيعة النِّساء كما أشرتُ إليه آنفًا. (وأكثر لفظ سفيان) إلى آخره، أي: وأقلُّه أنَّه قَرأَ آيةَ النِّساء، وأكثَره أنه أطلَق الآيةَ بدُون ذِكْر النِّساء. (تابعة سفيان) وصلَه مُسلمٌ. قال (ك): أي: تابعَه في الإطْلاق، وعدَم التَّقييد بالنِّساء.

4895 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا هارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْج: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: شَهِدتُ الصَّلاَةَ يَوْمَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُم يُصَلِّيها قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدُ، فَنَزَلَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى أتى النِّسَاءَ مَعَ بِلاَلٍ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّها، ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ: "أَنتنَّ عَلَى ذَلِكَ". وَقَالَتِ امرَأةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجبْهُ غَيْرُها: نعم يَا رَسُولَ اللهِ! لَا يَدرِي الْحَسَنُ مَنْ هِيَ. قَالَ: "فتصَدَّقْنَ". وَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ. الرابع: (ولا يأتين ببهتان) أحسَن ما قيل فيه أنَّه نِسبةُ الولَد مِن الزِّنا، أو اللَّقيط للزوج. (الفتخ) بفتح الفاء، والمثنَّاة، وبمعجمةٍ: جمع فَتْخَة، وهي الحَلْقة تُلبس لُبس الخاتَم. * * *

61 - سورة الصف

61 - سُورَةُ الصَّفِّ (سورة الصَّفِّ) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}: مَنْ يتَّبِعُنِي إِلَى اللهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مَرْصُوصٌ} مُلْصَقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بِالرَّصَاصِ. قوله: (وقال يحيى بالرصاص) بالفتْح، والعامة تكسِره، قاله (ك)، لكن ذكر (ع) في "التَّنبيهات" الكسرَ أيضًا. والمُراد بيحيى: الفَرَّاء صاحب كتاب "مَعاني القُرآن"، وفي بعض النُّسَخ: (قيل، أو قال بعضُهم). * * * قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (باب: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}) 4896 - حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال: أَخْبَرَني مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ".

62 - الجمعة

(على قدمي) مُخفَّف الياء ومشدَّدًا، أي: على إثْري، أو على زَماني وَقْتَ قيامي على القَدَم بظُهور علامات الحَشْر فيه، ويَحتمل: وأنا أَكون أوَّل المَحشورِين. (العاقب) هو الذي يَخلُف مَن كان قبلَه في الخير، وهذه الصِّفات هي المَوجودة في الكتُب القديمة المَعلومة للأُمم السَّالفة، وإلا فأَسماؤُه -أي: صِفاتُه- أكثَر من ذلك. وسبَق الحديث في (باب: ما جاء في أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -). * * * 62 - الْجُمُعَةِ (سورة الجمُعة) قَوْله: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}، وَقَرَأَ عُمَرُ: (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ). (باب: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}) 4897 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ

{وإذا رأوا تجارة}

ثَلاَثًا، وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: "لَوْ كَانَ الإيمَانُ عِنْدَ الثُّريَا لَنَالَهُ رِجَالٌ، أَوْ رَجُل مِنْ هؤُلاَءِ". 4898 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَني ثَورٌ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هؤُلاَءِ". الحديث الأول، والثاني: (الثريا) النَّجْم المعروف، وأصلُه تصغير: ثَرْوَى. * * * {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} (باب: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [الجمعة: 11]) 4899 - حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حُصَيْن، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَثَارَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}. (عير) هي الإبل التي تَحمِل المِيْرة.

63 - قوله: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله} إلى {لكاذبون}

(فثار)؛ أي: تَفرَّق. * * * 63 - قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} إلى {لَكاذبون} (سورة المُنافِقين) 4900 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلهِ، وَلَوْ رَجَعنَا مِنْ عِنْدِهِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي أَوْ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَانِي، فَحَدَّثتهُ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأصحَابِهِ، فَحَلَفُوا: مَا قَالُوا، فَكَذَّبني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَصَدَّقَهُ، فَأَصَابني همٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَقتكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}، فَبَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَ، فَقَالَ: "إِنَّ الله قَدْ صَدَّقَكَ يَا زيدُ". (عبد الله بن أُبي ابن سَلُول) الابن الثَّاني صفةٌ لعبد اللهِ، فهو بالنَّصب، ويُكتب بالألف، وسَلُول غير مُنصرفٌ؛ لأنَّه اسم أُمِّ عبد الله. وسبَق مرَّاتٍ.

{اتخذوا أيمانهم جنة}

(حتى تنفضوا من حوله) هو موجودٌ في قراءة عبد الله، ولم يثبُت في شيءٍ من المَصاحف المُتفَق عليها، ويُمكِن أن تكونَ زيادة بيانٍ من جِهة ابن مَسْعود. (لعمي أو لعُمر) يحتمِل عمَّه مَجازًا، وهو عبد الله بن رَوَاحَة؛ لأنَّه كان في حَجْره، ويحتمل الحقيقةَ من حيثُ إنَّهما من أَولاد كَعْبٍ الخَزْرَجي. قال الغَسَّاني: الصَّواب عَمِّي لا عُمَر على ما رواه الجَماعة. (ما أردت)؛ أي: ما قَصدتُ مُنتهِيًا إليه، أي: ما حَملَك عليه. * * * {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يَجْتَنُّونَ بِها. (باب: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2]) قوله: (يجتنّون)؛ أي: يَتستَّرُون بها. * * * 4901 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أرْقَمَ - رضي الله عنه - قَالَ: كنْتُ مَعَ عَمِّي، فَسَمعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بْنَ سَلُولَ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وَقَالَ أَيْضًا: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها

قوله: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}

الأَذَلَّ. فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصحَابِهِ، فَحَلَفُوا: مَا قَالُوا، فَصَدَّقَهُم رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَذَّبَنِي، فَأَصَابَنِي همٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي، فَأنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إِلَى قَوْلهِ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} إِلَى قوله {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} فَأرسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَها عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الله قَدْ صَدَّقَكَ". (فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي) سيَأْتي أنَّ زيدًا هو الذي أَخبَر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك ابتداءً، والجَمْع: أنَّ معنى أَخبَرتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: بواسطة، أو مَضَيَا جميعًا، وقالا ذلك. * * * قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} (باب: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [المنافقون: 3]) 4902 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنِ الْحَكَم، قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، قَالَ سَمِعتُ زيدَ بْنَ أَرْقَمَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ. وَقَالَ أَيْضًا: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. أَخْبَرْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَمَنِي الأَنْصَارُ، وَحَلَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ: مَا قَالَ ذَلِكَ، فَرَجَعتُ إِلَى الْمَنْزِلِ فَنِمتُ، فَدَعَانِي

{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون}

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: "إِنَّ الله قَدْ صَدَّقَكَ"، وَنزَلَ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا} الآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (فنمت) في بعضها: (فنِمتُه)، أي: نِمْتُ فيه مثل: {فليَصُمْهُ} [البقرة: 185]، أي: فليَصُم فيه. (وقال ابن أبي زائدة) وصلَه النَّسائيُّ. * * * {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (باب: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4]) 4903 - حَدَّثَنَا عمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زهيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ زيدَ بْنَ أَرقَمَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ أَصابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَي لأَصْحَابِهِ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلهِ. وَقَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ. فَأتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرتُهُ، فَأرسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ فَسَألهُ، فَاجْتَهدَ يَمِينَهُ: مَا فَعَلَ،

قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون}

قَالُوا: كَذَبَ زيدٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَقَعَ فِي نفسِي مِمَّا قَالُوا شِدَّةٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - تصْدِيقِي فِي: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَسْتَغْفِرَ لَهُم فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ. (فاجتهد يمينه)؛ أي: أَقسَمَ طاقتَه، وبالَغَ في يَمينه. (ما فعل)؛ أي: ما قال. قالوا: وفيه دليلٌ على أنَّ كلام الخَلْق مَخلوقٌ؛ لأنَّه سَمَّى قولَ عبدِ الله فعْلًا. * * * قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} حَرَّكُوا: اسْتَهْزَؤُا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ لَوَيْتُ. (باب: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [المنافقون: 5]) أي: حرَّكُوها، وقُرئ بتخفيف الواو. * * * وَقَوْلُهُ: {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} قَالَ: كَانُوا رِجَالًا أجْمَلَ شَيءٍ (باب: {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4])

قوله: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}

قوله: (كانوا رجالًا)؛ أي: قال الله: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4] مع أنَّهم كانوا من أَجمَل النَّاسِ مع أنَّ الله شبَّههم بالخُشُب بالمُسنَّدة. * * * 4904 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَي بْنَ سَلُولَ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَلَئِنْ رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ، فَذَكرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكرَ عَمِّي لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَصَدَّقَهُمْ، فَأَصَابَنِي غَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي وَقَالَ عَمِّي: مَا أَرَدتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَقَتَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَها وَقَالَ: "إِنَّ الله قَدْ صَدَّقَك". (ومقتك) من المَقْت، وهو البُغْض ضِدُّ المِقَة. * * * قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (باب: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} [المنافقون: 6]) 4905 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمرٌو: سَمِعتُ جَابِرَ

ابْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ -قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فِي جَيْشٍ- فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهاجِرِينَ. فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ: "دَعُوها فَإِنَّها مُنْتِنة". فَسَمعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوها، أَمَا وَاللهِ لَئِنْ رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! دَعنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُ لَا يتحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أصْحَابَهُ" وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أكثَرَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُهاجِرِينَ كَثُرُوا بعْدُ. قَالَ سُفْيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عمرٍو، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرًا: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (فكسع) بمهملتين: هو ضَرْبُ دبر الإنْسان بصَدر قدَمكَ، ونحوه. (يا للأنصار) اللام للاستِغاثة، أي: أَعينُوني، وكذا (يا لَلْمُهاجرين)، وهذه دَعوى الجاهليَّة. (دعوها)؛ أي: اترُكُوا هذه المَقالة، أي: هذه الدَّعوَى. (مُنْتِنة) بضم الميم، وكسر المثنَّاة، وتُكسر الميم إتْباعًا لكسر المثنَّاة، أي: قَبيحةٌ سيِّئةُ العاقِبَة.

قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون}

(فعلوها)؛ أي: أَفَعلوها؟، فحُذفت همزة الاستِفهام. قال في "الكشاف": رُوي أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حين لَقِيَ بني المُصطَلِق وهزَمَهم ازدَحَم على الماءِ جَهْجَاه -بفتح الجيمين، وسُكون الهاء الأُولى- ابن سَعيد، أَجِيْرٌ لعُمر بن الخَطَّاب، يَقُودُ فرسَه، وسِنَان -بكسر المُهملة، ونونين- الجُهني حَليفٌ لأُبَيِّ بنُ سَلُول، واقتَتَلا، فصَرَخ جَهْجَاه: يا لَلمُهاجرين، وسِنانٌ: يا لَلأَنْصار، فأَغاثَ بعضُهم جَهْجَاهًا ولطَم سِنَانًا، فقال ابنُ سَلُول مَا قالَ. وسبق الحديث في (مَناقب قُريش). (لا يتحدث) بالجزْم جَوابًا للأمر، وبالرفْع استئنافًا، وذلك من الحُكْمِ بالظَّاهر، أو لأنَّ في قَتْله تَنفيرًا للخَلْق عن الإسلام، فيُرتكَب أخَفُّ المَفسدتين؛ لدَفْع أَشدِّهما. (يقتل أصحابه) أَدخلَه فيهم باعتِبار الظَّاهر. * * * قَوْله: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} (باب: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7]) 4906 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ

إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ زيدُ بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْني، يَذْكرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ" -وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ فِي: أَبْنَاءِ أبنَاءِ الأَنْصَارِ- فَسَأَلَ أَنسًا بَعْضُ مَنْ كانَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هذَا الَّذِي أَوْفَى اللهُ لَهُ بِأُذُنِهِ". (حَزِنت) بكسر الزَّاي. (بالحرة)؛ أي: اللَّابَة التي حَول المَدينة، وقَع فيها حربٌ بين عَسكَر يَزيد بن مُعاوية وأهلِ المَدينة. (فسأل أنسًا بعض من كان عنده)؛ أي: سأَلَه عن حال زَيدٍ. قال القَابِسِيُّ: هو الصَّواب خِلافًا لمَا يقع: (أنسٌ) بالرَّفْع، و (بعضَ) بالنصب. (بأُذنه) بضم الهمزة، وسُكون الذال، ورُوي بفتحهما، أي: أَظهر صِدقَه في إظهاره عما سَمعتْ أُذْنه، يعني: فسمعه على مجرَى قوله: {سميعٌ عَلِيُمُ} [البقرة: 181]، وذلك أنَّه لمَّا حكَى لرسول - صلى الله عليه وسلم - قَولَ ابن سَلُول قال - صلى الله عليه وسلم -: (لعلَّه أَخطأَ سَمعُك)، قال: لا، فلمَّا نزَلَتِ الآيةُ لَحِقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زيدًا مِن خَلْفه، فَعَرَكَ أُذْنَه، وقال: (وَفَّتْ أُذنُك، يا غُلامُ). قال (ك) كأنَّه جعَل أُذُنه في السَّماع كالضَّامنة تصديقَ ما سمعتْ، فلمّا نزلَ القرآنُ به صارتْ كأنَّها وافيةٌ بضَمانها. * * *

قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}

قوله: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (باب: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا} [المنافقون: 8]) 4907 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: كنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهاجِرِينَ. فَسَمَّعها اللهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا هذَا؟ ". فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهاجِرِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوها فَإِنَّها مُنْتِنةٌ". قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتِ الأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أكثَرَ، ثُمَّ كثُرَ الْمهاجِرُونَ بَعدُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَوَقدْ فَعَلُوا، وَاللهِ لَئِنْ رَجعنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ! أَضْرِبْ عُنُقَ هذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دعْهُ لَا يتحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ". (فسمعها رسوله) في بعضها: (فسمَّعها اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم -) من التَّسميع. * * *

64 - سورة التغابن

64 - سورَةُ التَّغَابُنِ (سورة التغابُن) أي: غَبْنُ أهلِ الجنَّة أهلَ النَّار، حيثُ نزَلُوا في مَنازلهم لو كانُوا سُعداءَ، فالتَّفاعُل من طَرَفٍ واحدٍ للمُبالغة كما في: {يُخاَدِعُونَ اَلله} [البقرة: 9]. وَقَالَ عَلْقَمَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: هُوَ الَّذِي إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبةٌ رَضِيَ، وَعَرَفَ أَنّها مِنَ اللهِ. ({وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، هو الذي إذا أصابته) إلى آخره، أي: يَهدِ قَلْبَه إلى التَّسليم لأَمرِ الله إذا أُصِيبَ. وزاد غير البخاريِّ: (إلى الشُّكر إذا أنعَم علَيه، وإلى الغُفران إذا ظَلَم). * * * 65 - سُورُة الطلاق قال مُجاهِدٌ: {وبال أمرها}: جَزاءَ أمرِها. (سورة الطَّلاق) 4908 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي

عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهاب، قَالَ: أَخْبَرَني سَالِمٌ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أنَّهُ طَلَّقَ امرأتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "لِيُرَاجعها ثُمَّ يُمسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيض فتطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقها فَلْيُطَلِّقها طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّها فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ". (فتغيظ)؛ أي: غَضِبَ؛ لأنَّ الطلاق في الحَيْض بدعةٌ. (ثم لتمسكها حتى تطهر) قيل: إنَّ هذا مُدرَجٌ من كلام الرَّاوي. (طاهرًا) لم يقُل: طاهرةً وإنْ كانت الطَّهارة يَشترِكُ فيها الرجال والنِّساء؛ لأنَّ الطَّهارة من الحَيْض خاصةٌ بالنِّساء، فهو كحامِل، وحائِض. (يمسها)؛ أي: يُجامِعُها. (كما أمر الله تعالى)؛ أي: قوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. * * * {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ: وَاحِدها ذَاتُ حَملٍ. (باب: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]) 4909 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحيَى،

قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَفْتني فِي امرَأَةٍ وَلَدَتْ بعدَ زَوْجِها بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ. قُلْتُ أَنَا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي، يعْنِي: أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلاَمَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْألها، فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهْيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتهِ بِأَربَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ، فَأَنْكَحَها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ أبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبها. 4910 - وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيها عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَكَانَ أَصحَابُهُ يُعَظِّمُونه، فَذَكَرَ آخِرَ الأَجَلَيْنِ، فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ قَالَ: فَضَمَّزَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ، قَالَ مُحَمَّد: فَفَطِنْتُ لَهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي إِذًا لَجَرِيء إِنْ كَذَبْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتبةَ وَهْوَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ. فَاسْتَحْيَا وَقَالَ: لَكِنَّ عَمَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَاكَ. فَلَقِيتُ أَبَا عَطِيّة مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ فَسَأَلْتُهُ، فَذهبَ يُحَدِّثُنِي حَدِيثَ سُبَيْعَةَ، فَقُلْتُ: هلْ سَمِعْتَ عَنْ عَبْدِ اللهِ فِيها شَيْئًا؟ فَقَالَ: كنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: أتجْعَلُونَ عَلَيْها التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ عَلَيها الرُّخْصَةَ، لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى، {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.

(آخر الأجلين)؛ أي: أَقصَاهُما، أي: فلا بُدَّ لها من أربعةِ أشهر وعشرٍ، ولا يَكفي الوَضْع إنْ كانتْ تلْك الأكثَر، كما لا تَكفي الأربعةُ أشهرٍ وعشرٌ إنْ كانتْ مدَّة الحمل أَطْوَل. وغايتُه أنَّ ابن عبَّاس حَملَه على النَّسْخ، وحَملَه الجُمهور على التَّخصيص، وخَصَّصوا الآيةَ بحديثِ سُبَيْعة. (قتل زوج سبيعة) المَشهور أنَّه ماتَ لا بقتْل، وكذا رواه في (الجنائز) وغيره، فيُحمَل ذلك على أنَّها قالتْه بظَنِّها. (فخطبت) بالبناء للمفعول. (وقال سليمان) وصلَه الطَّبَراني في "الكبير". (وأبو النعمان) وصلَه أبو نُعيم في "المُستخرَج"، والبيهقي. (فضمن لي) كذا بالنُّون للقَابِسِي، ولأَبي الهيْثَم بالزَّاي بدَلَها، وللأَصِيْلِي بالنُّون مع تَشديد المِيم. قال (ع): وكلُّها رواياتٌ غيرُ معلومةٍ في كلام العرَب في معنًى يَستقيم به المَعنى، وأشْبَهُ ما فيه رواية أبي الهيْثَم: (فضَمَّزني) بالزاي، وتشديد الميم، وزيادةِ نونٍ بعدها، أي: أَسكتَني، مِن ضَمَّز الرَّجلُ: إذا أسكتَ، ويدلُّ عليه ما قبْلَ الكلام وبعدَه، لأنَّه ذكَر تَعظيم أصحاب ابن أَبي لَيلَى له، ورَدَّ هذا، فبَناه عليه، ثم احتاجَ ذلك بعد لنفسه. وفي روايةٍ لابن السَّكَن: (فغَمَّضَ لي)، أي: فأَشارَ بتَغْميض عينَيه على السُّكوت.

66 - سورة المتحرم

(ففطنت) بفتح الطاء، أي: فَهِمتُ مُرادَه. (لكن عمه)؛ أي: ابن مَسعود، وهذا اختلافٌ في قوله. (التغليظ) المُراد غَلَّظتُم عليها حتى تضَع ولَو إلى أربعِ سِنينَ، فخَفِّفُوا إذا ولَدتْ ولَوْ لِلَحظةٍ. (سورة النساء القصرى) هي هذه، والطُّوْلَى المراد بها أَطوَلُ ما في القُرآن، وهي البقَرة. وسبق هناك مَباحثُ الحديث. * * * 66 - سُورَةُ المُتحرِّم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (سورة: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]) 4911 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ يَحيَى، عَنِ ابْنِ حَكِيم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: فِي الْحَرَامِ يُكَفِّرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَد كَانَ لَكم فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوةٌ حَسَنةٌ}. الحديث الأول: (يُكَفّر)؛ أي: إذا قال: أَنْتِ عليَّ حَرامٌ، وهذا عليَّ حرام؛ يُكَفِّر كفَّارةَ اليَمين، وللفُقَهاء فيه خِلافٌ. * * *

4912 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زينَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَيَمكُثُ عِنْدها، فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَنْ أيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْها فَلْتَقُلْ لَهُ: أكَلْتَ مَغَافِيرَ، إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. قَالَ: "لَا، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زينَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَد حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكِ أَحَدًا". الثاني: (مغافير) بمعجمةٍ، وفاءٍ، وراءٍ: جمع: مُغفُور بضم الميم، ومُفعولٌ بضم الميم في كَلامهم قليلٌ جِدًّا غيرود (¬1) -بمعجمةٍ، وراءٍ مهملةٍ- نَوعٍ من الكَمأَة، أما مُغفُورٌ فصَمْغُ بعض الشَّجَر يُحَلُّ بالمَاء ويُشرَب، يُقال: أغْفَر الشَّجَر: إذا ظَهر ذلك به، وهو حُلوٌ، ولكنْ له رائحةٌ كريهةٌ. وقيل: المَغافير البُطون، ذكره ابن غَلْبُون في "تذكرته". وقال الهَرَوي: يُقال: المَغاثِير بالثاء المُثلَّثة. وكان - صلى الله عليه وسلم - يَكره أنْ يُوجَد منه ريحٌ كريهةٌ، فصدَّق القائلةَ له ذلك من أَزْواجه، فحَرَّم العسَل على نفْسه. قال (خ): الأكثَر أنَّ الآية إنَّما نزلتْ في تَحريم مارِيَّة القِبْطية حين ¬

_ (¬1) في الأصل: "كغفرود"، والمثبت من "الكواكب الدراري" (18/ 155).

{تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم (1) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}

حرَّمها على نَفْسه، وقال لحَفْصة: لا تُخبري عائشةَ، فلم تَكتُم السِّرَّ، وأَخبَرتْها، وفي ذلك نزل: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 3]. (قال: لا)؛ أي: ما أكَلْتُها، ولكنْ شَربتُ عسلًا عندها، ولنْ أَعودَ لشُربه، وقال: حلَفتُ أنا على عدَم العَود، فلا تُخبري أحدًا لا عائشةَ ولا غيرَها يَبتَغي - صلى الله عليه وسلم - بذلك مَرضاتَ أَزْواجه، وإنما وقَع منها ذلك مع أنَّه حرامٌ، والمُواطَأَة أيضًا فيه -مع ما فيه مِن إِيذاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - - لغلَبَة الغَيرة على النِّساء، وهي صغيرةٌ. وباقي المباحث مذكورةٌ في التفاسير. * * * {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (باب: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم} [التحريم: 2]) 4913 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، أنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يُحَدِّثُ أَنَّهُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هيْبةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهرتا عَلَى

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنْ كنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْألكَ عَنْ هذَا مُنْذُ سَنَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ هيْبَةً لَكَ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْم فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْم خَبَّرتُكَ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نعدُّ لِلنِّسَاءِ أَمرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أمرٍ أتأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقُلْتُ لَها: مَا لَكِ وَلمَا هاهنا فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمرٍ أُرِيدُهُ. فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنتَكَ لترَاجِعُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِداءَهُ مَكَانه حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ لَها: يَا بُنَيَّةُ! إِنَّكِ لترَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللهِ إِنَّا لنرَاجِعُهُ. فَقُلْتُ: تَعلَمِينَ أنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللهِ وَغَضَبَ رَسولهَ - صلى الله عليه وسلم -، يَا بُنَيَّةُ! لَا يَغُرَّنَّكِ هذِهِ الَّتِي أَعجَبَها حُسْنُها، حُبّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاها -يُرِيدُ عَائِشَةَ- قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْها فَكَلَّفتُها. فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيءٍ، حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَزْوَاجِهِ. فَأَخَذَتْنِي وَاللهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِها، وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أتانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ نتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ

أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا، فَقَدِ امتَلأَتْ صُدُورُناَ مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ، فَقَالَ: افْتَح افْتَحْ. فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ، فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، اعتَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَزْوَاجَهُ. فَقُلْتُ: رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ. فَأَخَذْتُ ثَوْبِيَ فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يرْقَى عَلَيْها بِعَجَلَةٍ، وَغُلاَمٌ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ: هذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَأذِنَ لِي، قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هذَا الْحَدِيثَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُها لِيْفٌ، وإنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ". (الأراك)؛ أي: عدَلَ عن الطَّريق مُنتهيًا إلى شَجَر الأَراك لقَضاء حاجتِه. (تظاهرتا)؛ أي: تَعاونتَا عليه للإِفْراط في الغَيرة بما يَسُوءُه، وبالإفِشاء لسِرِّه. (إن كنا) فإنْ قيل: (إنْ) ليستْ مخفَّفةً لعدَم اللام، والا) نافيةً، وإلا لَزِم أنْ يكون العدُّ ثابتًا؛ لأن نفْي النَّفي إثْبات؛ قيل: (ما) تأْكيدٌ

للنَّفي المُستفاد منه. (أمرًا)؛ أي: شَأْنًا بحيث يَدخُلْن في المَشُورة. (حتى أنزل الله فيهن)؛ أي: مثل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعرُوفِ} الآية [النساء: 19]، {فإِن أَطعنكُم} الآية [النساء: 34]. (وقسم)؛ أي: مثل: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]، {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233]. (أتامّرُه)؛ أي: أتفكَّرُ فيه. (ولما هاهنا)؛ أي: للأَمر الذي نَحنُ فيه. (وحب) هو المُناسب للرِّوايات الأُخرى، وهي: (لا يَغُرنَّكِ إنْ كانَتْ جارتك أَوْضَأَ منكِ وأَحبَّ)، وفي بعضها: (حَبُّ) بلا واوٍ، فيكون رفعُه على أنه بدَلٌ، أو اشتِمالٌ. قال أبو القاسِم بن الأَبْرَش: أو معطوفٌ على (حُسنها) بغير واوٍ كقولهم: أكلْتُ تَمرًا زَبِيْبًا أَقِطًا، وحذْف حرف العَطْف جائزٌ. قال (ش): ويُؤيِّدُه رواية مسلم بالواو. وقال السُّهيليُّ: إنما هو بدَلٌ من الفاعِل الذي في أوَّل الكلام، وهو: لا يَغرنَّكِ هذه، فـ (هذه) فاعلٌ، و (التي) نَعتٌ لصِلَته، و (حَبُّ) بدلُ اشتِمالِ كما تقول: أَعجبَني يومُ الجمُعة صَومٌ فيه، وسَرَّني زيدٌ حُبُّ النَّاسِ له. قال (ع): أو رفع على أنه بدَل اشتِمالٍ، أو عطْف بَيانٍ.

قال: وضبَطَه بعضُهم بالنَّصب على إسقاط الخافِض. قال السَّفَاقُسي: أو مَفعولًا لأَجْله، أي: لأَجْل حُسنها. وقيل: الحُسن مرفوعٌ، والحُبُّ بدَلٌ منه، وهو فاسدٌ، لأنَّ الضَّمير في (أعجَبها) منصوبٌ، لا يصحُّ بدَل الحُسن منه، ولا الحبُّ، لأنَّهما لا يُعقَلان فيَصحَّ أن يَتعجَّبا، ويَجوز أن يكون من بدَل الغَلَط، لكنَّه شاذٌّ. (فأخذتني)، أي: أُمُّ سلَمة بكلامها، أو مَقالتها أخْذًا كسَرتنِي عن بعض مَوجِدَتي، ونقَصَتْ من غضَبي. (إذا غبت) أي: عن مَجلِس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَتاني بخبَر ما وَقَع في مَجلسه. (غسان) بفتح المعجمة، وشدَّة المهملة، وهم كانوا في الشَّام. (اعتزل) سبَق في رواية في (السلم) وغيره: (طلَّقَ)، كأنه ظنَّ أنَّ الاعتِزال طلاق. (رَغِم) بكسر المعجمة. (حفصة وعائشة) خصَّهما بالذِّكْر وإنْ كان الاعتِزال للكُلِّ؛ لأنَّ حفْصة بِنتُه، وعائشة بنت صَديقِه، فاهتِمامه بهما زائدٌ على غيرهما. (مَشْرُبة) بضم الراء، وفتحها: الغُرفة. (يُرقى) مبنيٌّ للمفعول. (بِعَجَلة) بفتح المهملة، والجيم، أي: الدَّرَجة.

{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}

(قل هذا عُمر بن الخطاب فأذن لي) ظاهرُ هذا أنَّه أَذِنَ له في أوَّل مرَّةٍ، وفي (كتاب المَظالم): أنَّه استأذَن ثلاث مرَّاتٍ، ولا مُنافاةَ، غايتُه إطلاقٌ وتقييدٌ. (حَشْوُها) بضم الواو وفتحها. (قرظًا) بإعجام الظاء: ورَقُ شجَرٍ يُدبَغ به. (مَصبُورًا)؛ أي: مَجعولٌ صُبرةً صُبْرةً. (أهب) جمع: إهابٍ، وهو الجِلْد ما لم يُدبَغ، وهو بفتحتَين على غير قياسٍ، وقيل: بضمَّتين، وهو قياس. (وأنت رسول الله) ليس هذا فائدةُ الخبَر، ولا لازِمُ الخبَر، بل الغَرَض منه بَيان ما هو لازِم للرِّسالة، وهو استِحقاقه ما هُما فيه، أي: أنتَ المُستحِقُّ لذلك لا هما. * * * {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} فِيهِ عَائِشَةُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 3]) 4914 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ:

قوله: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}

سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاس - رضي الله عنها - يَقُولُ: أَرَدتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهرتا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا أتمَمتُ كَلاَمِي حَتَّى قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. الحديث فيه ظاهرٌ. * * * قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} صَغَوْتُ وَأَصْغَيْتُ: مِلْتُ، لِتَصْغَى: لِتَمِيلَ. {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} عَوْنٌ. تَظَاهرُونَ: تَعَاوَنُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ}: أَوْصُوا أَنْفُسَكُم وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَأَدِّبُوهُمْ. (باب: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]) قوله: (وقال مجاهد: قوا أنفسكم: أوقفوا أنفسكم بتقوى الله) صوابه: أَوصُوا، كذا حكاه عنه النَّحَّاس، وقيل: المُراد: أَوقفُوها عن المَعصية، وعلى هذا فصَوابه: قِفُوا؛ لأنه ثُلاثيٌّ، نعم، أَوقَفَ لغةٌ. وقال (ع): (أَوقِفُوا أَهليكُم)، كذا لابن السَّكَن، والقَابِسِيِّ. وعند الأَصِيْلِي: أَوقِفُوا أنفُسَكم، وأَهليكُم.

قوله: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا}

قال (ع): صوابه: قُوا أنفُسَكم، وقُوا أَهليكُم. * * * 4915 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَرَدتُ أَنْ أَسْألَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأتيْنِ اللَتيْنِ تَظَاهرتا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَكُثْتُ سَنَةً فَلَم أَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا، حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُ حَاجًّا، فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرانَ ذَهبَ عُمَرُ لِحَاجَتِهِ فَقَالَ: أدرِكْنِي بِالْوَضُوءِ، فَأدركْتُهُ بِالإداوَةِ، فَجَعَلْتُ أَسكُبُ عَلَيْهِ وَرَأَيْتُ مَوْضِعًا فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ الْمرْأتانِ اللَّتانِ تَظَاهرتا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا أتمَمتُ كَلاَمِي حَتَّى قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. (بِظَهْران) بفتح المعجمة، وسُكون الهاء، وبالرَّاء، والنُّون: بُقعةٌ بين مكة والمَدينة، لا يَنصرِف. (بالإداوة)؛ المِطْهرة. (موضعًا)؛ أي: مَوضِعًا للسُّؤال. * * * قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} (باب: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} الآية [التحريم: 5]) 4916 - حَدَّثَنَا عمرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ

67 - {تبارك الذي بيده الملك}

أَنسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ هذهِ الآيَةُ. (فنزلت هذه الآية) هي مما وافَق نُزولُه رأْيَ عُمر - رضي الله عنه -. * * * 67 - {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (سورة المُلْك) التَّفَاوُتُ: الاِخْتِلاَفُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ. {تَمَيَّزُ}: تَقَطَّعُ. {مَنَاكِبِها}: جَوَانِبِها. {تَدَّعُونَ} وَتدعُونَ: مِثْلُ تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكرونَ. {ويَقبِضْنَ}: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صَافَّاتٍ}: بَسْطُ أَجْنِحَتِهِنَّ، وَنُفُورٍ: الْكُفُورُ. قوله: (تدعون)؛ أي: بالافْتِعال فيه بمعنى الفِغل، فهما بمعنًى. (ونفور: الكفور) قال (ع): كذا لجَميعِهم، وعند الأَصِيْلِي: (ونُفُور: تَفُور كقُدُور)، وهو الأَولى، وما عداه تصحيفٌ، وإنْ كان تَفُور؛ فتفسير نُفور بالنُّون بكُفور بعيدٌ، لا سِيَّما في قوله: {عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [الملك: 21]. كذا قال، وليس كذلك؛ بل التَّفسير لائقٌ، ونُفُورٌ كُفورٌ، أي: بَعيدٌ عن الإيمان. * * *

68 - (ن القلم)

68 - (ن الْقَلَمِ) (سورة {ن وَالْقَلَمِ} [القلم:1]) وَقَالَ قتَادَةُ: {حَرْدٍ}: جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَضَالُّونَ}: أَضْلَلْنَا مَكَانَ جَنَّتِنَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: {كالصريم}: كَالصُّبْحِ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَاللَّيْلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهارِ، وَهْوَ أَيْضًا: كُلُّ رملةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَم الرَّمْلِ، وَالصَّرِيمُ أَيْضًا: الْمَصْرُومُ، مِثْلُ قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ. قوله: (حرد: جِد)؛ أي: بكسر الجيم: وهو الاجتِهاد، والمُبالَغة في الأَمر. قال السَّفَاقُسي: وضبَطه بعضُهم بالفتح. (أضللنا) صوابه على هذا التَّفسير: ضَلَلْنا، يُقال: ضَللتُ الشَّيء: إذا جعلتَه في مكانٍ، ولم تَدرِ أَين هو؟، وأَضلَلتُه: ضيَّعتُه، وإذا وجدتَه ضالًا أيضًا. * * * {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (باب: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13]) 4917 - حَدَّثَنَا مَحمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي

حَصِينٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ. الحديث الأول: (قال رجل) أي: هو رجلٌ، قيل: هو الوَليد بن المُغِيْرة المَخْزُوميُّ، وقيل: أَبو جَهْلٍ، وعن مُجاهد: هو الأَسوَد بن عَبْدِ يَغُوث، وعن السُّدِّي: الأَخْنَس -بمعجمةٍ، ونونٍ، ومهملةٍ- ابن شَرِيْق، بفتح المُعجمة، وكسر الراء. (زنمة) قال الزَّمَخْشَري: هي الهنَةُ مِن جِلْد الماعِز تُقطَع، فتُخلَّى مُعلَّقةً في حَلْقِها، وقيل: الزَّنَمة للمَعز في حُلوقها كالقُرْط، فإنْ كانت في الأُذُن فهي زَنَمة. * * * 4918 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَلاَ أُخْبِرُكُم بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُم بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتكْبِرٍ". الثاني: (متضعّف) بفتح العين على المَشهور، أي: يَستضعفُه النَّاس، ويَحتقِرونَه، وبكسرها، أي: مُتواضعٌ خامِلٌ مُتذلِّلٌ.

{يوم يكشف عن ساق}

وقيل: الضَّعف: رِقَّة القَلْب، ولِيْنُه للإيمان. (لو أقسم)؛ أي: لو حلف يمينًا طَمَعًا في كرَم الله بإبْراره لأَبَرَّه، وقيل: لو دَعاه لأجابَه. (عُتُلّ)؛ أي: غَليظٍ، جافٍ شَديد الخُصومة بالباطِل عَنيف. (جَوّاظ) بفتح الجيم، وشدة الواو، وبمعجمة: الجَمُوع المَنُوع، وقيل: الكَثير اللَّحم المُختال في مِشْيته، وقيل: القَصير البَطِيْن. والمراد: أنَّ أَغلَب أهل الجنَّة هؤلاء، كما أنَّ أَهل النَّار القِسْمُ الآخَر، لا الاستِيعاب من الطَّرَفين. * * * {يَومَ يُكشَفُ عَن سَاقٍ} (باب: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} الآية [القلم: 42]) 4919 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِئَاءً وَسمْعَةً، فَيَذْهبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبقًا وَاحِدًا". (رياء)؛ أي: ليَراه النَّاسُ.

(وسمعة)؛ أي: ليَسمعونَه. (طبقًا واحدًا)؛ أي: لا يَنْثني للسُّجود، ولا يَنحني له، والطَّبق فِقَار الظَّهر، واحدتها: طَبقَة، يُريد: صارَ فِقارُهم كأنَّه الفِقارة الواحِدَةُ، فلا يَنتهي للسُّجود، وفي روايةٍ في غير الصَّحيح: (كأنَّ في ظُهورهم السَّفَافِيد). واعلم أنَّ هذا السُّجودَ من بابِ التَّلَذُّذ والتَّقرُّب لله تعالى، وإِلا فالقِيامة دارُ الجَزاء لا دار العمَل. قال (خ): هذا الحديثُ مما أَجرَوه على ظاهرِه على نحو مَذْهبهم في التوقُّف عن تَفسير ما لا يُحيط العِلْمُ به، أي: من المُتشَابِهِ، وقد أوَّلَه بعضُهم على معنى قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]، فرُوي عن ابن عبَّاس أنَّه قال: أي: عن شِدَّة، وكَرْبٍ، قال بعضُ الأَعراب وكان يَطرُد الطَّير عن زَرْعه في سنَةِ جَدْبٍ: عَجِبْتُ مِنْ نَفْسِي وَمِنْ إِشْفَاقِها وَمِنْ طِرَادِي الطَّيْرَ عَنْ أَرزَاقها في سَنَةٍ قد كَشَفَتْ عَنْ سَاقِها فيحتمل أنَّ معنى الحديث: أنه يَشتدُّ أمر القِيامة، فيتميَّز عند ذلك أهل الإخْلاص، فيُؤذَن لهم في السُّجود، وأهل النِّفاق تعُود ظُهورهم طَبقًا لا يَستطيعون السُّجود، وأوَّلَه بعضُهم بأنْ يَكشِفَ لهم ساقًا لبعض المَخلوقين من المَلائكة وغيرهم، ويُجعل ذلك سبَبًا لبَيان ما شاءَ من حِكْمته في أهل الإيمان والنِّفاق.

69 - {الحاقة}

قال: وفيه وجه آخَر، وقد تَحتملُه اللُّغة: رُوي عن أبي العبَّاس النَّحوي فيما عُدَّ من المَعاني الواقعة تَحتَ هذا الاسم أنَّه قال: السَّاق: النَّفْس، كما قال عليٌّ - رضي الله عنه -: واللهِ لأُقاتِلَنَّ الخَوارِجَ ولَو بلَغَتْ سَاقِي، فيكون المُراد به هنا تَجلِّي ذاتِه لهم، وكَشْف الحُجُب لهم، حتَّى إذا رأَوه سَجَدوا له. * * * 69 - {الحَاقَّةُ} (سورة الحاقَّة) {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} يُرِيدُ: فِيها الرِّضَا. {اَلقَاضِيَةَ}: الْمَوْتَةَ الأُولَى الَّتِي مُتُّها، ثُمَّ أُحيَا بَعدَها. {منْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} أَحَد: يَكُونُ لِلْجَمْعِ وَللْوَاحِدِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {الوتين}: نِيَاطُ الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طَغَا}: كَثُرَ، وَيُقَالُ: {بِالطَّاغِيَة}: بِطُغْيَانِهِم، وَيُقَالُ: طَغَتْ عَلَى الْخَزَّانِ كمَا طَغَى الْمَاءُ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ. قوله: ({عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21]؛ أي: ذاتِ رِضًى، يُريد أنَّه مِن باب: تامِرٌ لابِنٌ، أي: ذِي تَمْر، وذي لَبَنٍ. وقال عُلماء البَيان: إنه استعارةٌ بالكِناية. (لم أحيا بعده)؛ أي: حتَّى لا يكون بعثٌ ولا جزاءٌ. (للجمع والواحد) قال تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32].

70 - {سأل سائل}

(نِياط) بكسر النون، وخفَّة الياء، أي: حبْل الوَريد إذا قُطع ماتَ صاحبُه. (طغت) رُوي مرفوعًا: (ما أَرسَلَ اللهُ ريحًا إلا بمِكْيالٍ، ولا قَطْرةً من المَطَر إلا بمكيالٍ إلا يومَ عادٍ، ويوم نُوحٍ طَغَى عليهم الخَزَّان، فلم يكُن لهم علَيها سَبيلٌ". (بالطاغية: لطغيانهم)؛ أي: الفَاعِلة جاءَ مَصدرًا كالعاقِبَة والبَاقيَة. * * * 70 - {سَأَلَ سَائِلٌ} (سورة: {سَأَلَ سَائِلٌ} [المعارج:1]) الْفَصِيلَةُ: أَصْغَرُ آبَائِهِ، الْقُرْبَى إِلَيْهِ يَنْتَمِي مَنِ انتمَى. {للشَّوَى}: الْيَدَانِ وَالرِّجْلاَنِ وَالأَطْرَافُ، وَجِلْدَةُ الرَّأْسِ يُقَالُ لَها: شَوَاةٌ، وَمَا كَانَ غَيْرَ مَقْتَلٍ فَهُوَ شَوًى. وَالْعِزُونَ: الْجَمَاعَاتُ، وَوَاحِدُها عِزَةٌ. قوله: (اليدان) إلى آخره، قيَّده الجَوْهري مِن الآدَميِّين. (الحَلْق) بفتح المهملة، وحكَى الأَصمَعي الكسْرَ. (عزة)؛ أي: بتخفيف الزَّاي. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [13]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

71 - (إنا أرسلنا)

تابع (65) كتاب التفسير 71 - (إنا أرسلنا) (سورة نوح - عليه السلام -) {أَطوَارًا}: طَوْرًا كَذَا وَطَوْرًا كَذَا، يُقَالُ: عَدَا طَوْرَهُ؛ أَيْ: قَدرَهُ. وَالْكُبَّارُ: أَشَدُّ مِنَ الْكُبَارِ، وَكَذَلِكَ جُمَّالٌ وَجَمِيلٌ، لأَنَّها أَشَدُّ مُبَالَغَةً، وَكُبَّارٌ: الْكَبِيرُ، وَكُبَارًا أَيْضًا بِالتَّخْفِيفِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ رَجُلٌ حُسَّانٌ وَجُمَّالٌ وَحُسَانٌ مُخَفَّفٌ وَجُمَالٌ مُخَفَّفٌ. {ديارًا}: مِنْ دَوْرٍ، وَلَكِنَّهُ فَيْعَالٌ مِنَ الدَّوَرَانِ، كمَا قَرَأَ عُمَرُ: (الْحَيُّ الْقَيَّامُ)، وَهْيَ مِنْ قُمتُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: ديًّارًا: أَحَدًا. {تبارا}: هلاَكًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مِدْرَارًا}: يتبَعُ بَعضُها بَعْضًا. {وَقَارًا}: عَظَمَةً. قوله: (الكبَّار) بالتشديد أبلَغ، وأكبَر من كبَار بالتخفيف، أي: كالجُمَّال أشدُّ من جَمال وهو من الجَميل؛ وكذا حُسَّاب، بضم المهملة.

قال أبو عمرو: ويُقال: كبيرٌ وكُبَارٌ وكُبَّار: طَويلٌ وطُوَالٌ وطُوَّالٌ. (من دور)؛ أي: فيكون دِيْوار، فأُدغِم، ولو كان فعَّالًا لكان دوَّارًا. * * * (باب: {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ} [نوح: 23]) 4920 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَن ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَا، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهمدَانَ، وَأَمَّا نَسرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلاَعِ. أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِم: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوها بِأَسْمَائِهم، فَفَعَلُوا فَلَم تُعْبَد حَتَّى إِذَا هلَكَ أُولَئِكَ وَتنسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. (عطاء) قال الغَسَّاني: هو الخُراساني، أي: لا ابن أَبي رَبَاح، ولا ابن يَسَار، وقال: إنَّ ابن جُرَيج أخذَه من كتاب عَطاءٍ لا من السَّماع منه. (ود) بفتح الواو وضمها.

(لكلب) قبيلةٌ. (بِدُومة) بضم الدال وفتحها، قيل: أرجَح الوجهين الضم. (الجَنْدَل) بفتح الجيم، والمهملة، وسُكون النون بينهما: هي بين المدينة والشام، وبينهما اجتمع الحكَمان. (لِهُذيل) مصغَّر: الهذل، بالمعجمة: قبيلةٌ. (لِمُراد) بضم الميم، وخفَّة الراء، وبمهملةٍ: أبو قبيلةٍ من اليمَن. (غُطَيْف) بضم المعجمة، وفتح المهملة، وسُكون الياء، وبالفاء: بَطْنٌ من مُرادٍ. (الجُوب) بضم الجيم: المُطمئِنُّ من الأرض، وقيل: وادٍ باليمَن، وفي بعضها: (الجُرُف) بالراء المضمومة. (سبأ) بالهمز وبقلبها ألفًا، ينصرف ولا ينصرف. (لِهمدان) بسكون الميم، وإهمال الدال: قبيلةٌ. (لِحميَر) بكسر المهملة، وسكون الميم، وفتح الياء، وبالراء: أبو قبيلةٌ. (ذي الكَلاع) بفتح الكاف، وخفَّة اللام، وبمهملةٍ: اسم ملِكٍ من مُلوك اليمَن. (أسماء)؛ أي: هذه الخمْسة أسماء، وفي بعضها: (ونسرًا اسمًا)، والمراد أنَّها كانت أسماء رجالٍ صالحين، وحاصل ذلك قولان: أحدهما: أنها أسماء أصنامٍ كانت في قَوم نُوحٍ.

72 - {قل أوحي إلي}

والثاني: كانت أسماءَ رجالٍ صالحين، فلمَّا ماتُوا حَزِنوا عليهم حُزنًا شَديدًا، فجاءَهم الشَّيْطان، وقال: صَوروا على صُورتهم مِثَالًا تتفرَّحون بالنَّظَر إليه، ففعلوا، فلمَّا ماتُوا، قال الشيطان لأَبنائهم: إنَّ آباءكم (¬1) كانوا يعبُدون هذه الأصنام فعبَدوها. (أنصبًا) جمع: نُصُب، وهو ما يُنصب لغرَضٍ كالعبادة. (وَتُنُسّخ) بضم المثنَّاة، والنون، وتشديد السين: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمفعول، أي: تغيَّر عليهم بصُورة الحال، وزالتْ معرفتُهم بذلك، فجعلُوها مَعابِيْدَ. * * * 72 - {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لِبَدًا}: أَعْوَانًا. (سورة {قُلْ أُوحِيَ} [الجن: 1]) 4921 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَد حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ ¬

_ (¬1) في الأصل: "أبناءكم"، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (2/ 1014).

73 - سوره المزمل

الشَّيَاطِينُ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَها فَانْظُرُوا مَا هذَا الأَمرُ الَّذِي حَدَثَ، فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الأَزضِ وَمَغَارِبَها يَنْظُرُونَ مَا هذَا الأمرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُم وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحوَ تِهامَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنَخْلَةَ، وَهْوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقرآنَ تَسَمَّعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكم وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهمْ فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعنَا قُراَنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نشرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا، وَأَنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - عَلَى نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وإنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجنِّ. (عُكاظ) بالصَّرف وعدَمه. وسبق شرح الحديث في (الصلاة)، في (باب: الجهر بقراءة صلاة الفجر). * * * 73 - سوره الْمُزَّمِّل (سورة المُزَّمِّل) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَتَبَتَل}: أَخْلِصْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {أَنكالًا}:

74 - المدثر

قُيُودًا. {مُنفَطِرٌ بِه}: مُثْقَلَةٌ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كثيبًا مهِيلًا}: الرَّمْلُ السَّائِلُ. {وبيلًا}: شَدِيدًا. قوله: (أنكالًا) قال السَّفَاقُسي: واحدها: نِكْلٌ، بكسر النون، وسُكون الكاف، وبفتحهما جميعًا. (مثقلة؛) أي: بيوم القِيامة أثْقالًا تُؤدِّي إلى انفِطارها؛ لعِظَم اليوم عليها، وخَشْيتها من وُقوعه. وإنما ذَكَّر مُنفَطِرٌ والسماءُ مؤنَّثَةٌ على تأْويلها بالشَّفَق، أو بشيءٍ منفطِرٍ. * * * 74 - الْمُدَّثِّرِ (سورة المُدَّثِّر) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {عَسِيرٌ}: شَدِيدٌ. {قسوَرة}: ركْزُ النَّاسِ وَأَصوَاتُهمْ، وَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ: الأَسَدُ، وَكُلُّ شَدِيدٍ: قَسْوَرَةٌ، {مُسْتَنفِرةٌ}: نَافِرَةٌ مَذْعُورةٌ. قوله: (قَسْوَرَة)؛ أي: رِكْز النَّاس وأَصواتُهم، وكل شديدٍ، وقيل: الأَسَد، وقيل: الرَّامي الصَّيد. (مذعورة) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ، أي: خائفةٌ. * * *

4922 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نزَلَ مِنَ الْقُرآنِ، قَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، قُلْتُ: يَقُولُونَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - عَنْ ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي قُلْتَ، فَقَالَ جَابِرٌ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هبَطْتُ، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِيني فَلَم أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَم أَرَ شَيْئًا، وَنظَرْتُ أَمَامِي فَلَم أَرَ شَيْئًا، وَنظرْتُ خَلْفِي فَلَم أَرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دثِّرُوني وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاء بَارِدًا، قَالَ: فَدَثَّرُوني وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} ". (حدثنا يحيى) إما ابن مُوسَى البَلْخِي، وإما ابن جَعْفَر. (بحِراء) بكسر المهملة، وخفَّة الراء، وبالمَدِّ، منصرِفٌ على الأشهر: جَبَلٌ على يَسَار السَّائِر من مكَّة إلى مِنَى. (جِواري) بكسر الجيم، أي: مُجاوَرتي اعتِكافِي. (شِمالي) بكسر الشِّين: ضِدُّ اليَمين، أما بفتْحها فضد الجَنوب. (فرأيت شيئًا) يَحتمل أنَّ المُراد: رأَيتُ جِبْريلَ، وقد قال: {اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]، فخِفْتُ من ذلك، ثم أَتيتُ خديجةَ، فقلتُ: دَثِّرُوني.

قوله: {قم فأنذر}

({يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]) هذا مِن استِخراج جابِر من الحَديث باجتهادٍ، وإلا فالمَعروف أنَّ أوَّل ما نَزل: {اقرَأ بِاسمِ رَبِك} [العلق: 1]، فالعَمَل على ما في الأحاديث الصَّحيحة لا باجتهادِ الصَّحابي. * * * قوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} (باب: {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 2]) 4923 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغيْرُهُ قَالَا: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ" مِثْلَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ. (مثل حديث عُثمان) قال (ك): في "مُستخرَج أبي نُعيم الحافظ" نحوُ حديث علي بن المُبارَك، وليس فيه ذكْر عُثمان. * * * {وَرَبَّكَ فَكَبِّر} (باب: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3]) 4924 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا

{وثيابك فطهر}

حَرْبٌ، حَدَّثَنَا يحيَى، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ: أَيُّ الْقُرآنِ أُنْزِلَ أَوَّل؟ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فَقُلْتُ: أُنْبِئْتُ أَنَّهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: أَيُّ الْقُرانِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، فَقُلْتُ: أُنْبِئْتُ أَنَّهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، فَقَالَ: لَا أُخْبِرُكَ إِلَّا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هبَطْتُ، فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَميني وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُوني وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}. الحديث الأول: (فاستبطنت)؛ أي: وصَلتُ بَطْنَ الوادي. ({يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]) هذا يُشعِر أنَّها أوَّل ما نزلتْ؛ لكنَّ الصحيح أنَّ: {اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] نَزلتْ أوَّلًا؛ لمَا سيأْتي في حديث جابِر من قوله وهو يُحدِّث عن فَتْرة الوَحي. * * * {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 4925 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا

معْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَأخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوحْيِ، فَقَالَ فِي حَدِيثهِ: "فَبَيْنَا أَنَا أمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ، جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُوني زَمِّلُوني، فَدَثَّرُوني فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إِلَى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} -قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ- وَهْيَ الأَوْثَانُ". الثاني: (على كرسي) لا يُنافي ما في الرِّواية الأُخرى: (على عَرْشٍ)؛ لأنَّ المَقصود ما يُجلَس عليه وقْت العَظَمة. (فَجُئثتُ) مبنيٌّ للمَفعول، مِن الجَأْث بجيمٍ، وهمزةٍ ساكنةٍ، ومثلَّثةٍ، وهو الفَزَع والرُّعْب، وفي بعضها: (جُثِثْتُ) بمثلَّثتين، مِن الجَثِّ، وهو القَطْع، وذكَر (ش) (¬1): جثيتُ، أي: بمثلَّثةٍ، ثم ياءٍ، ثم قال: قال القَابِسيُّ: مِن جَثَا يَجثُو، وهو لا يَستقيم، لأنَّه غير مُتعدٍّ، واللُّغَتان الصَّحيحتان: جُثِثْتُ بمثلَّثتين، أو جُثِئْتُ بهمزةٍ قبل المُثنَّاة، كذا ذكَره أبو عُبيد، وهو بمعنى: رُعِبْتُ. (قَبْل أنْ تُفْرَضَ) غرَضه أنَّ تطهر الثِّياب كان واجبًا قبْل الصَّلاة. (وَهِيَ)؛ أي: الرجز، فأُنِّث باعتبار أنَّ الخبَر جمعٌ، وإنما فُسِّر ¬

_ (¬1) "ش" ليس في الأصل.

قوله: {والرجز فاهجر}

بالجمع نظرًا إلى الجِنْس. * * * قَوْله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} يُقَالُ: الرِّجْزُ وَالرِّجْسُ: الْعَذَابُ. (باب: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]) هو من مَجاز النَّقل، أي: اترُكْ سبَب الرُّجْز، وهو العَذاب، وذلك عِبَادة الأَوثان، والمُراد في الحقيقة مَن هو مُرتكِب ذلك. * * * 4926 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهابٍ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَني جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحيِ: "فَبَيْنَا أَنَا أَمشِي سَمِعتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَل السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعدٌ عَلَى كرسي بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هويتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُوني زَمِّلُوني، فَزَمَّلُوني، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إِلَى قَوْله: {فَاهْجُرْ}.-قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: و {وَالرُّجْزَ}: الأَوْثَانَ- ثُمَّ حَمِيَ الْوَحيُ وَتتابَعَ". (هوَيْتُ) بفتح الواو، أي: سقطتُ. * * *

75 - سورة القيامة

75 - سورة الْقِيَامَةِ (سورة القِيامة) وقوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {سُدًى}: همَلًا. {ليفْجُرَ أَمَامَهُ}: سَوْفَ أتوبُ، سَوْفَ أَعْمَلُ. {لَا وَزَرَ}: لَا حِصْنَ. قوله: (همَلًا) بفتحتين، أي: مُهمَلًا. (أمَامَهُ)؛ أي: ليَدوم على فُجوره فيما يستقبلُه من الزَّمان. (لا حِصْنَ) بمهملتين، أي: لا مَلْجأَ. (تُحَرِّك) يُريد - صلى الله عليه وسلم - بهذا التَّحريك حِفْظ الوَحْي. * * * 4927 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ -وَكَانَ ثِقَةً-، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نزَلَ عَلَيْهِ الْوحيُ حَرَّكَ بِهِ لِسَانه -وَوَصَفَ سُفْيَانُ- يُرِيدُ أَنْ يَحفَظَهُ، فَأنْزَلَ اللهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}. * * * {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} 4928 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ

قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}

أَبِي عَائِشَةَ، أنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} -يَخْشَى أَنْ يَنْفَلِتَ مِنْهُ- {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}: أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدرِكَ، وَقُرآنه أَنْ تَقْرَأَهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يَقُولُ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}: أَنْ نبُيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ. الحديث الأول، والثاني: (يتفَلَّتْ)؛ أي: يَضيع، ويَفُوت. * * * قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {قُرْآنَهُ}: بيَنَّاهُ. {فَاتَّبِعْ}: اعمَلْ بِهِ. (باب: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]) 4929 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلهِ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانه وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَكَانَ يُعرَفُ مِنْهُ، فَأنْزَلَ اللهُ الآيَةَ الَّتِي فِي {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}، قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صدرِكَ، {وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا

76 - هل أتى على الإنسان

قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}: فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}: عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، قَالَ: فَكَانَ إِذَا أتاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللهُ. {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} تَوَعُّدٌ. (أطرق) يُقال: أَطرَق الرَّجل: إذا سكَت، أو إِذا أَرخَى عينَيه ينظُر إلى الأرض. (كيما فيعود طبقًا)؛ أي: كَيْما يَسجد، قيل: هو مُشْكلٌ على قَول النُّحاة: إنَّ حَذْف معمولِ هذه النَّواصِب للأفعال لا يَجوز. * * * 76 - هلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ (سورة: {هَلْ أَتَى} [الإنسان:1]) يُقَالُ: مَعْنَاهُ: أتى عَلَى الإنْسَانِ، وَ (هلْ): تَكُونُ جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا، وَهذَا مِنَ الْخَبَرِ، يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا فَلم يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. {أَمشاجٍ}: الأَخْلاَطُ؛ مَاءُ الْمَرْأة ومَاءُ الرَّجُلِ، الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ، وَيُقَالُ: إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ، كَقَوْلكَ خَلِيطٌ. وَمَمشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ. وَبُقَالَ {سَلاسِلًا وَأَغلالًا}، وَلم يُجْرِ بَعضُهُم. {مُستَطِيرًا}: مُمتَدًّا، الْبَلاَءُ وَالْقمطَرِيرُ الشَّدِيدُ، يُقَالَ: يَوْمٌ قَمطَرِيرٌ وَيوْمٌ قُمَاطِرٌ، وَالْعَبُوسُ وَالْقَمطَرِيرُ وَالْقُمَاطِرُ، وَالْعَصِيبُ أَشَدّ مَا يَكُونُ مِنَ الأيامِ فِي الْبَلاَءِ. وَقَالَ معْمَرٌ: {أَسرَهُم}: شِدَّةُ الْخَلْقِ، وَكلُّ

شَيءٍ شَدَدتَهُ مِنْ قتبٍ فَهْوَ مَأْسُورٌ. قوله: (قال يحيى) يُريد أنَّه ابن زِيَاد الفَرَّاء صاحب "معاني القرآن"، وهذا موجودٌ فيه إلى قوله: الرُّوح. (وهل تكون جحدًا)، قال السَّفَاقُسي: فيه تَجوُّزٌ، وإنما الاستفهام في الحقيقة استِعلامٌ. قال (ش): مِن معاني الاستِفهام النَّفْي، ولذلك تدخُل (إلا) بعدَها على الخبَر كما في: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]. (وهذا من الخبر) الذي عليه أئمة النُّحاة أنَّها بمعنى: قد على معنى التَّقدير، وحَمَلوا عليه كلامَ ابن عبَّاس، وأنَّ مُراده أنَّها ليستْ للاستِفهام الحقيقي، بل للاستِفهام التَّقريري، وإنما هو تَبْكيتٌ لمَن أنكَر البعْث، وقد عُلم أنَّهم يقولون: نعم قد مضَى دهرٌ طويلٌ لا إنسانَ فيه، فيُقال لهم: والذي أحدَث النَّاسَ بعد أن لم يكونُوا، كيف يمتَنع عليه إحياؤهم بعدَ موتهم؟!. (كان شيئًا فلم يكن مذكورًا) أي: انتفاءُ هذا المَجموع بانتِفاء صفةٍ لا بانتفاءِ المَوصوف، ووقَع لابن السَّكَن موضعَ: (شيئًا): (نسيًا) بنونٍ في أوَّله، والصَّواب الأوَّل. (سلاسلًا وأغلالًا، ولم يُجز بعضهم) بجيمٍ مكسورةٍ، وزاي، مِن الجَواز، وعند الأَصِيْلِي: ولم يَجُرَّ براءٍ مشددةٍ، أي: لم يصرفْه.

77 - (والمرسلات)

واعلم أنَّ قراءة نافع، والكِسائي بالتَّنوين، والباقون بغير تنوينٍ، ووقَفوا عليه بالألف، ومنهم مَن يقِف عليه بدُونها، فعدَم تنوينه ظاهرٌ؛ لأنَّه صيغة مُنتَهى الجُموع، ومَن جوَّز تنوينَه فإما للتَّناسُب، لأنَّ ما قبلَه منوَّنٌ، وإما لأنَّ بعض العرَب يصرِف كلَّ ما لا ينصرِف؛ لأنَّ الأصل في الأسماء الصَّرْف. (الغَبِيط) بفتح المعجمة، وكسر المُوحَّدة، وبالمهملة: شيءٌ يُشابِه المِحَفَّة، بكسر الميم، أو الهوْدَج. * * * 77 - (وَالْمُرْسلاَتِ) (سورة {وَالمُرسَلاَتِ} [المرسلات: 1]) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {جِمَاَلَتٌ}: حِبَالٌ. {اركعُوا}: صَلُّوا لَا يُصَلُّونَ. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لا ينطِقُونَ}، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، {اليومَ نَخْتِمُ}، فَقَالَ: إِنَّهُ ذُو ألوَانٍ: مَرَّةً يَنْطِقُونَ، وَمَرَّةً يُخْتَمُ عَلَيهِم. قوله: (كالقصر) كذا ثبَت بسُكون الصَّاد، وإنما هو بفتحها، وكذا قيَّدَه صاحب "النِّهاية" وغيرُه، فإنَّها المَشهور من قراءة ابن عبَّاس، كأنَّه فسَّر قِراءته جمع: قَصَرة بالفتح، وهي أَعْناق الإبِل، والنَّخيل، وأُصول الشَّجَر. قال ابن قتيبة: القَصر: البِناء، ومَن فتَح الصاد أَراد أُصول النَّخْل

المَقطوعة، ويُقال: أَعناق النَّخل، شبَّههما بقَصْر النَّاس، أي: أَعناقهم. (جمالات) قال السَّفَاقُسي: يُريد: (جِمالات) بكسر الجيم، وقيل: بضمِّها: إبِلٌ سودٌ، واحدها: جِمالةٌ، وجِمالةٌ جمع: جَمَل، كحِجارة جمع؛ حجَر، فهو جمعُ الجمعِ. قال الهرَوي: ومَن قرأَ (جُمَالات) -بضم الجيم- ذهب به إلى الحِبَال الغِلاظ التي يُشدُّ بها الجِسْر، والسُّفُن، وقال مجاهد في قوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40]، هو حَبْل السَّفينة، وذكَر ابن فارس عن الفَرَّاء: أنَّ الجُمالات ما جُمع من الحِبال، فعلى هذا هو بضم الجيم في الأَصْل. (اركعوا)؛ أي: صلُّوا، فهو من إطلاق الجُزء على الكُلِّ. (لا ينطقون) لا يُنافي قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إلا أَنْ قَالُوا} [الأنعام: 23]، ونحو ذلك مما يقتَضي أنَّهم يَنطِقون؛ لأنَّ يوم القيامة مَواطِنُه مُختلفةٌ يُنطَق في بعضها، ولا يُنطَق في بعضها كما أجابَه به ابن عبَّاس. * * * 4930 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {وَالمُرسلَاتِ}، وَإِنَّا لنتلَقَّاها مِنْ فِيهِ فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ، فَابْتَدَرنَاها فَسَبقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحرها، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وُقِيَتْ

شَرَّكم، كمَا وُقِيتُم شَرَّها". 4931 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا يحيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ بِهذَا. وَعَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ حَفْصٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَد. قَالَ يَحيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. 4931 / -م - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: بَيْنَا نَحنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَارٍ إِذْ نزَلَتْ عَلَيْهِ: {والمرسلات}، فتلَقَّيْنَاها مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِها إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمُ اقْتُلُوها"، قَالَ فَابْتَدَرناَها فَسَبقَتْنَا، قَالَ: فَقَالَ: "وُقِيَتْ شَرَّكم، كمَا وُقيتُم شَرَّهَا".

قوله: {إنها ترمي بشرر كالقصر}

الحديث الأول، والثاني: (فابتدروها)؛ أي: فسبقناها، ولا يُنافي ذلك قوله: (فسبقَتْنا)؛ لأنَّهم كانوا سابقِين أولًا، وصاروا مَسبوقين آخِرًا. (شركم) نُصب لأنَّه مفعولٌ ثانٍ. (لرطب)؛ أي: لم يَجِفَّ رِيقُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؛ لأنَّه كان أوَّلَ نُزوله. * * * قوله: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} 4932 - حدثنا مُحَمَّدُ بنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَابِسٍ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}، قَالَ: كُنَّا نَرْفَعُ الْخَشَبَ بِقَصَرٍ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلَّ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ. * * * قوله: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} (باب {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33]) 4933 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنَا يَحيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {تَرمِي بِشَرَرٍ}: كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبةِ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ

قوله: {هذا يوم لا ينطقون}

فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ. {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ}: حِبَالُ السُّفْنِ تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ. (وبعده): * * * قوله: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} (باب: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} [المرسلات: 35]) 4934 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَمَا نحنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَارٍ، إِذْ نزَلَتْ عَلَيْهِ: {والمرسلات}، فَإِنَّهُ لَيتلُوها وَإنِّي لأتلَقَّاها مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطبٌ بِها، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (اقْتُلُوها)، فَابْتَدَرناَها فَذَهبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وُقيَتْ شَرَّكم، كمَا وُقيتُم شَرَّها". قَالَ عُمَرُ: حَفِظْتُهُ مِنْ أَبِي: فِي غَارٍ بِمِنًى. الحديث الأول، والثاني: (بقيد) بحرف الجر، وكسر القاف، وسُكون الياء، أي: بقَدْرٍ، وفي بعضها بدُون هذه الكلمة بالكُليَّة. (للشتاء)؛ أي: لأَجْل الشِّتاء، والاستِسْخان به. قال في "الكشاف": قيل: هو الغَليظ من الشَّجَر.

78 - (عم يتساءلون)

(تجمع) أي: تجمع بعضها إلى بعضٍ حتى تَصيرَ قويَّة غليظةً كوسَط الرَّجُل. * * * 78 - (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ) (سورة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1]) قَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا يَرْجُونَ حِسَابًا}: لَا يَخَافُونَهُ. {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}: لَا يُكَلِّمُونه إِلَّا أَنْ يَأذَنَ لَهُم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وهَّاجًا}: مُضِيئًا. {عَطَاءً حِسَابًا}: جَزَاءً كَافِيًا، أَعْطَانِي مَا أَحْسَبَنِي؛ أَيْ: كَفَانِي. {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}: زُمرًا. قوله: (لا يخافون)؛ أي: الرَّجاء يُستعمل في الأَمَل والخَوْف. (غسقت عينه)؛ أي: دمَعتْ، كذا قال ابن عَطيَّة، وقال الجَوْهري: أظلَمتْ. (أي كفاني) في بعضها: (كافَأني). (صوابًا) في قَوله وعمَله. (باب: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [النبأ: 18]) 4935 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ

79 - {والنازعات}

أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ"، قَالَ: أَربَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: "أَبَيْتُ"، قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: "أَبَيْتُ"، قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: "أَبَيْتُ"، قَالَ: "ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً. 4935 / -م - فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ، لَيْسَ مِنَ الإنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (أبيت) بالفتح، أي: أبَيْتُ أن تعرفه، فإنه غيبٌ لم يَرِد الخبَرُ ببَيانه، وإنْ رُوي بالضَّمِّ فمعناه: أن أقُولَ في الخبَر ما لم أَسمعْه، وقد جاء عنه مثلُه في حديث العَنوَى والطِّيَرة. (يبلى)؛ أي: يَخْلَق. (عَجْب) بفتح المهملة، وسُكون الجيم: الأَصْل، فهو أوَّل ما يُخْلَق، وآخِر ما يَخْلَق. * * * 79 - {وَالنَّازعَاتِ} (سورة: {وَالنَّازِعَاتِ} النازعات: 1]) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اَلآيَةَ الكبرى}. عَصَاهُ وَيَدُهُ. يُقَالُ:

النَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ سَوَاءٌ، مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمعِ، وَالْبَاخِلِ وَالْبَخِيلِ، وَقَالَ بَعْضُهم: النَّخِرَةُ: الْبَالِيَةُ، وَالنَّاخِرَةُ: الْعَظْمُ الْمُجَوَّف الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {اَلحَافِرَةِ}: الَّتِي أَمرُنَا الأَوَّلُ إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: {أيان مرسها}: مَتَى مُنْتَهاها، وَمُرْسَى السَّفِينَةِ: حَيْثُ تنتَهِي. قوله: (الناخرة والنخرة سواء) يُريد استواءَهما في أصل المعنى، وإلا ففي النَّخِرة مُبالغةُ ليست في النَّاخِرة. (العظم المجوف)؛ أي: الذي تَمرُّ فيه الرِّيح، فيُسمع له نَخيرٌ، أي: صوتٌ. * * * 4936 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أبو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هكَذَا بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإبْهامَ: "بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهاتَيْن". (بعثت والساعة) بالنَّصب والرَّفع كما سبق. والغرَض أنَّ مَبْعثه - صلى الله عليه وسلم - من أشراط القيامة، وهما متقاربان.

80 - {عبس}

80 - {عبس} (سورة عبَسَ) {عَبَس}: كَلَحَ وَأَعْرَضَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُّطهرة}: لَا يَمَسُّها إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، وَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلهِ: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}، جَعَلَ الْمَلاَئِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً؛ لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْها التَّطْهِيرُ، فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ حَمَلَها أَيْضًا. {سفَرَة}: الْمَلاَئِكَةُ، وَاحِدُهُم: سَافِرٌ، سَفَرْتُ: أَصلحتُ بَيْنَهُم، وَجُعِلَتِ الْمَلاَئِكَةُ إِذَا نزَلَتْ بِوَحيِ اللهِ وَتأدِيتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تصدَّى}: تَغَافَلَ عَنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَمَّا يَقضِ}: لَا يَقْضِي أَحَد مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ترهقها}: تَغْشَاها شِدَّة. {مسفرة}: مُشْرِقَة، {بأيدِي سَفَرَةٍ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبةٍ، {أسفارا}: كُتُبًا. {تلهى}: تَشَاغَلَ، يُقَالُ: وَاحِدُ الأَسْفَارِ: سِفرٌ. قوله: (لأن الصُّحُفَ يقع عليها التطهير) يُريد أنَّه لما كانت الصُّحف تتصِف بالتَّطهير وصفَ به حامليها، أي: المَلائكة، فقال: {إلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]، كما في: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5]، فإنَّ التَّدبير لمَحمُولِ خُيول الغُزاة، فوُصِف الحامِل يعني: الخُيول به، فقيل: والمُدبِّرات، وفي بعضها: (لا يقَع) بزيادةِ: (لا)، وفي تَوجيهه تكلُّفٌ. (وتأديته)؛ أي: تَبليغه، وفي بعضها: (وتأْديبِه) مِن الأدَب، وقال ابن عبَّاس: يعني: كَتْبَه.

(تصدى)؛ أي: تَتصدَّى، فحذف إحدى التاءَين، أي: تتَغافَل وقال في "الكشَّاف": أي: تتعرَّض له بالإقْبال عليه، وهذا هو المُناسِب المَشهور. وقال الحافظ أبو ذَرٍّ: إنَّ تفسيره بتَغافَل عنه ليس بصحيحٍ، إنَّما يُقال: تصدَّى للأمر: إذا رفَع رأْسَه إليه، فأَمَّا تلهَّى فتَغافَل، وتَشاغَل عنه. وقال السَّفَاقُسي: فقيل تتَصدَّى: تعرَّض، وهو الذي يَليق بتفسير الآية؛ لأنَّه لم يَتغافل عن المُشرِك، إنما تغافَلَ عمَّن جاءَه يَسعَى. * * * 4937 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبة، حَدَّثَنَا قتادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يُحَدِّثُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرآنَ وَهْوَ حَافظٌ لَهُ، مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهْوَ يتعَاهدُهُ وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ". (مثل السفرة) في بعضها: (مع السَّفَرة)، قيل: معناه صفة كما في: {مَّثَلُ الجَنَّةِ} {الرعد: 35]. (يتعاهده)؛ أي: يَضبطُه، ويَتفقَّدُه، والأفضل: مِنْهما هو الأَوَّل؛ لاعتِنائه بالحِفْظ.

81 - {إذا الشمس كورت}

والرَّابط بين المُبتدأ وهو: مَثَل، وخبَره وهو: مع السَّفَرة، وكذا في القِسْم الآخَر: أنَّ المَثَل بمعنى المَثِيْل؛ يعني: شَبيهُه مع السَّفَرة، فكيف به. قال (خ): السَّفَرة الكَتَبة، وهم الملائكة، واحدُهم: سَافِرٌ ككاتِب وكَتَبَة، وقيل للكِتاب السِّفْر؛ لأنَّه يُسفِر عن الشَّيء، أي: يُوضحُه. وقيل: الذي يَقرأُ على الوَجْه الذي ذكَره من سُهولة القرآن، وتعذُّرها كأنَّه قال: صِفَتُه وهو حافظٌ له كأنَّه مع السَّفَرة الكرام في قِراءته، أو فيما يَستحقُّه من الثَّواب، وصفتُه وهو عليه شديدٌ أنْ يَستحقَّ عليه أَجْرَين. * * * 81 - {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (سورة التَّكْوير) {انْكَدَرَتْ}: انتثَرَتْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {سُجِّرَت}: ذَهبَ مَاؤُها فَلَا يَبْقَى قَطْرَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَسْجُورُ: الْمَمْلُوءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سُجرَتْ: أَفْضَى بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا. وَالْخُنَّسُ: تَخْنِسُ فِي مُجْرَاها تَرْجِعُ وَتَكْنِسُ تَسْتَتِرُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ. {تَنَفَّسَ}: ارْتَفَعَ النَّهارُ. وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهمُ، وَالضَّنِينُ: يَضَنُّ بِهِ. وَقَالَ عُمَرُ

82 - (إذا السماء انفطرت)

{النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}: يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}. {عَسعَسَ}: أَدبَرَ. قوله: (سجرت) يُطلَق على الامتِلاء، وعلى ذَهاب الماء، فهو من الأضْداد. (الخنس) المُراد بهاء الكواكِب السَّبْعة. (بضنين) أي: بالضاد، وبه قُرئ أيضًا، مِن ضنَّ به يضِنُّ، بالفتح والكسر، أي: بَخِل، وفسَّرَه به ليُعلم أنَّه فَعيلٌ بمعنى: فاعِل، بخلاف ظَنِيْن، فإنَّه بمعنى: مَفعُول. (عسعس: أدبر) هو قول ابن عبَّاس وغيره، وقيل: أقبَلَ، ورُجِّح الأول بقوله بعد: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18]، فكأنهما حالانِ مُتصلِتانِ. وقال الخَليل، والمُبرِّد: أَقسَمَ بإقْباله وإِدْباره معًا. * * * 82 - (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (سورة الانْفِطار) وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: {فُجِّرَتْ}: فَاضَتْ. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ: {فَعَدَلَكَ} بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَرَادَ: مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، وَمَنْ خَفَّفَ؛ يَعْنِي: فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ، إِمَّا

83 - ويل للمطففين

حَسَنٌ وَإِمَّا قَبِيحٌ، وَطَوِيلٌ وَقَصِيرٌ. قوله: (وقال الربيع بن خُثيم: فجرت) قراءَتُه على تَفسيره بتخفيف الجيم؛ فإنَّها المَنسوبة إليه. (فعدلك) إلى آخر ما ذَكَر فيه، حاصلُه أنَّ التَّثقيل على معنى: جَعَلَك مُتناسِبَ الأطْراف، فلم يَجعلْ إحدى يدَيكَ أو رِجلَيك أَطْوَلَ، ولا إحدى عَينَيك أوسَع. وأما بالتَّخفيف، فمعناه: صَرَفَك إلى ما شاءَ من الهيئاتِ والأَشْباه، والأَشْكال، ويَحتَمل رُجوعها إلى معنى التَّثقيل أيضًا، أي: عَدَّل بعض أعضائك. (في أي صورة) لا يكُون على هذا متعلِّقًا بـ (عَدَلك)؛ بل مُستأنَفٌ تفسير لقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8]. * * * 83 - ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رَانَ}: ثَبْتُ الْخَطَايَا. {ثُوِّبَ}: جُوزِيَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُطَفِّفُ: لَا يُوَفي غَيْرَهُ. (سورة التَّطْفيف) هو النَّجْش في الكَيل، أو المِيْزان.

84 - إذا السماء انشقت

(ثبت الخطايا) روي بكسر المُوحَّدة وفتحها، يُقال: رانَ على قَلْبه، أي: غلَب عليه الدَّنْب، والإصرار، ورَانَ فيه، أي: رسَخَ فيه. (ثُوب: جوزي) أي: سواءٌ في الخَير أو الشَرِّ. * * * 4938 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا معْنٌ، قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُم فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ". (أنصاف أُذنيه) ليس مثل: {فَقد صغَت قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، لأنه ليس لكلِّ شخصٍ إلا قلبٌ واحدٌ، ولكلِّ شَخصٍ أُذنان، فهو من إضافة جمعٍ لجمعٍ حقيقةً ومعنًى. * * * 84 - إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (سورة الانْشِقاق) قَالَ مجَاهِدٌ: {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}: يَأخُذُ كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِه. {وَسَقَ}: جَمَعَ مِنْ دابَّةٍ. {ظَنَّ أَنْ لَن يَحوُرَ}: لَا يَرْجِعَ إِلَيْنَا. قوله: (يأخذ كتابه من وراء ظهره)؛ أي: قال مُجاهد: أَخْذ

الكتاب بالشِّمال يَستلزِم أخْذَه مِن وراء ظَهْره، وبالعكس. * * * (باب: {فَسَوْفَ يحُاسَبُ} [الانشقاق: 8]) 4939 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. 4939 / -م 1 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 4939 / -م 2 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحيَى، عَنْ أَبِي يُونس حَاتِم بْنِ أَبِي صغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسبُ إِلَّا هلَكَ"، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، أليْسَ يَقُولُ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ قَالَ: "ذَاكَ الْعَرْضُ يُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقشَ الْحِسَابَ هلَكَ". (ابن أبي مليكة عن عائشة) كذا أَوردَه بسنَدٍ آخَر عن ابن أبي مُلَيكة، عن القاسِم، عن عائشة، فيَحتمل أنْ يكون ابن أبي مُلَيكة سَمعَه أوَّلًا من القاسِم عن عائشة، ثمَّ لَقِيَ عائشةَ، فسمعَه منها، فجمَع البخاريُّ بينهما.

85 - البروج

(العرض) هو الإِبْداء والإِبْراز، وقيل: أَن يُعرَّف ذُنوبَه، ثم يَتجاوَزُ عنه. (نوقش) المُناقَشة هي الاستِقصاء في الأمر. (الحساب) نصب على نزْع الخافِض. وسبق في (كتاب العلم). * * * (باب: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19]) 4940 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ جَعفَرُ بْنُ إِيَاسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}: حَالًا بَعدَ حَالٍ، قَالَ هذَا نبَيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. (حالًا بعد حال) قال السَّفَاقُسي: هذا تفسيرٌ لِـ (تَركبَنَّ) بفتح المُوحَّدة، ومَن قرأَها بالضم يعني: النَّاس. * * * 85 - الْبُرُوجِ (سورة البُروج) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اَلأخدُودِ}: شَقٌّ فِي الأَرْضِ. {فَتَنُوا}: عَذَّبُوا.

86 - الطارق

قوله: (شق في الأرض) زاد غيره: (مُستَطيلٌ). * * * 86 - الطارِقِ (سورة الطارق) وَقَالَ مُجَاهدٌ: {ذات الرجع}: سَحَابٌ يَرْجِعُ بِالْمَطَرِ. {ذَات الصدع}: الأرض تتصَدع بِالنَّبَاتِ. * * * 87 - (سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ) (وسورة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1]) 4941 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرني أَبِي، عَنْ شُعبةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُصْعَبُ بنُ عُمَيرٍ وَابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلاَ يُقْرِئَانِنَا الْقرآنَ، ثمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلاَلٌ وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثمَّ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُم بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلاَئِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هذَا رَسُولُ اللهِ قَدْ جَاءَ، فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فَي سُوَرٍ مِثْلها.

88 - (هل أتاك حديث الغاشية)

(في عشرين)؛ أي: في جُملةِ عشرين صحابيًّا. (الولائد) جمع: وَلِيْدَة، وهي الصَّبيَّة الأَمَة. (- صلى الله عليه وسلم -) زعم أبو ذَرِّ أنَّ ذِكْر الصلاة هنا قبْل مَشروعية الصَّلاة عليه والسَّلام؛ لأنَّ ذلك إنما كان في السنَة الخامسة، وقد رُدَّ عليه بأنَّ في حديث الإسراء ذِكْرَ الصلاة والسلام، وذلك بمكَّة. قلتُ: وأنا أَعتِبُ على شيخنا (ش) ذِكْرَ هذا من أَصْله. * * * 88 - (هلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) (سورة الغاشِيَة) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {عاملةٌ ناصبة}: النَّصَارَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَيْنٍ آنِيَةٍ}: بَلَغَ إنَاهَا وَحَانَ شُربُها. {حَمِيمٍ آنٍ}: بَلَغَ إنَاهُ. {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً}: شَتْمًا. الضَّرِيعُ: نَبْتٌ يُقَالَ لَهُ: الشِّبْرِقُ، يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ: الضَّرِيعَ إِذَا يَبِسَ، وَهْوَ سَمٌّ. {بِمُصَيْطِرٍ}: بِمُسَلَّطٍ، وَيُقْرَأُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِيَابَهُمْ}: مَرْجِعَهمْ. قولُه: (الشِّبْرِق) قال الجَوْهري: الشِّبْرق، بالكسر: نبتٌ، وهو رَطْبٌ يُؤكَل، فإذا يَبِسَ سُمي الضَّرِيع.

89 - (والفجر)

89 - (وَالْفَجْرِ) (سورة: {وَاَلفَجْرِ} [الفجر: 1]) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْوَتْرُ: اللهُ. {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}: الْقَدِيمَةِ، وَالْعِمَادُ: أَهْلُ عَمُودٍ لَا يُقِيمُونَ. {سَوطَ عَذَابٍ}: الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ. {أَكلًا لَمًّا}: السَّفُّ. وَ {جَمًّا}: الْكَثِيرُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ شَفْعٌ، السَّمَاءُ شَفْعٌ، وَالْوَتْرُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: {سوْطَ عَذَابٍ}: كَلِمَةٌ تَقُولُها الْعَرَبُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ يَدخُلُ فِيهِ السَّوْطُ. {لَبِالْمِرْصَادِ}: إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. {تَحَاضُّونَ}: تُحَافِظُونَ، وَيَحُضُّونَ: يَأْمُرُونَ بإطعَامِهِ. {الْمُطْمَئِنَّةُ}: الْمُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ}: إِذَا أَرَادَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - قَبْضَها اطْمَأَنَّتْ إِلَى اللهِ، وَاطْمَاَنَّ اللهُ إِلَيْها، وَرَضِيَتْ عَنِ اللهِ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْها، فَأَمَرَ بِقَبْضِ رُوحِها، وَأَدخَلها اللهُ الْجَنَّةَ، وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {جَابُوا}: نَقَبُوا، مِنْ جِيْبَ الْقَمِيصُ: قُطِعَ لَهُ جَيْبٌ. يَجُوبُ الْفَلاَةَ: يَقْطَعُها. {لَمَّا}: لَمَمتُهُ أَجْمَعَ، أتيْتُ عَلَى آخِره. قوله: (العماد)؛ أي: أَهل عادٍ لا يُقيمون، أي: يَنتجِعُون لطلَب الكلأ. وقال (ك)؛ أي: القَديمة؛ لأنّ عادًا الأُولى هي القَديمة، وعادٌ الأخيرة؛ فإِرَم عطفُ بيانٍ لعادٍ إيذانًا بأنَّهم عادٌ الأُولى القَديمة، وهي اسم أرضِهم التي كانوا فيها.

90 - (لا أقسم)

(أهل عمود)؛ أي: كانوا بَدَويين أهلَ خِيَامٍ غير مُقيمين في بلدٍ. (سوط عذاب) وهو الذي عُذبوا به، وقيل: هي كلمةٌ تقُولها العرَب لكلِّ نوعٍ من العَذاب يدخُل فيه السَّوط. (لمًّا: السفُّ) هو بالمهملة، قال أبو زَيد: سَفَفتُ الدَّواء أَسُفُّه سَفًّا: إذا أكثَرتَ من شُربه من غير أنْ تُروَى، ويُروى بالمُعجمة، وهو الإكْثار مِن الأكْل الشَّديد، وإنما استُعمل السَّفُّ في الشُّرب في حديث أُمِّ زَرْع في: (وإنْ شَرِبَ استَفَّ)، فذاك بمعنى: أَبقَى بَقيَّةً. (تحاضون)؛ أي: تُحافظون، وتَحضُّون، أي: تأمُرون بإطْعامه. (شفع) كلُّ مَخلوقٍ شفْعٌ. (والوتر) هو الخالق، قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]، وأما كَون السَّماء سَبْعًا، والأَرض سَبْعًا، فالسَّماء شفْعٌ للأرض. * * * 90 - (لَا أُقْسِمُ) (سورة البَلَد) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بِهَذَا الْبَلَدِ}: مَكَّةَ، لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ الإثْم. {وَوَالدٍ}: آدَمَ. {وَمَا وَلَدَ}. {لُبَدًا}: كَثِيرًا. وَ {النَّجْدَيْنِ}: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. {مَسْغَبَةٍ}: مَجَاعَةٍ. {مَتْرَبَةٍ}: السَّاقِطُ

91 - (والشمس وضحاها)

فِي التُّرَابِ. يُقَالُ: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}: فَلَمْ يَقْتَحِم الْعَقَبةَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ فَسَّرَ الْعَقَبةَ فَقَالَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}. قوله تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: 3] أي: آدَم وأَولاده، وقيل: إبراهيم ورَسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه من نسلِه. (النجدين): الخَيْر والشَّر. * * * 91 - (وَالشَّمسِ وَضُحَاها) (سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بِطَغْوَاهَا}: بِمَعَاصِيها. {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}: عُقْبَى أَحَدٍ. قوله تعالى: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 15]؛ أي: عُقبَى أَحَدٍ، وأنَّث الضَّمير لرُجوعه إلى نفْسٍ، وعبَّر عن نفْسٍ بالأَحَد، أو إلى ثَمود، واعتبَر كلَّ واحدٍ منهم على سَبيل التَّفصيل، أو معناه: لا يَخافُ عاقبةَ الدَّمدَمَةِ لأَحدٍ. وفي بعضها: (أَخْذ) بمعجمتين، وهو معنَى الدَّمْدَمة، أي: الهلاك العامُّ. * * *

4942 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمعَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " {إذِ انبَعَثَ أَشقَاهَا}: انْبَعَثَ لَها رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ"، وَذَكَرَ النِّسَاءَ، فَقَالَ: "يَعْمِدُ أَحَدكم يَجْلِدُ امرَأتهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُها مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ"، ثُمَّ وَعَظَهُم فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرطَةِ، وَقَالَ: "لِمَ يَضْحَكُ أَحَدكم مِمَّا يَفْعَلُ". وَقَالَ أبو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زمعَةَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِثْلُ أَبِي زمعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ". (الناقة)؛ أي: ناقةُ صالح. (عارم) بمهملتَين، أي: شِرِّيرٌ مُفسِدٌ، وقيل: جاهلٌ شَرِس. (منيع)؛ أي: قويٌّ ذُو منَعةٍ. (رهط)؛ أي: قوم. (أبي زمعة) هو الأَسْوَد المذكور آنِفًا، قال (ش): هو بفتح الزاي، والميم. قال القُرطبيُّ في "المُفهِم": يحتمل أنَّه الصَّحابيُّ الذي بايَعَ تحت الشَّجَرة، وشَبَّهه بأنَّه كان في عِزَّةٍ ومنَعَةٍ في قَومه كما كان ذلك الكافِرُ، ويحتمل أنْ يُريد غيرَه ممن سُمِّي بأَبي زَمَعة من الكفَّار.

92 - (والليل إذا يغشى)

وقال الدِّميَاطِي: هو الأَسْوَد بن المُطَّلِب بن أَسَد بن عبد العُزَّى جَدُّ الرَّاوي عبد الله بن زَمَعَة، وقُتل زَمَعة يوم بدْرٍ كافرًا، وكان يُقال للأَسوَد وهو أَحَد المُستَهزئين: مُسلِم بن مُسلِم بن مُسلِم؛ لإصلاحهم بين المُتفاسِدين والمُتهاجِرين من قُريش. (يعمد) بكسر الميم. (وقال أبو معاوية) وصلَه إسحاق بن راهوَيْهِ باللَّفظ الذي علَّقَه البخاري. (عم الزُّبَير) قال الدِّمْيَاطِي: إنما هو ابن عمِّ أبيه العَوَّام بن خُويلِد بن أَسَد، وأبو زَمَعة الأَسوَد بن المُطَّلِب بن أعبد بن عبد العُزَّى، أجاب (ك): إنَّه أطلَق عليه بهذا الاعتِبار (عَمُّ) مَجازًا بهذه المُلابَسة. وفي الحديث الوصيَّة بالنِّساء، والإحجام عن ضَربهنَّ، والأَمر بالإغْماضِ والتَّجاهُل، والإغراض عن سَماع صَوتِ الضُّراط، والاشتِغال بما كانَ فيه. * * * 92 - (وَالليْلِ إِذَا يَغْشَى) (سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1]) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (بالحسنى): بِالْخَلَفِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَرَدَّى}: مَاتَ. و {تَلَظَّى}: تَوَهَّجُ وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: (تتلَظَّى).

قوله: (بالحسنى)؛ أي: بالفَعلَة الحُسْنَى، وهو الخلَف [من الله تعالى] (¬1) عن إعطائِه، والعِوَض عن إنْفاقه. (وقرأ عُبيد بن عُمير: تتلظى) كما وقع في "تفسير سَعيد بن مَنْصُور" فيما رواه عن ابن عُيَيْنة، وداود العَطَّار، عن عمرو بن دينار، عن عُبَيد بن عُمَير: (تَتلَظَّى) بتاءَين، والمَعروف عند أصحاب القِراءة عن عُبَيد بن عُمَير: (تَّلَظَّى) بتثقيل التاء، أي: بالإدغام، أي: سُكنتْ أُولى التاءَين وأُدغمتْ في الثانية في الوَصل لا في الابتِداء، وبها قَرأَ ابن كَثير في رواية البَزِّي، ولا خِلافَ في الابتِداء في ذَهاب الإدغام والقِراءةِ بتاءٍ واحدةٍ مفتوحةٍ، ولا يَجوز الإِدغامُ؛ لتعذُّرِ الابتداء بساكنٍ. * * * (باب: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2]) 4943 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصحَابِ عَبْدِ اللهِ الشَّأْمَ، فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْداءِ فَأَتَانَا، فَقَالَ أَفِيكُم مَنْ يَقْرَأُ؟ فَقُلْنَا: نعم، قَالَ: فَأيُّكُم أَقْرَأُ؟ فَأَشَارُوا إِلَيَّ، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَرَأْتُ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهارِ إِذَا تَجَلَّى * وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى) قَالَ: أَنْتَ سَمِعتها مِنْ فِي ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل و"ف".

{وما خلق الذكر والأنثى}

صَاحِبِكَ؟ قُلْتُ: نعم قَالَ وَأَنَا سَمعتُها مِنْ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهؤُلاَءِ يَأبَوْنَ عَلَيْنَا. (من في صاحبك)؛ أي: من فَمِ عبد الله بن مَسعود. (وهؤلاء)؛ أي: أهل الشَّام يَأبَون ذلك، ويَقرؤُون المُتواتر: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]. * * * {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (باب: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]) 4944 - حَدَّثَنَا عُمَرُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَدِمَ أصحَابُ عَبْدِ اللهِ عَلَى أَبِي الدَّرداءِ، فَطَلَبَهُم فَوَجَدَهُم، فَقَالَ: أيُّكُم يَقْرَأُ عَلَى قِراءَةِ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: كلُّنَا، قَالَ: فَأيُّكُم يَحفَظُ؟ وَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ، قَالَ: كَيْفَ سَمِعتَهُ يَقْرَأُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} قَالَ عَلْقَمَةُ: {والذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، قَالَ: أَشْهدُ أنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ هكَذَا، وَهؤُلاَءِ يُرِيدُوني عَلَى أنْ أَقْرَأَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، وَاللهِ لا أتابِعُهُمْ. (والله لا أتابعهم) استُشكِل بأنَّ قراءتَهم هي المُتواترة، فكيف لا يُتابعُهم فيها؟!، ولا إشكالَ، فإنَّ سَماعَه ذلك من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلُ المُتواتِر عنه، فهو طريقٌ آخرُ في اليَقين، وقيل: عُذْر عبد الله، وأبي

قوله: {فأما من أعطى واتقى}

الدَّرْدَاء في قراءتِهما: {والذكر والأُنثى} [الليل: 3] أنَّهما لم تبلُغْهما الزِّيادةُ. * * * قوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (باب: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5]) 4945 - حَدَّثَنَا أبو نعيْم، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ سَعدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ، فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَد كتبَ مَقْعَدُهُ منَ الْجَنَّة وَمَقْعَدُهُ منَ الِنَّار"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! أفلاَ نتَّكِلُ؟ فَقَالَ: "اعمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إِلَى قَوْلهِ: {للعسرى}. (بَقِيع) بفتح المُوحَّدة، وكسر القاف، وبمهملةٍ: مَقبرةُ المَدينة، وأُضيف إلى الغَرْقَد -بفتح المعجمة، والقاف، وسُكون الراء، وبمهملةٍ- لغَرقَدٍ فيه، وهو ما عَظُم من العَوسَج. (نتكل)؛ أي: نَعتمدُ على كِتابنا الذي قَدَّر اللهُ عَلينا، فقال: أنتم مأمُورُون بالعمَل، فعَليكُم بمُتابعة الأَمر، فكلُّ واحدٍ منكم مُيسَّرٌ لمَا خُلِقَ له، وقُدِّرَ عليه. * * *

{فسنيسره لليسرى}

(باب: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6]) 4945 / -م - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فيه الحديث السابق مختصرًا. * * * {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (باب: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 7]) 4946 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا يَنْكُتُ فِي الأَرض، فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَد كتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أفلاَ نتَّكِلُ؟ قَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} " الآيَةَ. قَالَ شُعبة: وَحَدَّثَنِي بِهِ مَنْصُورٌ، فَلَم أُنْكِرهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ. فيه الحديث أيضًا. * * *

{وأما من بخل واستغنى}

{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} (باب: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} [الليل: 8]) 4947 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَد كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّار"، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أفلاَ نتَّكِلُ؟ قَالَ: "لَا، اعمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} إِلَى قولهِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. فيه الحديث أيضًا. * * * قوله: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} (باب: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 9]) 4948 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبة، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلي - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأتانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَعَدَ وَقَعَدنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرةٌ فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرتهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانها مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ،

{فسنيسره للعسرى}

وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً"، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفلاَ نتَّكِلُ عَلَى كتَابِنَا وَندع الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادة فَسَيَصِيرُ إِلَى أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: "أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ. فيه الحديث أيضًا. (مخصرة) ما اختصَره الإنسانُ بيَده مِن عَصا أو غيره. وقال القتبِي: التَّخصير: إِمْساك القَضيب باليَدِ، وكانت المُلوك تَختَصِر بقُضبانٍ لها لتُشير بها، وتَصِل بها كَلامَها. * * * {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (باب: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10]) 4949 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنِ الأَعمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأرضَ، فَقَالَ: "مَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَد كتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أفلاَ نتَّكِلُ عَلَى كتَابِنَا وَندع الْعَمَلَ؟ قَالَ:

93 - (والضحى)

"اعمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادة، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّر لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ. فيه الحديث أيضًا. * * * 93 - (وَالضُّحَى) (سورة {وَاَلضُّحَى} [الضحى: 1]) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِذَا سجىَ}: اسْتَوَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَظْلَمَ وَسَكَنَ. {عَائِلًا}: ذُو عِيَالٍ. قوله: (سجا: استوى، وقال غيره: أظلم) هو لازِمٌ، وجاء مُتعدِّيًا. * * * 4950 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْس، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيانَ - رضي الله عنه - قَالَ: اشْتكَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَم يَقُم لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَجَاءَتِ امرَأةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي لأَرجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَككَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَأَنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.

قوله: {ما ودعك ربك وما قلى}

(اشتكى)؛ أي: مَرِضَ. (امرأة) هي أُمُّ جَميلٍ -بفتح الجيم- امرأةُ أَبي لَهبٍ كما في "مستدرك الحاكم" وغيره. وسبق في (صلاة الليل). (قرِبك) بكسر الراء، يقال: قَرِبَه يَقرَبُه متعدِّيًا، قال تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، فأما قَرُب من الشيء يَقرُب فلازمٌ. * * * قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَكَ وَمَا أَبْغَضَكَ. (باب: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3]) هو بتشديد الدال بمعنى: ما قَطَعك قَطْعَ المُودِّع، وبالتخفيف بمعنى: ما تَرَكَكَ. وقراءة الآية بالتَّخفيف حُجَّةٌ على قول الجَوْهري أنَّهم أماتُوا ماضيَه فلا يُقال: وَدَعَه، وإنما يُقال: تَرَكَه. * * *

94 - {ألم نشرح}

4951 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ، قَالَتِ امرَأةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلَّا أَبْطَأَكَ. فَنَزَلَتْ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. (يا رسول الله) قالت المرأة ذلك وهي كافرةٌ استِهزاءً، أو هو من تصرُّف الرَّاوي إصلاحًا للعِبَارة. (أُرى) بضم الهمزة، وعند أبي ذَرٍّ بفتحها. (أبطأك) قيل: صَوابه: أَبطَأَ عليكَ، أو عنْكَ، أو بكَ. قال (ك): هذا أيضًا صوابٌ، إذ معناه: ما أَرى صاحبَك -يعني جبريل- إلا جعَلَك بطأً في القِراءة، لأنَّ بُطْأَه في الإِقْراء بُطؤٌ في قِراءته، أو هو مِن باب حَذْف حرف الجرِّ، وإيْصال الفعل به. * * * 94 - {ألَمْ نَشْرَحْ} (سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح:1]) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وِزرَكَ}: فِي الْجَاهِلِيَّةِ. {أَنقَض}: أثقَلَ. {مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: أَيْ: مَعَ ذَلِكَ الْعُسْرِ يُسْرًا آخَرَ، كَقَولهِ {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} وَلنْ يَغلِبَ عُسْرٌ يسرينِ. وَقالَ مُجَاهِدٌ: {فَانصَب}: فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ. ويذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَلم نشَرَحْ}: شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ لِلإسْلاَمِ.

95 - {والتين}

قوله: (في الجاهلية) صِفةٌ للوِزْر لا مُتعلِّقٌ بالوَضْع. (أنقض: أثقل) باللام، ويُروى: (أَنْقَنَ) بالنون، والأول أَصوَب. قال الحافظ أبو ذَرٍّ الفِرَبْرِي: سمعتُ أبا مَعشَر يقول: أَنْقَضَ: أَثقَلَ، ووقَع في الكتاب خطأً: أَحكَمَ. (يسرًا آخر) إشارةٌ إلى قَول النُّحاة: النَّكرة المُعادة غيرُ الأُولى، والمَعرفة هي بعَينها، فالعُسر واحدٌ، واليُسر اثنان. (كقوله تعالى: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا} [التوبة: 52]) ووجْه تعلُّقه بالآية: أنَّ للمُؤمنين حُسنَيينِ في مُقابلة سبقِهم، وهو حُسن الظَّفَر، وحُسن الثَّواب. (ولن يغلب عسر يسرين) سَواءٌ أكان حديثًا أو أثرًا لا يَصِحُّ عطْفه على مَقولِ اللهِ تعالى، فيكون عطْفًا على قَول اللهِ لا على مَقوله. (في حاجتك)؛ أي: فَرغتَ من العِبادة، فاجتَهِد في الدُّعاء في قَضاء الحَوائج. * * * 95 - {وَالتِّينِ} (سورة {وَالتِّينِ} [التين:1]) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التِّينُ وَالزَّيْتُونُ الَّذِي يأكلُ النَّاسُ. يُقَالُ: {فَمَا يُكَذِبُكَ}: فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمَالِهِم، كَأَنَّهُ

96 - {اقرأ باسم ربك الذي خلق}

قَالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. 4952 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنهالٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَدِيٌّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاء - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إحدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {تقويم}: الْخَلْقِ. قوله: (يدانون)؛ أي: يُجازُون. (فما يكذبك) إلى قوله: (ومن يقدر) قال السَّفَاقُسي: كأنَّه جعَل (ما) لمَنْ يَعقِل، وهو بعيدٌ. قال (ش): يَجوز ذلك في المُبهم أَمرُه نحو: {مَا فِي بَطنِي مُحرَّرًا} [آل عمران: 35]. الحديث فيه ظاهرٌ. * * * 96 - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]) 4952 / -م - وَقَالَ قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ يَحيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: اكْتُبْ فِي الْمُصحَفِ فِي أَوَّلِ الإمَامِ: بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، وَاجْعَلْ بَيْنَ السّورتيْنِ خَطًّا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَادِيَه}: عَشِيرَتَهُ {الزَّبَانيَةَ}: الْمَلاَئِكَةَ. وَقَالَ {الرُّجْعَى}: الْمَرجِعُ. {لَنَسْفَعًا}:

قَالَ: لَنأخُذَنْ، وَ {لَنَسْفَعَنْ} بِالنُّونِ، وَهْيَ الْخَفِيفَةُ، سَفَغتُ بِيَدِهِ: أخذتُ. قوله: (في أول الإمام)؛ أي: أوَّل القُرآن، أي: اكتُب في أوَّله البَسملةَ فقط، ثم اجعَلْ بين كلّ سُورتَين خَطًّا علامةً للفاصِلة بينهما، وهذا مَذْهب حمزة من القُرَّاء السَّبْعة. قال الدَّاوُدي: إنْ أرادَ خَطًّا مع بسم الله الرَّحمن الرَّحيم فحسَنٌ، وإنْ أرادَ خَطًّا وحدَه؛ فليسَ كذلك. قال الزُّبَير: قلتُ لعُثمان: لِمَ لم تَكتُبوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بين الأَنْفال وبَراءة؟، فقال: ماتَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يُبيِّنْه، وأشكَلَ علينا. فإن قيل: ما وجْه تَخصيص البُخاري هذا الكلام بهذه السُّورة، وما وَجْه تعلُّقه بها؟ قيل: لمَّا قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] أَشعَر بأنَّه يبدأُ كلَّ سُورةٍ باسمِ الله، فأَرادَ أنْ يُبيِّن أن الحسَن قال: إذا ذُكر اسم الله في أوَّل القُرآن كان عامِلًا بمقتضَى هذه الآية. (ناديه)؛ أي: أهلَ نَادِيهِ. (الزبانية: الملائكة)؛ أي: ملائكة العَذاب الغِلاظ الشِّداد. (الخفيفة) قُرئ أيضًا بالمشدَّدة. * * * 4953 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَن عُقَيْلٍ، عَنِ ابنِ شِهابٍ.

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، أَخْبَرَنا أبو صَالحٍ سَلْمَويهِ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونس بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرني ابْنُ شِهابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْح، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيتحَنَّثُ فِيهِ -قَالَ: وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيتزوَّدُ بِمِثْلِها، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ"، قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغِ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذنِي فَغَطَّنِي الثَّانيِةَ حَتَّى بَلَغِ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} " الآيَاتِ، إِلَى قَوْلهِ: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، فَرَجَعَ بِها رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: "زَمِّلُوني زَمِّلُوني"، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، قَالَ لِخَدِيجَةَ: "أَيْ خَدِيجَةُ: مَا لِي، لَقَد خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، فَأَخْبَرَها الْخَبَرَ، قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، فَوَاللهِ إِنَّكَ لتصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ

الْمَعدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نوائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نوفَلٍ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيها، وَكَانَ امرَأً تنصَّرَ فِي الْجَاهِلِيةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجيلِ بِالْعَرَبِيّة مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: يَا عَمِّ! اسْمَع مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، قَالَ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أخَي! مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، لَيْتَنِي فِيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا، ذَكَرَ حَرْفًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُم؟ "، قَالَ وَرَقَةُ: نعم، لَمْ يَأتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا أُوذِيَ، وَإِنْ يُدرِكنِي يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ نصرًا مُؤَزَرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفي، وَفترَ الْوَحيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 4954 - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهابٍ: فَأَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحيِ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: "بَيْنَا أَنَا أمشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَفَرِقْتُ مِنْهُ فَرَجَعتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُوني زَمِّلُوني"، فَدَثَّرُوهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَهْيَ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِليةِ يَعبُدُونَ، قَالَ: ثُمَّ تتابَعَ الْوَحيُ.

قوله: {خلق الإنسان من علق}

قَوْله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} 4955 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُروَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}. قَوْله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم} 4956 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا معمرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (ح) وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، قَالَ مُحَمَّدُ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، جَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}. 4957 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهاب، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها: فَرَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي"، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. 4958 - حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيم الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاس: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ

97 - {إنا أنزلناة}

رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعبةِ لأَطَاَنَّ عَلَى عُنُقِهِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَوْ فَعَلَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ". تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيم. (حدثني عبد الله)؛ أي: ابن المُبارَك، رَوى عنه البخاريُّ بواسطةِ ثلاثةٍ، وهو غَريبٌ؛ إذ الغالِب أنَّ روايتَه عنه بواسطةِ واحدٍ. وقد مرَّ شرْحُ الحديث مطوَّلًا أول "الجامع". (الصالحة)؛ أي: باعتِبار صُورتها، أو تَعبِيْرها، أو صِدقِها. وفي الحديث أنَّ أوَّل ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]، وسبَق بيانُه. * * * 97 - {إنَّا أَنزَلنَاةُ} يُقَالُ: الْمَطْلَعُ: هُوَ الطُّلُوعُ، وَالْمَطْلِعُ: الْمَوْضعُ الَّذِي يُطْلَعُ مِنْهُ. {أَنْزَلْنَاهُ}: الْهاءُ كنَايَةٌ عَنِ الْقُرآنِ، أَنْزَلْنَاهُ مَخْرَجَ الْجَمِيعِ، وَالْمُنْزِلُ هُوَ اللهُ، وَالْعَرَبُ تُوَكِّدُ فعلَ الْوَاحِدِ فتجْعَلُهُ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ؛ لِيَكُونَ أثبَتَ وَأَوْكَدَ. (سورة {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر:1]) قوله: (كناية)؛ أي: الضَمير راجعٌ للقُرآن وإنْ لَم يَسبِق له ذِكْرٌ

في هذه السُّورة لفْظًا، لأنَّه مذكورٌ حُكمًا باعتبار أنَّه حاضِرٌ دائمًا في ذِهْن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لأَنَّ السِّيَاق يدلّ عليه، أو لأنَّ القُرآن كلَّه في حُكم سُورةٍ واحدةٍ. (مخرج) بالنَّصب، أي: خَرَج {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر:1] مَخرَج الجَمْع، وكان القِياس أنْ يكون بلفْظ المُفرَد، بأنْ يقول: إنِّي أنزلتُه، لأن المُنْزِل هو الله تعالى واحدٌ لا شَريكَ له، وبالرَّفع، أي: لفْظ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: 1] خارجٌ بلفْظ الجَمع. وفائدةُ العُدول عن ظاهره: التَّأكيدُ والإثْباتُ، لأنَّ العرَب إذا أَرادت التَّأكيدَ والإثْباتَ تذكُر المُفرَد بصيغة الجمع. هذا كلام البُخاري، لكن المَشهور في مِثْله أنَّ فائدتَه التَّعظيم، ويُسمَّى بجمع التَّعظيم. (المطلع) بفتْح اللام: مصدرٌ، وبكسرها: المَكان، فيحتمل أنَّ غرَضَه أنَّ الكلمةَ في الجُملة للمَكان لا المَذكورة في القُرآن؛ إذْ لا يَصحُّ بذلك المَعنى فيه. وقال الجَوْهري: يُقال: طلَعت الشَّمس مَطْلَعًا، ومَطْلِعًا، والمَطْلَع والمَطْلِع أيضًا: مَوضع طُلوعها، فكلا اللَّفظَين لكلا المَعنيَين. * * *

98 - {لم يكن}

98 - {لَمْ يَكُنِ} (سورة {لَمْ يَكُنِ} [البينة: 1]) {مُنفَكِينَ}: زَائِلِينَ. {قَيِّمَةٌ}: الْقَائِمَةُ. {دِينُ القَيِّمَةِ}: أَضاف الدِّينَ إِلَى الْمُؤَنَّثِ. قوله: (أضاف الدِّين إلى المؤنث) أي: أصلُه: دِيْن المِلَّة القَيِّمة المُستقيمة، فالدِّين مُضافٌ إلى مِلَّة وهو مُؤنَّثٌ، والقَيِّمة صِفَتُه، فحُذف المَوصوف. * * * 4959 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، سَمِعْتُ قتَادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأُبَيٍّ: "إِنَّ الله أَمَرَني أَنْ أقرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} "، قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: "نعَم"، فَبَكَى. 4960 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأُبَيٍّ: "إِنَّ الله أَمَرني أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرآنَ"، قَالَ أُبَيٌّ: آللهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: "اللهُ سَمَّاكَ لِي، فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي، قَالَ قتَادَةُ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}.

الحديث الأول، والثاني. * * * 4961 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ أَبِي داوُدَ أَبُو جَعفَرٍ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا رَوْح، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كعبٍ: "إِنَّ الله أَمَرَني أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرآنَ"، قَالَ آللهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: "نعم"، قَالَ: وَقَد ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: "نعم"، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. الثالث: (أحمد بن أبي داود) قال ابن مَنْدَه: المَشهور عند البَغادِدة أنه محمَّد بن عُبَيد الله، وقال بعضهم: إنَّ أحمدَ وَهْم من البخاري. قال (ك): البُخاريُّ أعرَفُ بشَيخه. (فذرفت) بفتح الراء، أي: سألَ دمعُها، ولا مُنافاة بين قوله هنا: (أُقْرِئَكَ)، وفي الرواية الأُخرى: (أَقرأ عليك)؛ لأنَّ القِراءة عليه نوعٌ من إقْراءه، وبالعكس. قال في "الصحاح": فلانٌ قَرأَ عليك السَّلام، وأَقرأَك السَّلام بمعنى. وقد يُقال أيضًا: كان في قِراءَته قُصورٌ، فأَمرَ الله - عزَّ وجلَّ - رسولَه - صلى الله عليه وسلم -

بأنْ يُقرئه على التَّجويد، ويَقرأَ عليه ليَتعلَّم منه حُسنَ القِراءة وجُودتَها، فلو صحَّ هذا القولُ كان اجتِماعُ الأمرين: القِراءةُ عليه، والإقراءُ ظاهرًا. أَمَّا وَجْه خُصوصيَّة هذه [الآية] فاللهُ أعلَمُ به، ويحتمِل لمَا فيها مِن ذِكْر أُصول الدِّين: التَّوحيد، والرِّسالة، وما تَثبُت به الرِّسالة من المُعجزة التي هي القُرآن، وفُروعه: من العِبادة، والإِخْلاص، وذِكْر المَعاد، والجنَّة والنَّار، وتَقسيمِهم إلى السُّعَداء، والأَشقياء، وخَيْر البَريَّة، وشَرِّهم، وأحوالِهم قبْل البِعثَة وبعدها، مع وَجازَة السُّورة، فإنَّها من قِصَار المُفصَّل. وقال (ن): فيه فوائد: استِحبابُ القِراءة على أَهل الحِذْق، والعِلْم، وإنْ كان القارئُ أفضَل، والمَنْقَبة الشَّريفة لأُبَيٍّ بقِراءة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا نَعلمُ أحدًا شاركَه في ذلك، وبذِكْر الله تعالى له في هذه المَنزلة الرَّفيعة، والبُكاءُ للسُّرور والفَرَحِ بما يُبشَّر به الإنسانُ، واستِبشارُه بقوله: أَسَمَّاني؟ لأنه جوَّز أنْ يكُون أمَره أنْ يَقرأَ على رجُلٍ من أُمَّته ولم يُعيِّنْه، فيُؤخذ منهُ الاستِثْبات في المُحتملات. واختُلِف في الحِكْمة في قِراءته عليه، والمُختار: أنَّ سبَبها أنْ تَستنَّ الأُمَّة بذلك في القِراءة على أهل الفَضْل، ولا يَأنَف أحدٌ من ذلك، وقيل: للتَّنبيه على جَلالة أُبَيٍّ وأَهليته لأَخْذ القرآن عنه، وكان بعد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رأْسا وإمامًا في القُرآن. * * *

99 - {إذا زلزلت الأرض زلزالها}

99 - {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة:1]) قوله: (واحد) غرَضه: أنَّ أَوْحَى ووَحَى بمعنَى واحدِ، وأنهما يتعدَّيان بـ (إلى) وباللام. * * * قوِلهِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} يُقَالُ: أَوْحَى لَها: أَوْحَى إِلَيْها، وَوَحَى لَها وَوَحَى إِلَيْها وَاحدٌ. (باب: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]) 4962 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالح السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَطَالَ لَها فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِها ذَلِكَ فِي الْمَرْج وَالرَّوْضَةِ، كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أنها قَطَعَتْ طِيَلَها فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارها وَأَزوَاثُها حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّها مَرَّتْ بِنهرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَم يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهْيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَها تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَم يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقَابها وَلَا ظُهُورِها فَهْيَ لَهُ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ

رَبَطَها فَخْرًا وَرِئَاءً ونِوَاءً فَهْيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ"، فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحُمُرِ، قَالَ: "مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ فِيها إِلَّا هذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. (في رقابها)؛ أي: بأَنْ يُؤدِّي زكاةَ تجارتها. (ظهورها)؛ أي: بأنْ يَركب عليها في سَبيل الله. (ونواء)؛ أي: مُناداة، وهي المُعاداة. (الفاذَّة) بالفاء، والمعجَمة: المنفردة، وجعلَها فَاذَّةً لخُلوِّها عن بَيان ما تحتَها من تفاصيل أنواعها. وقيل: ليس مثلَها آيةٌ أُخرى في قلَّة الألفاظ وكثْرة المعاني؛ لأنَّها جامعةٌ لكلِّ أحكام الخَيرات والشُّرور. وقيل: جامعةٌ لاشتِمال اسم الخير على أنواع الطَّاعات، والشَّرِّ على أنواع المَعاصي. ووجْه مُطابقة الجواب للسُّؤال: أنَّ السُّؤال عن الحِمَار له حُكم الفَرَس أو لا؟ فأجاب: بأنَّه إنْ كان لخيرٍ فلا بُدَّ يُرى خيرُه، وإلا فالعَكْس. ومرَّ في (كتاب الشُّرب). * * *

{ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}

{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (باب: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:8]) 4963 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالح السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحُمُرِ، فَقَالَ: "لم يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيها شَيْءٌ إلَّا هذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ". ظاهرٌ مما تقدم. * * * 100 - {وَالعَادِيات} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْكَنُودُ: الْكَفُورُ. يُقَالُ: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}: رَفَعنَ بِهِ غُبَارًا. {لِحُبِّ الْخَيْر}: مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْخَيْرِ. {لَشَدِيدٌ}: لَبَخِيلٌ، وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ: شَدِيدٌ. {وَحُصِّلَ}: مُيِّزَ. (سورة {وَالعَادِيات} [العاديات: 1]) * * *

101 - {القارعة}

101 - {القارِعَة} {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}: كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ يَرْكَبُ بَعضُهُ بَعْضًا، كَذَلِكَ النَّاسُ يَجُولُ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ. {كَالْعِهْنِ}: كَأَلْوَانِ الْعِهْنِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ: (كَالصُّوفِ). (والقارعة) * * * 102 - {أَلْهَاكُمُ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: {التَّكَاثُرُ}: مِنَ الأَموَالِ وَالأَوْلاَدِ. (و {أَلْهَاكُمُ} [التكاثر:1]) * * * 103 - {والعصر} وَقَالَ يَحيَى: الدَّهْرُ أَقْسَمَ بِهِ. (والعصر) * * *

104 - {ويل لكل همزة}

104 - {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} {اَلْحُطَمَةِ}: اسْمُ النَّارِ، مِثْلُ: سَقَرَ وَلَظَى. (والهُمزة) قوله: (قال يحيى)؛ أي: الفَرَّاء صاحب كتاب "مَعاني القُرآن". (الحطمة)؛ أي: لأنها تَكسِر، أي: تَحطِم، وما ذُكر فيها من التفسير كلُّه ظاهرٌ. * * * 105 - {أَلَم تَرَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: {أبابيل}: مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مِن سِجِّيلٍ} ": هِيَ سَنْكِ وَكِلْ. (سورة الفِيل) * * * 106 - {لإيلاَفِ قُرَيْشٍ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لإيلاَفِ}: أَلِفُوا ذَلِكَ، فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهم فِي

107 - {أرأيت}

الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. {وَآمَنَهُمْ}: مِنْ كُلِّ عَدُوِّهم فِي حَرَمِهِم. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {لإيلافِ}: لِنِعمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ. (و {لإيلافِ قُرَيشٍ} [قريش: 1]) قوله: (سجين: سَنْك وكِلْ) يُريد أنه معرَّبٌ من هاتين الكلمتَين، وسَنْك بفتْح المهملَة، وإسكان النون، وبالكاف: هو الحَجَر، وكِلْ بكسر الكاف، وسُكون اللام: الطِّين. ويُروى عن ابن عبَّاس أيضًا: أنَّ سِجِّيْل طينٌ مَطبوخٌ كما يُطبَخ الآجُرُّ. (ألفوا) بكسر اللام، أي: آلفَهُم اللهُ ذلك، فأَلِفُوه. * * * 107 - {أَرَأيت} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يَدُعُّ}: يَدفَعُ عَنْ حَقِّهِ، يُقَالُ: هُوَ مِنْ دَعَعْتُ. {يدعُّون}: يُدفَعُونَ. {سَاهُونَ}: لَاهُونَ. وَ {المَاعُونَ}: الْمَعرُوفَ كُلُّهُ، وَقَالَ بَعضُ الْعَرَبِ: الْمَاعُونُ: الْمَاءُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَعلاها الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ. (سورة {أَرأَيت} [الماعون: 1]) * * *

108 - {إنا أعطيناك الكوثر}

108 - {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شَانِئَك}: عَدُوَّكَ. (والكَوثَر) قوله: (لاهون) قال أنَس: الحمدُ للهِ الذي قال: {عَن صَلَاتهم} [الماعون: 5] ولم يقُل: في صلاتهم. * * * 4964 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: "أتيْتُ عَلَى نهرٍ حَافتاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا، فَقُلْتُ: مَا هذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هذَا الْكَوْثَرُ". الحديث الأول: (حافتاه) بمهملةٍ، وتخفيف الفاء: جانِبَاه. (مجوف) بالرفع: خبر مبتدأ محذوفٍ، وبالجرِّ: صفةٌ للواو، والمعرَّف بلام الجنْس قريبُ المعنى من النَّكِرة، كما في: ولقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيْمِ يَسُبُّني نعم، في رواية في غير "الجامع": (المُجوَّف) بالتَّعريف. * * *

4965 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَ: سَأَلْتُها عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، قَالَتْ: نهرٌ أُعْطِيَهُ نبَيُّكم - صلى الله عليه وسلم -، شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ، آنِيتهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ. رَوَاهُ زكرِيَّاءُ، وَأَبُو الأَحوَصِ، وَمُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. 4966 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أبو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ: هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. قَالَ أَبو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نهرٌ فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. الثاني، والثالث: (شاطئاه) شاطئُ الوادي: شَطُّه، وجانبُه. (عليهِ دُرٌّ مُجوّف) الضمير عائدٌ إلى جِنْس الشَّاطئ، ولهذا لم يقُل: عليهما، وفي بعضها: (شاطئاه دُرٌّ مُجوَّفٌ عليه). (النهر) بفتح الهاء وإسكانها. * * *

109 - {قل يا أيها الكافرون}

109 - {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]) يُقَالُ: {لَكُمْ دِينُكُمْ}: الْكُفْرُ، {وَلِيَ دِينِ}: الإِسْلاَمُ. وَلَمْ يَقُلْ: دِيني؛ لأَنَّ الآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَتِ الْيَاءُ، كمَا قَالَ: {يَهْدِيَنِ} و {يَشْفِينِ}. وَقَالَ غَيْرُهُ: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}: الآنَ، وَلَا أُجِيبُكُمْ فِيما بقيَ مِنْ عُمُرِي. {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}: وَهم الَّذِينَ قَالَ: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا}. قوله: (ولم يقل: ولي ديني)؛ أي: لأَنَّ الفَواصِل كلَّها بالنُّون، فرُوعيت المُناسَبة. (الآن) إلى آخره، أي: لا في الحالِ، ولا في الاستِقبالِ. والجمْع في ذلك بين الزَّمَنين على مذهبِ مَن يُعْمِل المُشتَركَ، أو الحقيقةَ والمَجازَ في مَعنيَيه ظاهرٌ؛ لأنَّه إما حقيقةٌ في أحدهما ومجازٌ في الآخَر، أو مشتركٌ، ومَن قال: إنَّ الجمْع من عُموم المَجاز؛ فلأنَّ القرائن قامتْ بذلك، فوجَب العمَل به. * * * 110 - {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} (سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1]) 4967 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ

قوله: {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا}

الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا صلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةً بَعْدَ أَنْ نزَلَتْ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إِلَّا يَقُولُ فِيهَا: "سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". 4968 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي ركوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي"، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. الحديث الأول، والثاني: (يتأول القرآن)؛ أي: يَعمل ما أمَر اللهُ به في القُرآن، وهو: {فَسَبِّحْ} [النصر: 3]. وسبَق معنى تقرير الباء في: (بحمدك) في (الصلاة)، في (باب: التَّسمية)، و (الدعاء في السُّجود). * * * قوله: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} (باب: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2]) 4969 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ

قوله: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}

سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَر - رضي الله عنه - سَأَلهُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، قَالُوا: فَتْحُ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ، قَالَ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: أَجَلٌ، أَوْ مَثَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، نُعِيَتْ لَهُ نَفْسُهُ. (قال: أجلٌ أو مثلٌ) بتنوينها. (ضرب) من الضَّرب، بمعنى: التَّوقيت على تَفسير (أجل)، ومِنْ ضرب الأَمْثال على قوله: (مثَلٌ). * * * قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} تَوَّابٌ عَلَى الْعِبَادِ، وَالتَّوَّابُ مِنَ النَّاسِ: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ. باب: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] أي: على العِباد بمعنى: رَجَّاعٌ عليهم بالمَغْفرة، وقَبول التَّوبة. وقال الجَوْهَري: تابَ اللهُ عليه، أي: وفَّقَه للتَّوبة. * * * 4970 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ

111 - {تبت يدا أبي لهب وتب}

أَشْيَاخ بَدْرٍ، فَكأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نفسِهِ، فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا، وَلنا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ. فَدَعَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رُؤِيتُ أَنَهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ. قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟ فَقَالَ بَعْضهُمْ: أُمِرْنَا نَحْمَدُ اللهَ وَنستَغْفِرُهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ. الحديث: (فكان بعضهم) هو عبد الرَّحمن بن عَوْف. (ممن علمتم)؛ أي: فضْلَه وزيادةَ عِلْمه. (فما أُريت) بالضم، أي: ما ظَننتُ أنَّه دَعاني إلا ليُريَهم عِلْمه. * * * 111 - {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} تَبَابٌ: خُسْرَانٌ. تَتْبِيبٌ: تَدْمِيرٌ. (سورة تبَّتْ) قوله: (خسران)؛ أي: كما في قوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ

إلا فِي تَبَابٍ} [غافر: 37]، أي: خُسران. (تتبيب)؛ أي: في قوله تعالى: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101]، أي: تَدْمير. * * * 4971 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: "يَا صَبَاحَاهْ". فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْح هَذَا الْجَبَلِ أكُنتمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، مَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ وَقَدْ تَبَّ)، هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ. (ورهطك)؛ أي: تفسيرٌ لقوله: {عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، وإما قراءةٌ شاذةٌ رَواها. قال الإِسْمَاعِيْلي: قراءة ابن عبَّاس، وقال (ن): عبارة ابن عبَّاس مشعرةٌ بأنَّها كانتْ قُرآنًا، ثم نُسخِت تلاوتُه. (سفح) بالسين وبالصاد: وجْه الجَبَل وأسْفلُه.

باب: {وتب (1) ما أغنى عنه ماله

(هكذا)؛ أي: بزيادةِ كلمة (قد). * * * قَوْله: {وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (باب: {وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} [المسد: 1 - 2]) 4972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَنَادَى: "يَا صَبَاحَاهْ"، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدَّثتكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ، أكُنتمْ تُصَدِّقُونِي؟ " قَالُوا: نعمْ، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ تَبًّا لَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} إلَى آخِرِهَا. الحديث فيه، وفي البابين بعده وَهُما: * * * قَوْله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} (باب: {سَيَصْلَى نَارًا} [المسد: 3]) 4973 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،

باب: {وامرأته حمالة الحطب}

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. * * * (وَامْرَأتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) (وباب: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ): تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} يُقَالُ: {مِنْ مَسَدٍ}: لِيفِ الْمُقْلِ، وَهْيَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النَّارِ. قوله: ({حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]) أي: نَمَّامة، يُقال للمَشَّاء بالنَّميمة المُفسِد بين الناس: يَحمل الحطَب بينهم، يُوقد بينهم النِّيران. (مَسد) هو لِيْفُ المُقْل، بضم الميم، وسكون القاف، وبلامٍ: ثَمَر شجَرِ الدَّوْم، ومَسَدَ الحَبْلَ: إذا أجادَ فَتْلَهُ. * * * 112 - قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُقَالُ: لَا يُنَوَّنُ أَحَدٌ، أَيْ: وَاحِدٌ.

قوله: {الله الصمد}

(سورة الإخلاص) قوله: (لا ينون)؛ أي: قد يُحذَف التَّنوين من أحَدٍ في حال الوَصْل، ويُقال: اللهُ أحد الله، كما قال الشاعر: أَلفَيتُهُ غَيْرَ مُستَعْتِب ... ولا ذَاكِرِ اللهَ إلا قَلِيْلًا 4974 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْأً أَحَدٌ". والحديث سبَق في (سورة البقرة)، وهو من الأحاديث القدسية. * * * قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا: الصَّمَدَ. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انتهَى سُودَدُهُ. 4975 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

113 - {قل أعوذ برب الفلق}

"كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ". باب: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: كُفُؤًا وَكَفِيئًا وَكِفَاءً وَاحِدٌ. (وباب: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3]) قوله: (كُفْوًا) بضم الكاف، وسُكون الفاء وضمها، وبالهمز، وبالواو، وبفتح الكاف وكسر الفاء، وبالياء، وبكسر الكاف وبالمد. (أن يقول) قياسه: فأنْ يقول. ففيه شاهدٌ على حذْف الفاء في جواب (أَمَّا)، ونحوه ما سبَق في (التَّلْبية) في (الحج): (وأما موسَى كأنِّي أنظُرُ إليه). * * * 113 - {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {غَاسِقٍ}: اللَّيْلُ. {إِذَا وَقَبَ}: غُرُوبُ الشَّمْسِ، يُقَالُ: أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ وَفَلَقِ الصُّبْح. {وَقَبَ}: إِذَا دَخَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَظْلَمَ.

114 - {قل أعوذ برب الناس}

(سورة الفَلَق) قوله: (غروب)؛ أي: الوُقوب غُروب الشمس؛ لأنها من الظُّلمة، يقال: أَوقَبَ: إذا دخَل في كل شيء، فأظلَمَ. * * * 4976 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ وَعَبْدَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، فَقَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "قِيلَ لِي، فَقُلْتُ"، فَنَحْنُ نقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (المُعوذتين) بكسر الواو. * * * 114 - {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {الْوَسْوَاسِ}: إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذُكِرَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللهُ ثَبَتَ عَلَى قَلْبِهِ. (سورة النَّاس) قوله: (خنسه) قال الصَّاغَاني: الأَولى: يَخْنَسُه الشَّيطان مكانَ خنَسه، وإنْ سَلِمت اللَّفظة من الانقِلاب والتَّصحيف، فالمعنى والله أعلم: أخَّرَه وأزالَه عن مَكانه لشِدَّة نَخْسه وطَعْنه بأُصبعِه في خاصِرته.

قال السَّفَاقُسي: والذي في اللُّغة: خنَسَ: إذا رجَع وانقلَبَ. قال (ع): فالذي في جميع الرِّوايات: (خَنَسَ) تصحيفٌ وتغييرٌ، فإما أنَّ صوابه: (نخَسَه) كما جاء في غير هذا الباب، نعم، حديث ابن عبَّاس الآتي: يُولَد الإنْسان، والشَّيطان حاكمٌ على قلْبه، فإذا ذكَر الله خنَسَ، وإذا غفَل وَسوَس = يُصحِّح قولَ البخاري، ويكون مرادُهُ الإشارة لهذا الحديث ونحوه. فإن قيل: ما معنى السؤال عن المعوذتين؟، قيل: لأنَّ ابن مَسعودٍ كان يقول: إنَّهما ليستا من القرآن؛ فسأَلَ عنهما من هذه الجِهَة، فقال: سأَلتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم؟؛ فقال: "قيل لي: قلْ أَعوذُ"، أي: أَقرأَنيهما جِبْريل، أي أنهما من القُرآن. والحاصل أنه كان فيهما اختلافٌ بين الصَّحابة، ثم رُفع، ووقَع الإجماعُ على أنهما قرآنٌ، فمَنْ أنكَر بعد ذلك كفَرَ. وقيل: إنَّما كانت المسأَلة في صِفَةٍ من صفاتهما، وخاصةٍ من خَواصِّهما لا في كونِهما قُرآنًا، ولا شكَّ أنَّ الحَديثَ يحتمِل ذلك، فيَجب الحمْلُ عليه. * * * 4977 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: كَذَا

وَكَذَا، فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِي: "قِيلَ لِي، فَقُلْتُ"، قَالَ: فَنَحْنُ نقُولُ كمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (كذا وكذا) كَنَّى به استِعظامًا لهذه المقالة، ومن العُذر لابن مَسعود فيما قاله أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا كان يَتعوَّذ بهما كثيرًا ظَنَّ أنَّهما من الوحي الذي ليس بقُرآن. وقال القاضي أبو بكر بن الطَّيِّب: لم يُنكر ابن مَسعود كونهَما من القرآن، إنما أنكَر إثباتَهما في المُصحَف؛ لأنَّه كانت السنَّةُ عنده أنْ لا يُثبَت إلا ما أمَر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإثباته وكَتْبه، ولم يَبْلُغه أمرُه به، وهذا تأويلٌ منه، وليس جَحدًا لكونهما قرآنًا. قال (ش): وقد روى ابن حِبَّان في "صحيحه": عن زرٍّ: قلت لأبي ذَرٍّ: إن ابن مَسعود لا يكتب في مُصحَفه المعوِّذتين؟، فقال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن جبريل قال لي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] فقلتُها، وقال لي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] فقلتُها"، فنحن نقولُ ما قالَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبالجملة فقد انعقد الإجماع، وزالت الشُّبهة، فلله الحمد (¬1). * * * ¬

_ (¬1) هنا ينتهي الجزء الثاني من النسخة الخطية المرموز بها بـ "ف".

66 - كتاب فضائل القرآن

66 - كتاب فضائل القرآن

1 - كيف نزول الوحي، وأول ما نزل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 66 - كتاب فضائل القرآن كَيْفَ نزولُ الْوَحْيِ، وَأَوَّلُ مَا نزَلَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُهَيْمِنُ: الأَمِينُ، الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ. (كتاب فضائل القرآن) قوله: (المهيمن)؛ أي: في قوله تعالى: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48]. 4978 - و 4979 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم - قَالَا: لَبِثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيهِ الْقرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. الحديث الأول: (بمكة عشرين سنة) فيه الخلاف، والمَشهور ثلاثَ عشْرةَ. * * *

4980 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأُمّ سَلَمَةَ: "مَنْ هَذَا؟ "، أَوْ كمَا قَالَ، قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ، فَلَمَّا قَامَ، قَالَتْ: وَاللهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ، أَوْ كمَا قَالَ، قَالَ أَبِي: قُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ. الثاني: (دِحْية) بكسر المهملة وفتحها، يُضرَب بحُسنه المَثَل، وكان جبريل يتشكَّل بشكله. (قال)؛ أي: المُعْتمِر. (أبي)؛ أي: سُليمان. * * * 4981 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نبَيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أكُونَ أكثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". الثالث: (ما من الأنبياء نبي) إلى آخره، عُدِّي (آمَنَ) بـ (على)، وهو إنما

يُعدَّى بالباء أو باللام؛ لتضمُّنه معنى الغَلَبة، أي: مَغلوبًا عليه، أو على أنَّ حروف الجرِّ يَقوم بعضُها مَقام بعضٍ. قال (ن): اختُلف في معنى الحديث على أقوالٍ: أحدها: أنَّ كل نبيٍّ أُعطي من المُعجزات ما كانَ مثله لمن كان قبلَه من الأنبياء، فآمَن به من البشَر، وأما مُعجِزتي العظيمة الظَّاهرة فهي القُرآن الذي لم يُعطَ أحدٌ مثلَه، فلهذا أنا أكثَرهم تَبَعًا. والثاني: أنَّ الذي أُوتيتُه لا يتطرَّق إليه تخييلٌ بسِحْرٍ أو بشبهةٍ بخلاف معجزة غَيري؛ فإنه قد يُخيِّل السَّاحِرُ بشيءٍ مما يُقارب صُورتهما، كما ضلَّت السَّحَرة في قِصَّة فِرْعَون، وقد يَرُوجُ مثلُ ذلك على بعض العَوامِّ، والتَّمييز بين المعجزةِ والسِّحرِ والتَّخييلِ يحتاج إلى فِكْرٍ، وقد يُخطئ النَّاظِر فيعتقدُها سواءً. والثالث: أنَّ مُعجِزات الأنْبياء انقَرضتْ بانقِراض أَعصارِهم، ولم يُشاهدها إلا مَن حضَر بحضْرتهم، ومعجزةُ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - القُرآن المُستمرُّ إلى يوم القيامة. وقال الطِّيْبِي: لفْظ (عليه) حالٌ، أي: مَغلُوبًا عليه في التَّحدِّي، والمُباراة، أي: ليس نبيٌّ إلا قد أَعطاه الله من المُعجزات الشيءَ الذي صِفَتُه أنَّه إذا شُوهد أضطُرَّ الشاهد إلى الإيمان به. وتحريره أنَّ كلَّ نبيٍّ اختُصَّ بما يُثبت دَعواه مِن خارقِ العادات بحسَب زمانه كقَلْب العَصَا ثُعبانًا؛ لأنَّ الغلبة في زمن موسى للسحر،

فأَتاهم بما فَوق السِّحر، فاضطُرَّهم إلى الإيمان، وفي زمَن عيسى الطِّب، فجاء بما هو أعلى من الطِّب، وهو إِحياء المَوتَى، وفي زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البلاغة، فجاء بالقرآن. ويحتمل وجهًا خامسًا: وهو أن القرآن ليس له مثْلٌ لا صورةً ولا حقيقةً، قال تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]، بخلاف معجزات غيره، فإنَّها وإنْ لم يكن مثْلُها مثلًا حقيقةً؛ يحتمل لها صُورةً. (وإنما كان الذي أُوتيته) وجْه الحصْر وإنْ كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - معجزاتٌ كثيرةٌ في غير القرآن أئَّه أعظمُها وأفْيَدُها؛ فإنَّه يشتمل على الدَّعوة والحُجَّة، ويَنتفِع به الحاضِر والغائِب إلى يوم القيامة، ولهذا رتَّبَ عليه: (فأَنَا أَرْجُو). * * * 4982 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِح بْنِ كيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ اللهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ، ثُمَّ تُوُفِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ. الحديث الرابع: (تابع)؛ أي: أَنزل الله عليه الوَحْي مُتتابعًا مُتواترًا أكثَر مما كان،

2 - باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، {قرآنا عربيا}، {بلسان عربي مبين}

وذلك قريبَ وَفاتهِ. * * * 4983 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: اشْتكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ! مَا أُرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. الخامس: سبَق شرحه قريبًا. * * * 2 - بابٌ نَزَلَ الْقُرْآنُ بلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}، {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (باب نزَل القُرآن بلِسَان قُرَيشٍ) 4984 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فَأَمَرَ عُثْمَانُ زيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يَنْسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي عَرَبِيَّةٍ مِنْ

عَرَبِيَّةِ الْقُرْآنِ، فَاكتبوهَا بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا. الحديث الأول: (ينسخوها)؛ أي: الصُّحف، وزيدٌ كان أنْصاريًّا، والثَّلاث الأُخَر قرشيُّون. * * * 4985 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، وَقَالَ مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجعْرَانَةِ عَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أَظَلَّ عَلَيْهِ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى؛ أَنْ تَعَالَ، فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا هُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: "أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟ "، فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرتِكَ كَمَا تَصْنعُ فِي حَجِّكَ". الثاني: (مُتضمخ) بمعجمتين، أي: مُتلطِّخٌ.

3 - باب جمع القرآن

(يَغِط) بفتح أوَّله، وكسر ثانيهِ، أي: يَنفُخ، وغَطِيْط النَّائم، والمَخنُوق: نَخيره، وغَطَّ البَعير، أي: هدَرَ في الشَّقشَقة. (سُرّي) بتشديد الراء، وتخفيفها، أي: كُشِفَ، وأُزيل عنه. ومرَّ الحديث في (كتاب العُمْرة). * * * 3 - بابُ جَمْعِ الْقُرْآنِ (باب جمْع القُرآن) 4986 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ: أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: إِنَّ عُمَرَ أتانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زيدٌ: قَالَ أَبو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتتَبَّعِ الْقرْآنَ

فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجبَالِ مَا كَانَ أثقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَني بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما -، فتتَبَّعْتُ الْقرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} حَتَّى خَاتِمَةِ (بَرَاءَةَ)، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ - رضي الله عنه -. الحديث الأول: (مقتل أهل اليمامة)؛ أي: بعد قتْل مُسَيلِمة الكذَّاب، وقُتل يومئذٍ من القُرَّاء سبعُ مائةٍ. (استحر) بالمهملة والراء: اشتَدَّ القتْل وكَثُر. (هو والله خير)؛ أي: خيرٌ في زمانهم. (العُسُب) بضم العين، والسِّين المهملتَين: جمع: عَسِيْب، وهو من السَّعَف ما لم يَنبُت عليه الخُوْص، أو كُشِطَ خُوْصه، فيُكتَب عليه. (واللِّخاف) بكسر اللام، وبالمعجمة: واحدُه: لَخفَة، وهو الحجَر الأبْيض الرَّقيق. (مع أبي خُزيمة) الصَّواب مع خُزيمة، أي: لم يكُونا عند غيرِه،

وإلا فشَرْط القُرآن التَّواتر، وأيضًا لا يَلزم من عدَم وُجْدانه أن لا يكون مُتواتِرًا، وأنْ لا يجِد غيره، أو الحفَّاظ نَسُوها، ثم تَذكَّروها. * * * 4987 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّاْمِ فِي فَتْح إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ ننسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنتمْ وَزيدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْء مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّمَا نزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. 4988 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ

ثَابِتٍ، سَمعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} , فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. الثاني: (يغازي) أي: يغزي، أي: كان عثمان يُجهِّز أهل الشَّام، وأهل العراق لغَزْو هاتين الناحيتين وفتحهما. (أرْمِيْنِية) بفتح الهمزة وكسرها وضمها، وإسكان الراء، وكسر الميم، وسُكون الياء، وكسر النُّون، وخِفَّة الياء بعدها: كُوْرةٌ بناحية الرُّوم. (وأذْرَبِيْجان) قال (ن): بهمْزةٍ مفتوحةٍ، ثم معجمةٍ ساكنةٍ، ثم راءٍ مفتوحةٍ، ثم موحَّدةٍ مكسورةٍ، ثم ياءٍ ساكنةٍ، ثم جيمٍ، وألفٍ، ونُونٍ على المَشْهور، وقيل: بمدِّ الهمزة مع فتْح المعجمة، وسكون الرَّاء. قال (ك): الأشْهر عند العجَم آذربايجان، بالمدِّ، وبألفٍ بين الموحَّدة والياء: بلدةٌ بتبريز وقَصَباتها. (صحيفة ومصحف) الفرق بينهما أنَّ الصَّحيفة الكِتاب، جمعُه: صُحُف، ويُقال: أَصحَف: إذا جمَع الصُّحُف، والمُصحَف اسم

مَفعولٍ منه، وهو بضم الميم وكسرها. (يحرق) بإهمال الحاء على الأَعْرف، وبإعجامها، والمراد بالإحْراق لمَا هو مَنْسوخ، أو المختلِط بغيره من التَّفسير، أو بلُغةِ غيرِ قُريش، أو القِراءات الشاذَّة، وفائدته: أن لا يقَع اختلاف فيه، جزاهُ الله أحسَنَ الجَزاء. (آية من الأحزاب) لا يُنافي ما سبَق أنها آخِر سُورة التَّوبة، وأنها مع أبي خُزَيمة، وهنا قال: (مع خُزيمة)؛ لأنَّ تلك كانت عند النَّقْل من نحو العُسُب إلى الصُّحُف، والثانية من الصُّحُف إلى المُصحَف، أو كلتاهما كانتا مفقودتَين كما سبَق. وسبق أيضًا أن إثباتها مع أنَّ شرط القرآن التَّواتر أنَّها كانت مسموعةً لهم من فَمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسورتُها، وموضعُها معلومٌ لهم، ففقَدوا كتابتَها، ووجْه التتبُّع مع تواتر القرآن الاستِظْهار لا سيَّما وقد كُتبت بين يدَي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليُعلم هل فيها غير قراءَته من وُجوهها أم لا؟. ووجه ما اشتُهر أن عُثمان جامع القُرآن: أن الصُّحُف كانت مشتملةً على جميع أَحرُفه، ووجوهه التي نَزل بها على لغة قُريش وغيرهم، فجَرَّد عُثمان اللُّغة القُرشيَّة منها، وجمَعَ النَّاسَ عليها. * * *

4 - باب (كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم -)

4 - بابُ (كَاتِبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) (باب كاتِبِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 4989 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ ابْنَ السَّبَّاقِ قَالَ: إِنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاتَّبعِ الْقُرْآنَ. فتتَبَّعْتُ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ (سُورَةِ التَّوْبَةِ) آيَتَيْنِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} إِلَى آخِرِهِ. الحديث الأول: سبَق شرحه آنفًا. * * * 4990 - حَدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَراءِ قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعُ لِي زيدًا: وَلْيَجئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ -أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ- ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} "، وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَمْرُو بْنُ أمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى

5 - باب أنزل القرآن على سبعة أحرف

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَا تَأْمُرُنِي فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. الثاني: (مكانها)؛ أي: في مكان الآية فى الحالِ، ووقَع في "الجامع" لفظ: (غير أُولي الضَّرَر)، بعد لفظ: (سَبيل الله)، وفي القُرآن هو بعد لفْظ: (المؤمنين). * * * 5 - بابٌ أُنزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ (باب أُنزِل القُرآن على سبْعة أحرُف) أي: في سبْعِ لغاتٍ، وسبَق تحقيقه في (كتاب الخصومات). 4991 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ ويَزِيدُنِي حَتَّى انتهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ". 4992 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ

6 - باب تأليف القرآن

مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ حَدَّثَاهُ، أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيم يَقْرَأُ (سُورَةَ الْفُرْقَانِ) فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرأَنَيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أقودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،- فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِـ (سُورَةِ الْفُرْقَانِ) عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ"، فَقَرأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ: "اقْرَأْ يَا عُمَرُ"، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ". وسبق شرح الحديثين فيه هناك. * * * 6 - بابُ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ (باب تَأْليف القُرآن) 4993 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ

ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ، وَمَا يَضُرُّكَ؟ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ، إِنَّمَا نزَلَ أَوَّلَ مَا نزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَع الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَع الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}، وَمَا نزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ. قَالَ: فأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِة. الحديث الأول: (أي الكفن خير) يحتمِل أنْ يكون سُؤالًا عن الكمِّ، يعني: لفافة أو أكثر؟، أو عن الكيف، يعني: أبيض أو غيره، ناعمًا أو خشنًا؟، أو عن النوع أنه قُطن أو كتَّان مثلًا؟. (وما يضرك) في بعضها: (يَضِيرك)، أي: إنك إذا مِتَّ سقَط عنك التكليف، وبطَل حِسُّك بالنُّعومة والخُشونة، فلا يضرُّك أيُّ كفَنٍ كان منها. (آيةَ) بالنصب، وقيل: بالضم، أي: قبْل قراءة السُّورة الأُخرى.

(المفصل)؛ أي: لكثْرة ما يقَع فيه من الفَصْل بالتَّسمية بين السُّوَر، وقيل: لقِصَر سُوَرِه وقُرب انفصالهنَّ بعضهنَّ من بعضٍ. واختُلف في أوَّله، فقيل: (ق)، وقيل: (سُورة محمد - صلى الله عليه وسلم -)، وقيل غير ذلك. (ثاب) بالمثلَّثة، أي: رجَعَ. واعلم أنَّ ذِكْر الجنَّة والنار في (المُدثِّر) صريحٌ حيث قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} [المدثر: 27]، وقال: {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ} [المدثر: 40]، وفي {اقْرَأْ} [العلق: 1]، بالاستلزام: {إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [العلق: 13]، وقال: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18]، وقال: {إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} [العلق: 11]. (فأملتْ) [من] الإملاء، وفي بعضها مِن الإمْلالِ، وهما بمعنًى. * * * 4994 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ) وَ (الْكَهْفِ) وَ (مَرْيَمَ) و (طَهَ) وَ (الأَنْبِيَاءِ): إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي. الثاني: (في بني إسرائيل)؛ أي: في شَأْن هذه السُّورة، وفي بعضها بدُون كلمة (في)، فالقياس أنْ يقول: بنو إسرائيل، فلعلَّه باعتبار

حذْف المُضاف وإبقاء المُضاف إليه على حالِه، أي: في سُورة بني إسرائيل، أو على سَبيل الحِكاية عما في القُرآن، قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [السجدة: 23]. (العتاق) العَتِيق: ما بلَغ الغاية في الجودة، يُريد تفضيل هذه السُّوَر لمَا يتضمَّن مُفتتَح كلٍّ منها أمرًا غريبًا، والأَوَّليَّة باعتبار حِفْظها، أو نُزولها. (تِلادي) بكسر المثنَّاة: ما كان قَديمًا، ويحتمل أن تكُون العِتَاق بمعناه، فيكون الثَّاني تأْكيدًا للأول. وسبَق في (بني إسرائيل). * * * 4995 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: تَعَلَّمْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. 4996 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَدْ عَلِمْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَؤُهُنَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ وَدَخَلَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ، وَخَرَجَ عَلْقَمَةُ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَة مِنْ أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، آخِرُهُنَّ الْحَوَامِيمُ (حم الدُّخَانُ) وَ (عَمَّ يَتَسَاءَلُون).

7 - باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -

الثالث، والرابع: (النظائر)؛ أي: السُّوَر المُتقارِبة في الطُّول والقِصَر. (حم الدخان) هذا مُخالفٌ للتَّأْليف المَشهور؛ إذ ليس في المفصَّلِ شيءٌ لا من الحَوامِيم على المَشهور، وفي "سنن أبي داود": هي الرَّحمن، والنَّجم في ركعةِ، واقتربتْ، والحاقَّة في أُخرى، والطُّور، والذَّاريات، ثم الواقِعَة، ونُون، وسأَلَ، والنَّازِعات، ويلٌ للمُطفِّفين، وعبَس، المدثِّر، والمُزمِّل، هل أتَى، ولا أُقسِمُ، عمَّ، والمُرسَلات، الدُّخان، والتَّكوير. وقد سَبَق هذا في (الصلاة)، في (باب: الجمْع بين السُّورتَين). * * * 7 - بابٌ كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ مَسْرُوقٌ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ جِبْرِيلَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي". (باب: كانَ جِبْريلُ يَعرِضُ القُرآنَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) قوله: (وقال مسروق) موصولٌ في (علامات النبوة). (وإنه) في بعضها: (وإنِّي).

(عارضني)؛ أي: دارَسَني. * * * 4997 - حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيح الْمُرْسَلَةِ. الحديث الأول: (أجود) سبق إعرابه في أول "الجامع". * * * 4998 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ، وَكَانَ يَعْتكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ. الثاني: سنَده مُسَلْسلٌ بالكُنَى إلا في الرَّجل الأوَّل. * * *

8 - باب القراء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

8 - بابُ القرَّاءِ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب القُرَّاءِ مِن أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) 4999 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ: ذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ". الحديث الأول: (من أربعة) إنما خصَّهم؛ لأنَّهم تفرَّغوا للأخْذ منهم، ولوُجوهٍ أُخرى تقدَّمت في (باب: مَناقب سالِم). * * * 5000 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا عَبْدُ اللهِ فَقَالَ: وَاللهِ! لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللهِ! لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللهِ وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي الْحِلَقِ أَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ، فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ.

الثاني: (بِضْع) بكسر الموحَّدة: ما بين الثَّلاث إلى التِّسْع. (وما أنا بخيرهم)؛ أي: لأن العشَرة أفضَلُ منه قَطْعًا. وفيه أنَّ زيادة العِلْم لا تقتَضي الأفضليَّة؛ لأنَّ كثْرة الثَّواب لها أسبابٌ أُخرى من التَّقوى والإخلاص، وإعلاءِ كلمة الله، وغيرِها مع أنَّ الأعلميَّة بكتاب الله تعالى لا تَستلزِم الأعلميَّة مُطلَقًا؛ لاحتِمال أنْ يكون غيرُه أعلَمَ بالسُّنَّة. (الحلق) بفتح المهملة، واللام، وبكسر المهملة. (رادًّا)؛ أي: عالمًا؛ لأنَّ ردَّ الأقوال لا يكون إلا للعُلَماء، ولفْظ: (مِنْ) صريحٌ في أنَّ جماعةً كانوا مثلَه، وغرَضه أنَّ أحدًا لم يَردَّ هذا الكلام؛ بل سلَّموا له. وفيه جواز ذِكْر الإنسان نفسَه بالفَضيلة للحاجة، وأما النَّهي عن التَّزْكية، فإنما هو لمَنْ مدحَها للفَخْر، والإعجاب. * * * 5001 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنَّا بِحِمْصَ فَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (سُورَةَ يُوسُفَ)، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَحْسَنْتَ. وَوَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: أتجْمَعُ أَنْ تُكَذِّبَ

بِكِتَابِ اللهِ وَتَشْرَبَ الْخَمْرَ؟ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ. الثالث: (بحمص) بسكون الميم، وعدَم الصَّرف: مدينةٌ بالشَّام. (فضربه الحد)؛ أي: ضرَبه ابن مَسْعود حَدَّ الشُّرب. قال (ن) هذا محمولٌ على أنَّه كان له وِلاية إقامة الحُدود، أو لكونه نائبًا عن الإمام عُمومًا أو خُصوصًا، وعلى أنَّ الرجُل اعتَرف بشُربها بلا عُذْرٍ، وإلا فلا يُحدُّ بمجرَّد رِيْحها، وعلى أنَّ التَّكذيب كان بإنكار بعضِه جاهِلًا؛ إذْ لو كذَّب حقيقةً لكفَر، وقد أجمعوا على أنَّ مَن أنكَر حرفًا مُجمعًا عليه من القرآن فهو كافرٌ. * * * 5002 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ - رضي الله عنه -: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ! مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كتَابِ اللهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَة مِنْ كتَابِ اللهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. الرابع: (مسلم) يحتمل البَطين، وابن صُبَيح، وكلاهما يَروي عن مَسْروق، وعن كليهما الأَعمَش، ولا يَضرُّ مثلُ هذا؛ لأنهما على شرط البخاري.

(تبلغه الإبل) احترازًا من نحو جِبْريل - عليه السلام -؛ فإنه في السَّماء. * * * 5003 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَاَ قتادَةُ، قَالَ: سَألتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: مَنْ جَمَعَ الْقُرآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ كلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزيدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. تَابَعَهُ الْفَضْلُ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنسٍ. 5004 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زيدٍ. قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. الخامس: (أربعة) استُشكل بأنَّ شَرْط القرآن التواتُر، فكيف يثبت بأَربعةٍ؟، وأجاب (ك) بأنَّ ضابطه إفادةُ العِلْم، والأربعةُ قد تُفيد. قلت: فيه نَظَرٌ، فقد صرَّح الأُصوليُّون بأنَّ الأربعة لا تَكفي فيه. ثم قال: وأيضًا ليس من شرطه أنْ يَنقُل جميعُهم جميعَه؛ بل لو حَفِظ كلَّ جزءٍ منه عدَدُ التواتُر لصارت الجملةُ متواترةً.

قلتُ: ليس لهذا الكلام من حاصلٍ يُفيد. ثم قال: فإن قيل: كيف نفى عن الغير، ومعلومٌ أن الخُلَفاء الراشدين وغيرهم لم يَكونوا يُهملون حفْظَه؟، ونُقل أنَّ يومَ اليَمامة قُتل سبعون ممن جمَعَ القرآنَ، وكانت اليَمامة قَريبًا من وفاته - صلى الله عليه وسلم -. قلتُ: هكذا قالَه بناءً على ظنِّه، ولا يَلزم من عدَم عِلْمه بعلمهم عدَم علْمهم، أو المرادُ بالجامعِين الجامِعُون من الأنْصار، أو المُراد الجمْع في العُسُب، واللِّخَاف ونحوهما، أو جمْعُ وُجوهه واللُّغات، وأنواع القِراءات، أو أنَّ المركَّب لا حَصْرَ فيه. ثم قال: نعم، أشكلُ سؤالٍ هنا ذِكْر أُبَي فيما سبَق في الأَربعة، وذِكْر أبي الدَّرْداء هنا بدلَه، وراويهما أنَس. ثم أجاب عن هذا بما لا يَشفي. قال (ش): إنَّ هذا مما انفرد به البُخاري، والصواب: أُبَيٌّ. (تابعه الفضل) رواه إسحاق بن رَاهوَيْهِ في "مسنده"، قال: قيل: لعلَّه ابن مُوسَى الشيباني. * * * 5005 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإنَّا لَنَدَعُ مِنْ لَحَنِ أُبَيٍّ، وَأُبَيٌّ يَقُولُ: أَخَذْتُهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَا أَتْرُكُهُ لِشَيءٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ

9 - باب فاتحة الكتاب

آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. السادس: (لندع)؛ أي: نترُك. (لحن) بفتح المهملة، ولَحْنُ القَول هو فَحْواه، ومَعناه، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لعلَّ بعضَكُم يَكُون أَلْحَنَ بحُجَّتِه مِن بَعضٍ"، أي: أفصَحَ، والمراد هنا القَول بقَرينةِ الحديث السَّابق في (تفسير سورة البقرة)، في (باب: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106])، وكان أُبَيٌّ لا يُسلِّم نَسْخ بعض القرآن، وقال: لا أَترُك القُرآن الذي أخذْتُ من فَمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشيءٍ، أي: لناسخٍ، فاستدلَّ عُمر - رضي الله عنه - بآيةِ النَّسْخ. وسبَق تحقيقه هناك. * * * 9 - بابُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ (باب فَضْل فاتحةِ الكِتاب) 5006 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلمْ أُجِبْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: "أَلَمْ يَقُلِ اللهُ:

{اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} , ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجدِ"، فأَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ قُلْتَ: لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبع الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتيتُه". الحديث الأول: سبَق شرحُه أوَّلَ (التفسير). * * * 5007 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كنَّا فِي مَسِيرٍ لنا فَنَزَلْنَا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ، وَإِنَّ نَفَرَنَا غَيْبٌ، فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ، مَا كنَّا نَاْبُنُهُ بِرُقْيَةٍ، فَرَقَاهُ فَبَرَأَ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلاَثِينَ شَاةً وَسَقَاناَ لَبَنًا، فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ: كُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أَوْ كُنْتَ تَرْقِي؟ قَالَ: لَا مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ، قُلْنَا: لَا تُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ -أَوْ نسأَلَ- النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ". وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ

10 - فضل البقرة

ابْنُ سِيرِينَ، حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِهَذَا". الثاني: (نفرنا غيّب)؛ أي: رجالُنا غائبون. (نأبنُه)؛ أي: نعرفُه بذلك، وأَصْلُه مِن التُّهمة، أَبَنْتُ الرَّجل: نسبتُه إلى شيءٍ لا يُعرف به. (وقال أبو مَعْمر) وصلَه الإِسْماعِيْلي. * * * 10 - فَضْلُ الْبَقَرَةِ (باب فَضْل سُورة البقَرة) 5008 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ". 5009 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". 5010 - وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

11 - فضل الكهف

سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَصَّ الْحَدِيثَ فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللهِ حَافظٌ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ. وَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَكَ، وَهْوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ". (كفتاه)؛ أي: فيما يتعلَّق بالاعتقاد من المَبدأ والمَعاد، والمَعاش، وبالعمَل من الدُّعاء، والاستغفار، وما يترتَّب عليهما من الثَّواب، أو كفَتاه فيما يتعلَّق بإحياء اللَّيل عن التهجُّد، ونحوه. قال (ن): كفتاهُ عن قِراءة سُورة الكهف، وآية الكُرسيِّ. قال المُظْهِري: أي: دفعتَا عن قارئهما شرَّ الإنْس والجِنِّ. (وقال عثمان بن الهيثم) سبَق وصلَه في (الوكالة)، وشرح الحديث. * * * 11 - فَضْلُ الْكَهْفِ (باب فضْل سُورة الكَهْفِ) 5011 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ،

12 - فضل سورة الفتح

عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وإلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَربوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "تِلْكَ السَّكِينَةُ تنزَّلَتْ بِالْقُرْآن". (بشطنين) الشَّطَن بفتح المعجمة، ثم المهملة: الحَبْل، وإنما كان الرَّبْط بالشَّطَنين على جُموحه واستصعابه. (السكينة) هي شيءٌ من مَخلوقات الله تعالى فيه الرَّحمة والوَقار، ومعه الملائكة. (بالقرآن)؛ أي: بسبب سماع القُرآن. واعلم أنه تقدَّم أنَّه كان في سُورة الفتح، ولا مُنافاةَ بين قراءَة سُورة الكهف، والفتْح في ليلةٍ، على أنه لم يقُل هناك ألا يَقرأ من غير تعيينٍ. * * * 12 - فَضْلُ سُورَةِ الْفَتحِ (باب فَضْل سورة الفتْح) 5012 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ

13 - فضل {قل هو الله أحد}

ابْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجبْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أمُّكَ، نزَرْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى كُنْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نشَبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، قَالَ: فَجئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}. سبق الحديث في (تفسير سورة الفتح). * * * 13 - فَضْل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (باب فضْل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]) قوله: (فيه عُمرة) موصولٌ في (التوحيد)، فقول (ك): إنَّه إنما قال ذلك؛ لأنَّ طريق الحديث ليس على شَرْطه = ظاهرُ الفَساد. 5013 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ

أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لتعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآن". الحديث الأول: (سمع رجلًا يقرأ) هو قَتادة بن النُّعْمان. (يرددها)؛ أي: يُكرِّرها. (يتقالها) يعدُّها قليلةً. (ثلث القرآن)؛ أي: إمَّا باعتبار أنَّ القُرآن متعلِّقٌ بالمَبدأ، والمَعاد، والمَعاش، أو أنَّه صفاتُ الله تعالى، وقصَصٌ، وأحكامٌ، وسورةُ الإخلاص متمحِّضةٌ للصِّفات فهي ثلُثه، وقراءة الثُّلُث وإنْ كان أشقَّ، لكن المراد التَّشبيه في الأصل لا في الزَّائد. * * * 5014 - وَزَادَ أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَخْبَرَني أَخِي قتادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ: أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ مِنَ السَّحَرِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أتى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، نَحْوَهُ.

(وزاد مَعْمر) وصلَه أبو يَعلَى، والنَّسائي في "عمل اليوم والليلة". (من السحر)؛ أي: في السَّحَر، أو من ابتدائه. * * * 5015 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَالضَّحَّاكُ الْمَشْرِقِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: "أَيَعْحِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟ "، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: "اللهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآن". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُرْسَل، وَعَنِ الضَّحَّاكِ الْمَشْرِقِيِّ مُسْنَدٌ. الثاني: (المِشْرَقي) بكسر الميم، وإِسْكان المُعجمة، وفتح الراء، وبالقاف، ومِشْرَق: بطْنٌ من هَمْدان. قال الغَسَّاني: قيل: مَن فتَح الميم فقد صحَّفَ. (الله الواحد الصمد) هو كنايةٌ عن سُورة الإخلاص؛ إذْ فيها ذِكْر الإلهيَّة، والوَحْدة، والصَّمَدية. * * *

14 - المعوذات

14 - الْمُعَوِّذاتِ (باب فضْل المُعوِّذات) 5016 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اشْتكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. 5017 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. الحديث الأول، والثاني: (المعوذات) بكسر الواو، يعني: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، والمعوذتين. (يبدأ) لم يَذكُر المُنتَهى، وتقديره: ثم يَنتهي إلى ما أدبَر من جسَده.

15 - باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن

قال المظهري في "شرح المصابيح": ظاهر الحديث أنَّه نفَث في كفِّه أولًا، ثم قَرأَ، وهذا لم يقُل به أحدٌ، ولا فائدةَ فيه، ولعلَّه سهوٌ من الرَّاوي، والنَّفْث يَنبغي أن يكون بعد التِّلاوة ليُوصِل بركتَها إلى بشَرة القارئ، أو للمَقروء له. فأجاب الطِّيْبِي عنه بأنَّ الطَّعن فيما صحَّ روايتُه لا يجوز، كيف والفاءُ فيه مثْل قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98]، فالمعنى: جمَع كفَّيه، ثم عزَم على النَّفث فيه، أو لعلَّ السِّرَّ في تقديم النَّفث مُخالَفة السِّحر. * * * 15 - بابُ نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالْمَلاَئكَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (باب نُزُول السَّكيْنة) 5018 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ! اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ! ". قَالَ: فأَشْفَقْتُ

يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيح، فَخَرَجَتْ حَتَّى لَا أَرَاهَا، قَالَ: "وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟ ". قَالَ: لَا، قَالَ: "تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تتوَارَى مِنْهُمْ". قَالَ ابْنُ الْهَادِ: وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ. قوله: (وقال الليث) وصلَه أبو نُعيم في "مستخرجه". (سورة البَقَرة) سبَق قريبًا أنه كان يَقرأ سُورة الكهف، ولا مُنافاةَ، فلعلَّه قرأَهما، أو أنَّ ذلك الرجل غيرُ أُسَيد، بل هذا هو الظَّاهر. (مربوطة) أنَّث؛ لأنَّ الفرَس للذَّكَر والأُنثى، ورُوي: (مَربوطٌ). (فسكنت) بالنون. (يحيى) هو ابن أُسَيد، وكان في ذلك الوقْت قَريبًا من الفرَس، فأشفَقَ، أي: خافَ أُسيدٌ أن تُصيبَه. (أَخَّبره)؛ أي: أخبر أسيدٌ يحيى من الإخْبار، وفي بعضها: (أَخَّرَه) من التأْخير، وفي بعضها: (اجْتَرَّه) بجيمٍ، أي: جَرَّه. (اقرأ) أمْرٌ بالقِراءة، وطلَبها في المستقبَل، والحضُّ عليها، أي: كان ينبغي أن تستمرَّ على القِراءة، وتَغتنِم ما حصَل لك من نُزول السَّكينة، والمَلائكة، والدَّليل على أنَّ المراد طلَب دَوام القِراءة

16 - باب من قال: لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما بين الدفتين

جَوابه: بأَنِّي خِفْتُ إن دُمتُ عليها أنْ تطأَ الفَرَسُ ولَدي. (الظُّلة) بضم المعجمة: شيءٌ لا كهيئة الصُّفَّة، وأوَّل سَحابةٍ تُظلُّ. (فخرجت) بتاء المتكلم، وفي بعضها بلفظ الغَيبة، وصوابه: فعَرَجتْ بالعين، كما في الأحاديث الأُخَر، قاله (ع). قال (ش): وهي رواية مسلم أيضًا. * * * 16 - بابُ مَنْ قَالَ: لَمْ يَترُكِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ (باب مَن قال: لم يَترُك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلا ما بَين الدُّفَّتَين) 5019 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ شَيْء؟ قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. (الدفتين) بفتح المهملة، وشدَّة الفاء، أي: الجانبَين، والمراد هنا الجِلْدان، أي: لم يترك إلا القُرآن، أي: مما كُتب بأمره، وإلا فقد تركَ من الحديث أكثَرَ من القُرآن، وأما قصة أُسامة فهي نادرةٌ.

17 - باب فضل القرآن على سائر الكلام

نعم، سَبق في (باب: كتابة العلم): أنَّه قيل لعلي: هل عندكم كتابٌ؟، قال: لا إلا كتابُ الله، أو فَهمٌ، أو ما في هذه الصَّحيفة، لكنْ لعلَّها لم تكُن مكتوبةً بأَمره - صلى الله عليه وسلم -، أو يُجاب بأنَّ بعض الناس كانوا يزعُمون أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصَى إلى عليٍّ - رضي الله عنه -، فالسُّؤال إنما هو عن شيءٍ يتعلَّق بالإمامة، فأجابَ بأنَّه مَا تركَ إلا ما بين الدُّفَّتين من الآيات التي يُتمسَّك بها في الإمامة، وهذا أحسن. * * * 17 - بابُ فَضْلِ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلاَمِ (باب فضْل القُرآن) 5020 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا". الحديث الأول: (مثل الذي يقرأ)؛ أي: المُخلِص الذي يَقرأ بقرينةِ قَسيمِهِ

الفاجِر، أي: المنافِق، فسيأْتي بعدَ ورقةٍ بذِكْر المُنافِق صريحًا. (كالأترجة) في بعضها: (كالأُتْرُنْجَة)، وحاصله: أنَّ المؤمن إما مُخلِصٌ، أو مُنافقٌ، وعلى التَّقديرين: إما أنْ يَقرأَ أو لا، والطَّعْم بالنِّسبة إلى نفْسه، والرِّيح بالنِّسبة إلى السَّامِع. قال التُّوْرِبِشْتي: الأُتْرُجَّة أفضَل الثِّمار؛ لمَا فيها من خواصٍّ، كِبَر جِرْمها، وحُسن مَنْظرها، وطِيْب طَعْمها، وليْن مَلمَسها، وتَفريح لونها، يَسرُّ النَّاظرين، ثم أكلُها يُفيد بعد الالتِذاذ طيبَ النَّكهة، ودِبَاغ المَعِدة، وقُوَّة الهَضْم، واشتِراك الحواسِّ الأربَع: البصَر، والذَّوق، والشَّم، واللَّمس في الاحتِظاء بها، ثم إنَّ أجزاءَها تنقسِم على طَبائع: قِشْرها حارٌّ يابسٌ، ولحمها حارٌّ رطْبٌ، وحِمَاضها باردٌ يابسٌ، وبِزْرها حارُّ مجفِّف، وفيها من المنافع ما هو مذكورٌ في الكتُب الطِّبِّيَّة. * * * 5021 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا أَجَلُكم فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ كمَا بَينَ صَلاَةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ أَنتمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالُوا: نَحْنُ

18 - باب الوصاة بكتاب الله عز وجل

أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتيهِ مَنْ شِئْتُ". الثاني: (بقيراطين) القِيْراط أصْله: قِرَّاط، فأُبدِلَ أحدُ حرفَي التَّضعيف ياءً. وسبَق شرح الحديث في (مواقيت الصلاة)، في (باب: من أدرك ركعةً من العصر). فإنْ قيل: الترجمة لفَضْل القرآن، والحديث الأول في فَضْل القارئ، والثاني لا دلالةَ له على التَّرجمة أصلًا، قيل: فَضْل القارئ إنما هو بسبَب القُرآن، وتفضيل هذه الأُمَّة إنما هو بسبَب القرآن. * * * 18 - بابُ الْوَصَاةِ بكِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ (باب الوَصاةِ بكتاب الله عزَّ وجلَّ) الوَصأَة: بالهمز، وبالياء، وبفتح الواو وكسرها. 5022 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، قَالَ: سَأَلتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: أَوْصَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: كَيْفَ كتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ؛ أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ

19 - باب من لم يتغن بالقرآن، وقوله تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم}

يُوصِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. (أوصى بكتاب الله) دليلٌ أنَّ قولَه أوَّلًا لا أنَّ ذاك مخصوصٌ بما يتعلَّق بالمال، أو بأَمْر الخِلافة. * * * 19 - بابٌ مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآن، وَقوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (باب مَن لم يَتغنَّ بالقُرآن) 5023 - حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَمْ يَأْذَنِ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ". وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: يُرِيدُ: يَجْهَرُ بِهِ. الحديث الأول: (لشيء) في بعضها: (لنبي)، وقيل: هو جنْسٌ شائعٌ في كل شيءٍ فالمراد بالقرآن القِراءة. (أذِن) بكسر الذال، أي: استَمَع، واستماع الله تعالى مجازٌ عن تَقريبه القارئَ وإجزالِ ثَوابه.

(وقال صحاب له) الظاهر أنَّ المراد: صاحبٌ لأبي هريرة. (يجهر به)؛ أي: بتَحسين الصَّوت، وتحزينِه، وتَرقيقه، ويُستحبُّ ذلك ما لم تُخرجه الأَلْحان عن حَدِّ القِراءة، فإِنْ أفرَطَ حتى زادَ حَرْفًا، أو أخفَى حَرْفًا فهو حرامٌ. * * * 5024 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآن". قَالَ سُفْيَانُ: تَفْسِيرُهُ: يَسْتَغْنِي بِهِ. الثاني: (قال سفيان)؛ أي: ابن عُيَيْنة: معناه: يَستغني به عن النَّاس، يُقال: تغنَّيتُ، واستَغنيتُ بمعنًى. وخالفَه في تفسيره بالاستِغناء الشَّافعيُّ، وقال: نحن أعلَمُ بهذا، ولو أَراده - صلى الله عليه وسلم - لقال: مَن لم يَستَغْنِ؛ وكذا قال أبو جعفر الطَّبَري: أن المعروف في كلام العرب أنَّ التَّغنِّي هو الغِنَاء، ودَعوى أن تغنيت بمعنى استغنَيت مردودٌ، ولا نعلَم أحدًا قالَه. وذكَر غيرُه أنَّ سُفيان رواه عن سَعْد بن أبي وقَّاص، وهو ظاهر اختِيار البُخاري لإتْباعه التَّرجمةَ بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} الآية [العنكبوت: 51].

20 - باب اغتباط صاحب القرآن

وقال أبو الفَرَج: إنَّ كلمة (أنْ) في قوله: (أنْ يتغنَّى) زيادةٌ من بعض الرُّواة، فإنها لو ثبتتْ لكان أَذِنَ مِن الإِذْن، وهو الإطْلاق في الشَّيء، وليس المعنى هنا عليه، وإنما أَذِنَ هنا بمعنى: استمَع. فإن قيل: التَّرجمة: لم يتغنَّ، والحديث: يتغنَّى؛ فلم يتطابقَا نفيًا وإثباتًا؟ قيل: إما باعتبار حديث: "مَنْ لم يَتغنَّ بالقُرآن فليسَ مِنَّا"، فأشار لذلك الحديث، ولم يذكُره؛ لأنَّه ليس على شَرْطه، وإما باعتبار مفهومه. وقال (خ): وثالثٌ: أنَّ العرب كانت تُولَع بالغِنَاءِ والنَّشيد في أكثَر أحوالها، فلمَّا نزَل القرآن أحبَّ أن تكون القراءةُ هِجِّيرًا لهم مكانَ الغِنَاء، فقال: "ليسَ مِنَّا مَن لم يَتغنَّ بالقُرآن"، فيحتمل هذا الحديث أيضًا مثل ذلك. * * * 20 - بابُ اغْتِبَاطِ صَاحِبِ الْقُرْآنِ (باب اغتِباط صاحبِ القرآن) 5025 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنتَيْنِ: رَجُل آتَاهُ اللهُ الْكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللهُ مَالًا فَهْوَ يتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ". الحديث الأول: (على اثنين)؛ أي: على رجُلين، وفي بعضها: (اثنتين)، أي: خَصلتين. (ورجل) بالجرِّ على تقدير: خَصلةٍ رجلٍ، فإنْ قيل: الحسَد قد يكُون في غيرهما، فما معنى الحَصْر؟، قيل: القَصْد: لا حَسَدَ جائزٌ في شيءٍ إلا فيهما، أو أَطلَق الحسَدَ، وأراد الغِبْطة، والتَّرجمة تدلُّ عليه، أو أُريد بالحسَد شِدَّة الحِرْص، والتَّرغيب، أو هو من قَبيل: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]. * * * 5026 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتيتُ مِثْلَ مَا أوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهْوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ، فَقَالَ رَجُل: لَيْتَنِي أُوتيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَن، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ".

21 - باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه

الثاني: (في اثنين)؛ أي: في شأنٍ، وإلا فالأصل: على اثنين كما في الرِّواية السابقة. وسبَق في (العلم) مباحثُ الحديث في (باب: الاغتباط). * * * 21 - بابُ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ (باب: خَيرُكم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَه) 5027 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". قَالَ: وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ، قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا. الحديث الأول: (خيركم) إلى آخره، وجْه قوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك مع أنَّ الجهاد، وكثيرٌ من الأعمال أفضَلُ: أنَّ الخَيرية بحسَب المَقام، فاللائق بأهل ذلك المَجلس التَّحريض على التعلُّمِ والتَّعليم، أو أن المراد: خير المتعلِّمين المعلِّمين

من كان تعلُّمه وتعليمه في القرآن لا في غيره؛ إذ خير الكلام كلامُ الله تعالى، وكذلك خير النَّاس بعد النبييِّن مَن اشتَغل به، أو المراد خَيريَّةٌ خاصةٌ من هذه الجِهَة، ولا يَلزم أفضليتهم مُطلقًا. (أو علّمه) في بعضها: (وعلَّمَه). (قال)؛ أي: سعد. (وأقرأ أبو عبد الرحمن) في بعضها: (أقرأني) بذكر المفعول، وهو الأنْسَب لقوله: (وذلك)؛ أي: الإقراء هو الذي أقعدني. (كان الحجاج)؛ أي: حُكومة الحجَّاج. * * * 5028 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". الثاني: عُرف مما سبَق. * * * 5029 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثنا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأةٌ, فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلرَسُوله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ". فَقَالَ

رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا. قَالَ: "أَعْطِهَا ثَوْبًا"، قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: "أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيد"، فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: "مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " قَالَ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: "فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". الثالث: (فاعتل)؛ أي: حَزِنَ، وتضجَّر لأجْل ذلك، وقد جاء اعتلَّ بمعنى: تَشاغَلَ. (بما معك) قال الشافعي: جاز كَونُ الصَّداق تعليمَ القُرآن خلافًا للحنفية، قالوا: ليست للمُقابَلة، أي: بل للسَّببيَّة، أي: زَوَّجتُكَها بسبَب ما معك منه، ولعلَّها وهبَتْ صَداقَها لذلك الرجل إذ جعلتْه دَينًا عليه. قال (خ) لو كان كذلك لم يكُن لسُؤاله إياه: (هَلْ معَكَ مِن القُرآن) معنًى، أي: التَّزويج حينئذٍ لا يحتاج إلى هذا السَّبَب. وقال في موضعٍ آخَر: الباء هي كقوله: بعتُه بدينارٍ للعِوَضِ، ولو كان معناه أنَّه زوَّجها إياه من أجْل حِفْظه القُرآن تفْضيلًا له لجُعلتِ المرأةُ موهوبةً بلا مهرٍ، وهذا خاصٌّ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قال (ك): ظهَر من هذا التَّقدير مناسبةُ الحديث للتَّرجمة. وقال (خ): فيه أنَّ المَهر لا حَدَّ لأقلَّه، وأنَّ المالَ غيرُ معتبَرٍ في الكفاءة. قال (ن): وفيه عَرْض المرأَةِ نفسَها على الرَّجل الصَّالح ليتزوَّجَها،

22 - باب القراءة عن ظهر القلب

وجوازُ نكاح المرأَة من غير أنْ يَسأَل: هل هي في العِدَّةِ؟ واستِحباب أَلا يُعقد النكاح إلا بصَداق؛ لأنه أقطَع للنِّزاع، وجوازُ أن يكون الصَّداق قليلًا، وقال مالكٌ: أقلُّه ربُع دينار، وأبو حنيفة: عشرة دراهم. قال: وهما مَحجُوجان بهذا الحديث الصَّريح. * * * 22 - بابُ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ (باب القِراءَة عنْ ظَهْر قَلْبٍ) 5030 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ " فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجدُ شَيْئًا"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! مَا وَجَدْتُ شَيْئًا" قَالَ: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ،

وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي -قَالَ سَهْل: مَا لَهُ رِدَاءٌ- فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ"، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُوَلِّيًا فأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، عَدَّهَا، قَالَ: "أتقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ " قَالَ: نعَمْ، قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". (فَصَعّد) بتشديد المهملة، أي: رفَع بصرَه. (وصوبه)؛ أي: خفَضَه، وكذلك طَأْطَأَ. (موليًا)؛ أي: مُعْرِضًا ذاهبًا مُدْبِرًا. (عن ظهر قلب)؛ أي: من حفْظك لا من النَّظَر، ولفْظ: الظَّهر مُقحمٌ، أو بمعنى: الاستِظهار. (فقد مُلكتها) بالبناء للمفعول، وفي بعضها: (ملَّكتُكَها). قال الدَّارَقُطْني: ورواية: (مُلِّكتَها) وَهْمٌ، والصَّواب رواية من روى: (زَوَّجتُكَها). قال (ن) (¬1): يحتمل أنْ يكون جرَى لفْظ التَّزويج أوَّلًا، فملَكَها، ثم قال له: اذهبْ فقد ملَّكتُكَها بالتَّزويج السابق، فليس بوهمٍ. ¬

_ (¬1) "ن" ليس في الأصل.

23 - باب استذكار القرآن وتعاهده

وفيه جواز الحَلِف من غير استِحلاف، وتَزويج المُعْسِر، وجَواز النَّظَر إلى امرأةٍ يُريد أن يتزوَّجها. * * * 23 - بابُ اسْتِذْكَارِ الْقُرْآنِ وَتَعَاهُدِهِ (باب استِذكار القُرآن) 5031 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ". الحديث الأول: (صاحب) المُصاحَبة هنا المُوالفَة. (المُعقلة)؛ أي: المَشدودة بالعِقَال، بكسر العين، أي: الحَبْل. * * * 5032 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ نُسِّيَ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَم".

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، مِثْلَهُ. تَابَعَهُ بِشْرٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ. وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ شَقِيقٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (كيت وكيت) بفتح التاء وكسرها. (نسي) بالتخفيف والتَّشديد. وفي الحديث كراهة أن يقول: نسِيتُ كذا كراهةَ تنزيهٍ؛ لأنَّه يتضمن التَّساهُل والتَّغافُل. قال (ع): الأَولى أنْ يُقال: إنَّه ذمُّ الحالِ لازِمِ القَولِ، أي: بئْسَ حالُ مَن حفِظَ القُرآن، فغَفَل عنه حتى نسيَه، وقد يحتمِل معنًى آخَر، وهو أن يكون ذلك في زمنِه - صلى الله عليه وسلم - حين النَّسْخ، وسُقوط الحفْظ عنهم، فيقول القائل منهم: نسَيتُ كذا، فنهاهم عن هذا القول؛ لئلا يَتوهَّموا على مُحكَم القرآن الضَّياعَ، فأَعلَمَ أنَّ ذلك بإذْن الله تعالى، ولمَا رآه من المَصلحة في نسخه. (أشد تفصيًا) بالفاء، والصاد المهملة، أي: انفِصالًا وخُروجًا، يُقال: تفصَّيتُ من الأمر تَفصِّيًا: إذا خرجتَ منه، وتخلَّصتَ، وانتِصابُه على التَّمييز نحو: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]. * * *

5033 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإبِلِ فِي عُقُلِهَا". الثالث: (في عقلها) بضمَّتين، وسُكون الثانية: جمع: عِقَال، وفي بعضها: (في عللها). قال أبو الفرج: ضبطْناه بضم العين والقاف؛ وكذا هو في "صحاح الجَوْهَري". قال الطِّيْبِي: شبَّه القُرآن وكونَه مَحفوظًا على ظَهْر القَلْب بالإبِل النَّافِرة، وقد عُقِل عليها بالحَبْل، وليس بين القُرآن والبشَر مناسبةٌ قريبةٌ؛ لأنَّ البشَر حادثٌ، وهو قديمٌ، والله تعالى بلُطْفه منَحَهم هذه النِّعمة العَظيمة، فينبَغي أنْ يتعاهده بالحفظ والمواظبة عليه. وقال: السِّين في (استذكِروا) للمُبالغة، أي: اطلُبوا من أنفُسكم المُذاكرة به، وهو عطفٌ من حيث المعنى على (بئسما)، أي: لا تُقصِّروا في مُعاهدته. قال: وفي قوله: (نُسِّي) إشارةٌ إلى أنَّه من فِعْل اللهِ تعالى من غير تقصيرٍ منه. * * *

24 - باب القراءة على الدابة

24 - بابُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب القِراءَة على الدَّابَّة) 5034 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِيَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ، وَهْوَ يَقْرَأُ عَلَى رَاحِلَتِهِ (سُورَةَ الْفَتْح). الحديث فيه ظاهرٌ، وسيأتي بعد ذلك أيضًا. * * * 25 - بابُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ (باب تَعليمِ الصِّبْيان القُرآنَ) 5035 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونا الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُوُفِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ. 5036 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو

26 - باب نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا، وقول الله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى (6) إلا ما شاء الله}

بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: وَمَا الْمُحْكَمُ؟ قَالَ: الْمُفَصَّلُ. الحديث الأول، والثاني: (المفصل) هو من (ق)، أو من الحُجُرات، أو من الفتح، أو من القِتال على الاختلاف فيه، وسُمي مُفصَّلًا؛ لكثْرة الفُصول فيه، ومُحْكَمًا؛ لأنَّه لا مَنْسوخَ فيه، فليس المراد به ضِدَّ المُتشابه بل ضِدُّ المنسوخ. * * * 26 - بابُ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ، وَهَلْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} (باب نِسْيان القُرآن) 5037 - حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يَقْرأُ فِي الْمَسْجدِ، فَقَالَ: "يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً مِنْ سُورَةِ كَذَا". 5037 / -م - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنْ هِشَامٍ وَقَالَ: "أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا".

تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وَعَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ. 5038 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: "يَرْحَمُهُ اللهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً، كنْتُ أُنسيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا" 5039 - حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لأَحَدِهِمْ يَقُولُ نسَيتُ آيَةَ كيْتَ وَكيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّي" الحديث الأول، والثاني، والثالث: إنما جاز عليه - صلى الله عليه وسلم - النِّسيان في القُرآن؛ لأنَّه ليس باختياره. وقال الجمهور: يجوز النِّسيان عليه فيما ليس طريقُه البَلاغ والتعليم بشرط أنْ لا يُقَرَّ عليه، بل لا بُدَّ أنْ يذكُره، وأما غيرُه فلا يجوز قبل التَّبليغ، وأما نسيان ما بلَّغَه -كما في هذا الحديث- فهو جائزٌ بلا خلافٍ. وفيه رفع الصَّوت بالقراءة في اللَّيل، وفي المَسجِد، والدُّعاء لمن أصاب الإنسانَ من جهته خيرٌ وإنْ لم يَقصِده. (رجلًا) هو عبد الله بن زيد الأنصاري كما تقدَّم. (تابعه علي بن مسهر) موصولٌ فيما بعدُ بقليلٍ.

27 - باب من لم ير بأسا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا

(وعَبْدة) موصولٌ في (الدعوات). (نُسي) مبنيٌّ للمفعول. * * * 27 - بابُ مَنْ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَقُولَ: سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَسُورَةُ كَذَا وَكَذَا (باب مَنْ لم يَرَ بأْسًا أنْ يَقُول: سُورة البقَرة) 5040 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". 5041 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ: أنهمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ (سُورَةَ الْفُرْقَانِ) فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَانتظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ:

كَذَبْتَ، فَوَاللهِ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أقودُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ (سُورَةَ الْفُرْقَانِ) عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَإِنَّكَ أَقْرَأْتَنِي (سُورَةَ الْفُرْقَانِ). فَقَالَ: "يَا هِشَامُ! اقْرَأْهَا"، فَقَرَأَهَا الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ: "اقْرَأْ يَا عُمَرُ"، فَقَرَأْتُهَا الَّتِي أَقْرَأَنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ". الحديث الأول، والثاني: (كفتاه)؛ أي: من إحياء الليل، أو من الآفات، أو من شرِّ الشياطين، أو من قراءة وِرْده. ومرَّ في (سُورة البقَرة). * * * 5042 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمَسْجدِ، فَقَالَ: "يَرْحَمُهُ اللهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً، أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا". الثالث: سبَق في (باب: الخصومة)، وغيرها. * * *

28 - باب الترتيل في القراءة، وقوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}

28 - بابُ التَّرْتِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} وَقَوْله: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} وَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُهَذَّ كَهَذِّ الشِّعْرِ. يُفْرَقُ: يُفَصَّلُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَقْنَاهُ: فَصَّلْنَاهُ. (باب التَّرتيل في القِراءة)؛ أي: التَّرسيل فيها بالتَّبيين للحُروف، والإشْباع للحركات. (أن يهذ كهذ) بالمعجمة. قال (خ): هو سُرعة القِراءة، والمُرور فيها من غير تأَمُّلٍ للمعنى كما يُنشَد الشّعر، وتُهَذُّ أبياتُه وقَوافيهِ. وقال (ن): هو الإفراط في العَجَلة في تحفُّظه وروايتِه لا في إنْشاده وتَرنُّمه؛ لأنَّه يُرتِّل في الإنْشاد، والتَّرنُّم في العادَة. وفيه النَّهي عن الهَذِّ، والحثُّ على التَّرتيل. * * * 5043 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبَارِحَةَ. فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا الْقِرَاءَةَ وَإِنِّي لأَحْفَظُ الْقُرَنَاءَ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ثَمَانِيَ عَشْرَةَ

سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حم. الحديث الأول: (فقال رجل) هو نهَيْك بن سِنَان، وقد مضى في (الصلاة). (القراءة) بلفْظ المَصدر، وفي بعضها: (القُرَّاء) جمع: قارئ. (القرناء)؛ أي: النظائر في الطُّول والقِصَر. (ثمان عشرة) سبَقتْ روايةٌ أنها عِشْرون، وعدَّ فيها: (حم) مِن المفصَّل، قال (ن): مُراده هناك أنَّ مُعظَم العشرين من المفصَّل. قال (ك): ومن (آل حم)، يعني: أنهما من السُّور التي أَوَّلها: (حم)؛ كقولهم: فُلانٌ من آل فُلانٍ. وقيل: يجوز أن يكون المراد (حم) نفسُها كما قيل: مَزامير آل داوُد، والمراد: داوُد نفسُه. قال (ك): ولولا أنَّه في الكتابة منفصلٌ لحسُن أن يُقال: إنها أل التي لتعريف الجِنْس، يعني: وسُورتين من جِنْس الحَواميم. * * * 5044 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ الآيَةَ الَّتِي فِي: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}: فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ

29 - باب مد القراءة

فَاسْتَمِعْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} قَالَ: إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا أتاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللهُ. الثاني: (أطرق)؛ أي: سكَتَ. * * * 29 - بابُ مَدِّ الْقِرَاءَةِ (باب مَدِّ القِراءَةِ) 5045 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثنا قتادَةُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ كَانَ يَمُدُّ مَدًّا. 5046 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم)، يَمُدُّ بـ (بِسْم اللهِ)، وَيَمُدُّ بِـ (الرَّحْمَنِ)، ويَمُدُّ بِـ (الرَّحِيم). الحديث الأول، والثاني: (ببسم الله) إدخال الباء على الباء؛ إما لأنَّه ذكر اسم الله على سَبيل الحكاية، وإما لجعْله كالكلمة الواحدة عَلَمًا لذلك، والمَدُّ إنما

30 - باب الترجيع

يكون في الواو، والألف، والياء. وقيل: معنى: (كانت مَدًّا): كانت ذاتَ مَدٍّ، أو هو بمعنى: المَدآء تأْنيث الأَمَدِّ، وفي موضع المَد، وتقاديرُه وجوهٌ لا للقُرَّاء. * * * 30 - بابُ التَّرْجِيعِ (باب التَّرجيع) هو ترديد القراءة، ومنهُ ترجيع الأذان. 5047 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبة, حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قَالَ: رَأَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ وَهْوَ عَلَى نَاقَتِهِ، أَوْ جَمَلِهِ، وَهْيَ تَسِيرُ بِهِ وَهْوَ يَقْرَأُ (سُورَةَ الْفَتْح) أَوْ مِنْ (سُورَةِ الْفَتْح) قِرَاءَةً لَيِّنَةً، يَقْرَأُ وَهْوَ يُرَجِّعُ. (وهو يرجع)؛ أي: لأنَّه راكبًا، فجَعلَت النَّاقةُ تُحرِّكُه، وتَسيرُ به، فحدَث التَّرجيع في صَوته، فلا يَبقَى مُتمسَّكٌ لترجمة البخاري، لكنْ تَسمية عبد الله بن مُغفَّل له في هذه الحالة تَرجيعًا يدلُّ على أنَّه اختيارٌ لا اضطرارٌ. وقد أعاده في (التوحيد)، في (صفة التَّرجيع)، وقال: (ءآءآءآ) ثلاثَ مرَّاتٍ، وهو محمولٌ على إشْباع المَدِّ في مَوضِعه، ويحتمل أن يكونَ ذلك لِهَزِّ الرَّاحلة كما سبَق. * * *

31 - باب حسن الصوت بالقراءة

31 - بابُ حُسْنِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ (باب حُسْن الصَّوت بالقِراءة) 5048 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا مُوسَى! لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ". (مزمارًا) المُراد به الصَّوت الحسَن، وأَصْل الزَّمْر الغِنَاء، وكان داوُد -عليه الصلاة والسلام- حسَنَ الصَّوت جِدًّا. (آل داود) قال (خ): يُريد نفْس داود؛ إذ لم يُذكر أنَّ أَحَدًا من آل داوُد أُعطي من الصَّوت ما أُعطي داودُ. قال أبو عُبَيدة -وقد سُئِل عمَّن أَوصَى لآلِ فُلانٍ بمالٍ- هل لفُلانٍ من ذلك شيءٌ؟، قال: نعم، قال الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، وفِرعَون أوَّلُهم. * * *

32 - باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره

32 - بابُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسمَعَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِه (باب مَن أحبَّ أنْ يَسمَع القُرآنَ من غيره) 5049 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ"، قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي". سبَق الحديث فيه في (سورة النساء). * * * 33 - بابُ قَوْلِ الْمُقْرِئِ لِلْقَارِئِ: حَسْبُكَ (باب قَول المُقرئ للقارئ: حَسْبُك) 5050 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ عَلَيَّ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! آقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، فَقَرَأْتُ (سُورء النِّسَاءِ) حَتَّى أتيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} قَالَ: "حَسْبُكَ

34 - باب في كم يقرأ القرآن؟ وقول الله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه}

الآنَ". فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. فيه الحديث في الباب قبلَه. * * * 34 - بابٌ فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ؟ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (باب: في كَمْ يَقْرأُ القرآن؟) 5051 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ لِي ابْنُ شُبْرُمَةَ: نَظَرْتُ كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَلَمْ أَجِدْ سُورَةً أقلَّ مِنْ ثَلاَثِ آيَاتٍ، فَقُلْتُ: لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ آيَاتٍ. 5051 / -م - قَالَ سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، أَخْبَرَهُ عَلْقَمَةُ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، وَلَقِيتُهُ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَذَكَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". الحديث الأول: سبَق شَرحه قريبًا. * * *

5052 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كنَّتَهُ فَيَسْألهَا عَنْ بَعْلِهَا، فتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُذْ أتيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "الْقَنِي بِهِ"، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: "كَيْفَ تَصُومُ؟ " قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: "وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟ " قَالَ: كُلَّ لَيْلَةً، قَالَ: "صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْر"، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ"، قُلْتُ: أُطِيقُ أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا"، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ؛ صِيَامَ يَوْمٍ، وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبع لَيَالٍ مَرَّةً"، فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ؛ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ؛ كَرَاهِيةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي ثَلاَثٍ، وَفِي خَمْسٍ، وَأَكثَرُهُمْ عَلَى سَبعٍ. 5053 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ

لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي كَمْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ ". الثاني: (أنكحني أبي امرأة) هي أُمُّ [محمد] (¬1) بنت مَحْمِيَّة بن جزْء الزَّبِيْدي. (كَنّته) بفتح الكاف، وشدَّة النون: امرأةُ الابنِ. قال الجَوْهَري: ويُجمَع على كنائِن، كأنَّه جمع كَنِينة. (نعم الرجل) المَخصوص بالمدْح محذوفٌ. قال ابن مالك في "الشواهد": تضمَّن هذا الحديث وُقوعَ التَّمييز بعد فاعلِ (نِعْمَ) ظاهرًا، وسِيْبَوَيْهِ لا يُجوِّز وُقوعَ التَّمييز بعد فاعله إلا إذا أُضمِر الفاعل، وأجازَه المُبرِّد، وهو الصَّحيح. قال (ك): يحتمل أنَّ معناه: نِعْمَ الرَّجل من بين الرِّجال، والنَّكرة في باب الإثبات قد تُفيد العُموم كما قال الزَّمَخْشَري في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14]، أو تكون من باب التَّجريد، كأنَّه جرَّد من رجُلٍ موصوفٍ بكذا وكذا رجُلَّا، فقال: نِعْمَ الرَّجل المُجرَّد مِن كذا فُلانٌ. (كنفًا) هو الساتِر، والوِعاء، أو بمعنى: الكَنيف، وبالجُملة فالمَقصود أنَّه لم يُضاجعْنا حتى يطَأَ فِراشًا، ولم يَطعَم عندنا حتى ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 95).

يحتاج أنْ يُفتِّش عن موضع قَضاء الحاجة، أي: قَوَّامٌ بالليل، صَوَّامٌ بالنَّهار، أو معناه: لم يحصِّل لنا فِراشًا، ولا ساتِرًا، ونحوه. قال (ك): فإنْ قُلتَ: فلا يكون مَدْحًا، قلتُ: يكون من باب التَّعكيس. (فليتني قبلت رخصة) دليلٌ أنه فَهم مِن أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تسهيلَ الأمرِ وتخفيفَه عليه، وأنَّ الأمرَ ليس للإيجاب. (والذي يقرأه)؛ أي: الذي أرادَ أنْ يَقرأَه باللَّيل يَعرضُه بالنَّهار. (أن يترك شيئًا فارق النبي - صلى الله عليه وسلم -) فإنْ قيل: قد فارقَه على صَوم الدَّهر، وقد تَركَ، قيل: فارقَه على مُطلَق السَّرْد والتَّتابُع في الجُملة. (وقال بعضهم)؛ أي: رَوى بعضُهم: أَقرأَني كلَّ ثلاثِ ليالي مرَّةً، أو في خَمْسٍ، وأكثَرُهم على سبعِ لَيال. * * * 5054 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: وَأَحْسِبُنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَإ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ"، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً حَتَّى قَالَ: "فَاقْرَأْهُ فِي سَبع وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ".

35 - باب البكاء عند قراءة القرآن

الثالث: (ولا تزد) هي نهَيُ تَنْزيهٍ، والزِّيادة جائزةٌ، أو أنَّ المَنْع للمُخاطَب وحدَه؛ لضَعْفه وعَجْزه. * * * 35 - بابُ الْبُكَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (باب البُكاء عند قِراءة القُرآن) 5055 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا يَحيْىَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -قَالَ يَحْيَى: بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ- قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ الأَعْمَشُ: وَبَعْضُ الْحَدِيثِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ عَلَيَّ"، قَالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "إِنِّي أَشتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي"، قَالَ: فَقَرَأْتُ (النِّسَاءَ) حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}، قَالَ لِي: "كُفَّ، أَوْ أَمْسِكْ". فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ.

36 - باب من رايا بقراءة القرآن، أو تأكل به، أو فخر به

5056 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ عَلَيَّ"، قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي". الحديث الأول، والثاني: سبق شرح معناهما في (سورة النساء). * * * 36 - باب مَنْ رَايا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ تأكَّلَ بِهِ، أَوْ فَخَرَ بِهِ (باب مَن رَايا بقِراءة القُرآن، أو تأَكَّل به، أو فَخَر) قال السَّفَاقُسي: ضُبط في بعض الأُصول بالخاء، وفي بعضها بالجيم، ويُروى (راءَى) بدَل (رايا). 5057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُويدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانهمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قتلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

الحديث الأول: (الأحلام): العُقول. (من خير قول البرية) من بابِ القَلْب، أو معناه: خيرٌ مِن قَولِ، أي: مِن كلامِ الله تعالى، وهو المُناسِب للترجمة؛ إذ خير أقْوال الخلْق، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (الرَّمِيَّة): الصَّيْد الذي تَرميهِ، وينفُذ فيه سَهمُك، وهو بكسر الميم الخفيفة، وتشديد الياء، فَعِيْلةٌ بمعنى: مَفْعول. (يوم) ظرْفٌ لا خَبَرٌ. ومطابقة الحديث للجُزء الثاني من التَّرجمة، وهو التَّأَكُّل به: أنَّ القِراءة إذا لم تكُن لله تعالى فهي للمُراءاة والتأَكُّل ونحوهما، وأما أَكْل أبي سعيد بالرُّقْية بالفاتحة؛ فإنه أَكَلَ لا تَأَكَّلَ، وفرقٌ بينهما، أو لم يكُن لجِهَة الرُّقْية. * * * 5058 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحيْىَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ

الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ". الثاني: (ينظر)؛ أي: الرَّامي، هل فيه شيءٌ مِن أثَر الصَّيْد من دَمٍ ونحوه؟، فلا يَرى أثرًا منه. (النصل): حديد السَّهم. (القِدح) بكسر القاف: السَّهم قبْل أن يُراش، ويُركَّب نَصْله. (ويتمارى)؛ أي: يشُكُّ. (الفُوق) بضم الفاء: مَدخَل الوَتَرِ منه، فكذلك قراءتهم لا يحصُل لهم منها فائدةٌ. ويحتمل أن يكون ضمير (يَتمَارى) راجعًا إلى الرَّاوي، أي: شكَّ الرَّاوي أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذكَرَ الفُوْقَ أو لا؟، وقد سُئل إمامُ الحرَمين عن تكفير الخَوارِج، فحَكَى خِلاف الأئمَّة. قال: وقد نبَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على وُقوع هذا الخلاف بقوله: (يَمرُقُون من الدِّيْنِ)، وقال في آخِر الحديث: (ويَتمَارَى في الفُوْقِ). * * * 5059 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي

37 - باب اقرؤا القرآن ما ائتلفت قلوبكم

يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأترُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْاَنَ وَيَعْمَلُ بِهِ كالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ، أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ". الثاني: (ويعمل) عطفٌ على: (لا يَقرأ). (كالتمرة) بالمثنَّاة. (وريحها) مرَّ كذا لجميعهم هنا، وهو وَهْمٌ، والصَّواب ما في غير هذه الرِّواية: (ولا ريْحَ لها). وسبَق الحديث قَريبًا في (باب: فضل القُرآن). * * * 37 - بابٌ اقْرَؤا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ (باب: اقْرؤُوا القُرآن ما ائْتلَفتْ قُلوبكُم) أي: اجتَمعَتْ، ولم تختلِفُوا. 5060 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنيِّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اقْرَءُوا الْقُرآنَ

مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ". الحديث الأول: (فإذا اختلفتم فقوموا) قيل: الاختِلاف في حُروفٍ أو معانٍ لا يسُوغ فيه الاجتهادُ. قال (ع): ويحتمِل أنَّ هذا كان في زمَنِه - صلى الله عليه وسلم - بحسَب سُؤالهم له، وكشف اللَّبْس لا غيرُ. وقال الطِّيبِي: معناه: اقرؤُوه على نشَاطٍ منكم وخواطِرُكم مجموعةٌ، فإذا حصَل لكم مَلالٌ فاتركُوه؛ فإنَّه أعظَمُ مِن أن يَقرأَه أحدٌ من غير حُضُور القَلْب. وقال (ك): الظَّاهر أنَّ المُراد: اقْرأْ ما دام بين أَصْحاب القِراءة ائتلافٌ، وإلا فقُوموا عنه. * * * 5061 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدَبٍ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ". تَابَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبَانُ.

وَقَالَ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، سَمِعْتُ جُنْدَبًا قَوْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُمَرَ قَوْلَهُ، وَجُنْدَبٌ أَصَحُّ وَأَكْثَرُ. الثاني: كالذي قبلَه. (تابعه الحارث بن عُبيد) وصلَه الدَّارِمي في "مسنده". (وسعيد بن زيد) وصلَه الحسَن بن سُفيان. (ولم يرفعه)؛ أي: جعَل الحديثَ موقوفًا على جُنْدُب، وكذلك أَبَان. (وأبان) وصلَه مسلم. (وقال غندر) وصلَه الإِسْمَاعِيْلي. (وقال ابن عون) وصلَه أبو عُبَيد في "فضائل القرآن" له عن مُعاذ بن مُعاذ، عنه. (وجندب أصح وأكثر)؛ أي: قال البُخاري: إنَّ الراوي عن جُنْدُب أصحُّ إسنادًا، وأكثَر من الرواية عن عُمر، يعني في هذا الحديث. * * * 5062 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً،

سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خِلاَفَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "كِلاَكمَا مُحْسِنٌ فَاقْرَآ"، أَكْبَرُ عِلْمِي قَالَ: "فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَأَهْلَكَهُمْ". الثالث: (محسن)؛ أي: في القِراءة، وقيل: الإِحْسان راجعٌ إلى ذلك الرجُل بقِراءَته، وإلى ابن مَسعودٍ بسَماعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتَحرِّيه في الاحتِياط. ومرَّ في (كتاب الخصومات). (أكثر علمي) بالمثلَّثة والمُوحَّدة، أي: غالِب ظَنِّي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنَّ مَن كان قَبْلَكُم اختلَفُوا، فأُهلِكُوا)، وفي بعضها: (فأَهلكَهُم اللهُ تعالى). واعلم أن المراد بالاختلاف المنهيِّ: عنه ما كان خارِجًا عن المُتواتِر، لا في نحو: {كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104]، بالجَمْع والإفْراد، و: {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80]، بالتأْنيث أو التذْكير، ونحو: {كِذَّابًا} [النبأ: 35] بالتَّثْقيل أو بالتَّخفيف، {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ} [البقرة: 102] بتشديد النون وتخفيفها، والإمالة، والتَّفخيم، ونحو ذلك من المتواتِر، بل فسَّر بعضُهم: "أُنزِلَ القُرآنُ على سَبْعة أَحرُفٍ" بهذه الوُجوه. * فائدة: قال مُحيى السُّنَّة: جمَع الصَّحابة - رضي الله عنهم - بالاتِّفاق القرآنَ

بين الدُّفَّتين مُتواترًا من غير أنْ زادوا فيه، أو نقَصُوا منه، وكتبوه كما سَمعوه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - من غير أنْ قدَّموا شيئًا، أو أخَّروه، وكان - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّم أصحابَه الترتيب الذي هو الآن في مَصاحفِنا بتَوقيفِ جِبْريل -عليه السلام- إيَّاه عليه، وإعلامِه عند نُزول الاَية أنَّ هذه تُكتب عَقِبَ كذا، في سُورة كذا، والله أعلم. * * *

67 - كتاب النكاح

67 - كتاب النكاح

1 - الترغيب في النكاح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 67 - كتاب النكاح (كتاب النِّكاح) قيل: حقيقةٌ في العَقْد مجازٌ في الوَطْء، وعكسُه مَذْهب أبي حنيفة، وفي ثالثٍ مُشتركٌ بينهما. 1 - التَّرغِيبُ فِي النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}. (باب التَّرغيب في النِّكاح) 5063 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ: أَنَّهُ سَمعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْألونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي

أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أصومُ الدَّهْرَ ولا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأتقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي". الحديث الأول: (ثلاثة رهط) مُيِّزَت الثَّلاثةُ بالرَّهْط؛ لأنَّه في معنى: الجَماعة، كأنه قيل: ثلاثةُ أنفُسٍ، والرَّهط: ما دُون العشَرة مِن الرِّجال، اسمُ ليس له واحدٌ من لفْظه بخلاف النَّفَر؛ فإنَّه من الثَّلاثة إلى التِّسْعة. (تَقَالُّوها) بضم اللام المشدَّدة، أي: استَقلُّوها بمعنى: عَدُّوها قليلةً. (أبدًا) قيْدٌ للَّيل لا لـ (أُصلِّي)، وبينهما فرقٌ. (ولا أفطر)؛ أي: بالنَّهار سِوى أيام العِيْد، والتَّشريق، ولهذا لم يُقيِّده بالتأْبيد بخلاف أَخَوَيهِ. (أما) بالتخفيف للتَّنْبيه. (رغب عن)؛ أي: أعرَضَ، بخلاف رَغِبَ فيه؛ فإنَّه بمعنى: أرادَ. (سنتي)؛ أي: الطَّريقة أعمُّ من الفَرْض والنَّفْل؛ بل ومِن الأعمال والعَقائد.

(منِّي) تُسمَّى (مِن) الاتِّصاليَّة، أي: ليس مُتصلًا قَريبًا مني، وقيل: المَعنى: مَن تركَها إعراضًا عنها غيرَ مُعتقِدٍ لها على ما هي عليه. * * * 5064 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونس بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرنِي عُرْوَةُ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}. قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا، يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، فَيُكْمِلُوا الصَّدَاقَ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ. الثاني: (حجر) بفتح الحاء وكسرها. (من سنة صداقها)؛ أي: مِن مَهْرِ مثْلها. * * *

2 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج" وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح؟

2 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اسْتَطَاعَ منكم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ لأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ" وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ؟ (باب قَولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَنِ استَطاعَ مِنْكُم الباءَةَ فليتزوَّجْ) قوله: (لا أرب) بفتْح الهمزة والراء، أي: لا حاجةَ. 5065 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. فَخَلَيَا، قَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نزوِّجَكَ بِكْرًا، تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ! فَانتهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". (فخلوَا) بالواو المفتوحة، أي: دَخَلا في مَوضعٍ خالٍ، وفي بعضها: (فَخلَيَا)، وهو خِلافُ القِياس؛ لأنَّه من ذَواتِ الواو. (تعهد)؛ أي: مِن نشَاطك، وقُوَّة شَبابك. (ليس له)؛ أي: لعُثمان.

(حاجة إلا هذا)؛ أي: التَّرغيب في النِّكاح. (أشار) في بعضها: (إلى هذا) بحرف الجرِّ لا بكلمة الاستثناء، يعني: لمَّا رأَى عبد الله أنْ ليس لنفْسه حاجةٌ إلا الزَّواج، وفي بعضها بنصب (عبد الله). (يا معشر) هم الطَّائفة الذين يشمَلُهم وصفٌ، فالشَّباب مَعشَر، والشُّيوخ مَعشَر. (الشباب) جمع: شابٍّ، وهو مَن بلَغ ولم يُجاوِز ثلاثين سنةً. (الباءة) قال (ن): فيها أربع لغاتٍ، المشهور بالمَدِّ والهاء، والثانية بلا مَدٍّ، والثالثة بالمدِّ بلا هاءٍ، والرابعة بهاءَين بلا مَدٍّ، وأصلُها لغةً: الجِمَاع، ثم قيل لعقْد النِّكاح، واختُلف في المُراد بها هنا على قولين: أحدهما: أنَّه الجِماع، فتقديره: مَن استطاعَ منكم الجِمَاعَ لقُدرته على مُؤَن النِّكاح فليتزوَّجْ. والثاني: أنَّه مُؤَن النكاح، وسُميت باسم ما يُلازمها، أي: من استطاعَ منكم النِّكاحَ. والباعث على هذا التَّأْويل أنَّ العاجِزَ عن الجِماع لا يحتاج إلى الصَّوم لدفْع الشَّهوة. وقال الجَوْهَري: البَاءَة مثْل: البَاعَة لغةٌ في البَاهِ، ومنه سُمي النكاح باءً، وباءةً؛ لأن الرجل يَتبوَّأُ من أهله، أي: يَستمْكِنُ منها كما

3 - باب من لم يستطع الباءة فليصم

يَتبوَّأُ من داره. (فعليه بالصوم) إغراءُ غائبٍ، وهو من النَّوادر، وإنما تقول العرَب: عَليك زيدًا. وفيه استِحسانُ عَرْض الصَّاحب على صاحبه، ونِكاحُ الشابَّة، فإنها ألذُّ استِمتاعًا، وأَطْيَب نَكْهةً، وأحسَن عِشْرةً، وأليَنُ مَلْمَسًا، وأقربُ إلى أن يُعوِّدَها زوجُها الأخلاقَ يَرتضِيْها، واستِحبابُ الإِسْرار بمثلهِ. (وِجاء) بكسر الواو، وتخفيف الجيم، والمدِّ: رَضُّ الخِصْيتَين؛ فإنْ نُزِعتا نَزْعًا فهو خِصاءٌ، ورواه بعضهم بفتح الواو، والقصر. * * * 3 - بابٌ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ (باب مَن لم يَستِطع الباءَة فليَصُمْ) 5066 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاث، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَبَابًا لَا نَجدُ شَيْئًا، فَقَالَ لنا رَسُولُ اللهُ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ

4 - باب كثرة النساء

فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؟ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". (أغض) بمعنى الفاعل لا المَفعول. * * * 4 - بابُ كَثْرةِ النِّسَاءِ (باب كثْرة النِّساء) 5067 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْج أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَني عَطَاءٌ، قَالَ: حَضَرْناَ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونة بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهَا وَلَا تُزَلْزِلُوهَا وَارْفُقُوا، فإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعٌ، كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ. الحديث الأول: (بِسَرِف) بفتح المهملة، وكسر الراء: موضعٌ بينه وبين مكة اثنا عشَر مِيْلًا. (نعشها) هو سَرير الميِّت. (تزعزعوها)؛ أي: تُحركوها. (عند النبي - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: إلى حين وَفاته.

(ولا يقسم لواحدة) هي دَوْدَة بنت زَمْعَة، وهبتْ نوبتَها لعائشةَ ابتغاءَ مَرْضاته - صلى الله عليه وسلم -. * * * 5068 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني، والثالث: في معنى الحديث السابق. * * * 5069 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَم الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فتزَوَّجْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكثَرُهَا نِسَاءً. الرابع: (خير هذه الأُمة) المُراد به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّ له تسعَ نِسوةٍ،

5 - باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى

ويَحلُّ له أكثَر، لا أنَّ من كثُرت زوجاتُه يكون أفضَل من الصَّحابة، ولا الصحابي الذي كثُرت نساؤُه أفضَل مِن أعلامهم كالصِّدِّيق ونحوه. وقيل: (هذه الأمة) تُخرِجُ سُليمانَ عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّه أكثَر نسوة من نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ونبينا أفضَل منه، ومن كل الخلائق. أو المُراد: مَن كان مِن هذه الأُمة أكثَرَ نساء من غيره فهو خيرٌ حيث تَساوَوا، أو المراد له خَيريَّةٌ بذلك. * * * 5 - بابٌ مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِل خَيْرًا لِتَزوِيج امْرَأَةٍ فَلَهُ مَا نَوَى (باب مَن هاجَر، أو عَمِلَ خيرًا لتَزويجِ امرأةٍ فله ما نَوَى) 5070 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمرئ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرتهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرتهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيهِ".

6 - باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام

سبَق الحديث فيه في أول "الجامع". * * * 6 - بابُ تَزْوِيج الْمُعْسِرِ الذي مَعَهُ الْقُرْآنُ وَالإِسْلاَمُ فِيهِ سَهْل، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب تَزْويج المُعْسِر الذي معه القُرآن) * * * 5071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْس، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نغزُو مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ لنا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ نستَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ. وَجْه مُطابقته التَّرجمةَ لما أوردَه فيها من الحديث أنَّه نهَاهُم عن الاختِصاء، ووكلَهم إلى النِّكاح، ولو كان المُعْسِر لا يُنكَح -وهو ممنوع من الاختِصاء- لأَدَّى إلى تكليف ما لا يُطاق، وكلُّ مُسلمٍ لا بُدَّ له من حفْظ شيءٍ من القرآن، فتعيَّن التزويج بما معَه من القُرآن. وإنما لم يُورِدْ في الباب حديثَ الواهبَة نفْسَها، وهو على شرطه، وأخرجَه من قبْلُ، ومن بعدُ مع عَرْض المرأة نفْسَها. * * *

7 - باب قول الرجل لأخيه: انظر أي زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها

7 - بابُ قَوْلِ الرَّجُل لأَخِيهِ: انظُرْ أَيَّ زوجَتَيَّ شِئْتَ حَتَّى أَنزِلَ لَكَ عَنْهَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. (باب قَول الرَّجُل لأَخيه: انظُرْ أَيَّ زَوجتَيَّ شئْتَ) قوله: (رواه عبد الرحمن بن عوف) موصولٌ في (الهجرة إلى المَدينة). * * * 5072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فآخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَعِنْدَ الأَنْصَارِيِّ امْرَأتانِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ في أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّوني عَلَى السُّوقِ، فَأتى السّوقَ، فَرَبحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئًا مِنْ سَمْنٍ، فَرآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أَيامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: "مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ " فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ أَنْصَارِيَّةً، قَالَ: "فَمَا سُقْتَ؟ " قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: "أَوْلمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". (وَضَرَ) بفتح الواو، والمعجمة، وبالراء: اللَّطْخ من الخَلُوق،

8 - باب ما يكره من التبتل والخصاء

ومِن كلِّ طِيْبٍ له لَونٌ. (مَهْيَم) بفتح الميم، وسُكون الهاء، وفتح الياء، أي: ما حَالُكَ؟ وما شأْنُكَ؟ وهي كلمةٌ يَمانيَةٌ، ولابن السَّكن بنونِ بدَلَ الميم الثانية. (سقت لها)؛ أي: أَعطيتَها. (نواة) هي خمسةُ دراهم. ومرَّ الحديثُ أوَّل (البيع). * * * 8 - بابُ مَا يُكْرَه مِنَ التَّبَتُّلِ وَالْخِصَاءِ (باب ما يُكرَهُ من التَّبتُّل والخِصَاء) الخصاء المَذكور في هذه الأحاديث ليس المراد به إخْراج خِصْيتَي الرجُل؛ لأنَّ ذلك حرامٌ؛ لأنَّه غرر بالنَّفْس، وقطْعٌ للنَّسل، وإنما المقصود أنْ يفعَل الرجل بنفْسه ما يُزيل عنها الشَّهوة بالمُعالجة حتى يَصير كالمُختَصِي. 5073 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: رَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبتُلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا.

5074 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ سَمعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ -يَعْنِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ، وَلَوْ أَجَازَ لَهُ التَّبتلَ لاَخْتَصَيْنَا. 5075 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ، فَقُلْنَا: أَلاَ نستَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لنا أَنْ ننكِحَ الْمَرْأة بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. 5076 - وَقَالَ أَصْبَغُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونس بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ، وَلَا أَجِدُ مَا أتزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ". الحديث الأول، والثاني، الثالث: (رد)؛ أي: التَّبتُّلَ، وكان الأصل أنْ يقول: لو أَذِن في الانقِطاع عن المَلاذِّ لتَبتَّلنا، فعدَل إلى (اختَصَينا) إرادةً للمُبالغة، أي: فإن التَّبتُل

كان من شَريعة النَّصارى، فنهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمتَه عنه؟ ليَكثُر النَّسلُ، ويدُومَ الجِهادُ. ويقال: خَصَيتُ الفَحْلَ: إذا سَلَلْتَ خِصيتَيه، واختَصيتُ: إذا فعلتَ ذلك بنفسك. (بالثوب)؛ أي: أو نحوه مما يتراضَيان به. (وقال أصبغ) وصلَه الإِسْماعيلي، والجَوْزَقي. (العنت): الإثْم والفُجور. (فاختص) أمر تهديدٍ مثل: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]. قيل: وزيادةُ راءٍ في آخِره أشبَهُ؛ لمَا جاء في حديثٍ آخَر: (فاقتَصِرُوا)، والاقتصار نحو الاختِصار. وقد ساقَه البُخاري، فقال: وقال أصْبَغ، ولم يذكُر سنَدَه، وقد رواه ابن وَهْبٍ في (كتاب القدَر) بهذا الإسناد، وقال فيه: (فائْذَنْ لي أَنْ أَختَصِيَ)، قال: فسكَتَ عني حتى قُلت ذلك ثلاثَ مرَّات، فقال: (جَفَّ القَلَمُ بما أنْتَ لاقٍ)، فسقَطتْ هذه اللَّفْظة في رواية البُخاريِّ، فصار الجَواب غيرَ ظاهرٍ لسُؤاله، وبانَ بذلك أنَّ قوله: (فاختَصِ) ليس على ظاهره مِن الأَمر بهِ أو بتَرْكِه، وإنما المعنى: إنْ فعلتَ، وإنْ لم تفعَلْ، فلا بُدَّ من نُفوذ القَدَر. (على ذلك) متعلِّقٌ بمقدَّرٍ، أي: حالَ استعلائكَ على العِلْم بأنَّ الكُلَّ بتقدير الله، وهذا ليس إذْنًا في قَطْع العُضْو؛ بل هو توبيخٌ له،

9 - باب نكاح الأبكار

ولَومٌ على استِئْذانه في القَطْع من غير فائدةٍ؛ فإنَّ جميع الأُمور مقدَّرةٌ في الأزَل. * * * 9 - بابُ نِكَاحِ الأَبْكَارِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ: لَمْ يَنْكِح النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكْرًا غَيْرَكِ. (باب نِكاح الأَبْكار) قوله: (وقال ابن أبي مُليكة) موصولٌ في (سورة النور). 5077 - حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ لَوْ نزَلْتَ وَادِيًا وَفيهِ شَجَرَة قَدْ أكُلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، في أيهَا كُنْتَ تُرتعُ بَعِيرَكَ؟ قَالَ: في الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا. تَعْنِي: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يتزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا. الحديث الأول: (تُرتِع) مِن باب الإِفْعال، وفيه تشبيهُ البِكْر بالشَّجَرة التي لم يُؤكَل منها، والثَّيِّب بالتي أُكل منها. * * *

5078 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدّثَنَا أَبو أسُامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرِيتُكِ في الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةِ حَرِيرٍ، فَيقُولُ: هَذِهِ امْرَأتكَ، فَأكشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأقولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ". الثاني: (إذا رجل) هو الملَك في صُورة رجلٍ، ففي الحديث الآخَر: (يَجِيءُ بكِ المَلَكُ). (سَرَقة) بفتح المهملة، والراء، وبقافٍ: القِطْعة من جيِّد الحَريرِ، وأصلُه بالفارسيَّة: سره، أي: جيِّد، فعرَّبُوه كما عُرِّب: إِستَبْرق. (إن يكن) أتَى بـ (إِنْ) والمَقام يقتضي الإتْيان بـ (إذا)؛ لأنَّها لمَا تحقَّق أو رَجَح، و (إنْ) للمَشكُوك، وهو محال هنا؛ لأنَّ الرُّؤيا قد يُراد بها غير ظاهرٍ، فالتَّرديد مِن هذه الحَيْثيَّة، وإلا فرُؤْيا الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وَحْي لا يَطرقُها شكٌّ. (يمضه) مِن الإمضاء، وهو الإنْفاذ. ومرَّ في (باب: وُفود الأنصار). * * *

10 - باب الثيبات

10 - بابُ الثَّيِّبَات (باب الثَّيِّبَات) وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ، وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ". قوله: (قالت أُمّ حبيبة) موصولٌ بعد أبواب، واستَنبط البخاريُّ التَّرجمةَ من قوله - صلى الله عليه وسلم - لأُم حَبِيْبة وسائرِ نسائه: (بَناتِكُنَّ)؛ فإنَّه صريحٌ في أنهن ثَيِّبات ولهنَّ بَناتٌ. * * * 5079 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةٍ، فتعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإبِلِ، فَإِذَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا يُعْجلُكَ؟ " قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ، قَالَ: "بِكْرًا أَمْ ثَيِّبا؟ " قُلْتُ: ثَيِّبٌ، قَالَ: "فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ " قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، قَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلا -أَيْ: عِشَاءً- لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثة، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبة".

الحديث الأول: (قطوف)؛ أي: بطيء. (راكب)؛ أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (بعنزة) هي أقصَر من الرُّمح، وأَطْوَل من العَصَا. ولا ينافي هذا ما سبَق في (باب: شراء الدواب): أنه ضرَبَه بمِحْجَنه، أي: الصَّولَجان؛ لأنَّه إذا كان أَحَدُ طَرَفيه مِعوَجًّا، والآخَرُ فيه حديدٌ صَدَق اللَّفظان عليه. (رَاء) اسم فاعلٍ مِن الرُّؤية. (يعجلك) مِن الإِعْجال. (بكرا) منصوبٌ بمقدَّرٍ، أي: تزوَّجتَ بكرًا، وكذا جاريةً. (ليلًا، أي: عشاء) فسَّره بذلك لئلا يُنافي ما سبَق في (كتاب العُمرة)، في (باب: لا يطرق أهلَه): أنَّه - صلى الله عليه وسلم - نَهى أنْ يطرُق أهلَه ليلًا. (الشعثة)؛ أي: مُنتشِرة الشَّعر، مُغبرَّة الرَّأْس. (وتستحد)؛ أي: تستعمل الحديد في إزالَة الشُّعور. (المغيبة) بضم الميم: التي غابَ زوجُها، يُريد تنظيفَ نفْسها، وتطْهيرها، وتَطييبها. * * *

11 - باب تزويج الصغار من الكبار

5080 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا مُحَارِبٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقولُ: تَزَوَّجْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَزَوَّجْتَ؟ " فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. فَقَالَ: "مَا لَكَ وَللْعَذَارَى وَلعَابِهَا؟ ". فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ ". الثاني: (وللعذارى) جمع: عَذْراء، وهي البِكْر. (ولعابها) بكسر اللام مِن لاعبْتُها؛ لأنَّ الفِعَال أحَد مصدَري المُفاعَلة، وبضمها من اللُّعاب، وعلى الكَسْر اقتصر في "النِّهاية". * * * 11 - بابُ تَزوِيج الصِّغَارِ مِنَ الْكِبَارِ (باب تَزويْج الصِّغار مِن الكِبَار) 5081 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ عَائِشَةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ، فَقَالَ: "أَنْتَ أَخِي في دِينِ اللهِ وَكِتَابِهِ،

12 - باب إلى من ينكح؟ وأي النساء خير؟ وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب؟

وَهيَ لِي حَلاَلٌ". الحديث الذي أوردَه فيه مُرسَلٌ، ومطابقتُه للترجمة معلومةٌ من كِبَر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصِغَر عائشة رضي الله عنها. * * * 12 - بابٌ إِلى مَنْ يَنْكح؟ وَأَيُّ النِّسَاء خَيْرٌ؟ وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ؟ (باب إلى مَن يَنكِح؟) هو بفتح الياء. (لنطفه) جمع: نُطْفة، وهو إشارةٌ إلى ما رُوي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَخيَّرُوا لنُطَفِكُم"، وأرادَ البُخاريُّ أن الأَمْر للنَّدْب لا للإيجاب. 5082 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ نِسَاءٍ ركبْنَ الإبِلَ صَالِحُو نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ في صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ في ذَاتِ يَدِهِ". (ركبن الإبل) كنايةٌ عن العرَب.

(أحناه)؛ أي: أشفَقه، والحانِيَة هي التي تقُوم على ولَدِها بعد يُتْمه فلا تتزوج. (ذات يده)؛ أي: مالِه المُضاف إليه، أي: خيرُ نِسَاء العرَب القُرشيات الصَّالحات الحانيَات الرَّاعيات. وفيه فضل الحُنوِّ على الأولاد، والشَّفَقة عليهم، وحُسن تَربيتهم، والقِيام عليهم، ومُراعاة حقِّ الزَّوج في ماله، والأَمانة فيه، وتدبيره في النَّفَقَة وغيرها. فإنْ قيل: القِياس أن يُقال: صالحة، وأن يُقال: أحنَاهُنَّ، بلفظ الجمْع. قيل: تَذكيره باعتِبار لفْظ: (خَيْر)، أو باعتِبار الشَّخص، أو هو من باب: ذِي كَذا، وأما الإِفْراد فبالنَّظَر إلى لفْظ: الصَّالح، وإما بقَصْد الجِنْس. فإن قيل: كيف يكُنَّ خيرًا من غيرهنَّ مُطلَقًا؟ قيل: لأنَّ خُروج عائشة ونحوها بدليلٍ آخَر، فلا يَلزم تفضيلهنَّ عليها، أو المُراد القُرشيَّات كلُّهن شأنهنَّ الحُنوُّ والرِّعاية، أو أنَّ الخيريَّةَ من جِهَةٍ لا يَلزم منه الخيريَّةُ على الإطْلاق. وقال (ن): المعنى: مِن خَيرهنَّ كما يُقال: أحسنَهم، أي: مِن أحسَنهم. * * *

13 - باب اتخاذ السراري، ومن أعتق جاريته ثم تزوجها

13 - بابُ اتِّخَاذِ السَّرَاري، وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيتَهُ ثمَّ تَزوجَهَا (باب اتخَاذِ السَّراري) هو بتشديد الياء وتخفيفها. 5083 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا صالح بْنُ صالح الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وليدَةٌ، فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تأدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأيما رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأيمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبِّهِ فَلَهُ أَجْرَانِ". قَالَ الشَّعْبِي: خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونه إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْتَقَهَا، ثُمَّ أَصْدَقَهَا". الحديث الأول: سبَق شرحه مبسوطًا في (باب: تعليم الرَّجل أمتَه). (أبو بردة عن أبيه) في بعضها بعد ذلك: (عَنْ أَبي مُوسَى)، وهو

سهوٌ؛ فإنَّ أباه هو أبو موسى. (وليدة) الوَليْدة هي الأَمَة. (بغير شيء)؛ أي: مَجَّانًا بلا أُجرةٍ، وارتحالٍ في طلَبه، وقد كانوا يَرحَلُون إلى المَدينة في أقلَّ من ذلك. (وقال أبو بكر) وصلَه أحمد، وهو في "مُسنَد الطَّيالِسي". وقال أبو نُعَيم: إنَّ أبا بكر تفرَّد بذلك، والحديث مُسَلْسَل بالكُنى. * * * 5084 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أيوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أيوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ مَرَّ بِجَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَأَعْطَاهَا هَاجَرَ، قَالَتْ: كَفَّ اللهُ يَدَ الْكَافِرِ، وَأَخْدَمَنِي آجَرَ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ! الثاني: (عن محمَّد) في بعضها بدَله: (عن مُجاهِد)، ولكنْ محمَّد أكثَر وأصَحُّ.

وسبق شرح الحديث في (كتاب الأنبياء). وسبق أيضًا في (البيع)، في (شِراء المَمْلُوك من الحَربيّ وهبَته): وذلك أن الجبَّارَ قصَد أنْ يأْخُذ سارةَ منه، ولم يتمكَّنا من دَفْعه، فقامتْ تُصلِّي، وقالت: اللهمَّ! إنْ كنتُ آمنتُ بك وبرسولكَ، وأحصَنْتُ فَرْجي إلا على زَوْجِي؛ فلا تُسلِّطْ عليَّ هذا الكافِر، فَغَطَّ حتى ركَضَ برجْلِه، فقال: أَرجِعُوها إلى إبراهيم، وأَعطُوها آجَرَ. (ماء السماء)؛ أي: سُكَّان البَوادي، وأكثَر مياهِهم المَطَر، وقيل غير ذلك كما سبَق. قيل: ومطابقة ذلك للتَّرجمة لا يَظهَر من هذا الطَّريق؛ بل من طَريقٍ آخَر صرِّح فيه بأنَّ سارة مَلَّكتْهُ إياها، وأنه أَولدَهَا، فاكتفَى بالإشارة إلى أَصْل الحديث كعادتِه. * * * 5085 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَقَامَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاَثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بصفيةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَليمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، أُمِرَ بِالأَنْطَاعِ، فَأَلْقَى فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَليمَتَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ

13 / م- باب من جعل عتق الأمة صداقها

الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاس. الثالث: وسبق شرحه أول (باب الصلاة). ومطابقته للترجمة أنه لو لم يكُن جائزًا لمَا شكَّتْ الصَّحابة فيها؛ هل هي زوجةٌ أو سُرِّيَّةٌ؟. (بصفية) هذا فيه ردٌّ على الجَوْهَري حيث منَع: بَنَى بها، قال: وإنما يتعدَّى بـ (على)، وممن حكى: (بَنَى بها) ابنُ دُرَيْد. * * * 13 / -م - بابُ مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الأَمَةِ صَدَاقَهَا (باب مَن جعَل عِتْقَ الأَمةِ صَداقَها) 5086 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَشُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. فيه حديث صَفيَّة السابق. * * *

14 - باب تزويج المعسر؛ لقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}

14 - بابُ تَزْويجِ الْمُعْسِرِ؛ لقولِهِ تَعَالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (باب تزويج المُعْسر) 5087 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأة إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأطَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأة أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: "وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجدُ شَيْئًا؟ " فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ". فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي -قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِداءٌ- فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبسِتهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ". فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: "مَاذَا

مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا؟ عَدَّدَهَا. فَقَالَ: "تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ " قَالَ: نعمْ. قفَالَ: "اذْهَبْ، فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". سبَق شرح الحديث فيه قريبًا في (باب: القراءة عن ظهر قلب)، وأن المرأة أُم شَرِيك في قول الأكثر، وقيل: خَوْلة بنت حَكِيْم، وقال الواقدي: غَزْنَة بنت جابر، وفي "مسند أحمد": أميْنة الجَونيَّة. (ولا خاتم) بالرفْع، وسبَق في (الفضائل) روايتُه بالنَّصب عطفًا على الكلام السابق، كأنَّه قال: ولا أَجِدُ، والرفْع على القَطْع والاستِئناف. (ما له رداء، فلها نصفه) ظاهره أنه لو كان له رداء لشَركَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيه، ولكنْ فيه بُعد, ولا دليلَ عليه. ويمكن أن يكون مُرادَ سَهْلٍ أنَّه لو كان عليه رداء مُضافًا إلى الإزار لكان للمَرأة نِصفُ ما عليه الذي هو إما الرِّداء، وإما الإزار. وسيأتي في (نكاح المُتعة) روايتُه بلفظ: (ولكنْ هذا إِزاري، ولها نِصفُه، فقال سَهْل: وما لَه رداء)، وهذا يدلُّ على أنَّه وقَع في هذه الرِّواية هنا اختصار. * * *

15 - باب الأكفاء في الدين

15 - بابُ الأَكْفَاءِ في الدِّين وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}. (باب الأكَفاء) جمع: كُفْء، وهو المِثْل، والنَّظير. * * * 5088 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبهَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَليدِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كَمَا تَبَنَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا في الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَوَالِيكُمْ}، فَرُدُّوا إلَى آبَائِهمْ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا في الدِّينِ، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ -وَهْيَ امْرَأة أَبِي حُذَيْفَةَ- النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

الحديث الأول: (أبا حُذيفة) بمهملةٍ، ثم معجمةٍ: مُهْشِم، أو هُشَيم، أو هاشِم بن عُتْبَة -بضم المهملة، وسُكون المثنَّاة- ابن رَبِيْعة بن عبْد شمس القُرَشي. (سالما)؛ أي: ابن مَعْقِل -بفتح الميم، وكسر القاف- الإصطَخْري: مملوكُ امرأةٍ من الأنْصار، ثُبَيْتة، بضم المثلَّثة، وفتح الموحّدة، وإسكان الياء، وبمثناةٍ، وقيل: عَمْرة، وقيل: سَلْمى بنت يَعَار، بفتح الياء، وبمهملةٍ، وراءٍ، الأَنْصاريَّة، وأعتَقته، فانقطَع إلى زَوجها أبي حُذَيفة، فتَبنَّاه، أي: اتخذَه ابنًا، فنُسب إليه، فلمَّا نَزل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]؛ قيل له: سالِم مَولى أَبي حُذَيفة، وأنكَحَه ابنةَ أخيه -بفتْح الهمزة، وبالتحتانيَّة، ووَهِمَ مَن ضمها- هِنْدًا، وسَماها في "الاستيعاب": فاطِمَة بنت الوَليد -أي: بفتْح الواو- ابن عُتْبة، بالضم، وسكون المثنَّاة. (بنت سُهيل) بالتَّصغير: ابن عَمْرو القُرشي، وهي أيضًا امرأة أبي حُذيفة، ضَرَّةُ المُعتِقة، وهذه قُرشية، وتلك أنصارية. (ما قد علمت) هو قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]. (فذكر الحديث) هو أَنَّها قالتْ: يا رسولَ الله، إنَّ سالمًا بلَغ مَبْلَغ الرِّجال، وإنه يدخُل عليَّ، وإني أَظنُّ أنَّ في نفْس أبي حُذَيفة من ذلك شيئًا فقال: "أَرضعِيهِ تَحرُمي عليهِ، ويَذهب ما في نفْسِه"، فأرضعتْه،

وذهَب الذي في نفْسه. قالوا: كان هذا من خَصائصه. قال (ع): لعلَّها حلبَتْه، ثم شَرِبَه من غير أن يمسَّ ثديَها، و [من] غير التِقاء بَشَرتيهما، ويحتمل أنَّه عُفِيَ عن مَسه للحاجة كما خُصَّ بالرضاعة مع الكِبَر. * * * 5089 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: "لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ " قَالَتْ: وَاللهِ لَا أَجدُنِي إِلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: "حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولي: اللهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي". وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ. الثاني: (ضُباعة) بضم المعجمة، وخفَّة الموحَّدة، بنتُ الزُّبَير بن عبد المُطلِب الهاشمي. (أجدني)؛ أي: ما أَجِدُ في نفْسي، وكون الفاعِل والمفعول ضميرَين لشيءٍ واحدٍ من خصائص أَفْعال القُلوب. (واشترطي)؛ أي: أنَّك حيثُ عجَزتِ عن الإتْيان بالمَناسك، وانحبَستِ عنها بسبَب قوَّة المرَض تحلَّلتِ عن الإحرام.

(وقولي: اللهم مَحِلي) بكسر الحاء: مصدرٌ بمعنى: الإحلال، ولهذا ذكر بعدَه الظَّرف، وهو (حيثُ)، ومَن فتَح فقد أخطأَ. قال (خ): فيه دليلٌ أنَّ المرَض لا يقَع به الإحلالُ؛ إذ لَو وقَع به لمَا احتاجَتْ إلى هذا الشَّرط، وهذا بخلاف الإِحْصار بالعَدوِّ المانِع، وقيل: هذا كان مِن خصائص ضُبَاعة. وفيه أنَّ المُحصَر يحلُّ حيث يُحبَس، ويَنحَر بُدُنَه هناك حَلالًا كان أو مُحرمًا. (وكانت تحت المقداد) هذا يدفَع استِدلالَ البخاري؛ فإن ضُبَاعة بنت عمَّة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والمِقداد مَولى حَلِيْف الأَسوَد بن عبْد يَغُوث، تَبنَّاه، ونُسب إليه. قال (ك): ومُطابقة الحديث للترجمة أنَّ سالمًا أعجميٌّ، وهنْد قُرشية، وضُباعةُ هاشميَّةٌ، والمِقداد بَهْراني؛ لكنَّهما أكفاء في الإِسلام. * * * 5090 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأة لأَرْبَعٍ؛ لِمَالِهَا، وَلحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلدِينهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ". الثالث: (لأربع) قال البَيضاوي: أي: مِن عادة الناس أنْ يَرغَبوا في النِّساء

لأحَد هذه الأربَع، واللائق بأرباب الدِّيانات، وذَوي المُروءات أنْ يكون الدِّين مَطمَح نظَرهم في كلِّ شيءٍ لا سيَّما في ما يَرُوج أَمرُه، ولذلك اختارَه الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - بآكَدِ وجْهٍ، وأبْلَغِهِ، فأَمَر بالظَّفَر الذي هو غايةُ البُغْية. (فاظفر) جزاءُ شرطٍ محذوفٍ، أي: إذا تحقَّقت تَفضيلَها، فاظْفَر بها، أي: برُشْدها؛ فإنها تُكسِب مَنافع الدَّارَين. (تربت يداك) أصلُه دُعاءٌ إلا أنَّ العرَب تَستعملُه للإنْكار، والتَّعجُّب، والتعظيم، والحثِّ على الشيء، وهذا هو المراد هنا. وقال البَغَوي: هي كلمةٌ جاريةٌ على ألسنَتهم نحو: لا أَبَ لكَ، ولا يُريدون بذلك وُقوعَ الأمر، وقيل: قَصْدُه بها وُقوعه لتَعدِّيه ذواتِ الدِّين إلى ذَوات المالِ ونحوه، أي: تَربتْ يَداك إنْ لم تفعَلْ ما أُمرتَ به. وفيه التَّرغيب في صُحبة أَهل الدِّين في كُلِّ شيءٍ؛ لأنَّ صاحبَهم يَستفيدُ من أخلاقهم، ويأمَن المفسَدةَ من جِهَتهم. * * * 5091 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ في هَذَا؟ " قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وإنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنَ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ،

16 - باب الأكفاء في المال، وتزويج المقل المثرية

فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ في هَذَا؟ " قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا خيرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا". الرابع: (حري)؛ أي: جديرٌ. (يشفع) بتشديد الفاء، أي: تُقبل شفاعتُه. (مِلء) بكسر الميم، وبهمزة في آخره. (مثل) بالجر والنصب، ووجْهه ظاهر أنَّ الأول كافرٌ، وإلا فيكون ذلك مَعلومًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالوَحْي. * * * 16 - بابُ الأَكْفَاء في الْمَالِ، وَتزوِيج الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ (باب الأكفَاء في المَالِ، وتَزْويجُ المُقِل) أي: المُفتقِر. (المثرية)؛ أي: الكثيرة المال، يُقال: أَثْرَى الرجُلُ: إذا كثُرتْ أموالُه. * * *

5092 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}؟ قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! هَذِهِ الْيتيمَةُ تَكُونُ في حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ في جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ صَدَاقَهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا في إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ، قَالَتْ: وَاسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إلَى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}، فَأَنْزَلَ اللهُ لَهُمْ: أَنَّ الْيتيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ، رَغِبُوا في نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا في إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا في قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ: فَكَمَا يَتْرُكونهَا حِينَ يَرْكَبُونَ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا، وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى في الصَّدَاقِ. (حِجر) بكسر الحاء وفتحها. (فيرغب) إن عُدِّي بـ (في) فمعناه: مالَ، أو بـ (عن) فمعناه: أَعرَضَ. * * *

17 - باب ما يتقى من شؤم المرأة، وقوله تعالى: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم}

17 - بابُ مَا يُتَّقَى مِنْ شُؤْم الْمَرْأَةِ، وَقوِلِه تعالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} (باب ما يُتَّقَى مِن شُؤْم المَرأةِ) واو (شُؤم) أَصله الهمزة، ولكنْ هُجِرَ الأَصل. 5093 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِم ابْنَيْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الشُّؤْمُ في الْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالْفَرَسِ". الحديث الأول: (الشؤم في المرأة، والدار، والفرس) شُؤم الدَّار ضِيْقُها، وسُوء جِوارِها، وشُؤْم الفرَس أنْ لا يُغْزَى عليها، وجِماحُها، ونحوه، وشُؤْم المرأَة: عُقْمُها، وغَلاء مَهْرها، وسُوء خُلُقها، والغرَض منه الإرشاد إلى مُفارقتها, لا الطِّيَرة المَنهيُّ عنها. قال (خ): هذه الأشياء ليس لها في نفسها فعلٌ وتأثيرٌ، وإنما ذلك بمشيئة الله تعالى وقَضائِه، فالإضافةُ إليها إضافة إلى مَحالها، وخُصَّت هذه الثلاثة بالذِّكْر؛ لأنَّها أعمُّ الأشياءِ التي يَقتَنيها الإنسانُ. ومرَّ الحديث في (الجهاد)، في (باب: شؤم الفرس). * * *

5094 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ الشُؤْمُ في شَيْء فَفِي الدَّارِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ". 5095 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنْ كَانَ في شَيْءٍ فَفِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَسْكَنِ". الثاني، والثالث: نحو الأول. * * * 5096 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، عَن أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ". الرابع: (أضرّ) وذلك أن المرأة ناقصةُ العقْل والدِّين، وغالبًا يرغب زوجُها عن طلب الدِّين، وأيُّ فسادٍ أضرُّ من ذلك؟!، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} الآية [آل عمران: 14]، فقدمهنَّ

18 - باب الحرة تحت العبد

لشدَّة فتنتهنَّ. * * * 18 - بابُ الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ (باب الحُرَّة تحتَ العبْد) 5097 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحمدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ في بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبُرْمَة عَلَى النَّارِ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: "لَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ؟ " فَقِيلَ: لَحْمٌ تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، وَأَنْتَ لَا تأكلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ". (ثلاث سنن) ليس للحصر؛ إذ لا ينفي الزائدَ. وفي حديثها أحكام كثيرةٌ، وفوائدُ أُفردْنَ بالتصنيف، وسبَق في (الكتابة) طائفةٌ من ذلك. (وبرمة) قال ابن مالك: لا يمنع الابتِداءُ بالنَّكرة على الإطلاق؛ بل إذا لم تحصُل فائدةٌ، ومن محصِّلات الفائدة الاعتمادُ على واو الحال نحو: دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وبُرمَةٌ على النار، وقال تعالى:

19 - باب لا يتزوج أكثر من أربع؛ لقوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع}

{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]. (صدقة) الفرق بينها وبين الهدية أنَّه إعطاءٌ لثواب الآخرة، والهدية لإكرام المَنقُول إليه. ومعنى السُّنَن الثَّلاث: أنَّ الأَمَة إذا عتَقت تحت العبد خُيِّرتْ في فَسخ النكاح، وكونُه عبدًا وإنْ لم يُذكر في هذا الحديث؛ لكنْ ذكَره في (الطلاق)، وفي غيره، واكتفَى به في الاعتِماد على الطَّريق الآخر، واسمه: مُغِيْث بمثلَّثةٍ، وأنَّ وَلاء العَتيق لمُعتقه لا لغَيره ولو شُرط، وأنَّ الصَّدقَة بعد القَبْض تصير ملْكا للقابِض لها حُكْمُ مَملوكاته، ويَبطُل عنها حُكْم الصَدَقة. * * * 19 - بابٌ لا يَتزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (باب: لا يتزوَّجُ أكثَرَ من أَربَعٍ) وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: يَعْنِي: مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاعَ, وَقَوْلُهُ جَلَّ ذَكرهُ: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}؛ يَعْنِي: مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاعَ. قوله: (أو ثلاث) يُريد أنَّ الواو بمعنى (أو). * * *

20 - باب {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم}، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

5098 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}. قَالَ: الْيتيمَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، وَهْوَ وَليُّهَا، فَيتزَوَّجُهَا عَلَى مَالِهَا، وَيُسِيءُ صحْبَتَهَا، وَلَا يَعْدِلُ في مَالِهَا، فَلْيتزَوَّجْ مَا طَابَ لَهُ مِنَ النِّسَاء سِوَاهَا؛ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ. (محمَّد)؛ أي: ابن سَلام. * * * 20 - بابٌ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، ويحرُمُ مِنَ الرضاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ (باب: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]) 5099 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأذِنُ في بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأذِنُ في بَيْتِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرَاهُ فُلاَنًا" لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلاَنٌ حَيًّا -لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ- دَخَلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: "نعم، الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ".

الحديث الأول: سبَق شرحه. * * * 5100 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَلاَ تَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ". وَقَالَ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، سَمِعْتُ قتادَةَ، سَمِعْتُ جَابِرَ ابْنَ زيدٍ، مِثْلَهُ. الثاني: (بنت أخي)؛ أي: لأن ثُوَيبَة -بضم المثلَّثة- أَرضعتْه - صلى الله عليه وسلم - بعدَ ما كانتْ أَرضعتْ حمزةَ. (وقال بشر) وصلَه مسلم. * * * 5101 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زينَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرتهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرتهَا: أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! انْكِحْ أُخْتي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: "أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكِ؟ " فَقُلْتُ: نعمْ، لَسْتُ

لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَاركنِي في خَيْرٍ أُخْتِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي". قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ: أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تنكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: "بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، فَقَالَ: "لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي في حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي؛ إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ، وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ". قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لأَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبِ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ ألقَ بَعْدكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ في هَذِهِ؟ بِعَتَاقَتِي ثُويبةَ. الثالث: (بمخلية) بلفْظ فاعِل الإِخلاء مُتعدِّيًا، ولازمًا، من أَخلَيْت بمعنى خَلَوْتُ من الضَّرَّة، وفي بعضها بلفْظ المَفعول مِن الخَلاء. (خير)؛ أي: صُحبة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المُتضمنة لسَعادة الدَّارَين. واسم أُمِّ حَبِيْبة: رَمْلَة، واسم أُختِها: عَزّة، بفتح المهملة، وشدَّة الزاي. (ذلك لا يحل) لأنه جمعٌ بين الأختين، وهذا كان قبل عِلْمها بالحُرمة، أو ظنَّت أنَّ جَوازه من خصائص النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ أكثَر حُكم نكاحه مُخالفٌ لأحكام أَنكحة الأُمة. (بنت أُمّ سلمة) اسمها: دُرّة، بضم المهملة، وشدَّة الراء، واسم

أُمِّ سلَمة: هِنْد. (لو أنها لم تكن ربيبتي)، أي: أنَّها حرامٌ عليَّ بسبَبين: كونها رَبيبَتي، وكونها ابنَة أَخي من الرَّضاعة. (في حجري) خرَج الوَصفُ مخرَج الغالِب، فلا مفهومَ له. وفيه تعليل الحُكم الواحد بعِلَّتَين. (ثُويبة) بضم المثلَّثة مصغَّرًا، اختُلف في إسلامها. (فلا تَعْرِضنّ) بفتح المثنَّاة، وسكون المهملة، وكسر الراء، والنون المشدَّدة: خِطابٌ لأُم حَبِيْبة، وإسكان الضاد: خطابٌ لجَماعة النِّسوة، ويُروى بضمِّ المثنَّاة، وكسر الضاد؛ لالتقاء الساكنين، وقد فَصَلوا أيضًا بين النُّونات، فقالوا: تَعرِضْنَانِّ، ولم يَرِد في الرُّواة. (أُرِيَهُ) مبنيٌّ للمفعول، أي: رأَى بعضُ أهله أبا لَهَبٍ في المَنام. (بِشر حِيْبة) بكسر الحاء المهملة، وسُكون الياء، وبموحَّدةٍ، أي: على أَسوأ حالَةٍ، يقال: باتَ الرجُل بحِيْبَة سُوءٍ، أي: بحالة رديةٍ. قال (ع): كذا للمُستَمْلي، والحَمُّوي، ولغيرهما بمعجمةٍ، وقال أبو الفرَج: مَن قاله بمعجمةٍ فقد صحَّف. وقال السَّفَاقُسي: الذي ضَبطْناه بالمُعجمة المَفتوحة، وكذا قالَه القُرطبي في "مختصره"، قال: أي: خابَ مِن كلِّ خيرٍ، ووصَل إلى كلِّ شَرٍّ.

قال: ووجدتُه في الأَصْل الصَّحيح بكسر المُهملة، أي: سُوء الحالِ، وهو المَعروف من كلام العرَب. وفي "المشارق": بشَرِّ حمية بمهملةٍ، وميمٍ، وقال كذا للمُستَمْلي، والحَمُّوي، ومعناه: سُوء الحالِ، ولا أَظُنّ هذا إلا تَصحيف: حِيْبة، وهو كما قال. (سقيت) مبنيٌّ للمفعول. (في هذه) إشارةٌ إلى النُّقرة التي بين الإبهام والسَّبَّابة. (بعتاقتي) بفتح المهملة، أي: إِعتَاقي. قال صاحب "المُحْكَم": يُقال: حَلَف بالعِتاق، ويحتَمل أنْ تكون تَوبتُه بدَلًا من الأَبْدال. فإن قيل: فيه دليلٌ على أنَّ الكافر ينفعُه العمَلُ الصَّالح، وقد قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] قيل: الرُّؤْيا ليسَتْ بدليلٍ، أو أن ذلك الخَيْر بسبَب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا بسَبَب عمَلِ أبي لَهَبٍ، كما انتفَع أبو طالِبٍ بتخفيف العذاب. قال البيهقي: ما ورَدَ في بُطْلان خيرات الكفَّار معناه: أنَّه لا يمكن لهم التخلُّص من النار، وإدْخال الجنَّة، لكن يُخفَّف عنهم عذابُهم الذي يَستَوجبُونه على خَبائثَ ارتكبُوها -سِوى الكُفر- بما عَمِل من الخَيْرات. قال (ع): انعقَد الإجماعُ على أنَّ الكفَّار لا تنفَعُهم أعمالُهم،

21 - باب من قال: لا رضاع بعد حولين؛ لقوله تعالى: {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} , وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره

ولا يثابُون عليها بنعيمٍ ولا بتخفيفِ عذابٍ، لكن بعضُهم أشد عذابًا من بعضٍ بحسَب جرائمهم. * * * 21 - بابُ مَنْ قَالَ: لَا رَضاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} , وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيره (باب مَن قالَ: لا رَضَاعَ بعدَ حَولَيْن) 5102 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنِ الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ، فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ: "انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّما الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ". (عن أبيه)؛ يعني: أبا الشَّعثاء، بالمدِّ. (المجاعة)؛ أي: الجُوع، يعني: الرَّضاعة التي يثبُت بها التحريم ما يكون من الصِّغَر حين يكون الرَّضيعُ طِفْلًا يَسدُّ اللَّبَن جُوعتَه؛ لأنَّ معدتَه ضعيفةٌ يَكفيها اللَّبن، ويَنبُت لحمُه بذلك، فيكون كجُزءٍ من المُرضِعة، فيكون كسائر أَولادها، وهذا أعمُّ أنْ يكون قليلًا أو كثيرًا، ومذهب البُخاري أنَّ الرَّضْعة الواحدة يثبُت بها الحُرمة،

22 - باب لبن الفحل

وعليه أبو حنيفة، ومالك، وقد صرَّح في الترجمة به. وقال الشافعي: إنما يُحرِّم ما قدَّرتْه الشَّريعة، وهو خمس رضَعاتٍ، لا المَصَّة والمَصَّتان؛ لأنَّ ذلك لا يَسدُّ الجُوعَ، فلا بُدَّ من اعتبار الزَّمان، وهو حَولانِ، والمِقْدار، وهو خمسٌ، ولا حُجَّةَ للمُخالِف في هذا الحديث؛ لأنه محمولٌ على ما قُيِّد به في الروايات الأُخرى. * * * 22 - بابُ لَبَنِ الْفَحْلِ (باب لَبَن الفَحْل) 5103 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا -وَهْوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ- بَعْدَ أَنْ نزَلَ الْحِجَابُ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ، فَأمرني أَنْ آذَنَ لَهُ. (أفْلَح) بفتح الهمزة، واللام، وسكون الفاء، وبمهملةٍ. (القُعَيْس) بضم القاف، وفتح المهملة، وسكون الياء، وبمهملةٍ.

23 - باب شهادة المرضعة

واعلم أنَّ هذا العمَّ هو أحَد عمَّيها من الرضاعة، ويُسمَّى أفْلَح، والآخَر الذي ماتَ، وقالتْ عائشة: لو كان فُلانٌ حيًّا لدخَل عليَّ؟، وقيل: هما واحدٌ. وسبق الحديث في (الشهادات). * * * 23 - بابُ شَهَادَةِ الْمُرْضعَةِ (باب شَهادَة المُرضِعَة) 5104 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أيوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبةَ لَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأةٌ سَوْداءُ، فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُكُمَا. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلاَنة بِنْتَ فُلاَنٍ، فَجَاءَتْنَا امْرَأة سَوْداءُ، فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَهْيَ كَاذِبةٌ. فَأَعْرَضَ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ. قَالَ: "كيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ: أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا؟ دَعْهَا عَنْكَ". وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى؛ يَحْكِي أيُّوبَ. (فُلانة) هي بنت أَبي إِهَاب -بكسر الهمزة- التَّميمي.

24 - باب ما يحل من النساء وما يحرم

(فأعرض عنه) وفي بعضها: (عني). (كيف بها)؛ أي: كيف يجتَمع بها؟. (دعها)؛ أي: اترُكْها، وهذا الأمر للنَّدب، والأَخْذِ بالورَع، والاحتِياط، لا على الوُجوب، نعم، مذهب أحمد أنَّ الرَّضاع يثبُت بشهادة المُرضِعة وحدَها بيَمينها. وسبَق الحديث في (العلم)، في (باب: الرحلة). (وأشار)؛ أي: حكايةً عن أيوب في إشارته بهما إلى الزَّوجين. * * * 24 - بابُ مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاء وَمَا يَحْرُم (باب ما يَحِلُّ من النِّساء وما يَحرُم) وَقَوْلهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} إِلَى آخِرِ الآيتيْنِ إِلَى قَوْلهِ: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}. وَقَالَ أَنسٌ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} ذَوَاتُ الأَزْوَاج الْحَرَائِرُ حَرَامٌ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لَا يَرَى بَأسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيتَهُ مِنْ عَبْده. وَقَالَ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهْوَ حَرَامٌ، كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ.

5105 - وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي حَبِيبٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَرُمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ، وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ، ثُمَّ قَرَأَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآيةَ. وَجَمَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لَا بَأسَ بِهِ. وَجَمَعَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَيْنَ ابْنتَيْ عَمٍّ في لَيْلَةٍ، وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زيدٍ لِلْقَطِيعَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ؛ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأتهُ. وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ، فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ، فَلَا يتزَوَّجَنَّ أُمَّهُ، وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأتهُ. ويُذْكَرُ عَنْ أَبِي نصرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ. وَأَبُو نصرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا تَحْرُمُ حَتَّى يُلْزِقَ بِالأَرْضِ؛ يَعْنِي: يُجَامِعَ. وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ، وَالزُّهْرِيُّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عَلِي: لَا تَحْرُمُ. وَهَذَا مُرْسَلٌ.

قول أنس: (لا يرى بأسًا)؛ أي: إنَّ معنى الآية: حرمت المُزوَّجات إلا الأَمَة المزوَّجة بعدَه؛ فإنَّ لسيِّدِها أنْ يَنزِعَها من تحت نِكاحِ زَوجها. وقال في "الكشاف": حرمت المُحصَنات، أي: ذَوات الأَزْواج إلا ما ملَكت أيمانُكم من اللاتي سُبِينَ ولهنَّ أَزْواج في دار الكُفر، فهنَّ حلالٌ لغُزاة المُسلمين. (ومن الصهر سبع) قال الجَوْهَري: الأَصْهار أهل بَيت المرأَة، ومن العرَب مَن يجعَل الصِّهْر مِن الأَحْماء، والأَخْتان جميعًا، والذي في الآية من المُصاهَرة: أُمَّهاتُ نسائكم، وبناتهنَّ، وهما الأَساس، ويَبقَى من الأصهار خمسٌ كالمُفرَّعة عنهما وهن: أخوات الزَّوجة، وعمَّاتها، وخَالاتها، وبناتُ أخي الزَّوجة، وبنات أُختِها، وهذا بترتيب ما في القرآن من النَّسَب، وذكر الأُختين من الخَمْس؛ لأنَّ تحريمَهمَا ليس مُطلقًا؛ بل بالجَمْع، والأربعة الأُخرى يُعلَم بالقياس على الأُختين؛ لأنَّ عِلَّة حُرمتهما الجمْع المُوجِب لقَطيعة الرَّحِم. (ابنة علي) هي زينب من فاطمة عليها السلام. (وامرأة علي) هي لَيلَى بنت مَسْعود النَهْشَلي، بفتح النون، والمعجمة، وسُكون الهاء بينهما. (القطيعة)؛ أي: لوُقوع التَّنافُس بينهما في الخُصومة عند الزَّوج، فيُؤدِّي إلى قَطيعة الرَّحِم.

25 - باب {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن}

(حتى يلزق بالأرض) بفتح الزاي، غرَضُه: أنَّ الإِمامَ أبا حنيفةَ قال: إذا مسَّ أُخْتَ امرأَتهِ، ونظر إلى فَرْجِها حرُمتْ عليه امرأته، وقال أبو هريرة: لا تَحرُم بمقدِّمات الجِماع بل لا بُدَّ مِن الجِماع. (وجوزه)؛ أي: النِّكاح، أو الوَطْء، وقال: لا يَحرُم. (وهذا مرسل)؛ أي: لأنَّ الزُّهريَّ لم يُدرِك عَليًّا. * * * 25 - بابٌ {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ: هُوَ الْجمَاعُ. وَمَنْ قَالَ: بَنَاتُ وَلَدِهَا مِنْ بَنَاتِهِ في التَّحْرِيم، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأُمِّ حَبِيبةَ: "لَا تَعْرِضْنَ عَلَي بَنَاتِكُنَّ"، وَكَذَلِكَ حَلاَئِلُ وَلَدِ الأَبنَاءِ هُنَّ حَلاَئِلُ الأَبنَاءِ، وَهَلْ تُسَمَّى الربِيبةَ، وَإنْ لَم تَكُنْ في حَجْرِهِ، وَدَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَبِيبةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا، وَسَمَّى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ابْنَ ابْنَتِهِ ابنًا. (باب: {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23]) قوله: (بنات ولدها بنات) وَجْه دَلالة الحديث على أنَّ بنْتَ ولَد المرأَة حرامٌ كبِنْتها: أنَّ لفْظ (البَنات) يَتناوَلُ بناتِ البَنات. (وإن لم تكن في حجره)؛ أي: الرَّبيبَةُ، والحجْر جَريٌ على

الغالِب، فلا اعتِبارَ لمَفهوم المُخالَفة فيه. (ودفع النبي - صلى الله عليه وسلم -) وذلك حين أَرادَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَدخُل على أُمِّ سلَمة وبنتُها زينب رضيعٌ، فجاء عمَّار بن ياسِر فأخذَها عنده، فأقرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك. وقد أَسنَد القِصَّةَ ابنُ سَعْد، وأحمد، والحاكِم في "المُستدرَك"، ورَوى الحاكم أيضًا، والبَزَّار مَقصودَ التَّرجمة. (وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن ابنته)؛ أي: الحسَن، وهو موصولٌ في (المناقب). * * * 5106 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ لَكَ في بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: "فَأَفْعَلُ مَاذَا؟ " قُلْتُ: تنكِحُ، قَالَ: "أَتُحِبِّينَ؟ "، قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِيكَ أُخْتِي، قَالَ: "إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي" قُلْتُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ، قالَ: "ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ". وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي سلَمَةَ. (ابنة أبي سفيان) هي: عَزّة أُخت أُمِّ حَبِيْبة.

26 - باب لا تنكح المرأة على عمتها

(فأفعل ماذا؟) يُقدَّر بعدَه أفْعَل أُخرى دلَّ عليه الأُولى؛ لأنَّ (ماذا) له صَدْرُ الكلام، فلا يكون عاملُه الذي قبلَه. (بِمُخلية) بضم الميم: من الإِفْعال، أي: لستُ خَليَّةَ عن الضَّرَّة، وهي أحبُّ شُركائي في الخير. وسبَق الحديث قريبًا. * * * 26 - بابٌ لَا تُنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتِهَا (باب: لا تُنكَحُ المَرأة على عَمَّتِها) 5108 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، سَمعَ جَابِرًا - رضي الله عنه -، قَالَ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا. وَقَالَ داوُدُ وَابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الحديث الأول: (على عمتها أو خالتها) قال (ح): في معناه: خالةُ أَبيها، وعمَّتُه، وعلى هذا القِياس: كلُّ امرأتين لو كانتْ إحداهما رجُلًا لم تَحِلَّ له الأُخرى. ومعنى النَّهي أنَّه يُؤدِّي إلى قَطيعة الرَّحِم.

(وقال داود) وصلَه مسلم، والترمذي. (وابن عون) وصلَه النَّسائيُّ في "السُّنَن الكُبرى"، والبيهقيُّ. * * * 5109 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا". الثاني: هو في معنى الأول. (لا يجمع) الرِّواية برفْع العين على الخبَر عن المَشروعية فيه، وجُوِّز فيه الجَزْم. * * * 5110 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَني يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقولُ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن تُنْكَحَ المَرْأة عَلى عَمَّتِهَا، وَالمَرْأة وَخالتهَا، فَنُرَى خَالَةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ. 5111 - لأَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.

27 - باب {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف}

الثالث: (فَنُرى) بضم النون، هو من كلام الزُّهري، أي: يظُنُّ خالةَ أبيها مثلَ خالتِها في الحُرمة، وفي بعضها: (نَرى) بفتح النون، وإنما قال ذلك؛ لأنَّه حَمَل الخالةَ والعمَّة على العُموم، وهو ظاهرٌ. * * * 27 - بابٌ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلا مَا قَدْ سَلَفَ} (باب: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23]) 5107 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: "وَتُحِبِّينَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، لَسْتُ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَاركنِي في خَيْرٍ أُخْتِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! فَوَاللهِ إِنَّا لَنتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تنكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: "بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ"، فَقُلْتُ: نعمْ. قَالَ: "فَوَاللهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ في حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبة، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ".

28 - باب الشغار

فيه حديث أُم حَبِيْبة، وقد عُرف معناه. * * * 28 - بابُ الشِّغَارِ (باب الشِّغَار) بكسر المعجمة الأُولى، وأصله في اللُّغَة: الرَّفْع، يُقال: شَغَرَ الكلبُ: إذا رفَع رجلَه ليَبُول، كأنه قال: لا تَرفَع رِجْل بنتي حتى أرفَع رِجْلَ بنتِكَ، وقيل: مِن شَغَرَ البلَدُ: إذا خلا؛ لخُلوِّه من الصَّداق. 5112 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنتَهُ، لَيْسَ بَيْنَهمَا صَدَاقٌ. (والشِغار أن يزوج) هذا التَّفسير من قَول نافع، وقد جوَّز هذا النكاحَ بعضُهم؛ لأنَّ غايتَه أنْ يبطُل المَهرُ، والنِّكاحُ لا يفسُد بفَساد المهر، فالعقد صحيحٌ، ولكلٍّ منهما مَهرُ مِثْلها. قال (ك): لعلَّ الخِلافَ راجعٌ إلى أنَّ النهي عائد إلى أَمْرٍ خارجٍ عن العَقْد مُفارقٍ له كالبَيع في وقْت النِّداء أو لا.

29 - باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد؟

قال (ن): أجمَعوا على أنَّه منهيٌّ عنه؛ لكن اختلَفُوا هل هو نهيٌ يقتضي إبْطال النِّكاح، أو لا؟، فقال أبو حنيفة: يَصحُّ بمَهْر المِثْل. * * * 29 - بابٌ هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَن تَهَبَ نَفْسَهَا لأَحَدٍ؟ (باب: هل للمَرأة أنْ تَهَبَ نفْسَها لأَحَدٍ) 5113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيم مِنَ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأة أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ، فَلَمَّا نزَلَتْ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارعُ في هَوَاكَ. رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَعَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. (في هَوَاك)؛ أي: مُرادِك، أي: ما أَرى الله إلا مُوجِدًا لمُرادِك بلا تأْخيرٍ مُعجِّلًا لمَا تُحبُّه وتَرضاه. (رواه أبو سعيد المؤذن) وصلَه ابن مَرْدَويهِ، والبيهقي. (ومحمد بن بشر) وصلَه أحمد.

30 - باب نكاح المحرم

(وعبدة) وصلَه مسلم، وابن ماجه. * * * 30 - بابُ نِكَاحِ الْمحرم (باب نِكاحِ المُحْرِم) بضم الميم. قال (ن): قال أبو حنيفة: يصحُّ نكاح المُحْرِم؛ لقِصَّة مَيْمُونَة، وهو رواية ابن عبَّاس، فأجيب عنه: بأن ميمونة نفسَها روتْ أنه تزوَّجها وهو حَلالٌ، وهي أعرَف بالقَضيَّة من ابن عبَّاس؛ لتعلُّقها بها، وبأنَّ المُراد من المُحْرم، أي: في الحَرَم؛ لأنَّ مَن كان في الحرَم يُقال له: مُحْرِم وإنْ كان حَلالًا. قال الشاعر: قَتَلُوا ابن عَفَّانَ الخَليفةَ مُحْرِمًا أي: في حرَم المدينة. وبأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يَنكِحُ المُحْرم)، ويُقدَّم القَول إذا تعارَضَ مع الفِعْل، وبأنَّ ذلك من خصائص النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * 5114 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنَا

31 - باب نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة آخرا

عَمْروٌ، حَدَّثنا جَابِرُ بْنُ زيدٍ، قَالَ: أنبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُحْرِمٌ. * * * 31 - بابُ نَهْيِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نِكَاحِ الْمُتعَةِ آخِرًا (باب نَهْي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن نِكاحِ المُتْعة) هو المؤقَّت بيومٍ أو شهرٍ مثلًا، أو نحو ذلك، والفِراق يحصُل بانقِضاء الأجَل من غير فِراقٍ. (أخيرًا)؛ أي: لأنه أُبيح أولًا، ثم نسُخ، ثم أُبيح، ثم نُسخ، واستَقرَّ الأَمرُ على الأَخير، وهو التَّحريم، وانعقَد الإجماع. قال (ن): كانَ حَلالًا قبْل يَوم خَيْبر، ثم حُرِّم يوم خَيْبر، ثم أُبيح يومَ أَوْطاس، ثم حُرِّم بعد ثلاثةِ أيامٍ تحريمًا مُؤبَّدًا إلى يوم القيامة، فتطرَّق النَّسخُ إليه ثلاثًا. * * * 5115 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ سَمعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَني الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيُّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللهِ، عَنْ أَبِيهِمَا، أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنِ الْمُتْعَةِ

وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ. 5116 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَرَخَّصَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ في الْحَالِ الشَّدِيدِ، وَفِي النِّسَاءَ قِلَّةٌ، أَوْ نَحْوَهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نعمْ. الحديث الأول، والثاني: (فرخص)؛ أي: ذكَر الرخصة التي كانت في أول الإِسلام، وقيل: كان مذْهب ابن عبَّاس جوازَ ذلك. قال (ع): كلُّ ما ورد في جَوازه كانَ في أسْفارهم وعند ضَروراتهم، وقِلَّة النِّساء، وكثْرة احتياجِهم؛ لأنَّ البِلادَ كانتْ حارَّةً، ونحوه. وقيل: إنها كانت رخصةً في أول الإِسلام لمَن اضطُرَّ إليها كالمَيتة ونحوها. * * * 5117 - و 5118 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ، قَالَا: كُنَّا في جَيْشٍ، فَأَتَانَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاستَمْتِعُوا".

5119 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلاَثُ لَيَالٍ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يتزَايَدَا أَوْ يتتَاركَا تتاركَا"، فَمَا أَدْرِي أَشَيْءٌ كَانَ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً. قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ: وَبيَنَهُ عَلِيٌّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ مَنْسُوخٌ. الثالث: (جيش) بالجيم، وفي بعضها: (حُنَين) بمهملةٍ، ونونين. (فاستمتعوا) بالأمر وبالماضي، أي: جامِعُوهنَّ بالنِّكاح المؤقَّت. (وقال ابن أبي ذئب) وصلَه الإِسْماعِيْلي، والطَّبَراني. (توافقا)؛ أي: في النِّكاح بينهما مُطلَقًا من غير ذِكْر أجَلٍ، فالمُعاشَرة بينهما ثلاثُ ليالٍ بأيامهنَّ، تعني: المطلَق محمولٌ على الثَّلاثة، فإنْ أَحبَّا بعد انقضائها أنْ تتزايَدا عليها تَزايا، أو يتتارَكا تَتارَكا. ولا بدَّ في التركيب من حَذْف بعض الجَزاء، وفي "مستخرج أبي نُعيم": فإنْ أَحبَّا أنْ يَتناقَصا تَناقَصا، وإنْ أحبَّا أنْ يتزايَدا في الأجَل تَزايَدا. (فما أدري)؛ أي: لا أَعلَم أنَّ جَوازه كان خاصًّا بالصَّحابة، أو

32 - باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح

كان عامًّا للأُمَّة. (قد بينه عليّ)؛ أي: حيث قال آنِفًا: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهى عن المُتْعة. * * * 32 - بابُ عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ (باب عَرْض المَرأَةِ نفْسَها على الرَّجُل الصَّالح) 5120 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنسٍ وَعِنْدَهُ ابْنةٌ لَهُ، قَالَ أَنسٌ: جَاءَتِ امْرأةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! ألكَ بِي حَاجَةٌ، فَقَالَتْ بِنْتُ أَنسٍ: مَا أقلَّ حَيَاءَهَا، وَاسَوْأتاهْ وَاسَوْأتاهْ! قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ في النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. الحديث الأول: (واسوأتاه) السَّوأة: الفِعْلة الفاحِشَة، والفَضِيْحة. * * * 5121 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ: أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

33 - باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: "مَا عِنْدَكَ؟ " قَالَ: مَا عِنْدي شَيْء، قَالَ: "اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي وَلَهَا نِصْفُهُ -قَالَ سَهْل: وَمَالَهُ رِداءٌ- فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا تَصْنَعُ بِإزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ"، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلَسُهُ قَامَ فَرآهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَاهُ أَوْ دُعِي لَهُ، فَقَالَ له: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " فَقَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ يُعَدِّدُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْلَكْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". الثاني: (مجلسه) بفتح اللام، أي: جُلوسَه. ومرَّ الحديث في (باب: خيركم من تعلَّم القرآن). * * * 33 - بابُ عَرْضِ الإِنسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ (باب عَرْضِ الإنْسانِ ابنتَه أو أُختَه على أَهل الخَيْر) 5122 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ،

عَنْ صالحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ -وَكَانَ مِنْ أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فتوُفِّي بِالْمَدِينَةِ- فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أتيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ في أَمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَني، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أتزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، وَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيني أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ، فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا. قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ: نعمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبِلْتُهَا. الحديث الأول: (أوجد)؛ أي: أَحزن، فهو المفضَّل، والمفضل عليه باعتبار أبي بكرٍ وباعتبار عُثمان. * * *

34 - باب قول الله جل وعز: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله} الآية إلى قوله: {غفور حليم}

5123 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ زينَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرتهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّكَ نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ؟ لَوْ لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ". الثاني: (أعلى أُم سلمة)؛ أي: أتزوَّجُها على أُمّها وهي ربيبَتي، لو لم تكُن ربيبَتي ما حلَّتْ لي أيضًا، إنه ابنتُ أَخي، أي: أبي سلَمة؛ لأنَّ ثُوَيبةَ أرضعتْهما. وسبق الحديث قَريبًا. * * * 34 - بابُ قولِ الله جل وعز: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ} الآيَة إلى قوله: {غَفُورٌ حَلِيمٌ} {أَكْنَنْتُمْ}: أَضْمَرْتُمْ، وَكُلُّ شَيْء صُنْتَهُ فَهْوَ مَكْنُونٌ. (باب: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} [البقرة: 235]) قال الزَّمَخْشَري: التَّعريض أنْ يَذكُر شيئًا يدلّ به على شيءٍ لم

يَذكُره، وقال الجمهور: هو كنايةٌ تكون مَسوقة لأجْل مَوضوع غير مذكورٍ. * * * 5124 - وَقَالَ لِي طَلْقٌ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ}، يَقُولُ: إنِّي أرُيدُ التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأة صَالِحَةٌ. وَقَالَ الْقَاسِمُ: يَقُولُ: إِنَّكِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ الله لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا، أَوْ نَحْوَ هَذَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: يُعَرِّضُ وَلَا يَبُوحُ، يَقُولُ: إِنَّ لِي حَاجَةً وَأَبْشِرِي، وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللهِ ناَفِقَةٌ، وَتَقُولُ هِيَ: قَدْ أَسْمَعُ مَا تَقُولُ. وَلَا تَعِدُ شَيْئًا، وَلَا يُوَاعِدُ وَليهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا، وَإِنْ وَاعَدَتْ رَجُلًا في عِدَّتِهَا، ثُمَّ نكحَهَا بَعْدُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}: الزِّنَا. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {الْكِتَابُ أَجَلَهُ}: تنقَضِيْ الْعِدَّة. (ولا يبوح)؛ أي: لا يُصرِّح. (نافقة)؛ أي: رابحَة. (عدتها) بتشديد الدال. * * *

35 - باب النظر إلى المرأة قبل التزويج

35 - بابُ النَّظَرِ إِلى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْويج (باب النَّظَر إلى المَرأة) 5125 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُكِ في الْمَنَامِ يَجيءُ بِكِ الْمَلَكُ في سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأتكَ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ". الحديث الأول: (فإذا هي أنت) ولو قِيْل: (فإذا أنْتِ هي) لجَازَ، غاية ما يُراد أن [ما] يحكُم عليه يقدَّم، وما يُحكَم به يُؤخَّر نحو: زيدٌ أخوك، وأخوك زيدٌ. * * * 5126 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا

جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ! إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْء؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجدُ شَيْئًا"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي -قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِداءٌ- فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وإنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ"، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلَسُهُ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " قَالَ: مَعِي سُورَةَ كذَا وَسُورَةَ كذَا وَسُورَةَ كذَا؛ عَدَّدَهَا. قَالَ: "أتقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ " قَالَ: نعمْ، قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". الثاني: (فصعّد)؛ أي: رفَعَ. (وصوّبه)؛ أي: خفَضَه. وسبق الحديث مِرارًا. * * *

36 - باب من قال: لا نكاح إلا بولي

36 - بابُ مَنْ قَالَ: لَا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، فَدَخَلَ فِيهِ الثَّيِّبُ، وَكذلِكَ الْبِكْرُ. وَقَالَ {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}، وَقَالَ {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}. (باب: لا نِكاحَ إلا بوَلي) قوله: (تعضلوهن) العَضْل: مَنعْ الوَليِّ مُوليته من النِّكاح، وحَبْسها منه، والآية تدلُّ على أنَّ المرأة لا تُزوِّج نفسَها, ولولا ذلك لم يتحقَّق معنى العَضْل. فإنْ قيل: لا يَلزم من النَّهي عن العَضْل جَوازه كقوله تعالى: {وَلَا تُشْرِكُوا} [النساء: 36] و {وَلَا تَقْتُلُوا} [النساء: 29]؛ قيل: القِصَّة وسبَب النُّزول، وقول مَعْقل بعدَ ذلك: فزوَّجَها إياه يَدلُّ عليه. وأما وجه دَلالة الآية الثانية؛ فلأَنَّ الخِطاب في: {وَلَا تَنْكِحُوا} [النساء: 22] للرِّجال، وليسوا غير الأَولياء؛ فكأنَّه قال: لا تُنكِحوا أيُّها الأولياء مُولياتِكم للمُشركين. والأَيِّم وإنْ كان يَتناول الرجُل لكنْ خرَج بالإجماع، فيبقَى الحكمُ في المرأة بحالِه.

5127 - قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونس، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالح، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرتهُ: أَنَّ النِّكاحَ في الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ؛ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ، يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَليَّتَهُ أَوِ ابْنتَهُ، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا، وَنكَاحٌ آخَرُ؛ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلاَنٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا، وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يتبيَنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبينَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَاِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغبةً في نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكاحُ نِكَاحَ الاِسْتِبْضَاع، وَنكَاحٌ آخَرُ؛ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالِيَ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلاَنُ؛ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ، وَنكَاحُ الرَّابعِ؛ يَجْتَمعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا، كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ، ثُمَّ ألحَقُوا وَلَدَهَا

بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ، وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ، إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ. الحديث الأول: (حدثنا يحيى بن سليمان، حدثنا ابن وهب) قيل: طَريق يحيى لم تُروَ، أما ابن وهب فرُوي حديثُه من جهةِ أَصْبَغ عنه الدَّارَقُطْنيُّ، ووصلَه أبو نُعيم من رواية أحمد بن عبد الرَّحمن بن وهب، عن عمه. (أنحاء)؛ أي: أنواع. (فيصدقها)؛ أي: يُعيِّن صَداقَها، ويُسمّي مِقدارَه. (طهرت) بلفظ الغَيْبة. (طمثها)؛ أي: حَيْضها. (فاستبضعي)؛ أي: اطلُبي منه الغِشْيان، والبُضْع: الفَرْج، والمُباضَعة: الوَطْء. (ذلك)؛ أي: الاستِبضاع مِن فُلانٍ. (نجابة الولد)؛ أي: اكتِسابًا من ماءِ الفَحْل؛ لأنَّهم كانوا يطلُبون ذلك من أشْرافهم، ورُؤسائهم، وأَكابرهم. (عرفت) بتاء المتكلِّم، وفي بعضها: (عَرفْتُم). (يمتنع منه) في بعضها: (به)، أي: يمنَعُه. (ولا تمتنع ممن جاءها) وفي بعضها: (لا تَمنَع مَن جاءَها)،

وفي أكثر النُّسَخ: (لا يمتَنِع من جاءَها)، ولا بُدَّ من تأْويلٍ. (القافة) جمع: قائِفٍ، وهو الذي يُلحق الولَدَ بالوالد بالآثَار. (فالتاطه) بمثنَّاةٍ، ومُهملةٍ: ألْصَقَهُ، مِن الالتِياط، وهو الالتِباس، وقيل: صَوابه: فالْتاطَ به، أي: التَصَق به، واستَلاطُوه، أي: ألْصَقوُه بأنفُسهم. (لا نكاح الناس) رواه أبو داود: (إِلا نِكاحَ الإِسلامِ). * * * 5128 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وكيع، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}، قَالَتْ: هَذَا في الْيتيمَةِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ شَرِيكَتَهُ في مَالِهِ، وَهْوَ أَوْلَى بِهَا، فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَيَعْضُلَهَا لِمَالِهَا، وَلَا يُنْكِحَهَا غَيْرَهُ؛ كَرَاهِية أَنْ يَشْرَكَهُ أَحَدٌ في مَالِهَا. الثاني: (يحيى) إما ابن موسى، أو ابن جعفر. * * * 5129 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،

حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَالِمٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ حِينَ تأيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنِ ابْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ تُوُفِّي بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ في أَمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَني، فَقَالَ: بَدَا لِي أَنْ لَا أتزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ. الثالث: (سأنظر) إن عُدِّي نَظَر بـ (في) فهو بمعنى: التَّفكُّر، أو باللام فهو بمعنى: الرَّأْفة، وبـ (إلى) فهو بمعنى: الرُّؤية، أو بدُون شيءٍ فهو بمعنى الانتِظار نحو: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13]. وسبق الحديث آنفًا. * * * 5130 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ يُونس، عَنِ الْحَسَنِ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أنَّهَا نزلَتْ فِيهِ، قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأكرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لَا وَاللهِ لَا تَعُودُ

37 - باب إذا كان الولي هو الخاطب

إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأة تُرِيدُ أَنَّ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيةَ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَزَوَّجَهَا إيَّاه. الرابع: (وفرشتُك)؛ أي: جعلتُها لكَ فِراشًا، يُقال: فَرشْتُ الرجُلَ: إذا فَرشتَ له. * * * 37 - بابٌ إِذَا كَانَ الْوَلِي هُوَ الْخَاطِبَ وَخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبةَ امْرَأةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا، فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ: أتجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ؟ قَالَتْ: نعمْ، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لِيُشْهِدْ أني قَدْ نَكَحْتُكِ، أَوْ لِيَأمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرتهَا. وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَتِ امْرَأة لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا.

(باب: إذا كان الوليُّ هو الخاطِب) قوله: (أولى الناس بها)؛ أي: أَقرب الأَولياء. (فأمر رجلًا) يحتمل أنْ يكون على سَبيل الوكالة، وعلى طَريقة التَّحكيم، أو كان قاضيًا، واستَنابَه. قلتُ: الأَول ضعيفٌ. (لأُم حكيم) بفتح المهملة، وكسر الكاف. (قارظ) بالقاف، وكسر الراء، وبمعجمةٍ: الكِنَانيَّة بنونين. وإدخال البخاري هذه الصُّورة في هذه الترجمة يُشعر بأنَّ عبد الرحمن كان وليَّها بوجهٍ من وُجوه الوِلايات. (عشيرتها)؛ أي: قَبيلتها، أي: يُفوَّض الأمر إلى الولي الأَبعَد، أو يُحْكِّم رجلًا من أَقْربائها، أو يَكتفي بالإشهاد. وللمُجتهدين في المَسألة مَذاهب، وليس قَولُ بعضهم حُجَّةً على الآخَر. * * * 5131 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في قوله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَتْ: هِيَ الْيتيمَةُ تَكُونُ في حَجْرِ الرَّجُلِ، قَدْ شَرِكتْهُ في مَالِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يتزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ

أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ، فَيَدْخُلَ عَلَيْهِ في مَالِهِ، فَيَحْبِسُهَا، فَنَهَاهُمُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ. الحديث الأول: سبق مراتٍ. * * * 5132 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: كنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسًا، فَجَاءَتْهُ امْرَأةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، فَخَفَّضَ فِيهَا النَّظَرَ وَرَفَعَهُ، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "أَعِنْدَكَ مِنْ شَيْء؟ " قَالَ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْء، قَالَ: "وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ؟ " قَالَ: وَلَا خَاتَمًا مِنَ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ أَشُقُّ بُرْدتي هَذِهِ فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ، وَآخُذُ النِّصْفَ، قَالَ: "لَا، هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْء؟ " قَالَ: نعمْ. قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". الثاني: (فلم يردها) من الإرادة، وفي بعضها مِن الرَّدِّ. * * *

38 - باب إنكاح الرجل ولده الصغار لقوله تعالى: {واللائي لم يحضن}، فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ

38 - بابُ إِنكاحِ الرجل وَلَدَهُ الصغار لقوله تَعَالَى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}، فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثلاثَةَ أَشْهر قَبْلَ البلوغ (باب إِنْكاح الرَّجُل وُلْده الصَّغيرَ) (وُلده) بضم الواو، وإسكان اللام، وفي بعضها: (وَلَدَه) بفتحتين، وهو يُستعمَل للواحد والجمْع. (عدتها)؛ أي: عِدَّة المرأة التي لم تَبلُغ، ولم تُدرِك وقْتَ الحَيْض لصِغَرها، والعِدَّة إنما هي للمَوطوءة، والغالِب أنَّ الوَطْء يكون بالنِّكاح، فبالضَّرورة يكون النكاح قبْل البُلوغ. فإن قيل: مُقتضَى الآية أَعمُّ من أن يكون والِدًا؛ قيل: الإجماعُ لا إجْبارَ إلا للأَبِ أو الجَدّ. * * * 5133 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَهَا وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهْيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا. (وأدخلت) بالبناء للمَفعول، وبضمير الغَيبة. * * *

39 - باب تزويج الأب ابنته من الإمام

39 - بابُ تَزْوِيج الأَبِ ابْنَتَهُ مِنَ الإِمَامِ وَقَالَ عُمَرُ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيَّ حَفْصَةَ، فَأَنْكَحْتُهُ. (باب تَزويج الأَبِ ابنتَه من الإِمام) قوله: (وقال عُمر - رضي الله عنه -) موصولٌ فيما يأْتي قريبًا. * * * 5134 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَهَا وَهْيَ بِنْتُ ستِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. قَالَ هِشَامٌ: وَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ. (وأُنبئتُ) بضم الهمزة: أُخبرتُ. * * * 40 - بابٌ السُّلْطَان وَلِيٌّ، بقوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: زوَّجْنَاكهَا بمَا مَعَك مِنَ الْقرْآنِ (باب السُّلْطان وَليٌّ) 5135 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي

41 - باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها

حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأة إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ مِنْ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلا، فَقَالَ رَجل: زَوِّجْنِيهَا، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَة، قَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْء تُصْدِقُهَا؟ " قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي، فَقَالَ: "إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا"، فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ: "الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدِ"، فَلَمْ يَجدْ. فَقَالَ: "أَمَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ " قَالَ: نعمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا؟ لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ: "زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". (وهبت منك نفسي)؛ (مِن) زائدة، وقد جوَّز الكوفيُّون زيادتَها في الكلام المُوجَب، وقياسُه: وهَبْتُ لكَ. * * * 41 - بابٌ لَا يُنْكِحُ الأَبُ وَغَيْرُهُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ إلا بِرِضَاها (باب لا يُنكِح الأَبُ وغيرُه البِكْرَ والثَّيِّبَ إلا برضاهُما) في بعض النُّسَخ: (برِضَاها) بالإفراد، أي: برِضَا المرأة. 5136 - حدثنا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ

حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأذَنَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَكيْفَ إِذْنها؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ". 5137 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي. قَالَ: "رِضَاهَا صَمْتُهَا". الحديث الأول، والثاني: (الأيم): الثَّيِّب. (تستأمر) هو المُشاوَرة، وقيل: طلَبُ الأمر منْها، وهي وإنْ كانتْ لا بُدَّ فيها من الإِذْن؛ لكن الفَرْق بين الأيم والبِكْر زيادةُ المَشُورة، أو أنَّ البِكْر يُكتفَى في إذْنها بسُكوتها. فإنْ قيل: مَفهوم الحديث أنَّ نِكاحَ الصَّغيرة لا يَصِحُّ مُطلَقًا، فما حُجَّةُ الحنفيَّة في تَزويج الأَبِ إيَّاها مُطلَقًا، والشَّافعية إذا كانتْ بِكْرًا؛ قيل: الحنَفيَّة خَصُّوه بالبالِغَة بقَرينةِ الاستِئذان؛ إذْ إِذْنُ الصَّغيرة لا اعتِبارَ به، والشَّافعية خَصُّوه بغير الأَبِ، والجَدِّ؛ لحديث: "الثَّيِّبُ أحَقُّ بنفْسِها، والبِكْر يُزوِّجُها أبوها"، وأنَّ ذلك على سَبيل النَّدْب، والأَولويَّة، فيُستحبُّ أنْ لا تُزوَّج البِكْر حتى تُبلَغ، وتأْذَن. وفي الحديث اعتِبار الوَلي مُطلَقًا، والإجماعُ على إجْبار الأَبِ ابنتَه البِكْر الصَّغيرة، والخِلاف في عِلَّة الإجْبار، فعندنا البَكارة، وعندهم الصِّغَر، والفَرْق بين الأب وغيرِه كَمالُ الشَّفَقة، وبين البِكْر

42 - باب إذا زوج ابنته وهي كارهة، فنكاحه مردود

وغيرِها كَمال الحَياءِ؛ لعدَم مُمارسَة الرِّجال. ولا تَنافيَ بين هذه الترجمةِ والتَّرجمةِ السَّابقة: (باب: إجْبار ولده الصِّغار)؛ لأنَّ الرِّضَا يدلُّ على أنَّ المراد البالِغَةُ. * * * 42 - بابٌ إِذَا زَوج ابْنَتَهُ وَهْيَ كَارِهَةٌ، فَنِكَاحُهُ مَرْدُودٌ (باب: إذا زَوَّجَ ابنتَه وهي كارِهةٌ) 5138 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّع ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَام الأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ نِكَاحَهُ. 5139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ وَمُجَمِّعَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَجُلًا يُدْعَى خِذَامًا أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ، نَحْوَهُ. الحديثان فيه سبَق بيانُهما. * * *

43 - باب تزويج اليتيمة؛ لقوله {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا}، وإذا قال للولي زوجني فلانة. فمكث ساعة، أو قال: ما معك؟ فقال: معي كذا وكذا. أو لبثا، ثم قال: زوجتكها. فهو جائز. فيه سهل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

43 - بابُ تزويج الْيَتِيمَةِ؛ لقوِلِه {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا}، وإِذا قَالَ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِي فلانة. فَمَكث سَاعَةً، أَوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كذَا وَكذَا. أَوْ لَبِثا، ثمَّ قالَ: زوجْتُكَهَا. فَهْوَ جَائِزٌ. فِيهِ سهْلٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب تَزويج اليتيمة) 5140 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَ لَهَا: يَا أُمَّتَاهْ! {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} إلَى {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتي! هَذِهِ الْيتيمَةُ تَكُونُ في حَجْرِ وَليِّهَا، فَيَرْغَبُ في جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ في إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاء، قَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ، {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إِلَى {وَتَرْغَبُونَ}، فَأَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ لَهُمْ في هَذِهِ الآيَةِ: أَنَّ اليتيمة إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَجَمَالٍ، رَغِبُوا في نِكَاحِهَا وَنسبِهَا وَالصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبًا عَنْهَا في قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاء، قَالَتْ: فَكَمَا يترُكُونها حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ

44 - باب إذا قال الخاطب للولي: زوجني فلانة فقال: قد زوجتك بكذا وكذا جاز النكاح، وإن لم يقل للزوج: أرضيت أو قبلت

يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ. الحديث فيه سبَق أيضًا مرَّاتٍ. * * * 44 - بابٌ إِذَا قَالَ الْخاطِبُ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلاَنَة فَقَالَ: قَدْ زوجْتُكَ بِكَذَا وَكَذَا جَازَ النِّكَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَقلْ لِلزَّوْجِ: أَرَضِيتَ أَوْ قَبِلْتَ (باب: إذا قالَ الخاطِبُ للوَليِّ: زَوِّجْني فُلانة) 5141 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ: أَنَّ امْرَأَةً أتتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نفسَهَا، فَقَالَ: "مَا لِي الْيَوْمَ في النِّسَاءَ مِنْ حَاجَةٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: "مَا عِنْدَكَ؟ " قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: "أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: "فَمَا عِنْدَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ " قَالَ: كذَا وَكذَا، قَالَ: "فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". الحديث تقدَّم أيضًا. * * *

45 - باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع

45 - بابٌ لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكح أَوْ يَدَعَ (باب: لا يَخْطُبُ على خِطْبة أَخيهِ حتَّى يَنْكِحَ أو يَدع)؛ أي: يَترُكَ. 5142 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَقُولُ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبةِ أَخِيهِ، حَتَّى يترُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ، أَوْ يَأذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ. الحديث الأول: (ولا يخطب) بالنَّصب، و (لا) زائدةٌ، وبالرفْع نفيًا، وبالكسر نَهيًا بتقدير: قال مُقدَّرا عطْفًا على: (نَهى)، أي: نهى، وقالَ. (على خطبة) بكسر الخاء. (أخيه)؛ أي: أُخوَّة الإِسلام. وسبق في (البيع). * * * 5143 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَأثُرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا،

وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا". 5144 - "وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَنْكِحَ، أَوْ يتْرُكَ". الثاني: (يأثرُه)؛ أي: يَرويهِ. (إياكم والظن) إن قيل: هذا تحذيرٌ منه، والحالُ أنَّه يجبُ على المُجتهِد مُتابعة الظنِّ إجماعًا، وكذا على مُقلِّده؛ قيل: إنما هو تحذيرٌ عن ظَنِّ السُّوء بهم، فإنْ قيل: الحَزْم سُوء الظَّنِّ، وهو ممدوحٌ؛ قيل: ذلك بالنِّسبة إلى أَحوال نفْسه، وما يتعلَّق بخاصَّتِه. وحاصلُه أنَّ المَدْح للاحتِياط فيما هو متلَبِّسٌ به. قال البَيْضاوي: التَّحذير عن الظَّنِّ إنما هو التَّحذير فيما يحبُ فيه القَطْع، والتَّحدُّث به مع الاستِغناء عنهُ. (أكذب) الكَذِب عدَم المُطابقة للواقِع، ولا يتفاوَت، فوَجْه التفضيل فيه حينئذٍ إما كَون الظَّنِّ أكثَر كَذِبًا من الكلام، أو أنَّ إثْم هذا الكَذِب أزْيَد من إثْم الحديث به، أو مِن سائر الأكَاذيب، وإنما كان إثْمُه أكثَر؛ لأنَّه أمرٌ قَلْبيٌّ، ولا اعتبارَ به كالإيمان ونحوِه. فإن قيل: الظنُّ ليس كَذِبًا، ومِن شَرْط أَفْعَل التفضيل أنْ يُضاف لجِنْسه؛ قيل: لا يَلزم أن يكونَ الكَذِب صِفةً للقَول؛ بل هو صادقٌ أيضًا على كل اعتقادٍ وظَنٍّ، ونحوهما إذا كان مُخالِفًا للواقع، أو الظَّنُّ

كلامٌ نفسانيٌّ، والأَفْعل قد يُضاف إلى غير جِنْسه، أو يعني: أنَّ الظنَّ أكثَره كذبٌ، أو أن المَظنونات يقَع الكَذِب فيها أكثَر من المَجزُومات. وقال (ح): هو تحقيقُ الظنِّ دُون ما يَهجس في النَّفْس، فإنَّ ذلك لا يُملَك، أي: المُحرَّم من الظنّ ما يَصبِرُ صاحبُه عليه، وَيستمرُّ في قَلْبه دُون ما يَعرِضُ، ولا يَستقرُّ. والقَصْد أنَّ الظنَّ يهجُم بصاحبه على الكَذِب إذا قال على ظنِّه ما لم يتيقَّنْه، فيقَع الخبَر عنه حينئذٍ كَذِبًا، يعني: أن الظنَّ قَلبيًّا أكثَر الكَذِب. (ولا تجسسوا) بالجيم. (ولا تحسسوا) بالمهملة، قيل: هما بمعنًى، وهو طلَب معرفةِ الأَخْبار، والأَحوال الغائِبَة. وقيل: بالجيم: البَحثُ عن العَورات، وبالحاء: الاستِماع، وقيل: بالحاء، أنْ تطلُبَه لغيرك، وبالجيم: تطلُبه لنفْسك. (حتى يترك أو ينكح) الغاية في هذا على معنى أنَّه إذا نكَح امتنَعَت الخِطْبة لمعنًى آخَر، فهي مُنتفيةٌ مُطلَقًا، فهو كقوله: في {يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40]. ووقْت امتِناع الخِطْبة على خِطْبته إذا ركَنَ كلٌّ منهما إلى صاحبِه، وأَرادَ العَقْدَ، وقبْلَه لا يَدخُل في النَّهي. * * *

46 - باب تفسير ترك الخطبة

46 - بابُ تَفْسِيرِ تَرْكِ الْخِطْبَةِ (باب تَفْسير تَرْك الخِطْبة) أي: الاعتذار عن تَرْكها، قيل: أراد البخاريُّ الاعتِذار عن تَرْك إجابَةِ الوليِّ إذا خطب، أي: الوليُّ رجلًا على وليتِه؛ لمَا في ذلك من عارِ أَلم الرَّدِّ على الوليِّ، وانكِسار القَلْب، وقلَّة الحُرمة. 5145 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تأيَّمَتْ حَفْصَةُ، قَالَ عُمَرُ: لَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَقِيني أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لأفشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. تَابَعَهُ يُونس، وَمُوسَى بْنُ عُقْبة، وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (تابعه يونس) وصلَه الدَّارَقُطْني في "العلل". (وموسى عُقبة، وابن أبي عتيق) وصلَها الذُّهْلي في "الزُّهْريات". * * *

47 - باب الخطبة

47 - بابُ الْخُطْبَة (باب الخُطْبة) بضم الخاء. 5146 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلاَنِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا". (قبيصة) في بعضها: (قُتَيبة)، ولا يَقدَح؛ لأنَّ كُلًّا على شَرْط البخاري، والأول عن سُفيان الثَّوري، والثاني عن ابن عُيَيْنة. (رجلان) هما الزِّبْرِقان -بكسر الزاي، وسُكون الموحَّدة، وكسر الراء، وبالقاف- ابن بَدْر -بالموحَّدة، والمهملة، والراء- التَّمِيْمي، وعَمْرو بن الأَهْتَم -بفتْح الهمزة، وبالمثنَّاة، وسُكون الهاء بينهما- التَّمِيْمي، وفَدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وُجوه قَومهما وسَاداتِهم، وأَسلَما. قال الغَسَّاني: ففَخَر الزِّبْرِقَان، فقال: يا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَا سيِّد بني تميم، والمُطاعُ فيهم، والمُجابُ منهم، آخُذ بحُقوقهم، وأمنَعُهم من الظُّلم، وهذا -يعني: ابن الأَهْتَم- يعلَم ذلك، فقال عَمْرو: إنَّه لشَديد المُعارضَة، مانعٌ لجانبِه، مُطاعٌ في أَدانِيْهِ، فقال الزِّبْرِقَان: واللهِ

لقَد كذَبَ يا رسولَ الله، وما منَعَه أن يتكلَّم إلا الحسَدُ، قال عَمْرو: أنَا أَحسُدكَ!، فواللهِ إنَّك للَئيمُ الخالِ، حديثُ المَالِ، أَحمَق الولَدِ، مُبغَضٌ في العَشيرة، واللهِ ما كذَبتُ في الأُولى، ولقد صَدقتُ في الثَّانية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ مِن البَيَانِ لسِحْرًا). قال (خ): البَيان بَيانان: بيانٌ يقَع به الإبانة عن المُراد بأيِّ وجهٍ كان، وبيانٌ بلاغةٌ وحِذْقٌ، وهو ما دخلَتْه الصَّنْعة بحيث يَروق السَّامعين، ويَستَميل به قُلوبهم، وهو الذي يُشبَّه بالسِّحر إذا جَلَب القُلوب، وغلَبَ على النُّفوس حتى ربَّما حوَّل الشَّيء عن ظاهرِ صُورتهِ، وصَرَفَه عن قَصْد جِهته، فأُبرز للناظِر في مَعرِض غيرِه، وهذا يُمدَح إذا صُرف للحَقِّ، ويُذمُّ إذا قُصد به الباطِل حتى يُوهمك القَبيحَ حسَنًا، والمُنكَر معروفًا، فعلى هذا يكون المَذمومُ منه هو المُشبَّه بالمذموم الذي هو السِّحر، وقال بعضُهم: أَصْل السِّحْر صَرْف الشَّيء عن حقيقته. قال مُحيي السُّنَّة: منهم مَن حمَلَ هذا الكلامَ على المَدْح، والحثِّ على تحسين الكلام، وتحبِير الألْفَاظ، ومنهم مَن حملَه على الذَّمِّ في التَّصنُّع في الكلام، والتكلُّف بتحسينه، وصَرْف الشيء عن ظاهرِه كالسِّحر الذي هو تَخييل ما لا حقيقةَ له. (المشرق)؛ أي: مِن طرَف نَجْد. * * *

48 - باب ضرب الدف في النكاح والوليمة

48 - بابُ ضرْبِ الدُّف في النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ (باب ضَرْب الدُّفِّ في النِّكاح والوَليْمة) هو بفتح الدال وضمها. 5147 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، قَالَ: قَالَتِ الرُّبيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ: جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَس عَلَى فِرَاشِي كمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُويرِيَات لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نبِيٌّ يَعْلَمُ مَا في غَدٍ فَقَالَ: "دَعِي هَذِهِ، وَقُولي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولينَ". (بُني) بالبِناء للمَفعول، أي: حين صِرتُ عَروسًا. (كمجلسك) بفتح اللام، أي: جُلوسك، وفي بعضها بكسر اللام، وهذا إما لأنَّه جلَس من وَراء الحِجاب، أو كان قبْل نُزول آيةِ الحِجَاب، أو كان النَّظَر لحاجةٍ، أو عند الأَمْن من الفِتْنة. (ويندبن) بضم الدال: مِن النَّدْب، وهو تَعديدُ مَحاسِن الميِّت، والبُكاء عليه. وقُتل مُعوِّذ وأَخُوه عَوْف يومَ بدْرٍ شَهيدَين.

49 - باب قول الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}؛ وكثرة المهر، وأدنى ما يجوز من الصداق، وقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} , وقوله جل ذكره: {أو تفرضوا لهن}، وقال سهل: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولو خاتما من حديد"

(دعي)؛ أي: اترُكِي هذا القَول؛ لأنَّ مَفاتح الغَيب عند الله لا يعلمُها إلا هو، واشتَغلي بالأَشْعار التي تتعلَّق بالمَغازي، والشَّجاعة، ونحوها. * * * 49 - بابُ قولِ الله تعالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}؛ وَكَثْرَة الْمَهْرِ، وَأَدْنَى مَا يَجُوزُ مِنَ الصدَاقِ، وَقوِلِه تعالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} , وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكرُهُ: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ}، وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" (باب قَولِ الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]) قوله: (قال سهل) تقدَّم وصلُه، وسيأْتي بعدُ. * * * باب 5148 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْب، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ، فَرَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَشَاشَةَ الْعُرْسِ، فَسَألهُ، فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نوَاةٍ.

50 - باب التزويج على القرآن وبغير صداق

5148 / -م - وَعَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. (نواة) هي وزْن خمسة دراهمٍ. * * * 50 - بابُ التَّزْوِيج عَلَى الْقُرْآنِ وَبغَيْرِ صَدَاقِ (باب التَّزويج على القُرآن وبغَيْر صَداقٍ) أي: ماليٍّ، وإلا فتَعليم القُرآن صَداقٌ، وهو غير منفيٍّ. 5149 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ يَقُولُ: إِنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ قَامَتِ امْرَأةٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ، فَلَمْ يُجبْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ، فَلَمْ يُجبْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْكِحْنِيهَا. قَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ فَطَلَبَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: "هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ " قَالَ: مَعِي سُورَةُ كذَا وَسُورَةُ

51 - باب المهر بالعروض وخاتم من حديد

كَذَا، قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". (فَرَ) براءٍ مجرَّدةٍ، وفي بعضها بهمزةٍ ساكنةٍ بعد الراء. * * * 51 - بابُ الْمَهْرِ بِالْعُرُوضِ وَخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ (باب المَهْر بالعُرُوض) 5150 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: "تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ". (يحيى) إما ابن جَعْفر، وإما ابن مُوسَى. * * * 52 - بابُ الشروط في النكاحِ وَقَالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ في مُصَاهَرتهِ، فَأَحْسَنَ، قَالَ: "حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي".

(باب الشُّروط في النِّكاح) قال (خ): من الشُّروط ما يجبُ الوَفاءُ به كحُسن العِشْرة، وما لا يَلزمُ كسُؤال طلاقِ أُختِها، ومختلَفٌ فيها كشَرْط أن لا يتزوَّجَ عليها، وقال عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: المُسلِمون عند شُروطِهم إلا شَرْطًا أَحلَّ حَرامًا، أو حرَّمَ حَلالًا. (وقال المِسْور) موصولٌ في (الخُمُس)، وغيره. (صهرًا)؛ أي: خَتَنًا، وهو أبو العاص بن الرَّبيع زَوج زينَب، أُسِر يوم بدْرٍ، فمنَّ - صلى الله عليه وسلم - عليهِ بلا فِداءٍ، وكان قد أَبى أنْ يُطلِّقها إذْ مشَى المُشركون إليه في ذلك، وردَّها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طلَبَها منه، وأسلَم قبْل الفتْح. * * * 5151 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ". (ما استحللتم به)؛ أي: أحقُّ الشُّروط بالوَفاء شُروط النِّكاح؛ لأنَّ أَمْره أَحوَط، وبابه أَضْيق. * * *

53 - باب الشروط التي لا تحل في النكاح

53 - بابُ الشروط التِي لَا تَحِلُّ في النكاحِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَشْتَرِطِ الْمَرْأة طَلاَقَ أُخْتِهَا (باب الشُّروط التي لا تَحِلُّ) 5152 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ زكرِيَّاءَ هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا". قوله: (أُختها)؛ أي: ضَرَّتها؛ لأنها أُختُها في الدِّين. ومعناه: أنْ تَسأَلَ طَلاقَ زوجته ليَنكِحَها، ويَصير لها مِن نفَقَته ما كان للمُطلَّقة، فعبَّر عن ذلك باستِفْراغ الصَّحْفة مجازًا. وسبَق في (كتاب الشروط). * * * 54 - بابُ الصُّفْرة لِلْمُتَزَوِّجِ ورَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

55 - باب

(باب الصُّفْرة للمُتزوِّج) قوله: (رواه عبد الرحمن) موصول في (الهجرة). * * * 5153 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهِ أثَرُ صُفْرَةٍ، فَسَألهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قالَ: "كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟ " قَالَ زنة نوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلم وَلَوْ بِشَاةٍ". أما حديث الباب وإنْ كان بمعناه؛ لكنْ من حديث أنَس. (سقت)؛ أي: أَعطَيتَ. * * * 55 - بابٌ (باب) 5154 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِزَيْنَبَ فَأَوْسع الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، فَخَرَجَ كمَا يَصْنَعُ إِذَا تَزَوَّجَ، فَأَتَى حُجَرَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُو وَيَدْعُونَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ فَرَجَعَ، لَا أَدْرِي آخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ بِخُرُوجِهِمَا.

56 - باب كيف يدعى للمتزوج

(خبزًا) بموحدةٍ، وزاي. (كما يصنع)؛ أي: كما هو عادتُه إذا تزوَّج بجديدةٍ أنَّه يأْتي للحُجُرات، ويَدعُو لهنَّ. (ويدعون) يَشمَل المذكَّرين والإناث. (أو أُخبر) بالبناء للمفعول. * * * 56 - بابٌ كَيْفَ يُدْعَى لِلْمُتَزوِّجِ (باب: كيفَ يُدعَى للمُتزوِّج؟) 5155 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ-، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أثرَ صُفْرَةٍ قَالَ: "مَا هَذَا؟ " قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: "بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". فيه حديث عبد الرحمن بن عَوْف، وسبَق مراتٍ. * * *

57 - باب الدعاء للنساء اللأتي يهدين العروس، وللعروس

57 - باب الدعَاء لِلنِّسَاء اللأتِي يَهْدِين الْعَرُوسَ، وَلِلْعَرُوسِ (باب الدُّعاء للنِّساء اللَّاتِي يَهديْنَ العَرُوسَ للعَرُوس) مِن الهَدْي، وفي بعضها مِن الإهداء، وهو تَجهيز العَرُوس، وتَسليمَها إلى الزَّوج. 5156 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتتنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ في الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. (طائر) كنايةٌ عن الفَأل، وطائِر الإنسان عمَلُه الذي قُلِّده، وليس من قَبِيل الطِّيَرة المنهيِّ عنها. لا يُقال: هذا عكسُ التَّرجمة؛ لأنَّ النِّسوة هنَّ الدَّاعياتُ لا المَدعُوُّ لهنَّ؛ لأنَّ الأُمَّ هي الهادِيَةُ للعَروس المُجهِّزة لَها، فهُنَّ دَعَونَ لها, ولمَنْ معَها, وللعَروس المُجهَّزة حيث قُلْنَ: على الخَير، والبَركَة، أي: جِئْتُنَّ عليه، أو قدمتُنَّ عليه، ونحوه. ولا يُقال: إنَّ اللام في النِّسوة للاختِصاص، يعني: الدُّعاء المُختصُّ بالنِّسوة الهادِيَات للعَرُوس؛ لمَا يَلزم فيه من المُخالَفة بين اللَّامَين: اللام التي في العَرُوس؛ لأنَّها بمعنى: المَدعوِّ لها، والتي في

58 - باب من أحب البناء قبل الغزو

النِّسوة؛ لأنَّها بمعنى: الدَّاعية، وفي جواز مثله خِلافٌ. * * * 58 - بابُ مَنْ أحَب الْبِناءَ قَبْلَ الْغَزْوِ (باب مَن أَحَبَّ البِناءَ قبْل الغَزْو) 5157 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "غزا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يتبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمْ يبْنِ بِهَا". (لا ينبغي) بلفْظ نَهي الغائب. (أن يبني بها)؛ أي: يَدخُل عليها. والحديث يردُّ على الجَوْهَري، حيث خَطَّأَ مَن قال: بَنَى به، وإنما يُقال: عليه. والحديث مُطوَّلٌ، وفيه حَبْس الشَّمس، وتَمامه قد يُوجَد في بعض النُّسَخ هنا، لكنَّه قد سبق في (الجهاد)، في (باب الخُمُس). قال (ع): اختلَفوا في حَبْس الشَّمس، فقيل: هو الوَقْف، وقيل: هو إِبْطال الحرَكَة، وقيل: الرَّدُّ على أَدراجِها.

59 - باب من بنى بامرأة وهي بنت تسع سنين

وقد يُقال: الذي حُبِستْ عليه الشَّمس هو يُوشَع بن نُون، وقد رُوي أيضًا أنَّها حُبستْ لنَبيِّنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتَين: آخِرَ يومِ الخَنْدق، وأوَّلَ صَبيحة الإِسراء. * * * 59 - بابُ مَنْ بَنَى بِامْرَأَةٍ وَهْيَ بنْتُ تِسْعِ سِنِينَ (باب مَنْ بَنَى بامرأَتِه وهي بِنْتُ تِسْعٍ) 5158 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ وَهْيَ ابْنَةُ سِتٍّ، وَبَنَى بِهَا وَهْيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا. الحديث فيه عن عُرْوَة مُرسَلٌ. * * * 60 - بابُ الْبِنَاء في السَّفَرِ (باب البِنَاء في السَّفَر) 5159 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاَثًا يُبْنَى

61 - باب البناء بالنهار بغير مركب ولا نيران

عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَليمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْم، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَأُلْقِيَ فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَكَانَتْ وَليمَتَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ. فيه حديث صَفيَّة، ومرَّ مِرارًا. * * * 61 - بابُ الْبِنَاء بِالنَّهَارِ بغَيْرِ مَرْكَبِ وَلَا نِيرَانِ (باب البِناء بالنَّهار بغَير مَركبٍ) أي: رُكوب، وفي بعضها بالواو، وهو القَوم الرُّكوب على الإبِل المُزيَّنَة. 5160 - حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأتتنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضُحًى.

62 - باب الأنماط ونحوها للنساء

(فلم يَرُعني) بفتح أوله، وضم ثانيه، أي: فلَم يَفْجَأنِي، ولم يُفْزِعْني. * * * 62 - بابُ الأَنمَاطِ وَنَحْوِهَا لِلنِّسَاء (باب الأَنْمَاط) 5161 - حَدَّثَنَا قتيْبة بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلِ اتَّخَذْتُمْ أَنْمَاطًا؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَنَّى لنا أَنْمَاطٌ؟ قَالَ: "إِنَّهَا سَتكُونُ". (أنماطًا) جمع: نَمَط بمفتوحتين: ضَرْبٌ من البُسُط رَقيقٌ يُستَر به المَخدَع ونحوه، وليس الذي يُستَر به الحِيْطان الذي كَرِهَه - صلى الله عليه وسلم -، وهَتَكَه، وقال: "ما أُمِرْنَا أَنْ نَكسُوَ الحِجَارَةَ"، وقيل: هو ظِهَارة الفِراش. (ستكون) تامةٌ. * * *

63 - باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها

63 - بابُ النِّسْوَة اللاتِي يَهْدِينَ الْمَرْأَةَ إِلى زوجِهَا (باب النِّسوة اللَّاتي يَهدِيْنَ) من الهَدْي، أو مِن الإِهداء. 5162 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ! مَا كانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ، فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجبُهُمُ اللهْوُ". (لهو)؛ أي: التَّدْفيف، وليس فيه دليل على الرُّخصة فيه مُطلَقًا، فيُخصَّص بهذا قولُه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الآية [لقمان: 6]. وقد مرَّ آنفًا: (قُولي بالذي كُنْتِ تَقُوليْنَ). * * * 64 - بابُ الْهَدِيَّةِ لِلْعَرُوسِ (باب الهَدِيَّة للعَرُوس) 5163 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، وَاسْمُهُ الْجَعْدُ، عَنْ

أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ بِنَا في مَسْجدِ بَنِي رِفَاعَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَرُوسًا بِزَيْنَبَ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْم: لَوْ أَهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً، فَقُلْتُ لَهَا: افْعَلِي، فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً في بُرْمَةٍ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: "ضَعْهَا"، ثُمَّ أَمَرَني، فَقَالَ: "ادْع لِي رِجَالًا، سَمَّاهُمْ، وَادْع لِي مَنْ لَقِيتَ"، قَالَ: فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَني، فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ، وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً، يَأكلُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُ لَهُمُ: "اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَلْيَأكلْ كلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ"، قَالَ: حَتَّى تَصَدَّعُوا كلُّهُمْ عَنْهَا، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ، وَبَقِيَ نَفَرٌ يتحَدَّثُونَ، قَالَ: وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ الْحُجُرَاتِ، وَخَرَجْتُ في إِثْرِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا، فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وإنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ، وَهْوَ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}. قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: قَالَ أَنسٌ: إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ. قوله: (وقال إبراهيم)؛ أي: ابن طَهْمان، بفتح المهملة.

65 - باب استعارة الثياب للعروس وغيرها

(أُم سُليم) هي كانت مَحْرمًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خالتَه إما مِن الرضاعة، أو مِن النَّسَب. (عرسًا) يَستوي فيه الرَّجُل والمَرأَة. (فعمد إلى تمر وأقط وسمن) لا يُنافي ما سيَأْتي قَريبًا: (أنَّه أَوْلَمَ عليها بشاةٍ) خلافًا لقول (ع): الذي هنا وَهْم من بعض الرُّواة؛ لاحتِمال أنَّه أَوْلَمَ بالأمرينِ فيها. (غاص) بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ، أي: مُمتَلئ بِهم. (تصدعوا)؛ أي: تَفرَّقُوا. وفيه معجزةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (اغتم) من الاغتِمام، أي: أَحزَن مِن عدَم خُروجِهم. * * * 65 - بابُ اسْتِعَارَةِ الثِّيَابِ لِلْعَرُوسِ وَغَيْرِهَا (باب استِعارة الثِّيَاب للعَرُوس) 5164 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً، فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَاسًا مِنْ أَصحَابِهِ في طَلَبِهَا، فَأَدْركتْهُمُ الصَّلاَةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أتوُا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -

66 - باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله

شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّم. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ، إِلَّا جَعَلَ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجُعِلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةٌ. سبَق الحديث فيه. * * * 66 - بابُ مَا يَقُولُ الرَّجُل إِذَا أَتَى أهْلَهُ (باب ما يقول الرجلُ إِذا أتى أهلَه) 5165 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ: بِاسْم اللهِ، اللهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا في ذَلِكَ، أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا". (أو قضى) القَضاء والقدَر في اللُّغة بمعنًى، وأما في الاصطلاح: فالقَضاء للأمر الكُلِّي الإجمالي الذي في الأَزَل، والقَدَر هو جُزئيَّاتُ ذلكَ الكُلِّي، وتفاصيلُ ذلك الإجمال الواقِع في الأزَل، وفي القرآن إشارةٌ إليه حيث قال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا

67 - باب الوليمة حق

نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21]. (لم يضره) بفتح الراء وضمها، وكلُّ مولودٍ إنْ كانَ يَمسُّه الشَّيطان إلا مَريم وابنَها, ولا بُدَّ له مِن وَسوَسةٍ؛ فالمراد هنا: لم يُسلَّط عليه بحيثُ لا يكون له عمَلٌ صالحٌ. قال (ع): لم يحملْه أحد على العُموم في جميع الضرر، والوسواس، وقيل: المُراد لا يطعَن فيه عند وِلادته. وسبَق الحديث في أول (الوضوء). * * * 67 - بابٌ الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". (باب الوَليْمة) وهي الطعام المُتَّخَذ للعَروس، قالوا: الضِّيافات ثمانيةٌ: وَليمة العُرس، والخُرْس -بضم المعجمة، وسُكون الرَّاء، وبالمهملة- للوِلادة، والإِعْذَار -بكسر الهمزة، ثم المعجَمة- للخِتان، والوَكيرة -بفتح الواو- للبِنَاء، والنَّقِيْعة لقُدوم المُسافر مِن النَّقْع، وهو الغُبار، والوَضِين -بكسر المُعجمة- للمُصيبة، والعَقِيْقة لتَسمية الوَلَد يومَ

السَّابع مِن وِلادته، والمَأدُبَة -بضم الدال وفتحها- الطَّعام المُتخَذ للضِّيَافة بلا سبَبٍ. (حق)؛ أي: ثابتٌ في الشَّرع، أو واجبٌ على الاختلاف؛ هل هي واجبةٌ أو سنةٌ؟، والأصح سنةٌ. (وقال عبد الرحمن بن عوف) موصولٌ في (الهجرة). * * * 5166 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أُمَّهَاتِي يُوَاظِبْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّي النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا ابنُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ في مُبْتَنَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِيَ رَهْطٌ مِنْهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ لِكَي يَخْرُجُوا، فَمَشَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَمَشَيتُ، حَتَّى جَاءَ عَتَبةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَى زينَبَ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ عَتبة حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَظَنَّ أَنَّهمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْني وَبَيْنَهُ

68 - باب الوليمة ولو بشاة

بِالسِّتْرِ، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ. (أُمهاتي)؛ أي: أُمي وأَخواتُها. (يواظبنني) بالمعجمة، والموحَّدة، أي: يَأمُرننَي بالمُواظَبة، أي: المُداوَمة على خِدْمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قيل: هذا لا يَصحُّ لُغةً؛ لأنَّ المُواظَبة لازم. وفي بعضها: (يُواطِيْنَنَي) مِن المُواطَاة بالمهملة، وهي المُوافَقة. ورَوى الإِسْماعِيْلي: (يُوطِيْنَني)، من التَّوطِئَة، ويُقال: وَطَّأتُ نفسي على الشَّيء: إذا رغبتُ، وحرصتُ عليه. (مبتنى)؛ أي: زمانَ ابتِنائه - صلى الله عليه وسلم - بزَينب، ووقْت دُخوله عليها. (وأنزل آية الحجاب) هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 53]. وسبق قريبًا. * * * 68 - بابُ الْوَلِيمَةِ وَلَوْ بشَاةٍ (باب الوَليْمَة ولَو بشَاةٍ) 5167 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ: أَنَّهُ

سَمعَ أَنَسًا - رضي الله عنه -، قَالَ: سَألَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ: "كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ " قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَعَنْ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ نزَلَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الأَنْصَارِ، فَنَزَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ: أُقَاسِمُكَ مَالِي وَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ إِحْدَى امْرَأتيَّ، قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، فَخَرَجَ إِلَى السُّوقِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى، فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فتزَوَّجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". 5168 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ، مَا أَوْلَمَ عَلَى زينَبَ؛ أَوْلَمَ بِشَاةٍ. الحديث الأول، والثاني: سبقا مرَّاتٍ. * * * 5169 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ.

69 - باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض

الثالث: سبق أيضًا، وسبَق في جَعْل عِتْقها صَداقَها وُجوهٌ، أصحُّها: أنَّه أعتقَها تبرُّعًا منه، ثم تَزوَّجها برِضاها بلا صَداقٍ. * * * 5170 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ بَيَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا يَقُولُ: بَنَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ، فَأرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا إلَى الطَّعَامِ. الرابع: (بامرأة)؛ أي: زينَب. * * * 69 - بابُ مَنْ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ (باب مَن أَوْلَمَ على بعْض نسائه أكثَرَ مِن بعضٍ) 5171 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: ذُكِرَ تَزْوِيجُ زينَبَ ابنَةِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنسٍ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَيْهَا، أَوْلَمَ بِشَاةٍ. (ما رأيت) قيل: السِّرُّ في أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ على زينب أكثَر شُكرًا

70 - باب من أولم بأقل من شاة

لنِعمة الله عليه في أنَّه زوَّجَه إيَّاها بالوَحْي؛ إذ قال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا} الآية [الأحزاب: 37]. * * * 70 - بابُ مَنْ أَوْلَمَ بِأَقَلَّ مِنْ شَاةٍ (باب مَن أَوْلَمَ بأَقلَّ من شاةٍ) 5172 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. (محمد بن يوسف) البِيْكَنْدي، ويَحتمل أن يكون محمَّد بن يُونس -بالنُّون- الفِرْيَابِي، وكلاهما يَروي عن ابن عُيَيْنة، وعلى شَرْط البخاري. (صفية بنت شيبة) الصَّحيح في رواية صَفيَّة إنَّما هو عن أَزْواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فما ذُكر هنا مُرسَلٌ. قال أبو الحسَن: هو مما انفَرَد البخاريُّ بالإخْراج عن صَفيَّة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو من الأحاديث التي تُعدُّ مما أُخرج مِن المَراسيل، وقد اختُلف في رُؤيتها النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها هنا: (عن عائشةَ) فيتصِلُ الإسناد. * * *

71 - باب حق إجابة الوليمة والدعوة، ومن أولم سبعة أيام ونحوه، ولم يوقت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما ولا يومين

71 - بابُ حَقِّ إجَابَة الْوَلِيمَة وَالدَّعْوَةِ، وَمَن أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ، وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ (باب إجابَة حَقِّ الوَليْمَة والدَّعوَة) قوله: (ولم يوقت)؛ أي: لم يُعيِّن مدةَ هذه الوليمة. قال (ن): لو كانت الدَّعوة ثلاثةَ أيامِ: فالأول: تَجب الإجابةُ، والثاني: تُستحبُّ، الثالث: تُكرَهُ، واستَحبَّ المالكية للمُوسِر كونَه أُسبوعًا. 5173 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا دُعيِ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَليمَةِ فَلْيَأتِهَا". الحديث الأول: (فليأتها)؛ أي: فليَحضُرها، والأصح أنَّه أَمر إيجاب في النكاح، ونَدْبِ في غيره، والشافعيُّ يحمِلُ اللفظَ على حقيقته ومَجازِه، ومَن يمنعَ قال: إنه على عُموم المَجاز. أما إجابةُ الدَّاعي في غير الوَليْمة فلا يُراد هنا؛ لأنَّ السِّيَاق في الوَليمة. * * *

5174 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فُكُّوا الْعَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ". 5175 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَشْعَثِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ - رضي الله عنهما -: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنهانَا عَنْ سَبْعٍ؛ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَم، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنهانَا عَنْ خَوَاتِيم الذَّهَبِ، وَعَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَالْقَسِّيَّةِ، وَالإسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ. تَابَعَهُ أَبُو عَوَانة، وَالشَّيْبَانِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ فِي إِفْشَاءِ السَّلاَمِ. الثاني، والثالث: (وتشميت) بمعجمةٍ على الأَصحِّ أو بمهملةٍ. وسبق شرحُ الحديث مَبسُوطًا في (الجنائز)، ويأْتي في (اللِّباس) أيضًا، والتَّصريحُ بالسَّابع وهو الحَرير، وأنَّ إِفْشاء السَّلام مَذكُورٌ بدلَه: رَدُّ السَّلام. (تابعه أبو عَوانة) موصولٌ في (الأشربة).

(والشيباني) موصولٌ في (الاستئذان). * * * 5176 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَعَا أبُو أسُيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُرْسِهِ، وَكَانَتِ امْرَأتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهْيَ الْعَرُوسُ، قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ. الرابع: (عن أبي حازم)؛ أي: سلَمة بن دِيْنار، وفي بعضها: (عبد العَزيز بن أَبي حازِم، عن سَهْل)، وهو سَهوٌ؛ إذ لا بُدَّ أنْ يكون بينهما أَبوه، أو رجلٌ آخَر. (خادمهم) الخادم يَشمَل الذَّكَر والأُنثى، وكان ذلك قبْل نُزول الحِجاب. (أنقعت) بنونٍ، وقافٍ، ومهملةٍ. (أكل)؛ أي: الطَّعامَ. (سقته)؛ أي: بعدَ ذلك. * * *

72 - باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله

72 - بابُ مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ (باب: مَن ترَكَ الدَّعوةَ فقَدْ عَصَى) 5177 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. (الأعْرج) الزُّهْري يَروي عن الأعْرج، عن عبد الرحمن بن هُرْمز الهاشمي، والأعْرج عبد الرَّحمن بن سَعْد المَخزُومي، والظَّاهر إرادةُ الأوَّل منهما، وهنا في رجال البخاري الأعْرج ثالثٌ يروي أيضًا عن أبي هريرة، وهو ثابتُ بن عِيَاض، ويُقال له: الأحْنَف. وفي "مسلم" روايةُ هذا الحديث عن مالك، عن ابن شِهَاب، عن الأعْرَج، عن أبي هُريرة، وعن سُفيان، عن الزُّهري، عن عبد الرحمن الأَعْرج بمثْله. ورُوي عن زِياد -بالياء- ابن مَسعود، عن ثابت، عن الأَعرج، عن أبي هريرة مَرفوعًا: "شَرُّ الطَّعام طَعامُ الوَليْمَة؛ يُمنَع مَن يَأْتيهَا، ويُدعَى إليها مَن يَأْبَاها، ومَنْ لَم يُجب الدَّعوةَ فقد عَصَى اللهَ ورَسُوله". قال (ن): ذكَر مسلمٌ الحديثَ مرفوعًا وموقوفًا، ومعناه: الإخبار

بما يقَع بعدَه مِن مُراعاة الأَغْنياء، وإيثارِهم بالطَيِّب، وتَقديمهم، ونحو ذلك. (ومن ترك الدعوة) المُراد بتركها: لم يُجِبْ؛ بقَرينة الرِّواية الأُخرى: (مَن لم يُجِب الدَّعوةَ). فإنْ قيل: أوَّل الحديث مُرغِّب عن حُضور الوليمة؛ بل مُحرِّمٌ، وآخِره مُرغِّبٌ فيه؛ بل مُوجِبٌ؟؛ قيل: الإجابَة لا تَستلزم الأَكلَ، فيَحضُر، ولا يأكُل، فالترغيب في الإجابة، والتَّحذيرُ عن الأكل. ومعنى كونِه شَرًّا، وقد يكون بعضُ الأَطعمة أشَرَّ منه باعتبار أَطعمةِ الوَلائِم، فالمراد أَشَرُّ أَطعِمةِ الولائِم وليمةٌ يُدعى إليها الأَغْنياء، ويُترَك الفُقَراء، وقال البَيضاوي: المراد مِنَ الطَّعام، كما يُقال: شَرُّ النَّاس مَن أكَل وحدَه. وإنما جُعل طَعام الوليمة شَرًّا لمَا ذُكر بعدَه، أي: طَعام الوليمة التي شَأْنُها ذلك. وقال الطِّيْبِي: التَّعريف في الوليمة للعَهْد الخارجيِّ؛ إذ كان مِن عادتهم دَعوة الأَغْنياء، وتَرْك فُقرائهم، و (يُدعَى) استِئنافُ بيانٍ لكَونها شَرَّ الطَّعام، فلا تَحتاج إلى تَقديرِ: مِنْ؛ لأنَّ الرِّياء شِركٌ خَفيٌّ، (ومَن تَرَك الدَّعوة) حالٌ، والعامِل (يُدعَى الأَغنياء لها)، والحالُ أنَّ الإجابةَ واجبةٌ، فيُجيب المَدعُوُّ، ويأْمَن شرَّ الطَّعام. * * *

73 - باب من أجاب إلى كراع

73 - بابُ مَنْ أَجَابَ إِلَى كُرَاعٍ (باب مَن أجابَ إلى كُراعٍ) قيل: المُراد به كُراعُ الغَمِيْم بفتح المعجمة: وهو موضعٌ على مَراحِلَ من المدينة من جهة مكةَ، والجُمهور على أنَّ المُراد كُراع الشَّاةِ، وهو ما دُون الكَعْب من الدَّوابِّ. 5178 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ". (ذراع) هو الذي في يَدِ الغَنَم، وهو أفْضَل مِن الكُراع في الرجل، وفي الأَمْثال: أَعطِ العَبدَ كُراعًا يَطلُبْ ذِراعًا. * * * 74 - بابُ إِجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهَا (باب إجابَةِ الدَّاعِي في العُرْس) بضم الراء وإسكانها. 5179 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ

75 - باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس

مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَني مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا". قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يَأتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهْوَ صَائِمٌ. (هذه الدعوة)؛ أي: دعوة الوَليْمة. (صائم) فائدةُ حُضوره أنَّ صاحِب الوَليمة قد يُريد التبرُّكَ به، والتَّجمُّل، والانتِفاع بدُعائه، أو بإِشارته، أو الصِّيانة عمَّا لا يُصان في غَيبتِه. ففيه أنَّ الصَّوم ليس بعُذْرٍ في الإجابة. * * * 75 - بابُ ذَهَابِ النِّسَاء وَالصِّبْيَانِ إِلَى الْعُرْسِ (باب ذَهاب النِّساءِ والصِّبْيان إلى العُرْس) 5180 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءً وَصِبْيَانًا مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ مُمْتَنًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ

أَنتمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ". (مُمْتنًا) قال (ع): كذا ضبَطَه المتقِنُون في (كتاب النِّكاح) بسُكون الميم، وكسر المثنَّاة، قيل: مَعناه طَويلًا، وقيل: مُنتصِبًا مُسوِّيًا صُلْبه. وضبطَه أبو ذَرٍّ بفتح المثنَّاة، وتشديد النُّون، أي: مُتفضِّلًا، وقال: كذا الرِّواية هنا، وقال أبو مَروان ابن سَرَّاج: يحتمِل وجهَين: أحدهما: أنه مِن الامتِنان؛ لأنَّ من قام النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إليه (¬1) وأكرمه بذلك فلا منَّةَ أعظَمُ من ذلك، ويُؤيِّده رواية: (أَنتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ). وثانيهما: أنه مِن المُنَّة بالضم، وهي القُوَّة والشِّدَّة، أي: قامَ إليهم مُسْرِعًا مُشْتدًّا في ذلك فَرِحًا بهم. ورواه الإِسْماعيلي: (مَثِلًا) بفتح الميم، وكسر المثلَّثة، أي: ماثِلًا مِن المُثُول، ورواه ابن عمَّار: (مُمتَثِلًا)، ورواه ابن السَّكَن: (يَمشِي)، وهو تصحيفٌ، وذكره البخاري في (الفَضائل): (مثِلًا)، بكسر الثاء كما تقدَّم، وضُبِط في مسلم: (ممثلًا) بالفتح، وقال الوَقْشِي: صوابه: (مُمْثِلًا) بسكون الميم، وكسر الثاء، أي: قائمًا، ويُؤيِّد هذه الرِّواية: أنَّه خرَج يَمثُل قائِمًا، أي: مُنتصِبًا. (اللهم) ذكَره تبرُّكًا، وكأنَّه استَشهَد بالله في ذلك تأْكيدًا لصِدْقه. * * * ¬

_ (¬1) "إليه" ليس في الأصل.

76 - باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟

76 - بابٌ هَلْ يَرْجِعُ إِذا رَأَى مُنْكرًا فِي الدَّعْوَةِ؟ وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ. وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أيُّوبَ، فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجدَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ، فَلَمْ أكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ، وَاللهِ لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا، فَرَجَعَ. (باب: هل يَرجِعُ إذا رأىَ مُنكَرًا؟) قوله: (من كنت أخشى)؛ أي: إنْ كنتُ أخشَى عليه أحدًا يعمَل في بيته مثْل هذا المُنكَر ما كنتُ أخشَى عليكَ. (نُمرقة) بالضم: الوِسادة الصَّغيرة، وبالكسر لغةٌ. (أحيوا) أمرُ تَعجيزٍ. * * * 5181 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا أَخْبَرتْهُ: أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أتوبُ إِلَى اللهِ وإلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنبتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرِقَةِ"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ

77 - باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ"، وَقَالَ: "إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ". وسبق الحديث في (الملائكة)، في (باب: إذا قال أحدكم: آمين). * * * 77 - بابُ قِيَامِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْعُرْسِ وَخِدْمَتِهِمْ بالنَّفْسِ (باب قِيامِ المَرأَةِ على الرِّجال في العُرْس وخِدمتِهم بالنَّفْس) أي: بنفْسها. 5182 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِم إِلَّا امْرَأتُهُ أُمُّ أُسَيدٍ، بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا فرَغَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ فَسَقَتْهُ، تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ. (عرس) اتخذ عَرُوسًا، وقال الجَوْهَري: يقال: أَعرَسَ،

78 - باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس

ولا يُقال: عَرَّس، وهذا حُجَّةٌ عليه. (تَوْر) بفتح المثنَّاة، وإسكان الواو، وبالراء: إناءٌ، وقيل: إناءٌ يُشرب فيه. (إماثته) من الإماثَة بالمثلَّثة، وهو الطَّرح في المَاء حتى يَنحَلَّ. وقال (خ): يُريد مَرَستْه بيَدِها، يُقال: مِثْتُ الشيء: إذا أَذَفتَه، أي: بلَلْتَه، فانْماثَ، أي: ذابَ، وقد حكى الجَوْهَري أيضًا فيه: مِثْتُ، وأَمَثتُ ثُلاثيًّا، ورُباعيًّا. (تخصه)؛ أي: أُم أُسَيد تخصُّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وفي بعضها: (تُحْفَة)، أي: هديَّة. * * 78 - بابُ النَّقِيعِ وَالشَّرَابِ الذِي لَا يُسْكرُ فِي الْعُرْسِ (باب النَّقِيعِ والشَّراب الذي لا يُسكِر) 5183 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُرْسِهِ، فَكَانَتِ امْرَأتهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَهْيَ الْعَرُوسُ، فَقَالَتْ، أَو قَالَ: أتدْرُونَ مَا أَنْقَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ.

79 - باب المداراة مع النساء، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما المرأة كالضلع"

(خادمهم) هو يُطلَق على الرَّجل والمَرأة كما تقدَّم. * * * 79 - بابُ الْمُدَارَاة مَعَ النسَاءِ، وَقولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ" (باب المُداراة مَعَ النِّساء) قوله: (إنما المرأة) لفْظة (إِنَّما) وصلَها الإِسْماعيلي في "المُستخرَج". (كالضِلَع) بكسر المعجمة، وفتح اللام، وهي مؤنثةٌ. 5184 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَرْأةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أقمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وإنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ". (عَوج) بفتح العين لمَا كان مُنتصِبًا مَرئيًّا كحائط وعُودٍ، وفي غير ذلك كالرَّأْي والكَلام، قال تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 107]، وحكى أبو عمرو الكسر فيهما جميعًا، ومصدرهما بالفتح معًا. * * *

80 - باب الوصاة بالنساء

80 - بابُ الْوَصَاةِ بِالنِّسَاء (باب الوِصَايَة بالنِّساء) الوصاية بفتح الواو وكسرها، وفي بعضها: (الوَصاة) بالألف فقط بعد الصاد، وبتاء التأنيث. 5185 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ". 5186 - "وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا". الحديث الأول: (واليوم الآخر)؛ أي: الآخِرة، والمَعنى: يُؤمن بالمَبدأ والمَعاد، ومَن آذَى جارَه لا يكُون مؤمنًا كامِلًا. (واستوصوا) قال البَيْضاوي: الاستِيْصاء: قَبُول الوصيَّة، والمَعنى: أُوصيكُم بهنَّ خَيْرًا، فاقبَلُوا وصيَّتي فيهنَّ، فإنهنَّ خُلقْنَ من ضِلَعٍ، والضِّلَعُ استعارةٌ للمِعوَجِّ، أي: خُلِقْنَ خَلْقًا فيه اعوِجاجٌ، فكأنَّهنَّ خُلقن مِن أَصلٍ مِعوَجٍّ، فلا يَتهيَّأُ الانتِفاع بهنَّ إلا بمُداراتهنَّ،

والصَّبْر على اعوجاجهنَّ. وقيل: إن المُراد به أنَّ أول النّساء حَوَّاء خُلقتْ من ضِلَع آدَم. وقال الطِّيْبِي: الأظهر أن السِّين للطَّلَب مُبالغةً، أي: اطلُبوا الوَصيَّة مِن أنفُسكم في حقِّهنَّ بالخير، ويجوز أن يكون مِنَ الخِطَاب العامِّ، أي: يَستُوصي بعضُكم من بعضٍ في حقهنَّ. وفيه الحثُّ على الرِّفْق، وأنه لا مَطمَع في استِقامتهنَّ. (أعوج) صِيغ التَّفضيلُ منه مع أنه من العُيوب شُذوذًا في القِياس، أو أن مَحلَّ المَنْع حيث يَلتبِس بالصِّفَة، فحيث يتميَّز عنه بالقَرينة يَجوز البِناء، أو يقال: إن أَفْعَل هنا وَصْفٌ وليس تفضيلًا. وذَكَر هذه المقدِّمة زيادةً على المَقصود لتوكيد معنى الكَسْر؛ لأنَّ الإقامةَ أثَرُها أظهَرُ في الجِهَة الأَعلَى، أو يقال: إنَّها خُلقت من أَعوَج أجزاء الضِّلَع، فكأنه قال: خُلقْن مِن أعلى الضِّلَع وهو أَعوَجُه. (أعلاه) أعاد الضَّمير مُذكَّرًا هنا، وفي (تُقيمُه)؛ لأنَّ تأنيث الضِّلَع مجازيٌّ. * * * 5187 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كُنَّا نتَّقِي الْكَلاَمَ وَالاِنْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - هَيْبَةَ أَنْ يُنْزَلَ فِينَا شَيْءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّي النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا.

81 - باب {قوا أنفسكم وأهليكم نارا}

الثاني: (هيبة) مفعولٌ لأَجْله، أي: يُتقَى لخَوف النُّزول. * * * 81 - بابٌ {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (باب: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]) 5188 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُلٌ، فَالإمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُلٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُلٌ، وَالْمَرْأةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهْيَ مَسْؤُلةٌ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُلٌ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُلٌ". (كلكم)؛ أي: ومَن لم يكُن له رعيَّةٌ فرعيَّتُه أَعضاؤُه، وجَوارحُه، وقِواه، وحَواسُّه. ومرَّ في (باب: الجمعة في القُرى) مبسوطًا. * * *

82 - باب حسن المعاشرة مع الأهل

82 - بابُ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الأَهْلِ (باب حُسن المُعاشَرة) أي: المُخالَطة. (مع الأهل)؛ أي: الأَزواج. 5189 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فتعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ، غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثالِثة: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لَا حَرٌّ، وَلَا قُرٌّ، وَلَا مَخَافَةَ، وَلَا سَآمَةَ.

قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْألُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وإنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ. قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنيٍّ، وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدائِسٍ وَمُنَقِّ، فَعِنْدَهُ أقولُ فَلَا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأتصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأتَقَمَّحُ، أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجعُهُ كمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ، بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ

أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارتهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أبِي زَرعٍ؟ لا تبث حَدِيثنا تبْثِيثًا، وَلا تُنَقِّثُ مِيرتنا تنقِيثًا، وَلا تمْلأ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا، قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ. قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ: وَلَا تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وقَالَ بَعْضُهُمْ: فَأتقَمَّحُ -بِالْمِيم-، وَهَذَا أَصَحُّ. الحديث الأول: (جلس) وقع في رواية مسلم: (جَلَسْنَ) بالنون على لُغة: أَكَلُوني البَراغيثُ. (إحدى عشرة) كلهنَّ من قرية من قُرى اليمَن. (الأولى) قال (ك): لم يتحقَّق اسمها.

(غث)؛ أي: شديد الهُزال، ويجوز فيه الرفْع وصْفًا للَّحم، والجرُّ وصْفًا للجمَل. (على رأس جبل) تصفُ قلة خيرِه، وبُعدَه من القلة كالشَّيء في قُلَّة الجبَل الصَّعْب. (لا سهل) بالفتح بلا تنوين، وبالجرِّ مُنوَّنًا، وبالرفع، وهي أَعرَفُها على تقدير مبتدأ، أي: لا هو سَهلٌ، وأما النَّصب، فعلى إعمال (لا) مع حَذْف الخبَر، والجرُّ: على الصِّفة للجبَل. (ولا سمين) بالرفع: صفةٌ للحم، وبالجرِّ: صفةٌ للجمَل. (فينتقل)؛ أي: لا يَنقُل أحدٌ هذا الجمَل لهُزاله، ويقال: انتَقلتُ الشَّيء، أي: نَقَلتُه، ويروى: (فيُنقَى)؛ أي: ليس له نِقِيٌّ، فيُستخرَجَ، والنِّقِيُّ بكسر النون: المُخُّ. وَصفَتْه بالبُخل، وسُوء الخلُق، والترفُّع بنفسه. قال (خ): المراد بقولها: (على رَأْسِ جَبَلٍ) أنه يَرتفع ويتكبَّر، تُريد أنه مع قِلَّة خَيْره مُتكبِّرٌ على عَشيرته، فيَجمَع إلى مَنعْ الرِّفْد سُوءَ الخُلُق. (الثانية) قال (ك): اسمها: عَمْرة بنت عَمْرو اليَمَني. (أبث) بموحَّدة، أي: أُظهِرُ حديثَه، ويُروى بالنون بمعناه، أي: لا أَنْشُره، ولا أُشيعُه، إلا أنَّ النون أكثَر ما يُستعمَل في الشَّرِّ. (أذره)؛ أي: أترُك حديثَه، فالهاء عائدةٌ لا على الخبَر، أي أنه

لطُوله وكثْرته إنْ بَدأْتُه لم أَقْدِر على تَمامه، وإليه ذَهب ابن السِّكِّيْت. وقال غيره: الهاء عائدةٌ على الزَّوج، وكأنَّها خَشِيتْ فِراقَه إنْ ذكَرتْه، أي: أخافُ أن يُطلِّقني، وتكون (لا) زائدةً، و (أَذَرَه) بمعنى: أُفارِقَه. قال (ك): وتأْويل ثالثٌ: أنَّ معناه: إنِّي أخافُ أن أُثْبت خبَره؛ إذ عدَم التَّرك هو الإثْبات والتَّبيين. (عُجَرَه وبُجَرَه) بضم المهملة في الأُولى، والموحَّدة في الثانية، وفتح الجيم فيهما، والراء والمَدِّ: عُيوبَه، أي: الكُلَّ، وقيل: العُجْرة: نَفْخة في الظَّهر، والبُجرة: نَفْخةٌ في السُّرَّة. لا يُقال: خالفتْ عهدَها، وهو عدَم الكِتْمان؛ لأنَّها قد ذكَرتْ أنه صاحِب عُيوب، وأنها تَخاف أنْ يُطلِّقها، وأيضًا، فلا مَحذورَ في ذلك؛ لأنهنَّ لم يَثبُتْ إسلامهنَ حتى يجبَ عليهنَّ الوَفاء بالعُهود. (الثالثة) قال (ك): اسمها حُبَّى، وهي بِنْت كَعْب اليَمَاني. (العَشَنّق) بفتح المهملة، والمُعجمة، والنون المشدَّدة، وبقافٍ، ويقال: بطاءٍ بدلَها أيضًا، وهو الطَّويل، أي أنه طَويلٌ بلا طائلٍ، فإنْ ذكَرتُ عُيوبَه طلَّقني، وإنْ سكَتُّ عنه علَّقني، فتَركَني لا عَزْباءَ ولا مُتزوِّجة كما قال تعالى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129]، وقيل: يحتمل مِن عِلاقة الحُبِّ، ولذلك كَرهتْ النُّطق لئلا يُفارِق، أي: فله مَنْظَرٌ بلا مَخبَر، والطُّولُ في الغالب دليلُ السَّفَه، وعُلِّل ذلك ببُعد

الدِّماغ من القَلْب. وقيل: العَشَنَّق هو المِقدام على ما يُريد الشَّرِس. وقيل: على الأوَّل إنما أرادتْ مَدحَه؛ لأن الرجال تُمدَح بطُول القامة. (الربعة) قال (ك): اسمها مَهْدَد -بفتح الميم، وسُكون الهاء، وفتح المهملة الأُولى- بنت أَبي هُرُومة، بالراء المضمومة. (تِهامة) بكسر المُثنَّاة: اسم لكلِّ ما نزَل عن نَجدٍ من بلاد الحِجَاز، وهو مِن التَّهَم -بفتح المثنَّاة، والهاء- وهو رُكُود الرِّيح، ويقال: تَهم الدَّهرُ: إذا تَغيَّر، فالمراد أنَّه كلَيْلِ أهل مكَّة، أي: كليل أَصحابِ الأَمْن، أو كليلٍ رَكِد الرِّيح، أو كليل الرَّبيع وقْت تغيُّر الهَوَى من البُرودة إلى الحَرارة، وظُهور اعتداله. (ولا قُر) بضم القاف: البَرْد. قال صاحب "تثقيف اللسان": يُقال: اليوم قَرٌّ بفتح القاف وضمها خطأٌ إنَّما القُرُّ، أي: بالضم: البَردُ بعَينه. والحاصل أنَّها تقول: إنه ليس فيه أذًى؛ بل هو راحةٌ ولَذاذَةُ عيشٍ كلَيل تِهَامةَ لذيذٌ مُعتدِلٌ، أي: ليس فيه حَرٌّ، ولا بَردٌ مُفرِطان، ولا أَخافُ له غائلةً لكرَم أخلاقه، ولا مَلالةً له، ولا في مِن المُصاحَبة. (ولا مخافة ولا سآمة)؛ أي: مَلال، ورُوي: (ولا وَخَامَة)، أي: لا ثِقَل مَرعَى وَخيمٍ لا تُنجعُ عليه ماشيةٌ.

ويجوز في: (لا قَرَّ) وما بعدَها الفتْحُ على أنَّها مبنيةٌ مع (لا)، والخبر محذوفٌ، أي: لا حَرَّ فيها، والرفع، قال أبو البقاء: وكأنه أَشبَه بالمعنى، أي: ليس فيها حرٌّ، (فهو حرٌّ) ليس في الزركشي والفتح اسم ليسَ، وخبرها محذوفٌ، ويُقوِّي الرفْعَ ما فيه من التَّكرير. (الخامسة) قال (ك): اسمها: كَبْشَة، بموحَّدةٍ، ثم معجمةٍ. (فَهِدَ)؛ أي: بكسر الهاء، وفتح الدال، فعلٌ ماضٍ. وصفَتْه بالإِغْماض والإِعراض عن مَعايِب البَيت التي يَلزمُني إصلاحُها، وشبَّهته بالفَهد لكثْرة نَومه، يعني: إذا دخَل في البَيت يكُون في الاستِراحة مُعرِضًا عما تَلِف من أَمواله، وما بقِيَ منها. (أسِد) بكسر السِّين، تصفُه بالشَّجاعة، أي: إذا صارَ بين النَّاس كان كالأَسَد، أي: سهلٌ مع الأَحباب صعبٌ مع الأعداء، قال تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. وقيل: المَعنى إذا دخَل البيتَ وثَب عليَّ وُثوب الفَهْد كأنَّها تُريد المُبادَرة إلى جِماعها. والاشتِقاق مِن الفَهْد والأسَد على معنى اتصافه بوَصفهما، ويحتمل أنْ يكون محلُّ جُملتَيْ فَهِدَ وأسِدَ: رفْع خبَر مبتدأ مُضمَرٍ، أي: فهو فهدٌ على حَدِّ: "الحَمْوُ المَوتُ". (ولا يسأل عما عهد)؛ أي: عما رأَى في البيت، وعرَف من مَطعَمٍ وشرب، فهو لا يسأل عن ذلك لسَخاوة نفْسه، وسَعَة قَلْبه.

(السادسة) قال (ك): اسمها هند. (لف)؛ أي: أكثَر، وخلَط من صُنوفه حتى لا يُبقي منها شيئًا، ويُروى: (رَفَّ) بالراء، ويُروى: (اقتَفَّ) وهو بمعناه، ومنه سُميت القُفَّة لجَمْعها ما جُعل فيها. (اشتف) هو في الشَّراب أنْ يَستَوعِبَ جميعَ ما في الإناء، مأْخوذ من الشُّفافة -بضم المعجمة- وهو ما بَقِيَ في الإناء من الماء، فإذا شَرِبَها قيل: اشتَفَّها، وهو وصفُ ذَمٍّ، ورُوي بالسِّين المهملة، وهو بمعنى الأول. (التف)؛ أي: في ثِيابه في ناحيةٍ، ولم يُضاجِعْني. (ليعلم البث)؛ ي: ليَعلَم ما عندي من مَحبَّته، وحُزني في مُفارقته. قال الجَوْهَري: البَثُّ: الحالُ والحُزْن. وقال (خ): معناه أنه يلتفُّ مُنتبِذًا عنها، ولا يَقرُب منها، فيُولجَ كفَّه داخلَ ثوبها، فيكونَ منه إليها ما يكونُ للرَّجل إلى امرأَته، فهو وصفُ ذَمٍّ له. هذا قول الجمهور، وقال أبو عُبَيْدُ: أحسِبُها كأنَّ بجسَدها عَيبٌ أو داءٌ تَحزن له، وكان لا يُدخِل يدَه في ثَوبها لئلا يمسَّ ذلك، فيَشقَّ عليها، فوصفَتْه بالمُروءة، وكَرَم الخُلُق. وردَّه ابن قُتَيبة بأنَّها قد ذمته في صدر الكلام؛ فكيف تمدحه في

آخره؟!، فقال ابن الأَنْباري: الرَّدُّ مردودٌ؛ لأن النِّسوة تعاقدْنَ أنْ لا يكتمنَ مدحًا ولا ذمًّا، فمنهنَّ مَن كانت أوصاف زوجها كلُّها حسنةً، فوصفتْه بها، ومنهنَّ بالعكس، ومنهنَّ مَن كانت أوصافُه مختلطةً، فذكرت كليهما. (السابعة) قال (ك): هي بنت عَلْقمة. (عياياء) بمهملةٍ، وياءَين، وهو ممدودٌ، أي: الذي عَيِيَ بالأَمر والمَنطِق، والعَيَاياء من الإبِل الذي لا يُحسِن الضرابَ ولا يُلقِّح، فكأنَّ مُرادها أنَّه عِنِّين. (أو غياياء) بالمعجمة، أي: كأنه في غَيايَةٍ أبدًا، أو ظُلمةٍ لا يَهتدي للضِّراب، أو مُنهمِكٌ في الشَّرِّ، قال تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وهذا شكٌّ من بعض الرواة. قال (ك): أو تنويعٌ من الزَّوجة القائلة، وقد أنكَر أبو عُبيدة وغيرُه الغَين المعجمة. (طباقاء) بمهملةٍ، وموحدةٍ، وقافٍ، ممدودٌ: المُطبقَةُ عليه الأُمور حُمقًا، وقيل: الذي يَعجَز عن الكلام، فينطبِقُ معناه. وقال ابن فارس: هو من الرِّجال الغَبيُّ، ومن الإبِل الذي لا يُحسِن الضِّراب، وجعلَه مثل: عَيَايَاء، فعلى هذا التَّكرارُ لاختِلاف اللَّفظ مِثْل: بُعدًا وسُحْقًا. (كل داء له داء)؛ أي: كلُّ ما يَعرف في الناسُ من الأَدواء

والمَصائب اجتمَع فيه. (شجك)؛ أي: أصابَكِ بشَجَّةٍ، وهو بكسر الكاف، وكذا الذي بعده؛ لأنَّ الخِطاب لمؤنَّثٍ. (أو فلَّك)؛ أي: أصابَ شيئًا من بدَنك؛ لأنَّ الشَّجَّ في الرَّأْس، والفَلُّ في سائر البدَن مأْخوذٌ مِن فَلِّ السَّيف، وهو انثِلامُه. وقيل: كسَركِ بخُصومته وشرِّه. وقيل: ذهبَ بمالِكِ، يُقال: فلَّ القَومَ، فانفَلُّوا. (أو جمع)؛ أي: أنَّها معه بين شَجِّ رأسٍ، وكسر عُضوٍ، أو جمعٍ بينهما. وصَفَتْه بالحُمق والتَّناهي في جميع النقائص والعُيوب، وسُوء العِشْرة مع الأهل، وعَجْزه عن مُضاجعتها مع ضَربه وأذاهُ إيَّاها، وأنه إذا حدَّثتْه سبَّها، أو مازَحتْه شجَّها. (الثامنة) قال (ك): هي بنت أَوْس -بالواو، والمهملة- ابن عَبْد، ضِدُّ الحُرِّ. (مس أرنب) من إضافةِ المَصدر للمَفعول، أي: ناعِم الجسَد، ويحتمل أن تُريد حسَن الخُلُق، ولين الجانِب كمَسِّ ظهر الأرنب. (زَرْنب) هو نبتٌ طيِّب الرِّيح، وهو مُحتمِل لطِيْب رْيح جسَده، أو طِيْب الثَّناء في الناس. وفي المَسِّ والرِّيح ضميرٌ مجرورٌ محذوفٌ، أي: منه إذا لم

تقُل: إنَّ (أل) نائبةٌ عن الضَّمير. (التاسعة) قال (ك): لم يتحقَّق اسمها. (العماد) وصفَتْه بالشَّرف، وسَناء الذِّكر، والعِماد في الأصل هو العُود الذي تُعمَد به البُيوت، أي: بَيتُه في الحسَب رَفيعٌ في قَومه. وقيل: مُرادها أنَّ بَيته الذي يسكنُه رفيع العِماد؛ ليَراه الضِّيفانُ وأصحابُ الحوائج، فيقصدُوه، وكذا بُيوت الأَجْواد. (النجاد) بكسر النون: حَمائل السَّيف، أي: طويل القامة؛ فإنَّها إذا طالتْ طالَ نِجادُه، وهي مِن أحسَن الكِنايات. (الرماد) تصفُه بإطْعام الضَّيف؛ لأنه إذا كثُر ذلك منه كثُر رَماده، أو أنَّ نارَه لا تُطفَأُ ليلًا وتُوقَد ليَهتديَ الأضيافُ إليها. (الناد)؛ أي: المَوضع الذي يَجتمعُ فيه العرَب ليَشتَوِرُوا فيه، تُريد قُرب بيته من الأَحباب، وأنه لا يَبعُد عنهم ليَستخفيَ بين ظَهرانيَ الناس، وأيضًا فالضِّيفان يَقصدُون النَّادي، واللِّئامُ يَتَباعَدُون عنه فِرارًا من نُزول الضَّيف. (العاشرة) قال (ك): اسمها: كَبْشة -مثْل الخامِسة- بنْت الأرقَم، براءٍ، وقافٍ. (وما مالك) استفهامُ تعجُّبٍ وتعظيمٍ، فـ (ما) مبتدأٌ، و (مالك) خبَرٌ. (من ذلك) الإشارة إلى (مالك)، أي: خيرٌ من كل مالكٍ،

والتَّعميم يُستفاد من المَقام، أو هو نَحو: تَمرةٌ خيرٌ من جَرادةٍ، أي: كلُّ تمرةٍ خيرٌ من جرادةٍ، أو إشارةٌ إلى ما في ذِهن المُخاطَب، أي: مالكٌ خيرًا مما في ذِهنِك مِن مُلاك الأَموال، أو هو خيرٌ مما أقولُه، وهو أنَّ له إبِلًا كثيرةً يُبرِكُها مُعظَم أوقاته بفِناء داره، لا يُوجِّهها تَسْرَحُ إلا قليلًا قدْر الضَّرورة، حتى إذا نزَل به الضيفان كانت الإبِلُ حاضرةً، فيُقريهم من أَلبانها ولُحومها. (المسارح)؛ أي: المَراعي البَعيدة. (المِزْهر) بكسر الميم: عُود الغِناء، يعني: أنه كان يتلقى الأَضيافَ بالغِناء مُبالغةً في الفرَح، أو يأتيهم بالشَّراب والغِناء، فإذا سمعت الإبِلُ صَوت المِزْهَر علِمْنَ يقينًا أنه جاءه الضِّيفان، وأنهن مَنْحُوراتٌ هوالكُ. (الحادية عشرة) في بعضها: (عَشرٌ) بلا هاءٍ، وفي بعضها: (الحادِي عشْرة)، والأصحُّ الأول، هي أُم زَرْعٍ -بفتح الزاي، وإسكان الراء، وبالمهملة- بنت أَبي سَاعِدَة اليَمنيَّة. وهذا الحديث مشهورٌ بحديث أُم زَرْع. (فما أبو زَرْع) الاستِفهام للتعظيم، (ما) مبتدأٌ، وما بعدَه الخبَر، فيه، وفي ما سيأتي كما في: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: 1، 2]. (أناس) بنونٍ، وألفٍ، ومهملةٍ، أي: حرَّكَ، والنَّوس: الحرَكة. (حليّ) بضم الحاءِ وكسرها، وبهما قُرئ في السَّبْع.

(أُذنيّ) بضم الدال وإسكانها، وبهما قُرئ في السَّبْع أيضًا، أي: حَلَّاني قُرطَه، فأُذنايَ تَتحركان لكثْرتهما. (عضدي) بلفْظ التَّثنية، وهما إذا سَمِنا سَمِن البدَن كلُّه، فقصَدتْ سِمَنها، وامتِلاءَ سائر جسَدها، وآثرتْهما لسَجْع الكلام مع استِلزام البدَن كلِّه. (وبجحني) من التَّبجيح، بموحدةٍ، ثم جيمٍ، ثم مهملةٍ. (فبجحت) بكسر الجيم وفتحها لُغتان، ومعناه التَّفريح. (نفسي) فاعِل: بَجَحَ، والمَعنى: فرَّحَني ففَرِحتْ نفْسي، وقيل: عظَّمَني فعَظُمتُ. وأما فائدة قولها: (إليَّ) فتأْكيدٌ؛ لأنَّ فيه التَّجريد، وبَيان الانتِهاء، وقال (ش): ورُوي: فبَجَحْتَ، بفتح الجيم، والتاء، وسُكون الحاء، وإِلى ساكنةَ حرف جَر، ونفْسي مَجرورٌ بها، أي: عظُمت عند نفْسي. (غُنيمة) تصغيرُ: غَنَم، وأُنِّث لتأْنيث الجَماعة، أي: أنَّ أهلها كانوا أَصحاب غنَمٍ ليسوا ذَوي خَيلٍ ولا إبلٍ، والعرَب لا تعدُّ بأصحاب الغنَم؛ بل بأَصحاب الإبِل والخَيل. (بشق) المعروف في الرِّواية كسر الشّين، وعند أهل اللُّغة فتحها. قال أبو عُبيد: هو بالفتح، والمُحدِّثون يكسِرونَه، قال: وهو

موضعٌ، قال الهَرَوي: الصَّواب بالفتح، وقال ابن الأَنْباري: يجوز الوجهان، وهو مَوضعٌ. وقيل: هو شِقُّ جبَلٍ، أي: غنَمُهم قليلةٌ، وقال نِفْطَوَيْهِ: أي: بمشقَّةٍ وشظَفٍ من العَيْش، ورجَّحه (ع). (صهيل) هي أصواتُ الخَيل. (وأطيط) أصوات الإبِل. (ودائس) اسم فاعل مِن داسَ الطَّعام يَدوسُه دِياسةً، أي: دقَّه ليُخرِج الحَبَّ من السُّنْبُل. (وَمُنَق) بضم الميم، وفتح النُّون في المَشهور: الذي ينقُّ الطَّعام، أي: يُخرجُه من قِشْره، أي أنهم أَصحابُ زَرعٍ يَدوسُونه إذا ما حُصِد، ويُنقُّونه مما يُخالطه من تِبْنٍ ونحوه بالغِربال وغيره. وقال أبو عُبيدة: رواه أصحاب الحديث بكسر النُّون، ولا أَعرفُه. وقال غيرُه: إن صَحَّت الرِّواية فيكون من النَّقيق، وهو الصَّوت، تُريد أصوات المَواشي والأَنْعام، تصفُه بكثْرة أموالٍ. وقيل: بإسكان النون، أي: أَنْعام ذات نَقي، أي: سِمانٌ، والأول أَشبَهُ؛ لاقتِرانه بالدَّائِس، وهما يختصَّان بالطعام. (فلا أُقبح)؛ أي: لا يُقبَّح قولي فيُردَّ؛ بل أقولُ فيُقبَل مني. (فأتصبّح)؛ أي: أنام الصُّبْحة، وهو نوم أوَّل النهار، أي: أنَّها مَكفيَّة بمن يَخدمُها.

(فأتقنح) بقافٍ، ثم نونٍ، ثم مهملةٍ، أي: فأُروَى، وعن أبي زيد: أَشرَبُ فوق الرِّيِّ. قال البخاري في حاشِيَة الكِتاب: وقال بعضُهم: أَتقمَّحُ بالميم، وهو فيه مُتابعٌ لأبي عُبَيدة فإنَّه قال: لا أَعرفُ هذا، ولا أَراه محفوظًا إلا بالميم، ومعناه: أَروَى حتى أَدعَ الشَّرابَ من شِدَّة الرِّيِّ، من قوله تعالى: {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس: 8]، أي: لا يَستطيعون الشُّرب، وكانتْ في قومٍ عندهم قِلَّةُ الماءِ. وقال غيره: النُّون، والميم فَصيحتان، والنون والميم مُتعاقِبتان، كامتَقَع لَونُه، وانْتقَع لَونُه. (عُكُومها) جمع: عُكْم بمهملةٍ وكافٍ، هو العِدل والوِعاء الذي يُحمل فيه الطَّعام والمَتاع. (رَداح) بفتح الراء، وتخفيف المهملة الأُولى: العَظيم الثَّقيل، وصحَّ الخبَر به عن الجَمْع؛ لأنه مصدرٌ يُوصَف به المُفرد والجمْع، أو المراد أنَّ كل عكم رداحٌ، أو أن ذلك على طريق التَّشبيه نحو: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18]، أي: ذاتُ انفِطارٍ. (فَسَاح) بفتح الفاء، أي: واسعٌ كثيرٌ، والفَسِيح مثله. (كَمُسِلّ) بفتح الميم، والمهملة، وشدَّة اللام، بوَزْن مَحِلٍّ، مصدرٌ بمعنى: السُّلول، أو اسم مكانٍ. (شطبة) بفتح المعجمة، وسُكون المهملَة: السَّعْفَة مِن سَعَف

النَّخْل، وبالضم مُفرد الشَّطْب، وهي الطريق التي في مَتْن السَّيف، أرادتْ أنه ضَرْب الجِسْم، أي: مَوضعُ نَومه دَقيقٌ لنَحافته، وهو مما يُمدَح به الرجلُ. وقيل: أَرادتْ سَيفًا سُلَّ مِن غِمْد. (ذراع الجفرة) وصفَتْه بقِلَّة الأكل، وهو مما يُمدَح به الرجل، والجَفْرة الأُنثى من ولَد المَعْز، والذَّكَر جَفْرٌ ما بلَغ أربعةَ أشهُر. (طوع) وصفتْها ببِرِّ الوالدَين، أي: مُطيعةٌ منقادةٌ لأَمرهما. (وملء كسائها)؛ أي: ممتلئةُ الجِسْم سَمينةٌ. (جارتها)؛ أي: ضَرَّتها، أي: يَغيظُها ما تَرى من حُسنها وجَمالها وأدبِها. (تبث) بموحَّدةٍ بين مُثنَّاةٍ ومثلَّثةٍ، وفي بعضها بالنون، أي: لا تُشيع سِرًّا؛ بل تكتُمه كلَّه. (تنْقُث) بالنون، وضم القاف، والمثلَّثة، وقال (ش): بكسر القاف بعدها مثلَّثةٌ، أي: تُفسِد. قال أبو البَقاء: القِياس تُنقِّث بالتشديد؛ لأنَّ المَصدر جاء على التَّفعيل، فهو مثل تُكسِّر تكسيرًا. (مِيرتنا) بكسر الميم: الطَّعام المَجلُوب من دقيقِ ونحوه، أي: لا تُفسدُها، ولا تُفرِّقُها، ولا تُسرع بالسَّير إليها، وغرَضها وصْف أمانتِها.

(تنقيثًا) مصدرٌ من غير فِعله، عكْسُ قوله تعالى: {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آل عمران: 37]. (تعشيشًا) بالمهملة، وإعجام الشِّين، أي: لا تَترُك الكُناسَة والقُمامة مُفرَّقةً في البيت كعُشِّ الطَّائر. ورُوي بإعجام العَين مِن الغِشِّ في الطَّعام، وقيل: من النَّميمة، أي: لا تتحدَّث بها. وقال (خ): التَّعشيش مِن قولهم: عَشَّش الخُبْز: إذا تَكرَّج وفسَد، أي: أنَّها تُحسن مُراعاةَ الطَّعام، وتتعهَّده بأَنْ تطعم أولًا فأولًا، ولا تَغفُل عن أَمره، فيكرَّج فيَفسُد في البَيت. وقيل: لا تَخوننُا في طَعامنا فتَخبَأَ منه هاهنا وهاهنا كالطُّيور إذا عشَّشتْ في مَواضع شَتَّى. وقيل: لا تَتبع أخبار الناس فتَأْتينا بها. (والأوطاب) أَزْقاق اللَّبَن، واحدها: وَطَبٌ، والأَوْطاب مِن نادر جَمعها، والمَشهور: وِطَابٌ في الكَثْرة، وأَوْطُب في القِلَّة. (تمخض)؛ أي: تُحرَّك حتى يَخرُج زُبدُها، ويبقَى المَخيض. (خصرهما) بفتح الخاء: وسَط الإنسان. (برمانتين) قيل: أَرادتْ ثَديَيها. وقال أبو عبيد: إنما معناه: أنَّها ذات كفَلٍ عظيمٍ، فإذا استَلقَتْ على قَفاها نبَأَ الكَفَل بها من الأرض حتى يَصير تحتَ خَصْرها فَجوةٌ

يَجري فيها الرُّمَّان. وقيل: إنها كانت ذَات كفَلَين عَظيمين، وثَدياها صغيران. (سريًّا) بالمهملة، وخفة الرَّاء: السيّد الشَّريف، والشَّريُّ، بالمُعجمَة، وتخفيف الرَّاء: الفَرَس الذي يَستَشري في سَيره، أي: يَلِجُ ويَمضي بلا فُتورٍ وانكسار. (خَطيًّا) بفتح المعجمة، وكسر المهملة المشدَّدة، أي: رُمْحًا، نِسبَتُه إلى مَوضع يُقال له: الخَطُّ بناحية البَحرين على ساحِلٍ عند عُمَان، وفيها تثقف الرِّماح في غايَة الجُودة. (وأراح) مِن الإراحة، وهي السَّوق إلى مَوضع المَبيت، أي: أتَى بعْدَ الزَّوال. (ثريًّا)؛ أي: إبلًا كثيرةً، وحقُّه أن تقول: ثَريَّةً، ولكنْ وَجْهه أنَّ كلَّ ما ليس بحقيقيٍّ التَّأنيث لكَ فيه وَجْهان في إظْهار علامة تأنيثه وتَركِها. (كل رائحة)؛ أي: ما يَروح من النَّعَم، والعَبيد، والإِماء. (زوجًا)؛ أي: اثنين، ويحتمل أنَّها أرادتْ صِنْفًا. (كُلِي أُم زَرْع) منصوبٌ على النِّداء، أي: يا أُمَّ زَرْعٍ. (ومِيري أهلك)؛ أي: أَعطِي أَهلَكِ، وصِلِيْهم مِن المِيْرة. (أصغر)؛ أي: أقلَّ الظُّروف المُستعملة في البَيت، يعني: كلُّ عَطائه لا يُساوي بعضَ عطائه الأَصغر، وكثيرهُ لا يُوازِن قليلَه الأَحقَر.

(كنت لك) قالَه - صلى الله عليه وسلم - تَطييبًا لنَفْسها، وإيضاحًا لحُسن عِشْرته إيَّاها. ولفظة: (كان) زائدةٌ؛ [أي:] أَنا لكِ، كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]، ويُمكن أن يكون على ظاهِره، أي: كُنت لكِ في عِلْم الله، أَرادَ به الدَّوامَ تَطييبًا لقَلْبها؛ إذْ لم يكُن في أحواله ما يُكرَه سِوى الطَّلاق، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يُطلِّق. قال (ع): وقد ورَد في رواية أَبي مُعاوية الضَّرير ما دلَّ على أنَّ الطَّلاق لم يكُن مِن قِبَلِ أبي زَرْعٍ، واختيارِه، قال: فإنَّه لم تَزَل به أُم زَرْعٍ حتى طلَقَها. ورُوي أنَّ عائشة - رضي الله عنها - قالت: بأَبي أنتَ وأُمِّي؛ بل أنتَ خيرٌ في مِن أبي زَرْعٍ، فأخبَرتْ بأنه - صلى الله عليه وسلم - أفضَل، وأنَّها أحبُّ له. وفيه أنَّ المُشبَّه بالشيء لا يَلزَم أن يكون مثلَه في كل شيءٍ، وأنَّ كِنايات الطَّلاق لا يقَع بها الطَّلاق إلا بالنِّيَّة؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: (كُنتُ لكَ كأَبي زَرْعٍ)، ومِن أَفْعاله أنه طلَّق امرأَتَه، ولم يقَع عليه - صلى الله عليه وسلم - طلاقٌ بالتَّشبيه؛ لكَونه لم ينوِ الطَّلاقَ، وفي بعض الروايات: (غَيْرَ أنِّي لا أُطلِّقُكِ)، وفيه جَواز الإخْبار عن الأُمَم السَّالفة، وقال بعضهم: وما ذَكَرْنَ عن أَزواجهنَّ مما يُكره لم يكُن ذلك غِيْبةً؛ لكَونهم لا يُعرَفُون بأعيانِهم وأَسمائِهم.

* فائدة: قال بعض العَصْريِّين: سَمَّى الزُّبَير بن بكَّار في روايته، عن محمد بن الضَّحَّاك، عن الدَّرَاوَرْدِي، عن هِشَام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشةَ منهنَّ: عَمْرةَ بنت عَمْرو، وحُبَّى بنت كَعْب، ومَهْدَد بنت أَبي هرومة، وكَبْشة، وهِنْد، وحُبَّى بنت عَلْقمة، وكَبْشة بنت الأَرْقَم، وبنت أَوْس بن عَبْد، وأُمَّ زَرْع، وأَغفَلَ ثنتَين منهنَّ، رواه الخطيب في "المُبهمات"، وقال: غريبٌ جِدًّا. وحكى ابن دُريد أنَّ اسم أُم زَرْع: عاتِكَة. ولم يُسمَّ أبو زَرْع ولا بنتُه، ولا ابنُه، ولا جاريتُه، ولا المرأةُ التي تزوَّجها، ولا الوَلَدان، ولا الرجُل الذي تَزوجتْه أُمُّ زَرْعٍ بعد أبي زَرْعٍ. (سعيد بن سلمة) وصلَه مسلم، ولم يَسُق لفْظَه، وساقَه أبو عَوَانة في "صحيحه"، وأبو نُعيم في "المُستخرج على مسلم". قال الغَسَّاني: صوابه في هذه المُتابَعة كما هو في بعض النُّسَخ: (قال أَبو سلَمة، عن سعيد بن سلَمة، عن هِشَام: ولا تُعشِّش)، وأبو سلَمة هو موسى بن إِسْماعيل التَّبُوذَكي، وابن سلَمة هو أبو الحُسَام المَخْزومي، وهكذا هو في "مسلم". (وقال بعضهم: فأتقمح بالميم، وهذا أصح) هي رواية أحمد بن حَبَاب، عن يونسُ بن عيسى عند أبي يَعلَى المَوصِلِي، ومِن طريقه أبي نُعيم في "المُستخرَج على مسلم". * * *

5190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَنْظُرُ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ تَسْمَعُ اللَّهْوَ. الثاني: (الحبش) جيلٌ محروفٌ من السُّودان. (بحرابهم) جمع: حَرْبة. (فاقْدُروا) بضم الدال وكسرها، لُغتان، أي: قَدِّرُوا رغبتَها في ذلك إلى أنْ تَنتَهي، يُقال: قدَّرتُ الأمر: إذا نظَرتَ فيه، وتدَّبرتَه، وقِسْتَه. (قَدْر الجارية) بإسكان الدال وفتحها؛ حكاه السَّفَاقُسي، ومعناه: أن الجارية تُطيل المُقام؛ لأنَّها مشتهيةٌ للنظَر. (الحديثة السن)؛ أي: الشابَّة، فإنها تُحبُّ اللَّهو والتفرُّج، والنَّظَر إلى اللَّعِب حُبًّا بَليغًا ما أَمكنَها، ولا تَمَلُّ من ذلك إلا بعدَ زمانٍ طويلٍ. ومرَّ الحديث في (باب: صلاة العيد). وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - مِن الرَّأْفة والرَّحمة، وحُسن الخُلُق، والمُعاشَرة - صلى الله عليه وسلم -. * * *

83 - باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها

83 - بابُ مَوْعِظَةِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زوجِهَا (باب مَوعِظَة الرَّجُل ابنتَه لِحالِ زَوجِها) 5191 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْاَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأتيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللَّتَيْنِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِداوَةٍ، فتبَرَّزَ، ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فتوَضَّأَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأتانِ مِنْ أَزْوَاج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللَّتَانِ قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ قَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ قَالَ: كنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زيدٍ، وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نزلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكنَّا مَعْشَرَ قُرَيْش نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي، فَأنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، قَالَتْ: وَلمَ تُنْكِرُ أَنْ

أُرَاجِعَكَ، فَوَاللهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيُرَاجِعْنَهُ، وَاِنَّ إِحْدَاهُنَّ لتهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ حَفْصَةُ! أتغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: نعَمْ. فَقُلْتُ: قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ، أَفتَأمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ لِغَضَبِ رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - فتَهْلِكِي، لَا تَسْتكثِرِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْء، وَلَا تَهْجُرِيهِ، وَسَلِيني مَا بَدَا لَكِ، وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ، وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - -يُرِيدُ عَائِشَةَ-. قَالَ عُمَرُ: وَكنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا: أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نوبَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً، فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ: أثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْتُ: مَا هُوَ، أَجَاءَ غَسَّانُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ، طَلَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ. فَقُلْتُ: خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشكُ أَنْ يَكُونَ، فَجَمَعْتُ عَلَيّ ثِيَابِي فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَشْرُبَةً لَهُ، فَاعْتَزَلَ فِيهَا، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ ألمْ كُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا؟ أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: لَا أَدْرِي، هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ. فَخَرَجْتُ فَجئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ

لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ الْغُلاَمُ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: كَلَّمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَذَكَرْتُكَ لَهُ، فَصَمَتَ. فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلاَمِ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ، فَصَمَتَ. فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّدِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجئْتُ الْغُلاَمَ فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ، فَصَمَتَ. فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا، قَالَ: إِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُوني، فَقَالَ: قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ، فَقَالَ: "لَا". فَقُلْتُ: اللهُ أكبَرُ. ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ رَأَيْتَنِي، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فتبَسَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارتكِ أَوْضَأ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - -يُرِيدُ عَائِشَةَ- فتبَسَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَبَسُّمَةً أخرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ، فَوَاللهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاَثَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أمُّتِكَ، فإِنَّ فَارِسًا وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ

عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللهَ. فَجَلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَكانَ مُتَّكِئًا. فَقَالَ: "أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! اسْتَغْفِرْ لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ قَالَ: "مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا" مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ الله، فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّمَا أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًا، فَقَالَ: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ"، فَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ التَّخَيُّرِ، فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَاخْتَرْتُهُ، ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. (وعدلت)؛ أي: عن الطَّريق مُستصحبًا المُطهرة. (فتبرز)؛ أي: ذهب للبراز لقضاء الحاجة. (مَعْشَرَ) نصب على الاختصاص. (فَصَخِبْتُ) بكسر الخاء المعجمة، مِن الصَّخَب، وهو الصِّياح، وفي بعضها: (صِحْتُ) مِن الصِّياح. (جمعت)؛ أي: تَهيَّأتُ مُشمِّرًا عن ساقي الجِدِّ. (بَدَا لكِ)؛ أي: ظَهَر، وسَنَح لكِ من الحاجات.

(جارتك)؛ أي: ضَرَّتك. (أوَفي) استفهامٌ إنكاريٌّ، والواو للعطف، أي: أنْت في مَقام استِعظام التَّجمُّلات الدُّنيوية واستِعجالِها. (ذلك الحديث) إشارةٌ إلى ما رُوي أنَّه - صلى الله عليه وسلم - خَلا بماريَّة في يوم عائشة، وعَلِمتْ به حَفْصة، فأَفشَتْه إلى عائشةَ. (موجدته) بفتح الميم، وكسر الجيم، أي: حُزْنه، عاتبَه سبحانه بقوله: {لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم: 1]، وذلك أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لحَفْصة: (لا أَعُودُ، فاكتُمي عليَّ، فإِنِّي حرَّمتُها على نَفْسِي). (آية التخيير) هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} الآية [الأحزاب: 28]. وسبق الحديث في (كتاب المظالم)، في (باب: الغرفة). وفيه جواز احتِجاب الإمام في بعض الأَوقات؛ لحاجتِهم إليه، وأنَّ الحاجِب إذا عَلِم منْع الإذن بسُكوت المَحجُوب لَم يَأْذَن، ووُجوب الاستِئذان، وتَكرارُه، وتأْديب الرجل ولَدَه، والتَّقليل من الدُّنيا، والزَّهادة فيها، والحِرْص على طلَب العِلْم، وقَبول خبَر الواحِد، وأَخْذ العِلْم عن المَفضُول، وأنَّ الإنسان إذا رأَى صاحبَه مَغمومًا يُزيل غمَّه، وتَوقيرُ الكِبار، وخدمتُهم، والخِطَاب بالألْفاظ الجَميلة حيث قال: (جارتكِ)، ولم يقُل: ضَرَّتُكِ، وقرعُ الباب للاستِئذان، ونظَر الإنْسان إلى نَواحي بيت صاحبهِ إذا عَلِم عدَم

84 - باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا

كراهيته، وهِجْرانُ الزَّوج عن زوجته. * * * 84 - بابُ صوم الْمَرْأَةِ بإِذْنِ زوجِهَا تَطَوعًا (باب صوم المرأَة بإذْن زوجها تَطوُّعًا) 5192 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَصُومُ الْمَرْأةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ". (لا تصوم المرأة) قال السَّفَاقُسي: صوابه بحذْف الواو؛ لأنَّه نهيٌ. وقال (ش): يُمكن أن يجوز الرفْع، ويكونُ خبَرًا بمعنى النَّهي. (شاهد)؛ أي: مُقيمٌ في البلَد؛ إذْ لو كان مُسافِرًا فلها الصَّوم؛ لأنه لا يتأتَّى منه الاستِمتاعُ بها، وهذا في صوم النَّفْل، وقَضاء الواجِب المُوسَّع. وقال أصحابُنا: إنَّ النَّهي للتَّحريم. * * *

85 - باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها

85 - باب إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرةً فِرَاش زوجِهَا (باب: إذا باتَتِ المَرأة مُهاجرةً فِراشَ زَوجِها) 5193 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبة، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأتهُ إِلَى فِرَاشهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَجيءَ لَعَنتهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبحَ". 5194 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنتهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ". معنى الحديثين فيه ظاهرٌ. * * * 86 - بابُ لَا تَأْذَنُ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زوجِهَا لأَحَدٍ إلا بِإِذْنهِ (باب: لا تأْذَن المَرأةُ في بَيت زَوْجِها) 5195 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ،

عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تأذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُه". وَرَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ أَيْضًا، عَنْ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّوْمِ. (شطره) هو النِّصف، وذلك في طَعام البَيت الذي للنَّفَقة، فإنَّ النصف غالبًا يأكلُه الزَّوج، والنِّصف الزَّوجة، فإذا أنفَقت الكُلَّ، فتَغرَم النِّصفَ للزَّوج. وقال (خ): الصَّوم هو التَّطوُّع دُون رمَضان، وأما قَضاء الفائِت، فإنَّها تستأذنُه فيه ما بين شوَّال إلى شَعبان؛ لأنه حينئذٍ يَصير مُضيَّقًا، وهذا على أنَّ حقَّ الزَّوج مَحصُور الوَقْت، فإذا اجتمَع مع سائر الحقوق التي تدخلُها المُهلة كالحجِّ قُدِّم عليها. وأما الإنْفاق، فكلَّما أنفَقَت على نفسها من ماله بغَير إذْنه فوقَ ما يجب من القُوت بالمَعروف غَرِمَت شَطْرَه، أي: قدْر الزِّيادة على الواجب لها، قال: وأما ما رَوى البخاريُّ، أي: حديث: (فلَهُ نِصْفُ أَجْرِه) فهو إنما يُتأَوَّل على أنْ تكون المرأةُ قد خلطَت الصَّدقة من مالِه بالنَّفَقة المُستحَقَّة لها حتى كانتا شطرَين. (ورواه أبو الزِّناد) وصلَه أحمد، والنَّسائي. (موسى) قال (ك): لم يتحقَّق لي نسَبه، وقيل: هو ابن أبي

87 - باب

عُثمان التَّبَّان، بفتح المثنَّاة، وتشديد الموحَّدة، وآخره نونٌ، أي: وتابعَه في الصَّوم فقط، أي: لم يَروِ الإِذْن، والإنْفاقَ. * * * 87 - بابٌ (باب) 5196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ". (الجد) بفتح الجيم: الحظُّ والمال. (محبوسون)؛ أي: على باب الجنة، أو على الأعراف. * * * 88 - بابُ كُفْرَانِ الْعَشِير، وَهْوَ الزَّوج، وَهْوَ الْخَلِيطُ مِنَ الْمُعَاشَرة فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

(باب كُفْران) هو ضِدُّ الشُّكر، (العشير) بمعنى المُعاشرة، أي: المُخالِط. (فيه عن أبي سعيد) موصولٌ في (العيدين). * * * 5197 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ (سُورَةِ الْبَقَرَةِ)، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا الله". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! رَأَيْنَاكَ تناوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، فَقَالَ: "إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فتنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ"، قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "بِكُفْرِهِنَّ"،

89 - باب لزوجك عليك حق

قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ". 5198 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَم، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "طَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أكثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ، فَرَأَيْتُ أكثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ". تَابَعَهُ أَيُّوبُ، وَسَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ. الحديث الأول، والثاني: (تكعكعت) بالمهملتين، أي: تأخَّرتُ. وسبَق شرح الحديث مرارًا. وفيه فضْل الفَقْر، وأن الجنَّة مخلوقةٌ. (تابعة أيوب) وصلَه النَّسائي، والإِسْماعِيْلي. (وسلم) موصولٌ في (صفة الجنَّة). * * * 89 - بابٌ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ قَالَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

90 - باب المرأة راعية في بيت زوجها

(باب: لزَوْجِكَ عليكَ حَقٌّ) قوله: (قاله أبو جحيفة) موصولٌ في (الصيام). * * * 5199 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كثِيرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ اللهِ! ألمْ أخبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ"، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ، صُم وَأَفْطِرْ، وَقُم وَنَم، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا". تقدَّم شرحُه. * * * 90 - بابٌ الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زوجِهَا (باب: المَرأةُ راعيةٌ في بَيت زَوجِها) 5200 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكلُّكُمْ

91 - باب قول الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} إلى قوله: {إن الله كان عليا كبيرا}

مَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأةُ رَاعِيةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَده، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكلُّكُمْ مَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". سبق الحديث فيه في (الجمُعة)، في (باب: الجمُعة في القُرى). * * * 91 - بابُ قولِ الله تعالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} إِلَى قوِلِه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (باب قَول الله - عزَّ وجلَّ -: {قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]) 5201 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: آلَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَقَعَدَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ آلَيْتَ عَلَى شَهْرٍ، قَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". (آلى)؛ أي: حلَف لا الإِيْلاء الفِقْهي؛ لأنَّ ذلك حَرام، وذلك قَرينةُ صَرْفه من المَعنى الشَّرعي إلى اللُّغَوي، وكذا قوله: (شَهْرًا)؛ لأنَّ ذاك أَربعة أَشهُر. (مشربة) بضم الراء وفتحها: الغُرفة.

92 - باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه في غير بيوتهن ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه: "غير أن لا تهجر إلا في البيت"، والأول أصح

(الشهر) اللام فيه للعهد، أي: الشَّهر الذي كانَ فيه. * * * 92 - بابُ هِجْرةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوَيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رَفْعُهُ: "غَيْرَ أَنْ لاَ تهجَرَ إلا فِي الْبَيْتِ"، وَالأَوَّلُ أَصحُّ (باب هِجْرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نِساءَه) قوله: (ويذكر عن معاوية بن حيدة) كذا علَّقه بصيغة التَّمريض، ووصلَه أبو داود، والنَّسائي، وأبو ذَرٍّ الهَرَوي في "المُستدرك"، والمراد بالمَذكور أنْ لا تهجر إلا في البَيت. (رفعه) فعلٌ، وفاعلهُ مُستَترٌ، والهاء مفعولٌ، والجُملة حاليَّةٌ، أي: حالَ كونه مرفوعًا إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (والأول)؛ أي: الهِجْرة في غير البُيوت. (أصح) إسنادًا مِن الهِجْرة فيها. وفي بعضها: (غَيْرَ أَنْ لا تَهجُرْ إلا في البَيْت)، فحينئذٍ فاعل (يَذكُر) هَجر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نساءَه، أي: يذكُر قصَّة الهجْر عنه مرفوعًا إلا أنه قال: (لا نَهجُرُ إلا في البَيتِ).

5202 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرني يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِي: أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِنَّ أَوْ رَاحَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا نبَيَّ اللهِ! حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا؟ قَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا". 5203 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ، قَالَ: تَذَاكَرْناَ عِنْدَ أَبِي الضُّحَى، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْكِينَ، عِنْدَ كلِّ امْرَأَةٍ مِهُنَّ أَهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجدِ، فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ، فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ، فَنَاداهُ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: "لَا، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا"، فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ. الحديث الأول، الثاني: تقدَّم شرحهما. * * *

93 - باب ما يكره من ضرب النساء، وقول: (واضربوهن ضربا غير مبرح)

93 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ، وَقَوِلِ: (وَاضْرِبُوهُنَّ ضربًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) (باب ما يُكرَه من ضَرْب النِّساءِ) قوله: (مبرح) بكسر الراء المشدَّدة، أي: شَديد الأَذَى. 5204 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأتهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ". (لا يجلد) بالجزم. (ثم يجامعها) للاستِبعاد، أي: يُستَبعد من العاقل الجمْع بين هذا الإِفْراط، وهذا التَّفريط من الضَّرْب المُبرِّح، والمُضاجَعة. فإن قيل: ما المفهوم منه أنه لا يَضرب أَصلًا، وإذا ضَربَها لا يُجامعها؟ قيل: المُجامَعة من تَوابعه، وضَروراته عُرفًا، وعادةً، فالمُنتفي هو الأول، وكأنه قال: إذْ لا بُدَّ من مُجامعتها، فلا يُفرط في الضَّرب. وأشار البخاري بالضَّرب غير المُبرِّح إلى وَجْه التَّلفيق بين الآية والحديث. وفيه جَواز ضَرْب العَبيد للتأْديب ونحوه. * * *

94 - باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية

94 - بابٌ لَا تُطِيعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَعْصِيَةٍ (باب: لا تُطِع المَرأةُ زَوجَها في معصيةٍ) 5205 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِبرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنتَهَا فتمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرني أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا، فَقَالَ: "لَا، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلاَتُ". (فتمعط) بتشديد المُهملة الأُولى، أي: تَساقَط وتَمزَّق. (الموصِّلات) بفتح المهملة الشديدة وكسرها. * * * 95 - بابٌ {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} (باب: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء: 128]) 5206 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}، قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لَا يَسْتكْثِرُ مِنْهَا فَيُرِيدُ

96 - باب العزل

طَلاَقَهَا، وَيتزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. (لا يستكثر منها)؛ أي: لا يُكثر من مُضاجَعتِها، ومُحادثتها، والاختِلاط بها، ولا تُعجبُه. (فأنت في حل)؛ أي: أحلَلت عليك النَّفَقة، والقِسْمة، فلا تُنفِق، ولا تَقسِم لي. * * * 96 - بابُ الْعَزْلِ (باب العَزْل) هو نَزْع الذَّكَر من الفَرْج وقْت الإنزال. 5207 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: فدلَّ على الجَواز، وإلا لنَزَل الوحيُ بالنَّهي عنه. * * *

5208 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَني عَطَاءٌ، سَمعَ جَابِرًا - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. 5209 - وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. 5210 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا سَبْيًا فَكُنَّا نَعْزِلُ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَوَ إِنَّكمْ لتفْعَلُونَ -قَالَهَا ثَلاَثًا- مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنةٌ". الثاني، والثالث: بمعناه. (سبيًا)؛ أي: جَواريَ أَخذناها من الكفَّار أَسْرًا، وذلك في غَزْوة بني المُصْطَلِق. سبَق في (كتاب العتق). (نسمة) بفتَحاتٍ: النَّفْس، أي: ما مِن نفْسٍ قدَّرَ كونَها إلا وهي تكونُ، سَواءٌ عزَلتُم أم لا، أي ما قُدِّر وُجودُه لا يدفَعُه العَزْل. وسبق في آخر (البيع). * * *

97 - باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرا

97 - بابُ الْقُرْعَةَ بَينَ النِّسَاء إِذَا أَرَادَ سَفَرًا (باب القُرعَة بين النِّساء إذا أَرادَ سفَرًا) 5211 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يتحَدَّثُ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: أَلاَ تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ تنظُرِينَ وَأَنْظُرُ، فَقَالَتْ: بَلَى فَرَكبَتْ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نزَلُوا وافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَلَمَّا نزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإذْخِرِ، وَتَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أقولَ لَهُ شَيْئًا. (وعليه) في بعضها: (وعلَيها)، فيُؤوَّل الجمَل بمؤنَّثٍ، أي: راحلةٌ، أو نحو ذلك. * * *

98 - باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، وكيف يقسم ذلك

98 - بابُ الْمَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا مِنْ زوجِهَا لِضرَّتِهَا، وَكَيْفَ يُقْسِمُ ذَلِكَ (باب المَرأَة تَهَب يَومَها) 5212 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ سَوْدةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَومِهَا ويومِ سَودَةَ. الحديث فيه ظاهرٌ. * * * 99 - بابُ العدل بين النساء: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاسِعًا حَكِيمًا} * * * 100 - بابٌ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ (باب العَدْل بين النِّساء) و (باب: إذا تَزوَّج البِكْرَ على الثَّيِّب)

101 - باب إذا تزوج الثيب على البكر

5213 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أقولَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَكِنْ قَالَ: السُّنَّةُ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أقامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أقامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا. (السنة) إلى آخره، يُعرَف شرحُه من الباب الآتي بعدَه. * * * 101 - بابٌ إِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ (باب: إِذا تَزوَّج الثَّيِّبَ على البِكْر) 5214 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، وَخَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنس قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أقامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وإذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، وَخَالِدٍ. قَالَ خَالِدٌ: وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (من السنة) ظاهره أنَّه خبَرٌ، وما بعده في تأويل المُبتدأ، أي:

102 - باب من طاف على نسائه في غسل واحد

مِن السنَّة إقامةُ الرجل. قال (ن): هذا اللَّفظ يقتضي رفعَه إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قال الصَّحابيُّ: السُّنَّة كذا، أو مِن السنَّة كذا، فهو في الحُكم كقوله: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كذا. (ولو شئت لقلت) معناه: أنَّ هذا اللَّفظ -وهو: من السنَّة- صريحٌ في الرفْع، فلو شئتُ أنْ أَقول: يرفعُه بناء على الرِّواية بالمعنى لقُلتُ، ولو قلتُ لكنتُ صادقًا. وقال (خ): السَّبعْ تخصيصٌ للبِكر لا يُحتَسب بها عليها، وكذا الثَّلاث للثَّيِّب، ويَستأْنف القِسمةَ بعده، وهذا من المَعروف الذي أمَرَ الله تعالى به في معاشرتهنَّ، وذلك لأنَّ البِكر لمَا فيها من الحَياء، ولُزوم الخِدْر تَحتاجُ إلى فَضْل إِمهالٍ وصَبرٍ وتأن ورِفْقٍ، والثَّيِّب قد جَرَّبت الرِّجالَ إلا أنَّها من حيث استَجدَّت الصُّحبة أكُرمت بزيادة الوُصلةِ، وهي هذه الثَّلاث. (وقال عبد الرزاق) وصلَه مسلم. * * * 102 - بابٌ مَنْ طَاف عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ (باب مَن طَافَ على نِسائِه) 5215 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ،

حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. اختُلف في وُجوب القَسْمِ عليه - صلى الله عليه وسلم -. قال (خ): يُشبِه أنْ يكون هذا قبْل أَنْ تُسَنَّ القِسمةُ لهنَّ، فإنْ كان ذلك بعدَه، فلا شيءَ من العَدْل أكثَر من الطَّواف على الكُلِّ، والتَّسويةِ بينهنَّ في ذلك. قال: وقد سألوا عن إباحة الزِّيادة له على أربعِ زَوجاتٍ، وهذا بابٌ له وقْعٌ في القُلوب، وللشَّيطان مَجالٌ في الوَسواسِ به إلا عنْد مَن أيَّدَه الله تعالى. قال: وأوّلُ ما ينبغي أن يُعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان بَشَرًا مَخلوقًا على طِبَاع بَنِي آدَم في باب الأكَل، والشُّرب، والنَّوم، والنَّكاح، وسائر مآرِب الإنْسان التي لا بَقاءَ له إلا بها، ولا صلاحَ لبدَنه إلا بأَخْذ الحَظِّ منها، والناسُ مُختلفون في تركيب طبائعهم، وقُواهُم، ومعلومٌ بحُكْم المُشاهدة، وعِلْم الطِّبِّ أَنَّ من صَحَّتْ خِلْقته، وقَويَتْ بِنْيتُه، واعتدَل مِزاجُ بدَنه؛ كَمُلَتْ أوصافُه، وكان دَواعي هذا الباب له أَغلَب، ونِزاعُ الطَّبعْ منه إليه أكثَر، وقد كانتْ العرَب خُصوصًا تَتباهى بقُوة النِّكاح، وكثْرة الوِلادة كما كانوا يَمدحُون بقِلَّة الطَّعام، والاجتِزاء بالعُلْقَة؛ فتأمّل كيف اختار الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الأَمرَين حتى كان يَطوي الأيامَ لا يَأْكُل، ويُواصل في الصَّوم حتى كان يَشدُّ الحجَر على بطْنه، حتى

يَزداد مِن أَجلها جلالةً، وفي عُيونهم قَدْرًا ومَخافةً. قال: هذا على ما بعثَه اللهُ به من الشَّريعة الحَنِيْفيَّة الهادِمة لمَا كان عليه رَهابين النَّصارى من الانقِطاع عن النِّكاح، فدَعا إلى المُناكَحة، وقال: "تَناكَحُوا تَكثُروا"، وكان - صلى الله عليه وسلم - أَولاهُم بإتْيان ما دَعا إليه، واستِيفاء الحَظِّ منه؛ ليَكون داعيةً إلى الاقتِداء به. وأما إباحةُ الزِّيادة على الأَربَع فأمرٌ لا يُنكَر في الدِّين، وقد كان لسُليمان -عليه الصلاة والسلام- مائةُ امرأةٍ، ولا في العَقْل؛ لأنَّ حِكمة الاحتِذاء به حَذْو الحاجَة، والمَصلحة من غير تحديدٍ بشيءٍ معلومٍ، وإنما قُصِر الأُمةُ على أَربَعٍ من الحَرائر؛ لخَوف أنْ لا يَعدِلُوا فيهنَّ، والعَجْز عن القِيام بحقوقهنَّ، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية [النساء: 3]، وكانتْ هذه العِلَّة معدومةً في حقِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومما يُبين لك أنَّه لا عِبْرةَ بالعدَد أن النِّساء مِن مِلْك اليمين قد أُبِحْنَ للأُمَّةِ بلا عدَدٍ محدَّدٍ، وذلك أنَّه ليس لهنَّ حقٌّ في التَّسوية، والتعديل على ساداتِهنَّ. ثم من المعلوم من شأْنه - صلى الله عليه وسلم - في قِلَّة ذات اليد أنَّه لم يكُن بحيث يتيسَّر له الاستِكثارُ من عدَد الإماء، فيَستغنيَ بنكاحهنَّ على الزَّيادة على الأَربع مِن الحَرائر، ومعقولٌ أنَّ لهنَّ من الفَضْل في الدِّين والعَقْل، وآداب العِشْرة، وصَراحة النَّسَب ما ليس للإماء، فكان أفضَل الأمرَين أمْلَكُها له، وأَولاها به زيادةُ حظِّه في النِّساء الحَرائر، انتهى. * * *

103 - باب دخول الرجل على نسائه في اليوم

103 - بابُ دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ فِي الْيَوْمِ (باب دُخول الرَّجُل على نِسائهِ في اليَوم) 5216 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَاحْتبسَ أكثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ. الحديث فيه ظاهر المعنى. * * * 104 - بابٌ إِذَا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ بَعْضِهِنَّ فَأَذِنَّ لَهُ (باب: إذا استَأذَن الرَّجُلُ أَزواجَه أَنْ يُمرَّض في بيت بعضهنَّ) 5217 - حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْألُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ " يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ

105 - باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض

فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللهُ، وإنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي. (أين أنا غدًا؟) هذا الاستفهام للاستِئذان منهنَّ أنْ يكون عند عائشة رضي الله عنها، قاله (ك)، وقد يُحتجُّ بهذا على وُجوب القَسْم عليه؛ إذ لو لم يَجِبْ لم يَحتَجْ للإذْن. قلتُ: يَجوز أن يكونَ لتَطييبِ خَواطرهنَّ بتَرْك عادتهِ في القَسْم وإنْ لم يكُن واجبًا عليه. (في اليوم)؛ أي: في يَوم نَوبَتي حين كان يَدُور، أي: في ذلك الحِسَاب. (سَحْرِي ونَحْرِي) قال الجَوْهَري: السَّحْر: الرِّئَة، والنَّحْر: مَوضع القِلادة. (ريقي)؛ أي: لمَّا أَخذَت السِّواكَ وسَوَّتْه بأسنانِها، وأعطَتْه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستَاكَ به عند وفاته. * * * 105 - بابُ حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ (باب حُبِّ الرَّجل بعضَ نِسائه أفْضَلَ مِن بعض) 5218 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ

106 - باب المتشبع بها لم ينل، وما ينهى من افتخار الضرة

يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنهم -: دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةِ! لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا، حُبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا، يُرِيدُ عَائِشَةَ، فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتبَسَّمَ. (حسنها وحب) في بعضها بلا واوٍ، فيكون بدَلًا، أو عَطْفَ بَيانٍ، أو بتقديرِ حرْف العَطْف عند مَن جوَّز ذلك. * * * 106 - بابُ الْمُتَشَبِّعِ بِهَا لَمْ يَنَلْ، وَمَا يُنْهَى مِنِ افْتِخارِ الضَّرَّةِ (بَابُ المُتَشَبِّع بِمَا لَمْ يَنَلْ) مِن النَّيْل، وهو الوُجدان والوُصول. 5219 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ: حَدَّثتنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِيني؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".

(فاطمة)؛ أي: بنتِ المُنذِر بن الزُّبَير بن العَوَّام، زَوجة هِشَام، سَمعتْ جدَّتَها أسماءَ بنت الصِّدِّيق. (المتشبع) قال (ن): قالوا: المُتكثِّر بما ليس عندَه مذمومٌ كمَن لَبِسَ ثَوبَي زُورٍ. وقال أبو عُبَيدة: هو الذي يَلبَس ثيابَ أهل الزُّهد وقَصْدُه أن يُظهر للنَّاس أنَّه مُتصفٌ به، وليس كذلك، فهذه ثيابُ زُورٍ ورياءٍ. وقيل: هو كمَن لَبِسَ ثوبَين لغَيره وأَوهم أنَّهما له. وقيل: هو مَن يَلبَس قَميصًا واحدًا، ويَصِلُ بكُمَّيه كُمَّين آخرَين، فيظهَر أنَّ عليه قَميصَين. قال (خ): يُتأوَّل بوجهَين: أحدهما: أنَّ الثَّوب مَثَل [ومعناه أن] المُتشبعِّ بِما لم يُعطَ صاحب زورٍ وكذبٍ، كما يُقال للرجل إذا وُصف بالبَراءة عن العُيوب: إنه طاهِر الثَّوب، والمُراد طهارة نفْسه. الثاني: أن يراد به نفْس الثَّوب، قالوا: كان في الحيِّ رجلٌ له هيئةٌ حسنةٌ، فإذا احتاجوا إلى شهادة الزور شَهِدَ لهم، فيُقبل لهيئته، وحُسن ثوبَيه. قال الزمخشري في "الفائق": المُتَشَبِّع، أي: المُتشبِّه بالشَّبْعان وليسَ بهِ، واستُعير للمُتَحلِّي بفضيلةٍ لَم يُرْزَقْها، وشُبِّه بلابسِ ثوْبَيْ زُورٍ، أي: ذُو زُورٍ زَوَّرَ على النَّاس بأَنْ يتزيَّا بزَيِّ أهل الصَّلاح رِياءً،

107 - باب الغيرة

وأضاف الثَّوبين إليه؛ لأنَّهما كانا مَلبوسَين لأَجْله، وهو المُسوِّغ للإضافة، وإنْ أرادَ المُتحلِّي كمَنْ لَبِسَ ثوبَين مِن الزُّور، قد ارتَدى بأَحدِهما، واتَّزَر بالآخَر، كقوله: إِذَا هُوَ بالمَجْدِ ارتَدَى وتَأزَّرا قال (ك): الكلام الكافي، والتقدير الشَّافي أنْ يُقال: مَعناه المُظهِر للشِّبَع وهو جائعٌ؛ كالمُزوِّر الكاذِب المُتلبِّس بالباطِل. وشبِّه الشِّبَع بلُبس الثَّوب بجامع أنَّهما يَغشَيان الشَّخص تَشبيهًا تحقيقيًّا أو تَخييليًّا كما قيَّد السَّكَّاكي في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112]، وفائدة التَّشبيه المُبالغة إشعارًا بالاتزار والارتداء، يعني: ذُو زُورٍ من رأْسه إلى قَدَمهِ، أو الإعلام بأنَّ في التشبُّع حالتَين مكروهتَين: فُقدان ما يُشبَع به، وإظْهار الباطِل. * * * 107 - بابُ الْغَيْرة وَقَالَ وَرَّادٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غيْرَ مُصْفِحٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أتعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي".

(باب الغَيْرة) قوله: (قال وَرَّاد) موصولٌ في (الحدود). (غَيْرَ مُصْفِحٍ) قال (ع): بكسر الفاء، وسُكون الصاد، وقد رويناه بفتح الفاء، أي: غير ضارِبٍ بعرضه للزَّجر، والإِرهاب بل بِحَدِّه تأكيدًا لبَيان ضَربه لقَتْله وإهلاكه، فمَن فتَحه جعلَه وَصْفًا للسَّيف، وحالًا، ومَن كسَره جعلَه وَصْفًا للضَّارب، وحالًا منه، وصَفْحتا السَّيف وَجْهاه العَريضان، وغِراره حَدَّاه. وقال ابن الأَثِيْر: يُقال صَفَحَه بالسَّيف: إذا ضَرَبه بعَرْضه دُون حَدِّه، فهو مُصفِح، والسَّيف مُصفَحٌ به، ويُروَيان معًا، وقد حكى السَّفَاقُسي تشديد الفاء من صفَّح. * * * 5220 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ". الحديث الأول: (أحب) بالنصب، والمَدح فاعلُه، وهو مِثْل مسأَلة الكُحل، وفي بعضها بالرَّفْع.

وسبَق في (سورة الأنعام). * * * 5221 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزني، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا". الثاني: (يزني) يجوز فيها التذكير والتأنيث حيث جازَ أنْ يكون خبَرًا في الأصل للعَبْد والأَمَة. (ما أعلم)؛ أي: مِن شُؤْم الزِّنا ووَخامَة عاقبَتِه، أو مِن أَحوال الآخِرة وأَهوالها. * * * 5222 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ". الثالث: (أغير) جوَّز ابن السِّيْد رفعَه ونصبَه على أنَّها تميميَّةٌ أو حِجازِيَّةٌ،

و (مِن) زائدةٌ لا مؤكِّدةٌ في المَوضعَين، ويجوز إذا فتحت الرَّاء من (أَغير) أنْ تكون صِفةً لأَحَد على المَوضع، والخبَر محذوفٌ في الوجهَين، أي: موجودٌ. * * * 5223 - وَعَنْ يَحْيَى، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللهُ". الرابع: (أن لا يأتي) قال الغَسَّاني: كذا في جميع النُّسَخ، وصوابه: أَنْ يَأْتِيَ. قال (ك): لا شكَّ أنه ليس معناه: أنَّ غَيْرة الله -تعالى- هو نفْس الإِتْيان أو عدَمه، فلا بُدَّ مِن تَقدير نحو: لئَلَّا يأتيَ، أي: غَيرة اللهِ تعالى على النَّهي عن الإِتْيان، أو على عدَم إتْيان المُؤمن به، وهو المُوافق لمَا تقدَّم حيث قال ": (ومِنْ أَجْل ذلكَ حَرَّمَ الفَواحِشَ)، فيكون ما في النُّسَخ صَوابًا. ثم يقول: إنْ كان المَعنى لا يَصحُّ مع (لا)؛ فذلك قَرينةٌ لكَونها

زائدةً نحو: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]. أما نِسبة الغَيرة إلى الله -تعالى- فأوِّلَتْ على الزَّجْر، والتَّحريم، ولهذا جاء: (ومِنْ غَيْرتهِ تَحريمُ الفَواحِشِ). قال (ن): الغَيْرة: المَنْع، والرَّجل غَيُورٌ على أهله، أي: يَمنَعُهم من التَّعلُق بأجنبي بنَظَرٍ أو حديثٍ ونحوه، وقال بعضُهم: الغَضَب لازِمُ الغَيرة، فغَيرةُ الله غضَبه على الفَواحِش. قال (خ): قوله - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة: أنْ لا يَأتِيَ أَحسَنُ ما يكون في تفسير غَيرة اللهِ -تعالى- وأَبْيَنُه. وقال الطِّيْبِي: هو مبتدأ، وخبره بتقدير اللام، أي: غَيرة اللهِ تأتيهِ لأَجل أنْ لا يأتيَ. * * * 5224 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَسمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: تَزَوجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ، وَلَا مَمْلُوكٍ، وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ، وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَستقِي الْمَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجنُ، وَلَمْ أكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَأْسِي، وَهْيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ:

"إخْ إخ". لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرتَهُ، وَكانَ أَغْيَرَ النَّاسِ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ: لَقِيني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأنَاخَ لأَرْكَبَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ. فَقَالَ: وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ. قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِيني سِيَاسَةَ الْفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي. الخامس: (ولا مملوك) خاصٌّ بعد عامٍّ. (ولا شيء) عامٌّ بعد خاصٍّ. (ناضح) بعيرٌ يُسقَى عليه. (وأخْرِزُ) هي خِيَاطة الجُلُود. (غَرْبَهُ) هو الدَّلْو العَظيمة. (نِسْوَةَ صِدْقٍ) بالصِّفة والإضافة، والصِّدْق بمعنى: الصَّلاح والجُودة، أي: نِسوةً صالحاتٍ. (فَدَعَاني) إنما عرَض عليها الرُّكوب؛ لأنها أُختُ زَوجتِه، فهي كالمَحرَم الآن. (إخْ إخْ) بكسر الهمزة، وسُكون المُعجمة: صَوت عند إناخَةِ البعير.

قال في "المُفصل": بَخ مشدَّدة ومخفَّفة: صَوتُ إناخَتِه، وهَيْخْ، وإيخْ مثله. (أشد) لأنَّه لا عارَ في الرُّكوب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلافِ حَمْل النَّوى، فإنَّه قد يُتوهَّم منه خِسَّة النَّفْس، ودَناءة الهِمَّة، وقِلَّة التَّمييز. * * * 5225 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَة فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: "غَارَتْ أُمُّكُمْ"، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كسَرتْ. السادس: (علي)؛ أي: ابن المَدِيْني. (بعض نسائه) هي عائشة رضي الله عنها. (إحدى أُمهات المؤمنين) هي صَفيَّة، وقيل: أُم سلَمة، وقيل: زينب.

(فِلَقَ) ضُبط بكسر الفاء، وفتح اللام. قال السَّفَاقُسي: والظَّاهر أنَّه بفتح الفاء، وسُكون اللام: جمع: فَلْقَة كتَمْرةٍ وتَمْرٍ، وهي القِطْعة، لا يُقال: القَصْعة مُتقوِّمةٌ لا مِثْليَّةٌ، فيكف ضُمِّنَت بقَصعةٍ؟ لأنَّ كليهما مِلْك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فله التصرُّف بما شاءَ. وسبق الحديثُ في (المَظالم). * * * 5226 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، أَوْ أتيْتُ الْجَنَّةَ، فَأبْصَرْتُ قَصْرًا، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَلَمْ يَمْنَعْنِي إِلَّا عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ"، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، يَا نبِيَّ اللهِ! أَوَعَلَيْكَ أَغَارُ؟! السابع: سبَق في (باب: ما جاء في صفة الجنة). * * * 5227 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني ابْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا

108 - باب غيرة النساء ووجدهن

نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأةٌ تتوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَبَكَى عُمَرُ وَهْوَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قَالَ: أَوَعَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَغَارُ؟! الثامن: مثله. * * * 108 - بابُ غَيْرَة النِّسَاء وَوَجْدِهِنَّ (باب غَيْرة النِّساءِ ووَجْدِهنَّ) أي: غَضَبهنَّ، وحُزنِهنَّ. 5228 - حَدَّثَنَا عُبدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيةً، وإذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "أَمَّا إِذَا كنْتِ عَنِّي رَاضِيةً فَإِنَّكِ تَقُولينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ"، قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ.

الحديث الأول: (إلا اسمك) قال الطِّيْبِي: هو غاية في اللُّطْف؛ لأنَّها أخبَرتْ أنَّها في الغَضَب الذي يَسلُب العاقِلَ اختيارَه لا يُغيِّرُها عن كَمال المَحبَّة المُستغرِق ظاهرَها وباطنَها المُمتَزجة برُوحها. وإنَّما عبَّرتْ عن التَّرك بالهِجْران؛ لتَدلَّ به على أنَّها تتألَّم من هذا التَّرْك الذي لا اختِيارَ لها فيه، كما قال الشاعر: إِنِّي لأَمْنَحُكِ الصُّدُودَ وإِنِّنِي ... قَسَمًا إِليكِ مَعَ الصُّدُود أَمِيْلُ * * * 5229 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا، وَقَدْ أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. الثاني: سبق آخِرَ (المناقب)، في (باب: تزويج خديجة رضي الله عنها). * * *

109 - باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف

109 - بابٌ ذَبِّ الرَّجُلِ عَنِ ابْنَتِهِ فِي الْغَيْرَةِ وَالإِنصَافِ (باب ذَبِّ الرَّجُل عن ابنَتِه) 5230 - حَدَّثَنَا قتيْبة، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا ويُؤْذِيني مَا آذَاهَا"، هَكَذَا قَالَ. (إن بني هشام) لا يُنافي ما سبَق في (الجهاد)، في (باب: ما ذُكر من درع النبي - صلى الله عليه وسلم -): أنَّ عليًّا أرادَ أنْ يخطِبَ بنتَ أبي جَهْل؛ لأنَّ أبا جَهْل هو عَمْرو بن هِشَام المَخزُومي. (ثم لا آذن) العَطْف وإنْ كان يقتضي المُغايرة؛ لكنْ في التأكيد يُكتفَى بأنَّ المَعطوفَ آكَدُ من المَعطوفِ عليه. (بَضْعَة) بفتح الموحَّدة: القِطْعة. (يُرِيبُنِي) يُقال: رَابَه: إذا رأَى منه ما يَكرهُه، وهُذَيلٌ تقول: أَرابَ. * * *

110 - باب يقل الرجال ويكثر النساء

110 - بابٌ يَقِلُّ الرِّجالُ ويكثُرُ النِّساء وَقالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَتَرَى الرَّجُلَ الْوَاحِدَ يتبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأةً، يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ، وَكثْرَةِ النِّسَاءِ". (باب: يَقِلُّ الرِّجالُ وتَكثُر النِّساءُ) قوله: (وقال موسى) موصولٌ في (الزكاة). (أربعون امرأة) في بعضها: (نِسوةً)، وهو خِلاف القِياس. (يَلُذْن) من اللَّوذِ. * * * 5231 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه - قَالَ: لأُحَدِّثنكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرأةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ". (هشام) في بعضها: (هَمَّام)، قال الغَسَّاني: والأول هو المَحفوظ.

111 - باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة

(القَيّم)؛ أي: الذي يتولَّى أَمْرَ مَن يقُوم عليه، ويتولَّى مَصالحَه. وسبق في (باب: رفع العِلْم). * * * 111 - بابٌ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا ذُو مَحرَمٍ، وَالدُّخُولُ عَلَى الْمُغِيبَةِ (باب: لا يَخلُوَنَّ رجُلٌ بامرأةٍ إلا ذُو مَحرَمٍ) أي: لا يَحلُّ له نِكاحُها، أي: مَن يَحرُم عليه نكاحها أبدًا بسبَبٍ مُباحٍ لحُرمتِها. وشرح الحديث مشهورٌ في الفقه. (المُغِيْبة) بضم الميم: مِن أَغابَت المرأة: إذا غابَ عنها زَوجُها. 5232 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ". الحديث الأول: (الحَمْوُ) أقارب الزَّوج، والمُراد منه غيرُ المَحرَم نحو: أَخِي

الزَّوج، وما أَشبَهه من العَمِّ ونحوه. ومعناه: أنَّ الخَوف منه أكثَر لتَمكُّنه من الخَلْوة معَها من غير أن يُنكَر عليه، وهو تحذيرٌ مما عليه عادة النَّاس من المُساهلة فيه كالخَلْوة بامرأةٍ أجنبيةٍ، فهذا هو (الموت). وقال (ع): الخَلْوة بالأَحْماء مؤديةٌ إلى الإهلاك في الدِّين. وقال بعضُهم: معناه: احذَروا الحَمْو كما يُحْذَر المَوت، فهذا في أَبِي الزَّوج، فكيف في غيره؟. وفي الحَمْو أَربَع لُغاتٍ: على وَزْن يَدِ، وخِبَا، ودلْوِ، وعَصَا. * * * 5233 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثنَا عَمْرٌو، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِي غزْوَةِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: "ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ". الثاني: سبَق شرحُه. * * *

112 - باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس

112 - بابُ مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ (باب ما يَجُوز مِن أنْ يَخلُو الرَّجلُ بالمرأَة) 5234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ هِشامٍ، قالَ سَمِعْتُ أنَس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَلاَ بِهَا، فَقَالَ: "وَاللهِ إِنكنَّ لأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ". (إنَّكُنّ) الخِطَاب لنِساء الأَنْصار، وليس المُراد أنهنَّ أحبُّ إليه من نِساء أَهله؛ بل أحبُّ من نساء سائِر القَبائل في الجُملة. * * * 113 - بابُ مَا يُنْهَى مِنْ دُخُولِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنسَاء عَلَى الْمَرْأَةِ (باب ما يُنهَى مِن دُخول المُتشبِّهين بالنِّساءِ على المَرأَة) 5235 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ الْمُخَنَّثُ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: إِنْ فتحَ اللهُ لَكُمُ الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلاَنَ،

114 - باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة

فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُم". (مخنث) بفتح النون وكسرها: هو من يُشبِه النّساء في أخلاقهنَّ، وهو نَوعان: من خُلِقَ كذلك، فلا ذَمَّ عليه؛ لأنَّه معذورٌ، ولهذا لم يُنكِر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أولًا دُخولَه عليهنَّ، والمَذموم هو مَن يتكلَّف ذلك. واسم هذا المُخَنّث: هِيْت، بكسر الهاء، وسُكون الياء، وبمثنَّاةٍ على الأصحِّ. وإنما دخَل عليهنَّ؛ لأنهنَّ كُنَّ يعتقدْنَه من غَيْرِ أُولي الإِرْبَة. (إن فتح الله) سبق شرح الحديث في (غزوة الطائف). * * * 114 - بابُ نَظَرِ الْمَرْأةِ إِلَى الْحَبَشِ وَنَحوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رَيبَةٍ (باب نَظَرِ المَرأة إلى الحبَشةِ مِن غَيْر رِيْبةٍ) بالكسر، أي: تهمةٍ. 5236 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، عَنْ عِيسَى، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا

115 - باب خروج النساء لحوائجهن

قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُني بِرِدائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجدِ، حَتَّى أكُونَ أَنَا الَّذِي أَسْأَمُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ. (فاقدروا) من قَدَرتُ الأَمرَ كذا: إذا نظَرتَ فيه، ودبَّرتَه، تُريد طُول لُبْثها، ومُصابَرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معَها على ذلك. وإنما سُومِحوا في اللَّعِب في المَسجد؛ لأنَّ لَعِبَهم كان مِن عُدَّة الحَرْب مع الكُفَّار. * * * 115 - بابُ خُرُوج النِّسَاء لِحَوَائِجِهِنَّ (باب خُروج النِّساء لحَوائجهنَّ) 5237 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ لَيْلًا، فَرآهَا عُمَرُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: إِنَّكِ وَاللهِ يَا سَوْدَةُ! مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، وَهْوَ فِي حُجْرَتِي يتعَشَّى، وإنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا، فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فَرُفِعَ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: "قَدْ أَذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجكُنَّ". (فعرفها)؛ أي: لأنَّها كانتْ طَويلةً جَسيمةً.

116 - باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره

(لعَرْقًا) هو بفتْح المهملة، وسُكون الراء: العَظْم الذي يُؤخَذ منه اللَّحم. (فرفع عنه)؛ أي: آثارُ الوَحْي. والتَّغيير الذي كان يحصُل له عند نُزوله مرَّ في (سورة الأحزاب)، وفي (الوضوء)، وغيرهما. * * * 116 - بابُ استئْذَانِ الْمَرْأَةِ زوجَهَا فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ (باب استِئْذان المَرأَة زَوجَها) 5238 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَأذَنَتِ امْرَأةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجدِ فَلَا يَمنَعْهَا". إنْ قيل: الحديث الذي أَوردَه فيه لا يدلُّ على الإِذْن في الخُروج لغير المَسجِد. قيل: لعلَّ المُراد أن البخاريَّ قاسَه على المَسجِد، والشَّرط في جوازِه فيهما الأَمْن من الفِتْنة ونحوِها. * * *

117 - باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع

117 - بابٌ مَا يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ وَالنَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ فِي الرَّضَاعِ (باب ما يَحلُّ من الدُّخول والنَّظَر) 5239 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ فَاسْتَأذَنَ عَلَيَّ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَألْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِنَّهُ عَمُّكِ فَأذَنِي لَهُ" قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأة وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلاَدَةِ. (عمّي)؛ أي: أفْلَح أَخُو أبي القُعَيْس. سبَق في (سورة الأحزاب). * * * 118 - بابٌ لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا (باب: لا تُباشِر المرأةُ المَرأةَ) أي: تُعاشِرُها، وتُلامِسُها.

119 - باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائه

5240 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُبَاشرِ الْمَرْأةُ الْمَرْأَةَ فتنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا، كأنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا". 5241 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُبَاشرِ الْمَرْأةُ الْمَرْأَةَ فتنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا". الحديث الأول، والثاني: (فتنعتها)؛ أي: تصِفُها، والغَرَض من الكَلام انتِفاء النَّعت لا المُباشَرة. * * * 119 - بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسائِه (باب قَول الرَّجُل: لأَطُوفَنَّ) 5242 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ داوُدَ عَلَيهِمَا السلاَمُ لأَطُوفَنَّ اللَّيلَةَ بِمِائَةِ امرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امرَأَةٍ غُلاَمًا، يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ قُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمْ يَقُلْ وَنسِيَ،

120 - باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة، مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم

فَأطَافَ بِهِنَّ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ". قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ". (لأطيفن) يُروى: (لأَطُوفَنَّ)، يُقال: طافَ يَطُوف، ويُطِيفُ. (بمائة امرأة) قال السَّفَاقُسي: وفي رواية: (على ألفِ امرأة). وسبَق في (كتاب الأنبياء): (سَبعينَ امرأة). ويُروى: (تِسعِينَ)، وقال البخاريّ: إنه أصَحُّ من سَبْعين. فلا مُنافاةَ بين الرِّوايات إذِ التَّخصيصُ بالعدَد لا يدلُّ على نفْي الزَّائد. (الملك)؛ أي: جِبْريل، أو جِنْس الكِرام الكاتبِين. (فأطاف بهن)؛ أي: أَلَمَّ بهنَّ، وقاربَهنَّ. * * * 120 - بابٌ لَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ، مَخَافَة أَنْ يُخَوَنَهمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ (باب: لا يَطرُقُ أهلَه ليلًا) قوله: (يُخَوّنهم) بتشديد الواو، تفتح وتكسر، وبالميم في آخِره، أي: يَنسبُهم للخِيانَة، والصَّواب بالنُّون، وكذا: (عثراتهم)، والعَثْرة بمثلَّثةٍ: الزَّلَّة.

121 - باب طلب الولد

5243 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُ أَنْ يَأتِيَ الرَّجُلُ أهلَهُ طُرُوقًا. 5244 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَطَالَ أَحَدكمُ الْغَيبةَ فَلَا يَطْرقْ أَهْلَهُ لَيلًا". الحديث الأول، والثاني: (طَرُوقًا) بفتح الطَّاء. قال (ك): طَرُوقًا مصدر بمعنى: الطَّارِق، أي: ليلًا، وكلُّ آتٍ باللَّيل فهو طارِقٌ. * * * 121 - بابُ طَلَبِ الْوَلَدِ (باب طَلَب الولَد) 5245 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ قَطُوفٍ فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

قَالَ: "مَا يُعْجلُكَ؟ " قُلْتُ: إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: "فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا؟ " قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: "فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ"، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا -أَيْ عِشَاءً- لِكَي تَمْتَشِطَ الشَّعِثة وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبةُ"، قَالَ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أنه قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "الْكَيْسَ الْكَيْسَ، يَا جَابِرُ"؟ يَعْنِي: الْوَلَدَ. الحديث الأول: (قفلنا)؟ أي: رَجعْنا. (قَطُوف) بفتح القاف: بطَيء المَشْي. (حديث عهد)؛ أي: جديد التَّزوُّج. ووَجْه مُطابَقة الجَواب السُّؤالَ: أنَّ الحَداثةَ لازمةٌ لذلك. (ليلًا، أي: عشاءً) إنما فسَّره به لئلا يُعارِض قولَه: (لا يَطْرُق أهلَه لَيلًا)، مع أنَّ المُنافاة مُنتفيةٌ من حيث إنَّ ذلك فيمَن جاءَ بغْتةً، وأما هنا فقد بلَغ خبَرُ مَجيئهم، وعَلِم النَّاسُ وُصولَهم. (الشّعِثَة) بكسر العين المُهملة: هي الشَّعثاءُ المُغبَرَّةُ الرَّأْسِ المُنتَشِرةُ الشَّعرِ. (وتَسْتَحِد) استِعمال الحَديد في شَعْر العانَة بإزالتِها بالمُوسَى، والمُراد الإزالة كيفَ كانَتْ. (المُغِيْبة) بضم الميم: من باب الإِفْعال، وهي التي غابَ عنها زَوجُها.

(وحدثني الثقة) قال (ك): الظاهر أنَّ هذا من قَول البُخاري، أو مُسَدَّد، ولا تَضرُّ جَهالة تَعيينه بعدَ وصفه بأنَّه ثِقةٌ، ويكون تَركَه إما ناسيًا، أو لم يُحقِّقه، وبالجُملة فالمُراد به شُعبة، قاله الإِسْماعِيْلي. (الكَيْس) الجِمَاع، والعَقْل، والمُراد حثُّه على ابتِغاء الولَد، يُقال: أكْيَس الرجلُ: إذا وُلد له أولادٌ أَكياس. قال (خ): الكَيس هنا يَجري مَجرى الحَذر، وقد يكون بمعنى: الرِّفْق، وحُسْن التَّأني له. * * * 5246 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا دَخَلْتَ لَيْلًا فَلَا تَدْخُلْ عَلَى أَهْلِكَ حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثة"، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَعَلَيْكَ بِالْكَيْسِ الْكَيْسِ". تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ وَهْبٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكَيْسِ. الثاني: كالأول. (تابعه عُبيد الله) موصولٌ في (البيوع). * * *

122 - باب تستحد المغيبة وتمتشط

122 - بابٌ تَسْتَحِدُ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطُ (باب تَسْتَحِدُّ المُغِيْبة وتَمْتَشِطُ) 5247 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا كُنَّا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَسَارَ بَعِيرِي كَأحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإبِلِ، فَالْتَفَتُّ فَإذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: "أتزَوَّجْتَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ " قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: "فَهَلَّا بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ"، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا -أَيْ: عِشَاءً- لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثة، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبة". (قَفَلْنا)؛ أي: رجَعْنا. (فَنَخَس) بنونٍ، ومعجمةٍ، ومهملةٍ. (بِعَنَزَة) عَصا نحوُ نصف الرُّمح. * * *

123 - باب {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} إلى قوله: {لم يظهروا على عورات النساء}

123 - بابٌ {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا لِبُعُولَتِهِنَّ} إِلى قولِهِ: {لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (باب: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31]) 5248 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ؟ فَسَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَكَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ تقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: وَمَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَعَلِيٌّ يَأتِي بِالْمَاءِ عَلَى تُرْسِهِ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ، فَحُرِّقَ فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ. سبَق الحديث فيه آخرَ (كتاب الوضوء). * * * 124 - بابٌ {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} (باب: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور: 58]) 5249 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - سَألهُ رَجُلٌ:

125 - باب قول الرجل لصاحبه: هل أعرستم الليلة، وطعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب

شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِيدَ أَضْحًى أَوْ فِطْرًا؟ قَالَ: نعَمْ، ولَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ -يَعْنِي: مِنْ صِغَرِهِ- قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ -وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلَا إِقَامَةً- ثُمَّ أتى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقهِنَّ يَدْفَعْنَ إِلَى بِلاَلٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ. (ولولا مكاني)؛ أي: مَنْزلتي عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمَا شَهدتُ لصِغَري، وله وجهان آخَران تقدَّما في آخر (كتاب الصلاة). (يهوين) من الإِهواء، أي: يَقصِدون. * * * 125 - بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: هَلْ أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ، وطَعْنِ الرَّجُل ابْنَتَهُ فِي الْخَاصرة عِنْدَ الْعِتَابِ (باب طَعْن الرجُل ابنتَه في الخاصِرة) 5250 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: عَاتَبَنِي أَبُو بَكْر، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرتي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي. (يطعنني) بالضم.

سبَق الحديث أول (التيمم). وليس في الحديث ما في أوَّل الترجمة من قوله: (أعرستُم اللَّيلة)، على أنَّه مفقودٌ في أكثَر النُّسَخ، وعلى تقدير الوُجود فالبُخاريُّ كثيرًا ما يُترجِم لشيءٍ، ولا يذكُر فيه حديثًا إشْعارًا بأنَّه لم يَجِدْ فيه على شَرْطه شيئًا. وقيل: إنَّ التَّرجمة الأُولى حقُّها أنْ يُذكَر لها ما يُطابقها، وهو حديث أبي طَلْحة لمَّا ماتَ ابنُه. وقد يُجاب بأنَّه لمَّا كانت كلُّ واحدةٍ من الجانبين ممنوعةٌ في غير الحالة التي ورَدَ فيها كان ذلك جامِعًا بينهما؛ فإنَّ طَعْن الخاصِرة لا يَجُوز إلا مَخصُوصًا بحالة العِقَاب، وكذا سُؤال الرِّجال عن الجِماع لا يجوز إلا في مِثْل حالة أبي طَلْحةَ مِن تَسليته عَنْ مُصيبتِه، وبِشَارته بغَير ذلك. * * *

68 - كتاب الطلاق

68 - كتاب الطلاق

1 - باب قول الله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 68 - كتاب الطلاق 1 - باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} أحْصَيْنَاهُ: حَفِظْنَاهُ وَعَدَدْناَهُ، وَطَلاَقُ السُّنَّةِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ. (كتَابُ الطَّلاق) هو قَطْع عِصْمة النِّكاح بلفْظ الطلاق، وما في معناه. (وطلاق السُّنَّة) إلى آخره، مفهومه أنَّه في الحَيْض، أو في طُهرٍ وَطِئ فيه (¬1)، أو لم يُشهد = يكون بِدْعيًّا. * * * ¬

_ (¬1) "وطئ فيه" ليس في الأصل.

5251 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتهُ وَهْيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ". (وهي حائض) لم يقُل: حائضة؛ لأنَّ التاء للفَرْق، وهذا خاصٌ بالنِّساء. (قبل أن يمس)؛ أي: يَطَأَ. (أمر الله)؛ أي: لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، واللام بمعنى (في). قال (خ): فيه أنَّ الأَقْراء التي تعتدُّ بها المطلَّقة هي الأَطْهار؛ لأنَّ ذِكْر: (فتِلْك العِدَّة) بعد الطُّهر، ومعنى الآية: فطلِّقُوهنَّ في وقتِ عِدَّتهنَّ، وأن الطلاق في الحيض واقعٌ، ولولا ذلك لم يُؤمر بالمُراجعة. قال: وأما اشتِراطه معنى الطُّهر الأول، والتربُّص بها الطُّهر الثاني؛ ليَصِحَّ فيه الطَّلاق السُّنِّي. قال (ن): فائدة التَّأخير إلى الطُّهر الثاني أنْ لا تكون الرَّجعة لغرَضِ الطلاق فقط، وأن يكون كالتَّوبَة من المَعصية باستِدراك جِنايته،

2 - باب إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق

وأنْ يَطُول مُقامُه معها، فلعلَّه يُجامعُها، فيُذهبُ ما في نفْسِها من سبَب الطَّلاق، فيُمسكها. وقال أصحابُنا: الطَّلاق أربعةُ أقسامٍ: واجبٌ كما في الحكَمين إذا بعثَهما القاضي عند الشِّقاق بين الزَّوجين، ورأَيا المصلحة في الطَّلاق، ومندوبٌ إذا لم تكُن المرأة عَفيفة، وحرامٌ كالطَّلاق في الحَيْض، ومكروه كالطَّلاق بلا سبَب مُكدِّرٍ. قال: والإشارة في (تلْك) إلى حالة الطُّهر، أو إلى العِدَّة لا إلى الحَيْضَة. * * * 2 - بابٌ إِذَا طُلِّقَتِ الْحائِضُ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّلاَقِ (باب: إذا طلقت الحائِض يعتدُّ بذلك الطَّلاق) 5252 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لِيُرَاجِعْهَا". قُلْتُ: تُحْتَسَبُ، قَالَ: "فَمَهْ". وَعَنْ قتادَةَ، عَنْ يُونس بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا"، قُلْتُ: تُحْتَسَبُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاستَحْمَقَ.

5253 - وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ. (فَمَهْ)، (ما) للاستِفهام، وإبدالُ الألف هاءً، أي: فما يكُون إنْ لم أحتَسِبْ؛ أي: الاحتِساب، ويحتمل أنْ تكون كلمةَ كَفٍّ وزَجْرٍ، أي: انْزَجِرْ عنه، أي: فإنَّه لا شكَّ مِن وُقوع الطَّلاق، وكونه مَحسُوبًا في عدَد الطلاق. (مره فليراجعها) في كَون الأَمْر بالأَمْر بالشَّيء أمرًا بذلك الشَّيء: خلافٌ في الأُصول. (أرأيت) قال (خ): يُريد: أَرأَيْتَ إنْ عجَزَ، واستَحْمَق أَسقَط عجْزُه وحُمقُه حُكمَ الطَّلاق الذي أوقعَه في الحَيْض، وهذا من المَحذُوف الجواب الذي دلَّ عليه الفَحْوى. وقال (ن): أي: فيَرتفع عنه الطَّلاقُ وإنْ عجَزَ واستَحمَق؟، وهو استفهامُ إنكارٍ، وتقديره: نعَمْ، يُحتَسَب، ولا يُمنع احتِسابُه لعَجْزه وحَماقته. والقائل لهذا الكلام هو ابن عُمر صاحب القِصَّة، ويُريد به نفسَه، وإنْ أعادَ الضمير بلفْظ الغَيبة، وقد جاء في رواية مسلم: أنَّ ابن عُمر قال: ما لي لا أَعتَدُّ بها وإنْ كنتُ قد عجَزتُ واستَحمقْتُ. وقال (ع): إنْ عجَز عن الرَّجعة، وفعَل فعْلَ الأحمق. قال (ك): يحتمل أن تكون (لا) نافيةً، أي: ما عجَزَ ابن عُمر،

3 - باب من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟

وما استَحمَقَ، أي: ليس طِفْلًا ولا مَجنُونًا حتى لا يقَع طلاقُه، والعَجْز لازم الطِّفْل، والحُمْق لازمُ الجُنون، فهو من إطْلاق اللازِم وإرادةِ المَلْزوم، و (إنْ) تكون مُخفَّفةً من الثَّقيلة، واللازم غير لازم، ولو صحَّ الرواية بالفتْح فالمعنى أَظهَر. * * * 3 - بابُ مَنْ طَلَّقَ، وَهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلاَقِ؟ (باب مَن طلَّق، وهل يُواجِهُ الرجلُ امرأتَه بالطَّلاق) 5254 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: "لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: رَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ. الحديث الأول: (ابنة الجُوْن) بفتح الجيم، وسُكون الواو، وبالنون، اسمها:

أُمَيْمَة مُصغَّر: أَمَة، وقيل: أسماء. (الحقي بأهلك) كنايةٌ عن الطَّلاق. * * * 5255 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَسِيلٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ: الشَّوْطُ، حَتَّى انتهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْلِسُوا هَاهُنَا"، وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنيَّةِ، فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتٍ أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دايتُهَا حَاضِنةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هَبِي نَفْسَكِ لِي"، قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نفسَهَا لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، فَقَالَ: "قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ"، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: "يَا أَبَا أُسَيْدٍ! اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا". 5256 - وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَليدِ النَّيْسَابُورِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي أُسَيْدٍ قَالَا: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ.

الثاني: (الشَّوْط) اسم بُستانٍ، وهو بفتح المعجمة، وإسكان الواو، وبالمهملة. (بالجَوْنِيّة) نسبةٌ إلى الجَوْن، بفتح الجيم. (أُميمة) بدَل عطْف أو بيانٌ. (ابن شَرَاحِيل)؛ أي: الكِنْدي، وهو بفتْح المعجمة، وخِفَّة الراء، وكسر المُهملة، وقيل: بنْت النُّعمان بن الأَسوَد بن الحارِث بن شَرَاحِيْل. (دايتها) بمهملةٍ، وألفٍ، وياءٍ، وهو مُعَرَّبٌ. (لسُوقة) بضم المهملة، أي: لواحدٍ من الرَّعيَّة. قال الجَوْهَري: السُّوقَة خِلاف المَلِك، والجونيَّة لم تَعرف النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وكانتْ بعد ذلك تُسمي نفسَها بالشَّقيَّة. (بِمَعَاذ) بفتح الميم: اسم مكانِ العَوْذِ. (رازقيتين) براءٍ، ثم زايٍ، ثم قافٍ: ثِياب معروفةٌ عندهم بذلك، وهي كَتَّانٌ بِيْضٌ. فإن قيل: ليس ما في التَّرجمة؛ إذ ليس ثَمَّ عقْدٌ حتى يكون طَلاقٌ، وأيضًا فلم يُواجِهْها، بل أمَرَ بإلحاقها بأَهْلها؛ قيل: لا نُسلِّم عدَم العَقْد؛ فإنَّ له - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُزوِّج من نفْسه بلا إذْن المرأةِ، ولا وليِّها، وقولُه: (هَبي نفْسَكِ لي) إنما هو استِمالةٌ لخاطِرها، وأما المُواجهة

ففي الرِّواية السابقة أنَّه قال لها: (الْحَقِي بأَهلِكِ)، ولا يُنافيه أنَّه بعد ذلك أمَر أبا أُسَيْد بإلحاقِها بأهلها بل يعضُده. (وقال الحُسين) وصلَه أبو نُعيم في "المُستخرَج". (وأبي أُسَيْد) بضم الهمزة: عطفٌ على ابنه لا على عبَّاس. (بِنْتُ شَرَاحِيْل) لا يُنافي ما سبق أنَّها بنتُ النُّعمان بن شَرَاحِيْل؛ لأنه نسبَها هنا إلى جدِّها. * * * 5257 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا. 5258 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي غَلَّابٍ يُونسَ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: تَعْرِفُ ابْنَ عُمَرَ، إِنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأتهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَأتى عُمَرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ، فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا، قُلْتُ: فَهَلْ عَدَّ ذَلِكَ طَلاَقًا؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ. الثالث، والرابع: (فإذا طهرت) لا يُنافي اشتِراطَ تكرُّر الطُّهر في الرِّواية السابقة؛

4 - باب من أجاز طلاق الثلاث

لأنَّ التكرُّر للأَولويَّة، وإلا فالواجِب حُصول الطُّهر فقط. * * * 4 - بابُ مَنْ أَجَاز طَلاَقَ الثَّلاَثِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَرِيضٍ طَلَّقَ: لَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَرِثُهُ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: تَزَوَّجُ إِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَاتَ الزَّوْجُ الآخَرُ، فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ. (باب مَن أجازَ طَلاقَ الثَّلاث) أي: دفعةً واحدةً. (لقول الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229]) وجْه الاستدلال بالآية: أنَّه إذا جازَ الجَمْع بين ثِنْتَين جازَ جمع الثَّلاث، أو أنَّ التَّسريحَ بإحسانٍ عامٌّ يَتناول إيقاعَ الثَّلاث دَفْعةً. قال الأئمة الأربعة: فمَن قال: أنْتِ طالقٌ ثلاثًا؛ يقَع الثَّلاث، وقالت الظَّاهرية: يقَع واحدةٌ، وقيل: لا يقَع به شيءٌ أصلًا، وعَزاه بعضُهم للحَجَّاج بن أَرْطَاة. قلتُ: في "المُحلَّى" لابن حَزْم: أن الثَّلاث تقَعُ كما هو مذهب الأَربعة، وابن حزْم كبير الظَّاهرية.

(لا أَرَى) بفتح الهمزة. (مَبْتُوتَة) المَبتُوتة: المَقطوعة عن الإِرث، وهي التي طلَّقَها زوجُها في مرَض مَوتِه طَلاقًا بائنًا؛ لئَلَّا تَرِثَه. (وقال الشّعْبي: ترثه) معنى قوله: إنَّه يُعارِض مَقصود الطَّلاق بنَقيض قَصْده، فيَحكُم بإرثِها قياسًا على القاتِل حيث عُومِل بنَقيض قَصْده في عدَمِ إرثه، والجامِعُ فعْلٌ محرَّمٌ لغَرَضٍ فاسدٍ، فقال له عبد الله بن شُبْرُمة قاضي الكوفة التابعي: (تَزَوّجُ)؛ أي: أتُجيزُ لها أنْ تَزوَّجَ بعد العِدَّة، وقبل وفاة الزوج الأول أم لا؟، فقال الشّعْبي: (نعم)، فقال ابن شُبْرُمة: (أرأيت إن مات الزوج الأول) تَرِثُ منه أيضًا؟ فيَلزم إرثُها من الزَّوجين معًا في حالةٍ واحدةٍ. (فرجع)؛ أي: الشَّعْبي عن ذلك. * * * 5259 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُوَيمِرًا الْعَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ! أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَ عُويمِرٌ، فَقَالَ:

يَا عَاصِمُ! مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ عَاصِم: لَمْ تأتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْئَلَةَ الَّتِي سَاَلْتُهُ عَنْهَا. قَالَ عُويمِرٌ: وَاللهِ، لَا أَنتهِي حَتَّى أَسْألَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُويمِر حَتَّى أتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونه، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا"، قَالَ سَهْلٌ: فتلاَعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُويمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ. الحديث الأول: (أرأيت)؛ أي: أخبَرني عن حُكمه. (فكره)؛ أي: ما لا يُحتاجُ إليه من المَسائل لا سِيَّما ما فيه إشاعةُ فاحشةٍ. (كَبُرَ) بضم الموحَّدة: عَظُم، وشَقَّ. (أنزل)؛ أي: آية اللِّعان. وسبَق شرحه في (سورة النُّور). * * * 5260 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ:

حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرتْهُ، أَنَّ امْرَأةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيَّ، وإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ". الثاني: (رِفاعة) بكسر الراء، وخِفَّة الفاء، وبمهملةٍ. (القُرَظي) بضم القاف، وفتح الراء، وبمعجمةٍ. (فبت)؛ أي: قطَع قَطْعًا كُليًّا، وهو مُحتمِلٌ لوُقوع الثلاث دَفعةً، وبه يُطابِق الترجمة. (الزَّبِير) بفتح الزاي، وكسر الموحَّدة. (الهُدْبة) بضم الهاء. وسبَق في (الشهادات). * * * 5261 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأتَهُ ثَلاَثًا، فتزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أتحِلُّ لِلأَوَّلِ؟ قَالَ:

5 - باب من خير نساءه

"لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كمَا ذَاقَ الأَوَّلُ". الثالث: (يذوق)؛ أي: الزَّوج الثاني عُسَيلتَها. * * * 5 - بابُ مَنْ خَيَّرَ نِساءَهُ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}. (باب مَن خَيَّرَ نِساءَه) 5262 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاخْتَرْنَا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا. الحديث الأول: (مسلم) يحتمل أنه أبو الضُّحى، أو البَطِيْن، ولا قَدْحَ؛ لأنهما على شَرْطه. (ذلك)؛ أي: التَّخيير ليس طَلاقًا بدليلِ تخييره - صلى الله عليه وسلم - نساءَه

6 - باب إذا قال: فارقتك، أو سرحتك، أو الخلية، أو البرية، أو ما عني به الطلاق، فهو على نيته

واختِيارهنَّ له. * * * 5263 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَألْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْخِيَرَةِ، فَقَالَتْ: خَيَّرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أفكَانَ طَلاَقًا؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: لَا أُبَالِي أَخَيَّرْتُهَا وَاحِدَةً أَوْ مِائَةً بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَني. الثاني: (لا أُبالي) يُريد أنَّه لا يقَع بعدَ أنْ تختار الزَّوج، نعَمْ، لو اختارتْ نفسَها مثلًا ونوَتْ وقَع الطَّلاق. * * * 6 - بابٌ إذا قال: فارَقْتُكِ، أوْ سَرَّحْتُكِ، أَوِ الْخَلِيَّةُ، أَوِ الْبَرِيَّةُ، أَوْ مَا عُنِيَ بِهِ الطلاَقُ، فَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ قَوْلُ اللهِ - عزَّ وجلَّ -: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}، وَقَالَ: {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}، وَقَالَ: ({أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَبَوَيَّ لَم يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ.

7 - باب من قال لامرأته: أنت علي حرام

(بابٌ: إذا قال: فارقْتُكِ) قوله: (فهو على نيته)؛ أي: هذه الكَلِمات كِناياتٌ، فإنْ نَوى الطَّلاقَ بها وقَع، وإلا فلا، وإنما وقَع الطَّلاق بالكِناية، ولا يَدخُل النِّكاحَ كنايةٌ؛ لأنَّه لا يُشترط فيه الإشْهاد. (وقالت عائشة) موصولٌ بتمامه في (التَّفسير). * * * 7 - بابُ مَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: نِيَّتُهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِذَا طَلَّقَ ثَلاَثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. فَسَمَّوْهُ حَرَامًا بِالطَّلاَقِ وَالْفِرَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا كَالَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ؛ لأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِطَعَامِ الْحِلِّ: حَرَامٌ، وَيُقَالُ لِلْمُطَلَّقَةِ: حَرَامٌ. وَقَالَ فِي الطَّلاَقِ ثَلاَثًا: لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. (باب مَن قال لامرأَته: أنْتِ عليَّ حَرامٌ) قوله: (نيته)؛ أي: المُعتبَر قَصْده، فإنْ أراد بقوله: حرامٌ طالقٌ يقَع الطَّلاق، أو غيرَه؛ فذاك. * * *

5264 - وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا، قَالَ: لَوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَني بِهَذَا، فَإِنْ طَلَّقْتَهَا ثَلاَثًا حَرُمَتْ حَتَّى تنكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ. (وقال الليث) موصولٌ في "مسلم". * * * 5265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأتهُ، فتزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا، وَكَانَتْ مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا، فَأتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي، وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ، فَلَمْ يَقْرَبْنِي إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً، لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ، فَأحِلُّ لِزَوْجِي الأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الآخَرُ عُسَيْلَتَكِ، وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ". (محمد)؛ أي: ابن سَلام. (طلق رجل امرأته فتزوجت زوجًا غيره) الزَّوج الأول: رِفَاعَة القُرَظِي، والثاني: عبد الرحمن بن الزَّبِيْر كما في "الصَّحيح"، والمرأة اسمها: تَميمَة بنت وَهْب، وقيل غير ذلك. (هَنَةً) الهَنت: بفتح الهاء، والنون كنايةٌ عن الشَّيء، وفي أكثر

8 - باب {لم تحرم ما أحل الله لك}

النُّسخ: (هَنَّةً) بالموحَّدة الشَّديدة. (الآخر) بكسر الخاء وفتحها. وقد سبقت القصة مِرارًا. * * * 8 - بابٌ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (باب: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]) 5266 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، سَمِعَ الرَّبِيعَ بْنَ نَافعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِير، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاس يَقُولُ: إِذَا حَرَّمَ امْرَأتهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: {لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. الحديث الأول: (ليست)؛ أي: تِلْك الكلمة، وهي: أنتِ حرامٌ. (بشيء)؛ أي: بطَلاقٍ، أما الكفَّارة فقد سبق في (سورة التحريم): أنَّ ابن عبَّاس قال في الحَرام: يُكفِّر كفَّارةَ يمينٍ. * * * 5267 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ،

عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ: أنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زينَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فتوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زينَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ". فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إِلَى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} لِقَوْلهِ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا". الثاني: (أن ائتنا) بتخفيف النون، وفي بعضها بالتَّشديد، ونصب (ائْتِنَا). (عليها) في بعضها: (عَلَينا). (مغافير) جمع: مَغفُور، وقيل: مِغْفار. وسبق الحديث مِرارًا. (فدخل على إحداهما) هي حَفْصة. * * * (باب: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4]) 5268 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْعَسَل وَالْحَلْوَاءَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، فَاحْتبسَ أكثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ لنحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَناَ مِنْكِ فَقُولي: أَكلْتَ مَغَافِيرَ، فَإِنَّهُ سَيقُولُ لَكِ: لَا، فَقُولي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ، فَإِنَّهُ سَيقُولُ لَكِ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبةَ عَسَلٍ، فَقُولي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. وَسَأقولُ ذَلِكَ، وَقُولي أَنْتِ يَا صفِيّةُ ذَاكِ. قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَكلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ". فَقَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، فَلَمَّا دارَ إِلَيَّ، قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دارَ إِلَى صَفِيَّةَ، قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ"، قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَاللهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي. سبَق في (سورة التحريم): أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: (وحَلَفَتْ)؟ أي: على عدَم العَوْد.

وسبق أنَّ أكثر أهل التفسير والفقه على أنَّ الآية نزلتْ في تحريم ماريَّة. (الحَلْواء) بالمَدِّ: كلُّ شيءٍ حُلْوٍ. (والعَسل) خاصٌّ بعد عامٍّ؛ لشَرَفه. (عُكة) زِقٌّ صغيرٌ، وقيل: وِعاء السَّمْن. وفيه أن أكل الطيِّبات من الرِّزْق لا يُنافي الزُّهد لا سيَّما إذا حصَلَ اتفاقًا. (لَنَحْتَالَنَّ) إنما جازَ وُقوعُ ذلك منهنَّ، لأنَّه من مُقتضَيات الغَيرة الطَّبيعية للنِّساء، أو أنه صغيرةٌ معفو عنها مُكَفرةٌ. (جَرَسَتْ) بجيمٍ، وراءٍ، أي: أكلَتْ. (العُرْفُط) بضم المهملة، والفاء، وإسكان الراء، وبمهلمةٍ: مِن شجَر العِضَاه، وقيل: نباتٌ له ورقَةٌ عريضةٌ تَنفَرشُ على الأرض، له شَوكةٌ حَجْناء، وثمرةٌ بيضاء كالقُطْن مثْلُ زِرِّ القَميص، خَبيثُ الرَّائحة، تَلْحَسُه النَّحل، وتأْكُل منه، فتَتغيَّر رائحةُ العسَل من ذلك. (أُبَادِيَه) من المُباداة، بالموحَّدة، وفي بعضها بالنُّون. (فرقًا)؛ أي: خَوفًا. وفيه أنَّ مَن يَقسِمُ بين نسائه له أن يدخُل في النَّهار إلى غير المَقسُوم لها لحاجة ونحوها. (حرمناه) بتخفيف الراء، أي: مَنَعناه منه.

فإنْ قيل: الحديث الأول فيه: أنَّه شَرب في بيت زَينب، وحفْصةُ من المُتظاهرتَين، والثاني: أنَّه شَرب في بيت حَفْصة، وهي ليستْ من المتظاهرات؟ قيل: قال (ع): الأوَّل أَصحُّ، وهو أَولى لظاهر كتاب الله حيث قال: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: 4]، فهُما ثِنْتان لا ثلاثةٌ، وكما جاء في حديث ابن عبَّاس، وعُمر: أنَّ المتظاهرتَين عائشة وحَفْصة، وقد انقلبت الأسماءُ على الرَّاوي في الرواية الأُخرى. قال (ك): لا حاجةَ إلى ذلك؛ فإنَّه يُوجب ارتفاعَ الوُثوق عن الرِّوايات كلِّها، ولعلَّه - صلى الله عليه وسلم - شَرب أولًا في بيت حَفْصة، فلمَّا قيل له ما قِيْل تركَ الشُّرب في بيتها، ولم يكُن ثَمَّ تحريم، ولا نُزولُ الآية، ثم بعدَ ذلك شَرب في بيت زينب، فتَظاهرَ عليه عائشةُ وحفصةُ على ذلك القَول، فحيث كُرِّر عليه ذلك حَرَّم العسَل على نفْسه، فنَزلت الآيةُ، ولا محذورَ في هذا التَّقدير، وأما حكاية التَّثنية فباعتبار أنَّ سَودة وهبتْ نوبتَها لعائشةَ، فهي كانت تابعةً لعائشة، ولا يَلزم من عدَم نَوبتها بيومٍ ولا ليلةٍ أنْ لا يَدخلَ عليها، ويَتردَّد إليها. * * *

9 - باب لا طلاق قبل النكاح، وقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا}

9 - بابٌ لَا طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقوْلُ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النكِّاحِ. وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُسيْنٍ، وَشُرَيْحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْقَاسِم، وَسَالِم، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زيدٍ، وَنافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْقَاسِم بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرِو بْنِ هَرِم، وَالشَّعْبِيِّ: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ. (باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 49]) غرَض البخاري من الترجمة: بيانُ أنْ لا طلاقَ قبْلَ النكاح، ومذهب الحنفية صِحَّة الطلاق قبْله، فأرادَ الردَّ عليهم، فعَدَّ ثلاثةً وعشرين من الفُقهاء الأَعلام إشْعارًا بأنَّه يَكادُ أنْ يكون إجماعًا على أنَّ المرأة لا تُطلَّق قبْل النكاح، وكلُّهم تابعيون إلا عليًّا، فإنَّه صحابيٌّ، وإلا ابن هَرِم، فإنه من تابع التابعين. * * *

10 - باب إذا قال لامرأته وهو مكره: هذه أختي، فلا شيء عليه

10 - بابٌ إِذَا قَالَ لاِمْرَأَتِهِ وَهْوَ مُكْرَهٌ: هَذِهِ أُخْتِي، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ إِبرَاهِيمُ لِسَارَةَ: هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللهِ - عزَّ وجلَّ -". (باب: إذا قالَ لامرأَته وهو مُكرَهٌ: هذِه أُختِي، فلا شيءَ عليه)؛ أي: لا يقَع به طلاقٌ. (وقال إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لسارة) موصولٌ في (الهبة)، وفي (الأنبياء). * * * 11 - بابُ الطَّلاقِ فِي الإغْلاَقِ وَالْكُرْهِ، وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا، وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى". وَتَلاَ الشَّعْبِيُّ {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، وَمَا لَا يَجُوزُ مَنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ ".

وَقَالَ عَلِيُّ: بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَلُومُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنتمْ إِلَّا عَبِيدٌ لأَبي، فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ، وَقَالَ عُثْمَانُ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلاَقٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ. وَقَالَ عُقْبةُ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَجُوزُ طَلاَقُ الْمُوَسوِسِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا بَدَا بِالطَّلاَقِ فَلَهُ شَرْطُهُ. وَقَالَ نَافِعٌ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأتهُ الْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وإنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلاَثًا: يُسْئَلُ عَمَّا قَالَ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ، فَإِنْ سَمَّى أَجَلًا أَرَادَهُ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ، جُعِلَ ذَلِكَ فِي دِينهِ وَأَمَانتَهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، نِيَّتُهُ، وَطَلاَقُ كُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ. وَقَالَ قتادَةُ: إذَا قَالَ: إِذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِق ثَلاَثًا، يَغْشَاهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً، فَإِنِ اسْتبانَ حَمْلُهَا فَقَدْ بَانَتْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إذَا قَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، نِيَّتُهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الطَّلاَقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالْعَتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ الله. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنْ قَالَ: مَا أَنْتِ بِامْرَأَتِي، نِيَّتُهُ، وَإِنْ نَوَى طَلاَقًا فَهْوَ مَا نَوَى. وَقَالَ عَلِيُّ: ألمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ؟ وَقَالَ عَلِيُّ: وَكُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ. (باب الطَّلاق في إِغلاقٍ) أي: إكراهٍ؛ لأنَّ المُكرَه يُغلَق عليه في أَمْره، وقيل: كأنه يُغلق عليه البابُ ويُضيَّق عليه حتى يُطلق. (والسكران) عطفٌ على الطَّلاق لا على الإِغْلاق. (ولكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) موصولٌ في (العتق) هكذا. (الموُسْوس) بفتح الواو وكسرها: مِن وَسْوَستْ إليه نفْسُه، والوَسوَسة حديثُ النَّفْس، وقال (ش): قال (ع): بكسر الواو لا غير. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي أقر) موصولٌ في (الحدود). (وقال علي) موصولٌ في (المغازي)، وفي (الشُّرب)، في (باب: بيع الحطَب والكلأ). (ليس بجائز)؛ أي: واقعٍ؛ إذ لا عَقْلَ للأول، ولا اختيارَ للثاني،

وقال الشَّافعي: يقَع طلاقُ السَّكران تغليظًا عليه، وذلك إذا كان مُتعدِّيًا بشُربه. (فله شرطه)؛ أي: فله أنْ يَشترط، ويُعلِّقَ طَلاقَها على شَرْطه، يعني: لا يَلزم أنْ يكون الشَّرط مقدَّمًا على الطَّلاق بل يَصحُّ أن يُقال: أنتِ طالقٌ إنْ دخلتِ الدَّارَ، كما في العكس. (البَتّة) نصبٌ على المصدر. قال النُّحاة: قطْع همزة (البَتَّة) بمَعزِلٍ عن القِياس. قال نافعٌ لابن عُمر: ما حُكم رجلٍ طلَّق امرأَتَه طلاقًا بائنًا إنْ خَرجتْ من البيت؟، فقال ابن عُمر: إنْ خرجَتْ وقَع طَلاقُه. (بُتّت)؛ أي: انقَطعتْ عن الزَّوج بحيث لا رَجْعةَ له فيها، وفي بعضها: (بانَتْ). (وإن لم تخرج)؛ أي: وإنْ لم يحصُل الشَّرط فلا شيءَ عليه. (في دينه)؛ أي: بينه وبين الله - عزَّ وجلَّ -. (نيته)؛ أي: كنايةٌ يُعتَبر فيها قَصْدُه. (يغشاها)؛ أي: يُجامعُها في كلِّ طُهرٍ مرةً لا مرتَين؛ لاحتمال أنَّه بالجِماع الأوَّل صارتْ حاملًا، فطُلِّقَتْ به. (فإن استبان)؛ أي: ظَهَر، واتضَح. (عن وطر)؛ أي: لا يُطلِّق إلا عند الحاجَة مِن نشُوزٍ ونحوه بخلاف العِتْق؛ فإنَّه مطلوبٌ مُطلقًا.

(وقال علي - رضي الله عنه -) وصلَه أبو داود، وابن ماجه، وابن حِبَّان. (يدرك)؛ أي: يَبلُغ. (جائز)؛ أي: واقِعٌ. (المَعْتُوه) ناقصُ العَقْل، وهذا يشمَل الطِّفْل، والمَجنُون، والسَّكْران. * * * 5269 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تتكَلَّمْ". قَالَ قتَادَةُ: إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. الحديث الأول: (أنْفُسَها)؛ نصب على المَفعول، أي: يَلُومها، وقال المُطرِّزي: وأهل اللُّغة يقولُون: (أُنفسُها) بالضم، يُريدون بغير اختيارها. (ما لم تعمل)؛ أي: في العمَليَّات. (أو تتكلم)؛ أي: في القَوليَّات. والمُراد بحديث النَّفْس ما لم يَبلُغ حدَّ الجزْم، ولم يستقرَّ، فأما إذا عَقَد، واستَقرَّ عَزْمه عليه فيُؤاخَذ، حتى لو عزَم على ترْك واجبٍ أو فِعْل مُحرَّمٍ ولو بعد سِنين عصَى الآنَ.

(طلق في نفسه)؛ أي: لم يتكلَّم، ولم يتلَّفظ به. * * * 5270 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسلَمَ أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ زَنَى. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فتَنَحَّى لِشِقِّهِ الَّذِي أَعْرَضَ، فَشَهِدَ عَلَى نفسِهِ أَرْبَعَ شَهَادات، فَدَعَاهُ فَقَالَ: "هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ هَلْ أُحْصِنْتَ؟ " قَالَ: نعَمْ. فَأمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ، جَمَزَ حَتَّى أُدْرِكَ بِالْحَرَّةِ فَقُتِلَ. 5271 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أتى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ فَنَاداهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الأَخِرَ قَدْ زَنَى -يَعْنِي نَفْسَهُ- فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الأَخِرَ قَدْ زنىَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فتَنَحَّى لَهُ الرَّابِعَةَ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نفسِهِ أَرْبَعَ شَهَاداتٍ دَعَاهُ فَقَالَ: "هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهم". وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ. 5272 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ

الأَنْصَارِيَّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أَدْركْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ حَتَّى مَاتَ. الثاني، والثالث: (أن رجلًا) هو ماعِز. وسبَق حديثه مراتٍ. (بالمصلى)؛ أي: مُصلَّى العيد؛ والأكثر أنه مُصلَّى الجَنائز، وهو بَقِيع الغَرْقَد. (جَمَز) بالجيم، والميم، أي: فَرَّ مُسرِعًا، وإنما رَدَّده؛ لأنَّه اتَّهمَه بالجُنون، ورجَمه حين تقرَّر عنده أنه ليس بمجنونٍ. وفيه أنَّه لم يُطالبْه بالإقرار في أربَع مَجالِس مختلفةٍ، وفيه أن المُصلَّى ليس له حُكم المَسجِد، وإلا لمنَع الرجم فيه، وتَلْطيخه بالدَّم. (الأَخِر) بفتح الهمزة المقصورة، وكسر المعجمة، أي: المُتأَخِّر عن السَّعادة المُدْبِر المَنْحُوس، وقيل: الأرْذل، وقيل: اللَّئيم. (قِبَله) بكسر القاف، وفتح المُوحَّدة: جِهتَه. (أربع) نصب على المَفعول المُطلَق، وإنما قُلنا: إنَّ الأربَع إقرارات لا تُعتبر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - "قال: "وَاغْدُ يَا أُنيسُ على امْرَأَةِ هَذَا؟ فَإِن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، ولم يَشترط عدَدًا. (فلما أذلقته) بمعجمةٍ، أي: أصابتْه بحِدَّتها، وقال ابن الأَثِير:

12 - باب الخلع، وكيف الطلاق فيه؟ وقول الله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} إلى قوله {الظالمون}

بلَغَتْ منه الجَهْد حتى قَلِقَ. وقال ابن مُغِيْث في "الوثائق": صَوابه بالمُهملة مِن الانْدِلاق، وإنْ كان يُروى بالمُعجمة. وفيه استِنابة الإمامِ مَن يُقيم عنه الحَدَّ. * * * 12 - بابُ الْخُلْعِ، وَكَيْفَ الطَّلاَقُ فِيهِ؟ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} إِلَى قَوْلِهِ {الظَّالِمُونَ} وَأَجَازَ عُمَرُ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ، وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا، وَقَالَ طَاوُسٌ: {إلا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ: لَا يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ. (باب الخُلْع) قوله: (دون عِقَاص) جمع: عَقيصةٍ، وهي الضَّفيرة، وهي التي تُتخَذ مِن شَعْر رَأْس المرأَة كالرُّمَّانَة، أي: أجازَ الخُلْع بالشيء القَليل. قال (ش): يعني: أنه يَأخُذ منها كلَّ مالِها إلى أن تَكشِفَ له رأْسَها، ويترُكَ لها قِنَاعَها وشِبْهَه.

(ولم يقل قول السفهاء)؛ أي: لم يقُل طاوُس قَول السُّفَهاء: لا يَحِلُّ الخُلْع حتى تقول: لا أَغتَسِلُ لكَ مِن جَنابةٍ، أي: تَمنعه أنْ يطأَها، فتَصير ناشزةً. وظاهره أنَّ قوله: (لم يقُل) مِن كلام البخاري، وحكاه غيرُه عن ابن جُرَيج. * * * 5273 - حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَابِ الثَّقَفِي، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نعم، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً". الحديث الأول: (امرأة ثابت) هي جَمِيْلة بفتح الجيم، وسيَأتي نسَبُها. وثابت -بمثلَّثة- ابن قَيْس بن شَمَّاس، بفتح المعجمة، وتشديد الميم. (ما أعْتب) بضم المثنَّاة، وكسرها، ثم موحَّدة: مِن عَتَب عليه: إذا وَجَد عليه، فإذا فاوَضَه بما عتَبَ عليه، قيل: عاتَبَه، فإذا رجَع إلى

مَسرَّتِكَ، قيل: أعْتَبَ، والاسم العُتْبَي بعد رُجوع المَعتوب عليه إلى ما يُرضِي العاتِبَ. وفي بعضها: (أعيب) بالياء، ثم موحَّدة، أي: لا أَغضَب، ولا أُريد مفارقتَه لسُوء خلُقه، ولا نُقصان دِيْنه، ولكن أَكرهَهُ طَبْعًا، فأخافُ على نفْسي في الإسلام ما يُنافي مقتَضَى الإسلام باسم ما يُنافي نفْس الإِسلام، وهو الكُفر. ويحتمل أنه مِن باب الإِضمار، أي: لكنِّي أكَرهُ لَوازِم الكُفر من المُعاداة، والنِّفاق، والخُصومة، ونحوها. ورُوي أنَّها قالت له: لا أَعتِب عليه لخُلُقٍ أو دينٍ؛ لكني رفَعتُ جانبَ الخِبَاء، فرأَيتُه أقبَل في عِدَّةٍ، فاذا هو في عِدَّةٍ، فإذا هو أشدُّهم سَوادًا، وأقصَرُهم قامةً، وأقبَحهم مَنْظرًا. (حديقة)؛ أي: بُستانه الذي أَعطاها. (أقبل) إلى آخره، هو أَمرُ إرشادٍ وإصلاحٍ لا أمر إيجابٍ وإلزامٍ. قال البُخاري: لم يُتابع أحدٌ عبد الوَهَّاب في لفْظ: (عن ابن عبَّاس)؛ بل رواه غيره إما موقوفًا على عِكْرمة، وإما مُرسَلًا. * * * 5274 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ بِهَذَا، وَقَالَ: "تَرُدِّينَ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نعمْ. فَرَدَّتْهَا، وَأَمَرَهُ يُطَلِّقْهَا.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَطَلَقْهَا". 5275 - وَعَنِ ابْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لَا أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ، وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فترُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. الثاني: (أن أُخت عبد الله بن أُبَيّ) كذا جَرى عليه (ك). قال (ش): صوابُه أنها بنت عبد الله بن أُبَيٍّ لا أُختُه، واسمها جَميلة، وهذه رواية أهل البَصرة أنَّ جَميلة هي المُختلِعة مِن ثابت، وكانتْ نَشَزتْ عليه لدمامتِه. وأهل المدينة يقولون: إنَّ المُختلِعة من ثابت: حَبِيْبة بنت سَهْل الأنصاريِّ، وكان في خُلُقِ ثابتٍ شدَّةٌ، فضَربَها، فاختلَعتْ منه، فتزوَّجها أُبَيُّ بنُ كعب، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَراد أنْ يتزوَّجَها وهي جاريةٌ قبْل ثابتٍ، فكَرِهَ ذلك لغَيْرة الأَنْصار، كَرِه أن يَسومَهم في نِسائهم. قال أبو عُمر: يَجوز أن تكون حَبِيْبَة وجَميلة اختلَعتا من ثابِت بن قَيْس.

(وقال إبراهيم بن طَهْمان) وصلَه الإسماعيلي في "المُستخرَج". (لا أُطيقه)؛ أي: لا أُطيقُ مُعاشرته، وفي بعضها: (لا أُطيِعه) (¬1). * * * 5276 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ، إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فتَرُدِّينَ عَلَيهِ حَدِيقَتَهُ؟ " فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا. 5277 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ جَمِيلَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. الثالث: (أخاف الكفر)؛ أي: مُقتضياتِه، ولَوازمَه، ففيه إضمارٌ، أو هو مَجاز عن مُنافي مُقتضَى الإسلام. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "أطابقه"، والمثبت من "الكواكب الدراري" (19/ 199).

13 - باب الشقاق، وهل يشير بالخلع عند الضرورة؟

13 - بابُ الشِّقَاقِ، وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؟ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلهِ: {خَبِيرًا}. (باب الشِّقاق، وهل يُشير بالصُّلْح عند الضَّرورة؟) في بعضِها: (الضَّرَر). 5278 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ استَأْذَنُوا فِي أَنْ يَنْكِحَ عَلِيٌّ ابْنتَهُمْ، فَلَا آذَنُ". (بني المُغيرة) سبَق أنه لا مُنافاة بين هذا وبين رواية أنَّها من بَنِي هِشَام، وفي (الجهاد): (بنت أبي جَهْل)؛ لأنَّ أبا جَهْل هو عمرو بن هِشَام بن المُغيرة المَخْزُومي. ووجه مُطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ فاطمةَ ما كانتْ تَرضَى بذلك، فكان الشِّقاق بينها وبين عليٍّ مُتوقَّعًا، فأراد - صلى الله عليه وسلم - نفْيَ وُقوعه. قيل: أو ذلك يُفهَم من باقي الحديث، وهو: (إلا أَنْ يُريدَ عليٌّ أنْ يُطلِّقَ ابنَتِي)، فيكون من بابِ الإشارةِ بالخُلْع، كذا أجابَ (ط). وقيل: هو مِن قوله: (فلا آذَنُ لَهُم)؛ لأنَّه أشار على عليٍّ بعدَم نكاح ابنَتِهم، ومنَعَه به.

14 - باب لا يكون بيع الأمة طلاقا

وبهذا يحصُل الجواب عن توقُّف السَّفَاقُسي في مُطابقة الحديث للتَّرجمة بالشِّقاق، والإشارةِ بالخُلْع عند الضرورة. * * * 14 - بابٌ لَا يَكُونُ بَيْع الأَمَةِ طَلاَقًا (باب: لا يكُون بَيْع الأَمَةِ طَلاقًا) 5279 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: إِحْدَى السُّنَنِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ، فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: "أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ فِيهَا لَحْمٌ؟ " قَالُوا: بَلَى، وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَأَنْتَ لَا تأكلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: "عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلنا هَدِيَّةٌ". وجه مُطابَقة حديث بَرِيْرَة لذلك: أنَّه إذا لم يكُن العِتْق طَلاقًا؛ فالبَيع بطَريق الأَولى، فلو كان ذلك طَلاقًا لمَا خيَّرها - صلى الله عليه وسلم -. * * *

15 - باب خيار الأمة تحت العبد

15 - بابُ خِيَارِ الأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ (باب خِيار الأَمَة تحتَ العبْد) 5280 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَهَمَّام، عَنْ قتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا؛ يَعْنِي: زَوْجَ بَرِيرَةَ. 5281 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْب، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَاكَ مُغِيث عَبْدُ بَنِي فُلاَنٍ -يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يتبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، يَبْكِي عَلَيهَا. 5282 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ، يُقَالُ لَهُ: مُغِيث، عَبْدًا لِبَنِي فُلاَنٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيهِ يَطُوفُ وَرَاءَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ. الحديثان فيه معناهما ظاهرٌ. * * *

16 - باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوج بريرة

16 - بابُ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي زَوجِ بَرِيْرَة (باب شَفاعة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في زَوج بَرِيْرَة) 5283 - حَدثَنا: مُحَمَّدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيتهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبَّاسٍ: "يَا عَبَّاسُ! أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ " فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ رَاجَعْتِهِ"، قَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ! تأمُرُنِي؟ قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ"، قَالَتْ: لا حَاجَةَ لِي فِيهِ. (ألا تعجب) مَحلُّ التعجُّب أنَّ الغالِبَ في العادة أنَّ المُحِبَّ لا يكون إلا مَحبُوبًا، وبالعكس. (لو راجعته) في بعضها: (رَاجَعْتِيْه) بإشباع الكسرة ياءً. وفيه شفاعة الإمام إلى الرَّعيَّة، وهو من مَكارم الأخلاق، وعدَم وُجوب قَبولها؛ فإنَّ العَداوة لضِيْق الخُلُقِ، وخُبْث العِشْرة، ونحوه جائزٌ، وأنَّه لا بأْسَ بالنَّظَر إلى مَن يُريد خِطْبتَها، وباتِّباعه إيَّاها، ومعنى المُراجعة غير الرَّجعة التي تكون بين الزَّوجَين في الطَّلاق الرَّجْعي، ولهذا احتاجَ إلى الشَّفاعة، وأنه لا حَرجَ على المسلم في حُبِّ المرأَة

17 - باب

المُسلمة، وإنْ أفرَطَ فيه ما لم يأْتِ مُحرَّمًا. * * * 17 - بابٌ (بابٌ) 5284 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ: أَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، فَأَبَى مَوَالِيهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلاَءَ، فَذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مَا تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ". حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَزَادَ: فَخُيِّرَتْ مِنْ زَوْجِهَا. فيه حديث بَرِيْرَة السابق، وزيادة: (فخُيِّرتْ من زوجها). * * * 18 - بابُ قَوْلِ الله تَعالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (باب قَول - عزَّ وجلَّ -: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]) 5285 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ

19 - باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن

إِذَا سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ النَّصْرَانِيّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ، قَالَ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أَعْلَمُ مِنَ الإشْرَاكِ شَيْئًا أكبَر مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأةُ: رَبُّهَا عِيسَى، وَهْوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ. (أكبر) بالمُوحَّدة، والمُثلَّثة، وهو إشارةٌ إلى ما قالت النَّصارى: المَسيح ابنُ اللهِ، وقالت اليهود: عُزَيرٌ ابن اللهِ، تعالى الله عنْ إِفْكهم، وكان مذهبُه أن لا يحلَّ للمُسلم نكاحُ الكتابيَّة؛ لأنها مُشركة. وجوَّزه الجمهور قائلين: بأنَّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5]، وباب الحِلِّ فيهنَّ: أن أوَّل آبائها آمَن مِن قبْل التَّحريف، وذلك قبْل قَولهم بالإشْراك، فباعتبار الآباء لَسْنَ من أهل الشِّرْك؛ لأنَّهم تمسَّكوا بذلك الدِّين حين كان حقًّا. * * * 19 - بابُ نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ وَعِدَّتِهِنَّ (باب نِكاحِ مَن أسلَم من المُشرِكات) 5286 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُؤْمِنِينَ، كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ،

وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يُقَاتِلُونه، وَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكِّاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ، وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ ذَكرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا، وَرُدَّتْ أَثمَانُهُمْ. 5287 - وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتْ قَرِيبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَطَلَّقَهَا، فتزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكَم ابْنَةُ أَبِي سُفْيَانَ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ الْفِهْرِيِّ فَطَلَّقَهَا، فتزَوَّجَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِي. (وقال عطاء) عطَفه إشعارًا بأنَّ له أقوالًا أُخرى. (ثم ذكر)؛ أي: عطاء مثْل قَول مُجاهد مِن قصَّة أهل العَهْد مثْل حديث مُجاهد، وحديثُه يحتمل أنه المَذكور من بعدُ، وهو: وإن هاجَر عبدٌ أو أمةٌ للمُشركين أهلِ العهد لم يُرَدُّوا، ورُدَّت أثْمانُهم، وهذا من باب فِداء أَسرى المُسلمين، ولم يَجُز تملُّكهم؛ لارتفاع عِلَّة الاستِرقاق التي هي الكُفر فيهم. (قَرِيْبهُ) بفتح القاف وضمها: ابنة أبي أُمَية، بضم الهمزة. * * *

20 - باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي

20 - بابٌ إِذَا أَسْلَمَتِ الْمُشْرِكَةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أَوِ الْحَرْبِيِّ وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس: إِذَا أَسْلَمَتِ النَّصْرَانِيّةُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ داوُدُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ: سُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ، أَهِيَ امْرَأتهُ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ يَتزَوَّجُهَا. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقتادَةُ فِي مَجُوسِيَّيْنِ أَسْلَمَا: هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَبَى الآخَرُ بَانَتْ، لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: امْرَأةٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ جَاءَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، أيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا}؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ. وقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ قُرَيْشٍ. (باب: إذا أَسلمَت النَّصرانية أو المُشرِكة تحت الذِّمِّي أو الحَربِيِّ) قوله: (وقال ابن جُريج) أخرجه عبد الرزَّاق.

(أيُعَاض) من العِوَض، وفي بعضها: (تُعَاوَض) مِن المُعاوَضة. (قال مجاهد) أخرجه عبْدُ بن حُمَيد في "تفسيره". * * * 5288 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي يُونس، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} إلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَتْ عَائشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِاَلْمِحْنَةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْطَلِقْنَ، فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ"، لَا وَاللهِ! مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلاَمِ، وَاللهِ! مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النِّسَاءَ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ؛ اللهُ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: "قَدْ بَايَعْتُكُنَّ"، كَلاَمًا. (وقال إبراهيم بن المنذر) أخرجه الذُّهْلي في "الزُّهْريات". (فامتحنوهن) المِحنَة: الاختِبار. (فمن أقر)؛ أي: من أقرَّ بعدَم الإشراك ونحوه؛ فقد أقرَّ بوُقوع المِحنَة، ولم يُحوجه في وُقوعها إلى المُبايَعة باليَدِ ونحوها، ولهذا في

21 - باب قول الله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} إلى قوله: {سميع عليم}

باقي الرِّوايات كان يقول: انطَلِقْنَ، فقد حصَل الامتِحان. ويحتمل أن يُقال: الشَّرط في المَجيء مُهاجراتٍ، يعني: مَن اعتَرف بوُجوب الهِجْرة اعتَرف بوُجوب المِحنة، والأَول هو الأَولى. * * * 21 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فَإِنْ فَاؤا: رَجَعُوا. (باب قَول الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226]) 5289 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُويسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: آلَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". الحديث الأول: (آلَى)؛ أي: حلَفَ، لا الإِيْلاء المَذكور في الآية. * * *

5290 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُولُ فِي الإيلاَءِ الَّذِي سَمَّى اللهُ: لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدَ الأَجَلِ إِلَّا أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يَعْزِمَ بِالطَّلاَقِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -. 5291 - وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ حَتَّى يُطَلِّقَ. وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْداءِ، وَعَائِشَةَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (بعد الأجل)؛ أي: الأَربعة الأَشهر. (وقال إسماعيل) لم يقُل: حدَّثني؛ للفَرْق بين ما يكون بالمُذاكَرة، وبقَصْد التَّحمُّل. (يوقف)؛ أي: يُحبَس، ولا يقَع الطَّلاق بعد انقِضاء المُدَّة، والامتِناعِ من الفَيْئَة. وقال أبو حنيفة: إذا مضَت الأربعةُ الأشهُر بانَتْ بتطليقةٍ بنفْسها. وقال الشافعي: إن أَبَى الزَّوجُ يُطلِّقُها القاضي. * * *

22 - باب حكم المفقود في أهله وماله

22 - بابُ حُكْمِ الْمَفْقُودِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ عِنْدَ الْقِتَالِ تَرَبَّصُ امْرَأتُهُ سَنَةً. واشْتَرَى ابْنُ مَسْعُودٍ جَارِيَةً، وَالْتَمَسَ صَاحِبَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْهُ وَفُقِدَ، فَأخَذَ يُعْطِي الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَنْ فُلاَنٍ وَعَلَيَّ. وَقَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا بِاللُّقَطَةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأَسِيرِ يُعْلَمُ مَكَانُهُ: لَا تتَزَوَّجُ امْرَأتُهُ، وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ، فَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَسُنَّتُهُ سُنَّةُ الْمَفْقُودِ. (باب حُكم المَفقود في أَهلِه ومالِه) قوله: (يعطي الدرهم والدرهمين)؛ أي: من ثَمَن الجارية، ويقول: اللهمَّ تقبَّل من فُلان، أي: صاحب الجارِيَة، فإنَّ أبى؛ فالثَّواب والعِقَاب مُلتبساتٌ بي، أو فالثَّواب لي، وعليَّ دَينُه من ثَمنه. (سنة لمفقود)؛ أي: حُكمه. * * * 5292 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: "خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"، وَسُئِلَ عَنْ

ضَالَّةِ الإبِلِ، فَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ وَجْنتَاهُ، وَقَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا الْحِذَاءُ وَالسِّقَاءُ، تَشْرَبُ الْمَاءَ، وَتأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا"، وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: "اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، وَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا، وَإِلَّا فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ". قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ سُفْيَانُ: وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ فِي أَمْرِ الضَّالَّةِ، هُوَ عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ يَحْيَى: وَيَقُولُ رَبِيعَةُ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ فَقُلْتُ لَهُ. (عن يزيد)؛ أي: مَولى المُنبَعِث، فالحديث مُرسَلٌ، لأنه تابعيٌّ إلا أنَّه في الآخِر قال: إنَّه يَرويه عن زَيد بن خالد، فاتصَلَ. وسبَق الحديث في (كتاب العلم). (فقلت له) ليس فيه تَكريرٌ؛ لأنَّ المَفعول الثاني له هو ما نقلَه عن يحيى، وهو غيرُ ما قالَه له أوَّلًا. قيل: ومقصودُه من إيْراد حديث اللُّقَطة هنا أنَّ المفقودَ زوجُها تعارضَتْ فيها الأَدلَّة، هل تُفسَخ، أو تَصبِر أبدًا؟، وذلك أنه اشتَمَل على الغُنْم الذي يُخافُ ضَياعُه، وأذنَ في التَّصرُّف فيه، فكذلك المَرأة لضَعْفها وعدَم القُدرة على حُقوقها تتصرَّف في نفْسها بعد حُكم القاضي، وعلى الإبِل التي لا يُخاف ضَياعُه، وتستمرُّ حالُه، وكذا

23 - باب {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى قوله {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا}

المَرأَة تَستمرُّ على بَقاء النِّكاح إلى وقْت وَفاتِه. قال (ط): وجْه الاستِدلال به: أنَّ الضالَّة كالمَفقُود، فكما لم يُزَل مِلْك المالك عنها، فكذلك يجب أن يكون النِّكاح باقيًا بينهما. * * * 23 - بابٌ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إِلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ: عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ، فَقَالَ: نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ. قَالَ مَالِكٌ: وَصِيَامُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ: ظِهَارُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ سَوَاءٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنَ النِّسَاءِ، وَفِي الْعَرَبِيَّةِ لِما قَالُوا؛ أَيْ: فِيمَا قَالُوا، وَفِي بَعْضِ مَا قَالُوا، وَهَذَا أَوْلَى؛ لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ. (باب الظهار) هو تَشْبيهُ المكلَّف الزَّوجةَ غير البائن أو جُزءَها بجُزءٍ مَحرمٍ أُنْثَى لم تكُن حلالًا له قَطُّ.

24 - باب الإشارة في الطلاق والأمور

(الحسن بن الحر) في بعضها: (الحسَن بن حَيٍّ) ضِد المَيِّت. (وفي العربية)؛ أي: يُستعمل في كلام العرَب: عادَ لمَا قال، أي: عادَ فيه، أي: نقَضَه وأبطَلَه. وقال الزَّمَخْشَري: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3]، أي: ثم يَتداركُون ما قالوا؛ لأنَّ المُتدارِك للأمر عائدٌ إليه، أي: تَداركَه بالإصلاح بأَنْ يُكفِّر عنه. (وفي نقض ما قالوا، وهذا أولى)؛ أي: أَولى مما قالُوا: إنَّ معنى العَود هو تَكرارُ لفْظ الظِّهار. وغَرَض البُخاري الرَّدُّ على داوُد الظَّاهري حيث يقول: العَوْد تَكريرُ لفْظ الظِّهار، أي: لو كان كما زَعَم لكان اللهُ دالًّا على المُنكَر، وقَولِ الزُّورِ، تعالى الله عن ذلك. فالعَود عند الشَّافعي: الإِمْساك بعد لحظةً، وعند الحنفي: إرادةُ الجِماع، وعند المالكي: الجِماعُ نفْسُه، وعند الظاهرية: إعادةُ لفْظ الظِّهار. * * * 24 - بابُ الإِشَارَةِ فِي الطَّلاَقِ وَالأمُورِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُعَذِّبُ اللهُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَكِنْ

يُعَذِّبُ بِهَذَا"، فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. وَقَالَ كعْبُ بْنُ مَالِكٍ: أَشَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيَّ، أَيْ: خُذِ النِّصْفَ. وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكُسُوفِ، فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا شَاْنُ النَّاسِ؟ وَهْيَ تُصَلِّي، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلْتُ: آيَة؟ فَأَوْمَأَتْ بِرَأسِهَا؛ أَنْ نَعَمْ. وَقَالَ أَنسٌ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ: لَا حَرَجَ. وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ: "آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْها، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَكُلُوا". (باب الإشارةِ في الطَّلاق، والأُمور) قوله: (وقال ابن عُمر) موصولٌ في (الجنائز). (بدمع العين)؛ أي: بالبُكاء على المَريض في الجَنائز. (وقال كعب) موصولٌ في (الملازمة)، في (باب: التقاضي في المسجد). (وقالت أسماء) موصولٌ في (الصلاة). (وقال أنس) موصولٌ في (الصلاة) أيضًا. (وقال ابن عباس) موصولٌ في (العلم). (وقال أبو قتادة) موصولٌ في (الحج)، في (باب: لا يشير

المحرم إلى الصيد). 5293 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِر عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَانَ كُلَّمَا أتى عَلَى الرُّكنِ أَشَارَ إلَيْهِ، وَكبَّر. وَقَالَتْ زينَبُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فُتِحَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ"، وَعَقَدَ تِسْعِينَ. الحديث الأول: ظاهر المعنى. (حدثنا أبو عامر) هو العَقَدِي. (حدثنا إبراهيم) هو ابن طَهْمان. (عن خالد) هو الحَذَّاء. (وقالت زينب) موصولٌ في أواخر (أحاديث الأنبياء). والإشارةُ في حديثِها باعتِبار أنَّ عقْد الأصابع نَوعُ إشارةٍ. * * * 5294 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَسَأَلَ

اللهَ خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ"، وَقَالَ بِيَدِهِ؛ وَوَضَعَ أَنْمَلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ. قُلْنَا: يُزَهِّدُهَا. 5295 - وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَارِيَةٍ، فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا، وَرَضَخَ رَأْسَهَا، فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ، وَقَدْ أُصْمِتَتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قتلَكِ؟ فُلاَنٌ؟ "؛ لِغَيْرِ الَّذِي قتلَهَا، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا؛ أَنْ: لَا، قَالَ: فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي قتلَهَا، فَأَشَارَتْ؛ أَنْ: لَا، فَقَالَ: "فَفُلاَنٌ"؛ لِقَاتِلِهَا، فَأَشَارَتْ؟ أَنْ: نَعَمْ، فَأمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُضخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. الثاني: (وقال بيده)؛ أي: أشارَ إليها، ويَحتمل أنَّه وضَعَ الأَنْمُلة على الوُسطَى إيماءً إلى أنَّ تلْك السَّاعة في وسَط النَّهار، وعلى الخِنْصَر إلى أنَّها في آخِر النَّهار. (أنملة) فيها عَشْر لُغاتٍ مشهورةٍ. (يزهدها) من التَّزهيد، وهو التَّقليل. ومرَّ الحديث في (باب: الساعة التي في يوم الجمعة) بلفظ: (وأشارَ بيَدِه يُقلِّلُها).

(وقال الأويسي) وصلَه أبو نُعيم في "المستخرَج". (عدا) بمهملتين: ظَلَمَ. (أوْضَاحًا)؛ أي: حُلِيًّا من الدَّراهم الصِّحاح، سُمِّي بذلك لوُضوحها، وبَياضها، وصَفائها. (رضخ) بمعجمتين، أي: كَسَرَ. (رمق): بقيَّة الرُّوح. (أُصْمِتَت) مبنيٌّ للمفعول وللفاعل بمعنى: سَكتَتْ، وهو الصُّموت، والإِصْمات. (فلان)؛ أي: أقتَلكِ فُلانٌ؟، وهذا كان لأَجْل غير الذي قتَلَها، أي: لم يكُن فُلانٌ عبارةً عن القاتِل. (فأمر به)؛ أي: بعد اعتِراف اليَهوديِّ بأنه قاتِلُها. وسبق صريحًا في (باب: الخصومات)، وسيأتي في (الدِّيَات). وفيه ثُبوت القِصَاص بالمُثَقَّل خِلافًا للحنفيَّة. * * * 5296 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْفِتْنَةُ مِنْ هُنَا"، وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ. 5297 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ،

عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ أَمْسَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ أَمْسَيْتَ؛ إِنَّ عَلَيْكَ نهارًا، ثُمَّ قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ"، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ، فَقَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". الثالث، والرابع: (لرجل) هو بِلالٌ. (انزل فاجدح) بجيم، ثم مهملتين، أي: بُلَّ السَّويقَ بالماءِ. (أفْطِر)؛ أي: دخَل وقْتُ الإفْطار، نحو: أحْصَدَ الزَّرعُ. وسبق في (باب: متى يحل فطر الصَّائم؟). * * * 5298 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُم نِدَاءُ بِلاَلٍ -أَوْ قَالَ: أَذَانُهُ- مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّمَا يُنَادِي -أَوْ قَالَ: يُؤَذِّنُ- لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ"؛ كَأَنَّهُ يَعْنِي: الصُّبْحَ أَوِ الْفَجْرَ، وَأَظْهَرَ يَزِيدُ يَدَيْهِ ثُمَّ مَدَّ

إِحْدَاهُمَا مِنَ الأُخْرَى. الخامس: (سُحوره) بالضم: التَّسحُّر. (ليرجع) بتخفيف الجيم المَكسورة. (قائمكم) مرفوعٌ ومنصوبٌ باعتبار أنَّ يَرجِع من الرُّجوع، أو الرَّجْع، والقائم هو المُتهجِّد، أي: يَعود إلى الاستِراحة بأَنْ يَنام ساعةً قبل الصُّبْح. (كأنّه) غرضه أنَّ اسم (ليس) هو (الصُّبْح). وهذا الحديث مختصرٌ من الحديث الذي مرَّ في (باب: الأذان قبل الفجر)، يعني: ليس الصُّبْح المُعتبَر هو أن يكون الضَّوء مُستَطيلًا مِن العَوالِي إلى السُّفْل، وهو الكاذِب؛ بل الصُّبْح هو الضَّوء المُعترِض من اليَمين إلى الشِّمال، وهو الصَّادق. (ثم مد إحداهما من الأُخرى) إشارةً إلى الصَّادق، ويحتمل أن يكون مَحذوفًا من اللَّفْظ، والمَذكور كلُّه يكون بَيانًا للصَّادق، ومعنى: (أَظهَر) أنَّه جعَل إحدَى يدَيه على ظَهْر الأُخرى، ومدَّها عنها. * * * 5299 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ

الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ شَيْئًا إِلَّا مَادَّتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُجنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ يُنْفِقُ إلَّا لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا، فَهْوَ يُوسِعُهَا فَلَا تتَّسِعُ"، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إلَى حَلْقِهِ. (وقال الليث) موصولٌ في (الزكاة). (جبتان) بالمُوحَّدة، وفي بعضها بالنُّون. (مادت) بالدال، وفي بعضها: (مَارَتْ) بالرَّاء، مِن المَور، وهو المَجيء والذَّهاب. (تجنّ)؛ أي: تَستُر، وتُخفِي، ومنه: المِجَنُّ للتُّرْس، وفيه ضَبْطان: فتح المثنَّاة، وضم الجيم، وضَمُّ المثنَّاة، وكَسْر الجيم على أنَّه رباعيٌّ. (بنانه)؛ أي: أَطْراف أَصابعِه. (وتعفو أثره)؛ أي: يَنْمَحي، ومنه العَفْو: مَحوُ الذُّنوب. ومرَّ الحديث في (الزكاة)، في (باب: مَثَلُ المتصدق). * * *

25 - باب اللعان

25 - بابُ اللِّعَانِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {مِنَ الصَّادِقِينَ}، فَإِذَا قَذَفَ الأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ، فَهْوَ كَالْمُتكَلِّمِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَجَازَ الإشَارَةَ فِي الْفَرَائِضِ، وَهْوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {إلا رَمْزًا}: إِشَارَةً. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، ثُمَّ زَعَمَ: أَنَّ الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَالْقَذْفِ فَرْقٌ، فَإِنْ قَالَ: الْقَذْفُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِكَلاَمٍ، قِيلَ لَهُ: كذَلِكَ الطَّلاَقُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِكَلاَمٍ، وَإِلَّا بَطَلَ الطَّلاَقُ وَالْقَذْفُ، وَكذَلِكَ الْعِتْقُ، وَكذَلِكَ الأَصَمُّ يُلاَعِنُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقتادَةُ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ. وَقَالَ إِبْراهِيمُ: الأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ. وَقَالَ حَمَّادٌ: الأَخْرَسُ وَالأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ جَازَ.

(باب اللِّعان) وهو أن يقول الزَّوج أربَعَ مرَّاتٍ: أَشهدُ بالله ... إلى آخِره، مأْخوذٌ من قَول الزَّوج في الخامسة: لَعْنةُ اللهِ عليه إنْ كان من الكاذِبِين، أو لأنَّ اللَّعن الإِبْعادُ، وكُلٌّ من الزَّوجين يَبعُد بذلك عن صاحبه. (أو إشارة أو بإيماء) المُتبادر للذِّهن في الفَرْق بينهما أنَّ الإشارة باليَدِ، والإيماءَ بالرَّأْس، أو الجَفْن، ونحوه. (معروف)؛ أي: يكون مفهومًا معلومًا، أو أَرادَ مَعهودًا، أو أَرادَ الصَّريحَ من الإِشارة، وهو ما يُفهَم لكلِّ أحدٍ لا الكِناية، وهو ما يَفهمُه الفَطِنُ. (في الفرائض)؛ أي: كما في الصَّلاة؛ فإنَّ العاجِزَ عن غير الإشارةِ يُصلِّي بالإشارة، ولا يُنافي هذا تعريف اللِّعان بأنْ يقول: كذا وكذا؛ لأنَّ الأشارةَ المَفهومةَ قائمة مَقامَه. وقال (ط): احتجَّ البُخاريُّ بقوله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: 29]، على صِحَّته إذْ عَرَفوا من إشارتها ما يَعرفونَه مِن نُطقِها، وبقوله تعالى: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلا رَمْزًا} [آل عمران: 41]، أي: إشارةً، ولولا أنَّه يُفهم منه ما يُفهم من الكلام لم يُستَثْن الرَّمز من الكلام. قال المُهلَّب: وقد تكُون الإشارةُ في كثيرٍ من أبواب الفِقه أَقوَى

من الكَلام مثل: "بُعِثْتُ أَنا والسَّاعَةُ كهاتَيْنِ"، ومتى يَبلُغ البَيان إلى ما بلَغت الإشارةُ إليه بما بينهما مِن مِقدار زيادَة الوُسطَى على السبَّابة. (بعض الناس) يُريد الحنفيَّةَ، حيث قالوا: لا حَدَّ على الأَخْرس؛ إذ لا اعتِبارَ لقَذْفه، وكذا لا لِعَانَ، وقالوا: إنْ طلَّق يُعتبَر طلاقُه، وفي بعضها: (أي: طلَّقُوا)؛ أي: جَماعة الخُرْس. قال صاحب "الهداية": قَذْف الأَخْرس لا يتعلَّق به اللِّعان؛ لأنه يتعلَّق بالتَّصريح كحَدِّ القَذْف، ثم قال: ولا يُحَدُّ بالإشارة في القَذْف؛ لانعِدام القَذْف صَريحًا. قال: وطَلاق الأَخْرس واقعٌ بالإشارة؛ لأنَّها صارتْ معهودةً، فأُقيمت مُقامَ العِبارة دفْعًا للحاجة. وغرَض البُخاري أنَّهم تحكَّموا حيث قالوا: لا اعتِبار لقَذْف الأَخْرس، واعتبَروا طَلاقَه. (وإلا بطل) إنْ لَم يقولوا بالفَرْق، فلا بُدَّ من بُطلان كليهما لا بُطلان القَذْف فقط، وكذلك العِتْق أيضًا حُكمه حُكم القَذْف، فيجب أيضًا أنْ تَبطُل إشارتُه بالعِتْق، ولكنَّهم قالوا بصحَّة عِتْقه. (بإشارته)؛ أي: أَشارَ بيدِه مثلًا، وفي بعضها: (إذا قالَ: أنتِ طالق، وأَشارَ بأَصابعِه). ومعنى قول الأخرس ذلك القَولَ بإشارتهِ باليَدِ، فـ: (أَشارَ بأَصابعِه) تفسيرٌ لقوله: (أنتِ طالقٌ)، يعني: إذا أَشارَ بأُصبَعه مُريدًا

طلاقَها تَصير بذلك بائنةً. ويحتمل أن الشَّعْبِيَّ إنما يُريد بذلك الناطِقَ لا الأَخرَس، ويكون معناه: إذا قال المتكلِّم: أنتِ طالقٌ، وأشارَ بالأُصبَع إلى عدَد الطَّلَقات الثَّلاث تَبِيْن منه البَينونة الكُبرى بمقتضَى الإشارة. قال (ط): اختُلف في لِعان الأَخْرَس، فقال الكوفيون: لا يصحُّ قَذْفه، ولا لِعانُه، فإذا قذَفَ امرأتَه بإشارته لم يُحدَّ، ولم يُلاعِن، وقالوا: يَلزم الأَخرسَ الطَّلاقُ والبَيعُ. وقال أبو حنيفة: إنْ كانتْ إشارتُه تُعرف في طَلاقه، ونكاحه، وبَيعه، وكان ذلك منه معروفًا فهو جائزٌ عليه، وليس ذلك بقياسٍ، وانما هو استِحسانٌ، والقياس في هذا كلِّه أنه باطلٌ. قال (ط): وفي ذلك إقرارٌ منه بأنه حُكمٌ بالباطل؛ لأنَّ القياس عنده حقٌّ، فإذا حكمَ بضِدِّه وهو الاستِحسان فقد حكَم بضِدِّ الحقِّ، ودفَع القياسَ الذي هو حقٌّ. قال: وأظنُّ البخاريَّ حاول بهذا الباب الردَّ عليه؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حكَم بالإشارة في هذه الأحاديث، وجعل ذلك شَرعًا لأُمتِه. * * * 5300 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ " قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "بَنُو

النَّجَّارِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهمْ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهمْ بَنُو سَاعِدَةَ"، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ؛ فَقَبَضَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ بَسَطَهُنَّ، كَالرَّامِي بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ". الحديث الأول: (بنو النَجّار) بفتح النون، وشدَّة الجيم، وبالراء. (الأشْهَل) بفتح الهمزة، والهاء، وسُكون المعجَمة، وباللام. (الخَزْرجَ) بفتح الجيم، وسُكون الزاي، وفتح الراء، وبالجيم. (سَاعِدة) بكسر المهملة الوُسطَى. * * * 5301 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صاحِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ" أَوْ: "كهَاتَيْنِ"، وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابة وَالْوُسْطَى. الثاني: (صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ذُكر مع أنَّ صُحبته مَعلومةٌ تَعظِمةً للعالِم به، وإعلام للجاهل.

(والساعة) قال أبو البقاء: لا يجوز فيه إلا النَّصب، والواو فيه بمعنى (مع)، والمُراد به المُقاربَة، ولو رُفع لفَسَد المَعنى؛ إذ لا يقال: بُعثتْ السَّاعةُ، ولا في مَوضع المَرفوع؛ لأنَّها لم تُوجَد بعدُ. وقال (ع): الأحسَن رفْع (الساعة) عَطْفًا على ما لم يُسمَّ فاعلُه في (بُعثتُ)، ويَجوز النَّصب على المَفعول معه كـ: جاء البَردُ والطَّيالِسَةَ، أو على فِعلٍ مُضمَرٍ يدلُّ عليه الحالُ، أي: فاستَعِدُّوا الطَّيالِسَةَ، ويُقدَّر هنا: فانتَظِرُوا السَّاعةَ. (أو كهاتين) شكٌّ من الراوي، وهو في موضع نصبٍ على الحال، أي: مُقتَرنيَن. قال القُرطبيُّ: فعلى النَّصب يقَع التَّشبيه بالضمِّ، وعلى الرفْع يحتمِل هذا، ويحتمل أنْ يقَع بالتَّقارُب الذي بين السَّبَّابة والوُسطَى في الطُّول، ويدلُّ عليه قَول قَتادة في روايته: (فَضْلُ إِحداهما على الأُخرى). ويُعلم منه أنه آخِر الأنبياء ليس بعدَه نبيٌّ، ولا يَلحَق شَرعَه نسَخٌ، والمُراد بتَقريبِه الزَّمان، وقد مضَى إلى يومنا مِئُونَ من السِّنين أنَّ ذلك بالنِّسبَة. قال (خ): يُريد أنَّ ما بيني وبين السَّاعة مِن مُستقبَل الزَّمان بالقياس إلى ما مضَى منه مِقدارُ فَضْل الوُسطَى على السبَّابة، ولو أَراد غيرَ هذا المَعنى لكان قيام السَّاعة مع بعثَتهِ في زمانٍ واحدٍ. * * *

5302 - حَدَّثَنَا آدَم، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا"؛ يَعْنِي: ثَلاَثِينَ، ثُمَّ قَالَ: "وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا"؛ يَعْنِي: تِسْعًا وَعِشْرِينَ؛ يَقُولُ: مَرَّةً ثَلاَثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ. الثالث: سبق مراتٍ. * * * 5303 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: وَأَشَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ: "الإيمَانُ هَا هُنَا -مَرَّتَيْنِ- أَلاَ وإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ؛ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". الرابع: (الإيمان يمان)؛ أي: لأنَّ مَبدأ الإيمان من مكَّة، وهي يَمانيَةٌ، وقيل: الغرَض وَصْف أهل اليمَن بكَمال الإيمانِ. (الفَدَّادِين) بالتَّشديد، جمع: فَدَّاد، وهو الشَّديد الصَّوت، أي: الذين تَعلُو أصواتُهم في حُروثهم ومَواشيهم، وبالتَّخفيف جمع: فَدَّان بالتشديد، ونُونه أصليةٌ لا حرفُ إعرابٍ، وهو آلة الحَرْث، وإنما ذَمَّ أهلَه، لأنَّه يَشغَل عن أَمر الدِّين، وتكون معَها قَسَاوة القَلْب، ونحوها.

(قرنا الشيطان)؛ أي: جانِبَا رأْسِه، وذلك أنه يَنتصِبُ في مُحاذاة مَطلِعِ الشَّمس، فإذا طلعتْ كانتْ بين قَرنيَه، فتقَع سجدةُ عبَدَة الشَمس له. (ربيعة ومضر) قبيلتانِ في جهة المَشرق. وسبق الحديث في (بدء الخلق)، في (باب: الجن). * * * 5304 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وأَناَ وَكَافِلُ الْيتيم فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا"؛ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. الخامس: (وكافل اليتيم)؛ أي: القائم بأَمره، ومَصالِحه. (وَفَرّج)؛ أي: إشارةً إلى التَّفاوُت بين درجة الأَنبياء، وآحاد الأُمة. قيل: لمَّا قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك استَوَتْ سبَّابتُه ووُسطاه استِواء بَيِّنًا في تلْك السَّاعة، ثم عادَتا إلى حالهما الطَّبيعية الأصليَّة، وذلك لتَوكيد أَمْر كَفالَة اليتيم. فإن قيل: لا تعلُّق لهذه الأحاديث الخَمْسة بتَرجمة اللِّعان؛ قيل: لعلَّ غرَضَه تحقيق اعتِبار الإشارةِ بفِعْل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اللِّعان، أو كانت متقدِّمةً في باب اللِّعان فأَخَّرها النَّاسِخُ عنه. * * *

26 - باب إذا عرض بنفي الولد

26 - بابٌ إِذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ (باب: إذا عرَّض بنَفْي الولَد) التَّعريض: كِنايةٌ مَسُوقةٌ لأَجْل مَوصوفٍ غيرِ مَذكورٍ. قال في "الكشاف": هو أنْ يذكر شيئًا يدلُّ به على شيءٍ لم يَذكُره، والكِناية أنْ يكون الشَّيء بغَير لفْظه المَوضوعِ له. 5305 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وُلِدَ لِي غُلاَمٌ أَسوَدُ! فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ " قَالَ: نعمْ، قَالَ: "مَا ألوَانُهَا؟ " قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ " قَالَ: نعمْ، قَالَ: "فَأَنَّى ذَلِكَ؟ " قَالَ: لَعَلَّهُ نزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: "فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نزَعَهُ". (أن رجلًا) هو ضَمْضَم بن قَتادة، رواه عبد الغَني بن سَعيد في "المُبهَمات"، وغيره. (أوْرَق) هو الذي في لونه بياض، وهو لا ينصرف. (قال: لعل نزعه عرق)؛ أي: جذَبَه، والضَّمير للمَولُود، يُقال: نَزَعه أَبوه، ونَزَعَه إليه، والعِرْق هنا الأَصْل؛ تَشبيهًا له بعِرْق الثَّمَر. قيل: الصَّواب: لعلَّ عِرْقًا نزَعه، أو لعلَّ نزَعَه عِرقٌ.

27 - باب إحلاف الملاعن

قال (ك): هذا أيضًا صَوابٌ؛ لاحتمال أن يكون فيه ضمير الشَّأْن. قال ابن مالك في "الشواهد": ومما كان المَحذُوف ضَمير الشَّأْن مَنصُوبًا قَولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وإنَّ لنَفْسِكَ)، وقول رجلٍ له: (لعلَّ نَزَعَها عِرْقٌ)، أي: لعلَّها. ومَحلُّ التَّعريض في الحديث قولُه: (وُلِدَ لي غُلامٌ أَسود)، يعني: أَنا أبيَضُ وهو أَسوَد، فلا يكون منِّي! قيل: وتبويب البخاري عليه بالتَّعريض يقتَضي إهدارَ التَّعريض كما هو مَذْهب الشَّافعي، وهو مُناقض لمَذهبه السَّابِق في اعتِبار الإشارة، وهما سواءٌ في الدَّلالة على المَقصود. قال (ش): أَعمَل الإشارةَ كالعِبارة عند الحاجَة، ولم يُعمِل التَّعريض في إلزامٍ بشيءٍ، فلا وَجْهَ للتَّسوية بينهما. * * * 27 - بابُ إِحْلاَفِ الْمُلاَعِنِ (باب إِحْلاف المُلاعِن) 5306 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَذَفَ امْرَأتهُ، فَأَحْلَفَهُمَا

28 - باب يبدأ الرجل بالتلاعن

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. (أن رجلًا) هو عُوَيْمِر العَجْلانيُّ كما سيأْتي قَريبًا. (فأحلفهما)؛ أي: الإِحْلاف المَخصوص، وهو اللِّعان. وهذا دليلٌ على أنَّ اللِّعَان يمينٌ لا شهادةٌ. * * * 28 - بابُ يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتلاَعُنِ (باب يَبدأُ الرجُلُ بالتَّلاعُن) 5307 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأتهُ، فَجَاءَ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُهُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ "، ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ. (أن هِلال بن أُمية قذف امرأته) هي خَولة بنت عاصِم. (فشهد)؟ أي: لاعَنَ، وهو يدلُّ على أنَّ اللِّعان شهادةٌ لا يمينٌ. والتوفيق بينه وبين ما سبق: أنه يَمينٌ فيه شَوْبُ الشَّهادة، أو بالعكس. * * *

29 - باب اللعان، ومن طلق بعد اللعان

29 - بابُ اللِّعانِ، وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ (باب اللعان، ومن طلق بعد اللعان) 5308 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ! أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي -يَا عَاصِمُ! - عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ! مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تأتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْئَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ! لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْألهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فتقْتُلُونَهُ، أَمْ كيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا"، قَالَ سَهْلٌ: فتلاَعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلاَعُنِهِمَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كذَبْتُ عَلَيْهَا -يَا رَسُولَ اللهِ! - إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ.

30 - باب التلاعن في المسجد

الحديث سبق شرحه في (سورة البقرة). (فكانت)؛ أي: صارت التَّفرقةُ بينهما حُكم اللِّعان. * * * 30 - بابُ التَّلاَعُنِ فِي الْمَسْجِدِ (باب التَّلاعُن في المَسجِد) 5309 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ عَنِ الْمُلاَعَنَةِ، وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهَا؛ عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ قَضَى اللهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ"، قَالَ: فتلاَعَنَا فِي الْمَسْجدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا -يَا رَسُولَ اللهِ! - إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلاَعُنِ، فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ذَاكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاَعِنَيْنِ". قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتِ السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ

بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا، وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لأُمِّهِ، قَالَ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللهُ لَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلَا أُرَاهَا إِلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا ألْيَتَيْنِ، فَلَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيهَا"، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ. (يحيى) هو إما (¬1) ابن مُوسَى الخَتِّي، وإما ابن جَعْفر. (أخي بني ساعدة)؛ أي: واحدٌ من بَنِي ساعِدة. (وحرة) بفتح الواو، والمهملة، وبالراء: دُوَيَبَةٌ حَمراءُ تَلْزَق بالأرض، وقيل: الوَزَغَة. (أعين)؛ أي: واسِع العَين. (ذَا ألْيَتَيْنِ)؛ أي: عَظِيمتَين، وإلا فكلُّ الناس له ألْيَتَان. (المكروه)؛ أي: أَسْودْ، وإنما كُره؛ لأنَّه يَستلزم التَّحقيق بالزِّنا، وتَصديق الزَّوج به. * * * ¬

_ (¬1) "إما" ليس في الأصل.

31 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت راجما بغير بينة"

31 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةِ" (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لَو كنتُ راجِمًا بغَير بيِّنةٍ) 5310 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ ذُكرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِم: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْم سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ بيِّنْ"، فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ، فَلاَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمَا، قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ؟ "، فَقَالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإسْلاَمِ السُّوءَ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ: خَدِلًا. (قولًا)؛ أي: كلامًا لا يَليقُ مِن نحو ما يدلُّ على عُجْب النَّفْس، والنَّخوة، والغَيرة، وعدَم الحَوالة إلى أمر الله تعالى وحَوْله وقُوَّته.

قال (ط): هو أنه قال: لو وَجَد مع امرأَته رجُلًا لضرَبَه بالسَّيف حتى يَقتُلَه. (فأتاه رجل) هو عُويْمِر كما في حديث سَهْل بن سَعْد في (تفسير سورة النور)، واسم امرأَة عُويْمِر المُلاعَنة: خَولَة بنت قَيْس، ذكَره مُقاتِل. (سَبِط) بكسر المُوحَّدة وإسكانها، أي: مُستَرسِلًا غيرَ جَعْدٍ. (خَدْلًا) بفتح المعجمة، وسكون المهملة: المُمْتَلئ السَّاق الضَّخْم، كذا لأكثَرهم، وعند الأَصِيْلِي بكسر الدال، وحكى السَّفَاقُسي: بتخفيف اللام وتشديدها مع كسر الدال. (بيِّن)؛ أي: أَظهِرْ حُكم المسأَلة، فنَزلتْ آيةُ اللِّعان. (فلاعن) هو عطْفٌ على ما قبْلَ: فوضَعت؛ لأنَّ اللِّعان كان قبْل وضْع الولَد، أو المُراد: فحكَم بمقتضَى اللِّعان، ونحوه. (قال رجل) هو عبد الله بن شَدَّاد، بمعجمةٍ، وتشديد المهملة الأُولى؛ ذكره البخاري في (كتاب المُحاربين). (السوء)؛ أي: الزِّنا، أي: اشتُهر عنها، ولكن لم تَثْبُت ببيِّنةٍ، ولا باعترافٍ. وفيه أنه لا يُحد بمجرَّد القَرائن. (قال أبو صالح) موصولٌ في رواية أبي ذَرٍّ بلفْظ: (قال أبو صالح)، وهو عبد الله بن صالح كاتِب اللَّيث.

32 - باب صداق الملاعنة

(وعبد الله) موصولٌ في (كتاب المُحاربين) وهو ابن يُوسُف التِّنِّيْسِي. (خَدْلًا)؛ أي: هذان رَويا: آدَم خَدْلًا، بدون ذِكْر: كَثير اللَّحم، وفي بعضها بكسر المهملة، أي: قالا: خَدِلًا، بكسرها لا بسُكونها، وفي بعضها بتشديد اللام. * * * 32 - بابُ صَدَاقِ الْمُلاَعَنَةِ (باب صَداق المُلاعَنة) 5311 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأتَهُ؟ فَقَالَ: فَرَّقَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بَينَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلاَنِ، وَقَالَ: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ " فَأَبَيَا، وَقَالَ: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ " فَأَبَيَا، فَقَالَ: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ " فَأَبَيَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إِن فِي الْحَدِيثِ شَيْئَّا لَاَ أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ، قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: مَالِي؟ قَالَ: قِيلَ: لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا، وَإنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ.

(أُخرى) هو من باب التَّغليب غلَّب الأَخ على الأُخت، كأنه قال: اللَّذان هما من بَني عَجْلان، وأما إطلاق الأُخوَّة، فبالنَّظَر إلى أنَّ المُؤمنين إخوةٌ، أو أطلَق الأخ وأراد الواحِدَ، أي: فرَّق بين الشَّخصَين العَجْلانيَّين كما قال الزَّمَخشَري: أَخُوهم نُوحٌ قيل: أَخُوهم؛ لأنه كان منهم مِن قول العرَب: يا أَخا بَنِي آدَم، يُريدون: يا واحِدًا منهم، كما قال في "الحماسة": لا يَسألون أَخاهُم حِيْنَ يَنْدُبُهمْ ... في النَّائِبَاتِ على ما قالَ بُرهانًا (فَرَّق)؛ أي: بين المُتلاعنَين، واختُلف في أنَّ الفُرقة تحصُل بلِعان الزَّوج أو بلِعانِهما كلَيهما؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ففارقها)، كما تقدَّم آنفًا، ولقوله: (لا سَبيلَ لكَ علَيْها)، أو بحُكم القاضي بعدَه بذلك، لقوله: (فَرَّق النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -). (الله يعلم) يحتمل أنَّه قالَه قبْلَ اللِّعان تَحذيرًا لهما منه، وتَرغيبًا في تَركه، وأن يكون بعدَه، والمُراد: بَيان أنَّه يَلزم الكاذِبَ التَّوبةُ. (أبعد)؛ أي: لانضِمام الأَبَد إلى الدُّخول بها، وذلك إشارةٌ إلى الطَّلَب. (لك) اللام للبَيان نحو: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]. * * *

33 - باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟

33 - بابُ قَوْلِ الإِمَامِ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ (باب قَول الإمامِ للمُتلاعِنَين: إِنَّ أَحَدَكُمَا كاذِبٌ) 5312 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَألتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: "حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا"، قَالَ: مَالِي؟ قَالَ: "لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهْوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ". قَالَ سُفْيَانُ حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو؟ وَقَالَ أَيُّوبُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ لاَعَنَ امْرَأتهُ؟ فَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ -وَفَرَّقَ سُفْيَانُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى-: فَرَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ، وَقَالَ: "اللهُ يَعْلَمُ إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ " ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ كَمَا أَخْبَرْتُكَ. (فرق)؛ أي: حكَم بأَنْ يَفْترِقا حِسًّا؛ لحُصول الافتِراق شَرعًا بنفْس اللِّعان، أو كان ذلك تنفيذًا لمَا أوجَب الله تعالى بينهُما مِن المُباعَدة. * * *

34 - باب التفريق بين المتلاعنين

34 - بابُ التفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ (باب التَّفْريق بين المُتلاعِنَين) 5313 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَذَفَهَا، وَأَحْلَفَهُمَا. 5314 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. سبق آنفًا بيانُ معنى: (فرَّق بينهُما)، والحديثان فيه ظاهران. * * * 35 - بابٌ يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْمُلاَعِنَةِ (باب ما يُلحَق الولَدُ بالمُلاعَنة) 5315 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، فَانتفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَألحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ.

36 - باب قول الإمام: اللهم بين

(وألحق الولد بالمرأة)؛ أي: فيثبُت ما بينهما من حُكم الولَد والوالِدةِ حيًّا ومَيْتًا، ويَنتفي ذلك بالنِّسبة إلى الرَّجُل. * * * 36 - باب قَوْلِ الإِمَامِ: اللَّهمَّ بَيِّنْ (باب قَولِ الإمامِ: اللَّهمَّ بيِّنْ) قال (ط): معناه الحِرْص على أن يَعلَم مِن باطِن المَسأَلة ما يَقِفُ به على حقيقتها، وإنْ كانت حقيقَته، وشَريعتَه القَضاءُ بالظَّاهِر. 5316 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ الْمُتَلاَعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمَ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْم سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدلًا كثِيرَ اللَّحْم جَعْدًا قَطَطًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ بيِّنْ"، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَينَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ

37 - باب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت بعد العدة زوجا غيره فلم يمسها

عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ -بيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذ؟ " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا، تِلْكَ امْرَأةٌ كانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الإسْلاَمِ. (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أُوَيْس. (جعدًا)؛ أي: غير مُستَرسِل الشَّعر. (قططًا)؛ أي: شَديد الجُعودة، وهذا بخلاف السَّبط بكسر المُوحَّدة وسكونها؛ فإنَّه المُستَرسِل. قال (ع): وهو يحتمل أن يكون في الشَّعر، أو في الجِسْم، أو مَدِيْد القامَة، وكذا في: (جَعْد). * * * 37 - بابٌ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا ثمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَمْ يَمَسَّهَا (باب: إذا طلَّقَها ثَلاثًا) 5317 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا،

38 - باب {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم}

فتَزَوَّجَتْ آخَرَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا، وَإنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ هُدْبَةٍ، فَقَالَ: "لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ". (فقال لا)؛ أي: لا تَرجعين إلى الزَّوج الأوَّل، وسائرُ الرِّوايات تدلُّ على ذلك. قال (ط): قال بعضُهم: لو أَتاها الثاني نائمةً لا تَحلُّ للأول؛ بل لا بُدَّ من ذَوقِهما جَميعًا، أما رِواية: (أو تَذُوقَ)، فهي بمعنى: الواو؛ لتُوافِقَ سائرَ الرِّوايات. والمُراد بالذَّوق: الوَطْء. قال: ووَجْه الشَّبَه بالهُدْبَة الاستِرخاءُ لا الدِّقَّة. (حتى تذوقين) هي قراءة مجاهد: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] بضم الميم. وسبَق الحديث في (الشهادات). * * * 38 - بابٌ {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لَا يَحِضْنَ، وَاللَّائِي قَعَدْنَ عَنِ الْحَيْضِ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ.

39 - باب {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}

(باب: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4]) قوله: (قعدن)؛ أي: كبِرْنَ، وصِرنَ عَجائِز آيِساتٍ من الحَيْض. (واللائي لم يحضن) الأَطْفال اللائي لم يَبلُغْن سِنَّ الحيضِ. * * * 39 - بابٌ {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 5318 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ زينَبَ ابْنَة أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهَا: سُبَيْعَةُ كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا، تُوُفِي عَنْهَا وَهْيَ حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تنكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ. فَمَكُثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ ثُمَّ جَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "انْكِحِي". 5319 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كتَبَ إِلَيْهِ: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كتَبَ إِلَى ابْنِ الأَرْقَم: أَنْ يَسْأَلَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ: كَيْفَ أفتَاهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَتْ: أَفْتَانِي إِذَا وَضَعْتُ أَنْ أَنْكِحَ.

40 - باب قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}

5320 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنتهُ أَنْ تنكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ. الحديث الأول، والثاني، والثالث: (سُبيعة) بضم المهملة، وفتح المُوحَّدة. (زوجها) هو سَعْد بن خَوْلَة، بفتح المعجمة، وسُكون الواو. (أبو السنابل) جمع: سُنْبُلة، هو عُمر بن بَعْكَك بفتح المُوحَّدة، وسكون المهملة، وفتح الكاف الأُولى، وقيل غيرُ ذلك. (آخر الأجلين)؛ أي: وَضْع الحَمْل، والتَّربُّص أربعةَ أشهرٍ وعَشْرًا، أي: أَطولُهما، والحديث مُخصِّصٌّ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 240]. (نُفست) بضم النون وفتحها: مِن النِّفاس، يعني: الوِلادة. وسبق الحديث فى (غزوة بدر). * * * 40 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلاَثَ حِيَضٍ:

بَانَتْ مِنَ الأَوَّلِ، وَلَا تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ. وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى سُفْيَانَ؛ يَعْنِي: قَوْلَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: يُقَالُ: أَقْرَأَتِ الْمَرْأةُ: إِذَا دَنَاَ حَيْضُهَا، وَأَقْرَأَتْ: إِذَا دَناَ طُهْرُهَا، وَيُقَالُ: مَا قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ: إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَدًا فِي بَطْنِهَا. (باب قَول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]) قوله: (بانت)؛ أي: بانقِضاء هذه العِدَّة من الزَّوج الأول، وهذه إشارةٌ إلى اجتِماع العِدَّتَين، واختُلف فيها، فقال: إبراهيم النَّخَعي تُتِمُّ بقيَّةَ عِدَّتِها من الأَوَّل، ثم تَستاْنف عِدَّةَ أُخرى للثَّاني، وقال الزُّهْري: يكفي عِدَّةٌ واحدةٌ، وتكون مَحسُوبةً لهما، وقول الزُّهْري أَحبُّ إليَّ من سُفيان. (وقال مَعْمر) هو أبو عُبَيدة بن المُثنَّى. (يقال: أقرأت) غرَضه أنَّ القُرء يُستعمل بمعنى: الحَيْض والطُّهر، فيكون من الأَضْداد. (سلا) مقصورٌ: الجِلْدَة الرَّقيقة التي فيها الولَد مِن المَواشي، أي: لم يضمَّ رحمُها على ولَدٍ؛ يعني: القُرء جاء بمعنى: الجمْع والضَّمِّ. * * *

41 - باب قصة فاطمة بنت قيس

41 - بابُ قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَقَوْلهِ {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} إِلَى قَوْلهِ {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}. (باب قِصَّة فاطِمة بنت قَيْس) 5321 - و 5322 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُلَيمانَ بنِ يَسَارِ أَنَّهُ سَمِعَهُما يَذْكُران: أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَم، فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ، وَهْوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ: اتَّقِ اللهَ وَارْدُدْهَا إِلَى بَيْتِهَا. قَالَ مَرْوَانُ -فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ-: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَم غَلَبَنِي. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَوَمَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ قَالَتْ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ. فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: إِنْ كَانَ بِكِ شَرٌّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنَ الشَّرِّ.

الحديث الأول: (طلق ابنة عبد الرحمن) قيل: هي عَمْرة. (فانتقلها)؛ أي: نقلَها. (مروان) هو ابن الحكم أيضًا أخو عبد الرحمن وكان أمير المدينة، استعملَه معاوية عليها. (وارددْها)؛ أي: احكُم عليها بالرُّجوع إلى سَكَن الطَّلاق. (غلبني)؛ أي: لم أَقدِر على منْع عبد الرحمن من نقْلِها. (بلغك) الخِطَاب لعائشة، إما صادِرًا من القاسِم، أو من مَروان في رواية القاسِم، وهذا أَظهَر سِياقًا. (حدثت فاطمة)؛ أي: في كَونها لم تَعتدَّ في بيت زَوجها، وانتَقلَت إلى غيره بإذْن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقول عائشة: (لا يضرُّك أن لا تَذكُر حديثَها)، لأنَّ انتقالَها كان لعلةٍ وهي أنَّ مكانَها كان وحشًا مَخُوفًا عليه، أو لأنها كانت لَسِنَةً استطالتْ على أحمائها. (إن كان لك) الصَّحيح أن المخاطَب عائشة، ومعناه: إنْ كان شرٌّ في فاطمةَ أو في مكانِها عِلَّةً لقولك: يَجُوز انتقالُها، فكَفاك في جَواز انتقالها هذه المطلَّقة أيضًا ما بين هذين الزَّوجين من الشَّرِّ لو سكنَتْ دار زوجها، وقال بعضهم: الخِطاب لبِنْتِ أخي مَروان المطلَّقة، أي: إنْ كان شرٌّ مُلصَقًا بك فحسبُك من الشرِّ ما بين هذين الأمرَين من الطَّلاق

والانتِقال إلى بيت الأَبِ، ويحتمل أن يكون لفاطِمة، أي: إنْ كان شرٌّ بكِ فحسبُك ما بين هذين العُضوَين، أي: الشَّفَتين، يعني: ذكْرك هذا الحديثَ المُوهِم لتَعميم أمرٍ كان خاصًّا بكِ شرٌّ لكِ؟ إذ الواجِبُ أن يُذكر أيضًا سبَبُ الانتِقال، فإنَّ التَّرخيصَ كان للعُذر الذي هو وَحْشة المَكان، أو سَلاطة اللِّسان، ولهذا قالتْ عائشة لها: اتَّقِي الله، ولا تَكتُمي الشرَّ الذي مِن أجْله نقَلَكِ. قال (ط): قول مَروان لعائشة: (إنْ كانَ بكِ شَرٌّ فحَسْبُك) يدلُّ على أنَّ فاطمة إنما أُمِرتْ بالتَّحويل إلى الموضع الآخَر لشَرٍّ كان بينها وبينهم. * * * 5323 - و 5324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ أَلَا تتَّقِي اللهَ، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: لَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ. 5325 - و 5326 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِعَائِشَةَ: ألمْ تَرَيْنَ إِلَى فُلاَنة بِنْتِ الْحَكَم، طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ فَخَرَجَتْ، فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ، قَالَ: ألَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ، قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكرِ هَذَا الْحَدِيثِ.

42 - باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها، أو تبذو على أهلها بفاحشة

وَزَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَابَتْ عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ، وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى ناَحِيتَهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني، والثالث: (ألا تتقي الله)؛ أي: فيما قالتْ: لا سُكنَى ولا نَفَقةَ للمُطلَّقة البائن على الزَّوج، والحال أنَّها تَعرِفُ قصَّتَها يَقينًا في أنَّها إنَّما أُمِرَت بالانتِقال لعُذْرٍ وعلَّةٍ كانت بها. واختلَف العُلماء في البائنة التي لا حَمْلَ لها: فقال أبو حنيفة: لها النَّفَقة، والسُّكنى عليه، وقال أحمد: لا سُكنى ولا نَفَقة لها، وقال مالك والشافعي: لها السُّكنى؛ لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]، ولا نَفَقة لمَفهوم قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} الآية [الطلاق: 6]. * * * 42 - بابُ الْمُطَلَّقَةَ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا، أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا بِفَاحِشَةٍ (باب المُطلَّقَة إذا خُشِيَ عليها في مَنْزِل زَوجِها أنْ يُقْتَحَم عليها أو تَبْذُو) بذالٍ معجمةٍ.

قيل: ذكر البُخاري في التَّرجمة عِلَّتَين؛ إحداهما: الخَوف من الزَّوج عليها، والأُخرى: الخَوف منْها على أَهل الزَّوج بالبَذاءة بالفاحِشَة، ليس في حديث فاطِمَةَ إلا الخَوف عليها. وقد ورَد قَول عائشة لها: (إنَّما أخرجَكِ هذا اللِّسان)، ولكنَّ البخاريَّ لمَّا لم تُوافق هذه الزِّيادةُ شَرطَهُ أسقَطَها من الحديث، وضمَّنَها التَّرجمة؛ لأن الخَوف عليها إذا اقتَضَى خُروجَها فمثْله الخَوف منها، بل أَولى. * * * 5327 - و 5328 - وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ. (وزاد ابن أبي الزناد) (¬1) موصولٌ في "أبي داود"، و"ابن ماجه". * * * ¬

_ (¬1) "وزاد ابن أبي الزناد" جاءت في اليونينية في الحديث المتقدم برقم: (5325 - 5326).

43 - باب قول الله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}: من الحيض والحبل

43 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}: مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ (باب قَولِ الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ} الآية [البقرة: 228]) قيل: حصَل منه تلَطُّفٌ في استِدلاله بالحديث على التَّرجمة؛ فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رتَّب على مُجرَّد قَول صَفيَّة أنَّها حائضٌ لُزومَ أنْ تَحتَبِسَ عليها، وهذا حُكمٌ مُتعدٍّ منْها إلى الغَير، يُقاس عليه تصديقُها في الحَيْض، والحَمْل باعتِبار رَجْعة الزَّوج وسُقوطِها، والتِحاق الحَمْل به. 5329 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْفِرَ إذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً، فَقَالَ لَهَا: "عَقْرَى أَوْ حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَكُنْتِ أفضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قَالَتْ: نعمْ قَالَ: "فَانْفِرِي إِذًا". (كئيبة)؛ أي: حَزينة. (عَقْرى)؛ أي: عَقَرها اللهُ في جَسَدها، وليس القَصْد الدُّعاء عليها.

44 - باب {وبعولتهن أحق بردهن} في العدة، وكيف يراجع المرأة إذا طلقها واحدة أو ثنتين؟

وسبَق تحقيقه في (الحج)، في (باب: التمتع). * * * 44 - بابٌ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فِي الْعِدَّةِ، وَكَيْفَ يُرَاجِعُ الْمَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ؟ (باب: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]) قوله: (في العدة) تفسيرٌ لقوله تعالى في ذلك، أي: الرَّجعَة تَثبُت في العِدَّة. 5330 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: زَوَّجَ مَعْقِلٌ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً. 5331 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتَادَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ: أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ خَطَبَهَا فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنَ ذَلِكَ أَنَفًا، فَقَالَ: خَلَّى عَنْهَا وَهْوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَخْطُبُهَا، فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فتَرَكَ الْحَمِيَّةَ وَاسْتَقَادَ لأَمْرِ اللهِ.

الحديث الأول: (حدثنا محمد) قيل: هو ابن سَلام. (عن الحسن) هو البَصري. (زوج مَعْقل أُخته) اسمها: جُمَلية، بضم الجيم، وفي كتاب "المَجاز" لابن عبد السَّلام: أنَّ اسم زَوجها عبدُ اللهِ بن رَوَاحَة، وقيل في اسمها غيرُ ذلك. (فحمِيَ) بكسر الميم، يُقال: حَميتُ عن كذا حَمِيَّةً بالتَّشديد: إذا أنِفْتَ منه، وداخلَكَ عارٌ. والأَنَفَة: الاستِنْكاف، وهو يَقدر عليها بأَنْ يُراجِعَها قبْل انقِضاء العِدَّة. (واسْتَقَاد) بالقاف، يُقال: استَقادَ له: إذا أَعطاهُ مَقادتَه، يعني: طاوَعَه، وامتَثَل أمرَه، وهو بتخفيف الدال. وعند القَابِسِيِّ بتشديدها، وضُعِّف بأنَّ المُفاعلة لا تَجتمع مع سين الاستِفعال. وفي بعضها: (استَزَادَ) مِن الزَّود، أي: طلَب الزَّوج الأَول لزَوجها لأَجل حُكم الله تعالى بذلك، أو أَراد رُجوعَها إلى الزَّوج الأول، ورَضيَ به لحُكم الله به. ومَوضع دَلالته على التَّرجمة قولُه: (ثُمَّ خَلا عنْها).

قال (ط) (¬1): وأما المُراجَعة عند البخاري فعَلى ضَربَين: مُراجعةٌ في العِدَّة على حديث ابن عُمَر، ومُراجَعةٌ بعد العِدَّة على حديث مَعْقِل. قال: وفيه دليلٌ على أنَّه ليس للمَرأة أن تَنكِح بغير إذْن وَليِّها، ولو لم يَكُن الإِنْكاح للوليِّ لمَا كان للنَّهي عن العَضْل معنًى. * * * 5332 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ. أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهْيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيض عِنْدَهُ حَيْضَةً أخرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لأَحَدِهِمْ: إِنْ كنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلاَثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ، حَتَّى تنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَزَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَنِي بِهَذَا. الثاني: (طلق امرأة له) اسمها: أُميَّة بنت غِفَار، بالمعجمة، والفاء. ¬

_ (¬1) "ط" ليس في الأصل.

45 - باب مراجعة الحائض

(حتى تطهر) الفائدةُ في تَكرير الطُّهر الإشْعارُ بأنَّه لم يُراجِع ليُطلِّقَ، فيكون طلاقُه في الطُّهر الثاني استِئنافًا مُجدَّدًا. وسبق أول (الطلاق). (وزاد فيه)؛ أي: غير قُتَيبة، وهو أبو الجَهْم العلي بن مُوسَى. (عن الليث) رواه مسلم عن محمَّد بن رُمْح. (لو طلقت) جزاؤُه محذوفٌ، أي: لكان خَيْرًا. * * * 45 - بابُ مُرَاجَعَةِ الْحَائِضِ (باب مُراجَعةِ الحائض) 5333 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، حَدَّثَنِي يُونس بنُ جُبَيْرٍ، سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأتهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَ مِنْ قُبُلِ عِدَّتِهَا، قُلْتُ: فتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ. (من قبل)؛ أي: وقْت استِقبال العِدَّة، والشُّروع فيها، أي: يُطلِّقُها في الطُّهر.

46 - باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا

(فتعتَدّ)؛ أي: أتُعتبَرُ تلْك التَّطليقة، وتَحتسبُها، والحُكم بوقُوع طلْقةٍ. قال ابن عُمر في الجواب معبِّرًا بلفظ الغَيبة عن نفْسه: (إن عجز واستحمق)؛ أي: فما يَمنعُه أن يكون طَلاقًا، يعني: نعَمْ، يُحتَسَب، ولا يَمنع احتِسابَها؛ لعَجْزه وحَماقتِه. وستق تأويلاتٌ أُخَر أوَّل (الطَّلاق). * * * 46 - بابٌ تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجها أَرْبَعَةَ أَشْهُرِ وَعَشْرًا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا أَرَى أَنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الطِّيبَ؛ لأَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ. (باب: تُحِدُّ المُتوفَّى عنها) قوله: (الصبية) بالنَّصب. (الطيب) بالرفْع، وفي بعضها بالعَكْس، وبهذا قال الأَئمَّة سِوى أبي حَنيفة: أنَّ الصَّغيرة تُحدُّ على زَوجِها إذا ماتَ، يَأْمرُها بذلك الوليُّ، وقال أبو حنيفة: لا إحدادَ عليها. * * *

5334 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلاَثَةَ، قَالَتْ زينَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِي أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". 5335 - قَالَتْ زينَبُ: فَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِي أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا وَاللهِ مَا لِي بِالطيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". 5336 - قَالَتْ زينَبُ: وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِي عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتكَتْ عَيْنَهَا، أَفتكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا" مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاَثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: "لَا"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ

أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ". 5337 - قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زينَبُ: كَانَتِ الْمَرْأةُ إِذَا تُوُفِي عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فتعْطَى بَعَرَةً فترْمِي، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيب أَوْ غيْرِهِ. سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا. (الثلاثة)؛ أي: حديث أُم حَبِيْبَة، وزَينب، وأُمِّ سَلَمة المَذكورات. (خَلُوق) بفتح المعجمة: طِيْبٌ مَخلُوطٌ. (بعارضيها) هما جانِبَا الوَجْه فَوق الذَّقَن إلى ما تَحت الأُذُن، وإنما فَعلتْ ذلك؛ لتَدفَع صُورة الإِحْداد. (تحد) مِن الإِحداد، وبضم الحاء وكسرها مِن الحِداد، وهو مِن الحَدِّ بمعنى المَنْع؛ لأنها تُمنَع الزِّينة، ويُقال: امرأةٌ حادٌّ ومُحِدٌّ بدُون تاء التأْنيث، وأنكر الأَصمَعيُّ الثُّلاثيَّ، وجوَّز الخطَّابي فيه الجيم. وهو في الاصطلاح: تَرْك المرأَة الزِّينة من لباسٍ، وطِيْب في

العِدَّة؛ لأن ذلك داعيةٌ للزَّواج، فنُهيت عن ذلك قطْعًا للذَّرائع. (توفي أخوها) هو أبو أَحمد. (لا يحل) نفْيٌ بمعنى النَّهي. (أربعة) نصب بمقدَّرٍ، أي: أَعنِي، أو فتُحدُّ. والجمهور أنَّ الذِّميَّةَ يجب عليها الإِحداد، وذِكْر الإيمان إنما هو لأنَّ المُؤمن هو الذي يَنتفعُ بخِطاب الشارِع، ويَنقادُ له. وقال أبو حنيفة: لا يجب عليها إحْدَادٌ. وإنما وجَب الإحْدَاد في الوَفاة دُون الطلاق، لأنَّ الزِّينة تَدعو إلى النكاح، والميِّت لا يتمكَّن مِن مَنْعها، والحيُّ يستغني بوُجوده عن زاجرٍ آخَر. وإنما كانت عدَّة الوفاة للحائل أربعةَ أشهرٍ، لأنَّ الولَد يمكُث أربعين يومًا نُطفةً، وأربعين يوما علَقةً، وأربعين مُضْغةً، وبعد ذلك يُنفَخ فيه الرُّوح، ويتحرَّك في البَطْن، وزِيادة العَشْر للاحتِياط. (جاءت امرأة) قيل: هي عاتِكَة، وقيل: بل عاتِكَة ابنتُها التي اشتكتْ عينَها، واسم زَوجها: المُغيرة، أي: المَخزُومي. (اشتكت عينها) بضم النون على أنَّ العَين هي المُشتكية، وبفتحها على أنَّ في (اشتَكتْ) ضميرَ الفاعل، وهي المرأةُ الحادَّةُ، ورُجِّح الأول بما جاء في روايةٍ: (عَينَاها). (أفَنَكْحُلُهَا) بضم الحاء.

(البَعْرَة) بفتح المهملة وإسكانها. (الحِفْش) بكسر المُهملة، وسكون الفاء، ثم معجمةٍ، قال مالكٌ: البيت الصَّغير، وقال الشَّافعي: البَيت الصَّغير الرَّكِيد من الشَّعر، والبِناء. ومُراده بالرَّكيد: الذي يكون السُّكون فيه، أي: الرُّكود. (بدابة) ما يدِبُّ على الأرض لا الخَيل، والبَغْل، والحِمَار بخُصوصها. (فتفتض) قال (خ): بقافٍ، ومعجمةٍ: مِن فضَضتُ الشَّيءَ: كسرتُه، أو فَرَّقتُه، أي: كانت تكسِر ما كانتْ فيه من الحِداد بتلْك الدابَّة. وقال الأَخْفَش: معناه: تتنظَّف، وهو مأخوذٌ من الفِضَّة تَشبيهًا له بنَقائها وبَياضها. قال: ومعنى الرَّمي بالبَعْرَة: أنَّ حِداد السَّنَة في جَنْب ما للزَّوج عليهن من الحُرمة بمنزلة البَعْرَة. وقيل: إنما يفعلْن ذلك ليُرين أنَّ مقامهنَّ سَنَةً كان أهونَ مِن رمْي بعرةٍ. وقال ابن قُتَيبة: سأَلتُ الحَجَّاج عن معنى الافتِضاض، فذكَر أن المُعتدَّة كانت لا تَغتَسِلُ، ولا تَمسُّ ماءً، ولا تُقلِّمُ ظفُرًا سَنَةً كاملةً، ثم تَفْتَضُّ، أي: تكسِرُ ما هي فيه من العِدَّة بطائرٍ تمسَح به قُبُلَها، وتَنْبذه

47 - باب الكحل للحادة

فلا يكاد يَعيشُ ما تفتَضُّ به. وقيل: معنى ترمي بالبعرة أنها رمتْ بالعِدَّة، وخرجتْ منها كانفِصالها من هذه البَعْرة. قال الأَزْهريُّ: ورواه الشَّافعيُّ عن مالكِ بقافٍ، ثم موحَّدةٍ، وصادٍ مهملةٍ، أي: تُمسِك الطَّائرَ بأطرافِ أصابعها، ومنه قراءة الحُسَين: (فقبَصْتُ قَبْصَةً)، وأما القَبْض بالمُعجمة؛ فالبكَفِّ كلِّها. قال الأَصبَهاني، وابن الأَثِيْر: المَعنى: أنَّها تُسرِعُ إلى مَنْزِل أبوَيها لكثْرة حيائها؛ إما لقُبح مَنْظَرها، أو لأنها طالبةٌ للنكِّاح بسبب انقِضاء عِدَّتها، والمشهور الأول. والغرَض من هذا الكلام أنَّكِ لا تَستكثِرين العِدَّة الإسلامية، ومنعْ الاكتِحال؛ فإنَّها مدةٌ قليلةٌ بالنِّسبة إلى ما كانتْ في الجاهلية. * * * 47 - بابُ الْكُحْلِ لِلْحَادَّةِ (باب الكُحْلُ لِلْحَادّة) قال الجَوْهَري: يقال: هي حادّ، بدون الهاء؛ وكذا قال السَّفَاقُسي أن صوابه الحادِّ، لأنه نعتٌ للمُؤنَّث نحو: طالِقٌ وحائضٌ، قال (ش): لكنَّه يتخرَّج على لُغةٍ ضعيفةٍ.

وفرَّق الزَّمَخشَري بين المُرضع والمُرضِعَة بأنَّ المُرضِعة هي التي في حالِ الرَّضاع، والمُرضع هي التي شَأْنُها أن تُرضع. * * * 5338 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أمِّهَا: أَنَّ امْرَأةً تُوُفِي زَوْجُهَا، فَخَشُوا عَيْنَيْهَا، فَأَتوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ: "لَا تَكَحَّلْ، قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلاَسِهَا، أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا، فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ، فَلَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ". 5339 - وَسَمِعْتُ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". الحديث الأول: (فخشوا عينيها) كذا لبعضِهم بالمُعجمة، وحذْف كلمة (على)، وأَصلُه: خَشِيُوا بوَزْن عَلِمُوا، فاستُثقلت الضمَّة على الياء، فحُذفت، واجتمَع ساكنان: الياء، والواو؛ فحُذفت الياءُ لذلك، وضُمَّت الشِّين لتصحَّ الواو. (أحلاسها) جمع: حِلْسٍ، وهو كِساءٌ رقيقٌ يكون تحت البَرذَعة. (كلب) هو مُشعِرٌ بأنَّ المُراد بالدابَّة في الحديث السَّابق معناه اللُّغَوي؛ ليتناول الكَلْب لا الاصطِلاحي، وكأنهنَّ بعد الحَوْل كُنَّ

48 - باب القسط للحادة عند الطهر

قاصداتٍ لقَطْع آثار الإحْدَادِ بالتَّعرُّض لنَوعٍ من الحيَوان. ويحتمل أن تكُون الباء في: (تَفْتَضَّ به) للتَّعدية، أو زائدةٌ، يعني: تَفْتَضُّ الطَّائرَ بأنْ تكسِر بعضَ أعضائه، ولعلَّ غرضهنَّ منه الإشْعار بإهلاكِ ما رَمَين به، ومن الرَّمْي الانفِصال بالكلِّية، وقوله: (فلا)، أي: فلا تَكْتحِلْ، وليس النهي للتحريم، ولو كان للتَّحريم لكنْ لا تَحريمَ عند الضَّرورة، فإنَّ دين الله يسر؛ يعني: التحريم ثابتٌ إلا عند شِدَّة الضَّرر، أو الضَّرورة، أو معناه: لا تَكتَحِل بحيثُ يكون فيه زِيْنةً. * * * 5340 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ إِلَّا بِزَوْجٍ. الثاني: تقدَّم. * * * 48 - بابُ الْقُسْطِ لِلْحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْرِ (باب القُسْط لِلْحَادّة) هو بضم القاف: عُودٌ يُتبخَّر به، وقد تُبدل القاف بالكاف،

والطاء بالتاء مثل: القَافُور والكافُور. 5341 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا نكتَحِلَ، وَلَا نطَّيَّبَ، وَلَا نلبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. (عَصْب) بفتح المهملة الأُولى، وسُكون الثانية: بُرود اليمَن يُعصَب غَزْلُها، ثم يُصبَغ، ثم يُنسَج. (نُبْذة) بضم النون وفتحها: اليَسير من الشيء. (ظَفَار) بفتح المعجمة، وخفة الفاء: موضعٌ بساحل عدَن، وفي بعضها: (أظْفار): شيءٌ من الطِّيْب. قال الصَّاغَاني: في النُّسَخ: (أَظْفار)، وصوابه: ظفار، وقال التَّيْمِي: روي: أَظْفار، والصَّواب: ظَفَار. وقال (ن): القُسْط والأَظْفار نوعان معروفان من البَخُور، ليسا من جنس الطِّيْب، ورخِّص فيهما لإزالة الرائحة لا للتطيُّب. ومرَّ الحديث في (الحيض)، في (باب: الطِّيب). * * *

49 - باب تلبس الحادة ثياب العصب

49 - بابٌ تَلْبَسُ الْحَادَّةُ ثِيَابَ الْعَصْبِ (باب: تَلْبَس الحَادَّة ثِيَابَ العَصْب) 5342 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا لَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ". الحديث الأول: ظاهرٌ. * * * 5343 - وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثتنَا حَفْصَةُ، حَدَّثتنِي أُمُّ عَطِيَّةَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا تَمَسَّ طِيبًا إِلَّا أَدْنَى طُهْرِهَا إِذَا طَهُرَتْ، نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ". الحديث الثاني: (وقال الأنصاري) وصلَه البيهقي، واسم الأنصاري: محمد بن عبد الله بن المُثنَّى.

50 - باب {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} إلى قوله {بما تعملون خبير}

(إلا أدْنىَ طُهْرِها)؛ أي: أول طُهْرِها، وفي بعضها: (إلى أدنى طُهرِها). (نُبْذَةً) منصوبٌ بفعل مُقدَّرٍ، أي: تمسُّ نبُذةً، أو بدَل عَن (طِيْبًا)، وفي بعضها: وقَع بين قَسْط وأظفار واو العطف. * * * 50 - بابٌ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْلِهِ {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (باب: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234]) 5344 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}، قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبًا، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ}، قَالَ: جَعَلَ اللهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ، وَاجِبٌ, عَلَيْهَا، زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نسًخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ}. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وإنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللهِ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ}. قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى، فتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا سُكْنَى لَهَا. الحديث الأول: (واجبًا) ذكَره باعتبار الاعتِداد، وإلا فالقِياس واجبة، أو هو صفة مقدَّر، أي: أمرًا واجبًا، ويجعل الواجب اسمًا لما يُذمُّ تاركُه، ويُقطَع النَّظَر عن الوصفيَّة. وفي بعضها: (واجبٌ) بالرفع خبر مبتدأ محذوفٍ، أو مقدَّرٍ في لفْظ: (كان) ضَميرُ القِصَّة، أو (كان) تامةٌ، وقوله: (تَعتَدُّ) مبتدأٌ نحو: تَسمَعُ بالمُعَيْديِّ. (زعم)؛ أي: قال مُجاهد: العِدَّة الواجبة أربعة أشهرٍ وعشرٌ، وتمامُ السَّنَة باختيارها بحسَب الوصيَّة، فإنْ شاءتْ قبِلت الوصيَّة، وتعتدُّ إلى الحَول، وإن شاءت اكتفتْ بالواجب. ويحتمل أن يكون معناه: العِدَّة إلى تمام السَّنَة واجبةٌ، وأما السُّكنى عند أهل زوجها ففي الأربعة والعشر واجبٌ، وفي التَّمام

51 - باب مهر البغي والنكاح الفاسد

باختيارهم، ولفْظ: فالعِدَّة كما هي واجبة عليها، يُؤيِّد هذا الاحتِمالَ، وحاصلُه أنَّه لا يقُول بالنَّسخ. وقال عطاء: آيةُ الخُروج نَسَخت وُجوبَ الاعْتِدَاد عند أهل زوجها، ثم نَسخَتْ آيةُ المِيْراث السُّكنى عند أهله، فليس لها ذلك. * * * 5345 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبةَ ابْنَةِ أَبِي سُفْيَانَ: لَمَّا جَاءَهَا نَعِيُّ أَبِيهَا دَعَتْ بِطِيبٍ، فَمَسَحَتْ ذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: مَا لِي بِالطيبِ مِنْ حَاجَةٍ، لَوْلَا أنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". الثاني: تقدَّم. * * * 51 - بابُ مَهْرِ الْبَغِي وَالنِّكاحِ الْفَاسدِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهْوَ لَا يَشْعُرُ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا،

وَلَهَا مَا أَخَذَتْ، وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَهَا صدَاقُهَا. (باب مَهْر البَغِيِّ) قيل: من البَغْي، وهو الزِّنا، ويَستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، أو فَعيل. (وقال الحسن)؛ أي: قال الحسَن البصْري أولًا: لها الصَّداق المُسمَّى، ثم قال بعد ذلك: لها صَداق مِثْلها. (محرمة) إما اسم فاعلِ الإحْرام، وإما بلفْظ مفعولِ التَّحريم، وهي رواية الأَصِيْلِي عن أبي زيد، وإما بفتح الميم والراء. * * * 5346 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ. الحديث الأول: (وَحُلْوَان) بضم المهملة: ما يعطَى على الكَهانة. (الكاهن) هو الذي يدَّعي عِلْمَ الغَيب، ويُخبر الناس بالكَوائِن. (ومهر البغي) سَمى ما تأخذُه الزَّانية مَهْرًا، لأنَّه على صُورته. * * * 5347 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ،

52 - باب المهر للمدخول عليها، وكيف الدخول؟ أو طلقها قبل الدخول والمسيس

عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَأكلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَنهى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ. الثاني: سبَق في (البيع). * * * 5348 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كسْبِ الإمَاءِ. الثالث: (كسب الإماء)؛ أي: ما يَأْخُذنَه على الزِّنا بقَرينة عُرْف الجاهليَّة. * * * 52 - بابُ الْمَهْرِ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا، وَكَيْفَ الدخُول؟ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَسِيسِ (باب المَهر للمَدخولِ عليها، وكيف الدُّخول؟) الغرَض بذلك ذِكْر الخِلاف في الدُّخول، بم يَثبُت؟، فقال أبو حنيفة: إذا أغلَق، وأَرخَى سَتْرًا على المرأة فقد وجَب الصَّداق، والعِدَّة؛

إذ الغالبُ وُقوع الجِماع فيه؛ لمَا ركَّب الله تعالى في النُّفوس من الشَّهوة، فأقامَ المَظِنَّةَ مُقام المَظنُون، وهذا يُسمَّى بالخَلْوة الصحيحة. وقال الشافعي، ومالك: لا يجب الصَّداق إلا بالمَسِيْس، أي: الجِماع؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]، ولا تُعرَف الخَلْوةُ دون الوَطْء مَسِيْسًا، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لمَا استَحلَلْتَ مِن فَرْجها). (قبل الدخول والمسيس) ذكر اللَّفظين كليهما إشارةٌ إلى المذهبين: الاكتفاءُ بالخَلْوة، والاحتياج إلى الجِماع. قال (ط): قول البخاري في التَّرجمة: أو طلَّقَها قبْلَ الدُّخول تقديره: أو كَيْف طلَّقها، فاكتفى بتقدير الفِعْل عن ذِكْر المصدر؛ لدلالته عليه. * * * 5349 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأتهُ؟ فَقَالَ: فَرَّقَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلاَنِ، وَقَالَ: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدكمَا كاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ "، فَأَبَيَا، فَقَالَ: "اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ "، فَأَبَيَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ لَا أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ، قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: مَالِي، قَالَ: "لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا، وَإنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ".

53 - باب المتعة للتي لم يفرض لها لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} إلى قوله {إن الله بما تعملون بصير}، وقوله: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين (241) كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون}، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الملاعنة متعة حين طلقها زوجها

والحديث سبَق في (اللِّعان). قيل: استنبط البخاري من مَنْطوق حديث العَجْلاني من لفْظ: (فقَد دخَلْت بها) كمالَ المهر بالدُّخول، ومن مَفهومه عدَمَ الكمال، وعُلم النِّصف من القُرآن. * * * 53 - بابُ الْمُتْعَةِ لِلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وَقَوِلِهِ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، وَلَمْ يذْكُرِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُلاَعَنَةِ مُتعَة حِينَ طَلَّقهَا زوْجُهَا (باب المُتعة للتي لم يُفرَضْ لها) قوله: (الملاعنة) بالفتح والكسر، والأَوَّل أَعمُّ؛ لأنَّ لِعان الزَّوجة لدَفْع الحدِّ، فلا يكون إلا بعد لِعان الزَّوج، فكلُّ فاعلةٍ مفعولةٌ بدُون العكس. قال الشافعي: المُتعة لزوجةٍ مفارقةٍ لا يكون الفِراق بسَبَبها ولا مهرَ لها، أو لها كلُّ المهر. وقال (ط): قال أبو حنيفة: المُتعة للمُطلقة التي لم يَدخُل بها، ولم يُسمِّ لها صَداقًا.

وقال مالك: المُتعة ليستْ بواجبةٍ أصلًا لأحدٍ. والمَفهوم من كلام البخاري أنَّ لكلِّ مطلقةٍ مُتعة، والمُلاعنة غيرُ داخلة في جُملة المطلَّقاتِ، انتهى. فإن قيل: لفْظ (طلَّقَها) صريحٌ أنَّها مُطلَّقةٌ؟ قيل: سبَق أنَّ الفِراقَ حاصل بنفْس اللِّعان حيث قال: (فلا سَبيلَ لكَ عَليها)، وتطليقُه لم يكُنْ بأَمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بل كان كلامًا زائدًا صدَر منه تأكيدًا. * * * 5350 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: "حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَالِي، قَالَ: "لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهْوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا". (أبْعَدُ وأبْعَدُ) هذا يقتضي بُعْدًا وزيادة فيه، وتكرارَها، فالبُعد لأنَّه يطلُب المالَ بعد استيفاء ما يُقابله وهو الوَطء، والزّيادةُ؛ لأنَّه ضمَّ إيذاءَها بالقَذْف إليه الموجِب للانتِقام منه لا للإنْعام إليه، والتَّكرارُ؛ لأنَّه أسقَطَ الحدَّ الموجِبَ لتَشفِّي المَقذُوف عن نفْسه. * * *

69 - كتاب النفقات

69 - كتاب النفقات

1 - وفضل النفقة على الأهل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 69 - كتاب النفقات 1 - وفَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْعَفْوُ: الْفَضْلُ. (كِتَابُ النَّفَقَاتِ ومَا يتَعَلَّقُ بِهِ) قوله: (العفو: الفضل)؛ أي: الفاضل عن حاجته. قال في "الكشَّاف": هو نقيض الجَهد، وهو أن يُنفقَ ما لا يبلغ انقسامُه منه الجَهدَ واستفراغَ الوسع. * * * 5351 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، فَقُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ؟ فَقَالَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً".

الحديث الأول: (عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: ترويه عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، أو تقوله عن اجتهادٍ. (يَحتسبُها)؛ أي: يَعملُها حسبةً لله تعالى. قال (ن): احتسبَها: أراد بها اللهَ تعالى، وطريقه: أن يتفكَّرَ أنه يجب عليه الإنفاقُ، فيُنفق بنيةِ أداءِ ما أُمر به. * * * 5352 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ! أُنْفِقْ عَلَيْكَ". الثاني: (أَنفِقْ يا ابنَ آدمَ أُنفِقْ عليك): هو معنى قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39]. * * * 5353 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوِ الْقَائِم اللَّيْلَ الصَّائِم النَّهَارَ".

الثالث: (الأَرملة): التي لا زوجَ لها، والأرامل: المساكين. (القائم الليل) هو مِثل: (الحَسَنُ الوجهِ) في وجوه إعرابه، وإن اختلفت من جهة الحقيقة أو المجاز. * * * 5354 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُني وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: لِي مَالٌ، أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ، قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثلُثُ كثِيرٌ، أَنْ تَدَعَ وَرثتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً، يتكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ اللهَ يَرْفَعُكَ، يَنتفِعُ بِكَ نَاسٌ ويُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ". الرابع: (قال: الثُّلثَ) نُصب على الإغراء، أو بتقدير: أعطِ، أو بالرفع على أنه فاعل (يكفيك)، أو خبر مبتدأ محذوف أو بالعكس، وسبق شرحُ الحديث في (الجنائز) في (باب رثاء النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -). (كثير) بمثلَّثة وموحَّدة. (حتى اللُّقمةُ) الوجه فيه الرفع عطفًا على (صدقةٌ) أو مبتدأ،

2 - باب وجوب النفقة على الأهل والعيال

و (ترفعها) الخبر، فإذا قَصَدَ بأبعدِ الأشياءِ عن الطاعةِ، وهو وضعُ اللُّقمةِ في فمِ المرأة وجهَ الله، ويحصل به الأجرُ؛ فغيرُه أَولَى، وفي الحديث معجزة؛ فإنه عاشَ حتى فُتح العراقُ، وانتفع به أقوامٌ في دِينهم ودنياهم، وتضرَّر به الكفارُ. قال (ط): إن قيل: كيف يكون إطعامُ الرجلِ امرأتَه الطعامَ صدقةً، وهو فرضٌ عليه؟ فالجواب: أن الصدقةَ منها فرضٌ، ومنها تطوُّعٌ؛ والفرضُ أفضلُ. * * * 2 - بابُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ وَالْعِيَالِ (باب وجوب النفقة على الأهل والعِيَال) 5355 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدثَنَا أَبُو صَالحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصدَقَةِ مَا تَرَكَ غنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ"، تَقُولُ الْمَرْأةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وإمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الاِبْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟ فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: لَا , هَذَا مِنْ كيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

(العُلْيَا) هي المُنْفِقَة. (السُّفْلَى) هي السائلة، وسبق شرحه في (الزكاة). (بِمَنْ تَعُولُ)؛ أي: ابدَأْ في الإنفاق بعيالك، ثم انصرِفْ إلى غيرهم. (كِيْس) بكسر الكاف: الوعاء، وهذا إنكارٌ على السائلين عنه، أي: ليس هذا إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه نفيٌ يريد به الإثباتَ، وإثباتٌ يريد به النفيَ، ويُحتمل أن [يكونَ] قولُه (هذا) -إشارةَ إلى الكلام الأخير- إدراجًا من أبي هريرة، وهو (تقولُ المرأةُ) إلى آخره، فيكون إثباتًا لا إنكارًا، يعني: هذا المقدارُ من كِيسه، فهو حقيقةٌ في النفي والإثبات، وفي بعضها بفتح الكاف، أي: مِن عَقلِ أبي هريرة وكَيَاستِه. قال التَّيْمِي: أشار البخاري إلى أن بعضَه من كلام أبي هريرة، وهو مُدرَجٌ في الحديث. قال (ط): إن نفقتَه على الأهل محسوبٌ في الصدقة، وإنما يبدأ بنفسه؛ لأن حقَّ نفسِه عليه أعظمُ مِن حقِّ غيرِه بعدَ الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا وجهَ لإحياءِ غيرِه بعدَ إتلافِ نفسِه، وفيه: أن النفقةَ على الولد وهو ما دام صغيرًا؛ لقوله: (إلى مَن تَدَعُني)، وكذا كلُّ مَن لا طاقةَ له على الكسب كالزَّمِنِ ونحوه. واختُلف في المُعْسِر: هل يُفرَّق بينه وبين امرأته بعدم النفقة؟

فقال أبو حنيفة: لا؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} الآية [البقرة: 280]، {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ} [النور: 32]، فنُدب إلى نكاح الفقير، فلا يجوز أن يكونَ الفقرُ سببًا للفُرقة. قال الأئمَّةُ الثلاثةُ: تُخيَّر بين الصبر والفسخ؛ لقوله: (إمَّا أن تُطعمَني وإمَّا أن تُطلِّقَني)، ولقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة: 231]، وإن لم يُنفِقْ عليها فهو مُضِرٌّ بها، وأمَّا الآيةُ الأولى ففي المُدَاينات، والثانية لم يُرِدِ الفقيرَ الذي لا شيءَ معه؛ للإجماع على أن مِثلَه ليس مندوبًا على النكاح. * * * 5356 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ يْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". الثاني: (عن ظَهر غنًى)؛ أي: فاضلًا عن حاجته؛ فلفظُ (ظَهر) مُقحمَةٌ أو بمعنى الاستظهار، وسبق الحديث في (الزكاة). * * *

3 - باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال؟

3 - بابُ حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَات الْعِيَالِ؟ (باب حبسِ الرجلِ قُوتَ سَنتِه على أهله) 5357 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ: قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرْني، ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يبيعُ نَخْلَ بني النَّضِيرِ، وَيَحْبِسُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ. الحديث الأول: (قُوت سَنتِهم) قال (ط): فيه دليلٌ على جواز ادِّخار القُوت للأهل، وأنه لا يكون حُكْرَةً، وفيه ردٌّ على الصُّوفية في قولهم: ليس لأحدٍ ادِّخارُ شيءٍ في يومِه لغدِه، وأن فاعلَه أساءَ الظنَّ بربّه، ولم يَتوكَّلْ عليه حقَّ التوكيل. * * * 5358 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثهِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى

دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَألتُهُ، فَقَالَ مَالِك: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، إِذْ أتاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ، قَالَ: نعمْ، فَأذِنَ لَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا فَجَلَسُوا، ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَا قَلِيلًا، فَقَالَ لِعُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، قَالَ: نعمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَلَمَّا دَخَلاَ سَلَّمَا وَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيني وَبَيْنَ هَذَا. فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْض بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صدَقَةٌ"، يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدكمَا بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْمَالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، قَالَ اللهُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إِلَى قَوْلهِ {قَدِيرٌ}، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاللهِ! مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَى أَهلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأخُذُ مَا بَقِيَ، فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيَاتَهُ، أنشُدكمْ بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نعمْ، قَالَ لِعَلِي وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نعمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا

وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، يَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنتمَا حِينَئِذٍ -وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ- تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَذَا وَكَذَا، وَاللهُ يَعْلَمُ أنه فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَنَا وَليُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئتمَانِي وَكلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكمَا جَمِيعٌ، جِئتنِي تَسْألنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأتى هَذَا يَسْألُنِي نصَيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئتمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لتعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِمَا عَمِلَ بِهِ فِيهَا أبو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ بِهِ فِيهَا، مُنْذُ وُلِّيتُهَا، وَإِلَّا فَلَا تُكَلِّمَانِي فِيهَا، فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّهْطُ: نعمْ. قَالَ: فَأقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نعمْ، قَالَ: أفتلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَالَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا، فَأنَا أكْفِيكُمَاهَا. الثاني: سبق شرحه في (الجهاد) في (باب فرض الخُمس)، وفي غيره أيضًا. * * *

4 - باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها، ونفقة الولد

4 - بابُ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ (باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجُها) 5359 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرني عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيالنا، قَالَ: "لَا، إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ". الحديث الأول: (مِسِّيك) بكسر الميم وتشديد المهملة، كذا يقوله المُحدِّثون، والمعروف في اللغة: فتح الميم وتخفيف المهملة، قاله ابن الأثير، أي: يُمسك بماله لا يُعطيه غيرَه، وسبق شرحه في (المناقب). * * * 5360 - حَدثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّام، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ". الثاني: (يحيى) إما ابن موسى، وإما ابن جعفر؛ لكن الأولَ أظهرُ، وبه

5 - باب وقال الله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} إلى قوله {بما تعملون بصير}، وقال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}، وقال {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه} إلى قوله {بعد عسر يسرا}

قال ابن السَّكَن. (فله نصفُ أجرِه) المراد بالطعام: الذي يكون في البيت لأجل قُوتهما جميعًا، وإلا فكيف يكون ذلك بدون إذنه؟ والمُرَادُ: بغير أمره الصريح؛ بل اكتفاءً في الإنفاق بالعادة أو بالقرائن في الأدب. قال (ط): وجهُ الحديث في هذا الباب وإن كان في صدقةِ التطوعِ: أنه للمرأة أن تتصدَّقَ مِن مالِ زوجِها بغير أمره بما تعلم أنه يَسمح بمثله، وذلك غيرُ واجبٍ، فأخذُها من ماله مما يجب عليه أَولَىَ. * * * 5 - بابٌ وقال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} إلَى قوِله {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وَقالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}، وَقالَ {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} إِلَى قَوْلِهِ {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وَقَالَ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ: نهى اللهُ أَنْ تُضَارَّ وَالِدَة بِوَلَدِهَا؛ وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْوَالِدَةُ: لَسْتُ مُرْضِعَتَهُ. وَهْيَ أَمْثَلُ لَهُ غِذَاءً، وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تأبَى بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَعَلَ اللهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُضَارَّ بِوَلَدِهِ وَالِدَتَهُ، فَيَمْنَعَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ ضِرَارًا لَهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَسْتَرْضِعَا

6 - باب عمل المرأة في بيت زوجها

عَنْ طِيبِ نفسِ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ، {وَفِصَالهُ}: فِطَامُهُ. (باب {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233]) قوله: (أَمثَل)؛ أي: أفضل. (للمولود له)؛أي: الأب. قال في "الكشَّاف": فإن قلتَ: لِمَ قيل: {الْمَوْلُودِ لَهُ} دون الوالد؟ قلتُ: ليُعلَمَ أن الوالدات إنما وَلدْنَ لهم؛ لأن الأولادَ للآباء، ولذلك يُنسبَون إليهم لا إلى الأمَّهات. (إلى غيرها): متعلق بـ (يمنعها)، أي: منعُها مُنْتَهِ إلى رضاع غيرها، أو يقول ذلك المذكور: إلى غير هذه الكلمات. * * * 6 - بابُ عَمَل الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ زوجِهَا (باب عمل المرأة في بيت زوجها) 5361 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدثَنَا عَلِي: أَن فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ

أتتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: "عَلَى مَكَانِكُمَا"، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْني وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: "أَلاَ أَدلكمَا عَلَى خَيْر مِمَّا سَاَلْتُمَا، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا، فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِم". (فلم تُصادِفْه) بالفاء، أي: لم تَرَه، حتى تلتمسَ منه خادمًا. (على مكانِكما)؛ أي: الزَمَا مكانَكما ولا تتحرَّكا منه. (على خيرٍ)؛ أي: باعتبار أن اللهَ تعالى يعطي المسبِّح قوةً يَقدِرُ بها على الخدمة أكثرَ مما يَقدِرُ الخادم عليه، أو يُسهِّل الأمورَ عليه بحيث يكون فعلُ ذلك بنفسه أسهلَ من فعل الخادم، أو أن نفعَ التسبيح في الآخرة ونفعَ الخادم في الدنيا؛ والآخرةُ خيرٌ وأَبقَى. (أربعًا) منصوبٌ نصبَ المصادر؛ لأنه في الأصل مضافٌ للمصدر، نحو: كبَّرتُ اللهَ أربعَ تكبيراتٍ، وكذا كلُّ ما جاء من الأعداد على هذا المعنى. * * *

7 - باب خادم المرأة

7 - بابُ خَادِمِ الْمَرْأَةِ (باب خادم المرأة) 5362 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، سَمِعَ مُجَاهِدًا، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ أتتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَسْألهُ خَادِمًا، فَقَالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ، تُسَبِّحِينَ اللهَ عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ"، ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: إِحْدَاهُنَّ أَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ، فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ، قِيلَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ، قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ. (قال سفيان: إحداهنَّ أربعًا)؛ أي: أنه قال أولًا على التعيين: التكبيرُ أربع وثلاثون، وقال آخرًا على الإبهام: إحداهنَّ أربع وثلاثون. (فما تركتُها)؛ أي: قال عليٌّ: ما تركتُ هذه الأذكارَ بعدُ قطُّ. (قِيلَ: ولا ليلةَ صِفِّيْن) بكسر المهملة والفاء المشددة وسكون الياء وبالنون: موضعٌ بين العراق والشام وقع فيه حرب بين علي ومعاوية، أي: فلم يَمنَعْني منها عظمٌ ذلك الأمر والشغلُ الذي كنتُ فيه بِصِفّيْن، والقائل لعلي ذلك بيَّنَه مسلمٌ في روايته بأنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى راويه، وقد سأل عليًّا عن ذلك أيضًا عبدُ الله بنُ الكَوَّاء،

8 - باب خدمة الرجل في أهله

رواه ابن أبي شَيبة من وجه آخر. * * * 8 - بابُ خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ (باب خدمة الرجل في أهله) 5363 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الْحَكَم بْنِ عُتَيْبةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: مَا كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: كانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمعَ الأَذَانَ خَرَجَ. (مِهْنة) بكسر الميم وقد تُفتَح وسكون الهاء: الخدمة، ففيه: أن خدمةَ الدارِ وأهلِها سنَّةُ عبادِ الله الصالحين، وفضيلة الجماعة. * * * 9 - بابٌ إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ، فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يَكفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوف (باب إذا لم يُنفِقِ الرجلُ) 5364 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ،

10 - باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة

قَالَ: أَخْبَرني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِيني مَا يَكْفِيني وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". في الحديث: جوازُ الخروجِ للمرأة والسؤالِ عن الأحكام، وكلاهما مع الأجنبي للحاجة، ووصفًا الإنسان بما فيه من النقصان عند الاحتياج، وأن لصاحب الحق أن يَأخذَ حقَّه بغيرِ إذنِ مَن عليه، وأن يَأخذَ مِن غيرِ جنسِه، ووجوبُ النفقة بالمعروف، قيل: والقضاءُ على الغائب. * * * 10 - بابُ حِفْظِ الْمَرْأَةِ زوجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَةِ (باب حفظِ المرأةِ زوجَها في ذات يده) 5365 - حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثنَا سُفْيَانُ، حَدَّثنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكبْنَ الإبِلَ نِسَاءُ قرَيْشٍ"، وَقَالَ الآخَرُ: "صَالح نِسَاءِ قُرَيْشٍ؛ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ"، وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

11 - باب كسوة المرأة بالمعروف

(عن أبي هريرة) متعلق بطاوس أيضًا؛ لأنه سمع منه، فهو في مرتبة الأعرج. (ركبْنَ الإبلَ) كنايةٌ عن نساء العرب. (وقال الآخر) بفتح الخاء، أي: قال أحدهما: (خيرُ نساءٍ)، وقال الآخر: (صالحُ نساءٍ). (أحْنَاهُ) من الحُنُوِّ، وهو الشفقة والعطف، وكان القياسُ أن يُقالَ: أحْنَاهُنَّ؛ لكن قيل: العربُ في مِثلِه لا تتكلم به إلا مفردًا، أو لعله باعتبار الذكور، أو باعتبار لفظ النساء. (وأَرعَاه) من: الرعاية، وهي الحفظ، وقيل: من الإرعاء بمعنى: الإبقاء. (ذاتِ يدِه)؛ أي: مالِه المضافِ إليه، وفيه: فضيلةُ القُرَشيات بهاتين الخَصلتَين، سبق في (الأنبياء) في (باب مريم). * * * 11 - بابُ كسْوَةِ الْمَرْأَةِ بِالْمَعْرُوف (باب كسوة المرأة بالمعروف) 5366 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زيدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -

12 - باب عون المرأة زوجها في ولده

قَالَ: آتَى إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةَ سِيَرَاءَ فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. (حُلَّة) هي إزَارٌ ورِدَاءٌ. (سِيَرَاء) بكسر المهملة وفتح التحتانية وبالراء وبالمَدّ: بُرْدٌ فيه خطوطٌ صُفرٌ، قيل: هي مُضلَّعةٌ بالحرير، وقيل: إنها حريرٌ محضٌ، وضبطوا الحُلَّة بالإضافة وبالتنوين، قيل: ومعنى (بالمعروف): هو ما تقتضيه الحال، استَنبَطَه البخاريُّ من رضي فاطمةَ رضي الله عنها بالقطعة من الحُلَّة؛ لِمَا كانوا فيه من ضيق الحال. * * * 12 - بابُ عونِ الْمَرْأَةِ زوجَهَا فِي وَلَدِهِ (باب عونِ المرأةِ زوجَها في ولده) 5367 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبع بَنَاتٍ، أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فتزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟ " فَقُلْتُ: نعمْ، فَقَالَ: "بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ " قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: "فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ"، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ

13 - باب نفقة المعسر على أهله

بِمِثْلِهِنَّ، فتزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ: "بَارَكَ اللهُ، أَو خَيْرًا". فيه حديث تزوج جابر، سبق مرات، وأن اسم امرأته: سُهَيلة بنت مسعود بن أوس بن مالك، وهي والدة ابنه عبد الرحمن كما ذكره ابن مسعود. قال (ط): عونُ المرأةِ زوجَها في ولده من غيرها ليس بواجبٍ؛ وإنما هو من جميل المُعاشَرة، ومن سِيَر الصالحات. * * * 13 - بابُ نفَقَةِ الْمُعْسِرِ عَلَى أَهْلِهِ (باب نفقة المُعْسِر) 5368 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ابِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجلٌ فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: "وَلمَ؟ " قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "فَأَعْتِقْ رَقَبةً"، قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي، قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: "فَأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قَالَ: لَا أَجِدُ. فَأتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ " قَالَ: هَا أَنَاذَا، قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهَذَا"، قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا

14 - باب {وعلى الوارث مثل ذلك} وهل على المرأة منه شيء؟ {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم} إلى قوله: {صراط مستقيم}

رَسُولَ اللهِ؟ فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ: "فَأَنتمْ إِذًا". (لابَتَيْهَا)؛ أي: الحَرَّتَين، سبق في (الصوم) شرحه. قال (ط): أراد البخاري بحديث المُواقع إثباتَ نفقة المُعْسِر على أهله؛ حيث قدَّمها على الكفَّارة بتجويزِ صرفِ ما في العَرَق لأهله دون كفَّارته. * * * 14 - بابٌ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَهَلْ عَلَى الْمَرْأةِ مِنهُ شَيْءٌ؟ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} إِلَى قَوْلِهِ: {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]) قال (ط): اختُلف في معنى {مِثْلُ ذَلِكَ}؟ فقيل: هو لا يُضَارُّ، وقيل: مثل ما كان على الوالد من أجر الرضاع إذا كان الولدُ لا مالَ له، وكذا في الوارث، وقيل: عامٌّ لكل مَن كان مِن الوَرثة، وقيل: مَن كان ذا رَحِم مَحرَمٍ للمولود نفسه، وقيل: وارث رجلًا دون المرأة، وقيل: الباقي من الوالدين. وقال (ن): إن بقي الأُمُّ والعمُّ فعلى كل واحدٍ رضاعُه بقَدْرِ ميراثه، وإلى رد هذا القول أشار البخاري بقوله: (وهل على المرأة منه

شيءٌ)؟ أي: مِن رَضاع الصبي ومُؤنته، وشبَّه ميراثَ المرأة من الوارث بمنزلة الأبْكَم الذي لا يَقدِرُ على النطق مِن المتكلم، وجعلَها كَلًّا على مَن يَعُولُها. وقيل: مقصودُ البخاريِّ الردُّ على مَن أَوجبَ النفقةَ والإرضاعَ على الأمّ بعدَ الأبِ؛ وذلك لأن الأمَّ كَلٌّ على الأب، ومَن تجب نفقتُه على غيره كيف تجب عليه لغيره؟ وحملَ حديثَ أمِّ سَلَمةَ على التطوع؛ لقوله: (لك أجرُ)، وحديث هند إذ أباح لها أخذها من ماله، دلَّ على سقوطها عنها فكذلك بعدَ وفاته، قيل: وفي استدلاله نظرٌ؛ إذ لا يلزم من السقوط عنها في حياة الأب القائم بمصالحه السقوط بعده. قال (ك): ويُحتمل أن يُقال: الترجمةُ ذاتُ جزأَين، ومقصوده من الحديث الأول: الجزء الأول، ومن الثاني: الثاني، وهو أنه ليس على المرأة شيءٌ، أي: عند وجود الأب، وإنما قيدناه ليتصوَّر كونُ الأمِّ كَلًّا على الأب، وهذا أظهر. * * * 5369 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟ قَالَ: "نعمْ، لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ".

15 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك كلا أو ضياعا فإلي"

5370 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: قَالَتْ هِنْدُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُل شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيني وَبَنِيَّ؟ قَالَ: "خُذِي بِالْمَعْرُوف". * * * 15 - بابٌ قولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ كلًّا أَو ضَيَاعًا فَإِلَيَّ" (باب قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ومَن ترك كَلًّا أو ضَياعًا) (كَلًّا) بفتح، أي: ثقلًا مِن دَينٍ أو نحوه، والضَّياع بفتح المعجمة: الهلاك، أي: الذي لا يَستقلُّ بنفسه ولو خُلّي وضيعَه لَكانَ في مَعرِض الهلاك والضياع. (فإليَّ) معناه: فينتهي ذلك إليَّ وأنا أتداركُه، أو هو بمعنى: عليَّ، أي: فعليَّ قضاؤُه والقيامُ بمصالحه، وقال التَّيْمي: معناه: فحَوَالةُ ذلك إليَّ، والضَّياع بالفتح مصدر، قيل: هو العيال، وبالكسر: جمع ضائع. 5371 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْألُ: "هَلْ تَرَكَ لِدَيْنهِ

16 - باب المراضع من المواليات وغيرهن

فَضْلًا؟ " فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى، وَإلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُم"، فَلَمَّا فتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فمَنْ تُوُفي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فتَرَكَ دينًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَثتِهِ". (فَضْلًا)؛ أي: مالًا يَفِي بالدَّين فَضْلًا من الله تعالى، وفي بعضها: (قضاءً)، وفي بعضها: (وفاءً)، وسبق في (كتاب الحوالة). * * * 16 - بابُ الْمَرَاضعِ مِنَ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ (باب المَرَاضع من المَوَاليات) قال (ط): كان الأقربُ أن يقول: المَوْلَيات، جمع: مَوْلاة، والمَوَالي: جمع مَوْلى جمع تكسير، ثم جمع مَوَالي الألف والتاء فصار: مواليات؛ فهو جمع الجمع، وقال السَّفَاقُسِي: ضُبط بضم الميم وفتحها، والأول أوجه؛ لأنه اسمُ فاعل من: وَالَتْ تُوالِي. 5372 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ: أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبيبةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! انْكِحْ أُخْتِي ابْنَةَ

أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: "وَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَاركنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي. فَقَالَ: " إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَوَاللهِ! إِنَّا نتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تنكِحَ دُرَّةَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: "ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ " فَقُلْتُ: نعمْ. قَالَ: "فَوَاللهِ! لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُويبةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ". وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، قَالَ عُرْوَةُ: ثُوَيْبةُ أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ. الحديثُ المذكورُ فيه حديثُ أمِّ حبيبةَ أن الرَّضاعَ من الإماء كما هو من الحرائر؛ لأن ثُويبةَ كانت أَمَةَ أبي لهب، أعتقها حين بشَّرته بمولد النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. * * *

70 - كتاب الأطعمة

70 - كتاب الأطعمة

1 - وقول الله تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}، وقوله: (كلوا من طيبات ما كسبتم)، وقوله: {كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 70 - كتاب الأطعمة 1 - وقولِ الله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، وقوِلِه: (كُلُوا من طيبات ما كسبتُم)، وقوِلِه: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (كتاب الأطعمة) قوله: (كُلُوا من طيبات ما كسبتُم) التلاوة: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]. قال (ط): فهو وهمٌ من الكاتب. 5373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي: الأَسِيرُ.

الحديث الأول: (أَطعِمُوا) أمرُ ندبٍ، وربما وَجَبَ الإطعامُ في بعض الأحوال. (العاني) بمهملة ونون: الأسير. * * * 5374 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ طَعَامٍ ثَلاَثَةَ أيامٍ حَتَّى قُبِضَ. الثاني: (ثلاثة أيام)؛ أي: متواليات؛ وذلك إما لفقرِهم، وإما لإيثارِهم غيرَهم، وإما لأنه مذمومٌ. قال (ش): وسيأتي: (ما شَبعَ آلُ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - من خبزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثلاثةَ أيامٍ، حتى لحقَ بالله - عزَّ وجلَّ -)؛ فَلْيُحمَلْ هذا المُطلَقُ عليه. * * * 5375 - وَعَنْ أَبِي حَازِم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كتَابِ اللهِ، فَدَخَلَ دارَهُ وَفتحَهَا عَلَيَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ عَلَى رَأْسِيِ فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيرَةَ! ". فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ! وَسَعْدَيْكَ. فَأخَذ بِيَدِي فَأقَامَنِي، وَعَرَفَ

الَّذِي بِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَحْلِهِ، فَأمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: "عُدْ يَا أَبَا هِرٍّ! "، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ: "عُدْ"، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي فَصَارَ كَالْقِدْح، قَالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ، وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِي، وَقُلْتُ لَهُ: تَوَلَّى اللهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ!، وَاللهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ، وَلأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللهِ! لأَنْ أكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ. (جهد) هو بالضم: الطاقة، وبالفتح: الغاية في الشفقة، والمراد هنا: الجوع الشديد. (فاستَقريتُه) بغير همز، وأصل الكلمة مهموز، وكان من عادتهم إذا استَقرَأ أحدُهم صاحبَه القراَنَ يَحملُه إلى بيته يُطعمه ما تيسَّر عنده، وفي "الحِلية" لأبي نُعيم في حديث أبي هريرة هذه الزيادةُ؛ وهي حسنةٌ. (وفتَحَها)؛ أي: أقرَأنِيها وحلَّ الاشتباهَ. (رَحْله) هو المَسكَن. (بِعُسٍّ) بضم المهملة الأولى وتشديد الثانية: القَدَحُ العظيمُ. (كالقِدح) بكسر القاف: سهمٌ بلا نَصْلٍ ولا قُذَذٍ، شبَّهَ استواءَ بطنه من الامتلاء باستواء السهم إذا قُوِّم. (تَولَّى ذلك)؛ أي: تقلَّد أمرِي -وهو إشباعي- ودفعَ الجوع عني

2 - باب التسمية على الطعام، والأكل باليمين

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعضها: (يُولي) من التولية، والفاعل هو الله تعالى، و (مَن) هو مفعول، وعلى الأول فاعل. (حُمْر النَّعَم) هي أشرف أموال العرب، أي: ضيافتُك أحبُّ إلَيَّ من ذلك، أو أفعل التفضيل بمعنى المفعول. * * * 2 - بابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الطعَامِ، وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ (باب التسمية على الطعام) 5376 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الْوَليدُ بْنُ كَثِير: أَخْبَرَني أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كيْسَانَ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا غُلاَمُ! سَمِّ الله، وَكُلْ بِيَمِينكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. (سَلَمة) بفتحتين. (تَطِيش)؛ أي: تتحرك إلى نواحي الصَّحفة: وهي ما تُشبع خمسةً، والقَصعة: ما تُشبع عشرةً، وأَسنَدَ الطيشَ إلى اليد مبالغةً. (طِعْمَتي) بكسر الطاء: نوعٌ من الطعم، أي: ما زالت تلك

3 - باب الأكل مما يليه

الطعْمَةُ، أي: ذلك النوعُ من الأكل مما يُقرَّب مني بالتسمية واليمين طِعْمَتي بعد ذلك الوقت، وفي بعضها بالضم، يقال: طَعِمَ: إذا أكل، والطُّعْمَة: المَأكَلَة. * * * 3 - باب الأكلِ مِمَّا يَلِيهِ وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَلْيَأكلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ". (باب الأكل مما يليه) قوله: (وقال أنس) وصلَه مسلم، وأبو نُعيم في "المستخرج"، وهو المُشارُ إليه في أواخر (النكاح) من حديث الجَعد أبي عثمان. * * * 5377 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -وَهْوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أكَلْتُ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نواحِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلْ مِمَّا يَلِيكَ".

4 - باب من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية

5378 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي، نُعَيْمٍ، قَالَ: أُتِيَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِطَعَامٍ، وَمَعَهُ رَبِيبُة عُمَرُ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: "سَمِّ اللهَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ". الحديث الأول والثاني: في قصة عمر بن أبي سَلَمة. * * * 4 - بابُ مَنْ تتبَّعَ حَوَالَي الْقَصْعَةِ مَعَ صَاحِبِهِ إِذا لَمْ يَعْرِف مِنهُ كرَاهِيَةً (باب مَن تتبَّع حَوَالَي القَصْعَة)، حوالَي: بفتح اللام. 5379 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَيْتُهُ يتتبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. سبق الحديث في (الوضوء) في (باب التيمُّن). * * *

5 - باب التيمن في الأكل وغيره

5 - بابٌ التَّيَمُّن فِي الأَكلِ وَغَيْرِه (باب التيمُّن في الأكل وغيره) قوله: (وقال عمر بن أبي سَلَمة) تقدَّم وصلُه قريبًا في (باب التسمية على الطعام). 5380 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي طُهُورِه وتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ. وَكَانَ قَالَ بِوَاسِطٍ قَبْلَ هَذَا: فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. (أخبَرَنا عبدُ الله) هو ابن المبارك. (ترجُّله) هو تمشيط الشَّعر. (وكان) القائل ذلك هو عبد الله بن المبارك، أي: كان شعبة قال ببلد واسط في الزمان السابق: (في شأنِه كلِّه)، أي: زاد هذه الكلمةَ، وقال بعض المشايخ: القائل بواسط هو أشعث. * * * 6 - بابُ مَنْ أَكلَ حَتَّى شَبِعَ (باب مَن أكَلَ حتى شبعَ) 5381 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ

عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ " فَقُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "بِطَعَامٍ؟ "، قَالَ: فَقُلْتُ: نعمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا"، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْم! قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاسِ، وَلَيسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى دَخَلاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْم! مَا عِنْدَكِ"، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأمَرَ بِهِ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمِ عُكَّةً لَهَا فَأدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأذِنَ لَهُمْ، فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأذِنَ لَهُمْ، فَأكلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ، فَأكَلَ الْقَوْمُ كلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا.

الحديث الأول: (دسَّتْه) من: دَسَستُ الشيءَ: إذا أَخفيتُه، وسبق الحديث مراتٍ في (هجرة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -). (هَلُمِّي)؛ أي: هاتِي وأَحْضِرِي. (أُمّ سُلَيم) اسمها: الرُّمَيصاء، وقيل: سهلة، وقيل غير ذلك. (عُكَّة)؛ أي: وعاء السَّمن. (شَبِعُوا) قال بعضهم: أي: شِبَعهم المعتاد، وهو أن الثلثَ للطعام، والثلثَ للشراب، والثلثَ للنفس. * * * 5382 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَ أَبُو عُثْمَانَ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ " فَإِذَا مَع رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَم يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبَيعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ -أَوْ قَالَ-: هِبةٌ؟ " قَالَ: لَا، بَلْ بَيعٌ، قَالَ: فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً فَصُنِعَتْ، فَأمَرَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوَادِ الْبَطْنِ يُشْوَى، وَايْمُ اللهِ! مَا مِنَ الثَّلاَثِينَ وَمِائَةٍ، إِلَّا قَدْ حَزَّ لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَهَا لَهُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا قَصْعَتَيْنِ فَأكَلْنَا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا، وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ، فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ.

الثاني: (حدث أبو عثمان أيضًا) فائدة قوله (أيضًا): الإشعارُ بأن سليمانَ والدَ مُعتمِر قال: حدثني عن أبي عثمان، وحدثني أبو عثمان أيضًا عبد الرحمن، وأبو عثمان هذا هو النَّهْدِي. (مُشْعَانٌ) بضم الميم وسكون المعجمة وبمهملة وشدة النون، وقيل بكسر الميم: الطويل في الغاية، وقيل: طويلُ الشَّعر مُنتفِشُه ثائره. (عَطِيَّة)؛ أي: هدية. (بسَوَاد البطن) هو الكبد. (حَزَّ) بمهملة وزاي، أي: قطعَ، وسبق في (الهبة) في (باب قَبُول هدية المشركين). * * * 5383 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: تُوُفي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدينِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ. الثالث: (حين شبِعْنَا) ظرفٌ كالحال، معناه: ما شبِعْنَا قبلَ زمانِ وفاتِه، تعني: كنا مُتقلِّلين من الدنيا زاهدين فيها.

7 - باب {ليس على الأعمى حرج} إلى قوله {لعلكم تعقلون} , والنهد والاجتماع على الطعام

(الأسودَين) إن قيل: الماءُ شفَّافٌ لا لونَ له؟! قيل: هو من التغليب كالقَمَرَين، وأمَّا كونُهم في سعةِ من الماء؛ لكن الشبعَ منه متوقفٌ على الشبع من الطعام، فقرنَتْ بينهما لفقد التمتُّع بأحدهما بدون الآخر، واستُعمل الشبعُ في الماء وإن كان يُقال فيه: الرِّيُّ تغليبًا، كما وُصف التمرُ والماءُ بوصفٍ واحدٍ. * * * 7 - بابٌ {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} إِلَى قَوْلِهِ {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} , والنِّهد والاجتماعُ على الطعام (باب {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: 61]) قوله: (النَّهْد) بفتح النون وكسرها، وإسكان الهاء، وبمهملة: من المُنَاهدة، وهي إخراجُ كلِّ واحدٍ من الرُّفقة نفقتَه على قَدْرِ نفقةِ صاحبِه؛ حتى لا يتَغَابَنُوا. 5384 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ بُشَيْرَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُويدُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كنَّا بِالصَّهْبَاءِ -قَالَ يَحْيَى: وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ- دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلَّا بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ فَأكلْنَا مِنْهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، فَصَلَّى

8 - باب الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة

بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأ. قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَوْدًا وَبَدْأً. (بالصَّهْباء) بفتح المهملة وسكون الهاء، وبموحَّدةٍ ومدٍّ: مَنزل من خَيْبرَ. (رَوْحَة) هي ضد الغَدْوَة. (فلُكْنَاه) من: اللَّوْك، وهو العَلْك. (عَوْدًا وبَدْءًا)؛ أي: مبتدأً وعائدًا، أي: أولًا وآخرًا، ووجه مناسبة الحديث بالترجمة: اجتماعُهم على لَوْكِ السَّوِيقِ من غيرِ تفرقةٍ بين المريض والصحيح، والبصير والضرير، وقيل: المقصودُ من الحديث قولُه تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61]، وقوله: {جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61]؛ ووجهُ ذلك من الحديث: جمعُ الأزواد وخلطُها واجتماعُهم عليها. * * * 8 - بابُ الْخُبْزِ الْمُرَقَّقِ، وَالأَكل عَلَى الْخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ (باب الخُبز المُرقَّق، والأكل على الخِوَان) بكسر الخاء وضمِّها، ويقال: إِخْوَان، وهو الذي يُؤكَل عليه، جمعه: أَخْوِنَةٌ وخُونٌ مُعرَّب، والأكلُ عليها دأبُ المُترَفين وصنعُ الجبابرة.

(والسُّفْرَة) ما يُوضَع عليها الطعامُ، وفي "المجمل": السّفْرَة: الطعام الذي يُتخَذ للمسافر، وأكثرُ ما يُحمَل في جلدٍ مستديرٍ، فنُقل اسمُ الطعام للجلد، وسُمِّيَتْ به كما سُمِّيَتْ المَزَادةُ: راويةً. * * * 5385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنسٍ وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ، فَقَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خُبْزًا مُرَقَّقًا وَلَا شَاةً مَسْمُوطَةً حَتَّى لَقِيَ اللهَ. الحديث الأول: (مَسْمُوطة) بمهملتين: التي يُزال شَعرُها ثم تُشوَى، من: السَّمْط، وهو إزالة الشَّعر. * * * 5386 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونس -قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ الإسْكَافُ- عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ عَلَى سُكْرُجَةٍ قَطّ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ، وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ. قِيلَ لِقَتَادَةَ: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأكلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. الثاني: (سُكُرُّجَة) بمهملتين وكافٍ وراءٍ شديدةٍ مضموماتٍ.

قال (ع): كذا ضبطناه، وقال أبو الفَرَج عن الجَوَاليقي: بضم السين والكاف وفتح الراء مشددةً، وقال بعض اللغويين: صوابه: (أُسْكُرَجة) بهمزة وفتح الراء، وقال ابن مَكِّي: صوابه بفتح الراء: وهي قِصَاعٌ صغارٌ يُؤكَل فيها. قال التُّورِبِشْتِي: صوابه بفتح الراء؛ لأنه فارسيٌّ مُعرَّبٌ، والراءُ في الأصل مفتوحةٌ، والعَجَمُ يستعملونها في الكَوَاميخ وما أشبهها من الجَوَاريشات على الموائد حول الأطعمة للهضم، والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يأكلْ على هذه الصفة قطُّ. (فعلى ما) أثبت الألف، والأكثرُ حذفُها. (يأكلون) الأصل يأكل؛ لكن جَمَعَ لأن الغالبَ اقتداءُ الصحابة - رضي الله عنهم - به - صلى الله عليه وسلم -. * * * 5387 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَني حُمَيْدٌ، أنَّهُ سَمِعَ أَنسًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْنِي بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَليمَتِهِ، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ. وَقَالَ عَمْرٌو، عَنْ أَنسٍ: بَنَى بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ. الثالث: (بَنَى بها)؛ أي: دخل عليها، وقد سبق أن هذا يَرُدُّ على قول

الجَوهري: أنه لا يُقال إلا: عليها. (حَيْسًا) هو خلط من سَمنٍ وتمرٍ ونحوه. (نِطْع) بكسر النون وفتحها، وسكون الطاء وفتحها. * * * 5388 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كيْسَانَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُونَ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ! فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ، هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ، إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ، فَأوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأحَدِهِمَا، وَجَعَلْتُ فِي سُفْرتهِ آخَرَ، قَالَ: فَكَانَ أَهْلُ الشَّأمِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: إِيهًا وَالإلَهْ! تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُها. الرابع: (يُعَيِّرُوْنَك)؛ أي: يَعيبُون. (بالنِّطاقَينِ) النِّطَاق بكسر النون: ما يُشَدُّ به الوسط، وشُقَّةٌ تلبَسُها المرأةُ وتَشدُّ وسطَها، ثم تُرسَل الأعلى على الأسفل إلى الرُّكبة، والأفصح تعدِّي (عَيَّرَ) بنفسه. (ما كان النِّطاقَين) صوابه: النِّطاقان. (فأوْكَيْتُ) من: الوِكَاء، وهو ما يُشَدُّ به رأسُ القِربة.

(إيْهًا) بكسر الهمزة وسكون الياء: كلمة يُستدعَى بها. قال صاحب "الغريب": هو تصديقٌ وارتضاءٌ، كأنه قال: صدقتَ، ورُوي: (إيْهٍ) بكسر الهاء والتنوين، كلمةُ استزادةٍ، ومعناه: زِدْنِي من هذا الكلام، وقد تأتي: (إيهًا) بمعنى: كُفَّ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: لأصيل الغفاري: "إيهًا أُصَيلُ"، أي: كُفَّ. (والإلهِ) قسم. (تلك شَكَاةٌ) قال السَّفَاقُسِي: يُضبَط بكسر الشين وفتحها، وهو الصحيح؛ لأنه مصدر شكا يشكو شَكَاةَ وشَكْوى وشِكَايةً. (ظاهرٌ عنك عارُها)؛ أي: زائل. قال الأصمعي: ظهرَ عنه العارُ: إذا ذهبَ وزالَ، أي: لا عارَ فيه على هذا الكلام، وهو مِصرَاعُ بيتِ الهُذَلِيِّ: وَتلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكِ عَارُهَا ... وَعَيَّرَهَا الوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّهَا * * * 5389 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ -خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ- أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَتَرَكهُنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَالْمُتَقْذِرِ لَهُنَّ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا أَمَرَ بِأكلِهِنَّ.

9 - باب السويق

الخامس: (أُمّ حُفَيد) مُصغَّر حَفْد، بمهملتين والفاء، واسمها: هُزَيلة مُصغَّر الهَزْلة بالزاي، ولها أخوات: أُمُّ خالد بن الوليد، وأسمها: لُبَابة بضم اللام وخفة المُوحدة الأولى، وهي المشهورة بالصغرى، وأُمُّ عباس وهي لُبَابة الكبرى، وميمونةُ زوجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كلُّهنَّ بناتُ الحارثِ بنِ حَزْنٍ -بفتح المهملة وسكون الزاي- الهلالِيّ. (وَأَضُبًّا) بوزن أَكُفٍّ، جمع: ضَبٍّ جمع قلة. (كالمُتقذِّر)؛ أي: الكاره، والقذارة ضد النظافة. (على مائدة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) استُشكل مع ما سبق من نفي المائدة والخِوان، وأُجيب: بأن المَنفيَّ هناك المُعدُّ لذلك من خشبٍ وشبهه، والمراد هنا: ما يَصونُ الطعامَ من الأرض على وجه الاتفاق، من منديلٍ ونحوه. * * * 9 - بابُ السَّوِيقِ (باب السَّوِيْق) 5390 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ

10 - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّهْبَاءِ -وَهْيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ- فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَلَم يَجدْهُ إِلَّا سَوِيقًا، فَلاَكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ، ثُمَ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا، وَلَمْ يتوَضَّأ. الحديث فيه: أن أكلَ السَّوِيْق لا يكون ناقضًا للوضوء، خلافًا لِمَن يقول: يجبُ الوُضوءُ مما مسَّتْه النارُ، ومرَّ الحديثُ. * * * 10 - بابٌ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمُ مَا هُوَ (باب: ما كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل حتى يُسمَّى له) قد يستشكل دخولُ النافي على النافي؟ وجوابه: أن النفيَ الثانيَ مُؤكِّدٌ للأول، والأصلُ: كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل شيئًا حتى يُسمَّى له، وقد ثبت في بعض الأصول: (ما كان يأكلُ حتى يُسمَّى له)، ونظيره قول الشاعر: وَلَا لِلْمَا بِهِمْ أَبَدًا دَوَاءُ 5391 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِل أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ، الَّذِي

يُقَالُ لَهُ: سيْفُ اللهِ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَيْمُونة -وَهْيَ خَالتهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ- فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بهِ ويسَمَّى لَهُ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتِ امْرَأةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللهِ! فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَليدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأجِدُنِي أَعَافُهُ"، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ إِلَيَّ. (مَحنُوذًا)؛ أي: مَشوِيًّا. (حُفَيدة) قيل: صوابه: أُمُّ حُفَيد بزيادة لفظ (أُم) ونقصان الهاء، كما في الرواية المتقدمة، لكن قال ابنُ الأثير في "جامع الأصول": إن أُمَّ حُفَيد اسمها حُفَيدة؛ فكلاهما صحيح. (يُحدَّث) وكذا (يُسمَّى) مبنيان للمفعول. (فأهوَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدَه): أَمَالَها. (من النِّسوة الحضور) جمع: حاضر، فلا يُطابق الموصوفَ إلا إن جُعل بمعنى كذا، وهو مصدر بمعنى: الحاضرات، أو لُوحظ صورةُ الجمع في اللفظين، ولا يَلزم من الإسناد إلى المُضمَر التأنيثُ. قال الجَوهري في قوله تعالى: {رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ

11 - باب طعام الواحد يكفي الاثنين

الْمُحْسِنِينَ}: لم يَقُلْ: قريبة؛ لأن ما لا يكونُ تأنيثُه حقيقيًّا يجوزُ تذكيرُه. (أحرامٌ الضَّبُّ؟) هو نحو: أقائمٌ زيدٌ؟ فجاز فيه الأمران. (أَعَافُه)؟ أي: أكَرهُه. * * * 11 - بابٌ طَعَامُ الواحِدِ يَكفِي الاِثْنَيْنِ (باب طعام الواحد يكفي الاثنين) قيل: تأويله: مُشبع الواحدِ قُوتُ الاثنين، فإن قيل: مُقتضى الترجمة أن الواحدَ يكتفي بنصف ما يُشعبه، ولفظ الحديث بثُلثَي مما يُشبعه، ولا يَلزم من الاكتفاء بالثلثين الاكتفاءُ بالنصف؟ قيل: ذلك على سبيل التشبيه، والمراد منه: التقريبُ لا التحديدُ، والنصفُ والثلثُ متقاربان، أو أنه ورد في غير هذه الرواية: "طعامُ الواحدِ كافٍ للاثنين" رواه مسلم من طرق، فأشار البخاريُّ بالحديث المذكور كما هو عادته في أمثاله. 5392 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ". * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [14]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

12 - باب المؤمن يأكل في معى واحد

تابع (70) كتاب الأطعمة 12 - بابٌ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ (باب المؤمن يأكل في معًى واحدٍ) 5393 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمدٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأكلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأكُلُ مَعَهُ، فَأدْخَلْتُ رَجُلًا يَأكلُ مَعَهُ فَأكَلَ كَثِيرًا، فَقَالَ: يَا نَافِعُ! لَا تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْمُؤْمِنُ يَأكلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأكلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". الحديث الأول: (مِعًى) بكسر الميم، مقصور جمعه: أمعاء بالمد، وإنما عُدِّي الأكل بـ (في) على معنى: أوقع الأكل فيها، وجعلها مكانًا للمأكول، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]، أي: مِلءَ بطونهم، فإن قيل: كثيرٌ من المؤمنين يأكل كثيرًا والكافر بالعكس؟

قيل: المرادُ من شأن المؤمنين التقليلُ وشأنِ الكافرِ التكثيرُ، وجاز أن يُوجدَ منهما خلافُ ذلك، وذلك أن الكاملَ يُقِلُّ من الطعام ويُؤثر على نفسه؛ لِمَا يرجو من ثوابه، والكافرَ يَستكثرُ ويَستأثرُ به لا يَدَّخرُه للآخرة، أو باعتبار الأعمِّ الأغلب. فإن قيل: فما وجهُ التخصيص بالسبعة؟ قيل: للمبالغة، وقال الأطباء: لكلِّ إنسانٍ سبعةُ أمعاءٍ: المَعِدَة، ثم ثلاثةٌ متصلةٌ بها دِقَاقٌ، ثم ثلاثةٌ غِلاَظٌ، قالوا: أسماؤها: الاثنا عَشَرِي، والصائمُ، والقُولُون، واللَّفَائفي بالفاءَين، وقيل: بالقافين وبالنون، والمستقيم، والأعور؛ فالمؤمنُ يَكفيه ملءُ أحدها، والكافرُ لا يَكفيه إلا ملءُ كلِّها. وقال (ن): يُحتمَل أن يُراد بالسبعةِ صفاتٍ، هي: الحرصُ، والشَّرَه، وطولُ الأمل، والطمعُ، وسوءُ الطبع، والحسدُ، والسِّمَن، وبالواحدِ في المؤمن: سدَّ خُلَّتِه. وقال البَيضاوي: أراد به: المؤمنُ يَقلُّ حرصُه على الطعام، أو يُبَارَكُ له فيما يأكلُه، فيَشبعُ من القليل، والكافرُ كثيرُ الحرصِ لا مَطمَحَ لبصره إلا إلى المَطَاعم والمَشَارب كالأنعام، فمَثَّلَ ما بينهما من التفاوت في الشَّرَه بما بين مَن يأكلُ في معًى واحدٍ، ومَن يأكلُ في سبعةٍ، وقيل: إنه في حقِّ رجلٍ واحدٍ بعينه، فقيل له على جهة التمثيل، لا أنَّ كلَّ كثيرِ الأكلِ ناقصُ الإيمانِ، كما سيأتي عن أبي هريرةَ: أن رجلًا كان يأكل كثيرًا، فأسلمَ، فكان يأكل قليلًا، فذُكر للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال ذلك.

قال أبو عبيدة في "الغريب": أهلُ مصرَ يَرَون أن هذا الحديثَ في أبي بَصِير الغِفَاري، وحكَى ابنُ إسحاقَ أنه ثُمَامة بن أُثَال الحَنَفي، وقيل: جَهجَاه الغِفَاري، حكاه (ط)، وقيل: نَضْلَة بن عمرٍو الغِفَاري. وحَمَلَ ابنُ عمرَ الحديثَ على ظاهره: أن كثيرَ الأكلِ ناقصُ الإيمان، لكنه خلافُ قولِ الجمهور، وقيل: المقصودُ التقليلُ من الدنيا والحثُّ على الزهد فيها، لا الأكلُ بخصوصه؛ مع أن قلةَ الأكلِ من محاسن الأخلاق، وإنما قال ابنُ عمرَ: (لا تُدخل على هذا)؛ لأنه أَشبَهَ الكفَّارَ، فكَرِهَ مخالطتَه. * * * 5394 / -م - وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمِثْلِهِ. (وقال ابن بُكَير) وصلَه أبو نُعيم في "المستخرج". * * * 5395 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا أكُولًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْكَافِرَ يَأكلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". فَقَالَ: فَأنَا أُومِنُ بِاللهِ وَرَسُولهِ. 5396 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِك، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يأكُلُ

13 - باب الأكل متكئا

الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأكلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". 5397 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأكلُ أكلًا كَثِيرًا، فَأسْلَمَ فَكَانَ يَأكلُ أكلًا قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأكلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَأكلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". الثاني، والثالث: نحو الذي تقدَّم. * * * 13 - بابُ الأَكْلِ مُتَّكئًا (باب الأكل مُتَّكِئًا) 5398 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا آكُلُ مُتَّكِئًا". الحديث الأول: (مُتَّكِئًا)؛ أي: قاعد متمكنًا. قال (خ): حَسِبَ العامةُ أن المُتكِئَ هو المائلُ على أحدِ شِقَّيه، وليس كذلك؛ بل المُتكِئُ هنا: هو المُعتمِدُ على الوِطاء الذي تحتَه، وكلّ مَن استوى قاعدًا على وِطاء فهو مُتكِئٌ، أي: إذا أكلتُ لم أَقعدُ

14 - باب الشواء، وقول الله تعالى: {جاء بعجل حنيذ}؛ أي: مشوي

مُتكِئًا على الأوطية فِعْلَ مَن يَستكثرُ مِن الأطعمة، ولكن آكُلُ عُلقةً من الطعام، فيكون قعودي له مُستوفِزًا. * * * 5399 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبةَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي جُحَيفَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: "لَا آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ". الثاني: (وأنا مُتكِئ)؛ أي: فالحالُ هنا جملةٌ اسميةٌ دالةٌ على الثبوت، فهو أبلغُ من الرواية الأولى: (مُتكِئًا)؛ لكن هذا في الإثبات، أما النفيُ فبالعكس، تكون الأُولى أبلغَ. * * * 14 - بابُ الشِّوَاءِ، وَقوْلِ اللهِ تَعَالَى: {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}؛ أي: مشوي (باب الشِّواء) هو بالمد، أي: المَشوِي. 5400 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا

15 - باب الخزيرة

مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْل، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَليدِ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ، فَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ بِأرْضِ قَوْمِي، فَأجِدُنِي أَعَافُهُ"، فَأكَلَ خَالِدٌ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ. قَالَ مَالِكٌ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ. (أحرامٌ هو) يجوز إعرابُه بوجهَين كما في: أقائمٌ زيدٌ؟ (أَعافُه) أي: أَكرهُه، وهذا ليس تعييبًا للطعام؛ بل بيانًا لتنفير طبعه منه. * * * 15 - بابُ الْخَزِيرَةِ قَالَ النَّضْرُ: الْخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ، وَالْحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ. (باب الخَزِيْرَة) بفتح المعجمة وكسر الزاي ثم راء: مَرَقَة تُصفَّى من بُلاَلة النُّخَالة ثم تُطبَخ، فإن كانت مِن لَبَنٍ فهي حَرِيرةٌ براء مكررة، وقال الجوهري: بالزاي: أن يُقطَع اللحمُ صغارًا على ماءٍ كثيرٍ، فإذا نَضَجَ ذُرَّ عليه الدقيقُ، وبالراء: دقيقٌ يُطبَخ باللبَن. * * *

5401 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرني مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ- أنَّهُ أتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْني وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ، فَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَّكَ تأتِي فتصَلِّي فِي بَيْتِي، فَاتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَقَالَ: "سَأفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ". قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ لِي: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ " فَأشَرْتُ إِلَى ناَحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرَ، فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ، فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقُلْ، أَلاَ تَرَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ"، قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: قُلْنَا: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ. فَقَالَ: "فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سألتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ -أَحَدَ بني سَالِمٍ، وَكَانَ مِنْ سَرَاتِهِمْ- عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودٍ، فَصَدَّقَهُ.

16 - باب الأقط

(عن عِتبان) في بعضها: (أنَّ عِتبانَ)، والصحيح: (عن). قال (ك): (أنَّ) أيضًا صحيح، وتكون (أنَّ) الثانية تأكيدًا؛ لأن الأُولى كما في: {أَيَعِدُكُمْ} الآية [المؤمنون: 35]. (أَنكرتُ بصَري)؛ أي: لضعفه أو عَمَاه، وسبق الحديث في (كتاب الصلاة) في (باب المساجد في البيوت). * * * 16 - بابُ الأَقِطِ وَقَالَ حُمَيْدٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا: بَنَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِصَفِيَّةَ، فَألقَى التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنسٍ: صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْسًا. (باب الأَقِط) قوله: (وقال حُمَيد) موصولٌ في (الخُبز المُرقَّق). (فألقَى)؛ أي: طرحَه على الأنطاع عند الناس. (وقال عمرو) موصولٌ في (الحَيْس). * * * 5402 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ،

18 - باب النهس، وانتشال اللحم

عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَهْدَتْ خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ضِبَابًا وَأَقِطًا وَلَبَنًا، فَوُضِعَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَتِهِ -فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُوضَعْ- وَشَرِبَ اللَّبَنَ، وَأكَلَ الأَقِطَ. تقدَّم قريبًا شرحُه. * * * 18 - بابُ النَّهْسِ، وَانْتِشَالِ اللحمِ (باب النَّهْس) بنون وهاء ومهملة: الأخذُ بِمُقدَّمِ الأسنانِ، وبالمعجمة: بالأضراس، وقال الأصمعي: هما لغتان بمعنًى. (وانتشال اللحم) بمعجمة، أي: انتزاعُه من القِدْر، وقيل: أخذُه قبلَ النُّضج؛ والنَّشِيل: هو ذلك اللحم. 5404 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: تَعَرَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كتِفًا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يتوَضَّأ. 5405 - وَعَنْ أيُّوبَ، وَعَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انتشَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَرْقًا مِنْ قِدْرٍ فَأكَلَ، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأ.

19 - باب تعرق العضد

(وعن أيوب وعاصم) قال (ش): إنما ذَكر البخاريُّ هنا المتابعةَ لأن يحيى بنَ مَعين قال: لم يَسمَعْ محمدُ بنُ سِيرينَ من ابن عباس، وإنما رَوى عن عكرمة عنه، وقال (ك): قال أحمد بن حنبل: لم يَسمَعِ ابنُ سِيرينَ من ابن عباس. (عَرَقًا) بفتح المهملة وسكون الراء: العَظمُ عليه اللحمُ، أو كان عليه اللحمُ. * * * 19 - بابُ تَعَرُّقِ الْعَضُدِ (باب تعرُّق العَضُد)؛ أي: أكلُ ما على الكتف من اللحم وأخذُه منه. 5406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا أَبو حَازِمٍ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ مَكَّةَ. 5407 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أنَّهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ناَزِلٌ أَمَامَنَا، وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ

20 - باب قطع اللحم بالسكين

مُحْرِمٍ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُوني لَهُ، وَأَحَبُّوا لَوْ أنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأسْرَجْتُهُ، ثُمَّ ركبْتُ وَنسَيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُوني السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لَا وَاللهِ! لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَغَضِبْتُ، فَنَزَلْتُ فَأخَذْتُهُمَا، ثُمَّ رَكبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأكلُونه، ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أكلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأتُ الْعَضُدَ مَعِي، فَأَدْركْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَألنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ " فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا، وَهْوَ مُحْرِمٌ. قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: وَحَدَّثَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قتادَةَ مِثْلَهُ. * * * 20 - بابُ قَطْعِ اللحمِ بِالسِّكِّينِ 5408 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرني جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَخْبَرَه: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَزُّ مِنْ كتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَألْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يتوَضَّأ.

21 - باب ما عاب النبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما

(يَحْتَزُّ) بمهملة وزاي من الافتعال: يقطع، وسبق في (باب مَن لم يتوضأ مِن لحمِ الشاة). * * * 21 - بابٌ مَا عَابَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - طعَامًا (باب ما عاب النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - طعامًا قطُّ) 5409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. (عن أبي حازم عن أبي هريرة) هذا اسمه: سلمان الأَشجَعي كما بيَّنَّا قاعدتَه في الأسماء. * * * 22 - بابُ النَّفْخِ فِي الشعِيرِ (باب النَّفْخ في الشَّعير) بفتح الشين على المشهور.

23 - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يأكلون

5410 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، أبو سَألَ سَهْلًا: هَلْ رَأَيْتُمْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّقِيَّ؟ قَالَ: لَا، فَقُلْتُ: كنتمْ تنخُلُونَ الشَّعِيرَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ كُنَّا ننفُخُهُ. (النَّقِيّ) بفتح النون وكسر القاف وشدة التحتانية: المنخول النظيف، وقيل: الخُبز الأبيض. (تَنخُلُون) من: نَخَلتُ الدقيقَ: غَربَلتُه. * * * 23 - بابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحابُهُ يَأْكُلُونَ (باب ما كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه يأكلون) 5411 - حَدَّثنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ تَمْرًا، فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ سَبع تَمَرَاتٍ، فَأعْطَانِي سَبع تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهَا، شَدَّتْ فِي مَضَاغِي. الحديث الأول: (سبع تمرات) سيأتي بعد هذا: (خمس تمرات)؛ فإما أن يكونا

قصتَينِ، أو أن التخصيصَ بالعدد لا ينفي الزائد. (حَشَفَة) قيل: الحَشَف: اليابس من التمر، وقيل: الرديء. (مضاغي) بكسر الميم إما: مَوضعُ المَضغ وهو الأسنان، وإلا المَضغُ نفسُه، وعند الأَصِيلي بفتح الميم: الطعامُ يُمضَغ، وكذا قال الجَوهري: هو ما يُمضَغ. * * * 5412 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ، أَوِ الْحَبَلَةِ، حَتَّى يَضَعَ أَحَدُنَا مَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُني عَلَى الإسْلاَمِ، خَسِرْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي. الثاني: (سابع سبعة)؛ أي: كنتُ من السابقين في الإسلام. (الحُبْلَة) بضم المهملة وسكون الموحدة: شجرةٌ بريةٌ. قال الجَوهري: هو ثَمَرُ العِضَاه، والحَبَلَة بفتح المهملة والموحدة وسكونها: القضيب من الكَرم، وفي بعضها: (أو الحَبَلة)، فيُحتمل أن يكونَ شكًّا من الراوي.

قال (ش): بضم الحاء والباء، والذي قبلَه بفتح الحاء وسكون الباء. (تُعَزِّرُني) من: التعزيز بمعنى التأديب، أي: تُؤدِّبُني على الإسلام وتُعلِّمُني أحكامَه، وذلك أنهم كانوا وَشَوا به إلى عمرَ، قالوا: لا يُحسن أن يُصلِّيَ، مرَّ في (مناقب سعد بن أبي وقاص)، وقال بعضهم: أراد به عمرَ؛ إذ هو من بني أَسَد. (إذن) جواب وجزاء، أي: إن كنتُ كما قالوا محتاجًا إلى تعليمهم خسرتُ حينئذٍ، وضلَّ سعيي فيما تقدَّم. * * * 5413 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَألْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، فَقُلْتُ: هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنْخُلًا مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللهُ حَتَّى قَبَضَهُ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنتمْ تأكلونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كنَّا نَطْحَنُهُ وَننفُخُهُ، فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأكَلْنَاهُ. الثالث: (مَنَاخل) جمع: مُنْخُل، وهو الغِرْبال، وهو أحدُ ما جاء من الأدوات على مُفْعُل بالضم.

(ثرَّيْنَاه) من: ثرَّيتُ السَّوِيقَ: إذا بلَلتُه ورَشَشتُه. * * * 5414 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ فَأبَى أَنْ يَأْكَلَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الْخُبْزِ الشَّعِيرِ. الرابع: (مَصْلِيَّة) بفتح الميم، أي: مَشوِية، وأصلها: مَصلُويَة بوزن مَضرُوبَة، اجتمع واوٌ وياءٌ فقُلبت الواوُ ياءً لسكونها، وأُدغمت في الياء. * * * 5415 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونس، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خِوَانٍ، وَلَا فِي سُكْرُجَةٍ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ. قُلْتُ لِقتادَةَ: عَلَى مَا يَأكلونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. 5416 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -

24 - باب التلبينة

مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلاَثَ لَيَالٍ تِبَاعًا، حَتَّى قُبِض. الخامس والسادس: (طَعَامِ البُرِّ) هو من إضافة العامِّ إلى الخاصِّ، أو من الإضافة البيانية نحو: شجرُ الأراكِ، إن أُريد بالطعام البُرَّ خاصةً. (تِبَاعًا) من: تابَعَه على كذا مُتابعة وتبَاعًا، والتِّبَاع: الوَلاء. * * * 24 - بابُ التَّلْبِينةِ (بَاب التَّلْبِينَة) هي المَرَّة من: التَّلْبِين، مصدر لبَّنَ القومَ بالتشديد: إذا سقاهم اللبَنَ، والمقصود منه: حَسَاءٌ يُعمَل من دقيقٍ، وقيل: من دقيقِ النُّخَالة، ويُجعَل فيه عسلٌ وسمنٌ؛ وسُمِّيَتْ تَلْبِينَةً لمشابهة ذلك الحَساءِ اللبَنَ في البياض والرقة. 5417 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ، إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيد فَصُبَّتِ

25 - باب الثريد

التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ". (مَجَمَّة) بفتح الميم والجيم: مكانُ استراحةِ قلبِ المريضِ، وفي بعضها: بضم الميم وكسر الجيم: اسم فاعل من: أَجمَّ، أي: مُريحة، وجَمَّ الفرسُ: إذا ذهب إعياؤُه، والجَمَام: الراحة. * * * 25 - بابُ الثَّرِيدِ (باب الثَّرِيد) 5418 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيةُ امْرَأةٌ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءَ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". الحديث الأول: سبق شرحه في (الأنبياء) في (باب مريم). قال (ط): عائشةُ رضي الله عنها مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ومريمُ مع

عيسى عليهما السلامُ، ودرجةُ محمَّدِ فوقَ درجةِ عيسى صلَّى اللهُ عليهما وسلَّم؛ فدرجةُ عائشةَ أعلى، وهو معنى الأفضل. * * * 5419 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". الثاني: سبق شرحه أيضًا في (الهِبة). * * * 5420 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا حَاتِم الأَشْهَلَ بْنَ حَاتِم، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى غلاَمٍ لَهُ خَياطٍ، فَقَدَّمَ إِلَيهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتتبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ. الثالث: كالذي قبلَه. * * *

26 - باب شاة مسموطة والكتف والجنب

26 - بابُ شَاةٍ مَسْمُوطَةٍ وَالْكتِفِ وَالْجَنْبِ (باب شاة مَسْمُوطة)؛ أي: التي أُزيلَ شَعرُها ثم شُوِيَتْ. 5421 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قتادَةَ: قَالَ كُنَّا نأتِي أَنس بْنَ مَالِك - رضي الله عنه - وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، قَالَ: كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَغيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ. الحديث الأول: (فما أعلمُ) نَفَى أنسٌ العلمَ وأراد نفيَ المعلوم، أعني: الرواية، والمرادُ منه: نفيُ أكلِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قيل: ومقصودُ البخاريِّ جوازُ أكلِ المَسمُوط، ولا يَلزمُ مِن كونه لم يَرَ شاةً مَسمُوطةً أنه لم يَرَ عضوًا مَسمُوطًا؛ فإن الأكَارعَ لا تُؤكَل إلا كذلك؛ وقد أكلَها. وفي الحديث: إشارةٌ لا إلى المُرقَّق والمَسمُوط كان حاضرًا عندَه، وأنه جائزُ الأكلِ، حيث قال: (كُلُوا). * * * 5422 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَزُّ مِنْ كتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى

27 - باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره

الصَّلاَةِ، فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ فَصَلَّى، وَلَمْ يتوَضَّأ. الثاني: ظاهر، وتقدم. * * * 27 - بابُ مَا كانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللحمِ وَغَيْرِه وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: صَنَعْنَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ سُفْرَةً. (باب ما كان السَّلَفُ يَدَّخِرُون في بيوتهم) قوله: (وقالت عائشةُ وأسماءُ) موصولان في (الهجرة)، وفي (الجهاد). * * * 5423 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَنهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُؤْكلَ لُحُومُ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ؟ قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلَّا فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ، فَأرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغنِيُّ الْفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ فَنأكلُهُ بَعْدَ

خَمْسَ عَشْرَةَ. قِيلَ: مَا اضْطَرَّكُمْ إِلَيْهِ، فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأدُومٍ ثَلاَثَةَ أيامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ بِهَذَا. الحديث الأول: (ثلاث)؛ أي: ثلاثة أيام. (ما فعلَه)؛ أي: ما فعلَ نهيَ الأكلِ إلا لضرورةٍ وعندَ احتياجِ الناس إليه. (وإنْ كنا) هي المُخففة من الثقيلة. (الكُرَاع) في الغنم: هو مُستدقُّ الساق. (مَأدُوم)؛ أي: مأكولًا بالإدام. (ثلاثة أيام)؛ أي: متواليات. (وقال ابن كثير) وصلَه الطَّبَراني. * * * 5424 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كنَّا نتَزَوَّدُ لُحُومَ الْهَدْيِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ.

28 - باب الحيس

تَابَعَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ: حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: لا. الثاني: (الهدي) ما يُهدَى إلى الحَرَم من النَّعَم. (تابعه محمد) وصلَه ابنُ أبي عمر في "مسنده". (قال ابن جُرَيج) موصول في (الحج). * * * 28 - بابُ الْحَيْسِ (باب الحَيْس) 5425 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ، أَنَّهُ سَمعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي"، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ، يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كلَّمَا نزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ،

وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ"، فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ بِكِسَاءٍ، ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ، حَتَّى إِذَا كنَّا بِالصَّهْبَاءَ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا فَأكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ"، فَلَمَّا أَشْرَتَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ". (من الهَمِّ والحَزَن) قيل: هما بمعنًى واحدٍ، وقيل: الهَمُّ: لِمَا تصورَّه العقلُ من المكروه الحالي، والحَزَن: لمكروهٍ وقع في الماضي. (والعَجْز) ضد القدرة. (والكَسَل) التثاقل عن الأمر، ضد الخفة والجلادة. (والبُخْل) ضد الكَرَم. (والجُبْن) ضد الشجاعة. (وَضَلَع) بفتح المعجمة واللام: الثِّقَل والشِّدَّة، واعلم أن أنواعَ الفضائلِ ثلاثةٌ: نفسيةٌ، وبدنيةٌ، وخارجيةٌ؛ والنفسانيةُ ثلاثٌ بحسب القوى الثلاث التي للإنسان: العقليةُ، والغضبيةُ، والشَّهويةُ، فالهمُّ والحَزَنُ مما يتعلق بالعقلية، والجُبْنُ بالغضبية، والبُخْلُ بالشَّهوية، والعَجزُ والكَسَلُ بالبدنية، والثاني: عند سلامة الأعضاء وتمام الآلات،

29 - باب الأكل في إناء مفضض

أو عند نقصان عضوٍ كما في الأعمى والأَشلِّ، والضَّلَعُ والغَلَبةُ بالخارجية، والأولُ مالِيٌّ، والثاني جاهِيٌّ؛ فهذا الدعاءُ من جوامع الكَلِم له - صلى الله عليه وسلم -. * * * 29 - بابُ الأَكلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ (باب الأكل في إناء مُفَضَّض) 5426 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أنهمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: لَوْلَا أنِّي نهيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أفعَلْ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تأكلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلنا فِي الآخِرَةِ". (غير مرة)؛ أي: لولا أني نهيتُه مِرارًا كثيرةً عن استعمال آنية الذهب والفضة لَمَا رَميتُ به، ولاَكتَفيتُ بالزجر اللِّسَاني؛ لكن لمَّا تكرَّر الزجرُ اللِّسانِيُّ ولم يَنْزَجِرْ رَمَيتُ به تغليظًا عليه. (صِحَافها) الضمير للفضة؛ والذهبُ بطريق الأَولَى، كما في:

30 - باب ذكر الطعام

{يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34]. (لهم)؛ أي: للكفار، يدل عليه السياق، فإن قيل: الحديثُ في آنية الفضة، والترجمة في الإناء المُفَضَّض، يُقال: لِجَام مُفَضَّضٌ، أي: مُرصَّعٌ بالفضة؟ قيل: المراد هنا بالمُفَضَّض: ما يكون مُتخذًا من الفضة. * * * 30 - بابُ ذِكرِ الطعَامِ (باب ذكر الطعام) 5427 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّب، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ". الحديث الأول: (مَثَل الأُتْرُنْجَةِ) في بعضها: (الأُتْرُجَّة) بالإدغام، قيل: وهو

المعروف، قاله الجوهري، وحكَى أبو زيد: تُرُنْجَة، وقال الرَّامَهُرْمُزِيّ في "الأمثال": الأُتْرُجَّة بلا نونٍ، والذي تقوله العامةُ بالنون خطأ؛ ليس في المَشمُومات شيءٌ يَجمَعُ طِيبَ الرائحة والطعمَ غيرُه. (لا رِيحَ لها) وقال في آخر (كتاب فضائل القرآن): (رِيحُها مُرٌّ)، فأَثبَتَ لها ريحًا، وإن كان في وصفه بالمرارة ما سبق؛ ووجهُ الجمع: أن المَنفيَّ الرِّيحُ الطيِّبةُ بقرينة المَقَام، والمُثبَتُ المُرُّ. (وطَعمُها مُرٌّ) هذا أجودُ من رواية البخاري فيما تقدم، وكذا رواية التِّرْمِذي أيضًا: (ورِيحُها مُرٌّ)؛ لأن الرِّيحَ لا يُوصَفُ بالمرارة والحلاوة إلا بتأويل ذلك بكريهةٍ أو نحو ذلك، وسبق شرحُ الحديث آخرَ (الفضائل) مبسوطًا، إلا أن هناك: (يَقرَأ القراَنَ ويَعمَلُ به)، والتوفيقُ بينه وبين ما هنا: أن القصدَ الفرقُ بين مَن يَقرَأ ومَن لا يَقرَأ، لا بيانُ العمل؛ مع أن العملَ لازمٌ للمؤمنِ الكاملِ، سواءٌ ذُكِرَ أم لا. * * * 5428 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". الثاني: سبق مراتٍ. * * *

31 - باب الأدم

5429 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهلِهِ". الثالث: معناه ظاهرٌ. * * * 31 - بابُ الأُدْمِ (باب الأُدْم) بسكون الدال وضمِّها، جمع: آدام، وقيل: بالسكون مفردًا. 5430 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: وَلنا الْوَلاَءُ، فَذَكرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ لَهُمْ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، قَالَ: وَأُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي أَنْ تَقِرَّ تَحْتَ زَوْجِهَا أَوْ تُفَارِقَهُ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَيْتَ عَائِشَةَ وَعَلَى النَّارِ بُرْمَةٌ تَفُورُ، فَدَعَا

32 - باب الحلواء والعسل

بِالْغَدَاءِ فَأتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: "ألمْ أَرَ لَحْمًا؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَأهْدَتْهُ لَنَا. فَقَالَ: "هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا، وَهَدِيَّةٌ لنا". (ولنا الوَلاَءُ) ليست الواوُ داخلةً بين القول والمَقُول؛ بل العطفُ على مُقدَّرٍ، أي: قال أهلها: نبَيعُها ولنا الولاءُ. و (شَرَطتِيه) بالياءِ الحاصلةِ من إشباعِ الكسرةِ، وهو جوابُ (لو). وسبق الجوابُ عما في إشكال: (واشتَرِطي لهم الولاء) من وجوه، وسبق الحديثُ أكثرَ من عشرين مرةً. (تَقَرَّ) بفتح القاف وكسرها. (بالغداء) بدال مهملة ومد: الطعامُ خلافَ العَشاءِ. * * * 32 - بابُ الْحلْوَاء وَالْعَسَلِ (باب الحَلْوَاء) بالمدِّ، قال (ش): وبالقصر أيضًا. 5431 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ.

الحديث الأول: (الحَلْوَاء والعَسَل) قيل: الحَلْوَاء: ما صُنِع، والعَسَل: ما لم يُصنعَ. قال (خ): ليس حُبُّه - صلى الله عليه وسلم - لذلك على معنى كثرة التشهِّي لها وشدةِ نزاعِ النفسِ لها؛ إنما هو أنه إذا قُدِّمَ إليه الحَلْواءُ نالَ منها نيلًا صالحًا، فَعُلِمَ بذلك منه أنه كان يُعجبُه طعمُها وحلاوتُها، وفيه: دليلٌ على اتخاذ الحلاوات، وكان بعضُهم لا يُرخِّص أن يُؤكَل منها إلا ما كان حلوًا بطبعه كالعسل، لكن اسم الحَلْواء لا يقع إلا على ما دخلَتْه الصنعةُ، جامعًا بين حلاوةٍ ودُسومةٍ مستهلكَينِ في فعله. * * * 5432 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبةَ قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كنْت ألزَمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِشِبَعِ بَطْنِي حِينَ لَا آكل الْخَمِيرَ، وَلَا ألبَسُ الْحَرِيرَ، وَلَا يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَلَا فُلاَنة، وَألصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ وَهْيَ مَعِي؛ كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْء، فَنَشْتَقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا.

33 - باب الدباء

الثاني: (الحرير) في بعضها: (الحَبِير)، أي: الجديد، والتحبير: التزيين، يُقال: بُرْدٌ حَبِيرٌ على الوصف، وهو ثوبُ يمانٍ يكون من قطنٍ أو كتّانٍ. (فلان ولا فلانة) كنايتان عن الخادم والخادمة. (وهي معي)؛ أي: محفوظي وفي خاطري؛ لكن كنتُ أَستقرِئ من الرجل إياها لكي يَستصحبَني. (العُكَّة) بالضم: آنية السَّمن ونحوه. ومراد البخاري من هذا الحديث: لعقُ آثار العسل من العُكَّة ليُناسبَ الترجمةَ. * * * 33 - بابُ الدُّبَّاءِ (باب الدُّبَّاء) هو بالضم والتشديد والمدِّ والقصر: اليقطين. 5433 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أتى مَوْلًى لَهُ

34 - باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه

خَيَّاطًا، فَأُتِيَ بِدُبَّاءٍ، فَجَعَلَ يَأكلُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأكلُهُ. تقدم في (البيوع). * * * 34 - بابُ الرَّجُلِ يَتكلف الطعَامَ لإِخْوَانِهِ (باب الرجل يتكلَّف الطعامَ لإخوانه) 5434 - حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُود الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلٌ، يُقَالُ لَهُ: أبُو شُعَيبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَامِسَ خَمسَةٍ، فَدَعَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَامِسَ خَمْسَةٍ، فتبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ دَعَوْتنا خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ، وإنْ شِئْتَ تَرَكتَهُ". قَالَ: بَلْ أَذِنْتُ لَهُ. (لَحَّام)؛ أي: يبيع اللحمَ، ووجه التكلُّف في الحديث: أنه حصرَ العددَ، والحاصرُ مُتكلِّفٌ. مثل هذا السادس يُسمَّى بالطُّفيلي بضم المهملة، وبالضَّيْفَن

35 - باب من أضاف رجلا إلى طعام، وأقبل هو على عمله

بزيادة النون على الضيف، وفيه: مناسبةُ اللفظ للمعنى في "التبعية؛ حيث إنه تابعٌ للضيف، والنونُ تابع للكلمة. * * * 35 - بابُ مَنْ أَضاف رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ، وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ (باب مَن أضاف رجلًا إلى طعامٍ) 5435 - حَدَّثنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ النَّضْرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَني ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى كُلاَمٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَأتاهُ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ وَعَلَيْهِ دبَاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يتتبَّعُ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أَجْمَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأقْبَلَ الْغُلاَمُ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ أَنسٌ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مَا صَنَعَ. الحديثُ فيه ظاهرُ المعنى. * * *

36 - باب المرق

36 - بابُ الْمَرَقِ (باب المَرَق) 5436 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أنَّهُ سَمعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ: أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَّبَ خُبْزَ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَاءٌ وَقَدِيدٌ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتتبَّعُ الدُّباء مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبّ الدّباءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ. (حوالَي) بفتح اللام، ولا منافاةَ بين هذا وبين حديث: "كلْ مما يَلِيك"؟ لأن ذاك إذا كان له شريكٌ في الأكل. (القَصْعَة) في بعضها: (الصَّحْفَة). * * * 37 - بابُ الْقَدِيدِ (باب القَدِيْد) 5437 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبَّاءٌ

38 - باب من ناول، أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا

وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُهُ يتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ يأْكُلُهَا. الحديث الأول: حديث الخيَّاط، وسبقَ مراتٍ. * * * 5438 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلَّا فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ؛ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأدُومٍ ثَلاَثًا. الثاني: (ما فعلَه) الضميرُ لنهيِ الأكلِ من لحوم الأضاحي، وهو مختصرٌ من حديثٍ تقدَّم بتمامه. * * * 38 - بابُ مَنْ نَاوَلَ، أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْمَائِدَةِ شَيْئًا قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا بَأسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يُنَاوِلُ مِنْ هَذ الْمَائِدَةِ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى.

39 - باب الرطب بالقثاء

(باب مَن ناوَلَ أو قدَّم إلى صاحبه على المائدة) قوله: (وقال ابن المبارك) اسمه: عبد الله. * * * 5439 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِك، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خُبزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، قَالَ أَنسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يتتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَقَالَ ثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ: فَجَعَلْتُ أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ. (إسماعيل) هو ابن عبد الله بن أبي أُويس المَدَني، ابنُ أختِ مالك. * * * 39 - بابُ الرُّطَبِ بالْقِثَّاءِ (باب القِثَّاء بالرُّطَب) 5440 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ

40 - باب

سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِب - رضي الله عنهما -، قَالَ: رَأَيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأكلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ. الحديث الأول: (يأكل الرُّطَب بالقِثَّاء) لا ينافي عكسَه في الترجمة؛ لأن الباء للمصاحبة، وكلٌّ منهما مُصاحِب للآخر، أو للملاصقة، والحكمةُ في الجمع بينهما: أن حَرَّ الرُّطَبِ يُكسَر ببَرد القِثَّاءِ، فيَعتدل. * * * 40 - بابٌ 5441 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ أثلاَثًا، يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوقظُ هَذَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنِ أَصْحَابِهِ تَمْرًا، فَأَصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَة. الثاني: (عن أبي عثمان) هو النَّهْدي. (تضيَّفتُ)؛ أي: نزلتُ عليه ضيفًا، وضيَّفتُه وأَضفتُه: إذا أنزلتَه

بك ضيفًا. (سبعًا)؛ أي: أسبوعًا. (وامرأته) اسمها: بُسْرة -بضم المُوحدة وسكون المهملة- بنت غزوان. (يَعْتَقِبُون)؛ أي: يتناوَبُون. * * * 5441 / -م - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَنَا تَمْرًا فَأصَابَنِي مِنْهُ خَمْسٌ؛ أَرْبَعُ تَمَرَاتٍ وَحَشَفَة، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَشَفَةَ هِيَ أَشَدُّهُنَّ لِضِرْسِي. الثالث: (خَمْس) تقدم أنه لا ينافي رواية (سبع) السابقة؛ لأن العددَ لا يَنفي أَزيدَ منه، نعم في بعضها: (أربع تمرة)، والقياس: تمرات؛ فهذا شاذٌّ على خلاف القياس، كما شذوا في ثلاثِ مئةٍ، وأربعِ مئةٍ، لكن التزموا هنا الشذوذَ إلا قليلًا، فإن رَفعَ (تمرة)، فيكون معناه: كلُّ واحدةٍ من الأربع تمرةٌ. * * *

41 - باب الرطب والتمر، وقول الله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا}

41 - بابُ الرُّطَبِ وَالتَّمْر، وَقولِ الله تعالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} (باب الرُّطَب والتمر) 5442 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُور بْنِ صَفيَّةَ، حَدَّثتنِي أُمِّي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: تُوُفي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدينِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ. قولها: (الأسودَين) من التغليب؛ وكذا استعمالُ الشّبَع موضعَ الرّيّ في الماء. * * * 5443 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أبو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو حَازِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ، وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الْجِدَادِ، وَكَانَتْ لِجَابِر الأَرْضُ الَّتي بِطَرِيقِ رُومَةَ فَجَلَسَتْ، فَخَلاَ عَامًا فَجَاءَنِي الْيَهُودِيُّ عِنْدَ الْجَدَادِ، وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا، فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ فَيَأبَى، فَأخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: "امْشُوا نستَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ الْيَهُودِيّ". فَجَاءُوني فِي نَخْلِي، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكَلِّمُ الْيَهُودِيَّ فَيقُولُ: أَبَا الْقَاسِم! لَا أُنْظِرُهُ. فَلَمَّا رَأَى

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فَطَافَ فِي النخْلِ، ثُمَ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ فَأبَى، فَقُمْتُ فَجئْتُ بِقَلِيلِ رُطَبٍ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأكلَ ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ؟ "، فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "افْرُشْ لِي فِيهِ"، فَفَرَشْتُهُ، فَدَخَلَ فَرَقَدَ، ثُمَّ استيْقَظَ فَجئتهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى فَأكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ، فَأبى عَلَيْهِ، فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيةَ ثُمَّ قَالَ: "يَا جَابِرُ! جُدَّ وَاقْضِ"، فَوَقَفَ فِي الْجَدَادِ، فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ وَفَضَلَ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَشَّرْتُهُ، فَقَالَ: "أَشهَدُ أنّي رَسُولُ اللهِ". (حدثنا أبو غسان) هو محمد بن مُطرِّف. (حدثني أبو حازم) هو سَلَمَة بن دينار. (يهودي) قيل: يُحتمَل أن يكون أبا الشَّحم. (الجِدَاد) بكسر الجيم وفتحها: الصِّرام، من: جَدَّ النخلَ يَجُدُّه: إذا قطعَه. (رُوْمَة) بضم الراء وسكون الواو: موضع، قيل: هو البئرُ الذي اشتراها عثمانُ - رضي الله عنه - وسَبَّلَها، وفي بعضها بضم الدال المهملة بدل الراء، ولعله: دوْمَة الجَنْدَل: (فجلستُ) بلفظ المتكلم من الجلوس، أي: جلستُ عن قضائه. (فَخَلا)؛ أي: مضَى السَّلَفُ (عامًا)، وفي بعضها بصيغة الغائبة. (نَخْلًا) بالنون، أي: جلسَتِ الأرضُ عن الإثمار من جهة النخل، وفي بعضها: (خَنَستُ) بالمعجمة والنون والمهملة، أي: خَنَسَتِ

42 - باب أكل الجمار

الأرضُ عن الإثمار، أي: تأخَّرَتْ، وفي بعضها: (خاسَتْ) بالمعجمة والمهملة، من: خاسَ البيعُ: إذا كَسَدَ حتى فَسَدَ. قال (ش): ولأكثرهم: (فجلست) من: الجلوس، و (خَلاَ) من: الخُلُو. (عَرِيشك) وهو ما يُستَظلُّ به عند الجلوس تحتَه، وقيل: البناء. (الثانية) بالنصب، أي: المرة الثانية. (أَشهَدُ أني رسولُ الله)؛ أي: لأن ذلك كان دليلًا من أدلة النبوة، وعلامةً من علاماتها؛ حيث قضَى من القليل الذي لم يكن يَفِي بدَينِه تمامَ الدَّينِ، وفَضَلَ منه مِثلُه. 42 - بابُ أَكْلِ الْجُمَّارِ (باب أكل الجُمَّار) بضم الجيم وتشديد الميم وبالراء: شحمة النخل. 5444 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، فَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسٌ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكتهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِم"، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي: النَّخْلَةَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ! ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ

43 - باب العجوة

عَشَرَةٍ، أَنَا أَحْدَثُهُمْ فَسَكَتُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ النَّخْلَةُ". (لها بركة) أي للشجر؛ فأنَّث باعتبار النخلة، أو نظرًا إلى الجنس، وفي بعضها: (لَمَا بركتُه)، قال (ش): كذا لأكثرهم؛ وهو أصحُّ في المعنى. (أحدثهم)؛ أي: أصغرهم. * * * 43 - بابُ الْعَجْوَةِ (باب العَجْوة) صنفٌ من أجود التمر بالمدينة، وهو أكبر من الصَّيْحَاني يَضرب إلى السواد. 5445 - حَدَّثَنَا جُمْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبع تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ". (تَصَبَّح)؛ أي: أكلَ صباحًا قبلَ أن يأكلَ شيئًا. (سمٌّ) مثلث السين.

44 - باب القران في التمر

(ولا سِحْر) وذلك من طريق التبَرُّك؛ لدعوةٍ سلفَتْ من النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيها، لا أنَّ مِن طبعِ التمر ذلك، قاله (خ). وقال (ن): تخصيصُ عَجْوةِ المدينةِ وعددِ السَّبع من الأمور التي عَلِمَها الشارعُ، ولا نَعلمُ نحن حكمتَها؛ فيجب الإيمانُ بها، وهو كأعداد الصلوات ونُصُب الزَّكَوات. وقال المظهري: يُحتمَل أن يكونَ في ذلك النوع منه هذه الخاصيةُ. * * * 44 - بابُ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ (باب القِرَان في التَّمْر) هو الجمعُ بين التمرتَينِ في الأكل. 5446 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، قَالَ: أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَزَقَنَا تَمْرًا، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ، وَيَقُولُ: لَا تُقَارِنُوا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْقِرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ. قَالَ شُعْبَةُ: الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. (نَهَى عن الإقران) اختُلف في كونه للتحريم أو للكراهة؛

46 - باب بركة النخل

والصوابُ: التفصيلُ بحسب الأحوال. (الأذن) في قوله: (إلا أنْ يَستأذنَ) موقوفٌ على ابن عمر. * * * 46 - بابُ بَرَكَةِ النَّخْلِ (باب بركة النَّخْل) 5448 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مِنَ الشَّجَرِ شَجَرةٌ تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِم، وَهْيَ النَّخْلَةُ". فيه الحديثُ السابقُ، وتكرَّر كثيرًا، أولها في (العلم). * * * 45 - بابُ الْقِثَّاءِ (باب القِثَّاء) 5447 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -

47 - باب جمع اللونين، أو الطعامين بمرة

يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ. تقدَّم الحديثُ فيه قريبًا. * * * 47 - بابُ جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ، أَوِ الطَّعَامَيْنِ بِمَرَّةٍ (باب جمع اللَّونيَن)؛ أي: جمع النوعَينِ من الطعام في أَكْلةٍ واحدةٍ. 5449 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ. * * * 48 - بابُ مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَالْجُلُوسِ عَلَى الطَّعامِ عَشرَةً عَشرَةً (باب مَن أَدخلَ الضِّيفانَ عشرةً عشرةً) 5450 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنِ

الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنسٍ. وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ، جَشَّتْهُ وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً، وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثتنِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ، قَالَ: "وَمَنْ مَعِي؟ " فَجئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ: "وَمَنْ مَعِي؟ " فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ فَجِيءَ بِهِ، وَقَالَ: "أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً"، فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: "أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً". فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: "أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً"، حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَامَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ: هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ؟! (جشَّتْه) بتشديد المعجمة بعد الجيم، أي: طحنَتْه طحنًا جَرشًا غيرَ دقيقٍ ناعمٍ. (خَطِيفة) بفتح المعجمة وكسر المهملة: لَبَنٌ يُذَرُّ على الدقيق ويُطبَخ، فتَلعَقُه الناسُ ويَخطفُونَه بسرعةٍ. قال (خ): هي الكَبُولاء بفتح الكاف وضمِّ الموحدة، وسُمِّي بها لأنها قد تُخطَف بالملاعق. (إنما هو شيءٌ صنعَتْه أُمُّ سُلَيم) تنبيهٌ على قلتِه وحقارتِه، والاعتذارِ لنفسه.

49 - باب ما يكره من الثوم والبقول

وفي الحديث معجزةٌ له - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث شَبعَ أربعون وأكثرُ مِن قِدْرٍ واحدٍ، ولم يَظهَرْ فيه النقصانُ. * * * 49 - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الثُّومِ وَالْبُقُولِ فِيهِ عن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب ما يُكرَه من الثُّوم والبُقُول) قوله: (فيه ابن عمر) موصولٌ في (غزوة خَيبر). * * * 5451 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قِيلَ لأَنسٍ: مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: "مَنْ أَكَلَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجدَنَا". 5452 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - زَعَمَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجدَنَا". سبق شرحُ الحديث الأول.

50 - باب الكباث، وهو ثمر الأراك

والثاني فيه: آخر (باب الصلاة)، وأن رائحتَه تُؤذِي جارَه في المسجد وتُنفِّر الملائكةَ، وأن النهيَ للكراهة، وأن الأمرَ بالاعتزال. * * * 50 - بابُ الْكَبَاثِ، وَهْوَ ثمرُ الأَرَاكِ (باب الكَبَاث) بفتح الكاف وخفة المُوحدة وبِمُثلثة: النضيج من ثمر الأراك، وفي نُسخ البخاري: (هو ورقُ الأراك)، وقيل: هو خلافُ اللغة، وقال (ش): قال (ع): هو ثمرُ الأراك، قيل: نضيجُه، وقيل: حِصْرِمُه، وقيل: غضُّه. 5453 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْب، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ، فَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَيْطَبُ". فَقَالَ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نبِيٍّ إِلَّا رَعَاهَا؟ ". (بِمَرِّ الظَّهْرَان) بفتح الميم وشدة الراء وفتح المعجمة وسكون المهملة، وبالراء وبالألف والنون: موضعٌ على دون مرحلةٍ من مكةَ.

51 - باب المضمضة بعد الطعام

(أيطَب) مقلوب: أطيَب، مثل: أجبَد وأجدَب، ومعناهما واحدٌ. وحكمةُ رعايةِ الأنبياءِ -عليهم الصلاة والسلام- الغنمَ: أن يأخذوا أنفسَهم بالتواضع، وتَصفوَ قلوبُهم بالخَلوة، وسبق بسطُه في (كتاب الإجارة). * * * 51 - بابُ الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ (باب المَضمَضَة بعدَ الطعام) 5454 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ دَعَا بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلَّا بِسَوِيقٍ، فَأَكَلْنَا، فَقَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فتمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا. 5455 - قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بُشَيْرًا، يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُويدٌ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيبَرَ، فَلَمَّا كنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى: وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ، دَعَا بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلَّا بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ فَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَقَالَ سُفْيَانُ: كَأَنَّكَ تَسْمَعُهُ مِنْ يَحْيَى.

52 - باب لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل

(كأنك تَسمعُه)؛ أي: نقلَتُ الحديثَ عن يحيى صحيحًا، فكأنك ما سمعتَ إلا منه. * * * 52 - بابُ لَعْقِ الأَصَابِعِ وَمَصِّهَا قَبْلَ أَنْ تُمْسَحَ بِالْمِنْدِيلِ (باب لَعْقِ الأصابع) 5456 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا". (أو يُلْعِقَها) ليس شكًّا من الراوي؛ بل تنويعٌ من النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قال (ن): معناه -والله أعلم-: لا يمسح يدَه حتى يَلعقَها، فإن لم يَفعلْ فحتى يُلعقَها غيرَه ممن لا يَتقذَّر ذلك، كزوجةٍ أو خادمٍ أو ولدٍ يحبُّونه ولا يتقذَّرُونه، وفيه: استحبابُ لَعقِ اليدِ محافظةً على ترك الطعام وتنظيفًا له. * * *

53 - باب المنديل

53 - بابُ الْمِنْدِيلِ (باب المِنْدِيل) 5457 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لَا، قَدْ كُنَّا زَمَانَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَا نَجدُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الطعَامِ إِلَّا قَلِيلًا، فَإِذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ، إِلَّا أَكُفَّنَا وَسَوَاعِدَنَا وَأَقْدَامَنَا، ثُمَّ نُصَلِّي وَلَا نتَوَضَّأُ. (مثل ذلك)؛ أي: مما مسَّتِ النارُ. * * * 54 - باب مَا يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ (باب ما يقول إذا فرغ من طعامه) 5458 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ:

"الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَاركًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا". الحديث الأول: (مائدته) لا ينافي هذا ما سبق أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَأكلْ على الخِوَان؛ لأنه إن أراد هنا بالمائدة الطعامَ فظاهرٌ، أو الذي يُؤكَل عليه؛ فأنسٌ لم يَرَ أنه أكلَ عليها فقال ذلك، أو يُقال: كانت له مائدةٌ، ولكن لم يَأكلْ هو - صلى الله عليه وسلم - عليها، وسُئل البخاريُّ عن ذلك؟ فقال: إذا أُكل الطعامُ على شيءٍ، ثم رُفع ذلك الشيءُ والطعامُ يُقال: رَفَعَ المائدةَ. (غير) بالرفع والنصب. (مَكْفِيٍّ) إما من: الكفاء، أي: غيرَ مقلوبٍ، أي: مردودٍ، أو من: الكفاية، والضميرُ راجعٌ إلى الطعامِ الدالِّ عليه سياقُ الكلامِ، ويُحتمَل أن يُرَادَ أن الحمدَ غيرُ مَكْفِيٍّ ولا مُودَّعٍ ولا مُستغنًى عنه، فالضميرُ راجعٌ إلى: (الحمد)، و (ربَّنا): منصوب على النداء، أو مرفوع ضمير مبتدأ محذوف، وقيل: الضميرُ يعود إلى الله تعالى، يعني: هو المُطعِم الكافي وهو غيرُ مُطعَمٍ ولا مَكْفِيٍّ. و (لا مُوَدَّع)؛ أي: غيرُ متروكٍ الطلبُ إليه والرغبةُ فيما عنده، و (لا مُستغنى عنه)، و (ربنا): مبتدأ، وخبره: (غير مَكْفِيٍّ)، أو (ربَّنا) نُصب على المدح أو الاختصاص أو بالنداء، تقديره: يا ربَّنا اسمعْ حمدَنا، ويجوز جرُّه على البدل من الاسم في قوله: (الحمد لله) أو من الضمير في (عنه)، فباعتبار مَرجِع الضمير ورفع (غير) [و] نصبه

55 - باب الأكل مع الخادم

تَكثُر التوجيهاتُ بعددها. * * * 5459 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ، وَقَالَ مَرَّةً: إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِي، وَلَا مَكْفُورٍ، وَقَالَ مَرَّةً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ، وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا". الثاني: (كفانا) يؤيد الوجهَ الثالثَ مما سبق. (وأروانا) كذا لأكثرهم، ورواه ابن السَّكَن: (وآوانا)، وكذا رواه مسلم؛ وهو الأعرفُ. (ولا مَكفُور) هو ضد: المَشكُور، من: الكفر، وهو الستر، يناسب الثالثَ والأولَ. * * * 55 - بابُ الأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ (باب الأكل مع الخادم) 5460 - حَدَّثَنَا حَفْصُ ابْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ -هُوَ

56 - باب الطاعم الشاكر، مثل الصائم الصابر

ابْنُ زِيَادٍ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَة أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ". (أُكْلَةً) بضم الهمزة، أي: لقمة، وإن فُتحت الهمزةُ كانت بمعنى المَرة الواحدة مع الاستيفاء، ولكن ليس مرادًا هنا. (حَرَّهُ)؛ أي: طبخه وعلاجه وإصلاحه. * * * 56 - بابٌ الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ، مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِر (باب الطاعم الشاكر) أي: الذي يَأكلُ ويَشكرُ اللهَ تعالى، ثوابُه مِثلُ ثوابِ الذي يَصومُ ويَصبرُ على الجوع. (فيه عن أبي هريرة) وصله ابن خُزيمة وابن حَبَّان وابن ماجه، فإن قيل: الشكرُ نتيجةُ النعماء، والصبرُ نتيجةُ البلاء؛ فكيف شبَّه الشاكرَ بالصابر؟! فالجواب: أن ذلك في أصل الاستحقاق، لا في الكمية والكيفية، ولا تَلزَمُ المماثلةُ في جميع الوجوه، وقال الطِّيبي: وَرَدَ: الإيمانُ نصفانِ؛ نصفٌ صبرٌ، ونصفٌ شكرٌ، وربما يتوهَّم مُتوهِّم أن ثوابَ الشكر يَقصُرُ عن ثواب الصبر، فأُزِيلَ توهُمُّه به؟ يعني: هما

57 - باب الرجل يدعى إلى طعام, فيقول: وهذا معي

متساويان في الثواب، ووجه الشبه: حبسُ النفس؛ إذ الشاكرُ يَحبسُ نفسَه على محبةِ المُنعِم بالقلبِ والإظهارِ باللسان. * * * 57 - بابُ الرَّجُلِ يُدْعَى إِلَى طَعَامٍ, فَيَقُولُ: وَهَذَا مَعِي وَقَالَ أَنَسٌ: إذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ. (باب الرجل يُدعَى إلى الطعام فيقول: وهذا معي) قوله: (لا يُتَّهَم)؛ أي: لا في دِينِه ولا مالِه. * * * 5461 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى: أَبَا شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَعَرَفَ الْجُوعَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَهَبَ إِلَى غُلاَمِهِ اللَّحَّامِ فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً، لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّمًا، ثُمَّ أتاهُ فَدَعَاهُ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا شُعَيْبٍ! إِنَّ رَجُلًا تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ، وَإِنْ

58 - باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه

شِئْتَ تَرَكتَهُ"، قَالَ: لَا، بَلْ أَذِنْتُ لَهُ. (لَحَّام)؛ أي: يبيع اللحمَ، وسبق حديثُه قريبًا. * * * 58 - بابٌ إِذَا حَضرَ الْعَشَاءُ فَلَا يَعْجَلْ عَنْ عَشَائِهِ (باب إذا حضر العَشاءُ) ورُوي بفتح العين وكسرها، وهو بالفتح: الطعامُ خلافَ الغداء، وبالكسر: مِن صلاة المغرب إلى العَتَمَة. (عن عَشائه) بالفتح لا غير. 5462 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَزُّ مِنْ كتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي كَانَ يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. الحديث الأول: (وقال اللَّيث) وصله الذُّهْلي في "الزُّهْريات".

(يُدعَى إلى الصلاة) الصلاة هنا مُطلَقة، فمِن أين أنها العِشاءُ؟ وجوابه: أنه يأتي في الحديث بعدَه التقييدُ، والمُطلَقُ يُحمَل على المُقيَّد، وقد مرَّ في (صلاة الجماعة)، وكذا لا منافاةَ بين قوله: (كتف شاة) وما سبق من رواية: (يأكل ذراعًا)؛ فلعلَّهما كانا حاضرَينِ عندَه يأكلُ منهما، أو أنهما كانا متعلقين باليد، فكأنهما عضوٌ واحدٌ. (فألقاها) الضمير راجع إلى الكتف؛ إما باعتبار أنه اكتسَى التأنيثَ من المضاف إليه، أو هو مؤنثٌ سماعيٌّ. فإن قيل: كيف دلَّ على الترجمة؟ بل مفهومُه مُشعِرٌ بنقيضها؛ حيث إنه إذا دُعِيَ إلى الصلاة ألقاها؟ قيل: استنبطَها من اشتغاله - صلى الله عليه وسلم - بالأكل. * * * 5463 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا وُضعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ". 5463 / -م - وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نحوَهُ. 5464 - وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ تَعَشَّى مَرَّةً، وَهْوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإمَامِ.

59 - باب قول الله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا}

الثاني: وجه تأخير الصلاة عن الطعام: تفريغُ القلب عن الغير تعظيمًا لها، كما أنها تُقدَّم على الغير لذلك، فلها التفضيلُ تقديمًا وتأخيرًا. * * * 5465 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ". قَالَ وُهَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ: "إِذَا وُضعَ الْعَشَاءُ". الثالث: (وقال وُهَيب) وصلَه الإسماعيلي. (ويحيى)؛ أي: ابن سعيد، موصول في (الصلاة) لكن بغير لفظ، نعم؛ وصلَه أحمدُ بلفظه. * * * 59 - بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} (باب قوله تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: 53]) 5466 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ،

قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أَنَسًا قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحِجَابِ، كَانَ أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ، أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرُوسًا بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَ مَا قَامَ الْقَوْمُ، حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَشَى وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانهمْ، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ الثَّانِيَةَ، حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ قَامُوا، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ. (بالحجاب)؛ أي: بشأن نزول آية الحجاب، وهي آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53]. * * *

71 - كتاب العقيقة

71 - كِتابُ العَقِيْقَةِ

1 - باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق، وتحنيكه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَحِيمِ 71 - كِتابُ العَقِيْقَةِ (كتاب العَقِيْقَة) قال الأصمعي: أصلُها الشَّعرُ الذي يكون على رأس الصبي حين يُولَد، وسُميَتِ الشاةُ التي تُذبَح عنه في تلك الحال عقيقةً؛ لأنه يُحلَق عنه ذلك الشَّعرُ عند الذبح. قال (خ): هي اسمُ الشاةِ المذبوحةِ عن الولد، سُميت به لأنها تُعَقُّ مَذَابحُها، أي: تُشَقُّ وتُقطَع، وقيل: هي الشَّعرُ الذي يُحلَق. 1 - بابُ تَسْمِيَة الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ، وَتَحْنِيكِهِ 5467 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: وُلِدَ لِي غُلاَمٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى.

الحديث الأول: (فحنَكَه)؛ أي: مَضَغَ تمرًا ودَلَكَه بحنكِه. * * * 5468 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ. الثاني: كالأول. (أُتِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بصبِيٍّ) تقدَّم في (الطهارة). * * * 5469 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - أنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإسْلاَمِ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، لأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلَا يُولَدُ لَكُمْ.

الثالث: (مُتِمٌّ)؛ أي: أتَمَّتْ أيامَ حملِها وشارَفَتِ الوضعَ، والتِّمام فيها بالكسر. (قُبَاء) الفصيحُ فيه المدُّ والصَّرفُ، وحُكِيَ القصرُ، وكذا تركُ الصَّرف. (في حَجْرِه) بفتح الحاء وكسرها. (تَفَلَ) بمثناة: نفخٌ معه أدنى بُزَاق، وهو أكثرُ من النَّفْثِ. (وبرَّك) بالتشديد: دعا له بالبركة، ووجهُ باقي الترجمة أن التسميةَ كانت غداةَ يُولَد: أن ذلك عُلِمَ من كونها مع التحنُّك؛ إذ هو غالبًا وعادةً إنما يكون عَقِيبَ الولادةِ قبلَ كلِّ شيءٍ من العقيقة وغيرها. (أول مولود)؛ أي: من أولاد المهاجرين؛ وإلا فالنُّعمانُ بنُ بَشير من الأنصار وُلِدَ قبلَه. * * * 5470 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَنس بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشْتكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي، قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعشَاءَ فتعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارِ الصَّبِيَّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ:

"أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ " قَالَ: نعمْ. قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا"، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تأتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَمَعَهُ شَيْءٌ؟ " قَالُوا: نعمْ تَمَرَاتٌ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ، وَحَنَّكَهُ بِهِ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ. 5470 / -م - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. الرابع: (ابن لأبي طلحةَ يشتكي) هو أبو عُمير. (أَسْكَن) أفعل تفضيل، أرادَتْ سكونَ الموت، فظنَّ أبو طلحةَ أنها تُريدُ سكونَ الشفاء. (فأصاب منها)؛ أي: جامَعَها. (وارُوا الصبِيَّ)؛ أي: ادفنُوه. (أَعْرَستُم) بسكون العين من: الإعراس، وهو الوَطْءُ، والاستفهامُ مُقدَّرٌ، وسُمي الوطءُ إعراسًا لأنه مِن توابعِه، وضبطَه الأَصِيلي بتشديد الراء. قال (ع): وهو غلطٌ؛ إنما ذلك في النزول، وكذا قال ابن الأثير: لا يُقال فيه: عرَّسَ؛ لكن حكَى صاحبُ "التحرير" الوجهَينِ،

2 - باب إماطة الأذي عن الصبي في العقيقة

وأنه يُقال: عرَّس بالتشديد بمعنى: أَعرَسَ، وهو الوطء، وإن كان الأفصحُ: أَعرَسَ، وهذا السؤالُ للتعجب من صنيعهما وصبرهما، وسروره بحسن رضاها بقضاء الله تعالى، وفيه: جوازُ تحنيك الصبي عند ولادته، وحملُه إلى صالحٍ يُحنِّكُه، والتسميةُ بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وجوازُ تسميتِه يومَ ولادته، وتفويضُ التسمية إلى الصالحين، ومَنقَبَةُ أُمِّ سُلَيم من عظيم صبرها وحسن رضاها بالقضاء، وجزالة عقلها في إخفائها لموته عن أبيه في أول الليل لِيَبيتَ مستريحًا، واستعمالُ المَعَارِيض، وإجابةُ دعاءِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حقِّهما؛ حيث حَمَلَتْ بعبد الله بن أبي طلحة، وجاء من أولاد عبد الله هذا عشرةٌ لا علماءُ صالحون، ومناقبُ كثيرةٌ لعبد الله بن الزُّبير. * * * 2 - بابُ إِمَاطَةِ الأَذَي عَنِ الصَّبيِّ فِي الْعَقِيقَةِ (باب إماطة الأذى عن الصبي في العَقِيقة) قيل: بمعنى: حلق الشَّعر، وقيل: الخِتَان، وسيأتي. 5471 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ. وَقَالَ حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ وَقتادَةُ وَهِشَامٌ وَحَبِيبٌ،

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، وَهِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ. الحديث الأول: (فأَهْرِيْقُوا) يقال: أَرَاقَ يُرِيقُ، وهَرَاق يُهَرِيقُ، وقد يُجمَع بينهما كما هي في هذا الحديث جمعًا بين البدل والمُبدَل منه، وقال صاحبُ "الفائق": يُقال: هَرَاقَ بقلب الهمزة هاءً، وأَهرَاقَ بزيادتها كما زِيدَتِ السينُ في: استطاع، فهي في مضارعِ الأولِ مُحرَّكةٌ، ومضارعِ الثاني مُسكَّنةٌ. (وأَمِيطُوا عنه الأذى)؛ أي: الدمَ أو الخِتَانَ. قال (خ): قال محمد بن سِيرين: لمَّا سمعْنَا هذا الحديثَ طلبْنَا مَن يَعرفُ إماطةَ الأذى عنه، فلم نَجدْ، وقيل: المرادُ بالأذى شَعرُه الذي عَلِقَ به دمُ الرَّحِمِ، فيُمَاطُ عنه بالحلق، وقيل: كانوا يُلطِّخُون رأسَ الصبي بدمِ العَقِيقة؛ وهو أذًى، فنُهِيَ عن ذلك. قال (ك): يُحتمَل أن يُرَادَ به آثارُ دمِ الرَّحِمِ فقط. (وقال حجاج)؛ أي: ابن مِنْهَال، وصلَه البَيْهَقي.

(وقال غير واحد) أي: كرواية ابن عُيَيْنة عن عاصم، رواه النَّسائي وأحمد وعبد الرزاق عن هشام، رواه أبو داود، والتِّرْمِذي وعبد الله بن نمير عن هشام، ورواه ابن ماجه وجماعةٌ عن هشام عن حَفْصةَ بإسقاط الرَّبَاب، أخرجه الدَّارِمِي والحارث بن أبي أسامة وغيرهما. * * * 5472 - وَقَالَ أَصْبَغُ: أَخْبَرَني ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى". 5472 / -م - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينَ: أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ: مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. الثاني: يُفهَم مما سبق. * * *

3 - باب الفرع

3 - بابُ الْفَرَعِ (باب الفَرَع) بالفاء والراء المفتوحتين وبمهملة. 5473 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ". وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ النِّتَاجِ، كانُوا يَذْبَحُونَهُ لَطِوَاغِيتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ: فِي رَجَبٍ. (عَتِيْرَة) بفتح المهملة وكسر المثناة وبالراء: النَّسِيكَةُ التي تُعْتَر، أي: تُذبَح، وكان أهلُ الجاهلية يذبحونها في العشر الأول من رجب، ويُسمُّونها: الرَّجَبِيَّة. قال (خ): تفسيرُها الموصولُ بالحديث أَحسِبُه من قول الزُّهري، أي: ليس من قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال الشافعي: الفَرَعُ أولُ نِتَاجِ البهيمة، كانوا يذبحونه فلا يملكُونه رجاءَ البركة في الأُمِّ وكثرةِ نسَلِها، وقيل: هو أولُ النِّتاجِ لِمَن بلغَتْ إبلُه مئةً ذبحوه، وقالوا باستحبابها، وأوَّلُوا الحديثَ: لا فَرَعَ ولا عَتيرةَ واجبَينِ، أو المراد: ما كانوا يذبحونه لأصنامهم.

4 - باب العتيرة

قال (ن) في "شرح مسلم": وقد صحَّ الأمرُ بالفَرَع والعَتيرة. * * * 4 - بابُ الْعَتِيرَةِ (باب العَتِيرة) 5474 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ". قَالَ: وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتَهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ: فِي رَجَبٍ. تقدَّم شرحُ الحديث في الباب قبلَه. * * *

72 - كتاب الذبائح والصيد والتسمية على الصيد

72 - كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ وَالتَّسْمِيَة عَلى الصَّيْدِ

1 - باب التسمية على الصيد

بِسمِ الله الرحَّمَنِ الَّحِيمِ 72 - كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ وَالتَّسْمِيَة عَلى الصَّيْدِ (كِتَابُ الصَّيد والذبائح) وَقَوْلهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} إِلَى قَوْلهِ {عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وَقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} إِلَى قَوْلهِ {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعُقُودُ: الْعُهُودُ، مَا أُحِلَّ وَحُرِّمَ، {إلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}: الْخِنْزِيرُ، {يَجْرِمَنَّكُمْ}: يَحْمِلنكُمْ، {شَنَآنُ}: عَدَاوَةُ، {وَالْمُنْخَنِقَةُ}: تُخْنَقُ فتَمُوتُ، {وَالْمَوْقُوذَةُ}: تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ يُوقِذُهَا فتَمُوتُ، {وَالْمُتَرَدِّيَةُ}: تترَدَّى مِنَ الْجَبَلِ، {وَالنَّطِيحَةُ}، تُنْطَحُ الشَّاةُ، فَمَا أَدْركْتَهُ يتَحَرَّكُ بِذَنبِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَاذْبَحْ وَكُلْ. 1 - باب التَّسمِيَة على الصَّيد أي: تسميةُ اللهِ تعالى عند إرسال الكلب. (العُقُود)؛ أي: من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ}، وقال في "الكشَّاف": الظاهرُ أنها عقودُ الله عليهم في دِيِنِهم، من تحليلِ حلالِه وتحريمِ حرامِه. (الخنزير) لأن المَتلُوَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]. (يَجْرِمَنَّكم)؛ أي: من قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [المائدة: 2]، أي: يَحْمِلَنَّكُم عداوتُهم على الصيد. (فما أَدركتَه)؛ أي: ما أَدركتُمُوه مِن المُنخَنِقة وما بعدَها وفيه حياةٌ مستقرةٌ، فذكَّيتُمُوه فهو حلالٌ. * * * 5475 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ، قَالَ: "مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهْوَ وَقِيذ"، وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ، فَقَالَ: "مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ؛ فَإنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كلْبِكَ أَوْ كِلاَبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ، وَقَدْ قتَلَهُ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ". (المِعْرَاض) بكسر الميم وتسكين المهملة وبالراء وبالمعجمة: سهمٌ بلا ريشٍ ونصلٍ، وغالبًا يُصيبُ بعَرضِ عودِه دونَ حدِّه، أي: منتهاه الذي له حدٌّ، وقيل: هو سهمٌ طويلٌ له أربعُ قُذَذٍ رِقَاقٍ إذا رُمِيَ

به اعتُرِضَ. وقال (خ): هو نصلٌ عريضٌ له ثقلٌ ورزانةٌ إذا وقع بالصيد مِن قِبَلِ حدِّه فجرحُه ذَكَاةٌ، وهو معنى (فخَرَقَ)، وإن أصاب بعَرضِه فهو وَقِيذٌ، لأن عَرضَه لا يسلك إلى داخله، وإنما يَقتلُه بثقله ورزانته، وقيل: خشبةٌ ثقيلة أو غصنٌ غليظٌ في طرفِها حديدةٌ؛ قال القُرْطُبي: إنه المشهور. (أخذ الكلب ذَكاَة)؛ أي: حكمُه حكمُ التذكية، فيَحلُّ أكلُه كما يحلُّ أكلُ المُذَكَّاة. (غيره)؛ أي: كلبًا لم يُرسِلْه مَن هو أهلُه، لأن الصيدَ على الحظر، فلا يُؤكَلُ إلا بيقينِ وقوعِ الذَّكاة على الشرط الذي أباحتْه الشريعةُ. (اسم الله) أجمعوا على التسمية عند الإرسال على الصيد وعند الذبح، فقال مالك وأبو حنيفة: هي واجبةٌ، فإنْ تركَها عمدًا حَرُمَ الذبحُ، وقال الشافعي: سُنَّة، فلو تركَها عمدًا أو سَهوًا لم يَحرُمْ، وهذا الحديثُ مُعارَضٌ بحديث عائشةَ رضي الله عنها: (أن قومًا قالوا: إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري: أذُكر اسمُ الله عليه أم لا؟ فقال: سَمُّوا أنتم وكُلُوا)؛ فهو محمولٌ على الاستحباب، وأما آية: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، فلا يدلُّ على مطلوبهم؛ فإنه مُقيَّدٌ بقوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، وهو مُفسَّرٌ بما أُهِلَّ به لغير الله، ومعناها: لا تأكلُوا مما لم يُذكَرِ اسمُ الله عليه، وقد ذُكِرَ اسمُ غيرِ الله

2 - باب صيد المعراض

تعالى، يعني: اللَّات والعُزَّى، مع أنه مُعارَضٌ أيضًا بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، مع أنهم لا يُسمُّون اللهَ عليه. وقال (خ): ظاهرُه أنه إذا لم يُسَمَّ اللهُ تعالى لا يَحلُّ، وإليه ذهب أهلُ الرأي، إلا أنهم قالوا: إن لم يَتركْ عمدًا جاز أكلُه، وتأوَّل مَن لم يَرَ بالتسمية باللسان شرطًا في الذَّكاة على معنى ذكر القلب، وذلك أنْ يكونَ إرسالُه الكلبَ على قصد الاصطياد. * * * 2 - بابُ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ. وَكَرِهَهُ سَالِمٌ، وَالْقَاسِمُ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَكَرِهَ الْحَسَنُ رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى وَالأَمْصَارِ، وَلَا يَرَى بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ. (باب صيد المِعْرَاض) قوله: (بالبُنْدُقة) بضم المُوحدة والمهملة، وهذا قول الجمهور: لا يحلُّ صيدُ البُنْدُقة؟ لأنه وقيدٌ. * * *

3 - باب ما أصاب المعراض بعرضه

5476 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: "إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، فَإذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلَا تَأْكْلْ". فَقُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي؟ قَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ"، قُلْتُ: فَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: "فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ"، قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: "لَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ". (وَقِيد) بدال مهملة، أي: ميتة، فَعِيل بمعنى مفعول، وهي المقتولة بعصًا أو حجرٍ أو بما لا حَدَّ له. * * * 3 - بابُ مَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ (باب ما أصَابَ المِعْرَاضُ بِعَرْضِه) 5477 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلاَبَ الْمُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: "كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ"، قُلْتُ: وإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: "وَإِنْ قتلْنَ" قُلْتُ: وَإِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ؟ قَالَ: "كُلْ مَا

4 - باب صيد القوس

خَزَقَ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ". (المُعلَّمة) فيه: اشتراطُ كون الكلب مُعلَّمًا، أي: يَنزجرُ بالزَّجر، ويَسترسلُ بالإرسال ولا يأكلُ منه مرارًا، وأن يكونَ مُرسَلًا عليه. (خَرَقَ) قال (ك): بالمعجمة والراء المفتوحتين، أي: جَرَحَ ونَفَذَ وطَعَنَ فيه. وقال (ش): بالزاي: خَزَقَ ونَفَذَ، يقال: سهمٌ خازقٌ وخاسقٌ، وقيل: الخَزقُ بالزاي: أن يَخْدِشَه ولا يَثبتَ فيه، وبالراء: أن يثقُبَه فقط. * * * 4 - بابُ صَيْدِ الْقَوْسِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبَ صَيْدًا، فَبَانَ مِنْهُ يَا أَوْ رِجْلٌ، لَا تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ، وَتَأْكُلُ سَائِرَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَكُلْهُ. وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ زيدٍ: اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ حِمَارٌ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ، دَعُوا مَا سَقَطَ مِنْهُ، وَكلُوهُ.

(باب صيد الفرس) قوله: (حمار)؛ أي: وحشي. (دَعُوا)؛ أي: اتركوا ما سقط منه وكُلُوا سائرَه. * * * 5478 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، قَالَ: أَخْبَرَني رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نبَيَّ اللهِ! إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّم، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّم، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ: "أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّم فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّم فَأَدْرَكتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ". (فإن وجدتُم غيرَها) يقتضي أنها لا تُغسَلُ، ويُؤكَلُ فيها إلا إذا لم يُوجَدْ غيرُها، وقد قال الفقهاء: يجوز استعمالُ أوانيهم بعدَ الغسل بلا كراهةٍ، سواءٌ وُجِدَ غيرُها أم لا، فتُحمَلُ الكراهةُ في الحديث على أن المرادَ: الآنيةُ التي كانوا يَطبُخُون فيها لحومَ الخنازير ويشربون فيها الخُمورَ، وانما نُهِيَ عنها بعدَ الغسل للاستقذارِ وكونِها معتادةً للنجاسة، ومرادُ الفقهاء: الأواني التي ليست مُستعمَلةً في النجاسات

5 - باب الخذف والبندقة

غالبًا، وذكره أبو داود في "سننه" صريحًا. * * * 5 - بابُ الْخَذْفِ وَالْبُنْدُقَةِ (باب الخَذْف) بمعجمتين: هو رمي الحصا بالأصابع، أي: بين سبَّابتَيه، أو بين الإبهام والسبَّابة. (والبُنْدُقة)؛ أي: المُدورة من الطين التي يُرمَى بها عن الجُلاهِق بضم الجيم وخفة اللام وكسر الهاء، ونُهِيَ عن ذلك؛ لأنه يَقتلُ الصيدَ بقوة راميه لا بحدِّه. 5479 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ -وَاللَّفْظُ لِيَزِيدَ- عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: لَا تَخْذِفْ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنِ الْخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ، وَقَالَ: "إِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلَا يُنْكَى بِهِ عَدُو، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ"، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نهى عَنِ الْخَذْفِ، أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ، وَأَنْتَ تَخْذِفُ! لَا أُ كَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا.

6 - باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية

(ولا يَنكَأ) قال (ع): الرواية بفتح الكاف مهموز الآخر، والأشهرُ: (ينكِي) بكسر الكاف منقوصًا لا مهموزًا، ومعناه: المبالغةُ في الإصابة والتشديدُ في التأثير، وقال في "المُحكَم" في الكاف والنون: نَكَأتُ العدوَّ أَنكَأتُهم لغةٌ في نَكَيتُهم، وقال في الكاف والنون والياء: نَكَى العدوَّ نِكَايةً: أصابَ منه، وقال ابن الأثير: يُقال: نكيتُ في العدو وأَنكِي نِكايةً فأنا ناكٍ: إذا أكثرتُ فيهم الجرحَ والقتلَ، والهمزُ لغةٌ فيه. وقال (ع) في "الإكمال": (لا يَنكَأ العدوَّ)؛ وكذا رويناه مهموزًا، ويُروَى: (لا يَنكِي) بكسر الكاف، وهو أوجهُ في هذا الموضع؛ لأن المهموزَ إنما هو من: نَكَأتُ القَرحةَ، وليس هذا موضعَه إلا على تجوُّزٍ، وإنما هو من النِّكاية. قال صاحبُ "العَين": ونَكَأتُ لغةٌ، فعلى هذا تتوجَّه هذه الروايةُ. * * * 6 - بابُ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ (باب مَن اقتَنَى كلبًا) الاقتناء: الاتخاذ والادِّخار. 5480 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ

مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ اقْتَنَى كلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ". الحديث الأول: (ضارية)؛ أي: معتادة الصيد مُعلَّمة، يقال: ضَرِيَ الكلبُ بالصيد ضراوةً، أي: تعوَّد، فإن قيل: حقُّه ضارٍ كقاضٍ؟ قيل: أتى بالياء والهاء فيه لأنه صفةُ الجماعة الصائدين أصحابِ الكلاب المُعتادة للصيد، فسُمُّوا ضاريةً استعارةً، أو هو من باب التناسب للفظ، نحو: لا دَرَيتَ ولا تَلَيتَ، والغدايا والعشايا. (قيراطَين) القيراط في الأصل: نصف دانق، والمراد به هنا: مقدارٌ معلومٌ عند الله، أي: نقص جزأَينِ من أجزائه. * * * 5481 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كلْبٌ ضَارٍ لِصَيْدٍ أَوْ كلْبَ مَاشِيةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ". 5482 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اقْتَنَى كلْبًا إِلَّا كلْبَ

مَاشِيةٍ أَوْ ضَارٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ". الثاني: (أو ضارٍ) رُوي (ضاري) بالياء، و (ضارٍ) بحذفها، و (ضاريًا) بألفٍ بعد الياء منصوبًا، وهو ظاهرُ الإعراب، وأما الأوَّلانِ فهما مجروران عطفًا على (ماشية)، ويكون من إضافة الموصوف إلى صفته كـ: ماء البارد، ويكون ثبوتُ الياء في (ضاري) على اللغة القليلة في إثباتها في المنقوص من غير الألف، والمشهورُ حذفُها، أي: كلب تعوَّد بالصيد، يقال: ضَرِيَ الكلبُ، وأضرَاه صاحبُه، أي: عوَّدَه وأغرَاه به، ويُجمَع على: ضَوَارٍ، وقيل: إن (ضارٍ) هنا صفةٌ للرجلِ الصائدِ صاحبِ الكلابِ المعتادةِ الصيدَ، فسمَّاه: ضاريًا استعارةً، كما في الرواية الأُخرى: (إلا كلبَ ماشيةٍ أو كلبَ صيدٍ)، وقال (ك): (إلا) بمعنى: غير، صفة للكلب لتعذُّر الاستثناء، ويجوز أن تُنزلَ النكرةُ منزلةَ المعرفة، فيكون استثناءً. (قيراطان) قد سبق: (قيراطين) بالنصب؛ لأن (نقص) يكون لازمًا ومتعديًا، باعتبار اشتقاقه من النقصان والنقص. واختُلف في سبب نقص الأجر؛ فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته، وقيل: لِمَا يلحق المارِّين من الأذى، وقيل: لِمَا يُبتلَى به من ولوغه في الأواني عند غفلة صاحبه، وهذا التعليلُ -وإن عمَّ جميعَ الكلاب- لكنَّ المُستثنَى لعلَّه لا يَنقصُ الأجرُ للحاجة أو لقلةِ أكلِه النجاسةَ، وقبحِ رائحتِه ونحوه؛ نعم سبق قُبيلَ (كتاب الأنبياء) أن

7 - باب إذا أكل الكلب

النقصَ قيراط، وهنا (قيراطان)، وقد يُقال: إنه في البوادي قيراط، وفي المدن: قيراطين، أو باعتبار زمنَينِ، فذَكرَ القيراطَ أولًا ثم أراد التغليظَ فذَكرَ القيراطَين، فإن قيل: تقدَّم استثناءُ كلب الحرث والماشية، وهنا استثناءُ كلبِ الصيدِ والماشيةِ، وأحدُ الحَصْرَينِ يقتضي عدمَ خروج كلب الصيد، والآخرُ يقتضي خروجَه مع المستثنى، وكذا حكمُ كلب الحرث؛ فإنه مُستثنًى وغيرُ مُستثنًى؟ قيل: مدارُ الحصر على مَقامِ اعتقادِ السامعين؛ فلا مُنَافاةَ. * * * 7 - بابٌ إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}: الصَّوَائِدُ وَالْكَوَاسِبُ. {اجْتَرَحُوا}: اكْتَسَبُوا. {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {سَرِيعُ الْحِسَابِ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نفسِهِ، وَاللهُ يَقُولُ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ. وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ، فَكُلْ.

8 - باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة

(باب إذا أكل الكلبُ) قوله: (على نفسه) قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]، مفهومه: أنه إذا أَمسكَ على نفسه فلا تأكلوه. * * * 5483 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِم، قَالَ: سَألتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ؟ فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ". (المُعلَّمة) قالوا: التعليم أن يُوجَدَ فيه ثلاثُ شرائطَ: إذا أُشلي استشلى، وإذا زُجر انزجر، وإذا أَخذَ لم يَأكلْ مرارًا. * * * 8 - بابُ الصَّيْدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةَ (باب الصيد إذا غاب عنه يومَينِ) 5484 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ،

حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِم - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقتلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نفسِهِ، وَإِذَا خَالَطَ كِلاَبًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقتلْنَ فَلَا تَأْكُلْ؟ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، لَيْسَ بِهِ إِلَّا أثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ". (وإن وقع في الماء فلا تَأكلْ) قال (خ): وجهُ النهي عن أكله إذا وجدَه في الماء: احتمالُ أن يكونَ الماءُ هو الذي أهلكَه، وكذا إذا رأى فيه أثرًا لغير سهمه. * * * 5485 - وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى: عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيٍّ، أنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِرُ أثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ، ثُمَّ يَجدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ؟ قَالَ: "يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ". (وقال عبد الأعلى) وصلَه أبو بكر بن أبي شَيبة وأبو يَعلَى والإسماعيلي وغيرهم. (فيَقتَفِي) في بعضها: (يَقتَفر) بالقاف والفاء والراء، أي: يبيع، وهما بمعنىً، يقال: اقتَفرتُه، أي: قَفَوتُه. * * *

9 - باب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر

9 - بابٌ إِذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ (باب إذا وَجَدَ مع الصيد كلبًا آخرَ) 5486 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ، فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ؟ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ"، قُلْتُ: إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي أَجِدُ مَعَهُ كلْبًا آخَرَ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ؟ فَقَالَ: "لَا تَأكُلْ؛ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ"، وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: "إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ". فيه الحديثُ السابقُ. * * * 10 - بابُ مَا جَاءَ فِي التَّصَيُّدِ (باب ما جاء في التَّصيُّد) 5487 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنِي ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ

عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَألتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ؟ فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كلْبٌ مِنْ غَيرِهَا، فَلَا تَأْكُلْ". 5488 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَيْوَةَ. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ - رضي الله عنه - يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ، نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، وَالَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا، فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ، تَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُم غَيرَ آنِيَتِهِمْ؟ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا فَأَدْرَكتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ".

الحديث الأول والثاني: (حدثنا محمد) قال الغساني: قيل: إنه ابنُ سلام. * * * 5489 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَوْا عَلَيْهَا حَتَّى لَغِبُوا، فَسَعَيْتُ عَلَيْهَا حَتَّى أَخَذْتُهَا، فَجئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، فَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا فَقَبِلَهُ. الثالث: (أنفَجْنَا) بالنون والفاء والجيم، أي: هيَّجْنَا، يقال: نَفَجَ الأرنبُ: إذا ثارَ. (بِمَرِّ الظَّهْرَان) بفتح الميم وشدة الراء المعجمة وإسكان الهاء وبراء ونون: موضعٌ بقرب مكةَ. (لَغَبُوا) بفتح الغين المعجمة؛ وهو الفصيح، وبكسرها في لغة، أي: أَعيَوا. * * * 5490 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قتادَةَ: عَنْ أَبِي قتادَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ

11 - باب التصيد على الجبال

أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ، ثُمَّ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطًا، فَأَبَوْا، فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ، فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَى بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللهُ". 5491 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قتادَةَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟ ". الرابع: (طُعْمَة) بضم المهملة وكسرها، ومعنى الضمِّ: المَأكَلَة، وأما الكسر: فوجه الكسب وهيئته، يقال: فلانٌ طيِّبُ الطِّعمة. * * * 11 - بابُ التَّصَيُّدِ عَلَى الْجِبَالِ (باب التصيُّد على الجبال) 5492 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو: أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبِي

صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، سَمِعْتُ أَبَا قتادَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَأَنَا رَجُلٌ حِلٌّ عَلَى فَرَسٍ، وَكُنْتُ رَقَّاءً عَلَى الْجبَالِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ النَّاسَ مُتَشَوِّفِينَ لِشَيْءٍ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ حِمَارُ وَحْشٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: لَا نَدْرِي، قُلْتُ: هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ، فَقَالُوا: هُوَ مَا رَأَيْتَ، وَكُنْتُ نَسِيتُ سَوْطِي، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُوني سَوْطِي، فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ ضَرَبْتُ فِي أثَرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا ذَاكَ، حَتَّى عَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ: قُومُوا فَاحْتَمِلُوا، قَالُوا: لَا نَمَسُّهُ، فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئتهُمْ بِهِ، فَأَبَى بَعْضُهُمْ، وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ، فَقُلْتُ: أَنَا أَسْتَوْقف لَكُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَدْركْتُهُ، فَحَدَّثتهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ لِي: "أَبَقِيَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ؟ "، قُلْتُ: نعمْ، فَقَالَ: "كُلُوا فَهْوَ طُعْمٌ أَطْعَمَكُمُوهَا الله". (حِل) بكسر المهملة، أي: غير مُحرِم. (رَقَّاء)؛ أي: كثير الرقيِّ إلى الجبال. (مُتشوِّفين) بمعجمة وواو، أي: مُتطلِّعين. (عَقَرتُه)؛ أي: جرحتُه. (أَستَوقف)؛ أي: أسألُه أن يقفَ لكم، قيل: مقصودُ البخاريِّ التنبيهُ على أن معاناةَ الإنسان ودأبتَه للمشقة في طلب الصيد جائزٌ، وإن لم يكن لضرورةٍ إليه؛ بشرط أن لا يَخرجَ عن حدِّ الجواز. * * *

12 - باب قول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر}

12 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} وَقَالَ عُمَرُ: صَيْدُهُ: مَا اصْطِيدَ، وَطَعَامُهُ: مَا رَمَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الطَّافِي حَلاَلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ: مَيْتَتُهُ إِلَّا مَا قَذِرْتَ مِنْهَا، وَالْجِرِّيُّ لَا تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ. وَقَالَ شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَّا الطَّيْرُ فَأَرَى أَنْ يَذْبَحَهُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: صَيْدُ الأَنْهَارِ، وَقِلاَتِ السَّيْلِ، أَصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ؟ قَالَ: نعمْ، ثُمَّ تَلاَ: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا}. وَرَكِبَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلاَبِ الْمَاءِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لأَطْعَمْتُهُمْ. وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ نصرَانِيٍّ أَوْ يَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: فِي الْمُرِي ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ.

(باب قوله عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]) قوله: (أبو بكر)؛ أي: الصِّدِّيق - رضي الله عنه -. (الطافي) هو الذي يموت في البحر، ويَعلُو على الماء ولا يَرسُبُ فيه. (قذرت) بفتح الذال المعجمة وكسرها. (والجِرِّيّ) بكسر الجيم والراء المشددة وتشديد الياء، وحكَى السَّفَاقُسِي فتحَ الجيم: ضربٌ من السمك يشبه الحيات، قاله (خ)، وقيل: نوعٌ عريضُ الوسطِ دقيقُ الطرفَين، وقيل: ما لا قشرَ له، وقيل: هو الجِرِّيث بالجيم وتشديد الراء المكسورتين وتخفيف الياء والمثلثة، وكذا رُوي في بعض طرق البخاري، وهو المَارْمَاهِي بلغة الفُرس. (وقال شُرَيح) كذا جعل هذا من قول شُرَيح، وهو بالمعجمة والراء والمهملة، وأسندَه في "تاريخه الكبير" فقال: ثنا مُسدَّد، ثنا يحيى، عن ابن جُرَيج قال: أخبرني عمرو بن دينار وأبو الزُّبَير، سمعا شُرَيحًا -رجلًا أدركَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلُّ شيءٍ في البحر مذبوحٌ". لكن صاحب "الاستيعاب" جعلَه من روايته عن الصِّدِّيق قال: كلُّ شيءٍ في البحر مذبوحٌ ذبَحَه اللهُ لكم، كلُّ دابةٍ خلقَها الله في البحر.

وقال (ع) في "المشارق": إن قوله: (قال شُريح) للكافة، وعند الأَصِيلي: (أبو شُرَيح)؛ والصوابُ الأولُ، وهو شُرَيح بن هانئ أبو هانئ. (وقِلات) بكسر القاف وخفة اللام وبمثناة جمع: قَلْة بفتح القاف وسكون اللام، وهي النُّقرة في الجبل يجتمع فيها ماءُ المطر، ووقع للأَصِيلي بالمثلثة. (الحسن) قيل: ابن عليٍّ، وقيل: البصري. (كُلْ مِن صيدِ البحرِ نصرانيٍّ) كذا تركيبُه في النُّسَخ القديمة، وفي بعضها بزيادة لفظ: (أخذَه نصرانِيٌّ)، وفي بعضها: (ما صادَ). (بالسُّلَحْفَاة) بضم المهملة وفتح اللام وسكون المهملة. (المُرْي) قال (ن): بضم الميم وسكون الراء وتخفيف الياء، وليس عربيًّا، وهو يشبه الذي تُسمِّيه الناسُ: الكامخَ بإعجام الخاء، وقال الجَوَاليقي: التحريكُ لَحنٌ، وقال الجَوهري: المُزِّيُّ بالضم وتشديد الراء والياء: الذي يُؤتَدَم به، كأنه منسوبٌ إلى المَرَارة، والعامةُ تُخفِّفُه؛ وهو صحيحٌ، وقال صاحب "المُحكَم": المُرْي معروف، وقيَّدَه بضمِّ الميم وإسكان الراء، واشتقَّه أبو عليٍّ من المَرِيء؛ فإن كان كذلك فليس هذا بابَه، يُشيرُ إلى أنه من باب الهمزة. (النِّيْنَان) بكسر النون: الحِيتان، جمع: نُون، كعُودٍ وعِيدانٍ، وأصله: نُونَان، فقُلبَتِ الواوُ ياءً لكسرة النون.

قال في "النهاية": وهذه صفةُ مُرِّيٍّ يُعمَل بالشام، يُجعَل في خمرٍ ملحٌ وسمكٌ، ويُوضَعُ في الشمس، فيتغيَّر طعمُ الخمر إلى طعم المُريِّ، فيَستَحِيلُ كما يَستَحِيلُ إلى الخَلِّيَّة، يقول: كما أن الميتةَ حرامٌ والمذبوحةَ حلالٌ؛ كذلك هذه الأشياءُ ذَبَحَتِ الخَمرَ فحلَّتْ، فاستعارَ الذبحَ للإحلال. وقال (ع): ويُروَى بسكون المُوحدة ورفع الحاء على الابتداء وإضافة ما بعدَه إليه، يريد طُهرَها واستباحتَها وحِلَّها صنعَها مُريًا بالحوتِ المطروح فيها وطبخِها بالشمس، فيكون ذلك لها كالذَّكاة للحيوان، وهذا على مذهب مَن يُجيزُ تخليلَ الخَمر، وفيه خلافٌ. قال أبو موسى المَديني وغيره عن قوة الملح والشمس وغلبتهما على الخمر وإزالتهما طعمَها وريحَها بالذبح: وإنما ذُكر النِّينانُ دون الملح لأن المقصودَ من ذلك هي دونُ الملح وغيره الذي فيها، ولا يُسمَّى المعمولُ من ذلك إلا باسمها دونَ ما أُضيفَ إليها، ولم يَرِدْ أن النِّينانَ وحدَها هي التي خللت، وذَهَبَ البخاريُّ إلى ظاهر اللفظ وأَوردَه في طهارة صيد البحر وتحليله، مُريدًا أن السَّمَكَ طاهرٌ حلالٌ، وأن طهارتَه وحلَّه تتعدَّى إلى غيره كالملح، حتى يصيرَ الخَمرُ الحرامُ النَّجِسَةُ بإضافتها إليها طاهرةً حلالًا، وكان أبو الدَّرْدَاء يُفتِي بجواز تخليل الخمر؛ فقال: إن السَّمكَ بالآلة التي أُضيفَتْ إليه من الملح وغيره قد غَلَبَ على

ضراوة الخمر التي كانت فيها وأزال شدتَها، كما أن الشمسَ تُؤثِّرُ في تخليلها فصارت خلًّا، فلا بأسَ به، فـ (الخَمرَ) مفعولٌ مُقدَّمٌ، و (النِّينانُ والشمسُ): فاعلان له، ومعناه: أن أهلَ الريف بالشام وغيرها قد يَعجِنُون المُريَ بالخمر، وربما يجعلون فيه أيضًا السَّمَك المُربَّى بالملح والأبزار ونحوه مما يُسمُّونه: الصَّحْنَاء؛ إذ القصدُ من المُرْيِ وأكلِه هضمُ الطعام، فيُضيفون إليه كلَّ حِرِّيفٍ ليَزيدَ في خلاء المعدة واستدعاء الطعام بثَقَافته وحَرَافته، وكان أبو الدَّرْدَاء وأبو هريرةَ وابنُ عباس وغيرُهم من التابعين يأكلون هذا المُرْيَ المعمولَ بالخمر، ولا يَرَون به بأسًا، ويقول أبو الدَّرْدَاء: إنما حرَّمَ اللهُ الخَمرَ لعينِها وسُكرِها، وفيها ذبحتْه الشمسُ والملحُ؛ فنحن نأكلُه، ولا نَرَى به بأسًا. قال (ش): جزمَ البخاريُّ بهذا التعليق عن أبي الدَّرْدَاء، وقد رواه ابنُ أبي شَيبة في "مُصنَّفه" من طريق مكحول عن أبي الدَّرْدَاء، ولم يَسمَعْ منه، انتهى. قلت: وذكر بعضُهم عن إبراهيم الحَربي في "غريب الحديث" رواه عنه بسندٍ متصلٍ، وكذا أبو بشر الدُّولاَبي. * * * 5493 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو: أنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ،

يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ. الحديث الأول: (الخَبَط) بفتح المعجمة والمُوحدة: الوَرَقُ الذي يُخبَط ويُعلَف به الإبلُ. قال بعضُهم: (جيشَ) نُصب بنزع الخافض، أي: مُصاحِبِين لجيشِ الخَبَط، أو فيه. (العَنْبَر) بفتح المهملة وسكون النون وفتح الموحدة وبالراء. * * * 5494 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَمِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُدُ عِيرًا لَقُرَيْشٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ، فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ وَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا بِوَدكِهِ حَتَّى صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا، قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ، فَنَصَبَهُ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ، وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نهاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ.

13 - باب أكل الجراد

الثاني: (عِيرًا) بكسر المهملة: الإبل التي تَحمل المِيرةَ. (ضِلَعًا)، بوزن: عِنَبًا، والرجل الذي كان يَنحَرُ الجزائرَ هو قيسُ بنُ سعدِ بنِ عُبَادَةَ الأنصاريُّ، ولفظ (جزائر) غريبٌ، والمشهور جُزر، جمع: جَزُور، ولا ينافي هنا ما سبق في (الجهاد) و (المغازي): أنهم أكلُوا ثمانيةَ عشرَ يومًا وأنه نَصَبَ ضلعَينِ؛ لأن روايةَ القليل لا تَنفي الزيادةَ، ومفهومَ العَدِّ لا حُكمَ له. * * * 13 - بابُ أَكْلِ الْجَرَادِ (باب أكل الجَرَاد) قال أكثرُ العلماء بحلِّه عمومًا، وهو ظاهرٌ. 5495 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْع غَزَوَاتٍ، أَوْ سِتًّا، كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ. قَالَ سُفْيَانُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: سَبْعَ غَزَوَاتٍ. (قال سفيان) وصلَه الدَّارِمِي.

14 - باب آنية المجوس والميتة

(وأبو عَوانة) موصولٌ في "مسلم". (وإسرائيل) وصلَه الطَّبَراني. * * * 14 - بابُ آنِيَةِ الْمَجوسِ وَالْمَيْتَةِ (باب آنية المجوس) 5496 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَبِأَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّم، وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا مَا ذَكَرتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ أَهْلِ كِتَابٍ فَلَا تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ، إِلَّا أَنْ لَا تَجدُوا بُدًّا، فَإِنْ لَمْ تَجدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ صَيْدٍ؛ فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ، فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ وَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ وَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّم فَأَدْرَكتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْهُ". سبقَ شرحُه قريبًا، إلا أنه هنا تُرجِمَ بالمجوس وذكر أهل

الكتاب؛ فإما لأنهما متساويانِ في عدم التوقِّي عن النجاسات، فيُقاس أحدُهما بالآخر، وإما لأن المجوسَ يزعمون التمسُّكَ بكتابٍ. * * * 5497 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الَأكْوَعِ، قَالَ: لَمَّا أَمْسَوْا يَوْمَ فتحُوا خَيْبَرَ أَوْقَدُوا النِّيرَانَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى مَا أَوْقَدْتُمْ هَذ النِّيرَانَ؟ "، قَالُوا: لُحُومِ الْحُمُرِ الإنْسِيَّةِ. قَالَ: "أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا، وَاكْسِرُوا قُدُورَهَا"، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ ذَاكَ". الثاني: (خَيْبَر) بمعجمة وراء، لا حُنَيْن بمهملة ونون. (الإنْسية) بكسر الهمزة وسكون النون، وفي بعضها بفتحهما. (أو ذاك) إشارةٌ إلى التخيير، وقد سبق الحديثُ مراتٍ. قال (خ) فيه التغليظُ عند ظهورِ المُنكَرِ وغلبةِ أهلِه؛ حسمًا لموادِّه وقطعًا لدواعيه، ولمَّا رآهم - صلى الله عليه وسلم - قد سلَّمُوا الحكمَ وقَبِلُوا الحقَّ وضعَ الإِصْرَ الذي أراد أن يُلزمَهم إياه؛ عقوبةً على فعلِهم، ومراعاةُ الحدود أَولَى. * * *

15 - باب التسمية على الذبيحة، ومن ترك متعمدا

15 - بابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ نَسِيَ فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، وَالنَّاسِي لَا يُسَمَّى فَاسِقًا، وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}. (باب التَّسمية على الذَّبيحة) قوله: (والناسي لا يُسمَّى فاسقًا) هذا جوابٌ مِن جهة مَن خصَّص الاَيةَ بِمَن تعمَّد تركَ التسمية كالحنفية؛ حيث قالوا: لو تركَ التسميةَ ناسيًا لا تَحرُمُ ذبيحتُه، وتقويةٌ لقولهم، وأمَّا ذكرُ {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121] فلأنه من تمام الآية، أو لتقوية الشافعية؛ حيث قالوا: ما لم يُذكَرِ اسمُ الله عليه كنايةٌ عن الميتة، أو ما ذُكر غيرُ اسمِ اللهِ عليه، بقرينةِ ذِكرِ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، وهو مُؤوَّلٌ بما أُهِلَّ به لغير الله. قال في "الكشَّاف": فإن قلتَ: ذهبَ جماعةٌ إلى جوازِ أكلِ ما لم يُذكَرِ اسمُ الله عليه بنسيانٍ أو عمدٍ؟ قلتُ: قد تأوَّله هؤلاء بالميتة وبما ذُكِرَ غيرُ اسمِ اللهِ عليه، لقوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145].

(لَيُوحُونَ) لَيُوسوِسُونَ إلى أوليائهم من المشركين ليُجادِلُوكم بقولهم: ولا تأكلوا مما قتلَه اللهُ؛ وبهذا يرجح تأوُّلُه بالميتة. * * * 5498 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ اللهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا". قَالَ: وَقَالَ جَدِّي: إِنَّا لنرْجُو، أَوْ نَخَافُ أَنْ نلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أفنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ، فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ، أَمَّا السِّنُّ عَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ". (عَبَايَة) قال الغساني: في بعض الروايات: (عَبَايَة، عن أبيه، عن جدِّه)، بزيادة: (عن أبيه)؛ وهو سهوٌ. (أُخرَيات) جمع: أُخرى، تأنيث: آخر. (فأُكْفِئَتْ)؛ أي: قُلِبَتْ، وسبق الحديثُ مراتٍ.

(فعَدَلَ)؛ أي: قابَلَ، وكأنَّ هذا بالنظر إلى قيمة الوقت، وليس مخالفًا لقاعدة الأُضحية في إقامةِ البعيرِ مَقامَ سبعِ شِيَاهٍ؛ إذ ذاك بحسب الغالب في قيمة الشِّيَاه والإبل المعتدلة. (نَدَّ)؛ أي: نَفَرَ وذهبَ على وجهه هاربًا. (فأعيَاهم)؛ أي: أَتعبَهم وعجزَهم. (أوابد)، جمع: آبِدَة، أي: التي تأبَّدَتْ، أي: توحَّشَتْ ونفَرَتْ من الإنس. (هكذا)؛ أي: الجَرح بأيِّ وجهٍ قدرتُم عليه؛ فإن حكمَه حكمُ الصيد. (مُدًى) جمع: مُدْية، وهي الشفرة، والغرضُ من ذكر لقاء العدو عند السؤال عن الذبح بالقصب: أنهم لو استعملوا السيوفَ في المذابح لَكلَّتْ، وعند اللقاء تَعجَزُ عن المُقاتَلة بها. (أنْهَرَ)؛ أي: أسالَ الدمَ كما يَسيلُ الماءُ في النهر، و (ما) شرطيةٌ أو موصولةٌ. (فعَظْم)؛ أي: وهو يتنجَّس بالدم، وهو زادُ الجِنِّ فلا يُذبَح به، أو لأنه غالبًا لا يَقطَع، إنما يَجرَح فتُزهَق النفسُ من غير أن يُتيَقَّنَ وقوعُ الذَّكاةِ به. (فَمُدَى الحَبَشة)؛ أي: أنهم يُدمون مذابحَ الشاة بأظفارهم حتى تُزهَقَ النفسُ حَنَقًا، ومرَّ الحديثُ في (الشركة). * * *

16 - باب ما ذبح على النصب والأصنام

16 - بابُ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالأَصْنَامِ (باب ما ذُبحَ على النُّصُب والأصنام) 5499 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ؛ يَعْنِي: ابْنَ الْمُخْتَارِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ لَقِيَ زيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْل بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ، وَذَاكَ فَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْوَحْيُ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُفْرَة فِيهَا لَحْمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ". (زيد بن عمرو بن نُفَيل) والد سعيد أحد العشرة، وكان يتعبَّد في الجاهلية على دِينِ إبراهيم عليه الصلاة والسلام. (بَلدَح) بفتح المُوحدة وإسكان اللام وفتح المهملة الأولى: وادٍ قِبَلَ مكةَ من جهة الغرب، يُصرَف ولا يُصرَف. (فأبَى)؛ أي: زيد. قال (خ): امتناعُ زيدٍ مِن أكلِ ما في السُّفرة إنما هو من خوفه أن يكونَ اللحمُ مما ذُبِحَ على الأصنام المنصوبة للعبادة، وقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا لا يَأكلُ من ذبائحهم التي يذبحونها لأنصابهم، وأمَّا

17 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فليذبح على اسم الله"

ذبحُهم لِمَأكَلِهم فلم نجدْ في الحديث أنه كان يتنَزَّه منه. قال (ك): وكونُه في سُفرتِه لا يدل على أنه كان مَأكلُه منه، ومرَّ الحديثُ في (مناقب الصحابة)، والمراد بالنُصب والأَنْصاب كما قاله الزَّمخشري: أحجارٌ منصوبةٌ حولَ البيت يَذبحون عليها وَيشرَحُون اللحمَ عليها يُعظِّمُونها بذلك ويتقرَّبُون به إليها، تُسمَّى: الأَنْصاب، والنُّصُبُ واحدٌ، وقيل: النُّصُب جمعٌ، واحده: نِصَاب، وقال الجَوهري: النُّصْب بسكون الصاد وضمِّها: ما نُصِبَ يُعبَد من دون الله تعالى، وأمَّا عطفُ (الأصنام) عليه في الترجمة فإن كانت النُّصبُ أحجارًا فظاهرٌ، وإن كان هو المعبودَ فهو من العطف التفسيري. * * * 17 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ" (باب قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَلْيُذبَحْ على اسم الله) 5500 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُضْحِيَّةً ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَآهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانها أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْم اللهِ".

18 - باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد

(أَضحَاة) مفرد: أضحَى، كأرطاة وأَرطَى، ويُقال فيه أيضًا: ضَحِيَّة وأُضْحِيَة بكسر الهمزة وضمِّها. (ذات يوم)؛ أي: في يوم، و (ذات) مُقحمَةٌ للتأكيد. قال النُّحَاة: هو من باب إضافة المسمى إلى اسمه. * * * 18 - بابُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ مِنَ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ (باب مَا أنْهَرَ الدَّمَ من القَصَب والمَرْوَة) قال الأصمعي: المَرْوُ: حجارةٌ بِيضٌ رِقَاقٌ تَقدحُ منها النارُ، الواحدة: مَروَة. 5501 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا، فَقَالَ: لأَهْلِهِ لَا تَأكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْألهُ، أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَكْلِهَا. الحديث الأول: (بِسَلْع) بفتح المهملة الأولى وتسكين اللام: جبلٌ بالمدينة.

وفيه: جوازُ ذبحِ المرأة وبالحَجَر. * * * 5502 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ: أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِالْجُبَيْلِ الَّذِي بِالسُّوقِ وَهْوَ بِسَلْعٍ، فَأُصِيبَتْ شَاةٌ، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهَا. الثاني: سبق شرحه قريبًا. * * * 5503 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَال: يَا رَسُولَ اللهِ! لَيْسَ لنا مُدًى؟ فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسمُ اللهِ فَكُلْ، لَيْسَ الظُّفُرَ وَالسِّنَّ، أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، وَأَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ"، وَنَدَّ بَعِيرٌ فَحَبَسَهُ فَقَالَ: "إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا هَكَذَا". الثالث: (ليسَ السِّنَّ والظُّفرَ) نُصب على الاستثناء، وتُوضِّحُه الروايةُ الأخرى: (إلا السِّنَّ).

19 - باب ذبيحة المرأة والأمة

قال في "الصِّحاح": يُضمَر اسمُها فيها ويُنصَب خبرُها، فإذا قلت: قاموا ليس زيدًا، فالتقدير: ليس القائمُ زيدًا، وتقديره هنا: ليس مُذكَّى السِّنِّ والظُّفرِ مأكولًا. (فحبسَه)؛ أي: اللهُ تعالى، أو حابسٌ. (هكذا) هو إشارةٌ إلى ما في الحديث السابق، فإن هذا مختصرٌ، وفيه: جرحُه وإثخانُه وإهلاكُه. * * * 19 - بابُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالأَمَةِ (باب ذبحِ المرأةِ) 5504 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَن ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، يُخْبِرُ عَبْدَ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبٍ بِهَذَا. الحديث الأول: (وقال اللَّيث) وصلَه الإسماعيلي. * * *

20 - باب لا يذكى بالسن والعظم والظفر

5505 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ، أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ، فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا، فَأَدْرَكتْهَا فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "كُلُوهَا". الثاني: (عن رجل) إبهامُه فيه جَهالَةٌ في السند، وقيل: إنه ابن لكعبِ بنِ مالك السُّلَمي الأنصاري. (أو سعد بن مُعاذ) هذا شكٌّ من الراوي، ولا يَلزَمُ منه قدحٌ؛ لأن كُلًّا منهما صحابِيٌّ. * * * 20 - بابٌ لَا يُذَكَّى بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ وَالظُّفُرِ (باب لا يُذَكَّى بالسِّنِّ والعَظْمِ والظُّفرِ) العطف مع كون السِّنِّ أيضًا عظمًا يَقتضي أن البخاريَّ كأنه نَظَرَ إلى أنهما ليسا بعظمَينِ عُرفًا، وقال الأطباء: ليسا بعظمَينِ، ولكنَّ الصحيحَ أنهما عظمٌ، والعطف فيه مِن عطفِ عامٍّ على خاصٍّ؛ نعم، الحديثُ ليس فيه ذكرُ العَظم وهو في الترجمة لأن حكمَ العَظم يُعلَم منه.

21 - باب ذبيحة الأعراب ونحوهم

5506 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلْ، يَعْني: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ إِلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ". * * * 21 - بابُ ذَبِيحَةِ الأَعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ (باب ذَبِيحةِ الأعراب ونحَرِهم) بالراء، وفي بعضها بالواو. 5507 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا باللَّحْم لَا نَدْرِي؛ أَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، أَمْ لَا؟ فَقَالَ: "سَمُّوا عَلَيْهِ أَنَتُمْ وَكُلُوهُ"، قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ. تَابَعَهُ عَلِيٌّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَتَابَعَهُ أَبُو خَالِدٍ وَالطُّفَاوِيُّ. (يأتُوننا) بالإدغام والفكِّ، وفيه: دلالةٌ لِمَن قال: لا تجبُ التسميةُ عند الذبح بأن ذبيحةَ التاركِ حلالٌ، وفيه: أن ما يُوجَد في أيدي الناس من اللحوم ونحوها في أسواق بلاد المسلمين ظاهرُه الإباحةُ. (وكانوا)؛ أي: السائلون.

22 - باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم

(وتابعه أبو خالد) موصولٌ في (التوحيد). (والطُّفَاوي) موصولٌ في (البيوع). * * * 22 - بابُ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشُحُومِهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَغيْرِهِمْ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارِيِّ الْعَرَبِ، وَإنْ سَمِعْتَهُ يُسَمِّي لِغَيْرِ اللهِ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللهُ، وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ. وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الأَقْلَفِ. (باب ذبائح أهلِ الكتابِ وشحومِها من أهل الحرب) أي: أهل الكتاب الذين لا يُعطون الجِزيةَ. (وغيرهم)؛ أي: الذين يُعطونها. (الأَقْلَف)؛ أي: الذي لم يُختَنْ. * * *

23 - باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش

5508 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ: ذَبَائِحُهُمْ. (خَيْبر) بمعجمة وراء. (بِجِرَاب) بكسر الجيم، والعامةُ تَفتحُه. (فنَزَوتُ)؛ أي: وثبتُ. * * * 23 - بابُ مَا نَدَّ مِنَ الْبَهَائِمِ فَهْوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْشِ وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَعْجَزَكَ مِنَ الْبَهَائِم مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهْوَ كَالصَّيْدِ، وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ، وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ. (باب ما نَدَّ من البهائم) قوله: (مما في يدك)؛ أي: ما كان لك وفي تصرُّفِك وعجزتَ، أي: عن ذبحه المعهود.

5509 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَدًا، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: "اعْجَلْ، أَوْ أَرِنْ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ". وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا". (اِعْجَلْ) بكسر الهمزة وفتح الجيم. (أو أَرِنْ) قال (خ): صوابه: أَأْرِنْ، بوزن: أَعْجِل ومعناه، وهو من: أَرِنَ يأرَنُ: إذا خفَّ، أي: أَعْجِلْ ذبحَها لئلا تموتَ خنقًا؛ فإن الذبحَ إذا كان بغير الحديد احتاج إلى خفة اليد والسرعة. قال: وقد يكون أَرِنْ على وزن: أَطِعْ، أي: أهلِكْها ذبحًا، من: رانَ القومُ: إذا هلكَتْ ماشيتُهم، وقد تكون بوزن: أَعطِ، بمعنى: أَدِمِ القطعَ ولا تَفْتُرْ، من: رنَوتُ: إذا أَدمتُ النظرَ. قال: وهذا شكٌّ من الراوي، قال: ويُحتمَل أن يكونَ ائزز بالزاي إن كان رُوِيَ، أي: شدَّ يدَك على النحر، وأن يكونَ أرنِي بمعنى: هاتِ. قال (ع): وأفادني بعضُ أهل العناية أنه وَقَفَ على أصل اللفظة

24 - باب النحر والذبح

وصحَّحَها في "كتاب مسند علي بن عبد العزيز"، وفيه قال: أَرِني أو اِعْجَلْ، وكأن الراوي شكَّ في أيِّ اللفظَينِ قال عليه الصلاة والسلام منهما، وأن مقصدَه الذبحُ بما يُسرعُ القطعَ، وضبطَه الأَصِيلي: أرني بفتح الهمزة وسكون النون بعدها ياء، ومثله في "كتاب مسلم"، إلا أن الراءَ ساكنةٌ، وفي أبي داود: (أرْن) بسكون الراء ونونٍ مُطلَقةٍ، وتقدَّمت فيه مباحثُ أخرى في (كتاب الشركة). * * * 24 - بابُ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: لَا ذَبْحَ وَلَا مَنْحَرَ إِلَّا فِي الْمَذْبَحِ وَالْمَنْحَرِ، قُلْتُ: أَيَجْزِي مَا يُذْبَحُ أَنْ أَنْحَرَهُ؟ قَالَ: نعمْ، ذَكَرَ اللهُ ذَبْحَ الْبَقَرَةِ، فَإِنْ ذَبَحْتَ شَيْئًا يُنْحَرُ جَازَ، وَالنَّحْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَالذَّبْحُ: قَطْعُ الأَوْدَاجِ، قُلْتُ: فَيُخَلِّفُ الأَوْدَاجَ حَتَّى يَقْطَعَ النِّخَاعَ؟ قَالَ: لَا إِخَالُ. وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نهى عَنِ النَّخْعِ يَقُولُ: يَقْطَعُ مَا دُونَ الْعَظْمِ، ثُمَّ يَدَع حَتَّى تَمُوتَ. (باب النَّحر والذَّبح) قوله: (إلا في المَذْبح والمَنْحر) لفٌّ ونشرٌ على الترتيب، والذَّبحُ: في الحلق، والنَّحرُ: في اللَّبَّة.

25 - وقول الله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}

(ما يُذبَح)؛ أي: من شأنه أن يُذبَح كالشاة يجوزُ نحرُها، قال تعالى: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]؛ إذ البقرُ مذبوحٌ، والأصلُ الحقيقةُ، وجاز نحرُه اتفاقًا، وأيضًا فذَبحُ المنحورِ جائزٌ إجماعًا، فكذلك نحرُ المذبوح. قال (ن): (ما أَنهرَ الدمَ) فيه دليلٌ على جواز ذبح المَنحُور، وجوَّزَه العلماءُ إلا داودَ، وقال مالك في بعض الروايات عنه بإباحة ذبح المنحور دونَ نحر المذبوح، وأجمعوا أن السُّنَّةَ في الإبل النحرُ، وفي الغنم الذبحُ، والبقر كالغنم عند الجمهور، وقيل: يُتخيَّر بين ذبحها ونحرها. (الأَوْداج) جمع: وَدجَ بواو ومهملة وبجيم: عِرقٌ في العنق، وهما وَدَجان. (النخاع) بفتح النون وضمِّها وكسرها: خيطٌ أبيضُ يكون داخلَ عظم الرقبة ممتدٌّ إلى الصلب، حتى يَبلغَ عَجْبَ الذَّنَب. (لا إخال) بفتح الهمزة وكسرها؛ وهو أفصحُ، أي: لا أظنُّ. (النَّخْع) بسكون المعجمة: أن يُعجِّلَ الذبحَ فيَبلغَ القطعُ في النخاع. * * * 25 - وَقَوْلُ الله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}، وَقَالَ: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفعَلُون) وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ: إِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ فَلَا بَأْسَ. (باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة: 67]) قوله: (واللَّبَّة) بفتح اللام: فوقَ الصدر وحوالَيه، قيل: الذَّبحُ هو في الحلق، والنَّحرُ هو في اللَّبَّة، والتذكيةُ شاملةٌ لهما، وقال (ش): بكسر اللام: موضعُ القلادةِ من الصدر. * * * 5510 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ امْرَأَتِي، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ. 5511 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، سَمِعَ عَبْدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ، فَأَكَلْنَاهُ. الحديث الأول، والثاني: (تابعه وكيع) وصلَه أحمد ومسلم. (وابن عُيَينة) موصولٌ فيما بعد. * * *

25 / م- باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة

5512 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ. تَابَعَهُ وَكِيعٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ فِي النَّحْرِ. الثالث: (ثنا إسحاق) قال الكَلاَبَاذِي: لعله ابنُ رَاهوَيْه، وقصدَ البخاريُّ أن الفَرَسَ أُطلقَ فيه الذبحُ مرةً، والنحرُ أخرى؛ فإما أنها مرةً ذَبَحُوها ومرةً نَحَرُوها، وإما أن أحدَ اللفظَينِ مجازٌ؛ والأولُ هو الصحيحُ المعمولُ عليه؛ إذ لا يُعدَل إلى المجاز إلا إذا تعذَّرت الحقيقةُ، ولا تعذُّرَ هنا. * * * 25 / -م - بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمُثْلَةِ وَالْمَصْبُورَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ (باب مَا يُكْرَهُ مِن المُثْلَة) بضم الميم، يُقال: مَثَلَ بالحيوان يَمْثُلُ مَثْلًا كقَتَلَ يَقتُلُ قَتْلًا: إذا قطعَ أطرافَه أو أنفَه أو أُذنَه ونحوه، فالاسم: المُثْلَة. (والمَصْبُورَة) هي الدابةُ التي تُحبَس وتُقتَل بالرمي ونحوه.

(والمُجَثَّمَة) هي التي تُجَثَّم ثم تُرمَى حتى تُقتَلَ، وقيل: إنها في الطيرِ خاصةً والأرنبِ وأشباهِ ذلك. قال (خ): المُجَثَّمة هي المَصْبُورَة بعينها، وقال: بين المُجَثَّمَة والجاثمة فرقٌ؛ لأن الجاثمةَ: هي التي جثمَتْ بنفسها، فإذا صِيدَتْ على تلك الحالة لم تَحرُمْ، والمُجَثَّمَةُ: التي رُبِطَتْ وحُبِسَتْ قهرًا. * * * 5513 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَنسٍ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ، فَرَأَى غِلْمَانًا، أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَقَالَ أَنسٌ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ. الحديث الأول: (تُصبَر)؛ أي: تُحبَس حيةً لتُقتَلَ بالرمي، وذلك لأنه تعذيبٌ للحيوان وتضييعٌ للمال. * * * 5514 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَغُلاَمٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلاَمِ مَعَهُ، فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلاَمَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى

أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ. الثاني: (الطير) هذا لغةٌ قليلةٌ في إطلاق الطير على الواحد، والمشهورُ أن الواحدَ: طائر، والجمعَ: طَير. * * * 5515 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ، أَوْ بِنَفَرٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونها، فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا. 5515 / -م - تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ. وَقَالَ عَدِيٌّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (لَعَنَ) إنما لعنَه لأنه ظالِمٌ. (تابعه سليمان) وصلَه البَيْهَقي. (وقال عَدِيُّ) وصلَه مسلم، والبخاري في "تاريخه"، وأبو نُعيم في "المستخرج". * * *

26 - باب الدجاج

5516 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ: عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ نهى عَنِ النُّهْبة وَالْمُثْلَةِ. الرابع: (النُّهْبَى) بضم النون وإسكان الهاء مقصور: النَّهب والمنهوب، والمراد هنا: أخذُ مالِ المسلمِ قهرًا ظلمًا، أو المالُ المشتركُ بين المسلمين، أما نهبُ أموال الكفار فجائزٌ. * * * 26 - بابُ الدَّجَاجِ (باب الدَّجَاج) 5517 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى -يَعْنِي: الأَشْعَرِيَّ- رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ دَجَاجًا. الحديث الأول: (ثنا يحيى) إما ابن موسى، وإما ابن جعفر. * * *

5518 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ؛ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أَحْمَرُ، فَلمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ: ادْنُ؛ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ مِنْهُ. قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ أَكَلَ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لا آكُلَهُ، فَقَالَ: ادْنُ أُخْبِرْكَ -أَوْ أُحَدِّثْكَ- إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، وَهْوَ يَقْسِمُ نَعَمًا مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، قَالَ: "مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ"، ثُمَّ أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبٍ مِنْ إِبِلٍ فَقَالَ: "أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ؟ أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ؟ "، قَالَ: فَأَعْطَانَا خَمْسَ ذَوْدٍ غُرَّ الذُّرَى، فَلَبِثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: نَسِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، فَوَاللهِ! لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا، فَرَجَعْنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا اسْتَحْمَلْنَاكَ، فَحَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا فَظَننَّا أنَّكَ نَسِيتَ يَمِينَكَ. فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ هُوَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا". الثاني: (الحَيِّ) مجرورٌ على الصفة لاسم الإشارة أو عطفُ بيانِ، وأَغرَبَ السَّفَاقُسِيُّ فأَوردَ اللفظ: (وكان بيننا وبين هذا الحَيِّ)، ثم قال: يُقرأ

27 - باب لحوم الخيل

(الحيِّ) بالخفض على البدل من الضمير الذي في (بينه)، وهو ضمير قبل الذكر. (إخاء)؛ أي: مؤاخاة، مصدر: آخَى. قال الجَوهري: و: واخَاه لغةٌ ضعيفةٌ في آخَاه، وفي رواية للبخاري في (الإيمان): (ودٌّ وإخاءٌ)، وفي أخرى: (إخاءٌ ومعروفٌ). (فقَذِرتُه) بفتح المعجمة وكسرها: كرهتُه، فإن قيل: الجَلَّالةُ مكروهةٌ فلِمَ بالَغَ معه في الأكل؟ قيل: الجَلَّالةُ هي التي غالبُ أكلِها الجِلَّة، أي: العَذِرَة، لا مَن تأكلُها على سبيل النُّدور، وقد تكون تلك الدجاجةُ من هذا النوع. (فاستَحمَلْنَاه)؛ أي: طلَبْنا منه أن يحملَنا، وسبق شرحُ الحديث في (الجهاد)، وفي (المغازي) في (باب قدوم الأشعريين). * * * 27 - بابُ لُحُومِ الْخَيْلِ (باب لُحُومِ الخَيْل) 5519 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثنَا سُفْيَانُ، حَدَّثنا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَكَلْنَاهُ. 5520 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو

28 - باب لحوم الحمر الإنسية

ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهم -، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. الحديث الأول، والثاني: سبق شرحُهما قريبًا. قال الشافعي وأحمد بإباحة لحم الخيل، وأبو حنيفة بمنعه. * * * 28 - بابُ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسيةِ فِيهِ عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب لُحُوم الحُمُر الإنْسية) بكسر الهمزة وسكون النون وفتحهما. (فيه سَلَمة) موصولٌ في (غزوة خَيْبر). * * * 5521 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَالِمٍ، وَنَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ.

5522 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. تَابَعَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَالِمٍ. الحديث الأول، والثاني: سبق مضمونُهما مراتٍ. (تابعه ابن المبارك) موصولٌ في (غزوة خَيْبر). (وقال أبو أسامة) موصولٌ في (غزوة خيبر) كذلك. * * * 5523 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنهم - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُتْعَةِ عَامَ خَيْبَرَ وَلُحُومِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. 5524 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. 5525 - و 5526 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيٌّ، عَنِ الْبَرَاءِ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهم - قَالَا: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ.

الثالث، والرابع، والخامس: واضحاتٌ. * * * 5527 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَعُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَالْمَاجِشُونُ وَيُونُسُ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. السادس: (إسحاق) قال الغساني: إما ابنُ رَاهوَيْه، وإما ابنُ منصور. (حُمُر الأهلية) من إضافة الموصوف إلى الصفة، وفي بعضها: (الحُمُر الأهلية). (تابعه الزُّبَيْدِي) وصلَه النَّسَائي. (وعُقيل) وصلَه أحمد. (وقال مالك) موصولٌ بعدُ بقليلٍ. (ومَعْمَر) وصلَه مسلم والحسن بن سفيان. (والمَاجِشُون) وصلَه مسلم. (ويُونسُ) وصلَه أبو نُعيم في "المستخرج"، وسيأتي في (الطِّبِّ).

(وابن إسحاق) وصلَه إسحاق بن رَاهْوَيْه في "مسنده". * * * 5528 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ، ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ، ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: "إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ"، فَأُكفِئَتِ الْقُدُورُ، وَإِنَّهَا لتفُورُ بِاللَّحْمِ. السابع: (ينهاكم) هو كقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]، وفي بعضها: (يَنهَيَانكم) مُثنى. (فأُكْفِئت) من: الإكفاء، وهو القلب، والحديثُ حُجَّةٌ على مالك؛ حيث جوَّزَ أكلَ لحمِ الحُمُر. * * * 5529 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْروٌ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زيدٍ: يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ حُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَاكَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عِنْدَنَا بِالْبَصْرَةِ، وَلَكِنْ أَبَى ذَاكَ الْبَحْرُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَرَأَ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}.

29 - باب أكل كل ذي ناب من السباع

الثامن: في معنى ما سبق. * * * 29 - بابُ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابِ مِنَ السِّبَاعِ (باب أكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ) 5530 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْمَاجِشُونُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (تابعه مَعْمَر ويُونسُ) إلى آخره، سبق بيانُه قريبًا. (عن الزُّهْرِي) متعلق بالأربعة؛ إذ كلُّهم رَوَوه عنه. * * * 30 - بابُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ (باب جُلُودِ المَيْتَة) 5531 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،

حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ: "هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا"، قَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ، قَالَ: "إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا". الحديث الأول: (بِإِهَابِهَا)؛ أي: جلدها. قال (خ): قد يَحتَجُّ به مَن لا يرَى الدِّباغَ مُطهِّرًا لجلدِ غيرِ المأكول؛ لأن الحديثَ جاء في إهابِ الشاةِ، وهي مأكولٌ، قالوا: الدِّباغُ لا يزيد في التطهير على الذَّكاة، لكنه يخلفها، والذَّكاةُ لا تُطهِّرُ غيرَ المأكول؛ فالدِّباغُ الذي تخلفه أَولَى بأن لا يُطهِّرَه، ومَن أَطلقَ الحكمَ فيه نَظَرَ إلى علة المنفعة، فقال: لمَّا كان جميعُ أنواع الحيوان الطاهر الذات مُنتفَعًا به قبلَ الموت كان الدِّباغُ شاملًا بالتطهير، وقائمًا مقامَ الحياة فيه. * * * 5532 - حَدَّثَنَا خَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلاَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَنْزٍ مَيْتَةٍ، فَقَالَ: "مَا عَلَى أَهْلِهَا لَوِ انتفَعُوا بِإِهَابِهَا".

31 - باب المسك

الثاني: (حِمْيَر) بكسر المهملة وسكون الميم وفتح الياء. قال الغساني: في بعض النسخ: (حُمَير) بضم المهملة وفتح الميم؛ وهو تصحيفٌ. (ما على أهلها)؛ أي: ليس على أهلها حرجٌ. * * * 31 - بابُ الْمِسْكِ (باب المِسْك) 5533 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي اللهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ". الحديث الأول: (يُكْلَم)؛ أي: يُجرَح في سبيل الله. (يَدْمَى) من باب: رَضِيَ يَرضَى، ووجه دخول هذا الباب هنا: أن المِسْكَ فَضلَةُ الظَّبْيِ، وهو مما يُصَادُ. * * *

5534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجدَ رِيحًا خَبِيثَةً". الثاني: (الجليس الصالح) في بعضها: (جليس الصالح)، بإضافة الموصوف إلى صفته. (الكِيْر) للحداد: معروف. (يُحذِيك) من الإحذاء بمهملة ثم معجمة: الإعطاء، يقال: أَحذَيتُ الرجلَ: أَعطَيتُه الشيءَ وأَلحقتُه به. وفيه: مَدْحُ المِسْك المُستلزم لطهارته، ومدحُ الصحابة؛ حيث كان جليسُهم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى قيل: ليس للصحابة فضيلةٌ أفضلُ من فضيلة الصُّحبة، ولهذا يُقال لهم: الصحابةُ، دونَ بقية أوصافهم الجميلة: عُلَماء وكُرَماء وشُجَعاء، إلى غير ذلك. * * *

32 - باب الأرنب

32 - بابُ الأَرْنَبِ (باب الأَرْنَبِ) 5535 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأَخَذْتُهَا فَجئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا، فَبَعَثَ بِوَرِكيْهَا -أَوْ قَالَ: بِفَخِذَيْهَا- إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَبِلَهَا. (أَنْفَجْنا) بالفاء والجيم: وهو التهيج والإثارة، وسبق ضبطُ ما فيه قريبًا. * * * 33 - بابُ الضَّبِّ (باب الضَّبِّ) 5536 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ". 5537 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

34 - باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ مَيْمُونةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ. فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللهِ! فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: "لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ"، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ. الحديث الأول، والثاني: (مَحْنُوذ)؛ أي: مَشوي. (فأَهوَى): أمالَ يدَه ليَأخذَه. (أَجِدُني)؛ أي: أجدُ نفسي أكرهُه، وسبق الحديثُ قريبًا. * * * 34 - بابٌ إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ أَوِ الذَّائِبِ (باب إذا وَقَعَت الفَأْرَة في السَّمْن) 5538 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُهُ، عَنْ مَيْمُونة: أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهَا،

فَقَالَ: "ألْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ". قِيلَ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ مَعْمَرًا يُحَدِّثُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ إِلَّا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مِرَارًا. الحديث الأول: (وكُلُوا)؛ أي: السَّمْنَ الباقي. * * * 5539 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الدَّابَّةِ تَمُوتُ فِي الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَهْوَ جَامِدٌ أَوْ غَيْرُ جَامِدٍ؛ الْفَأْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِفَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي سَمْنٍ، فَأَمَرَ بِمَا قَرُبَ مِنْهَا فَطُرِحَ ثُمَّ أُكِلَ، عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. الثاني: (عن الدابة)؛ أي: عن حكمها، أي: هل تُنجس الكلَّ أم لا؟ (الفَأْرَة) بالجر: بدل أو بيان للدابة، وفي بعضها بالرفع. (عن حديث عبيد الله)؛ أي: بلَغَنا عن حديثه، ولا يَلزَمُ من ذلك إرسالٌ ولا وقفٌ؛ لأنه صرَّح بالإسناد والرفع أولًا وآخرًا، ووجهُ

35 - باب الوسم والعلم في الصورة

مطابقته للترجمة مع أنه لا يُتصوَّر إلقاءُ ما حولَه إلا في الجامد؛ إذ الذائبُ لا حولَ له، أو الكلُّ حولَه: أنه عُلِمَ منه منطوقًا أنه إذا كان جامدًا يُلقَى ما حولَه ويُؤكَلُ الباقي، ومفهومًا أنه إذا كان ذائبًا لا يكون كذلك، بل يتنجَّس الكلُّ. * * * 5540 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ - رضي الله عنهم - قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: "أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكلُوهُ". الثالث: في معنى ما قبلَه. * * * 35 - بابُ الْوَسْمِ وَالْعَلَمِ فِي الصُّورَةِ (باب العَلَم) بفتحتين، أي: العلامة. (والوَشم) بمهملة على الأصح، وفي بعضها بمعجمة، وفرَّق بعضُهم فقال: بالمهملة: في الوجه، وبالمعجمة: في سائر البدن، يقال: أَوسَمَه: إذا أثَّر فيه بعلامةٍ وكَيَّةٍ.

(في الصورة) قيل: أي: الوجه. * * * 5541 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعْلَمَ الصُّورَةُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَهَى النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُضْرَبَ. تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا الْعَنْقَزِيُّ، عَنْ حَنظلةَ، وَقَاَل: تُضْرَبُ الصُّورَةُ. الحديث الأول: (تُعْلَم)؛ أي: تُجعَل علامةٌ على الوجه، كما يُعمَل بسُودانِ الحَبَشةِ، وكما تُغرَز الإبرةُ في الشَّفة ونحوه. (تُضرَب)؛ أي: الصور، يعني: الوجوه، ويُوضِّحه الطريقُ الذي بعدَه. * * * 5542 - حَدَثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ، وَهْوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ، فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً، حَسِبْتُهُ قَالَ: فِي آذَانِهَا. الثاني: (بأخٍ لي) هو عبد الله بن أبي طلحة، وهو أخوه من أُمِّه.

36 - باب إذا أصاب قوم غنيمة، فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابهم، لم تؤكل لحديث رافع، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

(يُحنِّكُه) يَدلُكُ في حنكِه تمرةً ممضوغةً ونحوها. (مِرْبَد) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة وبمهملة: الموضعُ الذي تُحبَس فيه الإبلُ كالحظيرة للغنم؛ فإطلاقُه هنا لموضع الغنم مجازٌ أو حقيقةٌ بأن أُدخِلَ الغنمُ مِرْبَدَ الإبل، وفيه: جوازُ الوسم في غير الآدمي، وبيانُ ما كان النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عليه من التواضع، وفعلُ الأشغال بيده، ونظرُه في مصالح المسلمين، واستحبابُ تحنيكِ المولود وحملِه إلى أهل الصلاح؛ ليكونَ أولُ ما يَدخلُ جوفَه رِيقُ الصالحين. قال (ن): الضربُ في الوجه مَنهيٌّ عنه في كلِّ حيوانٍ محترمٍ؛ لكنه في الآدمي أشدُّ لأنه يَجمع المَحاسنَ، وربما شانَه أو آذَى بعضَ الحواس، وأما الوَسمُ في الوجه ففي الآدمي حرامٌ، وفي غيره مكروهٌ، والوَسمُ: هو أثرُ الكَيِّ، والسِّمَةُ: العلامةُ، والوَسمُ في نحو نَعَمِ الصدقة في غير الوجه مُستحَبٌّ، وقال أبو حنيفة: مكروهٌ، لأنه تعذيبٌ ومُثْلةٌ، وقد نُهي عنه، وأُجيب بأن عمومَ النهي خُصَّ بهذا، فوجب تقديمُه. * * * 36 - بابٌ إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ غَنِيمَةً، فَذَبَحَ بَعْضُهُمْ غَنَمًا أَوْ إِبِلًا بغَيْرِ أَمْرِ أَصْحَابِهِمْ، لَمْ تُؤْكَلْ لِحَدِيثِ رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ طَاوُسٌ، وَعِكْرِمَةُ فِي ذَبِيحَةِ السَّارِقِ اطْرَحُوهُ.

(باب إذا أصَابَ القومُ غَنِيْمَةً) قوله: (بحديث رافع)؛ أي: الآتي عَقيبَه. (اطرَحُوه)؛ أي: لا تأكُلُوه؛ فإنه حرامٌ، ولعل مذهبَهما أن ذبحَ غيرِ مَن له ولايةُ الذبح شرعًا بالمُلكية والوكالة ونحوهما غيرُ مُعتبَرٍ. 5543 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيج، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّنَا نلقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلَا ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ"، وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَأَصَابُوا مِنَ الْغَنَائِمِ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي آخِرِ النَّاسِ، فَنَصَبُوا قُدُورًا، فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ، وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ، ثُمَّ نَدَّ بَعِيرٌ مِنْ أَوَائِلِ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللهُ، فَقَالَ: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِم أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا، فَافْعَلُوا مِثْلَ هَذَا". (عن أبيه، عن جدِّه) كذا رواه أبو الأحوص، والروايةُ المتقدمةُ والمتأخرةُ: (عن جدِّه) بدون ذكر الأب. قال الغساني: لم يقلْ ذلك أحدٌ غيرُ أبي الأحوص، وسائرُ الرُّواة إنما يَروُونه عن عَبَاية، عن جدِّه، فقيل: إن أبا الأحوص أخطَأَ في ذلك.

37 - باب إذا ند بعير لقوم، فرماه بعضهم بسهم فقتله، فأراد إصلاحهم فهو جائز؛ لخبر رافع، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

(نَهَرَ) كذا للأصِيلي، والصواب: أَنهَرَ، أي: أَسالَ، يقال: نَهَرَ: جرَى، وأَنْهَرتُه: أَجرَيتُه. (سَرَعان) رُوي مُثلَّثَ المهملة، وقال الجَوهري: سَرَعانُ الناسِ أوائلُهم. وسبق أنَّ سببَ ذكر ملاقاة العدو هنا: خشيةُ كَلالِ السيوف لو ذبحوا بها عن قتال العدوِّ بها، وأمرَهم بالإكفاءِ، أي: القَلبِ تغليظًا عليهم حيث تركوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (في أُخريات الناس) في مَعرِض قصدِ القُصَّاد ونحوه، أو لأنهم دخلوا دارَ الإسلام، وإنما يُبَاحُ التبسُّط في دار الحرب. لا يُقال: فيه إضاعةُ المال؛ لاحتمال أن اللحمَ لم يَضِعْ، وربما قسَمُوه أو باعوه أو أضافوه إلى مال الغنيمة. (وعَدَلَ بعيرًا بعشرِ شِيَاهٍ)؛ أي: باعتبار قيمة الوقت. * * * 37 - بابٌ إِذَا نَدَّ بَعِيرٌ لِقَوْمٍ، فَرَمَاهُ بَعْضُهُمْ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَأَرَادَ إِصْلَاحَهُمْ فَهْوَ جَائِزٌ؛ لِخَبَرِ رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب إذا نَدَّ بعيرٌ) 5544 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ

38 - باب أكل المضطر

سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنَ الإبِلِ، قَالَ: فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ لَهَا أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نَكُونُ في الْمَغَازِي وَالأَسْفَارِ، فَنُرِيدُ أَنْ نَذْبَحَ، فَلَا تَكُونُ مُدًى؟ قَالَ: "أَرِنْ مَا نَهَرَ، أَوْ أَنْهَر الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ، غَيْرَ السِّنِّ وَالظُّفُرِ، فَإِنَّ السِّنَّ عَظْمٌ، وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشَةِ". (هكذا)؛ أي: الحبسُ بالسهم ونحوه، أي: فالإنسيُّ إذا توحَّش يكونُ كالصيد، جميعُ أجزائه مَذبَحٌ. (أَرِنْ) سبق الكلامُ عليه قريبًا في (باب الشركة) أيضًا. * * * 38 - بابُ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، وَقَالَ {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} , وَقوْلُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا

مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}، {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وَقَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (باب أكْلِ المُضْطَرِّ) قوله: (مُهَراقًا) بضم الميم وفتح الهاء وسكونها, ولم يَذكرْ في الترجمة: حدثنا؛ إشارةً إلى أنه لم يجدْ فيه ما هو بشرطه. * * *

73 - كتاب الأضاحي

73 - كتاب الأضاحي

1 - باب سنة الأضحية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 73 - كتاب الأضاحي (كتاب الأضاحي) بتشديد الياء وتخفيفها، جمع: أُضْحِية بكسر الهمزة وضمها، والضحايا بمعناه، جمع: ضَحِيَّة، وكذلك الأضحى جمع: أضحاة، ففيها أربعُ لغات، وهي ما يُذبَح يومَ العيد تقرُّبًا إلى الله تعالى؛ وسُميت بذلك لأنها تُفعَل في الضُّحَى، وهو ارتفاعُ النهار، والأضحى يُذكَّر ويُؤنَّث لغتان. 1 - بابُ سُنَّة الأضحيةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هِيَ سُنَّة وَمَعْرُوفٌ. (باب الأُضحِيةُ سُنَّةٌ) أي: على الكفاية لكلِّ أهلِ بيتٍ، وقالت الحنفية: واجبةٌ على المُوسِر المُقيم، والمالكية على المُسافر والمُقيم كليهما.

5545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ زُبَيْدٍ الإيَامِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نبدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هَذَا نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيْء"، فَقَامَ أَبو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً، فَقَالَ: "اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". قَالَ مُطَرِّفٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ". الحديث الأول: (نُصلِّي) هو مثل: تَسمع بالمُعيدي، في تقدير (أن) أو تأويله مصدرًا. (قَبْل)؛ أي: قبلَ مضي وقت الصلاة. (النُّسك)؛ أي: العبادة، أي: لا ثوابَ فيها؛ بل هي لحمٌ يُنتفَع به. (جَذَعَة) أي: معز؛ إذ جَذَعةُ الضأن تُجزئ مُطلقًا ولا تختصُّ به، وهي الطاعنةُ في السَّنة الثانية، وأما المعزُ فلا تصلحُ للتضحية حتى تَطعنَ في السَّنة الثالثة، وهي الثَّنِيُّ. (ولن تَجزِي) بالفتح، من: جزَى يَجزِي، أي: لن تكفيَ، كقوله تعالى: {وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي} الآية [لقمان: 33].

قال (خ): معناه: تقتضي، أي: أنها لا تقضي الواجبَ عن أحدٍ بعدَك، فأمَّا: أجزأني الشيءُ مهموزًا فمِن: كَفَاني. وقال (ن): تَجزي بالفتح هو الرواية, وحُكي قيس الاتفاقُ، لكن صاحب "الصِّحاح" حكَى عن بني تميم: أَجزَأَتْ عنك شاةٌ بالهمز، وعلى هذه اللغة فيجوز في الحديث الضمُّ. وقال الزمخشري في "الأساس": تقول بنو تميم: البقرةُ تُجزئ عن سبعة، وأهلُ الحجاز: تَجزي، وبهما قُرئ: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] وسبق الحديثُ في (العيد)، وهذا من خصائص أبي بُردةَ. (قال مُطرِّف) هو ابن طريف. (عن عامر) هو الشَّعْبي، وهو موصولٌ في (العيدين). * * * 5546 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ". الثاني: (مَن ذَبحَ قبلَ الصلاة) اختُلف في وقت الأُضحية؛ فعند الشافعي: بعد مضي قَدْرِ صلاةِ العيدِ وخُطبتِها من طلوع الشمس يومَ النحر، سواء

2 - باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس

صلَّى أم لا، مقيمًا بالأمصار أم لا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (مَن ذَبحَ بعدَ الصلاة)، وهذا أعمُّ من صلاة الإِمام وغيره، ولا يُشترَط فعلُ الصلاة اتفاقًا، فدلَّ على أن المرادَ بها وقتُها، وعند الحنفيَّة: وفيها في حقِّ أهل الأمصار بعدَ صلاة الإِمام وخُطبتِه، وفي حقِّ غيرهم بعدَ طلوع الفجر، وعند المالكية: بعدَ فراغ الإِمام من الصلاة والخُطبة والذبح، وعند الحنابلة: لا تجوز قبلَ صلاة الإِمام، وتجوز بعدَها قبلَ ذبحه. وأمَّا آخرُ وقتِها فعند الشافعي: آخرُ أيام التشريق، وعند الأئمة الثلاثة: آخرُ اليوم الثاني بعدَ العيد. * * * 2 - بابُ قِسْمةِ الإِمَامِ الأَضَاحِيَّ بَيْنَ النَّاسِ (باب قِسْمَة الإمامِ الأضاحيَ بين الناس) 5547 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ بَعْجَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! صَارَتْ جَذَعَةٌ، قَالَ: "ضَحِّ بِهَا". (عن يحيى) هو ابن أبي كثير. (عن بَعْجَة) بفتح الموحدة وإسكان المهملة وبالجيم: هو ابن

3 - باب الأضحية للمسافر والنساء

عبد الله بن بدر الجُهَني. (صارت)؛ أي: حصلَتْ لي جَذَعةٌ، ولفظُه أعمُّ مِن أن يكونَ من المعز، لكنْ قال البَيْهَقي وغيره: كانت هذه رخصةً لعقبةَ، كما أن مثلَها رخصةٌ لأبي بُردةَ. * * * 3 - بابُ الأضْحِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ (باب الأُضحيَة للمسافر) 5548 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَحَاضَتْ بِسَرِفَ، قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ وَهْيَ تَبْكِي، فَقَالَ: "مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟ "، قَالَتْ: نعمْ، قَالَ: "إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمٍ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غير أَنْ لَا تَطُوفي بِالْبَيْتِ"، فَلَمَّا كنَّا بِمِنى أُتِيتُ بِلَحْم بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبقَرِ. (بِسَرِف) بمهملة وكسر الراء: موضعٌ، يَنصرف ولا يَنصرف. (أنُفِسْتِ) مبني للمفعول، أي: حِضْتِ، كذا قيَّده الأَصِيلي وغيره، وقال بعضُهم: لا يُقال في الحَيض إلا بالفتح، وأما في الولادة

4 - باب ما يشتهى من اللحم يوم النحر

فيُفتَح ويُضمُّ، سبق أولَ (الحيض)، لكن قولَه: (ضحَّى) قيل: المرادُ به ذبحُها ضحًى، لا أنها أُضحية، فلا يطابق الترجمة؛ لأن الحاجَّ لا أُضحيَةَ عليه، وإنما مِنًى موضعُ هدايا. * * * 4 - بابُ مَا يُشْتَهَى مِنَ اللحمِ يَوْمَ النَّحْرِ (باب ما يُشتَهى من اللحم يومَ النَّحر) 5549 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ"، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ -وَذَكَرَ جِيرَانه- وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْم، فَرَخَّصَ لَهُ في ذَلِكَ، فَلَا أَدْرِي بَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا؟ ثُمَّ انْكَفَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى كبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا، وَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فتَوَزَّعُوهَا، أَوْ قَالَ: فتَجَزَّعُوهَا. (فقام رجل) هو أبو بُردةَ بنُ نِيَار، واسمه: هانئ. (وذَكرَ جيرانهَ)؛ أي: احتياجَ الجيرانِ وفقرَهم، كأنه يريد به عذرَه في تقديم الذبح على الصلاة. (انْكَفَأ) بالهمز، أي: مالَ وانعطفَ.

5 - باب من قال: الأضحى يوم النحر

(غُنَيمة) تصغير: غَنَم. (فتَجَزَّعُوهَا)؛ أي: قسَّمُوها حِصَصًا وتوزَّعُوها قِطَعًا، والجَزْع بالجيم والزاي: القطع. * * * 5 - بابُ مَنْ قَالَ: الأَضحى يَوْمَ النَّحْرِ (باب مَنْ قَالَ: الأضْحَى يَوْمُ النَّحْر) 5550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أليْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أليْسَ الْبَلْدَةَ؟ "، قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- عَلَيْكُمْ حَرَامٌ؛

6 - باب الأضحى والمنحر بالمصلى

كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْألكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ" وَكَانَ مُحَمَّد إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". (الزمان) يُطلَق على الوقت مُطلَقًا، والمراد به هنا: السَّنَة. (ثلاث) كأن القياس ثلاثة؛ لكن لمَّا حُذف المُميَّزُ جازَ الوجهانِ التذكيرُ والتأنيثُ. (البلدة)؛ أي: أشرف البلاد، وهي مكةُ، وإنما قدَّم السؤالَ عن ذلك تذكارًا للحُرمة وتقريرًا لِمَا يذكرُه، وسبق الحديثُ في (العلم) و (المغازي) و (حَجَّة الوداع) وغيرها. * * * 6 - بابُ الأَضحى وَالْمَنْحَرِ بِالْمُصَلى (باب الأَضحَى والمَنْحَر بالمُصلَّى) 5551 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كانَ عَبْدُ اللهِ يَنْحَرُ في الْمَنْحَرِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: يَعْنِي: مَنْحَرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

7 - باب في أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين

5552 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى. وجهُ دلالة الحديثين على الترجمة: أنه لمَّا كان من المعلوم أن مَنحرَه - صلى الله عليه وسلم - كان بالمُصلَّى عُلِمَ منه الترجمةُ بجزأَيها. * * * 7 - بابٌ في أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ويُذْكَرُ سَمِينَيْنِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ قَالَ: كنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ. (باب ضَحِيّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بكَبشَينِ أقرَنيَنِ) أي: صاحبَي قرنٍ كبيرٍ. (ويذكر سمينَين) وصلَه أبو عَوانة في "صحيحه" من حديث أنس، وأحمد من حديث أبي رافع. (وكان المسلمون يُسمِّنُون) ردًّا لقول بعض المالكية: يُكرَه التسمينُ؛ لئلَّا يُتشبَّه باليهود. * * *

5553 - حَدَّثَنَا آَدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ. 5554 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْكَفأ إِلَى كبْشَيْنِ أَقْرَنينِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. تَابَعَهُ وُهَيْبٌ، عَنْ أيُّوبَ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ، وَحَاتِمُ بْنُ وَرْدانَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسٍ. الحديث الأول، والثاني. (أَملَحَينِ) الأملح: الأبيض الذي يخالطه سوادٌ، وفيه: استحبابُ التكثير من الضحايا، والتضحيةُ بيده. (تابعه وُهَيب) وصلَه الإسماعيلي. (وقال إسماعيل) هو ابن عُلَيَّة، موصولٌ بعدُ بقليلٍ. (وحاتم) وصلَه مسلم. * * * 5555 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ عَامِر - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا

8 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة: ضح بالجذع من المعز، ولن تجزي عن أحد بعدك

عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ضَحِّ أَنْتَ بِهِ". الثالث: (عَتُود) بضم المثناة: من ولد المعز خاصة، وجمعه: أَعتِدَة. * * * 8 - بابُ قَوْل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي بُرْدَةَ: ضَحِّ بِالْجَذَعِ مِنَ الْمَعَزِ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ (باب قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بُردةَ) 5556 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ ابْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي، يُقَالُ لَهُ: أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ" , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنَ الْمَعَزِ، قَالَ: "اذْبَحْهَا وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ"، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ". تَابَعَهُ عُبَيْدَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وإِبْرَاهِيمَ. وَتَابَعَهُ وَكِيعٌ، عَنْ حُرَيْثٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.

وَقَالَ عَاصِمٌ وَدَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ. وَقَالَ زُبَيْدٌ وَفِرَاسٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: عِنْدِي جَذَعَةٌ. وَقَالَ أَبُو الأَحْوَصِ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ: عَنَاقٌ جَذَعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنَاقٌ جَذَعٌ، عَنَاقُ لَبَنٍ. (داجنًا) هي الشاةُ التي أَلِفَتِ البيوتَ واستَأنسَتْ، قيل: وإنما لم يقل: داجِنَة؛ لأن الشاةَ مما يفرق من الجنس، وواحده بالتاء، فتأنيثُه وتذكيرُه يَظهر بالوصف، وأُجيب: بأن هذا التقديرَ لا يصحُّ هنا؛ لأن الجَذَعةَ للمؤنث، فيَلزَمُ أن يكونَ مذكرًا مؤنثًا، فالأَولى أن يُقال: الداجن، صار اسمًا للآلف في البيت، واضمحل معنى الوصفية عنه، فاستوى المُذكَّرُ والمُؤنَّثُ. (وتابعه وَكيع) وصلَه أبو الشيخ في كتاب "الأضاحي" له. (وقال عاصم) وصلَه أبو عَوانة في "صحيحه". (وداود) وصلَه أحمد ومسلم، وهو موصولٌ أيضًا في "مسند الحارث". (وقال زيد) موصولٌ بعدُ بقليلٍ. (وفراس) موصولٌ بعدُ بثلاثة أبواب. (وقال أبو الأحْوَص) موصولٌ في (العيدين). (وقال ابن عون) موصولٌ في (الأيمان والنذور). قال (ك): قال أولًا وثانيًا: تابَعَه؛ لأن القولَ إنما يُستعمَل إذا

كان على وجه المُذاكَرة، وأما المُتابَعَةُ فعندَ النقل والتحمُّل. (عَنَاق) هي الأُنثى من المعز، خلافًا لزعم الداودي أنها أعمُّ من الذَّكَر والأنثى، وأن قولَه: (لبَن) هو الذي خصَّص العمومَ بكونها أُنثى، وهو عجيبٌ، فإن معنى (لبَن)، أي: تَرضَع أُمَّها، وإلا لَكانت ثَنِيَّةً أو فوقَها لو أُريد ذاتَ لبَنٍ. * * * 5557 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْدِلْهَا"، قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا جَذَعَةٌ، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ: "اجْعَلْهَا مَكَانَهَا، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". الثاني: (فقال: ليس عندي إلا جَذَعة) اختلفت الرواياتُ في التعبير عن ذلك؛ ففي رواية: (عَنَاق)، وفي رواية: (جَذَعة)، ورواية جمع بينهما لا يؤثر؛ لأن المرادَ من الكل واحدٌ، وكذلك في رواية: (جَذَعة) بالتاء، وفي أخرى: (جَذَع) بلا تاء، لا تنافِيَ بينهما؛ لأن التاءَ في (جَذَعة) للوحدة، والمراد بالجَذَع: الجنس.

9 - باب من ذبح الأضاحي بيده

(مُسِنَّة) هي الثنِيَّة، وهو معنى كونها خيرًا منها بحسب الثمن والنَّفَاسة. * * * 5557 / -م - وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: عَنَاقٌ جَذَعَةٌ. (وقال حاتم) تقدَّم وصلُه قريبًا. * * * 9 - بابُ مَنْ ذَبَحَ الأَضَاحِيَّ بِيَدِهِ (باب مَن ذبحَ الأضاحيَ بيده) 5558 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. (صِفَاحهما) جمع: صَفْحَة، وصَفْحَةُ كلِّ شيءٍ: جانبُه. * * *

10 - باب من ذبح ضحية غيره

10 - بابُ مَنْ ذَبَحَ ضَحِيَّةَ غَيْرِه وَأَعَانَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ في بَدَنَتِهِ، وَأَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ. (باب مَن ذَبحَ ضَحيَّةَ غيرِه) قوله: (في بَدَنته)؛ أي: في تضحية بَدَنته. * * * 5559 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: "مَا لَكِ، أَنَفِسْتِ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ"، وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ. (اقضِي) ليس القضاءَ الاصطلاحيَّ؛ بل اللُّغويَّ، أي: افعَلِي وأَدِّي. * * *

11 - باب الذبح بعد الصلاة

11 - بابُ الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلاَةِ (باب الذبح بعدَ الصلاة) 5560 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يُقَدِّمُهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيْءٍ". فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ؟ فَقَالَ: "اجْعَلْهَا مَكَانَهَا، وَلَنْ تَجْزِيَ، أَوْ تُوفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". (أو تُوفِي) من التوفية، أي: لن تُعطيَ حقَّ التضحية عن أحدٍ غيرِك، أو لن يكملَ ثوابُه، وهذا شكٌّ من الراوي. * * * 12 - بابٌ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَعَادَ (باب مَن ذَبحَ قبلَ الصلاة أعادَ) 5561 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،

عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ"، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ -وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَذَرَهُ- وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ، فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَا أَدْرِي بَلَغَتِ الرُّخْصَةُ أَمْ لَا؟ ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ، يَعْنِي: فَذَبَحَهُمَا، ثُمَّ انْكَفَأَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَذَبَحُوهَا. الحديث الأول: (هَنَة)؛ أي: حاجة جيرانه إلى اللحم وفقرهم. (عَذَرَه)؛ أي: قَبِلَ عذرَه وجعلَه معذورًا. (خيرٌ من شاتَينِ)؛ أي: لأن القصدَ طِيبُ اللحم لا كثرتُه، فشاةٌ سمينةٌ أفضلُ من شاتَينِ غيرِ سمينتَينِ، بخلاف باب العتق؛ فإن القصدَ الفَكُّ، فالتعدُّدُ فيه مطلوبٌ، وسبق في (باب العتق). * * * 5562 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ سُفْيَانَ الْبَجَلِيَّ، قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ". 5563 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ،

13 - باب وضع القدم على صفح الذبيحة

فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، فَلَا يَذْبَحْ حَتَّى يَنْصَرِفَ" فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَعَلْتُ، فَقَالَ: "هُوَ شَيْءٌ عَجَّلْتَهُ" قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً، هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، ثُمَّ لَا تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". قَالَ عَامِرٌ: هِيَ خَيْرُ نسَيكَتِهِ. الثاني، الثالث: (فعلتُ)؛ أي: الذبحَ قبلَ الصلاة. (عجَّلتَه) من التعجيل، أي: قدَّمتَه لأهلك. (خيرُ نسَيكَتَيه) الأُولى وإن لم تكن نَسِيكةً من حيث الأُضحيةُ لكنها عبادةٌ باعتبار ما قُصد بها، أو أنها على صورة النَّسِيكة. * * * 13 - بابُ وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى صَفْحِ الذَّبِيحَةِ (باب وضع القَدَم على صَفْح الذبيحة) هو بضمِّ الصاد وفتحها: الجانب. 5564 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا، وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ.

14 - باب التكبير عند الذبح

الحديثُ فيه ظاهرٌ. * * * 14 - بابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الذَّبْحِ (باب التكبير عند الذبح) 5565 - حدثنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. (صِفَاحهما) فإن قيل: الرِّجلُ لا يَضعُها إلا على صَفحةٍ، فلِمَ قال: صِفَاحهما؟ قيل: إما لأن أقلَّ الجمعِ اثنان، كما في قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] , فكأنه قال: صفحتَيهما، فإضافةُ المُثنى إلى المُثنى تُفيد التوزيعَ، فمعناه: وضعَ رِجلَه على صفحة كلٍّ منهما. * * * 15 - بابٌ إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ لِيُذْبَحَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (باب إذا بعثَ بِهَدْيِه) بسكون الدال: ما يُهدَى إلى الحَرَم.

16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها

5566 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أنَّهُ أتى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةَ، وَيَجْلِسُ في الْمِصْرِ، فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنتُهُ، فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكِ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ؟ قَالَ: فَسَمِعْتُ تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبة، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ. (أن رَجلاٌ) هو زياد بن أبيه، وذَكرَ أنه أَخذَ ذلك عن ابن عباس. (تَصْفِيقَها) هو ضربٌ يُسمَعُ له صوتٌ، وتقليدُ الهَدْي: أن يُجعَل في عنقِه شيءٌ ليُعلَمَ أنه هَدْيٌ. * * * 16 - بابُ مَا يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ الأضَاحِيِّ، وَمَا يُتَزَوَّدُ مِنْهَا (باب ما يُؤكَل من لحوم الأضاحي) 5567 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، سَمعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -، قَالَ: كُنَّا نتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ غَيْرَ مَرَّةٍ: لُحُومَ الْهَدْيِ.

5568 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ ابْنَ خَبَّابٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا، فَقَدِمَ فَقُدِّمَ إِلَيْهِ لَحْمٌ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ لَحْمِ ضَحَايَانَا، فَقَالَ: أَخِّرُوهُ، لَا أَذُوقُهُ، قَالَ ثُمَّ قُمْتُ، فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ أَخِي أبا قتَادَةَ -وَكَانَ أَخَاهُ لأُمِّهِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ. الحديث الأول، والثاني: (فقَدِمَ) بكسر الدال الخفيفة. (فقُدِّمَ إليه) بضم القاف وتشديد الدال. (قال: ثم قمتُ)؛ أي: قال أبو سعيد. (قتادة)؛ أي: ابن النعمان الظَّفري، وفي بعضها: (أبا قتادة) بزيادة الأب؛ وهو سهوٌ، وقد ذكره البخاريُّ على الصواب في (عدة أصحاب بدر)، حيث قال: (فانطلق إلى أخيه من أُمِّه قتادةَ)، وبه عَلَّه أيضًا الغساني. (أمرٌ)؛ أي: ناقضٌ لِمَا كانوا يُنهَون من أكل لحوم الأضاحي بعدَ ثلاثة أيام، ذكره صريحًا في (المغازي). * * * 5569 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ

ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ"، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! نَفْعَلُ كمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي، قَالَ: "كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا". الثالث: (فلا يُصبِحَنَّ) من الإصباح. (بعدَ ثالثةٍ)؛ أي: بعدَ ليلةٍ ثالثةٍ من وقت التضحية. (العام الماضي) في بعضها: (عام الماضي) بإضافة الموصوف إلى صفته، أي: لا يُدَّخَرُ كما لا يُدَّخَرُ في السنة الماضية. (جَهْد) بالفتح: المشقة، يقال: جَهَدَ عيشُهم، أي؛ ثَقُلَ واشتدَّ وبلغَ غايةَ المشقة، وفي الحديث: أن تحريمَ ادِّخارِ لحومِ الأضاحي كان لعلةٍ، فلما زالَتِ العلةُ زالَ التحريمُ، وأمَّا قولُه: (كُلُوا)، وإن كان للوجوب؛ لكن حيث لا قرينةَ، وتقدُّمُ الحظرِ قرينةٌ صارفةٌ على خلاف ذلك في أصول الفقه، ولئن قلنا: تبقى على الوجوب فالإجماعُ هنا مانعٌ من الحمل عليها، وهذا من ثلاثيات البخاري. * * * 5570 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ، فَنَقْدَمُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: "لَا تَأْكُلُوا إِلَّا ثَلاَثَةَ أيَّامٍ"، وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ،

وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. الرابع: (نُملِّح)؛ أي: نَجعلُ فيها المِلحَ ونُقدِّدُه. (منه) القياس: منها؛ لكن ذَكر باعتبار مرادفها، وهو القربان، عكس: أَتَتْه كتابي فاحتَقرَها، أو باعتبار أنها لحمٌ. (بعزيمة)؛ أي: ليس النهيُ للتحريم، ولا تركُ الأكل بعدَ الثلاثةِ واجبًا؛ بل كان غرضُه أن يُصرَفَ منه شيءٌ إلى الناس، واختُلف في الأخذ بهذه الأحاديث؛ فقيل: يَحرُمُ إمساكُ اللحم الذي للأضاحي والأكلُ منه بعدَ ثلاثٍ، وأن حكمَه باقٍ، وقال الجمهور: يُبَاحُ الإمساكُ والأكلُ بعدَ الثلاثِ، والنهيُ منسوخٌ، وهي مِن نسخِ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ، وقيل: لا نسَخَ؛ بل كان التحريمُ لعلةٍ وزالَتْ، فزالَ الحكمُ بزوالها، وقيل: كان النهيُ للكراهة، وهي باقيةٌ. * * * 5571 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ: أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ يَوْمَ الأَضْحَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ نُسُكَكُمْ.

5572 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ. 5573 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاَثٍ. وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوَهُ. الخامس: (نُسككم) هو الأضحية. (عيدان)؛ أي: يوم الجمعة ويوم العيد؛ وإنما سُمِّي يومُ الجمعة عيدًا لأنه زمانُ اجتماعِ المسلمين في مَعبَدٍ عظيمٍ لإظهارِ شعارِ الشريعة كيوم العيد، فأُطلق عليه (عيدٌ) تشبيهًا. (العوالي) جمع: عالية، وهي قُرًى بقرب المدينة من جهة المشرق، وأقربُها للمدينة على أربعة أميال أو ثلاثة، وأبعدُها ثمانية، وهذا الحديثُ محمولٌ على أن السَّنَةَ التي خَطَبَ فيها عليٌّ - رضي الله عنه - بالناس كان فيها جَهْدٌ، أو أن الناقضَ الذي رواه قتادةُ حيث قال: (حَدَثَ أمرٌ) نَقضَ النهيَ عن الأكل، لم يَبلُغْ إليه. * * *

5574 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا مِنَ الأَضَاحِيِّ ثَلاَثًا"، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى، مِنْ أَجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ. السادس: (بالزَّيت)؛ أي: حتى لا يأكلَ من لحوم الهَدْي؛ نعم، الهَدْيُ أخصُّ مِن الأُضحية، فلا يَلزَمُ منه أنه كان مُحترِزًا من لحوم الضحايا التي الترجمةُ فيها، إلا أن يقال: الهَدْيُ لمناسبة النَّفْرِ من منًى. * * *

74 - كتاب الأشربة

74 - كتاب الأشربة

74 - كتاب الأشربة وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (كتاب الأشْرِبَة) 5575 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا في الآخِرَةِ". الحديث الأول: (حُرِمَها) مبنِيٌّ للمفعول مُخفَّفٌ، وهو مُتعدٍّ إلى مفعولين، هذا مع أن فيها أنهارًا من خمرٍ لذةً للشاربين، فيَدخلُ الجنةَ، ولكن لا يَشربُ مِن ذلك، وهو فاخرُ شرابِها، قيل: قد قال تعالى: {فِيهَا مَا تَشْتَهِي} [فصلت: 31] , فإن اشتهاها في الجنة فقد حصلَ الأسفُ، وهو لا يكون في الجنة، وإن لم يَشتَهِهَا فلم يُؤثِّرْ عندَه فقدُها، وأُجيب: بأنه يَنسَاها فلا تجري بباله، وقيل: تُسلَبُ شهوتُها؛ لكنه

فاتَتْه لذةٌ عظيمةٌ، كما تفوته منزلةُ الشهيد، وكلُّ ناقصٍ بالنسبة إلى الكامل كذلك، وقيل: هذا في وقتٍ دونَ غيره. وفيه دليلٌ على أن التوبةَ تُكفِّر المعاصي. * * * 5576 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَابْنُ الْهَادِ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَالزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. الثاني: (بإيْلِيَاء) بكسر الهمزة واللام وإسكان الياء الأولى والمد والقصر: بيتُ المَقدِس. (بقدحَين) لا ينافي رواية: (ثلاثة) كما سبق في (المناقب)، وسيأتي قريبًا: (فيها قدحٌ من عسلٍ)؛ لأن هذا في إيلياء، والثلاثةُ عندَ رفعِه إلى سِدْرَةِ المُنتهَى. (للفِطْرة)؛ أي: الإِسلام والاستقامة، واختيارُ اللبَن علامةٌ لكونه سهلًا طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين سليمَ العاقبة، وفيه: استحبابُ حمدِ

الله تعالى عند تجدُّدِ النعمة، وحصولُ ما كان يُتوقَّع حصولُه، واندفاعُ ما كان يُخافُ وقوعُه. (غَوَت)؛ أي: ضلَّتْ وانهمَكَتْ في الشرِّ. (تابعَه مَعْمَر) موصولٌ في (الأنبياء). (وابن الهَادِ) وصلَه النَّسَائي، وأبو عَوانة في "صحيحه"، والطَّبَراني في "الأوسط"، لكن روايةَ ابنِ الهَادِ عن عبد الوهاب بن بُخْت عن الزُّهْرِي، وبهذا جزمَ الحاكمُ؛ فلعل ذِكْرَ عبدِ الوهابِ سَقَطَ سهوًا. (وعثمان) هو ابن عمر بن موسى بن عبد الله التَّيْمِي، رواه تَمَّام في (فوائده)، ووَهِمَ الحاكمُ فظنَّ أنه عثمانُ بنُ عمرَ بنِ فارس، فقال: إنما رواه عثمانُ بنُ عمرَ، عن يونس، عن الزُّهْرِي، وتبعَه المزي على ذلك. (والزُّبَيْدي) وصلَه النَّسَائي وابن حبَّان. * * * 5577 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةٌ قَيِّمُهُنَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ".

الثالث: (لا يُحدِّثُكم به غيري أحدٌ) إما لأنه كان آخرَ مَن بقيَ مِن الصحابة، أو عَرَفَ أنه لم يَسمَعْ ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيرُه، وسبق الحديثُ في (العلم). * * * 5578 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولاَنِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ". الرابع: (لا يَزنِي) إلى آخره، أي: وهو كاملُ الإيمان, أو من باب التشديد والتغليظ، أو يُنزَع منه نورُ الإيمان, أو بالحمل على المُستحِلِّ، وسبق ذلك أيضًا في (الإيمان) وغيره. * * * قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحَدِّثُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: "وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ

2 - باب الخمر من العنب

شَرَفٍ، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ فِيهَا حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ". الخامس: (نُهْبَةً) بفتح النون: المصدر، وبالضم: المنهوب، وسبق شرحُه في (كتاب المظالم). * * * 2 - بابٌ الْخَمْرُ مِنَ الْعِنَبِ (باب الخَمْر مِن العِنَب) 5579 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ -هُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ-، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَقَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ. الحديث الأول يقتضي أنها حُرّمَتْ. (وما بالمدينة منها شيءٌ) فمطابقتُه للترجمة: أن الخَمرَ إذا أُطلقَتْ لا تنصرفُ إلا إلى الخَمرِ المُتخَذِ من العِنَب. * * * 5580 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْنَا

الْخَمْرُ حِينَ حُرِّمَتْ وَمَا نَجِدُ -يَعْنِي: بِالْمَدِينَةِ- خَمْرَ الأَعْنَابِ إِلَّا قَلِيلًا، وَعَامَّةُ خَمْرِنَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. الثاني: (وعامةُ خمرِنا) سبق أنها حُرِّمَتْ، ولم يكن بالمدينة منها شيءٌ؛ لكن المراد بقوله: (منها) خمرُ العنب؛ إذ هو المُتبادرُ إلى الذِّهن، وأما قولُه: (إلا قليلًا) فلأنَّ كلَّ راوٍ أَخبرَ بما في ظنِّه، أو أنه كان يسيرًا فنزل منزلةَ العدم. (البُسْر) هو المرتبةُ الرابعةُ لثمرة النخل، أولُها: طَلعٌ، ثم حلالٌ، ثم بَلَحٌ، ثم بُسْرٌ، ثم رُطَبٌ، فإن قيل: الخَمرُ مائعٌ والبُسْرُ جامدٌ، فكيف يكون هو إياه؟ قيل: مجازٌ عن الشراب الذي يُؤخَذ منه، عكس: {أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] , أو فيه إضمارٌ، أي: عامةُ أصلِ خمرِنا أو مادتها. * * * 5581 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. الثالث: (نزَلَ) سقطت منه الفاءُ؛ لأنه قد يُحذَف كثيرًا كما تقدَّم تقريرُه

3 - باب نزل تحريم الخمر، وهي من البسر والتمر

في الحج: (وأما الذين جمعوا بين الحَجِّ والعُمْرَة طافوا طوافًا واحدًا) , وفي غير ذلك أيضًا. * * * 3 - بابٌ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهْيَ مِنَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ (باب نزول تحريم الخَمر) 5582 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ مِنْ فَضِيخِ زَهْوٍ وَتَمْرٍ، فَجَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ! فَأَهْرِقْهَا، فَأَهْرَقْتُهَا. الحديث الأول: (فَضِيخ) بفاء ومعجمتين من: الفَضْخ، وهو الشَّدْخُ والكسرُ: شرابٌ يُتَّخَذ من البُسْر من غير أن تَمسَّه النارُ، وقيل: هو أن يُفضَخ البُسْرُ ويُصَبَّ عليه الماءُ ويُترَكَ حتى يَغليَ، وقيل: هو شرابٌ يُؤخَذ من البُسْر والتمر كليهما، وظاهرُ لفظِ الحديثِ يساعد القولَ الأخيرَ. (زُهو) بضم الزاي وفتحها: البُسْر المُلوَّن الذي ظهر فيه الحُمرةُ أو الصُّفرةُ.

وفي الحديث: العملُ بخبر الواحد، واختَلف العلماءُ؛ فالأكثرُ يُسمي عصيرَ العنب خمرًا حقيقةً، وسائرَ الأَنبِذَة مجازًا، وقيل: حقيقةٌ في الكلِّ، وللأصوليين خلافٌ في جواز إثبات اللغة بالقياس. * * * 5583 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الْحَيِّ أَسْقِيهِمْ عُمُومَتِي -وَأَنَا أَصْغَرُهُمُ- الْفَضِيخَ، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا: أَكْفِئْهَا، فَكَفَأْنا، قُلْتُ لأَنسٍ: مَا شَرَابُهُمْ؟ قَالَ: رُطَبٌ وَبُسْرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنسٍ: وَكَانَتْ خَمْرَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ. وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: أَنَّهُ سَمعَ أَنسًا يَقُولُ: كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. الثاني: (عُمُومتي) بدل عن الضمير، أو نُصِبَ على الاختصاص، وفي الحديث: أن الصغيرَ يخدمُ الكبارَ. (أَكْفِئْها) من: الكفاء والإكفاء ثلاثيًّا ومزيدًا بمعنى: القلب، وتأنيثُه باعتبار الخَمر، وإلا فالشرابُ مُذكَّرٌ. (وحدثني) هو من كلام سليمان والد مُعْتَمِر، وهو من باب الرواية عن المجهول. * * *

4 - باب الخمر من العسل، وهو البتع

5584 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَّاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ، وَالْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. الثالث: عُرف معناه مما سبق. * * * 4 - بابٌ الْخَمْرُ مِنَ الْعَسَلِ، وَهْوَ الْبِتْعُ وَقَالَ مَعْنٌ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، عَنِ الْفُقَّاعِ، فَقَالَ: إِذَا لَمْ يُسْكِرْ فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيِّ: سَأَلْنَا عَنْهُ، فَقَالُوا: لَا يُسْكِرُ، لَا بَأسَ بِهِ. (باب الخَمْر مِنَ العَسَلِ، وَهْوَ البِتْعُ) بكسر الموحدة، وسكون المثناة وبمهملة: شرابٌ يُتخَذ من العسل.

5585 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْبِتْعِ، فَقَالَ: "كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ". 5586 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْبِتْعِ، وَهْوَ نبَيذُ الْعَسَلِ، وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ". الحديث الأول: (أَسكَر) أي: جنسُه، وهو من جوامع الكلم التي أُوتِيَها - صلى الله عليه وسلم -. * * * 5587 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَنْتَبِذُوا في الدُّبَّاءِ، وَلَا في الْمُزَفَّتِ"، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهَا الْحَنْتَمَ وَالنَّقِيرَ. الثاني: (الدُّبَّاء) بضم المهملة وشدة الموحدة وبالمد، وسبق الحديثُ في (الإيمان). (وكان أبو هريرةَ يُلحق معها: الحَنْتَمَ والنَّقِيرَ) يشير إلى حديث رواه أحمدُ وابنُ ماجه من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة، عن

5 - باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب

أبي هريرة بتمامه، وقد ذكرهما البخاري في (كتاب الإيمان) من حديث ابن عباس في حديث وفد عبد القيس مرفوعًا. * * * 5 - بابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ مِنَ الشَّرَابِ (باب ما جاء في أن الخَمرَ ما خامَرَ العقلَ) 5588 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، وَثَلاَثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الْجَدُّ، وَالْكَلاَلَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! فَشَيْءٌ يُصْنَعُ بِالسِّنْدِ مِنَ الرُّزِّ، قَالَ: ذَاكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: عَلَى عَهْدِ عُمَرَ. وَقَالَ حَجَّاجُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ مَكَانَ الْعِنَبِ الزَّبِيبَ. الحديث الأول: (وهي من خمسةٍ) قال (خ): إنما عدَّ هذه لاشتهار أسمائها في

زمانه، ولم تكن كلُّها تُوجَد بالمدينة الوجودَ العام، فإن الحِنطةَ كانت بها عزيزةً، والعسلُ مثلُها أو أعزُّ، فعَدَّ عمرُ - رضي الله عنه - ما عَرَفَ منها وجَعلَ ما في معناها مما يُتخَذ من الأرز وغيره خمرًا؛ بمشابهتها إن كانت مما يُخامِرُ العقلَ ويُسكِرُ كإسكارِها، وفيما قال: إن الخمرَ ما خامَرَ العقلَ دليلٌ على جوازِ إحداثِ الاسم بالقياس، وأخذِه من طريق الاشتقاق، وزعم قومٌ أن العربَ لا تَعرف النَّبِيذَ المُتخذَ من التمر خمرًا؛ وأُجيب: بأن الصحابةَ الذين سَمَّوا الفَضِيخَ خمرًا فُصَحاءُ، فلو لم يَصحَّ هذا الاسمُ لها لم يُطلقوه عليها. قال: وأشار النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الشراب الذي هو جنس المشروب الموصوف بالإسكار، فدخل فيه قليلُه وكثيرُه بأيِّ اسمٍ تسمَّى، وبأيِّ صفةٍ حُدَّ، وفيه: بطلانُ قولِ مَن زعمَ أن الإشارةَ بالمُسكِر إنما وقعَتْ إلى الشربة الأخيرة أو إلى الجزء الذي يُظهر السُّكرَ على شاربه عند شربه؛ لأن السُّكرَ لا يختص بجزءٍ من الشراب دونَ جزءٍ، وإنما يُوجَد السُّكرُ في آخره على سبيل التعارف كالشِّبَعِ بالمأكول، ثم الشرابُ الذي يُسكِرُ كثيرُه إذا كان في الإناء لا يخلو من أن يكونَ حلالًا أو حرامًا، فإن كان حلالًا لم يَجُزْ أن يَحرُمَ منه شيءٌ، وإن كان حرامًا لم يَجُزْ أن يُشرَبَ منه شيءٌ، فإن قيل: هو حلالٌ في نفسِه، ولكنَّ الله تعالى نَهَى أن يُشرَبَ منه ما يُزيلُ العقلَ؟ أُجيب: ينبغي أن تكونَ تلك الشُّربةُ معلومةً يَعرفُها كلُّ شاربٍ، إذ لا يجوز أن يُحرِّمَ اللهُ شيئًا ولا يجعلَ لهم السبيلَ إلى معرفته، ومعلومٌ أن الطِّباعَ تختلفُ، وقد يَسكَرُ

واحدٌ بالمقدار الذي يَسكَرُ صاحبُه به، وقد لا يَسكَرُ، فلم يُضبَطْ، والتعبُّدُ لا يقعُ إلا بالأمر المعلوم المضبوط، وإلا لم تَقُمِ الحُجَّةُ به. (وثلاث)؛ أي: قضايا أو أحكام أو مسائل. (يَعهَد)؛ أي: بيَّنَ لنا. (الجَد)؛ أي: في أنه يَحجُبُ الأخَ، أو يُحجَب به، أو يُقاسمه. (والكَلاَلة)؛ أي: مَن لا والدَ له ولا ولدَ، وقيل: بنو العمِّ الأباعدُ، وقيل: الوارثُ الذي لا ولدَ له ولا والدَ. (الرِّبا) وقد اختُلف فيه كثيرًا، حتى قال بعضهم: لا رِبَا إلا في النسيئة، ورَوى حديثًا في ذلك، ومرَّ تحقيقُه. (يا أبا عمرو) هو كُنية عامر الشَّعْبِي. (بالسِّنْد) بكسر المهملة وإسكان النون وبالمهملة: بلادٌ بقرب بالهند. (الأَرُز) في بعضها: (الرُّزّ)، وهي مبتدأ خبرُه محذوفٌ. (لم يكن)؛ أي: معروفًا أو موجودًا بالمدينة. (وقال حجاج) وصلَه علي بن عبد العزيز في "منتخب المسند". * * * 5589 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: الْخَمْرُ يُصْنَعُ

6 - باب ما جاء فيمن يستحل، الخمر، ويسميه بغير اسمه

مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ. الثاني: كالذي قبلَه. * * * 6 - بابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ، الْخَمْرَ، ويُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ (باب ما جاء في مَن يَستَحِلُّ الخَمرَ ويُسمِّيه بغير اسمه) ذكَّرَ الضميرَ باعتبار الشراب، وإلا فالخَمرُ مُؤنَّثٌ سماعيٌّ، وفي بعضها: (يُسمِّيها بغير اسمها). * * * 5590 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ، أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ: وَاللهِ! مَا كَذَبَنِي، سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ -يَعْنِي: الْفَقِيرَ- لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرينَ قَرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".

قال (ش): اعلَمْ أن معظمَ رُواةِ البخاري يذكرون هذا الحديثَ مُعلَّقًا تحتَ الترجمة، فيقول: وقال هشام بن عمار، وقد أسنده أبو ذَرٍّ عن شيوخه، فقال: قال البخاري: حدثنا الحسن بن إدريس، ثنا هشام، وعلى هذا يكون الحديثُ صحيحًا على شرط البخاري، وبذلك يُرَدُّ على ابنِ حزمٍ دعواه انقطاعَ الحديث، ووصلَه أبو داود في "سُنَنه"، وكذا الإسماعيلي في "صحيحه"، وفيه: فقال أبو عامر، ولم يَشكَّ، وأدخلَه أبو داود في (باب ما جاء في الخز) من (كتاب اللباس)، وزعم ابنُ ناصرٍ الحافظُ أن صوابَه كما رواه الحُفَّاظ: (الحِرَ) بالحاء المهملة المكسورة والراء المخففة، يعني: الفَرْج، يريد كثيرةَ الزِّنا، لا بالخاء المعجمة والزاي، ولم يذكر صاحبُ "المشارق" والقُرْطُبيُّ في اختصاره للبخاري غيرَه، ورواه بعضُهم بتشديد الراء مع كونه بالمهملة. (أو أبو مالك) بالشك، وفي اسمه خلافٌ مذكورٌ في الأسماء، وقال ابن المَديني: الصواب: أبو مالك، بلا شكٍّ. قال المُهلب: هذا الحديثُ لم يُسنِدْه البخاريُّ من أجل شكِّ المُحدِّث في الصاحب؛ حيث قال: (أبو عامر أو أبو مالك)، أو لمعنًى آخرَ لا نَعلمُه. قال (ك): المشهورُ عند المُحدِّثين أنه يقال: حدثنا وأخبرنا إذا كان الكلامُ على سبيل النقل والتحمُّل، وأما إذا كان على سبيل المذاكرة فيُقال (قال)، وهذا الحديثُ مُسلسَلٌ بالشاميين؛ لأن سندَه كلُّهم شاميُّون.

(ما كذبني) قاله على سبيل التوكيد والمبالغة في كمال صدقه، وإلا فصدقُ الصحابةِ معلومٌ. (الحِرَ) بكسر المهملة وتخفيف الراء: الفَرْج، وأصله: حَرِح، فحُذفت الحاءُ الثانيةُ منه، ومَن قاله بالمعجمة والزاي فقد صحَّفَ. (والمعازف) بمهملة وزاي: أصواتُ المَلاهي. (عَلَم) بفتح المهملة واللام: الجبل. (سارحة) هي الغَنمُ تَسرَحُ، وفي بعضها: (بسارحة) بباء الجر في الفاعل، نحو: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الرعد: 43] , وهو مفعولٌ به بواسطةٍ، والفاعلُ مُضمَرٌ، وهو الراعي بقرينة المقام؛ إذ السارِحةُ لا بدَّ لها من الراعي، وفاعلُ (يأتيهم): الآتِي أو المحتاجُ أو الرجلُ بدلالة السياق، وفي بعضها: (تأتيهم) بلفظ المؤنث، وهو كلامٌ على سبيل التجوُّز، وفي بعض المخرجات: (يأتيهم رجلٌ) تصريحًا بلفظ (رجل). (فيُبيِّتُهم)؛ أي: يُهلكُهم بالليل. (ويَضَعُ العَلَمَ)؛ أي: يَضعُ الجبلَ، بأن يدكَّه عليهم ويُوقعَه على رؤوسهم، وفي بعضها بزيادة: (عليهم). (آخرين)؛ يعني: لم يُهلِكْهم بالبيات، وفيه: أن المَسخَ قد يكون في هذه الأُمَّة، بخلاف مَن زعمَ أنه لا يكون وإنما مسخَ قلوبَها، وقال (ط): المَسخُ في حكم الجواز في هذه الأُمَّة؛ إذ لم يأتِ خبرٌ برفع

7 - باب الانتباذ في الأوعية والتور

جوازه، وقد وردت أحاديثُ لينةُ الإسنادِ: أنه سيكون في أُمَّتي خَسفٌ ومَسخٌ، ولم يأتِ ما يَرفعُ ذلك. وليس في الحديث ما يدلُّ على جزء الترجمة الأخير، وهو ذكرُ تسمية الخَمر بغير اسمها, ولعله اكتفَى بما جاء مبيَّنًا في الروايات الأُخَر ولم يَذكرْ؛ إذ ليس ذلك بشرطه، أو لعل نظره إلى أن لفظ: (من أُمَّتي) فيه دليلٌ على أنهم استَحلُّوا بالتأويل؛ إذ لو لم يكن بالتأويل لَكانَ كفرًا وخروجًا عن أُمَّتِه؛ لأن تحريمَ الخَمرِ معلومٌ من الدِّين بالضرورة، قيل: ويُحتمَل أن يقال: إن الاستحلالَ لم يَقعْ بعدُ، وسيَقعُ، وأن يقال: إنه مثلُ استحلالِ نكاحِ المُتعة واستحلالِ بعض الأَنبِذَة المُسكِرة. * * * 7 - بابُ الاِنْتِبَاذِ في الأَوْعِيَةِ وَالتَّوْرِ (باب الانتِبَاذ في الأوْعِيَة والتَّوْر) بفتح المثناة: ظرفٌ من صُفْرٍ، قيل: قدحٌ كبيرٌ كالقِدْر، وقيل: كالإجانة، وقيل: كالطَّسْت، وقيل: من الحَجَر. 5591 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلًا يَقُولُ: أَتَى أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ،

8 - باب ترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأوعية والظروف بعد النهي

فَدَعَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُرْسِهِ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ وَهْيَ الْعَرُوسُ، قال: أَتَدْرُونَ مَا سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ أَنْقَعْتُ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ. (خادمهم) يُطلَق على الذكر والأُنثى، وسبق الحديثُ مرارًا، وجهُ مطابقة الترجمة بالأوعية: أن التَّوْرَ وعاءٌ، وهو من عطف الخاص على العام. * * * 8 - بابُ تَرْخِيصِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ بَعْدَ النَّهْيِ (باب ترخيص النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الأوعية والظروف بعدَ النهي) 5592 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الظُّرُوفِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِنَّهُ لَا بُدَّ لَنَا مِنْهَا، قَالَ: "فَلَا إِذًا". وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ بِهَذَا. 5592 / -م - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا، وَقَالَ فِيهِ: لَمَّا نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأَوْعِيَةِ.

الحديث الأول: (إذن) جوابٌ وجزاءٌ، أي: إذا كان لا بدّ لكم منها فلا نهيَ عنها، وحاصله: أن النهيَ على تقدير عدم الاحتياج إليها، أو نُسخ ذلك بوحيٍ سريعٍ، أو كان الحكمُ في المسألة مُفوَّضًا إلى رأيه - صلى الله عليه وسلم -. قال (ط): النهيُ عن الأوعية إنما كان قطعًا للذريعة، فلما قالوا: لا بدَّ لنا منها قال: انتَبِذُوا فيها، وكذلك كلُّ نهيٍ كان بمعنى النظر إلى غيره، كنهيه عن الجلوس في الطرقات، فلما ذكروا أنهم لا يجدون بُدًّا من ذلك قال: (إذا أبيتُم فأَعطُوا الطريق حقَّه). * * * 5593 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأَسْقِيَةِ قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجدُ سِقَاءً، فَرَخَّصَ لَهُمْ في الْجَرّ غيرِ الْمُزَفَّتِ. الثاني: (عن الأَسقِية) قيل: السياقُ يقتضي أن يُقال: إلا عن الأسقية، بزيادة: (إلا) استثناءً، أي: نَهَى عن الانتباذ؛ إلا عن الانتباذ في الأَسقِيَة. قال (ك): يُحتمَل أن يكون معناه: لمَّا نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في

مسألة الأَنبِذَة عن الجِرَار بسبب الأَسقِيَة وعن جهتها، كقوله: تُنهَون عن أكلٍ وعن شربٍ، أي: تَسمَنُون بسب الأكل والشرب، وتتناهون في السِّمَن به. وقال الزَّمخشري مثلَه في قوله تعالى {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة: 36] أي: بسببها. قال الحُمَيدي: ولعله نَقَصَ منه عند الرواية, وكأن أصلَه: نهُى عن النَّبِيذ إلا في الأَسقِيَة؛ وكذا في رواية عبد الله بن محمَّد: (عن الأوعية). (فرخَّص لهم) قال (ن): هذا محمولٌ على أنه رخَّص فيه أولًا، ثم رخَّص في جميع الظروف. * * * 5594 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويدٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا. 5595 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قُلْتُ لِلأَسْوَدِ: هَلْ سَأَلْتَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يُكْرَهُ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ؟ فَقَالَ: نعمْ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! عَمَّا نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ

يُنتبذَ فِيهِ؟ قَالَتْ: نهانَا في ذَلِكَ أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ ننتبِذَ في الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ، قُلْتُ: أَمَا ذَكَرْتِ الْجَرَّ وَالْحَنْتَمَ؟ قَالَ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ، أُحدِّثُ مَا لَمْ أَسْمَعْ. الثالث، والرابع، والخامس: (أهلَ البيت) نُصبَ على الاختصاص. * * * 5596 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -، قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْجَرِّ الأَخْضَرِ، قُلْتُ: أَنشرَبُ في الأَبْيَضِ؟ قَالَ: لَا. السادس: (قال: لا)؛ أي: أن حكمَه حكمُ الأخضر، فإن قيل: هذا يقتضي مخالفةَ الأبيض له، قيل: إنما يُعمَل بالمفهوم إذا لم يَخرُجْ مَخرَجَ الغالب، وكان عادتُهم الانتباذَ في الجِرَارِ الخُضْرِ، فذَكرَ الأخضرَ لبيان الواقع لا للاحتراز. قال (خ): لم يُعلَّقِ الحكمُ في ذلك بخُضرةِ الجَرِّ وبياضِه، وإنما يُعلَّق بالإسكار، وذِكرُه تلك إنما هو لأنها متينةٌ يُشرَع الانتباذُ فيها، ومرَّ الحديثُ في (الحج) و (الصوم). * * *

9 - باب نقيع التمر ما لم يسكر

9 - بابُ نَقيع التَّمْرِ مَا لَمْ يُسْكِرْ (باب نقَيع التَّمر ما لم يُسكِرْ) 5597 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْل بْنَ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُرْسِهِ، فَكَانَتِ امْرَأتهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَهْيَ الْعَرُوسُ، فَقَالَتْ: مَا تَدْرُونَ مَا أَنْقَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ أَنْقَعْتُ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ في تَوْرٍ. قال (ط): فيه من الفقه: أن الحجابَ ليس بفرضٍ على نساء المؤمنين، وإنما هو خاصٌّ لأزواج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا} الآية [الأحزاب: 53]. قال (ك): يُحتمَل أنه كان قبلَ نزول الحجاب، أو كانت تخدمُهنَّ وهي مستورةٌ بالجلباب، وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النور: 30] , وقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} [النور: 31] , وسبق الحديثُ آنفًا. * * * 10 - بابُ الْبَاذَقِ، وَمَنْ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مِنَ الأَشْرِبَةِ وَرَأَى عُمرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلاَءِ عَلَى الثُّلُثِ، وَشَرِبَ

الْبَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اشْرَبِ الْعَصِيرَ مَا دامَ طَريًّا. وَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ رِيحَ شَرَابٍ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ. (باب الباذِق) هو بالمُوحدة وفتح المعجمة، وبالقاف: تعريب قول المعجم: بادِه بالدال المهملة، أي: باقٍ، وهو اسم الخَمر بالفارسية، وقيل: أولُ مَن وضعَه وسَمَّاه بنو أُميَّة لينقلوه عن اسم الخَمر. (وأبو عُبيدة) هو ابنُ الجَرَّاح. (ومُعاذ) هو ابنُ جبل. (الطِّلاَء) بكسر المهملة وتخفيف اللام وبالمد: هو أن يُطبَخَ العصيرُ حتى يذهبَ ثلثاه ويبقى ثلثُه، ويصيرَ ثخينًا مثلَ طِلاَءِ الإبلِ، ويُسمَّى بالمُثلَّث، ويقال له بالفارسية: سبكي، وقيل: أن يَذهَبَ نصفُه بالطبخ، قالوا: وهذا مما يُؤمن غائلتَه، وقيل: الطلاَءُ ما طُبخَ من عصير العنب حتى ذهبَ ثلثاه بالطبخ، وتسميةُ المعجم: المُيْبُخْتَج بضم الميم وسكون الياء وضم الموحدة وإسكان المعجمة وفتح المثناة وبالجيم، وبعضُ العرب تُسمِّي الخَمر: الطلاَء. (وأنا أسائل عنه)؛ أي: أنا أسأله عن الشراب الذي وُجد ريحُه

منه؛ فإن كان مما يُسكِر جنسُه جلَدتُه، وفيه: أنه لم يَقصِدْ جلدَه لمجرد الريح، بل توقَّفَ حتى يسألَه؛ فإن اعترفَ بما يُوجبُه يجلُده، واختلفوا في جواز الحد بمجرد الرائحة؛ والأصحُّ لا، وتقدم في (فضائل القرآن): أن ابن مسعود ضَربَ الحَدَّ بالريح، أما السَّكرانُ فقيل: مَن اختلط كلامُه المنظومُ وانكشفَ سرُّه المكتومُ، وقيل: مَن لا يَعرف السماءَ من الأرض، ولا الطولَ من العرض. * * * 5598 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْجُويرِيَةِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْبَاذَقِ، فَقَالَ: سَبق مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ. قَالَ: الشَّرَابُ الْحَلاَلُ الطَّيِّبُ. قَالَ: لَيسَ بَعْدَ الْحَلاَلِ الطَّيِّبِ إِلَّا الْحَرَامُ الْخَبِيثُ. الحديث الأول: (سَبق محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: سبق محمَّدٌ بمكة بالتحريم للخمر قبلَ تسميتهم لها بالباذق، وتغييرُ اسمها لا يَنفعُهم في تحريمها إذا أسكرَتْ، وليس الاعتبارُ بالأسماء؛ إنما هو بالسُكْر، وقال أبو ذَرٍّ: يعني: الاسمُ حَدَثَ بعدَ الإِسلام. (ليس بعدَ الحلال الطيِّب إلا الحرامُ)؛ أي: أن الشُّبهاتِ تقع في حيِّز الحرام، وهي خبائث. * * *

11 - باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا، وأن لا يجعل إدامين في إدام

5599 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبْةَ، حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ. الثاني: وجه مناسبته للباب: أن العصيرَ المطبوخَ إذا لم يكن مُسكِرًا فهو حلال، كما أن الحَلواءَ تنطبخُ حتى تنعقدَ، والعسلَ يُمزَج بالماء فيُشرَب في ساعته، ولا شكَّ في طِيبِه وحِلِّه. * * * 11 - بابُ مَنْ رَأَى أَنْ لَا يَخْلِطَ الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كَانَ مُسْكِرًا، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ إِدَامَيْنِ في إِدَامٍ (باب مَن رأى أن لا يَخلطَ البُسْرَ والتمرَ) 5600 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: إِنِّي لأَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَسُهَيْلَ بْنَ الْبَيْضَاءِ خَلِيطَ بُسْرٍ وَتَمْرٍ إِذْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَذَفْتُهَا وَأَنَا سَاقِيهِمْ وَأَصْغَرُهُمْ، وَإِنَّا نعدُّهَا يَوْمَئِذٍ الْخَمْرَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: حَدَّثَنَا قتادَةُ، سَمِعَ أَنسًا.

الحديث الأول: (أبا طلحة وأبا دُجانة) لا ينافي ما سبق: (أبا عُبيدة وأُبَيَّ بنَ كعب)؛ لأن الكلَّ كانوا, ولا يلزم مِن ذِكرِ بعضٍ عدمُ غيرِه. وفيه: إشعارٌ بأن الفَضِيخَ مأخوذٌ من الزَّهو والتمر كليهما. (وقال عمرو بن الحارث) وصلَه مسلم والبَيْهَقي. * * * 5601 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّهُ سَمعَ جَابِرًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالرُّطَبِ. الثاني: (عن الزَّبِيب)؛ أي: عن الجمع بين الزَّبيب والتمر في الانتباذ، والجمع بين البُسْر والرُّطَب، وليس المرادُ النهيَ عن كل من الأربعة على الانفراد، ولا النهيَ عن الجمع بين الأربعة أو الثلاثة، ولا النهيَ عن الجمع بين الأولَينِ بخصوصهما أو الأخيرَينِ بخصوصهما؛ بل عن الجمع بين اثنين في كلِّ ما شأنُه أن يُنتبَذ به، وبذلك تحصل المطابقةُ للترجمة، ولهذا ورد الاختلافُ فيه في الأحاديث. قالوا: والحكمةُ أن الإسكارَ يُسرِع إليه بسبب الخلط قبلَ أن يتغيرَ طعمُه، فيَظنُّ الظانُّ الشاربُ أنه ليس مُسكِرًا.

قال (ك): ويُحتمَل أن يكونَ ذلك لِمَا فيه من الإسراف، والمقصودُ حاصلٌ بواحدٍ منها, ولهذا عَطَفَ البخاريُّ في الترجمة: (وأن لا يَجعلَ إدامَينِ في إدامٍ واحدٍ)، ومذهبُ الجمهور: أن النهيَ تنزيهٌ ما لم يَصِرْ مُسكِرًا، وقال بعضُ المالكية: هو حرامٌ، وقال أبو حنيفةَ: لا كراهةَ فيه. قال: وكل ما طُبِخَ منفردًا حلَّ، فكذا إذا طُبخَ مع غيره، فلا كراهةَ. قال (ط): هو رأيٌ مُخالِفٌ للسُّنَّة، والسُّنَّةُ حُجَّةٌ عليه، وأيضًا فمنقوضٌ بنكاح المرأة وأختها، قال: وقولُ البخاريِّ: (مَن رأى أن لا يَخلطَ البُسْرَ والتمرَ إذا كان مُسكِرًا) خطأٌ إذا ما قَصدَ أنهما مما يُسكِرانِ في الحال، وإنما أراد بهما ما يَؤُولُ أمرُهما إلى السُّكْر. قال (ك): ليس خطأً؛ بل غايتُه أنه أطلقَ مجازًا مشهورًا. * * * 5602 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. الثالث: (حِدَة) بكسر المهملة وخفة المهملة، أي: على انفراده، وثنَّى الضميرَ في (منهما) ولم يقل: (منها) باعتبار الجمع بين اثنين، لا بين

12 - باب شرب اللبن، وقول الله تعالى: {من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين}

الثلاثة أو الأربعة. * * * 12 - بابُ شُرْبِ اللَّبَنِ، وقوْلِ الله تعالى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} (باب شرب اللَّبَن وقول الله عز وجل: يخرج من بين فرثٍ ودمٍ) التلاوة: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} [النحل: 66]. 5603 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَقَدَحِ خَمْرٍ. الحديث الأول: (ليلة) بالتنوين وعدمه، وسبق الحديثُ في (الحج) و (الصوم). * * * 5604 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، سَمِعَ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَيْرًا مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ يُحَدِّثُ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: شَكَّ النَّاسُ في صِيَامِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بإنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ. فَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا قَالَ: شَكَّ النَّاسُ في صِيَامِ

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَومَ عَرَفة، فَأَرْسَلَتْ إِلَيهِ أُمّ الْفَضْلِ. فَإِذَا وُقِفَ عَلَيهِ قَالَ: هُوَ عَنْ أُمّ الْفَضْلِ. الثاني: (وقف) بلفظ الماضي، من: الوقوف، أو بصيغة المبني للمفعول، من: التوقيف. * * * 5605 - حدثنا قتيبة، حدثنا جَرِير، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صَالح وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ أبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَّا خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَليْهِ عُودًا". الثالث: (النَّقِيع) بالنون: موضعٌ بوادي العقيق، وهو الذي حَمَاه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: إنه غيرُ الحِمَى، وهو بالموحدة. (تَعرِض) بضم الراء: تمدُّه عليه عرضًا لا طولًا، ومن فوائده: صيانتُه من الشيطان؛ فإنه لا يَكشفُ غطاءً، أو من الوباء الذي ينزل من السماء في ليلة من السَّنة، ومن النجاسة والقاذورات، ومن الهامَة والحشرات ونحوها. * * * 5606 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،

قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَذْكُرُ، أُرَاهُ عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ -رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ- مِنَ النَّقِيعِ بِإِناءٍ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَّا خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا". وَحَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا. الرابع: (ألا خَمَّرتَه)؛ أي: غطَّيتَه. * * * 5607 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ, أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ وَأبَو بَكْرٍ مَعَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ أبو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: فَحَلَبْتُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ في قَدَحٍ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، وَأتانَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُم عَلَى فَرَسٍ فَدَعَا عَلَيْهِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ سُرَاقَةُ أَنْ لَا يَدْعُوَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَرْجِعَ، فَفَعَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (كُثْبة) بضم الكاف وسكون المثلثة وبموحدة: قَدْر حَلْبة، وقيل: ملءُ القدح. (رضيتُ)؛ أي: علمتُ أنه قد شربَ قَدْرَ حاجته، وسبق الحديثُ في (الهجرة) وغيرها. * * *

5608 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أبو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نِعْمَ الصَّدَقَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِي مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِي مِنْحَةً، تَغْدُو بِإِنَاءٍ، وَتَرُوحُ بِآخَرَ". السادس: (الصَّفِيّ) تركَ التاءَ فيه؛ إما لأنه فعيل أو فعول يستوي فيه المُذكر والمُؤنث، ومعناه: المختار، وقيل: غزيرةُ اللبَن، وسبق أيضًا آخر (الهِبة). * * * 5609 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ: "إِنَّ لَهُ دَسَمًا". 5610 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رُفعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نهرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنهرَانِ بَاطِنَانِ؛ فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ في الْجَنَّةِ، فَأُتِيتُ بِثَلاَثَةِ أَقْدَاحٍ: قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ، فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ".

13 - باب استعذاب الماء

قَالَ هِشَامٌ وَسَعِيدٌ وَهَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - في الأَنْهَارِ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا ثَلاَثَةَ أقدَاحٍ. السابع: (قال إبراهيم بن طَهمَان) وصلَه أبو عَوانة في "صحيحه" والطَّبَراني في "الصغير". (السِّدْرة)؛ أي: سِدْرة المنتهى؛ لأن علمَ الملائكة ينتهي إليها. (بثلاثة أقداح) لا ينافي رواية: (قدحَين)؛ لأن العددَ لا ينفي أكثرَ منه، إذ لا اعتبارَ به. (وأمَّتك) هو كما في نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]؛ لأن الأمرَ لا يَعملُ في غير المُخاطَب، فيُقدَّر له عاملٌ يَليقُ به. (قال هشام وسعيد وهمام) وصل الثلاثة في (الإسراء). * * * 13 - بابُ اسْتِعْذَابِ الْمَاء (باب استعذاب الماء) 5611 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: كَانَ أبو طَلْحَةَ أكثَرَ أَنْصَارِيٍّ

بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَ الْمَسْجدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ: قَالَ أَنسٌ: فَلَمَّا نزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الله يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وَإِنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ! حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، أَوْ رَايِحٌ -شَكَّ عَبْدُ اللهِ- وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأَقْرَبِينَ"، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ، وَيَحْيَى: بْنُ يَحْيَى: "رَايحٌ". (بَيْرَحاء) سبق بيانه في (باب الزكاة على الأقارب) وأن الأشهر فتح الموحدة وتسكين الياء، وفتح الراء والقصر: اسم بستان. (بَخْ) بموحدة ومعجمة: كلمةٌ تُقال عند المدح والرضا بالشيء، وتُكرَّر للمبالغة، فإن وُصلَتْ خُفِّفَتْ ونُوِّنَتْ، وربما تُشدَّد. (أو رائح)؛ أي: شَكَّ: أهو من الربح أو من الرواح؟ (أفعل) مضارع للمتكلم. (وقال إسماعيل) موصولٌ في (التفسير). (وقال يحيى بن يحيى) موصولٌ في (الوكالة). * * *

14 - باب شوب اللبن بالماء

14 - بابُ شَوْبِ اللبنِ بِالْمَاءِ (باب شَوْب اللَّبَن بالماء)؛ أي: خَلْطه. 5612 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَنسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَنًا، وَأتى دارَهُ، فَحَلَبْتُ شَاةً، فَشُبْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْبِئْرِ، فتنَاوَلَ الْقَدح فَشَرِبَ، وَعَنْ يَسَارِه أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينهِ أَعْرَابِيٌّ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: "الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ". الحديث الأول: (فَشُبْت) إما بالبناء للمفعول أو للفاعل المتكلم. (الأيمن) بالنصب، أي: أَعطِ الأيمنَ، وبالرفع، أي: الأيمنُ أحقُّ. قال (ط): ليس شَوْبُ اللبَن بالماء من باب الخليطَين والإدامَين، وإنما صُبَّ عليه ليَقوَى بردُه ويَكثرَ، والشَّوبُ إنما جاز عند الشرب، وأما عند البيع فلا. * * * 5613 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ

15 - باب شراب الحلواء والعسل

النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيلَةَ في شَنَّةٍ، وَإِلَّا كَرَعْنَا"، قَالَ: وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ في حَائِطِهِ، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ، فَانْطَلِقْ إِلَى الْعَرِيشِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمَا، فَسَكَبَ في قَدَحٍ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ داجِنٍ لَهُ، قَالَ: فَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ. الثاني: (شَنَّة) بالتنوين: القِرْبَةُ الخَلَقُ، وفي بعضها: (شَنِّه) بالإضافة إلى الضمير. (كَرَعْنا) بفتح الراء وكسرها، من: الكَرْع، وهو شربُه بفِيه من موضعه من غير إناء. (العَرِيش): ما يُستَظلُّ به، وليس منافيًا للزُّهد. * * * 15 - بابُ شَراب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تنزِلُ، لأَنَّهُ رِجْسٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَي السَّكَرِ: إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءكمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.

(باب شرب الحَلْواء) في بعضها: (حُبُّ الحَلواء)، وهو الأظهرُ؛ لأنه لا يُشرَب غالبًا، وفي بعضها: (الحُلو). (لشدة)؛ أي: لضرورة، وهذا خلافُ ما عليه الجمهور. قال (ط): وأما أبوالُ الناس فهو مِثلُ الميتة والدم والخمر في التحريم، ولم يختلفوا في جواز أكل الميتة للضرورة؛ فكذا البول، وقال: الحَلواءُ كلُّ شيءٍ حلوٌ. قال (ك): هو عرفًا أخصُّ؛ لأنه ما كان للإنسانُ فيه دخلٌ بطبخٍ ونحوه، وفيه: أن الأنبياءَ والصالحين يأكلون الحَلواءَ والطيِّباتِ. (السَّكَر) بفتحين، أي: المُسكِر، قيل: مقصوده من كلام الزُّهري إنما هو قولُه: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أي: الحَلواءُ والعسلُ من الطيِّبات، فهو حلالٌ، والبولُ ليس منها، وأما قولُ ابن مسعود فإشارةٌ إلى قوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] , فدلَّ على حِلّه؛ لأن الله تعالى لم يَجعلِ الشفاءَ فيما حرَّمَه. * * * 5614 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَني هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ. * * *

16 - باب الشرب قائما

16 - بابُ الشُّرْبِ قَائِمًا (باب الشُّرب قائمًا) 5615 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ، قَالَ: أتى عَلِيٌّ - رضي الله عنه - عَلَى بَابِ الرَّحَبةِ، فَشَرِبَ قَائِمًا، فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهْوَ قَائِمٌ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كمَا رَأَيْتُمُوني فَعَلْتُ. 5616 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ في حَوَائِجِ النَّاسِ في رَحَبةِ الْكُوفَةِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ فشَرِبَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ: رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهْوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وإنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ. الحديث الأول، والثاني: (الرَّحبة) بفتح المهملة، أي: الساحة، والمراد: رَحبةُ مسجدِ الكوفة. (فعل)؛ أي: شرب قائمًا، وإنما فصلَ الرأسَ والرِّجلَينِ؛ لأنه لمَّا لم يكن الرأسُ مغسولًا بل ممسوحًا؛ فصلَه وعطفَ الرِّجلَ عليه،

17 - باب من شرب وهو واقف على بعيره

وإن كانت مغسولةً على نحو قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] وكان لابسَ الخُفِّ، فمسحه أيضًا، وقيل: ذلك لأن الراويَ الثاني نسيَ ما ذكرَه الراوي الأولُ في شأن الرأس والرجلَين. * * * 5617 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: شَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ. الثالث: (ثنا أبو نُعيم ثنا سفيان) أبو نُعيم يَروي عن الثَّوري وعن ابن عُيَينة، وهما عن عاصم الأحول؛ فسفيانُ يحتمل هذا وهذا، قاله الكَلَابَاذِي. * * * 17 - بابُ مَنْ شَرِبَ وَهْوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيره (باب مَن شربَ وهو واقفٌ على بعيره) 5618 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أبو النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاس، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ: أنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَشِيَّةَ

18 - باب الأيمن فالأيمن في الشرب

عَرَفَةَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَشَرِبَهُ. زَادَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ: عَلَى بَعِيرِه. (عُمير مولى ابن عباس) لا ينافي رواية أنه مولى أُمّ الفضل؛ لأن مولى الأُمِّ يُنسَب للابن أبيضًا، والإضافةُ تَصدقُ بأدنى مُلابَسة. (على بعيره) بهذه الزيادة وافقَ الترجمةَ، وإذا جاز الشربُ قائمًا بالأرض فالشربُ على الدابة أَولَى بالجواز؛ لأن الراكبَ أشبهُ بالجالس، وقد وَصلَ المؤلفُ هذه الزيادةَ في (الحج). * * * 18 - بابُ الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ في الشُّرْبِ (باب الأيمن فالأيمن) 5619 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ شِمَالِهِ أبو بَكْرٍ، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: "الأَيْمَنَ الأَيْمَنَ". سبق الحديثُ فيه مراتٍ. * * *

19 - باب هل يستأذن الرجال من عن يمينه في الشرب ليعطي الأكبر

19 - بابٌ هَلْ يَسْتَأْذنُ الرِّجُال مَنْ عَنْ يَمِينِهِ في الشَّرْبِ لِيُعْطِيَ الأَكْبَرَ (باب هل يستأذن الرجلُ مَن عن يمينه؟)؛ أي: الذي عن يمينه. 5620 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِه الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "أتأذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟، فَقَالَ الْغُلاَمُ: وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ! لَا أُوثرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فتلَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في يَدِهِ. (غلام) قيل: هو ابن عباس. (الأشياخ) هو خالد بن الوليد وإهالة. (فتَلَّه)؛ أي: صرعَه وألقاه، والمراد: وضعَه في يده. وفيه: أن تقديمَ نفسِه بما يتعلق بالتقرُّب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبركاته محمودٌ لا مَذمَّةَ فيه، خلافَ الأمور الدنيوية، وفيه: أن استئذانَه صاحبَ اليمين من باب إثبات فضل السِّنِّ، وفيه: أن مَن سَبقَ إلى موضعٍ عندَ عالِمٍ في مسجدٍ ونحوه هو أحقُّ به، وأما حديثُ "كبِّرْ كبِّرْ" فذاك فيما إذا استَوَتْ حالُ القومِ في شيءٍ واحدٍ، ولم يكن لبعضٍ فضلٌ على بعضٍ، فصاحبُ الفضلِ أَولَى، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -

20 - باب الكرع في الحوض

يحبُّ التيامُنَ في الأكل والشرب وجميع الأشياء، استشعارًا منه بما شرَّف اللهُ تعالى به أهلَ اليمين. * * * 20 - بابُ الْكَرْعِ في الْحَوْضِ (باب الكَرْع) هو بسكون الراء: الشُّرب من النهر بالفم. 5621 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَسَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَصَاحِبُهُ، فَرَدَّ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! بأبِي أَنْتَ وَأُمِّي. وَهْيَ سَاعَةٌ حَارَّةٌ، وَهْوَ يُحَوِّلُ في حَائِطٍ لَهُ؟ يَعْنِي: الْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ في شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا"، وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ في حَائِطٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عِنْدِي مَاءٌ بَاتَ في شَنَّةٍ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْعَرِيشِ فَسَكَبَ في قَدَحٍ مَاءً، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ داجِنٍ لَهُ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَعَادَ، فَشَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ. (فرد)؛ أي: السلام. (بأبي)؛ أي: أنتَ مُفدًى بأبي وأمّي، فإن قيل: لِمَ كرَّر وهو

21 - باب خدمة الصغار الكبار

يحوِّل الماء؟ قيل: لأنهما حالان باعتبار فعلَينِ مختلفَينِ. (العَرِيش): مظلَّة تُتخَذ من الخشب، والتمام والتحويل: النقلُ عن قعر البئر إلى ظاهره، وإجراءُ الماء من جانبٍ إلى جانبٍ في بستانه. * * * 21 - بابُ خِدْمَةِ الصِّغَارِ الْكِبَارَ 5622 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الْحَيِّ أَسْقِيهِمْ عُمُومَتِي وَأَنَا أَصْغَرُهُمُ الْفَضِيخَ، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالَ: أكفِئْهَا، فَكَفَأنَا. قُلْتُ لأَنسٍ: مَا شَرَابُهُمْ؟ قَالَ: رُطَبٌ وَبُسْرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنسٍ: وَكَانَتْ خَمْرَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَنسٌ، وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. (وحدثني بعضُ أصحابي) الحديث. (عُمُومتي) بدل أو نصب على الاختصاص. (الفَضِيخ) بمعجمتين، مأخوذ من: الزَّهو والتمر، وسبق الحديثُ. (وحدثني بعضُ أصحابي) هو قتادة. * * *

22 - باب تغطية الإناء

22 - بابُ تَغْطِيَةِ الإِنَاء (باب تغطية الإناء) 5623 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تنتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ، فَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرُوا آنِيتكُمْ وَاذْكرُوا اسْمَ اللهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِؤُا مَصَابِيحَكُمْ". الحديث الأول: (جُنْح) بكسر الجيم وضمها: الظلام، وجنح الليل: طائفةٌ منه. (أَمسيتُم)؛ أي: دخلتُم في المساء. (فكُفُّوا صبيانَكم)؛ أي: امنَعُوهم من الخروج في هذا الوقت، أي: يُخاف عليهم من الشياطين؛ لكثرتهم حينئذٍ وإيذائِهم وخلوِّهم. (فخَلُّوهم) بإعجام الخاء. (وأَوكُوا) هو الشدُّ بالوِكَاء، وهو الذي يُشَدُّ به رأسُ القِرْبة. (وخَمَرُوا)؛ أي: غَطُّوا.

(تَعرضوا) بضم الراء وكسرها، أي: إن لم تتيسر التغطيةُ بتمامها فلا أقلَّ من وضعِ شيءٍ على عرض الإناء، وجواب (لو) محذوف، أي: لَكانَ كافيًا؛ نعم، يُستثنَى من ذلك القناديلُ المُعلقةُ في المساجد ونحوها؛ لأن العلةَ في الأمر بالإطفاءُ خوفَ ضرر النار، فإنْ خِيفَ منها أيضًا فالحكمُ كذلك. قال (ط): خشيَ - صلى الله عليه وسلم - على الصبيان عند انتشار الجن أن تُلمَّ بهم فتَصرَعَهم؛ فإن الشيطانَ قد أعطاه اللهُ تعالى قوةً عليه، وأعلَمَنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن التعرُّضَ للفتن مما لا ينبغي، وأن الاحترازَ منها أحزمُ، على أن ذلك الاحترازَ لا يردُّ قَدَرًا، ولكن لِتَبلغَ النفسُ عذرَها, ولئلا يتسبَّبَ له الشيطانُ إلى لوم نفسه في التقصير، وفيما قال: (لا يَفتحُ بابًا مُغلَقًا) إعلام منه بأن الله تعالى لم يُعطِه قوةً على هذا، وإن كان قد أعطاه أكثرَ منه، وهو الولوجُ حيث لا يَلِجُ الإنسانُ، وقيل: إنما أَمرَ بالتغطية لأن في السَّنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ لا يمرُّ بإناءٍ مكشوفٍ إلا نزَلَ فيه من ذلك، والأعاجمُ يتوقعون ذلك في كانون الأول، وأما إطفاءُ المصابيح فمِن أجلِ الفأرة؛ فإنها تُضرمُ على الناس بيوتَهم، وفيه: أن أمرَه قد يكون لمنافعنا لا لشيءٍ من أمرِ الدِّين، وفيه: الحثُّ على ذِكرِ الله تعالى، قيل: وتحصل التسميةُ بقول اسم الله. قال (ك): فيه جملةٌ من أنواع الآداب الجامعة لمصالح الدنيا والآخرة: وخُصِّصَ بالليل لأن غسقَ الليل وقتُ ظهور الأشرار، وقد ضَبَطَ أحوالَهم فيما يتعلق بالإنسان من جلب المصالح من جهة الاتِّباع؛

23 - باب اختناث الأسقية

وهو كفُّ الصبيان ونحوه، والمَسَاكن؛ وهو غلقُ الأبواب، والمَشَارب؛ وهو إيكاءُ القِرَب، والمَطَاعم؛ وهو تخمير الأواني، ومن دفعِ المَضَارِّ؛ وهو إطفاءُ المصابيح. أو ضَبَطَ دوافعَ الآفاتِ فيما يتعلق بشياطين الجن فبكفِّ الصبيان، وما يتعلق بشياطين الإنس فبالإغلاق، وأما بالآفة السماوية فبإيكاء القِرْبة وتخمير الآنية، وما بالآفة الأرضية فبالإطفاء، وهذا كلُّه على سبيل التمثيل، والباقي يُقَاسُ عليه. * * * 5624 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّام، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِر: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَطْفِؤُا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ"، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: "وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ". الثاني: هو في معنى الذي قبلَه. * * * 23 - بابُ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ (باب اختِنَاث الأَسقِيَة) يقال: اختَنَثتُ السِّقاءَ: إذا أَثنيتُه إلى خارج فشربتُ منه، وأصله:

التكسُّر والانطواء، ومنه الرجلُ المُتشبِّه بالنساء: مُخنَّثًا، والنهيُ فيه تنزيهٌ، والسببُ فيه: أنه لا يَأمَنُ أن يكونَ في السِّقاء ما يُؤذيه من الهَوَامَ، بأن يَدخلَ جوفَ الشارب ولا يَشعرَ به، وأيضًا يُوجبُ استقذارَ غيره، وأنه يروح الماء بنكهته فيَجعلُه مُنتِنًا. * * * 5625 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ؛ يَعْنِي: أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا فَيُشْرَبَ مِنْهَا. 5626 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ مَعْمَرٌ أَوْ غَيْرُهُ هُوَ الشُّرْبُ مِنْ أَفْوَاهِهَا. الحديث الأول، والثاني: (تُكسَر)؛ أي: تُقلَب. * * *

24 - باب الشرب من فم السقاء

24 - بابُ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ (باب الشُّرب مِن فَم السِّقاء) 5627 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أيوبُ، قَالَ لَنَا عِكْرِمَةُ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ قِصَارٍ حَدَّثَنَا بِهَا أَبُو هُرَيْرَةَ؟ نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَم الْقِرْبَةِ أَوِ السِّقَاءِ، وَأَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ في دارِه. 5628 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا أيوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: نهى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُشْرَبَ مِنْ في السِّقَاءِ. 5629 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشُّرْبِ مِنْ في السِّقَاءِ. الحديث الأول، والثاني، والثالث: (السِّقاء أو القِرْبة) قيل: السِّقاء للَّبَن، والقِرْبة للماء. (خشية) بالتنوين والنصب وبالإضافة، وسبق الحديثُ في (المظالم) في (باب لا يمنع جارٌ جارَه)، فإن قيل: هذا شيئان لا أشياءَ؛ قيل: لعله أخبَرَهم بها, ولم يَذكرْه بعضُ الرواة، أو: أقلُّ

25 - باب التنفس في الإناء

الجمع عنده اثنان. * * * 25 - بابُ التَّنَفُّسِ في الإِنَاء (باب التنفُّس في الإناء) 5630 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يتنفَّس في الإنَاءِ، وإِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمسَحْ ذَكَرَهُ بِيَمِينهِ، وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُم فَلَا يتمسَّحْ بِيَمِينهِ". (يَمسَح)؛ أي: يَستنجِي، وسبق الحديثُ في (الوضوء) في (باب النهي عن الاستنجاء باليمين) ورُوي: إلا يَتنفَّسْ، ولا يَمسَحْ، ولا يتمسَّحْ) بالنفي والنهي. * * * 26 - بابُ الشُّرْبِ بِنَفَسَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ (باب الشُّرب في نَفَسَينِ أو ثلاثةٍ) 5631 - حَدَّثَنَا أَبو عَاصِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ

27 - باب الشرب في آنية الذهب

ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَني ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ أَنسٌ يتنفَّسُ في الإنَاء مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَزَعَمَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يتنفَّسُ ثَلاَثًا. (كان يتنفَّس ثلاثًا) وجه الجمع بينه وبين النهي عن التنفس؛ إما أن يُراد بالنهي التنفُّسُ في نفس الإناء، وبالآخر التنفُّسُ خارجَ الإناء، ويُؤوَّل لفظُ (في الإناء) بـ: في شرب الإناء ونحوه، أو كأن النهيَ إذا شربَ مع مَن يَكرهُ نَفَسَه ويتقذَّرُه، والاستحبابُ في غير ذلك، ووجهُ النهي: أنه لا يُؤمَنُ أن يَقعَ فيه شيءٌ مِن رِيقِه فيَعَافُه غيرُه، حتى لو كان وحدَه أو مع مَن لا يتقذَّرُ منه فلا بأسَ به، وحكمة التثليث: أنه أقمعُ للعطش، وأقوى على الهضم، وأقلُّ أثرًا في برد المَعدة وضعف الأعضاء، وحاصلُه: أنه أَهنأ وأَمرَأُ وأَبرَأُ وأَروَى. * * * 27 - بابُ الشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ (باب الشُّرب في آنية الذَّهَب) 5632 - حَدَّثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاسْتَسْقَى، فَأتاهُ دُهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نهيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاج، وَالشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ: "هُنَّ لَهُمْ في الدُّنْيَا وَهْيَ لَكُمْ في الآخِرَةِ".

28 - باب آنية الفضة

(دِهْقَان) بكسر المهملة منصرفًا وغير منصرف: زعيم القرية. (لهم)؛ أي: للكفَّار يدل عليه السياقُ، وليس فيه أن الكفَّارَ غيرُ مُخاطَبين بالفروع؛ لأنه لم يُصرِّحْ بإباحته لهم، بل أَخبَرَ عن الواقع فقط، وسبق الحديثُ في (الأطعمة) في (باب الأكل في الإناء المُفضَّض). * * * 28 - بابُ آنيةِ الْفِضَّةِ (باب آنية الفِضَّة) 5633 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ، ذَكَرَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ، فَإِنَّهَا لَهُمْ في الدُّنْيَا وَلَكُمْ في الآخِرَةِ". الحديث الأول: سبق مراتٍ. * * * 5634 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ نَافعٍ، عَنْ زيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ

أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الَّذِي يَشْرَبُ في إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ". الثاني: (يُجَرجِر) بجيمَينِ وراءٍ مُكرَّرةٍ. قال (ن): المشهورُ في النار النصب، والشارب الفاعل، والنار المشروب، ويقال: جَرجَرَ فلانٌ الماءَ: إذا جَرَعه جرعًا بصوتٍ، أي: كأنما يجرع نارَ جهنم، وأما الرفعُ فمجازٌ؛ لأن نارَ جهنم لا تجرجَر في جوفه حقيقةً، والجَرجَرَةُ صوتُ البعير عند الضمير، ولكنه جعلَ صوتَ جرع الإنسان للماء في هذه الأواني كجَرجَرَةِ نارِ جهنمَ في بطنِه، وحاصلُه: أنَّ مَن نَصبَ فعلى جعل الجرجرة بمعنى الصبِّ، أي: إنما يَصبُّ في جوفه نارَ جهنم، ومَن رَفعَ فالجَرجَرَةُ الصوتُ، وفي رواية لمسلم: (يُجرجِرُ في بطنه نارًا من نار جهنم)، وهي تقوي روايةَ النصب، وقال ابن السّيد: مَن رَفعَ فعلى أنه خبر (إن)، و (ما) بمعنى الذي، فتُكتَب منفصلةً، ومَن نَصبَ جَعلَ (ما) صلةً لـ (إن)، وهي التي تَكفُّ (إنَّ) عن العمل، ونَصبَ النارَ بـ (يجرجر)، نحوَ قوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} [طه: 69] , بنصب الكيد ورفعه. قال (ك): ويُحتمَل أن يُحمَل على الحقيقة؛ فإن الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ. * * *

5635 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنهانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِم، وَنهانَا عَنْ خَوَاتِيم الذَّهَبِ، وَعَنِ الشُّرْبِ في الْفِضَّةِ -أَوْ قَالَ: آنِيةِ الْفِضَّةِ- وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَالْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالإسْتَبْرَقِ. الثالث: سبق شرحُه في (الجنائز)، لكن ذَكرَ هناك (رد السلام)، وهنا (إفشاء السلام)؛ ولا تنافِيَ لأن المقصودَ ما يجري بين المسلمين عند التلاقي، مما يدل على الدعاء لأخيه المسلم وإرادة الخير له، ولا شكَّ أن بعضَ هذه الأمور سُنَّةٌ وبعضَها فرضٌ؛ فالردُّ من الواجبات، والإفشاءُ من السُّنَن، فصحَّ الاعتباران، ويكون استعمالُ (أمرَنا) فيهما جمع بين الحقيقة والمجاز، كما هو مذهب الشافعي، وعند غيره من عموم المجاز، وسبق شرحُ باقي الحديث. * * *

29 - باب الشرب في الأقداح

29 - بابُ الشُّرْبِ في الأقدَاحِ (باب الشرب في الأقداح) 5636 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: أَنَّهُم شَكُّوا في صَوْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَومَ عَرَفَةَ، فَبُعِثَ إِلَيْهِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَهُ. الحديثُ فيه ظاهرٌ. * * * 30 - بابُ الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَآنِيَتِهِ وَقَالَ أبو بُرْدَةَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: أَلاَ أَسْقِيكَ في قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ. (باب الشُّرب من قدح النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -) قوله: (وقال أبو بردة) موصولٌ في (الاعتصام). * * *

5637 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأةٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ: أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ في أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جَاءَهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا، فَلَمَّا كلَّمَهَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: أَعُوذُ باللهِ مِنْكَ، فَقَالَ: "قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي"، فَقَالُوا لَهَا: أتدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ لِيَخْطُبَكِ، قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ في سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِنَا يَا سَهْلُ! "، فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ، فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ. الحديث الأول: (أُجُم) بضم الهمزة والجيم، جمع: أَجَمَة، وهي الغَيضَة، وقال الجَوهري: هو حصنٌ بناه أهلُ المدينة من الحجارة. (مُنكِّسة) اسم فاعل، من: الإنكاس أو التنكيس. (سقيفة)؛ أي: ساباط كان لبني ساعدة الأنصاري. * * * 5638 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أبو عَوَانة، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ: رَأَيْتُ قَدح النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ

31 - باب شرب البركة، والماء المبارك

أَنس بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَدِ انْصَدَع فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ. قَالَ: وَهْوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ. قَالَ: قَالَ أَنسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في هَذَا الْقَدَحِ أكثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانها حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أبو طَلْحَةَ: لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صنَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فترَكَهُ. الثاني: (انصدع)؛ أي: انشقَّ. (نُضَار) بضم النون وتخفيف المعجمة وبالراء: شجرٌ من شجر الشمشار، وقيل: الخالصُ من كل شيء، وقيل: هو عُودٌ أصفرُ يشبه لونَ الذهب، وقيل: الأَثَلُ بالمثلثة، وقال أبو العباس القُرْطُبي: وجدتُ في بعض نُسَخ البخاري، وهي نسخةٌ جيدةٌ عتيقةٌ: قال أبو عبد الله: قد رأيتُ هذا القدحَ بالبصرة وشربتُ فيه، وقد اشتُرِي من ميراث النضر بن أنس بثمانِ مئةِ ألفٍ. * * * 31 - بابُ شُرْب الْبَرَكَةِ، وَالْمَاءِ الْمُبَارَكِ (باب شُرب البَرَكة) هو في لسان العرب: أن يُسمَّى الشيءُ المبارَكُ فيه: بركةً، كما

قال أيوب -عليه الصلاة والسلام-: لا غِنَى لي عن بركتك، فسمَّى الذَّهَبَ بركة. * * * 5639 - حَدثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ حَضَرَتِ الْعَصْرُ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ في إِنَاءٍ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوُضُوءِ، الْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ"، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يتفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصابِعِهِ، فتوَضَّأَ النَّاسُ وَشَرِبُوا، فَجَعَلْتُ لَا آلُوا مَا جَعَلْتُ في بَطْنِي مِنْهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ. قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كنتمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "ألفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. تَابَعَهُ عَمْرٌو، عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ حُصَيْن وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جَابِرٍ. (رأيتُني) بلفظ المتكلم. (حضَرَتِ العصرُ)؛ أي: صلاةُ العصر. (فَضْلَة): ما فَضَلَ من الشيء. (حيَّهَلا)؛ أي: أَقبِلْ وهَلُمَّ، قيل: هو اسمٌ لفعل الأمر، وفي

بعضها: (حيَّ على) بتشديد الياء. (أهلَ الوضوء) منادى حُذِفَ منه حرف النداء. قال (ش): رواية الأكثر (حيَّ على أهلِ الطَّهور)، وسقط (أهل) عند النَّسَفي؛ قيل: وهو الصوابُ، كما جاء في الأحاديث: (حيَّ على الطَّهور). (من بين أصابعه)؛ أي: الانفجار من بين الأصابع لا من نفسها، وفيه معجزةٌ عظيمةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (لا آلُو)؛ أي: لا أُقصِّر في الاستكثار من شربه، ولا أَفتُرُ فيما أَجعلُه في بطني من ذلك الماء. (تابعَه عمرٌو)؛ أي: ابن دينار، موصولٌ في (التفسير). (وقال حُصَين) موصولٌ في (المغازي). (وعمرو بن مُرة) وصلَه أحمد ومسلم، وعبد بن حُميد في "مسنده". (خمسَ عشرةَ مئةً) عدل عن قوله: (ألفٌ وخمسُ مئة) إلى عدد الفِرَق، وأن كلَّ فرقةٍ مئةٌ، وفي التفصيل زيادةُ تقدير لكثرة الشاربين؛ فهو أقوى في بيان، كونه خارقًا للعادة، كما أن خروجَ الماء من اللحم أخرقُ للعادة من خروجه من الحَجَر الذي ضربَه موسى -عليه الصلاةُ والسلامُ- بعصاه. (تابعَه سعيدُ بنُ المُسيِّب) موصولٌ في (المغازي). * * *

75 - كتاب المرضى

75 - كتاب المرضى

1 - باب ما جاء في كفارة المرض، وقول الله تعالى: {من يعمل سوءا يجز به}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 75 - كتاب المرضى 1 - باب مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الْمَرَض، وَقولِ اللهِ تَعَالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (كتاب المَرضَى) (باب كفَّارة المَرَض) الكفَّارة: صيغةُ مبالغةٍ، من: الكَفْر، وهو التغطيةُ، والمرض: خروجُ الجسمِ عن المجرى الطبيعي، يقال: مَلَكةٌ أو حالةٌ تصدر بها الأفعالُ عن الموضوع لها غيرَ سليمةٍ، وإضافةُ (كفَّارة) للمرض بيانيةٌ كـ: شجر الأراك، أي: كفَّارةٌ هي المرضُ؛ لأنه نفسَه كفَّارةٌ، لا أن له كفَّارةً، أو هو من إضافة الصفة للموصوف، وفي بعضها: (كفَّارة للمريض)، أي: كفَّارةٌ بما يحصل له من المرض. (وقول الله تعالى) وجه مناسبة الآية للباب: أن قولَه: {يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] أعمُّ من الجزاء في الآخرة وفي الدنيا؛ بأن يكونَ

مرضُه عقوبةً لتلك المعصية، فيُغفَر له. * * * 5640 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُصِيبةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كفَّرَ اللهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا". الحديث الأول: (مصيبة) هي ما ينزل بالإنسان من مكروه. (الشَّوكة) جوَّز فيه أبو البقاء الجرَّ، أي: لو انتهى ذلك إلى الشوكة، والنصبَ على تقدير: بحدِّ الشوكة أو مع الشوكة، والرفعَ؛ إما عطفًا على الضمير في (تصيب) أو مبتدأ خبره: (يُشَاكُها)، أي: يُصَاب بها، والضمير فيه؛ قال الطِّيبي: هو مفعوله الثاني، والأول مُضمَر، أي: يُشَاك المسلمُ تلك الشوكةَ، فاقتضى أنه مُتعدٍّ إلى مفعولَينِ، لكن قال الكِسَائي: شُكْتُ الرجلَ أَشُوكُه: أدخلتُ في جسده شوكةً، وشِيكَ بالبناء للمفعول يُشَاكُ شوكًا، وشاكَتْني الشوكةُ: دخلَتْ في جسدي، ويقال أيضًا: أَشاكَه بمعنى: شاكَه، فإذا كان شاكَ متعديًا لواحد فالضميرُ في (يُشاكُها) على التوسع، وأصلُه: يُشَاكُ بها. * * *

5641 - و 5642 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاه". الثاني: (نَصَب)؛ أي: تعب وإعياء. (وَصَب)؛ أي: مرض، وقيل: المرض اللازم. (هَمّ)؛ أي: مكروهٌ يحصل للإنسان بحسب ما يقصده. (حزن)؛ أي: ما يَلحقُه بسبب حصول مكروه في الماضي. (أذى)؛ أي: ما يَلحقُه من تعدِّي الغير عليه. (غَمّ)؛ أي: ما يَلحقُه من تضييقٍ وثقلٍ، وهو شاملٌ لجميع أنواع المكروه؛ لأنه إما بسبب ما يَعرِض للبدن أو النفس، والأول: إما بحيث يخرج عن المجرى الطبيعي أو لا، والثاني: إما أن يُلاحَظ فيه الغيرُ أو لا، ثم ذلك إما أن يَظهَرَ فيه الانقباضُ أو لا، ثم ذلك إما بالنظر إلى الماضي أو لا. * * *

5643 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَن أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْمؤمِنِ كَالْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّة، وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لَا تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً". وَقَالَ زكرِيَّاءُ: حَدَّثَنِي سَعْدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ كعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (سفيان) هو الثوري. (عن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. (كالخامة) بخفة الميم، هي: الطاقة الغضَّة الليِّنة أولَ ما تَنبتُ، وألفُها منقلبةٌ عن واوٍ. (تُفيِّئُها)؛ أي: تُميِّلها وتُقلِّبُها وتُرجعُها، وفاعلُه ضميرُ (الريح) المدلولُ عليه بالقرينة العادية، كما صُرِّحَ به في الحديثِ الآتي، سيأتي في (باب كفَّارة المريض). (تَعدِلُها)؛ أي: تُقيمُها كما هي. (كالأَرْزة) بفتح الهمزة وسكون الراء أو بفتحها: شجر الأَرْز، وهو شجرٌ معروفٌ. قال (ع): كذا الرواية, وقال أبو عبيدة: إنما هو الآرِزة بالمد وكسر الراء، بوزن: فاعلة، أي: الثابتة في الأرض، وأنكرَ ذلك أبو عُبَيد، فقد جاء في حديث: (كشجر الأَرْز) مُفسَّرًا، انتهى.

(تزال) بفتح المثناة وضمّها. (انجعافها)؛ أي: انقلاعها، وهو مُطاوعٌ، جَعَفَه جَعْفًا بالجيم والمهملة. (وقال زكريا) وصلَه مسلم. * * * 5644 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيُّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أتتهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا، فَإذَا اعْتَدَلَتْ تَكَقَّأُ بِالْبَلاَءِ، وَالْفَاجِرُ كَالأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللهُ إِذَا شَاءَ". الرابع: (كَفَأَتْها)؛ أي: قلَبَتْها. (اعتدَلَتْ) قيل: صوابه: فإذا انقلبت، وإلا لم يكن قوله: (تَكَفَّأُ)؛ أي: تقلَّبُ رجوعًا إلى وصف المسلمين، وكذا ذكره في (التوحيد) بهذا اللفظ، وقال: (المُؤْمِنُ يُكْفَأُ بالبَلاءِ)، وفي "مسند أحمد": (مَثَلُ المُؤْمِنِ مَثَلُ الخَامَةِ: تَحْمَرُّ مَرّةَ وَتَصْفَرُّ أُخْرَى)، ذكره في جواب مَن قال: (لم تُصِبْني الحُمَّى قطُّ)، وفيه فائدتان: تفسيرُ الخامة، وكونُه وَرَدَ على سببٍ.

قال (ك): فإن قلت: البلاءُ إنما يكون يُستعمَل فيما يتعلق بالمؤمن، فالمناسبُ أن يقال: بالرِّيح. قلت: الرِّيحُ أيضًا بلاءٌ بالنسبة إلى الخامة، أو أراد بالبلاء ما يَضرُّ بالخامة، أو لما شبَّه المؤمنَ بالخامة أثبتَ للمشبَّه به ما هو من خواصِّ المُشبَّه. (صمَّاء)؛ أي: صلبةٌ كبيرةٌ شديدةٌ، ليست مُجوَّفةً ولا خوَّارةً ضعيفةً. (يَقْصِمُها) بالقاف وبإهمال الصاد بكسرها. قال (ط): مَثَّلَ المؤمنَ بالخَامَة من حيث إنه إذا جاء أمرُ الله تعالى انطاعَ له ورجا في مكروهه الأجرَ، فإذا سكنَ البلاءُ عنه اعتدلَ قائمًا بالشكر له على البلاء، أي: الاختبار، وعلى المعافاة منه، منتظرًا لإحسانٍ آخرَ، والكافرُ لا يكون منه تعالى اختبارٌ له؛ بل يُعافيه ويُيسِّر عليه أمورَه ليَعسُرَ عليه مَعَادُه، فإذا أراد اللهُ أن يُهلكَه قصمَه، ويكون موتُه أشدَّ عذابًا عليه وأكثرَ ألمًا في خروج نفسه من ألم النفس المبتلاة بالبلاء المأجور عليه. * * * 5645 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَسَار أَبَا الْحُبَابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

2 - باب شدة المرض

"مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ". الخامس: (يُصَب) بالبناء للمفعول، وحينئذٍ فالضميرُ في (منه) عائدٌ لله تعالى، أي: يصير مصابًا بحكم الله. وقال (ن): ضبطوا: (يُصب) بفتح الصاد وكسرها، وقال الطِّيبي: الفتحُ أحسنُ للأدب، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] وقال الزَّمَخْشَري: أي: يَنَلْ منه المصائب، وقال البَغَوي: يَبتليه بالمصائب، وقال المُظهري: أَوصَلَ اللهُ ذلك إليه ليُطهِّرَه من الذنوب. قال أبو الفرج: عامةُ المُحَدِّثين يقرؤونه بكسر الصاد، وسمعتُ أبا محمَّد بن الخشاب يفتحه؛ وهو أحسنُ وأليقُ. * * * 2 - بابُ شِدَّةِ الْمَرَض (باب شدة المرض) 5646 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ. حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا

قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (الوجع)؛ أي: المرض. * * * 5647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في مَرَضِهِ وَهْوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لتوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ. قَالَ: "أَجَلْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبهُ أَذًى، إِلَّا حَاتَّ اللهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ". الثاني: (يُوعَك) بفتح المهملة، من: وُعِكَ بضم أوله، فهو مَوْعوكٌ. (وَعْكًا) بسكون العين وفتحها: الحُمَّى، وقيل: ألمها وتعبُها. (ذاك)؛ أي: تَضَاعُف الحُمَّى، وفي الحديث طَيُّ شيءٍ صُرِّحَ به في روايةٍ أُخرى، أي: قال - صلى الله عليه وسلم -: (إني أوْعَكُ كمَا يُوْعَكُ رَجُلان مِنْكُم)، فقال ذلك. (أجل)؛ أي: نعم. (ما مِن مسلم) إلى آخره، عقَّبَه على كون المريض له زيادةُ حسناتٍ: أن المرضَ يحصل به الأمران؛ انحطاطُ السيئات، وزيادةُ الدرجات، فلا يُنافي تصديقَ الأول بـ (أجل)، كأنه قيل: نعم، يحصل

3 - باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأول فالأول

ذلك وشيءٌ آخرُ. (تَحَاتُّ)؛ أي: تَسَاقَطُ. * * * 3 - بابٌ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأولُ فالأولُ (باب أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ) أي: الأفضلُ، وعَطَفَ بـ (ثم) أولًا، وبالفاء آخرًا إعلامًا بالبعد والتراخي في المرتبة بين الأنبياء وغيرهم، وعدم ذلك من غير الأنبياء، فالبعدُ بين النَّبِيِّ والوَليِّ أكثرُ من البعد بين الوليِّ والوليِّ. (الأول فالأول) تفسيرٌ لِمَا سبق، فلذلك لم يَعطِفْ عليه، والحكمةُ في كونِ الأنبياءِ أشدَّ بلاءً: أنهم مخصوصون بكمال الصبر ومعرفة أنها من نِعَمِ الله، وليُتمَّ لهم الخيرَ ويُضاعِفَ لهم الأجرَ ويزيدَ رفعَ درجاتهم. والحديثُ سبق شرحُه، ووجهُ مطابقته للترجمة: قاسَ سائرَ الأنبياء على محمد - صلى الله عليه وسلم -، والأولياءَ بعدَهم كذلك لوجود المعنى، فالبلاءُ في مقابلة النِّعَم، فمَن كان نِعَمُ الله عليه أكثرَ كان بلاؤُه أشدَّ، ولذلك ضعَّف حدودَ الأحرار على الأَرِقَّاء، وقال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} الآية [الأحزاب: 30]، وأشار البخاريّ بهذه الترجمة إلى الحديث، لكن ليس على شرطه، وقد رواه التِّرْمِذي

4 - باب وجوب عيادة المريض

فقال: ثنا قُتيبة، ثنا حَمَّاد، عن عَاصِم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: (الأنبياءُ، ثم الأَمثلُ، فالأَمثلُ)، وقال: حسن صحيح. * * * 5648 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: "أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُم"، قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: "أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيئاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا! ". (أذى) تنكيره للتقليل لا للجنس؛ ليصحَّ ترتُّبُ فوقَها ودونهَا في العظم والحقارة عليه بالفاء في قوله: (فما فوقَها)؛ وهو مُحتملٌ للأمرَين: فوقَه في العظم، ودونَه في الحقارة، وبالعكس. * * * 4 - بابُ وُجُوبِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ (باب وجوب عيادة المريض) 5649 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ مَنْصُورٍ،

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ". الحديث الأول: (وعُودُوا) قال (ط): يُحتمَل أن يكونَ ذلك فرضَ كفايةٍ كإطعام الجائع، وأن يكونَ أمرَ ندبٍ حضًّا على المُؤاخاة والأُلفة. (المريض) يعمُّ سائرَ الأمراض، خلافًا لِمَن قال: لا يُعادُ الرَّمِدُ؛ قال: لأن العائدَ يرى في بيته ما لا يراه، والمُغمَى عليه من الرَّمَد؛ لأنه يزيد عليه بغيبةِ عقلِه، وقد عاد - صلى الله عليه وسلم - جابرًا في الإغماء، وفيه: أن عيادةَ المريض تُوجب ثورانَ نشاطه وانتعاشَ قوته، فيَصحُّ من مرضه بحسب العادة، ولهذا وُسِّط بين الإطعام والفكِّ الذَين هما بحسب الظاهر سببٌ لبقائهما، وإن كان الكلُّ في الحقيقة بقدرة الله تعالى؛ إذ لا مُؤثِّرَ في الوجود إلا اللهُ تعالى. (العَانِي) بالمهملة والنون: الأسير، وفكُّه: تخليتُه بفداء ونحوه. * * * 5650 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرني أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيةَ بْنَ سُويدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَراءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبعٍ، وَنهانَا عَنْ سَبع، نهانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَلُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيباجِ، وَالإسْتَبْرَقِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَالْمِيثَرَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نتبَعَ الْجَنَائِزَ، وَنعودَ الْمَرِيضَ، وَنُفْشِيَ السَّلاَمَ.

5 - باب عيادة المغمى عليه

الثاني: (القَسِّي) ثوبٌ منسوبٌ إلى القَسِّ بفتح القاف وتشديد المهلمة: قرية. (المِيثَرة) بكسر الميم، من: الوَثَارة بالمثلثة والراء، وهي اللين، والجمع مَيَاثر، وهي جلودُ السِّباع، وقيل: وِطَاءٌ كانت النساءُ تَصنعُه لأزواجهنَّ على السُّروج، وسابع المنهيات: الشربُ في آنية الفضة، والأربعةُ الباقيةُ من المأمورات: تشميتُ العاطس، وإجابةُ الداعي، ونصرُ المظلوم، وإبرارُ القَسَم. (وتُفشِي السلام)؛ أي: تعميم السلام لِمَن عَرفَ ومَن لم يَعرِفْ، وسبق الحديثُ. * * * 5 - بابُ عِيَادَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (باب عيادة المُغمَى عليه) 5651 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - يَقُولُ: مَرِضْتُ مَرَضًا، فَأتَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودني وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَوَجَدَانِي أُغمِيَ عَلَيَّ، فتوَضَّأَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَي، فَأَفَقْتُ فَإذَا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَصْنعُ فِي مَالِي؟ كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟

6 - باب فضل من يصرع من الريح

فَلَمْ يُجبْنِي بِشَيْءٍ، حَتَّى نزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. (أُغمِيَ) بضم الهمزة، من: الإغماء، وهو الغشي، وهو تعطُّل جُلِّ القُوى المُحرّكة والحسَّاسة لضعفِ القلبِ، واجتماعِ الرُّوح كلِّه إليه واستفراغِه وتحلُّلِه. (آية الميراث)؛ أي: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11]. وسبق الحديثُ وشرحُه في (تفسير سورة النساء)، فيه: عيادة المُغمَى عليه كسائر الأمراض، وطولُ الجلوس عند العليل إذا رأى لذلك وجهًا. * * * 6 - بابُ فَضْلِ مَن يُصْرَع مِنَ الرِّيحِ (باب فضل مَن يُصرَع من الريح) أي: من داءٍ يكون فيه، والصَّرَع عند الأطباء: علَّةٌ تمنع الأعضاءَ النفسيةَ عن أفعالها كلِّها منعًا غيرَ تامٍّ، وسببُه شدةٌ تَعرِض في بطون الدِّماغ ومجاري الأعصاب المحركة، وسببُ الزَّبَد غلظُ الرطوبة والريح. 5652 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ،

قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأةُ السَّوْداءُ، أتتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرعُ، وَإِنِّي أتكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ"، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أتكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أتكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. الحديث الأول: (أتكشَّف) إما من: التفعُّل، أو من: الانفعال، أي: فتبدو عَورتي. * * * 5652 / -م - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني عَطَاءٌ: أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ، امْرَأةٌ طَوِيلَةٌ سَوْداءُ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبة. الثاني: (أُمّ زُفَر) بضم الزاي وفتح الفاء وبالراء: كنية المرأة المصروعة، وسماها أبو موسى في "الذيل": سُعَيرة بالمهملات، وهو في "تفسير ابن مردويه"، وذكر ابن طاهر: أنها المرأة التي كانت تأتي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيُكرمُها لأجل خديجة، وهو من رواية الزُّبَير بن بَكار عن شيخٍ من أهل مكة، قال: أُمُّ زُفَرَ ماشطةُ خديجةَ.

7 - باب فضل من ذهب بصره

(سِتْر) بكسر المهملة، أي: جالسةٌ على ستر الكعبة أو معتمدةٌ عليه، ويُحتمَل أن يتعلقَ بقوله: (رأى)، وفيه: فضلُ الصَّرَع، وأن اختيارَه والصبرَ عليه يُورث الجنةَ، وأن الأخذَ بالشدة أفضلُ من الأخذ بالرخصة، وفيه: عدُّها من أهل الجنة زيادة على العشرة كالحسن والحسين وابن سلام وأزواج النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم. * * * 7 - بابُ فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُه (باب فضل مَن ذهبَ بصرُه) 5653 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ"؛ يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ. تَابَعَهُ أَشْعَثُ بنُ جَابِرٍ وَأَبُو ظِلاَلٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (بحبيبتَيه)؛ أي: محبوبتَيه، أي: العينَين؛ لأنهما أحبُّ الأشياء إليه. (صبر)؛ أي: على البلاء شاكرًا راضيًا لقضاء الله تعالى، وليس الابتلاءُ بالعَمَى سخطًا؛ بل لدفعِ مكروهٍ يكون بسبب البصر،

8 - باب عيادة النساء الرجال

وتكفيرِ ذنوبٍ سلفَتْ، وإبلاغِه درجة لم يكن يبلغها بعمله، والتعويض أفضلِ نعمةٍ عليه في الدنيا أفضلَ الجزاء في الآخرة، وهو الجنةُ. (تابعَه أشْعَث) وصلَه أحمد، والطبَراني في "الأوسط". (وأبو ظلال) رواه التِّرْمِذي وعبد بن حُميد. * * * 8 - بابُ عِيَادَةِ النِّسَاءِ الرِّجَالَ وَعَادَتْ أُمُّ الدَّرْداءِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَسجدِ مِنَ الأَنْصَارِ. (باب عيادة النساء الرجالَ) 5654 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ - رضي الله عنهما -، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا قُلْتُ: يَا أَبَتِ! كيْفَ تَجدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ كيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنىَ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ:

أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بَوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصاعِهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ". (تَجدُك) بمثناة في أوله، أي: كيف تَرى نفسَك في مرضك، فـ (وجد) بمعنى: علم، ولذلك عُدِّيَ إلى ضمير المخاطب، أي: كيف تجدُ نفسَك، ولا يكون ذلك في غير أفعال القلوب، وسبق تقريرُه مراتٍ، ودخولُ عائشةَ على بلال - رضي الله عنهما -؛ إما لأنه قبلَ الحجاب، أو قبلَ بلوغها، أو لحاجة المعالجة. (مُصَبَّح) بفتح الموحدة، أي: مَقُول له: انعَم صباحًا. (أدنى)؛ أي: أقرب. (شِرَاك) بكسر المعجمة: أحدُ سُيور النعل التي على وجهها. (أقلعت) بفتح الهمزة، وأَقلَعَ المطرُ: انجلى. (بواد) أراد به واديَ مكةَ. (إذخر) بكسر الهمزة. (وَجَلِيْل) بفتح الجيم: نبتٌ ضعيفٌ يُحشَى به خِصَاصُ البيوت. (مَجَنَّة) بفتح الميم وكسرها وفتح الجيم وشدة النون: اسمُ

9 - باب عيادة الصبيان

موضعٍ على أميالٍ من مكةَ كان به سوقٌ للجاهلية. (يَبْدُوَنْ) بنون التوكيد الخفيفة، أي: يَظْهَرْنَ. (شَامَةٌ) بالمعجمة وخفة الميم، وقيل: بالموحدة بدل الميم. (وَطَفِيْلُ) بفتح الطاء وكسر الفاء: جبلانِ بمكةَ. (مُدِّها وصَاعِها)؛ أي: المُكَالُ بهما قُوتُ الإنسان، وأمَّا تخصيصُ هذه الأحوال؛ لأن المصلحةَ إما للبدن أو للنفس أو للخارج عنها المحتاج إليه، فالمحبةُ نفسانيةٌ، والصحةُ بدنيةٌ، والطعامُ خارجيٌّ، وهذا قريبٌ مما رُوي: "مَن أَصبَحَ مُعافًى في بدنه وآمنًا في سِرْبِه، وعندَه قُوتُ يومِه فقد حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرها". قال (ط): فيه: الدعاءُ برفع المرض والرغبةُ في العافية، ففيه: ردٌّ على مَن قال مِن الصُّوفية: لا تتمُّ ولايةُ الوليِّ حتى يرضَى بجميع ما نزلَ به من البلاء، ولا يدعو في كشفه. * * * 9 - بابُ عِيَادَةِ الصِّبْيَانِ (باب عِيَادَةِ الصِّبْيَانِ) 5655 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَني عَاصِمٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ ابْنَةً

لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَهْوَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَعْدٍ وَأُبَيٍّ: نَحْسِبُ أَنَّ ابْنَتِي قَدْ حُضِرَتْ فَاشهَدْنَا، فَأرْسَلَ إِلَيْهَا السَّلاَمَ وَيَقُولُ: "إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَحْتَسِبْ وَلْتَصْبِرْ"، فَأرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقُمْنَا، فَرُفِعَ الصَّبِيُّ فِي حَجْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، فَفَاضَتْ عَيْنَا النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُ سَعْد: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الرُّحَمَاءَ". (يحسب)؛ أي: يظنُّ الراوي أن هذَينِ كانا أتباعًا للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أي: فلا يجزم بمصاحبة أُبَيٍّ في ذلك الوقت، وسيأتي في (النذور): (ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامةُ وسعيد، وأبِي أو أُبَيُّ) على الشك بين أبيه، أي: أسامة، وأُبَيّ بن كعب، ويُحتمَل أن يكونَ معناه: ويظنُّ الراوي أنها أَرسلَتْ: إن ابنًا لي قد قُبِضَ. (حُضِرَتْ) مبني للمفعول، أي: حضرَتْها الوفاةُ. قال (ط): هذا الحديثُ لم يَضبِطْه الراوي؛ مرةً قال: (إن ابني)، ومرةً قال: (فرُفع الصبيُّ). قلت: قد سبق الحديثُ في (كتاب الجنائز)، وجوابُ الإشكالِ فيه. (فَلْتَحتسِبْ)؛ أي: تطلب الأجرَ من الله، وَلْتَجعلِ الولدَ في حساب الله راضيةَ بقضائه.

10 - باب عيادة الأعراب

(حَجْر) بفتح الحاء وكسرها. (وَنفسُه) بسكون الفاء. (تقَعْقَع)؛ أي: تضطرب وتتحرك بتصويتٍ. (ما هذا) استغرابُ ما هو خلافُ العادة. (رحمة) يلقيها اللهُ تعالى في قلوب الرُّحَماء، لا جزعَ وقلةَ صبرٍ. * * * 10 - بابُ عِيَادَةِ الأَعْرَابِ (باب عِيَادة الأَعرَاب) هم سكَّان البادية. 5656 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ: "لَا بَأسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله"، قَالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ! كَلَّا بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَعَم إذًا". (أعْرَابي) قال الزَّمَخْشَري في "ربيع الأبرار": اسمه قيس بن أبي

11 - باب عيادة المشرك

حازم، قيل: فإن صحَّ فهو موافقٌ لاسم التابعي الكبير المخضرم، وإلا فهو وَهْمٌ. (طَهُور)؛ أي: مُطهِّر للذنوب. (تَفُور)؛ أي: تَغلِي ويَظهَر حرُّها ووهجُها. (أو تَثُور)؛ أي: بالمثلثة، فالشكُّ من الراوي. (تُزِيرُه) بضم أوله، من: أزَارَه: إذا حملَه على الزيارة، أي: تبعثُه إلى المَقبُرة. (فنعم) عطف على محذوف. (إذن) جزاء وجواب، أي: إذ أَبيتَ يكون الأمرُ كما زعمتَ، وسبق الحديثُ في (باب علامات النبوة)، وفيه: أنه لا نقصَ على العالِم في عيادة الجاهل، ويُروَى: أن الأعرابِيَّ ماتَ بعدَ هذا. * * * 11 - بابُ عِيادَةِ الْمُشْرِك (باب عِيَادَةُ المُشْرِك) 5657 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ غُلاَمًا لِيَهُودَ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ، فَأتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَالَ: "أَسْلِمْ"، فَأسْلَمَ.

12 - باب إذا عاد مريضا فحضرت الصلاة فصلى بهم جماعة

5657 / -م - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ: لَمَّا حُضِرَ أَبُو طَالِبٍ جَاءَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (فأسلَم)؛ أي: الغلام، فطُوبَى له وتبًّا لأهله، قال الشاعر: فرَّتْ يَهُودُ وأَسلَمَتْ جِيرَانُهَا ... صَمِّي لِمَا فَعَلَتْ يَهُودُ صَمَامِ يقال للداهية: صَمِّي صَمَامِ، مثل: قَطَامِ، أي: زِيدِي يا داهيةُ لفعلهم، قالوا: فيُعَاد المُشرِكُ إذا رُجِيَ إجابتُه للإسلام، وإلا فلا يُعَادُ. (وقال سعيد) موصولٌ في (التفسير). (حُضِرَ) بالبناء للمفعول. (أبو طالب) عبد مناف. * * * 12 - بابٌ إِذَا عَادَ مَرِيضًا فَحضَرَتِ الصلاَةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً (باب إذا عادَ مريضًا فحَضَرَتِ الصلاةُ) 5658 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ يَعُودُونه فِي مَرَضِهِ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ

13 - باب وضع اليد على المريض

قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِم اجْلِسُوا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: "إِنَّ الإمَامَ لَيُؤْتَمُّ بِهِ، فَإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وإذا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلوسًا". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - آخِرَ مَا صَلَّى صَلى قَاعِدًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ. (لَيُؤتَمُّ) بفتح اللام وكسرها. (قيامًا) جمع: قائم، أو مصدرٌ وُصِفَ به، بمعنى: قائمِين. * * * 13 - بابُ وَضعِ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ (باب وضع اليد على المريض) 5659 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْجُعَيْدُ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْد: أَنَّ أَبَاهَا قَالَ: تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ شَكْوًا شَدِيدًا، فَجَاءَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي، فَقُلْتُ: يَا نبِيَّ اللهِ إِنِّي أترُكُ مَالًا وإني لَمْ أترُكْ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً، فَأوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي، وَأترُكُ الثُّلُثَ؟ فَقَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَأوصِي بِالنِّصْفِ وَأترُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَأوصِي بِالثُّلُثِ وَأترُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كثِيرٌ"، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، وَأتمِمْ لَهُ هِجْرتهُ"، فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ عَلَى كَبِدِي فِيمَا يُخَالُ

إِلَيَّ حَتَّى السَّاعَةِ. الحديث الأول: (شكوى)؛ أي: مرض، وهو بالقصر غير مُنوَّن، وفي بعضها بالتنوين. (شديدة) في بعضها: (شديدًا بلاؤها). (كثير) بالمثلثة والموحدة. (اشفِ سعدًا) فيه الدعاءُ للمريض بالشفاء. (وأتمِمْ له هجرتَه)؛ أي: لا تُمِتْه بالموضع الذي هاجَرَ منه وتركَه، فاستجابَ اللهُ تعالى دعاءَه وشفاه، ومات بعدَ ذلك بالمدينة. (بَرْدَه) الضمير للمسح، أو لليد باعتبار العضو. (يُخَالُ)؛ أي: يُتخيَّل ويتصوَّر. قال السَّفَاقُسِي: صوابه: فيما يُخيَّل إليَّ، من: التخيُّل والوهم، قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]، وفي وضع اليد على المريض تأنيس له، وتعرُّفٌ لشدة مرضه ليَدعوَ له العائدُ على حسب ما يبدو له، وربما يَنتفعُ به العليلُ إذا كان عائدُه صالحًا يُتبَرَّك به. * * * 5660 - حَدَّثَنَا قتيْبة، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: دَخَلْتُ

14 - باب ما يقال للمريض، وما يجيب

عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهْوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ". فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَجَلْ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا". الثاني: (أدنى مرض)؛ أي: أقل مرضٍ مما فوقَه، وفي بعضها: (أذى) بالمعجمة، فـ (مرض) بيان له. * * * 14 - بابُ مَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ، وَمَا يُجِيبُ (باب ما يُقال للمريض وما يُجيب) 5661 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ، فَمَسِسْتُهُ وَهْوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَقُلْتُ: إِنَّكَ لتوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ. قَالَ: "أَجَلْ، وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذى إِلَّا حَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ".

15 - باب عيادة المريض راكبا، وماشيا، وردفا على الحمار

5662 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: "لَا بَأسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ كَلَّا بَلْ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، كَيْمَا تُزِيرَهُ الْقُبُورَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَعَمْ إِذًا". الحديث الأول، والثاني: (كما تحَاتُّ) مبني للمفعول، من: المُحَاتَة، أو للفاعل، من: التَّحَاتِّ، أي: التناثر. (إسحاق) هو ابن شاهين الواسطي. (ثنا خالد) هو الطحان. (عن خالد) هو الحَذَّاء. (تُزِيرُه)؛ أي: تبعثُه القبورَ، فيه: مخاطبةُ العائدِ المريضَ بما يُسلِّيه من ألمه، ويُذكِّره الكفَّارَةَ لذنوبه والتطهيرَ لآثامه. * * * 15 - بابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ رَاكبًا، وَمَاشِيًا، وَرِدْفًا عَلَى الْحمارِ (باب عيادة المريض راكبًا وماشيًا) 5663 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُروَةَ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ركبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدكِيّةٍ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَسَارَ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللهِ، وَفي الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّة خَمَّرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أنفَهُ بِرِدائِهِ، قَالَ لَا تُغبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَوَقفَ، وَنزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ فَقَرأ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ: يَا أيهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاستَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يتثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى سَكَتُوا فَرَكِبَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - دابته حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ: "أَيْ سَعْدُ ألمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أبو حُبَابٍ"؛ يُرِيدُ: عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ، قَالَ سَعْد: يَا رَسُولَ اللهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ، فَلَقَدْ أَعْطَاكَ اللهُ مَا أَعْطَاكَ، وَلَقَدِ اجْتَمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ، فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ. الحديث الأول: (إكَاف) هو البَرْذَعَة.

(قَطِيْفَة) هي الدِّثَار المُذهَّب. (فَدَكِيَّة) بفتح الدال: نسبة إلى فَدَك، قريةٌ من خَيبرَ، وصحَّفه بعضُهم بقوله: (فركبَه)، من الركوب، وسبق الحديثُ في (المغازي). أما تكرارُ (على) مع أن النُّحاةَ قالوا: لا تتعدَّد صلاتُ الفاعل؛ فلأن الثالثَ بدلٌ من الثاني، وهو بدل من الأول، فهما في حكم الطرح. (سَلُول) هي أُم عبد الله بن أُبَيٍّ، فيُنوَّن أُبَيٌّ، ويُرفَع ابنٌ بعدَه. (واليهود) يُحتمَل عطفُه على (المشركين)، وعلى (عَبَدة الأوثان)؛ لأنهم أيضًا مشركون لقولهم: عُزَيرٌ ابنُ الله. (عَجَاجة) بفتح المهملة وخفة الجيم الأولى، أي: غُبَار. (خَمَّرَ)؛ أي: غطَّى. (أحسن) بلفظ فعل المضارع، وبلفظ أفعل التفضيل، أي: لا شيءَ أحسنُ من قولك. قال التَّيْمي: إنه قال ذلك استهزاءً. (من ما تقول) قال (ك): إن ورد بدون (من) أيضًا فيكون: مما تقول، مفعولٌ لـ (أحسن) الذي هو على صيغة المضارع؛ وفيه نظرٌ. (رَحْلِك) هو مَسكَنُ الإنسان وما يَستصحبُه من أثاثٍ.

(يتثَاوَرُون)؛ أي: يتَواثَبُون ويَتَهاجَون غضبًا. (سكتوا) بالمثناة أو بالنون. (أبو حُبَاب) بضم المهملة وموحدتين: كنية ابن أُبَيٍّ. (البَحْرَة)؛ أي: البلدة. (يتوِّجُوه)؛ أي: يجعلوا التاجَ على رأسه كنايةً عن الملك، أي: يجعلوه ملكًا. (فيُعصِّبُوه)؛ أي: يشُدُّون عصابةَ السيادة برأسه، فيُحتمَل أن ذلك حقيقةٌ أو مجازٌ. (شَرِقَ)؛ أي: غصَّ. * * * 5664 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدٍ -هُوَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ-، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي، لَيسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلَا بِرذَوْنٍ. الثاني: (بِرْذَون) بكسر الموحدة وفتح المعجمة لغةً: الدابةُ، وعُرفًا: نوعٌ من الخيل. * * *

16 - باب قول المريض: إني وجع، أو: وارأساه، أو: اشتد بي الوجع، وقول أيوب عليه السلام: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}

16 - بابُ قولِ المَرِيضِ: إِنِّي وَجِعٌ، أَوْ: وَارَأْسَاهْ، أَوِ: اشْتَدَّ بي الْوَجَعُ، وَقَوْلِ أيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلاَم: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (باب قول المريض: إني وَجِعٌ، أو: وارَأسَاه) تفجُّع على الرأس من شدة صداعه. 5665 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ وَأيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رضي الله عنه -: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ، فَقَالَ: "أيَؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ "، قُلْتُ: نعم، فَدَعَا الْحَلَّاقَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ أَمَرَني بِالْفِدَاءِ. الحديث الأول: (نعمْ)؛ أي: نعم، يُؤذيني ذلك وأنا وَجِعٌ منه. (بالفداء)؛ أي: بالفدية، وسبق شرحُ الحديث في (الحج). * * * 5666 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زكرِيَّاءَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ،

فَاَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ، وَاللهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يتمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأبَى اللهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللهُ وَيَأبَى الْمُؤْمِنُونَ". الثاني: (ذاك)؛ أي: موتك، دلَّ عليه السياقُ. (واثُكْلِيَاهْ) مندوبٌ؛ إما للمصدر، واللامُ مكسورة، وإما للثُّكل صفةً، فاللامُ مفتوحةٌ، والثُّكل: فقدانُ المرأةِ ولدَها، ثم صار يُقال عندَ كلِّ مصيبةٍ أو خوفِ مكروهٍ أو نحو ذلك. (لَظَلِلْتَ) بكسر اللام. (مُعْرِسًا) بتسكين العين، من: أَعرَسَ بأهله: بنَى بها أو غَشِيَها، وفي بعضها بالتشديد، من التَّعْرِيس. قال (ش): وفيه نظرٌ من جهة اللغة، انتهى. لكن تقدَّم في (النكاح) في (باب قيام المرأة على الرجال) ما يمنعُه. (بل أنا وَارَأْسَاهُ)؛ أي: لا بأسَ عليك مما تَخافين؛ لكن أنا الذي أَموتُ في هذه الأيام، وأنتِ تعيشين بعدي، عَرفَ ذلك - صلى الله عليه وسلم - بالوحي. (أَعْهَد)؛ أي: أُوصي بالخلافة، يقال: عَهِدتُ إليه، أي:

أَوصيتُه، وفائدةُ ذكر الابن، وإن لم يكن له في الخلافة مدخلٌ: أن المقامَ لاستمالة قلب عائشةَ رضي الله عنها، يعني: كما أن الأمرَ مُفوَّضٌ إلى والدك، كذلك الائتمارُ يكون بحضور أخيك وأقاربك، أو لأنه مَحْرَم؛ فربما احتِيجَ إلى إرساله إلى أحدٍ أو قضاءِ حاجةٍ، فيكون متصديًا لذلك. (أن يقول)؛ أي: كراهةَ أن يقولَ قائلٌ: الخلافةُ لي. (أو يتمنى)؛ أي: أحد ذلك، فأُعينه بذلك قطعًا للنزاع. (المُتمنُّون) أصلُه: المُتمنِّيُون، فحُذفت ياؤُه. (أو يَدفَعُ الله) هو شكٌّ من الراوي: أيَّ الأمرَينِ قال. وفي الحديث: أن مَن اشتكى عضوًا يجوز أن يتأوَّهَ منه، وفيه: جوازُ المزاح؛ لأنه علم أن الأجلَ لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، فقال ذلك على وجه المداعبة، وفيه: أن ذكرَ الوجع ليس بشكايةٍ؛ بل قد يَسكتُ الإنسانُ ويكون شاكيًا، ويذكرُ وجعُه ويكون راضيًا، فالمُعوَّلُ على النيَّة لا على الذِّكر. قال عن بعضهم: إنه يُكتَب على المريض أنينُه، وما سُمِعَ لطلحَةَ أنينٌ حتى ماتَ، قالوا: ويُكرَه شكوى العبدِ ربَّه على ضرٍّ نزلَ به، بأن يذكرَ ذلك على وجه الضجر أو التسخُّط بالقضاء، لا الذي يُخبر إخوانَه ليَدعُوا له بالعافية، ولا مَن استراح إلى الأنين؛ بل الأنينُ قد يَغلبُ على الإنسان بحيث لا يُطيقُ ردَّه، وفيه: تركُ مصلحةٍ لمصلحةٍ أعظمَ منها، فتَركَ العهدَ، وهو ما أراد اللهُ أن

لا يُكتَبَ؛ ليُؤجَرَ المسلمون على الاجتهاد في بابِه والسعيِ في أمره والاتفاقِ على بيعته. * * * 5667 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِي، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّكَ لتوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: "أَجَلْ كمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ"، قَالَ: لَكَ أَجْرَانِ؟ قَالَ: "نعمْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللهُ سَيِّئَاتِهِ كمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا". الثالث: سبق قريبًا شرحُه. * * * 5668 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي زَمَنَ حَجَّةِ الْوَداعِ، فَقُلْتُ: بَلَغَ بِي مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنةٌ لِي، أفأتصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَنْ تَدع وَرثتك أغنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ

17 - باب قول المريض: قوموا عني

عَالَةً يتكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ". الرابع: سبق شرحُه أيضًا في (الجنائز)، وفي (الوصايا) وغير ذلك. (أُجِرتَ) بضم الهمزة. * * * 17 - بابُ قَوْلِ الْمَرِيضِ: قُومُوا عَنِّي (باب قول المريض: قُومُوا عني) 5669 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ مَعْمَرٍ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَفي الْبيتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلُمَّ أكتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَه"، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدكم الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أكثَرُوا اللَّغوَ وَالاِخْتِلاَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا"، قَالَ

18 - باب من ذهب بالصبي المريض ليدعى له

عُبَيْدُ اللهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاس يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. (حُضِرَ) مبني للمفعول، أي: حضرَتْه الوفاةُ. (هَلُمَّ) هو عند الحجازيين يُستعمَل في الجمع والمفرد سواءً، كما في قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]. (أَكتُب) بالجزم والرفع. (لا تَضلُّوا) حُذفَتْ نونُه؛ لأنه جوابٌ ثانٍ للأمر، أو بدل من الجواب. (الرَّزِيَّة) قال (ك): مُدغَمًا وغيرَ مُدغَمٍ: المُصيبة. * * * 18 - بابُ مَنْ ذَهَبَ بِالصَّبِيِّ الْمَرِيضِ لِيُدْعَى لَهُ 5670 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِم -هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ-، عَنِ الْجُعَيْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ ابنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئهِ، وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَم النُّبُوَّةِ بَيْنَ كتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ.

19 - باب تمني المريض الموت

(عن الجُعَيد) هو ابن عبد الرحمن. (زِرِّ الحَجَلَة) الزِّرُّ: واحد الأزرار، والحَجَلة: بيتٌ كالقُبة يُزيَّن للعروس. وسبق الحديثُ بشرحه في (الوضوء) في (باب استعمال فضل الوضوء). * * * 19 - بابُ تمَنِّي الْمَرِيضِ الْمَوْتَ (باب تَمَنِّي المريضِ الموتَ) 5671 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا ثَابِث الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يتَمَنَّيَنَّ أَحَدكمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أَحْيِني مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي". الحديث الأول: (فاعلًا)؛ أي: متمنيًا، وإنما نُهي عن التمني لأنه في معنى التبرُّم عن قضاء الله في أمرٍ يضرُّه في دنياه، وينفعُه في آخرته، ولا يُكرَه التمني لخوفِ فسادٍ في الدِّين. * * *

5672 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نعودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كيَّاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا، وَلَمْ تنقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وإنَّا أَصَبْنَا مَا لَا نَجدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ، وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ، ثُمَّ أتيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهْوَ يَبْني حَائِطًا لَهُ فَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ يُوجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ إِلَّا فِي شَيْء يَجْعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ. الثاني: (اكتوى)؛ أي: في بطنه، وأما ما ورد من النهي عن الكَيِّ فذاك لمن يعتقد أن الشفاءَ مِن الكَيِّ، أما لمن يعتقد أن اللهَ هو الشافي فلا بأسَ به، أو ذاك للقادر على مداواة أُخرى فاستَعجلَ، ولم يَجعلْه آخرَ الدواء. (ولم تَنقُصْهم الدنيا)؛ أي: لم تَجعَلْهم من أصحاب النقصان لاشتغالهم بها، حتى يلزمَ من ذلك تركُ اشتغالِهم بالآخرة. قال الشاعر: ما استَكمَلَ المَرءُ مِن أَطرَافِهِ طَرَفًا ... إلا تَخَرَّمَهُ النُّقْصَان مِن طَرَفِ (لدَعَوتُ به) قال ذلك لشدة ما ابتُلي به في جسمه من المرض، ويُحتمَل أنه مِن غنًى خافَ منه.

(في هذا التُّراب)؛ يعني: البُنيان، أي: فيما لا يُضطر إليه وهو فاضل عنه، فلا بد يُؤجَر؛ لأنه من التكاثر المُلهِي، بخلاف مَن بَنَى ما يُكنُّه ولا غنَى له عنه؛ فالتخصيصُ في المُستثنَى والمُستثنَى منه. * * * 5673 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ"، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يتغَمَّدَنِي اللهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلَا يتمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ؛ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزدادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ". الثالث: (يتغمَّدني)؛ أي: يُلبسُني، مأخوذ من: غَمَدَ السيفَ وأَغمَدَ، أي: أَلبَسَه غمدَه وغشَاه به، وأما الاستثناءُ فمنقطعٌ، والمراد: أنه إذا كان ذلك فيه، مع القطع بأنه في أعلى مقامات الجنة، فغيرُه من باب أَولَى أن يكونَ بفضل الله لا بعمله، وأما قولُه تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] فالباءُ فيه للإلصاق أو المُصاحَبَة لا للسَّبَبِيَّة، فمذهبُ أهلِ السُّنَّة أنه لا ثوابَ يجب؛ بل هو من فضل الله، وعقابُه عدلٌ، حتى لو عذَّبَ اللهُ تعالى جميعَ المؤمنين كان عدلًا، ولو أَدخلَ الكفَّارَ الجنةَ كان له ذلك، والمعتزلةُ يجعلون

العملَ سببًا مُوجبًا للثواب أو العقاب؛ وقولُهم باطلٌ. (فسَدِّدُوا)؛ أي: اطلبُوا السَّدَاد، أي: الصواب، وهو ما بين الإفراط والتفريط، فلا تَغلُوا ولا تُقصِّرُوا. (وقارِبُوا)؛ أي: فإن عَجَزْتُم عن الاستقامة بكمالها فقَارِبُوا، أي: اقرُبُوا من ذلك، وفي بعضها: (قرِّبُوا)، أي: غيرَكم إليه، وقيل: معنى (سدِّدُوا): اجعلُوا أعمالَكم سديدةً، و (قارِبُوا)، أي: اطلبُوا قربةَ الله تعالى. (ولا يتمنى) نهيٌ أُخْرِجَ في صورة النفي للتأكيد. (مُحْسِن) وفي بعضها: (مُحْسِنًا)، قال ابن مالك: وتقديره: إما أن يكون مُحْسِنًا. (يَستَعتِب)؛ أي: يطلب زوالَ العَتَب، فهو استفعالٌ، من الإعتاب، الذي فيه الهمزةُ للسلب، لا من العَتَب، وهو من الغرائب، أو من العُتبَى، وهو الرضا، يقال: استَعتَبَه، أي: استَرضَاه، قال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت: 24]، والقصدُ: أن يَطلُبَ رضا الله تعالى بالتوبةِ وردِّ المظالم. * * * 5674 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبة، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَيَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي

20 - باب دعاء العائد للمريض

وَارْحَمْنِي، وَألحِقْنِي بِالرَّفِيقِ". الرابع: (بالرفيق الأعلى)؛ أي: الملائكة أصحاب الملأ الأعلى، لا يقال: هذا تمنٍّ للموت؛ لأنَّ الإلحاقَ بهم إنما يكون بعد الموت، لأن النهيَ عن تمنِّيه صريحًا، لا تمنِّي ما يستلزمه، أو أن النهيَ يكون عن ضرٍّ أصابَه، وهذا إنما هو للاشتياق إليهم. قال (ط): أو لأنه علمَ بأنه ميتٌ في يومه، ورأى الملائكةَ المُبشِّرةَ له عن ربِّه -عز وجل- بالسرور الكامل، ولهذا قال لفاطمة: "لا كَربَ على أَبِيكِ بعدَ اليومِ"، وكانت نفسُه مغرغرة في اللحاق بكرامة الله تعالى وسعادة الأبد، وكان ذلك خيرًا له من كونه في الدنيا، وبهذا أمرَ أُمَّتَه حيث قال: "فَلْيَقل: اللهمَّ تَوَفَنِي ما كانَتِ الوفاةُ خيرًا لي". * * * 20 - بابُ دُعَاءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهَا: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا"، قَالَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب دعاء العائد للمريض) قوله: (وقالت عائشةُ بنتُ سعد) هو ابن أبي وقاص، والروايةُ

موصولةٌ في (الطب). * * * 5675 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبو عَوَانة، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أتى مَرِيضًا، أَوْ أُتِيَ بهِ قَالَ: "أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا". قَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ وَإبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي الضُّحَى: إِذَا أُتِيَ بِالْمَرِيضِ، وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى وَحْدَهُ، وَقَالَ: إِذَا أتى مَرِيضًا. (البأس) هو الشدة والعذاب والحُزن. (ربَّ الناس) منادى مضاف. (إلا شفاؤُك) الحصرُ فيه مُؤكِّدٌ للحصر السابق في (أنتَ الشافي)؛ لأن خبر المبتدأ المُعرَّف باللام للحصر، فالدواءُ لا ينفعُ إذا لم يَخلُقِ اللهُ فيه الشفاءَ. (شفاء) تكميلٌ لقوله: (اشفِ)، والجملتانِ مُعترِضتانِ بين الفعل والمفعول المطلق. (يغادر)؛ أي: لا يترك.

21 - باب وضوء العائد للمريض

(سَقَمًا) بفتحتين أو بضم السين وإسكان القاف. (وقال عمرو) هو في (فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نَجِيح) موصولًا. (وإبراهيم) وصلَه الإسماعيلي. (وقال جرير) وصلَه ابن ماجه. * * * 21 - بابُ وُضُوءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ (باب وضوء العائد للمريض) 5676 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مَرِيضٌ، فتوَضَّأَ فَصَبَّ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: "صُبُّوا عَلَيْهِ"، فَعَقَلْتُ، فَقُلْتُ: لَا يَرِثُنِي إِلَّا كَلاَلةٌ، فَكَيْفَ الْمِيرَاثُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. (كَلاَلة) الكَلاَلة: ما عدا الوالد والولد. (آية الفرائض) قال (ك): هي {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11]. قال (ش): هذا القولُ وهمٌ من قائله؛ إنما هي التي في آخر السورة، كما سبق في (التفسير) في آخر (النساء).

22 - باب من دعا برفع الوباء والحمى

قال (ط): وضوءُ العائد للمريض إذا كان إمامًا في الخير ويُتبَرَّك به، وصبُّ الماء عليه مما يُرجَى نفعُه، ويُحتمَل أن مرضَه كان الحُمَّى التي أُمِرَ بإبرادها بالماء، وتكون صفةُ الإبراد هكذا، أي: الوُضوءُ وصبُّ فضلِه. * * * 22 - بابُ مَنْ دَعَا بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْحُمَّى (باب مَن دعا برفع الوَبَاء والحُمَّى) الوَبَاء بالقصر والمد، والحديثُ سبق فيه قريبًا. 5677 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وُعِكَ أبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ، قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ! كَيْفَ تَجدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ! كَيْفَ تَجدُكَ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أبَو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأخْبَرتُهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ". * * *

76 - كتاب الطب

76 - كتاب الطب

1 - باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء

76 - كتاب الطِّبِّ (كتاب الطب) هو علمٌ يُعرَف به أحوالُ بَدَنِ الإنسانِ من جهةِ ما يصحُّ ويزولُ؛ لتُحفَظَ الصحةُ خالصةً وتُسترَدَّ زائلةً. * * * 1 - بابٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً (باب ما أَنزلَ اللهُ داءً إلا أنزلَ له شفاءً) أي: ما أصابَ أحدًا بداءٍ إلا قدَّر له دواءً، والمرادُ بإنزاله: إنزالُ الملائكة المُوكَّلين بمباشرة مخلوقات الأرض من الدواء والداء، وما يُشاهَد من كونِ كثيرٍ من المرضى يَتَداوى ولا يُشفَى، فذلك للجهل بحقيقة المداواة أو تشخيص الداء، لا لفقد الدواء، والحديثُ فيه ظاهر. 5678 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي

2 - باب هل يداوي الرجل المرأة، أو المرأة الرجل؟

رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا أَنْزَلَ اللهُ داءً إِلَّا أنزَلَ لَهُ شِفَاءً". * * * 2 - بابٌ هَلْ يُدَاوِي الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، أو الْمَرْأَةُ الرَّجُل؟ (باب هل يُداوِي الرجلُ المرأةَ، والمرأةُ الرجلَ؟) 5679 - حدثنا قتيْبة بن سَعِيد، حَدثنا بِشرُ بْنُ المُفضلِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ رُبيِّعَ بِنْتِ مُعَوِّد بْنِ عَفْرَاء قَالَتْ: كُنَّا نغزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْقِي الْقَوْمَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إلَى الْمَدِينَةِ. (رُبَيِّع) بالتصغير، وحديثهما دلَّ على أحد شقَّي الترجمة، والشقُّ الآخرُ بالقياس عليه. * * * 3 - بابٌ الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثٍ (باب الشفاء في ثلاثٍ) 5680 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ

شُجَاعٍ، حَدَّثَنَا سَالِمٌ الأَفْطَسُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتي عَنِ الْكَيِّ". رَفَعَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الْقُمِّيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعَسَلِ وَالْحَجْم. الحديث الأول: (حُسين) بالتصغير، قال الكَلاَبَاذِي: هو ابن محمد بن زياد بالمثناة تحت، القبَّاني بالقاف وتشديد الموحدة، وقال الحاكم: هو ابن يحيى بن جعفر البِيْكَنْدِي. (مِحْجَم) بكسر الجيم؛ خُصَّ بالذِّكر لأن إخراجَهم الدمَ كان بالحجامة، وفي معناه إخراجُه بالفَصْد. قال (ك): هي الآلة التي يُجمَع فيها دمُ الحجامة عند المَصِّ، ويُراد به هنا الحديدةُ التي يُشرَط بها موضعُ الحجامة. (شَرْبة عسَل)؛ أي: بأن يدخل في المعجونات المُسهلة التي تُسهِّل الأخلاطَ التي في البدن. (كَيَّة نار) في بعضها: (بنار)، وهو يصلح للداء الذي لا يُقدَر على حسم مادته إلا به، وأما حديثُ استطلاق البطن فقيل: كان هيضة حدثت من الامتلاء وسوء الهضم، وربما عُولجت بالأشياء القابضة المُقوية إذا خافوا سقوطَ القوة، وقيل: كان ذلك من ناحية التبَرُّك

تصديقًا لقوله تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]، وقد رَوى مسلمٌ الحديثَ بأتَمَّ مِن هذا، وهذه القِسمةُ تتضمن معظمَ أنواع التداوي؛ لأن الأمراضَ الامتلائيةَ دمويةٌ، وصفراويةٌ، وبَلغَميةٌ، وسوداويةٌ: فشفاءُ الأول بإخراج الدم المُنبِّه عليه بالحجامة، والثلاثةُ الأخرى بالمُسهل اللائق، فنبَّه بالعسل على المُسهلات، ونبَّه بالكَيِّ على الدَّاء العُضَال الذي لا تنحسم مادتُه إلا بالكَي، وقد وصفَه - صلى الله عليه وسلم - ثم نهى عنه بقوله: "وأَنْهَى أُمَّتي عن الكَيِّ"، أي: لِمَا فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، فإن قيل: إذا كان فيه شفاءٌ فكيف نهى عنه؟ قيل: لأنهم كانوا يَرَونه حاسمًا للداء مُبرِئًا منه، فنَهَى عنه على ذلك الوجه، وأَباحَه حيث كان طلبُ الشفاءِ من الله تعالى وتَرجِّي ذلك منه، وقيل: النهيُ إذا كان على سبيل الاحتراز من حدوث المرض وقبلَ الاضطرار إليه، وإذا كان ألَمُه زائدًا على ألم المرض، مع أنه نهيُ تنزيهٍ لا ينافي الجوازَ، وقولُ بعضِ الصوفية: إذا كان كلُّ شيءٍ بقَدَرٍ فلا حاجةَ للمداواة؟ جوابه: أن التداوي أيضًا بقَدَرِ الله تعالى فهو كالأمر بالدعاء والنهي عن الإلقاء في التهلُكة، مع أن الأجلَ والمقدوراتِ لا تتغيَّر. (رَفعَ الحديثَ)؛ أي: رفعَه ابنُ عباس إلى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (ورواه القُمِّي) بضم القاف وتشديد الميم: يعقوب بن عبد الله، نسبةً إلى: قُمٍّ، بلدة من عراق العجم، وحديثُه وصلَه البزَّار، وهو في "الغَيْلانِيات". * * *

4 - باب الدواء بالعسل، وقول الله تعالى: {فيه شفاء للناس}

5681 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونسَ أَبُو الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ سَالِم الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ". الثاني: كالذي قبلَه. * * * 4 - باب الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (باب الدواء بالعسل) 5682 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرني هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ. الحديث الأول: (يُعجبُه) فيه الدليلُ للترجمة؛ لأن الإعجابَ أعمُّ أن يكونَ للدواء أو للغذاء. * * *

5683 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ عَاصم بْنِ عُمَرَ بْنِ قتادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيتكُمْ، أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيتكُمْ خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أكتَوِيَ". الثاني: (الغَسيل)؛ أي: غسيل الملائكة؛ لأن حنظلةَ غسيلُهم، بمعنى: مغسولهم، عندَ شهادته لجنابةِ كانت عليه. (إن كان في شيء) قال (ط): في إشارته - صلى الله عليه وسلم - أن الحجامةَ والعسلَ والكَيَّ شفاءٌ لا لبعض الأمراض دونَ بعضِ؛ فإنه يدلُّ على أنه إذا لم يُوافِقِ المرضَ فلا دواءَ فيها. (ما أَحبُّ) فيه: إشارةٌ إلى تأخير العلاج بالكَيِّ حتى يُضطرَ إليه؛ لِمَا فيه من استعجال الألم الشديد، وقد كوى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُبَيَّ بنَ كعبٍ يومَ الأحزاب وسعدَ بنَ معاذ. * * * 5684 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَليدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَخِي يَشْتكِي بَطْنَهُ، فَقَالَ: "اسْقِهِ عَسَلًا"، ثُمَّ أدى الثَّانِيةَ، فَقَالَ: "اسْقِهِ عَسَلًا"، ثُمَّ أتاهُ فَقَالَ: فَعَلْتُ، فَقَالَ: "صَدَقَ

اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا"، فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. الثالث: (صَدَقَ الله)؛ أي: في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ} الآية [النحل: 69]. (وكَذَبَ)؛ أي: أخطَأ وفسد؛ فالعربُ تستعمل الكذبَ في ذلك، فتقول: كذبَ سمعي، أي: حيث لم يُدرِكْ، فكذِبُ بطنِ أخيه، أي: حيث لم يَقبَلِ الشفاءَ. (فبَرَأ) بفتح الراء في لغة الحجاز، وغيرُهم يقول: بَرِئ بكسر الراء. قال (ن): اعتَرضَ بعضُ المَلاَحدة بأن العسلَ مُسهلٌ؛ فكيف يُوصَف للإسهال؛ قال: وهو جهلٌ منه، كما قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39]؛ فإن الإسهالَ يحصل بأمورٍ منها الهَيضَة، وقد أَجمعَ الأطباءُ على أن علاجَه بترك الطبيعة وفعلها، وإن احتاجت إلى مُعينٍ على الإسهال أُعينَتْ، فيُحتمل أن يكونَ إسهالُه كان من الهَيضَة؛ فأمرَه بشرب العسل للمعاونة إلى أن فنيَتِ المادةُ، فوقف الإسهالُ، قال: فالمُعترِضُ جاهلٌ، ولسنا نَقصدُ الاستظهارَ لتصديق الحديث، يقول الأطباء: بل لو كذَّبُوه كذَّبْناهم وكفَّرْناهم، وقد يكون ذلك خارقًا للعادة من جملة المعجزات.

5 - باب الدواء بألبان الإبل

قال (خ): الطبُّ نوعانِ: قياسيٌّ، وهو طبُّ يونانَ المُستعمَلُ في أكثر البلاد، وطبُّ العربِ والهندِ، وهو الطبُّ التجاربِيُّ، وأكثرُ ما وصفَه - صلى الله عليه وسلم - من هذا، إلا ما خُصَّ به من العلم النبوي بطريق الوحي؛ فإن ذلك يخرق كلَّ ما تُدركُه الأطباءُ وتَعرفُه الحكماءُ وكلُّ ما فعلَه وقالَه صوابٌ وحسنٌ، عصمَه اللهُ تعالى أن يقولَ إلا صدقًا وأن يفعلَ إلا حقًّا. * * * 5 - بابٌ الدَّوَاء بأَلْبَانِ الإِبِلِ (باب الدواء بألبان الإبل) 5685 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! آوِناَ وَأَطْعِمْنَا، فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ، فَأَنْزَلَهُمُ الْحَرَّةَ فِي ذَوْدٍ لَهُ، فَقَالَ: "اشْرَبُوا أَلْبَانهَا"، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدُمُ الأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ. قَالَ سَلَّام: فَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لأَنسٍ: حَدِّثْنِي بِأشَدِّ عُقُوبَةٍ

6 - باب الدواء بأبوال الإبل

عَاقَبَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثَهُ بِهَذَا، فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ: وَدِدْتُ أنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ. (سَقَم) بمفتوحين، وبالضم وسكون القاف. (وَخِمة) بكسر المعجمة، أي: غير مُوافِقةٍ لساكنها. (الحَرَّة): أرضٌ ذاتُ حجارةٍ سُودٍ. (ذَوْد) هو من الإبل ما بين ثلاثةٍ إلى عشرةٍ. (يَكْدُم) بالضم والكسر، من: الكَدم بالمهملة، وهو العضُّ بأدنى الفم كالحِمَار. (الحجاج)؛ أي: ابنُ يوسفَ الثقفيُّ حاكمُ العراق. (الحسن)؛ أي: البصري. (وَدِدْتُ أنه لم يُحَدِّثْه)؛ أي: لأن الحجاجَ ظالِمٌ يتمسَّك في ظلمه بأدنى شيءٍ. * * * 6 - بابُ الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ الإِبِلِ (باب الداء بأبوال الإبل) 5686 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتَادَةَ،

7 - باب الحبة السوداء

عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ -يَعْنِي: الإبِلَ- فَيَشْرَبُوا مِنْ ألبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ، فَشَرِبُوا مِنْ ألبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانهمْ، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإبِلَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ، فَجيءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ. قَالَ قتادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تنزِلَ الْحُدُودُ. (اجْتَوَوا)؛ أي: كرهوا المقامَ بالمدينة. واعلَمْ أنه قد سبق في (الطهارة) في (باب أبوال الإبل) وجهُ إذنه لهم في شربها، أو أنه إما لطهارتها كما يقول مالكٌ، أو للمداوة، أو كان ذلك قبلَ نزول التحريم. * * * 7 - بابُ الْحبَّةِ السَّوْدَاءِ (باب حَبَّة السوداء) من إضافة الموصوف إلى الصفة، والأصل: الحَبَّة السوداء. 5687 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا

إسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهْوَ مَرِيضٌ، فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، فَقَالَ لَنَا: عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبةِ السَّوْداءِ، فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَاسْحَقُوهَا، ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زيتٍ فِي هَذَا الْجَانِبِ وَفِي هَذَا الْجَانِبِ، فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثتنِي: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْداءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ داءٍ إلَّا مِنَ السَّامِ"، قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: الْمَوْتُ. الحديث الأول: (الحُبَيبة السوداء) تصغيرُ (الحَبَّة السوداء) تصغيرَ تحبيبٍ. (إن هذه الحَبَّةَ السوداءَ شفاءٌ من كلِّ داءٍ) قال (خ): عامٌّ أُريد به خاصٌّ؛ إذ ليس يجتمع في طبعِ شيءٍ جميعُ القوى التي تُقابَل بها الطبائعُ كلُّها في معالجة الأدواء على اختلافها، وإنما أراد به شفاءً من كلِّ داءٍ يحدث من الرطوبة والبَلغَم؛ لأنها حارٌّ يابسٌ، فهو شفاءٌ لا للداء المُقابل له في كل الرطوبة والبرودة، وذلك أن الدواءَ أبدًا بالمُضادِّ، كما أن الغذاءَ بالمُشاكِل. قال (ك): يحتمل إرادة العموم لكن بتركُّبِه مع غيره، بل يتعيَّن العمومُ بدليل الاستثناء، وهو معيارُ العموم، فهو ممكنٌ أَخبرَ الصادقُ عنه بذلك، فوجب قَبولُه، أما السُّعُوطُ بها على ما قال ابنُ أبي عَتيق فليس في الحديث، وإنما هو مِن قِبَلِ نفسِه، فلعل الموصوفَ له ذلك

كان مزكومًا، فتَنفعُه رائحتُه. (السَّام) بخفة الميم. * * * 5688 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أخْبَرَني أبُو سَلَمَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "فِي الْحَبَّةِ السَّوْداءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ داءٍ إِلَّا السَّامَ". قَالَ ابْنُ شهَابٍ: وَالسَّامُ: الْمَوْتُ، وَالْحَبَّةُ السَّوْداءُ: الشُّونيزُ. الثاني: (الشُّونيز) بفتح المعجمة وكسر النون وبالزاي، كذا قيَّده (ع)، وقال القُرْطُبي: بضم الشين، وقيل: بالفتح، وقال ابن الأعرابي: إنه الشِّيِنيز بالكسر، كذا تقوله العربُ، وقال الحَربي: إنه الخَردل، وما قاله ابنُ شهاب أَولَى؛ إذ لا يوجد في غير الشُّونيز من المنافع ما فيه، ففي الطبِّ فيه اثنان وعشرون منفعةً، منها ما قال جالينوس: إنها تحلُّ النفخَ، وتقتلُ دُودَ البطن، وتَنفي الزُّكامَ، وتُدرُّ الطَّمثَ، وتنفعُ الصُّداعَ، وتقطعُ البُثُورَ والجَرَبَ، وتُحلل الأورامَ البَلغَميةَ، وتنفعُ من نهشة الرُّتَيلاء، وإذا بُخِّرَ به طُرِدَ الهَوَامُّ، وقال غيرُه: ويُذهبُ حُمَّى

8 - باب التلبينة للمريض

البَلغَم والسوداء وحُمَّى الرِّبْع. * * * 8 - بابُ التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ (باب التَّلْبِينَة للمريض) هو تفعيلة، من اللَّبَن -بالموحدة-، وهو حَسَاءٌ من الدقيق يُجعَل فيه عسلٌ، سُميت بذلك لشبهها باللبَن في بياضها ورقتها. 5689 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تأمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَللْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ، وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ". الحديث الأول: (وللمحزون على الهالك)؛ أي: المُصاب، أي: أهل الميت. (تَجُمُّ) بضم الجيم، أي: تُريح وتَصلُح؛ والجَمام: الرائحة، سبق في (كتاب الأطعمة). * * *

9 - باب السعوط

5690 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أنَّهَا كَانَتْ تأمُرُ، بِالتَّلْبِينَةِ وَتَقُولُ: هُوَ الْبَغِيضُ النَّافِعُ. الثاني: (البَغِيض) بالمعجمتَينِ، أي: المَبغوضُ شربُه، لكنه نافعٌ كماء الشعير للمحموم؛ يُبغضُه وهو يَنفعُه. قال (ش): ورواه القَابِسِيُّ: (النَّغِيض) بالنون؛ ولا وجهَ له. * * * 9 - بابُ السَّعُوط (باب السَّعُوط) بالفتح: ما يُجعَل من الدواء في الأنف. 5691 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَاسْتَعَطَ. (واستَعَطَ)؛ أي: استَعمَلَ السَّعُوطَ بنفسه، وفي بعضها: (استَسعَطَ). * * *

10 - باب السعوط بالقسط الهندي البحري

10 - باب السَّعُوط بِالْقسْطِ الْهِنْدِي الْبَحري وَهُوَ الْكُسْتُ مِثْلُ الْكَافُورِ وَالْقَافُورِ، مِثْلُ كُشِطَتْ نُزِعَتْ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ: (قُشِطَتْ). (باب السَّعُوطِ بالقُسْط الهِنْدِيِّ) القُسْط بضم القاف: عَقَارٌ معروفٌ من عقاقير البحر طيِّبُ الرائحة. (هو الكُسْت)؛ أي: بإبدال القاف بالكاف والطاء بالتاء، فالكافُ تُبدَل من القاف وبالعكس. * * * 5692 - حَدَّثَنَا صدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ قَيْس بِنْتِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "عَلَيْكُم بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيةٍ: يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ". 5693 - وَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِابْن لِي لَمْ يَأكُلِ الطَّعَامَ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّ عَلَيْهِ. (العُذْرة) بضم المهملة وإسكان الذال المعجمة: وجعٌ في

الحلق يَهيجُ من الدم، وقيل: قَرحةٌ تَخرج من بين الأنف والحلق تَعرض للصبيان عندَ طلوع العُذْرة، وهي خمسُ كواكبَ تحتَ الشعْرى -العَبُور-، وتَطلعُ وسطَ الحَرِّ. (ويُلَد) بالبناء للمفعول، من: اللدُود بفتح اللام: ما يُصبُّ في إحدى جانبَي الفم، يقال: لُدَّ الرجلُ فهو مَلْدُود، ولَدِيْدا الفم: جانباه. (ذات الجَنْب) هو وَرَمٌ حارٌّ يَعرِض في الغشاء المستبطن للأضلاع، وأَطبقَ الأطباءُ على أن القُسْطَ يُدرُّ الطَّمْثَ والبولَ، ويَدفعُ السمومَ المؤذياتِ والمُهلِكاتِ، ويُحركُ شهوةَ الجِمَاع، ويَقتلُ الدِّيدانَ في الأمعاء، ويَذهبُ الكَلَف إذا طُلِيَ عليه، ويُحسِّنُ المَعدةَ، ويَنفعُ من حُمَّى الرِّبْع ونحوه، ويُحتمَل أن ذلك هو المُرادُ بقوله: (سبعة أشفية)؛ نعم، قال بعضُهم: مداواةُ ذاتِ الجَنْب به مع ما فيه من الحرارة الشديدة خطر. قال ابنُ سِينا: هو حارٌّ في الدرجة الثالثة، يابسٌ في الثانية، وأُجيب: بأنهم قالوا أيضًا: يُستعمَل حيث يُحتاج إلى جذب الخلط من باطن البدن إلى ظاهره، على أن الشيءَ الخارجَ عن قواعد الطب داخلٌ في المعجزات. وقال (خ): ذاتُ الجَنْب إذا حدث من البَلغَم نَفَعَ منها القُسْطُ البحريُّ. واعلَمْ أن في هذا الحديث ذكرَ ثنتَينِ من السبعة، وسيأتي في

11 - باب أي ساعة يحتجم؟

(باب اللَّدُود) عن ابن المَديني قال سفيان: بيَّنَ لنا الزُّهْريُّ ثنتَينِ ولم يُبيِّنْ لنا خمسةً. * * * 11 - بابٌ أَيَّ سَاعَةٍ يَحتَجِمُ؟ وَاحْتَجَمَ أبُو مُوسَى لَيْلًا. (باب أيَّةَ ساعةٍ يَحتَجمُ؟) يقال في التأنيث: أيُّ وأيَّةُ، قال تعالى: {بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34]، وقرئ {بأية}. قال الزَّمَخْشَري: شبَّه سِيبويهِ تأنيثَ (أيّ) بتأنيث (كلّ) في قولهم: كلَّتهنَّ، وغرضُ البخاريِّ: أنه لا كراهةَ في بعض الأيام والساعات. * * * 5694 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ صَائِمٌ. والحديثُ فيه ظاهرٌ. * * *

12 - باب الحجم في السفر والإحرام

12 - بابُ الْحجْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِحْرَام قَالَه ابنُ بُحَينَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب الحَجْم في السَّفَر) قوله: (قاله ابن بُحَينةَ) سيأتي وصلُه بعدَ أبوابٍ. * * * 5695 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرو، عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُحْرِمٌ. * * * 13 - بابُ الْحجَامَةِ مِنَ الدَّاء (باب الحِجَامة من الداء) 5696 - حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَمَهُ أبُو طَيَبْةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَينِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ، وَقَالَ: "إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاويتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ"،

وَقَالَ: "لَا تُعَذِّبُوا صِبيانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ". الحديث الأول: (أبو طَيْبة) بفتح المهملة وسكون الياء، اسمه: نافع على الأكثر. (مَوَاليَه) بفتح الياء، وربما سُكِّنَتْ، نحو: أَعطِ القوسَ راميَها، وكان مولًى لبني بَيَاضة. (فخفَّفُوا عنه)؛ أي: ضريبتَه، أي: خَرَاجَه. (أمَثَل)؛ أي: أَفضَل. (بالغَمْز)؛ أي: العَصر، أو رفع اللَّهاة بالأصبع، قيل: كانت المرأةُ تأخذُ خرقةً فتَفتلُها فتلًا شديدًا وتُدخلُها في حلق الصبي، وتَعصرُ عليه، وربما تَجرحُه حتى يتفجرَ الدَّم. * * * 5697 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قالَ: أَخْبَرَني عَمْرٌو وَغَيْرُهُ: أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ: أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قتادَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - عَادَ الْمُقَنَّعَ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَبْرحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ فِيهِ شِفَاءً". الثاني: (المُقنَّع) بصيغة مفعول التقنيع، بالقاف والنون والمهملة: ابنُ سِنان -بنُونيَنِ- التابعيُّ. * * *

14 - باب الحجامة على الرأس

14 - باب الْحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ (باب الحِجَامة على الرأس) 5698 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجَ: أَنَّهُ سَمعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بُحَيْنَةَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ بِلَحْيِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، وَهْوَ مُحْرِمٌ، فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. (بلَحَى جَمَل) بفتح لام (لَحَى) وكسرها، وفتح الميم والجيم من (جمل): اسمُ ماءٍ، وقيل: موضعٌ، وقيل: الجُحفة، وقيل: عَقَبة الجُحفة، وقيل: على سبعة أميالٍ من السقيا. قال (ع): ورواه بعضُ رواة البخاري بالتثنية، وفسَّره فيه في حديث محمد بن بشار بأنه ماءٌ. * * * 5699 - وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ. (وقال الأنصاري) وصلَه أحمدُ والإسماعيلي والبَيْهَقي وأبو نُعيم. * * *

15 - باب الحجم من الشقيقة والصداع

15 - بابُ الحَجْمِ مِنَ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ (باب الحِجَامة من الشَّقِيقة) هي وجعُ إحدى شقَّيِ الرأي، والصداع: ألَمٌ في أعضاء الرأس. 5700 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَأْسِهِ، وَهْوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ، يُقَالُ لَهُ: لَحْيُ جَمَلٍ. الحديث الأول: سبق شرحُه. * * * 5701 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانت بِهِ. (وقال محمد بن سواء) بالمَدِّ، وصلَه الإسماعيلي. * * * 5702 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ قَالَ:

17 - باب من اكتوى أو كوى غيره، وفضل من لم يكتو

حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أكتَوِيَ". الثاني: (لَذْعَة) بمعجمة ثم مهملة: خفيف الإحراق بالنار، يريد: الكَيَّ، وهذا مما أغفلَه (ع) في "المشارق"، وفيه: أن كلَّ ما يتأذى به المؤمنُ، وإن ضَعفَ أذاه وإن كان مُحرِمًا، يُبَاحُ له إزالتُه؛ فمداواةُ أسقامِ الأجسامِ بالطريق الأَولَى. * * * 17 - بابُ مَنِ اكتَوَى أَوْ كَوَى غَيْرَه، وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكتَوِ (باب مَن اكتَوى أو كَوَى غيرَه) الفرق بينهما: أن (افتعل) لنفسه، و (فعل) للأعمِّ، كاكتسب وكسب، واشتَوى: اتخذ الشواءَ لنفسه، وشَوَى: اتخذه له أو لغيره. 5704 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قتادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ

أَدْوِيتكُمْ شِفَاءٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أحِبُّ أَنْ أكتَوِيَ". الحديث الأول: (وما أُحبُّ أن أكَتَوِيَ)؛ أي: لِمَا فيه من الإحراق والتعذيب، وكان يتعوَّذ دائمًا من عذاب النار، وأباحَه للأُمَّة لِمَا فيه من الشفاء. قال (ع): ولا يُبيحُ لهم إلا ما هو مُبَاحٌ، كما كان يمتنع من أكل الضب، وأُكِلَ على مائدته ولم يَأكُلْ. * * * 5705 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَا رُقْيةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ. 5705 / -م - فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى رُفعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هَذَا، أُمَّتي هَذِهِ؟ قِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ، قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَء سَبْعُونَ ألفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ"، ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبيِّنْ لَهُمْ،

فَأفَاضَ الْقَوْمُ، وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللهِ، وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإسْلاَمِ، فَإِنَّا وُلدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يتطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يتوَكلُونَ"، فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نعمْ"، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: "سَبقَكَ عُكَّاشَةُ". الثاني: (مِن عَينٍ) هو إصابةُ العائنِ غيرَه بعينه، وهو أن يتعجَّبَ الشخصُ من الشيء حين يراه؛ فيتضرَّر ذلك الشيءُ منه. (أو حُمَة) بضم المهملة وخفة الميم: السُّمُّ. قال الجَوهري: حُمَةُ العقربِ: سُمُّها، فالتقدير: مِن لَدغَةِ ذي حُمَةٍ، وهذا موقوفٌ على عثمان، وإنما غرضُ البخاريِّ حديثُ ابنِ عباس. قال (خ): لم يُرِدْ به حصرَ الرُّقية الجائزة منها، وإنما أراد: لا رقيةَ أحقُّ وأَولَى من رُقية العين والحُمَة؛ لشدة الضرر فيهما. (فذكرته) هو من قول عامر الشَّعْبي. (والنَّبِيُّ ليس معه) إن قيل: النَّبِيُّ مُخبِرٌ عن الله، فلابدَّ له ممن يُخبرُه؛ فكيف لا يكون معه أحدٌ؟ قيل: هو أَخبَرَ، ولكن ما آمَنَ به أحدٌ.

(بغير حسابٍ)؛ أي: مَن كان بهذه الصفات لا يكون لهم مَعَاصٍ ولا مَظَالِمُ، أو أنهم ببركةِ هذه الصفاتِ يَغفرُ اللهُ لهم أو يَعفُو عنهم. (دخل) أي: إلى الحُجرةَ. (ولم يُبيِّنْ لهم) أي: للصحابة مَنْ السبعون. (فأفاضَ) أي: اندفعوا فيه وناظَرُوا عليه. (لا يَستَرقُون) الجمع بين هذا وبين ما سيأتي من أمره بالاسترقاء، وكذلك رُقيته - صلى الله عليه وسلم -، وكذا أبو سعيد الخُدْري رَقَى اللَّديغَ وأقرَّه: أن المأمورَ به ما كان بقوارع القرآن ونحوه، والمذمومَ ما كان يَرقي به العزَّامون وأهلُ الجاهلية، وقيل: الإذنُ والفعلُ لبيان الجواز، والمدحُ لبيان الأَولَى والأفضل. (ولا يتطيَّرون) أي: يتشاءَمُون بالطيور ونحوها كفعل الجاهلية، والطِّيَرة: ما كان في الشرِّ، بخلاف الفأل فإنه في الخير، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ الفَألَ. (ولا يَكتَوُون) أي: مُعتقدِين كالجاهلية أن الشفاءَ فيه، وإلا فقد كَوَى - صلى الله عليه وسلم - سعدَ بنَ مُعاذ وغيرَه، وهو - صلى الله عليه وسلم - أولُ مَن يدخل الجنةَ. (يتوكَّلُون) هو تفويضُ الأمرِ إلى الله تعالى في ترتيب المُسبِّبات على الأسباب، وقيل: تركُ السعيِ فيما لا تَسعُه قدرةُ البشر؛ فالشخصُ يأتي بالسبب معتقدًا أن ترتيبَ السبب عليه من الله -عز وجل-، فلذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (اعقِلْها وتوكَّلْ)، ولبسَ يومَ أُحُدٍ درعَينِ، مع كونه

من التوكُّل بمحلٍّ لم يَبلُغْه أحدٌ، وحرَّم تركَ طلبِ ما يُقيم حياتَه، كمن يقعد منتظرًا أن يأتيَه من السماء شيءٌ، فيستمرُّ كذلك حتى يموتَ، فإنه يموت عاصيًا، فالمَدارُ على ترك عقائد الجاهلية واعتقاد عقائد الإسلام، وملاحظةُ مثلِ هذا إنما يقع من الكاملين، وإن كان المؤمنون يتشاركون في أصل الاعتقاد لذلك، ثم ذكرُ السبعين يَحتمل حقيقة، واللهُ أعلمُ بهم، ويَحتمل الكثيرَ مبالغةً بذكر هذا العدد، وممن قرَّر نحو ذلك (خ)؛ فقال: المكروهُ من الرُّقية ما كان على مذهب التمائم التي كانوا يُعلقونها في الرِّقاب، ويزعمون أنها دافعةٌ للآفات، وبالجملة: فلا مُؤثِّرَ في الكل إلا الله تعالى. (عُكَاشة) بضم المهملة وتخفيف الكاف وتشديدها وبالمعجمة؛ وبالتشديد أشهرُ. (ابن مِحْصَن) بكسر الميم. (آخر) قال الخطيب: هذا سعدُ بنُ عُبَادة، وقيل: إن هذا الآخرَ كان منافقًا، فأراد - صلى الله عليه وسلم - سترَه وردَّه بجميل لعله أن يتوبَ، فإن صحَّ هذا فبَطلَ قول الخطيب، على أن الخطيبَ ذكرَه مُرسَلًا، في سنده مَن ضُعِّف. (سبقَك)؛ أي: في السؤال عنها، أو سبق أنه يُجاب، وذلك بوحي، ولم يَجعل ذلك للآخر. * * *

18 - باب الإثمد والكحل من الرمد

18 - بابُ الإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ. (باب الإثْمِدِ والكُحْلِ) بكسر الهمزة والميم: حَجَرٌ يُكتَحَل به. (فيه عن أُمِّ عطيةَ) موصولٌ في (الطلاق). * * * 5706 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبةَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ زينَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِي زَوْجُهَا، فَاشْتكَتْ عَيْنَهَا، فَذَكَرُوهَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَكروا لَه الْكُحْلَ، وَأنَهُ يُخَافُ عَلَى عَيْنهَا، فَقَالَ: "لَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي بَيْتِهَا فِي شَرِّ أَحْلاَسِهَا -أَوْ فِي أَحْلاَسِهَا فِي شَرِّ بَيْتِهَا- فَإِذَا مَرَّ كلْبٌ رَمَتْ بَعْرَةً، فَلَا، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". (عينها) بالرفع والنصب. (أحْلاسِهَا) جمع حِلْس: ما يُبسَط في البيت تحتَ الثياب، وللبعير: كِساءٌ يكون تحتَ البَرذَعة، والمراد: أن عِدَّةَ المرأة في الجاهلية أن تَمكثَ في بيتها في شرِّ ثيابها سَنةً، فإذا مرَّ كلبٌ رمَتْ

19 - باب الجذام

ببعرةٍ إليه، يعني: أن مكثَها هذه السَّنةَ أهونُ عندَها من هذه البعرة ورميها. (فلا)؛ أي: فلا تَكتحِلْ. (أربعة)؛ أي: تمنع ذلك بأربعة أشهر، أو (لا) لنفي الجنس، نحو: لا غلامَ رجلِ، وهو على تقدير استفهامٍ إنكاريٍّ. وسبق الحديثُ في (كتاب العِدَّة) في (باب الكحل للحادَّة). * * * 19 - بابُ الْجُذَام (باب الجُذَام) هو علَّةٌ يَحمرُّ منها العضوُ ثم يتقطعُ ويتناثرُ، وقيل: علَّةٌ تحصل من انتشار السوداء في البدن كلِّه، بحيث يَفسدُ مزاجُ الأعضاءِ كلّها وهيئاتِها. 5707 - وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ". (لا عَدوَى)؛ أي: لا سرايةَ للمرض من صاحبه إلى غيره،

فقيل: هو خبرٌ، أي: لا تقع عدوى بطبعها، وقيل: هو نهيٌ أن يُقالَ ذلك أو يُعتقَدَ. (ولا طِيَرةَ) بكسر الطاء وفتح الياء وقد تُسكن، من: التطيُّر، وهو التشاؤم، كانوا يتشاءَمُون بالسَّوانح والبَوَارح ونحوها من الطير، أي: لا شؤمَ فيها؛ بل الشرُّ والخيرُ كلُّه بقضاء الله وقدره، والطِّيَرة: مصدر، يقال: تطيَّر طِيَرةً، وتخيَّر خِيَرةً، ولم يَجِئ من المصادر على هذا القياس غيرُهما. (ولا هامَةَ) بتخفيف الميم على الصحيح، وحَكَى أبو زيد تشديدَها، وكانوا في الجاهلية يقولون: إن عظامَ الموتى تَصير هامَةً فتَطيرُ، وقيل: الهَامَةُ طائرٌ، قيل: هو البُومةُ إذا وقفت على دار أحدهم وقعَتْ فيها مصيبةٌ، وقيل: كانوا يعتقدون أن روحَ القتيل الذي لا يُؤخَذ بثأره تصيرُ هامَةً فتَزقُو وتقول: اسقُوني اسقُوني؛ فإذا أُخذ ثأرُه طارَ. (ولا صَفَر) بفتحتين: هو تأخير المُحرَّم إلى صَفَر، وقيل: حيَّةٌ تكون في البطن تُصيب الماشيةَ والناسَ، كانوا يقولون: هي أَعدَى من الجَرَب، وقيل: هو داءٌ يأخذ البطنَ، فأبطلَ الإسلامُ ذلك كلَّه. (وفِرَّ) يُجمع بين الأمر بالفرار وقوله: (لا عدوى)؛ إما بتخصيص عموم العدوى بغير الجُذَام، أو أن هذا الأمرَ للتأدُّب لا للإلزام، فقد صحَّ أنه - صلى الله عليه وسلم - أكلَ مع مجذومٍ، وقيل: المعنى: لا عَدوَى بطبعِه، ولكن بقضاءِ الله وقَدَرِه وإجرائه العادةَ في العَدوَى من المجذوم.

20 - باب المن شفاء للعين

قال (خ): المجذومُ تشتد رائحتُه حتى يتضرَّرَ به مَن أطالَ مُجالَسَتَه، وربما يَنزعُ ولدُه إليه، ولذلك ثبَت به الخيارُ في النكاح، وقيل: المعنى: أن المجذومَ يتحسَّر بِمَن يراه صحيحَ البدن، فتَعظمُ مصيبتُه، وربما نَسِيَ سائرَ النِّعَمِ، فتكون سببًا لمحنة أخيه وبلائه. * * * 20 - بابٌ الْمَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ (باب المَنُّ شِفَاءُ العَيْن) يريد الكَمْأة منه، أو مُشبه به كما سيأتي. 5708 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غندرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْكَمأةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ". قَالَ شُعْبةُ: وَأَخْبَرَني الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدٍ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ شُعْبةُ: لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ. (الكَمْأة) بسكون الميم والهمز: نباتٌ مفردُه كما عكس تمرةٍ

وتمرٍ على خلاف القياس. قال (خ): هو مهموزٌ، والعامةُ لا تَهمزُه، وقال ابن بَرِّي: حَكَى ثَعلَبٌ: كَمَاة، بإلقاء حركة الهمز على الميم. (مِن المَنِّ)؛ أي: المُنزَل علي بني إسرائيل، وقيل: ليس هو حقيقةً؛ بل مُشبَّهٌ بها في أنها يحصل بها علاجٌ، فإنها تَنبتُ من غير استنباتٍ كالمَنِّ الساقطِ عليهم بلا تكلُّفٍ، إنما كانوا يُصبحون فيَجدونه بأفنيتِهم فيتناولونه. (وماؤها) قيل: معناه أن يُخلَط بالدواء ويُعالَج به، وقيل: إن كان لبرودةِ ما في العين من حرارة فماؤُها مجردًا شفاءٌ، وإلا فبالتركيب، وقيل: شفاءٌ مطلقًا، وسبق أولَ (التفسير). (لم أُنكِرْه) أي: ما أنكرتُ على الحكم من جهة ما حدثني به عبدُ الملك، وذلك لأن الحسنَ رَوى معنعنًا، وعبدَ الملك بلفظ: سمعت، أو لأن الحَكَمَ مُدلِّسْ، فلما تقوى برواية عبد الملك لم يَبقَ محلٌّ للإنكار؛ إذ معناه: لم يكن الحديثُ منكورًا، أي: مجهولًا لي من جهة أني كنتُ أَحفظُ من عبد الملك، فعلى الأولِ: الضميرُ للحَكَم، وهو بمعنى الإنكار، وعلى الثاني: للحديث، وهو من النُّكر، ضد المعرفة، ويُحتمَل العكسُ بأن يُرادَ: لم أُنكِرْ شيئًا من حديث عبد الملك. * * *

21 - باب اللدود

21 - بابُ اللَّدُودِ (باب اللَّدُود) بفتح اللام: ما سُقي به أحدُ جانبَي الفم. 5709 - و 5710 و 5711 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَعَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَبَّلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مَيِّتٌ. 5712 - قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْناَهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا؛ أَنْ لَا تَلُدُّوني، فَقُلْنَا: كَرَاهِية الْمَرِيضِ لِلدَّوَاء، فَلَمَّا أفاقَ قَالَ: "ألمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّوني"، قُلْنَا: كَرَاهِية الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: "لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ -وَأَنَا أَنْظُر- إِلَّا الْعَبَّاسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكمْ". الحديث الأول: (وأنا أَنظُرُ) جملةٌ حاليةٌ، أي: لا يبقى أحدٌ في البيت إلا لُدَّ بحضوري وحالَ نظري إليهم؛ مكافأةً لفعلهم أو عقوبةً لهم حين خالفوا إشارتَه بنحو ما فعلوا به.

(لم يَشهَدْكم)؛ أي: لم يُحضرْكم، وقد سبق بيانُ ذلك آخرَ (كتاب المغازي). * * * 5713 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني عُبَيدُ اللهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ: "عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلاَدكُنَّ بِهَذَا الْعِلاَقِ، عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ، ويُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ". فَسَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لنا اثْنَيْنِ، وَلَمْ يُبيِّنْ لنا خَمْسَةً، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ مَعْمَرًا يَقُولُ: أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: لَمْ يَحْفَظْ: أَعْلَقْتُ عَنْهُ، حَفِظْتُهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ. وَوَصفَ سُفْيَانُ الْغُلاَمَ: يُحَنَّكُ بِالإصْبَعِ، وَأَدْخَلَ سُفْيَانُ فِي حَنَكِهِ، إِنَّمَا يَعْنِي: رَفْعَ حَنَكِهِ بإصْبَعِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَعْلِقُوا عَنْهُ شَيْئًا. الثاني: (أَعلَقتُ) من الإعلاق بإهمال العين، وهو معالجةُ عُذْرَةِ الصبي ورفعُها بالإصبع. (العُذْرَة) بضم المهملة وإسكان المعجمة وبالراء: وجعُ الحَلْق، وذلك الموضعُ يُسمى عُذْرَة، يقال: أَعلَقَتْ عنه أُمه: إذا فعلَتْ ذلك به وغمزَتْ ذلك المكانَ بإصبعها ورفعَتْه، وقيل: كان عادتُهنَّ في

معالجة العُذْرَة أن تأخذَ المرأةُ خِرْقةً فتفتلها فتلًا شديدًا، وتطعنَ موضعَها، فيَنفجرَ منه الدَّمُ. (تَدْغرْنَ) بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وفتح الغين المعجمة، من: الدَّغْر، وهو رفعُ لَهاة المعذور، وفي بعضها: (تَدَّغِرْنَ)، من باب الافتعال. (العلاَق) بفتح المهملة وكسرها، وفي بعضها: (الأعلاق) مصدر، ومعناه: إزالةُ العُلوق، وهي الداهية، وصوَّبه (خ) وقال: العلاَقُ لا يجوز، لكن قال ابنُ الأثير: يجوز أن تكونَ العلاَق، هو الاسم من الأعلاق، أي: معالجةُ الصبي ورفعُها بالأصبع، وهو وجعُ حلقه. (العُود الهِنْدِي)؛ أي: القُسْط، وسبق بيانُ منافعه. (بَيَّن)؛ أي: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال التَّيْمِي: إن ضميرَ (بيَّن) للزُّهْري، وقال ذلك سفيانُ. (عليه) قال (خ): أكثرُ المُحدِّثين يَروُونه (عليه) كما رواه مَعْمر، والصوابُ ما قاله سفيانُ، وقال غيرُه: قد تجيء (على) بمعنى (عن)، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين: 2]، أي: عنهم، وقال (ط): الصحيحُ: أَعلَقتُ عنه، وقال: أَعلَقتُ عليه وعنه، لغتان. (ووصف) الغرضُ منه: أن الأعلاقَ رفعُ الحَنَك، لا تعليقُ شيءٍ

22 - باب

فيه كما يتبادر للذهن. * * * 22 - بابٌ (باب) 5714 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، ويُونُسُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ، اسْتَأذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأذِنَّ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَآخَرَ. فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهَا وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ: "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكيتهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ"، قَالَتْ: فَأجْلسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى جَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا؛ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ. (هو عليٌّ) وجهُ تركِ عائشةَ تسميتَه: أنه لم يكنْ ملازمًا في تلك الحالة كالعباس من أولها إلى آخرها؛ بل في بعضها كان في موضعه

أُسامةُ أو الفضلُ بنُ العباس، بخلاف الجانب الآخر؛ لا أنها تركَتْ ذكرَه معاداة وبُغضًا، حاشا لله. (هَرِيقُوا) في بعضها: (أَرِيقُوا)، وفي بعضها: (أَهرِيقُوا)، أي: صُبُّوا. (أَوكيتُهنَّ) جمع: وِكَاء، وهو ما يَسدُّ رأسَ القِرْبة. (أَعهَد)؛ أي: أُوصي، وإنما طلبَ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن المريضَ إذا صُبَّ عليه الماءُ ثابَتْ قوتُه إليه. قال (خ): يشبه نفيُ حلِّ أوكيتهنَّ ليكونَ أطهرَ للماء وأصفاه، لكون الأيدي لم تُخالِطْه، والقِرَبُ إنما تُوكَأ وتُحلُّ على ذِكرِ الله تعالى، فتَحصل بركةُ الذِّكر في شدِّها وحلِّها معا، وأما العددُ فيُشبه أن يكونَ للتبَرُّك؛ لأن هذا العددَ بركةٌ وله شأنٌ، لوقوعه في كثيرٍ من أعداد الخليقة وأمور الشريعة. (مِخْضَب) بكسر الميم وسكون المعجمة الأولى وفتح الثانية: الإجانةُ التي تُغسَل فيها الثيابُ. (فَعلتُنَّ) في بعضها: (فعلتُم)، وكلاهما صحيحٌ؛ باعتبار الأنفس والأشخاص، أو باعتبار التغليب، وسبق الحديثُ في (كتاب الوضوء). * * *

23 - باب العذرة

23 - بابُ الْعُذْرة (باب العُذْرَة) بضم المهملة وسكون المعجمة وبالراء: وجعُ الحَلق واللَّهاة وموضعه أيضًا. 5715 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ الأَسَدِيَّةَ -أَسَدَ خُزَيْمَةَ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْيَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ- أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِابْنٍ لَهَا، قَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلادَكنَّ بِهَذَا الْعِلاَقِ، عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ"؛ يُرِيدُ: الْكُسْتَ، وَهْوَ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ. وَقَالَ يُونُسُ وَاِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: عَلَّقَتْ عَلَيْهِ. (أسد خُزيمة) قيَّد بذلك لنفي توهُّم أسد بن عبد العُزَّى، أو أسد بن ربيعة، أو أسد بن ربيعة بن شُريك بضم الشين. (أَعلَقَتْ)؛ أي: عالَجَتْ بما سبق، ويُروَى: (عَلَقَتْ).

24 - باب (دواء المبطون)

(وقال يونس) وصلَه أحمد. (وإسحاق) موصولٌ بعدَ بابَينِ. * * * 24 - باب (دَوَاء الْمَبْطُونِ) (باب دواء المَبطُون) 5716 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ: "اسْقِهِ عَسَلًا"، فَسَقَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلاَقًا، فَقَالَ: "صَدَقَ اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ". تَابَعَهُ النَّضْرُ، عَنْ شُعْبةَ. (استَطلَق) هو مشيُ البطنِ والإسهالُ، وسبق الحديثُ قريبًا. (تابعَه النضر) وصلَه إسحاقُ بنُ رَاهوَيْه في "مسنده". * * *

25 - باب لا صفر، وهو داء يأخذ البطن

25 - بابٌ لَا صَفَرَ، وَهْوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ (باب لا صَفَر، وهو داءٌ يأخذ بالبطن) هذا اختيارُ البخاري في تفسيره، وسبق بيانُ الخلاف فيه. 5717 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرني أَبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ"، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ "فَمَا بَالُ إِبِلِي تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَأتِي الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ". رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ. (الأول)؛ أي: البعيرُ الذي جَربَ أولًا، فإنما أَجرَبَه اللهُ، لا بالتصاقه لبعيرٍ أجربَ، فكذا الثاني والثالث، كلُّه بفعل الله لا بعَدوَى تُعدي بطبعها، وإلا لَمَا جَربَ الأولُ لعدم المُعدِي؛ فالدليلُ القطعيُّ قائمٌ أن لا مُؤثِّرَ في الوجود إلا اللهُ تعالى. (ورواه الزُّهْرِي عن أبي سَلَمة وسِنان) موصولانِ بعدَ بابَينِ. * * *

26 - باب ذات الجنب

26 - بابُ ذَاتِ الْجَنْبِ (باب ذَاتِ الجَنْب) 5718 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ، وَكانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْيَ أُخْتُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ أَخْبَرتهُ: أَنَّهَا أتتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِابْنٍ لَهَا قَدْ عَلَّقَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ، فَقَالَ: "اتَّقُوا اللهَ، عَلَى مَا تَدْغَرُونَ أَوْلاَدكم بِهَذِهِ الأَعْلاَقِ، عَلَيكُم بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ"؛ يُرِيدُ: الْكُسْتَ؛ يَعْنِي: الْقُسْطَ، قَالَ: وَهْيَ لُغَةٌ. الحديث الأول: (علَّقَتْ) من التعليق. (بهذا الأَعْلاق) في بعضها: (بهذه الأَعْلاق)، جمع: عُلَق، كـ: رُطَب وأَرطَاب، وهي الدواهي والآفات. * * * 5719 - حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أيُّوبَ مِنْ كُتُبِ أبي قِلاَبةَ، مِنْهُ مَا حَدَّثَ بِهِ، وَمِنْهُ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ، وَكانَ هَذَا فِي

الْكِتَابِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَأَنَسَ بْنَ النَّضْرِ كَوَيَاهُ، وَكَوَاهُ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ. الثاني: (وكان هذا في الكتاب)؛ أي: لأن الكتابَ كان مسموعًا لأيوب، فليس اقتصارًا على مجرد كونه مكتوبًا؛ نعم، هو أحطُّ رتبةً من المحفوظ، أو ذلك من باب الوِجادة، والروايةُ بها جائزةٌ على المُرَجَّح من الخلاف. (أن أبا طلحة)؛ أي: زوجَ أُمِّ أنس. (وأنس بن النَّضر)؛ أي: عم أنس. * * * 5720 - و 5721 - وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَذِنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَنْ يَرْقُوا مِنَ الْحُمَةِ وَالأُذُنِ. قَالَ أَنسٌ: كُوِيتُ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ، وَشَهِدَنِي أَبُو طَلْحَةَ وَأَنسُ بْنُ النَّضْرِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِي. (وقال عَبَّاد) وصلَه أبو يَعلَى في "مسنده". (لأهلِ بيتٍ) هو آل عمرو بن حزم، رواه مسلم من حديث جابر، وفي "موطأ ابن وَهْب" التصريحُ بعُمَارة بن حزم منهم.

27 - باب حرق الحصير، ليسد به الدم

(الحُمَة) بضم أوله وتخفيف الميم: سُمُّ كلِّ شيءٍ يَلدَغ. (الأُذُن) بضم الذال وسكونها: وجع الأُذن. قال (ط): إنه (الأُدْرُ) بالراء، جمع: آدَر. قال (ك): كأحْمَر وحُمْر، من: الأُدْرَة، وهي نفخة الخصيتَين؛ وهو غريبٌ شاذٌّ. (كُوِيْتُ) بالبناء للمفعول. * * * 27 - بابُ حَرْقِ الْحصِير، لِيُسَدَّ بِهِ الدَّم (باب حرق الحَصير ليُسدَّ به الدَّمُ) صوابه: إحراق؛ لأن الفعل: أَحرَقتُه، لا: حرقتُه. قال (ع): وكذا عبَّر به البخاريُّ في (كتاب الجهاد)، فقال: (باب دواء الجرح بإحراق الحصير). 5722 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: لَمَّا كُسِرَتْ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْضَةُ، وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ

رَبَاعِيتهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ، وَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاء كَثرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ، فَأحْرَقَتْهَا وَألصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَقَأ الدَّمُ. (البَيضة) ما يُتخذ من الحديد كالقُلنسوة. (رَبَاعِيته) بفتح الراء وتخفيف الموحدة والباء: السِّنُّ الذي يلي الثَّنِيَّة، وذلك أن أولَ الأسنان في مُقدَّم الفم أربعةٌ: ثنايا من أعلى وأسفل، ثم أربعُ رَبَاعياتٍ، ثم أربعُ أنيابٍ، ثم أربعةُ ضواحكَ، ثم الأَرحاءُ. (يَختلف)؛ أي: يجيء ويذهب. (المِجَنّ) بكسر الميم: التُّرْس. (فأحرَقَتْها) أنَّثَ الضميرَ باعتبار القطعة منه. (فرَقَأ) بالهمز، أي: انقطع. قال المُهلب: قَطْعُ الدم بالرماد معمولٌ به قديمًا، وأما الماءُ فَلِيَجمدَ الدمُ ببرده؛ لكن إذا كان الجرحُ غيرَ غائرٍ، وإلا فلا تُؤمَن من آفة الماء وضرره. * * *

28 - باب الحمى من فيح جهنم

28 - بابٌ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ (باب الحُمَّى مِن فَيْح جَهَنَّم) بفتح الفاء وسكون الياء وبمهملة: سطوعُ الحَرِّ وثورانُه، فالحُمَّى إما من حرارة جهنم حقيقةً أُرسلَتْ إلى الدنيا أو شُبِّهَتْ بها، يعني: شُبِّهَ اشتعالُ حرارةِ الطبيعة في كونها مُذِيبةً للبدن مُعذِّبةً له بنار جهنم، وأن النارَ كما تُطفَأ بالماء كذلك حرارةُ الحُمَّى تُزَالُ بالماء. 5723 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأطْفِؤُهَا بِالْمَاءِ". قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَقُولُ: اكشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ. الحديث الأول: (فأطفِئُوها بالماء) هو على الأول ظاهرٌ، وأما على الثاني فقال بعضُهم: إن الإبرادَ يحقنُ بالحرارة إلى الباطن، ويزيد الحُمَّى، وربما يَهلك، وجوابه: أن الأطباءَ يُسلِّمُون أن الحُمَّى الصَّفراويةَ يُدبَّر صاحبُها بسقي الماء البارد وغسل أطرافه به. (الرِّجز)؛ أي: العذاب. * * *

5724 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا، أَخَذَتِ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ. الثاني: في معنى الأول، مع ذكر السبب في روايته. * * * 5725 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأبرُدُوهَا بِالْمَاءِ". 5726 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْحُمَّى مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ". الثالث، والرابع: (فَيح) قال (ط): رُوي: (فُوح) بمعناه. (فأبرِدُوها) بوصل الهمزة وضمِّ الراء، من: برَّدَ الماء حرارةَ جوفي، كذا قاله أبو البقاء في "إعراب مُشْكل الحديث"، وقال (ع) في "المشارق": بفتح الهمزة وكسر الراء رباعيًّا؛ لكن قال الجَوهري: إنها

29 - باب من خرج من أرض لا تلايمه

لغةٌ رديئةٌ، وسبق معنى الإبراد في الحُمَّى الصَّفراوية. قال (ط): فالحديثُ مرادٌ به الخصوصُ، وهي الحُمَّى التي تكون أصلُها من الحَرِّ، وقال ابن الأنباري: إن المرادَ بذلك: تصدَّقُوا عنه بسقي الماء يَشفِه اللهُ تعالى، لِمَا رُوي: "إن أفضلَ الصدقة سقيُ الماء". * * * 29 - بابُ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لَا تُلاَيِمُهُ (باب مَن خرجَ مِن أرضٍ لا تُلائِمُه) فيه حديثُ العُرَنيين، سبق مراتٍ. 5727 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ: أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ نَاسًا، أوْ رِجَالًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَينَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَكَلَّمُوا بِالإسْلاَمِ، وَقَالُوا: يَا نبَيَّ اللهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نكُنْ أَهْلَ رِيفٍ، وَاسْتَوخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُم رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ ألبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى كَانُوا نَاحِيةَ الْحَرَّةِ، كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، وَقتلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِم، وَأَمَرَ بِهِم، فَسَمَرُوا

30 - باب ما يذكر في الطاعون

أَعْينهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ. (عُكْل) بضم المهملة وإسكان الكاف. (وعُرَيْنة) مُصغَّر: عُرَنَة بمهملة وراء ونون: قبيلتان معروفتان. (ضَرْع)؛ أي: مواشي. (رِيف) بكسر الراء، أي: أرضٌ فيها زرعٌ. * * * 30 - بابُ مَا يُذْكَرُ فِي الطاعونِ (باب ما يُذكَر في الطاعون) هو بَثْرٌ مُؤلِمٌ جدًّا يخرج غالبًا من الآباط، مع لهبٍ واسودادٍ حوالَيه وخفقانِ القلبِ والقَيء، وقال الجَوهري: هو الموتُ من الوباء. 5728 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرَني حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنتمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا

مِنْهَا"، فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ سَعْدًا، وَلَا يُنْكِرُهُ. الحديث الأول: (سعد)؛ أي: ابن أبي وقاص. * * * 5729 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زبدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ؛ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاح وَأَصحَابُهُ، فَأخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَباءَ قَدْ وَقَعَ بِأرْضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادع لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلينَ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي الأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْح، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ، فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ، إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأصْبِحُوا

عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! نعمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصِبةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أليْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنتمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ"، قَالَ: فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ. الثاني: (بِسَرْغ) بفتح المهملة وتسكين الراء ثم معجمة، يُصرَف ولا يُصرَف: قريةٌ في طرف الشام. (أُمَراء الأَجْناد)؛ أي: بمدن الشام الخمس: وهي فِلَسْطِينُ، والأُرْدُنُّ، وحِمْصُ، وقِنِّسْرينُ، ودِمَشْقُ. (الوَباء) بالمدِّ والقصرِ؛ وهو أشهرُ. قال الخَليل: هو الطاعون، وقيل: المرض العام؛ فكلُّ طاعونٍ وباءٌ، بدون العكس، والذي وقع بالشام في زمن عمرَ - رضي الله عنه - هو طاعونُ عَمْواس بفتح المهملة: قريةٌ معروفةٌ بالشام. (المهاجرين الأولين) هم الذين صلَّوا إلى القِبْلتَين. (بقية الناس)؛ أي: بقية الصحابة، وهذا تعظيمٌ لهم، أي: كأن

الناسَ لم يكونوا إلا الصحابةَ، كما قال: هم القومُ كلُّ القومِ يا أُمَّ خالدِ وعطفُ (أصحاب) على (الناس) عطفٌ تفسيريٌّ. (تُقدِمهم) من الإقدام، بمعنى التقديم. (ارتَفِعُوا)؛ أي: اذهبوا. (مَشيخة) بفتح الميم وكسر الشين، جمع: شيخ. (مُهاجرة الفتح) الذين هاجروا عامَ الفتحِ قبلَ الفتحِ، وقيل: هم مُسلِمةُ الفتح. (مُصْبِح) بإسكان الصاد، أي: مسافر في الصباح راكبًا. (على ظهر)؛ أي: ظهر الدابة راجعًا إلى المدينة. (فأَصبحوا عليه)؛ أي: راكبين متهيئين للرجوع. (قَدَر الله)؛ أي: تقديرُه، فقضاءُ الله هو ما حَكمَ به من الأمور الكلية في الأزل، والقَدَرُ هو تلك الجزئياتُ واحدٌ بعدَ واحدٍ، قالوا: فهو المرادُ بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21]. (لو غيرك) بالرفع: فاعل بفعل محذوف، أي: قالها غيرُك؛ لأن (لو) تختص بالدخول على الفعل، نحو: لو ذاتُ سوارٍ لطَمَتْني، وجوابُ (لو) محذوفٌ، قيل تقديره: لآذَيتُه لاعتراضك عليَّ في مسألةٍ اجتهاديةٍ، وقد وافقَ عليها الأكثرُ، وقيل: لم أتعجَّبْ منه، وإنما أتعجبُ من قولك مع فضلك وعلمك.

(عُدْوَتَان) بضم المهملة وكسرها: طرفًا الوادي. (خَصْبة) بفتح الخاء وإسكان الصاد المهملة وكسرها، أي: ذاتُ خصب وكلأ. (جَدْبة) بسكون الدال وكسرها، أي: فالكلُّ بتقدير الله تعالى، سواءٌ نَدخل أو نَرجع، فاستَعمل عمرُ -رضي الله تعالى عنه- في رجوعه الحذرَ مع إثبات القَدَر، فعملَ بالدليلَينِ المُتمسِّك بهما كلٌّ من الطائفتَينِ: التسليمِ للقضاء، والاحترازِ عن الإلقاء في التهلكة. (فلا تَقدَمُوا) بفتح الدال، أي: ليكونَ أسكنَ لقلوبكم وأقطعَ للوسوسة. (فلا تخرجوا)؛ أي: لئلا تكونوا قد عارضتُم القَدَرَ وادَّعيتُم الحَولَ والقوةَ في الخاص منه. (فرارًا) مفعول لأجله، أي: فلغير الفرار يجوز لكم أن تخرجوا. (فحمد الله)؛ أي: على موافقةِ اجتهادِه واجتهادِ معظمِ أصحابِه حديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يكن قاله تقليدًا؛ بل لأن الرجوعَ أحوطُ مع مساعدة المهاجرين والأنصار، والمَشيخة الذين فيهم سَداد الرأي وكثرة التجارب. قال (ط): وجهُ النهي: وإن كان لا يموت أحدٌ إلا بأجله إنما هو حذرًا من الفتنة في أن يظنَّ أن هلاكَه كان من أجل قدومه، وأن سلامتَه من أجل رجوعه، فنَهَى عن الدنو من المجذوم مع علمه بأنه لا عَدوَى، وأما إذنُه لمن استَوخَم المدينةَ بالخروج فليس أمرًا

بالفرار؛ لأن الاستيخامَ كان خاصًّا بهم دونَ الناس، ولاحتياجهم إلى الضَّرع، ولاعتيادهم المَعاشَ في الصحاري، وفيه: أن على المرء التدبُّرَ في المَكَاره قبلَ وقوعها، وتجنُّبَ المَخُوفِ قبلَ هجومه، وأن عليه الصبرَ وتركَ الجزعِ بعدَ نزولِه. قال (ن): فيه خروجُ الإمام بنفسه لمشاهدة أحوال الرعية، وإزالةُ ظلم المظلوم، وكشفُ الكرب، وتنزيلُ الناسِ منازلَهم، والاجتهادُ في الحروب، وقَبُولُ خبر الواحد، وصحةُ القياس وجَوازُ العمل به، واجتنابُ أسباب الهلاك. قال البَيضاوي: النهيُ عن الدخول في أرض الوباء للإقدام على خطر، وعن الخروج لأنه فرار من القَدَر، ولئلا تضيعَ المَرضى من عدم التعهُّد، والمَوتى مِن عدم مَن يُجهِّز؛ فأحدُ الأمرَينِ تأديبٌ وتعليمٌ، والآخرُ تفويضٌ وتسليمٌ. * * * 5730 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِر: أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ: أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأمِ، فَأخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُم بِهِ بِأَرضٍ فلا تَقْدَمُوا عَلَيهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرضٍ وَأَنتم بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ".

الثالث: في معنى الذي قبلَه. * * * 5731 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ الْمَسِيحُ وَلَا الطَّاعُونُ". الرابع: (المسيح)؛ أي: الدجال. * * * 5732 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصمٌ، حَدَّثتنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أنس بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: يَحْيَى بِمَا مَاتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الطَّاعُونِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". الخامس: (يحيى)؛ أي: ابن سِيرين أخو حفصة، وقال (ش): أي: ابنُ أبي عَمْرةَ كما رواه مسلم، وليس لحفصةَ عن أنسٍ في الصحيحين غيرُ هذا.

(بما مات)؛ أي: بأيِّ أرضٍ مات؟ كذا قال (ك)، والأحسنُ: بأيِّ سببٍ؟ وأَثبَتَ الألفَ مع الاستفهام على خلافِ الأكثرِ. * * * 5733 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ". السادس: (المَبطُون)؛ أي: الذي مات بمرض البطن. (شهيد)؛ أي: له ثوابُ الشهادة. (والمَطعُون)؛ أي: الذي مات بالطاعون، وقد سبق أن الشهيدَ في الدنيا والآخرة هو مَن قاتَلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، فقُتِلَ، ففي الدنيا لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه، وله في الآخرة ثوابُ الشهداء، وشهيدُ الدنيا فقط كمَن قاتَلَ رياءً وسمعة أو للغنيمة، فقُتِلَ، فلا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه، ولكن في الآخرة ليس له أجرُ الشهادة، وشهيدُ الآخرة فقط كالمَبطُون والمَطعُون ونحوهما فله الثوابُ في الآخرة لشدة ما كابَدَه، وليس له حكمُ الشهيد الدنيوي. * * *

31 - باب أجر الصابر في الطاعون

31 - بابُ أَجْرِ الصَّابِرِ فِي الطَّاعُونِ (باب أجر الصابرين في الطاعون) 5734 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا داوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهَا أَخْبَرتْنَا: أنَّهَا سَألتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كتَبَ اللهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ". تَابَعَهُ النَّضْرُ، عَنْ داوُدَ. (إسحاق) قال الغساني: لعله ابنُ منصور. (حَبَّان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة. (رحمة)؛ أي: سبب الرحمة وأجر الشهداء، وإن كان محنةً صورةً. (في بلدة) تنازعَه عاملانِ. (تابعَه النضر)؛ أي: ابنُ إسماعيل، موصولٌ في (القدر). * * *

32 - باب الرقى بالقرآن والمعوذات

32 - بابُ الرُّقَى بِالْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَاتِ (باب الرُّقَى بالقرآن) رُقَى جمع: رُقيَة، ككُلَى جمع: كُلْيَة، تقول منه: استَرقَيتُه فرَقَاني فهو راقٍ. 5735 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نفسِهِ فِي الْمَرَضِ الذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكتِهَا. فَسَألتُ الزُّهْرِيَّ: كيْفَ يَنْفِثُ؟ قَالَ: كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ. (بالمُعوِّذات) بكسر الواو، وجمعَه مع أنهما مُعوِّذتان؛ إما لأن أقلَّ الجمع اثنان، أو المراد بهما وما شابههما من القرآن، أو هما مع (سورة الإخلاص) كما في بعض الروايات: أنه (رَقَى بالثلاثة)، فهو من باب التغليب، وإنما رَقَى بالمُعوِّذتين لأنهما جامعتان للاستعاذة من كلِّ مكروهٍ. (يَنفُث) بضم الفاء وكسرها: شبيهٌ بالنفخ، وهو أقلُّ من التَّفل. * * *

33 - باب الرقى بفاتحة الكتاب

33 - بابُ الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكتَابِ وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب الرُّقَى بفاتحة الكتاب) قوله: (ويذكر عن ابن عباس) موصولٌ فيما بعدُ. * * * 5736 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غندرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أتوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ، أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلَا نفعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ، فَبَرَأَ، فَأتوْا بِالشَّاة، فَقَالُوا: لَا نأخُذُهُ حَتَّى نسألَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألوهُ، فَضَحِكَ وَقَالَ: "وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوهَا، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ". (يَقرُوهم) بفتح أوله، أي: لم يُضيِّفُوهم. (فبينا هم) في بعضها: (بينما هم) بزيادة الميم.

34 - باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم

(لدغ) بدال مهملة وعين معجمة. (جُعْلًا) بضم الجيم: ما يُجعَل للإنسان على عملٍ يعمله. (قَطيعًا) بفتح القاف، وسبق أنه كان ثلاثين على عدد السرية، فإنها كانت ثلاثين، وأن الراقي أبو سعيد الخُدْري. (من الشَّاء) جمع: شاة. (بالقُرآن) هي روايةٌ أبي ذَرٍّ عن الحَمُّوي والمُسْتملِي، وباقي الروايات: (بأمِّ القرآن)، وبه يطابق الترجمة، وفي الحديث: أن المُعلِّمَ له سهمٌ مما أخذَه المُتعلِّم. * * * 34 - بابُ الشَّرطِ فِي الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ (باب الشَّرط في الرُّقية) 5737 - حَدَّثَنِي سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ أبو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِي، حَدثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَصْرِيُّ -هُوَ صَدُوقٌ- يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْبَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الأَخْنَسِ أَبو مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ،

35 - باب رقية العين

فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْرًا، حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ". (سِيْدان) بكسر السين المهملة وسكون الياء. (البرَّاء) بتشديد الراء والمد: كان يَبْرِي السهام. (رَجُلًا) في بعض النسخ: (رجل)، وهو إما أنه كُتِبَ بلا ألفٍ على لغة ربيعةَ في الوقف على المنصوب بالسكون، أو بتقدير ضمير الشأن. (على شاء) متعلق بمحذوف، أي: قَرَأ مشروطًا على شاءٍ، أو مُقرِّرًا، أو مُصالِحًا، وفيه: جوازُ الأخذ على تعليم القرآن، وكونُه مَهرًا في النكاح. * * * 35 - بابُ رُقْيَةِ الْعَيْنِ (باب رُقيَة العَين) أي: الإصابةُ بالعَين، كما يَتعجب من شيءٍ يراه بعينه، فيتضرَّر ذلك الشيءُ، لا أن المرادَ وجعُ العين.

5738 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ شَدَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَمَرَني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ. الحديث الأول: (من العين)؛ أي: من الإصابة بها، فلا يُصاب المرقِي. * * * 5739 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَليدِ الزُّبَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: "اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ". وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ. الثاني: مسلسلٌ بأن كُلًّا اسمُه محمدٌ إلى الزُّهري محمد بن مسلم. (سَفْعَة) بفتح السين المهملة وضمِّها، أي: شحوبٌ وسوادٌ في الوجه، وأصلُه الأخذُ بالناصية، والمرادُ به هنا: مسٌّ مسَّك من الجن، وأخذَ منها بالناصية.

(النَّظْرة)؛ أي: أصابتْها عينٌ، والمَنظُور: مَن أصابَتْه العينُ، يُقال: عيونُ الجنِّ أَنفَذُ من أسنة الرماح، ولما مات سعدُ بنُ عُبادةَ سمعوا قائلًا يقول: قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَزْرَ ... جِ سَعْدَ بنَ عُبَادَه رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَينِ ... فَلَمْ تُخْطِ فُؤَادَه فتأوَّله بعضُهم: أَصبْناهُ بعينَينِ، ويقال: الإصابةُ بالعين حقٌّ، ولها تأثير في النفوس والطباع، فهو ردٌّ لقول مَن قال من أصحاب الطبيعة: أن لا شيءَ إلا ما تُدركُه الحواسّ. قال (خ): والرُّقيةُ المأمورُ بها هي بقوارع القرآن، وما فيه ذكرُ الله تعالى على ألسن الأبرار من الخلق الطاهرة النفوس، وهو الطبُّ الروحانِيُّ، وكان ذلك معظمَ الأمر في الزمان المتقدم، فلما عزَّ مالَ الناسُ إلى الطبِّ الجسمانِيِّ حين لم يجدوا الطبَّ الروحانِيَّ نجُوعًا في الأسقام، لعدم المعاني التي كان يجمعها [الرقاة] المقدسة من البركات، وما نُهي عنه هي رُقيَة العزَّامين ومَن يدَّعي تسخيرَ الجن. قال: وإليه ينحو أكثرُ مَن يَرقِي من الحية ويَستخرج السمَّ من بدن المَلسوع، ويُقال ذلك: إن الحيةَ لِمَا بينها وبين الإنسان من العداوة تُوالف الشيطانَ الذي هو عدوٌّ للآدمي، فإذا عزمَ على الحية بأسماء الشيطان أجابَتْ وخرجَتْ من مكانها؛ وكذا اللَّديغُ إذا رُقِيَ بتلك الأسماء سالَتْ سمومُها وجرَتْ مِن مواضعها من بدن الإنسان.

36 - باب العين حق

(تابعَه عبد الله بن سالم) وصلَه الذُّهْلي في "الزُّهْريات". (وقال عُقَيل) إلى آخره، مُرسَلٌ، وصلَه الحاكم في "المستدرك". * * * 36 - بابٌ الْعَين حَقٌّ (باب العَينُ حق) أي: في إصابتها وضررها. قال (ن): قد أَنكرَ طائفةٌ العينُ، ويدل على فساد قولهم: أنه مُمكِنٌ أَخبَرَ الصادقُ بوقوعه، فوجبَ قَبولُه، وقال بعضُهم: العائنُ ينبعث من عينه قوةٌ سميةٌ تتصل بالمَعين فيَهلك، كما ينبعث من الأفعى، فأجرَى اللهُ تعالى العادةَ عندَ مقابلةِ هذه الشخصِ لشخصٍ آخرَ بذلك، وانبعاثُ جوهرٍ من هذا إلى هذا ممكنٌ. قال بعضُهم: إذا عُرِفَ واحدٌ بذلك ينبغي اجتنابُه، وعلى الإمام منعُه من مداخلة الناس، وأمرُه بلزوم بيته؛ إذ ضررُه أكثرُ من ضرر الثوم. 5740 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ

37 - باب رقية الحية والعقرب

مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ"، وَنهى عَنِ الْوَشْم. (الوَشْم) سبق مراتٍ تفسيرُه بأنه غَرزُ الإبرة في الجلد وتسويدُه بكحلٍ ونحوه. * * * 37 - بابُ رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ (باب رُقيَة الحية والعَقرَب) 5741 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الرُّقْيَةِ مِنَ الْحُمَةِ، فَقَالَتْ: رَخَّصَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الرُّقْيَةَ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَةٍ. سبق شرح الحديث فيه. نعم قولها: (رخص) مشعر بأنه كان منهيًّا عنه، ولعله نهاهم عنه لما يخشى أن يكون فيها من ألفاظ الجاهلية، فلما علم أنها عارية من ذلك أباح لهم. * * *

38 - باب رقية النبي - صلى الله عليه وسلم -

38 - بابُ رقْيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب رقية النبي - صلى الله عليه وسلم -) 5742 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنس بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ ثَابِت: يَا أَبَا حَمزَةَ! اشْتكَيْتُ، فَقَالَ أَنسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: "اللهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الْبَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شَافِي إِلَّا أَنْتَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا". الحديث الأول: (اشتكيتُ)؛ أي: مرضتُ. (أَرقِيك) بفتح الهمزة. (البأس)؛ أي: الشدة والعذاب. (شفاءً) نُصِبَ بقوله: (اشفِ)، أو رُفع بتقدير مبتدأ، أو هو شفاء. (يُغادر): يَترك. (سَقَمًا) بفتحتين أو بضم ثم سكون. * * *

5743 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: "اللهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغادِرُ سَقَمًا". قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثْتُ بِهِ مَنْصُورًا، فَحَدَّثَنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. الثاني: (مسلم) إما ابن صُبَيح، وإما ابن عمران؛ لأنه يَروي عنهما، وهما شيخان لسليمان، ولا يقدح ذلك في السند، فكلٌّ منهما على شرطه. (يمسح بيده)؛ أي: موضع الوجع، قيل: والمعنى فيه التفاؤلُ بذهابه. (لا شفاءَ) مبني مع (لا) على الفتح، والخبر محذوف، أي: لنا. (إلا شفاؤُك) بدل من موضع (لا شفاء)؛ فإنه وقع كما في: لا إله إلا الله. * * * 5744 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامِ

ابْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْقِي يَقُولُ: "امْسَح الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفَاءُ، لَا كَاشفَ لَهُ إِلَّا أَنْتَ". الثالث: كما قبلَه. (يَرْقِي) بكسر القاف. (امسَح)؛ أي: أَزِل. * * * 5745 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ: "بِسْمِ اللهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا". الرابع: (تُرْبة) خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه تربةُ، أو هذا المرضُ، وفي بعضها: (يشفي بها) فهو مبتدأ، و (يشفي بها) خبره. قال (ش): تُرْبة، أي: جملةُ الأرض، وقيل: المدينةُ خاصةً لبركتها. (ورِيقَة) هي أقلُّ من الرِّيق، ومعناه: أن يأخذَ من رِيقِ نفسِه على

أصبعه السبَّابة، ثم يضعَها على التراب، فيَعلقَ بها منه شيءٌ فيَمسحَ به على موضع الجرح أو الألم، ويقولَ هذا الكلامَ في حال المسح. وقال التُّورِبِشْتِيُّ: الذي يَسبقُ إليه الفهمُ أن (تُربةَ) إشارة إلى فطرة آدم، و (ريقة) إلى النُّطفة، وكأنه يتضرَّع بلسان الحال، أي: إنك اختَرعتَ الأصلَ الأولَ من الطين، ثم أَبدَعتَ بنيتَه من ماءٍ مَهينٍ، فهيِّنٌ عليك أن تَشفيَ مَن كانت هذه نشأتُه. وقال البَيضاوي: قد شهدَتِ المَباحثُ الطبيةُ أن الرِّيقَ له مدخلٌ في النُّضج وتبديل المزاج، ولِترابِ الوطنِ تأثيرٌ في حفظ المزاج ودفع المُضرات، وقالوا في تدبير المسافرين: ينبغي أن يَستصحبَ ترابَ أرضه إن عجزَ عن استصحاب مائها، فإذا وردَ المياهَ المختلفةَ يَجعل شيئًا في سقائه ليَأمنَ مَضرَّتَه، والرُّقَى والعَزَائِمُ لها تأثيرٌ عجيبٌ تتقاعَد العقولُ عن الوصول إلى كُنْهها. وقال (ن): (أرضنا): المدينةُ لبركتها، و (بعضنا): النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لشرفِ رِيقِه المُبارَك. * * * 5746 - حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ في الرُّقْية: "تُرْبَةُ أَرْضِنَا، وَرِيقَةُ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا".

39 - باب النفث في الرقية

الخامس: في معنى ما سبق. * * * 39 - بابُ النَّفْثِ في الرُّقْيَةِ (باب النَّفْث في الرُّقية) 5747 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قتادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيتعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا، فَإنَّهَا لَا تَضُرُّهُ". وَقَالَ أَبو سَلَمَةَ: وَإِنْ كنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا أثقَلَ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا. الحديث الأول: (الرُّؤيا)؛ أي: الصالحة. (من الله)؛ أي: بشارةٌ منه للعبد ليُحسنَ بها ظنَّه، ويُكثرَ عليها شكرَه، وإلا فالكلُّ من الله تعالى، وقيل: هي إضافةُ تشريفٍ.

(والحُلم) بضم اللام وسكونها، أي: الرُّؤيا المكروهة الكاذبة. (من الشيطان)؛ أي: يُريها الشيطانُ للإنسان ليُحزِنَه ويَسوءَ ظنُّه بربِّه ويَقلَّ حظُّه من الشكر، ولذلك أَمَرَ أن يَبصقَ وَيتعوَّذَ من شرِّه، كأنه يقصدُ به طردَ الشيطان، وقال المَازَرِيُّ: يَخلقُ اللهُ في قلب النائم اعتقاداتٍ، فيَخلقُ الاعتقادُ الذي هو علامةُ الخير بغير حضرة الشيطان، والشرَّ بحضرته، فنُسبَ ذلك للشيطان مجازًا؛ إذ الكلُّ من الله تعالى. (ثلاث مرات)؛ أي: طردًا للشيطان وتحقيرًا له. (ويتعوَّذ) بالجزم، وهذا وجهُ مطابقة الترجمة بالرُّقية؛ لأن التعوُّذَ رُقيةٌ. (فما هو)؛ أي: الشأنُ إلا سماعي. * * * 5748 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ في كَفَّيْهِ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا اشْتكَى كَانَ يَأمُرُني أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ، قَالَ يُونس: كُنْتُ أَرَى ابْنَ شِهَابٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ إِذَا أتى إِلَى فِرَاشِهِ.

الثاني: (وبالمُعَوِّذَتين) بكسر الواو. * * * 5749 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْطَلَقُوا في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْء لَا يَنْفَعُهُ شَيءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نزَلُوا بِكُمْ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأتوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أيُّهَا الرَّهْطُ! إِنَّ سَيدَنَا لُدِغَ، فَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْء، لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نعُمْ، وَاللهِ إِنِّي لَرَاقٍ، وَلَكِنْ وَاللهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُم عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَم، فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يتفُلُ وَيقْرَأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي مَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نأتِيَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْية؟ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا واضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ".

الثالث: (فقال بعضُهم: نعم) هو أبو سعيد. (نشيط) (¬1) قيل: صوابه: أنشط. قال الجَوهري: أَنشطتُه، أي: أَحلَلتُه، ونشطتُه، أي: عَقَدتُه. (عِقَال) بكسر العين: الحَبل الذي يُشدُّ به. (قَلَبة) بقاف ولام وموحدة مفتوحات، أي: علةٌ ينقلب لها، فينظر إليه. قال (ش): أصلُه من: القُلاب بضم القاف، وهو داءٌ يأخذُ بالبعير يُمسك قلبَه فيموتُ من يومه، وقيل: معناه: ما به من داءٍ يُقلَب له. (الذي رَقَى) لا ينافي ما سبق أن الكارهين المانعين أصحابُه؛ لأن ذاك كان للأخذ، وهذا للقِسمة، أو كانت الكراهةُ منهم أولًا وهذا آخرًا، وقِسمتُه عليهم مُروءةٌ لا وتبَرُّعٌ، وإلا فهو ملكٌ له. (واضرِبُوا لي معكم بسهمٍ) من تطييب قلوبهم والمبالغة في تعريفهم أنه حلالٌ. * * * ¬

_ (¬1) "نشيط" ليس في الأصل.

40 - باب مسح الراقي الوجع بيده اليمنى

40 - بابُ مَسْحِ الرَّاقِي الْوَجَعَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى (باب مسح الرَّاقي الوَجعَ بيده اليمنى) 5750 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبْةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ بَعْضَهُمْ يَمْسَحُهُ بِيَمِينهِ: "أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا". فَذَكَرْتُهُ لِمَنْصُورٍ، فَحَدَّثَنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِه. (أَذهِبِ الباسَ) هو على تقديرِ قولٍ. * * * 41 - بابٌ في الْمَرْأَةِ تَرْقي الرَّجُلَ (باب المرأة تَرْقِي الرَّجُلَ) 5751 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّد! الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ في مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ

42 - باب من لم يرق

بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كنْتُ أَنَا أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ، فَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا، فَسَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ: كَيْفَ كَانَ يَنْفِثُ؟ قَالَ: يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ. (بالمُعوِّذات)؛ أي: الإخلاص والمُعوِّذتان، أو أن أقل الجمع اثنان، وسبق بيانُ ذلك قريبًا. * * * 42 - بابُ مَنْ لَمْ يَرْقِ (باب مَن لم يرق) بالبناء للمفعول أو للفاعل. 5752 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كثيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ:

43 - باب الطيرة

هَؤُلاَء أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلاَء سَبْعُونَ ألفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، فتفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبيَّنْ لَهُمْ، فتذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا في الشِّرْكِ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللهِ وَرَسُولهِ، وَلَكِنْ هَؤُلاَء هُمْ أَبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ لَا يتطَيَّرُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يتوَكلُونَ"، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نعمْ"، فَقَامَ آخَرُ، فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ: "سَبقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ". (معه) في بعضها: (ومعه) في المواضع كلِّها. (عُكاشة) سبق أنه بالتخفيف والتشديد، كما سبق في (باب مَن اكتوى). (سبقَك) قيل: كانت ساعةَ إجابةٍ، والأَشبهُ كي لا يتسلسلَ الأمرُ. * * * 43 - بابُ الطِّيَرة (باب الطِّيَرة) بكسر الطاء وفتح الياء وقد تُسكن، من: التطيُّر، وهو التشاؤم،

كانوا يُنفِّرون الظِّباءَ والطيورَ؛ فإذا أخذَتْ ذاتَ اليمين تبَرَّكُوا به وأخذوا في حوائجهم، وإن أَخذَتْ ذاتَ الشمال رجعوا من ذلك وتشاءموا، فأبطلَه الشرعُ وأَخبرَ بأنه لا تأثيرَ لذلك في نفعٍ ولا ضرٍّ. * * * 5753 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَالشُّؤْمُ في ثَلاَثٍ: في الْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ". الحديث الأول: (لا عَدوَى) هو كما سبق لا تعديةَ للمرض من صاحبه إلى غيره، ولا ينافي هذا قولَه عقبَه: (والشُّؤمُ في ثلاثة)، بل هو كما قال (خ): عامٌّ مخصوص، فإنه كالمُستثنَى منه ذلك، أي: إلا أن يكونَ له دارٌ يَكرَهُ سكناها، أو امرأة يَكرَهُ صحبتَها، أو فرسٌ كذلك؛ فَلْيُفارِقْهنَّ، وقيل: شُؤمُ الدار: ضيقُها وشُؤمُ جوارِها، وشُؤمُ المرأةِ: سَلاطتُها وعدمُ ولادتها، وشُؤمُ الفرسِ: أن لا يُغزَى عليه، وقال مالك: هو على ظاهره، فكلٌّ من الثلاثة قد يكون سببًا للضرِّ. * * * 5754 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:

أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبة، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَألُ"، قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: "الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدكم". الثاني: (وخيرُها الفَألُ) بهمزة ساكنة ولام مخففة، وبلا همزٍ تسهيلًا، وإضافتُه للطيرة مُشعِرٌ بأنه طِيَرةٌ؛ فإما أن ذلك باعتبار أن الأصلَ إطلاقُها في الخير والشرِّ، ثم خصَّص العُرفُ الطِّيَرةَ بالشرِّ، أو أن الإضافةَ للتوضيح، فلا يَلزمُ أن يكونَ منها. قال (ن): الفَألُ يُستعمَل فيما يَسوءُ وفيما يَسرُّ، والغالبُ السرورُ، والطيَرةُ لا تكون إلا في الشرِّ، وقد يُستعمَل في الخير مجازًا. قال (خ): الفَألُ طريقُ حسنِ الظنِّ بالله تعالى، والطِّيَرةُ طريقُ الاتِّكالِ على ما سواه. قال الأصمعي: سألتُ ابنَ عَون عن الفأل؟ فقال: مِثلُ أن يكونَ له مريضٌ، فيسمعَ قائلًا: يا سالِمُ! وهذا بخلاف سُنُوحِ الطير وبُرُوحِها؛ فإنه تكلُّفٌ من المُتطيِّر بما لا أصلَ له لعدم تمييز البهائم، حتى يَستدلَّ بها على معنًى، وطلبُ العلمِ من غيرِ مَظَانِّه جهلٌ. قال (ك): كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَستحبُّ الاسمَ الحسنَ والفَألَ الصالحَ؛ وكذا في فطرة الناس الارتياحُ للمَنظر الأنيق، والماء الصافي وإن لم يَشرَبْه. * * *

44 - باب الفأل

44 - بابُ الْفَأْلِ (باب الفَأل) 5755 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَألُ". قَالَ وَمَا الْفَألُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ". 5756 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجبُنِي الْفَألُ الصَّالح، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ". عُرِفَ شرحُ الحديثَينِ فيه مما سبق، وكذا. * * * 45 - بابٌ لاَ هَامَةَ (باب لا هَامَةَ) بتخفيف الميم.

46 - باب الكهانة

5757 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَم، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ". سبق مشروحًا. * * * 46 - بابُ الْكَهَانَةِ (باب الكَهَانة) بالفتح، وفي بعضها بالكسر: الإخبارُ بما يكون في أقطار الأرض؛ إما من جهة التنجيم، أو العِرَافة: وهي الاستدلالُ على الأمور بأسبابها وبالزَّجْر ونحوه. 5758 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى في امْرَأتينِ مِنْ هُذَيلٍ اقْتَتَلَتا، فَرَمَت إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهْيَ حَامِلٌ، فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِي في بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَفَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا في بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، فَقَالَ وَليُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غَرِمَتْ: كيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ لَا شَرِبَ، وَلَا أَكَلَ، وَلَا نَطَقَ، وَلَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلَ؟ فَقَالَ

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ". 5759 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ امْرَأتيْنِ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَليدَةٍ. الحديث الأول: (امرأتَينِ) في "سنن أبي داود" و"النَّسَائي": (جاريتينِ). (هُذَيل) بمعجمة. (اقتَتَلَتَا)؛ أي: تقاتَلَتَا. (فرَمَتْ إحداهما) هي أُمُّ عَفِيف بنتُ مَسْرُوح. (والأخرى) هي مُلَيكة بنتُ عُوَيْم، رواه أحمد في "مسنده"، وفي رواية البَيْهَقي وأبي نُعيم: أنها أُمّ عُطَيْف. (فاختَصَمُوا) هو مثل: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} [الحج: 19]. قلت: كذا قال (ك)، ويَظهَرُ أنه ليس مثلَه؛ لأن السابقَ لفظُ (امرأة)، وليس بجمعٍ ولا مُذكَّرٍ، بخلاف (خصم)؛ فإنه يُطلَق على الواحد والجمع، وإنما المرادُ: اختَصمَ فريقُ كلِّ امرأةٍ، فإن أراد ذلك (ك) ففيه تكلُّفٌ. (غُرَّة) بضم الغين وتشديد الراء، أصله: بياضٌ في الوجه، فإطلاقُه على الشخصِ كلِّه من إطلاق البعض على الكل، وقيل: لا بدَّ مِن عبدٍ أبيضَ أو أَمَةٍ بيضاءَ، و (غُرَّة) بالتنوين.

قال (خ): قوَّم الفقهاءُ الغُرَّة بِعُشْر دية الجنين. (عبد أو أَمَة) بدل منه، كذا رواية الأكثر، ويُروَى بالإضافة، و (أو) هنا للتقسيم. (فقال وليُّ المرأة)؛ أي: المضروبة، هو مَسْرُوحٌ ابنُها، رواه عبد الغني بن سعيد في "مُبهماته"، والأكثرُ أن القائلَ هو زوجُها حَمَل (¬1) بن مالك بن النابغة. قال (ش): كذا بيَّنه مسلم، وفي "معجم الطبَراني": أن القائلَ عِمرانُ بنُ عُوَيْم أخو مُلَيكة، ويُحتمَل تعدُّدُ القائل؛ فإنَّ إسنادَ كل منهما صحيح. (لا أكل) قال ابن جنِّي: (لا) بمعنى (لم)، أي: لم يأكل ولم يشرب. (استَهلَّ)؛ أي: صاحَ عندَ الولادة. (يُطَلُّ) بضم الياء وتخفيف الطاء، أي: يُهدَر، وفي بعضها: (بَطَلَ) بالموحدة، من: البطلان. (إخوان الكُهَّان) في "مسلم" زيادة: (من أجلِ سَجْعِه الذي سَجَعَ)، ففيه بيانُ وجهِ الشبهِ ووجهِ الذمِّ في هذا السجع، مع أن السجعَ كثيرٌ في كلامه - صلى الله عليه وسلم -، نحو: "اللهم مُنْزِلَ الكتابِ، سريعَ الحسابِ" الحديث، ونحو: "صَدَقَ اللهُ وعدَه، ونَصَرَ عبدَه" ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ت": "بفتح الحاء المهملة والميم".

الحديث، وغير ذلك = أنه عارَضَ بسجعِه حكمَ الشرعِ يَرُومُ إبطالَه، وأيضًا ففيه تكلُّفٌ، بخلاف سجع الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه حقٌّ بلا كُلفة. قال (ط): فيه ذمُّ الكُهَّان، ومَن يتشبَّه بهم في استعمال الألفاظ المُستحسَنة في الأمور الباطلة، فلذلك استَحقَّ الذمَّ، ولكنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جُبِلَ على الصفح عن الجاهلين. وقال (خ): لم يَعِبْ منه مُطلَقَ السجع؛ إنما عاب منه ردَّ الحكم وتزيينَه بالسجع كتزيينِ الكُهَّانِ أباطيلَهم بالأسجاع، يُوهمون الناسَ أن تحتَها طائلًا. * * * 5760 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى في الْجَنِينِ يُقْتَلُ في بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَليدَةٍ، فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ: كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لا أَكَلَ، وَلَا شَرِبَ، وَلَا نَطَقَ، وَلَا اسْتَهَلَّ، وَمذِثْلُ ذَلِكَ بَطَلْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ". الثاني: (الذي قضَى عليه)؛ أي: ولِيُّ المرأة؛ لأن الغُرَّةَ على العاقِلَة، كذا قال (ك)، ولكن إن كان المرادُ ابنَها أو زوجَها فلا يتأتَّى ذلك. * * *

5761 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِي، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. الثالث: في معنى الذي قبلَه. [(البَغِيَّ) فعيل أو مفعول، ومَهرُها: ما تأخذُه الزانيةُ على الزِّنا. (حُلْوَان) بالضم: ما يُعطَى على الكَهانة، ومرَّ في آخر (كتاب البيع)] (¬1). * * * 5762 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: "لَيْسَ بِشَيْءٍ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيء فَيَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا مِنَ الْجنِّيِّ، فَيقُرُّهَا في أُذُنِ وَليِّهِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ". قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: مُرْسَلٌ، الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ أَسْنَدَهُ بَعْدَهُ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

الرابع: (عن (¬1) الكُهَّان) متعلق بـ (سأل). (ليس بشيءٍ)؛ أي: ليست أقوالُهم مُعتبَرَةً، فهي كالعدم، وفي بعضها: (ليسوا بشيءٍ). (يَخطفُها) بفتح الطاء على المشهور، وكسرها لغة، وهي أخذُ الشيء بسرعةٍ، قال تعالى: {مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10]. (يَقُرها) بفتح الياء وضم القاف. قال الجَوهري: قَرَّ الحديثَ في أذنه يَقُرُّه بالضم: كأنه صبَّه فيه، وفي بعضها بكسرها وتشديد الراء، أي: مع ضم أوله، وهو ترديدُ الكلامِ في أذن المُخاطَب حتى يَفهمَه. (كَذْبة) بفتح الكاف وكسرها، والذالُ ساكنةٌ فيهما، وأَنكَرَ بعضُهم الكسرَ لأنها للهيئة، وليس ذلك محلَّها. (قَالَ عَلِيٌّ) هو ابن المَديني، أي: قال: إن عبدَ الرزاق قال: إن لفظَ (الكلمة من الحقِّ) مُرسَلٌ في الحديث، ولعل شيخَه نقلَه هكذا، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (تلك يَخطَفُها)، وأنَّثَ باعتبار أن الشيءَ عبارةٌ عن الكلمة، أو لعل غرضَه أنه لم يقل لفظَ: (من الحقِّ) بالقاف؛ بل قال: (من الجنِّ) بالجيم والنون، أي: تلك الكلمةُ المسموعةُ من الجن أو المنقولة منه، أو لم يقل لا الجنَّ، ولا الحقَّ؛ بل قال: (تلك ¬

_ (¬1) "عن" ليس في الأصل.

47 - باب السحر

الكلمة) فقط، ثم قال عليٌّ: (وبلغني أن عبدَ الرزاق أَسندَه بعدَ ذلك). * * * 47 - بابُ السِّحْرِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}، وَقولهِ تَعَالَى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}، وَقَوْلهِ: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}، وَقَوْلِهِ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}، وقوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}، وَالنَّفَّاثَاتُ: السَّوَاحِرُ، {تُسْحَرُونَ}: تُعَمَّوْنَ. (باب السِّحْر) وهو أمرٌ خارقٌ للعادة صادرٌ من نفسٍ شريرةٍ لا يتعذَّر معارضتُه، وقد أنكرَه قومٌ وقالوا: إنما هو خيالاتٌ باطلةٌ لا حقيقةَ لها، وأكثرُ الأُمم من العرب والرُّوم والهند والعجم على ثبوته ووجوده حقيقةً، وله تأثيرٌ، وليس بمستحيلٍ عقلًا أن الله تعالى يَخرقُ العادةَ عندَ النطق

بكلامٍ مُلفَّقٍ وتركيبِ أجسامٍ على وجهٍ لا يَعرفُه كلُّ أحدٍ، وأشار البخاريُّ إلى ثبوته، وأكَثَرَ في الاستدلال عليه بالآيات وصريح الحديث، وأنه مُمرِضٌ، حيث قال: شفاني الله، وحينئذٍ فالفرقُ بينه وبين معجزة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنها بالتحدي، ولا تعارضَ بخلافه، أو أنه يظهر على لسان الفاسق أو يحتاج إلى آلاتٍ وأسبابٍ، والمعجزةُ لا تحتاج إليها. (تُسْحَرون: تُعْمَون) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه، ومنهم مَن يفتح ثانيَه ويُشدِّد ثالثَه. * * * 5763 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجلٌ مِنْ بني زُريقٍ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِي، لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! أَشَعَرْتِ أَنَّ الله أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أتانِي رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَم، قَالَ: في أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: في بِئْرِ ذَرْوَانَ"، فَأتاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ

فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءَ، أَوْ كَأَنَّ رُؤُسَ نَخْلِهَا رُؤُسُ الشَّيَاطِينِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلاَ أَستخْرِجُهُ؟ قَالَ: "قَدْ عَافَانِي اللهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا"، فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَأَبو ضَمْرَةَ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ: في مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، يُقَالُ: الْمُشَاطَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ، وَالْمُشَاقَةُ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ. (زُرَيْق) بتقديم الزاي. (لَبِيْد) بفتح اللام وكسر الموحدة وبالمهملة: ابن (الأَعْصَم) بمهملتين. (يُخيَّل) بالبناء للمفعول. (يَفعَل)؛ أي: يأتي النساءَ، كما سيأتي. (ذات يوم) بالرفع، وفي بعضها بالنصب، و (ذات) مُقحمَةٌ للتأكيد. قال الزَّمَخْشَري: أو من إضافة المُسمَّى إلى اسمه. (لكنه) محلُّ الاستدراك هو إما (وهو عندي)، أي: كان عندي، لكن ليس مشتغلًا بي، بل بالدعاء، أو (يفعل)، أي: كان التخييلُ في الفعل لا في القول والعلم؛ إذ كان دعاؤُه وفهمُه على الوضع الصحيح. (مَطْبُوب)؛ أي: مسحور، والطبُّ من الأضداد.

(مُشْط) بضم الميم وكسرها، والشينُ ساكنةٌ فيهما. (ومُشَاطة) ذُكِرَ آخرَ الحديث تفسيرُها وتفسيرُ المُشَاقة، وقيل: هما بمعنَى، والقافُ تُبدَل من الطاء. (وَجُفّ) بضم الجيم وتشديد الفاء: وعاءُ طلعِ النخل وغشاؤُه، سواءٌ الذكرُ والأنثى، فلذلك قيَّده بقوله: (ذَكَر)، وفي بعضها: (جُبّ) بالموحدة بمعناه. (طَلْعة نخلة) الهاء فيه لتمييز المفرد، كتمرة. (ذَرْوَان) بفتح المعجمة وسكون الراء وبالواو والنون، وفي بعضها: (ذي أَرْوَان) بفتح الهمزة وإسكان الراء، وقد سبق ذلك. قال (ن): كلاهما صحيحٌ، والثاني أجودُ وأصحُّ، وادَّعَى ابنُ قُتيبةَ أنه الصوابُ، وهي بئرٌ بالمدينة في بستان بني زُرَيْق. (نُقَاعَة) بضم النون وخفة القاف وتشديدها. (الحِنَّاء) بالمدِّ، أي: الماء الذي يُنقَع فيه الحِنَّاء. (وكأن رؤوسَ نخلِها رؤوسُ الشياطين) وجهُ التشبيه: وحاشةُ المَنظر، وهو مَثَلٌ في استقباح الصورة. (أُثَوِّر) بفتح المثلثة وتشديد الواو المكسورة. (شرًّا)؛ أي: بأن يَعلَمَ المنافقون السحرَ، فيُؤذون المسلمين به، وهو من باب دفع أعظم المفاسد. (تابَعَه أبو أُسامة) موصولٌ بعدَ بابٍ.

48 - باب الشرك والسحر من الموبقات

(وأبو حمزة) وصلَه في (الدعوات). (وقال الليث) مضى في (صفة إبليس). (وابن عُيَيْنَةَ) موصولٌ بعدَ (باب السحر) أيضًا. * * * 48 - بابٌ الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ مِنَ الْمُوبِقَاتِ (باب الشِّرك والسِّحر من المُوبِقات) أي: المُهلِكات، وقد ثبت في الصحيح عدُّ السبع: الشِّركُ بالله، والسِّحرُ، وقتلُ النفسِ التي حرَّم اللهُ إلا بالحقِّ، وأكلُ مالِ اليتيم، وأكلُ الرِّبا أو التولِّي يومَ الزَّحف، وقذف المُحصَنات، واقتصارُه في الحديث المذكور على ثنتين: 5764 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اجْتَنِبُوا الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ". (الشِّرك بالله والسِّحر) بالرفع والنصب؛ إما اختصارًا، أو من باب: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 97]. وفيه: أن السِّحرَ من الكبائر، وحُجَّة على مَن عرَّفَ الكبيرةَ بأنها

49 - باب هل يستخرج السحر؟

المُوجِبة للحَدِّ. * * * 49 - بابٌ هل يَسْتخْرِجُ السِّحْرَ؟ وَقَالَ قتادَةُ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّب: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ، أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإصْلاَحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ. (باب هل يُستَخرَج السِّحرُ؟) (وقال قتادة) وصلَه أبو بكر الأَثرَم في "سننه" من طريق أبانَ العطَّار عن قتادة بمثله، ومن طريق هشام الدَّسْتُوائي عن قتادة بلفظ: (يلتمس مَن يُداويه)، فقال: إنما نهى اللهُ عما يَضرُّ ولم يَنهَ عما ينفع. قولهُ: (طِبٌّ)؛ أي: سِحرٌ. (يُؤَخَّذ) بمعجمتين والتشديد، أي: يُحبَس عن مباشرة المرأة، وهذا هو المشهورُ بعقد التأجيل. قال الجَوهري: الأُخذة بالضم: الرُّقية كالسحر، أو خرزةٌ تُؤخَذ بها النساءُ والرجالُ، وهي من التأخيذ. (أو يُنَشَّر) بالتشديد، من: النُّشْرَة، أي: بضم النون وسكون المعجمة، وهي كالتعويذ والرُّقية يُعالَج بها المجنونُ، يُنشَّر عنه

تنشيرًا، أو يُحتمل أن تكون شكًّا أو تنويعًا شبيهًا باللَّفِّ والنَّشرِ، بأن يكون الحلُّ في مقابلة الطِّب، والتنشير في مقابلة التأخيذ. قال (ط): هل يُسأل الساحرُ عن حلِّ السِّحر عن المسحور؟ قال الحسنُ البَصريُّ: لا يجوز إتيانُ الساحر مُطلَقًا، وقال ابنُ المُسَيَّب وغيرُه: ذلك إذا أتاه وسألَه أن يَضرَّ مَن لا يحلُّ ضررُه، وأما للحلِّ فنفعٌ، وقد أَذِنَ له لذوي العِلَل في المعالجة، سواءٌ كان المُعالج ساحرًا أو لا. قال (ط): في كتب وَهْب بن مُنبِّه: أن الحلَّ، ويُسمَّى النُّشرة: أن يَأخذَ سبعَ ورقاتٍ من سِدْرٍ أخضرَ، فيدقَّه بين حَجَرَينِ، ثم يَضربَه بالماء ويقرأَ عليه آيةَ الكرسي وذواتِ {قُلْ}، ثم يَحْسُوَ منه ثلاثَ حَسَوَاتٍ ويغسلَ به، فيذهبَ عنه كلُّ ما به إن شاء اللهُ تعالى، وهو جيدٌ للرجل إذا حُبس عن أهله. * * * 5765 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي آلُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، فَسَألتُ هِشَامًا عَنْهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأتِيهِنَّ، قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ الله قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أتانِي

رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ، كانَ مُنَافِقًا، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ في مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ، في بِئْرِ ذَرْوَانَ"، قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، فَقَالَ: "هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءَ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُسُ الشَّيَاطِينِ"، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: أفلاَ أَيْ تنشَّرْتَ؟ فَقَالَ: "أَمَا وَاللهِ فَقَدْ شَفَانِي، وَأكرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا". (كان منافقًا) في هذه الرواية دليل على أن قولَه في الرواية السابقة: (اليهودي) نسبةٌ، بأنه حِلْفٌ لهم. قال أبو الفرج: يدل على أنه كان قد أَسلَمَ نفاقًا. (رَاعُوفة) بالراء والمهملة والفاء: صخرةٌ تُترَك في أصل البئر عندَ حفرِه ثانيةَ ليُحبَس [ليجلس] عليها مُستقيه إذا احتاج، وقيل: حجرٌ على رأس البئر يُستقَى عليه، وفي بعض الروايات: (رَعُوفة) بغير ألف، ورُوي بالثاء المثلثة؛ والمشهورُ الفاءُ. (أفلا تنشَّرت) وفي بعضها: (هلَّا تنشَّرْت)، تفعُّل من النُّشرة، وفي بعضها: (أفلا، أي: تنشَّرْت)، بزيادة (أي) التفسيرية، وفي بعضها: (أفلا أُتِيَ بِنُشْرَة)، فعلٌ ماضٍ مبني للمفعول، من: الإتيان،

50 - باب السحر

وسبق معنى النُّشرة، وفيه: جوازُ النُّشرة، وأنها كانت مشهورةً عندهم، ومعناها اللغويُّ ظاهرٌ فيها، وهو نشرُ ما طَوَى الساحرُ وتفريقُ ما جمعَه، أي: هلَّا استَخرجتَ الدَّفينَ حتى يَرَاه الناسُ، فكرهَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لِمَا في إظهاره من الفتنة، وهو معنى قوله: (على أحدٍ من الناس شرًّا) فيُحتمل أن المرادَ به لَبيدُ بنُ الأَعصَم؛ لأنه مسلمٌ في الظاهر، أو الناسُ مطلقًا، وقد سبق. * * * 50 - بابُ السِّحْرِ (باب السِّحر) 5766 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِنه لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا اللهَ وَدَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا استفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ "، قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "جَاءَنِي رَجُلاَنِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَم، الْيَهُودِيُّ مِنْ بني زُرَيْقٍ، قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ

طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: في بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ" قَالَ: فَذَهَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْل، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: "وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُسُ الشَّيَاطِينِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفأَخْرَجْتَه؟ قَالَ: "لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ وَشَفَانِي، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا" وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. الحديث الأول: (لَيُخَيَّل)؛ أي: يَظهرُ له من نشاطه وتقدُّم عادته؛ فإذا دنا منهنَّ أخذَه السِّحرُ، فلم يتمكن من ذلك، وقيل: كان يُخيَّل إليه، ولكن لم يكن يعتقد صحةَ ما تَخيَّله، وقيل: كان السِّحرُ جاريًا على جسده وجوارحه، لا على عقله وقلبه، فيتخيَّل بالبصر لا بالبصيرة، وليس فيه قدحٌ فيما يتعلق بالنبوة، وسبق بيانُ ذلك في (باب صفة إبليس) في (كتاب بدء الخلق)، وقيل: تجويزُ مثلِه يَمنع الثقةَ بالشرع، ورُدَّ بأنه معصومٌ بالمعجزات عما يتعلق بالتبليغ، بخلاف أمور الدنيا فإنه لا يَبعُدُ، ولا نقصَ فيه بذلك. قال (خ): لأن الأنبياءَ -عليهم الصلاةُ والسلامُ- بشرٌ جارٍ عليهم من العِلَل والأعراض ما هو جارٍ على غيرهم، وليس تأثيرُ السحر فيهم بأكثرَ من القتل والسم، وقد قُتِلَ زكريا ويحيى وأمثالهم، وذلك ابتلاءٌ، قال: فقد عصمَه اللهُ، وإنما كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيءَ من أمر النساء خصوصًا، ولا يفعل؛ وهذا لا نقصَ فيه.

51 - باب من البيان سحرا

(جاءَني رجُلانِ) رواه مُرجَّى بن رجاء، عن هشام بسنده: (مَلَكانِ)، فيُحتمل أنهما جبريلُ وميكائيلُ، كما في حديث سعد الآتي. (قال: لا) (¬1) هذا غيرُ مُنافٍ لرواية: أنه استخرجه؛ لأن المُثبَتَ هو استخراجُه من موضعه، والمَنفيَّ عدمُ التنشُّر منه، ولهذا قيل له: (أفلا تَنَشَّرت)، أو عدمُ إخراجه من البئر أو من الجُفِّ، كما أشار إليه (ط) لئلا يراه الناسُ، فيتعلمون استعمالَ السِّحر بعد أن قال: إن مدارَ الحديث على هشام؛ لكن بعضَ أصحابه رَوَى عنه الاستخراجَ، وبعضَهم لم يَروِه، والمُثبِتُ معه زيادةُ ثقةٍ؛ فقُبِلَتْ، لا سيما وهو أضبطُ. الثاني: كالذي قبلَه. * * * 51 - بابٌ مِنَ الْبَيَانِ سحرًا (باب مِن البيان السِّحرُ) 5767 - حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ قَدِمَ رَجُلاَنِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَخَطَبَا، ¬

_ (¬1) "قال لا" ليس في الأصل.

52 - باب الدواء بالعجوة للسحر

فَعَجبَ النَّاسُ لِبيانِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ الْبيانِ لَسِحْرًا، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبيانِ لَسِحْرٌ". سبق الحديثُ فيه في (النكاح)، وأن وجهَ التشبيه جلبُ العقول، فإنهما خارقان للعادة، أو أنه كما يقول المالكية: ذمٌّ للبيان؛ لأنه شُبِّهَ بالسِّحر، وهو مذمومٌ. (رَجُلان) سبق أن اسمَ أحدهما: الزِّبْرِقَان -بالزاي والموحدة والراء والقاف- بن بدر، والآخر: عمرو بن الأَهْتَم. (من المَشرِق)؛ أي: من نجد. * * * 52 - بابُ الدَّوَاءِ بِالْعَجْوة للسِّحْرِ (باب الدَّوَاءِ بالعَجْوَةِ للسِّحْرِ) العَجْوَة بفتح العين المهملة وسكون الجيم: ضربٌ من أجود التمر بالمدينة. 5768 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، أَخْبَرَنَا هَاشِمٌ، أَخْبَرَنَا عَامِرُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرُّهُ سَمٌّ وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ" وَقَالَ غَيْرُهُ: "سَبْعَ تَمَرَاتٍ".

53 - باب لا هامة

(عليّ) في بعضها زيادة: (ابن سَلَمة)، أي: بفتح اللام اللَّبَقي بموحدة مفتوحة وقاف. (اصطَبَح)؛ أي: أكلَ في الصباح. (غيرُه)؛ أي: غيرُ عليٍّ. * * * 5769 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ، سَمِعْتُ سَعْدًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلَا سِحْرٌ". الثاني: هو بمعنى ما قبلَه. * * * 53 - بابٌ لَا هَامَةَ (باب لا هَامَةَ) بتخفيف الميم، سبق شرحُه وشرحُ الحديث قريبًا. 5770 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ،

أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا عَدْوَى، وَلَا صَفَرَ، وَلَا هَامَةَ"، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَا بَالُ الإبِلِ تَكُونُ في الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ". (لكأنها) اللام زائدة، وقد رواه في (باب: لا صَفَرَ): (كأنها). (فَيُجْرِبُها) بالرفع عطفًا على (يخالط). * * * 5771 - وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ"، وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيرَةَ حَدِيثَ الأَوَّلِ، قُلْنَا: ألمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لَا عَدْوَى؟ فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ. (يُورِدَنَّ) بكسر الراء ونون التوكيد. (مُمْرِض) بإسكان الميم الثانية وكسر الراء. (مُصِحّ) بكسر الصاد، ومفعولُ (يورد) محذوفٌ، أي: لا يُورد إبلَه المِرَاضَ؛ فالمُمرِض: صاحبُ الإبل المِراض، من: أَمرَضَ الرجلُ: وقع في ماله المرضُ والعاهةُ، والمُصِحُّ: صاحبُ الإبل الصِّحاح؛ لأنه ربما أصابها مَرَضٌ بقَدَر الله لا بطبعها، فيتضرَّر

صاحبُها، وربما اعتقدَ العَدوَى بطبعها، فيَكفُر. قال (ن): (لا عَدوَى): نفيُ ما كانوا يعتقدونه أن المرضَ يُعْدِي بطبعه، ولم يَنفِ حصولَ الضرر عنده بقَدَر الله، و (لا يُورد): إرشادٌ لمُجانبَة ما يَحصلُ الضررُ عندَه بقَدَر الله، وقيل: حديثُ (لا يُورد) منسوخٌ بـ: (لا عَدوَى)، وقيل: لا تنافِيَ؛ لِمَا سبق أن إيرادَها قد يَحصل معه ضررٌ، ويتوهَّم العَدوَى، ونفي العَدوَى من حيث الاعتقادُ. وقال (خ): النهيُ إنما جاءَ في الأدواء التي تشتدُّ رائحتُها ويَنطُفُ منها نُطَفٌ، فإذا بَرَكَتِ الإبلُ في مَبَارك المَرضَى علقَتْ بها تلك النُّطَفُ وسرَتْ روائحُها لِمَا يُساكنُها ويَطولُ مقامُه معها. (الحديث الأول)؛ أي: حديث (لا عَدوَى)، وفي بعضها: (حديث الأول) نحو: مسجد الجامع. (فَرَطَنَ)؛ أي: تكلَّم باللغة الحبشية بما لا يُفهَم، والرَّطانة: ما كان بالعجمية. (نَسِيَ) قد يَستشكل بقوله بعد بسطِ الرِّداء بين يدي النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: (فما نسيتُ شيئًا بعدُ)؟ وجوابه: أنه إنما قال: فما رأيتُه نَسِيَ، ولا يلزمُ من روايته النسيانَ نسيانُه. قال في "صحيح مسلم": هذه العبارةُ لا أدري: أنسِيَ أبو هريرةَ أو نسخَ أحدُ القولَينِ الآخرَ. * * *

54 - باب لا عدوى

54 - بابٌ لَا عَدْوَى (باب لا عَدوَى) 5772 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَحَمْزَةُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ في ثَلاَثٍ: في الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ". الحديث الأول: (طِيَرة) بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تُسكن، سبق بيانُه وشرحُ الحديث. * * * 5773 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا عَدْوَى". 5774 - قَالَ أَبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ". 5775 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ

55 - باب ما يذكر في سم النبي - صلى الله عليه وسلم -

الدُّؤَليُّ، أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا عَدْوَى"، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الإبِلَ تَكُونُ في الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ فَيَأْتِيهِ الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ ". الثاني: سبق شرحُه في الباب قبلَه، وكذلك الحديثُ الثالثُ سبق قريبًا. * * * 5776 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ قَالَ: سَمِعْتُ قتَادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، ويُعْجبُنِي الْفَألُ"، قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: "كلِمَةٌ طَيِّبةٌ". * * * 55 - بابُ مَا يُذْكَرُ في سَمِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب مَا يُذْكَرُ في سَمِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) بتثليث سين سمٍّ.

(رواه عروة) سبق بيانُه آخرَ (كتاب المغازي). * * * 5777 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنَ الْيَهُودِ"، فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أَنتمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟ "، فَقَالُوا: نعمْ يَا أَبَا الْقَاسِم، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أبوكُمْ؟ "، قَالُوا: أبَونَا فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبْتُمْ، بَلْ أبَوكُمْ فُلاَنٌ"، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، فَقَالَ: "هَلْ أَنتمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَألتُكُمْ عَنْهُ؟ " فَقَالُوا: نعمْ يَا أَبَا الْقَاسِم، وَإنْ كَذَبنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ في أَبِينَا، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ "، فَقَالُوا: نكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُوننا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْسَؤُا فِيهَا، وَاللهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا"، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "فَهَلْ أَنتمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْء إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ "، قَالُوا: نعمْ، فَقَالَ: "هَلْ جَعَلْتُمْ في هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟ "، فَقَالُوا: نعمْ، فَقَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ "، فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ. (صادقوني) قال ابن مالك: كذا في المواضع الثلاثة في الحديث

في أكثر النُّسَخ، ومقتضى الدليل أن تَصحَبَ نونُ الوقاية الأسماءَ المُعربةَ المُضافةَ إلى ياءِ المتكلمِ، لتَقيَها خفاءَ ذلك الإعراب، فلما منعوها ذلك كان كأصلٍ متروكٍ، فنبَّهوا عليه في بعض الأسماء المُعرَبة المُشابِهة للفعل، يقول الشاعر: وليس المُوافِيني لِيَرقُدَ خَائِبًا ... فَإِنَّ لَهُ أَضْعَافَ مَا كَانَ أَمَّلَا ومنه الحديثُ: (صادقوني)، ولمَّا كان أفعلُ التفضيل سببَها بفعل التعجب اتصلت به النونُ في قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (أخوفني عليكم)، أي: أخوفُ مَخافتي عليكم، فحُذف المضافُ إلى الياء، وأُقيمت هي مقامَه، فاتصل (أخوف) بها مقرونةً بالنون، ورُوي: (صادقيَّ) بتشديد الياء. (وَبَرِرتَ) بكسر الراء الأولى. (تخلفونا) بالإدغام والفكِّ. (اخسَئُوا) من: خَسَأتُ الكلبَ: طردتُه، وخَسَأَ الكلبُ بنفسه، يتعدَّى ولا يتعدَّى، أي: وبعضُ عصاة المسلمين وإن دخلوا النارَ فيَخرجون منها، وأما الكَفَرَةُ فمُخلَّدون فيها، واسم المرأة التي جَعلَتِ السمَّ في الشاة: زينبُ، وفي الحديث معجزةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * *

56 - باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه

56 - بابُ شرب السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وبما يُخَاف مِنْهُ (باب شُرْبِ السُّمِّ، والدَّواء بهِ، وما يُخَافُ مِنْهُ) (ما): عطفٌ على الاسم لا على الضمير المجرور، وفي بعضها: (وبما يخاف)، فيجوز العطفُ عليه لإعادة الجار. (والخبيث) هذه اللفظةُ عندَ القَابِسِيِّ وأبي ذَرٍّ دونَ غيرهما، وذكرَها التِّرْمِذي بلفظ: (ونهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الدواء الخبيث)، قال أبو عيسى: يعني: السُّمَّ. 5778 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقتَلَ نَفْسَهُ، فَهْوَ في نَارِ جَهَنَّمَ، يترَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقتلَ نَفْسَهُ، فَسَمُّهُ في يَدِهِ، يتحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قتلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ، يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا". الحديث الأول: (تَرَدَّى)؛ أي: سقط. (تحسَّى) بمهملتين، أي: تجرَّع.

(يَجَأ بها) من الوِجَاء بالهمز، وهو الضربُ بالسكين، يقال: وجَأتُ البعيرَ: طعنتُ مَنْحَرَه، والأصل في مضارعه: يَوجَأ، وهذه العقوباتُ من جنس الأعمال، نعم، المؤمنُ لا يُخلَّد في النار، فيُحمَل إما على المُستحِلِّ، وإما أن المرادَ بالخلود المكثُ الطويلُ جمعًا بين الأدلة. (جهنم) اسمٌ لنار الآخرة، لا يُصرَف للتأنيث أو للعُجمة مع العَلَمية. * * * 5779 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ أَبُو بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِم قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلَا سِحْرٌ". الثاني: فيه فضلُ عَجْوَة المدينة، وقيل: عامٌّ لكل عَجْوَةٍ، وأما السرُّ فيه وفي تخصيص العدد بسبعٍ فهو مما يَعلمُه الشرعُ ويجب الإيمانُ به، كما في عدد الركعات ونُصُب الزَّكَوات. * * *

57 - باب ألبان الأتن

57 - بابُ أَلْبَانِ الأُتُنِ (باب ألْبَانِ الأُتُنِ) بضم الهمزة والمثناة أو تسكينها، جمع: أتان، وهي أُنثى الحُمُر. 5780 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبةَ الْخُشنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أكلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ حَتَّى أتيتُ الشَّأمَ. 5781 - وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ هَلْ نتَوَضَّأُ؟ أَوْ نشرَبُ ألبَانَ الأُتُنِ أَوْ مَرَارَةَ السَّبُعٍ أَوْ أَبْوَالَ الإبِلِ؟ قَالَ قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يتدَاوَوْنَ بِهَا، فَلا يَرَوْنَ بِذلِكَ بَأسًا، فَأَمَّا ألبَانُ الأُتُنِ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ لُحُومِهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ ألبَانِهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ، وَأَمَّا مَرَارَةُ السَّبُعِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَني أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّ أَبَا ثَعْلَبةَ الْخُشَنِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ أكلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ. (وزاد الليث) وصلَه البَغَوي في "الجَعْدِيات" بدون القصة التي فيه، ورَوى أبو نُعيم الحديثَ والقصةَ في "المستخرج" من طريق أبي ضَمْرَة عن يونس.

58 - باب إذا وقع الذباب في الإناء

(يتوضَّأ)؛ أي: من ألْبَان الأُتُن. (ألْبَان) فيه تنازعُ عاملَينِ. (بها)؛ أي: بأبوال الإبل. (نهى عن لُحُومِها) يُعلَم منه حرمةُ اللبَن, لأنه مُتولِّدٌ من اللحم. (مَرَارَةُ السَّبُعِ) يُعلَم حرمتُها من عموم النهي عن أكل كل ذي نابٍ لشموله جميعَ أجزائه، ويُحتمَل أن يكونَ المرادُ: ليس لنا نصًّا فيهما، فلا يُعرَف حكمُهما. * * * 58 - بابٌ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ في الإِنَاء (باب إذا وَقَعَ الذُبَابُ في الإنَاءِ) 5782 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُتْبةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِي زُريقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا وَقَعَ الذُبَابُ في إنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَليَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ، فَإنَّ في أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الآخَرِ داءً". (زُرَيْق) بتقديم الزاي، وقيل: إن عُبيدًا مولى زيد بن الخطاب.

(فَلْيَغْمِسْه) بكسر الميم، وهذا ظاهرٌ إذا كان عندَ الغَمس حيًّا، وحِكمةُ الغَمس: ما جاء أنه يُقدِّم السُّمَ، فيَغمسُه فيتداوى بالآخر الذي فيه الشفاءُ، ومِثلُه العَقربُ ونحوُها، تُهيج الداءَ بإبرتها ويُتداوَى بجرمها. قال (خ): هذا مما يُنكرُه مَن لم يَشرَحِ اللهُ صدرَه بنور المعرفة، فلِمَ لا يتعجب من النحلة فيها الشفاءُ والسمُّ معًا؛ فتَعسلُ من أعلاها، وتُسمُّ من أسفلها بجمتها؟ والحيةُ سمُّها قاتلٌ، ولحمُها مما يُستشفَى به، ولا حاجةَ لنا إلى النظائر مع قول الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن أهلَ الطبِّ إنما يقولون بالتجربة، والتجربةُ خطرٌ. قال (ط): يجوز أن يُحمَلَ على ظاهره، وأن يكونَ المرادُ: ما تجدون في نفس الأكل من التقذُّر للطعام إذا وقع، والدواءُ الذي في الجناح الآخر رفعُ التقذُّر بغمسِه فيه وقلةُ المبالاة بوقوعه فيه؛ لأن الذبابَ لا نَفْسَ له، وليس فيه دمٌ يُخشَى منه إفسادُ الطعام، فلا معنى للتقذُّر عنه. * * *

77 - كتاب اللباس

77 - كتاب اللباس

1 - باب قول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 77 - كتاب اللباس (كتاب اللباس) 1 - بابُ قولِ الله تعالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كلُوا واشْرَبُوا والْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، في غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ"، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ. قوله: (وقال - صلى الله عليه وسلم -) وصلَه النَّسَائي وابن ماجه وأبو داود الطَّيَالسي من حديث عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه. (إسراف) هو صَرْفُ الشيء زائدًا على ما ينبغي. (مَخِيلَة) بفتح الميم: الكِبْر. (أَخطَأتْك)؛ أي: تجاوَزَتْ عنك، فالإخطاء: التجاوزُ عن الصواب، أو (ما) نافية، أي: لم يُوقِعْك في الخطأ اثنتان.

(أو مَخِيلَة) هي بمعنى الواو، نحو: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] على تقدير النفي، إذ انتفاءُ الأمرَين لازم فيه. * * * 5783 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ يُخْبِرُونهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ". (خُيَلاء) بضم الخاء وكسرها، وهي والمَخِيلة والبَطَر والكِبْر متقاربةٌ في المعنى، ونفيُ نظرِ الله المرادُ به اللطفُ والرحمةُ، لا النظرُ بجارحةٍ لتنزيهه تعالى عن ذلك، أو المعنى بالنسبة إلى مَن يمكن له النظرُ، كما يقال: السلطانُ لا يَنظرُ إلى الوزير، فهو كنايةٌ. قال في "الكشَّاف" في: (ولا يَنظرُ إليهم): إنه مجازٌ عن السخط عليهم، والفرقُ بين استعماله فيمَن يجوز عليه النظرُ وغيره: تحقيقُ الكناية فيمَن يجوز عليه؛ لأن مَن اعتدَّ بالإنسان التفَتَ إليه، ثم كثر حتى صار عبارةً عن الاعتداد والإحسان وإن لم يكن ثَمَّ نظرٌ، ومجيئُه مجردًا لمعنى الإحسان فيمَن لا يجوز عليه. * * *

2 - باب من جر إزاره من غير خيلاء

2 - بابُ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلاَء (باب مَن جَرَّ إزارَه مِن غيرِ خُيَلاء) 5784 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي، إلا أَنْ أتعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ". الحديث الأول: (يَستَرخي) سببُ استرخائه من أحد الشقَّين على ما قاله ابنُ قتيبة في "المعارف": أنه كان أحْنَى لا يَستمسكُ إزارُه، يَسترخي عن حَقوَيه. قال (ك): (أَحنَى) إما بالحاء المهملة، من قولهم: أحْنَى الظَّهر، أي: فيه احديدابٌ، وإما بالجيم مهموز، بمعنى: أَحدَب الظَّهر، ثم الاسترخاءُ يَحتمل أن يكونَ من طرفه المقدم نظرًا إلى الاحديداب، أو من اليمين أو الشمال نظرًا إلى النَّحافة؛ إذ الغالبُ أن النحيفَ لا يستمسك إزارُه على السواء. وفي الحديث: أن الحرامَ هو للخُيَلاء، وأما لغيره فلا بأسَ به، قالوا: القَدْرُ المُستَحبُّ في ما ينزل إليه طرفُ القميص والإزار لنصف الساقَين، والجائزُ بلا كراهةِ ما تحتَ الكعبين، وما ينزل عنهما فممنوعٌ

3 - باب التشمير في الثياب

إن كان للخُيَلاء تحريمًا، وإلا فكراهةً. * * * 5785 - حَدَّثنَي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ يُونس، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجلًا، حَتَّى أتى الْمَسْجِدَ وَثَابَ النَّاسُ، فَصَلَّى ركعَتَيْنِ، فَجُلِّيَ عَنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، وَقَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيتانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وادْعُوا الله حَتَّى يَكْشِفَهَا". الثاني: (محمَّد) صرَّح ابنُ السَّكَن بأن محمدًا عن عبد الأعلى هو ابن سلام، فيُحتمَل أنه المراد. (وثاب الناسُ) بمثلثة، أي: اجتمعوا، وأصلُه بمعنى الرجوع، وسبق الحديثُ في (الكسوف). * * * 3 - بابُ التشْمِير في الثِّيَابِ (باب التَّشمير في الثياب) من: شَمَّر إزارَه: إذا رفعَه، وشَمَّر في أمره، أي: خَفَّ.

4 - باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار

5786 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: فَرَأَيْتُ بِلاَلًا جَاءَ بِعَنَزَةٍ فَرَكَزَهَا، ثُمَّ أَقَامَ الصَّلاَةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ في حُلَّةٍ مُشَمِّرًا، فَصَلَّى ركعَتَيْنِ إِلَى الْعَنَزَةِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْعَنَزَةِ. (إسحاق) جزمَ به أبو نُعيم في "المستخرج" بأنه ابن رَاهَوَيْهِ، وإما ابن إبراهيم، وإما ابن منصور. (حُلَّة) واحدة: الحُلَل، وهي بُرُودُ اليمَن، والحُلَّة: ثوبان؛ إزارٌ ورداءٌ، أو نحو ذلك. (العَنَزة) بالتحريك: أطولُ من العصا وأقصرُ من الرمح، وفيه زُجٌّ. * * * 4 - بابُ مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهْوَ فِي النَّارِ (باب ما أسفلَ من الكَعبَينِ ففي النار) هو لفظُ الحديث الذي أورده، و (ما) موصولٌ، صلتُه ما بعدَه، على تقدير: كان أسفلَ، فـ (أسفل): خبر كان، أو (أسفل) فعلٌ ماضٍ

5 - باب من جر ثوبه من الخيلاء

هو وفاعلُه الصلةُ، أو (أسفل): مرفوع خبر مبتدأ محذوف، أي: هو أسفلُ. * * * 5787 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإزَارِ فَفِي النَّارِ". (ما أسفلَ من الكعبَين من الإزَار) (من) الأولى: لابتداء الغاية، والثانية: للبيان. (في النار) قال (خ): يريد أن الموضعَ الذي يناله الإزارُ من أسفل الكعبين من النار. * * * 5 - بابُ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاَء (باب مَن جَرَّ ثَوبَه من الخُيَلاء) 5788 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا".

الحديث الأول: (بَطَرًا) هو الطغيانُ عند طول الغناء، وقيل: شدة المَرَح، وقيل: هو قريبٌ من معنى الخُيَلاء. * * * 5789 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا محمد بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِي، أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم - "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ، تُعْجبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهْوَ يتجلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". (مُرَجِّل) بضم الميم وتشديد الجيم. (يَتَجلجَل) بجيمَينِ، أي: يتحرك وينزل مضطربًا، والجَلجَلة: الحركةُ مع صوتٍ، أي: يَسُوخُ في الأرض حتى يُخسَفَ به، ويُروَى: (يتخلل)، يُروَى بالخاء المعجمة، واستبعَدَه (ع)؛ إلا أن يكونَ من قولهم: خَلخَلتُ العظمَ: إذا أخذتُ ما عليه من اللحم، قال: ورويناه في غير "الصحيحين" بحاءَين مهملتَين. قال (ك): وهذا الرجلُ يُحتمَل أن يكونَ من هذه الأُمَّة وسيقع بعدُ، وأن يكونَ من الأُمَم السالفة، فهو خبرٌ عن ماضٍ، وقيل: هو قارون. قلت: سماه السُّهَيلي في "التعريف" في: {وَالصَّافَّاتِ} [الصافات: 1] عن الطبَري الهيزن، وأنه من أعراب فارس، وجزم الكَلاَبَاذِي في "كتاب معاني الأخبار" بأنه قارون، وكذا في "صحاح الجَوهري"، وفي "تاريخ

الطبري" عن سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة: ذكر لنا أنه يُخسَف بقارونَ كلَّ يومٍ قامةٌ، وأنه يتجَلجَلُ فيها, لن يَبلغَ قعرَها إلى يوم القيامة. * * * 5790 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ، خُسِفَ بِهِ، فَهْوَ يتجَلَّلُ في الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". تَابَعَهُ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعَيْبٌ، عن أبي هُرَيْرَةَ. الثالث: بمعنى ما قبلَه. (تابعَه يونس) ابن زيد، موصولٌ في (أحاديث الأنبياء). (ولم يَرفَعْه شعيب عن أبي هريرة) بل وقفَه عليه، وصلَه الإسماعيلي من طريق أبي اليَمَان عنه بتمامه. * * * 5790 / -م - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ عَمِّهِ جَرِيرِ بْنِ زيدٍ قَالَ: كنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى بَابِ دارِه، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. الرابع: هو بنحوه كما قاله البخاري.

5791 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا شَبابةُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ قَالَ: لَقِيتُ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ عَلَى فَرَسٍ وَهْوَ يَأتِي مَكَانه الَّذِي يَقْضِي فِيهِ، فَسَألتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مَخِيلَةً، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فَقُلْتُ لِمُحَارِبٍ: أَذَكرَ إِزَارَه؟ قَالَ: مَا خَصَّ إِزَارًا وَلَا قَمِيصًا. تَابَعَهُ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْم، وَزيدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَزيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جرَّ ثَوْبَهُ". الخامس: كذلك. (تابعَه جَبَلة) بجيم وموحدة مفتوحتين، وصلَه النَّسَائي. (وزيد بن أسلم) موصولٌ من بعدُ. (وزيد بن عبد الله) أي: ابن عُمر، يعني: تابعوا محمَّد بن دثار. (وقال الليث) وصلَه مسلم والنَّسَائي. (وتابعَه موسى) موصولٌ في (فضائل أبي بكر). (وعمر بن محمَّد) وصلَه مسلم. (وقدامة) وصلَه أبو عَوانة. * * *

6 - باب الإزار المهدب

6 - باب الإِزَارِ الْمُهَدَّبِ وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَر: أنهمْ لَبِسُوا ثِيَابًا مُهَدَّبة. (باب الإزَار المهدب) من الهُدْبة بالإهمال، وهي الخملة وما على أطراف الثوب. * * * 5792 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: جَاءَتِ امْرأةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا جَالِسَةٌ، وَعِنْدَهُ أبو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي، فتزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، وَإنَّهُ وَاللهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبةِ، وَأَخَذَتْ هُدْبةً مِنْ جِلْبابِهَا، فَسَمعَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَوْلَهَا وَهْوَ بِالْباب لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، قَالَتْ: فَقَالَ خَالِدٌ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلاَ تنهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَر بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَلَا وَاللهِ مَا يَزِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى التَّبَسُّم، فَقَالَ لَهَا رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقي عُسَيْلَتَهُ". فَصَارَ سُنَّةً بَعْدُ. (امرأة رِفَاعة) اسمها: تميمة بفتح المثناة، كما تقدم في (الطلاق).

7 - باب الأردية

(فبَتَّ طلاقي)؛ أي: قطعَ قطعًا كليًّا، وهو الطلاق الثلاث. (الزَّبِير) بفتح الزاي وكسر الموحدة. (هذه) إشارةُ تحقيرٍ. (عُسَيلَتك) تصغير (عَسَلة)، والعَسَل يُؤنَّث في بعض اللغات، والمراد بها: لذة الجِمَاع. (سُنَّة)؛ أي: شريعة، فلا تحلّ المُطلَّقة ثلاثًا حتى يُجامعَها الزوجُ الثاني، فقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] مُقيَّدٌ بالوَطء، إما بلفظ: {تَنْكِحَ} أو بالحديث، وسبق الحديثُ في (الشهادات). * * * 7 - باب الأَرْدِيَةِ وَقَالَ أَنسٌ: جَبَذَ أَعْرَابِيٌّ رِداءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب الأَرْدِيَة) جمع: رداء بالمد، وهو ما يُوضَع على العاتق. (وقال أنس) سيأتي في (باب البُرود الحِبَرة والشَّمْلة)، وسبق أيضًا في (الجهاد)، وحديث الشارفين سبق في (باب فرض الخُمس) في (الجهاد) وغيره.

8 - باب لبس القميص، وقول الله تعالى حكاية عن يوسف: {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا}

(أعرابي) مفرد: الأعراب، وهم سكَّان البادية من العرب. * * * 5793 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - قَالَ: فَدَعَا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِرِدائِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُمْ. * * * 8 - باب لُبْسِ الْقَمِيصِ، وَقَوْل الله تَعَالَى حكَايَةً عَنْ يُوسُفَ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} (باب لبس القَمِيص) 5794 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: أَن رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا يَلْبَسُ الْمُحرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا الْبُرْنسُ، وَلَا الْخُفَّيْنِ، إِلَّا أَنْ لَا يَجدَ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ".

الحديث الأول: سبق في (الحج) وغيره. * * * 5795 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أتى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، وَوُضِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَألبَسَهُ قَمِيصَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. الثاني: سبق في (الجنائز) وغيره، وكذا الثالث. * * * 5796 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أكُفِّنْهُ فِيهِ، وَصلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ، وَقَالَ: "إِذَا فَرَغْتَ فآذِنَّا"، فَلَمَّا فَرَغَ آذَنه، فَجَاءَ لِيُصَلِّي عَلَيْهِ، فَجَذَبَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: أليْسَ قَدْ نهاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. فَنَزَلَتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} فترَكَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِمْ. * * *

9 - باب جيب القميص من عند الصدر وغيره

9 - باب جَيْبِ الْقَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ (باب جَيْب القَمِيص) فيه حديثُ البخيل والمُتصدِّق، وسبق في (كتاب الزكاة) بشرحه. 5797 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ، كمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا، فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ حَتَّى تَغْشَى أَنَامِلَهُ وَتَعْفُوَ أثَرَهُ، وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ، وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِمَكَانِهَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَنَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ بِإِصبَعِهِ هَكَذَا في جَيْبِهِ، فَلَوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُهَا وَلَا تتوَسَّعُ. تَابَعَهُ ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج في الْجُبَّتَيْنِ، وَقَالَ حَنْظَلَةُ: سَمِعْتُ طَاوُسًا، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جُبَّتَانِ، وَقَالَ جَعْفَرٌ: عَنِ الأَعْرَجِ جُبَّتَانِ. (اضطرت) يُروَى بفتح الطاء وبفتح الياء الأخيرة من (أيديَهما)، وبضمِّ الطاء وإسكان الياء من (أيدِيهما). (مادَت) بتخفيف الدال، أي: مالَت، ورُوي: (مارَت) بالراء،

10 - باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر

أي: سالَت. (ثديهما) بضم المثلثة على الجمع، وبفتحها على التثنية. (تُعَشِّيَ) بضم المثناة وفتح العين وتشديد الشين وكسرها وفتح الياء، وبفتح أوله وثالثه وإسكان ثانيه. (فلو رأيته) جوابه محذوف، أي: لَتعجَّبتَ منه، أو نحو ذلك، أو للتمني. (تابعَه ابن طاوس) موصولٌ في (الزكاة) و (الجهاد). (جبتان)؛ أي: رويناه بالنون، لا بالموحدة. * * * 10 - باب مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَة الْكُمَّيْنِ في السَّفَرِ (باب مَن لَبِسَ جُبَّةً ضيقةَ الكُمَّين) سبق الحديثُ فيه في (باب مسح الخُفين) وغيره. 5798 - حَدَّثَنَا قَيْسُ ابْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الضُّحَى، قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْرُوقٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبةَ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ، فتَلَقَّيْتُهُ بِمَاءٍ، فتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ

11 - باب جبة الصوف في الغزو

وَجْهَهُ، فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقيْنِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ. * * * 11 - باب جُبَّةِ الصُّوف في الْغَزْوِ (باب جُبَّة الصُّوف في الغَزو) سبق الحديثُ فيه هناك أيضًا. 5799 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ في سَفَرٍ، فَقَالَ: "أَمَعَكَ مَاءٌ؟ "، قُلْتُ: نعمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي في سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الإداوَةَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّة، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْويتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: "دَعْهُمَا، فَإنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرتيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا". * * *

12 - باب القباء وفروج حرير

12 - باب الْقَبَاء وَفَروج حَرِيرِ وَهْوَ الْقَبَاءُ، وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِي لَهُ شَقٌّ مِنْ خَلْفِهِ. (باب القَبَاء) بتخفيف الموحدة والمدِّ. (فَرُّوج) بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة، بالإضافة إلى (حرير) وعدمها، ويقال: بضم الفاء وتخفيف الفاء: المُفرج من خلفه. * * * 5800 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سعيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبِيَةً، وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ يَا بُنَي انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي، قَالَ فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، فَقَالَ: "خَبَأْتُ هَذَا لَكَ" قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَضِيَ مَخْرَمَةُ. الحديث الأول: سبق. 5801 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أنَّهُ قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ

13 - باب البرانس

نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِه لَهُ، ثُمَّ قَالَ: "لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ". تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ غيرُهُ فَرُّوجٌ حَرِيرٌ. الثاني: (فلبسَه)؛ أي: قبلَ التحريم، ثم أُوحي إليه التحريمُ، فقال بعد نزعه: (لا ينبغي هذا للمتَّقين). قوله: (تابعَه عبد الله بن يوسف) موصولٌ في (الصلاة). (وقال غيره) هو أبو صالح كاتب الليث، ويُحتمل يونس بن محمَّد، فقد وصلَه أبو نُعيم في "المستخرج على مسلم" عنه، عن الليث. (فَرُّوج حرير)؛ أي: بالإضافة بخلاف الطريق الأول، فإنه بزيادة (من). قال (ك): وفي بعضها: الفرقُ أن في الثانية بضمِّ الفاء، وفي الأولى بفتحها، ويُحتمل أن تكونَ إحداهما بالإضافة والأخرى بالصفة. * * * 13 - باب الْبَرَانِسِ (باب البَرَانِس) 5802 - وَقَالَ لِي مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي قَالَ:

رَأَيْتُ عَلَى أَنسٍ بُرْنُسًا أَصْفَرَ مِنْ خَزٍّ. 5803 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلاَتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أحدٌ لَا يَجدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيقْطَعْهُمَا أَسفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ". (وقال لي مُسدَّد) هو موصولٌ لقول البخاري: (وقال لي)، لكن ليس في رواية النَّسَفي: (لي)، فهو تعليقٌ، ووصلَه ابن أبي شَيبة عن يحيى بن أبي إسحاق، قال: رأيتُ على أنس، فذكر مثله. قوله: (من خَزٍّ) بمعجمة وزاي، هو المنسوج من إِبْرِيسَم وصوف، وقد لبَسَه الصحابةُ والتابعون، وأما حديثُ: (يَستحلُّون الخزَّ والحريرَ) إن ثبتَتِ الروايةُ به؛ وكذا ما رُوي من النهي عنه من جهة التشبيه بزي العجم؛ فإن المُرادَ بذلك المعروفُ بالخزِّ الآنَ، وهو الذي جميعُه إِبْرِيسَم، وذلك حرامٌ، وقال المُطرِّزي: الخزُّ: اسمُ دابةٍ، ثم سُمي الثوبُ المُتخَذ من وبره: خَزًّا. وسبق الحديثُ في الباب في (كتاب الحج) وغيره. * * *

14 - باب السراويل

14 - باب السَّرَاويلِ (باب السَّرَاويل) 5804 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ لَمْ يَجدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ". 5805 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا تأمُرُنا أَنْ نلبَسَ إِذَا أَحْرَمْنَا، قَالَ: "لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَالسَّرَاوِيلَ، وَالْعَمَائِمَ وَالْبَرَانِسَ، وَالْخِفَافَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلاَنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ". سبق الحديثان فيه في (الحج). * * * 15 - باب الْعَمَائِمِ (باب العَمَائم) سبق الحديثُ فيه أيضًا هناك، وسبق في (العلم) أيضًا، وأنه - صلى الله عليه وسلم -

16 - باب التقنع

سُئل عما يَلبَسُ؟ فأجاب بما لا يَلبَسُ؛ تنبيهًا على وجه السؤال، أو غير ذلك. * * * 5806 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: أَخْبَرَني سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا وَرْسٌ، وَلَا الْخُفَّيْنِ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجدِ النَّعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجدْهُمَا فَلْيقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ". (ولا ثوبًا) في بعضها: (ولا ثوبٌ)، إما أنه مرفوع بفعل مبني للمفعول، وإما أنه منصوبٌ كُتِبَ بلا ألفٍ على لغة ربيعة. * * * 16 - باب التَّقَنُّعِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ. وَقَالَ أَنَسٌ عَصَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَأْسِهِ حَاشِية بُرْدٍ. (باب التقنُّع)؛ أي: تغطية الرأس. قال الإسماعيلي: هو مطابقٌ لقوله في الحديث: جاء مُتقنِّعًا، [وأما ما صدَّر به من العصابة فلا تدخل في التقنع فإنه تغطية الرأس،

والعصابة] (¬1) شدُّ الخرقة على ما أَحاطَ بالرأسِ كلِّه، لا تغطية الرأس بالعصابة. (وقال ابن عباس) موصولٌ في (الجمعة). (دَسْمَاء) قيل: المُرادُ به: سوداء، ويقال: ثوب دَسِمٌ، أي: وَسِخٌ، وسبق حديثُ الهجرة كثيرًا. (وقال أنس) هو طرفٌ من حديثٍ أخرجَه في (مناقب الأنصار) في (باب اقبَلُوا من مُحسِنِهم) عن أنس، وفيه: (فخرج النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقد عَصَبَ على رأسمه حاشيةَ بُردٍ). * * * 5807 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَام، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَ تَرْجُوهُ بأبِي أَنْتَ؟ قَالَ: "نعمْ"، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِصُحْبَتِهِ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ في بَيْتِنَا في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا، في سَاعَةٍ لَمْ ¬

_ (¬1) في الأصل: "وأما مصدرية من العصابة، فلا تدخل في التقنع، فإنها" بدل ما بين معكوفتين، والمثبت من "التنقيح" للزركشي (3/ 1140).

يَكُنْ يَأتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًا لَهُ بأبِي وَأُمِّي، وَاللهِ إِنْ جَاءَ بِهِ في هَذِهِ السَّاعَةِ إلا لأَمْرٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاستَأذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، قَالَ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بأبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي في الْخُرُوجِ"، قَالَ: فَالصُّحْبةُ بأبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "نعمْ"، قَالَ: فَخُذْ بأبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِالثَّمَنِ"، قَالَتْ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجهَازِ، وَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً في جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَأَوْكَتْ بِهِ الْجرَابَ، وَلذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ، ثُمَّ لَحِقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ في جَبَل يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ، فَمَكُثَ فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ، فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَرًا، فَيُصْبحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادانِ بِهِ إلا وَعَاهُ، حَتَّى يَأتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ في رِسْلِهَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ. (من المسلمين) صفةٌ لمحذوفٍ، أي: رجالٌ من المسلمين، أو فاعلٌ بمعنى بعض المسلمين، جوَّزَه بعضُ النُّحاة. (على رِسْلِك) بكسر الراء، أي: هِيْنَتِك. (مُتقنِّعًا)؛ أي: مُغطِّيًا رأسَه.

17 - باب المغفر

(بالثمن) ذكر الواقدي أنه كان أربعَ مئةِ درهمٍ. (الجهاز) بالفتح والكسر: أسباب السَّفَر. (فأَوكَت)؛ أي: سدَّت. (لَقِن) بفتح اللام وكسر القاف: سريعُ الفهم. (ثَقِف) بفتح المثلثة وكسر القاف وسكونها، أي: حاذق. (فيدخل)؛ أي: إلى مكةَ، وفي بعضها: (فيرحل). (كبَائِتٍ)؛ أي: كأنه بائتٌ. (يكادان) من: الكَيد، وهو المَكرُ بالشخص. (فيُريحه)؛ أي: يَردُّه إلى المِرَاح، وفي بعضها: (يُريحها). (رِسْلها) بكسر الراء، أي: اللين، وفي بعضها: (رِسْلهما) بضمير المثنى والإضافة بأدنى مُلابَسةٍ جائزةٍ. (يَنْعِق) بكسر العين، أي: يَصيح. * * * 17 - باب الْمِغْفَرِ (باب المِغْفَر) بكسر الميم: زَرَدٌ يُنسَج من الدُّروع على قَدْرِ الرأس، يُلبَس

18 - باب البرود والحبرة والشملة

تحتَ القُلنسوة. والحديثُ فيه ظاهرٌ. * * * 5808 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْح وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ. * * * 18 - باب الْبُرُودِ وَالْحِبَرَةِ وَالشَّمْلَةِ وَقَالَ خَباب: شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ. (باب البُرُود والشَّمْلَة والحِبَرَة) الشَّمْلَة: كِسَاءٌ يُشتَمَل به، والحِبَرة بكسر المهملة بوزن عِنَبة: البُرد اليَمَاني. * * * 5809 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشيَةِ، فَأَدْركَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صفْحَةِ عَاتِقِ

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أثَّرَتْ بِهَا شِدة الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. الحديث الأول: (نَجْرَاني) نسبة إلى نَجران بفتح النون وإسكان الجيم وبالراء والنون: بلدةٌ من اليمَن. وفيه: زهدُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وحِلْمُه وكرمُه، وسبق في (الجهاد) في (باب ما يُعطَى المُؤلَّفة). * * * 5810 - حَدَّثَنَا قتيبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَ سَهْلٌ: هَلْ تَدْرِي مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالَ: نعمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ، مَنْسُوجٌ في حَاشِيتهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي نسجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أكسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وإنَّهَا لإزَارُهُ، فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اكسُنِيهَا، قَالَ: "نعمْ"، فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللهُ في الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَألتَهَا إيَّاهُ وَقَدْ عَرَفْتَ أنَّهُ لَا يَرُدُّ سَائِلًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ مَا سَألْتُهَا إِلَّا لِتكُونَ كفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ كَفَنَهُ.

الثاني: سبق في (كتاب الجنائز) في (باب مَن استَعدَّ الكَفَن). (حاشِيتها)؛ أي: لونُها مخالفٌ للأصل، ودقَّتُها ورقَّتُها. (فجسَّها)؛ أي: مسَّها بيده، وفي (الجنائز): (فحسَّنها)، من التحسين. * * * 5811 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يدخلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ ألفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ"، فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، قَالَ: ادْعُ اللهَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: "اللهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ"، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: "سَبقَكَ عُكَاشَةُ". الثالث: (تُضيء) يكون متعديًا ولازمًا. (عُكاشة) بالتشديد والتخفيف، وقد سبق في (الطب) قولُه ذلك في قصة (لا يَستَرقُون، ولا يتطيَّرُون)، والقصةُ واحدةٌ، ولا منافاةَ بينهما. * * *

5812 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ أَيُّ الثِّيَابِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: الْحِبَرَةُ. 5813 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ. الرابع: (الحِبَرَة) إنما كانت أحبَّ إليه لأنه ليس كثيرَ زينةٍ، ولأنه أكثرُ احتمالًا للوسخ. * * * 5814 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرتهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّي سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ. الخامس: كالذي قبلَه. (سُجِّي)؛ أي: غُطِّي. (ببُردٍ حِبَرةٍ) بالإضافة والصفة. * * *

19 - باب الأكسية والخمائص

19 - باب الأَكْسِيَةِ وَالْخَمَائِصِ (باب الأكسِية والخَمائص) جمع: خميصة، كِسَاءٌ مُربَّعٌ أسودُ له عَلَمانِ. 5815 - و 5816 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ أَنَّ عَائِشَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَا: لَمَّا نزَلَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ: "لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. الحديث الأول، والثاني: (اكتَمَّ)؛ أي: احتُبِسَ نَفَسُه. (يُحذِّر) لأنه بالتدريج يصير كعبادة الأصنام. * * * 5817 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في خَمِيصَةٍ لَهُ لَهَا أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ:

20 - باب اشتمال الصماء

"اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمِ، فَإِنَّهَا ألهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي، وَائتوني بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْم بْنِ حُذيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ". 5818 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً وَإِزَارًا غَلِيظًا، فَقَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هَذَيْنِ. الثالث: (بأَنْبِجَانِيَّة) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة، وبالجيم وتخفيف الياء وتشديدها: كِسَاءٌ غليظٌ ليس فيه عَلَمٌ، سبق في (باب إذا صلَّى في ثوبٍ له أعلامٌ). * * * 20 - باب اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ (باب اشْتِمَال الصَّمَّاء) بتشديد الميم والمدِّ، سبق تفسيرُه في (كتاب الصلاة) وغيرها. 5819 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -

قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَعَنْ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ. 5820 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، نهى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ في الْبَيع، وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، وَلَا يُقَلِّبُهُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ، وَيَنْبِذَ الآخَرُ ثَوْبَهُ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا، عَنْ غيرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ، وَاللِّبْسَتَيْنِ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءَ، وَالصَّمَّاءُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ، فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَاللِّبْسَةُ الأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهْوَ جَالِسٌ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. الحديث الأول والثاني: سبق شرحُهما في (البيع) وغيره، وتفسيرُ البَيعتَينِ بما ذُكِرَ إدراجٌ من الزُّهْري، والظاهرُ أن تفسيرَ اللِّبسَتَينِ إدراجٌ منه أيضًا، وأخذَ الصَّمَّاءَ مِن شَبَهِ الصخرةِ الصَّمَّاءِ التي ليس فيها خَرقٌ ولا صَدعٌ. * * *

21 - باب الاحتباء في ثوب واحد

21 - باب الاِحْتِبَاءِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ (باب الاحتِبَاء في ثوبٍ واحدٍ) 5821 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نهُى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَحْتَبِي الرَّجُلُ في الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، وَعَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. 5822 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَني مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. الحديثان فيه سبق شرحُهما أيضًا. * * * 22 - باب الْخَمِيصَةِ السَّوْدَاء (باب الخَمِيصة السَّوداء) 5823 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ

سَعِيدِ بْنِ فُلاَنٍ هُوَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوداءٌ صغِيرَةٌ، فَقَالَ: "مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هَذِهِ"، فَسَكَتَ الْقَوْمُ، قَالَ: "ائتوني بِأُمِّ خَالِدٍ"، فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ، فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي"، وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ خَالِدٍ! هَذَا سَنَاهْ"، وَسَنَاهْ بِالْحَبَشِيَّةِ: حَسَنٌ. الحديث الأول: (يا أُمَّ خالد) اسمها: أَمَة -بفتح الهمزة والميم- بنتُ خالد بن العاصي، ولها ابنٌ يُسمى: خالد بن الزُّبَير بن العَوَّام، فخالدٌ أبوها، وخالدٌ ابنُها أسديٌّ. (أَبلِي) من: أَبلَيتُ الثوبَ: إذا جعلتُه عتيقًا. (وأَخلِقِي) ثلاثيًّا ومزيدًا فيه بمعناه، لكن عُطِفَ عليه لتغايرهما لفظًا. (سَنَاهْ) بفتح المهملة وخفة النون وسكون الهاء: كلمةٌ حَبَشيةٌ، وسبق في (كتاب الجهاد) في (باب مَن تكلَّم بالفارسية): (سَنَهْ) بلا ألفٍ، أي: حسنة، ولعلها هي التي عُرِّبَتْ بزيادة الحاء، وإنما تكلَّم النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك استمالةً لقلبها؛ لأنها كانت وُلدت بأرض الحبشة، ولا منافاةَ بين هذا وبين ما ذُكر هناك أنها قالت: أَتيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وعليَّ قميصٌ أصفرُ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (سَنَه سَنَه)، ثم قال: (أَبلِي وأَخلِقِي)،

لاحتمال أنه حَسَّنَ كُلًّا من الاثنين، ودعا لها بالبلاء لهما. * * * 5824 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِي: يَا أَنسُ! انْظُر هَذَا الْغُلاَمَ فَلَا يُصِيبَنَّ شَيئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَنِّكُهُ، فَغَدَوْتُ بِهِ، فَإِذَا هُوَ في حَائِطٍ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُرَيْثيَّةٌ، وَهْوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ في الْفَتْح. الثاني: (يُصِيبنَّ) بالغيبة والخطاب. (يُحنِّكه)؛ أي: يَدلُك بحنكه شيئًا. (حُرَيثيَّة) بضم الحاء المهملة: نسبةً إلى مُصغَّر: الحَرث، أي: الزَّرع، وفي بعضها: (حَوْتَكيَّة) بالمهملة المفتوحة وسكون الواو وفتح المثناة وبالكاف، أي: صغيرة، وفي بعضها: (جَوْنِيَّة) بالجيم والنون: نسبةً إلى الجَون، وهو قبيلةٌ، أو إلى كونها من السَّواد والبياض؛ لأن الجَونَ لغةً مشتركٌ بين الأسود والأبيض. (الظَّهر)؛ أي: الإبل؛ سُميت به لأنها تَحمل الأثقالَ على ظهورها. (في الفتح)؛ أي: زمنَ فتحِ مكةَ، وفائدةُ الوَسمِ التمييزُ.

23 - باب ثياب الخضر

وفيه: ما كان - صلى الله عليه وسلم - عليه من التواضع، وفعلُ الأشغال بيده، ونظرُه في مصالح المسلمين، واستحباب تحنيك المولود، وحملُه إلى أهلِ الصلاح ليُحنِّكَه؛ ليَكونَ أولَ ما يدخلُ جوفَه رِيقُه. * * * 23 - باب ثِيَابِ الْخُضْرِ (باب ثياب الخُضر) من إضافة الموصوف للصفة. 5825 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأتهُ، فتزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ، فَشَكَتْ إِلَيْهَا، وَأَرتهَا خُضْرَةً بِجلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى الْمُؤْمِنَاتُ، لَجلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا، قَالَ: وَسَمعَ أنَّهَا قَدْ أتت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: وَاللهِ مَا لِي إلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ، إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَتْ هُدْبةً مِنْ ثَوْبِهَا، فَقَالَ: كَذَبَتْ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنّي لأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيم، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلِّي لَهُ -أَوْ لَمْ

تَصْلُحِي لَهُ- حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ" قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ، فَقَالَ: "بَنُوكَ هَؤُلاَءِ؟ "، قَالَ: نعمْ. قَالَ: "هَذَا الَّذِي تَزعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاللهِ لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ". (الزَّبِير) بفتح الزاي وكسر الموحدة. (القُرَظيّ) بالقاف وبالظاء المعجمة. (وأرتها)؛ أي: بصرَتْ عائشةُ خُضرة بجلدها، وتلك الخُضرةُ كانت لِهُزالها، أو لضرب عبد الرحمن لها. (وسمع)؛ أي: عبد الرحمن. (ما معه)؛ أي: آلة الجِمَاع. (بأغنى)؛ أي: قاصرًا عن المُجامَعَة، لا يغني في دفع شهوتي. (ناشزٌ) هو كـ: حائض بلا تاءٍ؛ لاختصاصِ وصفِ النساء به، فلا حاجةَ لتاء الفرق. (لم تَحلِّين) وفي بعضها: (لن تحلِّين)، وثبوتُ النونِ فيهما لأن (لم) إذا كانت بمعنى (لا) تكون غيرَ جازمة، كما قال: لولا فَوَارِسُ منْ قَيْسٍ وأُسْرُتهِمْ ... يَومَ الصُّلَيْفَاءِ لَمْ يُوفُونَ بالجَارِ والأُسرة بضم الهمزة: الرَّهط، والصُّلَيفاء بالمهملة واللام والياء وبالفاء والمد. (يذوق) إنما أُنيط بالذَّوق مع أن ما معه كالهُدبة، أي: في الرِّقة

24 - باب الثياب البيض

والصِّغَر بقرينةِ الاثنين اللذين معه من غيرها, ولقوله: (أَنفضُها)، وإنكاره - صلى الله عليه وسلم - عليها، وإثبات المُشابَهة بينه وبينها، وفيه: إثباتُ القِيَافة، وسبق الحديثُ مرارًا. * * * 24 - باب الثِّيابِ الْبِيض (باب الثِّيَاب البِيض) 5826 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيتُ بِشِمَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِيَمِينهِ رَجُلَيْنِ عَلَيهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. الحديث الأول: (رَجلَين) قال (ك): قيل: هما مَلَكان، وقيل: جبريلُ وميكائيلُ أو إسرافيلُ، تشكَّلا بشكل رَجلَين، سبق في (غزوة أُحد). قلت: في "مسلم": أنهما جبريلُ وميكائيلُ. * * * 5827 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ،

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ، قَالَ: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهْوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أتيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قُلْتُ: وإنْ زنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وإنْ زنَى وإنْ سَرَقَ"، قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ"، قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ عَلَى رَغْم أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ"، وَكَانَ أَبو ذَرٍّ إذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وإنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ، إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ غُفِرَ لَهُ. الثاني: (وعليه ثوبٌ أبيضُ، وهو نائمٌ) أراد بذكر ذلك تقريرَ التثبيت والإتقان فيما يرويه ليتمكَّن في قلوب السامعين. (وإن زَنَا) فيه استفهامٌ مُقدَّرٌ، أي: وإن هذه المعصيةَ مُتعلقة بحقِّ الله. (وإن سَرقَ) معصيةٌ مُتعلقة بحقِّ الناس. (رَغِمَ)؛ أي: لصقَ بالرَّغام، وهو التراب، ويُستعمَل مجازًا بمعنى: كَرِهَ أو ذَلَّ، من إطلاق السبب على المُسبِّب، وأما تكريرُ أبي ذَرٍّ فلاستعظام شأن الدخول مع مباشرة الكبائر، وتعجُّبه منه، فقابَلَه النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بتكرير ذلك إنكارًا لاستعظامه وتحجيره واسعًا، وهو من

25 - باب لبس الحرير وافتراشه للرجال، وقدر ما يجوز منه

رحمة الله، وأما حكايةُ أبي ذَرٍّ قولَه - صلى الله عليه وسلم -: (على رغمِ أنفِ أبي ذَرٍّ) فللشرف والافتخار. وفيه: أن الكبيرةَ لا تَسلبُ اسمَ الإيمان ولا تُحبط الطاعةَ ولا تُخلِّد صاحبَها في النار؛ بل عاقبتُه دخولُ الجنة، ومفهومُ الشرط في (وإن زَنَا وإن سَرقَ) ليس لأنه لا يدخلُ الجنةَ مَن لم يَزنِ ولم يَسرِقْ؛ بل بأولى أنه يدخلُ الجنةَ؛ نحو: نِعْمَ العبدُ صهيب لو لم يَخَفِ الله لم يَعصِه. * * * 25 - باب لُبْسِ الْحَرِيرِ وافتراشه لِلرِّجَالِ، وَقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنه (باب لُبس الحَريرِ للرِّجال) 5828 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا قتادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ أتانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ مَعَ عُتْبةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِأَذْرَبِيجَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنِ الْحَرِيرِ، إِلَّا هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الإبْهَامَ، قَالَ: فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِي الأَعْلاَمَ. الحديث الأول: (بأَذربيجان) الإقليمُ المعروفُ وراءَ العراق، وأهلُها يقولون بفتح الهمزة والمد وفتح المعجمة وإسكان الراء وفتح الموحدة، وبالألف وكسر الياء وبالجيم والألف والنون، وضبطَه المُحدِّثون بوجهَينِ:

بفتح الهمزة بغير مدٍّ وإسكان المعجمة وفتح الراء وكسر الموحدة وسكون الياء، وبمدِّ الهمزة وفتح المعجمة. (فيما علِمْنا)؛ أي: حصل في علمنا أنه يريد بالمُستثنَى الأعلامَ، أي: وهو ما يُجوِّزه الفقهاءُ من التطريف والتطريز ونحوهما، ويُروَى: (عَتِمْنا) بعين مهملة ومثناة، من الإعتام، أي: ما أبطَأنا في معرفته أنه أراد الأعلامَ التي في الثياب. قال (ن): هذا مما استدركَه الدَّارَقُطني على البخاري، وقال: لم يَسمَعْه أبو عثمان من عُمر؛ بل أَخبَرَ عن كتابه، وهذا الاستدراكُ باطلٌ؛ فإن الصحيحَ جوازُ العملِ بالكتاب والروايةِ به، وذلك معدودٌ عندهم في المُتصل، وكان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يكتب إلى أمرائه وعمَّاله ويفعلون ما فيها، وكتبَ عمرُ - رضي الله عنه - إليه وفي الجيش خلائقُ من الصحابة، فدلَّ على حصول الاتفاق منهم. * * * 5829 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ قَالَ: كتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيِر إِلَّا هَكَذَا، وَصَفَّ لنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِصْبَعَيهِ، وَرَفَعَ زُهَيْرٌ الْوُسْطَى وَالسَّبابةَ. الثاني: بمعنى الأول.

5830 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبةَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يُلْبَسُ الْحَرِيرُ في الدُّنْيَا، إِلَّا لَمْ يُلْبَسْ في الآخِرَةِ مِنْهُ". الثالث: (إلا لم يُلبَس) في بعضها: (ألا ليس يُلتَبَس). و (المُسَبِّحة) بكسر الموحدة المشددة؛ لأنها يُسبَّح بها، أي: يُشار بها إلى التوحيد والتنزيه، ويقال لها أيضًا: السبابة؛ لأنها يُشار بها عند السبِّ. * * * 5830 / -م - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، وَأَشَارَ أَبُو عُثْمَانَ بِإصْبَعَيْهِ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى. الرابع: نحو الذي قبلَه. * * * 5831 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاستَسْقَى، فَأتاهُ دِهْقَانٌ بِمَاءٍ في إِناءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أنِّي نهيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ هِيَ لَهُمْ

في الدُّنْيَا، وَلَكُمْ في الآخِرَةِ". الخامس: (بالمَدَائن) اسمُ بلدٍ كانت دارَ مملكة الأكاسِرَة. (دِهْقَان) بكسر الدال على المشهور وبضمِّها، وقيل: بفتحها؛ وهو غريبٌ، وهو زعيمُ الفلاحين، وقيل: زعيمُ القَرية، وقيل: القويُّ في التصرُّف، وهو أعجميٌّ مُعرَّبٌ، وقيل: بأصالة النون، وقيل بزيادتها. (لهم)؛ أي: للكفَّار، أي: الواقع كذلك، لا أنه جائزٌ لهم؛ لأنهم مُكلَّفون بالفروع، ونقل (ش) عن الإسماعيلي أنهم مُختصون بها في الدنيا، وأنتم مُختصون بها في الآخرة؛ مكافأةً على الترك في الدنيا، قال: وسبق في (كتاب الشرب) سؤالٌ يأتي هنا وجوابُه. * * * 5832 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: أَعَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: شَدِيدًا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ في الدُّنْيَا فَلَنْ يَلْبَسَهُ في الآخِرَةِ". السادس: (قال شعبة)؛ أي: لعبد العزيز: أيَروي أنسٌ ذلك عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -؟

(شديدًا)؛ أي: قال عبد العزيز على سبيل الغضب الشديد عن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، يعني: لا حاجةَ إلى هذا السؤال؛ إذ القرينةُ أو السياقُ مُشعِرٌ بذلك، وقال الحافظ أبو ذَرٍّ: يعني أن رفعَه شديدٌ. * * * 5833 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ في الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ". 5834 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ذُبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ في الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ". 5834 / -م - وَقَالَ لنا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ، قَالَتْ مُعَاذَةُ: أَخْبَرتنِي أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. السابع، والثامن: (ابن الزُّبَير)؛ أي: لأنه كان من مذهبه حُرمةُ الحرير على الرجل والنساء؛ لكن وقع الإجماعُ بعدَه على الحِلِّ للنساء، فقد أَمرَ - صلى الله عليه وسلم - عليًّا أن يَكسوَه نساءَه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (حرامٌ على ذُكورِ أُمَّتي، حلالٌ لإناثها). (وقال أبو مَعْمَر) وصلَه أبو نُعيم في "المستخرج".

26 - باب مس الحرير من غير لبس

5835 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ قَالَ: سَألتُ عَائِشَةَ عَنِ الْحَرِيرِ، فَقَالَتِ: ائْتِ ابْنَ عَبَّاس فَسَلْهُ، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَلِ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَخْبَرَني أبو حَفْصٍ -يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ في الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلاَقَ لَهُ في الآخِرَةِ" فَقُلْتُ: صَدَقَ وَمَا كَذَبَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ، وَقَصَّ الْحَدِيثَ. التاسع: (لا خَلاَق)؛ أي: لا نصيبَ -يعني الكافر-، وقيل: مَن لا حُرمةَ له. (وقال عبد الله بن رجاء) وصلَه النَّسَائي. * * * 26 - باب مَسِّ الْحَرِيرِ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ ويُرْوَى فِيهِ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب مَن مَسَّ الحَريرَ من غير لُبسٍ) بضمِّ اللام. (ويُورَى فيه عن الزُّبَيْدي) وصلَه الطبَراني في "المعجم الكبير"،

27 - باب افتراش الحرير

وفي "مسند الشاميين"، وتَمَّام الرازي في "فوائده". * * * 5836 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبُ حَرِيرٍ، فَجَعَلْنَا نَلْمُسُهُ، وَنتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أتعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ "، قُلْنَا: نعَمْ، قَالَ: "مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ في الْجَنَّةِ خيرٌ مِنْ هَذَا". (أُهدِي) الذي أهداه له: أُكَيدر دُومَة، وسبق في (المناقب). (مناديل سعد) وجهُ التخصيص بالذِّكر: أنه كان سيدَ الأنصار، ولعل اللامِسين المُتعجِّبين كانوا من الأنصار، فقال: مِنديلُ سيدِكم كان خيرًا منها، أو هو كان يحبُّ ذلك الجنسَ من الثوب. * * * 27 - باب افْتِرَاش الْحَرِيرِ وَقَالَ عَبِيدَةُ هُوَ كلُبْسِهِ. (باب افتِراش الحَرير) 5837 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ

28 - باب لبس القسي

- رضي الله عنه - قَالَ: نهانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نشرَبَ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نأكلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاج، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ. سبق ذكرُ الحديث فيه بشرحه في (الأطعمة). * * * 28 - باب لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَقَالَ عَاصِمٌ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: مَا الْقَسِّيَّةُ؟ قَالَ: ثِيَابٌ أتتنَا مِنَ الشَّأمِ أَوْ مِنْ مِصْرَ، مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ فِيهَا أَمْثَالُ الأتْرُنْجِ، وَالْمِيثَرَةُ كَانَتِ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ، مِثْلَ الْقَطَائِفِ يُصَفِّرْنها، وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ يَزِيدَ في حَدِيثهِ، الْقَسِّيَّةُ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ، يُجَاءُ بِهَا مِنْ مِصْرَ، فِيهَا الْحَرِيرُ، وَالْمِيثَرَةُ جُلُودُ السِّبَاعِ، قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ عَاصِمٌ: أكثَرُ وَأَصَحُّ في الْمِيثَرَةِ. (باب لُبس القَسِّيِّ) منسوبٌ إلى بلدٍ يُقال له: القَسُّ بفتح القاف وشدة المهملة. قال (خ): ومَن قال بكسر القاف وتخفيف السين فقد غلطَ، أي: لأن المرادَ أنها ثيابٌ من كَتَّانٍ مخلوطٍ بحريرٍ، وقيل: إنه القَزِّيُّ، نسبةً للقَزِّ الذي هو غليظُ الإِبْرِيسَم.

(وقال عَبيدة) بفتح العين السَّلْماني بسكون اللام؛ وصلَه الحارث بن أبي أُسامة. (وقال عاصم عن أبي بُردة) وصلَه مسلم، وأبو ذَرٍّ. (مُضلَّعة)؛ أي: في وشيها كالأضلاع غليظة معوجة. (الأتْرُجّ) بتشديد الجيم، ويقال له: التُّرُنج بتخفيفها. (والمِيْثَرة) بكسر الميم وسكون الياء، وقيل: بالهمز وبمثلثة، من: الوِثَارة، وهي اللِّين. (القطائف) جمع: قَطِيفة، وهي الكِسَاء المُخمَل، وقيل: هي الدِّثَار. (يُصفِّرْنَها) من التصفير، وفي بعضها: (يَصُفُّونَها)، أي: يجعلونها صُفة السَّرج يُوطِئُونَ بها السُّرُجَ. (وقال جرير) وابن عبد الحميد. (عن يزيد) وابن أبي زياد، وليس له في البخاري غيرُ هذا الموضع، وصلَه إبراهيمُ الحَربي في "غريب الحديث". (والمِيثَرة: جلودُ السِّباع)؛ أي: فوجهُ النهي حينَئذٍ؛ إما لأن فيها الحريرَ، وإما من جهة الإسراف، وإما لأنها من زِيِّ المُترفهين، وكان كفَّارُ العجم يستعملونها. قال (ن): تفسيرُه بالجلود قولٌ باطل مخالفٌ للمشهور الذي أَطبَقَ عليه أهلُ الحديث. * * *

29 - باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة

5838 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سُويدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ ابْنِ عَازِبٍ قَالَ: نهانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَياثِرِ الْحُمْرِ وَالْقَسِّيِّ. (الحُمر) ذكره لأنه الواقعُ. * * * 29 - باب مَا يُرَخَّصُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ (باب ما يُرخَّص للرِّجال من الحَرير للحِكَّة) 5839 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا وَكيعٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: رَخَّصَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ في لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا. سبق الحديثُ فيه. * * * 30 - باب الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ (باب الحَرير للنِّساء) 5840 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. (ح)، وَحَدَّثَنِي

مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْب، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كَسَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ في وَجْهِهِ، فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. (حُلَّة سِيَرَاء) بالإضافة وتركها، وسِيَراء بكسر المهملة وفتح الياء وبالراء والمد: بُردٌ فيه خطوطٌ صُفرٌ. * * * 5841 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوِ ابْتَعْتَهَا، تَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ إِذَا أتوْكَ وَالْجُمُعَةِ، قَالَ: "إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلاَقَ لَهُ"، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ حُلَّةَ سِيَرَاءَ حَرِيرٍ، كَسَاهَا إِيَّاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: كَسَوْتَنِيهَا، وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِيهَا مَا قُلْتَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا". الثاني: (أو تَكسُوها) لا يريد بذلك أن غيرَه من الرجال يَلبَسُها؛ بل النساءُ بالهِبَة ونحوها؛ وكذا في (كَسَاها إياه)، أي: أعطاه إياه. * * *

31 - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتجوز من اللباس والبسط

31 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتجَوَّز من اللباسِ وَالْبُسْطِ (باب ما كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتجوَّز من اللِّباس والبُّسط) جمع: بِسَاط، ومعنى التجوُّز منها: التخفيف منها. 5843 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَبِثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأتيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرتا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلْتُ أَهَابُهُ، فَنَزَلَ يَومًا مَنْزِلًا فَدَخَلَ الأَرَاكَ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، ثُمَّ قَالَ: كنَّا في الْجَاهِلِيَّةِ لَا نعدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلاَمُ وَذَكَرَهُنَّ اللهُ، رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا، مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ في شَيْء مِنْ أُمُورِنَا، وَكَانَ بَيني وَبَيْنَ امْرَأَتِي كَلاَمٌ فَأَغْلَظَتْ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: وَإِنَّكِ لَهُنَاكِ، قَالَتْ: تَقُولُ هَذَا لِي وَابْنتكَ تُؤْذِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي أُحَذِّرُكِ أَنْ تَعْصِي الله وَرَسُولَهُ، وَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهَا في أَذَاهُ، فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ لَهَا، فَقَالَتْ: أَعْجَبُ مِنْكَ يَا عُمَرُ قَدْ دَخَلْتَ في أُمُورِنَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَزْوَاجِهِ، فَرَدَّدَتْ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَشَهِدْتُهُ أتيْتُهُ بِمَا يَكُونُ، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَشَهِدَ أتانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِ اسْتَقَامَ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَلِكُ غَسَّانَ بِالشَّأمِ، كنَّا

نَخَافُ أَنْ يَأتِينا، فَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِالأَنْصَارِيِّ وَهْوَ يَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، قُلْتُ لَهُ: وَمَا هُوَ؟ أَجَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ قَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَاكَ، طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ، فَجئْتُ فَإِذَا الْبُكَاءُ مِنْ حُجَرِهَا كُلِّهَا، وإذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ صَعِدَ في مَشْرُبَةٍ لَهُ، وَعَلَى باب الْمَشْرُبَةِ وَصيفٌ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِي، فَدَخَلْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِذَا أُهُبٌ مُعَلَّقَةٌ وَقَرَظٌ، فَذَكرْتُ الَّذِي قُلْتُ لِحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَالَّذِي رَدَّتْ عَلَيَّ أُمُّ سَلَمَةَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَبِثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نزَلَ. الحديث الأول: (تظاهَرتا)؛ أي: تعاضَدَتا، قال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} [التحريم: 4]. (الأَرَاك) الشجر المالح المُرُّ، أي: دخل بيتها لقضاء الحاجة. (فاغلَظَت لي) في بعضها: (عليَّ). (لَهُناك) أي: في هذا المقام، ولك حدان تُغلظي عليَّ، [و] (أن تَعصي الله) في بعضها: (أن تُغضبي الله) من الإغضاب. (وتقدَّمت إليها)؛ أي: دخلتُ إليها أولًا قبلَ الدخول على غيرها. (في أذاه)؛ أي: في قصة إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشأنه، أو المعنى: تقدَّمت إليها في أذى شخصها وإيلام بدنها بضربٍ ونحوه.

(أُمَّ سَلَمة)؛ أي: هند، وإنما أتاها عمرُ - رضي الله عنه - لأنها قرابتُه، قيل: إنها خالتُه. (أَعجَب) بهمزة المتكلم. (فرَدَّدَتْ) من الترديد، في بعضها: (فرَدَّتْ)، من الردِّ، وفي بعضها: (فبَرَزَتْ)، من البُروز. (من حول)؛ أي: من الملوك والحكام. (غَسَّان) بفتح المعجمة وشدة المهملة. (بالأنصاري إلا وهو يقول) في جُلِّ النُّسَخ بإسقاط (إلا)؛ إما بتقديرها لدلالة القرينة، أو (ما) زائدة أو مصدرية، وتكون مبتدأ، وخبره: (بالأنصاري)، أي: شعوري بالأنصاري قائلًا. (أَعظَم) إنما كان أعظمَ مِن توجُّه العدو؛ لأن فيه ملالةَ خاطرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما في عُمرَ فظاهرٌ من حيث مفارقتُه - صلى الله عليه وسلم - حفصةَ، ولعلمهم أن الله تعالى يَعصمُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - من الناس: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]. (طلَّق) قال ذلك ظنًّا أن اعتزالَه تطليقٌ. (من حُجَره) في بعضها: (حُجَرهنَّ)، والكلُّ صحيحٌ. (مَشْرَبَة) بفتح الميم وإسكان المعجمة وفتح الراء وضمِّها: الغرفة. (وَصِيف) بفتح الواو وكسر المهملة: الخادم.

(مِرفَقَة) بكسر الميم وفتح الفاء والقاف: المخدَّة. (أدم) جمع: أديم. (أَهَب) بفتحتين، جمع: إهَاب، وهو جلدٌ لم يُدبَغ. (وقَرَظ) بفتح القاف والراء وبظاء معجمة: ورقُ شجرٍ يُدبَغ به، وسبق الحديثُ في (باب المظالم). * * * 5844 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ؟ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ؟ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أَزْرَارٌ فِي كُمَّيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهَا. الثاني: (ماذا) استفهامٌ متضمنٌ معنى التعجب والتعظيم، أي: رأى في منامه أنه سيقع بعدَه الفتنُ، وتُفتَح الخزائنُ، أي: الرحمةُ، لقوله تعالى: {خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} [ص: 9]، كما يُكنَّى عن العذاب بالفتن لأنها سببُه. (صَوَاحب الحُجُرات) في بعضها: (الحُجَر) باعتبار الجنس. (عارِيَة) بالجر، أي: كم عاريةٍ كاسيةٍ عرفتُها، وبالرفع، أي:

32 - باب ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا

اللابساتُ رقيقَ الثياب التي لا تَمنعُ من إدراك لون البشرة مُعاقبَاتٌ في الآخرة بفضيحة التعرِّي، أو اللابساتُ الثيابَ النفيسةَ عارياتٌ من الحسنات في الآخرة، فهو حضٌّ على ترك السَّرَف بأن يأخذنَ أقلَّ الكفاية، ويتصدَّقنَ بما سوى ذلك، وسبق الحديثُ في (كتاب العلم). (هند)؛ أي: بالفارسية. (أزرار) جمع: زِرٍّ، وغرضُ الزُّهْري من نقل هذه الحالة: بيانُ ضبطه وتثبُّته، أو أنها كانت مبالغةً في ستر جسمها، حتى في ستر ما العادةُ ظهورُه من يدٍ ونحوها. وأما وجهُ ذِكرِ هذا الحديث في الباب: فكونُه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلبَسُ الثوب الرفيع الشفاف، لأنه إذا حذَّر نساءَه فهو أحقُّ بصفة الكمال، وهذا بناءً على أن البخاريَّ فهم من الكاسيات: اللابساتِ الشفافَ الذي يَصِفُ البَدنَ، وكذلك هندُ؛ لأنها اتخذت الأزرارَ خشيةَ ظهورِ طرفٍ منها. * * * 32 - باب مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا (باب ما يُدعَى لِمَن لبسَ ثوبًا جديدًا) 5845 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ

33 - باب التزعفر للرجال

سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثتنِي أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: "مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ؟ "، فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ، قَالَ: "ائتونِي بِأُمِّ خَالِدٍ"، فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَلْبَسَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي"، مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: "يَا أُمَّ خَالِدٍ! هَذَا سَنَا"، وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ: الْحَسَنُ، قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثتنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي أَنَّهَا رَأَتْهُ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ. (فأُسكِت) بمعنى: السُّكوت، يقال: تكلَّمَ الرجلُ ثم سَكتَ، فإذا لم يتكلَّم قيل: أُسكِتَ. (أَبلِي) من الإبلاء، وقد سبق شرحُ الحديث في (باب الخَميصة السوداء)؛ نعم، في (الجهاد): (قميصٌ أصفرُ)، ولا منافاةَ في أنها جَمَعَتْ بينهما. * * * 33 - باب التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ (باب التَّزَعفُر للرِّجال) 5846 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ.

34 - باب الثوب المزعفر

في الحديث فيه ذمُّ التشبُّه بالنساء. * * * 34 - باب الثَّوْبِ الْمُزَعَفَرِ (باب الثوب المُزعفَر) 5847 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ بِزَعْفَرَانٍ. (بوَرْسٍ) نبتٌ أصفرُ باليمَن يُصبَغ فيه. * * * 35 - باب الثَّوْبِ الأَحْمَرِ (باب الثوب الأحمر) 5848 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرْبُوعًا، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ.

36 - باب الميثرة الحمراء

الحديثُ فيه ظاهرٌ. * * * 36 - باب الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ (باب المِيثَرَة الحَمراء) 5849 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنهانَا عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاج، وَالْقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَمَيَاثِرِ الْحُمْرِ. (وتشميت) بالمعجمة والمهملة، والأربعةُ الباقيةُ هي: إجابةُ الداعي، وإفشاءُ السلام، ونصرُ المظلوم، وإبرارُ القَسَم. (والدِّيبَاج) فارسيٌّ مُعرَّبٌ. (والإستَبْرَق) بقطع الهمزة: مُعرَّبٌ أيضًا، وهو غليظُ الحَرير، بخلاف الدِّيباج فإنه رقيقُه، وذُكِرَا بعد الحرير الشامل لهما؛ لأنهما كأنهما صارا نوعَينِ غيرَه، وقيل غيرُ ذلك كما سبق في (الجنائز)، وأما تقييدُ المَيَاثر بالحُمْر فلكونه الواقعَ، فلا اعتبارَ لمفهومه، والاثنان المُكمِّلان للسَّبع هما: خواتيمُ الذهَب، وأواني الفضة. * * *

37 - باب النعال السبتية وغيرها

37 - باب النِّعَالِ السِّبْتِيَّةَ وَغَيْرِهَا (باب النِّعَال السِّبْتِيَّة) بكسر المهملة وسكون الموحدة وبمثناة منسوبًا: ما سُبِتَ عنه الشَّعرُ، أي: حُلِقَ وقُطِعَ، وقيل: المدبوغة بالقرظ، لأنها أُسبِتَتْ بالدَّبغ، أي: لانَتْ، وكان عادةُ العرب لباسَ النِّعال بشَعرِها وغيرَ مدبوغةٍ. 5850 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي مَسْلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ. 5851 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا، قَالَ: مَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ، وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَم أَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلْبَسُ النِّعَالَ

الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الإهْلاَلُ فَإنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ حَتَّى تنبَعِثَ بِهِ رَاحِلتُهُ. الحديث الأول، والثاني: سبقا في (كتاب الوضوء) بشرحهما في (باب غسل الرِّجلَين في النَّعلَين). * * * 5852 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يِنَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ، وَقَالَ: "مَنْ لَمْ يَجدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ". 5853 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِزَارٌ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ". الثالث، والرابع: سبقا أيضًا في (الحج). * * *

38 - باب يبدأ بالنعل اليمنى

38 - باب يَبْدَأُ بالنَّعْلِ الْيُمْنَى (باب يُبدَأ بالنَّعل اليُمنَى) 5854 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قالَتْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ. سبق في (كتاب الطهارة) حديث التيمُّن. * * * 39 - باب لَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ (باب لا يَمشي في نعلٍ واحدٍ) 5856 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُحْفِهِمَا، أَوْ لِيَنْعِلْهُمَا جَمِيعًا". (لِيَخلَعْهُما) في بعضها: (ليُحفِهِمَا)، من الإحفاء، أي:

40 - باب ينزع نعل اليسرى

ليُجرِّدْهما، يقال: حَفِيَ يَحفَى، أي: يمشي بلا خُفٍّ ولا نعلٍ. * * * 40 - باب يَنْزِعُ نَعْلَ الْيُسْرَى (باب يَنزعُ نَعلَه اليُسرَى) 5855 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا نزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِتكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ". (أولَهما) خبر (كان). (يَنعَل) مبني للفاعل المُذَكَّر، والجملةُ حاليَّةٌ، وفي بعضها مبني للمفعول بتاء التأنيث، وقال الطِّيبي: (أولَهما) يتعلق بقوله: (ينعل)، وهو خبر (كان)، ذكَّرَه بتأويل العضو، أو هو مبتدأ، و (يَنعَل) خبره، والجملةُ خبرُ (كان). قال (خ): النهيُ عن المشي في الواحدة لمشقة ذلك، ولعدم الأمن من العِثَار مع سَماجته في الشكل وقبح منظره في العيون، إذ يُخيَّل للناس أن إحدى رِجلَيه أقصرُ من الأُخرى. * * *

41 - باب قبالان في نعل، ومن رأى قبالا واحدا واسعا

41 - باب قِبَالاَنِ فِي نَعْلٍ، وَمَنْ رَأَى قِبَالًا وَاحِدًا وَاسعًا (باب قِبَالانِ فِي نَعْلٍ) بكسر القاف وبالموحدة، تثنية: قِبَال النَّعل، أي: زِمامُه. قال الجَوهري: وهو يكون بين الأصبع الوسطى والتي تليها، والزِّمامُ: هو السَّيْرُ الذي يُعقَد فيه الشِّسْعُ. (واسعًا)؛ أي: جائزًا. 5857 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسٌ - رضي الله عنه -: أَنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَهَا قِبَالاَنِ. 5858 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ بِنَعْلَيْنِ لَهُمَا قِبَالاَنِ، فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: هَذِهِ نَعْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. ووجهُ دلالة الحديث على الجزء الثاني من الترجمة: أن مُقابَلةَ المثنى بالمثنى يفيد التوزيعَ، فلكلِّ واحدةٍ منهما قِبَالٌ، وأما دلالتُه على الجزء الأول فهو من قوله: (أن نعلَه - صلى الله عليه وسلم - كان له قِبَالان)، والنَّعلُ صادقةٌ على واحدةٍ. * * *

42 - باب القبة الحمراء من أدم

42 - باب الْقُبَّةِ الْحَمْرَاءِ مِنْ أَدَمٍ (باب القُبَّة الحَمراء من أَدَم) 5859 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلاَلًا أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ. الحديث الأول: (من أَدَم) قال (ك): كونُها من أَدَمٍ لا يدلُّ على أنها حمراءُ، وقد عَقَدَ البخاريُّ الترجمةَ عليه، وأجاب: بأنه يدلُّ على بعض الترجمة، قال: وكثيرًا ما يقصد البخاريُّ ذلك. قلتُ: بل الحديثُ مُصرِّحٌ بأنها حمراءُ، وقد سبق الحديثُ في (الجهاد) في (باب ما كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعطي المُؤلَّفَةَ). * * * 5860 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ. (ح)، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى

43 - باب الجلوس على الحصير ونحوه

الأَنْصَارِ، وَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ. الثاني: (وقال اللَّيث) وصلَه الإسماعيلي. * * * 43 - باب الْجُلُوسِ عَلَى الْحصِيرِ وَنَحْوِهِ (باب الجلوس على الحصير ونحوه) 5861 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَحْتَجرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ حَتَّى كَثُرُوا، فَأَقْبَلَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ". (يَحتَجِر)؛ أي: يَتخذُ حُجرةً، يقال: حَجَرتُ الأرضَ واحتَجَرتُها: إذا ضربتَ عليها مَنَارًا منعتَها به من غيرك. (يَثُوبون)؛ أي: يجتمعون.

44 - باب المزرر بالذهب

(لا يَملُّ)؛ أي: لا يَقطعُ ثوابَه حتى تقطعوا العملَ، أو كنايةٌ عن عدم القَبول، أي: يَقبَلُ طاعتَكم حتى تَملُّوا، فإنه لا يَقبَلُ ما يصدرُ عنكم على سبيل المَلاَلة، أو أَطلقَ الملاَل للمُشاكلَة. وسبق الحديثُ في (كتاب الإيمان) في (باب أحبُّ الدِّين إلى الله أَدومُه). (ما دام)؛ أي: دوامًا عُرفيًّا؛ فإن الحقيقيَّ في كلِّ زمنٍ متعذِّرٌ. * * * 44 - باب الْمُزرَّرِ بِالذَّهَبِ (باب المُزرَّر بالذَّهَب) 5862 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَةٌ فَهْوَ يَقْسِمُهَا، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ، فَذَهَبْنَا فَوَجَدْناَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَنْزِلهِ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! ادْعُ لِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَعْظَمْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ، فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ: "يَا مَخْرَمَةُ! هَذَا خَبَأْناَهُ لَكَ"، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. قوله: (وقال اللَّيث) موصولٌ في (باب الهِبَة).

45 - باب خواتيم الذهب

(مُزرَّر بالذهَب) كان ذلك قبلَ التحريم، وقد سبق في (الجهاد) في (باب قِسمة الإمام). * * * 45 - باب خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ (باب خَوَاتيم الذَّهَب) 5863 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَاَ أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: نَهَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ سَبْعٍ، نَهَى عَنْ خَاتَم الذَهَبِ، أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الْحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَالْقَسِّيِّ، وَآنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَأَمَرَنَا بِسَبعٍ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وإِبْرَارِ الْمُقْسِم، وَنصرِ الْمَظْلُومِ. الحديث الأول: سبق شرحُه أولَ (الجنائز). * * * 5864 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،

عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ نهى عَنْ خَاتَم الذَّهَبِ، وَقَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ النَّضْرَ سَمِعَ بَشِيرًا مِثْلَهُ. الثاني: (خاتم) فيه لغاتٌ سبقت مرارًا: فتح التاء وكسرها، وخَيْتَام بفتح الخاء، وخاتام، وخَتَم، وختام. (وقال عمرو)؛ أي: ابن مرزوق، وصلَه أبو عَوانة وقاسم بن أصبغ، ومن طريقه ابن عبد البَرِّ. * * * 5865 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَىَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ، فَرَمَى بِهِ، وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ فِضَّةٍ. الثالث: (وَرِق) بكسر الراء وتسكن مع فتح الواو وكسرها: هو الفضَّة. * * *

46 - باب خاتم الفضة

46 - باب خَاتَمِ الْفِضَّةِ (باب خاتم الفضَّة) 5866 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوهَا رَمَى بِهِ، وَقَالَ: "لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا"، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ، حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ. الحديث الأول: (أَرِيْس) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء: موضعٌ بالمدينة قربَ مسجد قُباء، مصروفٌ وقد يُمنعَ. * * * 47 - باب 5867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ، فَقَالَ: "لَا ألْبَسُهُ أَبَدًا"، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.

الثاني: سبق شرحُه، وفيه: أنه لا يُورَث، وإلا أَخَذَ الورثةُ الخاتمَ، والتبَرُّك بآثار الصالحين ولبسُ لباسهم، وجعلُ الفَصِّ إلى باطن الكفِّ؛ لأنه أبعدُ من الزينة والإعجاب وأَصونُ للفصِّ. * * * 5868 - حَدَّثَنِي يَحْيَىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَزِيَادٌ، وَشُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مُسَافِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَرَى خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ. الثالث: (اتخذ خاتمًا من وَرِقٍ يومًا واحدًا) وقع في هذه الرواية أنه طرحَه مع كونه فضةً. قال (ن): عن (ع): إن هذا وهمٌ من ابن شهاب عند جميع أهل الحديث؛ لأن المطروحَ إنما كان خاتمَ الذهَب، وقيل: يُؤوَّل بعود الضمير على خاتم الذهب، حتى لا يُخالفَ سائرَ الروايات. قال (ك): لأنه لم يُقيِّدِ المطروحَ بكونه الذي من فضةٍ؛ بل

48 - باب فص الخاتم

أَطلقَ، فيُحمَل على الذي هو من ذهبٍ، ويُؤوَّل بأنهم لما نقَشُوا خواتيمَهم كنقش خاتمه، والكلُّ من فضةٍ، طرحَه غضبًا عليهم؛ حيث تشبَّهُوا به في النقش، فلا حاجةَ لتوهيم الراوي، لأنه نقشَه ليَختمَ ما يُرسلُه به للملوك، فلا ينبغي أن يكونَ لأحدٍ مثلُ نقشه. قال (ن): وفيه مبادرةُ الصحابة - رضي الله عنهم - إلى الاقتداء بأفعاله - صلى الله عليه وسلم -. (تابعَه إبراهيم) وصلَه أحمد ومسلم. (وشُعيب) وصلَه الإسماعيلي. (وزياد) وصلَه مسلم. (وقال ابن مُسافر) وصلَه الإسماعيلي. * * * 48 - باب فَصِّ الخاتم (باب فَصِّ الخاتم) مثلث الفاء، حكاه ابن مالك في "مثلثه"؛ والفتحُ أفصحُ. قال (ك): هو بالفتح، والعامةُ تَكسره. 5869 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سُئِلَ أَنسٌ: هَلِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا؟ قَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ

الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ، قَالَ: "إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا، وإنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا". الحديث الأول: (وَبِيص) بفتح الواو وكسر الموحدة، أي: بريق ولمعان، ويقال له أيضًا: بَصِيص، يقال: بصَّ بصيصًا. وجهُ دلالته على الترجمة أن البريقَ غالبًا إنما هو في الفَصِّ، فتضمَّن أن يكونَ له فَصٌّ. * * * 5870 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (إسحاق) قال الغساني: لم أَجدْه منسوبًا لأحدٍ من الرواة؛ نعم، في "مسلم": عن إسحاق بن إبراهيم، عن مُعْتَمِر. (وقال يحيى) هو في "مسند حميد" للمُطرِّز. * * *

49 - باب خاتم الحديد

49 - باب خَاتَمِ الْحَدِيدِ (باب خاتم الحديد) سبق الحديثُ فيه في (كتاب النكاح). 5871 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلًا يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلًا فَنَظَرَ وَصَوَّبَ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهَا فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ: "عِنْدَكَ شَيْء تُصْدِقُهَا؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "انْظُرْ"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنْ وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: "اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ قَالَ: لَا وَاللهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَقَالَ: أُصْدِقُهَا إِزَارِي؟ فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمَ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ"، فتنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُوَليًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَالَ: "مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ ". قَالَ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا، قَالَ: "قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". (وصوَّب)؛ أي: خفض. (مَقامها) بفتح الميم، أي: قيامها.

50 - باب نقش الخاتم

(ولو خاتمًا)؛ أي: ولو كان مُلتَمَسُك خاتمًا، وأمرَه أولًا بالالتماس مطلقًا، فلما خشيَ أن يتوهَّمَ خروجَ خاتم الحديد لحقارته أكَّدَ دخولَه بالواو. (ولا خاتمًا) عُطف على (خاتمًا) من قوله: (ولو خاتمًا)، أي: ما وجدتُ شيئًا ولا خاتمًا، ويجوز رفعُه على القطع والاستئناف. (مُوليًا)؛ أي: مُدبِرًا ذاهبًا. (مَلَّكْتُكَهَا) العقدُ بلفظ التمليك؛ إما من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -أو الصحابي - رضي الله عنه -، أو أن لفظَ التزويج جرَى أولًا، وسبق ما فيه في أواخر (فضائل القرآن). (بما معك من القرآن) فيه: أن الصَّداقَ يكون تعليمَ القرآن كما قاله الشافعي - رضي الله عنه -، والباء للمُعاوَضَة. * * * 50 - باب نَقْشِ الخَاتَمِ (باب نَقْش الخاتم) 5872 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ نبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أَوْ أُنَاسٍ مِنَ الأَعَاجِمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا عَلَيْهِ

51 - باب الخاتم في الخنصر

خَاتَمٌ، فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَكَأَنِّي بِوَبِيصِ أَوْ بِبَصِيصِ الْخَاتَمِ فِي إِصْبَعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ فِي كَفِّهِ. الحديث الأول: (بوَبِيص أو بَصِيص) يقال: وَبَصَ وبيصًا، أي: لَمَعَ وتَلأَلأَ، والشكُّ من الراوي عن أنس. * * * 5873 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. الثاني: سبق شرحُه. * * * 51 - باب الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ (باب الخاتم في الخِنْصِر) حكمتُه: أنه أبعدُ عن الامتهان فيما يُتعاطَى باليد لكونه طرفًا،

52 - باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء، أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم

ولا يَشغلُ اليدَ عما تتناولُه من أشغالها. * * * 5874 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا، قَالَ: "إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا، وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا، فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ"، قَالَ: فَإِنِّي لأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ. (اتخذنا) بصيغة الجمع للتعظيم. * * * 52 - باب اتِّخَاذ الْخَاتَمِ لِيُختَمَ بهِ الشَّيْءُ، أَوْ لِيُكْتَبَ بهِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ (باب اتخاذ الخاتم ليُختَمَ به)؛ أي: الكتبُ للملوك وغيرهم. 5875 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَؤُا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ.

53 - باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه

والحديثُ فيه ظاهرٌ (¬1). * * * 53 - باب مَنْ جَعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِي بَطْنِ كَفِّهِ (باب مَن جَعلَ فَصَّ الخاتم في بطن كفِّه) 5876 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، ويَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَقيَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: "إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ، وَإِنِّي لَا ألْبَسُهُ"، فَنَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ، قَالَ جُويرِيَةُ: وَلَا أَحْسِبُهُ إِلَّا قَالَ: فِي يَدِهِ الْيُمْنَى. (قال جُويرية) قال الحافظ أبو ذَرٍّ: لم يُخرج في "الصحيح" أين موضعُ الخاتم من اليدَين سوى هذا الذي قاله جُوَيريةُ في خاتم الذهَب، وحكمةُ كونه في اليمنى: لأنها أشرفُ وأفضلُ، فهي أحقُّ بالزينة، وقال مالك: التختُّمُ في اليسار أفضلُ. قال البَغَوي في "شرح السُّنَّة": كان آخرَ الأمرَين منه - صلى الله عليه وسلم - لبسُه في اليسار. ¬

_ (¬1) "ظاهر" ليس في الأصل.

54 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ينقش على نقش خاتمه

قال (خ): لم يكن لبسُ الخاتم من لباس العرب، وإنما هو من زيِّ العجم، فلما أراد أن يكتبَ إلى ملوكهم اتخذَه ليَختمَ به من ذهبٍ، فلما رآهم اتبعوه رمَى به، وحُرِّم على الذُّكور لِمَا فيه من الفتنة وزيادة المؤنة، قال: وكان له خاتمانِ من فضةٍ، أحدُهما فَصُّه منه، لكراهة التزيُّن ببعض الجواهر المتلونة ببعض الأصباغ الرائقة التي تميل إليها النفوسُ، وفَصُّ الآخر حبشيٌّ مما لا بهجةَ فيه ولا زينةَ. * * * 54 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَا يَنْقُشُ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ (باب قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لا يَنقُشُ أحدٌ على نقشِ خاتمِه) 5877 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، وَقَالَ: "إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَنَقَشْتُ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَلَا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ". في الحديث فيه: التصريحُ بالنهي عن موافقته في نقشه؛ لئلا يحصلَ الخللُ في المقصود به، وهو ختمُ الكتبِ المُرسلَةِ للملوك. * * *

55 - باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟

55 - باب هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ؟ (باب هل يُجعَل نقشُ الخاتم ثلاثةَ أَسطُرٍ؟) 5878 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ، وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللهِ سَطْرٌ. 5879 - وَزَادَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَده، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ، قَالَ: فَأَخْرَجَ الْخَاتَمَ، فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ، قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ فَنَنْزَحُ الْبِئْرَ فَلَمْ نَجدْهُ. الحديث الأول: سندُه كلُّهم أنصاريُّون، فهو مُسلسَلٌ بذلك؛ بل وبالأَنسَيِّين لانتسابهم إلى أنس. (كتب له)؛ أي: أبو بكرٍ الخليفةُ - رضي الله عنه -، وسبق في (الزكاة) ما كَتبَ به إليه. (ورسول) بالتنوين، وبدونه على وجه الحكاية. (والله) بالرفع، وبالجرِّ حكايةً.

56 - باب الخاتم للنساء، وكان على عائشة خواتيم الذهب

(أحمد)؛ أي: ابن حنبل الإمام. (يَعبَث به)؛ أي: يُحركه يُدخله ويُخرجه، فهو صورةُ العبث، وإلا فالشخصُ إنما يَفعلُ ذلك عند تفكُّره في الأمور. (فاختَلَفْنا)؛ أي: في الصدور والورود، والمجيء والذهاب. (فنَزحَ البئرَ)؛ أي: أَخرَجَ ماءَه كلَّه، وكان ذلك الخاتمُ كخاتم سليمان عليه الصلاة والسلام، من حيث إنه إذا فقدَه اختلطَ أمرُ المُلك عليه. * * * 56 - باب الْخَاتَمِ لِلنِّسَاءِ، وَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ الذَهَبِ (باب الخاتم للنِّساء) 5880 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبةِ، وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَأَتَى النِّسَاءَ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ. الحديث: (قبلَ الخُطبة)؛ أي: صلاةُ العيد قبلَ الخُطبة لا بعدَها، وسبق

57 - باب القلائد والسخاب للنساء، يعني قلادة من طيب وسك

الحديثُ في (كتاب العيد). (زاد ابن وهب) موصولٌ في (تفسير سورة الممتحنة). (الفَتَخ) بفتح الفاء والمثناة وبالمعجمة، جمع: فَتَخة بالتحريك، الحَلَقة من الفضة لا فَصَّ لها. * * * 57 - باب الْقَلاَئِدِ وَالسِّخَابِ لِلنِّسَاءِ، يَعْنِي قِلاَدَةً مِنْ طِيبٍ وَسُكٍّ (باب القلائد والسِّخَاب) بكسر المهملة وبمعجمة: قلادةٌ تُتخذ من سُكٍّ أو من غيره ليس فيها شيءٌ من الجواهر، وقيل: خيطٌ يُنظَم فيه خَرزٌ. (وَسُكّ) بضم المهملة وتشديد الكاف: طِيبٌ. 5881 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، ثُمَّ أتى النِّسَاءَ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَة تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا. * * *

58 - باب استعارة القلائد

58 - باب اسْتِعَارَةِ الْقَلاَئِدِ (باب استعارة القلائد) 5882 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لأَسْمَاءَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَلَبِهَا رِجَالًا، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجدُوا مَاءً، فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ. سبق الحديثُ في أول (التيمم). (زاد ابن نُمير) موصولٌ في (كتاب الطهارة). * * * 59 - باب الْقُرْطِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ.

60 - باب السخاب للصبيان

(باب القُرْط للنِّسَاء) هو بضم القاف: ما يُعلق بشحمة الأُذن. (وقال ابن عباس) سبق قبلُ بباب. (يَهوِينَ) بضم أوله، من الإهواء، وهو القصد والإشارة. (وحُلُوقهنَّ) لعل الإشارة للحلوق؛ لأن بعضَهنَّ في رأسها قلادةٌ، أو المرادُ الإشارةُ إلى نفس القلادة التي في الصدر المُجاوِرة للحَلق. 5883 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْعِيدِ رَكعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي قُرْطَهَا. * * * 60 - باب السِّخَابِ لِلصِّبْيَانِ (باب السِّخَاب للصِّبيان) 5884 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سُوقٍ مِنْ

أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ: "أَيْنَ لُكَعُ، ثَلاَثًا، ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ"، فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ هكَذَا، فَقَالَ الْحَسَنُ بِيَدِهِ، هكَذَا فَالْتَزَمَهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ"، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَالَ. (أين لُكَع) بضم اللام وفتح الكاف وبالمهملة منصرفًا: الصغير، يريد به الحسنَ بنَ علي - رضي الله عنه -، فهو تصغيرٌ للجسم، وأما حديثُ: "يأتي عليكم زمانٌ أسعدُ الناسِ فيه لُكَعُ بنُ لُكَع" فالمرادُ به الصغيرُ القَدْرِ اللئيمُ، ويُروَى هنا: (أي لُكَعُ) بالنداء، وسُئل بلالُ بنُ جرير عن لُكَع؟ فقال: هو في لغتنا الصغيرُ. (هكذا)؛ أي: بسطَ يدَيه كما يفعل مَن يُريد المُعانقَةَ. (أحبُّه) بلفظ المتكلم. (فأَحبِبْه) بالفكِّ، أي: اجعَلْه محبوبًا. قال (ع): يقولونه بفتح الباء، ومذهبُ سِيبويهِ ضمُّها، وسبق مثلُه في: (إنَّا لم نَردَّه عليك) في (كتاب الحج). * * *

61 - باب المتشبهون بالنساء، والمتشبهات بالرجال

61 - باب الْمُتَشَبِّهُونَ بالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتُ بالرِّجَالِ (باب المُتشبِّهون بالنِّساء) كذا قالوا، وخبره: مذمومون، أو نحو ذلك. 5885 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. تَابَعَهُ عَمْرٌو، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. (تابعَه عمرو) وصلَه أبو نُعيم في "المستخرج". * * * 62 - باب إِخْرَاجِ الْمُتَشَبِّهِينَ بالنِّسَاءِ، مِنَ الْبُيُوتِ (باب إخراج المُتشبِّهين بالنِّساء) 5886 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ وَقَالَ: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ"، قَالَ:

فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فُلاَنًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا. الحديث الأول: (المُخَنَّثين) بكسر النون على القياس وبفتحها على المشهور. (والمُترجِّلات)؛ أي: المُتشبِّهات بالرِّجال، المُتكلِّفات الرُّجوليةَ. (فلانًا) الذي أخرجَه النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قال البخاريُّ: هِيت، وقيل: ماتع، وقيل: بنونٍ مُشددةٍ، والذي أخرجَه عمرُ - رضي الله عنه - ماتع بمثناة، وقيل: هِدْم، ووقع في رواية أبي ذَرٍّ الهَرَوي: (فأخرَج النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فلانةً)، وفي "الطبَراني" من حديث واثلة نحو حديث ابن عباس، وفيه: (أنه - صلى الله عليه وسلم - أَخرَجَ أَنجشَةَ)، وهو في "فوائد تمام" أيضًا. * * * 5887 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ زينَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللهِ! إِنْ فُتِحَ لَكُمْ غَدًا الطَّائِفُ، فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلاَنَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ"، قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ يَعْنِي أَرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِهَا، فَهْيَ تُقْبِلُ بِهِنَّ، وَقَوْلُهُ: وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ؛ يَعْنِي أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الأَرْبَعِ، لأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى

63 - باب قص الشارب

لَحِقَتْ، وإِنَّمَا قَالَ: بِثَمَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ: بِثَمَانِيَةِ، وَوَاحِدُ الأَطْرَافِ وَهْوَ ذَكَرٌ، لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ. الثاني: (وفي البيت مُخنَّث)؛ أي: مُتشبِّه بالنساء في أقواله وأفعاله، وهو تارةً يكون خلقيًّا، وتارةً تكليفيًّا، وهو المذمومُ الملعونُ، قيل: اسمه هِيت، وقيل: هِنْب بالنون والموحدة. (لعبد الله) ابن أبي أُمية المخزومي. (بنت غَيلان) اسمها: بادية، وسبق الحديثُ في (غزوة الطائف)، وتفسيرُ: (تُقبِلُ بأربعٍ، وتُدبِرُ بثمانٍ). * * * 63 - باب قَصِّ الشَّارِبِ وَكَانَ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ، يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ. (باب قصُّ الشَّارِب) قوله: (وكان ابنُ عمرَ) يُروَى: (عمر). (يُحْفِي) بضم أوله، من الإحفاء، وهو الاستقصاء في أخذ

الشارب، فهو رباعيٌّ على المشهور، ومنه أحفى في المسالة: إذا أكَثَرَ، وحَكَى ابنُ دُريد: حَفَى شاربَه يَحفُوه: إذا استَأصلَ جزَّه، قال: ومنه: (احفُوا الشَّواربَ). (هذَين)؛ يعني: طرفَي الشفتَين اللذين هما بين الشارب واللِّحية وملتقاهما، هو العادةُ عند قصِّ الشارب في أن تُنظَّف الزاويتان أيضًا من الشَّعر، ويُحتمَل أن يُرادَ طرفًا العَنفَقة. * * * 5888 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَصْحَابُنَا: عَنِ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ". الحديث الأول: (قال أصحابنا)؛ أي: قال البخاري: رواه أصحابُنا منقطعًا عن المكِّي عن ابن عُمر، بإسقاط ما بينهما. قال (ش): هذا الموضعُ مما يجب أن يُعتنَى به في هذا الكتاب، فيُحتمَل أن البخاريَّ رواه مرةً عن شيخِه مكِّيٍّ مُرسَلًا عن نافع، ومرةً عن أصحابه عن مكِّيٍّ مرفوعًا عن ابن عُمر، فذكر الطريقَين، ويُحتمَل أن بعضَهم نسبَ الراوي عن ابن عُمر إلى أنه المكِّيُّ، فاللهُ أعلمُ، ويَشهَدُ للأول أن البخاريَّ يَروي عن مكِّيٍّ بواسطةٍ، كما في (البيوع) عن محمد بن عُمرو السوَّاق عنه، ونظيرُ ذلك في البخاري ما يأتي

قريبًا في (باب الجعد) في حديث: (ما رأيتُ أحدًا أحسنَ في حُلَّةٍ حمراءَ من النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال بعضُ أصحابي عن مالك)، إلى آخره؛ وكذا في (كتاب الاستئذان) في (باب قوله: قُومُوا إلى سيدكم) قريبٌ من هذا، انتهى. وقال غيره: هو في "جزء أبي الفضل بن الفرات"، وفي "شُعَب الإيمان" للبَيْهَقي من وجهٍ آخرَ عن مكِّيٍّ، وكان مكيًّا، أَرسلَه لمَّا حدَّث به البخاريَّ، ثم سمعَه البخاريُّ عنه موصولًا. (الفِطْرة)؛ أي: السُّنَّة القديمة في اختيار الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- واتفاق الشرائع، حتى كأنه أمرٌ جبلِّيٌّ فُطِرُوا عليه. * * * 5889 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ". الثاني: (رواية الفِطْرة)؛ أي: عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (والاستِحداد)؛ أي: استعمال الحديد في حلق العانة. (الإبْط) بسكون الموحدة، وجَمَعَ الختانَ مع كونه واجبًا؛ لأنه شعارُ الدِّين، يتميَّز به المسلمُ عن الكافر، وإلا لم يجب كشفُ العورة

64 - باب تقليم الأظفار

مع هذه السُّنن من القرآن بين واجبٍ ومندوبٍ، كما في قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]. * * * 64 - باب تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ (باب تقليم الأَظفَار) 5890 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مِنَ الْفِطْرَةِ: حَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ". 5891 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنتفُ الآبَاطِ". الحديث الأول، والثاني: نحو ما سبق. * * *

65 - باب إعفاء اللحى

5892 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ"، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيِتَهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ. الثالث: (وفِّرُوا) من التوفير بالفاء، وهو الاستبقاء والتكثير. (اللِّحَى) بضم اللام وكسرها، جمع: لِحية بالكسر. (وكان ابن عُمر) إلى آخره، لعله فعلَ ذلك جمعًا بين حلق الرأس وتقصير اللحية، لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]. * * * 65 - باب إِعْفَاءِ اللِّحَى (باب إعفاء اللِّحَى) 5893 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى". (انْهَكُوا) بهمزة وصل وفتح الهاء، أي: بالِغُوا في جزِّها.

66 - باب ما يذكر في الشيب

(وأَعفُوا) بفتح الهمزة، من الإعفاء، وهو توفيرها وتكثيرها، فلا يجوز حلقُها ولا نتفُها ولا قصُّ الكثير، وقولُ البخاري: (عفَوا: كَثُروا)، وكذا قاله أبو عُبيد أيضًا، فإن قيل: إذا كان الإعفاءُ مأمورًا به، فلم أخذَ ابنُ عمرَ من لحيته، وهو راوي الحديث؟ قيل: لعله خصَّه بالحج، وأن النهيَ هو قصُّها كفعل الأعاجم. * * * 66 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الشَّيْبِ (باب ما يُذكَر في الشَّيب) 5894 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا أَخَضَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لَمْ: يَبْلُغِ الشَّيْبَ إِلَّا قَلِيلًا. الحديث الأول: (أخضَب) بفتح الضاد. * * * 5895 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ سُئِلَ أَنسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا

يَخْضِبُ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيتَهِ. الثاني: (شَمَطاته)؛ أي: الشَّعرات البِيض، والشَّمَط: بياضٌ يُخالط السوادُ، وجوابُ (لو) محذوفٌ، أي: لَقدَرتُ عليها، أي: لقلَّتِها. * * * 5896 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلاَثَ أَصَابِعَ مِنْ قُصَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الحُجُلِ، فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا. الثالث: (ثلاث أصابع)؛ أي: أَرسلَني ثلاثَ مراتٍ عدَّها بالأصابع. (من فضَّة) هي صفة لقدحٍ، والمرادُ أنه مُموَّهٌ بالفضَّة، وإلا فالقدحُ من الفضة حرامٌ على الرجال والنساء، وفي بعضها: (من قَصَّة) بالقاف والمهملة المشددة، وهو ما أَقبَلَ على الجبهة من شَعر الرأس. قال ابن دِحْيَة: كذا لأكثر رواة البخاري، والصحيح عند المُتقِنين: (فضَّة) بالفاء وضاد معجمة، وهو أَشبهُ لقوله بعدَه: (فاطَّلعتُ في المِخضَب)، وهو شبهُ الإجْانة، والصحيحُ ما رواه

الكافةُ: (فاطَّلعتُ في الجُلجُل)، وقد بيَّنه الإمامُ وَكيعُ بنُ الجرَّاح في "مصنفه" فقال: كان جُلجَلًا من فضَّةٍ صُنعَ صوانًا لشعَرات النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويُروَى: (الجَحْل) بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة، وهو السِّقَاء الضخم، قاله الجَوهري. (عَين)؛ أي: أصابه عَينٌ، وسبق بيانُه في (كتاب الطِّب). (إليها)؛ أي: إلى أُمِّ سَلَمة. (مِخْضَبه) بكسر الميم وإسكان المعجمة الأولى: الإجَّانة. (الجُلْجُل) بضم الجيمين، واحد: الجَلاَجل: شيءٌ يُتخذ من الذهَب أو الفضَّة أو الصُّفْر أو النُّحاس، ومعنى القضية: أن أُمَّ سَلَمةَ كان عندَها شَعَراتٌ من شَعر النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حُمرٌ في شيءِ مِثلِ جُلجُلة، وكان الناسُ عندَ مرضهم يتبَرَّكون بها، ويَستشفُون من بركتها، فتارةً يجعلونها في قدحٍ من الماء، فيَشربُون الماء التي هي فيه، وتارةً في إجَّانةٍ ملأى من الماء، يجلسون في الماء الذي فيه تلك الجُلجُلة التي فيها الشَّعرُ، وكان لأهل عثمانَ إجَّانة كبيرة لائقة بالجلوس فيها، وكانت تَبعَث إليها عند حاجتها إليها. * * * 5897 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَلَّامٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرًا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَخْضُوبًا.

67 - باب الخضاب

5898 - وَقَالَ لنا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنِ ابْنِ مَوْهَبٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْمَرَ. الرابع: بمعنى الذي قبلَه. (سلام) قال الغساني: قال ابن السَّكَن: هو سلَّام بن مُطيع. (مَخضُوبًا)؛ أيْ: بالحنَّاء، والجمعُ بين هذا وبين ما سبق عن أنس: (أنه لم يَبلُغْ ما يُخضَب): أن معناه لم يَبلُغِ الشيبَ الكاملَ، ويُحتمَل أن تكونَ تلك الشَّعَراتُ تغيَّرت بعدَه - صلى الله عليه وسلم - لكثرة تطييب أُمِّ سَلَمة لها إكرامًا؛ لأن كثرةَ استعمال الطِّيب تُزيلُ السَّوادَ. * * * 67 - باب الْخِضَابِ (باب الخِضَاب) 5899 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ". (فخَالفُوهم) لا يُعارض حديثَ: أنه كان يُوافقُ أهلَ الكتاب ما

68 - باب الجعد

لم يَنزلْ عليه شيءٌ بخلافه؛ لأنه كان أولًا ائتلافًا لهم ومخالفةً لعَبَدَة الأوثان، فلما أَظهرَ اللهُ الإسلامَ على الدِّين كلِّه، وأَغنَى عن ذلك أحبَّ المُخالَفةَ، وفي أن شرعَ مَن قبلَنا شرعٌ لنا الخلافُ المشهورُ. * * * 68 - باب الْجَعْدِ (باب الجَعْد) هو المُقبَّض الشَّعر كهيئة الحَبَش والزِّنْج. 5900 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. الحديث الأول: (البائن)؛ أي: المُفرِط المُتجاوِز للحدِّ.

(الأَمهَق) بالقاف: الذي ضربَ بياضُه إلى الزُّرقة، وقيل: الكريهُ البياضِ كلون الجصِّ، يعني: كان نيِّرَ البياض. (القَطَط) بفتح القاف وبمهملتين: شديدُ الجُعودة. (بالسَّبط) بكسر الموحدة وفتحها وسكونها: الذي يَستَرسلُ شَعرُه فلا يَنكسرُ فيه شيءٌ لغلظِ. وسبق الحديثُ في (المناقب). * * * 5901 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِي، عَنْ مَالِكٍ: إِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إِلَّا ضَحِكَ. تَابَعَهُ شُعْبَةُ: شَعَرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنيْهِ. الثاني: (قال بعضُ أصحابي) هو يعقوبُ بنُ سفيانَ، كذا رواه في "تاريخه" بالزيادة التي أشار إليها في "الجامع". قال (ك): وهذا روايةٌ عن مجهولٍ.

(أن جُمَّته) بضم الجيم: مُجتمَعُ شَعر الرأس. (وقال أبو أسحاق) يُحتمَل أن شعبةَ هو قائلُ ذلك نقلًا عن أبي إسحاق؛ لأنه شيخُه. * * * 5902 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رَجَّلَهَا، فَهْيَ تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ، أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُليْنِ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ، وإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ، أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ". الثالث: (لِمَّة) بكسر اللام: الشَّعرُ الذي أَلَمَّ إلى المَنكِبَين، فإن وصلَ إلى المَنكِب فيه الجُمَّة. (رَجَّلَهَا)؛ أي: سرَّحَها ومَشَّطَها. (طافِيَة) ضد الرَّاسِبَة، يعني: إلى أسفل، ورُوي بالهمز بمعنى: ذاهبة الضوء، وبغير همز بمعنى: ناتئة بارزة، ولا يُعارض هذا ما ثبتَ أن لا يَدخلَ مكةَ، أي: على سبيل الغَلَبة عندَ ظهورِ شَوكتِه وزمانِ خروجِه، أو المراد: لا يدخلُ بعدَ هذه الرؤية، على أنه ليس في

الحديث تصريحٌ بأنه رآه بمكة، أما تسميةُ عيسى - عليه السلام - بالمسيح فقيل: مُعرَّبٌ، وأصلُه: مَشيح بالمعجمة والمهملة، بالعبراني يعني: مبارك، ومَن قال: مشتق، فقيل: لأنه يَمسحُ المريضَ كالأَكمَه والأَبرَص بيده فيَبرَأ، وقيل: لأنه مسحَ الأوزارَ وطَهر منها، وقيل: خرجَ من بطن أُمِّه ممسوحًا بالدُّهن، وأما الدجَّالُ فلأنه يَمسحُ الأرضَ، أي: يَقطعُها، وقيل: الأعورُ يُسمَّى: مسيحًا. وسبق في (كتاب الأنبياء) في (باب مريم). * * * 5903 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ. الرابع: (إسحاق) قال الغساني: لعله ابنُ منصور. (حَبَّان) بالفتح والموحدة. (مَنكِبَيه) يُجمع بين هذا وبين قول شعبة: (يَبلغُ شَحمةَ أُذنيَه): أن اختلافَ ذلك باعتبار أوقاتٍ وأحوالٍ. * * * 5904 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْكِبَيْهِ.

الخامس: كالذي قبلَه. 5905 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجِلًا، لَيْسَ بِالسَّبِطِ، وَلَا الْجَعْدِ، بَيْنَ أُذُنيهِ وَعَاتِقِهِ. السادس: (رَجِلًا) بفتح الراء وكسر الجيم، أي: بين الجُعودة والسُّبوطة، فالمذكورُ بعدَه كالتفسير له. * * * 5906 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لَم أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجِلًا، لَا جَعْدَ، وَلَا سَبِطَ. السابع: (مسلم) هو ابنُ إبراهيم. (جرير) بالجيم: هو ابنُ حازم، لا ابنُ عبد الحميد؛ فإنه لم يُدركْ قَتادة.

(ضخم)؛ أي: غليظ. * * * 5907 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ. الثامن: (بَسِط) بتقديم الموحدة، أي: مبسوطًا. قال (ع): كذا لأكثرهم، وشذَّ المروَزي، فقال: (بَسِط أو سَبِط)، والكلُّ صحيحُ المعنى، لأنه رُوي: (شَثْنُ الكفَّين)، أي: عظيمُهما، وهذا يدلُّ على سعتهما وكبرهما، ويُروَى: (سابل الأطراف)، وهذا موافقٌ لمعنى (بَسِط)، وقال (ك): (بَسِط) بمعنى: مبسوطهما خلقةً وصورةً، وقيل: باسطهما بالعطاء؛ والأولُ أنسبُ بالمقام، وفي بعضها: (بسيط) بوزن فعيل، وفي بعضها: (بِسْط) بكسر الموحدة، قيل: أي: مبسوط، كـ: طِحْن بمعنى: مطحون، وقال الجَوهري: يدٌ بِسْطٌ، أي: مُطلَقةٌ، وفي قراءة عبد الله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]. * * * 5908 - و 5909 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ،

حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. التاسع: (أو عن رجلٍ) يُحتمَل أن يكونَ ابنَ المُسَيَّب، فقد رواه ابن سعد، عنه، عن أبي هريرة، وقَتادةُ مُكثِرٌ عنه. قال (ك): صار بهذا الترديد روايةً عن مجهولٍ. (عن أبي هريرة) الظاهرُ أنه مُتعلِّق بـ (رجل)، وإلا فأنسٌ خادمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو أعلمُ بصفاته من غيره، فيَبعُدُ أن يَرويَ صفتَه عمن هو أقلُّ مُلازَمةً له منه. (شَثْن) بفتح المعجمة وإسكان المثلثة وبالنون: غليظ الكفَّين واسعهما، وهو مدحٌ في الرجل، لأنه أشدُّ لقبضهم وأصبرُ لهم على المِرَاس، يقال: شَثِنَ وشَثُنَ بمعنى: غَلُظَ، وشَنُث أيضًا. (وقال أبو هلال) هو محمد بن سُلَيم، وهو موصولٌ في "دلائل النبوة" للبَيْهَقي. * * * 5910 - وَقَالَ هِشَامٌ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّينِ.

5911 - و 5912 - وَقَالَ أَبُو هِلاَلٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَوْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبَهًا لَهُ. العاشر: عُرِفَ معناه مما سبق. * * * 5913 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَاكَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: "أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ، عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي". الحادي عشر: (لم أَسمعْه)؛ أي: من النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. (صاحبكم)؛ يعني: نفسه - صلى الله عليه وسلم -. (بِخُلْبَة) بضم المعجمة وسكون اللام أو ضمها وبموحدة: كلُّ حبلٍ أُجيدَ فتلُه من ليفٍ أو قنبٍ أو غير ذلك، وقيل: ليفُ المُقْل. (إذا) هي هنا لمجرد الظرفية.

69 - باب التلبيد

(للوادي)؛ أي: وادي مكةَ شرَّفها اللهُ تعالى. قال (خ): فيه أن موسى -عليه الصلاة والسلام- حَجَّ البيتَ، خلافَ ما يَزعمُه اليهودُ. * * * 69 - باب التَّلْبِيدِ (باب التَّلْبِيد)؛ أي: وضعُ المُحْرِم صمغًا في شَعر رأسه، فيصير كاللِّبْد تخلُّصًا من قَملٍ أو شعثٍ. 5914 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُلَبِّدًا. الحديث الأول: (ضفَّر) بمعجمة وفاء: نسجُ الشَّعر عريضًا، ومنه: الضفيرة. (تشبَّهُوا) أصله: تتشبَّهُوا، فحُذفت إحدى التاءَين، أي: لا تَضفِرُوا كالمُتلبِّدين، أي: فهو مكروهٌ في غير الإحرام، مندوبٌ فيه. * * *

5915 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ"، لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ. الثاني: (يُهِلُّ) يرفع صوتَه بالإحرام وبالتلبية. * * * 5916 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ". الثالث: (أحلُّوا)؛ أي: لأنهم كانوا متمتعين. (ولم يَحلِلْ)؛ أي: لأنه كان قارنًا أو مفردًا أو معَه هَدْيٌ، فلا يحلُّ حتى يَبلغَ الهَدْيُ محلَّه، أي: يَنحرَه. (لبَّدت) القصدُ بذكره أنه مُستعذر أولَ الأمر بأن يدومَ إحرامُه إلى

70 - باب الفرق

أن يَبلُغَ الهَدْيُ محلَّه. (وقلَّدت) هو أن يُعلَّقَ في عنق البَدَنة شيءٌ ليُعلَمَ أنها هَدْيٌ، أي: ما يُهدَى للحَرَم من النَّعَم. * * * 70 - باب الْفَرْقِ (باب الفرْق) بكسر الفاء وفتحها. 5917 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُسَهُمْ، فَسَدَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ناَصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. الحديث الأول: (فيما لم يُؤمَر فيه)؛ أي: فيما لم يُوحَ إليه بشيءٍ في ذلك، وفيه أنه كان يتبعُ شرعَ موسى وعيسى -عليهما الصلاة والسلام- قبلَ أن يَنزلَ إليه وحيٌ في تلك المسألة، وسبق الجمعُ بين هذا وبين (خالَفُوهم) بأن ذاك حين أُمِرَ بالمُخالَفة. (يَسدلُون) بضم الدال وكسرها، من: سَدَلَ ثوبَه: إذا أَرخَاه،

71 - باب الذوائب

وشَعرٌ مُنسدِلٌ ضد: مُتفرِّق؛ لأن السَّدلَ يستدعي عدمَ الفرق وبالعكس، وإنما سَدَلَ أولًا ثم فَرَقَ، لأنه كان يُحبُّ موافقتَهم، ثم أُمِرَ بالفرق، ففَرَقَ. * * * 5918 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُحْرِمٌ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (مَفَارق) جمع: مَفرِق بفتح الميم وكسر الراء: وسطُ الرأس موضعُ يُفرَق فيه الشَّعرُ، وجُمع نظرًا إلى أنَّ كلَّ جزءٍ منه كأنه مفرقٌ، وفيه: استعمالُ الطِّيب قبلَ الإحرام. * * * 71 - باب الذَّوَائِبِ (باب الذَّوَائب) جمع: ذُؤابة، وهي الضَّفيرة، والحديثُ فيه سبقَ مراتٍ.

72 - باب القزع

5919 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ (خ). وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ خَالَتِي، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ بِهَذَا، وَقَالَ: بِذُؤَابَتِي أَوْ بِرَأْسِي. * * * 72 - باب الْقَزَعِ (باب القَزَع) بفتح القاف والزاي وسكونها وبالمهملة: حلقُ بعضِ الرأسِ وتركُ البعضِ. 5920 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْلَدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ حَفْصٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ نَافِعٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

يَنْهَى عَنِ الْقَزَعِ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: قُلْتُ: وَمَا الْقَزَعُ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِيَّ وَتَرَكَ هَاهُنَا شَعَرَةً وَهَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ، قِيلَ لِعُبَيْدِ اللهِ: فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلاَمُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، هَكَذَا قَالَ: الصَّبِيَّ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ، وَعَاوَدْتُهُ، فَقَالَ: أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلاَمِ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا، وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شَقُّ رَأْسهِ هَذَا وَهَذَا. الحديث الأول: (محمد)؛ أي: ابن سلام. (قال إذا حلقَ الصَّبِيَّ) هذا تفسيرٌ من الراوي؛ وهو الأصحُّ، والحكمةُ في كراهة القَزَع: تشويهُ الخِلْقة، أو أنه زِيُّ أهلِ الشَّطارة، أو زِيُّ اليهود. (إلى ناصِيتَه وجانبَي رأسه)؛ أي: فسَّر لفظةَ (هنا) الأولى: بالناصية، والثانية والثالثة: بجانبَيها، أي: تُرِكَ في كل منهما شَعرٌ. (الصَّبِيّ)؛ أي: وهو ظاهرٌ في الغلام، ويُحتمَل أن يقال: إنه (فعيل) يستوي فيه المُذكر والمُؤنث، أو هو الذاتُ التي لها الصِّبَا. (القَصَّة) بفتح القاف وشدة المهملة: شَعرُ الناصية. قال (ن): المَذهبُ كراهةُ القَزَع مُطلَقًا. * * *

73 - باب تطييب المرأة زوجها بيديها

5921 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْقَزَعِ. الثاني: بمعنى ماسبق. * * * 73 - باب تطْيِيبِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِيَدَيْهَا (باب تطييب المرأةِ زوجَها) 5922 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي لِحُرْمِهِ، وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ. (لِحرْمه) بضم المهملة وكسرها وسكون الراء، أي: لإحرامه، وأَنكرَ صاحبُ "الدلائل" الضمَّ، وقال: صوابُه الكسرُ، كما يُقال: لِحِلِّه. (قبلَ أن يُفيضَ)؛ أي: إفاضةَ عرفة إلى الطواف، وذلك عند التحلُّل الأول بعدَ رمي النحر والحلق، وكذا في "مسلم": (طيَّبتُه لِحرْمِه حين أَحرَمَ، ولِحِلِّه قبل أن يَطوفَ بالبيت)، ففيه: ندبُ الطِّيب

74 - باب الطيب في الرأس واللحية

عندَ الإحرام وعندَ التحلُّل الأول. * * * 74 - باب الطِّيبِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ (باب الطِّيب في الرأس واللِّحية) عُلِمَ شرحُ الحديثِ فيه مما سبقَ مراتٍ. 5923 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. * * * 75 - باب الاِمْتِشَاطِ (باب الامْتِشَاطِ) 5924 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

76 - باب ترجيل الحائض زوجها

وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالْمِدْرَى، فَقَالَ: "لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الأَبْصَارِ". (جُحر) بضم الجيم: الثقبة. (المِدْرَى) بكسر الميم وسكون المهملة وبالراء مقصورًا: حديدةٌ يُسرَّح بها الشَّعرُ، وقال الجَوهري: شيءٌ كالمِسلَّة تُصلحُ بها الماشطةُ قرونَ الرأس، ويقال: تدرَّت المرأةُ، أي: سرَّحت شَعرَها. (جُعِلَ الإذنُ)؛ أي: جَعلَ الشارعُ الاستئذانَ في الدخول. (مِن قِبَلِ الأبصار)؛ أي: لئلا يقعَ بصرُ أحدِكم على عورةِ مَن في الدار، وقيل: بكسر القاف، أي: جهة، والأبصار بفتح الهمزة وكسرها، وفيه: دليلٌ على أن حُكمَ الشرع قد يُعلَّل بالنص، وهو أحدُ طرق العِلِّيَّة المذكورة في الأصول، وعلى أن عَينَ مَن نظرَ إلى حُرَمِ الغير، وفُقِئَتْ عينُه برمي حَصَاةٍ = هَدَرٌ؛ وكذا لو سَرَتْ إلى نفسِه. * * * 76 - باب تَرْجِيلِ الْحَائِضِ زَوْجَهَا (باب تَرجِيل الحائضِ رأسَ زوجِها) التَّرجيل بالجيم: تسريحُ الشَّعر، والحديثُ فيه ظاهرٌ.

77 - باب الترجيل

5925 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا حَائِضٌ. 5925 / -م - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ. * * * 77 - باب التَّرْجِيلِ (باب التَّرجُّل) هو أن يتسرَّح بنفسه، بخلاف الترجيل؛ فإنه تسريحُ الغير. 5926 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ فِي تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ. (ووُضوئه) بضم الواو: التوضُّؤ. * * *

78 - باب ما يذكر في المسك

78 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمِسْكِ (باب ما يُذكَر في المِسْك) 5927 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ". سبق الحديثُ في (كتاب الصوم)، وبيانُ إضافةِ الصوم له، والعباداتُ كلُّها لله تعالى، وأن الخُلوفَ بضم الخاء، وأن كونَه عندَ الله أطيبُ من المِسك -مع تنزيه تعالى عن الروائح- إما على معنى القَبُول، أو على سبيل الفَرَض، أي: لو تُصوِّر لَكانَ الخُلوفُ أَطيَبَ، أو بتقدير مضافٍ، أي: ملائكةُ الله تعالى، أو غير ذلك. * * * 79 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ (باب ما يُستَحبُّ من الطِّيب) 5928 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ

80 - باب من لم يرد الطيب

النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ. سبق حديثُ تطييبِ عائشةَ له مراتٍ، آخرُها قريبًا. (بأَطيَبِ ما أَجدُ)؛ أي: بأطيَبِ كلِّ طِيبٍ أَجدُه من أيِّ نوعٍ كان. * * * 80 - باب مَنْ لَمْ يَرُدَّ الطِّيبَ (باب مَن لم يَرُدَّ الطِّيبَ) 5929 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ. (لا يَرُدُّ الطِّيبَ)؛ أي: الذي أُهدِيَ إليه. * * * 81 - باب الذَّرِيْرَةِ (باب الذَّرِيْرَة) بفتح الذال المعجمة وكسر الراء الأولى: نوعٌ من الطِّيب مجموعٌ

82 - باب المتفلجات للحسن

من أخلاطٍ، أي: المسحوقة، وقال (ن): هو فُتاتُ قصبٍ طيِّبٍ يُجاء به من الهند. * * * 5930 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِلْحِلِّ وَالإحْرَامِ. (أو محمد) قال الغساني: هو ابنُ يحيى الذُّهْلي، وشكَّ البخاريُّ في الرواية عن عثمان: أنه بواسطة أو بدونها، ولا يَقدَحُ هذا الشكُّ. (حَجَّة) بفتح الحاء وكسرها، وكذا واو (الوداع)، وقولها (للحِلِّ وللإحرامِ)؛ أي: حينَ التحلُّل من الإحرام، وحينَ إرادةِ الإحرام. * * * 82 - باب الْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ (باب المُتفلِّجات لِلْحُسن) من الفَلْج بالجيم، وهو تَباعُد ما بين الثنايا والرَّبَاعيات، والذمُّ لمعالجة ذلك لأجل التحسين. 5931 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ،

وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ تَعَالَى، مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي كتَابِ اللهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}؟ (الواشِمات) من الوَشم بالمعجمة، وهو غَرزُ الإبرة وذَرُّ النِّيلَج (¬1) عليه، والاستيشام: طلبُ ذلك. قال الفقهاء: ما وُشِمَ يصير نجسًا، فإن أمكنَ إزالتُه وجبَتْ، وإن أَورَثَ ذلك شَينًا أو تَلفَ شيءٍ فلا. (والمُتنمِّصات) بالمهملة، من التنميص، وهو نتفُ الشَّعر، ولا سيما من الوجه، فالنامصةُ: هي التي تُزيل الشَّعرَ من الوجه، والمُتنمِّصة: هي التي يُفعَل بها ذلك. (للحُسن) اللام للتعليل؛ احترازًا مما لو كان للمعالجة، أي: لا لغير إرادة التحسين، وهو مُتعلِّقٌ بالأخير، وهو لفظ (مُتفلِّجات)، ويُحتمَل التعلُّقُ بالكلِّ من باب تَنازُع الأفعال فيه. (المُغيِّرات) كالتعليل لوجوب اللَّعن. (ما لي) استفهامٌ أو نفيٌ، وسيأتي: أن أمَّ يعقوب قالت لعبد الله: لِمَ تَلعنُهنَّ؟ فقال ذلك. (فَخُذُوُهُ)؛ أي: فمَن لعنَه الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - فالعَنُوه، أو لأنه إذا نَهَى عن شيءٍ، ففعلَه كان ظالمًا، واللهُ تعالى يقول: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]. * * * ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "وهو النيل".

83 - باب الوصل في الشعر

83 - باب الوَصْلِ في الشَّعَرِ (باب الوَصْل في الشَّعر) 5932 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهْوَ يَقُولُ -وَتناوَلَ قُصَّة مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِيٍّ-: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ". الحديث الأول: (قُصَّة) بضم القاف وشدة المهملة: القطعةُ، من: قَصَصتُ الشَّعرَ، أي: قطعتُه. (حَرَسيّ) بفتح المهملة والراء وتشديد التحتانية، أي: الجندي. قال الجَوهري: الحَرَس: الذين يَحرُسُون السلطانَ، الواحد: حَرَسيٌّ، لأنه قد صار اسمَ جنسِ، فنُسبَ إليه. (أين علماؤُكم) السؤالُ للإنكار عليهم بإهمال إنكارِ مِثلِ هذا المُنكَر، والغفلة عن تغييره. (هَلَكَتْ)؛ أي: بسببه، أو عند ظهوره في نسائهم، وسبق في (كتاب الأنبياء) بعدَ حديث: (أَبرَص وأَقرَع ...). * * *

5933 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يُونس بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ". الثاني: (وقال ابن أبي شَيبة) وصلَه الإسماعيلي. (الواصِلَة) التي تَصِلُ شَعرَها بغيره. (والمُستَوصِلَة) التي تطلبُ ذلك. * * * 5934 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِم بْنِ يَنَّاقٍ يُحَدِّثُ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ، وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فتمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا، فَسَأَلوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ". تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ. الثالث: (فتَمَعَّط) بمهملتين، أي: تَسَاقَطَ من داءٍ ونحوه.

(تابعَه ابن إسحاق) هو موصولٌ في "المحامليات". * * * 5935 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَتنِي أُمِّي، عَنْ أَسمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنِّي أَنْكَحْتُ ابْنَتِي، ثُمَّ أَصَابَهَا شَكْوَى، فَتَمَرَّقَ رَأْسُهَا، وَزَوْجُهَا يَسْتَحِثُّنِي بِهَا، أَفَأَصِلُ رَأْسَهَا؟ فَسَبَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. الرابع: (شكوى) غير منصرف. (فتَمَرَّق) بالراء، من: المُرُوق، وهو خروج الشَّعر من موضعه، أو من: المَرْق، وهو نتفُ الصُّوف، والمراد انتَتَفَ وسقطَ، ولأبي الهيثم والسَّفَاقُسِي: بالزاي بمعنى ذلك، وهو روايةٌ لمسلم، لكنه لا يُستعمَل في الشَّعر في حال المرض. (يَستحثُّني) من: حثَّه على الشيء: حضَّه عليه. * * * 5936 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ.

84 - باب المتنمصات

الخامس: (فاطمة)؛ أي: بنتُ المنذر الأَسَدية. * * * 5937 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ". وَقَالَ نَافِعٌ: الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ. السادس: (اللِّثَة) بتخفيف المثلثة: ما حولَ الأسنان، وأصلُها الثاء، والهاءُ عوضٌ من الياء. * * * 84 - باب الْمُتَنَمِّصَاتِ (باب المُتنمِّصات) 5939 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَعَنَ عَبْدُ اللهِ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ:

85 - باب الموصولة

مَا هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِيَ لَا ألعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ، وَفِي كِتَابِ اللهِ، قَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ، قَالَ: وَاللهِ لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. سبق شرحُ الحديث. (أُم يعقوب) هي امرأةٌ من بني أسد. (بين اللَّوحَين)؛ أي: الدَّفَّتَين، أو الذي يُسمَّى بالرّحل ويُوضَع عليه المُصحَفُ، وهو كنايةٌ عن القرآن. * * * 85 - باب الْمَوْصُولَةِ (باب المَوصُولة) 5940 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ. الحديث الأول: (محمد)؛ أي: ابن سلام، وسبق شرحُه. * * *

5941 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ: أَنَّهُ سَمِعَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ: سَمِعْتُ أَسْمَاءَ قَالَتْ: سَأَلتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَتِي أَصَابتْهَا الْحَصْبةُ، فَامَّرَقَ شَعَرُهَا، وإِنِّي زَوَّجْتُهَا، أَفَأَصِلُ فِيهِ؟ فَقَالَ: "لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ". الثاني: (الحَصْبة) بمهملتين، الأولى مفتوحة والثانية ساكنة أو مفتوحة أو مكسورة: بَثَراتٌ تخرجُ في الجِلد كحَبِّ الجَاوَرْس. (فامَّرَق) بتشديد الميم فقط، وأصله: انْمَرَقَ، أو بتشديدها وتشديد الراء، وأصله: تَمَرَّقَ، من: المُروق، وهو خروجُ الشَّعر من موضعه، وسببُ لعنة هؤلاء تغييرُ خلقِ الله، والتزويرُ والتدليسُ. قال (خ): غشٌّ وخداعٌ، ولو رُخِّصَ فيه لاتخذَه الناسُ وسيلةً إلى أنواع الفساد، ومن ذلك صنعةُ الكيمياء؛ فإنه يَرُومُ أن يُلحقَ الصنعةَ بالخِلقةَ، وهو باب عظيمٌ من الفساد، قال: وقد رَخَّصَ أكثرُ العلماء في القراميل، وذلك لِمَا لا يخفى أنها مُستعارةٌ، فلا يُظَنُّ بها تغييرَ الصورة. * * *

5942 - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُويرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَاشِمَةُ وَالْمُوتَشِمَةُ، وَالْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ"؛ يَعْنِي لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (الفضل بن دُكَين) بالدال المهملة والنون، وزعم بعضُ الرواة أن الفِرَبْريَّ كان يَجزمُ بأنه الفضلُ بنُ زُهير بالزاي والهاء، بعدَ أن كان يتردَّد بينه وبين الفضل بن دُكَين، وفي "كتاب أبي إسحاق المُستَملِي": أنه الفضلُ بنُ زُهَير. قال الغساني: رُوي عن الفِرَبْري: ابنُ زُهَير، وفي نسخة النَّسَفي: دُكَين، وكلاهما صوابٌ؛ إذ هو الفضلُ بنُ دُكَين بن حماد بن زَهُير المُلاَئي، واسمُ دُكين: عمرو. * * * 5943 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، مَا لِي لَا ألعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي كِتَابِ اللهِ؟.

86 - باب الواشمة

الرابع: (والمُتوشِّمَات) في بعضها: (المُوتَشِمَات)، وفي بعضها: (المُستَوشِمَات). * * * 86 - باب الْوَاشِمَةِ (باب الواشِمَة) 5944 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَيْنُ حَقٌّ"، وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ. الحديث الأول: (يحيى) إما ابنُ موسى، وإما ابنُ جعفر. (العَين)؛ أي: الإصابةُ بالعَين لها تأثيرٌ. * * * 5944 / -م - حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ حَدِيثَ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ أُمِّ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللهِ مِثْلَ

87 - باب المستوشمة

حَدِيثِ مَنْصُورٍ. 5945 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي، فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ. الثاني، والثالث: سَبَقَا. (ثمن الدم) إما لأنه نجسٌ، أو المُرادُ أُجرةُ الحَجَّام. (وثمن الكلب) سواءٌ كان مُعلَّمًا أو لا، جازَ اقتناؤُه أو لا، وإنما لُعِنَ المُوكِلُ، أي: المُعطِي لأنه شريكٌ في الإثم، كما أنه شريكٌ في الفعل. * * * 87 - باب الْمُسْتَوْشِمَةِ (باب المُستَوشِمَة) 5946 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ، فَقَامَ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، مَنْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْوَشْمِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَنَا سَمِعْتُ، قَالَ: مَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تَشِمْنَ وَلَا تَسْتَوْشِمْنَ".

88 - باب التصاوير

5947 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ. 5948 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي كِتَابِ اللهِ؟ الحديث الأول: (أنشُدكم) بضم المعجمة، يقال: نشدتُك الله، أي: سألتُك بالله، كأنك ذكَّرتَه إياه، وسبق قريبًا شرحُه وشرحُ الثاني والثالث. * * * 88 - باب التَّصَاوِيرِ (باب التَّصَاوِير) جمع: تصوير، بمعنى: مُصوِّر، ووجهُ إدخالِ أبواب التصوير في (كتاب اللِّباس): أن الصُّورَ قد تكون في اللباس، وكذا إدخالُ

أبواب الوَشم والطِّيب والقَزَع ونحوهما مما سبق؛ لأنها زينةٌ، واللباسُ زينةٌ، قال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31]. * * * 5949 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنهم - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ". وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (كَلْب) أعمُّ من العَقُور وغيره مما يُنتفَع به لزَرْعٍ أو ضَرْعٍ أو غيره، وسببُ عدم الدخول كثرةُ أكلِه للنجاسات وقبحُ رائحته، فمُتخِذُ بعضِه عاصٍ، فعُوقبَ بحرمانِ دخولِ ملائكةِ الرحمةِ بيتَه، وكذا ملائكةُ الوحي في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، لا الملائكةُ الحَفَظَةُ؛ فإنهم لا يفارقون بني آدم في حالٍ من الأحوال؛ وكذا البيتُ الذي فيه الصورةُ، لأنها معصيةٌ فاحشةٌ فيها مضاهاةٌ لخلق الله تعالى، وفيها ما قد عُبِدَ من دون الله. (وقال اللَّيث) وصلَه أبو نُعيم، والطبَراني في "الكبير". (سمعت أبا طلحة) من رواية صحابِيٍّ عن صحابِيٍّ. * * *

89 - باب عذاب المصورين يوم القيامة

89 - باب عَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (باب عذاب المُصوِّرين) 5950 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ، فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ". الحديث الأول: (مسلم) يحتمل أبا الضُّحى، والبَطِين؛ لأنهما يَروِيانِ عن مسروقٍ، والأعمشُ يَروي عنهما، والظاهرُ الثاني، ولا قدحَ بمثل ذلك؛ لأن كلًّا منهما بشرطه. (يسار) بتقديم الياء على السين المهملة. (تماثيل) جمع: تمثال، وهو الصورةُ، والمرادُ هنا: صورةُ الحيوان. (أشد الناس)؛ أي: لأنهم يُصوِّرن الأصنامَ للعبادة، فهم كَفَرَةٌ، والكَفَرةُ أشدُّ عذابًا. * * *

90 - باب نقض الصور

5951 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". الثاني: (أَحيُوا) بالقطع، أي: اجعلوه ذا رُوحٍ، ويُسمِّي الأصوليُّ مِثلَه: أمرَ تعجيزٍ. (خلقتُم)؛ أي: صوَّرتُم وقدَّرتُم. * * * 90 - باب نَقْضِ الصُّوَرِ (باب نقض الصُّور) 5952 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَىَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حَدَّثَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ. الحديث الأول: (يترك) بالرفع والجزم بدلٌ مما قبلَه.

(تَصَاليب)؛ أي: تصاوير كالصَّليب، ومنه: ثوبٌ مُصلَّب، أي: منقوشٌ عليه كالصليب الذي للنصارى. (نقَضَه)؛ أي: أَبطلَه وغيَّرَه. * * * 5953 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَى أَعْلاَهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً"، ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ. الثاني: (مُصوَّرًا) بفتح الواو، و (بصورٍ) جار ومجرور، ويجوز أن تُكسَرَ واو (مُصوِّر)، وما بعده فعلٌ مضارعٌ. (ذهبَ)؛ أي: قصدَ وأَقبَلَ على ذلك. (كخلقي)؛ أي: يأتي بشبه ذلك، وهو التصوير، وإلا فالحقيقيُّ لا يَقدِرُ عليه إلا اللهُ، والكافرُ وإن كان أَظلَمَ لكن مَن يُصوِّرُ الأصنامَ للعبادة فهو كافرٌ، فهو أَظلَمُ أو يزيدُ عذابُه على سائر الكفَّار؛ لزيادةِ قبحِ كفرِه. (حبَّة) فيها طعمٌ يُؤكَل، ويُنتَفَع بها كالحِنْطَة.

91 - باب ما وطئ من التصاوير

(ذرَّة) بفتح المعجمة وتشديد الراء: النملة الصغيرة، والغرضُ تعجيزُهم تارةً بخلق الجماد وأُخرى بخلق الحيوان. (بتَور) بفتح المثناة: الإناء. (فغسل يدَيه) كنايةٌ عن الوُضوء، لاستلزام الوُضوء له. (قلت)؛ أي: قال أبو زُرعةَ لأبي هريرةَ: هذا الإبلاغُ للإبط فيه شيءٌ سمعتَه من النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ (قال: منتهى)؛ أي: تنتهي حِليةُ المؤمنِ في الجنةِ حيث يبلغُ ماءُ الوضوء، وفي "مسلم"، عنه مرفوعًا: (تَبلُغُ الحِليةُ من المؤمن حيث يبلغُ الوضوءُ). قال الطِّيبي: ضمَّنَ (تَبلُغُ) معنى: يتمكَّن، وعُدِّي بِـ (مِن)، أي: تتمكَّنُ الحِليةُ مِن المؤمنِ مَبلَغًا يتمكَّنُه الوضوءُ منه، وقال أبو عُبَيد: (الحِليةُ) هنا التَّحجيلُ يومَ القيامة من أثر الوضوء، وقال غيرُه: هو من قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31]. * * * 91 - باب مَا وُطِئَ مِنَ التَّصَاوَيرِ (باب ما وُطِئَ من التَّصَاوير) أي: يُوطَأ عليه ويُدَاسُ ويُمتَهَنُ كالبِسَاط، فذلك ليس بحرامٍ.

5954 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسم -وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَتكَهُ وَقَالَ: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ"، قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ. الحديث الأول: (بِقِرَام) بكسر القاف وبالراء: سترٌ فيه رقمٌ ونقوشٌ، وقيل: السترُ الرقيقُ. (سَهْوَة) بفتح المهملة وإسكان الهاء وبواو: صُفَّةٌ تكون بين يدَي البيوت، وقيل: بيتٌ صغيرٌ مُنحدِرٌ في الأرض، سمكُه مرتفعٌ من الأرض، شبيهٌ بالخزانة الصغيرة، يكون فيها المتِاعُ، قاله أبو عُبَيدة، وهو أَشبَهُ، وقيل: شبيهٌ بالرَّفِّ أو بالطَّاقِ، يُوضَع فيه الشيءُ، قاله الأصمعي. (هَتكَه)؛ أي: قطعَه وأَتلَفَ الصورةَ التي فيه. (يُضاهون)؛ أي: يُشابهون. * * * 5955 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ، وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ

92 - باب من كره القعود على الصورة

تَمَاثِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ، فَنَزَعْتُهُ. 5956 - وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. الثاني: (دُرْنُوكًا) بضم المهملة وسكون الراء وضم النون: ضربٌ من السُّتور له خَمْلٌ، وقيل: نوعٌ من البُسط. (وكنتُ أَغتسلُ) مناسبةُ ذكرِه: أن الدُّرْنُوك كأنه كان مُعلَّقًا بباب المُغتَسَل، أو اقتضى المقامُ ذكرَه لسؤالٍ أو غيره. * * * 92 - باب مَنْ كَرِهَ الْقُعُودَ عَلَى الصُّورَة (باب مَن كَرِهَ القعودَ على الصُّوَر) 5957 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْباب فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقُلْتُ: أَتُوبُ إِلَى اللهِ مِمَّا أَذْنَبْتُ، قَالَ: "مَا هَذِهِ النُّمْرُقَةُ؟ "، قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، قال: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ".

الحديث الأول: (نُمْرُقة) بضم النون والراء، وبكسرهما، وبضم النون وفتح الراء، ثلاثُ لغاتٍ: الوسادةُ الصغيرةُ. (وتَوَسَّدَها)؛ أي: تتوسَّدها، فحُذفت إحدى التاءَين. * * * 5958 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ". قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتكَى زَيْدٌ فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ؟ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَهُ بُكَيْرٌ، حَدَّثَهُ بُسْرٌ، حَدَّثَهُ زيدٌ، حَدَّثَهُ أَبُو طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ذُكر للتعظيم وللتلذُّذ والتبَرُّك، وإلا فهو مشهورُ الصُّحبة. (اشتكَى)؛ أي: مرضَ. (لعبيد الله)؛ أي: ابن الأسود.

93 - باب كراهية الصلاة في التصاوير

(يوم الأول) من إضافة الموصوف إلى صفته، والمرادُ به الوقتُ الماضي. (رَقَم) بفتح القاف وسكونها: النقشُ والكتابةُ. قال (خ): النقَّاش: هو الذي يَنقشُ أشكالَ الشجر ونحوها، وأرجو أن لا يدخلَ في الوعيد، وإن كان ذلك مكروهًا لِمَا فيه من شغل القلوب، والمُصوِّر: هو الذي يُصوِّر أشكالَ الحيوان، والوعيدُ فيه، وسبق الحديثُ في (كتاب بدء الخلق) في (باب ذكر الملائكة). (وقال ابن وَهب) موصولٌ هناك. * * * 93 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ فِي التَّصَاويِرِ (باب كراهة الصلاة فِي التَّصَاوير) 5959 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ قِرَاَمٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمِيطِي عَنِّي، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلاَتِي". سبق بيانُ الحديثِ فيه. * * *

94 - باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة

94 - باب لَا تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ (باب لا تَدخلُ الملائكةُ بيتًا فيه صورةٌ) 5960 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَعَدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جِبْرِيلُ، فَرَاثَ عَلَيهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ: "إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ". (جبريل) بالرفع. (فرَاثَ) بالمثلثة، أي: أَبطَأ. (ما وجد)؛ أي: من مفارقته وانتظاره. (ولا كَلْب)؛ أي: لأنه كان تحتَ سريرِ عائشةَ جروُ كلبٍ، وقيل: تحتَ فسطاطٍ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 95 - باب مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ (باب مَن لم يَدخلْ بيتًا فيه صورةٌ) 5961 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ

96 - باب من لعن المصور

الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَى الْباب فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ قَالَ: "مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ ". فَقَالَتِ: اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ". سبق معنى الحديث فيه، وأن المرادَ بالملائكة غيرُ الحَفَظَة؛ فإنهم لا يفارقون بني آدم أصلًا. * * * 96 - باب مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ (باب مَن لَعَنَ المُصوِّرَ) 5962 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ اشْتَرَى غُلاَمًا حَجَّامًا، فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ،

97 - باب من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ

وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالْمُصَوِّرَ. (البَغِيّ) الزانية، فَعُول عند المُبَرِّد، وفَعِيل عند ابن جنِّي. * * * 97 - باب مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بنَافِخٍ (باب مَن صوَّرَ صورةً كُلِّفَ يومَ القيامة أن يَنفخَ فيها) 5963 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ، وَلَا يَذْكُرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى سُئِلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ". (سمعت النَّضر) قال الكَلاَبَاذي: أي: يَروِي سعيدٌ مرةً عن النَّضر، وأُخرى عن قَتَادةَ عن النَّضر. (وليس بنافخٍ)؛ أي: لا يَقدِرُ على النفخ، فيُعذَّب بتكليف ما لا يُطاق. * * *

98 - باب الارتداف على الدابة

98 - باب الاِرْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب الارِتدَاف على الدابَّة) 5964 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ، عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ. (قَطِيفة): دِثَارُ مُخملٍ. (فَدَكية) نسبةً إلى فَدَك بفتح الفاء والمهملة: قريةٌ بِخَيبرَ. * * * 99 - باب الثَّلاَثةِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب الثلاثةُ على الدابَّة) 5965 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالآخَرَ خَلْفَهُ. (أُغَيْلِمَةُ) تصغير: غِلْمَة، جمع: غلام؛ وهو شاذٌّ، والقياسُ:

غُلَيمَة، ووجهُ مناسبة ذلك لـ (كتاب اللباس): أن الغرضَ منه الجلوسُ على لباس الدابة، وإن تعدَّد الراكبُ، والتصريحُ بلفظ القَطِيفة في الحديث السابق مُشعِرٌ بذلك. (واحدًا) إلى آخره، هما: قُثَم والفَضْل، كما في الحديث الآتي. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [15]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

100 - باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه

تابع (77) كتابُ اللباس 100 - باب حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ غَيْرَه بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِبُ الدَّابَّة أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ. (باب حَمْل صاحبِ الدابةِ غيرَه بين يدَيه) قوله: (وقال بعضهم) هو حديثٌ مرفوعٌ عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، رواه التِّرْمِذي وحسَّنَه، وكأن البخاريَّ لم يَرضَ إسنادَه، فأَدخلَ حديثَ ابن عباس ليَدلَّ على معناه. * * * 5966 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ: ذُكِرَ الأَشَرُّ الثَّلاَثَةُ عِنْدَ عِكْرِمَةَ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ، أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ، وَالْفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَيُّهُمْ شَرٌّ أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ؟.

(أشرُّ الثلاثة) في بعضها: (الأَشَرُّ الثلاثة)، برفعهما مبتدأ وخبرًا، وبإضافة (الأشر) إلى (الثلاثة)، فيُحتمَل أن هذا المذكورَ عند عكرمةَ أن ركوبَ الثلاثة على الدابة شرٌّ وظلمٌ، وأن المُقدَّمَ أشرُّ أو المُؤخَّرُ، فأَنكرَ عكرمةُ ذلك، واستَدلَّ بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لا ظلمَ ثَمَّ. (أو قُثَم) شكَّ في أيهما المُقدَّم، وأيهما المُؤخَّر، وهو بضم القاف وخفة المثلثة المفتوحة: ابن العباس الهاشمي، وكان آخرَهم عهدًا بالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلِيَ مكةَ مِن قِبَلِ عليٍّ، ثم سار أيامَ مُعاويةَ إلى سمرقند، فاستُشهد بها، وقبرُه بها. (والفَضْل) أخوه مذكورٌ في الأسماء، وأما الحُكمُ في الإرداف فسَبقَ من أن المُرادَ فيه: على قوة الدابة وطاقتها. (فأيُّهم أشرُّ؟ أو أيُّهم أَخْيَرُ؟) في بعضها: (وأيُّهم) بالواو، وهو استفهامُ إنكارٍ، أي: ليس واحدٌ من الثلاثة أشرَّ؛ بل كلُّهم أَخْيَرُ، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خيرُهم وخيرُ الخلق أجمعين؛ نعم، في استعمال (أشر) و (أخْير) شذوذان، إذ المشهور: (شر) و (خير) بلا ألف، وعلى رواية بعضهم بإضافة (الأشر) إلى (الثلاثة)، والمُضافُ لا يُعرَّف. قال (ك): (أشر) و (أخْيَر) لغةٌ فصيحةٌ كما سبق في حديث ابن سلام: (أَخيَرُنا وابنُ أَخيَرِنا)، وفي المَثَل: صغراها أَشَرُّها، قال: وأما التعريفُ مع الإضافة فحُكمُه حُكمُ: الحسنُ الوجه، والضاربُ الرَّجل، والواهبُ المئة. * * *

101 - باب (باب: إرداف الرجل خلف الرجل)

101 - باب (باب إردافُ الرَّجلِ خلفَ الرَّجل) 5967 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بَيْني وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ "، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. فَقَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوه؟ "، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ". (آخرة) بوزن فاعلة: هي العود الذي يَستندُ إليه الراكبُ من خلفه، ضد: القادمة، أراد المبالغةَ في شدة قربه؛ ليَكونَ أوقعَ في نفس السامع، فيَضبطَ، وسبق في (الجهاد) في (باب اسم الفرس والحمار): أنه كان رَدِيفَه على حمارٍ يُقال له: عُفَيْر. (حقُّ)؛ أي: الأمر الثابت، ويُستعمَل بمعنى: الواجب والجدير. (إذا فعلوه)؛ أي: أتَوا بما عليهم، وليس المرادُ بحقِّهم على الله أن

102 - باب إرداف المرأة خلف الرجل

لهم حقًّا واجبًا عليه كما تقول المعتزلة؛ بل حقُّ وفائه بوعده الصادق تفضُّلًا وإحسانًا، فإنجازُ الوعدِ واجبٌ بالشرع أن يقعَ، أو أن المرادَ بالحقِّ: الجديرُ؛ لأن الإحسانَ إلى مَن لم يتخذ ربًّا سواه جديرٌ في الحكمة أن يَفعلَه، أو ذكر لفظ الحق على جهة المُشاكَلة أو كالواجب المُتأكِّد. * * * 102 - باب إرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ (باب إردافُ المرأةِ خلفَ الرَّجل) 5968 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَحْيَىَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنس ابْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَيْبَرَ، وإِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ وَهْوَ يَسِيرُ، وَبَعْضُ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَدِيفُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَقُلْتُ: الْمَرْأةَ، فَنَزَلْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهَا أُمُّكُمْ"، فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ، وَرَكبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا دَنَا أَوْ رَأَى الْمَدِينَةَ قَالَ: "آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ لِرَبِّنَا، حَامِدُونَ". (وبعض نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هي صَفِيَّة بنتُ حُيَيٍّ. (فقلت: المرأة)؛ أي: وقعَتِ المرأةُ، وفي بعضها بالنصب،

103 - باب الاستلقاء، ووضع الرجل على الأخرى

أي: أوقعتَ المرأةَ، أو الزَمْ، أو احفَظْ، وفي بعضها: (فَفَلَت) بالفاء بعد فاء العطف، من: الفَلْي، وهو الإخراج والفصل. (فَنَزَلْتُ) بضمير المتكلم. (أُمُّكم) يُذكِّرُهم أنها واجبةُ التعظيم. (لربِّنا) يحتمل تعلُّقُه بما قبلَه وبما بعدَه، وسبق في (الجهاد): أنه كانَ مُقبِلًا من عُسْفَانَ، وأن المصلحَ أبو طلحة، ولا منافاةَ؛ بل هما قضيتان. * * * 103 - باب الاِستِلقاء، وَوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الأخْرَى (باب الاستِلْقَاء) هو الاضطجاعُ على القَفَا. 5969 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَضْطَجعُ فِي الْمَسْجدِ، رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. (رافعًا إحدى رِجلَيه) هو وجهُ مطابقة الترجمة؛ لأن ذلك إنما يكون مع الاستلقاء، وأما وجهُ دخول ذلك في (كتاب اللباس)؛ فلأنه لولا اللباسُ لانكشفَتْ عورتُه عند الاستلقاء، وفيه: جوازُ الاضطجاع في

المسجد للاستراحة التي هي مقدمةٌ لزيادة القوة على الطاعة، فهي طاعةٌ أيضًا. * * *

78 - كتاب الأدب

78 - كتاب الأدب

1 - باب قول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه}

بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَحِيمِ 78 - كتاب الأدب (كتاب الأدب) هو الوقوفُ مع المُستَحسَنات، وقيل: الاتصافُ بمكارم الأخلاق، وقيل: تعظيمُ مَن فوقَك، والرِّفقُ بِمَن دونَك. 1 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} (باب قول الله عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]) 5970 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ عَيْزَارٍ، أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا صَاحِبُ هَذهِ الدَّارِ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ الَى دَارِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا"، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قَالَ ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "الْجهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. (قال: الصلاة) إلى آخره، الجمعُ بينه وبين ما سبق في (الإيمان):

2 - باب من أحق الناس بحسن الصحبة

أن إطعامَ الطعامِ خيرُ أعمال الإسلام، وأن أحبَّ العمل أَدوَمُه، ونحو ذلك أنه بالنظر إلى الأحوال والأوقات والحاضرين؛ فأَجابَ في كل مقامٍ بما يليق به. (على وقتها)؛ أي: في وقتها، لكن أُريد بـ (على) الاستعلاءُ على الوقت والتمكُّن من الأداء فيه، وحروفُ الجرّ يقوم بعضُها مقامَ بعضٍ. (استَزدتُه)؛ أيْ: سألتُه الزيادةَ، وسبق الحديثُ في (كتاب مواقيت الصلاة). * * * 2 - باب مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ (باب مَن أحقُّ الناسِ بِحُسنِ الصُّحبة؟) 5971 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتيِ؟ قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ"، وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ مِثْلَهُ.

3 - باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين

(جاء رجل) هو معاذُ بنُ حيدةَ، جدُّ بَهْزِ بنِ حكيم. (صحابتي)؛ أي: صُحبتي، فهما بمعنًى. (ثم أُمُّك) العطفُ وإن كان من شرطه المُغايَرةُ؛ لكنَّ هذا للتأكُّد، مثل: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 4]، وإنما قُدمت الأُمُّ لأنها أضعفُ، ولكثرة تحمُّل مَشَاقِّه حملًا وفصالًا وتربيةً وغير ذلك، ولذلك قدَّمَ الفقهاءُ نفقتَها على الأب. (وقال ابن شُبْرُمة) وصلَه مسلم؛ وكذا البخاري في "الأدب المفرد". (ويحيى) وصلَه أيضًا في "الأدب المفرد". * * * 3 - باب لَا يُجَاهِدُ إِلا بإِذنِ الأَبَوَيْنِ (باب لا يُجاهِد إلا بإذن الأَبوَين) 5972 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ ح، قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أُجَاهِدُ؟ قَالَ: "لَكَ أَبَوَانِ؟ "، قَالَ: نعمْ، قَالَ: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".

4 - باب لا يسب الرجل والديه

(ففيهما) متعلق بـ (جاهد) مُقدَّرة مُفسَّرة بـ (جاهد) المذكورة، والتقدير: إن كان لك أبوان فجاهِدْ فيهما. * * * 4 - باب لَا يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ (باب لا يَسُبُّ الرجلُ والدَيه) [هو بضم السين، أي: يَشتُمُ أو يَلعَنُ، كما هو لفظ حديث الباب. 5973 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أكبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ". (يَلعَن)؛ أي: يَسبُّ ويَقذِف. (والديه)] (¬1) الإسنادُ فيه مجازي باعتبار التسبُّب في ذلك، وإنما كان من أكبر الكبائر؛ لأنه نوعٌ من العقوق الذي هو إساءةٌ في مقابلة ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.

5 - باب إجابة دعاء من بر والديه

إحسان الوالدَين، وكفرانِ حقِّهما، وفي حدِّ الكبيرة عباراتٌ مشهورةٌ: ما فيه حدٌّ، ما فيه وعيدٌ شديدٌ، ما أَشعَرَ بقلة المبالاة في الدِّين وغير ذلك. * * * 5 - باب إِجَابَةِ دُعَاءِ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ (باب إجابة دعاء مَن بَرَّ والدَيه) 5974 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَم غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً، فَادْعُوا اللهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا، فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كبِيرَانِ، وَلي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، وَإِنَّهُ نَاءَ بِيَ الشَّجَرُ فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجئْتُ بِالْحِلاَبِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دأْبِي وَدأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ

ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لنا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ، وَقَالَ الثانِي: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ، أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نفسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ! اتَّقِ اللهَ، وَلَا تَفْتَح الْخَاتَمَ، فَقُمْتُ عَنْهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لنا مِنْهَا، فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً، وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَظْلِمْنِي، وَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيَهَا، فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ مَا بَقِيَ، فَفَرَجَ اللهُ عَنْهُمْ". (نفر) رجالٌ من ثلاثةٍ إلى عشرةٍ. (فأَطبَقَت)؛ أي: غطَّت. (صبية) جمع: صبي، وهو الغلام. (بالحِلاَب)؛ أي: المَحلُوب أو ظرفه. (يَتَضاغَون) بمعجمتين: الصِّياح، وكلُّ صوتٍ دليلُ مقهورٍ،

6 - باب عقوق الوالدين من الكبائر

وسبق جوابُ الإشكال عن كونِ نفقةِ الأولادِ مُقدَّمةً على الأصول: بأنه لعله كان في شرعهم تقديمُ الأصول، أو أن الأولادَ كانوا يَطلُبون الزائدَ على سدِّ الرَّمَق، أو صياحُهم كان لغير ذلك، وشرحُ بقيةِ الحديث في (البيع) في (باب إذا اشترى شيئًا لغيره)؛ نعم، هناك (فَرَق من الذرة)، وهنا (من الأرز)، فلعله كان منهما، والفَرَق بسكون الراء وفتحها: مِكيَالٌ يَسَعُ ستةَ عشرَ رطلًا. وفي الحديث: فضلُ بِرِّ الوالدَين واجتنابِ المَحارم، وفضلُ الأمانة، وقال الطِّيبي: كرَّرَ لفظ (اللهم) في القرينة الثانية لأن هذا المقامَ أصعبُ المقامات؛ فإنه ردعٌ لهوى النفس، قال: وقال ذلك (البقر) باعتبار السواد، وأنَّث الضميرَ الراجعَ إلى (البقر) باعتبار جمعية الجنس. * * * 6 - باب عُقوق الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ (باب عقوق الوالدَين من الكبائر) العُقوق: كلُّ فعلٍ يتأذَّى به الوالدُ، وأصلُه: الشقُّ والقطعُ، فهو شقُّ عصا طاعة الوالد. 5975 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ،

عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ وَرَّادٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ". الحديث الأول: (الأُمَّهات) ذَكرَ ذلك إما لأنهنَّ أضعفُ، أو لعقوقهنَّ مزيةٌ، أو من باب الاكتفاء. (ومنعًا وهات)؛ أي: منعُ ما هو عليكم، وطلبُ ما ليس لكم أخذُه، وقيل: نهيٌ عن منع الواجب من ماله وأقواله وأفعاله، واستدعاءُ ما لم يجب من الحقوق، وفي بعضها: (منع) بدون ألف، على لغة ربيعة في الكتابة بلا ألف تبعًا للوقف. (ووَأْد) هو الدَّفن في القبر. (قيل وقال) مشهورُ اللغة أنهما اسمانِ مُعرَبانِ يدخلهما الألفُ واللامُ، والمشهورُ في هذا الحديثِ بناؤُهما على الفتح، فعلانِ ماضيانِ، فالتقديرُ: عن قول قيل وقال، ومرفوعُهما ضميرٌ مستترٌ، ولو رُوِيَ بالتنوين لَكانَ جائزًا، ولكن يكونان مكتوْبَين بلا ألفٍ على لغة ربيعة، ثم إما أن يُرادَ بهما حكايةُ أقاويل: قال فلان كذا وقيل كذا، أو أمورُ الدنيا تُنقَل عن غير احتياطٍ ودليلٍ. (وكثرة السؤال)؛ أي: المَسائل التي لا حاجةَ إليها أو الأموال، أو عن أحوال الناس، أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ

أَشْيَاءَ} [المائدة: 101]، وسبق ذلك في (باب الزكاة). * * * 5976 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُنبَّئِّكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: "أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ"، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ. (وعقوق) وهو وإن كان كبيرةً لكن عُدَّ من أكبر الكبائر، لأن الوالدَ من حيث الظاهرُ كالمُوجِد له صورةً، ولهذا قَرَنَ اللهُ تعالى الإحسانَ إليهما بتوحيده في: {وَقَضَى رَبُّكَ} الآية [الإسراء: 23]. (وقول الزُّور) وجهُ عدِّه من أكبرها: أن المرادَ به الكفرُ، فالكافرُ شاهدٌ بالزور وقائلٌ به، أو محمولٌ على المُستَحِلِّ. قال في "الكشَّاف": جَمَعَ الشِّركَ وقولَ الزُّور في: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ} الآية [الحج: 30]؛ لأن الشِّركَ من باب الزُّور، لأن المُشرِكَ زاعمٌ أن الوَثَنَ تَحقُّ له العبادةُ، وكأنه قال: واجتَنِبَوا عبادةَ الأوثان التي هي رأسُ الزُّور، واجتَنِبُوا الزُّورَ كلَّه. * * *

7 - باب صلة الوالد المشرك

5977 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ، فَقَالَ: "الشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، فَقَالَ: "أَلاَ أُنَبَّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ"، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: "شَهَادَةُ الزُّورِ". الثالث: (بأكبر) بالموحدة، والجمعُ بين هذا وبين نحو حديث: "أكبرُ الكبائر أن تجعَلَ لله ندًّا وهو خلَقَك" وشِبْهُ ذلك: أن ذلك باختلاف الأحوال أو المَفاسد المُترتبة عليها، أو أن المرادَ هنا بأكبر الكبائر مما غير الشِّرك؛ إذ الشِّركُ هو أكبرُ الكبائر. * * * 7 - باب صِلَةِ الْوَالِدِ الْمُشْرِكِ (باب صِلَة الوالد المُشرِك) 5978 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، أَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: آصِلُهَا؟ قَالَ:

8 - باب صلة المرأة أمها ولها زوج

"نَعَمْ"، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}. (أُمِّي) هي قَيْلةُ -بفتح القاف وسكون الياء على الأصح- بنتُ عبدِ العُزَّى، وقيل: كانت أُمَّها من الرضاعة، وسبق في (الزكاة). (راغبة)؛ أي: في بِرِّي طامعةً مني شيئًا، وهو نصب على الحال، وقيل: راغبةً عن الإسلام كارهةً له، وذلك كان زمنَ معاهدته - صلى الله عليه وسلم - للكفَّار ومصالحتهم، ويجوز رفعُه على أنه خبرُ مبتدأ. * * * 8 - باب صِلَةِ الْمَرْأَةِ أُمَّهَا وَلَهَا زَوْجٌ (باب صِلَة المرأةِ أُمَّها) 5979 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهْيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ، إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهْيَ رَاغِبَةٌ؟ قَالَ: "نعَمْ صِلِي أُمَّكِ". قوله: (وقال اللَّيث) موصولٌ في "جزء أبي الجَهم". (ومدَّتهم)؛ أي: التي عيَّنُوها للصلح.

9 - باب صلة الأخ المشرك

(مع أبيها)؛ أي: أبي أُمِّ أسماء، ووجهُ مطابقة قوله في الترجمة: (ولها زوجٌ): أن الضميرَ إن كان لأسماء فزوجُها الزُّبَيرُ، وإن كان للأُمِّ فباعتبار أن لفظَ (بأبيها) زوج أُمِّ أسماء، ومثلُ هذا المجاز سائغٌ، وكونُه كالأب لأسماء ظاهرٌ. * * * 9 - باب صِلَةِ الأَخِ الْمُشْرِكِ (باب صِلَة الأخ المُشرِك) 5981 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْتَعْ هَذِهِ، وَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الْوُفُودُ، قَالَ: "إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلاَقَ لَهُ"، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، فَقَالَ: كيْفَ ألْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ، قَالَ: "إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا". فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. تقدَّم أن (سِيَرَاء) بكسر المهملة وفتح الياء وبالمد: بُردٌ فيه

10 - باب فضل صلة الرحم

خطوطٌ، وكان من الحرير. (خَلاَق)؛ أي: نصيب، أي: من الدِّين أو في الآخرة، وهذا في المُستَحِلِّ، أو تغليظٌ، وهو في حقِّ الرجل. (تَكسُوها)؛ أي: تُعطيها غيرَك، وإعطاءُ الكافر ذلك وإن كان مُكلَّفًا بالفروع؛ لكن ليَبيعَه أو يُعطيَه امرأتَه ونحوه. (أخ له من أهل مكةَ قبلَ أن يُسلِمَ) هو أخوه لأُمِّه عثمانُ بنُ حكيمِ بنِ أُميةَ، ورواه النَّسَائي وابن الحَذَّاء: (أخًا له من أُمِّه مُشرِكًا)؛ نعم، سياقُ رواية البخاري يدل على أنه أَسلَمَ بعدَ ذلك، ولم يذكروه في الصحابة؛ نعم، ابنُ إسحاق ذكر أن حكيمَ بنَ أُميةَ أَسلَمَ قديمًا بمكةَ، وقيل: المرادُ بأنه (أخ له): أنه أخٌ لأخيه زيدِ بنِ الخطاب من أُمِّه أسماءَ بنتِ وهب، فهو مجازٌ؛ إذ جُعِلَ أخُ الأخِ أخًا، ويُحتمَل أن المُرادَ أخو عمرَ من الرضاعة، والحديثُ فيه ظاهرٌ. * * * 10 - باب فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ (باب فضل صِلَة الرَّحِم) هي تشريكُ ذَوِي القرابات في الخيرات، وهي مراتب: أقلُّها

السلامُ، وهل المُرادُ بالرَّحِمِ المَحرَمُ أو الأعمُّ؟ فيه خلافٌ. * * * 5982 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. الحديث الأول: (ابن عثمان) هو محمد بن عثمان. قال الكَلاَبَاذي: هو عمرو بن عثمان، ووَهِمَ شعبةُ في اسمه فقال: محمد، وقال البخاريُّ بعدَ روايةِ الحديثِ أولَ (الزكاة): وأخشَى أن يكونَ محمَّدٌ غيرَ محفوظٍ؛ إنما هو عمرٌو. * * * 5983 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ الْقَوْمُ: مَا لَهُ مَا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَبٌ مَّا لَهُ"، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، ذَرْهَا"، قَالَ: كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ.

11 - باب إثم القاطع

الثاني: (أَرَبٌ ماله) سبق الكلامُ عليه في أول (الزكاة) مبسوطًا. (ذَرْها)؛ أي: اترُكِ الراحلة ودَعْها، كأنه كان على الراحلة حين سأل، ففَهمَ - صلى الله عليه وسلم - استعجالَه، فلمَّا حصلَ مقصودُه من الجواب قال له: دَعِ الراحلةَ تمشي إلى منزلك، أو المرادُ: أنه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي كان راكبًا والرجلُ آخذٌ بزمام الراحلة. * * * 11 - باب إِثْمِ الْقَاطِعِ (باب إثم القاطع) 5984 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم قَالَ: إِنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ". (لا يَدخلُ الجنةَ قاطعٌ) حَذفُ مفعولِ (قاطع) يدلُّ على عمومه، أي: جميعُ ما أَمَرَ اللهُ به أن يُوصَلَ، وذلك هو الكافرُ، أو المرادُ المُستَحِلُّ، أو لا يدخلُها مع السابقين. * * *

12 - باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم

12 - باب مَنْ بُسِطَ لَهُ فِي الرِّزْقِ بصِلَةِ الرَّحِمِ (باب مَن بُسِطَ له في الرِّزق بصِلَة الرَّحِم) 5985 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". الحديث الأول: (يُنْسَأ) من النَّسَاء، وهو التأخير. (أثَره) هو ما يدلُّ على وجودِه ويتبعُه، والمراد هنا: الأَجَلُ، سُمي به لأنه يتبعُ العمرَ، وقد سبقَ فيه السؤالُ المشهورُ: وهو أن الأَجَلَ لا يتغيَّر، وكذا الرزقُ؟ وجوابه: بأن الزيادةَ باعتبار البركة بالتوفيق للطاعات، وصيانته عن الضياع، فهو بحسب الكَيفِ لا الكمِّ، أو بالنسبة إلى ما يَظهر للملائكة في اللَّوح المحفوظ بالمَحو والإثبات فيه: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]، كما يكون عمرُ فلانٍ ستين إلا أن يَصلَ رَحِمَه، فيزداد عشرةً، فهو سبعون، واللهُ تعالى يَعلَمُ الكلَّ، فبالنسبة إليه لا زيادةَ ولا نقصَ؛ بل بالنسبة إليهم، ويُسمَّى مثلُه: القضاءَ المُعلَّقَ لا المُبرَمَ، أو المراد: بقاءُ ذِكرِه الجميلِ، فكأنه

13 - باب من وصل وصله الله

لم يَمُتْ، وهو أظهرُ، فإن الأثرَ ما يتبعُ الشيءَ، فمعنى يُؤخَّر في أثره: يُؤَخَّرُ ذِكرُه الحسنُ بعدَ موتِه، أو يُجري له ثوابَ عملِه بعدَه. * * * 5986 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". الثاني: كالذي قبلَه. * * * 13 - باب مَنْ وَصَلَ وَصَلَهُ اللهُ (باب مَن وَصَلَ وَصَلَه الله) 5987 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ!

قَالَ فَهْوَ لَكِ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} ". الحديث الأول: (فَرَغَ مِن خلقِه)؛ أي: قضَاه وأتَمَّه؛ فإنه لا يشغلُه شأنٌ عن شأنٍ. (الرَّحِم) قال (ن): هي معنًى من المعاني تُوصَل وتُقطَع، لا يتأتَّى منه الكلامُ إلا استعارةً بتعظيم شأنها، وفضيلة واصلها، فلسانُ حالِها قائلٌ ذلك، فهو على قاعدة العرب في الاستعارات، انتهى بمعناه. (العائذ)؛ أي: المُعتصِم بالشيء المُلتجِئ إليه المُستجِير به. * * * 5988 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الرَّحِمَ سَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ". الثاني: (شُجْنَة) مثلث الشين المعجمة: عروقُ الشجرِ المشتبكةُ، والمرادُ به هنا: قرابةٌ مشتبكةٌ كالعروق المتداخلة والأغصان المتشابكة. (من الرحمن)؛ أي: مشتقةٌ من هذا الاسم، والمعنى: الرَّحِمُ أثرٌ

14 - باب يبل الرحم ببلالها

من آثار رحمته مشتبكةٌ بها؛ فالقاطعُ منها قاطعٌ من رحمة الله تعالى. * * * 14 - باب يَبُلُّ الرَّحِمَ بِبَلاَلِهَا (باب يَبُلُّ الرَّحِمَ بِبِلاَلِهَا) بكسر الموحدة: كلُّ ما يُبَلُّ به الحَلقُ من الماء واللبَن، وقد يكون جمعًا لـ (بِلَّة) بالكسر، وهي النداوة، وفي بعضها: (ببَلائها) بالفتح، وقال (خ): في البَلال بالفتح: مصدر بَلَلتُ الرَّحِمَ أَبُلُّه بَلالًا: إذا ندَيتُها، ومعناه: الوصلُ بالصِّلَة، شُبِّهَتْ قطيعةُ الرَّحِمِ بالحرارة تُطفَأ بالبرد والماء. 5990 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: "إِنَّ آلَ أَبِي"، قَالَ عَمْرٌو: فِي كتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ لَيْسُوا بِأَوْليَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا"، يَعْنِي أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. (عَبَّاس) بمهملتين وشدة الموحدة.

(في كتاب محمد بن جعفر)؛ أي: شيخ عمرو، والمَنفيُّ من الولاية هو ولايةُ القُرب والاختصاص، لا ولايةُ المَذهب وصالح المؤمنين. قال الزَّمَخشَري: (صالح المؤمنين): واحدٌ أُريد به جمعٌ لأنه جنسٌ، نحو: كنتُ في السامر والحاضر، ولفظ رواية مسلم: (إلا أن آلَ أبي، يعني: فلانًا)، فقيل: المُكنَّى عنه الحكمُ بنُ أبي العاص، وحملَه بعضُهم على بني أُمية. ولا يتمُّ مع قوله: (أبي)، فلم يقل: أبي أُمية، وقال صاحب "سراج المُرِيدين": معنى الحديث: آل أبي طالب، ومعناه: إني لستُ أَخصُّ قرابتي ولا فصيلتي الأَدْنين بولايةٍ دونَ المسلمين، وإنما رَحِمُهم معي في الطالبية. ونُقِلَ أيضًا عن أبي بكر بن العربي: ويجوزُ أن يكونَ أصلُه: وصالِحُو بالواو، فكُتِبُ بلا واوٍ على اللفظ. (زاد عَنْبَسة) بفتح المهملة وإسكان النون وفتح الموحدة ثم مهملة، وصلَه البخاريُّ في "الأدب المفرد"، وفي "بِرِّ الوالدَين" خارجَ الصحيح، وكذا الإسماعيلي وأبو نُعيم في "مستخرجيهما". (لهم)؛ أي: لآل أبي. (رَحِم)؛ أي: قرابة. (أَبُلُّها)؛ أي: أُندِّيها بما يجب أن تُندَّى، ومنه: "بُلُّوا أرحامَكم"، أي: نَدُّوها، يعني: صِلُوها، يقال للوصل: بَبَل؛ لأنه يقتضي الاتصالَ، وللقطيعة: يَبَس؛ لأنه يقتضي الانفصالَ، وحاصله: أني لا أوالي أحدًا

15 - باب ليس الواصل بالمكافي

بالقرابة، وإنما أُحبُّ اللهَ وصالحَ المؤمنين بالإيمان والصلاح؛ لكن أُراعي لذوي الأرحام منهم بصِلَة الرَّحِم، وفي اللفظ مبالغةٌ، نحو: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1]، أي: الذي تَستَوجبُه من الزلزال في مشيئة الله تعالى، وهو الزلزالُ الشديدُ الذي ليس بعدَه شيءٌ، وهو تشبيهُ الرَّحِمِ بأرضٍ إذا بُلَّت بالماء حقَّ بِلالِها أثمرَتْ وظهرَتْ نَضَارتُها، وإذا تُرِكَتْ يَبسَتْ، فلا منفعةَ فيها. قال (خ): قد يُؤوَّل ذلك بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - في القيامة. قال البخاري: وقع في كلام هؤلاء الرواة: (بلائها) بلا لامٍ قبلَ الهاء؛ بل بهمزةٍ بعدَ الألف، ولكنه باللام أجودُ وأصحُّ، قال: ولا أَعرفُ لـ (بلائها) وجهًا. قال (ع): وما قاله البخاريُّ صحيحٌ. قال (ك): يُحتمَل أن يُقال: وجهُه: أن البلاءَ جاء بمعنى المعروف والنعمة، وحيث كان الرَّحِمُ مصرفَها أُضيفَ إليها بهذه المُلابَسَة، أي: أَبُلُّها بمعروفِها اللائقِ بها. * * * 15 - باب لَيْسَ الْوَاصِلُ بالْمُكَافِي (باب ليس الواصلُ بالمُكافِئ) هو لفظُ الحديث المذكور في الباب، واللام فيه للجنس، أي:

16 - باب من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم

ليس حقيقةُ الواصلِ مَن يُكافِئ صاحبَه بِمِثلِ فعلِه، لأنه إذ ذاك نوعُ معاوضةٍ. * * * 5991 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سُفْيَانُ لَمْ يَرْفَعْهُ الأَعْمَشُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَفَعَهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا". (قَطَعَت) بالبناء للفاعل. (رَحِمُه) فاعل. * * * 16 - باب مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فِي الشِّرْكِ ثمَّ أسْلَمَ (باب مَن وَصَلَ رَحِمَه في الشِّرْكِ ثم أَسلَمَ) 5992 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ

وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ"، وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ: أَتَحَنَّثُ، وقال مَعْمَرٌ، وَصَالِحٌ، وَابْنُ الْمُسَافِرِ أَتَحَنَّثُ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: التَّحَنُّثُ: التَّبَرُّرُ، وَتَابَعَهُمْ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ. (أرأيت)؛ أي: أخبرني، ومرَّ توجيهُه. (أتَحنَّث)؛ أي: أتعبَّد، فأتقي بذلك الحنثَ، وهو الإثم، ففيه: أن مَن آمَنَ يُثابُ على أفعال الخير الصادرة عنه حالة الكُفر. (ويُقال أيضًا عن أبي اليَمَان: أتحنَّت) قال بعضُ العصريين: يعني بالمثناة، وهي روايةُ أبي زُرعةَ الدِّمَشقي عن أبي اليمَان، كما في "مستخرج أبي نُعيم". (وقال مَعْمَر) موصولٌ في (الصلاة). (وصالح) وصلَه مسلم. (وابن مُسافر) وصلَه الطبَراني في "الكبير". (وقال ابن إسحاق) موصولٌ في (المغازي)، وقال (ك): الفرقُ بين الطريقَين أن روايةَ شُعيب في بعض النُّسَخ بالمثناة، فهو ظاهرٌ إن صحَّ أنه بمعنى المثلثة، وإلا فلعل الفرقَ بزيادة لفظ: (كنتُ). (وتابعَه هشام) بن عروة، وصلَه البخاري في (العتق). * * *

17 - باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به، أو قبلها أو مازحها

17 - باب مَنْ تَرَك صَبِيَّةَ غَيْرِهِ حَتَّى تَلْعَبَ بِهِ، أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَازَحَهَا (باب مَن تَرَكَ صَبيَّةَ غيرِه حتى تَلعَبَ به) 5993 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَبِي، وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَنَهْ سَنَهْ"، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَهْيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنةٌ، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ ألْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهَا"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي"، قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ، يَعْنِي مِنْ بقَائِهَا. (سَنَهْ) بتخفيف النون، وقيل بتشديدها، معناه بالحبشية: حَسَنَة. (بخاتم النبوة) هو ما كان بين كتفَيه - صلى الله عليه وسلم - كزِرِّ الحَجَلَة. (فزَبَرَني)؛ أي: انتهَرَني وزَجَرَني. (أَبلِي) من أَبلَيتُ الثوبَ: جعلتُه عتيقًا. (وأَخلِقي) من الإخلاق، ورواه أبو ذَرٍّ المَروزي بالفاء، أي: تكتسب خلفه بعدَ بلائه، يقال: خَلَفَ الله لك وأَخلَفَ.

18 - باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته

(فبقِيَت)؛ أي: عاشَت أُمُّ خالدِ وطالَ عمرُها لدعاء النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لها. (دكِنَ) بالنون وهي رواية أبي الهيثم، ورجَّحَه أبو ذَرٍّ، أي: تغيَّر لونُه إلى السواد، من الدُّكْنَة بالمهملة والكاف: لونٌ يضرب إلى السواد، وفي بعضها: (ذكر)، أي: صار القميصُ مذكورًا عند الناس لخروج بقائه عن العادة، أو: حتى ذكر طول عمرِها، وزاد ابن السَّكَن في رواية: (وذكر دهرًا طويلًا)، وتقدَّم في (الجهاد) في (باب مَن تكلَّم بالفارسية) بابسطَ من هذا. * * * 18 - باب رَحْمَةِ الْوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنسٍ: أَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ. (باب رحمة الولدِ وتَقْبِيلِه) قوله: (وقال ثابت) موصولٌ في (الجنائز). * * * 5994 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ: كنْتُ شَاهِدًا لاِبْنِ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ

رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ قتلُوا ابْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "هُمَا رَيْحَانتَايَ مِنَ الدُّنْيَا". الحديث الأول: (دم البَعُوض) سبق في (مناقب الحسن والحسين عليهما السلام): (دم الذُّباب)، فيُحتمَل أنه سأله عنهما معًا. (رَيْحَانتاي) في بعضها: (ريحاني)، على تقدير: كانا ريحاني. * * * 5995 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثتهُ، قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأةٌ مَعَهَا ابْنتَانِ تَسْأَلْنِي، فَلَمْ تَجدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابنتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: "مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ". الثاني: (يَلِي) قال (ع) كذا وقع هنا، أي: بفتح الياء، من الولاية، وصوابه بضم الموحدة؛ لِمَا في مسلم: (مَن ابتُلِي)، ونقل (ك): أن في بعض الروايات: (ابتُلِي)، وإنما جُعل ابتلاءً لأن الناسَ يكرهوهنَّ في العادة.

5996 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثنا أَبُو قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى، فَإِذَا رَكعَ وَضَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا. الثالث: (ركع) سبق في (الصلاة) في (باب إذا حمل جارية): أنه إذا سجدَ وضعَها، ولا منافاةَ؛ لاحتمال أن الوضعَ كان عند الركوع والسجود جميعًا. * * * 5997 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ". الرابع: (مَن لا يَرحَمُ لا يُرحَمُ) الأكثرُ بالرفع خبرًا؛ قاله (ع): وقال أبو البقاء: الجيدُ أن (مَن) بمعنى الذي، فيرتفع الفعلان، وإن جُعلت شرطًا تَجزمُهما جازَ، وقال السُّهَيلي: حملُه على الخبر أشبهُ بسياق الكلام؛ لأنه ردٌّ لقول الرجل: إن لي عشرةً ... إلى آخره، أي: فالذي يفعل هذا لا يُرحَمُ، ولو جعلَها شرطًا لاَنقطعَ الكلامُ عما قبلَه

بعضَ انقطاع؛ لأن الشرطَ وجوابَه مُستأنَفٌ، ولأن النفيَ في الشرط أكثرُ ما ورد بـ (لم) لا بـ (لا)، نحو: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ} [الفتح: 13]، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} [الحجرات: 11]، وإن كان الآخرُ جائزًا، كقول زهير: ومَن لا يَظلِمِ الناسَ يُظلَمِ * * * 5998 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ، فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ". الخامس: (أَوَ أَملكُ) بهمزة الاستفهام التوبيخي، ومعناه النفيُ، أي: لا أَقدِرُ أن أَجمعَ الرحمةَ في قلبه، ولم يَضَعْها اللهُ فيه، وفي "مسلم": (وأَملكُ) بلا ألفِ استفهامٍ، والواوُ للعطف على مُقدَّرٍ بعدها، أي: أتقول: وأملك. (أَن نزَع) بفتح الهمزة، ومفعول (أملك): محذوف، أي: لا أَملكُ النزعَ، وإلا ما كنتُ أنزعُه، أو حرفُ الجرِّ مُقدَّرٌ، أي: لا أَملكُ لك شيئًا؛ لأَنْ نزعَ اللهُ الرحمةَ من قلبك، وفي بعضها بكسر (إن). * * *

19 - باب جعل الله الرحمة مائة جزء

5999 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَاَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ "، قُلْنَا: لَا، وَهْيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا". السادس: (سَبْي)؛ أي: أَسرَى من الغلمان والجواري، وسَبَيتُه: حملتُه من بلدٍ إلى بلدٍ. (تَحْلُب) بلفظ الماضي، أي: سالَ لَبَنُها، ففي الحديث بشارةٌ عظيمةٌ برحمةِ أرحمِ الراحمين. * * * 19 - باب جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَة مِائَةَ جُزْءٍ (باب جَعلَ اللهُ الرحمةَ فِي مئةِ جزءٍ) الكلامُ صحيحٌ بدون (في)، فإما أنها زائدةٌ كما في: وفِي الرَّحْمَنِ للضُّعَفَاءِ كَافِي

أو متعلقةٌ بمحذوف، وفيه مبالغةٌ؛ حيث جعلَها مظروفًا لها معنًى، وهو بحيث لا يفوت شيءٌ منها، وذَكرَ العددَ -وإن كانت رحمةُ الله غيرَ مُتناهيةٍ- على وجه التمثيلِ والتسهيلِ للفهم، وتكثيرِ ما عندَ الله من إيصال الخير. * * * 6000 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ". (في الأرض) كان القياسُ: إلى الأرض؛ لكن حروفَ الجرِّ يقوم بعضُها مقامَ بعضٍ، أو فيه تضمينُ فعلٍ، والغرضُ المبالغةُ، أي: أَنزلَها مُنتشرةً في جميع الأرض. (يَتَراحَم) بالراء. (حافرها) الحافر للفرس كالظِّلْف للشاة. * * *

20 - باب قتل الولد خشية أن يأكل معه

20 - باب قَتْلِ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ (باب قتل الولدِ خشيةَ أن يَأكلَ معه) 6001 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ"، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ"، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ"، وَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}. قوله في الحديث: (خشيةَ) مفهومُه: أنه لغير الخشية ليس كذلك، ولكنه موافقٌ مِن باب أَولَى، أو خارجٌ مخرجَ الغالب، فلا يُعمَل بمفهومه. (حَلِيلَة) ذَكرَ ذلك لأنه أفحشُ وأقبحُ؛ لأنه إساءةٌ إلى مَن يستحقُّ الإحسانَ، وإلا فالزِّنا مُطلَقًا كذلك، وسبق الجمعُ بين مثل هذا وبين "أكبرُ الكبائرِ قولُ الزُّور": أنه بحسب الأحوال، أو أن الأكبرَ مُطلَقًا الشِّركُ قطعًا، وبعدَه بحسب الحال، ويُحتمَل أن قولَ الزُّور أكبرُ المعاصي القولية، والقتلَ للجسمية أكبرُ القتول أو المعاصي الفعلية المتعلقة بالناس، والزِّنا بالحليلة أكبرُ أنواع الزِّنا، أو أكبرُ الفعلية المتعلقة بحق الله.

21 - باب وضع الصبي في الحجر

(تصديق قولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) وجهُه: أنه أَدخلَ القتلَ والزِّنا في سلك الإشراك، فعُلم أنهما أكبرُ الذنوب. * * * 21 - باب وَضْعِ الصَّبِيِّ فِي الْحِجْرِ (باب وضع الصَّبِيِّ في الحِجْر) بفتح الحاء وكسرها. 6002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَ صَبِيًّا فِي حِجْرِهِ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ. (صبيًّا) سبق في (الطهارة): أنه يُحتمل الحسينُ وابنُ الزُّبَير. (يُحنِّكُه)؛ أي: يَدلُكُ التمرَ الممضوغَ ونحوه في حَنكِه. * * * 22 - باب وَضْعِ الصَّبِيِّ عَلَى الْفَخِذِ (باب وضع الصَّبِيِّ على الفخذ) 6003 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ

23 - باب حسن العهد من الإيمان

ابْنُ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ يُحَدِّثُهُ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ - رضي الله عنهما -: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، ويُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا، فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا". 6003 / -م - وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: التَّيْمِيُّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ، قُلْتُ: حَدَّثْتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ، فَنَظَرْتُ فَوَجَدْتُهُ عِنْدِي مَكْتُوبًا فِيمَا سَمِعْتُ. (وقع في قلبي)؛ أي: قال أبو المُعْتمِر: لما حدثني أبو تميمةَ وقع في قلبي دغدغةٌ، فقلت في نفسي: حُدثت بهذا الحديث -أي: بضم الحاء- من أبي عثمان، وأنا لازمتُه وسمعتُ منه مسموعًا كثيرًا، فعجبًا أني ما سمعتُه منه، فنظرتُ في كتابي فوجدتُه مكتوبًا فيما سمعتُه منه، فزال الدغدغةُ، فسليمانُ يَروِي بالطريق الأول عن أبي عثمان بواسطة، وبهذه الطريقة بدونها. * * * 23 - باب حُسْنُ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ (باب حسنُ العهدِ مِن الإيمان) 6004 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ،

24 - باب فضل من يعول يتيما

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلاَثِ سِنِينَ، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا. (ما غِرْتُ) (ما) في الأولى نافية، وفي الثانية موصولة. (لِمَا) متعلق بـ (غرت) الثانية. (من قَصَب)؛ أي: قصب اللؤلؤ، وهو المُجوَّف منه، كما يقال في اصطلاح ذوي الجوهر: قصبٌ من اللؤلؤ كذا، ومن الجوهر كذا، ومن الدُّرِّ كذا للخيط منه، وقيل: كان البيتُ من القصب تفاؤلًا بقَصَبِ سَبْقِها إلى الإسلام. (خُلَّتها)؛ أي: في أهل خُلَّتها، يعني: أخلَّاءَها وأصحابَها. قال (خ): وَضعَ المصدرَ موضعَ الاسم، فيكون للواحد والجمع، وسبق في (المناقب) في (باب تزويج خديجة). * * * 24 - باب فَضْلِ مَنْ يَعُولُ يَتِيمًا (باب فضل مَن يَعُولُ يتيمًا) أي: يُنفقُ عليه ويقومُ بمصلحته.

25 - باب الساعي على الأرملة

6005 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا"، وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبابةِ وَالْوُسْطَى. (وكافل اليتيم)؛ أي: القائم بمصالحه. (بأُصبعَيه)؛ أي: أشار إليهما، أي: مُصاحبَين مُجتمعَين، والمرادُ بهذه المبالغةُ في درجة كافل اليتيم، وإلا فدرجاتُ الأنبياءِ -عليهم الصلاة والسلام- أعلى [مِن] درجات سائر الخلق، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أعلى من الكلِّ، لا ينالُ درجتَه أحدٌ، وسبق في (كتاب الطلاق) في (باب الإشارة). * * * 25 - باب السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ (باب الساعي على الأَرمَلَة) أي: مَن لا زوجَ لها. 6006 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ

26 - باب الساعي على المسكين

وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ". 6006 / -م - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى بْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. الحديث الأول: (يَرفعُه)؛ أي: لأنه تابعيٌّ؛ لكنَّ فيه جهالةَ الواسطة التي لم يَذكُرْه، إما نسيانًا أو لغرضٍ. قال (ك): ولا قدحَ بسببه. (الساعي)؛ أي: الكاسبُ عليها العاملُ في مصلحتها. (كالمجاهد) ثم قال: (وكالذي يَصومُ) يُحتمَل أن يكونَ لفًّا ونشرًا، أو أن يكونَ كلُّ واحدٍ ككلَيهما، وفي بعضها: (أو كالذي) بـ (أو) بدل الواو. * * * 26 - باب السَّاعِي عَلَى الْمِسْكِينِ (باب الساعي على المِسْكِين) 6007 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ

27 - باب رحمة الناس والبهائم

زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: يَشُكُّ الْقَعْنَبِيُّ كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لا يُفْطِرُ". (وأَحسِبُه) هو من مَقُول عبد الله بن مَسْلَمة القَعْنَبي، ولذلك عقَّبَه بقوله: (يَشكُّ) إلى آخره. (لا يَفتُر) لا ينكسرُ ولا يضعفُ من قيام الليل للتعبُّد والتهجُّد، و (لا يفتر): صفة للقائم، كما في قوله: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي * * * 27 - باب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ (باب رحمة الناسِ والبَهَائم) 6008 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي سُلَيمَانَ مَالِكِ بنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا، فَقَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ".

الحديث الأول: (شَبَبَة) جمع: شاب. (متقاربون)؛ أي: في السِّنِّ. (رفيقًا) من الرفق، بتقديم الفاء على القاف، منصوبٌ على الحالية، وفي بعضها: (وكان رقيقًا). (أهليكم) جمع: أهل، ويُجمَع (أهل) بالواو والنون شذوذًا، ويُجمَع أيضًا على: أهلات وأهالي. (فعَلِّمُوهم)؛ أي: الشريعةَ. (ومُرُوهم)؛ أي: بالمأمورات، أو عَلِّمُوهم الصلاةَ ومُرُوهم بها. (أكبرُكم)؛ أي: أفضلُكم، أي: أسنُّكم؛ لأنهم كانوا متقاربين في الفقه ونحوه، وسبق الحديث في (باب الأذان). * * * 6009 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ

لَهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا، فَقَالَ: "فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". الثاني: (يَلهَث) بالمثلثة، أي: يُخرج لسانَه من العطش. (الثَّرَى)؛ أي: التراب الندِيّ. (فشَكرَ اللهُ له)؛ أي: جزَاه فغفَرَ له. (في كلِّ ذي كبدٍ رطبةٍ أجرٌ)؛ أي: في إرواء كل حيوانٍ، فالرطبة كنايةٌ عن الحيوان، وقيل: الكبدُ إذا أُظمِئت ترطَّبَتْ؛ وكذا إذا أُلقيَتْ على النار، والكبدُ: مؤنثٌ سماعيٌّ، وسبق الحديثُ في (كتاب الشرب)؛ نعم، في (بدء الخلق): أن امرأةً عملَتْ ذلك، ولا منافاةَ لاحتمال وقوع الأمرَين. * * * 6010 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهْوَ فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ: "لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا"، يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ. الثالث: (حجَّرتَ) من: التحجير وهو المنع.

(واسعًا)؛ أي: خصَّيت ما هو عامٌّ، فرحمتُه وسعَتْ كلَّ شيءٍ، والقائلُ ذلك هو الأعرابِيُّ الذي بال في المسجد، وهو ذو الخُوَيْصرة. * * * 6011 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَريَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". الرابع: (تداعَى)؛ أي: دعا بعضُه بعضًا إلى المشاركة في الأَرَق. (والحُمَّى) وهي حرارةٌ غريبةٌ تشتعلُ في القلب، وتنبثُّ منه في جميع البدن، فيشتعل اشتعالًا يضرُّ بالأفعال الطبيعية. وفيه: تعظيمُ حقوقِ المسلمين، وتحضيضُهم على المُلاطَفَة والمُعاوَنَة والتعاطُف. * * * 6012 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً".

28 - باب الوصاة بالجار

الخامس: (دابة) ما يدبُّ على الأرض، فهو عطفُ عامٍّ على خاصٍّ. * * * 6013 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ". السادس: (مَن لا يَرحَم) بالجزم والرفع كما سبق. * * * 28 - باب الْوَصَاةِ بالْجَارِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إِلَى قَوْلهِ {مُخْتَالًا فَخُورًا}. (باب الوَصَاة بالجَار) هو اسمٌ من: أَوصَيتُ ووَصَّيتُ، والمرادُ الإحسانُ للجار. * * * 6014 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ

29 - باب إثم من لا يأمن جاره بوايقه

يَحْيَى بْنِ سَعيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ". 6015 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ". الحديث الأول، والثاني: (سيُورِّثُه)؛ أي: يَجعلُه قريبًا وارثًا. * * * 29 - باب إِثْمِ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايقَهُ يُوبِقْهُنَّ: يُهْلِكْهُنَّ، مَوْبِقًا: مَهْلِكًا. (باب إثم مَن لا يَأمَنُ جارُه بَوَائقَه) جمع: بائقة، وهي الغائلة، وأكثرُ ما يُوصَف بها الأمرُ الشديدُ. * * * 6016 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ،

30 - باب لا تحقرن جارة لجارتها

عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ"، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ". تَابَعَهُ شَبابةُ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى. 6016 / -م - وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (ومَن)؛ أي: مَن الذي لا يُؤمِنُ، والعطفُ أي: سمعْنَا قولَك وما عرفْنَا مَن هو، ونفيُ الإيمان هنا نفيُ كماله، لأنه عاصٍ، والعاصي ليس بكاملِ الإيمان. (تابعَه) الضمير لعاصم. (شَبابة) بالمعجمة وتخفيف الموحدة، وصلَه الإسماعيلي، وأخرجه إسحاق بن رَاهَوَيه في "مسنده" عنه. (وأسد) وصلَه الطبَراني في "مكارم الأخلاق" له. (وعثمان) وصلَه أحمد. * * * 30 - باب لَا تحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا (باب لا تَحقِرَنَّ جارةٌ لجارتها) 6017 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ،

31 - باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره

هُوَ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ". (عن أبيه) اسمه كَيسان، ولا ينافي ما سبق أن سعيدًا يَروِي عن أبي هريرةَ؛ لأنه يَروِي عن أبي هريرةَ بواسطةٍ وبدونها. (يا نساءَ المُسلِمات) بنصبِ (النساء) وجرِّ (المسلمات)، من إضافة الموصوف إلى صفته، أي: يا نساءَ الأنفسِ المُسلِماتِ، وقيل: يا فاضلاتِ المُسلِماتِ، كما يقال: رجالُ القوم، أي: ساداتُهم وأفاضلُهم، وبرفعهما، وبرفع (النساء) ونصب (المسلمات)، نحو: يا زيدُ العاقلَ. (لا تَحقِرَنَّ) النهي إما للمعصية، أي: لا تَمنع جارةٌ من الصدقة لجارتها لاستقلالها واحتقارها؛ بل تجود بما تيسَّر، وإن كان قليلًا، وإما للمُعطَاة المُتصدَّق عليها. (ولو فِرْسِن) بكسر الفاء والمهملة وسكون الراء: وهو من البعير بمنزلة الحافر من الدابة، وقد يُطلَق على الغَنَم استعارةً، وقيل: هو عظمُ الظِّلْف، والنونُ زائدةٌ فيه، وقيل: أصليةٌ، وسبق في (الهِبَة). * * * 31 - باب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ (باب مَن كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يُؤذِ جارَه) 6018 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي

حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". الحديث الأول: (مَن كان يُؤمِنُ) إلى آخره، أي: مَن كان كاملَ الإيمان. قلت: أو تهييج، والاقتصارُ على ذلك دونَ بقية الواجبات، لأنهما المَبدَأُ والمَعَادُ، أي: مَن يُؤمنُ بِمَن خلَقَه وهو يُجازيه يومَ القيامة بالخير والشر، أما كونُ هذا الأمرِ للوجوبِ أو للندبِ فمنُزَّلٌ على حالَينِ، فقد يكون فرضَ عينٍ أو كفايةٍ، وقد يكون مندوبًا، وأقلُّه أن يكونَ من مكارم الأخلاق، وأما الاقتصارُ في الحديث على هذه الثلاثة في جوامع الكلم لأن هذه هي الأصولُ؛ فالثالثُ إشارةٌ إلى القوليات، والأولان فعليان، أولهما: التخلية عن الرذيلة، والثانية: التحلية بالفضيلة، فلا بدَّ لِمَن يُؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يتصفَ بالشفقة على خلق الله؛ إما قولًا بالخير، أو سكوتًا عن الشر، أو فعلًا لِمَا ينفع، أو تركًا لما يَضرُّ. * * * 6019 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيَّ قَالَ: سَمِعَت أُذُنَايَ

وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتَهُ". قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثةَ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". الثاني: (أُذناي) ذَكَرَ ذلك مع أنه معلومٌ للتوكيد. (جائِزَته) هي العطاءُ، مشتق من الجواز، لأنه حَقَّ جوازُه عليهم، وقُدِّرَ بيومٍ وليلةٍ؛ لأن عادةَ المسافرين ذلك. قال الجَوهري: ويقال: إن أصلَ الجائزة أنَّ والِيَ فارسَ مرَّ به الأحنفُ في جيشه غازيًا إلى خراسان، فوقفَ لهم على القنطرة، فقال: أَجِيزُوهم، فجعل يَنسُبُ الرجلَ ويُعطي كلَّ واحدٍ بقَدْرِ حَسَبِه. قلت: الجائزةُ مُتكلَّمٌ بها من قبل ذلك، وقد تكلَّم بها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، فما معنى هذا الكلام؟ ونصبُه إما لأنه مفعولٌ ثانٍ لـ (يُكرِم)، لأنه بمعنى: يُعطي، أو هو كالظرف، أو بنزع الخافض. (يوم وليلة)؛ أي: كفايتُه في كل يومٍ وليلةٍ يستقبلُها بعدَ ضيافته، وقيل: جائزتُه يومٌ وليلةٌ حقُّه إذا اجتاز به، وثلاثةُ أيامٍ إذا قصدَه، ووجهُ وقوعه خبرًا عن الجثة، إما باعتبار أن له حكمَ الظرف، أو بتقدير (زمان) في المبتدأ، أي: زمانُ جائزتِه يومٌ وليلةٌ.

32 - باب حق الجوار في قرب الأبواب

(ثلاثة أيام)؛ أي: كضيافة المسافر. قال (خ): معناه يتكلَّف له يومًا وليلةً، فيزيدُه في البِرِّ، وفي اليومَين الآخرَين يُقدِّمُ له ما يَحضُرُه، فإذا مضى الثلاثُ فقد مضى حقُّه، فإن زادَ على ذلك فهو صدقةٌ. (أو لِيَصمُتْ) بضم الميم في الأشهر، وقد تُكسَر. * * * 32 - باب حَقِّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأَبْوَابِ (باب حق الجار فِي قُربِ الأبواب) 6020 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بابًا". (أقربهما) لعل السرَّ أنه يَنظرُ إلى ما يَدخلُ دارَه، وأنه أسرعُ لحوقًا به عندَ الحاجات في أوقات الغَفَلات. * * *

33 - باب كل معروف صدقة

33 - باب كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ (باب كلُّ معروفٍ صدقةٌ) 6021 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ". 6022 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ"، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجدْ؟ قَالَ: "فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ"، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ"، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ"، أَوْ قَالَ: "بِالْمَعْرُوفِ"، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ". الحديث الأول، والثاني: (فيعمل) برفع الأفعال الثلاثة. (المَلهُوف)؛ أي: المظلومُ يستغيثُ، أو المَحزُونُ المَكرُوبُ. * * *

34 - باب طيب الكلام

34 - باب طِيبِ الْكَلاَمِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ. (باب طِيْب الكلام) قوله: (وقال أبو هريرة) موصولٌ في (الصلح). * * * 6023 - حَدَّثَنَا أبُو الْوَلَيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّارَ، فتعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ، فتعَوَّذَ مِنْهَا، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلَا أَشُكُّ، ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". (وأشَاحَ) بمعجمة ثم مهملة. قال (خ): أشاحَ بوجهه: صرفَه عن الشيء، فعلَ الحَذِرِ منه الكارهِ له، كأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يَرَاهَا ويَحذرُ وهجَ سعيرها، فنحَّى وجهَه عنها. (أما مرتين) معادلها مُقدَّر، أي: وأما ثلاثُ مراتٍ فأشكُّ فيها. (بشِق) بالكسر، أي: بنصف. (تجد) إفراده بعد (اتقوا) بالجمع، قال علماءُ البيان: هو التفاتُ

35 - باب الرفق في الأمر كله

عكسٍ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1]، كذا قال (ك). * * * 35 - باب الرِّفْقِ فِي الأَمْرِ كلِّهِ (باب الرِّفْق فِي الأمرِ كلِّه) هو ضد العنف، فهو الأخذُ بالأسهل وما فيه لطفٌ. 6024 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ: عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ". الحديث الأول: (السَّام) قيل: الموت في لسانهم، وكان قَتادةُ يَروِيه: (السَّأْم) بالهمز والمد، من السآمة، أي: تسأمُون دِينكم. (أَوَ لَمْ) بهمزة الاستفهام وواو العطف المفتوحة.

(عليكم) في بعضها: (وعليكم)؛ لأن الموتَ فيه التشارُكُ، أي: كلُّنا نموتُ، أو الواو للاستئناف لا للعطف، تقديره: وأقولُ: عليكم ما تستحقُّونه، وإنما اختارَ هذه الصيغةَ لتَكونَ أبعدَ عن الإفحاش، وأقربَ إلى الرِّفق. * * * 6025 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجدِ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُزْرِمُوهُ"، ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ. الثاني: (فقاموا إليه)؛ أي: ليُؤذُوه ويَضربُوه. (تُزْرِمُوه) من الإزرام بالزاي ثم الراء، أي: لا تقطعوا عليه بولَه، وزَرِمَ البولُ: انقطع، وسبق ذلك في (الوضوء)، وأن الصحابِيَّ ذو الخُوَيْصِرة اليَمَاني، وفيه: الرِّفقُ بالأعرابي مع صيانة المسجد من زيادة النجاسة لو هُيج الأعرابي عن مكانه، وفيه: أن الماءَ يكفي في غسل بوله، ولا حاجةَ إلى حفر المكان ونقل التراب. * * *

36 - باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا

36 - باب تَعَاوُنِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا (باب تعاوُن المؤمنين بعضِهم بعضًا) (بعضهم) بالجر: بدل، و (بعضًا) بالنصب: بنزع الخافض، أي: للبعض. 6026 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَني جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. (بُرَيد) بالتصغير: اسم. (أبي بُرْدَة) الأصغر ابن عبد الله بن أبي بُردَة عامر، وقيل: الحارث بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، فحقق ذلك. (المؤمن) اللام فيه للجنس، أي: بعض المؤمنين يشدُّ بعضًا، وهو معنى: (يَشُدُّ بعضُه بعضًا) بيانًا لوجه الشبه. (ثم شبَّك) كالبيان له بالفعل، أي: شدًّا مثلَ هذا الشدِّ. * * * 6027 - وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ

37 - باب قول الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا}

حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نبِيِّهِ مَا شَاءَ". (فَلْتُؤجَرُوا) هي الفاء السببية التي يُنصَب الفعلُ المضارعُ بعدَها، واللام بالكسر بمعنى: كي، وجازَ اجتماعُهما لأنهما لأمرٍ واحدٍ، أو الجزائية لكونها جوابًا للأمر، أو زائدةٌ على مذهب الأخفش، أو عاطفةٌ على (اشفعوا)، واللام للأمر أو على مُقدَّر، أي: اشفعوا لِتُؤجَرُوا فَلْتُؤجَرُوا، نحو: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]، وفائدةُ اللام حينَئذٍ أنه إذا كان التقديرُ: إن تَشفَعُوا تُؤجَرُوا، والشرطُ مُتضمِّنٌ للسببية كان ذِكرُها تصريحًا بالسببية. وقال الطِّيبي: الفاء واللام مُقحَمان للتأكيد، لأنه لو قيل: اشفَعُوا تُؤجَرُوا صَحَّ، أي: إذا عرضَ المُحتاجُ حاجةً عليَّ فاشفَعُوا له إلَيَّ؛ فإن لكم الأجرَ، قبلتُ شفاعتَكم أم لا، ويُجري اللهُ على لساني ما يشاء من قضاء الحاجة، فالكلُّ بتقدير الله تعالى. * * * 37 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} كِفْلٌ: نَصِيبٌ، قَالَ أَبُو مُوسَى: كِفْلَيْنِ أَجْرَيْنِ بِالْحَبَشِيَّةِ.

38 - باب لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفحشا

(باب قول الله عز وجل: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85]) 6028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: "اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ". عُرِفَ معنى الحديث فيه مما سبق في الباب قبلَه. * * * 38 - باب لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشًا ولا متفحشًا (باب لم يكن النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا) أي: بالطبع. (ولا مُتفحِّشًا)؛ أي: بالتكلُّف، أي: لا فحشَ عندَه لا ذاتيًّا ولا عرضيًّا، والفحشُ هو القبحُ، وكلُّ سوءٍ جاوَزَ حدَّه فهو فاحشٌ، أي: لم يكن مُتكلِّمًا بالقبيح أصلًا. 6029 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوق

قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا". الحديث الأول: (من أخيركم)؛ أي: من خيركم، فاستُعمل فيه (أفعل) التفضيل على الأصل. (خُلقًا) بالضم: مَلَكةٌ تصدر بها الأفعالُ بسهولةٍ من غير تفكُّرٍ. * * * 6030 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ يَهُودَ أتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللهُ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ"، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: "أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ". الثاني: (يهود) غير منصرف. (والعُنْف) ضد اللُّطف.

(والفحش) التكلُّم بالقبيح. (فيُستَجَاب لي)؛ أي: لأنه بالحقِّ. (ولا يُستَجَاب لهم) لأنه بالباطل. قال (خ): السامُ: الموتُ، دَعَوا عليه به، قال: ولم يكن من عائشةَ - رضي الله عنها - إفحاشٌ، بل دعاءٌ عليهم بما هم أهلٌ له، وهم الذين بدؤوا فجازَتْهم على ذلك، والفحشُ: المجاوزةُ إلى حدِّ الإفراط. * * * 6031 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى هُوَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبابًا وَلاَ فَحَّاشًا وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لأَحَدِناَ عِنْدَ الْمَعْتِبةِ: "مَا لَهُ، تَرِبَ جَبِينُهُ". الثالث: (لم يكن) إلى آخره: يُحتمَل أن الفرقَ بين الثلاث أن السبَّ يتعلق بالنَّسَب كالقذف، والفحشَ بالحَسَب، واللَّعنَ يتعلق بالآخرة؛ فإنه البعدُ عن رحمة الله. (المَعْتِبَة) بالفتح والكسر والموحدة. قال الخليل: العِتَابُ: مخاطبةُ الإذلال.

(ما له) استفهام. (تَرِبَ جبينُه)؛ أي: أصابَه الترابُ، ويقال: تَرِبَتْ يداك، على الدعاء، أي: لا أَصبتَ خيرًا. قال (خ): هذا الدعاءُ يَحتملُ وجهَينِ: أن يَخرَّ لوجهه فيُصيبُ الترابُ جبينَه، وأن يكونَ دعاءً له بالطاعة ليُصلِّيَ فيتربَ جبينُه، وقيل: الجَبينانِ هما اللذانِ يكتنفانِ الجبهةَ، فمعناه: صُرِعَ لجبهته، فيكونُ سقوطُ رأسه على الأرض من ناحية الجبين. * * * 6032 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ"، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ! حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ! مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ". الرابع: (أن رجلًا) قيل: هو مَخرَمة بن نوفل بن أُهَيب أخي وهب، والد آمنة بنت وهب، وهو والدُ المِسْوَر بن مَخرَمة، كان من المُؤلَّفة، كذا

سَمَّاه عبد الغني بن سعيد في "مُبهمَاته"؛ وكذا هو في "أمالي الهاشمي" من طريق أبي زيد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاء مَخرَمةُ بنُ نوَفل، فذكر الحديث، وقيل: عُيَيْنَة -بالتصغير- بن حصن الفَزَاري، ولم يكن أَسلَمَ، وإن أَظهرَ الإسلامَ، فأراد النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُبيِّنَ حالَه ليَعرفَه الناسُ. (أخو العشيرة)؛ أي: القبيلة، أي: بئسَ هذا الرجلُ منها، كقولك: يا أخا العرب! لرجلٍ منهم، وهذا من أعلام النبوة؛ لأنه ارتدَّ بعدَه - صلى الله عليه وسلم - وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر - رضي الله عنه -. (تطلَّق)؛ أي: انشرحَ وانبسطَ له، يقال: رجلٌ طَلْقُ الوجه وطليقُه، ولا مخالفةَ بين هذا وقوله فيه ذلك؛ لأنه لم يَمدَحْه ولا أَثنَى عليه في وجهه، بل أَلاَنَ له القولَ تألُّفًا، ولامتثاله على الإسلام، وفيه: مداراةُ مَن يُتَّقَى فُحشُه، وجوازُ غيبةِ الفاسقِ المُعلِنِ بفسقه ومَن يُحتاج إلى التحرُّز منه. وقال (خ): الغيبة إنما هي مِن بعضِ الناس في بعضٍ، وليس منه قولُه - صلى الله عليه وسلم - في أمَّته من الأمور التي يضيفها إليهم بغيبةٍ، لأنه يجب عليه أن يُبيِّنَ ويُفصحَ بالشيء، ويُعَرِّفَه للناس، فإنه نصحٌ وشفقةٌ، ولكنه لِمَا جُبِلَ عليه من الكرم وحسن الخُلق أَظهَرَ له البشاشةَ، ولم يُجبْه لتَقتديَ به أُمَّتُه في اتِّقاء شرِّ مَن هذه سبيلُه في مداراته. * * *

39 - باب حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل

39 - باب حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاء، وَمَا يُكْرَه مِنَ الْبُخْلِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ أَبو ذَرٍّ لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي، فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: رَأَيتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ. (باب حُسن الخُلق) بالضم. و (السَّخاء): هو إعطاءُ ما ينبغي لِمَن ينبغي. (وقال ابن عباس) موصولٌ في (باب بدء الوحي) و (الصيام). (أجود) سبق الكلامُ على رفعه ونصبه. (وقال أبو ذَرٍّ) موصولٌ في (مناقب قريش). (لأخيه) اسمه أُنيَس. (الوادي)؛ أي: مكة. (يأمر بمكارم الأخلاق)؛ أي: الفضائل والمَحاسن. قال - صلى الله عليه وسلم -: "بُعثتُ لأُتَمِّمَ مَكَارمَ الأخلاق". * * * 6033 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ

الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهْوَ يَقُولُ: "لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا"، وَهْوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ: "لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا". أَوْ: "إِنَّهُ لَبَحْرٌ". الحديث الأول: (أحسن الناس) قال الحكماءُ: للإنسان ثلاثُ قوَى: الغضبية، والشهوية، والعقلية؛ فكمالُ الأولى: الشجاعةُ، والثانية: الجُودُ، والثالثة: الحكمةُ، فأَشارَ بـ (أحسن) إلى ذلك؛ إذ معناه: أحسنُ الناس في الأفعال والأقوال، أو لأن حسنَ الصورةِ تابعٌ لاعتدال المزاج، وهو مُستتبعٌ لصفاء النفس، الذي به جودةُ القريحة ونحوها، وهذه الثلاثُ هي أُمَّهاتُ الأخلاق. (فزعَ)؛ أي: خاف. (ذات ليلة) بإقحام (ذات). (قِبَل) بكسر القاف، أي: جهة. (لم تُرَاعوا) نفيٌ بمعنى النهي، أي: لا تَفزَعُوا. (عُرْيٍ) بضم المهملة وتسكين الراء، واسم الفرس: مندوب. (ما عليه سَرجٌ) تفسيرٌ له. (بحرًا)؛ أي: واسعَ الجَري كالبحر، وسبق الحديثُ في (الجهاد). * * * 6034 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ

قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: مَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ. الثاني: (ما سُئل)؛ أي: ما طُلب منه شيءٌ من أموال الدنيا. قال الفرزدق: مَا قَالَ: لا قَطُّ إِلَّا فِي تَشَهُّدِهِ ... لَولَا التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤُهُ نَعَمُ قال الشيخُ عزُّ الدِّين في "كتاب الشجرة": أي: لم يقل: (لا) منعًا للعطاء، بل يقول اعتذارًا من الفقد، لقوله تعالى: {قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92]، وفرقٌ بين (لا أُعطيكم) و (لا ما أُعطيكم)، وكذلك فرقٌ بين قوله: (لا أَحملُكم) و (لا أَجدُ ما أَحملُكم عليه). * * * 6035 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُلنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُنَا إِذْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا". الثالث: (خِيَاركم) في بعضها: (أخياركم). * * *

6036 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِبُرْدَةٍ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ شَمْلَةٌ، فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيِتُهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَكْسُوكَ هَذِهِ؟ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَحْسَنَ هَذِهِ! فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ: "نَعَمْ"، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاَمَهُ أَصْحَابُهُ، قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا. الرابع: (ببُردة) هي كِسَاءٌ أسودُ مُربَّعٌ تَلبَسُه الأعرابُ، والشَّمْلَةُ: الكِسَاء، وسبق شرحُ الحديثِ في (الجنائز) في (باب مَن استعدَّ الكَفَن). * * * 6037 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ"، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ، الْقَتْلُ".

40 - باب كيف يكون الرجل في أهله؟

الخامس: (يَتقَارب) قال (خ): يريد به دنوَّ مجيء الساعة، أي: إذا دَنَا كان من أشراطها نقصُ العملِ والشُّحُّ والهَرْجُ، أو قصرُ مدة الأزمنة عما جرَتْ به العادةُ فيها، وذلك من علامات الساعة إذا طلعَتِ الشمسُ من مغربها، أو قصرُ أزمنة الأعمار، أو تقاربُ أحوالِ الناسِ في غَلَبَة الفساد عليهم. قال (خ): ولفظُ العمل إن كان محفوظًا، ولم يكن منقولًا إليه فمعناه عملُ الطاعة لاشتغال الناس بالدنيا، وقد يكون معنى ذلك إظهارَ الخيانة في الأمانات، وقال البَيضَاوي: يُحتمَل أن المرادَ بتقارُب الزمان: تسارُعُ الدولِ إلى الانقضاء والقُرونِ إلى الانقراض. (ويُلْقَى) بالبناء للمفعول، أي: يُطرَح بين الناس، فيَرى ذلك إليهم، أي: يكثروا في الطِّباع والقلوب. (الشُّحُّ): البخل مع الحرص. * * * 40 - باب كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ؟ (باب كيف يكون الرجلُ فِي أهلِه) 6039 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ

41 - باب المقة من الله تعالى

إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ. (مِهْنَة) بكسر الميم وسكون الهاء وبنون: الخدمة. * * * 41 - باب الْمِقَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى (باب المِقَة) بكسر الميم وخفة القاف كـ: عِدَة، وهي المَحبَّة. (من الله)؛ أي: الثابتة من الله بأن يكونَ هو مُحِبًّا، أي: مريدًا للخير. 6040 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا ناَدَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ". (القَبُول)؛ أي: قَبُول قلوب العباد ومحبتهم له، وميلهم إليه

42 - باب الحب في الله

ورضاهم عنه، ففيه: أن محبةَ الناس علامةُ مَحبة الله عز وجل، وما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسنٌ؛ فمحبةُ اللهِ إرادةُ الخير، ومحبةُ الملائكه استغفارُهم له وإرادتُهم خيرَ الدارَينِ له، أو ميلُ قلوبهم إليه؛ لأنه مطيعٌ لله محبوبٌ له. * * * 42 - باب الْحُبِّ فِي اللهِ (باب الحُبُّ فِي اللهِ) أي: في ذاتِ الله، لا يَشُوبُه الرِّياءُ والهَوى. 6041 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَجدُ أَحَدًا حَلاَوَةَ الإيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ، لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ، وَحَتَّى يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا". (حلاوة) شبَّه الإيمانَ بالعسل لِميلِ الطبع إليه، وذَكرَ في المُسنَد إليه ما هو من خواصِّ العسل، فهو استعارةٌ بالكناية. (إليه) فَصَلَ به بين (أحبُّ) و (من)؛ لأن في الظَّرفِ توسعةً، ومحبةُ الله إرادةُ طاعتِه، ومحبةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم - إرادةُ متابعتِه، والمحبةُ وإن

43 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم} إلى قوله: {فأولئك هم الظالمون}

كانت أمرًا طبيعيًّا لا تَدخلُ تحتَ الاختيار؛ لكن المرادَ الحُبُّ العقليُّ، الذي هو إيثارُ ما يقتضي العقلُ رجحانَه ويستدعي اختيارَه وإن كان على خلاف الهوى، كالمريض يَعَافُ الدواءَ ويَميلُ إليه اختيارُه. (مما سواهما) سبق الجمعُ بين هذا وبين حديث: (بِئسَ الخطيبُ أنتَ) في (كتاب الإيمان)، وأن المُعتبَرَ هو المُركَّبُ من المَحبَّتَينِ، لا كلُّ واحدةٍ منهما فإنها وحدَها ضائعةٌ بخلاف المعصية، قال: كلُّ واحدٍ من العصيانيَنِ مُستقلٌّ باستلزام الغواية. * * * 43 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} إِلَى قوِلِهِ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} باب قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11]) 6042 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ، وَقَالَ: "بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا؟ "، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَوُهَيْبٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ: "جَلْدَ الْعَبْدِ".

الحديث الأول: (مما يخرج)؛ أي: من الضُّراط، الذي يكون بغير اختيار، لأنه مُشترَكٌ بين الكلِّ. (وقال: بِمَ يَضربُ أحدُكم امرأتَه) الجمعُ بينه وبين قوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] أن المَنهيَّ الضربُ المُبَرِّحُ، ولذا قال: كالعبد أو الفحل، والجائزُ ما لم يكن كذلك، وسبق الحديثُ أواخرَ (النكاح). (وقال الثَّورِي) موصولٌ في (النكاح). (وَوُهَيْب) في (التفسير). (وأبو معاوية) سبق هناك بيانُ وصلِه. * * * 6043 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى: "أتدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "بَلَدُ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "شَهْرٌ حَرَامٌ"، قَالَ: "فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا".

44 - باب ما ينهى من السباب واللعن

الثاني: سبق شرحُه في (كتاب العلم)، وحكمةُ تقديم السؤال تقريرُ ذلك، لِمَا تقرَّر في نفوسهم من المُشبَّه به. * * * 44 - باب مَا يُنْهَى منَ السِّباب وَاللَّعْنِ (باب ما يُنهَى من السِّباب) يُحتمَل أنه مُفاعَلَة، وأن المرادَ السَّبُّ، أي: الشتمُ، وهو التكلُّم بما يَعيبُ الإنسانَ. (واللَّعن): التبعيد من رحمة الله. 6044 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سِبابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كفْرٌ". تَابَعَهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. الحديث الأول: (فُسوق)؛ أي: خروجٌ عن طاعة الله. (وقتاله)؛ أي: مقاتلته حقيقةً أو مخاصمةً.

(كفر)؛ أي: كفران حقوق المسلمين، أو محمولٌ على المُستَحِلِّ، سبق في (الإيمان). (تابعَه غُنْدَر) اسمه محمد بن جعفر، أخرجه أحمد في "مسنده". * * * 6045 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ". الثاني: (لا يرمي)؛ أي: لا يَنسبُه إلى الفسق أو الكفر. (إلا ارتدَّت)؛ أي: تلك الرَّمية، بأن يصيرَ هو فاسقًا بذلك أو كافرًا. * * * 6046 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشًا وَلاَ لَعَّانًا وَلاَ سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَعْتبةِ: "مَا لَهُ، تَرِبَ جَبِينُهُ".

الثالث: سبق شرحُه قريبًا. * * * 6047 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلاَمِ فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَمَنْ قتلَ نفسَهُ بِشَيءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهْوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كقَتْلِهِ". الرابع: (غير الإسلام)؛ أي: كأن حَلَفَ باللَّاتِ والعُزَّى، كما هو طريقةُ الكُفَّار. (كما قال)؛ أي: كافر، لأنه مُعظِّمٌ لذلك، ويُحتمَل أن يُرادَ به التهديدُ، وسبق في (الجنائز). (فيما لا يملك)؛ أي: كأن قال: إن شفَى اللهُ مريضي فللَّه عليَّ أن أُعتقَ عبدَ فلانٍ. (عُذِّبَ به)؛ أي: بمثله، فيُجازَى بجنس عمله. (كقتله)؛ أي: في الإثم، وقيل: لأن القاتلَ يقطعُ المقتولَ عن

منافع الدنيا، واللاعنَ يَقطعُه عن منافع الآخرة من رحمة الله تعالى. * * * 6048 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انتفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَها لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجدُ"، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ: أَتُرَى بِي بَأْسُ؟ أَمَجْنُونٌ أَنَا؟ اذْهَبْ. الخامس: (كلمة)؛ أي: الاستعاذة. (الذي تجد)؛ أي: الغضب. (بأس)؛ أي: شدةٌ من مرضٍ ونحوه. (أمجنون) خبرٌ مُقدَّمٌ على المبتدأ. (اذهب) أمر، أي: انطلِقْ لشغلك. قال (ن): هذا كلامُ مَن لم يَفقَه في دِينِ الله، ولم يُؤمِنْ أن الغضبَ من نزغات الشيطان، وتوهَّم أن الاستعاذةَ مختصةٌ بالمجانين، وكأنه كان من جُفَاةِ العربِ، سبق في (كتاب بدء الخلق)

في (باب إبليس). * * * 6049 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فتلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُم، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، وَإنَّهَا رُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ". السادس: (فتَلاَحَى رجلان) هما عبد الله بنُ أبي حَدْرَد، وكَعْبُ بنُ مَالك. (فرُفِعَتْ)؛ أي: من قلبي، فنسيتُها. (التاسعة)؛ أي: التاسعة والعشرون من رمضانَ، كما سبق في الأحاديث الأخرى في (كتاب الإيمان) في (باب خوف المؤمن). * * * 6050 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا، وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ: لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً، وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ، فَقَالَ:

كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِي: "أَسَابَبْتَ فُلاَنًا؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، قُلْتُ: عَلَى حِينِ سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ؟ قَالَ: "نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ". السابع: (هو ابن سويد) أراد بذلك تعريفَه، وإن لم يكن شيخُه تلفَّظ به. (عليه)؛ أي: على أبي ذَرٍّ. (حُلَّة) ولا تكون إلا ثَوبانِ. (وبين رجل) هو بلالُ بنُ رَبَاح المُؤذِّن، وأُمُّه حَمَامةُ، نُوبِيَّةٌ. (جاهلية)؛ أي: أخلاقهم، والجاهليةُ ما قبلَ زمان الإسلام، والتنوينُ فيه للتقليل والتحقير، أو المرادُ بالجاهلية: الجهلُ. (هم)؛ أي: المماليك أو الخَدَم، وإن لم يَسبِقْ لهم ذكرٌ؛ لكن قرينتَه: (تحتَ أيديكم)، لأنه مجازٌ عن الملك، وسبق الحديثُ في (الإيمان) في (باب المعاصي). (ما يغلبُه)؛ أي: تصير قدرتُه فيه مغلوبةً، أي: يعجزُ عنه فلا

45 - باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير

يُكلَّفُه ما لا يُطيقُ. * * * 45 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِمُ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ "، وَمَا لاَ يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ. (باب ما يجوزُ مِن ذِكرِ الناسِ) قوله: (وقال ذو اليدَين) هو الخِرْبَاق بكسر المعجمة وسكون الراء وبموحدة وقاف: لُقِّبَ بذي اليدَينِ لطولِ يدَيه، والغرضُ أن مثلَه يجوز للتعريف ونحوه، لا للتنقيص، وهو موصولٌ في (الصلاة). (شَيْن) هو العيب. * * * 6051 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا:

46 - باب الغيبة

قَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوهُ ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: "لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ"، قَالُوا: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ"، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. (خشبة) قيل: الجذع الذي كان يَخطُبُ إليه. (سَرَعان) بفتحتين، وقيل: بسكون الراء، وهذه الأفعالُ والأقوالُ لم تَقطَعِ الصلاةَ؛ إما لأنه قبلَ تحريمها في الصلاة، أو لأنها قليلٌ، وذلك في حكم السَّهو والنسيان، وأما ذو اليدَينِ فتوهَّمَ أنه خارجٌ عن الصلاة لإمكان وقوع النَّسخ؛ وكذا الشيخان، مع أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كلَّمَهما، وقد قال تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24]، وقد سبق الحديثُ بشرحه في (باب التوجُّه نحو القِبْلَة)، وفي (باب تشبيك الأصابع في المسجد)، وقُبيلَ (كتاب الجنائز). * * * 46 - باب الْغِيبَةِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.

(باب الغِيبَة) بكسر المعجمة وسكون الياء وبالموحدة: هي أن يتكلَّمَ الإنسانُ خلفَ الإنسان بما يَكرَهُ ولو صدقًا، فإن كان كذبًا فهو بُهتانٌ، وفي حكمِه الكتابةُ والإشارةُ ونحوهما. * * * 6052 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"، ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ، فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا، مَا لَمْ يَيْبَسَا". (يحيى) إما ابنُ موسى الحُدَّاني، وإما ابنُ جعفر البَلْخِي. (لا يَستَتِر)؛ أي: لا يختفي عنْ أَعيُن الناس عندَ قضاء الحاجة. (بالنَّمِيمَة) هي نقلُ الكلامِ على سبيل الإفساد. (بعَسيب) بفتح المهملة الأولى: سَعَفٌ لم يَنبُتْ عليه الخُوصُ، وقيل: قضيب النخل. (ما لم يَيبَسَا)؛ أي: لأنه سألَ الشفاعةَ، فأُجيب بالتخفيف عنهما ما لم يَيبَسَا أو غير ذلك، وسبق إيضاحُه في (كتاب الوضوء) في

47 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير دور الأنصار"

(باب: مِن الكبائر أن لا يَستَترَ)، ووجهُ دلالةِ الحديثِ على الغِيبة: أن النميمةَ نوعٌ منها؛ لأن المَنقولَ عنه لو سمعَه لَغمَّه؛ نعم، وردَ بلفظ الغيبة في "ابن ماجه"، لكنه لمَّا لم يكن على شرط البخاري لم يَذكُرْه. * * * 47 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ دُورِ الأَنصَارِ" (باب قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: خيرُ دُورِ الأنصارِ) أي: بنو النَّجَّار، كما هو لفظ الحديث، وهو بفتح النون وتشديد الجيم، والمرادُ أنهم خيرُ الأنصار. 6053 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ". * * * 48 - باب مَا يَجوزُ مِنِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالرِّيَبِ (باب ما يجوزُ مِن اغتيابِ أهلِ الفَساد والرِّيَب) قد يُنازَع في تسمية هذا غِيبةً؛ بل هو نصيحةٌ، والرِّيَبُ جمع:

49 - باب النميمة من الكبائر

رِيبَة، وهي الشكُّ والتهمةُ. * * * 6054 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرَتهُ قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ أَوِ ابْنُ الْعَشِيرَةِ"، فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الْكَلاَمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلاَمَ، قَالَ: "أَيْ عَائِشَةُ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ". (استأذن رجل) سبق بيانُ اسمه وباقي شرح الحديث قريبًا. * * * 49 - باب النَّمِيمَة مِنَ الْكْبَائِرِ (باب النَّمِيمَةُ من الكبائر) 6055 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانينِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ: "يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرَةٍ، وَإنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا

50 - باب ما يكره من النميمة

لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرتَيْنِ أَوْ ثِنْتيْنِ، فَجَعَلَ كِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، وَكِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، فَقَالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا". (مجاهد عن ابن عباس) رواه عنه بلا واسطةِ، وفي الحديث السابق قريبًا رواه عن طاوس عنه، فهو يروي عنه بواسطةٍ وبدونها. (وإنه لَكبير) لا ينافي قولَه أولًا: (ليس بكبيرٍ)؛ لأن ذاك باعتبار اعتقادهم، أو المرادُ: لا مَشقةَ عليكم فيه، وفي تعريف الكبيرة أقوالٌ، قيل: ما يُوجبُ الحَدَّ، فيُشكِلُ على هذا الحديث؛ إلا أن يُقالَ: أُريدَ الكبيرةَ لغةً، وقيل: ما تُوعِّدَ عليه بخصوصه، وقيل غيرُ ذلك، فالنَّميمةُ من العظائم، لا سيما مع الاستمرار المُشار إليه بـ: (كان يمشي). (بجريدة) هي السَّعفةُ المُجرَّدةُ من الوَرَق، وسبق الحديثُ في (كتاب الوضوء). * * * 50 - باب مَا يُكْرَه مِنَ النَّمِيمَةِ وَقَوْلهِ: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}، {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}، يَهْمِزُ

وَيَلْمِزُ: يَعِيبُ. (باب ما يُكرَهُ من النَّمِيمَة) قوله: (يَهمِز) إلى آخره. قال في "الكشَّاف": إن الهَمزَ الكسرُ، واللَّمزَ الطعنُ، فالمرادُ: كسرُ أعراضِ الناس، والغضُّ منهم والطعنُ فيهم. * * * 6056 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ حُذيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قتَّاتٌ". (يَرفعُ الحديثَ)؛ أي: حديثَ الناسِ وكلامَهم. (قتَّات) بقاف ومثناة مكررة: هو النمَّام، وقيل: مَن يَستمعُ مِن غيرِ أن يُشعَرَ به، ثم يَنمُّ، والنمَّام: الذي يكون مع القوم يشعرون به، فيَنمُّ عليهم، ومعنى كونِه لا يَدخلُ الجنةَ، أي: مع السابقين، أو محمولٌ على المُستَحِلِّ. * * *

51 - باب قول الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور}

51 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (باب قول الله عز وجل: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30]) 6057 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"، قَالَ أَحْمَدُ: أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ. (لم يَدَع)؛ أي: يَترُك. (الزُّور): الكذب. (به)؛ أي: مقتضاه. (والجهل)؛ أي: فعل الجهال أو السفاهة على الناس، كما قال: أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَينَا ... فَنَجهَلَ فَوقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا وقال البَيضَاوي: القصدُ بالصوم ليس نفسَ الجوع والعطش، بل ما يتبعُه من كسرِ الشهواتِ، وإطفاءِ ثائرة الغضب، وتطويعِ النفس الأمَّارة للمُطمئنَّة، فإذا لم يَحصلْ شيءٌ من ذلك فلا يبالي اللهُ تعالى بصومِه ولا يَقبَلُه منه، وهو معنى (فليس لله حاجةٌ)، أي: لا يَقبَلُه، وسبق في (الصوم).

52 - باب ما قيل في ذي الوجهين

(أَفهَمَني)؛ أي: ذكَّرَني بعدَ أن نسيتُه، أو أراد أن رجلًا عظيمًا -يدلُّ عليه تنوينُه- أَفهمَني هذا الحديثَ، وهو إما شيخُه ابنُ أبي ذِئب، فيكون تعظيمًا له، وإما غيرُه. * * * 52 - باب مَا قِيلَ فِي ذِي الوَجْهَيْنِ (باب ما قِيلَ في ذي الوَجهَينِ) 6058 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ". (شرّ) في بعضها: (أشرّ)، وهي فصيحةٌ أيضًا، ووجهُ كونِه أشرَّ أنه يُشبه النفاقَ. (هؤلاء)؛ أي: يأتي لكل طائفةٍ يُظهرُ عندَهم أنه منهم ومُخالفٌ للآخرين مُبغِضٌ لهم، إذ لو أتَى كلَّ طائفةٍ بالإصلاح كان محمودًا. * * *

53 - باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه

53 - باب مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بمَا يُقَالُ فِيهِ (باب مَن أَخبَرَ صاحبَه بما يُقالُ فيه) 6059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا وَجْهَ اللهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فتمَعَّرَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: "رَحِمَ اللهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". (قَسَم)؛ أي: في حُنَين. (رجل) سبق في (الجهاد) في (باب ما كان يُعطي المُؤلَّفَة): أنه مُعتِّبُ بنُ قُشَير، وشرحُ الحديث. (فتمعَّر) بمهملة: تغيَّر، وقصدَ البخاريُّ بإيراد هذا الحديث أنه خارجٌ من النميمة؛ لأنه يصحُّ فيه. * * * 54 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَادُحِ (باب ما يُكرَهُ من التَّمَادُح) 6060 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ،

حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ، فَقَالَ: "أَهْلَكْتُمْ، أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ". الحديث الأول: (ويُطرِيه) هو مجاوزةُ الحدِّ في المدح. (قطعتُم) هو مجازٌ عن الإهلاك، أي: أَوقعتُمُوه في الإعجاب بنفسه المُوجِب لهلاك دِينه. * * * 6061 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ويحَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، -يَقُولُهُ مِرَارًا- إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَحَسِيبُهُ اللهُ، وَلاَ يُزكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا"، قَالَ وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ: "وَيْلَكَ". الثاني: (قطعتَ عُنقَ صاحبِك) استعارةٌ أيضًا للإهلاك؛ لكنَّ هذا إهلاكٌ في الدِّين، وقد يكون في الدنيا، وقطعُ الرقبة إهلاكٌ في البَدَن. (لا محالة) بفتح الميم: الأبد.

55 - باب من أثنى على أخيه بما يعلم

(وحسيبُه اللهُ)؛ أي: يُحاسبُه على علمه الذي يُحيط بحقيقة حاله، والجملةُ اعتراضيةٌ، وقال الطِّيبي: هو مِن تتمةِ القول، والجملةُ الشرطيةُ حالٌ من فاعل (فليقل)، و (على الله) فيه معنى الوجوب والقطع، والمعنى: فَلْيَقلْ: أَحسِبُ فلانًا كَيتَ وكَيتَ إن كان بحسب ذلك، واللهُ يَعلمُ سرَّه فيما فعل، فهو مُجازًى به، ولا يقول: أتيقَّن. (ولا يزكِّي)؛ أي: لا يقطع على عاقبة أحدٍ، ولا على ما في ضميره؛ فإن ذلك مُغيَّبٌ عنه. (وقال وُهَيب) قد وصلَه من بعدُ. * * * 55 - باب مَنْ أَثْنَى عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَعْلَمُ (باب مَن أَثنَى على أخيه بِمَا يَعلَمُ) وَقَالَ سَعْدٌ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِلَّا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ. الحديث الأول: (وقال سعد)؛ أي: ابن أبي وقاص، موصولٌ في (مناقب ابن سلام).

(من أهل الجنة) فيه: أن المَشهُودَ لهم بالجنة لا يَنحصرُون في العشرة؛ إما لأن العددَ لا ينفي الزائدَ، أو أن العشرةَ بُشِّرُوا دفعةً، وإلا فالحَسَنُ والحُسينُ باتفاقٍ، وكذا أزواجُه - صلى الله عليه وسلم - أُمَّهاتُ المؤمنين من أهل الجنة، وأما حصرُ سعدٍ فإما لأنه لم يَسمَعْ في غيره، أو يُقيَّد كونه حالَ المشي على الأرض. * * * 6062 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ ذَكَرَ فِي الإزَارِ مَا ذَكَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ إِزَارِي يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيْهِ، قَالَ: "إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ". الثاني: (لست منهم)؛ أي: لأنك لا تَجرُّه خُيَلاء ولا تكبُّرًا، وسبق أولَ (كتاب اللباس)، وأن الجمعَ بين مدح أبي بكر وابن سلام وغيرهما وبين نهَيه عن المدح: أن مَحلَّ النهي المُجازَفةُ والزيادةُ، أو عندَ خوفِ العُجبِ، أما عندَ عدمِ ذلك فلا. * * *

56 - باب قول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}، وقوله {إنما بغيكم على أنفسكم} {ثم بغي عليه لينصرنه الله} وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر

56 - باب قَوْلِ الله تَعالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، وَقَولِهِ {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} وَتَرْكِ إثارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أوْ كَافِرٍ (باب قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]) قوله: (ثم بُغِيَ عليه)؛ أي: ظُلِمَ، وفي بعض النُّسَخ: (ومَن بُغِيَ عليه)، وهو خلافُ التلاوة. 6063 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَكَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَذَا وَكَذَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلاَ يَأْتِي، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِي أَمْرٍ اسْتَفْتَيتُهُ فِيهِ، أتانِي رَجُلاَنِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيَّ وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِي، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ؛ يَعْنِي مَسْحُورًا، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ"، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا كَأَنَّ رُؤُسَ نَخْلِهَا رُؤُسُ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ"، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأْخرِجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ:

يَا رَسُولَ اللهِ! فَهَلَّا تَعْنِي تَنَشَّرْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَمَّا أَنَا فَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا"، قَالَتْ: وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ. (كذا وكذا) ورد في "النَّسَائي": (شهرين). (يأتي أهلَه)؛ أي: يُباشِرُها. (ولا يأتي)؛ أي: والحالُ أنه لم يكن ذلك. (ذات يوم) بإقحام (ذات)، أو مِن إضافةِ المُسمَّى إلى اسمه. (أمر)؛ أي: التخييل. (رجلان)؛ أي: مَلَكَان على صورتهما. (عند رِجلي) بالإفراد والتثنية. (طَبَّه)؛ أي: سَحَرَه. (جُفّ) بضم الجيم وشدة الفاء: وعاءُ طلعِ النخل. (ومُشَاقة) بضم الميم: ما يُغزَل. (رَاعُوفة) بمهملة وواو وفاء: حَجَرٌ أسفلَ البئر. (ذَرْوَان) بفتح المعجمة وسكون الراء. (رؤوس الشياطين) مَثَلٌ في الاستقباح. (نُقَاعَة) بضم النون وخفة القاف وشدتها: ما يُنقَع فيه الحِنَّاء. (فأُخرِج)؛ أي: من تحت الرَاعُوفة، لكنه لم يَنشُرْه ولم يُفرِّقْ

57 - باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر وقوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}.

أجزاءَه، ولم يُطلِعْ عليه الناسَ، ومرَّ الحديثُ آخرَ (كتاب الطِّب). * * 57 - باب مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}. (باب ما يُنهَى عن التَّحَاسُد) 6064 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا". الحديث الأول: (الظَّن أكذبُ الحديثِ)؛ أي: أكثرُ كذبًا من الكلام، والكذب وإن كان من صفات الأقوال إلا أن المرادَ هنا: عدمُ مطابقةِ الواقع، سواءٌ لا كان قولًا أم لا، وقد سبق الحديثُ في (النكاح) في (باب لا يَخطُب على خِطبة أخيه). قال (خ): وهذا في غير أوائل الظنون؛ فإن تلك خواطرُ لا يملك دفعَها، وإنما التكلف بما يَقدِرُ، فالمرادُ: تحقُّق الظنِّ بما يُجعَل كالعلم.

(تحسَّسوا ولا تجسَّسوا) الأولى بالحاء، والثانية بالجيم، قال الحَربي: هما بمعنًى واحدٍ، وهو البحثُ عن بواطن الأمور، وقيل: بالجيم: تَطَلُّب الأخبار من غيره بالسؤال والبحث عن عورات الناس، وبالحاء: إذا تولَّى ذلك بنفسه، وقال في "الفائق": بالجيم: تَعَرُّفُ الخبر بلُطفٍ، ومنه: الجاسوس، وجسَّ الطبيبُ اليدَ، وبالحاء: تطلُّب الشيءِ بحاسةٍ، كالتسمُّع على القوم. (تدابَرُوا)؛ أي: تَهَاجَرُوا، بأن يُوليَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه دُبرَه. (عبادَ) بالنصب خبر (كان)، وما بعدَه حالٌ أو منادًى، و (إخوانًا) خبر (كان)، والمؤمنون وإن كانوا إخوةً لكن المأمورَ به لازمُ الأخوَّة، وهو التعاطُفُ، أو كُونُوا كالإخوة الحقيقية. * * * 6065 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أيامٍ". الثاني: (أن يَهجُرَ) محلُّه إذا لم يكن لأمرٍ دينيٍّ، فقد أَمرَ - صلى الله عليه وسلم - بهجران كعبٍ ورفيقَيه لمَّا تخلَّفُوا عن غزوة تَبُوك، فهُجِرُوا خمسين يومًا حتى نزلَتْ

58 - باب {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا}

توبتُهم، وآلَى - صلى الله عليه وسلم - من نسائه شهرًا، وصَعِدَ مَشرُبتَه حتى انقضى الشهرُ. * * * 58 - باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} (باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12]) 6066 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا". (ولا تناجَشُوا) مِنَ النَّجش بالنون والجيم والمعجمة: وهو أن يَزيدَ في ثمن المَبيع بلا رغبةٍ؛ ليَخدَعَ غيرَه، فيزيد. * * * 59 - باب مَا يكون مِنَ الظَّنِّ (باب ما يكون من الظَّنِّ) 6067 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ

60 - باب ستر المؤمن على نفسه

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَظُنُّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِيننَا شَيئًا"، قَالَ اللَّيثُ: كَانَا رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. 6068 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بِهَذَا، وَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا وَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! مَا أَظُنُّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا يَعْرِفَانِ دِينَنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ". في بعضها: (ما يُكرَه)، وفي بعضها: (ما يجوز)، واستُشكل بأن الحديثَ صيغتُه نفيُ الظنِّ، وأُجيب: بأن المَنفيَّ فيه وفي مثلِه موضوعٌ لظنِّ النفي عُرفًا، ففي: ما أظنُّ زيدًا في الدار، أظنُّه ليس في الدار، وإنما عُدِلَ عن الأصل تحقيقًا للنَّصَفة، وأن صاحبَه بريءٌ من المُجازَفَة، حَرِيٌّ بالمُناصَفَة. * * * 60 - باب سَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ (باب سترُ المؤمنِ على نفسِه) 6069 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّ أُمَّتِي

مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ! عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ويُصْبحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ". الحديث الأول: (إلا المُجاهِرون) في بعضها: (المجاهرين) بالنصب؛ وهو ظاهرٌ، ووجهُ الرفع أن العفوَ مُتضمِّنٌ معنى الترك، فكان الاستثناءُ من مَنفيٍّ، أو أن (إلا) بمعنى لكن، وما بعدَها مبتدأ حُذِفَ خبرُه، التقدير: لا يعافون، وإن كان الأصلُ أن يُذكَر، كما في الحديث: (فأَحرَمُوا كلُّهم إلا أبو قتادةَ لم يُحرِم). قال ابن مالك: وبمثله تأوَّلُوا قراءةَ بعضِهم: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إلا قَلِيلًا} [البقرة: 249]، أي: إلا قليلٌ منهم لم يشربوا، والمُجاهِر: هو الذي جاهَرَ بمعصيته وأظهرَها، أي: فكلُّ واحدِ من أُمَّتي يُعفَى عن ذنبه، ولا يُؤاخَذ به إلا الفاسقُ المُعلِنُ. (المَجَانَة) بالجيم وتخفيف النون: عدم المبالاة بقولٍ أو بفعلٍ. (عملًا)؛ أي: معصية. (علمتُ) بتاء المتكلم. (ويُصبح) قال (ك): يدخل في الصباح، وفيه نظرٌ؛ فإنها ناقصةٌ لا تامةٌ. * * *

6070 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: كَيفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: "يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَتقُولُ: نَعَمْ. وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ". الثاني: (النَّجْوَى) المُسارَرَة، أي: التي تقعُ بين الله تعالى وعبده المؤمن يومَ القيامة. (يدنُو)؛ أي: يُقرِّب منزلتَه ورتبتَه. (كنفه)؛ أي: ستره، حتى تحيطَ به عنايتُه التامةُ. (فيقول: عملتَ) بالخطاب. (مرتَين) متعلق بالقول لا بالعمل. (فيُقرِّره)؛ أي: يجعله مُقِرًّا، والحديثُ من المتشابه، ففيه الطريقان: التفويض، والتأويل، وفيه سعةُ رحمة الله تعالى، حيث يُذكِّرُه بالمعاصي سرًّا، ثم يَغفرُ له، وسبق الحديثُ في أول (كتاب المظالم)، ووجهُ دخولِ الحديثِ، وهو سترُ الله في الترجمة بالستر على نفسه: أن سترَ الله مُستلزِمٌ لسترِه، وقيل: لأن أفعالَ العباد مخلوقةٌ لله، أي: فسترُ العبدِ نفسَه هو سترُ اللهِ عليه. * * *

61 - باب الكبر

61 - باب الْكبْرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} مُسْتكْبِرٌ فِي نَفْسِهِ، عِطْفُهُ: رَقَبَتُهُ. (باب الكِبْر) قوله: (ثاني عِطْفِه) بكسر العين، أي: رقبته. قال في "الكشَّاف": هو عبارةٌ عن الكِبْر والخُيَلاء، كتصعير الخدِّ ولَيِّ الجِيد، قال: (وثاني عَطفه) بالفتح: مانعٌ لعطفه. * * * 6071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْب الْخُزَاعِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتكْبِرٍ". 6072 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بيَدِ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فتنْطَلِقُ له حَيْثُ شَاءَتْ. (كل) بالرفع لا غير.

62 - باب الهجرة

(مُتَضَعَّف) بكسر العين، وفتحها، أي: يستضعفُه الناسُ لضعف حاله في الدنيا. (متواضع) مُتذلِّلٌ خاملُ الذِّكر. (لو أقسمَ)؛ أي: لو أَقسَمَ يمينًا طمعًا في كرم الله بإبراره لأَبرَّه، وقيل: لو دعاه لأَجابَه. (عُتُلّ) هو الغليظ الشديد العنيف. (جوَّاظ) بفتح الجيم وتشديد الواو وبظاء معجمة: الجَمُوح المَنُوع، أو المُختال في مشيته، والمرادُ: أن أغلبَ أهلِ الجنة وأهلِ النار هؤلاء، وسبق الحديثُ في (سورة {ن وَالْقَلَمِ}). (لَتأخذُ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) المراد لازمُ ذلك، وهو الرِّفقُ والانقيادُ، أي: كان من خُلقِه أنه لو كان لأمَةٍ حاجةٌ إلى بعض مواضع المدينة، والتمسَتْ مساعدتَه واحتاج أن يَمشيَ معها لحاجتها لم يَتخلَّفْ، وفيه أنواعٌ من المبالغة؛ حيث ذَكرَ المرأةَ لا الرجلَ، والأَمَةُ من أيِّ الإماء كانت، لا الحُرَّة، وحيث قال: (حيث شاءت)، وعبَّر بالأخذ باليد الذي هو غايةُ التصرُّف ونحوه - صلى الله عليه وسلم -. * * * 62 - باب الْهِجْرةِ وَقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ".

(باب الهِجْرَة) المرادُ بها هنا: مفارقةُ أخيه المؤمن، لا مفارقةُ الوطن. * * * 6073 - و 6074 و 6075 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، وَهْوَ ابْنُ أَخِي عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأُمِّهَا، أَنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: وَاللهِ لتنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نعمْ، قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَنْ لَا أُكُلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا، فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا، حِينَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ لَا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا، وَلَا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذُرَ قَطِيعَتِي، فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالاَ: السَّلاَمُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا. قَالُوا: كُلُّنَا؟ قَالَتْ: نعم ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي، وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلَّا مَا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ،

وَيَقُولَانِ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَلَمَّا أَكثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيج طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا وَتَبْكِي وَتَقُولُ: إِنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالاَ بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي، حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا. الحديث الأول: (الطُّفَيل) هو أخو عائشة، وفي "جامع الأصول": أن عَوْفًا هو ابنُ مالك بن الطُّفَيل، وقال الكَلاَبَاذي: عَوْفُ بنُ الحَارثِ بنِ الطُّفَيل. (حُدِّثت) بالبناء للمفعول. (لَتنتهيَنَّ)؛ أي: هي. (قالت: هو)؛ أي: الشأن. (إن أُكلِّم) بصيغة الشرط، وهو الموافقُ لِمَا تقدَّم في (كتاب الأنبياء) في (مناقب قريش): (عليَّ نذرٌ إن كلَّمتُه)، وفي بعضها: (أن لا أُكلِّمَ) بفتح الهمزة وكسرها، بزيادة (لا)، والمقصودُ حَلِفُها على عدم التكلُّم معه. (أُشفِّع) بكسر الفاء الشديدة، أي: لا أَقبَلُ الشفاعةَ فيه. (ولا أتحنَّث إلى نذري)؛ أي: في يميني منتهيًا إليه. (أنشدكما) بضم الشين، من: نَشَدتُ فلانًا: إذا قلتُ له: نَشَدتُك

اللهَ، أي: سألتُك بالله. (لَمَا) بتخفيف الميم، و (ما) زائدة، وبتشديدها بمعنى: إلا، كما في: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4]، أي: ما أَطلبُ منكم إلا الإدخالَ. قال في "المُفَصَّل": نشدتُك بالله إلا فعلتَ، معناه: لا أَطلبُ منك إلا فعلتَ. (قطيعتي)؛ أي: قطيعة الرَّحِم؛ لأن عائشةَ خالتُه. (يَناشُدانها)؛ أي: ما يطلبان منها إلا التكلُّمَ معه وقَبُولَ العذر منه. (من الهجرة) بيانُ (ما قد عملتِ). (من التذكرة)؛ أي: التذكُّر بالصلة وبالعفو وكظم الغيظ ونحوه. (والتحريج)؛ أي: التضييق، والنسبة إلى الحرج، وأنه لا تحلُّ الهجرةُ ونحوه. (وأَعتَقَت)؛ أي: كفَّارةً ليمينها، وعُلِمَ بذلك أن النذرَ المرادُ به اليمينُ، وسبق الحديثُ في (كتاب الأنبياء). قال (ط): لم تَهجُرْ عائشةُ ابنَ الزُّبَير - رضي الله عنه - ثلاثةَ أيام؛ لأن الهَجرَ تركُ الكلام عند التلاقي، وعائشةُ لم تكن تلقَاه فتُعرِضُ عن السلام عليه، إنما كانت من وراء الحجاب، ولا يدخل عليها أحدٌ إلا بإذنٍ، فلم يكن ذلك من الهجرة، ويدل عليه لفظ: (يلتقيان فيُعرض)، ولم

يكن بينهما التقاءٌ وإعراضٌ، وأنها كانت أُمَّ المؤمنين وخالتَه، أدَّبَتْه بالهَجر على الكلام الذي قاله في حقِّها؛ لأنه كان كالعقوق لها، والهَجرُ جائزٌ لِمَن عَصَى. * * * 6076 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ". الثاني: (فوق ثلاث)؛ أي: فما دونَها جائزٌ؛ لأن الآدميَّ مجبولٌ على الغضب وضيق الصدر وسوء الخُلق، والغالبُ أنه يزول من المؤمن أو يقلُّ بعدَ الثلاث. * * * 6077 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ".

63 - باب ما يجوز من الهجران لمن عصى

الثالث: (فيُعرض) من إعراض الوجه، وفيه: أن شرطَ الهجرة الالتقاءُ. (وخيرهما)؛ أي: أفضلُهما، وفيه: أن الهجرةَ تنتهي بالسلام. """ 63 - بابٌ مَا يَجُوزُ مِنَ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى وَقَالَ كَعْبٌ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا، وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. (باب ما يَجوزُ من الهجران لِمَن عَصَى) قوله: (وقال كعب) سبق في (المغازي). (حين) ليس ظرفًا لـ (قال)؛ بل لمحذوف، أي: كان كذا وكذا. (عن كلامنا) (¬1)؛ أي: هو مع صاحبَيه مُرارة بن الربيع، وهِلال بن أُمية. * * * 6078 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) "عن كلامنا" ليس في الأصل.

أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ"، قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ"، قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ. (أجل)؛ أي: نعم، ووجهُ مطابقة الحديث للترجمة، مع أنه لا معصيةَ في هذه القضية؛ إما لأنه قاسَ الهجرانَ للأمر المُخالِف للشريعة على هجران اسمه للأمر المخالف للطبيعة، وقال (ط): غرضُه أن يُبيِّنَ الهجرانَ الجائزَ، وأن ذلك متنوعٌ على قَدْرِ الأسباب، فما كان لمعصيةٍ ينبغي هجرُه مُطلَقًا كحديث كعب، وما كان لمعاتبة بين الأهل والإخوان فهجرٌ عن التسمية ونحوها كما فعلَتْ عائشةُ، فإن قيل: لا هجرَ عن أهل الشِّرك، فلِمَ يُهجَر الفاسقُ والمُبتدِعُ! قلنا: لله تعالى أحكامٌ فيها مصالِحُ للعباد، وهو أعلمُ بأسبابها، وعليهم التسليمُ؛ فله الخَلقُ والأمرُ. قال (ك): الهجرُ القلبِيُّ في الكافر واجبٌ على المؤمن، وأما المُكالَمةُ ونحوها فلمصلحةِ المعاملات ونحوها، وأيضًا الكافرُ لا يرتدعُ بالهجر عن كفره، بخلاف الفاسق والمُبتدِع؛ مع أن الأَولَى هجرُ الكافر أيضًا. قال (ع): مُغاضَبةُ عائشةَ - رضي الله عنها - من الغَيرة التي عُفِيَ

64 - باب هل يزور صاحبه كل يوم، أو بكرة وعشيا

عنها للنساء، ولولا ذلك لَكانَ عليها من الحَرَج في ذلك ما فيه؛ لأن الغضبَ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كبيرةٌ عظيمةٌ، وفي قولها: (إلا اسمك) دلالةٌ على أن قلبَها مملوءٌ من المحبة، وغَيرة النساء إنما هي لفرط المَحبَّة. * * * 64 - باب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا (باب هل يَزورُ صاحبَه كلَّ يومٍ) 6079 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ: قَالَ ابْنُ شِهَاب: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَ: "إِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ". (وقال اللَّيث) موصولٌ في (الهجرة). (يَدِيْنَان الدِّيْن)؛ أي: كانا مؤمنَينِ مُتديِّنَينِ بدِين الإسلام.

65 - باب الزيارة، ومن زار قوما فطعم عندهم

(نَحْر الظَّهيرة) بفتح المعجمة: أولُ الظهيرة، أي: شدة الحَر، وسبق الحديثُ مراتٍ. * * * 65 - باب الزِّيَارَةِ، وَمَنْ زَارَ قَوْمًا فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَكَلَ عِنْدَهُ. (باب الزيارة، ومَن زارَ قومًا فطَعِمَ عندَهم) قوله: (وزار سلمانُ أبا الدَّرْدَاء) موصولٌ في (الصيام). 6080 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الأَنْصَارِ، فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُمْ. (فطَعِمَ عندَهم) قال (ط): من إتمام الزيارة إطعامُ الزائرِ ما حضرَ، وذلك مما يُنبت المودَّةَ، وفيه: أن الزائرَ يدعو للمَزُورِ ولأهلِ بيتِه ونحو ذلك. * * *

66 - باب من تجمل للوفود

66 - بابٌ مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوُفُودِ (باب مَن تَجمَّل للوفود) 6081 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَذثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: مَا الإِسْتَبْرَقُ؟ قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اشْتَرِ هَذِهِ فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلاَقَ لَهُ"، فَمَضَى فِي ذَلِكَ مَا مَضَى، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَيْهِ بِحُلَّةٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ، وَقَدْ قُلْتَ فِي مِثْلِهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: "إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالًا"، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ. (على رجل) هو عُطارد بن حاجب التميمي. (خَلاَق)؛ أي: نصيب في الآخرة، أي: المُستَحِلُّ. (لتُصيبَ بها مالًا)؛ أي: تبيعها، والحديثُ وإن كان عامًّا في الذكور والإناث؛ لكن خُصَّ بحديث: "حرامٌ على ذُكورِ أُمَّتي، حلالٌ لإناثها"، وفيه: عرضُ المفضولِ على الفاضل ما يَراه مصلحةً، ولبسُ أنفسِ الثياب عندَ لقاءِ الوفود.

67 - باب الإخاء والحلف

(العَلَم)؛ أي: من الحرير. * * * 67 - باب الإِخَاءِ وَالْحِلْفِ وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ. (باب الإخاء)؛ أي: المؤاخاة. (والحِلف) بالكسر: العهد، وحالَفَه: عاهَدَه. (وقال أَبو جُحَيفة) موصولٌ فيما سبق. (وقال عبد الرحمن) موصولٌ في (البيوع). * * * 6082 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَآخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". الحديث الأول: (أَولمْ)؛ أي: لأنه تزوَّج، وسبق الحديثُ مبسوطًا وشرحُه

أولَ (البيوع). * * * 6083 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا حِلْفَ فِي الإِسْلَامِ"؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي. الثاني: (لا حِلْفَ)؛ أي: لأنه للاتفاق، والإسلامُ قد جمعَهم وألَّفَ بين قلوبهم، فلا حاجةَ إليه؛ لأنهم كانوا يتحالفون في الجاهلية لأن الكلمةَ غيرُ مُجتمِعةٍ، والجمعُ بين هذا وبين قوله: (قد حالَفَ): أن المَنفيَّ المُعاهَدَةُ الجاهليةُ، والمُثبَتَ هو المُؤاخاةُ، وقال (ن): لا حِلْفَ في الإسلام، أي: حِلْف التوارُث، وما يَمنعُ الشرعُ منه؛ أما المؤاخاةُ على طاعة الله والتعاونُ على البِرِّ فلم يُنسَخْ، إنما المَنسوخُ ما يتعلق بالإرث، انتهى. قلت: وقد أَوضحتُ ذلك فيما جمعتُه في الحِلْف وسميتُه: "ودائع التخالُف في وقائع التحالُف" بفوائدَ ولطائفَ يجبُ السعيُ إليها. * * *

68 - باب التبسم والضحك

68 - باب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ وَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَضَحِكْتُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. (باب التبسُّم) هو ظهورُ الأسنان عندَ التعجُّب بلا صوتٍ، فإن كان مع صوتٍ قويٍّ يُسمع الجيرانَ مثلًا فقَهقَهَةٌ، وإلا فضحكٌ. (وقالت فاطمة) موصولٌ في (المناقب). (أسرَّ إلَيَّ) وأنه أَسرَّ إليها: (إنك أولُ مَن يتبعُني). (وقال ابن عباس) موصولٌ في (الجنائز). (أَضحَك) لأنه لا مُؤثِّرَ في أفعاله وفي الوجود إلا اللهُ، كما يقوله الأَشعَري. * * * 6084 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلاَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ

رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، وَإِنَّهُ وَاللهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ، لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ جِلْبابِهَا، قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِباب الْحُجْرَةِ لِيُؤْذَنَ لَهُ، فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ، يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلاَ تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ وَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى التَّبَسُّمِ، ثُمَّ قَالَ: "لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ". الحديث الأول: (حِبَّان) بكسر المهملة وشدة الموحدة. (فبَتَّ)؛ أي: قطعَ بتطليقِ الثلاث. (الزَّبِير) بفتح الزاي. (الهُدْبَة) هي ما على طرف الثوب من الخَمل. (وابن سعيد بن العاص)؛ أي: خالد بن سعيد، وهذا هو الصوابُ، وفي نسخة: (سعيد بن العاص). (تَذُوقي) لا ينافي ذلك قولها: (كالهُدْبة)؛ لأنه في الرِّقَّة، لا في الرَّخَاوة، وسبق في (اللباس)، وأنه قال: (أَنفُضُها نفضَ الأديم). (عُسَيلته) كنايةٌ عن لذة الجِمَاع، والعسل: يُؤنث، فصُغِّرَ بعُسَيلة. * * *

6085 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ! بأبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَقَالَ: "عَجبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ"، فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ! أَتَهَبْنَنِي وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ". الثاني: (بأبي)؛ أي: مُفدَّى به. (إيه) بكسر الهمزة وسكون الياء وكسر الهاء: اسمُ الفعلِ تقوله لِمَن تَستزيدُه من حديثٍ أو عملٍ، وإن وصلتَ نونتَ. (فجًّا) هو الطريقُ الواسعُ بين الجَبَلَين، وسبق الحديثُ في (بدء الخلق) في (باب إبليس) بفوائده. * * *

6086 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالطَّائِفِ قَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ"، فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَا نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ"، قَالَ: فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَثُرَ فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ"، قَالَ: فَسَكَتُوا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كُلَّهُ بِالْخَبَرِ. الثالث: (نَفتحَها) بالنصب، أي: لا نُفارِقُ إلى أن نَفتحَها. (بالخبر كُلِّه)؛ أي: حدَّثَنا بجميع الخبر مُستوفًى، وفي بعضها (كلَّه بالخبر) بتقديم (كله) منصوبًا، أي: حدَّثَنا كلَّ الحديث بلفظ الخبر، لا بالعنعنة، وسبق شرحُه في (غزوة الطائف). * * * 6087 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: هَلَكْتُ، وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً"، قَالَ: لَيْسَ لِي، قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: "فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قَالَ: لَا أَجِدُ. فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ، فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ تَصَدَّقْ بِهَا"،

قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي؟ وَاللهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: "فَأَنْتُمْ إِذًا". الرابع: (بِعَرَق) بفتح المهملة والراء: قُفَّةٌ منسوجةٌ من خُوصٍ، وإن صحَّتِ الروايةُ بالفاء عِوَضَ العين، فهو مكيالٌ يَسَعُ ستةَ عشرَ رطلًا. (المِكْتَل) بكسر الميم وفتح المثناة: زَنبيلٌ يَسَعُ خمسةَ عشرَ رطلًا. (نَوَاجذه) بإعجام الذال: هي أُخرَيات الأسنان والأضراس، فأولُها في مُقدَّم الفم: الثنايا، ثم الرَّبَاعيات، ثم الأنياب، ثم الضَّوَاحك، ثم النَّوَاجذ. (إذن) جوابٌ وجزاءٌ، أي: إن لم يكن أفقرَ منكم فكُلُوا أنتم، أي: إنفاقًا على العيال؛ لأن الكفَّارةَ على التراخي، وسبق الحديثُ مشروحًا في (الصوم). * * * 6088 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْركَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ:

يَا مُحَمَّدُ! مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. الخامس: (نَجراني) بفتح النون وسكون الجيم: نسبةً إلى بلدة باليمَن، وفي الحديث: كمالُ حِلْمِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزهدِه وكرمِه، تقدَّم في (كتاب الجِزية). * * * 6089 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. 6090 - وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا". السادس: (ما حَجَبَني)؛ أي: عن مجلسه المُختص بالرجال، لا الدخول في حُجَر النساء، أو المرادُ: ما مَنَعَني عطاءً طلبتُه منه. (ثبِّتْه) أعمُّ من الثبات على الخيل وعلى غيرها، وسبق في (غزوة ذي الخَلَصَة). * * *

6091 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: "نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ"، فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَبِمَ شَبَهُ الْوَلَدِ". السابع: (الماء)؛ أي: المَني، أي: يجبُ الغُسلُ إذا احتلَمَتْ وأَنزلَتْ. (فبِمَ)؛ أي: فبأيِّ شيءٍ حصل شَبَهُ الولدِ بالأُمِّ، أو يُشبه الأُمَّ، وفي بعضها: (فيم) بالياء بدل الموحدة، أي: في أيِّ شيءٍ من المشابهة بينهما لولا أن لها ما يَنعقدُ الولدُ منه، قالوا: في ماء الرجل قوةٌ عاقدةٌ، وفي ماء المرأة قوةٌ منعقدةٌ، وسبق الحديثُ في (كتاب الغسل)، وسبق في (كتاب الأنبياء): (أنه إذا سبق مَنِيُّ الرجلِ مَنِيَّها أَشبَهَ الوالدَ، وإن سبقَ مَنِيُّها أَشبَهَها). * * * 6092 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.

الثامن: (مُستَجمِعًا) من استَجمَعَ، أي: اجتَمَعَ، وهو لازمٌ. (ضاحكًا) تمييز، أي: مجتمعًا من جهة الضحك، يعني: ما رأيتُه يضحك تمامًا لم يَترُك منه شيئًا. (لَهَواته) جمع: لَهَاة، وهي الهَنَةُ المُطيفةُ في أقصى سقف الفم، وقيل: اللَّحمةُ التي فيها، والجمعُ بين هذا وبين حديث ظهور النَّوَاجذ في قصة الأعرابي: أن عائشةَ إنما قالت: (ما رأيتُ)، وأبو هريرةَ شاهَدَ ما لم تُشاهِدْه، والمُثبِتُ مُقدَّمٌ، فكان - صلى الله عليه وسلم - أكثرُ أحواله التبسُّمَ، وفي بعض الأحوال أعلى منه وأقلَّ من القَهقَهة، وفي النادر عند إفراط التعجب تبدو النواجذُ على عادة البشَر، وقيل: تُسمَّى: الضواحك، والأنباب: نَوَاجذ، ولهذا جاء في (باب الصيام) بلفظ: (الأنياب). قلت: وهذا أَولَى بحمل الحديث عليه، فعلى الأول فيه جوازُ القَهقَهة، وكان أصحابُه أيضًا يضحكون، والإيمانُ في قلوبهم أعظمُ من الجبال، وإنما المَكرُوهُ المَذمُومُ كثرةُ الضحك. * * * 6093 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: قَحَطَ الْمَطَرُ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ،

فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ، فَاسْتَسْقَى فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ الْمَدِينَةِ، فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيرُهُ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَقَالَ: غَرِقْنَا فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا"، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا، يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا، وَلَا يُمْطِرُ مِنْهَا شَيْءٌ، يُرِيهِمُ اللهُ كَرَامَةَ نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ. التاسع: (قَحَط) بفتح الحاء وكسرها؛ والفتحُ أعلى، قاله في "المُحكَم"، أي: احتُبِسَ عنهم المطرُ، وفي بعضها بالبناء للمفعول. (مثاعب) جمع: مَثْعَب بالمثلثة وفتح الميم والمهملة وبموحدة: مَسيلُ الماء ومَجراه. (تقلع) من الإقلاع، وهو الكف. (حَوَالَينا)؛ أي: أَمطِرْ حوالَينا ولا تُمطِرْ علينا. (يتصدَّع)؛ أي: يتفرَّق، وسبق الحديثُ في (الاستسقاء)، وأن فيه كرامةً له - صلى الله عليه وسلم - غايةَ الكرامة. * * *

69 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} وما ينهى عن الكذب

69 - باب قَوْل اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وَمَا يُنْهَى عَنِ الْكَذِبِ (باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا} الآية [التوبة: 119]) 6094 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا". الحديث الأول: (البِر)؛ أي: العملُ الصالحُ الخالصُ من كلِّ مذمومٍ، وهو اسمٌ جامعٌ للخيراتِ كلِّها. (يَهدي)؛ أي: يُوصل. (الفجور) الميلُ إلى الفساد، وقيل: الانبعاثُ في المعاصي، وهو جامعٌ للشرور؛ فهما متقابلان، قال الله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ} الآية [الإنسان:5].

(يُكتَب)؛ أي: يُحكَم له، فالمرادُ إظهارُه للمخلوقين، أو في الملأ الأعلى، أو إلقاؤُه في قلوب الناس وألسنتهم، وإلا فحُكمُ اللهِ قديمٌ، والقصدُ أنه يستحقُّ وصفَ الصدِّيقين وثوابَهم في مقابلة وصف الكذَّابين وعقابهم؛ لأنه من علامة النفاق، ولعله لم يَقُلْ: في الصدِّيقين بلفظ: (يُكتَب) إشارةً إلى أنه صدِّيقٌ، من جملة الذين قال تعالى: {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: 69]. * * * 6095 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". الثاني: (آية المنافق)؛ أي: علامتُه، والمرادُ هنا: أنه يشبهُ المنافقَ، أو إذا كان معتادًا، أو المرادُ التغليظُ، أو الذين كانوا في عهد النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين، أو كان منافقًا خاصًّا، أو ليس المرادُ النفاقَ الإيمانِيَّ؛ بل العُرفِيَّ، وإلا فالإجماعُ مُنعقِدٌ على أن المسلمَ لا يُحكَم بنفاقه المُوجِبِ لكونه في الدَّركِ الأسفلِ بواسطة الكذب وأخويه، وسبق مبسوطًا في (الإيمان). * * *

70 - باب في الهدي الصالح

6096 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، قَالَا: الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". الثالث: (رأيت)؛ أي: في المنام، وسبق الحديثُ بطوله آخرَ (الجنائز)، (وقد رأى رجلًا جالسًا ورجلًا بيدة كَلُّوبٌ من حديدٍ يُدخلُه في شِدْقِه، حتى يبلغَ قَفَاه، ثم يَفعلُ بِشِدْقِه الآخرِ مثلَ ذلك، ويَلتئمُ شِدْقُه هذا، فيعودُ فيَصنعُ مثلَه؛ فقلت: ما هذا؟ فقالا: الذي رأيتَه يشقُّ). (فكذَّاب) دخول الفاء في خبر الموصول، وإن كان هنا مُعيَّنًا، وشرطُه أن يكونَ مُبهَمًا؛ بل عامًّا، لأنه جُعِلَ هنا كالعام، قاله ابن مالك. (بالكَذبة) بفتح الكاف، وفيه: أن العقابَ كان في موضع المعصية، وهو الفهمُ الذي كَذبَ به. * * * 70 - باب فِي الْهَدْيِ الصَّالِحِ (باب الهَدْي الصالح) بفتح الهاء وسكون المهملة: السِّيرة.

6097 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمُ الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ شَقِيقًا قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلًّا وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَبْنُ أُمِّ عَبْدٍ، مِنْ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلَا. الحديث الأول: (حدَّثكم)؛ أي: أَحَدَّثَكُم، فسكوتُه بعدَه تصديقٌ وتسليمٌ بالقرائن. (دَلًّا) بفتح الدال وشدة اللام: قريبٌ من معنى الهَدْي، وهما السَّكينةُ والوَقَارُ في الهيئة والمَنظر والشمائل. (وسَمْتًا) بفتح المهملة وإسكان الميم: الطريق، والقصد، وهيئة أهل الخير. (لابن أُمِّ عبدٍ)؛ أي: عبد الله بن مسعود، وكانوا أصحابَه يدخلون عليه ينظرون إليه قولًا وفعلًا، حركةً وسكونًا، حالًا ومَلَكةً وغيرها، فيَتَشبَّهُون به. * * * 6098 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُخَارِقٍ، سَمِعْتُ طَارِقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

71 - باب الصبر على الأذى وقول الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.

الثاني: (هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: سيرتُه، ومرَّ الحديثُ في (كتاب الإيمان). * * * 71 - باب الصَّبْرِ على الأَذَى وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. (باب الصَّبْرُ على الأَذَى) 6099 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ أَحَدٌ، أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذىً سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ". الحديث الأول: (من الله) متعلق بـ (أصبر)، ومعنى الصبر: وهو حبسُ النفسِ عن شهواتها، وإن كان مستحيلًا في حقِّ الله تعالى، فالمرادُ هنا: الحِلْمُ وتأخيرُ العقوبة عن مُستَحِقِّها إلى زمانِ آخرَ. (لَيدعُونَ له)؛ أي: يَنسبُون إليه ما هو مُنَزَّهٌ عنه، وهو يُحسنُ

إليهم بما يتعلق بأنفسهم؛ وهو المُعافاةُ، وبأموالهم؛ وهو الرزقُ. * * * 6100 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، قُلْتُ: أَمَّا أَنَا لأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ، حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: "قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ". الثاني: (قَسَمَ)؛ أي: يومَ خَيبرَ. (أما) بالتخفيف: حرفُ تنبيهٍ، سبق الحديثُ في (الجهاد) في (باب ما كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعطي المُؤلَّفَة). قال بعضُ العلماء: الصبرُ على الأذى من جهاد النفس جَبَل اللهُ النفوسَ على تألُّمها منه، ولهذا شقَّ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لكن سكن منه لعلمه بما وعدَه اللهُ من الأجر، وهو بلا حسابٍ، بخلاف الإنفاق؛ فإنه بسبعِ مئةٍ، وسائرُ الحسنات بعشرِ أمثالها. * * *

72 - باب من لم يواجه الناس بالعتاب

72 - بابٌ مَنْ لَمْ يُوَاجِهِ النَّاسَ بالْعِتَابِ (باب مَن لم يُوَاجِهِ الناسَ بالعِتَاب) 6101 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً". الحديث الأول: (مسلم) إما البَطِين، وإما ابنُ صُبيَح؛ وكلاهما بشرطه يرويان عن مسروق، وعنهما الأَعْمشُ. (فتَنَزَّه)؛ أي: تحرَّز. (لأَعلَمُهم) إشارةٌ إلى القوة العِلْمية. (وأَشدُّهم له خشيةً) إشارةٌ إلى القوة العَمَلية، أي: فهم يتوهَّمُون أن رغبتَهم عما فعلتُ أقربُ لهم عند الله، وليس كذلك؛ بل أنا أعلَمُهم بالأقرب وأَولاهم بالعمل، وفيه: الحثُّ على اقتدائهم به، والنهيُ عن التعمُّق، وذمُّ التنَزُّه عن المُبَاح، وحسنُ المعاشرة بإرسال

التعزير والإنكار، وعدمُ التعيين. قال (ط): معنى (لم يواجه)، أي: خصوصُ ذلك الشخص، ولم يُعيِّنْه، أو لم يَنتقِمْ لنفسه كما لم يَنتقِمْ من الأعرابي الذي جَبَذَ بردائه، أما في أمر الدِّين فكان يُؤاخِذُ به ويُقرِّعُ عليه ويَصدَعُ بالحق. * * * 6102 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ، هُوَ ابْنُ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلَى أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. الثاني: (العَذْرَاء) هي البِكْر، أي: عذرتُها باقيةٌ، وهي جلدة البَكَارة. (في خِدْرِها)؛ أي: سترٌ يُجعَل للبِكْر في جنب البيت، وفيه: أن للشخص أن يَحكُمَ بالدليل؛ لأنهم كانوا يعرفون كراهتَه للشيء بتغيُّر وجهه، كما كانوا يعرفون قراءتَه في الصلاة باضطراب لحيته (¬1). * * * ¬

_ (¬1) "لحيته" ليس في الأصل.

73 - باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال

73 - بابٌ مَنْ كَفَّرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهْوَ كَمَا قَالَ (باب مَن أَكَفَرَ أَخَاه) أي: دعاه كافرًا ونسبَه إلى الكُفر. 6103 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا". 6103 / -م - وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (لأخيه)؛ أي: أخوَّة الإسلام، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. (فقد باءَ به)؛ أي: رجعَ به، لأنه إن كان صدوقًا في نفس الأمر فالمَقُولُ له كافرًا، وإن كان كذَّابًا، فالقائلُ كافرٌ؛ لأنه حَكَمَ بكون المؤمنِ كافرًا، والإيمانِ كفرًا، ولكن هذه المعصيةَ وإن لم يَكفُرْ بها المؤمنُ؛ لكنْ محمولٌ على المُستَحِلِّ، أو المعنى: رجعَ عليه التكفيرُ، أو كأنه كفَّرَ

نفسَه؛ لأنه كفَّرَ مَن هو مِثلُه، وقال بعضُهم: المرادُ بأحدهما هو القائلُ على قاعدة استعمال الكناية وترك التصريح بالسوء، كقول الرجل لِمَن يريد أن يُكذِّبَه: والله إن أحدَنا لَكاذبٌ، يريد خصمَه على التعيين، قال (خ): بأنه القائلُ إذ لم يكن له تأويلٌ، وهو على طريقة: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] وقال (ط): باءَ بإثمِ رميِه لأخيه بالكُفر، أي: رجعَ وِزْرُ ذلك عليه إن كان كاذبًا، وقيل: يرجعُ عليه إثمُ الكُفر؛ لأنه إذا لم يكن كافرًا، فهو مِثلُه في الدِّين، فيَلزَمُ من تكفيره تكفيرَ نفسه، لأنه مُساويه في الإيمان، فإن كان ما هو فيه كُفرًا فهو أيضًا فيه ذلك، وإن استحقَّ المَرميُّ به بذلك كُفرًا استحقَّ الرامي أيضًا، وقيل: المعنى: يَؤُولُ به ذلك إلى الكُفر؛ لأن المعاصي بريدُ الكُفرِ، ويُخَافُ على المُكثِرِ منها أن يكونَ عاقبةُ شؤمِها المصيرَ إليه. (وقال عكرمة) وصلَه أَبو نُعيم في "المستخرج". * * * 6104 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا". الثاني: في معنى الأول. * * *

6105 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلاَمِ كَاذِبًا فَهْوَ كمَا قَالَ، وَمَنْ قتلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ". الثالث: (بَمِلَّةٍ غيرِ الإسلام) كأن يقول: إذا فعلتُ كذا فأنا يهوديٌّ، ومعنى (فهو كما قال)؛ أي: كاذبٌ لا كافرٌ، لأنه ما تعمَّد بالكذب الذي خاف عليه التزامَ المِلَّة التي حَلَفَ بها، بل كان ذلك على سبيل الخديعة للمحلوف له، فهو وعيدٌ، وأما مَن حَلَفَ بها وهو صادقٌ فيما حَلَفَ عليه فهو كتصحيح براءته من تلك المِلَّة، كما لو قال: أنا يهوديٌّ إن أكلتُ اليومَ، ولم يأكل فيه، فلم يتوجَّه عليه إثمٌ لفقدِ نيَّتِه على نفيها لنفي شرطها، لكن لا يَبْرَأ من المَلامة لمخالفة الحديث، وهو: (مَن كان حالفًا فَلْيَحلِفْ بالله)، وقال البَيضَاوي: ظاهرُه أنه يَحتمِلُ بهذا الحَلِفِ إسلامَه، ويصير يهوديًّا كما قالَ، ويَحتمل أن يُرادَ به التهديدُ والمبالغةُ في الوعيد، كأنه قال: فهو مُستحِقٌّ لِمِثلِ عذابِ ما قاله. (عُذِّبَ به) إشارةٌ إلى عذابه من جنس عمله. (فهو)، أي: الرمي. (كقتلِه)؛ أي: في التحريم، أو في الإثم، أو في الإبعاد؛ فإن

74 - باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا

اللَّعنَ يُبعدُ من رحمة الله، والقتلَ يُبعدُ من الحياة، فوجهُ التشبيه هنا أظهرُ؛ لأن النسبةَ إلى الكُفر المُوجِب للقتل كالقتل في أن المُسبِّبَ للشيء كفاعله. * * * 74 - باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذلِكَ مُتأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". (باب مَن لَمْ يَرَ إكفارَ مَن قالَ ذلك متأوِّلًا أو جاهلًا) قوله: (وقال عُمر) موصولٌ في (المغازي). (لحاطب)؛ أي: لأجل حاطب، وإلا لقال: إنك منافقٌ، والقصدُ أن المُتأوِّلَ في تكفير الغير معذورٌ غيرُ آثمٍ، ولذلك عَذرَ - صلى الله عليه وسلم - عُمرَ في نسبته النفاقَ إلى حاطبٍ، لتأويله ظنًّا بأنه بما كتبَ إلى المشركين يصير منافقًا. * * * 6106 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا سَلِيمٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضي الله عنه -

كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلاَةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ، قَالَ: فتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ، فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مُعَاذُ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ، ثَلاَثًا، اقْرَأْ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَنَحْوَهَا". الحديث الأول: (فتجوَّز)؛ أي: خفَّف، وكانت العِشاءُ كما سبق في (أبواب الصلاة بالجماعة). (بنَواضِحِنا) جمع: ناضح، وهو البعير الذي يُستقَى عليه، والغرضُ: أنه - صلى الله عليه وسلم - عذرَ مُعاذًا في قوله للمتجوِّز: منافق؛ لأنه يتأوَّلُ أن التاركَ للجماعة منافقٌ. * * * 6107 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ".

الثاني: (إسحاق) قال ابن السَّكَن: هو ابن رَاهَوَيه، وقال الكَلاَبَاذي: إنه ابنُ منصور. (فَلْيَقُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ)؛ أي: لأنه تَعَاطَى صورةَ تعظيمِ الأصنام حين حَلَفَ بها، فأُمِرَ أن يَتَدارَكَه بكلمة التوحيد. (أُقامِرْك) إنما قرنَ القِمَارَ بالصنم تأسِّيًا بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية [المائدة: 90]. (فَلْيَتصدَّقْ)؛ أي: فيكون كفَّارةَ دعائه لذلك التصدُّق بما تيسَّر، وقيل: بمقدار ما أَمرَ أن يُقامرَ به. قال (ط): ليس فيه تجويزُهما؛ بل أن مَن نَسِيَ أو جهلَ، فحَلَفَ به فكفَّارتُه التكلُّمُ بالكلمة؛ لأنه قد تقدَّم نهيُهم عن الحَلف بغير الله، فعذرَ الناسي والجاهلَ، ولذلك سوَّى البخاريُّ في ترجمته بين الجاهل والمُتأوِّل في سقوط الحَرَج، وأيضًا عذرَهم لقربِ عهدِهم بجري ذلك على ألسنتهم في الجاهلية. * * * 6108 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ وَهْوَ يَحْلِفُ بابيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بآبائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ".

75 - باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله

الثالث: (بآبائكم) لا ينافي ذلك نحو: (أَفلَحَ وأبِيه إن صَدَقَ)؛ لأن ذلك لم يَقصِدْ به القَسَمَ؛ بل هو مما يُزاد في الكلام بالتقدير ونحوه. قال العلماء: حكمةُ النهي عن الحَلف بغير الله: أن الحَلفَ يقتضي تعظيمَ المحلوف به، وحقيقةُ العظمة مختصةٌ بالله تعالى، فلا يُضاهَى به غيرُه، وقد عذرَ - صلى الله عليه وسلم - عُمرَ في حَلفِه بأبيه، لتأويله بالحقِّ الذي للآباء، وبه ظهرَتْ مناسبتُه لترجمة الباب. أما إقسامُ الله تعالى بمخلوقاته فلأنه يُقسِمُ بما شاء تنبيهًا على شرفه. * * * 75 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لأَمْرِ اللهِ وَقَالَ اللهُ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}. (باب ما يَجوزُ من الغَضَب) 6109 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تناوَلَ السِّتْرَ فَهَتكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ

يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ". الحديث الأول: (قِرَام) بكسر القاف: سترٌ. (من أشد) إما من حيث إن المُصوِّرَ يُصوِّرُ صورةً تُعبَد من دون الله، فيكفر، أو المرادُ به المُستَحِلُّ، أو غير ذلك، وسبق في آخر (اللباس). * * * 6110 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بن أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ". الثاني: (فأيكم ما صلَّى)، (ما) زائدة. * * * 6111 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي رَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجدِ

نُخَامَة، فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، فَتَغَيَّظَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللهَ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ". الثالث: (حِيَال) بكسر المهملة وخفة الياء، والمرادُ تقديرُ أن اللهَ كأنه قِبَلَ وجهه، وإلا فاللهُ تعالى مُنَزَّهٌ عن المكان، ففيه مجازٌ، وقال (خ): معناه أن توجُّهَه إلى القِبْلَة مُفضٍ بالقصد منه إلى ربِّه، فصار بالتقدير كأن مقصودَه بينه وبين القِبْلَة، وسبق أوائلَ (الصلاة). * * * 6112 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ ربُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". الرابع: سَنَدُه مدنيُّون، إلا ابن سلام.

(ثم اعرِفْ) مِنَ المعرفة. (وِكَائها) بكسر الواو والمد: ما يُشَدُّ به رأسُ الكيس. (وعِفَاصها) بكسر المهملة وبالفاء: ما تكون فيه النفقةُ. (استَنفِقْ)؛ أي: تَمتَّعْ وتصرَّفْ. (فضالَّة الغنم) من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: ما حُكمُها؟ (وَجنتَاه) الوَجنَة: ما ارتفع من الخَدِّ. (ما لك ولها)؛ أي: لِمَ تأخذُها؟ فإنها مُستقلةٌ بعيشتها، ومعها أسبابها. (حِذَاؤُها) بكسر المهملة والمد: خُفُّ البعير. (وسِقَاؤُها) أصله: ظرف اللبَن والماء، كالقِرْبَة، وسبق الحديثُ في (العلم). * * * 6113 - وَقَالَ الْمَكِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُجَيرَةً مُخَصَّفَةً أَوْ حَصِيرًا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيهَا، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاؤُا يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، ثُمَّ جَاؤُا لَيْلَةً فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْباب، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ

مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِي بُيُوتكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءَ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ". الخامس: (وقال المكِّي) وصلَه أحمد والدَّرِامي في "مسنديهما". (احتجر)؛ أي: اتخذ شبهَ الحُجرة. (حُجَيرة) مُصغَّر: حُجْرَة، ويُروَى بفتح الحاء وكسر الجيم. (مُخَصَّفة) الخَصَفَة بمعجمة ثم مهملة مفتوحتين: ما يُجعَل منه جِلاَلُ التمر من سَعَفٍ ونحوه. قال (ط): ولو ثوبًا يستدير، يقال: خَصَفتُ على نفسي، أي: جمعتُ بين طرفَيه بعودٍ أو خيطٍ. قال (ن): الخَصَفة والحصير بمعنىً واحدٍ، وشكَّ الراوي فيه، والمرادُ: أنه حوَّط موضعًا من المسجد بحصيرةٍ تسترُه ليُصلِّيَ فيه، ولا يَمرَّ عليه أحدٌ، وليتوفَّرَ فراغُ القلب، ففيه: جوازُ الجماعة في النافلة، وتركُ بعضِ المصالحِ لخوفِ مفسدةٍ أعظمَ من ذلك، وما كان عليه من شفقته على الأُمَّة. قال (ط): يجبُ الغضبُ والشدةُ في أمر الله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا سيما على الأئمَّة والملوك؛ ليَنحفظَ أمرُ الشريعة، ولا يَطرأَ عليها التغييرُ والتبديلُ، قال: وغضبُه عليهم لأنهم

76 - باب الحذر من الغضب

صلَّوا في مسجده الخاص به بغير إذنه. قال (ك): أو لرفعِ أصواتهم، أو لحصبِ الباب، أو هو غضبُ شفقةٍ وخوفٍ أن يفرضَ عليهم ذلك، فلا يقوموا بحقِّه، فيُعاقَبُوا عليه. (فتتبَّع) بالتشديد، أي: طلبُوا موضعَه واجتمعوا. (وحَصَبُوا الباب) رمَوه بالحَصباء، وهي الحَصا الصغيرةُ؛ تنبيهًا لظنِّهم أنه نَسِيَ. (بكم)؛ أي: مُتلبِّسًا بكم. (صنعكم)؛ أي: مصنوعكم، وهو الصلاة. (ظننت)؛ أي: خفتُ، وفيه: أن أفضلَ النافلة ما كان في البيوت، وعندَ الستر عن أَعيُن الناس؛ إلا ما كان من شعائر الشريعة، كالعيد. (المكتوبة)؛ أي: المفروضة. * * * 76 - باب الْحَذَرِ مِنَ الْغَضَبِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

(باب الحَذَرُ مِن الغَضَبِ) وهو غليانُ دمِ القلب لإرادة الانتقام. * * * 6114 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَملِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ". الحديث الأول: (بالصُّرَعة) بضم المهملة وفتح الراء: الذي يُكثر مِن صرعِ الرجال، فهو مبالغةٌ كـ: حُفَظَة. (يملك نفسَه) فلا يغضبُ، ويكظمُ الغيظَ ويعفو، وفيه: أن مجاهدةَ النفسِ أشدُّ من مجاهدة العدو، وهي الجهادُ الأكبرُ والشجاعةُ الحقيقةُ. * * * 6115 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا

لَذَهَبَ عَنْهُ ما يَجدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. الثاني: (لَذهبَ)؛ أي: لأن الشيطانَ هو المُزيِّنُ للإنسانِ الغضبَ، والاستعاذةُ بالله من أقوى السلاح على دفع كيده. مرَّ الحديثُ في (بدء الخلق) في (باب صفة إبليس). * * * 6116 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَوْصِنِي، قَالَ: "لَا تغْضَبْ"، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: "لَا تَغْضَبْ". الثالث: (أن رجلًا) هو جَارية -بالجيم- بن قُدامة، كما في "مسند أحمد"، ورواه ابنُ أبي شَيبة والحاكمُ من حديثه، ووقع مثلُ هذا السؤال لأبي الدَّرْدَاء، رواه ابنُ خَيْرُون في "فوائده" لعبد الله بن عُمر، ورواه ابنُ صخر في "فوائده" لسفيانَ بنِ عبدِ اللهِ الثقفي. (لا تغضب) كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُكاشَفًا بأوضاع الخَلق، فيَأمرُهم بما هو أَولَى بهم، ولعل الرجلَ كان غَضُوبًا، فوصَّاه بتركه.

77 - باب الحياء

قال (خ): معناه: لا تتعرَّضْ لأسباب الغضب التي تجلبُه، وإلا فالغضبُ مطبوعٌ في الإنسان، لا يمكن إخراجُه من جِبلَّتِه، أومعناه: لا تَقُلْ ما يأمرُك به الغضبُ، ويَحملُك عليه من الأقوال والأفعال، وقال البَيضَاوي: لعله لمَّا رأى أن جميعَ المفاسد من شهوته وغضبه، والشهوةُ مكسورةٌ بالنسبة إلى ما يقتضيه الغضبُ، فأَرشَدَ السائلَ عما يُوصلُ إلى التحرُّزِ عن القبائح بنهيه عن الغضب، الذي هو أعظمُ ضررًا وأكثرُ وِزرًا، فإذا ملَكَها كان قد قَهَرَ أقوى أعدائه. * * * 77 - باب الْحَيَاءِ (باب الحَيَاءِ) هو تغيُّر وانكسارٌ من خوفِ ما يُعَابُ به ويُذَمُّ. 6117 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ"، فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ.

الحديث الأول: (لا يأتي إلا بخير) أي: لأنه مَن استَحيَا مِن الناس أن يَروه مُرتكبَ المَحارم، فذلك داعيةٌ إلى أن يكونَ أشدَّ حياءً من الله تعالى، والحياءُ من الله زاجرٌ عن ارتكاب معاصيه، وليس من الحياء أن يتركَ المواجهةَ بالحقِّ لِمُن يُعظمُه، ولا الإخلالُ ببعض الحقوق؛ بل هذا عجزٌ، ولذلك عرَّفَه بعضُهم شرعًا بأنه: خُلُقٌ يَبعثُ على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في الحسن. (بُشَير) بضم الموحدة وبمعجمة. (في الحكمة)؛ أي: العلمُ الذي يُبحَثُ فيه عن أحوال حقائق الموجودات، وقيل: العلمُ المُتيقَّنُ الوافي. (وَقارًا)؛ أي: الحِلْم والرَّزَانة. (السَّكينة) هي الدَّعَةُ والسُّكونُ، وإنما غضب عمرانُ لأن الحُجَّةَ إنما هي في سُنَّةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، لا فيما يَروِي عن كتب الحكمة؛ لأنه لا يُدرَى ما حقيقتُها، ولا يُعرَفُ صدقُها. * * * 6118 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَجُلٍ وَهْوَ يُعَاتَبُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي، حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ".

الثاني: (مُعاتَب) بالبناء للمفعول، أي: يُلاَمُ ويُذَمُّ. (لتستحيي) بياءَين أو بواحدةٍ. (دَعْه)؛ أي: اترُكْه. (من الإيمان)؛ أي: شعبةٌ منه، فـ (من) للتبعيض، وقيل: كما أن الإيمانَ يمنعُ من المعصية ويحملُ على الطاعة، فكذلك الحياءُ، فصار بمساواته في ذلك من جنسه، وإلا فالحياءُ غريزةٌ، والإيمانُ فعلٌ، وقيل: الحياءُ قد يكون تخلُّقًا واكتسابًا، ويكون غريزةً، واستعمالُه على قانون الشرع يَحتاجُ إلى النيَّة والاكتساب، فهو بهذا الوجه من الإيمان. * * * 6119 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مَوْلَى أَنَسٍ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ -اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ-: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. الثالث: (العَذرَاء) البِكْر، وسبق قريبًا في (باب مَن لم يُواجِهِ الناسَ). * * *

78 - باب إذا لم تستحي فاصنع ما شئت

78 - باب إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ (باب إذا لم تَستَحي فاصنَعْ ما شئتَ) 6120 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنع مَا شِئْتَ". (مما أَدرَك)؛ أي: أدركَه، فحُذف العائدُ على (ما). (الناس) بالرفع، ويُنصَب، ويكون عائدُ (ما) ضميرَ الفاعل، ومعنى (أدرَكَ): بَلَغَ. (إذا لم تستحي) الجزم إما بحذف إحدى الياءَين إن كان بياءَين، أو بحذف الياء إن كان أصلُه بواحدةٍ، أي: لم يَزلِ الحياءُ مُستحسَنًا في شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنه باقٍ لم يُنسَخْ. (فاصنَعْ ما شئتَ) قال (خ): هو للتهديد كـ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]؛ فإن اللهَ يجزيكم، أو أراد: افعَلْ ما شئتَ لا تستحي منه، أي: لا تَفعَلْ ما يُستحيَى منه، أو الأمرُ بمعنى الخبر، أي: إذا لم يكن لك حياءٌ يَمْنَعُك من القبيح فاصنع ما شئتَ، وسبق الحديثُ قُبَيلَ (مناقب قريش). * * *

79 - باب ما لا يستحيا من الحق، للتفقه في الدين

79 - بابٌ مَا لَا يسْتَحْيَا مِنَ الْحَقِّ، لِلتَّفَقُّهِ في الدِّينِ (باب ما لا يُستحيَا من الحَقِّ) 6121 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ". الحديث الأول: (إذا رأتِ الماء)؛ أي: أَنزلَتِ الماءَ عندَ الاحتلام، مرَّ في (الغسل)، وفيه: أن تركَ الحياء في السؤال عن أمر الدِّين ليس بمذمومٍ، فهو تخصيصٌ للعمومات في طلب الحياء. * * * 6122 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَلَا يَتَحَاتُّ"، فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ شَجَرَةُ كَذَا، هِيَ شَجَرَةُ كَذَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ، وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ"، وَعَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا خُبَيْبُ بْنُ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. الثاني: (يتحاتُّ) يتناثر، تفاعلٌ من: الحَتِّ، أي: لا يحتكُّ بعضُ ورقِها ببعضٍ فيَسقطُ. (وزاد): أراد في هذا الطريق أن ابنَ عُمر قال: فحدثتُ به عُمر. (من كذا)؛ أي: من حُمْرِ النَّعَم، ووجهُ الشبهِ كثرةُ خيرِها ومَنافعِها من الجهات، وقيل: إنه إذا قُطِعَ رأسُها، أو فسدَ ما هو كالقلب لها، أو غرقَتْ ماتَتْ، ولا تَحملُ حتى تُلقحَ، ولطلعِها رائحةُ المَني، وتَعشقُ كالإنسان، ومرَّ في (العلم). * * * 6123 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، سَمِعْتُ ثَابِتًا، أنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِيَّ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا! فَقَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسَهَا. الثالث: (تَعْرِض)؛ أي: ليتزوَّجها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. (فِيَّ)؛ أي: في نكاحي.

80 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يسروا ولا تعسروا" وكان يحب التخفيف واليسر على الناس

(ابنته)؛ أي: ابنة أنس، واسمها: أُمَينة بالتصغير. (فقال)؛ أي: أنس. * * * 80 - بابٌ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا" وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ واليُسر عَلَى النَّاسِ (باب قولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يسِّرُوا) قوله: (وكان)؛ أي: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. 6124 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُمَا: "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا"، قَالَ أَبُو مُوسَى: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا بِأَرْضٍ يُصْنَعُ فِيهَا شَرَابٌ مِنَ الْعَسَلِ، يُقَالُ: لَهُ الْبِتْعُ، وَشَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". 6125 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاح قَالَ: سَمِعْتُ

أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا". الحديث الأول والثاني: (وتَطَاوَعَا)؛ أي: تَوافَقَا في الأمور. (بأرض)؛ أي: اليمَن. (البِتْع) بكسر الموحدة وسكون المثناة وبمهملة. (المِزْر) بكسر الميم وتسكين الزاي وبالراء. * * * 6126 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ. الثالث: (أيسرهما)؛ أي: أَسهلُهما. (ما لم يكن إثمًا) وذلك التخيير إن كان من الكفَّار فظاهرٌ، وإن كان من الله تعالى فمعناه: فيما إذا لم يُؤدِّ إلى إثمٍ كالتخيير بين المجاهدة في العبادة والاقتصاد؛ بل إذا جرَّت المجاهدةُ للهلاك كانت

غيرَ جائزةٍ، وقال (ع): يُحتمَل أن يُخيِّرَه اللهُ تعالى فيما فيه عقوبتان ونحوه، وأما قولها: (ما لم يكن إثمًا) فإنما هو إذا خيَّرَه الكفَّارُ. (إلا أن تُنتَهَك) قال (ع): هو ارتكابُ ما حرَّمَه اللهُ، والاستثناءُ مُنقطعٌ، أي: إذا انتُهكت حرمةُ الله تعالى انتَصرَ للهِ تعالى، وانتَقَمَ ممن ارتكبَ ذلك. * * * 6127 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ بِالأَهْوَازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ، فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ، فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فَانْطَلَقَتِ الْفَرَسُ، فَتَرَكَ صَلاَتَهُ وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا، فَأَخَذَهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلاَتَهُ، وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ، فَأَقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ تَرَكَ صَلاَتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ، فَأَقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: إِنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُ لَمْ آتِ أَهْلِي إِلَى اللَّيْلِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَى مِنْ تَيْسِيرِهِ. الرابع: (الأَهْوَاز) بفتح الهمزة وسكون الهاء وبالواو والزاي: موضعٌ بخوزستان بين العراق وفارس. (نَضَبَ) بفتح المعجمة، أي: غارَ وذهبَ في الأرض. (له رأيٌ)؛ أي: رأيُ الخوارج.

(مُتَرَاخٍ)؛ أي: مُتباعدٌ. (وتركته)؛ أي: الفرس، وفي بعضها: (تركتها)؛ لأن الفَرسَ يقع على الذكر والأُنثى؛ لكن لفظُه مُؤنثٌ سماعيٌّ. (تيسيره)؛ أي: تسهيله على الأُمَّة، وما رآه من تسهيله - صلى الله عليه وسلم - هو الحاملُ له على ذلك، لا أنه من تلقاء نفسه، وفيه: أن مَن انفلَتَتْ دابتُه وهو في الصلاة يقطعُها ويتبعُها؛ وكذا كلُّ مَن خَشِيَ تلفَ ماله، وسبق الحديثُ في (الصلاة) قُبَيل (سجود السَّهو). * * * 6128 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ". الخامس: (وقال اللَّيث) وصلَه الذُّهْلي. (فثَارَ) من الثَّوَران، وهو الهَيَجان، ليُؤذُوه. (دَعُوه)؛ أي: اترُكُوه؛ لئلا يتأذَّى في نفسه، ويَكثرَ تنجيسُ المسجد، وسبق الحديثُ في (الوضوء).

81 - باب الانبساط إلى الناس

(وأَهْرِيْقُوا)؛ أي: صُبُّوا، وفيه لغتان. (ذَنُوبًا) بفتح المعجمة: الدَّلو العظيمُ الملآنُ. (سَجْلًا) بفتح المهملة وتسكين الجيم: الدَّلو فيه الماءُ، قلَّ أو كَثُرَ. * * * 81 - بابٌ الاِنْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: خَالِطِ النَّاسَ، وَدِينَكَ لَا تَكْلِمَنَّهُ، وَالدُّعَابَةِ مَعَ الأَهْلِ. (باب الانبِسَاط إلى الناس) قوله: (فلا تَكْلِمَنَّه) من: الكَلم، وهو الجَرح، أي: خالِطِ الناسَ بشرط أن لا يحصلَ في دِيِنك خللٌ، ويبقى صحيحًا، ويُروَى: (تَثْلِمَنَّه). (والدُّعَابة) بالجرِّ، عطفًا على (الانبساط)، وهو المُزَاح. * * * 6129 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ! مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ ".

الحديث الأول: (عُمَير) مُصغَّر عمر، و (النُّغَير) مُصغَّر: النُّغَر بالنون والمعجمة والراء: طُوَيرٌ كالعصفور له صوتٌ حسنٌ، ومنقارُه أحمرُ، وقيل: فِرَاخُ العصافير، الواحد: نُغْرَة، والجمع: نِغْرَان، ومعنى: ما فَعَلَ؟ أي: ما شأنُه وحالُه؟ وفي الحديث: تكنيةُ الطفل ومَن لم يُولَد له، وليس كذبًا، وجوازُ المُزَاح، والسجعُ في الكلام والتصغيرُ، وتمكينُ الولِيِّ من لعب الصغير بالعصفور، والسؤالُ عما هو عالِمٌ به، وكمالُ خُلُقِه - صلى الله عليه وسلم -، واستمالةُ قلوب الصغار وإدخالُ السرور على قلوبهم، قيل: وجوازُ صيد المدينة، وإظهارُ المَحبة لأقارب الصغير ونحوه. * * * 6130 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي. الثاني: (محمد) إما ابنُ سلام، وإما ابنُ المثنى. (بالبَنَات)؛ أي: بالتماثيل واللُّعَب.

82 - باب المداراة مع الناس

(يَتَقَمَّعْنَ) من: التقمُّع، وهو الانفصالُ، والدخولُ في البيت، والهَرَبُ، والاستتارُ، ومن الانقماع، والمرادُ: يَدخُلْنَ في بيتٍ أو من وراءِ سترٍ، وأصلُه من القِمَع الذي على رأس التمرة، أي: يَدخُلْنَ فيه كما تدخلُ التمرةَ في قِمَعِها. (يُسرِّبُهنَّ) من التسريب بالمهملة، أي: يُرسلُهنَّ، والسارب: الذاهب، وسَرَّبَ عليه الخيلَ: بعثَها عليه قطعةً بعدَ قطعةٍ. قال (خ): فيه: أن اللُّعَبَ بالبنات ليس كالتلهِّي بسائر الصُّوَر التي جاء فيها الوعيدُ؛ وإنما رخَّصَ فيها لعائشةَ - رضي الله عنها - لأنها كانت غيرَ بالغةٍ. قال (ط): فيه الرُّخصةُ في اللُّعَب التي يَلعبُ بها الجَواري، وقيل: إنه منسوخٌ بحديث الصُّوَر، وكان - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ الناس أخلاقًا، وكان يَنبسطُ إلى النساء والصبيان ويُمازحُهم، وقال: "إني لأَمزَحُ ولا أَقولُ إلا حقًّا". * * * 82 - باب الْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإنَّ قُلُوبَنَا لتلْعَنُهُمْ.

(باب المُدَارَاة مع الناس) هي لِيْنُ الكلمةِ وتركُ الإغلاظ في القول. قال (ط): هي من أخلاق المؤمنين مندوبةٌ، وهي الرِّفقُ بالجاهل الذي يستتر بالمعاصي، واللُّطفُ به، حتى يردَّه عما هو عليه، بخلاف المداهنة: وهي أن يَلقَى الفاسقَ المُعلِنَ بفسقه، فيُوالفَه ولا يُنكِرَ عليه ولو بقلبه، فتلك مُحرَّمةٌ. (لنَكْشِرُ) بالمعجمة المكسورة، من: الكَشر، وهو الكشفُ عن الأسنان كالتبسُّم، وهو أولُ الضحك. * * * 6131 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، حَدَّثَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، فَقَالَ: "ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ"، أَوْ: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ"، فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الْكَلاَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْتَ مَا قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ: "أَيْ عَائِشَةُ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ تَرَكَهُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ". الحديث الأول: (رجل) هو عُيَينةُ بنُ حِصن الفَزَاري، وقيل: مَخرَمة. (العَشِيرة) القبيلة، أي: بئسَ هذا الرجلُ منهم.

(أَشرَّ)؛ أي: من المؤمنين، وإلا فالكافرُ أشرُّ الخَلق. (وَدَعَه)؛ أي: تركَه، وإنما أَلاَنَ له القولَ تألُّفًا له ولأمثاله على الإسلام، فلا ينافي ما تقدَّم، وفيه: غِيبةُ الفاسق المُعلِن بفسقه ومَن يُحتاج للتحذير منه، وهو كما قال - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان ضعيفَ الإيمان في حياته، وارتدَّ بعدَه. قال (ط): كان - صلى الله عليه وسلم - مأمورًا أن لا يُعامِلَ الناسَ إلا بما ظهرَ منهم، لا بما يَعلَمُه منهم دونَ غيره، فقال فيه قبلَ الدخول ما كان يَعلَمُه، وبعدَه ما كان ظاهرًا فيه عندَ الناس. * * * 6132 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: "خَبَأْتُ هَذَا لَكَ"، قَالَ أَيُّوبُ: بِثَوْبِهِ أَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شَيْءٌ، رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ. 6132 / -م - قَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبِيَةٌ. الثاني: مُرسَل؛ لأن ابنَ أبي مُلَيكةَ تابعيٌّ.

83 - باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

(مُزرَّرة)؛ أي: لها أزرارٌ. (قال أيوب بثوبه) حال عن لفظ: (خَبَأتُ)، أي: مُتلبِّسًا به، أي: قال: خَبَأتُ هذا لك، والحالُ أنه مُلتصقٌ بالثوب، وأشار أيوبُ إلى ثوبه ليَستحضرَ فعلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - للحاضرين، قائلًا: إنه يُري مَخرَمةَ الأزرار. (وأنه) في بعضها بلا واو. (يُريه) في بعضها: (كان)، أي: يُري مَخرَمةَ أزرارَه تطييبًا لقلبه؛ فإن مَخرَمَةَ كان في خُلُقِه نوعٌ من الشَّرَاسة، وفي بعضها: (إياه) بالتذكير، أي: الثوب، أو الذهَب. (رواه حَمَّاد بن زيد) موصولٌ في (الخُمس). (وقال حاتم) موصولٌ في (الشهادات). * * * 83 - بابٌ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ. (باب لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحرٍ مرتَينِ) قوله: (وقال معاوية) رفعَه ابنُ حَبَّان في "صحيحه".

(لا حِلْم) هو التأنِّي في الأمور المُقلِقة. (إلا بتجربة) في بعضها: (عن تَجرِبة)، وفي بعضها: (لذي تَجرِبة)، أي: لا يُوصَف امرؤ بِحِلْمٍ، حتى يُجرِّبَ الأمورَ، وقيل: إن مَن جرَّبَ وعرفَ العواقبَ آثَرَ الحِلْمَ، وصَبَرَ على قليل الأذى، ليَدفعَ أكثرَ منه. * * * 6133 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ: "لَا يُلْدَغ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ". (لا يُلدَغ) قال (خ): خبرٌ معناه الأمرُ، أي: لِيَكُنِ المؤمنُ جازمًا حَذِرًا، لا يُؤتَى من ناحية الغفلة، فيُخدَع مرةً بعد أُخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدِّين كما يكون في أمر الدنيا، ويُروَى بكسر الغين وبالسكون تخفيفًا لمعنى النهي، وقيل: لا يكون ذلك إلا في أمر الآخرة. قال (ط): قاله - صلى الله عليه وسلم - حين أُسِرَ أَبو عزَّة -بالزاي- الشاعرُ يومَ بَدرٍ وعاهَدَ أن لا يَهجُوَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فنقضَ العهدَ، فأُسِرَ، فسأل النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن يَمُنَّ عليه مرةً أُخرى، فقال: (لا يُلدَغ) الحديث، وأَمرَ بقتله. * * *

84 - باب حق الضيف

84 - باب حَقِّ الضَّيْفِ (باب حقِّ الضَّيف) 6134 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ "، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "فَلاَ تَفْعَلْ، قُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّكَ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ، وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ"، قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ: "فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ"، قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ"، قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُد؟ قَالَ: "نِصْفُ الدَّهْرِ". (لزَوْرِك) جمع زائر، كـ: راكب ورَكْب، وسيأتي قولُ البخاري فيه أنه مصدرٌ. (يَطُولُ بك عمرٌ)؛ أي: تكون طويلَ العمر، فتبقى ضعيفَ القوى كَليلَ الحواس نَهيكَ النفس، فلا تَقدِرُ على المداومة عليه،

85 - باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه، وقوله: {ضيف إبراهيم المكرمين}

وخيرُ العمل ما دامَ وإن قلَّ. (وإن حسبَك)؛ أي: كافيك، وفي بعضها: (من حسبك)، أي: من كافيك، ويُحتمَل زيادةُ (من) على رأي الكوفيين. (الدَّهر) بالرفع والنصب، أي: أن تصومَ الدهر. (يقال: زَوْر) إلى آخره، معناه أن زَوْرًا مصدرٌ يُطلَق على الواحد والاثنين والجمع، وهذا غيرُ ما سبقَ أنه جمع زائر؛ فهما قولان. (تَزَاوَر)؛ أي: في قوله تعالى: {تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف: 17]. * * * 85 - باب إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ، وَقَوِلهِ: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} (باب إكرامُ الضَّيف) 6135 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ". 6135 / -م - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ مِثْلَهُ، وَزَادَ:

"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". الحديث الأول: (مَن كان يؤمنُ)؛ أي: إيمانًا كاملًا. (جائزته) سبق تفسيرُه في (باب لا تَحقِرَنَّ جارةٌ) قال السُّهَيلي: مَن رفعَ فعلى الابتداء، أي: جائزتُه تكلُّفٌ أو إتحافٌ، هذا على تفسير أبي داود، وأما على تفسير الهَرَوي فتقديرُه: جائزتُه يُزاد يومًا وليلةً، أي: بعدَ الضيافة، وأما النصب فعلى بدل الاشتمال، أي: يُكرَمُ جائزةَ ضيفه يومًا وليلةً، ونَصبَ (يومًا) على الظرفية. قال (ط): قَسَمَ - صلى الله عليه وسلم - أمرَه ثلاثةَ أقسامٍ: يُتحفُه في اليوم الأول، ويَتكلَّفُ له في اليوم الثاني، وفي الثالث يُقدِّمُ له ما يحضرُه، ويُجيزُ بعدَ الثالث. قال مالك: كان هذا في أول الإسلام حين كانت المُواساةُ واجبةً، فلما أتى اللهُ بالخير والسعة صارت الضيافةُ مندوبةً. * * * 6136 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".

6137 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ". الثاني، والثالث، والرابع: (يُقروننا) بالإدغام والفك. (فخُذُوا)؛ أي: أخذًا قَهريًّا، وهذا لا يكون إلا عند الضرورة، وبالثمن عاجلًا أو آجلًا. * * * 6138 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". الخامس: (فَلْيَصِلْ رَحِمَه) هو تشريك ذَوي القربات في الخيرات. * * *

86 - باب صنع الطعام، والتكلف للضيف

86 - باب صُنْعِ الطَّعَامِ، وَالتَّكَلُّفِ لِلضَّيْفِ (باب صُنع الطعامِ والتكلُّف للضَّيف) 6139 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيسِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَينَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، قَالَ: فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ سَلْمَانُ". أَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبٌ السُّوَائِيُّ، يُقَالُ: وَهْبُ الْخَيْرِ. (أُم الدَّرْدَاء) هم ثنتان: زوجتا أبي الدَّرْدَاء: الكبرى صحابيةٌ اسمها: خَيْرَة، والأُخرى تابعيةٌ تُسمَّى: هُجَيْمة. (مُتبذِّلةً)؛ أي: لابسةً ثيابَ البِذْلة والخدمة، بلا تجمُّلٍ وتكلُّفٍ، نحو زِينةٍ.

87 - باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف

(لا حاجةَ له في الدنيا) عمَّمَتْ هذا اللفظَ للاستحياء من أن تُصرِّحَ بعدم حاجته إلى مُباشرتها، في الحديث: زيارةُ الصديق، ودخولُ داره في غَيبته، والإفطارُ للضيف، وكراهيةُ التشدُّد في العبادة، وأن الأفضلَ التوسُّطُ، وأن الصلاةَ آخرَ الليل أَولَى، ومَنقبَةٌ لسلمانَ؛ حيث صدَّقَه - صلى الله عليه وسلم -. * * * 87 - بابٌ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْجَزَعِ عِنْدَ الضَّيْفِ (باب ما يُكرَه من الغَضَب والجَزَع عندَ الضَّيف) الجَزَع: ضد الصبر. 6140 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطًا، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيَافَكَ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ قَبْلَ أَنْ أَجِيءَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: اطْعَمُوا، فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اطْعَمُوا، قَالُوا: مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجيءَ رَبُّ مَنْزِلِنَا، قَالَ: اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ، فَأَبَوْا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَيَّ، فَلَمَّا جَاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ فَقَالَ:

مَا صَنَعْتُمْ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! فَسَكَتُّ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! فَسَكَتُّ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ! أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي لَمَّا جِئْتَ، فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: سَلْ أَضْيَافَكَ، فَقَالُوا: صَدَقَ أَتَانَا بِهِ، قَالَ: فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِي، وَاللهِ لَا أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ الآخَرُونَ: وَاللهِ لَا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ، قَالَ: لَمْ أَرَ فِي الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ، وَيْلَكُمْ مَا أَنْتُمْ لِمَ لَا تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ؟ هَاتِ طَعَامَكَ، فَجَاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، الأُولَى لِلشَّيْطَانِ، فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. (تَضَيَّف رَهْطًا)؛ أي: اتخذَهم ضَيفًا. (دونَك)؛ أي: خُذْهم والزَمْهم. (قِرَاهم)؛ أي: ضيافتهم، وفي إضافة القِرَى إليهم لطفٌ، كقول الشاعر: إذَا قَالَ قذْنِي قُلْتُ باللهِ حِلْفَةً ... لَتُغْنِي عَنِّي ذَا إنَائِكَ أَجمَعَا (لتلقَيَنَّ)؛ أي: الأذى وما يكرهُه. (يجد)؛ أي: يغضب. (يا غُنْثَر) بالمعجمة المضمومة والنون الساكنة والمثلثة المفتوحة: هو الجاهل، وقيل: اللئيم، وقيل: الثقيل، ويُروَى بالمهملة وبالمثناة المفتوحتين وسكون النون بينهما: هو الذباب، شبَّهَه بذلك تحقيرًا. (لما جئت)؛ أي: ألا جئت، أي: لا أطلبُ منك إلا مجيئَك، أو (ما) زائدة.

88 - باب قول الضيف لصاحبه: لا آكل، حتى تأكل

(كالليلة)؛ أي: لم أَرَ ليلًا مثلَ هذه الليلة في الشرِّ. (ويلَكم) ليس القصدُ به الدعاءَ عليهم. (مما) استفهامية. (ألا تَقبَلُون) بتخفيف اللام. (الأُولى)؛ أي: الحالةُ الأُولى، أو الكلمةُ القسيمةُ لِمَا تقدَّم في آخر (مواقيت الصلاة) في (باب السَّمَر مع الضيف): أنه قال: (إنما كان ذلك من الشيطان)، يعني: يمينَه، وإنما خالَفَ اليمينَ لِمَا هو خيرٌ؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (فَلْيَأتِ الذي هو خيرٌ، وَلْيُكفِّرْ عن يمينه). قال (ط): (الأُولى) يعني: اللُّقمة الأولى، ترغيمًا للشيطان؛ لأنه حملَه على الحَلف، وباللُّقمة الأولى وقعَ الحِنثُ فيها، قال: وإنما حَلَفَ لأنه اشتدَّ عليه تأخيرُ عشائهم، ثم لمَّا لم يَسَعْه مخالفةُ أضيافِه تركَ التمادي في الغضب، فأَكلَ معهم استمالةً لقلوبهم، وتقدَّمَتْ مَباحثُ الحديث. * * * 88 - بابٌ قَوْلِ الضَّيْفِ لِصَاحِبِهِ: لَا آكُلُ، حَتَّى تَأْكُلَ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قول الضَّيف لصاحبِه: لا آكُلُ حتى تَأكُل) قوله: (فيه حديثُ أبي جُحَيفة)؛ أي: المذكور آنفًا؛ إذ قال

سلمان: (ما أنا بآكلٍ حتى تأكلَ). * * * 6141 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِضَيْفٍ لَهُ أَوْ بِأَضْيَافٍ لَهُ، فَأَمْسَى عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ أُمِّي: احْتَبَسْتَ عَنْ ضَيْفِكَ، أَوْ أَضْيَافِكَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: مَا عَشَّيْتِهِمْ؟ فَقَالَتْ: عَرَضْنَا عَلَيْهِ، أَوْ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا أَوْ فَأَبَى، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَسَبَّ وَجَدَّع وَحَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ، فَاخْتَبَأْتُ أَنَا فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ! فَحَلَفَتِ الْمَرْأَةُ لَا تَطْعَمُهُ حَتَّى يَطْعَمَهُ، فَحَلَفَ الضَّيْفُ أَوِ الأَضْيَافُ أَنْ لَا يَطْعَمَهُ أَوْ يَطْعَمُوهُ حَتَّى يَطْعَمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَأَنَّ هَذِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا، فَجَعَلُوا لَا يَرْفَعُونَ لُقْمَةً إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، فَقَالَ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ! مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: وَقُرَّةِ عَيْنِي إِنَّهَا الآنَ لأَكْثَرُ قَبْلَ أَنْ نَأْكُلَ، فَأَكَلُوا وَبَعَثَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا. (ما عشَّيتِهم) في بعضها: (عشَّيتِيهم) بإشباع ياء المخاطبة. (وجزع) بالزاي، وفي بعضها: (جذع) بذال مهملة، أي: قال: يا مجذوعَ الأُذنيَن، أو دعا عليه بذلك. (فاختبَأتُ)؛ أي: احتَبَستُ خوفًا من خصومته. (المرأة)؛ أي: أُمُّ عبد الرحمن.

89 - باب إكرام الكبير، ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال

(يَطعَمَه)؛ أي: أبا بكر. (يَطعَمُوه)؛ أي: أَبو بكر وزوجتُه وابنُهما. (هذه)؛ أي: الحالة أو اليمين. (رَبَتْ)؛ أي: زادَتِ اللُّقمةُ أو البقيةُ. (أكثر) بالنصب. (فِرَاس) بكسر الفاء وخفة الراء وبالمهلمة: هي بنتُ عبدِ دُهْمان بضم المهملة وإسكان الهاء، أحد بني فِرَاس، واسمها: زينب، وهي مشهورةٌ بأُمِّ رُوْمان. (وقُرَّة) بالجرِّ، قيل: أرادَتِ القَسَمَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (أكثر)؛ أي: منها، فحُذفت صلتُه. * * * 89 - باب إِكْرَامِ الْكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ الأَكْبَرُ بِالْكَلَامِ وَالسُّؤَالِ (باب إكرام الكَبير) 6142 - و 6143 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ

ابْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَحُوَيَّصَةُ، وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَبِّرِ الْكُبْرَ"، قَالَ يَحْيَى: لِيَلِيَ الْكَلاَمَ الأَكْبَرُ، فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ، أَوْ قَالَ صَاحِبَكُمْ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ؟ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَمْرٌ لَمْ نَرَهُ، قَالَ: "فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ، فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قِبَلِهِ، قَالَ سَهْلٌ: فَأَدْرَكْتُ ناَقَةً مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ، فَدَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِهَا. 6143 / -م - قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ يَحْيَى: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مَعَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرٍ، عَنْ سَهْلٍ وَحْدَهُ. الحديث الأول: (في النَّخل)؛ أي: نخل خَيبر. (ومُحَيِّصة وحُوَيِّصة) بضم أولهما وتشديد يائهما وتخفيفها. (ابنا) مثنى. (صاحبهم)؛ أي: مقتولهم، وهو عبد الله. (الكُبْرَ) بالنصب، أي: قدِّمُوا، جمع: أكبَر، أي: قدِّمِ الأكابرَ للتكلُّم في تحقيق القضية، وإن كانت الدعوى إنما هي لأخيه عبد الرحمن.

(أيمان خمسين) بتنوين (أيمان)، وفي بعضها بإضافة (أيمان)، فيتعلَّق به الحَنَفيةُ في اعتبار العدد لا في الأيمان؛ لكن خالَفُوا الحديثَ في منعِهم تحليفَ المُدَّعِي في القَسَامة. (لم نَرَه)، أي: لم نشُاهِدْه. (فتُبْرِئكم)؛ أي: تُخلِّصُكم من اليمين، وحُكمُ القَسَامة مُخالفٌ لسائر الدعاوى؛ حيث كانت اليمينُ هنا على المُدَّعِي، ولعل ذلك لأجل أن المُدَّعِي هو الذاكرُ لأمرٍ خفيٍّ، والمُدَّعَى عليه من الظاهر معه، وهاهنا الظاهرُ مع المُدَّعِي اللَّوثُ، وهي قرينةٌ تُغلِّبُ على الظنِّ صدقَه، ومعنى نسبة الحَلِف إليهم مع أن الحالفَ هو الوليُّ وهو أخوه فقط: أنهما من جهتهم لا من جهة غُرَمائهم، ومعلومٌ عندَهم أن الحالفَ هو المُستَحِقُّ، والمعنى في كونها خمسين معظمُ أمرِ الدماء. (فوَدَاه) رُوِيَ: (ففداهم) بالفاء وجمع الضمير، وإنما عَقَلَه من عنده لأنه عاقلةُ المسلمين، فقطعَ - صلى الله عليه وسلم - النزاعَ وجَبَرَ خاطرَهم، وإلا فاستحقاقُهم لم يَثبُتْ لامتناعهم من الحَلِف. (مِن قِبَلِه) بكسر القاف، أي: من عنده، فيُحتمَل من خالص ماله، أو من بيت المال، ففيه: أن الإمامَ ينبغي أن يُراعِيَ المصالحَ العامةَ، وإصلاحُ ذاتِ البَين، وإثباتُ القَسَامة، والابتداءُ بيمين المُدَّعِي فيها، وردُّ اليمين على المُدَّعَى عليه عندَ النُّكُول، وجوازُ الحُكم على الغائب، وجوازُ اليمين بالظنِّ، وصحةُ يمين الكافر.

(مِرْبَدًا) بكسر الميم وإسكان الراء وفتح الموحدة وبمهملة: موضعٌ يَجتمعُ فيه الإبلُ. (فرَكَضَتْني)؛ أي: رَفَسَتْني، وأراد به ضبطَ الحديث وحفظَه، ومرَّ الحديثُ آخرَ (الجهاد). (قال اللَّيث) وصلَه مسلم والتِّرْمِذي والنَّسَائي. (وقال ابنُ عُيَينة) وصلَه مسلم والنَّسَائي. * * * 6144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلَا تَحُتُّ وَرَقَهَا"، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ النَّخْلَةُ"، فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ: يَا أَبَتَاهْ! وَقَعَ فِي نَفْسِي النَّخْلَةُ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا؟ لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا مَنَعَنِي إِلَّا أَنِّي لَمْ أَرَكَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا، فَكَرِهْتُ. الثاني: (مثلها)؛ أي: صفتها. (فكرهتُ أن أتكلَّمَ)؛ أي: بحضور مَن هو أكبرُ مني، ففيه:

90 - باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه

إكرامُ الكبير، وتقديمُه في الكلام في جميع الأمور إلا أن يَتخصَّصَ الصغيرُ بعلمٍ، فيجوز أن يتقدَّمَ به، ولا يُعدُّ ذلك سوءَ أدبٍ ولا تنقيصًا للكبير، ولذلك قال عمرُ: (لو قلتَها لَكانَ أحبَّ إلَيَّ). * * * 90 - بابٌ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالْحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ وَقوْلِهِ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ. (باب ما يَجوزُ من الشِّعْر) وهو كلامٌ مُقفًّى موزونٌ بالقصد. (والرَّجَز) سُمِّي بذلك لتقارُبِ أجزائه وقلةِ حروفه. (والحُدى) سَوقُ الإبل والغِناءُ لها، وهو بضم الحاء وكسرها مقصور. * * *

6145 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَم أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً". 6146 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ، فَقَالَ: "هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ". الحديث الأول: (دَمِيت) بفتح المهملة وكسر الميم، وأما تاء القافية ففي الرَّجَز مكسورةٌ، وفي الحديث ساكنةٌ، وسبق الحديثُ أولَ (الجهاد)، ووجهُ الجمع بين قوله - صلى الله عليه وسلم - وبين قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69]؛ إما أن الرَّجَزَ ليس بشعرٍ كما قاله الأخفش، أو قاله حكايةً عن شِعْرِ الغير، أو المرادُ: نفيُ صفة الشِّعرِ لا نفسِه. * * * 6147 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ"، وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ.

الثالث: (كلمة) المرادُ بها هنا: قطعةٌ من الكلام. (لَبِيْد) بفتح اللام وكسر الموحدة وإهمال الدال: ابنُ رَبيعةَ -بفتح الراء- العامري الصحابي، عاشَ مئةَ عامٍ وأربعًا وخمسين سَنةً، مات في خلافة عثمان - رضي الله عنه -. (باطل)؛ أي: فانٍ مُضمحِلٌّ. (وكاد أُمَيَّة) بضم الهمزة وخفة الميم وتشديد الياء. (ابن أبي الصَّلْت) بفتح المهملة وإسكان اللام وبمثناة: الثقفي، وفي "مسلم": (عن عمرو بن الشَّرِيد -بفتح المعجمة وكسر الراء وبمهملة- عن أبيه قال: رَدفتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: هل معك من شِعر أُميةَ شيءٌ؟ فقلتُ: نعم، فقال: هِيْهِ، فأنشدتُه بيتًا، فقال: (هِيْهِ)، حتى أنشدتُه مئةَ بيتٍ، فقال: إن كادَ لَيُسلِمُ)، و (هِيْهِ): كلمةُ استزادةٍ مبنيةٌ على الكسر، تُنوَّن ولا تُنوَّن، ففيه: أن بعضَ الشِّعر محمودٌ. * * * 6148 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْناَ لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيهَاتِكَ؟ قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ "، قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكوَعِ، فَقَالَ: "يَرْحَمُهُ اللهُ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْناَهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذِهِ النِّيرَانُ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ "، قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: "عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ ". قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَهْرِقُوهَا وَاكسِرُوهَا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: "أَوْ ذَاكَ"، فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُباب سَيْفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاحِبًا، فَقَالَ لِي: "مَا لَكَ؟ "، فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: "مَنْ قَالَهُ؟ "، قُلْتُ: قَالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ".

الرابع: (عامر) هو أخو سَلَمة، إلا إن قلنا: إن سَلَمةَ هو ابنُ عمرو بن الأكوع، فيكون عمَّه. (هُنَيهَاتك) جمع: هُنَيَّة، مُصغَّر: الهَنَة؛ إذ أصله: هَنْوَة، وهو الشيءُ الصغيرُ، والمرادُ الأراجيزُ. (يَحدُو)؛ أي: يَسُوقُ، والرواية: (اللهم)، والموزون: (لاهُمَّ). (فداء لك)؛ أي: لرسولك. قال المَازَرِي: لا يُقال للهِ: فِدىً لك، إنما يُستعمَل في مكروهٍ يُتوقَّع حلولُه بالشخص، فيَختار شخصٌ أن يَحلَّ ذلك له ويَفديه، فهو إما مجازٌ عن الرِّضا، كأنه قال: نفسي مبذولةٌ لرِضاك، وهذه الكلمةُ في البيت خطابًا لسامع الكلام، ولفظ (فدى) مقصورٌ وممدودٌ، مرفوعٌ ومنصوبٌ. (اقتَفَينا)؛ أي: اتَّبَعْنا أثرَهنَّ، وقال (ط): اغفِرْ ما ركبنا من الذنوب، و (فداءً لك): دعاءٌ أن يَفديَه اللهُ من عقابه على ما اقتَرفَ من ذنوبه، كأنه قال: اغفِرْ لي وافدِنِي منه فداءً لك، أي: من عندك، فلا تُعاقِبْني به، ولفظ (لك): تبيينٌ لفاعلِ الفداء المَعنِيِّ بالدعاء، أي: فتكون اللامُ كلامِ (هيتَ لك)، وفي بعضها: (أبقينا)، أي: افدِناَ من عقابك فداءً ما أبقينا من الذنوب، أي: ما تَركْنَاه مكتوبًا علينا، قال: ورُوِيَ: (فداءٍ) بالخفض، شبَّهه بـ: (أمسِ) على الكسر.

(أَبَينا) من الإباء عن الفرار وعن الباطل، وفي بعضها: (أتينا)، من الإتيان. (عَوَّلوا)؛ أي: حملوا علينا بالصياح لا بالشجاعة، ولا ينافي هذا ما سبق في (الجهاد): أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقولها في حفر الخَندق، وأنها من أراجيز ابن رَوَاحةَ؛ لأنه يجوز وقوعُ الأمرَين، ولا محذورَ أن يَحدوَ الشخصُ بشِعرِ غيرِه. (وجبت)؛ أي: الشهادة، وكانوا قد عرفوا أنه إذا استَغفرَ لأحدٍ عندَ الوقعة وفي المَشَاهد يُستَشهَد، فلما سمع عُمرُ - رضي الله عنه - ذلك قال: (يا رسولَ الله! لو أَمتَعتَنا بعامرٍ)، أي: لو تركتَه لنا، فبارَزَ يومَئذٍ، فرجعَ سيفُه على ساقه، فقَطعَ أكحلَه، فمات. (حُمر الإنْسِية) بكسر الهمزة وسكون النون وبفتحهما، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته. (نُهرِيقها) بسكون الهاء وفتحها وبحذفها. (ويرجع) بالرفع. (ذُباب)؛ أي: طرف. (قَفَلُوا): رجعوا. (شاحبًا)؛ أي: مُتغيِّر اللَّون. (حَبِطَ) بكسر الموحدة، أي: بَطَلَ. (وأُسَيد بن الحُضَير) مُصغَّران.

(لأجرَين)؛ أي: أجرُ الجُهد في الطاعة، وأجرُ المجاهدة في سبيل الله. (مشى بها) بهذه الخصلة الحميدة، وهي الجهادُ مع الجُهد، وفي بعضها: (نشأ) بلفظ الماضي، من: النَّشْء بالهمز والهاء، عائدةٌ إلى الحرب أو بلاد العرب، أي: قليلٌ من العرب نَشَأ بها. وفي الحديث وجوهٌ أُخَرُ تقدَّمت في (غزوة خَيبر)، وقال (ط): يُحتمَل أن الأجرَين من جهة أنه لما أَمَاتَ نفسَه، وقتلَها في سبيل الله ضُوعفَ أجرُه، أو يكون أحدُهما لموته والآخرُ للجزاء الذي به تقويةُ نفوس المسلمين، لِمَا فيه من ذكر الشجاعة ونحوه. * * * 6149 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: "وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ! رُوَيْدَكَ، سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ"، قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَلِمَةٍ، لَوْ تَكَلَّمَ بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: "سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ". الخامس: (يا أَنْجَشَة) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم والمعجمة: غلامٌ أسودُ كان حاديًا، وكان في سَوقه عُنفٌ، فأمرَه أن يَرفقَ بالمَطَايا، فيَسُوقهنَّ كما تُسَاقُ الدابةُ إذا كان حملُها القواريرَ.

قال (خ): وجهٌ آخرُ وهو أنه كان حسنَ الصوت، فكرهَ أن يُسمعَهنَ الحُدَاءَ، فتتحرَّك نفوسُهنَّ، فشبَّه ضعفَ عزائمِهنَّ وسرعةَ تأثير الصوت فيهن بالقوارير في سرعة الآفة إليها، وهذا معنى قوله: (رُوَيدَك): اسم فعل، بمعنى: أَمهِلْ، والكافُ حرفُ خطابٍ. (سَوقَك) مفعول لـ (رُوَيد). (بالقَوَارير)؛ أي: قواريرُ الزُّجاج، شبَّه النساءَ بهنَّ فيما سبق. (بكلمة)؛ أي: وهي قوله: (سَوقَك بالقوارير). (لَعِبتُمُوها) قال (ك): لعله بالنظر إلى أن شرطَ الاستعارة أن يكونَ وجهُ الشبَه جليًّا بين الأقوام، وليس بين القارورةِ والمرأةِ وجهُ التشبيه ظاهرًا، أو الحقُّ أنه كلمةٌ في غاية الحسن والبلاغة والسلامة من العيب، ولا يَلزَمُ في الاستعارة أن يكونَ جلاءُ الوجه من حيث ذاتُها؛ بل يكفي الجلاءُ الحاصلُ من القرائن التي تجعل الوجهَ جليًّا ظاهرًا، كما هنا، فالعَيبُ في العائب. وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَولًا صَحِيحًا ... وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ ويُحتمَل أن قصدَ أبي قِلابةَ أن هذه الاستعارةَ تَحسُنُ من النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في البلاغة، ولو صدَرَتْ ممن لا بلاغةَ له لَعِبتُمُوها، وهذا اللائقُ بمنصب أبي قِلابة - رضي الله عنه -. وقال (ط): القواريرُ كنايةٌ عن النساء على الإبل، فأَمرَه بالرِّفق في حُدَاء الإبل لئلا يَسقُطْنَ، وهي استعارةٌ بديعةٌ، لأن القواريرَ أسرعُ

91 - باب هجاء المشركين

الأشياء تكسُّرًا، فأفادَتِ الاستعارةُ من الحضِّ على الرِّفق ما لم تُفِدْه الحقيقةُ، وحاصلُ ما قصدَ في الباب: أن الشِّعرَ كالكلام؛ فما فيه ذكرُ تعظيم الدنيا والكذبُ الباطلُ والفحشُ فمذمومٌ، وما فيه تعظيمُ الله تعالى وتحقيرُ الدنيا ونحوه فمحمودٌ وحكمةٌ. * * * 91 - بابٌ هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ (باب هجاء المشركين) أي: ذمهُّم في شِعرٍ. 6150 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَكَيْفَ بِنَسَبِي؟ "، فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لَا تَسُبُّهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (لأَسُلَّنَّكَ)؛ أي: لأَتلطَّفَنَّ في تخليص نَسَبِك من هجوهم،

بحيث لا يبقى منه شيءٌ ينالُه هجوٌ، كالشَّعرة إذا انسلَّت من العجين، لا يبقى شيءٌ منه عليها. قال (ط): أي: أَهجُوهم بأفعالهم وبما يختصُّ عارُه بهم. (أَسُبُّ حسَّان)؛ أي: لأنه كان موافقًا أهل الإفك فيه. (يُنَافح) بإهمال الحاء: يُدافع ويُخاصم، وسبق في (مناقب قريش). * * * 6151 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ الْهَيْثَمَ بْنَ أَبِي سِنَانٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي قَصَصِهِ يَذْكُرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أَخًا لَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ". يَعْنِي بِذَاكَ ابْنَ رَوَاحَةَ قَالَ: فِينَا رَسُولُ اللهِ يَتْلُو كتَابَهُ ... إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْكَافِرِينَ الْمَضَاجِعُ * تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَالأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. الثاني: (قَصَصه) بفتح القاف وكسرها.

(الرَّفَث) بالمثلثة: الفُحش من القول. (ساطع)؛ أي: مرتفع. (العَمَى)؛ أي: الضلال، ففي البيت الأول الإشارةُ إلى عِلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي الثالث إلى عَمله؛ فهو الكاملُ علمًا وعملًا، وفي الثاني إلى تكميل الغير به، فهو كاملُ مُكملٌ - صلى الله عليه وسلم -، وسبق في (كتاب التهجُّد). (تابعَه عُقَيل) وصلَه الطبَراني في "الكبير". (وقال الزُّبَيدي) وصلَه الطبَراني أيضًا، والبخاري في "تاريخه الصغير". * * * 6152 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَيَقُولُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! نَشَدْتُكَ بِاللهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَا حَسَّانُ! أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوح الْقُدُسِ"؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. الثالث: (نَشَدتُك الله)؛ أي: أَقسَمتُ عليك بالله وسألتُك به. (أجِبْ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: دافِعْ عنه، وعَبَّرَ بـ (أَجِبْ)

92 - باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن

لأنهم كانوا هجَوا المسلمين. (أيِّدْه) التأييد: التقوية. (القُدُس) بضم الدال وسكونها. قال (ط): هَجوُ الكافر من أفضل الأعمال، ويَكفي قولُه - صلى الله عليه وسلم -: (اللهمَّ أيِّدْه) فضلًا وشرفًا للعمل والعامل، هذا إذا كان جوابًا، وإلا فقد قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية [الأنعام: 108]. * * * 6153 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ابْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِحَسَّانَ: "اهْجُهُمْ، أَوْ قَالَ: هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ". الرابع: (معك)؛ أي: بالتأييد والمَعونة. * * * 92 - بابٌ مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الإِنسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ (باب ما يُكرَه أن يكونَ الغالبُ على الإنسانِ الشِّعر) 6154 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ، عَنْ سَالِمٍ،

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". 6155 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شعْرًا". الحديث الأول، والثاني: (قَيحًا) هو المِدَّةُ لا يُخالطُها دمٌ. (يَرِيه) بفتح أوله وإسكان ثالثة، من: الوَرَى، يقال: وَرَى القَيحُ جوفَه يَرِيه وَرْيًا، نحو: وَقَى يَقِي، أي: أَكلَه، وقال أَبو عُبيدة: الوَرْيُ: هو أن يأكلَ القَيحُ جوفَه ويُفسدَه، وقيل: معناه: حتى يُصيبَ رئتَه، ورُدَّ بأن الرِّئَةَ مهموزٌ. قال أَبو الفَرَج: في حديث سعد: (حتى يَرِيَه)، وهاهنا بإسقاط (حتى)، فتَرَى جماعةً من المُبتدئين يَنصبُون (يَرِيه) هاهنا جريًا على العادة في ما فيه (حتى)، وليس هنا ما يُنصَب، سمعتُه من ابن الخَشَّاب. قال (ش): رواه الأَصِيلي بالنصب على بدل الفعل من الفعل، وإجراء إعراب (يمتلئ) على (يريه)، وفيه: أنه رخَّصَ في القليل من الشِّعر، وأن المذمومَ هو الاستيلاءُ والغَلَبةُ. * * *

93 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تربت يمينك" "وعقرى حلقى"

93 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَرِبَتْ يَمِينُكَ" "وَعَقْرَى حَلْقَى" (باب قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: تَرِبَتْ يمينُك) هي كلمةٌ تجري على الألسنة لا يُرَادُ بها الدعاءُ عليهم. 6156 - حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَ مَا نزَلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ. قَالَ: "ائْذَنِي لَهُ، فَإنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ"، قَالَ عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. الحديث الأول: سبق في (الشهادات) و (الرَّضاع). (أَفلَح) بفتح الهمزة واللام وبالفاء. (القُعَيس) بضم القاف. * * *

94 - باب ما جاء في "زعموا"

6157 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْفِرَ، فَرَأَى صَفِيَّةَ عَلَى باب خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً لأَنَّهَا حَاضَتْ، فَقَالَ: "عَقْرَى حَلْقَى، لُغَةُ قُرَيْشٍ، إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا"، ثُمَّ قَالَ: "أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ"، يَعْنِي الطَّوَافَ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "فَانْفِرِي إِذًا". الثاني: (يَنْفِر) بكسر الفاء: يرجع من الحَج. (الخِبَاء) بالمد: الخَيمة. (كئيبة) من الكآبة، وهي سوءُ الحال والانكسارُ من الحُزن. (عَقرَى حَلقَى) سبق بيانُه في (الحج) في (باب التمتُّع)، وإنما هي كلمةٌ اتسعَتْ فيها العربُ، لا سيما قريش، لا يقصدون حقيقةَ معناها. (أَفَضْتِ)؛ أي: طفتِ طوافَ الإفاضة، فلا يجب عليك طوافُ الوداع، فارجعِي غيرَ محزونةٍ لتمامِ أركانِ حَجِّك. * * * 94 - باب مَا جَاءَ فِي "زَعَمُوا" (ما جاء في زعموا)؛ أي: في قول: (زعموا)؛ ففي المثل: زَعَمُوا

مَظنَّةُ الكذب، ورُوى في الحديث: "زَعَمُوا بئسَ مَطيَّةُ الرجل"، معناه: أن مَن أَكَثَرَ الحديثَ بما لا يَعلَمُ صدقَه لا يُؤمَنُ عليه الكذبُ. * * * 6158 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ "، فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ"، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ ركَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"، قَالَتْ أُمُّ هَانئٍ: وَذَاكَ ضُحىً. (أُمّ هانئ) اسمها: فاختة. (ثمان) بفتح النون. (انصرف)؛ أي: من الصلاة. (زعم)؛ أي: قال؛ فإنه قد استُعمل في القول المُحقَّق. (ابن أُمِّي)؛ تعني: عليًّا - رضي الله عنه -. (قاتل) اسم فاعل بمعنى الاستفعال. (آجرته) بقصر الهمزة، أي: آمنتُه وجعلتُه ذا أمنٍ.

95 - باب ما جاء في قول الرجل: "ويلك"

(هُبَيرة) قيل: اسمه الحارث بن هشام المَخزومي، كما سبق في (الصلاة)، وأن فيه ندبَ صلاةِ الضُّحى، والترحيبَ بالداخل، وإجارةَ الكافر، والتكلُّمَ بزعمٍ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُنكِرْ ذلك ولا جعلَها كاذبةً بذِكرِها. * * * 95 - بابٌ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: "وَيْلَكَ" (باب ما جاء في قول الرجل: وَيلَك) (ويل): إن كان مضافا فلازمُ النصب مفعولًا مطلقًا لعاملٍ وجبَ حذفُه، و (ويح) مثلُه، إلا أن (ويل) كلمةُ عذابٍ، و (ويح) كلمةُ رحمةٍ، وقيل: هما بمعنىً. 6159 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: "ارْكَبْهَا"، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: "ارْكَبْهَا"، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: "ارْكَبْهَا وَيْلَكَ". الحديث الأول: (بَدَنة) ناقةٌ تُنحَر بمكةَ، يعني: أنها هَدْيٌ يُسَاقُ إلى الحَرَم. * * * 6160 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنٌ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ

الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ لَهُ: "ارْكَبْهَا"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: "ارْكَبْهَا وَيْلَكَ"، فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ. الثاني: (أو الثالثة) شكٌّ من الراوي: هل قال ذلك في الثانية أو الثالثة. * * * 6161 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، وَكَانَ مَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ أَسْوَدُ، يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ يَحْدُو، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ! رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ". الثالث: سبق شرحُه قريبًا. * * * 6162 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "وَيلَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ ثَلاَثًا، مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلاَنًا، وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي

عَلَى اللهِ أَحَدًا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ". الرابع: (قَطَعتَ عنقَ) مجازٌ عن الإهلاك، فهو كالقتل، إلا أن هذا دِينِيٌّ والقتلُ دُنيويٌّ. (لا مَحالةَ) بفتح الميم، أي: لا بدَّ. (حَسِيبُه)؛ أي: مُحاسبُه على عمله. (ولا أُزكِّي)؛ أي: لا أَشهَدُ؛ لأنه لا يَعرفُ باطنَه، أو لا يقطع بذلك؛ لأن عاقبةَ أمره لا يَعلَمُها إلا اللهُ تعالى، والجملتان مُعترضتان، و (إن يعلم) مُتعلِّقٌ بقوله: (فليقل)، وسبق شرحُه قريبًا في (باب ما يُكرَه من التمادُح). * * * 6163 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْوَلْيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَالضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُويصِرَةِ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ-: يَا رَسُولَ اللهِ! اعْدِلْ، قَالَ: "وَيْلَكَ! مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ"، فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: "لَا، إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْم مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ

شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ قَاتَلَهُمْ، فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى، فَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (الخُوَيصِرة) تصغير: خاصرة بمعجمة ثم مهملة، وسبقت صفتُه أنه غائر العينَين ... إلى آخره، في (كتاب الأنبياء) في (باب هود)، والقِسمةُ كانت في ذهيبةٍ بعثَ بها عليٌّ - رضي الله عنه - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ نعم، سبق هناك أن خالدًا أرادَ قتلَه، وهنا أن عمرَ استأذنَ في قتله؛ لكن هناك إنما قال أَبو سعيد: (أَحسِبُ)، وأيضًا فيُحتمَل أن كلًّا منهما قصدَ ذلك. (فأضرب) بالنصب، وفي بعضها: (فَلأضرِب) بالنصب والجزم، والفاء هنا مثل: (اشفَعُوا فَلْتُؤجَرُوا)، وسبق تقريرُه في (باب: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85])، وقال الأخفش: زائدة. (كمُرُوق) هو نُفُوذُه حتى يخرجَ من الطرف الآخر.

(الرَّمِيَّة) فَعيلة من الرَّمي، بمعنى مفعول. (رِصَافه) جمع: رَصَفَة بالراء والمهملة والفاء: عصبةٌ تُلوَى فوقَ مَدخل النَّصْل. (شيء)؛ أي: من أثر النفوذ في الصيد، من دمٍ أو نحوه. (نَضِيِّه) بفتح النون وكسر المعجمة الخفيفة وتشديد الياء: القِدح، أي: عُود السَّهم، وقيل: هو ما بين النَّصل والرِّيش. (قُذَذِه) جمع: قُذَّة بضم القاف وتشديد المعجمة: ريشُ السَّهم. (الفَرْث والدم)؛ أي: بحيث لم يتعلَّقْ به شيءٌ منهما، ولم يَظهَرْ أثرُهما فيه، وهذا تشبيهٌ، أي: طاعاتُهم لا يحصلُ لهم بها ثوابٌ؛ لأنهم مَرَقُوا من الدِّين بحسب اعتقاداتهم، وقيل: المرادُ من الدِّين طاعةُ الإمام، وهم الخوارج. (حين فُرقة)؛ أي: افتراق الأُمَّة، وفي بعضها: (خير فِرقة)، أي: أفضل طائفة. (آيتهم)؛ أي: علامتهم. (يدَيه) تثنية: يد، وفي بعضها بمثلثة ثم مهملة ثم ياء. (البَضْعَة) بفتح الموحدة: قطعةٌ من اللحم. (تَدَردَر) بمهملتين وتكرير الراء: تضطرب وتتحرَّك، وهذا الرجلُ إما أميرُهم، وإما رجلٌ منهم، وهم خرجوا على عليٍّ - رضي الله عنه -، فقاتَلَهم بالنهروان بقرب المدائن.

(فالتُمس) بالبناء للمفعول، وفيه: معجزةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَنقَبَةٌ لعليٍّ - رضي الله عنه -، سبق في (باب علامات النبوة). * * * 6164 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَكْتُ. قَالَ: "وَيْحَكَ"، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً"، قَالَ: مَا أَجِدُهَا، قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: "فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا"، قَالَ: مَا أَجِدُ، فَأُتِيَ بِعَرَقٍ، فَقَالَ: "خُذْهُ فَتَصَدَّقْ بِهِ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعَلَى غَيْرِ أَهْلِي؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيِ الْمَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنِّي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ: "خُذْهُ". تَابَعَهُ يُونُس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيْلَكَ. السادس: (بِعَرَق) بفتح المهملة والراء: قُفَّةٌ منسوجةٌ من الخُوص. (طُنبي المدينة) الطُّنُب: حَبلُ الخِباء، والجمع: أَطنَاب، شبَّه المدينةَ بفسطاطٍ مضروبٍ، وحَرَّتَها بالطُّنبَينِ، أراد ما بين لاَبَتَيها أحوجُ منه، وسبق الحديثُ في (باب التبسُّم)، و (الصوم)، والجوابُ عن

قوله: (حتى بَدَتْ نواجذُه). (تابعَه يونس) وصلَه البَيْهَقي. (وقال عبد الرحمن) وصلَه الذُّهْلي. * * * 6165 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: "وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَهَلْ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا". السابع: (الهجرة)؛ أي: تركُ الوطن إلى المدينة. (لن يَتِرَك) من وَتَرَ، أي: نَقَصَ، كما قال تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]، وفي بعضها: (لن يَترُك)، من التَّرك. (من عملك)؛ أي: من ثواب عملك، والقصدُ: أن القيامَ بحق الهجرة شديدٌ، فاعمَلِ الخيرَ حيث ما كنتَ في أبعد ما يكون من المدن؛ فإن اللهَ لا يُضيعُ أجرَ عملك، وسبق الحديثُ في (الزكاة). * * *

6166 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ويْلَكُمْ، أَوْ وَيْحَكُمْ، -قَالَ شُعْبَةُ: شَكَّ هُوَ- لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". وَقَالَ النَّضْرُ عَنْ شُعْبَةَ: وَيْحَكُمْ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ. الثامن: (وَيلَكم أو وَيحَكم) قال (ط): لا يُرادُ بـ (وَيلَك) الدعاءُ بإيقاع الهَلَكة لِمَن خُوطِبَ بها، وإنما يُرَادُ المدحُ والتعجُّبُ، كما يقال: تَرِبَتْ يداك، ونحوه. (وقال النَّضر) وصلَه إسحاق بن رَاهَوَيهِ عنه. (وقال عُمر بن محمد) موصولٌ في (المغازي). * * * 6167 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: "وَيْلَكَ! وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ "، قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: "إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"، فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ" قَالَ: "نَعَمْ"، فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا، فَمَرَّ غُلاَمٌ لِلْمُغِيرَةِ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي، فَقَالَ: "إِنْ أُخِّرَ هَذَا فَلَنْ

يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ"، وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. التاسع: (قائمة) بالنصب والرفع. (إلا أني أُحبُّ الله) يُحتمَل أن يكونَ الاستثناءُ متصلًا ومنقطعًا. (ففرحنا) سببُ فرحهم أن كونَهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدلُّ على أنهم من أهل الجنة؛ نعم، لا يَلزَمُ من كونهم معه، وهو في أعلى الدرجات، أنهم مُساوون له في ذلك، فإن المَعيَّةَ لا تنافي التفاوتَ في الدرجات. (غلام للمُغيرة) لمسلم: (فمرَّ غلامٌ من الأنصار اسمه محمد) كما سيأتي. (أُخِّر)؛ أي: لم يَمُتْ في صغرِه، ويعيشُ لا يَهرَمُ حتى تقومَ الساعةُ. قال (ك): وهذا الخبرُ من المُشكِلات، وتوجيهُه: أنه تمثيلٌ لقُرب الساعة، ولم يُرِدْ فيه حقيقتَه؛ إذ الهَرَمُ لا حدَّ له، أو الجزاءُ محذوفٌ، وقال (ع): المرادُ بـ (الساعة) ساعتَهم، أي: موتَ أولئك القَرن أو أولئك المُخاطَبين، وقال (ن): يُحتمَل أنه - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ أن الغلام لا يُؤخَّر، ولا يُعمَّر، ولا يَهْرَم، واسمُ الغلام المذكور سعدٌ، وهو دَوسيٌّ كما في "النَّسَائي"، ولمسلم: (فمرَّ غلامٌ من الأنصار اسمُه

96 - باب علامة حب الله عز وجل

محمدٌ)، فيُحمَل على التعدُّد. * * * 96 - باب عَلاَمَةِ حُبِّ اللهِ عز وجل لِقَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. (باب علامة الحُبِّ في الله عز وجل) يُحتمَل أن المرادَ مَحبةُ الله للعبد، أو مَحبةُ العبد لله، أو مَحبةُ العبادِ بعضِهم لبعضٍ في الله؛ لا لرِيَاءٍ ولا لِهوىً، والآيةُ شاهدةٌ للأَولَين، واتِّباعُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - علامةٌ للأولى، لأنها ناشئةٌ عن الاتباع، وللثانية؛ لأنها سببُه، ومعنى المَحبة من الله: إرادةُ الثواب، أو من العبد: إرادةُ الطاعة. 6168 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". 6169 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ

قَوْمًا، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". تَابَعَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول، والثاني: (جاء رجل) هو أَبو ذَرٍّ، رواه أحمد وأبو موسى، كما سبق في (مناقب عُمر). (ولم يلحق بهم)؛ أي: في العمل والفضيلة. (مع مَن أَحبَّ)؛ أي: في الجنة، داخلٌ في زُمرَتهم. قال (خ): أَلحقَه - صلى الله عليه وسلم - بحسن النيَّة من غيرِ زيادةِ عملٍ بأصحابِ الأعمالِ الصالحةِ. قال (ط): فيه: أن مَن أَحبَّ عبدًا لله فإن اللهَ يجمع بينهما في جنَّته، وإن قصَّرَ عن عمله؛ فإنه أحبَّهم لأجل طاعتهم، فأثابَه اللهُ ثوابَ تلك الطاعة؛ إذ النيَّةُ هي الأصلُ، والعملُ تابعٌ لها، {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 247]. (تابعَه جرير) وصلَه أَبو نُعيم في كتاب "المُحبين". (وسليمان) وصلَه مسلم. (وأبو عَوانة) هو في "صحيحه" موصولٌ. * * *

6170 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، قَالَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ. الثالث: (ولمَّا) هو أبلغُ في النفي بـ (لم)؛ نعم، فيها إشعارٌ بأنه يَتوقَّعُ اللحوقَ قاصدًا لتلك المرتبة، ساعيًا في تحصيلها، ولكلِّ امرئٍ ما نَوَى. (تابعَه أَبو معاوية ومحمد بن عُبيد) في "مسلم"، و"مسند الحسن بن سفيان". * * * 6171 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: مَتَّى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ "،، قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". الرابع: (ما أعددت لها؟) سَلَكَ في الجواب أسلوبَ الحكيم؛ لأن هذا

97 - باب قول الرجل للرجل: اخسأ

هو الأهمُّ من السؤال عن مجيئها. (كبير) بموحدة أو مثلثة. قال (ش): في مطابقة هذه الأحاديث للترجمة عُسرٌ. قلت: زال العُسرُ بما سبقَ من تقرير بيانها. * * * 97 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: اخْسَأْ (باب قول الرجل: اِخْسَأ) 6172 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لاِبْنِ صَائِدٍ: "قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَمَا هُوَ؟ "، قَالَ: الدُّخُّ، قَالَ: "اخْسَأْ". 6173 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "أتشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ "، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَرَضَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -،

ثُمَّ قَالَ: "آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ"، ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: "مَاذَا تَرَى؟ "، قَالَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا"، قَالَ: هُوَ الدُّخُّ. قَالَ: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ". قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ يَكُنْ هُوَ لَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلَا خَيرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". 6174 - قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَفِقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهْوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: أَيْ صَافِ، وَهْوَ اسْمُهُ، هَذَا مُحَمَّدٌ، فتنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكتْهُ بَيَّنَ". 6175 - قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ".

الحديث الأول، والثاني: (خَبِيئًا)، بوزن فعيل، وسبق حديثُ ابن صَيَّاد في (الجهاد) وغيره. (اخْسَأْ) يقال: خَسَأتُ الكلبَ: طردتُه، وخَسَأَ هو، أي: بَعُدَ، فالفعل مُتعدٍّ ولازمٌ؛ وكذا أشار إليهما البخاريُّ، وقيل: اخسَأ زَجرٌ وإبعادٌ، قال تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]، في رفع العذاب عنكم؛ فكلُّ مَن عَصَى اللهَ يُخاطَب بمثل ذلك تغليظًا ليَرجعَ، وفي بعضها: (اِخْسَ) بحذف الهمزة تخفيفًا. (قِبَل) بكسر القاف، أي: جهة. (أُطُم) بضم الهمزة والمهملة. (مَغَالة) بفتح الميم والمعجمة، والمرادُ: ما كان على يمينك إذا وقفتَ آخرَ البلاط مُستقبلَ مسجد النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (الحُلم) البلوغ. (الأُميِّين) العرب. (فَرَضَّه) بالمعجمة: دفعَه حتى وقعَ وتكسَّرَ، وبالمهملة: إذا قَرَّبَ بعضَه إلى بعضٍ؛ قال تعالى: {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، وصوَّب (خ): أن رَصَّه بمهملة، أي: ضَغَطَه، وأنه بالإعجام غلطٌ، ووقع في "مسلم": (فرَفَصَه)، وقال المَازَرِي: أقربُ منه أن يكونَ: (فرَفسَه) بالسين، أي: برِجلِه. (الدُّخّ)؛ أي: الدخان. قال (خ): أراد أن يقول: الدخان، فلم يُمكِنْه؛ لأنه كان في

لسانه شيءٌ، ولا معنى للدخان هنا؛ لأنه ليس مما يُخبَأ في الكُمِّ أو الكفِّ، بل الدُّخُّ نبتٌ بين النخيلات، إلا أن يكونَ المرادُ بـ (خبأت): أَضمَرتُ اسمَ الدخان أو آيةَ الدخان، وهي: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، وهو لم يَهتدِ منها إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكَهَنة، ولهذا قال: (لن تجاوزَ قَدرَك)، أي: وقَدْرَ أمثالك من الكُهَّان الذين يحفظون من الشياطين كلمةً واحدةً من جملةٍ كثيرةٍ مختلطةٍ صدقًا وكذبًا، بخلاف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فإنه يُوحَى إليهم من علم الغَيب واضحًا جليًّا. (إن يكن هو) لفظ (هو) تأكيدٌ للضمير المستتر، أو وَضعَ (هو) موضعَ إياه، وهو راجعٌ إلى الدجَّال، وإن لم يتقدَّم ذِكرُه لشهرته، وإنما مَنعَ - صلى الله عليه وسلم - عُمرَ من ضرب عنقِه، وهو يدَّعي النبوَّةَ بحضرته، لأنه دونَ البُلوغ، أو في أيام مُهادنة اليهود. (يَؤُمَّان): يقصدان. (يَخْتِل) بسكون المعجمة وكسر المثناة، أي: يَطلُبُ مستغفلًا له؛ ليَسمعَ شيئًا من كلامه في خلوته؛ ليُظهرَ للصحابة أنه كاهنٌ. (قَطِيفة): كِسَاء له خَملٌ. (رَمرَمة) بالراء المكررة: هو الصوت الخفي؛ وكذا بالزاي، وفي بعضها: (رمزة)، أي: إشارة، وفي بعضها: (زمرة)، من المزمار. (صاف) بمهملة وفاء. (بَيَّنَ)؛ أي: باختلاف كلامه ما يُهوِّنُ عليكم شأنَه، وسبق

98 - باب قول الرجل "مرحبا"

الحديثُ أيضًا في (الجنائز) في (باب إذا أَسلَمَ الصبي). (نوح) ذُكِرَ ثانيًا بعد تعميم الأنبياء لأنه أبو البشَر الثاني، وذُريتُه هم الباقون في الدنيا، وسبق في (كتاب الأنبياء). (أعور) عدمُ إلهية الدجَّال من المعلوم بالبراهين القاطعة، وإنما قَرَّبَ للقاصرين عن إدراك المعقولات بذِكرِ ذلك؛ إذ الناقصُ عدمُ صلاحيته ظاهرٌ. * * * 98 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ "مَرْحَبًا" وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السَّلاَمُ: "مَرْحَبًا بابنَتِي"، وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ". (باب قول الرجل: مَرحَبًا) قيل: منصوب بالمصدرية، وقيل: مفعول به، أي: أَتيتَ أو لَقيتَ سعةً لا ضيقًا، وقيل: فيه معنى الدعاء. (قالت عائشة) وصلَه في (علامات النبوة). (وقالت أُمُّ هانئ) وصلَه في (الصلاة) وغيرها. * * *

6176 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مُضَرُ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ: "أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ: أَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَم، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ". (عبد القَيس) من أولاد ربيعة، كانوا ينزلون حوالَي الطائف. (خَزَايا) جمع: خَزيان، أي: المُفتضح، أو الذليل، أو المُستحيِي. (نَدَامى) جمع: نَدمَان، أي: نادم. (مُضَر) قبيلة. (الشهر الحرام)؛ أي: الأَشهُر الحُرُم؛ فإنهم كانوا لا يقاتلون فيها. (فصل)؛ أي: فاصل بين الحق والباطل. (وأعطوا خُمس) ذكر ذلك لأنهم كانوا أصحابَ غنائمَ، ولم يَذكُرِ الحجَّ لأنه لم يكن فُرِضَ، أو لعلمِه أنهم لا يستطيعونه. (الدُّبَّاء) بتشديد الموحدة والمد: اليقطين.

99 - باب ما يدعى الناس بآبائهم

(والحَنتَم) بمهملة ونون ومثناة: جِرَارٌ خُضرٌ. (والنَّقير) فعيل بمعنى مفعول، أي: جذعٌ منقورٌ. (والمُزفَّت) المَطليُّ بالزِّفْت، أي: القَارُ؛ كانوا ينتبذون في هذه الأوعية، وكان يُسرع الإسكارُ إليه فيها؛ فنُهُوا عن ذلك، وسبق الحديثُ آخرَ (الإيمان). * * * 99 - باب مَا يُدْعَى النَّاسُ بآبائِهِمْ (باب ما يُدعَى الناسُ بآبائهم) (ما) مصدرية، أي: باب دعاء الناس. 6177 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْغَادِرُ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ هَذ غَدْرَةُ فُلاَنِ بنِ فُلاَنٍ". الحديث الأول: (الغادر)؛ أي: ناقض العهد. (لواء)؛ أي: عَلَم، كانوا في الجاهلية يُرفَع لِمَن غدرَ لواءٌ أيامَ الموسم ليَعرفَه الناسُ، فيَجتنبُوه. (ابن فُلان) قال (ط): الدعاءُ بالآباء أشدُّ في التعريف وأبلغُ في

100 - باب لا يقل "خبثت نفسي"

التمييز، ففيه: ردٌّ على مَن زعمَ أنه لا يُدعَى الناسُ يومَ القيامة إلا بأمَّهاتهم؛ لأن فيه سترًا على آبائهم، وفيه: جوازُ الحُكم بظواهر الأمور. * * * 6178 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ بنِ فُلاَنٍ". الثاني: (يُنصَب) هو بمعنى: (يُرفَع) في الرواية السابقة. * * * 100 - باب لَا يَقُلْ "خَبُثَتْ نَفْسِي" (باب لا يُقال: خَبُثَتْ نفسي) 6179 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي". 6180 - حَدَّثنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

101 - باب لا تسبوا الدهر

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي". تَابَعَهُ عُقَيْلٌ. الحديث الأول، والثاني: (خَبُثَت) بضم الموحدة، ويقع في بعض الأصول بفتحها؛ والصوابُ الضمُّ. (لَقِسَتْ) بكسر القاف وبالمهملة هو بمعنى: خَبُثَتْ، ولكن كَرهَ ذلك لبشاعة لفظ الخُبث؛ فهو من تغيير الخبيث بالحسن، وهو سُنَّةٌ؛ لأن الخُبثَ حرامٌ على المؤمنين. قال (ط): ليس النهيُ للتحريم وإيجاب (لَقِسَتْ)؛ بل هو أدبٌ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الذي يَعقدُ الشيطانُ على رأسه ثلاثَ عُقَدٍ: (أَصبَحَ خبيثَ النفس)، وقال (ع): الفرقُ أنه - صلى الله عليه وسلم - أَخبَرَ هناك عن صفةِ شخصٍ مُبهَمٍ مذمومِ الحالِ. * * * 101 - باب لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ (باب: لا تَسُبُّوا الدَّهرَ) 6181 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، أَخْبَرَنِي أَبو سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: قَالَ

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ". الحديث الأول: (وأنا الدَّهر)؛ أي: المُدبِّر، أي: صاحبُ الدهر، أو مُقلِّبُه أو مُصرِّفُه، ولهذا عقبَه بقوله: (بيدي الليلُ والنهارُ)، ويُروَى: (الدهرَ) بالنصب، أي: أنا باقٍ أو ثابتٌ في الدهر. قال (خ): كانوا يُضيفون المصائبَ إلى الدهر، وهم في ذلك فريقان: دَهرِيةٌ، ومعترفةٌ بالله تعالى؛ لكن يُنزهونه أن تُنسَبَ إليه المَكارهُ، فيُضيفونها إلى الدهر، والفريقان كانوا يَسبُّون الدهرَ، ويقولون: يا خَيبةَ الدهر! فقال لهم: لا تَسُبُّوه، على معنى أنه الفاعل، فإن اللهَ هو الفاعلُ؛ فإذا سبَبتُم الذي أَنزلَ بكم المَكارهَ رجع إلى الله تعالى، فمعناه: أنا مُصرِّفُ الدهر، فحُذفَ اختصارًا للفظٍ واتساعًا، وسبق الحديثُ في (سورة الجاثية)، وهو من الأحاديث القُدسية. * * * 6182 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ".

102 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الكرم قلب المؤمن"

الثاني: (لا تُسمُّوا العِنَب: الكَرْم) قال (خ): نَهَى عن ذلك لتوكيد تحريم الخمر، ولتأبيد النهي عنها بمحو اسمها، ولِمَا في تسميتها بذلك من تقرير ما كانوا يتوهمونه من التكرُّم في شربها، وإنما الكَرمُ قلبُ المؤمن بما فيه من نور الإيمان وتقوى الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. * * * 102 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤمِنِ" وَقَدْ قَالَ: "إِنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِي يُفْلِسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، كَقَوْلِهِ: "إِنَّمَا الصُّرَعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نفسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"، كَقَوْلِهِ: "لَا مُلْكَ إِلَّا لِلَّهِ"، فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ الْمُلْكِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُلُوكَ أَيْضًا، فَقَالَ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} ". 6183 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، - رضي الله عنه - عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ويقولون الكَرْمُ، إنما الكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ". (باب قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إنما الكَرْمُ قلبُ المؤمن) قال (ط): في (إنما) المبالغةُ والوصفُ بالنهاية، وسُمي الكَرْمُ

كَرْمًا؛ لأن الخمرَ المشروبةَ من عِنَبِه تحثُّ على الكَرْم، فكَرهَ أن يُسمَّى ما هو أصلٌ للخَمْر باسمٍ مأخوذٍ من الكَرم، وجَعلَ المؤمنَ الذي يتَّقي شربَها ويَرَى الكَرَمَ في تركها أحقَّ بهذا الاسم الحَسَن. (يقولون: الكَرْم) بالرفع، مبتدأ خبره محذوف، أو بالعكس، يعني: يقولون لشجر العِنَب: الكَرم. (وقد قال: إنما المُفلِس) وصلَه في (الرِّقاق). (إنما الصُّرَعة) وصلَه أيضًا بهذا اللفظ، وبلفظ: (إنما الشديدُ)، والصُّرَعة بضم المهملة وفتح الراء بمعنى: الصراع، أي: يَغلبُ الناسَ كثيرًا، ويَقدرُ على صرعِهم وطرحِهم على الأرض. (لا ملك إلا الله) وصلَه مسلم. (بأنه المَلك)؛ أي: انقطاعُ المُلك عندَه لا مُلك بعدَه، وغرضُ البخاري: أن هذه العباداتِ للحصر، فإن (ما) و (إلا) صريحٌ في النفي والإثبات، و (إنما) بمعناهما؛ فلا يُطلَق لفظُ (الكَرْم) إلا على القلب، كما لا يُطلَق (المَلك) إلا على الله، فالإطلاقُ على غيرِه مجازٌ، فكأنه يقول من باب الادِّعاء: أن الكرمَ إطلاقُه على الشجر مجازٌ، والحديثُ فيه ظاهرٌ. * * *

103 - باب قول الرجل: فداك أبي وأمي فيه الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

103 - باب قَوْلِ الرَّجُل: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فيهِ الزُّبيرُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب قول الرجل: فِدَاكَ) إن كُسِرَ أولُه مُدَّ وقصرَ، وإن فُتِحَ قصرَ فقط. (فيه الزُّبَير عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) موصولٌ في (المناقب). 6184 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفَدِّي أَحَدًا غَيْرَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ارْمِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمُّي"، أَظُنُّهُ يَوْمَ أحُدٍ. (يَفدِي)؛ أي: يقول له: فداك أبِي وأُمِّي. * * * 104 - باب قَوْلِ الرَّجُل: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَدَيْنَاكَ بآبائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. (باب قول الرجل: جَعَلَني اللهُ فِدَاكَ) قوله: (وقال أبو بكر) موصولٌ في (الهجرة).

6185 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ ابْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَفِيَّةُ، مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمَرْأَةُ، وَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، قَالَ: أَحْسِبُ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَيْء؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ"، فَأَلْقَى أبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَصَدَ قَصْدَهَا، فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَقَامَتِ الْمَرْأَهُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكبَا، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ، أَوْ قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ"، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ. (أَقبَل)؛ أي: من عُسفانَ إلى المدينة. (والمرأة)؛ أي: صفيَّة. (اقتحم)؛ أي: رَمَى بنفسه من غير رَوَّيةٍ. (بالمرأة)؛ أي: بحفظها. (فقصدَ نحوها)؛ أي: توجَّه إليها. (بظهر المدينة)؛ أي: ظاهرها، سبق في (الجهاد) في (باب ما يقول إذا رجع من الغزو)، قال (ط): فيه رَدُّ قولِ مَن لم يُجوِّزْ تفديةَ

105 - باب أحب الأسماء إلى الله عز وجل

الرجل بنفسه أو بابوَيه، وزعم أنه إنما فَدَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سعدًا بأبوَيه لأنهما كانا مُشركَين؛ فأما المسلمُ فلا يجوز له ذلك. * * * 105 - باب أَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عز وجل (باب أحبُّ الأسماء إلى الله عز وجل) 6186 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: وُلدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقُلْنَا: لَا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِم وَلَا كَرَامَةَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ". (كَرَامةَ) بالنصب، أي: لا نُكرِمُك كرامةً، وفيه: أن خيرَ الأسماء عبدُ الرحمن ونحوه كعبد الله، ووجهُ دلالته على الترجمة بـ (أحب) الذي هو أفعل التفصيل: أنه قد جاء في رواية أُخرى: "أحبُّ الأسماء إلى الله عبدُ الرحمن"، أو (أحب) في الترجمة بمعنى: المحبوب، أو يقال: تُؤخَذ الأحبيةُ من نفس الحديث؛ إذ لو كان اسمُ (أحب) منه لأَمَرَه به، إذ الغالبُ أنه لا يَأمرُه إلا بالأكمل. * * *

106 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي"

106 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي" قَالَهُ أَنسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: سَمُّوا باسمي، ولا تَكتَنُوا بكُنيَتي) (تَكنوا) إما من الثلاثي، أو من التفعيل، أو الافتعال؛ فالعَلَمُ إن بُدئ باب أو أمٍّ فكُنيةٌ، وإلا فإن أَشعَرَ بمدحٍ أو ذمٍّ فلَقَبٌ، وإلا فاسمُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - محمَّدٌ وأحمدُ وغيرُهما، وكنيتُه أبو القاسم، ولَقَبُه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. (قاله أنس) موصولٌ في (البيوع). * * * 6187 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالوا لَا نَكْنِيهِ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". الحديث الأول: (سَمُّوا باسمي) اختُلف في حكم هذه المسألة؛ فقيل: لا يجوز التكنِّي بأبي القاسم مُطلَقًا، وقيل: يجوز مُطلَقًا، وقيل: يَمتنعُ لِمَن

107 - باب اسم الحزن

اسمُه محمدٌ أن يَجمعَ بينه وبين التكنِّي بأبي القاسم، وقيل: إن ذلك كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وبالجملة: فالغرضُ مِن النهي التوقيرُ والإجلالُ، وسبق في (كتاب العلم) بيانُ ذلك. * * * 6188 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". 6189 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالُوا لَا نكنِيكَ بأبِي الْقَاسِم، وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ". الثاني والثالث: في معنى الأول. * * * 107 - باب اسْمِ الْحَزْنِ (باب اسم الحَزْن) بفتح المهملة وسكون الزاي، أصله: ما غلظَ من الأرض،

والحُزُونة: الغلظ. * * * 6190 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا اسْمُكَ؟ ". قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: "أَنْتَ سَهْلٌ"، قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. الحديث الأول: (عن أبيه) قالوا: لم يَروِ عن المُسَيَّب إلا ابنُه سعيدٌ، فيُشكِل من حيث إن شرطَ البخاري أن لا يَرويَ عن أحد ليس له إلا راو واحدٌ؛ لكن قال (ن): إن هذا ليس من شرطه. قال الكَلاَبَاذي: رَوَى عنه حديثًا في (الأدب)، وحديثًا موقوفًا في (ذكر أيام الجاهلية). والأمرُ بتغيير الاسم لم يكن على وجه الوجوب؛ لأن الأسماءَ لم يُسمَّ بها لوجود معانيها في المُسمى، وإنما هي للتمييز، ولو كان للوجوب لم يَسُغْ له أن يَثبتَ عليه، وأن لا يغيرَه؛ نعم، الأَولَى تغييرُ القبيح بالحَسَن؛ وكذا الأَولَى أن لا يُسمَّى بما فيه معنى التزكيةُ أو المَذمةُ، بل بما هو صدقٌ وحقٌّ، كعبد الله ونحوه. * * *

108 - باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه

6190 / -م - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَمَحْمُودٌ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ بِهَذَا. الثاني: كالذي قبلَه. * * * 108 - باب تَحْوِيلِ الاِسْمِ إِلَى اسْمٍ أَحْسَنَ مِنْهُ (باب تحويل الاسم إلى اسم أحسنَ منه) 6191 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو كَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْل قَالَ أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ، فَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بابنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفَاقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَينَ الصَّبيُّ؟ "، فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "مَا اسْمُهُ؟ "، قَالَ: فُلاَنٌ، قَالَ: "وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ"، فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ. الحديث الأول: (فلَهي) بكسر الهاء وفتحها، أي: اشتَغلَ.

(فاحتُمل)؛ أي: رُفع. (فاستَفاقَ)؛ أي: فرغَ من اشتغاله ورجعَ إلى ما كان عليه من قبلُ. (أَقلَبْناه)؛ أي: صرَفْناه وأرسلناه إلى داره، وهي لغة في (قلَبْناه)؛ فلا سهوَ في زيادة الألف. (لكن) هذا الاستدراك من مُقدَّر، أي: ليس ذلك الذي عُبِّرَ عنه بفُلانٍ اسمَه؛ بل هو المُنذرُ. * * * 6192 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبة، عَنْ عَطَاء بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَن زيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زيْنَبَ. الثاني: (بَرَّة) بفتح الموحدة وتشديد الراء، يُحتمَل أنها زينبُ أُمُّ المؤمنين، أو بَرَّةُ بنتُ أبي سَلَمة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - غيَّرَ كلًّا منهما إلى زَينبَ. * * * 6193 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ: جَلَسْتُ

109 - باب من سمى بأسماء الأنبياء

إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَحَدَّثَنِي أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا اسْمُكَ؟ "، قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قَالَ: "بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ"، قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْحُزُونة بَعْدُ. الثالث: (أن جدَّه) فيه انقطاعٌ لإسقاط أبيه، فما سبق في الحديث الأول عليه المُعوَّل. * * * 109 - باب مَنْ سَمَّى بأَسْمَاءِ الأَنبِيَاءِ وَقَالَ أَنَسٌ: قَبَّلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي ابْنَهُ. (باب مَن سَمَّى بأسماء الأنبياء) قوله: (وقال أنس) تقدَّم في (الجنائز). * * * 6194 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، قُلْتُ لاِبْنِ أَبِي أَوْفَى: رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: مَاتَ صَغِيرًا، وَلَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبَيٌّ عَاشَ ابْنُهُ،

وَلَكِنْ لَا نبَيَّ بَعْدَهُ. الحديث الأول: (إبراهيم) هو ابنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - من ماريةَ القِبْطية، مات في ذي الحجَّة سنةَ عشرٍ، وله ثمانيةَ عشرَ شهرًا، ودُفِنَ بالبَقِيع. (قُضِيَ)؛ أي: لو قُدِّرَ، ووجهُ مطابقة الجواب للسؤال: أن الظاهرَ أنه رآه ماتَ صغيرًا. * * * 6195 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ". الثاني: (مُرضِعًا) بضم الميم، أي: مَن يُتمُّ رَضاعَه، وبفتحها، أي: له رَضاعٌ في الجنة. * * * 6196 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ".

وَرَوَاهُ أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 6197 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيتي، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يتَمَثَّلُ صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". الثالث: (تَكَنَّوا بي)؛ أي: بكنيتي كما هو في بعضها، يقال: كنَيت وكنَوت. (قاسم) إشارة إلى أن هذه الكُنيةَ تَصدقُ عليه - صلى الله عليه وسلم -، لأنه يَقسِمُ مالَ الله بين المسلمين، وغيرُه ليس بهذه المرتبة، وفيه: إشارةٌ إلى أن الكُنيةَ تكون بسبب وصفٍ صحيحٍ في المُكنَّى به. (رواه أنس) موصولٌ في (البيوع). (ومَن رآني) ليس فيه اتحادُ الجزاء والشرط، وإن كان في الظاهر كذلك؛ لأن الجوابَ حقيقةٌ لازمةٌ، أي: فَلْيَستبشِرْ؛ فإنه قد رآني، والمرادُ بهذه الرؤية على الوجه الذي يَخلُقُه اللهُ، وليست مشروطةً بمواجهةٍ ومقابلةٍ ولا بشرطٍ. قال الغزالي: ليس معناه أنه رأى جسمي؛ بل رأى مثالًا صار ذلك المثالُ آلةً يتأدَّى بها المعنى الذي في نفسي إليه؛ بل البَدَنُ في

اليقظة آلةُ النفس؛ فالحقُّ إنما يراه الإنسانُ مثالَ حقيقةِ روحِه المُقدَّسةِ - صلى الله عليه وسلم -، كما سبق تقريرُه آخرَ (كتاب العلم). (لا يَتَمثَّل)؛ أي: لا يَتصوَّر بصورتي، وقد خصَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأن منعَ الشيطان أن يتصوَّرَ في خلقته؛ لئلا يكذبَ على لسانه في النوم، وعِلْمُ الرَائِي بأن ما رآه هو رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يخلق اللهُ فيه علمًا ضروريًّا أنه هو - صلى الله عليه وسلم -. (فَلْيَتبوَّأ)؛ أي: يتخذ. قال المُحَدِّثُون: هذا الحديثُ متواترٌ في العلم. * * * 6198 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِي غُلاَمٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ كبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى. 6199 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ، سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعبَةَ قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع، والخامس: سبقا كثيرًا.

110 - باب تسمية الوليد

(رواه أبو بكر) موصولٌ في (الكسوف). * * * 110 - باب تَسْمِيَةِ الْوَلِيدِ (باب تسمية الوَلِيد) بفتح الواو. 6200 - أَخْبَرَنَا أَبو نُعيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا رَفَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ مِنَ الرَّكعَةِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَام، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". (أَنج الوليدَ) إلى آخره، الثلاثةُ أسباطُ المُغيرة المَخزومي، أَسلَمُوا فمُنِعُوا من الهجرة محبوسين في قَيد الكفَّار. (والمُستضعَفين) من عطف العامِّ على الخاصِّ. (وطأتك) أصل الوطاة: الدَّوس بالقَدَم، والمرادُ به هنا إهلاكُهم، أي: خُذْهم أخذًا شديدًا. (مُضَر) بضم الميم وفتح المعجمة: قبيلة قريش.

111 - باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا

(كسِنِي يوسُف)؛ أي: في امتداد القحط وشدة البلاء، وسبق الحديثُ في (الصلاة). * * * 111 - باب مَنْ دَعَا صَاحِبَهُ فَنَقَصَ مِنِ اسْمِهِ حَرْفًا وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هِرٍّ". (باب مَن دَعَا صاحبَه فنَقَصَ من اسمه حرفًا) قوله: (وقال أبو حازم) موصولٌ في (الأطعمة). (يا أبا هِر) قال (ط): ليس من باب الترخيم؛ إنما هو نقلُ اللفظ من التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كنَّاه أولًا أبا هريرةَ بتصغير هِرَّةِ كانت له، فهو وإن كان نقصًا من اللفظ فهو زيادةٌ في المعنى. * * * 6201 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَ! هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ"، قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ، قَالَتْ: وَهْوَ يَرَى مَا لَا نَرَى.

الحديث الأول: (يا عائش) ترخيم: عائشة، فالأكثرُ بفتح الشين، ويجوز بالضم على لغة مَن لا يَنتظرُ، ويَجعلُه اسمًا تامًّا. (يُقرِئك)؛ أي: يَقرَأ عليك، فهما بمعنًى. (وهو يرى) لأن الرؤيةَ من خلق الله يَخصُّ بها مَن يشاء مِن عباده. * * * 6202 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتْ أُمُّ سُلَيْم فِي الثَّقَلِ، وَأَنْجَشَةُ غُلاَمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسُوقُ بِهِنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَنْجَشَ، رُوَيْدَكَ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ". الثاني: (الثَّقَل) بفتح المثلثة والقاف: مَتَاعُ المُسافر وحشمُه. (يا أنْجَش) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم، وبمعجمة تفتح وتضم: اسمُ غلامٍ أسودَ للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (رُوَيدَك)؛ أي: لا تَستعجِلْ في سوق النساء؛ فإنهن كالقوارير، سبق بيانُه قريبًا وبعيدًا. * * *

112 - باب الكنية للصبي قبل أن يولد للرجل

112 - باب الْكُنْيَةِ لِلصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِلرَّجُلِ (باب الكُنْيَة للصَّبِي) 6203 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: "يَا أَبَا عُمَير! مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ ". نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا. (أَحسِبُه فَطِيمٌ) كذا بالرفع في كثير من الأصول، وفي بعضها بالنصب؛ وهو الوجه، أي: مفطوم. (يا أبا عُمير) تصغير عمر. قال (ط): التكنيةُ تَكرمةٌ وتفاؤلٌ بأن يكون أبًا، فإذا جازَ ذلك في الصغير فالرجلُ قبلَ أن يُولَدَ له أَولَى. (النُّغَير) تصغير نُغَر بضم النون وفتح المعجمة: طائرٌ كالعصفور، سبق مع شرح الحديث قريبًا في (باب الانبساط إلى الناس). (ويُنضَح) بمعجمة ثم مهملة: يُرَشُّ. * * *

113 - باب التكني بأبي تراب، وإن كانت له كنية أخرى

113 - باب التَّكَنِّي بأبِي تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرَى (باب التكنِّي بأبي تُرَابٍ) 6204 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءَ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - إِلَيْهِ لأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلَّا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ فَخَرَجَ، فَاضْطَجَعَ إِلَى الْجدَارِ إِلَى الْمَسْجدِ، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتْبَعُهُ، فَقَالَ: هُوَ ذَا مُضْطَجعٌ فِي الْجدَارِ، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَامْتَلأَ ظَهْرُهُ تُرَابًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: "اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ". (إن كان) (إن) مخففة من الثقيلة، و (كان) زائدة، كما في: وَجِيْرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ (أحبَّ) منصوب بأنه اسم (إن)، وفي الحديث: ما كان - صلى الله عليه وسلم - عليه من كرم الأخلاق، وحُسن المُعاشَرة، وشدة التواضع، والرِّفق بالأصهار وترك معاتبتهم، وفيه: أن أهلَ الفضل قد يقع بينهم وبين أزواجهم ما جَبَلَ اللهُ عليه البشَرَ من الغضب؛ وليس ذلك بعيبٍ، وليس في الحديث ما ذُكِرَ في الترجمة أن يكونَ له كنيةٌ أُخرى؛ لكن

114 - باب أبغض الأسماء إلى الله

لمَّا كان معلومًا أن كنيتَه أبو الحسن اكتَفَى به. * * * 114 - باب أَبْغَضِ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ (باب أَبغَض الأسماء إلى الله تعالى) 6205 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ". الحديث الأول: (أَخْنَى) بمعجمة ونون بلا همز، أي: أَفحَش، يقال: أَخنَى عليه في منطقه، أي: أَفحَشَ. * * * 6206 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ: "أَخْنَعُ اسْم عِنْدَ اللهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ: أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ". قَالَ سُفْيَانُ: يَقُولُ غَيْرُهُ: تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ. الثاني: (رواية)؛ أي: عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

115 - باب كنية المشرك

(أخْنَعُ) بإعجام الخاء وبالنون ثم مهملة، من: خَنَعَ خُنُوعًا، وهو الذُّلُّ، أي: أشدُّ ذُلًّا، والمرادُ صاحبُ الاسم، وقد يُستدَلُّ به على أن الاسمَ هو المُسمَّى، وفيه الخلافُ المشهورُ. (غيرَ مرة) بنصب (غير)، أي: مرارًا متعددةً. (يقول غيره)؛ أي: أبو الزِّناد. (شاهَان) بسكون النون، بالفارسية: الأملاك. (شاه) ملك، أي: مَلكُ المُلوك؛ لكنَّ من قاعدة العجم تقديمَ المضاف إليه على المضاف، وإنما كان أبغضَ الأسماء لأنه صفةُ الله تعالى، ولا ينبغي لمخلوقٍ أن يَتسمَّى به. * * * 115 - بابُ كُنْيَةِ الْمُشْرِكِ وَقَالَ مِسْوَرٌ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِلَّا أَنْ يُرِيدَ: ابْنُ أَبِي طَالِبٍ". (باب كُنيَة المُشرِك) (وقال منصور) موصولٌ في (النكاح)، وهو حديث: (استأذَنَ بنو هاشم أن يُنكِحُوا ابنتَهم عليَّ بنَ أبي طالب). * * *

6207 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكيَّةٌ وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي حَارِثِ بْنِ الْخَزْرجَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبُيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَالْيَهُودِ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ ابْنُ أُبَيِّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ! لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! فَاغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ المُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْفِضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيْ سَعْدُ! أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُباب؟ -يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ-، قَالَ كَذَا وَكَذَا"، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ! بأبِي أَنْتَ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللهُ

بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآيَةَ، وَقَالَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدْرًا، فَقَتَلَ اللهُ بِهَا مَنْ قتلَ مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ، وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، فَقَفَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبيٍّ بْنُ سَلُولَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايِعُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمُوا. الحديث الأول: (أخي)؛ أي: عبد الحميد. (قَطِيفة)؛ أي: كِسَاء يُجعَل دِثَارًا. (فَدكيَّة)؛ أي: نسبةً إلى فَدَك: قريةٌ بقرب المدينة. (ابن سَلُول) بالرفع، صفةٌ لـ (عبد الله). (واليهود) عطف على (عَبَدة)، أو على (المشركين). (عَجَاجة) بفتح المهملة وتخفيف الجيم الأولى: الغُبَار.

(خَمَّرَ)؛ أي: غطَّى. (تغبروا)؛ أي: تُثيروا الغُبارَ. (أحسن) أفعل تفضيل، أي: لا أحسن. (مما تقول) من القرآن. (إن) شرط. (فلا تُؤذنا) جوابه، قيل: قاله استهزاءً. (يَتَثاوَرُون)؛ أي: يَتَواثَبُون. (بأبي)؛ أي: مُفَدًّى. (البُحَيْرة) تصغير: بَحْرَة، بلدة ضد: البَرَّة. (يُتوجوه)؛ أي: يجعلوه مَلِكًا. (بعِصَابة)؛ أي: بعِصَابة المُلك، فهو كنايةٌ، ويَحتمل الحقيقةَ. (شَرِق) بكسر الراء، أي: غصَّ به وبقي في حَلقه لا يَصعد ولا يَنزل، كأنه يموت، وسبق في آخر (كتاب المَرضى). (صَنَاديد) جمع: صِنْدِيد، هو السيِّد الشجاع. (فقَفَل)؛ أي: رجعَ. (توجَّه)؛ أي: أَقبَلَ على التَّمَام، ويقال: توجَّه الشيخُ، أي: كَبِر. (فبايعوا) بلفظ الأمر أولًا، والماضي ثانيًا. * * *

6208 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نوفَلٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ". الثاني: (يَحُوطُك)؛ أي: يحفظُك ويرعاك. (ضَحضَاح) بإعجام الضادين وإهمال الحاءين: القريبُ القَعرِ، أي: رقيقٌ خفيفٌ. قال (ط): فيه: أن اللهَ تعالى قد يُعطي الكافرَ عوضًا من أعماله التي مثلُها يكون قربةً لأهل الإيمان؛ لأن أبا طالب نفعَه نُصْرَتُه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحياطتُه له؛ حيث خُفِّفَ عنه العذابُ به، لا بكونه قريبَه، ولهذا لا يُخفَّف عن أبي لهب مع أنه عمُّه أيضًا، وتكنيةُ المُشرِك لمصلحة تألُّفٍ ونحوه، وأما كُنيةُ أبي لهب فلأنه كان وجهُه يلتهب جمالًا، فكان ما يتزيَّن به في الدنيا ويفتخر به سببًا لعذابه. قال (ك): فهي كنيةٌ للإهانة؛ إذ هي كنايةٌ عن جَهَنَّمِيٍّ، أي: تبَّت يدا جَهَنَّمِيٍّ، وأجاب في "الكشَّاف" بأَوجُهٍ: كونُه مشتهرًا بكُنيته دونَ الاسم، فلما أُريد تشهيرُه بدعوة السوء ذُكِرَ أشهرُ الاسمين، أو أنه لمَّا كان اسمُه عبدَ العُزَّى عَدَلَ عنه إلى كُنيته، أو لمَّا كان مآلُه إلى نارٍ ذاتِ

116 - باب المعاريض مندوحة عن الكذب

لهبٍ وافقَتْ حالُه كُنيتَه، فكان جديرًا بأن يُذكَرَ بها. * * * 116 - باب الْمَعَاريضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ وَقَالَ إِسْحَاقُ: سَمِعْتُ أَنَسًا: مَاتَ ابْن لأَبِي طَلْحَةَ، فَقَالَ: كيْفَ الْغُلاَمُ؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْم: هَدَأَ نَفَسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ، وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ. (باب المَعَارِيض) قال الجَوهري: التعريضُ خلافُ التصريح، ومنه: المَعَاريض، وهي التوريةُ بالشيء، وفي المَثَل: إن في المَعَاريض لَمَنْدُوْحةً، بفتح الميم وسكون النون والمهملة، أي: سعةً، وقيل: غُنيةً. (وقال إسحاق) موصولٌ في (الجنائز). (كيف الغلام) قال ذلك حينَ كان جاهلًا بموته. (هَدَأت) بالهمز: سَكَنَتْ. (نفسه) بفتح الفاء: واحد الأنفاس، وبسكونها: مفرد النفوس، أرادت الموتَ والاستراحةَ من بلاء الدنيا، وظنَّ أبو طلحةَ أنها تريد: سكنَ من المرض وزالَتْ علَّتُه، وهي صادقةٌ فيما قصدَتْه لا على

ما ظنَّه، ومثلُه لا يُسمَّى كذبًا، وسبق الحديثُ في (الجنائز). * * * 6209 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانيِّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسِيرٍ لَهُ فَحَدَا الْحَادِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ، وَيْحَكَ، بِالْقَوَارِيرِ". الحديث الأول: سبق شرحُه قريبًا في (باب ما يجوز من الشِّعر). * * * 6210 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُويْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ"، قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: يَعْنِي النِّسَاءَ. 6211 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَادٍ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُويدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ"، قَالَ قتَادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.

117 - باب قول الرجل للشيء: "ليس بشيء" وهو ينوي أنه ليس بحق

الثاني، والثالث: كالذي قبلَهما. 6212 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي قتادَةُ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ، فَقَالَ: "مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإنْ وَجَدْناَهُ لَبَحْرًا". الرابع: (فرسًا) اسمه: مَندُوب. (لَبَحرًا)؛ أي: واسعَ الجَري، شبَّه جريَه بالبحر لسعته وعدم انقطاعه، ومرَّ في (الجهاد). قِيلَ: حديثُ القوارير والفرس ليسا من المَعَاريض؛ بل من المجاز، ولعل البخاريَّ لما رأى ذلك جائزًا فالمَعَاريض أَولَى. * * * 117 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلشَّيْءِ: "لَيْسَ بِشَيْءٍ" وَهْوَ يَنْوِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ (باب قول الرجل للشيء: ليس بشيءٍ , وهو يَنوِي ليس بحقٍّ) قوله: (وقال ابن عباس) موصولٌ في (الظِّهار)، و (الجنائز) وغيرِ موضعٍ. * * *

6213 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ شهَابٍ: أَخْبَرني يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قَالتْ عَائِشَةُ: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسوا بشَيْءٍ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءَ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَليِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبةٍ". (ليسوا بشيءٍ)؛ أي: بحقٍّ، لا أنه لا حقيقةَ له. (من الجن) بالجيم والنون، أي: الكلمةُ المسموعةُ من الجن، وبالمهملة والقاف. (يخطفُها) بكسر الطاء وبفتحها؛ وهو الفصيحُ. (الجنِّي) واحد: الجن، خلاف الإنس. (فَيَقُرُّهَا) بضم القاف وشدة الراء، أي: بصوتٍ، يقال: قَرَّ قَرِيرًا: إذا صوت، أو يَصبُّها فيها كما يَصبُّ في القارورة، من: قرَّ الحديثَ في أُذنه: صبَّه فيها، وقيل: القَرُّ: ترديدُ الكلامِ في أُذن المُخاطَب حتى يفهمَه. (قَرَّ) بفتح القاف، ويُروَى بكسرها؛ كأنه حكايةُ صوتها. (الدَّجَاجة) بتثليث الدال، ويُروَى: (الزجاجة) بالزاي. قال الدارقطني: وهو تصحيفٌ، وصوَّبَها غيرُه، بدليل رواية (قَرَّ

القارورة)؛ ذكرها البخاريُّ في (بدء الخلق)، أي: حسٌّ كحس الزجاجة إذا حرَّكتها على الحَجَر، سبق الحديثُ في (باب صفة إبليس). قال (خ): معنى (ليسوا بشيءٍ): نفيُ ما يَتعَاطَونه من علم الغيب الذي ليس بشيءٍ صحيحٍ يُعتمَد عليه، كما يُعتمَد على أخبار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذي يُوحَى إليهم من الغيب، كمَن عمل عملًا بلا إتقانٍ يُقال له: لم تَعمَلْ شيئًا، ولِمَن قال شيئًا غيرَ سديدٍ: لم تَقُلْ شيئًا، وقال بعدَ أن صوَّبَ رواية (الزجاجة): وإن صحَّتْ روايةُ الدال فهي من قولهم: قرَّت الدَّجاجةُ وقَرقَرت: إذا قطَّعت صوتَها، قال: وفي خطفِ الكُهَّانِ الكلمةَ أنهم ربما أَخطؤوا ما يَخلطُون؛ وهو الغالب، فالكُهَّانُ قومٌ لهم أذهانٌ حادةٌ، ونفوسٌ شريرةٌ، وطبائعُ ناريةٌ، فأَلفَتْهم الشياطينُ لِمَا بينهم من المناسبة، وساعَفَتْهم بما في وسعَهم من القدرة، فهم يَفزَعُون إليهم في هذه الأمور يَستفتُونهم في الحوادث، فيُلقون إليهم الكلماتِ المرجومةَ؛ قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 221]، وقال تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224]، فوصلَهم بهم في الذِّكر، ولذلك تَرَى الكُهان يُقطِّعون تقطيعَ قوافي الشِّعر، وتجد بعضَهم يدَّعِي أن له خليلًا من الجن يُملي عليه الشِّعرَ ويقوله على لسانه، ويُحكَى عن جَرير قال: كنَّا في سفرٍ في الجاهلية، فأَضلَلتُ الطريقَ، فصرتُ إلى خيامٍ فنزلتُ، فقدَّمُوا لنا ألبانَ الوحش، وإذا هم حيٌّ من الجن، ثم دعوا شيخًا منهم فقالوا: غنِّ لنا، فغنَّى ببيتٍ، ثم تأخَّر، فقلت: أحدُهما لطرفةَ،

118 - باب رفع البصر إلى السماء

والآخرُ للأعشى، فقال: كَذَبَا، ما قالا، أنا الذي أُلقي الشِّعرَ على لسانهما؛ هذا شأنُ ذوي الضلالة المُتكلِّفين ما ليس لهم، والأنبياءُ -عليهم الصلاة والسلام- لا يتكلَّفون القولَ، ولا يطلبون الأجرَ؛ قال تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، والكاهنُ يتكلَّفُ الكذبَ، ويطلبُ الأجرَ، ويأخذُ الرشوةَ؛ فحِزبُ الهُدى أولياؤُهم الملائكةُ والصالحون، وحِزبُ الضلالة أولياؤُهم الشياطينُ وشرارُ الخَلق؛ قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 257]. * * * 118 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلىَ السَّمَاءِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: رَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. (باب رفع البصَر إلى السَّمَاء) قوله: (وقال أيوب) موصولٌ في آخر (المغازي)، ورواه ابن حبَّان باللفظ الذي علَّقَه المُصنِّف هنا. * * *

6214 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَني جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ثُمَّ فترَ عَنِّي الْوَحْيُ، فَبَيْنَا أَنَاَ أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". الحديث الأول: (فَتَرَ)؛ أي: قلَّ مجيءُ جبريلَ بالوحي. (بِحِرَاء) بكسر المهملة وخفة الراء والمد، مُنصرفٌ على الأصحِّ: جبلٌ بمكةَ. (كُرْسِي) بضم الكاف وكسرها، سبق الحديثُ أولَ (الجامع). * * * 6215 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبَي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَني شَرِيكٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونة وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} الثاني: (أو بعضه) شكٌّ من الراوي، وسبق الحديثُ مراتٍ.

119 - باب نكت العود في الماء والطين

قال (ط): فيه ردٌّ على أهل الزُّهد في قولهم: لا ينبغي النظرُ إلى السماء تخشُّعًا وتذلُّلًا لله تعالى. * * * 119 - باب نَكْتِ الْعُودِ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ (باب مَن نكَتَ العُودَ) أي: ضربَ به في الأرض. 6216 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عُودٌ يَضْرِبُ بهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطينِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَذَهَبْتُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: "افْتَحْ له وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَإِذَا عُمَرُ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رجُلٌ آخَرُ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ، فَقَالَ: "افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ أَوْ تَكُونُ"، فَذَهَبْتُ فَإذَا عُثْمَان، فَفَتَحْتُ لَهُ، وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ، قَالَ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ. (عن عُثمان)؛ أي: ابن غِياث بكسر المعجمة وبالمثلثة، وفي بعض النُّسَخ: (يحيى بن عثمان)؛ وهو سَهوٌ فاحشٌ.

120 - باب الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض

(بلوى) بلا تنوين، أي: بليَّة، في ذلك معجزةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث وقعَتْ له البليَّةُ كما أخبَرَ - صلى الله عليه وسلم -، وسبق الحديثُ في (المناقب). * * * 120 - باب الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ فِي الأَرْضِ (باب الرجلُ يَنكُتُ الشيءَ بيده في الأرض) 6217 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبة، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَنَازَةٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ الأَرْضَ بِعُودٍ، فَقَالَ: "لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ فُرغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ"، فَقَالُوا: أفلاَ نتَّكِلُ؟ قَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ"، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيَةَ. (فُرِغ) بالبناء للمفعول، أي: حُكم عليه بأنه من أهل الجنة (¬1) أو النار من الأَزَل. (أفلا نتَّكل)؛ أي: أفلا نَعتمدُ عليه؛ إذ المَقدورُ كائنٌ، سواء علمنا أم لا؟ فقال: لا، بل عليكم بالأعمال، وسبق الحديثُ في ¬

_ (¬1) "الجنة" ليس في الأصل.

121 - باب التكبير والتسبيح عند التعجب

(الجنائز) في (باب مَوعظة المُحدِّث). * * * 121 - باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ (باب التكبير والتسبيح عندَ التعجُّب) 6218 / -م - وَقَالَ ابْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ. قوله: (وقال ابن أبي ثَور) موصولٌ في (العلم) وغيره، وسبق شرحُه. * * * 6219 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرتْهُ أنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَزُورُهُ، وَهْوَ مُعْتكِفٌ فِي الْمَسْجدِ فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ قَامَتْ تنقَلِبُ، فَقَامَ مَعَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ باب الْمَسْجدِ الَّذِي عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ نَفَذَا، فَقَالَ لَهُمَا

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ: "، قَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! وَكبُرَ عَلَيْهِمَا، قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا". الحديث الأول: (أخي) هو عبد الحميد. (الغَوَابر)؛ أي: الباقيات، والغابر: مُشتركٌ بين الماضي والباقي. (تَنقلب)؛ أي: تَنصرف إلى بيتها. (نفذا) بإعجام الذال، ورجلٌ نافذٌ في أمره، أي: ماضٍ. (رِسْلِكما) بكسر الراء، أي: هَيْنَتكما، فلا تستعجلا. (سبحان الله)؛ أي: أُنزِّهُه عن أن يكونَ رسولُه - صلى الله عليه وسلم - مُتَّهَمًا، أو كناية عن التعجُّب من هذا القول، وسبق الحديثُ في (الاعتكاف) في (باب التناوُب في العلم). * * * 6218 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثتنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ -يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ- حَتَّى يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا، عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ".

الثاني: (هند) بالصَّرف وتركه. (الخزائن)؛ أي: الرحمة، لقوله تعالى: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100]. (الفتن)؛ أي: العذاب؛ لأنها أسبابه، وهو من المعجزات؛ لِمَا وقع من الفتنِ بعدَ ذلك وفتحِ الخزائنِ حين تسلَّط الصحابةُ على فارسَ والرُّومِ، وسبق شرحُ الحديث في (كتاب العلم). واعلَمْ أن هذا الحديثَ يقع في بعض النُّسَخ قبلَ (باب التكبير)، وحينَئذٍ لا يناسب ترجمةَ ذلك الباب. قال (ط): قلت للمُهلَّب: ليس حديثُ أُمِّ سَلَمة مناسبًا للترجمة؟ فقال: إنما هو مُقوٍّ للحديث السابق، وهو أنه ذكرَ أن لكلِّ نفسٍ بحكم القضاء والقَدَر مَقعدًا من الجنة والنار، أكَّدَ التحذيرَ من النار بأقوى أسبابها، وهي الفتنُ والطُّغيانُ والبَطَرُ عندَ فتح الخزائن، ولا يقتصر في ذِكرِ ما يوافقُ الترجمةَ ثم إتباعِه بما يُقوِّي معناه، وقال أيضًا: عادةُ العرب أخذُ العصا عندَ الكلام والخُطَب وغيره، والشُّعوبيةُ -وهم طائفةٌ تُفضِّل العجمَ على العرب- أنكروا ذلك عليهم، وهو جهلٌ منهم، وكيف لا وقد كان لموسى -عليه الصلاة والسلام- عصًا، وجمعَ اللهُ تعالى له فيها من البراهين العِظَام ما جمعَ، وكان لسليمانَ -عليه الصلاة والسلام- مِنْسَاةٌ يتخذُها في مُصافَّاتِه وصلواتِه وخُطَبِه؛

122 - باب النهي عن الخذف

فهي سُنَّةٌ للأنبياء، وزِينةٌ للأولياء، ومَذمَّةٌ للأعداء، وقوةٌ للضعفاء. * * * 122 - باب النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ (باب النَّهي عن الخَذْف) بالمعجتين: رميُ الحَصَى بالأصابع. 6220 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ الأَزْدِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنيِّ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَذْفِ، وَقَالَ: "إِنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ". (يَنكَأ) هو قتلُ العدوِّ وجرحُه والمبالغةُ في أذاه، وهو بفتح الكاف مهموزٌ، كذا الرواية، وهي لغة، والأشهرُ (يُنكِي) وسبق في (باب الصيد). (يَفقَأ) بفاء ثم قاف ثم همز، أي: يَقلَع، قال (ط): الخَذفُ الرميُ بالسبابة والإبهام، والمقصودُ النهيُ عن أذى المؤمنين، وهو من جملة آداب الإسلام. * * *

123 - باب الحمد للعاطس

123 - باب الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ (باب الحَمد للعاطس) 6221 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "هَذَا حَمِدَ اللهَ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ الله". (عَطَسَ) بفتح الطاء، يَعطُس بالضم والكسر. (رجلان) الذي لم يَحمَدْ فلم يُشمِّتْه هو عامرُ بنُ الطُّفَيل، والذي حمدَ فشمَّتَه هو ابنُ أخيه؛ كذا في "الطبَراني" من حديث سهل بن سعد. (فشمَّتَ) من: التشميت بالمعجمة، وأصله: إزالة شماتة الأعداء، فهو للسلب، كـ: جَلَدتُ البعيرَ، أي: أَزلتُ جِلدَه، فاستُعمِلَ للدعاء بالخير؛ لا سيما بلفظ: يَرحمُك الله، وبالمهملة: الدعاءُ بكونه على سَمْتٍ حسنٍ. * * *

124 - باب تشميت العاطس إذا حمد الله

124 - باب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ (باب تَشمِيت العاطس إذا حمدَ الله) بالمعجمة كما سبق، وللحَمُّوي بالمهملة في كلِّ موضعٍ. 6222 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُويدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَناَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنهانَا عَنْ سَبعٍ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِم، وَنهاناَ عَنْ سَبعٍ، عَنْ خَاتَم الذَّهَبِ، أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالسُّنْدُسِ، وَالْمَيَاثِرِ. (أمرَنا) هو في بعضها للوجوب، وفي بعضها للنَّدب؛ وكذا في المَنَاهي يَحتملُ بعضُها أن لا يكونَ للتحريم. (وإبرار القَسَم)؛ أي: تصديق مَن أَقسَمَ عليك. (والمَيَاثر) بالمثلثة، جمع: مِيثَرَة، كانت النساءُ تصنعُه لأزواجهنَّ ليَركبوا به على السُّروج، وسبق الحديثُ أولَ (كتاب الجنائز)، وبقي من السبعة بعدَ الخمسة المذكورة هنا القسِّيُّ، وآنيةُ الفضة، ذكرَهما في

125 - باب ما يستحب من العطاس، وما يكره من التثاؤب

(اللباس)؛ نعم، التشميتُ في الحديث مُطلَقٌ، والترجمةُ مُقيَّدةٌ بما إذا حمدَ اللهَ، لأنه المرادُ من الحديث؛ بدليل الرواية الأُخرى، فحُمِلَ المُطلَقُ على المُقيَّد، فلذلك حُمِلَ. قال (ط): كان ينبغي للبخاري أن يَذكرَ حديثَ أبي هريرةَ الآتي في الباب بعدَه هنا، قال: فهو من الأبواب التي عجلتَه المَنيَّةُ عن تهذيبها؛ لكن المعنى مفهومٌ. * * * 125 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْعُطَاسِ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّثاؤُبِ (باب ما يُستَحبُّ من العُطَاس، وما يُكرَه من التثاؤُب) هو بالهمز على الأصح، وقيل: بالواو، وقيل: التثاؤب بوزن التفعُّل، وهو التنفُس الذي ينفتح منه الفمُ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس، ويُورثُ الغفلةَ والكسلَ، ولذلك أحبَّه الشيطانُ وضحكَ منه. قال مَسلَمةُ بنُ عبد الملك: ما تثاءَبَ نبيٌّ قطُّ، وإنه من أعلام النبوة، والعُطَاسُ سببٌ لخفة الدماغ، واستفراغ الفضلات عنه، وصفاء الرُّوح، فكان أمرُه بالعكس.

6223 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ الله، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ". (يحبُّ العُطَاس) قال (خ): معنى المَحبة فيه والكراهة في التثاؤب مُنصرِفٌ إلى الأسباب لهما، وذكر ما سبق من المعنى فيهما، قال: وأُضيف للشيطان؛ لأنه الذي يُزين للنفس شهوتَها. قال (ك): والغرضُ التحذيرُ من السبب المُولِّد له، وهو التوسُّع في الأكل. (فحقٌّ على كلِّ مسلمٍ) قال الظاهرية: يجب تشميتُه على كل السامعين، وقال مالك: واجبٌ على الكفاية، وقيل: سُنَّةُ عَينٍ، وقيل: سُنَّةُ كفايةٍ؛ وهو مذهبُ الشافعي - رضي الله عنه -، وأوَّلُوا لفظَ الحقِّ بمعنى: الثابت، أو حقٌّ في محاسن الآداب. (فَلْيَردَّه)؛ أي: إما بوضع اليد على الفم، وإما بتطبيق الشفتين، وذلك لئلا يَبلُغَ الشيطانُ مرادَه من ضحكه عليه، من تشويهِ صورته أو من دخولِه فمَه، كما جاء في بعض الرويات. (فإذا قال: ها) هو حكايةُ صوتِ المُتثائب، يعني: أنه إذا بالَغَ

126 - باب إذا عطس كيف يشمت

في الثُّؤَباء ضحكَ الشيطانُ منه فرحًا بذلك. * * * 126 - باب إِذَا عَطَسَ كَيْفَ يُشَمَّتُ (باب إذا عطسَ كيفَ يُشمَّت؟) 6224 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ". (أو صاحبه) شكٌّ من الراوي. (ويُصلِح بالَكم)؛ أي: حالَكم، وقيل: القلب، وقيل: الشأن، وحكمةُ أمرِ العاطس بالحمد: ما حصلَ له من المنفعة بخروج ما احتَقنَ في دماغه من الأبخرة، قال الأطباء: العَطسةُ تدلُّ على قوة طبيعة الدماغ وصحة مزاجه، فهي نعمةٌ لأنها جالبةٌ للخفة المؤدية للطاعات، فاستَدعَى الحمدَ عليها، ولأنه تغيُّرٌ لوضع الشخص وحصول حركاتٍ غيرِ مضبوطةٍ بغير اختيارٍ، حتى قيل:

127 - باب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله

إنها زلزلةُ البَدَن، فأُريد إزالةُ ذلك الانفعالِ بالدعاء له والاشتغالِ بجوابه، ومن مقتضى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} الآية [النساء: 86] أن يِكافِئَه بأكثرَ؛ فلذلك أَمرَ بدعوتَين: الأُولى لفلاح الآخرة، وهو الهدايةُ المقتضيةُ له، والثانية بصلاح حاله في الدنيا، وهو إصلاحُ البال؛ فهو دعاءٌ لا له بخير الدارَين وسعادة المَنزلتَين، وقِسْ على هذا سائرَ أحكام الشريعة وآدابها. * * * 127 - باب لَا يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ إِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ (باب لا يُشمَّت العاطسُ إذا لم يَحمدِ الله) 6225 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ! شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللهَ، وَلَمْ تَحْمَدِ اللهَ". سبق شرحُ الحديث قريبًا. * * *

128 - باب إذا تثاوب فليضع يده على فيه

128 - باب إِذَا تَثَاوبَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ (باب إذا تَثَاءَبَ فَلْيَضَعْ يدَه على فيه) 6226 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِم سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ". (فإذا تَثَاءَبَ)؛ أي: إذا أراد ذلك؛ لا أنه بعدَ الفراغ، أو الماضي بمعنى المضارع. (فَلْيَرُدَّه) يدخلُ في عمومه ما تُرجِمَ به، وهو وضعُ اليد على الفم، كما يكون بتطبيق الشفتَين؛ مع أن الوضعَ أسهلُ وأحسنُ. قال (ط): وثبت في بعض الروايات: (فَلْيَضَعْ يدَه على فيه)، قال: والضحكُ هنا حقيقةٌ، لأن الحقيقةَ هي الأصلُ، ولا ضرورةَ تدعو إلى العُدول عنها. * * *

79 - كتاب الاستئذان

79 - كتاب الاستئذان

1 - باب بدو السلام

79 - كتاب الاستئذان (كتاب الاستئذان) 1 - بابُ بَدْوِ السَّلاَمِ (باب: السلام) 6227 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَتهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَر مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ". (على صورَتِهِ) ليس الضمير عائدًا إلى الله تعالى؛ لأن الله تعالى

منزه عن الصورة، وصفاتِ الأجسام؛ بل عائدٌ على آدم؛ باعتبار أن الله تعالى خلقه بهيئته تامًّا؛ ستون ذراعًا، لا يتغير عن حاله؛ بخلاف أولاده؛ فإنه، خلقهم أطوارًا: من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم يكون صغيرًا، ثم يكبر حتى يتكامل، ويؤيده قوله بعده: (سِتُّونَ ذِرَاعًا)، هذا أولى ما قيل فيه. قال (ط): أفاد - صلى الله عليه وسلم - بذلك إبطالَ قولَ الدهرية: إنه لم يكن قط إنسانٌ إلا من نطفة، ولا نطفَةَ إلا من إنسان، وقولَ القدرية: إن صفات آدم على نوعين: ما خلقها الله، وما خلقها آدمُ بنفسه؛ قال: وقيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - مر برجل يضرب عبده في وجهه لطمًا، فزجره عن ذلك، وقال ذلك، قالها كناية عن المضروبِ وجهُه. قال (ش): رواه مسلم، فهذه الصورة التي شرفها الله تعالى، وخلق عليها آدم وذريته. قال (ط): وقد يقال: الضمير عائد على الله تعالى؛ لكن الصورة غير الهيئة، وذلك لا يصح إلا على الأجسام، فمعنى الصورة هنا: الصفة؛ كما تقول: عَرِّفني صورة هذا الأمر؛ أي: صفته؛ أي: خلقَ آدمَ على صفته؛ أي: حيًّا عالمًا سميعًا بصيرًا متكلمًا، أو هي إضافة تشريف؛ نحو: بيت الله، وروح الله؛ لأنه ابتدأها لا على مثال سابق؛ بل بمحض الاختراع، فشرفها بالإضافة إليه. (نَفَر) -بفتح الفاء وسكونها-: عدة من ثلاثة إلى عشرة، مجرور بدلًا، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف.

2 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون (27) فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم (28) ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون}

(على صورة) خبر لـ (كل). (ينقص)؛ أي: طوله، وحمل بعضهم على ذلك قولَه تعالى: {رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5]. وفيه: إشعار بفناء العالم كله؛ كما جاز فناءُ بعضه. وفيه: أن الملائكة في الملأ الأعلى يتكلمون بلسان العرب، ويتحيون بتحية الله. وفيه: الأمرُ بتعلم العلم من أهله. * * * 2 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ لِلْحَسَنِ: إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُؤُسَهُنَّ، قَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ، قَوْلُ اللهِ عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، وَقَالَ قَتَادَةُ: عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}،

{خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}، مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي النَّظَرِ إِلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّسَاءِ: لَا يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَيْء مِنْهُنَّ مِمَّنْ يُشْتَهَى النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَكرِهَ عَطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الْجَوَارِي يُبَعْنَ بِمَكَّةَ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ. (باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} [النور: 27]) قوله: (للحسن) هو أخو سعيد. (خائنة الأعين) صفة للنظرة؛ أي: يعلم النظرة المستَرَقة إلى ما لا يحلُّ، وأما حديث: "مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ"، وتحريمها من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، فهي الإشارة إلى مباح؛ من ضربٍ ونحوِه، على خلاف ما يظهره بالقول. * * * 6228 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ، وَكَانَ الْفَضْلُ رَجُلًا وَضِيئًا، فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ، فَأَخَذَ بِذَقَنِ الْفَضْلِ، فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا،

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كبِيرًا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". الحديث الأول: (وضيئًا) فعيل من الوضاءة، وهي الجمال والحسن. (خَثْعَم) بفتح المعجمة والمهملة وإسكان المثلثة بينهما: قبيلة. (فأخلف)؛ أي: مدّ يده إلى خلفه، خشي عليه من دوام النظر، وفتنة الشيطان. وفيه: أنه يحرُم النظرُ إلى الأجنبيات. (يقضي)؛ أي: يجزي، وسبق الحديث أول (الحج). * * * 6229 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: "إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ"، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ".

3 - باب السلام اسم من أسماء الله تعالى، {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}

الثاني: (إياكم والجلوسَ) نصب على التحذير، وإنما أدخل حديث الحجاب في (أبواب الاستئذان)؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستأذنهم حين قام، ففيه من الفقه: أنه لا يشرع حينئذ، وفيه: أنه تهيأ للقيام، وهو يريد أن يقوموا، وقد ذكره البخاري من بعد. (إلا المجلَس) بفتح اللام: مصدر؛ أي: الجلوس. (وكف الأيدي) يشتمل التضييق على المارة واحتقارهم، وامتناع جواز النساء لأشغالهن، والاطلاع على أحوال الناس مما يكرهونه. * * * 3 - بابٌ السَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسمَاءِ الله تَعَالَى، {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (باب: السلام اسم من أسماء الله) 6230 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْبَلَ عَلَينَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ

4 - باب تسليم القليل على الكثير

فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالَحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْكَلاَمِ مَا شَاءَ". (قبل)؛ أي: قبل السلام على عباده، وفي بعضها: بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: من جهة عباده، وفيه: عمومُ الجمع المحلى باللام، وسبق شرحُ الحديث المحلَّى باللام. * * * 4 - بابُ تَسْلِيمِ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ (باب: تسليم القليل على الكثير) 6231 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ". حكمة ما ذكر في الحديث من سلام الصغير: تواضعه مع الكبير، وتوقيره؛ وكذا في القليل مع الكثير؛ لأن حق الكثير أعظم، والراكب لئلا يتكبر على الماشي، فأمر بالتواضع له، والماشي على

5 - باب تسليم الراكب على الماشي

القاعد؛ لأنه من باب الداخل على القوم، فيبادر بالسلام؛ استعجالًا لإعلامهم بالسلامة، وإنما لم يكن المناسب سلام الكبير على الصغير، والكثير على القليل؛ لرفع توهم الخوف؛ فإن الغالبَ خوفُ الصغير من الكبير، والقليل من الكثير؛ لأن الغالبَ في المسلمين الأمنُ، فلم يبق إلا ملاحظةُ التواضع، وحيث لم يظهر رجحان، يعتبر الإعلامُ بالسلامة رجوعًا للأصل، فإذا تعارض مرجحان؛ كمشاةٍ كثيرٍ مع قاعدين قليل، سقط الترجيح، وكانا كرجلين التقيا، فخيرُهما الذي يبدأ بالسلام. أو يقال: يلاحظ الأمان، فيرجَّح جانبُ الماشي، فيبدؤون؛ وكذا في الراكب. * * * 5 - بابُ تسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي (باب: يسلم الراكب على الماشي) 6232 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَني زِيَادٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ". سبق شرح الحديث فيه؛ وكذا بعده. * * *

6 - باب تسليم الماشي على القاعد

6 - بابُ تسْلِيمِ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ (باب: تسليم الماشي على القاعد) 6233 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَني زِيَادٌ، أَنَّ ثَابِتًا أَخْبَرَهُ، وَهْوَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ". وكذا ما ذكر بعده من: * * * 7 - بابُ تسْلِيمِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبيرِ (باب: تسليم الصغير على الكبير) 6234 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْم، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِير". فالحديث في الكل واحد، وإن اختلفت طرقه، وكأن كل شيخ

8 - باب إفشاء السلام

ذكر له الحديث دليلًا على معنى منها. وفي قوله: (وقال إبراهيم)؛ أي: ابن طَهْمان؛ إشارة إلى أنه رواه بالمذاكرة، لا بالتحديث، وقد وصله في "الأدب المفرد"؛ وكذا أبو داود. * * * 8 - بابُ إِفْشَاءِ السَّلاَمِ (باب: إفشاء السلام) 6235 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُويدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبع: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءَ السَّلاَمِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِم، وَنهى عَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ، وَنهانَا عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاج، وَالْقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ. (ونصر الضعيف) كذا في هذه الرواية، وفي (كتاب الجنائز) بدل هذا: (إجابة الداعي)؛ وذلك إما لأن التخصيص بالعدد لا ينفي

9 - باب السلام للمعرفة وغير المعرفة

غيره، وإما لأن النصر إجابة، وبالعكس، وأما ذكره هناك: (رد السلام)، وهنا: (إفشاء السلام)، فلأنهما متلازمان شرعًا، وسبق شرح الحديث مرّاتٍ. * * * 9 - بابُ السَّلاَمِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ (باب: السلام للمعرفة وغير المعرفة) 6236 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أُبِي الْخَيرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَن عَرَفْتَ، وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ". الحديث الأول: (أَيُّ الإسلامِ)؛ أي: أيُّ أعمال الإسلام؟ وسبق في (كتاب الإيمان). * * *

10 - باب آية الحجاب

6237 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ"، وَذَكَرَ سُفْيَانُ أنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. الثاني: (ثلاث)؛ أي: ثلاث ليال. (فيصُدُّ)؛ أي: يُعْرِض، وصَدَّ صدودًا: أعرض، ويقال: صَدَّه عن الأمر صَدًّا؛ أي: منعه، وصرفه عنه، وسبق الحديث في (كتاب الأدب) في (باب الهجرة)، فابتداءُ السلام سُنَّة كفاية؛ وجوابُه فرضُ كفاية، وقال الحنفية: فرض عين. وأما معناه، فقيل: هو اسم الله تعالى؛ أي: اسمُ الله عليك؛ أي: أنت في حفظه، وقيل: بمعنى السلامة؛ أي: السلامة مستعلِيةٌ عليك، ملازمةٌ لك. * * * 10 - بابُ آيَةِ الْحِجَابِ (باب: آية الحجاب) 6238 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي

يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرًا حَيَاتَهُ، وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَقَدْ كَانَ أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا نزَلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِزَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ، فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ كَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى زينَبَ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَتَفَرَّقُوا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَظَنَّ أَنْ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَأُنْزِلَ آيَةُ الْحِجَابِ، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا. الحديث الأول: (أنه) إما التفاتٌ من التكلُّم إلى الغيبة، وإما أنه جَرَّدَ من نفسه شخصًا آخرَ يحكي عنه. قلت: أو من حكاية الراوي عنه بالمعنى. (وكنت أعلم) فيه جوازُ أن يصف العالمُ نفسَه بما عنده من العلم على وجه التعريف، لا الفخر والإعجاب.

(بشأن الحجاب)؛ أي: نزول الآية الآتية فيه. (وقد كان أُبَيٌّ) هو تقرير لكونه أعلمَ؛ إذ أُبَيٌّ الذي هو أقرَأُ الناسِ يستفيده منه. (مُبْتَنى) صيغة مفعول من الابتناء، وهو الزفاف. (عروسًا) يوصف به المذكرُ والمؤنث، والحديثُ مرّ في (سورة الأحزاب). * * * 6239 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ أَبِي: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبَ دَخَلَ الْقَوْمُ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَأَخَذ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مِنَ الْقَوْمِ وَقَعَدَ بَقِيَّةُ الْقَوْمِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ لِيَدْخُلَ، فَإِذَا الْقوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ، فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآيَةَ. الثاني: كالذي قبله. * * * 6240 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ

11 - باب الاستئذان من أجل البصر

صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابِ قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: احْجُبْ نِسَاءَكَ، قَالَتْ: فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجْنَ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهْوَ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ: عَرَفْتُكِ يَا سَوْدَةُ! حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابُ، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل آيَةَ الْحِجَابِ. الثالث: (إسحاق) إما ابنُ إبراهيم، وإما ابنُ منصور. (قِبَل) بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: جِهَة. (المناصع) بنون ومهملتين: موضع معروف بالمدينة، وسبق الحديث في (الوضوء) بمباحثه، وقال هناك: (إنه صعيدٌ أَفيْحُ)، أي: واسع. وفيه: فضل عُمر، ونزول القرآن على وفقه. * * * 11 - بابٌ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ (باب: الاستئذان من أجل البصر) 6241 - حَدَثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ:

حَفِظْتُهُ كمَا أَنَّكَ هَا هُنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تنظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ". الحديث الأول: (كما أنك هاهنا)؛ أي: حفظته حفظًا ظاهرًا كالمحسوس، بلا شك، ولا شبهة فيه. (من جُحْر) بضم الجيم وسكون الحاء؛ أي: ثقبة. (في حُجَر) بضم المهملة وفتح الجيم: جمع حجرة. (مِدْرًى) بكسر الميم وتسكين المهملة وبالراء، مقصورًا: حديدةٌ يسرَّح بها الشعرُ، وقال الجوهري: كالمِسَلَّة تكون مع الماشطة تُصلح بها قرونَ النساء؛ أي: ضفائرَهن. (إنما جُعل)؛ أي: شُرع. (من أجل البصر)؛ أي: بسبب أن لا يقع البصرُ على عورة أهل البيت، وسبق الحديث في (اللباس) في (باب الامتشاط). * * * 6242 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنس بنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،

12 - باب زنا الجوارح دون الفرج

فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَشْقِصٍ, أَوْ بِمَشَاقِصَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ. الثاني: (بِمِشْقَص) بكسر الميم وبمعجمة وقاف ثم مهملة: النصلُ الطويلُ العريضُ. (يختل) بمعجمة ثم مثناة مكسورة؛ أي: يأتيه من حيث لا يشعر. وفيه: جوازُ قصدِ عينِ الناظر إلى أهلِ دار غيره، ويستدلُّ به مَنْ لا يرى القصاص على مَنْ فقأ عينَ مثلِ هذا الناظر، ويجعلها هَدْرًا. * * * 12 - بابُ زِنَا الْجَوَارِحِ دُونَ الْفَرْجِ (باب: زنا الجوارح) 6243 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ. حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ

الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ". (باللَّمَم) هو ما يُلِمُّ به الشخصُ من شهوات النفس، وقيل: المقاربُ من الذنوب، وقيل: هو صغائرُ الذنوب، والمفهومُ من كلام ابنِ عباس: أنه النظرُ والتمني. وقال (خ): يريد به: المعفُوَّ عنه، المستثنى في كتاب الله تعالى في آية: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [النجم: 32]، وسمى النظر والمنطق زنًا؛ لأنهما من مقدماته، وحقيقتُه إنما تقع بالفرج. قال (ط): كل ما كتبه الله على ابن آدم، وهو سابقٌ في علم الله، لا بد أن يدركه المكتوبُ عليه، وإن الإنسان لا يملك دفعَ ذلك عن نفسه، غير أن الله تعالى تفضَّل على عباده، وجعل ذلك مما لا يطالب به عباده إذا لم يكن للفرج تصديقٌ بها؛ فإذا صدقها الفرجُ، كان ذلك من الكبائر. (لا مَحالة) بفتح الميم؛ أي: لا حيلة في التخلص من إدراك ما كتب عليه، ولا بد من ذلك. (تمنى) حذف منه إحدى التاءين. (يصدق) التصديق والتكذيب، وإن كانا وصفين للخبر؛ لكن باعتبار الحكم، وهنا حكم، فشبه بالخبر، أو أن الإيقاع للحكم بهما عادة، فهو كناية. * * *

13 - باب التسليم والاستئذان ثلاثا

13 - بابُ التَّسْلِيمِ وَالاِسْتِئْذَانِ ثَلاَثًا (باب: التسليم والاستئذان) 6244 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا، وَإذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا. الحديث الأول: (إسحاق)؛ أي: ابن منصور، أو ابن إبراهيم. (ثلاثًا) مبالغة في التفهيم، ولذا كررت قصص القرآن؛ لترسخ في قلوبهم، والحفظ إنما هو بتكرر الدراسة. * * * 6245 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْريِّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهو، فَلْيَرْجِعْ"، فَقَالَ: وَاللهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ:

14 - باب إذا دعي الرجل فجاء هل يستأذن؟

وَاللهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ بُسْرٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ بِهَذَا. الثاني: فيه اختصار هنا؛ لأنه لما استأذن ثلاثًا، فلم يؤذَن له، عاد إلى منزله، وكان عُمر - رضي الله عنه - مشغولًا، فلما فرغ، قال: ألم أسمع صوتَ عبدِ الله بنِ قيسٍ؟ ائذنوا له، قيل: قد رجع، فدعاه، وسبق في (البيع)، وأراد عُمر التثبتَ، لا أنه لا يقبل خبر الواحد، فقد قبل خبر حَمَلِ ابنِ النابغةِ في الغُرَّةِ، وابن عوفٍ في الجزية، وأيضًا: ففي القصة لم يخرج عن الآحاد بانضمام واحد إليه. وفيه: أن العالم قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه مَنْ هو دونه. (وقال ابن المبارك) وصله أبو نُعيم في "المستخرج". * * * 14 - بابٌ إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ هَلْ يَسْتَأْذِنُ؟ (باب: إذا دُعي الرجل، فجاء، هل يستأذن؟) 6245 / -م - قَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هُوَ إِذْنُهُ".

قوله: (وقال سعيد)؛ أي: ابنُ أبي عَروبة، وصله البخاريُّ في "الأدب المفرد". قال (ك): وفي بعضها: شُعْبة -بضم المعجمة وإسكان المهملة-؛ أي: ابن الحجاج. (هو إذنه)؛ أي: الدعاءُ نفسُ الإذن، لا حاجة إلى تجديده. * * * 6246 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، أَخْبَرَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: "أَبَا هِرٍّ! الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ"، قَالَ: فَأتيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا، فَأُذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلوا. (الحَقْ)؛ أي: من اللحوق. (الصُّفَّة) اللامُ فيها للعهد عن سقيفةٍ كانت في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لفقراء الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لكن هذا الحديث يدل على وجود استئذانٍ وإذنٍ غير الدعاء؛ بخلاف الحديث السابق، ويُجمع بينهما بما قال المهلب: إن المدعوَّ إذا جاء على الفور، أو كان في الموضع المدعو إليه مدعوٌّ آخرُ، كان دعاؤه إذنَه، وإلَّا فلا. * * *

15 - باب التسليم على الصبيان

15 - بابُ التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَانِ (باب: التسليم على الصبيان) 6247 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. (يفعله) لا يخفى ما فيه من خُلقه العظيم، وأدبه الشريف، والتدريب لهم على فعل السنن، وتعلم الآداب. * * * 16 - بابُ تَسْلِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ (باب: تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال) 6248 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ، قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ، فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فتطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ، وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَإِذَا

صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا، ونُسَلِّمُ عَلَيْهَا فتقَدِّمُهُ إِلَيْنَا، فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمَا كنَّا نَقِيلُ وَلَا نتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ. الحديث الأول: (بُضاعَة) بضم الموحدة وكسرها وخفة المعجمة ثم مهملة: بئرٌ بالمدينة بديار بني ساعدةَ من الأنصار. (نخل)؛ أي: بستان. (وتكركر)؛ أي: تطحن، أصله من الكر، ضوعف لتكرار عود الرحا، ورجوعها في الطحن مرة بعد أُخرى، وقد تكون الكركرة بمعنى الصوت، ومر الحديث في (كتاب الجمعة). * * * 6249 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ! هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ"، قَالَتْ: قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ، تَرَى مَا لَا نَرَى، تُرِيدُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. تَابَعَهُ شُعَيْبٌ، وَقَالَ يُونس، وَالنُّعْمَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَبَرَكَاتُهُ. الثاني: (يُقرئك) في بعضها: (يَقرأ عليك)، وكان معنى (يُقرئك): أن

17 - باب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا

المسلَّم عليه حين يبلُغُه سلامُ المسلِّم يحمله على أن يقرأ السلام؛ أي: يردّه. (ترى) خطابٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يمتنع أن يرى بعض الحاضرين ما لا يرى البعض؛ لأن الرؤية أمر يخلقه الله؛ فلذلك عند الأشعري أن يرى أعمى الصين بقة أندلس، ولا يراها مَنْ هو عندها. قال (ط): السلامُ على النساء جائزٌ غيرَ الشابات؛ مخافة خائنةِ الأعين، أو نزغاتِ الشيطان. وقال الكوفيون: لا يجوز إذا لم يكن منهن ذواتُ محرم، والحديثان حجة عليهم. (تابعه شعيب) وصله في (الرقائق). (وقال يونس) وصله في (فضل عائشة). (والنعمان) وصله الطبراني في "الكبير". * * * 17 - بابٌ إِذَا قَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقَالَ: أنا (باب: إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا) 6250 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي دينٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: "مَنْ ذَا؟ "، فَقُلْتُ: أَنَا،

18 - باب من رد، فقال: عليك السلام

فَقَالَ: "أَنَا أَنَا"، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا. (أنا) الثاني تأكيد للأول. (كرهها)؛ أي: لأنها لا تتضمن الجوابَ عما سأل؛ إذ الجوابُ المفيدُ: أنا جابرٌ، وإلا، فلا بيان فيه، وقيل: لأنه لم يستأذِنْ بلفظ السلام؛ بل بالدقِّ. وفيه: جواز ضربِ بابِ الحاكم. * * * 18 - بابُ مَنْ رَدَّ، فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَدَّ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى آدَمَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ". (باب: من رَدَّ، فقال: عليكَ السلامُ) * * * 6251 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجدَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي نَاحِيةِ الْمَسْجدِ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَعَلَيْكَ

السَّلاَمُ، ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: "وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمَّا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا"، وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ فِي الأَخِيرِ: "حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا". الحديث الأول: (وقالت عائشة) سبق قريبًا. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) وصله أول (كتاب الاستئذان). (أن رجلًا) الحديث سبق في (الصلاة) في (باب وجوب القراءة). (وقال أبو أُسامة) وصله في (الأيمان والنذور). (في الأخير) -أي: حتى تطمئن جالسًا- قال مكانه: (حتى تستويَ قائمًا)، والأولُ يناسب مَنْ قال بجلسة الاستراحة بعدَ السجود. * * *

19 - باب إذا قال: فلان يقرئك السلام

6252 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا". الثاني: فيه: أن سعيدًا روى عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفي الذي قبله روى سعيد عن أبي هريرة بلا واسطة، ولا امتناع في أن يروي هكذا وهكذا، ومقصود البخاري: أن ردَّ السلام إما بتقديم عليك، أو بتأخيره، وكلاهما جواب. * * * 19 - بابٌ إِذَا قَالَ: فُلاَنٌ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ (باب: إذا قال: فلان يُقرئك السلام) 6253 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حَدَّثَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: "إِنَّ جِبْرِيلَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ"، قَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ.

20 - باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين

قال (ن): معناه: يسلِّم عليك، ومضى وجهُ ذلك قريبًا. وفيه: فضل عائشة رضي الله عنها، واستحباب بعثِ السلام، وجوازُه من أجنبي لأجنبية؛ حيث لا مفسدة، وعلى الرسول تبليغُه، والردُّ واجبٌ على الفور. * * * 20 - بابُ التَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ (باب: التسليم في مجلس فيه أخلاطٌ من المسلمين والمشركين) أي: مختلطونَ. 6254 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ، تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَهْوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرجِ، وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ حَتَّى مَرَّ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَالْيَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ

الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ ركبَ دابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: "أَيْ سَعْدُ! أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ"، يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبُيٍّ، قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ! وَاصْفَحْ، فَوَاللهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللهُ الَّذِي أَعْطَاكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (ركب) سبق الحديث في (سورة آل عمران)، وقريبًا أيضًا. قال المهلب: كان - صلى الله عليه وسلم - يتألف بالمال؛ فضلًا عن التحية، والكلمةِ الطيبة. وفيه: تكنيةُ ابنِ أُبَيّ بأبي حُباب. * * *

21 - باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا، ولم يرد سلامه حتى تتبين توبته، وإلى متى تتبين توبة العاصي؟

21 - بابُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذنبًا، وَلَمْ يَرُدَّ سَلاَمَهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُ، وَإِلَى مَتَى تَتَبيَّنُ تَوْبَةُ الْعَاصِي؟ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ. (باب: من لم يسلِّم على مَن اقترفَ ذنبًا) أي: اكتسب. (تتبين)؛ أي: تظهر صحةُ توبته، وغرضُه: أن مجردَ التوبة لا يوجب الحكم بصحتها؛ بل لا بد من مضيِّ مدةٍ يُعلم فيها بالقرائن صحتُها؛ من ندمه على الفائت، وإقباله على التدارك. قال (ط): وليس فيه حَدّ، فلا يتبين من ساعة؛ بل حتى يمر عليه ما يدل على ذلك. * * * 6255 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ، وَنهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلاَمِنَا، وَآتِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ أَمْ لَا؟ حَتَّى كَمَلَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً، وَآذَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ.

22 - باب كيف يرد على أهل الذمة بالسلام؟

(سمعتُ كعبَ بنَ مالك) إلى آخره، سبق في (غزوة تبوك). * * * 22 - بابٌ كَيْفَ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بالسَّلاَم؟ (باب: كيف يرد على أهل الذمة؟) أي: العهد، وهم اليهود والنصارى، ونحوهم. 6256 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ! فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ". 6257 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ". 6258 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ".

23 - باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره

سبق الحديث في (كتاب الأدب) في باب (لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا). * * * 23 - بابُ مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ مَنْ يُحْذرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَبيِنَ أَمْرُهُ (باب: من نظر في كتاب من يحذر)، بالبناء للمفعول. 6259 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكينَ"، قَالَ: فَأَدْركْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قُلْنَا: أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِي مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا، فَابْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْناَ شَيْئًا، قَالَ صَاحِبَايَ: مَا نَرَى كِتَابًا، قَالَ: قُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْتُ مَا كَذَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَتِ الْجدَّ مِنِّي أَهْوَتْ بِيَدِهَا إِلَى حُجْزَتهَا وَهْيَ مُحْتَجزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،

فَقَالَ: "مَا حَمَلَكَ يَا حَاطِبُ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ "، قَالَ: مَا بِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا غَيَّرْتُ وَلَا بَدَّلْتُ، أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ هُنَاكَ إِلَّا وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، قَالَ: "صَدَقَ، فَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا"، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: فَقَالَ: "يَا عُمَرُ! وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئتمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ"، قَالَ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. (فابتغينا)؛ أي: طلبناه في متاعها. (حُجْزَتها) بضم المهملة وإسكان الجيم وبالزاي: مَعْقِد الإزار، وحجزةُ السراويل: التي فيها التكة، واحتجز الرجلُ بإزاره؛ أي: شده على وسطه. (إلا) في أكثر الروايات بكسر الهمزة للاستثناء، ويحتمل أن تكون مفتوحة. (وما غَيَّرْتُ)؛ أي: الدِّين؛ أي: لم أرتدَّ عن الإسلام. (يد)؛ أي: مِنَّة ونعمة، واسمُ المرأة سارة. (اعملوا) إلى آخره، يريد: المغفرة في الآخرة، وإلا، فمن توجَّه عليه حَدٌّ، أو حقٌّ، استوفي منه، وسبق الحديث في (الجهاد) في (باب الجاسوس)؛ لكن فيه: (أنها أخرجته من عِقاصها)؛ أي: شعرها،

24 - باب كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب؟

وهنا قال: (من حُجْزَتها)، فيحتمل الجمعُ بأنه كان أولًا في الحجزة، فأخرجته، وأخفته في العِقاص، ثم أخرجته منه ثانيًا، أو بالعكس، وكذلك ذكر هناك: (المقداد) بدل (أبي مرثد)، ولا منافاة؛ لاحتمال الاجتماع. (فدمِعَت) بكسر الميم وفتحها. قال (ط): فيه هتكُ سترِ المذنب، وكشفُ المرأةِ العاصيةِ، والنظرُ في كتاب الغير إذا كان فيه تهمةٌ على المسلمين؛ فإنه حينئذ لا حرمةَ للكتاب، ولا لصاحبِه. * * * 24 - بابٌ كَيْفَ يُكْتَبُ الْكِتَابُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ؟ (باب: كيف يكتب إلى أهل الكتاب؟) 6260 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاس أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ، فَأَتَوْهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُرِئَ، فَإِذَا فِيهِ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيم الرُّومِ، السَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ".

25 - باب بمن يبدأ في الكتاب

(من محمد) إلى آخره، وسبق الحديث في أول "الجامع" بطوله مشروحًا. * * * 25 - بابٌ بِمَنْ يُبْدَأُ فِي الْكِتَابِ (باب: بمن يبدأ في الكتاب؟) 6261 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا ألفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: عَنْ أَبِيهِ، سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نَجَرَ خَشَبَةً، فَجَعَلَ الْمَالَ فِي جَوْفِهَا، وَكتَبَ إِلَيهِ صَحِيفَةً مِنْ فُلاَنٍ إِلَى فُلاَنٍ". قوله: (وقال الليث) تقدم في (البيوع). (وقال عمر بن أبي سلمةَ) وصلَه أبو نُعيم في "المستخرج"، وقد سبق الحديث مطوَّلًا في (كتاب الكفالة). * * *

26 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا إلى سيدكم"

26 - بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ" (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: قوموا إلى سَيِّدِكم) 6262 - حَدَّثَنَا أَبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ فَجَاءَ، فَقَالَ: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ"، أَوْ قَالَ: "خَيْرِكُمْ"، فَقَعَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "هَؤُلاَءِ نزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ"، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارُّيهُمْ، فَقَالَ: "لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ"، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَفْهَمَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي، عَنْ أَبِي الْوَليدِ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ إِلَى حُكْمِكَ. سبق الحديث فيه في (الجهاد). (قُريظة) بضم القاف وبظاء معجمة: قبيلة من اليهود كانوا في قلعة. (المَلِك) بكسر اللام؛ أي: الله عز وجل؛ لأن المُلْك الحقيقي له. قال (ش): وروي بالفتح. فيه: استحبابُ القيام عند دخولِ الأفضل، وسبق في (باب الجهاد): أنه غيرُ القيام المنهيِّ عنه؛ لأن ذاك بمعنى الوقوف، وهذا بمعنى النهوض.

27 - باب المصافحة

(أفهمني بعضُ أصحابي)؛ أي: بعضَ الحديث إلى قوله: (حكمك) قال عصريُّنا: وقع الحديث تامًّا من رواية محمدِ بنِ سعدٍ كاتبِ الواقديِّ عن أبي الوليد، أخرجه في "الطبقات"، ومن رواية محمدِ بنِ أيوبَ بنِ الضريسِ في "شعب الإيمان" للبيهقي. قال (ك): وفي بعضها: (على) بدل (إلى) من قوله: (إلى حكمك). * * * 27 - بابُ الْمُصَافحَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَّمَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - التَّشَهُّدَ، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: دَخَلْتُ الْمَسْجدَ، فَإِذَا بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ، حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي. (باب: المصافحة) أي: الأخذ باليد، وهو مما يؤكد المحبّة. (وقال كعب) هو من حديث توبته مع صاحبيه، وسبق في (باب المغازي)، وغيره. (وقال ابن مسعود) موصولٌ بعدَ باب. * * *

28 - باب الأخذ باليدين، وصافح حماد بن زيد بن المبارك بيديه

6263 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لأَنسٍ: كًانَتِ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نعمْ. 6264 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ آخِذ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. والحديثان فيه ظاهران. * * * 28 - بابُ الأَخْذِ بِالْيَدَيْنِ، وَصَافَحَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنَ الْمُبَارَكِ بِيَدَيْهِ (باب: الأخذ باليدين) 6265 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - -وَكَفِّي بَيْنَ كفَّيْهِ- التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ

29 - باب المعانقة، وقول الرجل: كيف أصبحت؟

الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَهْوَ بَيْنَ ظَهْرَانينَا، فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا: السَّلاَمُ، يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. تقدم الحديث فيه في (كتاب الصلاة) بشرحه. (ظَهْرَانَيْنا)؛ أي: بيننا، وأصلُه: ظَهْرَينا؛ أي: ظهر المتقدِّم والمتأخِّر، فزيد فيه الألفُ والنونُ المفتوحةُ للتأكيد. * * * 29 - بابُ الْمُعَانَقَةِ، وَقَوْلِ الرَّجُلِ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ (باب: المعانقة) قيل: لم يذكر البخاري فيها شيئًا، وإنما ذكرها في (كتاب البيع) في (ما ذكر في الأسواق) في معانقة الرجل عند قدومه من السفر، وعند لقائه، وعند قوله: كيف أصبحت؟ فلعل البخاري أخذ المعانقة من عاداتهم في هذه الأحوال، فاكتفى به، فترجم، ولم يتفق له حديث يوافقه في المعنى، ولا طريقٌ مسندٌ آخرُ لحديث معانقةِ الحَسَنِ، لم ير أن يرويه بذلك السند؛ لأنه ليس من عادته إعادةُ السند الواحد؛ وكذا قال (ط): إنه ترجم بالمعانقة، وما أراد أن يدخل فيه حديث معانقة الحسن، ولم يجد له سندًا غيرَ السند الذي ذكره في (البيع)، فمات قبل ذلك، وبقي الباب فارغًا من ذكر المعانقة، وتحته باب (قول الرجل: كيف أصبحت؟)، فلما وجد

ناسخ الكتاب الترجمتين متواليتين، ظنهما واحدة؛ إذ لم يجد بينهما حديثًا، والأبوابُ الفارغةُ في هذا "الجامع" كثيرةٌ. * * * (باب: قول الرجل: كيف أصبحت؟) 6266 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيًّا -يَعْنِي ابْنَ أَبِي طَالِبٍ- خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ! كيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: أَلاَ تَرَاهُ؟ أَنْتَ وَاللهِ بَعْدَ الثَّلاَثِ عَبْدُ الْعَصَا، وَاللهِ إِنِّي لأُرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَيُتَوَفَّى فِي وَجَعِهِ، وَإِنِّي لأَعْرِفُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَوْتَ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَسْألَهُ فِيمَنْ يَكُونُ الأَمْرُ، فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا، قَالَ عَلِيٌّ: وَاللهِ لَئِنْ سَألنَاهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَمْنَعُنَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ أَبَدًا، وَإِنِّي لَا أَسْألهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَدًا. (إسحاق) لعله ابنُ منصور؛ فإنه روى عن بِشْرٍ في (باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم).

30 - باب من أجاب بلبيك وسعديك

(بارئًا) من برأ من المرض -بالهمز- براءًا، هذه لغة الحجاز، وتميم يقولون: برِئ من مرضه -بالكسر-. (ألا تراه)، أي: فيه علامات الموت. (عبد العصا)؛ أي: مأمورٌ لا آمِرٌ. (الأمر)؛ أي: أمر الخلافة. (أمرناه)؛ أي: طلبنا منه الوصية، فدل على أن الأمر لا يشترط فيه علوّ ولا استعلاء. (سألنا لها)؛ أي: الخلافة، أو الإمارة. وفيه: جواز الأخذ باليد؛ أي: المصافحة، والسؤال عن حال العليل، وجواز اليمين على ما قام عليه الدليل. واختلف في تقبيل اليد، فأنكره مالك، وأجازه آخرون. * * * 30 - بابٌ مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ (باب: من أجابَ بِلَبَّيْكَ) 6267 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ ثَلاَثًا: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى

الْعِبَادِ؟ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ". 6267 / -م - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ، عَنْ مُعَاذٍ بِهَذَا. الحديث الأول: (لَبَّيْكَ) من لَبَّ بالمكان: أقام به؛ أي: أنا مقيمٌ على طاعتك، وقيل: معناه: إجابة بعد إجابة. (وسعدَيْك)؛ أي: إسعادًا بعد إسعاد، والتقدير هنا: أسعدني إسعادًا. (أن يعبدوه) إشارة للعَمَليّات. (ولا يشركوا به شيئًا) إشارة للاعتقاديات؛ لأن التوحيد أصلها. (حق العباد)؛ أي: بمقتضى وعد الله الصادق، وإلا، فلا يجب على الله تعالى شيء؛ بل نِعَمُهُ فضلٌ، ونقَمُهُ عدلٌ، أو أن ذلك كالحقِّ الواجب؛ كزيدٌ أسدٌ؛ أي: كأسدٍ. قال (ط): فإن اعترضَ المرجئةُ به، فجوابُ أهل السنة: أن هذا اللفظ خرج على المزاوجة والمقابلة؛ نحو: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]. * * *

6268 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا وَاللهِ أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، قالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً، اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا لِي ذَهَبًا يَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَث عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أقولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا"، وَأَرَانَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "الأكثَرُونَ هُمُ الأَقَلُّونَ إِلَّا مَنْ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا"، ثُمَّ قَالَ لِي: "مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ يَا أَبَا ذَرٍّ حَتَّى أَرْجِعَ"، فَانْطَلَقَ حَتَّى غَابَ عَنِّي، فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَبْرَحْ"، فَمَكُثْتُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْتُ صَوْتًا خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لَكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَكَ فَقُمْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَإِنْ زَنىَ وَإِنْ سَرَقَ، قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ"، قُلْتُ لِزَيْدٍ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ أَبُو الدَّرْداءِ، فَقَالَ: أَشهَدُ لَحَدَّثَنِيهِ أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوَهُ، وَقَالَ أَبُو شِهَابٍ: عَنِ الأَعْمَشِ: "يَمْكُثُ عِنْدِي فَوْقَ ثَلاَثٍ". الثاني: (بالرَّبَذَة) بالراء [والموحدة] والمعجمة المفتوحات: موضعٌ على ثلاثِ مراحلَ من المدينة قريبٌ من ذات عِرْق.

(حَرّة) بفتح المهملة: أرضٌ سوداءُ ذاتُ حجارة، وللمدينة حَرَّتان. (أُحُد) جبل بالمدينة. (ذهبًا) نُصب على التمييز. (أُرْصِدُهُ) صفةٌ لدينار، والصاد مضمومة، وفي بعضها: (إلَّا أرصده)، بالاستثناء عن الدينار. (إلا أن) استثناءٌ مفرَّغٌ. (أقول به)؛ أي: أصرفه، وأنفقه عليهم. (هكذا) كررهُ ثلاثًا؛ أي: يمينًا، وشمالًا، وقدامًا. (الأقلون)؛ أي: ثوابًا. (مكانك)؛ أي: الزمْ مكانَكَ. (عُرِض) بالبناء للمفعول؛ أي: ظهر عليه أحد، أو أصابه شيء. (فقمت)؛ أي: توقفت. (قلت لزيد) هو من مقول الأعمش. (لحدَّثنيه) اللام فيه باعتبار أن الشهادة في حكم القسم. (قال الأعمش) موصولٌ كما سيأتي في (باب الرقاق). (وقال أبو شهاب) موصول في (الاستقراض). * * *

31 - باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه

31 - بابٌ لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ 6269 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ". (باب: لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه) هو لفظ الحديث، وهو نفي في معنى النهي، قيل: للتحريم، وقيل: للتنزيه؛ لأنه من الآداب، ومحاسن الأخلاق. * * * 32 - بابٌ {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} الآيَةَ (باب: قول الله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} [المجادلة: 11]) 6270 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ نهى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا.

33 - باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه، أو تهيأ للقيام ليقوم الناس

وَكانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يُجْلِسَ مَكَانهُ. (ولكن تَفَسَّحوا) أمر، وإنما كان استدراكًا من الخبر؛ لأن لفظ: (قال) بعد (لكن) فيه مقدَّرة، أو أنَّ: (نهى أن يقيم) في تقدير: لا يقيمنَّ، ويحتمل أن لا يكونَ من تتمة الحديث، فهو من كلام ابن عمر. (يُكره)؛ أي: وَرَعًا؛ لأنه ربما استحيا ذلك القائمُ منه، فقامَ له من مجلسه من غير طيبِ قلبِه، أو لأن الإيثار بالقُرَب خلافُ الأولى، فيمتنع من ذلك؛ لئلا يرتكب أحدٌ بسببه خلافَ الأولى، فإنما يُحمد الإيثارُ بحظوظِ النفس وأمورِ الدنيا دون القُرْبة. * * * 33 - بابُ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسهِ أَوْ بَيْتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَصْحَابَهُ، أَوْ تَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ لِيَقُومَ النَّاسُ (باب: من قام من مجلسه، أو بيته، ولم يستأذن أصحابه) 6271 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابْنُ عُمَرَ، حَدَّثنا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبَ بْنَةَ جَحْشٍ دَعَا النَّاسَ طَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ , قَالَ: فَأَخَذَ

34 - باب الاحتباء باليد، وهو القرفصاء

كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ، وَبَقِيَ ثَلاَثةٌ، وَاِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا، قَالَ: فَجئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ، فَأَرْخَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إِلَى قَوْلهِ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}. (فأخذ)؛ أي: تحرك، واستحيا أن يقول لهم: قوموا؛ لأنه على خلق عظيم - صلى الله عليه وسلم -. ففيه: أنه لا ينبغي لأحد أن يَطوّل الجلوسَ بعد قضاء حاجته التي دخل لها. وفيه: أن لصاحب الدار أن يقوم من عنده، ويُظهِر التثاقلَ به. * * * 34 - بابُ الاِحْتِبَاءِ بالْيَدِ، وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ (باب: الاحتباء) مصدر احتبى الرجل: إذا جمع ظهرَه وساقيه بعمامته. (القُرْفُصَاء) بضم القاف وسكون الراء وفتح الفاء وضمها وبالمهملة

35 - باب من اتكأ بين يدي أصحابه

ممدود، ومقصور: ضربٌ من القعود. قال (ش): إن كسرتَ القافَ والفاء، قصرتَهُ، وإن ضممتَهما، مددته، عن الفَرَّاءِ وغيرِه، وفسره بالاعتماد على عَقِبه، ومَسِّ أليته بالأرض، وقال أبو عُبيد: جلسة المُحْتَبِي، ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه، فمعنى (قعدَ القُرْفُصاء): قعد هذا القعود. * * * 6272 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدِهِ هَكَذَا. (بِفِنَاء) بكسر الفاء والمد: ما امتدَّ من الجوانب. * * * 35 - بابُ مَنِ اتَّكَأَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ قَالَ خَبَّابٌ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، قُلْتُ: أَلاَ تَدْعُو اللهَ فَقَعَدَ. (باب: من اتكأ بين يدي أصحابه) قوله: (قال خباب) موصول في (علامات النبوة) بأبسط من هذا.

(متوسِّد) من قولهم: وَسَّدْتُهُ الشيءَ، فتوسَّدَه: جعله تحت رأسه. * * * 6273 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ". الحديث الأول: (وعقوق) إنما قرنه بالشرك، وليس العقوق كفرًا؛ بل أدخل في سلكه؛ تعظيمًا لأمر الوالدين، وتغليظًا على العاقِّ، أو أن المراد: أكبرُ الكبائر فيما يتعلق بحقِّ الله تعالى: الإشراكُ، وفي حقِّ الناسِ: العقوقُ؛ قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ} الآية [الإسراء: 23]. * * * 6274 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ مِثْلَهُ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: "أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ". فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. الثاني: (الزور) الباطل، وسبق تحقيقه أول (كتاب الأدب). * * *

36 - باب من أسرع في مشيه لحاجة أو قصد

36 - بابُ مَنْ أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ قَصْدٍ (باب: من أسرع في مشيه لحاجة أو لقصد) أي: مقصودٍ، ويطلق القصدُ على إتيانِ الشيء، والعدلِ. 6275 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عُقبَةَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ، فَأَسْرعَ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ. (ثم دخل البيت) سبق تمامه في (صلاة الجماعة)، وهو: (ففزع الناسُ من سرعته)، الحديثَ. * * * 37 - بابُ السَّرِيرِ (باب: السرير) 6276 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَسْطَ السَّرِيرِ، وَأَنَا مُضْطَجعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ

38 - باب من ألقي له وسادة

تَكُونُ لِيَ الْحَاجَةُ، فَأكْرَهُ أَنْ أَقُومَ، فَأَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلاَلًا. (فأَستقبلَه) بالنصب. (فأنْسَلُّ) بالرفع. * * * 38 - بابُ مَنْ أُلْقِيَ لَهُ وِسَادَةٌ (باب: من أُلقي له وسادةٌ) 6277 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرني أَبُو الْمَلِيح قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ زيدٍ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ لِي: "أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "خَمْسًا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "سَبْعًا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "تِسْعًا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "إِحْدَى عَشْرَةَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ، شَطْرَ الدَّهْرِ، صِيَامُ يَوْمٍ، وَإِفْطَارُ يَوْمٍ".

الحديث الأول: (إسحاق)؛ أي: ابنُ شاهين. (خالد)؛ أي: ابنُ عبد الله الطحان. (يا رسول الله) وجهُ مطابقته للسؤال: أن التقدير: يا رسولَ الله! أُطيق أكثرَ من ذلك، أو: لا يكفيني ذلك. (شطرًا)؛ أي: نصف، وهو نصب على الاختصاص؛ وكذا (صيام)، وبالرفع فيهما؛ أي: هو صيام، وإنما كان هذا أفضلَ؛ لزيادة المشقةِ فيه؛ إذ مَنْ سَرَدَ الصومَ صار الإمساكُ طبيعةً له، فلا يحصُل له مشقة، وسبق الحديث. * * * 6278 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قَدِمَ الشَّأْمَ. وَحَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّأْمِ، فَأتَى الْمَسْجدَ فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي جَلِيسًا، فَقَعَدَ إِلَى أَبِي الدَّرْداءِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: ألَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي كانَ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ -يَعْنِي حُذَيْفَةَ- أليْسَ فِيكُمْ؟ أَوْ كانَ فِيكُمُ الَّذِي أجَارَهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ

رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي عَمَّارًا، أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالْوِسَادِ؟ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَقْرَأُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} , قَالَ: {والذكر والأنثى} , فَقَالَ: مَا زَالَ هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يُشَكِّكُونِي، وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (جليسًا) منونٌ للتعظيم. (صاحب السر)؛ أي: سر النفاق، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر أسماء المنافقين له، وَعيَّنَهم، وخَصَّصَه بهذه المنقبة؛ إذ لم يُطْلِع عليه أحدًا غيره. (والوساد) المشهور بدله: السِّواد -بكسر المهملة-؛ أي: السرار، وهو المساررة، وسبق الحديث في (المناقب). (والذكر والأنثى)؛ أي: بدون لفظ: {وَمَا خَلَقَ} [الليل: 3]، وأهلُ الشام كانوا يناظرونه على القراءة المشهورة المتواترة، وهي: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]، ويشككونه في قراءته الشاذة، وكان ابن مسعود موافقًا لأبي الدرداء فيها. واعلم أن مناسبة ذكر السريرِ والوسادةِ لـ (كتابِ الاستئذان): أن في دخول المنزل بالاستئذان ذكر ذلك تبعًا لما يتعلق بالمنزل ويلابسه. * * *

39 - باب القائلة بعد الجمعة

39 - بابُ الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَة (باب: القائلة بعد الجمعة) أي: القيلولة، وهو النوم بعد الظهر، وسبق معنى الحديث فيه. 6279 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا نَقِيلُ وَنتَغَدَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ. * * * 40 - بابُ الْقَائِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ (باب: القائلة في المسجد) 6280 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ بِهِ إِذَا دُعِيَ بِهَا، جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، فَلَمْ يَجدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ "، فَقَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لإنْسَانٍ: "انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟ " فَجَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ فِي الْمَسْجدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُضْطَجعٌ،

41 - باب من زار قوما فقال عندهم

قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، فأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَهْوَ يَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ! ". (ولم يَقِل) بكسر القاف، مر في (باب التكني) في (كتاب الأدب). * * * 41 - بابُ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَقَالَ عِنْدَهُمْ (باب: من زار قومًا، فقال عندهم) 6281 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نِطَعًا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ، قَالَ: فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ، قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ أَنس بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ. الحديث الأول: (نطْعًا) بفتح النون وكسرها مع سكون الطاء وفتحها، والجمعُ نُطوعٌ وأَنطاعٌ. (سُكّ) بضم السين المهملة وشدة الكاف: نوع من الطيب.

(حَنُوطه) بفتح الحاء المهملة وضم النون: طيب يُصنع للميت، وفيه الكافورُ، والصندلُ ونحوُه. * * * 6282 - و 6283 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ"، أَوْ: "مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، شَكَّ إِسْحَاقُ, قُلْتُ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ، غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ"، أَوْ"مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، فَقُلْتُ: ادعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ"، فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ زَمَانَ مُعَاوِيَةَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَهَلَكَتْ. الثاني: (قباء) منونٌ مصروفٌ ممدودٌ على الأفصح.

42 - باب الجلوس كيفما تيسر

(أُمّ حرام) هي خالة أنس نسبًا، وخالةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - رَضاعًا، يقال: لها العُميصاء. (ثبج) بفتح المثلثة والموحدة وبالجيم؛ أي: وسط. (الأَسِرّةَ) جمع سرير. (أو) الشكُّ من إسحاق. وفي الحديث معجزةٌ، وسبق الحديث مرات. * * * 42 - بابُ الْجُلُوسِ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ (باب: الجلوس كيفما تيسَّر) 6284 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَالاِحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِ الإنسانِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بُدَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

43 - باب من ناجى بين يدي الناس، ومن لم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به

سبق الحديث فيه في (كتاب اللباس)، وأن (لِبْسَتين) بكسر اللام، وتفسير ذلك، ووجهُ دلالته على الترجمة: أنه خص النهي بحالتين، فمفهومُه: أن ما عداهما ليس منهيًا عنه، والأصلُ الجوازُ وعدمُ النهي. (تابعه مَعْمَرٌ) موصول في (البيوع). (ومحمد، وعبد الله) وصلهما الذُّهْلي في "الزُّهْريات". * * * 43 - باب مَنْ نَاجَى بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَمن لَمْ يُخْبِرْ بسِرِّ صَاحِبِهِ، فَإِذا مَاتَ أَخْبَرَ بهِ (باب: من ناجى بين يدي الناس) 6285 - حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ أَبِي عَوَانةَ، حَدَّثَنَا فِرَاسٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ تَمْشِي، لَا وَاللهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي"، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنها سَارَّهَا الثَّانِيةَ إِذَا هِيَ تَضْحَكُ. فَقُلْتُ لَهَا: أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالسِّرِّ مِنْ

بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ 6286 - قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِرَّهُ. فَلَمَّا تُوُفِي قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي. قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرتنِي قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، "وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَرَى الأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكَ"، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: "يَا فَاطِمَةُ! أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ ". (أزواجَ) نصب على الاختصاص. (يُغادَر) مبني للمفعول؛ أي: يُتْرَك. (مِشيته) بكسر الميم؛ أي: كانت مِشيتُها مثلَ مِشْيته - صلى الله عليه وسلم -. (رَحَّب)؛ أي: قال لها: مرحبًا. (عزمت)؛ أي: أقسمت. (بمالي) الباء للقسم. (لما أخبرتني)؛ أي: إلا أخبرتني. قال الزمخشري: نشدتُكَ اللهَ إلا فعلتَ معناه: ما أطلبُ منكَ إلا فِعْلَكَ (جزعي) هو نقيضُ الصبر.

44 - باب الاستلقاء

(سيدة نساء المؤمنين) سبق في (باب المناقب) الجمعُ بين هذا وبين حديث: "فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". * * * 44 - بابُ الاِسْتِلْقَاءِ (باب: الاستلقاء) أي: النومُ على القفا، ووضعُ الظهر على الأرض. 6287 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عبَّادُ بْنُ تَمِيمِ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ مُسْتَلْقِيًا، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. (مستلقيًا) قال ابن السِّيد: كذا رواه أهل الحديث، وأنكره بعضُ النحويين، وقال: إنما يقال: اسلنقى: إذا رقد على قفاه، ولا يقال: استلقى؛ فإن معناه: ألقى، وإن كان مجيء استفعلَ بمعنى أفعلَ قليلًا عزيزًا لم يرد إلا في ألفاظ معدودة؛ كاستوقد نارًا؛ أي: أوقد، واستجاب بمعنى: أجاب. * * *

45 - باب لا يتناجى اثنان دون الثالث

45 - بابٌ لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى}. إِلَى قَوْلِهِ: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. (باب: لا يتناجى اثنان دون الثالث) قوله: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12]) نسخ الوجوب في هذا الأمر. قال بعض الأصوليين: فيبقى الندبُ. * * * 6288 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ". (دون الثالث)؛ أي: لأن ذلك يُشعر بقلة الالتفات إليه، وربما خاف أنهما يريدان غائلة.

46 - باب حفظ السر

وقال (خ): إذا لم يكن شريكًا للمتناجيين، حزن، ولأنه قد يسوء ظنُّه بهما، فأرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى الأدب، ومحافظة حقه، وإكرام مجلسه، وقيل: تختص كراهيةُ ذلك بالسفر؛ لأنه مظنَّةُ التهمَةِ، وإذا كان بحضرة الناس، كان هذا المعنى مأمونًا. * * * 46 - باب حِفْظِ السِّرِّ (باب: حفظ السر) 6289 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سِرًّا، فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَقَدْ سَألتْنِي أُمُّ سُلَيْم فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ. معنى الحديث فيه ظاهر. * * * 47 - بابُ إِذَا كَانُوا أَكْثرَ مِنْ ثَلاَثةٍ فَلَا بَأْسَ بالْمُسَارَّةِ وَالْمُنَاجَاةِ (باب: إذا كان أكثر من ثلاثة، فلا باس بالمسارَّة والمناجاة) 6290 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي

وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ". الحديث الأول: يدل على الترجمة بالمفهوم؛ فإن قوله: (ثلاثة) مفهومُه: نفيُ الحكم إذا زادوا على الثلاثة. (أجل)، أي: من أجل؛ كقول الشاعر: أَجْلِ أَنَّ اللهَ فَضَّلَكُمْ أي: من أجلِ، أو لأجلِ. (يحزنه) بفتح أوله وضمه، وباللغتين قرئ": {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103]، فإذا كان الناس مختلطين، أمن من ذلك. * * * 6291 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، قُلْتُ: أَمَا وَاللهِ لآتِيَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي مَلأٍ، فَسَارَرْتُهُ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: "رَحْمَةُ اللهِ عَلَى مُوسَى، أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".

48 - باب طول النجوى

الثاني: (مَلأٍ)؛ أي: جماعة. * * * 48 - بابُ طُولِ النَّجْوَى {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} مَصْدَرٌ مِنْ: نَاجَيْتُ، فَوَصَفَهُمْ بِهَا، وَالْمَعْنَى يَتَنَاجَوْنَ. (باب: طول النجوى، وقوله تعالى: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الإسراء: 47]) وصفوا بالمصدر مبالغة؛ كـ: أبو حنيفةَ فِقْهٌ، وزيدٌ عدلٌ. ووجهُ مناسبة هذا الباب ونحوه لـ (كتاب الاستئذان): أن حكمة الاستئذان أن لا يطلع الأجنبيُّ على أحوال داخل البيت، أو أن المناجاة لا تكون إلا في البيوت، والمواضعِ الخاصةِ الخالية، فذكره تبعًا للاستئذان، والحديث فيه ظاهر. * * * 6292 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَرَجُلٌ

49 - باب لا تترك النار في البيت عند النوم

يُنَاجِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا زَالَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. * * * 49 - بابٌ لَا تُتْرَكُ النَّارُ فِي الْبَيْتِ عِنْدَ النَّوْمِ (باب: لا تترك النار في البيت عند النوم) 6293 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تترُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتكُمْ حِينَ تَنَامُونَ". الحديث الأول: (النار) يشمل السراج وغيره؛ أما القناديلُ المعلَّقة في المساجدِ وغيرِها إذا أُمن الضررُ؛ كما هو الغالب، فالظاهرُ أنه لا بأس بها. * * * 6294 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِؤُهَا عَنْكُمْ".

50 - باب إغلاق الأبواب بالليل

الثاني: معناه مستفادٌ مما سبق. * * * 6295 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ كثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَطْفِؤُا الْمَصَابِيحَ، فَإِنَّ الْفُويسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْت". الثالث: (خَمِّروا)؛ أي: غَطُّوا. (وأجيفوا)؛ أي: أغلقوا، أو رُدُّوا. (الفويسقة): الفأرة. * * * 50 - بابُ إِغْلاَقِ الأَبْوَابِ باللَّيْلِ (باب: غلق الأبواب بالليل) 6296 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَطْفِؤُا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ،

51 - باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط

وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ"، قَالَ هَمَّامٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: "وَلَوْ بِعُودٍ". (وأَوْكُوا) من الإيكاء، وهو الشدُّ والربطُ. (الأَسقية) جمع سِقاء، وهو القِرْبَةُ، وفائدتُه: صيانتُها من الشيطان؛ فإنه لا يكشف غطاءً، ولا يحل سِقاءً، ومن الوباء الذي ينزل من السماء في ليلة من السنة كما ورد في الحديث، والأعاجم يقولون: تلك الليلة في كانون الأول، ومن المقذَّرات والحشرات. (ولو بعودٍ)؛ أي: من الخشب؛ أي: فيحصل التخمير بذلك. * * * 51 - بابُ الْخِتَانِ بَعْدَ الْكِبَرِ وَنَتْفِ الإِبْطِ (باب: الختان بعد الكبر، ونتف الإبْط) بسكون الموحدة. 6297 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قُزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ". الحديث الأول: (الفطرة)؛ أي: سنة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الذين

أُمرنا أن نقتدي بهم، وأول من أمر بها: إبراهيمُ - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} الآية [البقرة: 124]. (خمس) لا ينافي رواية: عشر، وسواء في ذلك ما هو فرض، أو سنة؛ كما سبق بيانه. * * * 6298 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ"، مُخَفَّفَةً. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَقَالَ: "بِالْقَدُّومِ". الثاني: سبق في (أبواب الطهارة). (بالقَدوم) سبق أنه بالتخفيفِ: موضعٌ، وبالتشديد: آلةُ النجار، وأنه الصواب، وفي رواية البزار: (برأس القَدُوم)، وأن الأرجح فيه التخفيف. * * * 6299 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟

52 - باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك

قَالَ أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ، قَالَ: وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ. 6300 - وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا خَتِينٌ. الثالث: (يدرك)؛ أي: البلوغ. (وقال ابنُ إدريس) هو عبد الله الأَوْدِيُّ؛ وصله الإسماعيلي. * * * 52 - بابٌ كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. (باب: كلُّ لهوٍ باطلٌ إذا شغلَه عن طاعة الله عز وجل) 6301 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيتصَدَّقْ".

53 - باب ما جاء في البناء

(فليقلْ: لا إله إلا الله)؛ أي: لما وقع فيه من تعظيم الأصنام حين حلف بها. (فليتصدقْ) سبق بيانه في أواسط (كتاب الأدب)، ووجه مطابقة الحديث للترجمة: أن الحلف باللاتِ شاغلٌ عن الحلف بالحقِّ، فيكون باطلًا، وأما مطابقةُ الآية، فإنه جعل اللهو فيها قائدًا إلى الضلال، صادًّا عن سبيل الله، فهو باطل. وأما تعلقُ هذا الباب بـ (كتاب الاستئذان)، فلعله لأن الدعاء للقمار لا يكون إذنًا في الدخول في منزله؛ لأنه يحتاج إلى كفارة، فلا اعتداد به شرعًا، أو أنَّ اللهو وكذا الختان لا يحصل إلا في الدور والمنازل الخاصة، وكلٌّ منهما يتضمن اجتماعَ الناس عند أصحابهما، والدخول عليهم. * * * 53 - بابُ مَا جَاء فِي الْبنَاءِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ إِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبَهْمِ فِي الْبُنْيَانِ". (باب: ما جاء في البناء) قوله: (وقال أبو هريرة) موصول في (كتاب الإيمان).

(أشراط)؛ أي: علامات، وإنما جُمع جَمع قلة، وإن كانت العلامات كثيرة؛ لأن جمع القلة والكثرة يتقارضان، أو أن الفرق بينهما عند التنكير لا التعريف. (البُهْم) بضم الموحدة: جمع أبهم، وهو الذي لا يخالط لونه لون غيره، وبفتحها: جمع بَهْمَة من أولاد الضأن، ويقال: البُهم أيضًا للمجتمع منها، ومن أولاد المعز. وحاصله: أن الفقراء تبسط لهم الدنيا، حتى يتباهون في إطالة البنيان، وهو إشارة إلى اتساع دين الإسلام، واستيلاء أهله. * * * 6302 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثنا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَنَيْتُ بِيَدِي بَيْتًا، يُكِنُّنِي مِنَ الْمَطَرِ، وَيُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ، مَا أَعَاننَي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ. 6303 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللهِ مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلَا غَرَسْتُ نَخْلَةً، مُنْذُ قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ سُفْيَانُ: فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ بَنَى بَيْتًا، قَالَ سُفْيَانُ: قُلْتُ: فَلَعَلَّهُ قَالَ: قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ. الحديث الأول، والثاني: (قُبض)؛ أي: توفي.

(قبل أن يبني)؛ أي: لعل ابن عُمر قال ذلك قبل البناء، وفي بعضها: (قبل أن يبتني)؛ أي: يتزوج، ويحتمل أنه أراد الحقيقة؛ أي: البناء بيده، والمباشرة بنفسه، وأراد أهله التسبب بالأمر به ونحوه، والله أعلم. * * *

80 - كتاب الدعوات

80 - كتاب الدعوات

1 - باب قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60] ولكل نبي دعوة مستجابة

80 - كتاب الدعوات (كتاب الدعوات) الدعاء: النداء؛ والصحيح: استجابة، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وزعم بعضُ الزهاد أنّ تركَه استسلامًا أفضلُ، وقيل: إن دعا لغيره فحسن وإلا فلا. 1 - بابُ قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] وَلِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مسْتَجَابَةٌ (باب: لكل نبيٍّ دعوةٌ مستجابة) أي: قطعيةُ الإجابة؛ بخلاف البقية؛ فإنها على الرجاء، ففي "الصحيح": "سَأَلْتُ الله ثَلاَثًا؛ فَأَعْطَانِي اثْنتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: أَنْ لا يُذِيقَ بَعْضَ أُمَّتِي بَأْسَ بَعْضٍ"، ويحتمل أن المراد: دعوةٌ لأُمته.

قلت: وكانَ شيخنا شيخُ الإسلام البُلْقيني يفسرها بالعامة للكل؛ بخلاف سائر الدعوات. وفيه: بيان كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أُمته، ورحمته لهم، والنظر في مصالحهم؛ فلذا أخر دعوته إلى أهم أوقات حاجاتهم - صلى الله عليه وسلم -. * * * 6304 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لِكُلِّ نبَيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي فِي الآخِرَة". 6305 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: قَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ نبِيٍّ سَأَلَ سُؤْلًا، أَوْ قَالَ: لِكُلِّ نبَيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا، فَاسْتُجيبَ، فَجَعَلْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (وقال مُعْتَمر) وصله مسلم. (سؤلًا) بالهمز وتركه؛ أي: مطلوبًا. (فأستجيب)؛ أي: أُجيب. * * *

2 - باب أفضل الاستغفار

2 - بابُ أَفْضَلِ الاِسْتِغْفَارِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. (باب: أفضل الاستغفار) الذي فاعلُه أكثرُ ثوابًا من غيره؛ كما يقال: مكةُ أفضلُ من المدينة؛ أي: العاملُ فيها أكثرُ ثوابًا؛ كذا قال (ك)، ولا يخفى ما فيه. * * * 6306 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ"، قَالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ

يُصْبِحَ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (على عهدك)؛ أي: على ما عاهدتُك عليه، ووعدتُك من الإيمانِ بك، وإخلاصِ الطاعة لك، ويحتمل أن يكون معناهُ: إني مقيمٌ على ما عهدتَ إليَّ من أمرك، وأنك منجزٌ وعدَك في المثوبة والأجر عليه. (ما استطعت) فيه الاعترافُ بالعجز والقصور عن القيام بكمال حقه تعالى. (أبوءُ) من قولهم: باء بحقه؛ أي: أَقرَّ به. قال (خ): باء بذنبه: احتمله كُرْهًا، لا يستطيع دفعَه عن نفسه. (من أهل الجنّة)؛ أي: يدخلها ابتداءً من غير أن يدخل النار، وإلا فالمؤمنون كلهم من أهل الجنة؛ فإما أن من قالها موقنًا بها عاملًا بمضمونها الغالبُ عليه أن لا يعصي، أو أن الله يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار. والحكمة في أن هذا سيدُ الاستغفار: إما لسر لا يعلمه إلا الله، وإما لما يظهر من جمعه ما لا يوجد في غيره؛ فإن فيه ذكرَ الله بأكمل الأوصاف، وهو الاعتراف بوجوده وتوحيده الذي هو أصلُ الصفاتِ العدمِيَّةِ المسماة بصفات الجلال، والاعتراف بالصفات الوجودية المسماة بصفات الإكرام، وهي القدرةُ اللازمةُ من الخلق، الملزومةُ

3 - باب استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم والليلة

للحياة، والإرادة، والعلم، والكلام اللازم من الوعد، والسمع والبصر اللازمان من المغفرة، وفيه ذكرُ العبدِ نفسَه بأنقص الحالات، وذلك بالعبودية وبالذنوب في مقابلة النعمة المقتضية للشكر؛ فهذان الوصفان ليريه من نفسه أقصى غاية التضرع، ونهاية الاستكانة. * * * 3 - بابُ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ (باب: استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم والليلة) هو، وإن كان معصومًا لا ذنب له أصلًا؛ لكن استغفاره نفسه عبادة، فهو تعبد به، أو تعليم لأُمته، أو من ترك الأولى، أو تواضعًا، أو عما لعله سها فيه، أو لما قبل النبوة، أو لأنه لما اشتغل بمصالح الأُمة عن عظيم مقامه، وهو حضورُه مع الله تعالى، وفراغُه عما سواه، رأى ذلك كالذنب بالنسبة إليه، وإن كان الذي اشتغل به من أفضل الطاعات؛ لكنه نزولٌ عن عالي درجته، أو أنه لما كان دائمًا في الترقي في الأحوال السَّنيّة، فإذا رأى ما قبلها دون ما صار إليه، استغفر منه؛ كما يقال: حسناتُ الأبرار سيئاتُ المقرَّبين، أو أنه تتجدد غفلاتٌ للطبع، فيفتقر للاستغفار. قلت: وبعضُ هذه الأوجه أوجَهُ من بعض، والقصدُ ظاهر.

4 - باب التوبة

6307 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "وَاللهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً". (أكثر من سبعين) يريد: ما لا ينحصر. * * * 4 - بابُ التَّوْبَةِ قَالَ قتادَةُ: توبوا إلى الله تَوْبَةً نصُوحًا، الصَّادِقَةُ: النَّاصِحَةُ. (باب: التوبة) 6308 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ"، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ. ثُمَّ قَالَ: "لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نزَلَ مَنْزِلًا، وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلتهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نومَةً،

فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَاحِلتهُ عِنْدَهُ". تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَجَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، سَمِعْتُ الْحَارِثَ، وَقَالَ شُعْبَةُ، وَأَبُو مُسْلِمٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. (أحدهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر عن نفسه) ليس فيه بيان المرفوع منهما من الموقوف؛ لكن في "مسلم" عن ابن مسعود، مرفوعًا: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا"، فهو المرفوع، والآخر موقوف كما قاله (ن). (هكذا)؛ أي: دفعه كأنه سهل عنده لا اكتراث به. (لله أفرحُ) حقيقةُ الفرح محالٌ على الله تعالى، فالمراد لازِمُهُ الرضا والقبول كما في: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]؛ أي: راضون؛ أي: الله أرضى بذلك، وأقبلُ له من كذا، فهو تأكيدٌ لمعنى الرضا في نفس السامع، ومبالغةٌ في تقريره. (مَهْلكة) بفتح الميم وكسر اللام وفتحها: مكان الهلاك، وفي بعضها: (مُهْلِكة) بلفظ اسم الفاعل، وفي بعضها زيادة: (وبيئة)،

فعيلة من الوباء. (تابعه أبو عَوانة) وصله أبو نُعيم في "المستخرج". (وجرير) وصله مسلم. (وأبو مسلم) اسمه: عبيد الله بن عبد القدوس، كوفي، قائدُ الأعمش. (وقال أبو معاوية) وصله أحمد، وإسحاق في "مسنديهما". * * * 6309 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ". الثاني: (إسحاق) قال الغساني: لعله ابن منصور. (سقط)؛ أي: وقع عليه وصادفه من غير قصد. (أضلَّه)؛ أي: أضاعه. (في فلاة)؛ أي: مفازة. * * *

5 - باب الضجع على الشق الأيمن

5 - بابُ الضَّجْعِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ (باب: الضجع على الشق الأيمن) أي: وضع الجنبِ الأيمنِ على الأرض. 6310 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ ركعَةً، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَجيءَ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ. (فيؤذنه)، أي: يُعْلِمُه. ووجهُ تعلقِه بـ (كتاب الدعوات): ما عُلم من سائر الأحاديث أنه كان يدعو عند الاضطجاع. * * * 6 - بابٌ إِذَا بَاتَ طَاهِرًا (باب: إذا بات طاهرًا) 6311 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمرٌ قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورًا،

عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، وَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ"، فَقُلْتُ: أَسْتَذْكِرُهُنَّ، وَبِرَسُولكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، قَالَ: "لَا، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ". (أسلمتُ)؛ أي: جعلتُ نفسي منقادةً لك، طائعةً لحكمك. (وألجأتُ)؛ أي: اعتمدتُ كما يستند الإنسان بظهره. (رهبةً)؛ أي: خوفًا من عقابك. (ورغبةً)، أي: طمعًا في ثوابك. (ملجأ) بالهمز، وجاء تخفيفه. (منجى) مقصور، وفي مثل هذا التركيب؛ كـ: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيه خمسة أوجه، فيجوز فيه التنوين في بعضها. (الفطرة)، أي: دين الإسلام. (آخرَ ما تقول)، أي: كلامك في تلك الليلة. وفيه: استحبابُ الوضوء عند النوم؛ لأنه يكون أصدقَ لرؤياه، وأبعدَ من تلعُّب الشيطان به.

7 - باب ما يقول إذا نام

وحكمةُ النوم على الأيمن: أنه أسرعُ إلى الانتباه. (وبنبيك الذي أرسلتَ)؛ أي: لأن الفرق بينهما: أن الرسول نبي له كتاب، فهو أخصُّ من النبي. وقال (ن): لا يلزم من الرسالة النبوة، ولا العكس؛ قالوا: وسبب الرد إرادة الجمع بين المعنيين، وتعداد النعمتين، وقيل: تخليص الكلام من اللبس؛ إذ الرسول يدخل فيه جبريلُ ونحوه، وقيل: هذا ذكر ودعاء، فيقتصر فيه على الوارد بحروفه؛ لاحتمال أن له خاصةً ليست لغيره. قال (ك): وهذا الذكرُ مشتمل على الإيمان بكل ما يجب به الإيمان إجمالًا من الكتب، والرسل من الإلهيات والنبوات وهو المبدأ، وعلى إسناد الكل إلى الله تعالى ذاتًا، وصفةً، وفعلًا، وهو المعاش، وعلى الثواب، والعقاب، وهو المعاد، ومر تفصيله آخرَ (كتاب الوضوء). * * * 7 - بابُ مَا يَقُولُ إِذَا نَامَ (باب: ما يقول إذا نام) 6312 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ،

قَالَ: "بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا"، وَإِذَا قَامَ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتنا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". الحديث الأول: (باسمِكَ)؛ أي: بذكر اسمك أحيا ما حييتُ، وعليه أموتُ؛ لأن الاسم غيرُ المسمى، فكأنه قال: بك أحيا؛ لاحتمال إقحام لفظ اسم كما في قوله: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما (النشور)؛ أي: الإحياء للبعث يوم القيامة. وتسميةُ النوم موتًا، والاستيقاظِ حياةً؛ إما على التشبيه، فهو استعارة مصرحة، وإما أن الموت لمَّا كان انقطاع تعلق الروح من البدن كان منقسمًا إلى ظاهر فقط، وهو النوم، وظاهر وباطن، وهو الموت المتعارف، فالنوم أخو الموت؛ قال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} الآية [الزمر: 42]. * * * 6313 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمعَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ رَجُلًا. وَحَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَى رَجُلًا، فَقَالَ: "إِذَا أَرَدْتَ

8 - باب وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن

مَضْجَعَكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ". الثاني: (رجلًا) هو البراء راوي الحديث كما ذكره البخاري في الباب قبله من طريق آخر؛ نعم وقع مثلُه لأُسَيدِ بنِ حُضير، رواه الخطيب من حديثه. * * * 8 - بابُ وَضْعِ الْيَدِ اليُمْنَى تَحْتَ الْخَدِّ الأَيْمَنِ (باب: وضع اليمين تحت الخد اليمين) 6314 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعيٍّ، عَنْ حُذَيْفَة - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَخَذ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا"، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ، قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ".

9 - باب النوم على الشق الأيمن

لم يذكَر في الحديث الذي ساقه فيه تقييد باليمين، فإما أنه من حديثٍ إسنادُه ليس على شرطه، فلم يذكره، أو من حديث: إنه كان يحبُّ التيامُنَ في شأنِه كُلِّه. * * * 9 - بابُ النَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ (باب: النوم على الشق الأيمن) 6315 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنبَيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ"، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَهُنَّ ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ". {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} مِنَ الرَّهْبَةِ، مَلَكُوتٌ مُلْكٌ مَثَلُ رَهَبُوتٌ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ، تَقُولُ: ترْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرْحَمَ. (تحت ليلته)؛ أي: في ليلته. * * *

10 - باب الدعاء إذا انتبه بالليل

10 - باب الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ بِاللَّيْلِ (باب: الدعاء إذا انتبه بالليل) 6316 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَى حَاجَتَهُ، غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوأً بَيْنَ وُضُوأَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ، وَقَدْ أَبْلَغَ، فَصَلَّى، فَقُمْتُ فتمَطَّيْتُ كَرَاهِيَهَ أَنْ يَرَى أنِّي كُنْتُ أَتَّقِيهِ، فتوَضَّأْتُ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فتتَامَّتْ صَلاَتُهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَآذَنه بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا". قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعٌ فِي التَّابُوتِ، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، فَذَكَرَ: عَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعَرِي وَبَشَرِي، وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ. الحديث الأول: (شِناقها) بكسر المعجمة وخفة النون والقاف: ما يشدُّ به رأسُ

القِرْبة من رباط أو خيط. (بين وضوءين)؛ أي: خفيفٍ وكامل جمع فيه جميعَ السنن، وهو معنى: (لم يكثر، وقد أبلغ) بأن أوصلَ الماءَ إلى ما يجب إيصالُه إليه. (فتمطَّيْتُ)؛ أي: تأخرت وتمددت. (أَبْقيه) بفتح الهمزة وسكون الموحدة؛ أي: أَنتظره، وفي بعضها: (أَرْقُبه)، وفي بعضها: (أُنَقِّبه) من التنقيب -بالنون-، وهو التفتيش. قال (ش): ويروى: (أتقيه) بمثناة. (فتتامَّتْ) تفاعل؛ أي: تمت وكملت. (واجعلْ لي نورًا) عام بعد خاص، والتنوين للتعظيم. (وسبع في التابوت)؛ أي: سبعة أعضاء أخر في بدن الإنسان الذي كالتابوت للروح، أو في بدنه الذي مآلُه أن يكون في التابوت؛ أي: الجنازة، وهي: العصب، واللحم، والدم، والشعر، والبشر، والخصلتان الأُخرتان لعلهما: الشحم والعظم. قال (ش): ذكرهما مسلم، وهما: اللسان، والنفس. أو المراد: سبع أُخر في الصحيفة مسطورة لا أذكرها، أو مكتوبة موضوعة في الصندوق. وقال (ن): يراد بالتابوت: الأضلاعُ وما تحويه من القلب

وغيره؛ تشبيهًا بالتابوت الذي هو كالصندوق يُحْرَز فيه المتاع؛ أي: وسبع كلمات في قلبي؛ ولكن نسيتها. قال: والقائل: (فلقيتُ) هو أبو سلمة راوي الحديث. (رجلًا من ولد العباس) هو داودُ بنُ عليِّ بنِ عبدِ الله بنِ عباسٍ، رواه الترمذي وغيره من جهته، وقيل: القائلُ: (فلقيتُ) هو كُريبٌ، والذي لقيه هو عليُّ بنُ عبدِ الله بنِ عباسٍ. قال (ن): المرادُ بالنور: بيانُ الحق، والهدايةُ إليه في جميع حالاته، وقيل: المراد: سبع أنوار أُخر كانت مكتوبة موضوعة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} [البقرة: 248]. * * * 6317 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي مُسْلِم، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنبتُ، وَبِكَ خَاصمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ

وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ". الثاني: (قَيِّمُ)؛ أي: قائمٌ بتدبير الخلق، وهو معنى قيام وقيوم -أيضًا-؛ أي: يعطي الخلقَ ما به قوامُه. (أَنَبْتُ) رجعتُ إليك مقبِلًا بقلبي. (وبك)؛ أي: بما أعطيتني من البرهان والبيان. (خاصمتُ): عاندت. (حاكمتُ) المحاكمة: رفعُ القضية للحاكم؛ أي: فكل من جحد الحق جعلتُكَ الحاكمَ بيني وبينه، لا غيرك مما كانت الجاهلية تتحاكم إليه من صنم وكاهن. ولا يخفى أن هذا من جوامع الكلم؛ إذ لفظُ القيم إشارةٌ إلى أن قوام الأشياء ووجودها منه، والملك إشارة إلى أنه الحاكم فيه وجودًا وإعدامًا، وكله نِعَم، فلهذا قرنه بالحمد، والحق إشارة إلى المبدأ، والقول ونحوه إلى المعاش، والساعة ونحوها إلى المعاد، وفيه الإشارة إلى النبوة، والجزاء، والإيمان، والتوكل، والإنابة، والاستغفار، سبق الحديث في (التهجد). * * *

11 - باب التكبير والتسبيح عند المنام

11 - باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ الْمَنَامِ (باب: التسبيح والتكبير عند المنام) 6318 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ شَكَتْ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَلَمْ تَجدْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرتْهُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ أَقُومُ، فَقَالَ: "مَكَانَكِ"، فَجَلَسَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: "أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ، إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا، أَوْ أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، فَكَبِّرَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَهَذَا خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ". وَعَنْ شعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: التَّسْبِيحُ أَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ. (من الرحا)؛ أي: كانت تطحن بنفسها البُرَّ والشعير للخبز. (مكانَك) بالنصب؛ أي: الزمْه. (خيرٌ لكما)؛ أي: لأن الخادم لأمور الدنيا، وهذا يتعلق بالآخرة التي هي خير وأبقى، أو أنه يحصل لها بسبب هذه الأذكار قوةٌ تقدر بها

12 - باب التعوذ والقراءة عند المنام

على الخدمة أكثرَ مما يقدر الخادمُ عليها، فرجع إلى ما طلبته من الإعانة، وسبق الحديث في (النفقات). * * * 12 - باب التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْمَنَامِ (باب: التعوذ والقراءة عند النوم) 6319 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ نَفَثَ فِي يَدَيْهِ، وَقَرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَمَسَحَ بِهِمَا جَسَدَهُ. الحديث الأول: (نفث) بمثلثة آخره، وهو النفخ مع الرقية يشبه البزاق، مثل تَفَلَ، إلا أن التفلَ بغير شيء من الريق، وقيل بالعكس، وقيل: هما سواء. (بالمعوِّذات) بكسر الواو؛ أي: هما مع سورة الإخلاص، فغلِّب، أو هما مع ما يشبههما من القرآن، أو أقلُّ الجمع اثنان، وسبق في (الطب). * * *

13 - باب

13 - باب 6320 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْينفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ". تَابَعَهُ أَبُو ضَمْرَةَ، وإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَقَالَ يَحْيَى، وَبِشْرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (بداخِلَة إِزارِه)؛ أي: بيده الداخلة في إزاره؛ لئلا يحصل ليده لو نفضَ بها مكشوفةً شيء يؤذيها من الفرش، فينفضُ فراشه بذلك قبل أن يدخل فيه؛ لاحتمال حيّة أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات وهو لا يشعر. (إن أمسكْتَ نفسي) كناية عن الموت، فلذلك قال: (فارحَمْها)، ومقابل الإمساك الإرسال، وهو الحياة، فناسبه الحفظ.

14 - باب الدعاء نصف الليل

(تابعه أبو ضمرة) وصله البخاري في "الأدب المفرد". (وإسماعيل) وصله الطبراني في "الأوسط". (وقال يحيى)؛ أي: القطان، وصله أحمد، والنسائي في "اليوم والليلة". (وبِشْر)؛ أي: ابن المفضل، وصله مُسدد في "مسنده" عنه. (ورواه مَالك) موصول في (التوحيد). (وابن عَجْلان) وصله أحمد، والترمذي، والنسائي، وغرضُ البخاري: أن في هذين الطريقين، روى سعيد عن أبي هريرة بلا واسطة؛ بخلاف الأولى، وقال ثانيًا: (رواه)، وأولًا: (قال)؛ لأن الرواية تستعمل عند التحمُّل، والقول عند المذاكرة. * * * 14 - باب الدُّعَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ (باب: الدعاء نصف الليل) 6321 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي

15 - باب الدعاء عند الخلاء

فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ". (ينزل ربُّنا) من المتشابه؛ فإما الإيمانُ به على ما أراده الله تعالى مع التنزيه عن صفات الأجسام من الحركةِ ونحوِها وغيرِ ذلك مما هو محالٌ على الله تعالى، أو التأويلُ بما يليق بالحال، أو تنزل ملائكتُه، أو رحمتُه. وأما قوله في الترجمة: (نصف)، والحديث فيه: (حين يبقى ثلث)؛ فلأن ما قبل الثلث هو المقصود من النصف. * * * 15 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخَلاَءِ (باب: الدعاء عند الخلاء) 6322 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ". (الخبث) جمع خبيث، وهو ذُكرانُ الشياطين. (والخبائث) الإناث، أو الخبث: الكفر، والخبائث: الشياطين، وسبق الحديث في أول (الوضوء). * * *

16 - باب ما يقول إذا أصبح

16 - باب مَا يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ (باب: ما يقول إذا أصبح) 6323 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كعْبٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ، وَأَبُوء لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِر لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ"، مِثْلَهُ. 6324 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ: "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا"، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتنا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". 6325 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا"، فَإِذَا

17 - باب الدعاء في الصلاة

اسْتَيْقَظَ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". فيه ثلاثة أحاديث سبق شرحُها قريبًا. * * * 17 - باب الدُّعَاءِ فِي الصَّلاَةِ (باب: الدعاء في الصلاة) 6326 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". 6326 / -م - وَقَالَ عَمْرٌو، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ: إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو: قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (ظلمتُ) الظلم: وضعُ الشيء في غير موضعه، والذنبُ كذلك. وهذا الدعاء من الجوامع؛ إذ فيه اعترافٌ بغاية التقصير، وهو أنه

ظالم ظلمًا كثيرًا، وفيه طلبُ غاية المطلوب، وهو المغفرة والرحمة؛ إذ المغفرةُ سترُ الذنوبِ ونحوِها، والرحمةُ إيصالُ الخيرات؛ فالأولُ: الزحزحةُ عن النار، والثاني: إدخالُ الجنة. (وقال عمرو) موصول في (التوحيد). * * * 6327 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} أُنْزِلَتْ فِي الدُّعَاءِ. الثاني: (علي) قال الكلاباذي: هو ابن سلَمة -بفتح اللام-. (سُعير) هو بالتصغير وإهمال السين، والعين، وفي بعضها بالصاد بدل السين. (في الدعاء)؛ أي: الذي في الصلاة، وبذلك يطابق الترجمة. * * * 6328 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلاَةِ: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ، فَقَالَ لَنَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ: "إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَقُلِ: الثَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، إِلَى

18 - باب الدعاء بعد الصلاة

قَوْلِهِ: الصَّالِحِينَ، فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ صَالِحٍ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ". الثالث: (ذات يوم) بإقحام ذات، أو بإضافة المسمى إلى اسمه. (السلام) من أسماء الله الحسنى. (يتخير)؛ أي: يختار، وسبق في (الصلاة). * * * 18 - باب الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلاَةِ (باب: الدعاء بعد الصلاة) 6329 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيم الْمُقِيمِ، قَالَ: "كَيْفَ ذَاكَ؟ "، قَالَ: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا، وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ، قَالَ: "أفلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ، إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ

عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا". تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سُمَيٍّ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ سُمَيٍّ، وَرَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، وَرَوَاهُ جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيع، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ , ورَوَاهُ سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (إسحاق)؛ أي: ابن منصور. (الدُّثور) الأموال الكثيرة، والدثر: العقب، وسبق في آخر (كتاب الجماعة) شرح الحديث، والجواب عن كون هذه الكلمات -مع سهولتها- أفضلَ من الأمور الشاقة من جهاد ونحوه: بأنه إذا أدى حقَّ الكلمات في الإخلاص، لا سيما الحمد حال الفقر؛ فإنه من أعظم الأعمال، أو أنه ليس كلُّ أشقَّ أفضلَ، ولا العكس، وأما ذكرُها عشرًا، وهناك ثلاثة وثلاثين؛ فلأن الدرجات هناك مقيدة بالعلا، وفيها زيادة في الأعمال من صوم وحج وعمرة، أو أن مفهوم العدد لا اعتبار له. واعلم أن التسبيح تنزيهٌ عن النقائص، والتحميد إثباتُ الكمالات، والتكبير جامع للأمرين. (تابعه عبيد الله) موصول في (الصلاة). (ورواه ابن عجلان) وصله مسلم، والطبراني في "الأوسط".

(ورواه جرير) وصله الإسماعيلي، والنسائي. (ورواه سهيل) رواه مسلم، والنسائي. * * * 6330 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أبِي سُفْيَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَة إِذَا سَلَّمَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ". وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُسَيَّبَ. الثاني: (ذا الجد)؛ أي: الغِنى، والحظ، وقال الراغب: هو أبو الأب أو الأم؛ أي: لا ينفع أحدًا نسبُه؛ قال تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101]، وعلى رواية الكسر المراد به: الاجتهاد؛ أي: لا ينفعه اجتهادُه؛ بل رحمتُك. (منك)؛ أي: بذلك، وتسمى: (من) البدلية؛ نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة: 38]. (وقال شعبة) وصله أحمد. * * *

19 - باب قول الله تعالى: {وصل عليهم} ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه

19 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} وَمَنْ خَصَّ أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دُونَ نَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ". (باب: قول الله عز وجل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103]) قوله: (وقال أبو موسى) موصول في (المغازي). * * * 6331 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَيَا عَامِرُ! لَوْ أَسْمَعْتَنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ، فَنَزَلَ يَحْدُو بِهِمْ يُذَكِّرُ: تَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَذَكرَ شِعْرًا غَيْرَ هَذَا، وَلَكِنِّي لَمْ أَحْفَظْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ "، قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: "يَرْحَمُهُ الله"، وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْلَا مَتَّعْتَنَا بِهِ، فَلَمَّا صَافَّ الْقَوْمَ قَاتَلُوهُمْ، فَأُصيبَ عَامِرٌ بِقَائِمَةِ سَيْفِ نفسِهِ فَمَاتَ، فَلَمَّا أَمْسَوْا أَوْقَدُوا ناَرًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذِهِ النَّارُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءَ تُوقِدُونَ؟ "، قَالُوا: عَلَى حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ: "أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا، وَكَسِّرُوهَا"، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ نُهرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: "أَوْ ذَاكَ".

الحديث الأول: (لو) جوابها محذوف، أو هي للتمني. (هنياتك) يقال للشيء: هنة، وأصلها هنَوَة، وتصغيرها هُنَيَّة، يريد: الأشعارَ القصارَ كالأراجيز. (يحدو) من الحُداء، وهو سَوْقُ الإبل، والحداءُ لها، على أن المذكور هنا ليس شعرًا، فالمقصود المصراع، وما بعده؛ نحو: (ولا تصدقنا ولا صلينا)؛ نعم سبق في (الجهاد) أن هذا كان في حفر الخندق، ولا منافاة؛ لجواز وقوع الأمرين. (وقال رجل) هو عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. (لولا متعتنا به)؛ أي: إنه وجبت له الشهادة بهذا الدعاء. قال ابن عبد البر: كانوا عرفوا أنه ما استرحَم لإنسان في غزاة يخصّه إلا استُشهد، فلما سمع عُمر ذلك، قال: يا رسول الله! لو متعتنا بعامر. (نهريق) بفتح الهاء وسكونها، وقد سبق في (غزوة خيبر). * * * 6332 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ"، فَأَتَاهُ أَبِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى".

الثاني: (اللهمَّ صلِّ على آلِ فُلان) هو امتثال لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، ولا يحسُنُ ذلك من غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز على غير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إلا تبعًا. * * * 6333 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ"، وَهْوَ نُصُبٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي رَجُلٌ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَصَكَّ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا"، قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي خَمْسِينَ مِنْ أَحْمَسَ مِنْ قَوْمِي، وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: فَانْطَلَقْتُ فِي عُصْبَةٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَتَيتُهَا فَأَحْرَقْتُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَاللهِ مَا أتيْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا مِثْلَ الْجَمَلِ الأَجْرَبِ، فَدَعَا لأَحْمَسَ وَخَيْلِهَا. الثالث: (تريحني) من الإراحة -بالراء-. (الخَلَصَة) بفتح المعجمة واللام والمهملة. (نُصْب) بضم النون وسكون المهملة وضمها: ما نُصب فعُبد من دون الله.

(أحمس) بمهملتين: قبيلة جرير. (الأجرب)؛ أي: المطليّ بالقَطِران بحيث صار أسودَ لذلك، والمعنى: صارت سودًا من الإحراق، سبق الحديث في (الجهاد). * * * 6334 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَسٌ خَادِمُكَ، قَالَ: "اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ". الرابع: (اللهم أكثرْ مالَه) حصل له بدعوته - صلى الله عليه وسلم - كلُّ ما دعا له به، فمن ذلك: كان له بستان بالبصرة يثمر في السنة مرتين وأكثر، وكان يطوف بالبيت ومعه من ذريته أكثرُ من سبعين نفسًا. * * * 6335 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجدِ، فَقَالَ: "رَحِمَهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا". الخامس: (أسقطها)؛ أي: بالنسيان، أو نسيتها.

20 - باب ما يكره من السجع في الدعاء

قال الجمهور: يجوز النسيانُ عليه - صلى الله عليه وسلم - فيما ليس طريقه الإبلاغ؛ بشرط أن لا يُقَر عليه، وأما فيما طريقهُ البلاغ، فلا يجوز قبل التبليغ، ويجوز فيما بعده؛ نحو ما نحن فيه بلا خلاف، قال: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6، 7]. * * * 6336 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، وَقَالَ: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". السادس: (وجه الله)؛ أي: ذات الله، أو جهة الله؛ أي: الإخلاص فيه، وسبق الحديث في (كتاب الأنبياء). * * * 20 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ (باب: ما يكره من السجع في الدعاء) السجع: هو الكلام المُقَفَّى.

6337 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ أَبُو حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ أَكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرَارٍ، وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلَا أُلفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فتقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونه، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ. يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الاِجْتِنَابَ. (ولا تُمِلَّ الناسَ)؛ أي: لا تُكْثِرْ عليهم فيملُّوا منهُ. (ألفينّك)؛ أي: أصادفنَّك، وهذا النهي، وإن كان بحسب الظاهر للمتكلم؛ لكنه في الحقيقة للمخاطب؛ نحو: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} [الأعراف: 2]، وكقوله: لا أَرَيَنَّكَ هاهنا. (أمروك) التمسوا منك وهم يشتهون. (لا يفعلون إلا ذلك)؛ أي: التناوب في التحديث والإنصات عند اشتغالهم، والاجتناب عن السجع؛ أي: المتكلَّف؛ أما غيرُه، فلا؛ كقوله فيما سبق في (الجهاد): (اللهمَّ مُنْزِلَ الكتاب، سريعَ الحساب، اهزمِ الأحزاب) إلى آخره، و (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه، صَدَقَ وعدَه) إلى آخره، ولهذا ذم منه ما كان كسجع الكهان.

21 - باب ليعزم المسألة, فإنه لا مكره له

قال (ش): رواه الطبراني في "معجمه" بلفظ: (لا يفعلون ذلك)، وهو أشبهُ من رواية البخاري، وقد أُوّلت في بعض النسخ: لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب، وقد رواه الطبراني بسند البخاري. * * * 21 - باب لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ, فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ (باب: ليعزمِ المسألةَ) من عزمتُ على كذا عزمًا وعزيمةً: أردتُه، وقطعتُ عليه؛ أي: فليقطعْ ويجزمْ به، ولا يعلِّقْ بالمشيئة؛ لهذا قال العلماء: عزمُه: أن يجزم من غير ضعفٍ في الطلب، ولا تعليق على مشيئةٍ، وقيل: هو حسنُ الظن بالله تعالى في الإجابة، وذلك لما في التعليق من صورة الاستغناء عن المطلوب منه والمطلوب. 6338 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلَا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّهُ لَا مُسْتكْرِهَ لَهُ". 6339 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ،

22 - باب يستجاب للعبد ما لم يعجل

فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ". الحديث الأول، والثاني: ظاهران. * * * 22 - باب يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَعْجَلْ (باب: يُستجاب للعبد ما لم يعجل) الاستجابة بمعنى الإجابة؛ قال الشاعر: وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ النِّدَاءَ ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ 6340 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي". (لأحدكم) علم؛ لأنه اسمُ جنس مضاف؛ أي: لكل أحد منكم. (فيقولَ) بالنصب، وتعليقُ الإجابة بنفي مجموع العجلةِ والقولِ مفهومُه: أنه إذا وجدت العجلة دون القول، وعكسُه، أو وجدا معًا، لا يستجاب، وهو ظاهر، إلا أن وجود القول مع نفي العجلة غير متصوَّر، وأما إطلاق قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} [البقرة: 186]، فمحمول على هذا المقيد.

23 - باب رفع الأيدي في الدعاء

قلت: أو يتخصص به؛ لأن الآية عامة لا مطلقة، وأما حديث: "سَأَلْتُ اللهَ ثَلاَثًا؛ فَأَعْطَاني اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً"، وهي أن لا يُذيق بعضَ أُمته بأسَ بعض؛ وكذا مفهوم: "لِكُلِّ نبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ": أن له دعواتٍ غيرَ مستجابة؛ فإما أن ذلك للعجلة التي هي من جِبِلَّة الإنسان، كما قال تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]، فانتفاءُ العجلة متعذرٌ، أو متعسرٌ في أكثر الأحوال، وقيل: دعاء المؤمن لا يرد، وإن تأخّر، وإنّ سؤالَ ما لم يكن في نفس الأمر مصلحة يعوّض عنه بما هو مصلحة، وقد يؤخّر التعويض إلى يوم القيامة. * * * 23 - باب رَفْعِ الأَيْدِي فِي الدُّعَاءِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ". (باب: رفع الأيدي في الدعاء) قوله: (وقال أبو موسى) سبق وصله في الباب قبله. (إبْطيه) بسكون الموحدة في المشهور. (وقال ابن عُمر) موصول في (غزوة الفتح) في الذين لم يحسنوا

24 - باب الدعاء غير مستقبل القبلة

أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا، فجعل خالدٌ يقتل منهم ويأسر. * * * 6341 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَشَرِيكٍ سَمِعَا أَنسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. (وقال الأويسي) وصله أبو نُعيم في "المستخرج". * * * 24 - باب الدُّعَاءِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ (باب: الدعاء غير مستقبل القبلة) 6342 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنا، فتغَيَّمَتِ السَّمَاءُ وَمُطِرْنَا، حَتَّى مَا كَادَ الرَّجُلُ يَصِلُ إِلَى مَنْزِلهِ، فَلَمْ تَزَلْ تُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: ادْع اللهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا، فَقَدْ غَرِقْنَا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا"، فَجَعَلَ السَّحَابُ يتَقَطَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُمْطِرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ.

25 - باب الدعاء مستقبل القبلة

سبق الحديث فيه في (كتاب الاستسقاء)، ووجه دلالته على الترجمة: أن الخطيب غير مستقبل القبلة. * * * 25 - باب الدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (باب: الدعاء مستقبل القبلة) منصوب على الحال، ويجوز رفعه خبر مبتدأ مضمر؛ أي: هو. والحديث فيه: أنه دعا واستسقى، ثم استقبل. 6343 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى هَذَا الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، فَدَعَا وَاسْتَسْقَى، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِداءَهُ. قال الإسماعيلي: إنه في (باب غير مستقبل) أَدْخَلُ، ولعل البخاري أراد أنه لما استقبل، وقلب رداءه، دعا حينئذ أيضًا، فله مدخلٌ في هذا الباب أيضًا. وقال (ك): تستفاد الترجمة من السياق؛ حيث قال: خرج يستسقي، والاستسقاءُ هو الدعاء، وهو منقسم إلى ما قبلَ الاستقبال، وبعدَه. * * *

26 - باب دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله

26 - باب دَعْوَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِخَادِمِهِ بِطُولِ العُمُرِ وَبِكَثْرَةِ مَالِهِ (باب: دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه) أي: أنس - رضي الله عنه -. 6344 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللهِ! خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللهَ لَهُ، قَالَ: "اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ". (قالت أُمي) هي الرُّميصاء أُمُّ سُلَيم، سبق الحديث كثيرًا، وقريبًا. * * * 27 - باب الدُعَاءِ عِنْدَ الْكَرْبِ (باب: الدعاء عند الكرب) أي: الحزن يأخذ بالنفس. 6345 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ،

عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ". 6346 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ"، وَقَالَ وَهْبٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ مِثْلَهُ. الحديث الأول، والثاني: (الحَلِيم) الحلم أصلُه: الطمأنينةُ عند الغضب، فنسبتهُ إلى الله تعالى باعتبار لازمه، وهو تأخير العقوبة. (العرش العظيم) عظمتُه باعتبار الكمية، ووصف بقوله: (الكريم) باعتبار الكيفية، وهو الحسن، فهو ممدوحٌ ذاتًا وصفةً، وخُصَّ بالذكر؛ لأنه أعظمُ أجسام العالم، فيدخل الأدنى تحته، وأتى بلفظ: (ربّ) من بين الأسماء الحسنى؛ لمناسبته لكشف الكرب الذي هو مقتضى التربية. قال (ك): ولفظُ الحليم؛ لأن كربَ المؤمن -غالبًا- إنما هو على نوع تقصير في الطاعات، أو غفلة في الحالات؛ ليشعر برجاء العفو المقلِّلِ للحزن، وهذا الذكرُ من جوامع الكلم، ففيه التوحيدُ الذي هو أصلُ التنزيهات المسمى بالأوصاف الجلالية، وفيه العَظَمَةُ

28 - باب التعوذ من جهد البلاء

التي تدل على القدرة، والحلمُ الذي يدل على العلم، وهما أصلُ الصفات الوجودية الحقيقية المسماة بصفات الإكرامية، وعند ذكر الله تعالى تطمئن القلوب. فإن قيل: هذا ذكرٌ لا دعاء؟ قيل: هو ذكر يستفتح به الدعاء لكشف الكربة. قال ابن عُيَيْنَة: أما علمتَ أن الله تعالى يقول: "من شَغَلَه ذكري عن مسألتي، أعطيتهُ أفضلَ ما أعطي السائلين؟ ". (قال وهب)؛ أي: ابنُ جرير، في بعضها: وُهيب -بالتصغير-؛ أي: ابن خالد. * * * 28 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ (باب: التعوذ من جَهْد البلاء) بفتح الجيم: الحالة التي يختار عليها الموت، وقيل: قلة المال، وكثرة العيال. 6347 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُمَيٌّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، قَالَ سُفْيَانُ: الْحَدِيثُ ثَلاَثٌ، زِدْتُ أَنَا وَاحِدَةً، لَا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ هِيَ؟. فقوله في الحديث: (من جهد) هو بالفتح والضم: الطاقة،

وبالضم: المشقة. (وَدَرَك) بفتح الراء: اللحاق والتبعة. (الشقاء) بالفتح والمد: الشدة والعسر، وهو ضد السعادة، وينقسم إلى: دنيوي، وأخروي، وهو في المعاش، والنفس، والمال، والأهل، والخاتمة، وفي المعاد. (وسوء القضاء)؛ أي: المَقْضِيّ، وإلَّا، فقضاءُ الله تعالى كلُّه حسنٌ لا سوءَ فيه. وفسروا القضاء بأنه: الحكمُ بالكتاب على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر: الحكمُ بوقوع الجزئيات على سبيل التفصيل في الإنزال؛ قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21]. (وشماتة الأعداء) هي الحزن بفرح عدوه، والفرح بحزنه، وهو مما ينكأ في القلب، ويؤثر في النفس تأثيرًا شديدًا، وإنما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ تعليمًا لأُمته، وهي كلمة جامعة؛ لأن المكروه إما أن يلاحظ من جهة المبدأ، وهو سوء القضاء، أو المعاد، وهو درك الشقاء؛ إذ شقاوة الآخرة هي الشقاء الحقيقيُّ، أو من جهة المعاش، وذلك إما من جهة غيره، وهو شماتة الأعداء، أو من جهة نفسه، وهو جهد البلاء. (قال سفيان: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة) يقال: كيف استجازَ أن يخلط من كلامه كلمةً في كلمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يشتبه عليه بعد ذلك؟ ويجاب: بأنه كان يعرفها بعينها، ولكن اشتبه عليه بعد ذلك.

29 - باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم الرفيق الأعلى"

وفي بعضها: قال سفيان: أشك أني زدتُ واحدة، ويشهد لذلك: أن البخاري روى عنه الحديث في (كتاب القدر)، وأسند الأربعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - جزمًا بلا تردد، فيحتمل أنه شك في وقت هل فيها زيادة؟ ثم تيقن نفي الزيادة. * * * 29 - باب دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَ الرَّفِيقَ الأَعْلَى" (باب: دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: الرفيق الأعلى) 6348 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: "لَنْ يُقْبَضَ نبَيٌّ قَطّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ"، فَلَمَّا نزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أفاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى"، قُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا، وَهْوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". (ثم يخير)؛ أي: بين الموت والانتقال إلى ذلك المقعد، وبين

30 - باب الدعاء بالموت والحياة

البقاء والحياة في الدنيا. (نُزل) بضم النون؛ أي: حضره الموت، كأن الموت نازلٌ، وهو منزولٌ به. (فأشخص)؛ أي: رفع، وأشخصه: أزعجه، وشخص بصره: إذا فتح عينيه، وشخص: ارتفع. (الرفيق) بالنصب؛ أي: اخترتُ، أو أختارُ، أو أريدُ ونحوه، ويجوز رفعُه خبرَ مبتدأ محذوف، أي: اختياري، والمراد: أنه اختار الموت المؤدي إلى رفاقة الملأ الأعلى من الملائكة، أو الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. (لا يختارنا) بالنصب؛ أي: حيث اختار الآخرة تعين ذلك، أفلا يختارنا بعد ذلك. (الحديث)؛ أي: قوله: (لن يُقبض نبيٌّ) إلى آخره. (اللهمَّ الرفيقَ) إما في محل نصب على تقدير أعني، أو رفع بيانًا، أو بدلًا لقوله: (تلك). * * * 30 - باب الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ (باب: الدعاء بالموت والحياة) 6349 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ

قَالَ: أتيْتُ خَبابًا وَقَدِ اكتَوَى سَبْعًا، قَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ. الحديث الأول: (خبابًا)؛ أي: ابن الأَرَتِّ -بالمثناة- كان اكتوى سبعًا في بطنه لوجع كان فيه، والكيُّ، وإن كان منهيًّا عنه، فإنما محلُّه عند اعتقاد أن الشفاء به، أو مع القدرة على دواء غيره، وسبق الحديث آخر (كتاب المرضى). * * * 6350 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: أَتَيْتُ خَبابًا وَقَدِ اكتَوَى سَبْعًا فِي بَطْنِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ. الثاني: كالذي قبله. * * * 6351 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي". الثالث: (لا يتمنينَّ)؛ أي: لأنه كالتبرُّم من قضاء الله تعالى في أمر ينفعه

31 - باب الدعاء للصبيان بالبركة، ومسح رؤسهم

في آخرته؛ نعم، لا يكره التمني لخوف فساد الدين. (لا بد) (¬1) في موضع حال؛ أي: حالَ كونه لا بدَّ له من ذلك، وإنما جوز الفعل بعد النهي لمحل الضرورة، فيستثنى، فإن الضرورات تبيح المحظورات، أو النهي عن تمني الموت معينًا، وهذا تجوز في أحد الأمرين لا على التعيين، أو النهي في المنجَّز، لا في المعلَّق. * * * 31 - باب الدُّعَاءِ لِلصِّبْيَانِ بِالْبَرَكَةِ، وَمَسْحِ رُؤسِهِمْ وَقَالَ أَبُو مُوسَى وُلِدَ لِي غُلاَمٌ، وَدَعَا لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَرَكَةِ. (باب: الدعاء للصبيان بالبركة، ومسح رؤوسهم) قوله: (وقال أبو موسى) موصول في (العقيقة)، و (الأدب). * * * 6352 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنِ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ ابْنَ أُختِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ¬

_ (¬1) "لا بد" ليس في الأصل.

ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. الحديث الأول: (زِرّ) بكسر الزاي، وتشديد الراء: واحد الأزرار للقميص. (الحجلة) بفتح المهملة والجيم: بيت العروس كالقبة تزين بالثياب والستور، ولها أزرار كبار، وقيل: المراد بالحجلة: القَبَجة؛ أي: الطائر المعروف، وزرُّها بيضُها، وسبق في (باب استعمال فضل الوضوء)، وفي (باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -). * * * 6353 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ هِشَامٍ مِنَ السُّوقِ، أَوْ إلَى السُّوقِ، فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عُمَرَ، فَيَقُولاَنِ: أَشْرِكْنَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ، فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ. الثاني: (من السوق)؛ أي: من جهة دخولِ السوق، والمعاملةِ فيه. (فيشركهم)؛ أي: فيما اشتراه، وجُمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان. (أصاب)؛ أي: ابن هشام.

(الراحلة)؛ أي: بتمامها من الربح. * * * 6354 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ: وَهُوَ الَّذِي مَجَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجْهِهِ وَهْوَ غُلاَمٌ مِنْ بِئْرِهِمْ. الثالث: وجه مطابقته للترجمة: أن المجّ في حكم المسح والدعاء بالبركة، فهو فعلٌ قائم مقامَ القول في المقصود. * * * 6355 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. الرابع: (ولم يغسله) فيه دليلٌ أن الرشَّ كافٍ في بول الغلام، وسبق الحديث في (الوضوء). * * *

32 - باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -

6356 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَسَحَ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يُوتِرُ بِرَكعَةٍ. الخامس: (صُعَير) بمهملتين مصغر صعر. * * * 32 - باب الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) 6357 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّة، إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْنَا كيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: "فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كلمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ". الحديث الأول: (علمنا)؛ أي: عرفنا الكيفية، وهي: سلام عليك أيها النبي

ورحمة الله وبركاته. (كما) التشبيه وإن كان شرطُه أن يكون المشبه به أقوى، وهنا بالعكس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضلُ من إبراهيمَ، وسائرِ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لكن قصد هنا إلحاق ما لا يعرف بما يعرف، فهو أقوى من حيث كونُه معروفًا، أو التشبيه فيما يستقبل، وهو أقوى، أو المجموعُ مشبهٌ بالمجموع، ولا شك أن آلَ إبراهيمَ أفضلُ من آل محمد؛ إذ فيهم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ولا نبي في آله - صلى الله عليه وسلم -، ومر في (سورة الأحزاب). * * * 6358 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَباب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا السَّلاَمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ قَالَ: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ". الثاني: في معنى ما قبله. * * *

33 - باب هل يصلى على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقول الله تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}

33 - باب هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَولُ الله تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (باب: هل يصلي على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -) 6359 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ إِذَا أتى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِصَدَقَتِهِ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ"، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى". الحديث الأول: سبق في (كتاب الزكاة)، وأنه لا تحسُن الصلاةُ على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا تبعًا كآله. * * * 6360 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْم الزُّرَقيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ".

34 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة"

الثاني: سبق شرحه أيضًا. * * * 34 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ آذَيْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً" (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من آذيتُه فاجعلْه له زكاة) أي: طهارة، أو نموًا في الخير، أو صلاحًا. 6361 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ قَالَ: أَخْبَرني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (اللهم فأيُّمَا) دخلت الفاء؛ لأنه جواب شرط محذوف دل عليه السياق؛ أي: [إن] كنت سَبَبْتُ مؤمنًا، فكذا. (قربةً) فيمن لا يستحق السبّ؛ بدليل باقي الروايات؛ نعم، انقلابُه قربة من جملة خُلقه الكريم، وكرمه العميم؛ حيث قصد مقابلةَ ما وقع منه بالخير والكرامة، إنه لعلى خلق عظيم - صلى الله عليه وسلم -. * * *

35 - باب التعوذ من الفتن

35 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْفِتَنِ (باب: التعوذ من الفتن) 6362 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -: سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَحْفَوْهُ الْمَسْأَلَةَ، فَغَضِبَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: "لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْء إِلَّا بَيَنْتُهُ لَكُمْ"، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لاَفٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَإِذَا رَجُلٌ كَانَ إِذَا لاَحَى الرِّجَالَ يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "حُذَافَةُ"، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولًا، نعوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ"، وَكَانَ قتادَةُ يَذْكُرُ عِنْدَ هذا الْحَدِيثِ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}. (أَحْفَوْه)؛ أي: ألحُّوا عليه في السؤال، وأكثروا السؤال، يقال: أحفيته: حملته على أن يبحث عن الخبر. (لافّ) بالرفع، وبالنصب حالًا. (لاحى)؛ أي: خاصم. (يُدْعَى)؛ أي: ينسب إلى غير أبيه.

36 - باب التعوذ من غلبة الرجال

(حُذافة) بضم المهملة وخفة المعجمة وبالفاء، وإنما حكم به والد عبد الله السائل بالوحي، أو حكم بالقرائن، أو بالقيافة، أو بالاستلحاق. (أنشأ)؛ أي: طفق. (رضينا بالله)؛ أي: بما عندنا من كتاب الله، وسنةِ نبينا - صلى الله عليه وسلم -، واكتفينا به عن السؤال، قال ذلك إكرامًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشفقة على المسلمين؛ لئلا يؤذوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالتكثير عليه. وفيه: أن غضبه لا يمنعه من الحلم؛ لعصمته وكماله - صلى الله عليه وسلم -؛ بخلاف غيره من الحكام. وفيه: فضلُ عُمر، وسَعَة علمه، وأن العالم لا يُسأل إلا عند الحاجة. (كاليوم)؛ أي: يومًا مثلَ هذا اليوم. (الحائط)؛ أي: حائط محرابه - صلى الله عليه وسلم -، ومر الحديث في (العلم). * * * 36 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبَةِ الرِّجَالِ (باب التعوذ من غَلبَة الرجال) أي: تسليطُهم، واستيلاؤهم بالهرج والمرج.

6363 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ لَنَا غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي"، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّمَا نزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ"، فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ كِسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَدَعَوْتُ رِجَالًا فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى بَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: "هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ"، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ". (الهم) قيل: هو مكروه يتوقَّع. (والحَزن) مكروه واقع. (والعجز) هو ضد القدرة. (والكسل): التثاقل عن الأمر، ضد الجلادة. قال الصِّقِلِّي في "تثقيف اللسان": العجز: ما لا تستطيعهُ، والكسل: أن تترك الشيء وتتراخى عنه، وإن كنت تستطيعه.

(والبخل) ضد الكرم. (والجبن) ضد الشجاعة. (وضَلَع) بفتحتين: ثقل وشدة. (وغلبة) تسلُّط. وهذا الدعاء من جوامع الكلم؛ فإن أنواع الرذائل ثلاثة: نفسانية، وبدنية، وخارجية؛ والأولُ؛ بحسب القوى التي للإنسان: العقليةِ، والغضبيةِ؛ والشهوية ثلاثةٌ أيضًا، فالهمّ والحزن يتعلق بالعقلية، والجبن بالغضبية، والبخل بالشهوية، والعجز والكسل بالبدنية، والثاني: يكون عند سلامة الأعضاء، وتمامِ الآلات والقوى، والأولُ عند نقصان عضو ونحوه، والضَّلَع والغَلَبة للخارجية، فالأولُ ماليّ، والثاني جاهيّ، والدعاءُ مشتمل على الكل. (أَراه) بفتح الهمزة؛ أي: أبصره. (يحوِّي) بحاء مهملة؛ أي: يجمع ويدوّر. (بكساء) هو أعم من العباءة. (بالصهباء) بفتح المهملة وموحدة ممدودة: موضع بين خيبر والمدينة. (حَيْسًا) بفتح المهملة: تمر يخلط بسمنٍ وأَقِطٍ. (نطع) فيه أربع لغات تقدمت. (بناءه)؛ أي: زفافه بها.

37 - باب التعوذ من عذاب القبر

(بدا): ظهر. (يحبنا) يحتمل الحقيقة بقدرة الله تعالى، والمجاز، أو بتقدير: أهله، وهم أهل المدينة. (مثل)؛ أي: في حرمة الصيد، لا في الجزاء ونحوه. (ما حرم إبراهيمُ) في بعضها: (به)، ووجهه: أن يكون (مثلَ) منصوبًا بنزع الخافض؛ أي: بمثل ما حرم، وهو الدعاء بالتحريم، أو معناه: أُحرّم بهذا اللفظ، وهو: أحرمُ مثلَ ما حرّم به إبراهيم. (بارك لهم في مُدِّهم) الدعاءُ بالبركة في المد مستلزم عُرفًا وعادةً للبركة في الموزون، أو المراد: ما يقدَّر به. * * * 37 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (باب: التعوُّذ من عذاب القبر) 6364 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدٍ، قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. 6365 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبٍ: كَانَ سَعْدٌ يَأْمُرُ بِخَمْسٍ، وَيَذْكُرُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ

يَأْمُرُ بِهِنَّ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا؛ يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". الحديث الأول، والثاني: (أرذل العمر) الهرم حين ينتكس، قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس: 68]. (يعني: فتنة الدجال) قيل: هو من زيادة شعبة بن الحجاج. * * * 6366 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، فَقَالتا لِي: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَكَذَبْتُهُمَا، وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا، وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ عَجُوزَيْنِ، وَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: "صَدَقَتَا، إِنهمْ يُعَذَبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا"، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلاَةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. الثالث: (عن مَسْرُوق) قال الغساني: في بعض النسخ: (ومسروق)، وهو وَهْمٌ، ولا أحفظ لأبي وائل رواية عن عائشة.

38 - باب التعوذ من فتنة المحيا والممات

(عجوزان) العجوز يطلق على الشيخ والشيخة، ولا يقال: عجوزة إلا على لغة رديئة. (عُجُز) -بضمتين- جمعه، وسبق في (الجنائز): أن يهودية دخلت، ولا منافاة بينهما. (ولم أُنْعِمْ أن أُصَدِّقَهُما)؛ أي: أحسن في تصديقهما. (إن عجوزين) خبر (إن) محذوف للعلم به، وهو: دخلتا. (تسمعه البهائم)؛ أي: تسمع أصوات المعذبين، وإلا، فالعذابُ نفسُه لا يُسمَع، وسبق بيانه في (الجنائز). * * * 38 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ (باب: التعوُّذ من فتنة المحيا والممات) 6367 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: كَانَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". (الهرم): أقصى الكِبَر.

39 - باب التعوذ من المأثم والمغرم

(فتنة) هي الامتحان، والضلال، والإثم، والكفر، والعذاب، والفضيحة، (المحيا) مصدر، أو اسمُ زمان. (والممات) زمانُ الموت، أو بعدَه، أو وقت النزع. * * * 39 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ (باب: التعوُّذ من المأثَم) أي: الإثم. (والمغرم)؛ أي: الغرامة، وهي ما يلزم أداؤه من دَين ودِيَةٍ. 6368 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَم وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيح الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".

(وعذاب القبر) أُخِّر عن الكُلِّ؛ لأنه يترتب بعدَه على المجرمين، فكان الأول مقدمةً له وعلامةً، وكذا: (فتنة النار) كأنها نحو سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ؛ قال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8]. (فتنة الغنى) هي الطغيان والبَطَر، وعدم تأدية الزكاة، وإنما زاد لفظ: (شرّ فتنة)، دون الفقر ونحوه؛ للتصريح بما فيه من الشر، وأنّ مضرته أكثرُ من مضرة غيره، أو تغليظًا على الأغنياء، حتى لا يغتروا بغناهم، ولا يغفلوا عن مفاسده، أو إيماء إلى صور أُخرى لا خير فيها؛ بخلاف صورته؛ فإنها قد تكون خيرًا. (والبَرَد) بفتح الراء: حَبُّ الغمام، والماء وإن كان الغالب الاستظهار به في إزالة الأوساخ؛ لكن قال (خ): هذه أمثال لم يرد بها أعيان المسميات؛ بل التوكيد في التطهير من الخطايا، والمبالغة في محوها، والثلجُ والبردُ ماءان مقصوران على الطهارة، لم تمسهما الأيدي، ولم يمتهنهما استعمال؛ فكان ضرب المثل بهما أوكدَ، وتقدم في (الصلاة) أوجهٌ أُخَر في ذلك. قال (ك): ويحتمل أنه جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم؛ لأنها تؤدي إليها، فجعل إطفاء حرارتها بالغسل؛ تأكيدًا في الإطفاء، وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيًا عن الماء إلى أبردَ منه، وهو الثلج، ثم إلى أبردَ، وهو البَرَدُ؛ بدليل جمودِه. * * *

40 - باب الاستعاذة من الجبن والكسل

40 - باب الاِسْتِعَاذَةِ مِنَ الْجُبْنِ وَالْكَسَلِ (باب: الاستعاذة من الجبن والكسل) 6369 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: كَانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ". (وَضَلَع) بفتح المعجمة واللام: ثقل، وسبق الحديث قريبًا. * * * 41 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْبُخْلِ الْبُخْلُ وَالْبَخَلُ وَاحِدٌ، مِثْلُ الْحُزْنِ وَالْحَزَنِ. (باب: التعوُّذ من البخل) 6370 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثنا شُعْبَة، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه -: كَانَ يَأْمُرُ بِهَؤُلاَءِ الْخَمْسِ، وَيُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى

42 - باب التعوذ من أرذل العمر

أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". سبق شرح الحديث فيه أيضًا قريبًا. * * * 42 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ أَرَاذِلُنَا: أَسْقَاطُنَا. 6371 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ". (باب: التعوُّذ من أرذل العمر) سبق أن معناه: الهرم والانتكاس، فإن قيل: فالدعاء بطول العمر دعاء عليه لا له، وثبت في الحديث: أن السعادةَ كلَّ السعادة طولُ العمر في طاعة الله. قيل: المراد: طولُه الممدوح الذي لا ينتكس؛ بل يبقى على علمه، والقوة على طاعته. * * *

43 - باب الدعاء برفع الوباء والوجع

43 - باب الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْوَجَعِ (باب: الدعاء برفع الوباء) مقصور وممدود: المرض العام، وقيل: الموت الذريع. 6372 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا". الحديث الأول: سبق قبيل (كتاب الصوم). * * * 6373 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ شَكْوَى، أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَلَغَ بِي مَا تَرَى مِنَ الْوَجَع، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفأَتصَدَّق بِثُلُثيْ مَالِي؟ قالَ: "لا"، قُلْتُ: فبِشطرِهِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً

44 - باب الاستعاذة من أرذل العمر، ومن فتنة الدنيا، وفتنة النار

يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، إِلَّا أُجِرْتَ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ"، قُلْتُ آأُخُلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فتعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، إِلَّا ازْدَدْتَ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ"، قَالَ سَعْدٌ: رَثَى لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَنْ تُوُفِّي بِمَكَّةَ. الثاني: (شكوى) غير منصرف؛ أي: مرض. (أشفيت): أشرفت. (بنت) هي عائشة. (فشطره)؛ أي: نصفه. (عالة) فقراء، واحدهم: عائل، سبق الحديث في (الجنائز) وغيره. * * * 44 - باب الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدُّنيَا، وَفِتْنَةِ النَّارِ (باب: الاستعاذة من أرذل العمر) 6374 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ

45 - باب الاستعاذة من فتنة الغنى

زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَعَوَّذُوا بِكَلِمَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْقَبْر". 6375 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيح الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْج وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنسَ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ". سبق الحديثان فيه قريبًا. * * * 45 - باب الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى (باب: الاستعاذة من فتنة الغنى) مقصور: اليسار. 6376 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي

46 - باب التعوذ من فتنة الفقر

مُطِيعٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالَتِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَعَوَّذُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيح الدَّجَّالِ". (خالته) هي عائشة أُم المؤمنين، وسبق شرح الحديث قريبًا. * * * 46 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ (باب: التعوُّذ من فتنة الفقر) 6377 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيح الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْج وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا نقَيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنسَ، وَبَاعِدْ بَيْني وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْمَأْثَم وَالْمَغْرَمِ".

47 - باب الدعاء بكثرة المال مع البركة

سبق أيضًا شرحُ ما فيه. * * * 47 - باب الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ مَعَ الْبَرَكَةِ (باب: الدعاء بكثرة المال مع البركة) 6378 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَسٌ خَادِمُكَ، ادْعُ اللهَ لَهُ، قَالَ: "اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ". 6379 - وَعَنْ هِشَامِ ابْنِ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ مِثْلَهُ. فيه حديث الدعاء لأنس، وسبق مرات. * * * (باب: الدعاء بكثرة الولد) 6380 - و 6381 - حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: أَنسٌ خَادِمُكَ، قَالَ: "اللَّهُمَّ أكثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ".

48 - باب الدعاء عند الاستخارة

فيه أيضًا حديثُ الدعاء لأنس، وسبق مرات. * * * 48 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الاِسْتِخَارَةِ (باب: الدعاء عند الاستخارة) أي: طلبُ الخِيَرة -بوزن عِنَبَة-: اسم من قولك: اختاره الله تعالى. 6382 - حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ: "إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْألكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيم، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ". (هَمّ)؛ أي: قصدَ الإتيانَ بفعلٍ أو تَرْكٍ.

(أستخيرك) أطلبُ منك الخيرةَ. (بعلمك)؛ أي: متلبسًا بعلمك بخيري وشري، وتحتمل الباء الاستعانة والقسم. (وأستقدِرُك)؛ أي: أطلب القدرةَ منك بأن تجعلني قادرًا، وفيه لفٌّ ونشرٌ غيرُ مرتَّب. (إن كنت تعلم) محلُّ الشك في أن علمه تعلق بخير أو بشر، لا في أصل العلم؛ فإنه عالم يقينًا. (أو قال) شَكٌّ من الراوي في أن العاجلَ والآجلَ مذكوران بدلَ الألفاظ الثلاثة، أو بدل الأخيرينِ بطريق الجزم، حتى يكون قائلًا مثلَ ما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنه يدعو به ثلاثَ مراتٍ، يقول تارة: في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، وأُخرى: في عاجلي وآجلي، وثالثة: في ديني، وعاجلي، وآجلي. (فاقدرْه) بضم الدال وكسرها؛ أي: اجعلْه مقدورًا لي، أو قَدِّرْه لي، وقيل: معناه: يَسِّرْه لي. (ورَضِّني)؛ أي: اجعلني راضيًا بذلك. (حاجته)؛ أي: من سفر، أو تزوج، ونحوه. وسبق الحديث في أواخر (صلاة التطوع). * * *

49 - باب الدعاء عند الوضوء

49 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْوُضوءِ (باب: الوضوء عند الدُّعاء) 6383 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَاءٍ فَتَوَضَّأ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ"، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ". سبق الحديث فيه في (المغازي). * * * 50 - باب الدُّعَاءِ إِذَا عَلَا عَقَبَةً (باب: الدُّعاء إذا على عَقَبَةً) 6384 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّهَا النَّاسُ! ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا"، ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أقولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ.

51 - باب الدعاء إذا هبط واديا

فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ! قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ؛ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ"، أَوْ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ". (ارْبَعُوا) بفتح الموحدة؛ أي: ارفُقوا، وهمزتهُ وصل مكسورة، يعني: لا تبالغوا في الجهر. (أصمَّ) في بعضها: (أصمًّا) بالتنوين، ولعلَّه لمناسبة: (غائبًا)، ومر في (غزوة خيبر) بدل (بصيرًا): (قريبًا). (كنز)؛ أي: كالكنز في كونه نفيسًا مدَّخرًا، وهي كلمةُ استسلام وتفويض إلى الله عَزَّ وَجَلَّ في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وفي التركيب خمسةُ أوجه مشهورة. * * * 51 - باب الدُّعَاءِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ. (باب: الدُّعاء إذا هبط واديًا) قوله: (فيه حديث جابر)؛ أي: السابق في (الجهاد) في (باب التسبيح إذا هبط واديًا). * * *

52 - باب الدعاء إذا أراد سفرا، أو رجع

52 - باب الدُّعَاءِ إِذَا أَرَادَ سفَرًا، أَوْ رَجَعَ (باب: الدُّعاء إذا أراد سفرًا، أو رجع) قوله: (فيه يحيى بن أبي إسحاق)، أي: الحضرمي السابق أيضًا في (باب ما يقول إذا رجع من الغزو). 6385 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". (قفل): رجع. (شَرَفٍ) بفتحتين: المكان العالي. (الأحزاب) جمع حزب، أي: القبائل المجتمعة لقتاله - صلى الله عليه وسلم -، ففرقهم الله تعالى. وفيه: أن مثل هذا السجع جائز، لا كسجع الكهان المتكلَّفِ المطلوبِ به باطلٌ. * * *

53 - باب الدعاء للمتزوج

53 - باب الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ (باب: الدُّعاء للمتزوج) 6386 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: "مَهْيَمْ"، أَوْ: "مَهْ"، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: "بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". الحديث الأوّل: (صُفْرَة)؛ أي: من الطيب الّذي استعمله عند الزفاف. (مَهْيَمْ) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء ثمّ ميم ساكنة؛ أي: ما شأنُك؟ (أو) شَكٌّ من الراوي. (مه) هي ما الاستفهامية قُلبت ألفها هاء. (وزن نواة) خمسة دراهم؛ أي: ثلاثة مثاقيل ونصف، سبق في (البيع). * * * 6387 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ، أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فتزَوَّجْتُ

54 - باب ما يقول إذا أتى أهله

امْرَأَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ؟ "، قُلْتُ: نعَمْ، قَالَ: "بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا"، قُلْتُ: ثَيِّبًا، قَالَ: "هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ، أَوْ تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ؟ "، قُلْتُ: هَلَكَ أَبِي فتَرَكَ سَبْعَ، أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فتزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: "فَبَارَكَ اللهُ عَلَيْكَ"، لَمْ يَقُلِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ، عَنْ عَمْرٍو: "بَارَكَ اللهُ عَلَيْكَ". الثّاني: (بِكْرًا)؛ أي: أتزوجت. (قلتُ: ثيبًا) يروى بالرفع؛ أي: هي ثيب، ولو نُصب بـ (تزوجتُ) لكان أحسنَ. (لم يقل ابن عُيَيْنَة، ومحمد بن مسلم)؛ أي: لم يقولا في روايتهما هذا الدُّعاء، وحديث ابن عُيَيْنَة سبق في (المغازي). (عليك) سبق بلفظ: (لك)، لإفادة الاختصاص، وفي هذه الرِّواية، لاستعلائها عليه. * * * 54 - باب مَا يَقُولُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ (باب: ما يقول إذا أتى أهلَه) 6388 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ،

55 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ربنا آتنا في الدنيا حسنة

عَنْ سَالِمِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا". (لم يضره)؛ أي: لم يُسَلَّط عليه بحيث لا يحصل منه العملُ الصالح، فيكون ممّن ليس له عليهم سلطان، وإلا، فالوسوسة لازمة في الوضوء. * * * 55 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً 6389 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ أَكثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". (باب: قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201]) الآية، وسبق شرح الحديث. * * *

56 - باب التعوذ من فتنة الدنيا

56 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا (باب: التعوُّذ من فتنة الدنيا) 6390 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَب بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا تُعَلَّمُ الْكِتَابَةُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ نُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْقَبْرِ". (الكتاب)؛ أي: القرآن، وفي بعضها: كما يعلم الكتابة، بالمصدر، وبناء (يعلم) للمفعول. * * * 57 - باب تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ (باب: تكرير الدُّعاء) 6391 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهيمُ بْنُ مُنْذِرٍ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طُبَّ

حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ قَدْ صَنَعَ الشَّيْءَ وَمَا صَنَعَهُ، وَإِنَّهُ دَعَا رَبَّهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ "، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذَرْوَانَ، وَذَرْوَانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُريْقٍ"، قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: "وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُسُ الشَّيَاطِينِ"، قَالَتْ: فَأَتَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهَا عَنِ الْبِئْرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَهَلَّا أَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا"، زَادَ عِيسَى بْنُ يُونس، وَاللَّيْثُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَعَا وَدَعَا، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (فطُبَّ)؛ أي: سُحر، وسبق شرح الحديث في (كتاب بدء الخلق) في (باب صفة إبليس)، وسبق في غير ذلك كثيرًا. (زاد عيسى بن يونس) موصول في (الطب). (والليث) موصول في (باب صفة إبليس). (فدعا ودعا) هو وجه التّرجمة بالتكرير. * * *

58 - باب الدعاء على المشركين

58 - باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ"، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بأبِي جَهْلٍ"، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا"، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}. (باب: الدُّعاء على المشركين) قوله: (وقال ابن مسعود:) موصول في (الصّلاة) في (الاستسقاء). (بسبع)؛ أي: بسبع سنين مقحطة؛ كالسبع الّتي في زمن يوسف عليه الصّلاة والسلام. (عليك بأبي جهل) هو عمرو بن هشام؛ أي: عليك بإهلاكه؛ أي: خذه وأهلكه. (وقال ابن عُمر) موصول في (المغازي). * * * 6392 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا وَكيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الأَحْزَابِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ

الأَحْزَابَ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". الحديث الأوّل: (سريع الحساب)؛ أي: في الحساب، أو سريع حسابُه؛ أي: وقته قريب. * * * 6393 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَالَ: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ: "اللَّهُمَّ أَنجْ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". الثّاني: (عَيّاش) بتشديد الياء وبشين معجمة. (الوَليد) بفتح الواو فيهما. (سَلَمَة) بفتحتين؛ والثلاثةُ أسباطُ المغيرة، وسبق الحديث في (الاستسقاء).

6394 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، فَأُصِيبُوا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَيَقُولُ: "إِنَّ عُصَيَّةَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ". الثّالث: (القُرَّاء)؛ أي: لأنهم كانوا أكثرَ قراءة من غيرهم، وكانوا من أوزاع النَّاس، ينزلون الصُّفَّةَ يتعلمون القرآن، وكانوا رِدْءًا للمسلمين، فبعث - صلى الله عليه وسلم - سبعين منهم إلى أهل نجد ليدعوهم للإسلام، فلما نزلوا بئر معونةَ، قصدهم عامرُ بنُ الطُّفيل في أحياء عُصَيَّة وغيرِهم، فقتلوهم. (وَجَدَ)؛ أي: حزن. (شهرًا)؛ أي: لا ينافي ما سبق في (الجهاد): (أربعين يومًا)؛ لعدم اعتبار مفهوم العدد، أو لعموم ذلك. * * * 6395 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ الْيَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُوُلونَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ إِلَى قَوْلِهِمْ، فَقَالَتْ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كلِّهِ"، فَقَالَتْ: يَا نبِيَّ اللهِ! أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: "أَوَ لَمْ تَسْمَعِي أنِّي أَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ".

الرابع: (أولم تسمعي) في بعضها: (تسمعين) بالنون على إلغاء عمل الجوازم، فقد جوز بعضُهم إلغاء النواصب والجوازم، وإن الإعمال أفصح، ومر في (الأدب). * * * 6396 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: "مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ"، وَهْيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. الخامس: (بُيُوتَهُم)؛ أي: حالَ حياتهم. (وقبورَهُم)؛ أي: حالَ موتهم. (كما) وجهُ التشبيه: أن اشتغالهم بالنار موجبٌ لاشتغالهم عن جميع محبوباتهم؛ أي: شغلَهم اللهُ كما شغلونا عن الصّلاة. (وهي صلاة العصر) مدرَجٌ من تفسير الراوي، وسبق في (الجهاد) في (باب الدُّعاء للمشركين). * * *

60 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت

60 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ (باب: قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: اللَّهُمَّ اغفر لي ما قَدَّمْتُ وما أَخَّرْتُ) 6398 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكَ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكَلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". 6398 / -م - وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ: وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأوّل: (عن ابن أبي موسى) هو أبو بُرْدَة عامرُ بنُ أبي بُرْدَةَ كما يُشعر به الطريق الذي بعده، وقال الكلاباذي: هو عمرو بن أبي موسى الأشعري، ويحتمل أن المراد به: أبو بكر بن أبي موسى كما تشعر به

الرِّواية الّتي بعد الطريق الآتية. (وإسرافي) هو تجاوزُ الحدّ. (في أمري) يحتمل أن يتعلّق بالإسراف خاصّة، وأن يتعلّق بغيره أيضًا من العمل من باب التنازع. (وعَمْدي) ضد السّهو: الخطأ. (وجَهْلي) ضد العلم. (وهَزْلي) ضد الجد، ووجهُ عطفِ العمدِ على الخطأ: إمّا من عطف الخاص على العام؛ لأن الخطيئة أعمُّ من التعمُّد، أو من عطف أحد المتقابلين على الآخر؛ بأن تحمل الخطيئة على ما وقع على سبيل الخطأ. (وكلُّ ذلك عندي) هو من تعليم الأُمة ما يقولون، والا، فهو معصومٌ من ذلك كله، أو قاله تواضعًا، أو عدّ تركَ الأولى ذنبًا، أو ما كان قبلَ النبوة، أو لأن الدُّعاء عبادة. قلت: أجودُها الأول. (المقدِّم)؛ أي: تقدِّم من تشاء من خلقك إلى رحمتك بتوفيقك، وتؤخِّر بخذلانك من تشاء. (وقال عبيد الله) أخرجه مسلم عنه. * * * 6399 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ

61 - باب الدعاء في الساعة التي في ويوم الجمعة

الْمَحِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي بُرْدَةَ، أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كانَ يَدْعُو: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي وَخَطَايَ وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي". الثّاني: عُرف شرحه ممّا سبق. * فائدة: قال القرافي في "القواعد": قول الداعي: واغفر لجميع المسلمين دعاءٌ بمحال؛ لأن صاحبَ الكبيرة يدخل النّار، ودخولُ النّار ينافي الغفران. قال (ك): ويمنع بأن المنافي إنّما هو الدخول على سبيل التخليد كما للكفار؛ إذ الإخراج من النّار بالشفاعة ونحوها غفران، ويعارض بقول نوح -عليه السّلام-: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28]. * * * 61 - باب الدُّعَاءِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي ويَوْمِ الْجُمُعَةِ (باب: الدُّعاء في السَّاعة) أي: الّتي يُستجاب فيها الدُّعاء.

62 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: يستجاب لنا في اليهود، ولا يستجاب لهم فينا

6400 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ خَيْرًا إلا أَعْطَاهُ"، وَقَالَ بِيَدِهِ، قُلْنَا: يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا. (وهو قائم) حال؛ وكذا: (يصلّي)، و (يسأل الله)، إمّا متداخلة، أو مترادفة. قيل: معنى يصلّي: يدعو، ومعنى قائم: ملازم مواظب. (وقال بيده) إشارة إلى أنها ساعة لطيفة خفيفة. (يُزَهِّدُهَا)؛ أي: يُقَلِّلها، والزهيدُ: القليل، والضيقُ. وفي هذه السّاعة خلاف، إمّا بين طلوع الفجر وطلوع الشّمس، أو عند الزَّوال، أو عند التأذين، أو وقت الصّلاة، أو بين العصر إلى المغرب، أو آخر ساعة منه، أو غير ذلك، والحكمة في إخفائها: أن لا يخصص الطّاعة بها؛ كإخفاء ليلة القدر، وسبق آخر (كتاب الجمعة). * * * 62 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يُسْتَجَابُ لَنَا فِي الْيَهُودِ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا (باب: قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: يُسْتَجَاب لنا في اليهود) 6401 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا

63 - باب التأمين

أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، قَالَ: "وَعَلَيْكُمْ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللهُ، وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ أَوِ الْفُحْشَ"، قَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: "أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ". (وعليكم) التشريكُ بالواو باعتبار أن كلَّ مَنْ عليها فانٍ، أو أنها للاستئناف؛ أي: وعليكم ما تستحقونه من الذم، وسبق في (كتاب السّلام). (فيستجاب لي)؛ أي: لأنه بحق. (ولا يستجاب لهم)؛ لأنه بباطل. * * * 63 - باب التَّأْمِينِ (باب: التأمين) 6402 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَاهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وَافَقَ تأَمِينُهُ تَأَمِينَ

64 - باب فضل التهليل

الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (القاري) هو أعم من الإمام، وفي الصّلاة، والموافقةُ إمّا في الزّمان، وإما في الصِّفَة من الخشوع ونحوه، والذنبُ خاصٌّ بحقوق الله تعالى كما عُلم من الدّليل الخارج، وتقدم في (الصّلاة) في (باب فضل التّأمين). * * * 64 - باب فَضْلِ التَّهْلِيلِ (باب: فضل التهليل) 6403 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائة سَيِّئَةٍ، وَكانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إلا رَجُلٌ عَمِلَ أكثَرَ مِنْهُ". الحديث الأوّل: (عدل) بالفتح؛ أي: مثل.

(حِرْزًا) بكسر المهملة وسكون الراء: العوذَة، والموضع الحصين، سبق في (بدء الخلق) في (باب صفة إبليس). * * * 6404 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: مَنْ قَالَ عَشْرًا كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمِ مِثْلَهُ، فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فَأَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ يُحَدِّثُهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَوْلَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثّاني: (عن عمرِو بنِ ميمون) هو تابعي؛ فالحديث مرسَل. (عشرًا، كان كمن أعتق رقبةً)، وهو كالحديث الأوّل، والتشبيه في قول: مئةً كإعتاق عشر. * * *

6404 / -م - وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: عَنِ الشَّعْبِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ، وَقَالَ آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ هِلَالَ بْنَ يَسَافٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلَهُ، وَقَالَ الأَعْمَشُ، وَحُصَيْن، عَنْ هِلَالٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثّالث: (وقال موسى)؛ أي: ابنُ إسماعيلَ، وإنما أتى بـ (قال)؛ لأنه تحمَّلَه مذاكرةً، فلم يقل: حدَّثنا، أو هو تعليق، وقد وصله ابنُ أبي خَيْثَمَةَ في "تاريخه" عنه. (عن داود) قال (ك): لعلّه ابنُ أبي هند. (وقال إسماعيل)؛ أي: ابنُ أبي خالدٍ، وصله الحسينُ بن الحسنِ المروزيُّ في "زيادات الزهد" لابن المبارك. (وقال الأعمش) وصله النَّسائيُّ في "الكبرى". (وحُصين) وصله النَّسائيُّ في "المجتبى". (ورواه أبو محمّد الحضرمي) وصله أحمد، والطبراني في "الكبير"، والمحاملي في "الأمالي". * * *

65 - باب فضل التسبيح

65 - باب فَضْلِ التَّسْبِيحِ (باب: فضل التسبيح) 6406 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيم، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ". (كلمتان) من تسميته الجملةَ كلمةً، وهو مجازٌ شائع؛ كما يقال: كلمةُ الشّهادة. (خفيفتان) فيه من البديع: المقابلة بين الخفة والثقل، والقصد: أنه عملٌ قليل، وثوابه كثير، وجوازُ السجع، ويحمل ما نهي عنه على نحو سجع الكهان؛ لأنه باطل، وما يتكلَّفُ. (الميزان)؛ أي: الّذي يوزن به في القيامة أعمالُ العباد، وفي كيفيته أقوال، والصّحيح: أنه جسم محسوس ذو لسان، وكفتين، والله تعالى يجعل الأعمالَ كالأعيان موزونة، أو توزن صحف الأعمال. وفيه: إثبات الميزان. (حبيبتان)؛ أي: محبوبتان؛ أي: محبوبٌ قائلهُما، ومحبته هي إرادةُ اتصال الخير لهُ، وأمّا تأنيث حبيب، مع أن فعيلًا بمعنى مفعول

يستوي فيه المذكر والمؤنث، إمّا لكونه جائزًا لا واجبًا، أو الوجوب في المفرد، لا حالَ التثنية، أو أنث لمناسبة خفيفة وثقيلة، إذ هما بمعنى فاعل لا مفعول، أو التاء لنقل اللّفظ من الوصفية إلى الاسمية. (الرّحمن) خص من بين سائر الأسماء؛ لأن السياق لبيان سَعَةِ رحمة الله تعالى؛ حيث يجازي على العمل القليل الثوابَ الكثير. (سبحانَ) لازم النصب على المصدرية بإضمار فعل، وهو عَلَم على التسبيح، وهو من العَلَم الجنسي الّذي للمعنى، والعَلَم شخصي وجنسي، ويكون للعين وللمعنى، وأمّا وجوب إضافته مع كونه علمًا، ولا يجمَع بين إضافة وعَلَمية، فجوابه: أنه يُنَكَّر، ثمّ يضاف؛ كما قال: عَلَا زَيْدُنَا يَوْمَ الوَغَى رَأْسَ زَيْدِكُمْ ... بابيَضَ مَاضِي الشَّفْرَتَيْنِ يَمَانِي والتسبيحُ معناه: التنزيهُ، أي: أنزه اللهَ تعالى عما لا يليق به. (وبحمده) الواو فيه للحال، أي: سبحْتُ اللهَ متلبسًا بحمدي له، من أجل توفيقه لي، ويحتمل أن الحمد مضاف للفاعل. والمرادُ من الحمد: لازمُه مجازًا، وهو ما يوجب الحمدَ؛ من التوفيق ونحوِه، أو بعطف جملة على جملة، أي: والتبستُ بحمده. والمختار في الحمد: أنه الثّناء على الجميل الاختياري على وجه التعظيم، والإشارةُ بالتسبيح إلى وصفه تعالى بصفات الجلال،

وهي السلبية؛ نحو: لا شريكَ له، ولا جهةَ له، ولا مثلَ له، ونحو ذلك من التنزيهات، وبالحمد؛ لصفات الإكرام؛ كالعلم، والقدرة، ونحوِهما، وهو معنى قوله تعالى: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، وقدم السلبيّ على الوجوديّ؛ لأن النظم الطبيعي يقتضي إثبات التخلية أولًا عن النقصان، والتحلية ثانيًا بالكمال. وفيه نكتةٌ أُخرى، وهي الإتيانُ باسم الله الّذي هو اسمٌ للذات المقدسة، الجامعةِ لجميع الصفات العليا، والأسماء الحسنى، ثمّ وصفه بالعظيم الّذي هو شامل لسلب ما لا يليق به؛ وإثبات ما يليق به؛ لأنها العظمة المطلقة، وأمّا تكرار التسبيح، فللإشعار بتنزيهه على الإطلاق، ثمّ بأن التسبيح ليس إلا متلبسًا بالحمد؛ ليعلم ثبوت الكمال له نفيًا وإثباتًا معًا جميعًا، أو لأن الاعتناء بشأن التنزيه أكثرُ من الاعتناء بالتحميد؛ لكثرة المخالفين فيه؛ قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، ولهذا جاء في القرآن بعبارات متعددة بلفظ المصدر؛ نحو: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [الإسراء: 1]، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} [الجمعة: 1]، {سَبَّحَ لِلَّهِ} [الحديد: 1]، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] أو أن التنزيهات ممّا تدركها عقولنا، والكمالات تقصر عن إدراك حقيقتها؛ كما قال بعض المتكلمين: الحقائقُ الإلهيةُ لا تعرف إلا على طريق السلب؛ كما يقال في العلم: لا يدرى منه إلا أنه ليس بجاهل، أنها معرفةُ حقيقةِ علمه، فلا سبيل إليها، فهي كلمة جامعة ممتثل بها قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [طه: 130]، وينحط

66 - باب فضل ذكر الله -عز وجل-

عن الممتثل بها خطاياه، وإن كانت مثلَ زبد البحر. * * * 66 - باب فَضْلِ ذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (باب: فضل ذكر الله تعالى) 6407 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ". الحديث الأوّل: (مَثَلُ الّذي يذكر ربه) وجهُ تشبيه الذاكرِ بالحيِّ: الاعتدادُ به، والنفعُ، والنصرة، ونحوها. * * * 6408 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ تنادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟

قال: تقول: يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللهِ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدِكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ"، رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَرَوَاهُ سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثانِي: (أهل الذكر) متناول لذوي الصّلاة، وقراءة القرآن، والحديث، وتدريس العلم، ومناظرة العلماء، ونحو ذلك. (هلمّوا)؛ أي: تعالوا، وهو على لغة تميم في عدم استواء

67 - باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله

الواحد والجمع فيه. (فيسألهم) حكمةُ السؤال، مع أنه عالم بذلك: الإظهارُ للملائكة أن في بني آدم المسبحين والمقدسين. وفيه: شرفُ أصحاب الأذكار المواظبين الملازمين لها، وكثرةُ أعداد الملائكة، وشهادتهم لبني آدم بالخيرات، واستدراك لقولهم فيما سبق: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30]. وفيه: إثبات الجنَّة والنار، وأن الصحبة لها تأثير عظيم، وأن جلساء السعداء سعداء، والتحريض على صحبة أهل الخير. (رواه شعبة) وصله أحمد، والإسماعيلي. (ورواه سهيل) وصله أحمد، وأبو داود الطيالسي. * * * 67 - باب قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّة إلا بِاللهِ (باب: قول: لا حول ولا قوة إلا بالله) 6409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي عَقَبَةٍ، أَوْ قَالَ: فِي ثَنِيَّةٍ، قَالَ: فَلَمَّا عَلَا عَلَيْهَا رَجُلٌ نَادَى فَرَفَعَ صَوْتَهُ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَاللهُ أكبَرُ، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

68 - باب لله مائة اسم غير واحد

عَلَى بَغْلَتِهِ، قَالَ: "فَإِنَّكمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا"، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ! أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ؟ "، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ". (أو قال: ثنية)؛ أي: عقبه، فالشكُّ من الراوي في اللفظين. قال (ك): هو على قول من لا يجيز الرِّواية بالمعنى. (كنز)؛ أي: كالكنز في كونه ذخيرةً نفسية بتوقع الانتفاع بها، وسبق الحديث مرارًا. (لا حول ولا قوة إلا بالله) محلُّه إمّا رفع خبر عن مبتدأ مقدر؛ أي: هو، أو نصب بتقدير: أعني، أو خفض بدلًا من (كنز). * * * 68 - باب للهِ مِائَةُ اسْم غَيْرَ وَاحِدٍ (باب: لله -عَزَّ وَجَلَّ- مئةُ اسْمِ غير واحدة) أي: تسمية واحدة. 6410 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ: "للهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِائَةٌ إلا وَاحِدًا، لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إلا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهْوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ".

(مئة) رفع على البدلية، أو خبر مبتدأ محذوف. (واحدًا) نصب على الاستثناء، ويجوز رفعه على جعل (إلا) بمعنى: غير، فتكون صفة لـ (مئة) كما في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]. والحكمة في إعادة مئة إلا واحدًا، وهو معنى تسع وتسعين: التوكيدُ، ودفعُ التصحيف والالتباس بسبع وسبعين، والوصفُ بالعدد الكامل في ابتداء السماع. وأمّا حكمة الاستثناء، وتنقيص واحد، فلأن الفرد أفضلُ من الزوج، ومنتهى الإفراد من المراتب من غير تكرار تسع وتسعين؛ لأن مئة وواحدًا يتكرر فيه الواحد، وسبق آخر (كتاب الشروط) فيه وجه آخر. (يحفظها)؛ أي: يحافظ على مقتضياتها، والتصديق بمعانيها. وقيل: ليس فيه حصر الأسمائيّة، وأن لا اسم غير ذلك، بل هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنَّة، فهو خبر عن دخول الجنَّة بإحصائها، لا إخبارٌ بحصر الأسماء فيها. وقيل: أسماء الله تعالى، وإن لم تنحصر؛ لكن بمعاني جميعها محصورة في هذه. قيل: وفيه دليل على أن أشهر أسمائه هو الله؛ لإضافة الأسماء إليه، وفيه: أن الاسم هو المسمى، وقيل: هو الاسم الأعظم.

69 - باب الموعظة ساعة بعد ساعة

(وتر) بالكسر؛ أي: فرد، وقد تفتح. (يحب الوتر) لذلك جعل الصلواتِ خمسًا، والطوافَ سبعًا، وندب التثليث في أكثر الأعمال، وخلق السماوات سبعًا، ونحو ذلك. * * * 69 - باب الْمَوْعِظَةِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ (باب: الموعظة سَاعة بَعْدَ سَاعَةٍ) 6411 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: كُنَّا نَنْتَظِرُ عَبْدَ اللهِ، إِذْ جَاءَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقُلْنَا: أَلَا تَجْلِسُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَدْخُلُ فَأُخْرِجُ إِلَيْكُمْ صَاحِبَكُمْ، وَإِلَّا جِئْتُ أَنَا، فَجَلَسْتُ فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِهِ، فَقَامَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أَخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ، وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنَ الْخُرُوج إِلَيْكُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ، كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. (يزيد بن معاوية)؛ أي: النخعي الكُوفيُّ التابعي، من أصحاب ابن مسعود. (صاحبكم)؛ أي: ابن مسعود. (أما) بالتخفيف. (إنِّي) بالكسر.

(أُخْبَر) بالبناء للمفعول. (بمكانكم)؛ أي: بأنه مشغول بكم، أو المكان بمعنى: الكون. (يتخوَّلُنا)؛ أي: يتعهَّدُنا. (السآمة): الملالة وَزْنًا ومعنى، وسبق الحديث في (كتاب العلم). * * *

81 - كتاب الرقاق

81 - كِتَابُ الرِّقَاقِ

1 - باب ما جاء في الرقاق، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 81 - كِتَابُ الرِّقَاقِ 1 - باب مَا جَاءَ فِي الرِّقَاقِ، وَأَنْ لَا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخِرة (كتاب الرقائق) جمع رقيقة، من الرِّقَّة ضد الغلظة؛ أي: الكلمات المرقِّقَة للقلوب؛ أي: من الرقة بمعنى: الرّحمة، وفي بعضها: (الرقاق) جمع رقيق. (باب: الصِّحَّة والفراغ) كذا ابتدأ عبد الله بن المبارك في كتابه في الرقائق بحديث: "نعمتان" إلى آخره، فلعلّ البخاريّ اقتدى به. 6412 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ".

6412 / -م - قَالَ عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. الحديث الأوّل: (مغبون) خبر مقدم للمبتدأ، وهو (كثير)؛ من الغَبْن -بإسكان الباء-، وهو النقص في البيع، أو بفتحها، وهو النقص في الرأي؛ فكأنه قال: هذان الأمران إذا لم يستعملا فيما ينبغي، فقد غُبِن صاحبُهما؛ أي: باعهما ببخس لا تحمد عاقبتُه؛ أي: ليس له في ذلك رأي البتة؛ فإن الإنسان إذا لم يعمل الطّاعة في زمن صحته، ففي زمن المرض بطريق الأولى؛ وكذا الفراغ، فيبقى بلا عمل خاسرًا مغبونًا؛ فالإنسان يكون صحيحًا لا متفرغًا للعبادة؛ لاشتغاله بأسباب المعاش، وبالعكس، فإذا اجتمعا للعبد، وقصَّر في نيل الفضائل، غبن كلَّ الغبن؛ فإن الدنيا سوق الأرباح، وتجارات الآخرة. قال (ط): فيه تنبيه على عظيم نعمة الله تعالى على عباده في الصِّحَّة والكفاية، إذ لا يكون فارغًا حتّى يكون مكفيًا، فمن أنعم الله عليه بهما، فليحذر أن يغبنهما، لا سيما و [هو] يعلم أنه خلقه من غير ضرورة له، وبدأه بالنعم الجليلة؛ كالصحة ونحوها، من غير استحقاق منه لها، وضمن أرزاقه، ووعده بجزاء الحسنات أضعافًا مضاعفة، وأمره أن يعبده شكرًا عليها، وتحصيلًا لجزاء أعماله، فمن لم يفعل، فقد غُبن أيامَهُ، ويندم حيث لا ينفعه الندم.

2 - باب مثل الدنيا في الآخرة

(قال العباس العنبري) رواه ابن ماجه عنه. * * * 6413 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخِرَهْ. فَأَصْلِح الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ". 6414 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْخَنْدَقِ وَهْوَ يَحْفِرُ، وَنحنُ ننقُلُ التُّرَابَ ويَمُرُّ بِنَا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخِرَهْ. فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ". تَابَعَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. الثاني، والثالث: سبق شرحهما. (ويمر بنا) في بعضها: (وبَصُرَ بنا). * * * 2 - باب مَثَلِ الدُّنيَا فِي الآخِرَةِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ

3 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل"

فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ}. (باب: مثل الدنيا في الآخرة) 6415 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". (وَلَغَدْوَة) بفتح المعجمة وسكون المهملة. (في سبيل الله) أعمّ من الجهاد، كما سبق مرات. (أو) هي للتنويع، لا لشكِّ الراوي. * * * 3 - باب قَوْل النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيِبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ" (باب: قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: كن في الدنيا كأنك غريب) هي كلمة جامعة لأنواع النصح؛ إذ الغريبُ لقلةِ معرفتِه بالناس

قليلُ الحسد، والعداوة، والحقد، والنفاق، والنزاع، وسائر الرذائل، منشؤها الاختلاطُ بالخلائق، ولقلة إقامته قليلُ الدَّار والمزرعة والأهل والعيال، وسائرِ العلائق الّتي هي منشأ الاشتغال عن الخالق تعالى. (أو عابر سبيل) هو أعمُّ من الغريب؛ لأن العابر قد لا يكون غريبًا، والمبالغة فيه أكثر؛ لأن تعلقاتِه أقلُّ من تعلقات الغريب، ففيه الترقي، وفيه الترغيبُ في الآخرة، والتوجُّه إليها، وأنها المرجعُ، ودار القرار، والزهدُ في الدنيا، والاستعدادُ للموت، ونحوُ ذلك. * * * 6416 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْمُنْذِرِ الطُّفَاوِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تنتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تنتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. (وخذ)؛ أي: خذ بعضَ أوقات صحتك لوقت مرضك؛ أي: اشتغلْ في الصِّحَّة بالطاعة بقدر ما لو وقع في المرض تقصيرٌ يدرَك بها. * * *

4 - باب في الأمل وطوله

4 - باب فِي الأَمَلِ وَطُولِهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ}. {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}. وَقَالَ عَلِيٌّ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةُ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ، {بِمُزَحْزِحِهِ}: بِمُبَاعِدِهِ. (باب: في الأمل وطوله، وقوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ} [آل عمران: 185]) مناسبةُ ذكر الآية للترجمة باعتبار أولها، وهو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185]، أو عَجُزها، وهو: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، أو ذكرها لمناسبة قوله: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ} [البقرة: 96]؛ إذ في تلك الآية: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96]. (فإن اليوم عمل) العمل إن كان في اليوم، وليس نفسُ اليوم عملًا، إلا أنه أخبر عنهُ مبالغة؛ فإنه نفس العمل، نحو: نهاره صائم، وأبو حنيفة فقهٌ.

(ولا حسابَ) بالفتح؛ أي: لا حساب فيه، وبالرفع؛ أي: ليس في اليوم حساب، ومثلُه شاذّ عند النحاة، فهو حجة عليهم. * * * 6417 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ، مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: "هَذَا الإنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نهشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نهشَهُ هَذَا". الحديث الأوّل: (خططًا) بضم الخاء وكسرها: جمع خطة. (هذا الإنسانُ) مبتدأ وخبر؛ أي: على سبيل التمثيل؛ ويروى: (خطوطًا)، فإن قيل: الخطوط ثلاثة؛ لأن الصغار كلها في حكم واحد، والمشار إليه أربعة، فكيف ذلك؟ قيل: الداخل له اعتبارات، فالنصفُ الداخلُ فنه الإنسانُ فرضًا، والنصفُ الخارجُ منه أملُه. (الأعراض)؛ أي: الآفات العارضة له. وقال (ش): جمع عَرَض، وهو ما يُنتفع به في الدنيا.

(فإن أخطأه)؛ أي: بأن تجاوز عنه هذا العرض، لدغه العرض الآخر، وإن تجاوزت عنه هذه الأعراض؛ أي: الآفات جميعُها من الأمراض المهلكة ونحوها، (نهشه)؛ أي: لدغه (هذا)؛ أي: الأَجَل، يعني: إن لم يمت بالموت الاخترامي، لا بد أن يموت بالموت الطبيعي، وحاصله: أن ابن آدم يتعاطى الأمل، ويختلجه الأجل دون الأمل؛ قال الشاعر: اللهُ أَصْدَقُ وَالآمَالُ كَاذِبَةٌ ... وَجُلُّ هَذِي المُنَى في الصَّدْرِ وَسْوَاسُ * * * 6418 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خُطُوطًا، فَقَالَ: "هَذَا الأَمَلُ، وَهَذَا أَجَلُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الْخَطُّ الأَقْرَبُ". الثاني: (خطوطًا) ذكره جمعًا، ولم يذكر في التفصيل إلا اثنين اختصارًا، فالخط الآخر: الإنسانُ، والخطوطُ الأُخرُ: الآفاتُ، والخطُّ الأقربُ: الأجل؛ إذ لا شك أن الخط المحيط أقربُ من الخط الخارج منه. واعلم أن الأمل مذموم، قالوا: إلا للعلماء؛ فلولا أملُهم وطولُه

5 - باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير}

لَمَا صنفوا، والفرقُ بينه وبين الأُمنية: أن الأمل ما أملته عن سبب، والتمني من غير سبب. قال بعض العلماء الحكماء: الإنسان لا ينفكُّ من الأمل، فإن فاته، عوّل على التمني، وقالوا: من قصّر من أمله، كرمه الله تعالى بأربع كرامات؛ لأنه إذا ظن أنه يموت عن قريب، يجتهد في الطّاعة، وتقل همومه، فإنّه لا يهتم لما يستقبله من المكروه، ويرضى بالقليل، ويتنوّر قلبه. * * * 5 - باب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمُرِ لِقَوْلهِ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (باب: من بلغ ستين سنةً، فقد أعذرَ الله إليه) أي: أزال الله عذره، فلم يُبق فيه موضعًا للاعتذار حيث أمهلَه هذه المدةَ، ولم يعتذر، يقال: أعذر الرَّجل: إذا بلغ أقصى الغاية في العذر، فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار، والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية، ولا يكون له على الله بعد ذلك حجة، فالهمزة للسلب، وقيل: معناه: أقام الله عذره في تطويل عمره وتمكينه من الطّاعة مدة مديدة. * * *

6419 - حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَعْذَرَ اللهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً"، تَابَعَهُ أَبُو حَازِمٍ، وَابْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ. الحديث الأوّل: (ستين سنة) هي رابع الأسنان كما قاله الأطباء: سن الطفولة، وسن الشباب، وسن الكهولة، وسن الشيخوخة، وفيه يظهر ضعف القوة، ويتبين النقص، والانحطاط، ويجيئه نُذُر الموت، فهو وقت الإنابة إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-. (تابعه أبو حازم) وصله الإسماعيلي، وابن مَنْدَهْ. (وابن عجلان) وصله أحمد، والبيهقي. * * * 6420 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا، وَطُولِ الأَمَلِ". قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، وَابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ.

الثّاني: (الكبير)؛ أي: الشّيخ، وذكرُ هذا الحديث في الباب قبله أنسبُ. (قال اللَّيث) وصله الإسماعيلي. * * * 6421 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ، وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ الْمَالِ، وَطُولُ الْعُمُرِ"، رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ. الثّالث: (يَكْبَرُ) بفتح الموحدة؛ أي: يطعَن في السن. (يكبُر معه) بضم الموحدة؛ أي: يعظُم، فإن صحت الرِّواية في يكبر الثّانية بالفتح، فالجمع بينه وبين الحديث السابق الذي فيه ذكرُ الشباب: أن المراد بالشباب: الزيادة في القوة، وبالكبر: الزيادة في العدد، ذاك باعتبار الكيف، وهذا باعتبار الكم. (اثنان) وجه التخصيص بهما: أن أحبَّ الأشياء إلى ابن آدم نفسُه، فيحب بقاءها، وهو العمر، وسببُ بقائها المال، فإذا أحسّ بالرحيل، قوي حبّه لذلك: وَطِيبُ الكَرَى عِنْدَ الصَّبَاحِ يَطِيبُ

6 - باب العمل الذي يبتغى به وجه الله فهه سعد

(رواه شعبة) وصله مسلم. * * * 6 - باب الْعَمَلِ الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ فِههِ سَعْدٌ (باب: العمل الّذي يُبتغى به وجه الله) قوله: (فيه سعد)؛ أي: حديث سعد بن أبي وقّاص، سبق في (الجنائز) وغيره، وهو: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إلَّا أُجِرْتَ بِهَا". 6422 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَزَعَمَ مَحْمُودٌ أنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دلْوٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ. 6423 - قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ قَالَ: غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَنْ يُوَافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ، يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، إلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ". الحديث الأوّل: (زعم)؛ أي: قال. (عقل)؛ أي: لأنه كان صغيرًا حين دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - دارهم،

وشرب ماء، ومَجَّ من ذلك الماء مجةً على وجهه. وسبق الحديث بطوله في (باب المساجد في البيوت)، إلا أنه هناك الزُّهْري هو الّذي سأل الحُصين، وسمع منه، والمفهوم هنا: أنه محمود، فقال (ك): إن كانت الراوية بالرفع، فهو عطف على محمود؛ أي: أخبرني محمودٌ، ثمّ أحدُ بني سالم، وإن كانت بالنصب، فالمراد: سمعت عتبانَ الأنصاريَّ، ثمّ السالميَّ؛ إذ عتبانُ كان سالميًّا أيضًا. أو يقال: بأن السماع من حصين كان حاصلًا لهما، ولا محذور في ذلك؛ لجواز سماع الصحابي من التابعي، وبأن المراد من الأحد: غيرُ الحصين، وأمّا قوله هناك: (حَرَّمَهُ عَلَى النَّارِ)، وهنا: (حرم اللهُ عليه النارَ)، فذاك حقيقة باعتبار أن النّار تأكل كلّ ما يلقى فيها؛ التّحريم يناسب الفاعل، ومعناهما يؤول إلى واحد؛ لتلازمهما. (يوافى)؛ أي: يأتي، يقال: وافى القومَ: أتاهم. (وجه الله)؛ أي: ذاته، والحديث من المتشابه، أو لفظُ الوجه زائد، أو المراد: جهة الحق والإخلاص، لا الرياء ونحوه. * * * 6424 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلا الْجَنَّةُ".

7 - باب ما يحذر من زهرة الدنيا، والتنافس فيها

الثّاني: (صَفِيَّه)؛ أي: حبيبه المصافي له، والصفيُّ: الخالصُ من كلِّ شيء؛ كالولد، والأخ، وسائر محبوباته. (احتسبه)؛ أي: صبر عليه لله تعالى، ولم يجزع على فقده، والحِسبة بالكسر: الأجرة، واسم من الاحتساب، واحتسب بكذا أجرًا عند الله؛ أي: نوى به عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-. * * * 7 - باب مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَالتَّنَافُسِ فِيهَا (باب: ما يحذر من زهرة الدنيا) أي: بهجتها، ونضارتها، وحسنها. (والتنافس)؛ أي: الرغبة. 6425 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبة، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ، كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ

الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ، فَوَافَتْهُ صَلَاةَ الصُّبْح مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فتبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ"، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فتنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا ألهَتْهُمْ". الحديث الأوّل: (البحرين) تثنية بحر: اسمُ بلدٍ بقرب الهند. (فوافت)؛ أي: أتوا. (فأبشروا) بهمزة قطع. (وأَمِّلُوا) من التأميل، وهو الرجاء. (الفقرَ) منصوب بـ (أخشى) بعده، ورفعُه ضعيف؛ لاحتياجه حينئذ إلى ضمير يعود عليه، وإنّما يجيء مثله في الشعر. (وتلهيكم)؛ أي: عن الآخرة، سبق في (الجزية). * * * 6426 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ

يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تنافَسُوا فِيهَا". الثّاني: (فصلّى)؛ أي: دعا لهم بدعاء صلاة الميِّت، وإلا، فقد سبق في (الجنائز): أنه دفن شهداء أُحد قبل أن يصلّي عليهم. (فَرَطُكُم) بفتح الراء: هو المتقدم في طلب الماء؛ أي: سابقُكم إليه كالمهيئ له. وفيه: إثبات الحوض المورود أنه مخلوق اليوم. وفيه: إخبار بالغيب محجزة له - صلى الله عليه وسلم -. * * * 6427 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أكثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ"، قِيلَ: وَمَا بَرَكَاتُ الأَرْضِ؟ قَالَ: "زَهْرَةُ الدُّنْيَا"، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟؛ فَصَمَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ

جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ، فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟، قَالَ: أَنَا، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ، قَالَ: "لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إلا بِالْخَيْرِ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ، إلا آكِلَةَ الْخَضِرَةِ، أكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ الْمَعُونة هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ الَّذِي يَأَكُلُ وَلَا يَشْبَعُ". الثّالث: (ما يخرج) خبر (إن)، إمّا بتقدير حرف جزاء؛ أي: ممّا يخرج، أو بتقدير لفظ آخر؛ أي: أخاف عليكم بسببه. (هل يأتي الخير بالشر)، أي: هل تصير النعمةُ عقوبةً. (حمدناه) يجمع بينه وبين ما سبق في (الزَّكاة) في (باب الصَّدقة على اليتامى) أنهم ذموه، وقالوا له: تكلِّمُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ولا يكَلِّمُكَ: أن الحمدَ والذمَّ باعتبارين، أو في حالتين، وسبق شرح الحديث هناك. * * * 6428 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ

يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"، قَالَ عِمْرَانُ فَمَا أَدْرِي قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ قَوْلهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، "ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". الرابع: (ولا يستشهدون)؛ أي: شهادة الحسبة. (ويخونون)؛ أي: خيانة ظاهرة؛ بحيث لا يبقى معها للناس اعتماد عليه. (السِّمَن)؛ أي: يتكَثَّرون بما ليس فيهم من الشرف، أو يجمعون الأموال، أو يغفلون عن أمر الدين، ويقللون الاهتمام به؛ لأن الغالب على السمين أن لا يهتم بالرياضة، والظاهر: أنه حقيقة؛ لكن المراد به: ما يستكسبه، لا الخلقي. * * * 6429 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ". الخامس: (عن أبي حمزة) بمهملة وزاي: محمّد بن ميمون.

(تسبق)؛ أي: من حرصهم على الشّهادة يحلفون على ما يشهدون به، فتارة يحلفون قبل أن يشهدوا، وتارة بالعكس، وهذا مَثَل في سرعة الشّهادة واليمين، وحرص الرَّجل عليها، حتّى لا يدري بأيهما يبتديء، فكأنهما يتسابقان؛ لقلة مبالاته بالدِّين. وفي الحديث: فضلُ الصّحابة، والتابعين، وتبع التابعين. ومر الحديثان في (الشهادات). * * * 6430 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَبابًا وَقَدِ اكْتَوَى يَوْمَئِذٍ سَبْعًا فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ، إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مَضَوْا وَلَمْ تنقُصْهُمُ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا لَا نَجدُ لَهُ مَوْضِعًا إلا التُّرَابَ. 6431 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: أتيْتُ خَبابًا وَهْوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ مَضَوْا لَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا شَيْئًا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ شَيْئًا، لَا نَجدُ لَهُ مَوْضِعًا إلا التُّرَابَ. 6432 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ خَباب - رضي الله عنه - قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

8 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (5) إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}

السادس، والسابع، والثامن: (خبابًا) سبق حديث قصته، والجمعُ بين ذمِّ الكيِّ وجوازه سبق قريبًا في (كتاب الطب)، والمراد: أنهم لم يشتغلوا بجمع المال؛ بحيث يلزم في كمالهم نقصان، والمراد من التراب: بناء الحيطان؛ بقرينة: (وهو يبني)، ولولا ذلك، احتمل اللفظُ الكنزَ، ودفنَ الذهب في الأرض، والمدار في هذه الأحاديث على فقر الماضين، وغنى الباقين. * * * 8 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} جَمْعُهُ سُعُرٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ. (باب: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [فاطر: 5]) 6433 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ ابْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بِطَهُورٍ وَهْوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ، فتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَهْوَ فِي هَذَا

9 - باب ذهاب الصالحين

الْمَجْلِسِ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ، ثُمَّ أتى الْمَسْجدَ فَرَكَعَ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَغْتَرُّوا". (المقاعد) بقاف ومهملتين: موضع بالمدينة. (لا تغتروا)؛ أي: فتجترئون على الذنوب معتمدين على المغفرة بالوضوء؛ فإن ذلك بمشيئة الله تعالى. * * * 9 - باب ذَهَابِ الصَّالِحِينَ (باب: ذهاب الصالحين) بكسر الذال؛ أي: الفقد، وأمّا ذَهاب -بالفتح-، فجمع ذهبة -بالكسر-، وهي المطيرة الضعيفة؛ قاله في "المُحْكم". 6434 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ، لَا يُبَالِيهِمُ اللهُ بَالَةً"، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يُقَالُ حُفَالَةٌ وَحُثَالَةٌ. (حُفَالة) بضم المهملة ثمّ فاء، أو مثلثة؛ كفوم وثوم: الرذالة من لكل شيء، وقيل: ما يبقى من آخر الشعير أو من التّمر أردؤه.

10 - باب ما يتقى من فتنة المال، وقول الله تعالى: {أنما أموالكم وأولادكم فتنة}

(لا يُبَالِيهِمُ)؛ أي: لا يرفع لهم قدرًا، ولا يقيم لهم وزنًا، يقال: ما باليته. (بالةً) نصبه على المفعول المطلق، وإن لم يكن مصدرًا لباليت؛ بل اسم مصدر، وقيل: أصله باليةً، فحذفت الياء تخفيفًا، وسبق في (غزوة الحُديبية). * * * 10 - باب مَا يُتَّقَى منْ فتْنَة الْمَال، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (باب: ما يتقى من فتنة المال) 6435 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَم، وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ". الحديث الأوّل: (تَعسَ) بكسر المهملة وفتحها: هلك وسقط. (عبدُ الدّينار)؛ أي: خادمه، وطالبه، فكأنه عبدٌ له. (والقطيفة): الدثار المخمل.

(والخميصة) الكساء الأسود المربع. (أُعطي) مبني للمفعول؛ قال تعالى: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا} الآية [التوبة: 58]. * * * 6436 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلَا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ، وَيتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ". الثّاني: (لهما) متعلّق بـ (ثالثًا)، كان صفة له، فصار بتقدمه حالًا، لا بـ (أبتغي)؛ لأنه متعدٍّ بنفسه، والمراد بابن آدم: الجنسُ باعتبار طبعه، وإلا، فكثير منهم يقنع بما أُعطي، ولا يطلب زيادة، وذلك عارض له من توبة الله تعالى عليه. (على من تاب)؛ أي: من المعصية، ورجع عنها؛ أي: يوفقه للتوبة، أو يرجع عليه من التشديد إلى التخفيف، أو يرجع عليه بقبوله. * * * 6437 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

يَقُولُ: "لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا لأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ، وَلَا يَمْلأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا أَدْرِي مِنَ الْقُرْآنِ هُوَ أَمْ لَا؟ قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ. 6438 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَكَّةَ فِي خُطْبَتِهِ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلَآنَ مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِيًا، وَلَوْ أُعْطِيَ ثَانِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثًا، وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ". الثالث، والرابع: (محمّد) قيل: هو ابن سلام. (ملء) يروى: (مثل). (يقول ذلك)؛ أي: حديث: "لو أَنَّ لابنِ آدَمَ"، أو لفظ: (لا أدري)، والظاهرُ الأولُ؛ لما في الحديث بعده، أنها تغاير ألفاظ الروايات في خوف، وعين، وفم، فإنّه تفنن في الكلام، والغرض بالكل: الموت؛ لأنه مستلزم لامتلاء ذلك ترابًا، أي: لا يشبع من الدنيا حتّى يموت. * * *

6439 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ". 6440 - وَقَالَ لَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ: كُنَّا نَرَى هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ، حَتَّى نزَلَتْ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}. الخامس: (حتّى نزل: {أَلْهَاكُمُ} [التكاثر: 1]؛ أي: نزلت السورة الّتي في معنى ذلك، فنسخت تلاوة: (لو كان لابن آدم)، وبقي الحكم، لا أن الحكم منسوخ بـ (ألهاكم)؛ لأن شرط نسخه التعارض، ولا تعارض، فنزول {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}، كان إعلامًا بنسخ ذلك، وإنّما كانت بمعناه؛ لأن بعضهم فسر زيارة المقابر بالموت؛ أي: شغلكم التكاثر من الأموال إلى أن متم، ويحتمل أن معناه: كنا نظن أنه قرآن، حتّى نزلت السورة الّتي بمعناه، فعرَّفنا النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك ليس بقرآن، وأن القرآن هو: {أَلْهَاكُمُ} إلى آخره. * * *

11 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا المال خضرة حلوة"

11 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ" وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نستَطِيعُ إلا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ. (باب: قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: هذا المال خضرة) التاء فيه للمبالغة، أو باعتبار أنواع المال، أو صفة لمحذوف؛ أي: كبقلة. (لا نستطيع)؛ أي: لا نقدر. (إلا أن نفرح) بما حصل لنا ممّا في آية: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران: 14]. * * * 6441 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا الْمَالُ، وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ لِي:

12 - باب ما قدم من ماله فهو له

يَا حَكِيمُ! إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأَكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى". (بإشْرَاف) هو الاطلاع على الشيء، والتعرُّض له بنحو بَسْطِ اليد. (كالذي يأكل ولا يشبع)؛ أي: كالجوع الكاذب، ويسمى: جوعَ الكلب، كلما ازداد أكلًا، زاد جوعًا. وسبق الحديث في (الزَّكاة) في (باب الاستعفاف). * * * 12 - باب مَا قَدَّمَ مِنْ مَالِهِ فَهْوَ لَهُ 6442 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويدٍ قَالَ: عَبْدُ اللهِ قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا مِنَّا أَحَد إلا مَالُهُ أَحَبُّ إلَيْهِ، قَالَ: "فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ". (باب: ما قدم من ماله فهو له) أي: قدمه على موته؛ بأن يكون صرفه في حياته في مصارف الخير.

13 - باب المكثرون هم المقلون

الحديث فيه ظاهر. * * * 13 - باب الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. (باب: المكثرون) أي: من المال، (هم المقلُّون)؛ أي: في الثواب. * * * 6443 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيع، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ، فَالْتَفَتَ فَرَآنِي، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ "، قُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! تَعَالَهْ"، قَالَ فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إلا مَنْ أَعْطَاهُ اللهُ خَيْرًا، فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا"، قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ

سَاعَةً، فَقَالَ لِي: "اجْلِسْ هَا هُنَا"، قَالَ: فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ، فَقَالَ لِي: "اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ"، قَالَ: فَانْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى لَا أَرَاهُ، فَلَبِثَ عَنِّي فَأَطَالَ اللُّبْثَ، ثُمَّ إِنِّي سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُقْبِلٌ وَهْوَ يَقُولُ: "وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى"، قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قُلْتُ: يَا نبَيَّ اللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا. قَالَ: "ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ، قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنىَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ نعمْ، وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ". 6443 / -م - قَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَالأَعْمَشُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ وَهْبٍ بِهَذَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ، إِنَّمَا أَرَدْنَا لِلْمَعْرِفَةِ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، قِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ قَالَ: مُرْسَل أَيْضًا لَا يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، وَقَالَ: اضْرِبُوا عَلَى حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا، إِذَا مَاتَ قَالَ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ عِنْدَ الْمَوْتِ. (خيرًا)؛ أي: مالًا؛ لقوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180].

14 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا"

(فنفح) بالمهملة، أي: أعطى، والنفحة: الدفعة. (في قاع): أرض سهلة مطمئنة انفرجت عنها الجبال. (من تكلم) قال (ش): بفتح التاء وضمها، والضم من تكلم أنت، والفتح؛ أي: من تكلم معك، روي بهما. (الحَرّة) بفتح الحاء المهملة: أرض ذات حجارة سود. (دخل الجنَّة)، أي: كان مصيره إليها، وإن ناله عقوبة؛ جمعًا بينه وبين: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23]، وغير ذلك من الوعيد للفُساق. (قال النضر)؛ أي: ابنُ شُميل، وصله الإسماعيلي، وابن مندَهْ في (الإيمان)، وابن حِبّان في "صحيحه". قال (ك): قال الإسماعيلي: ليس في حديث شعبة قصة المكثرين والمقلين؛ إنّما فيه قصة من مات لا يشرك، والعجبُ من البخاريّ كيف أطلق هذا الكلام. * * * 14 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا" (باب: قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ما أُحِبُّ أن لي أُحدًا ذهبًا) نصب على التمييز، أي: مثل أُحُدٍ ذهبًا.

6444 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إلا شَيْئًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، إلا أَنْ أقولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا"، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ مَشَى، فَقَالَ: "إِنَّ الأَكثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلا مَنْ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ". ثُمَّ قَالَ لِي: "مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ"، ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ، فتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: "لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ"، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: "وَهَلْ سَمِعْتَهُ؟ "، قُلْتُ: نعمْ. قَالَ: "ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". الحديث الأوّل: قال (ك): إنّه مسند من طريق أبي ذر، مرسل من طريق أبي الدرداء.

(أحد) فاعل (استقبل)، لا مفعوله. (إلا شيء) استثناء من (دينار)، ويروى: (إلا شيئًا) بالنصب؛ قاله (ش). (أَرْصُده) من الرصد. (لدَين) بفتح الدال. (إلا أن أقول) استثناء من فاعل: (يسرّني). (هكذا)؛ أي: أصرفه، وأنفقه على عباد الله. (مكانك)؛ أي: الزم. * * * 6445 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أحُدٍ ذَهَبًا لَسَرَّني أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إلا شَيْئًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ". الثّاني: كالذي قبله. * * *

15 - باب الغنى غنى النفس

15 - باب الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} إلَى قَوْلِهَ تَعَالَى {مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَعْمَلُوهَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا. (باب: الغنى غنى النفس) 6446 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ". (ليس الغنى)؛ أي: الحقيقي المعتبر. (العَرَض) قال (ع): بفتح الراء: ما يجمع من متاع الدنيا؛ أي: كما في قوله تعالى: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف: 169]، والمعنى: ليس الغنى بكثرة المال، وقال ابن فارس في "المقاييس": الّذي سمعناه في الحديث بسكون الراء، وهو ما كان من المال غير نقد، وجمعه عُروض. (غنى النفس)؛ أي: استغناؤها بما حصل لها، فهو رضا بقضاء الله تعالى؛ لعلّمه أن ما عند الله لا ينفد، فلا يحرص على الدنيا وجمعها، فلهذا ترى كثيرًا من المتمولين فقير النفس، مجتهدًا في

16 - باب فضل الفقر

الزيادة، فهو لشدة شرههِ، وحرصِه على جمعه كأنه فقير. * * * 16 - باب فَضْلِ الْفَقْرِ (باب: فضل الفقر) 6447 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ "، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا رَأَيُكَ فِي هَذَا؟ "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا". الحديث الأوّل: (فقال لرجل عنده) هو أبو ذر كما رواه ابن حِبّان من طريقه. (ثمّ مر رجل) هذا الفقير المار: جُعَيْلٌ الضَّبِّيُّ كما في "مسند الرُّويَاني" ما يشعر به. (حَرِيٌّ)؛ أي: جدير.

(أن لا يُشَفَّع) بتشديد الفاء المفتوحة؛ أي: لا تقبل شفاعته. (لا يسمع)؛ أي: لا يلتفت إليه. (مثلَ) منصوب على التمييز. قلت: وخفضُه صفةً لا يمتنع، وسبق الحديث في (النِّكاح) في (باب الأكفاء). * * * 6448 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ عُدْنًا خَبابًا، فَقَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نُرِيدُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَإِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدُبُهَا. الثّاني: (فوقع)؛ أي: ثبت، فهو كواجب الوقوع بمقتضى وعده الصادق. (أجره) سواء في الآخرة، أو في الدنيا. (أينعت)؛ أي: حان قطافها، واليانع: النضيج. (يهدبها) بكسر الدال المهملة وضمها وبالموحدة؛ أي: يجتنيها

ويقتطفها، سبق في (الجنائز). * * * 6449 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءَ". تَابَعَهُ أَيُّوبُ، وَعَوْفٌ، وَقَالَ صَخْرٌ، وَحَمَّادُ بْنُ نَجيحٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الثّالث: سبق في (بدء الخلق) في (باب صفة الجنَّة). (تابعه أَيّوب)؛ أي: السَّخْتِيَاني. (وعوف)؛ أي: الأعرابي، وقد وصلهما في (النِّكاح). (وقال صخر)؛ أي: ابن جُويرية. (وحماد) وصلهما النَّسائيُّ، وابن مندَهْ. * * * 6450 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمْ يَأَكلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خِوَانٍ حَتَّى مَاتَ، وَمَا أَكَلَ خُبْزًا مُرَقَّقًا حَتَّى مَاتَ.

الرابع: (خوان) بكسر المعجمة وضمها: ما يؤكل عليه الطّعام عند أهل التنعم؛ أي: المائدة، ويقال فيه: أخوان. * * * 6451 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَقَدْ تُوُفِّي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يأَكَلُهُ ذُو كَبِدٍ، إلا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ، فَفَنِيَ. الخامس: (رَفّ) هو خشبة عريضة يغرز طرفها في الجدار، وهو شبه الطاق في البيوت. (ذو كبد)؛ أي: حيوان. (شطر)؛ أي: بعض. (فكِلْتُه، ففني) سبق في (البيع) في (باب الكيل) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ"، ووجهُ الجمع كما سبق: أن الكيل عند ابتداء البيع سببُ البركة، وتركه عند النفقة سببُ البركة، أو المراد بكيله بشرط أن يبقى الباقي مجهولًا.

* تنبيه: مر في تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر قولان؛ ومن قال بالثّاني قال: ليس في هذه الأحاديث تفضيل الفقير الصابر عليه؛ إذ حديث سهل يحتمل أن يكون خيريته لفضيلة أُخرى فيه؛ كالإسلام، وحديث خَباب ليس فيه دلالة على فضله، فضلًا عن أفضليته؛ إذ المقصود منه: أن من بقي إلى فتح البلاد، ونيل الطَّيِّبات خَشُوا أن تكون عجل لهم أجر طاعتهم بما نالوا منها؛ إذ كانوا على نعيم الآخرَة أحرصَ، وحديثُ عمرانَ يحتمل أنه خبر عن الواقع؛ أي: إن أكثر أهل الدنيا الفقراء. وأمّا تركُه - صلى الله عليه وسلم - الأكلَ على الخِوان، والمرقَّق؛ فلأنه لم يرض أن يتعجل من الطَّيِّبات؛ وكذا حديث عائشة، ويُعارض باستعاذته - صلى الله عليه وسلم - من الفقر، وبقوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180]؛ أي: مالًا، {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8]، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - توفي في أكمل حالاته وهو موسرٌ بما أفاء الله عليه، وبأن الغنى وصفٌ للحق، والفقر وصفٌ للخلق. وأجاب من قال بالأول: بأن السياق يدلُّ على ترجيح الفقراء؛ إذ الترجيح بالإسلام ونحوه لا حاجة له إلى البيان، وبأن من لم ينقص من أجره شيء في الدنيا يكون أفضل وأكثر ثوابًا عند الله في القيامة، وبأنّ الإيماء إلى أنّ علة دخول الجنَّة الفقر يُشعر بأفضليته، وَتَرْكُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - دليل على ذلك؛ لأنه اختاره ليكون ثوابه في القيامة أكثر، وأمّا حديث الاستعاذة من الفقر، فمعارض بحديث استعاذته من الغنى، وأمّا

17 - باب كيف كان عيش النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وتخليهم من الدنيا

الآيتان، ففيهما ما لا شك فيه أن المال خير، وإنما النزاع في الأفضلية، لا في الأفضل، أو المراد بالإغناء في الآية الثّانية: غنى النفس، وأمّا قصة وفاته [فلا نسلم الإيسار إذ كان] (¬1) ما أفاء الله عليه جعله صدقة؛ فأين اليسار، ودرعه مرهونة على قليل شعير؟! وأمّا غنى الله تعالى، فليس بمعنى الغنى الّذي نحن فيه. * * * 17 - باب كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ، وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا (باب: كيف كان عيش النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟) 6452 - حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ هَذَا الْحَدِيثِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: اللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إلا هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ، مَا سَأَلْتُهُ إلا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ، مَا سَأَلْتُهُ إلا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين من "الكوكب الدراري" (22/ 216).

فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي نفسِي وَمَا فِي وَجْهي، ثُمَّ قَالَ: "أَبَا هِرٍّ! "، قلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ!، قَالَ: "اِلْحَقْ"، وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: "مِنْ أَينَ هَذَا اللَّبَنُ؟ "، قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَؤ فُلَانَةَ، قَالَ: "أَبَا هِرٍّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي"، قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلَامِ، لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتُ أَحَقَّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي، فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ، قَالَ: "يَا أَبَا هِرٍّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خُذْ فَأَعْطِهِمْ"، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَاُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: "أَبَا هِرٍّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ"، قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ!

قَالَ: "اقْعُدْ فَاشْرَبْ"، فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: "اشْرَبْ"، فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: "اشْرَبْ" حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، قَالَ: "فَأَرِنِي"، فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللهَ وَسَمَّى، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ. الحديث الأوّل: (حدثني أبو نُعيم بنحو نصف هذا الحديث) قد رواه النَّسائيُّ، والحاكم، وأبو نعيم في "الحلية" بتمامه، وأمّا إبهام البخاريّ النّصف، وكونه يلزم منه أن يبقى النّصف الآخر بلا إسناد، فجوابه كما قال (ك): أنه اعتمد على ما ذكر في (الأطعمة) من طريق يوسف بن عيسى قريبًا من نصف هذا الحديث، فلعلّه أراد هنا بالنصف المذكور لأبي نُعيم ما لم يذكره هنا، فيصير الكل مُسْنَدًا، بعضه بطريق يوسف، والبعض الآخر من طريق أبي نُعيم، ثمّ قال: قال صاحب "التلويح" مُغُلْطاي المصري: ذكر الحديث في (الاستئذان) مختصرًا، وكان هذا هو النّصف المشار إليه هنا، وأقول: ليس ما ذكره ثَمَّة نصفه، ولا ثلثه، ولا ربعه، ثمّ إن المحذور منه هو خلو البعض بلا إسناد لازم كما كان؛ نعم أفاد تقريره أن بعضه مكرر الإسناد، ولا كلام فيه، انتهى. وقال (ش): هذا الموضع من عُقد الكتاب، فإنّه لم يذكر من حدثه بالنصف الآخر، ويمكن أن يقال: اعتمد على السند الآخر الّذي تقدّم له في (الاستئذان)، انتهى.

(والله) في بعضها: (الله) -بالنصب- قَسَمٌ حذف منه حرف الجر، ويجوز الجر؛ قال ابن جني: إذا حذف حرف القسم، نصب الاسم بعده بالفعل المقدر، تقول: اللهَ لأذهبنَّ، ومن العرب من يجر اسم الله وحده مع حذف حرف الجر، فيقول: اللهِ لأقومنَّ؛ لكثرة استعمالهم. (إن كنت)، (إن) مخففة من الثقيلة. (لأعتمدُ بكبدي) هو ممّا يسكن. (أشدُّ الحجر) قال (خ): أشكل الأمر في شد الحجر على قوم، حتّى توهموا أنه تصحيف من الحجز -بالزاي- جمع الحجزة الّتي يشدها الإنسان وسطه، لكن من أقام بالحجاز عرف عادة أهله؛ فإن المجاعة تصيبهم كثيرًا، فإذا خَوي البطن، لم يكن معه الانتصاب، فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف تربط على البطن، فتعتدل القامة بعض الاعتدال؛ أي: فتكون الفائدةُ في ذلك المساعدةَ على الاعتدال والانتصاب، وقيل: الفائدةُ: المنعُ من كثرة التحلل من الغذاء الّذي في البطن؛ لكونها حجارة رقاقًا ربما تشد طريق الأمعاء، وإذا امتنع تحلل ذلك، يكون الضعفُ أقلَّ، أو أن ذلك يقلل حرارةَ الجوع ببرودة الحجر، أو أن ذلك إشارة إلى كسر النفس، وإلقامها الحجر، ولا يملأ جوفَ ابنِ آدم إلا الترابُ. قال بعض الحكماء: الشبّ يقوي المعدة. (ليُشبعَني) من الإشباع، وفي بعضها: (ليستتبعني)، استفعال،

وهي رواية أبي الهيثم. (ما في نفسي)؛ أي: من الجوع، وطلب الطّعام. (في وجهي)؛ أي: من صفرة اللون، ورثاثة الهيئة. [(أبا هو) قال (ش): بتخفيف الراء وتشديدها: منادى مضاف، والهِرِّ الذكر، وإنما كناه بابي هر؛ لأنه وجد هرة في الطريق، فأخذها، فأتى بها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أنت أبو هِرّ. (الحَق)؛ أي: اتبعني. (لي) تنازع فيه الفعلان. (وأهلُ الصفة أضيافُ الاسلام) سبق أنهم سبعون نفسًا، وأن الحاكم في "الإكليل"، والسلمي، وابن الأعرابي، وأبا نُعيم في "الحلية" عُنوا بسرد أسمائهم. (فدخل) الثّانية تكرار للأول، وقيل: المراد بالأول: إرادة الدخول، فالاستئذان يكون لنفسه - صلى الله عليه وسلم -. (وما عسى)؛ أي: أقول في نفسي: وما عسى أن يحصل لي من هذا اللبن مع هذا الجمع؟ والظاهر أن كلمة (عسى) مقحمة. (فأتيتهم فدعوتهم) ذكرُه بعدُ: (فكنت أنا أُعطيهم)، يُشعر بأن الإتيان والدعوة بعد الإعطاء، والأمرُ بالعكس؛ لكن إذا جعل: (فكنتُ أنا أُعطيهم) عطفًا على جواب الشرط، وهو: (فإذا جاؤوا)، كان بمعنى الاستقبال داخلًا تحت القول، والتقدير: عند نفسه.

(يَرْوَى) بفتح الواو؛ كرضِي يرضَى. (الرَّجل)؛ أي: الجنس؛ أي: كلّ رجل رجل منهم. قال (ك): الرَّجل الثّاني معرفة معادة، فيكون هو الأوّل بعينه على القاعدةُ النحوية؛ لكن المراد: وغيره، وأجاب: بأن ذلك حيث لا قرينةُ، ولفظ: (حتّى انتهيت) قرينة المغايرة؛ كما في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآية [آل عمران: 26]. (فحمد الله)؛ أي: على البركة، وظهورِ المعجزة. وفي الحديث: أن كتمان الحاجة أولى من إظهارها، وإن جاز له الأخبار بباطن أمره لمن يرجو منه كشف ما به، واستخباب الاستئذان، وإن كان في بيت أهله، والسؤال عن الوارد إلى البيت، وتشريك الفقراء فيه، وشرب الساقي وصاحب الشراب آخرًا، والحمد على الخير، والتسمية عند الشرب، وامتناعه - صلى الله عليه وسلم - من الصَّدقة، وأكله الهدية. * * * 6453 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: إِنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَرَأَيْتُنَا نَغْزُو، وَمَا لنا طَعَامٌ إلا وَرَقُ الْحُبْلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ، وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُني عَلَى الإِسْلَامِ، خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي.

الثّاني: (لأوّل العرب رمى)؛ أي: لأنه كان في أول قتال جرى في الإسلام، وهو أول من رمى إلى الكفار. (الحبلة) بضم المهملة وسكون الموحدة، وقيل: بفتحهما أيضًا: ثمر السلم، يشبه اللوبياء، أو ثمر عامة العضاه، أو بقلة. (السَّمُر) بضم الميم: شجر. (ماله خِلْط)؛ أي: لجوعهم يخرج منهم مثلَ البَعْر، لا يختلط بعضه ببعض؛ لجفافه. (بنو أسدٍ) قبيلة. (تُعزرني)؛ أي: تؤدِّبني على أحكام الدّين، وتعلّمني توقفي عليها، وذلك أنهم كانوا قالوا لعمر: إنّه لا يحسن يصلّي، فقال: إن كنت محتاجًا إلى تعليمهم، فقد خِبْتُ وَضلَّ عملي، وضاع سعمى فيما مضى، وفيما صلّيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حاشاه من ذلك - رضي الله عنه -، مر في (كتاب الأطعمة). * * * 6454 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلَاثَ لَيَالي تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ.

الثّالث: (عثمان)؛ أي: ابن محمّد بن أبي شيبة. (تِباعًا) بكسر المثناة؛ أي: متتابعة. * * * 6455 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، هُوَ الأَزْرَقُ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - أَكْلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ، إلا إِحْدَاهُمَا تَمْرٌ. الرابع: (أُكلتين) بضم الهمزة وفتحها. * * * 6456 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَدَمٍ، وَحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ. الخامس: (أَدَم) بفتح الهمزة والمهملة. * * *

6457 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قتادَةُ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، وَقَالَ: كلُوا، فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا، حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ. السادس: (سميطًا)؛ أي: مسموطًا: منزوعًا شعرُها بالماء الحار، وإنّما لم يقل: سميطة؛ لأن فعيلًا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، أو أن الشاة لا يتبين مذكرها من مؤنثها إلا بالوصف؛ كشاةٍ وحشيٍّ ووحشيّةٍ، وسبق الحديث في (الأطعمة)، والمراد: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متنعمًا في المأكولات. * * * 6458 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَّنَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقدُ فِيهِ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إلا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْم. السابع: (إنما هو)؛ أي: طعامنا. (نؤتى) بنون الجمع. (باللحم) في بعضها: (باللُّحيم) بالتصغير. * * *

6459 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي! إِنْ كنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَارٌ، فَقُلْتُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إلا أنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَبْيَاتِهِمْ، فَيَسْقِينَاهُ. 6460 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا". الثّامن: (يُعيشكم) بضم أوله، قال في "المُحْكم": أعاشَهُ الله. قال ابنُ أبي دُواد -وسأله أبوه: ما الّذي أعاشك؟ -، فأجابه: أَعَاشَنِي بَعْدَكَ وَادٍ مُبْقِلُ ... آكُلُ مِنْ جرذَانِهِ وأَنسلُ (قوتًا)، أي: المسكة من الرزق، وفيه: فضلُ الكفاف، وأخذُ البُلْغَة من الدنيا، والزهدُ فيما فوق ذلك رغبةً في توفير نعمة الآخرة. * * *

18 - باب القصد والمداومة على العمل

18 - باب الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ (باب: القصد) أي: استقامة الطريق، وما بين الإفراط والتفريط. 6461 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَشْعَثَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيَّ حِينٍ كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُومُ إِذَا سَمعَ الصَّارِخَ. الحديث الأوّل: (يقوم)؛ أي: من النوم. (الصارخ)؛ أي: الديك، أو المؤذن. * * * 6462 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. الثّاني: مثله. * * *

6463 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ"، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَلَا أَنَا، إلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا". الثّالث: (يتغمدني) بالمعجمة قبل الميم وبعدها مهملة، وتغمده: ستره، وهذا الاستثناء منقطع، ويحتمل الاتصال على نحو: {إلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]. (سدِّدوا) من السداد -بالمهملة -، وهو القصدُ من القولِ، والعملِ، واختيارُ الصواب منهما. (وقاربوا)؛ أي: لا تبلغوا النهاية؛ بل تقربوا منها. (الدُّلجة) بضم الدال وفتحها: السير باللّيل، والإدْلاج -بسكون الدال-: السيرُ أولَه، وبتشديدها: السيرُ آخره. (والقصد القصدَ) نصب على الإغراء؛ أي: الزموا الوسطَ والاستقامةَ. (تبلغوا)؛ أي: المنزلَ الّذي هو مقصدُكم؛ شبه المتعبدين بالمسافرين، وقال: لا تستوعبوا الأوقات كلها بالسير؛ بل اغتنموا أوقات نشاطكم، وهو أول النهار وآخره، وبعض اللّيل، وارحموا

أنفسكم فيما بينهما؛ لئلا ينقطع بكم؛ قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ} الآية [الإسراء: 78]، وسبق الحديث في (الإيمان). * * * 6464 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ أَدْوَمُهَا إِلَى اللهِ، وَإِنْ قَلَّ". الرابع: (لن يُدخل أحدًا منكم عملُه الجنةَ) وجهُ الجمع بين هذا وبين قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]؛ أن الباء في الآية للإلصاق، أو المراد: جنة خاصّة هي بسبب الأعمال، أو أن دخوله الجنَّة بفضل الله، وهو المراد من الحديث، والدرجات فيها بالأعمال، وهو المراد بالآية. قلت: ولا يخفى ما في هذا، وقد سبق ذلك في (كتاب الإيمان). * * * 6465 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ"،

وَقَالَ: "اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ". الخامس: (أَدْوَمُه وإن قَلَّ) لا تنافي بينهما من حيث إن الدوام استغراقُ الأوقات، فلا يكون قليلًا؛ بل هو غير مقدور؛ لأن المراد بالدوام: المواظبة العرفية، وهي الإتيان بها في كلّ شهر، أو كل يوم بقدر ما يطلق عليه عُرفًا اسم المداومة. (اكْلَفوا) بألف وصل وفتح اللام، يقال: كَلِفْتُ به كلفًا: أُولعت به، وأَكْلَفَه غيرُه، وروي بألف قطع ولام مكسورة، ولا يصح عند اللغويين، والتكليفُ: الأمرُ بما يَشُقُّ. (تُطيقون) فيه إشارةٌ إلى بذل المجهود وغاية السعي، وهو خلاف القصد من السياق، فيحمل على أن المراد: ما تطيقون دوامَه، ولا تعجزون عنه في المستقبل. * * * 6466 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَطِيعُ؟

السادس: (قالت: لا) قال (ط): لا يعارض ذلك قولها: ما رأيته أكثرَ صيامًا منه في شعبان؛ لأنه يكثر الأسفار، فلا يجد سبيلًا إلى صيام الثّلاثة الأيَّام من كلّ شهر، فيأتي بها في شعبان، وإنّما كان يوقع العبادة على قدر نشاطه، وفراغه من جهاده. قال: وإنّما حض أمته على القصد وإن قل؛ خشية الانقطاع عن العمل الكثير، فكان رجوعًا عن فعل الطاعات. (دِيمة) بكسر الدال: مطرٌ يدوم بسكون، شبه به العمل، وأصلُه بواو، فقلبت ياءً؛ لوقوعها بعد كسرة. * * * 6467 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ"، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: "وَلَا أَنَا، إلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ". قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. 6467 / -م - وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا"، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَدَادًا سَدِيدًا صِدْقًا.

السابع: (وأبشروا) بهمزة قطع، وفي بعضها بالوصل وضم الشين؛ أي: أبشروا بالثواب على العمل وإن قل. (بمغفرة) هي ستر الذنوب. (ورحمة) هي إيصال الخير. (قال: أظنه)؛ أي: قال محمّد بن الزِّبْرِقَان: أظن موسى روى هذا الحديث بواسطة أبي النضر عن أبي سلمة؛ بخلاف الطريق السابقة؛ فإنه بلا واسطة. (وقال عفان) إنّما عبر بلفظ (قال)؛ لأنه بمذاكرة الحديث، لا بتحديث، ووصله أحمد في "المسند". * * * 6468 - حدثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى لَنَا يَوْمًا الصَّلَاةَ، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: "قَدْ أُرِيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلَاةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قُبُلِ هَذَا الْجدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ؟. الثّامن: (رَقِي) بكسر القاف؛ أي: صَعِد.

19 - باب الرجاء مع الخوف

(قِبَل) بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: جهة. (ممثلتين)؛ أي: مصوَّرتين، يقال: مثله له: إذا صَوَّره كأنه ينظر إليه. (قُبُل) بضمتين؛ أي: قدام. (كاليوم)؛ أي: يومًا مثلَ هذا اليوم، سبق في (الصّلاة) في (باب رفع البصر إلى الإمام). ووجه مناسبة الحديث للباب: أن الجنَّة المرغبة والنار المرهبة تكونان نُصْبَ عينِ المصلّي؛ لتكونا باعثتين له على مداومة العمل. وفيه: التنبيه على أن الشخص إذا وقف في الصّلاة، فحقه أن يمثلهما بين عينيه؛ لتكونا شاغلتين له عن سائر الأفكار الحادثة عن تذكير الشيطان. وفيه: أن الجنَّة والنار مخلوقتان. * * * 19 - باب الرَّجَاءِ مَعَ الْخَوْفِ وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ: {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}. (باب: الرجاء مع الخوف) قوله: (أشَدّ عليَّ)؛ أي: لما يستلزم من العلم بما في الكتب

الإلهية، والعمل بما فيه، ومرّ في (سورة المائدة)، وقيل: الأخوف قولُه تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]، وقيل: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63]. * * * 6469 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ". (مئة رحمة)؛ أي: مئة نوع، أو مئة جزء، وسبق في (كتاب الأدب) بلفظ الجزء، وهذا على قول الأشعري: إن صفة الفعل حادثة؛ فلهذا صح تعددها؛ أما إن جُعلت صفةَ ذات، أو صفةَ فعل، أو قلنا: قديمة كما تقول الحنفية، فيحتاج إلى جواب، فالرّحمةُ بمعنى النعمة؛ كقوله تعالى: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98]. (كلهم) في بعضها: (كله). (ولو يعلم) قال (ك): صرح ابن الحاجب في: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، بأن انتفاء الأوّل لانتفاء الثّاني؛ أي: * * *

20 - باب الصبر عن محارم الله، {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}

انتفاء التعدد عُلم من انتفاء الفساد؛ لكن الّذي في الحديث انتفاء الثّاني لانتفاء الأوّل؛ فإن انتفاء الرجاء لانتفاء العلم المذكور؛ كما في: لو حيَّيتني لأكرمتك؛ وكذا في الآية انتفاءُ الفساد لانتفاء التعدد، على تقدير غير ابن الحاجب. واعلم أن القصد من الحديث: طلبُ التوسط بين الخوف والرجاء؛ أي: لا يكون مفرطًا في الرجاء بحيث يصير من المرجئة، ولا مفرطًا في الخوف بحيث يصير من الوعيدية؛ كما قال تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57]، ومن تتبع الشّريعة، وجدها بهذا المنهج أصولًا وفروعًا، ففي صفات الله تعالى: لا يثبت بحيث يلزم التجسيم، ولا ينفي بحيث يلزم التعطيل، وفي أفعال العباد: لا يكون جبريًّا ولا قدريًّا؛ بل بأمر بين الأمرين، وفي الأئمة: لا يكون خارجيًّا، ولا رافضيًّا؛ بل سنيًّا، وفي العبادة: لا يجهر في الصّلاة، ولا يخافت؛ للآية، وفي المال: كما قال تعالى: {لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67]. كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيمَةٌ ... وَبَيْنَهُمَا نَهْجٌ لأَهْلِ الطَّرِيقَةِ * * * 20 - باب الصَّبْرِ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ.

(باب: الصبر عن محارم الله) الصبر: حبسُ النفس، ويُعدّى تارة بـ (عن)؛ كصبر عن المعصية بكذا، وتارة بـ (على)؛ كصبر على الطّاعة بكذا، والصابرون في الآية يحتمل الأمرين. * * * 6470 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلا أَعْطَاهُ، حَتَّى نِفَدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ نَفِدَ كُلُّ شَيْءٍ أَنْفَقَ بِيَدَيْهِ: "مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ لَا أَدَّخِرْهُ عَنْكُمْ، وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّه اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ". الحديث الأوّل: (ناسًا) في بعضها: (أُناسًا). (أنفق) جملة حالية، أو اعتراضية، أو استثنائية. (ما يكون) في بعضها: (ما يكن)، فـ (ما) إمّا موصولة، أو شرطية، ومر الحديث في (الزَّكاة). (يَسْتَعْفِفْ) هو طلبُ العفة، وهو الكفُّ عن المحارم، وسؤالِ النَّاس.

21 - باب {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}

(يُعفه)؛ أي: يعطيه العفاف، قالوا: مَنْ تعفّف عن السؤال، ولم يُظهر الاستغناء، جعله اللهُ عفيفًا، ومن ترقَّى من هذه المرتبة إلى ما هو أعلى من إظهار الاستغناء؛ لكن إن أُعطي شيئًا، لم يرده، يملأ الله قلبه غنًى، ومن فاز بالقدح المعلى وتصبر، وإن أُعطي، لم يقبل، فهو هو؛ إذ الصبرُ جامعٌ لمكارم الأخلاق. * * * 6471 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ، أَوْ تنتَفِخَ قَدَمَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ ". الثّاني: (أو) للتنويع، أو شَكٌّ من الراوي. (فيقال له)؛ أي: إنك قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؛ كما هو مصرح به في الروايات، ووجه مناسبة الحديث للترجمة: أن فيه الصبر على الطّاعة، وعن ترك الشكر، ومر في (سورة الفتح). * * * 21 - باب {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ.

(باب: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]) التوكل: تفويضُ الأمور إلى مسبب الأسباب، وقطعُ النظر عن الأسباب العادية، وقيل: تركُ السعي فيما لا تسعه قدرةُ البشر. (ما ضاق)؛ أي: التوكلُ جارٍ في كلّ أمر مضيقٍ على النَّاس، لا يختص بأمر. * * * 6472 - حَدَّثَنِي إِسحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". (إسحاق) قال الغساني: لم نجده منسوبًا عند شيوخنا؛ لكن حديث البخاريّ في "الجامع" عن إسحاقَ بنِ إبراهيمَ، عن رَوْحِ بنِ عُبادة؛ أي: كما في تفسير (سورة الأحزاب)، وتفسير (سورةَ {ص})، وروي في (الصلاة) و (الأشربة) وغيرهما عن إسحاقَ بنِ منصورٍ، عن رَوْحٍ. (لَا يسترقون) سبق في (الطب) الجمعُ بين هذا، وبين الأمر بالاسترقاء من العين: أن المأمور به: الاسترقاء بالقرآنِ ونحوِه، والمنهيَّ عنه: رقيةُ الجاهلية.

22 - باب ما يكره من قيل وقال

(يتطيرون) يتشاءمون بالطيور، والطيرة في الشر، والفأل في الخير، وقد سبق ذلك مبسوطًا هناك. * * * 22 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ (باب: ما يُكره من قيل وقال) 6473 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُغِيرَةُ وَفُلَانٌ وَرَجُلٌ ثَالِثٌ أَيضًا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ: أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ: إنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ: "لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ، وَعُقُوقِ الأُمِّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ. وَعَنْ هُشَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ وَرَّادًا يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (قيل وقال) بتنوينهما على أنهما مصدران، أو بالفتح على أنهما فعلان، كما سبق أول (كتاب الأدب)، وأنه هل المراد: قال فُلان، * * *

23 - باب حفظ اللسان

قال فلان، أو أمور الدين ينقلها بلا تحرير واحتياط ودليل. (وكثرة السؤال)؛ أي: في المسائل الّتي لا حاجة إليها، أو سؤال الأموال، أو عن أحوال النَّاس، أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك من مباحث الحديث. * * * 23 - باب حِفْظِ اللِّسَانِ " وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ"، وَقَوْلهِ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. (باب: حفظ اللسان) 6474 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، سَمِعَ أَبَا حَازِم، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ". الحديث الأوّل: (يضمن) المراد: لازم الضمان، وهو الأداء؛ أي: يؤدِّي الحق الّذي على لسانه من ترك تكلم ما لا يعنيه، وأكل ما لا يحل له، أو أدى الحق الذي على فرجه، فترك الزِّنا، وكل حنثٍ من قبله؛ أي:

فعظم البلاء على العبد في الدنيا اللسان والفرج، فمن وُقِيَ شرهما، وُقي أعظم الشرور. * * * 6475 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الَاخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ". الثّاني: (بالله واليوم الآخر) خصهما بالذكر؛ إشارةً إلى المبدأ والمعاد، وخص الأمور الثّلاثة؛ ملاحظةً لحال الشخص قولًا وفعلًا، وذلك إمّا بالنسبة للمقيم، أو للمسافر، أو الأوّل تخلية، والثّاني تحلية. * * * 6476 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعَ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الضِّيَافةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ جَائِزَتُهُ"، قِيلَ: مَا جَائِزَتُهُ؟ قَالَ: "يَوْمٌ وَلَيْلَة، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الَاخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَسْكُتْ".

الثّالث: سبق شرحه أول (كتاب الأدب)، وأن معنى (جائزته)؛ إمّا أن يتكلف له إذا نزل بهم يومًا وليلة؛ أي: ما يجوز به طريقَه في السَّفر، وذلك يوم وليلة، وفي اليومين الأخيرين يكون كالضيف يقدم له ما حضر؛ أي: إن القِرَى ثلاثة أيّام، ثمّ يعطى ما يجوز به من منزل إلى منزل؛ أي: قوت يوم وليلة. (جائزته) بالنصب؛ أي: أعطوا، وإن رُوي مرفوعًا، كان التقدير: المتوجهُ عليكم (جائزتُه). (يوم وليلة) خبر عن جائزته، وإنّما أخبر عن الجائزة، وهي جُثَّة، بالزمان، على تقدير مضاف في المبتدأ؛ أي: زمانُ جائزته يومٌ وليلة. * * * 6477 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ". الرابع: (ممّا يتبين)؛ أي: لا يتدبر فيها، ولا يتفكر في قبحها. قال ابنُ عبدِ السّلام: هي الكلمة الّتي لا يعرف حسنها من قبحها، فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه.

والكلمة تطلق على الكلام؛ ككلمة الشّهادة. (ما بين المشرق)؛ أي: المشارق؛ لأن (بين) يحتاج لمتعدد؛ إذ مشرقُ الصيف غيرُ مشرق الشتاء، وبينهما بُعْدٌ عظيم، وهو نصفُ كرة الفلك، واكتفى بأحد الضدين عن الآخر؛ نحو: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]، وقد صرح به في رواية، فقال: (والمغرب). ففيه: أن من أراد النطق بكلمة، قدرها في نفسه قبل النطق بها، فإن ظهرت مصلحة، تكلم بها، وإلا أمسك. * * * 6478 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ؛ يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ". الخامس: (من رضوان الله)؛ أي: فيما رضي الله تعالى به؛ مثل كلمة يدفع بها مظلمة. (لا يلقي لها بالًا)؛ أي: يتكلم بها في غفلة، أو لا يلتفت إليها خاطرُه، ولا يعتد بها، ولا يبالي بها، وهي عند الله عظيم.

24 - باب البكاء من خشية الله

(من سخط الله)؛ أي: ما لم يرض به، قالوا: ككلمة عند سلطان فيها ضرر، وإن لم يردّ ذلك في الحالتين. * * * 24 - باب الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ (باب: البكاء من خشية الله) فيه حديث: (سبعة يظلهم الله)، وقد سبق في (كتاب الصّلاة بالجماعة)، وفي بعضها هنا بدون ذكر لفظ: (سبعة). 6479 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ، رَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". * * * 25 - باب الْخَوْف مِنَ اللهِ (باب: الخوف من الله -عَزَّ وَجَلَّ-) 6480 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،

عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَخُذُونِي فَذَرُّونِي فِي الْبَحْرِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، فَفَعَلُوا بِهِ، فَجَمَعَهُ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَا حَمَلَنِي إلا مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ". الحديث الأوّل: (فذُرُّوني) بضم الذال: من الذَّرِّ، وهو التفريق، وبفتحها: من التذرية، يقال: ذرت الريح الشيء، وأَذْرَتْه: أطارَتْه، وأذهبته. (صائف)؛ أي: حار، وسبق الحديث في (كتاب الأنبياء) في (باب ذكر بني إسرائيل) مرارًا عدة. * * * 6481 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ كَانَ سَلَفَ أَوْ قَبْلَكُمْ، آتَاهُ اللهُ مَالًا وَوَلَدًا؛ يَعْنِي: أَعْطَاهُ؛ قَالَ: فَلَمَّا حُضِرَ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا، فَسَّرَهَا قتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ، وَإِنْ يَقْدَمْ عَلَى اللهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُوْنِي، أَوْ قَالَ: فَاسْهَكُونِي، ثُمَّ إِذَا كَانَ رِيحٌ عَاصِفٌ فَأَذْرُونِي

فِيهَا، فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي فَفَعَلُوا، فَقَالَ اللهُ: كُنْ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ عَبْدِي! مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافتُكَ، أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ، فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ اللهُ"، فَحَدَّثْتُ أَبَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فَأَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ، أَوْ كمَا حَدَّثَ. الثّاني: كالذي قبله. (حُضِرَ) مبني للمفعول. (أَيَّ) بالنصب. (خيرًا) بالنصب أيضًا، ومنهم من قيده بالضم على حذف المضاف إليه، أي: خيرُ أبٍ، ونوِّن لأجل ذلك. قال (ش): على حد قراءَةِ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67] بالجر؛ أي: عَرَضَ الآخرةِ، والتشبيه بهذا وَهْمٌ؛ لأن ذلك فيه حذف المضاف، وبقاء المضاف إليه على جره، وكلامنا في حذف المضاف إليه. وقال (ك): (خيرٌ) بالرفع، والتنوينُ فيه للعوض، ولم يذكر النصب. (يَبْتَئِرْ) افتعال من البأر -بالموحدة والراء-؛ أي: لم يَدَّخر ولم يَخْبأ، قال أهل اللُّغة: باريت الشيء وابترأته: خبأته.

(يَقْدَم) بفتح الدال؛ أي: بهذه الهيئة، وهذه البنية. (فاسحقوني، أو قال: فاسهكوني) معناهما متقارب يرجعان إلى معنى الدقِّ والطحن، وقيل: السهكُ دون السحق. (فأذروني) يقال: ذروته أذروه، وذريته أُذريه. (وربي) قسمٌ من المخبر بذلك عنهم، وفي "مسلم" تأخير: (وربي) عن قوله: (ففعلوا ذلك به). قال (ع): وفي بعض نسخه: (ففعلوا ذلك)، و (ذُري)، فإن صحت هذه الرواية، فهي وجه الكلام، ولعل الذال سقطت لبعض النساخ، وتابعه الباقون، وصوب بعضهم ما في البخاري. قلت: ولا وجه له، فكلا الروايتين صواب على أنه: (وربي) بالقَسَم، سواء قدم أو أُخر. وقال (ك): ويحتمل ما في البخاري أن يكون فعلًا ماضيًا من التربية؛ أي: ربي أخذ المواثيق، وبالتأكيدات والمتابعات؛ لكنه موقوف على الرواية. قلت: وأيضًا فبعيد جدًّا. (فإذا رجلٌ قائمٌ) مبتدأ وخبر. قال ابن مالك: وجاز وقوع المبتدأ نكرة محضةً بعد (إذا) الفجائية؛ لأنها من القرائن التي تتحصل بها الفائدة؛ كانطلقتُ فإذا سَبُعٌ في الطريق.

26 - باب الانتهاء عن المعاصي

(فَرَقًا) بفتح الراء؛ أي: خوفًا، والشكُّ من الراوي. (فما تلافاه) بالفاء؛ أي: تداركه، و (ما) موصول مبتدأ، خبرُه: (أن رحمه)؛ أي: على الذي تلافاه هو الرحمة. قال (ك): أو (ما) نافية، وكلمة الاستثناء محذوفة؛ أي: ما تلافاه إلا رحمة، وكلمة الاستثناء تحذف على مذهب، أو المراد: ما تلافى عدم الابتئار بأن رحمه، أو لأن رحمه. 6481 / -م - وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وقال معاذ) سبق في (كتاب الأنبياء) بيانُه. 26 - باب الاِنْتِهَاءِ عَنِ الْمَعَاصِي (باب: الانتهاء عن المعاصي) 6482 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثنَي اللهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا، فَقَالَ:

رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَا النَّجَاءَ، فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ، فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَاجْتَاحَهُمْ". الحديث الأول: (ما بعثني الله)؛ أي: به. (النذير العُريان)؛ أي: المنذِرُ الذي تجرَّدَ عن ثوبه، قيل: إن الربيئة إذا كان على مرقب عالٍ، فَبَصُرَ بالعدوّ، نَزَعَ ثوبه، يرفعه ويُديره حول رأسه إعلامًا لقومه بالغارة، فبقي عند الإنذار عريانًا، فصار مثلًا لكل ما يخاف فجأته، وقيل: إن خثعميًّا كان ناكحًا في بني زُبَيْد، وأرادوا أن يغزوا خثعمًا؛ فحبسُوه؛ لئلا ينذر قومه، فصادف فرصةً، فهربَ بعد أن رمى ثيابَه وأنذَرهم. وقال (ط): رجل من خثعم حمل عليه يومَ ذي الخُلصة رجلٌ فقطع يده، فرفع إلى قومه يخبرهم به عن حقيقة، فضرب المثل به؛ لأنه تجرّد لإنذارهم، وأخبرهم على التحقيق. قال (خ): وروي: (العَربان) بفتح العين والراء وبالموحدة، فإن كان محفوظًا، فمعناه: المفصح بالإنذار، لا يكني ولا يورِّي، يقال: رجل عَرْبان؛ أي: فصيح اللسان. (فالنجاءَ) بالقصر والمد، ونصبه على الإغراء بمعنى: السرعة؛ أي: أسرعوا أسرعوا.

(فادلجوا) افتعال، أو إفعال (¬1) من الدُّلجة، أو السير في الليل، الإفعال أولَه، والافتعال آخره. (مَهَلهم) بفتحتين: السكينة والتأني. (فصبحهم)؛ أي: أتاهم صباحًا. (فاجتاحهم)؛ أي: استأصلهم. * * * 6483 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ ناَرًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَئقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وهُمْ يَقْتَحمُونَ فِيهَا". الثاني: (الفَراش) بفتح الفاء، وتخفيف الراء: جمع فراشة، وهي صغار البق، وقيل: ما يتهافت في النار من الطيارات. (فيقتحمن) من قحم في الأمر: رمى بنفسه فيه فجأة، وأقحمتُه فاقتحم، واقتحمَ المنزلَ: هجم. ¬

_ (¬1) "أو إفعال" ليس في الأصل.

(بحُجَزِكم) جمعُ حُجْزة، وهي مَعْقِد الإزار من السراويل موضع التكة. (وهم يقتحمون) التفاتٌ، والأصلُ: فأنتم. وفيه: إشارة إلى أن من أخذ - صلى الله عليه وسلم - بحجزته، لا اقتحام له فيها، وأيضًا: فيه احترازٌ عن مواجهتهم بذلك، وهذا مئل ضربه - صلى الله عليه وسلم - تنبيهًا على الحذر خوف التورط في محارم الله، فضرب لهم بما شاهده؛ تقريبًا لأفهامهم، فمثَّل اتباع الشهوة المؤدية إلى النار بوقوع الفراش التي من شأنها تتبّعُ ضوء النار لتقع فيها تظن أنها لا تقع، أو لا تحرقها. * * * 6484 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نهى اللهُ عَنْهُ". الثالث: (لسانه)؛ أي: القول. (ويده)؛ أي: الفعل، وسبق الحديث أول (كتاب الإيمان). * * *

27 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"

27 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكيْتُمْ كَثِيرًا" (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو تعلمون ما أعلم) أي: من الأهوال والأحوال التي بين أيدينا عند النزع، وفي البرزخ، ويوم القيامة. 6485 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا". 6486 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا". الحديث الأول، والثاني: معناهما: لو علمتم ما أعلم من ذلك، لسهل عليكم امتثالُ أمرِ الله تعالى فيما قال: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82]، وفيه من البديع: المطابقة بمقابلة الضحك بالبكاء، والقليل بالكثير.

28 - باب حجبت النار بالشهوات

28 - باب حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ (باب: حُفَّت النارُ بالشهوات) 6487 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ". (بالمكاره)؛ أي: كالاجتهاد في العبادة، والصبر على مشاقِّها، وكظم الغيظ، والحلم، والإحسان إلى المسيء، والصبر عن المعاصي؛ بخلاف الشهوات؛ كالخمر، والزنا، والغيبة، والملاهي؛ أما المباحة، فيكره الإكثارُ منها مخافةَ أن تجرَّ إلى المحرمات، أو تُقَسِّي القلب، أو تشغلَ عن الطاعة، فهذا من جوامع الكلم؛ أي: لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكروهات، ولا النار إلا بالشهوات، وهما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب، وصل إلى المحجوب، فهتكُ حجابِ الجنة باقتحام المكاره، وهتكُ حجاب النار بالمشتَهَيات. وفي بعض الروايات بدل (حُجِبت): (حُفَّت)، قيل: هو خبر بمعنى الأمر والنهي. * * *

29 - باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك

29 - باب الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ (باب: الجنةُ أقربُ إلى أحدكم من شِراك نعلِه) 6488 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ". الحديث الأول: (شِراك) سَيْرُ النعل، وهو ما وقيت به من الأرض، وفيه دليل واضح على أن الطاعات موصلة إلى الجنة، والمعاصي مقربة من النار، وقد يكون في أيسر الأشياء، فينبغي للمؤمن أن (¬1) لا يزهد في قليل من الخير، ولا يستقلَّ قليلًا من الشر، فيحسَبُه هينًا وهو عند الله عظيم؛ فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، والسيئة التي يسخط الله عليه بها. * * * 6489 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ ¬

_ (¬1) "أن" ليس في الأصل.

عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ". الثاني: (باطل)؛ أي: فانٍ، أو غير ثابت، أو خارج عن حد الانتفاع، وإطلاقُ بيت على هذا وهو مصراع، من إطلاق الجزء على الكل، أو أن المراد: هو ومصراعه الآخر، وهو: وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ روي: أن عثمان - رضي الله عنه - قال للبيد لما أنشدَ المصراعَ الأول: صدقتَ، ولما أنشد الثاني قال له: كذبتَ؛ إذ نعيمُ الجنة لا يزول؛ لكن إذا كان مراده ما هو نعيم في الحال؛ أي: الدنيوي؛ بدليل أن الضارب حقيقة في مباشر الضرب حالًا، فليس بكذب. فإن قيل: التصديق بالأول ينافي التكذيب بالثاني؛ إذ من صدق أنّ ما خلا الله باطل، يلزمه القول ببطلان ما سوى الله، وكل نعيم دنيوي وأخروي هو سواه. قيل: ليس المراد بالله تعالى ذاته فقط؛ بل ذاته وصفاته، وماله من طلب العمل الصالح، وثوابه عليه. وسبق الحديث في (الأدب) في (باب ما يجوز من الشعر). * * *

30 - باب لينظر إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه

30 - باب لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ (باب: لينظرْ إلى مَنْ هو أسفل منه) 6490 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا نظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ". (فضِّل) بكسر المشددة المعجمة. (والخَلْق) بفتح المعجمة: الصورة، أو الأولاد، والأتباع ونحوه، وهذا مما يتعلق بزينة الدنيا، وهي المال والبنون. (فلينظرْ إلى مَنْ هو أسفلَ منه) ليسهل عليه نقصانُه، ويفرح بما أنعم الله عليه، ويشكر عليه، وأما في الدِّين، وما يتعلق بالآخرة، فينظر إلى مَنْ هو فوقَه؛ ليزيد رغبته في اكتساب الفضائل. 31 - باب مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِسَيِّئَةٍ (باب: من هَمَّ بحسنة أو بسيئة) 6491 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا جَعْدٌ أَبُو

عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: قَالَ: "إِنَّ اللهَ كتبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كتبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كتبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى أَضْعَافٍ كثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كتبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كتبَهَا اللهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً". (فيما يرويه عن ربه عز وجل) الكلُّ وإن كان من ربه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ما ينطق عن الهوى، إلا أن هذا إما من الأحاديث القدسية، أو أراد إسناده صريحًا إلى الله تعالى؛ تفخيمًا له، أو بيانًا لواقع، وليس فيه ما ينفي غيره؛ بل قوله: (فيما يرويه) يدل على ثبوت ذلك في غيره؛ إذ المعنى: في جملة ما يرويه. (كتب)؛ أي: قَدَّرها حسنةً، وقدرها سيئة. وفيه: دلالة على إبطال الحسن والقبح العقليين، وأن الحسنة والسيئة شرعيتان؛ فلله تعالى أن يجعل الصلاة قبيحةً، والزنا حسنًا؛ خلافًا للمعتزلة في زعمهم أن الشرع كاشف عن ذلك. (أضعاف كثيرة) قال تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]، وكونُ الهمُّ بالحسنة معتبرًا؛ لأنه فعلُ القلب، والهمّ بالسيئة كذلك، وليس معتبرًا، هو من فضل الله تعالى على عباده؛ حيث عفا

32 - باب ما يتقى من محقرات الذنوب

عنهم؛ قال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]، فأتى في الشر بالافتعال الذي لا بد فيه، من المعالجة والتكلف فيه، كما تفضل عليهم بأن الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بواحدة، وإذا هم بالسيئة ولم يعملها، فالحسنة له باعتبار أنه كف عن الشر، أمّا اتفاقهم على أن من عزم على ترك صلاة بعد عشرين سنةً يعصي في الحال، فلأن العزم توطينُ النفس على معصية، وهذا غير الهمّ، والثوابُ على الهم ما يكون لوجه الله تعالى، لا لأمر آخر. قال (خ): هذا إذا تركها مع القدرة عليها؛ إذ مَنْ لا يقدر لا يقال: ترك. * * * 32 - باب مَا يُتَّقَى مِنْ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ (باب: ما يُتقى من محقَّرات الذنوب) 6492 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّكمْ لَتعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كنَّا نَعُدُّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُوبِقَاتِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ. (إن كنا)، (إن) مخففة من الثقيلة، وتركُ اللامِ في خبرها عند

33 - باب الأعمال بالخواتيم، وما يخاف منها

الأمن من التباسها بالنافية جائزٌ كما قاله ابن مالك، ومعنى الحديث راجع إلى قوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور: 15]. * * * 33 - باب الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ، وَمَا يُخَافُ مِنْهَا (باب: الأعمال بالخواتيم) أي: بالعواقب. 6493 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا"، فتبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَقَالَ بِذُبابةِ سَيْفِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، فتحَامَلَ عَلَيْهِ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا". (إلى رجل يقاتل) هو قُزْمان -بضم القاف وسكون الزاي-.

34 - باب العزلة راحة من خلاط السوء

(غَنَاء) بفتح المعجمة والمدّ، يقال: غني به غَناء: إذا ناب عنه، وأجراه مجراه. (بذُبابه)؛ أي: طرفه الحدّ، سبق في (الجهاد) في (باب لا يقال: فلان شهيد). * * * 34 - باب الْعُزْلَةُ رَاحَةٌ مِنْ خُلَّاطِ السُّوءِ (باب: العُزلة راحة من خُلّاط السوء) هو بضم الخاء وتشديد اللام: جمع، وبكسرها والتخفيف: مصدر؛ أي: المخالطة. 6494 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ". الحديث الأول: (وقال محمد بن يوسف) وصله مسلم، والإسماعيلي، وابن

مندَهْ في "الإيمان". (شِعْب) هو الطريق في الجبل، ومسيل الماء، وما انفرج بين الجبلين، ولا ينافي هذا حديث: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"، و"خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلهُ"، ونحو ذلك؛ لأن هذا الاختلاف بحسب الأوقات، والأقوام، والأحوال. (تابعه الزُّبَيْدي) وصله مسلم. (وسليمان) وصله أبو داود. (والنعمان) وصله أحمد بن حنبل. (وقال مَعْمَر) وصله أحمد، ومسلم؛ وهو في "مسند عبد بن حُميد". (قال يونس، وابن مسافر، ويحيى بن سعيد) وصل الثلاثَة الدُّهْليُّ في "الزُّهْريات". (بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال (ك): لعله أبو سعيد الخُدْري. * * * 6494 / -م - تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَالنُّعْمَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، أَوْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ يُونُسُ: وَابْنُ مُسَافِرٍ، وَيَحْيَىَ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

الثاني: (شَعَف) جمع شعفة، وهي رأس الجبل. (ومواقع القطر) هي الأودية، وسبق الحديث بشرحه في (الإيمان) في (باب من الدِّين الفرار من الفتن). واعلم أن المراد من العزلة: تركُ فضولِ الصحبة، والاجتماعِ بجليس السوء، وإلا فالاختلاطُ والاجتماع مأمورٌ به في الجمعة، وجماعة الصلوات؛ للتحابب، والتعاون على البر والتقوى، وبالجملة: ففي المسألة خلاف: هل العزلة أفضلُ أم الاختلاط؟ والأرجحُ التفصيل بحسب الجلساء والأوقات. * * * 6495 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ الْمُسْلِم الْغَنَمُ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ". الثالث: كالذي قبله. * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [16]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

35 - باب رفع الأمانة

تَابع (81) كَتابُ الرِّقَاقِ 35 - باب رَفْعِ الأَمَانَةِ (باب: رفع الأمانة) 6496 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". الحديث الأول: (أُسند الأمر) أي: فُوضت الوظائفُ إلى غير مستحقيها، وسبق الحديث أول (كتاب العلم). * * * 6497 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَيْنِ

رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: "أَنَّ الأَمَانةَ نزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ"، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثْلَ أثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ، كجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فترَاهُ مُنْتَبِرًا، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ الإسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلاَنًا وَفُلاَنًا". الثاني: (حديثين)؛ أي: في (باب الأمانة)، وإلا، فله أحاديث كثيرة، أولُ الحديثين في نزول الأمانة، وثانيهما في رفعها. (جَذْر) بفتح الجيم، وقيل بكسرها وسكون المعجمة: الأصل؛ أي: كانت لهم بحسب الفطرة، وحصلت لهم بالكسب أيضًا بحسب الشريعة. (الوَكْتِ) بفتح الواو وإسكان الكاف وبالمثناة: الأثر اليسير، وقيل: السواد اليسير، وقيل: اللون المُحْدَث المخالف للون الذي كان قبله.

(المَجل) بفتح الميم وسكون الجيم وفتحها: هو التَّنَفُّطُ الذي يحصل في اليد من العمل بفأس ونحوه. (فَنَفِطَ) بكسر الفاء، والضمير للرجل؛ ولكن ذَكَّره على إرادة العضو. (منتبرًا) من الانتبار، وهو الارتفاع، ومنه: المنبر؛ لارتفاع الخطيب عليه. (الأمانة)؛ أي: بمعناها المشهور، وهو خلاف الخيانة، وقيل: المراد: التكاليف الإلهية. وحاصله: أن القلب يخلو عن الأمانة بأن تزول عنه شيئًا فشيئًا، فإذا زال آخر جزء منها، زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت، وإذا زال جزء آخر، صار كالمجل، وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شبه زوال ذلك النور بعد ثبوته في القلب وخروجه منه، واعتقاب الظلمة إياه بجمر دحرجته على رجلك، حتّى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر، ويبقى التَّنَفُّظ. (الإسلام) في بعضها: (بالإسلام). (نصرانيًّا) هو مثال، وإلا فاليهودي كذلك، وفي "مسلم" التصريح بهما. (أُبايع) قيل: المراد: البيع والشراء المعروفان؛ أي: كنت أعلم أن الأمانة في الناس، فكنت أقدم على معاملة من اتفق، غيرَ باحث عن حاله؛ وثوقًا بأمانته؛ فإنه إن كان مسلمًا، فدينُهُ يمنعه من الخيانة،

ويحمله على أداء الأمانة، وإن كان كافرًا، فساعيه -أي: الذي يسعى له إلى الوالي عليه- يقوم بالأمانة في ولايته، فينصفني، ويستخرج حقي منه، وكل من ولي شيئًا على قوم، فهو ساعيهم، مثل: ساعي الزكاة، وأما اليوم، فقد ذهبت الأمانة، فلستُ أثق بأحد أئْتَمنُهُ في بيع وشراء إلا فُلانًا، وفُلانًا -يعني: أفرادًا من الناس قلائل-. والقول بأن المراد بالمبايعة، أي: الخلافة وغيرها من التحالف في أمور الدِّين خطأ؛ لأن النصراني لا يعاقد عليها، ولا يبايع بها؛ فإن قيل: رفعُ الأمانة ظهر في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما وجهُ قولِ حذيفةَ: أنا أنتظره؟ قيل: المنتظر هو الرفع بحيث يقبض أثرها مثل المجل، ولا يصح الاستثناء بمثل إلا فُلانًا، وفُلانًا، وهذا الحديث من أعلام النبوة. * * * 6498 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالإبِلِ، الْمِائَةُ لَا تَكَادُ تَجدُ فِيهَا رَاحِلَةً". الثاني: (راحلة)، أي: النجيبةُ المختارةُ، الكاملةُ الأوصاف، الحسنةُ المنظر، وقيل: الراحلة: الجمل، والهاء للمبالغة، أي: الناسُ كثير، والمرضيُّ منهم قليل؛ كما أن المئة من الإبل لا تكاد تجد فيها راحلة،

ثم قيل: المراد بذلك: القرون التي في آخر الزمان، وإلا فقد شهد - صلى الله عليه وسلم - لقرن الصحابة والتابعين وأتباعهم بالفضل. قال (ك): لا حاجة لذلك؛ لاحتمال أن يراد: أن المؤتمنين منهم قليل. وقال (خ): يؤوّل الحديث بوجهين: أحدهما: أن الناس في أحكام الدِّين سواء، لا فضل فيها لشريف على مشروف، ولا لرفيع على وضيع؛ كالإبل (المئة) لا يكون فيها راحلة، وهي التي تُرْحَل لتُركب؛ أي: كلها حمولة تصلح للحمل، والعرب تقول للمئة منَ الإبل: إبل، تقول لفُلان إبلٌ؛ أي: مئة، وله إبلان؛ أي: مئتان، فيكون قوله: (المئة) في الحديث توكيدًا. وقال ابن مالك: فيه النعت بالعدد، وقد حكى سيبويه عن بعض العرب: أخذوا من بني فُلان إبلًا مئة، وذكر الراغب: أن الإبل في عرفهم اسم لمئة، فمئة إبل: هي عشرة آلاف. والثاني: أنّ أكثر الناس أهلُ نقص، وأهلُ الفضل قليل؛ بمنزلة الراحلة في الإبل الحمولة؛ قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187]، وقال الزُّهْرِي: إن الزهد في الدنيا قليل كقلة الراحلة في الإبل. * * *

36 - باب الرياء والسمعة

36 - باب الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (باب: الرياء والسمعة) بضم السين: ما يتعلق بحاسة السمع؛ والرياء: ما يتعلق بحاسة البصر؛ أي: ما يعمل ليراهُ الناس ويسمعوه، لا لله تعالى. 6499 - حَدَّثنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَهُ، فَدَنوتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ". (ولم أسمع)؛ أي: لم يبق من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ في ذلك المكان غيره. (سَمَّع) من التسميع، وهو التشهيرُ، وإزالةُ الخمول بنشر الذِّكْر. قال (خ): أي: عمل عملًا بلا إخلاص؛ بل ليراه الناس، ويسمعوه، جوزي بأن يشهره الله، ويفضحه، ويُظهر ما كان يُبطنه. وقيل: أي: قصد بعلمه أو عمله الجاه والمنزلة عند الناس، ولم يرد به وجه الله، فإن الله تعالى يجعله حديثًا عند الناس الذين أراد نيل

37 - باب من جاهد نفسه في طاعة الله

المنزلة عندهم، ولا ثواب له في الآخرة، وكذلك من راءى بعمله الناسَ، راءى الله تعالى به؛ أي: أطلعهم على أنه فعل ذلك لا لوجه الله؛ فاستحق سخط الله تعالى عليه؛ قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} الآية [هود: 15]. 37 - باب مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ (باب: من جاهدَ نفسَه في طاعة الله تعالى) 6500 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ!، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ! "، قُلْتُ: "لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ"، قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ "، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا،، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ"، قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: "هَلْ تَدْرِي

38 - باب التواضع

مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ "،، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ". (رديف)؛ أي: راكبٌ خلفَه. (آخِرَة) بوزن فاعلة؛ أي: العود الذي يستند إليه الراكب من خلفه، ومرادُه: المبالغةُ في شدة قربه؛ فيكون أوقعَ في نفس سامعه؛ لكونه أضبطَ. وأما تكريرُه ثلاثًا، فلتأكيد الاهتمام بما يخبره، وليكمل تنبه معاذ - رضي الله عنه - فيما يسمعه. (حق العباد) سبق في آخر (كتاب اللباس): أنه لا عُلقة فيه للمعتزلة أن الله تعالى يجب عليه شيء؛ لأن المعنى: الحق المتحقق، أو الجدير، أو الواجب وقوعه لوعده الصادق، أو كالواجب في تحققه وتأكيده، أو لمقابلة حق الله على عباده. * * * 38 - باب التَّوَاضُعِ (باب: التواضع) أي: إظهار التنزل من مرتبته، وقيل: تعظيم مَنْ فوقه من أرباب الفضائل.

6501 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ناَقَةٌ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَتْ ناَقَةٌ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ". الحديث الأول: (محمد) قال الكلاباذي: هو ابن سلام. (تسمى: العَضْباء) بفتح المهملة وسكون المعجمة: لقب لناقته - صلى الله عليه وسلم -، وليس بها ذلك؛ أي: ليست مشقوقة الأذن، ولا قصيرة اليد على التفسير بذلك. (تُسْبَق) بالبناء للمفعول. (قَعود) بفتح القاف: البكر من الإبل حين يمكن ركوبه، وأدنى ذلك سنتان، مرّ الحديث في (الجهاد) في (باب ناقته - صلى الله عليه وسلم -). * * * 6502 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ

عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَليًّا فَقَدْ آذَنتُّهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وِإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْء أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أكرَهُ مَسَاءَتَهُ". الثاني: (لي وليًّا)؛ (لي) صفة في الأصل له، فلما قُدِّم، صار حالًا. (آذنته) بهمزة ممدودة؛ أي: أعلمته بالحرب، والمرادُ لازمُه؛ أي: أعمل به ما يعملُه العدوّ والمحارِبُ من الإيذاءِ ونحوهِ. (أَحَبّ) بالرفع والنصب. (بالنوافل) ليس المرادُ كونَها أفضلَ من الفرائض؛ لئلا ينافي ما سبق، وإنما المراد: ما كان من النوافل مشتملًا على الفرائض، ومكملًا لها؛ أي: فتحصل تلك الكمالات بهما جميعًا، أصلًا وتابعًا، لا بمجرد النوافل. (كنت سَمْعَه) ليس أن الله عز وجل عينُ سمعه، وإنما هذا كما قال (خ) مثالٌ، والمعنى -والله أعلم-: توفيقُه في الأعمال التي باشرها

بهذه الأعضاء، وتيسيرُ المحبة له فيها؛ بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه من مواقعة ما يكره الله تعالى من إصغاءٍ إلى اللهو مثلًا، ومن نَظَرٍ إلى ما نهى الله عنه، ومن بطشٍ بما لا يحلُّ له، ومن سعيٍ في الباطل برجله، أو بأن يسرع في إجابة الدعاء، والإلحاح في الطلب، وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربعة. (يبطش) بالكسر والضم. (ترددت) قال (خ): هو مثل؛ لأن حقيقته محال على الله تعالى، ومعناه: أن العبد قد يشرف في أيام عمره على المهالك، فيدعو الله تعالى، فيشفيه منها، ويدفع مكروهها عنه، فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرًا، ثم يبدو له في ذلك، فيتركه، ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله، وهذا معنى أن الدعاء يرد البلاء، أو المراد: ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله ترديدي إياهم في نفس المؤمن؛ كما روي في قصة موسى -عليه الصلاة والسلام- من لطمه عينَ مَلَكِ الموت، وتردده إليه مرة بعد أُخرى، وحقيقة المعنى في الوجهين: لطفُ الله تعالى بالعبد، ورحمتُه له. قال (ك): ووجهٌ ثالث: أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج؛ بخلاف سائر الأمور، فإنه يحصل بمجرد قول: كُن سريعًا دفعة. (مساءته)؛ أي: حياته؛ لأنه بالموت يبلغ النعيم المقيم، أو لأن

39 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت أنا والساعة كهاتين"

حياته تؤدي إلى أرذل العمر، وتنكيس الخلق، والرد إلى أسفل سافلين، أو أكره مكروهه الذي هو الموت، فلا أُسرع بقبض روحه، فأكون كالمتردد. ووجهُ تعلق الحديث بالترجمة: أن التقرب بالنوافل فيه غايةُ التواضع والتذلل للرب تعالى، وقيل: مستفادة من قوله: كنت سمعه، ومن التردد. * * * 39 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ" {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: بعثت أنا والساعة كهاتين) (الساعة)؛ أي: القيامة -بالرفع والنصب-، و (هاتين)؛ أي: الأصبعين السبابة والوسطى، ومرّ في (سورة النازعات) معنى الحديث الأول هنا، والثاني، والثالث. * * * 6503 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا

أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا"، ويُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ فَيَمُدُّ بِهِمَا. 6504 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، هُوَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ". 6505 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ"؛ يَعْنِي إِصْبَعَيْنِ. تَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ. (بأصبعيه)؛ أي: السبابة، والوسطى، قيل: هو إشارة إلى قرب المجاورة، وقيل: إلى تفاوت ما بينهما طولًا، وفضل الوسطى على السبابة؛ لأنها أطولُ بشيء يسير، فالأول بالنظر إلى العرض، والثاني بالنظر إلى الطول. وقيل: أي: ليس بينه وبين الساعة نبي غيره، مع التقريب لحينها، وليس بين هذا وبين: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]: تنافٍ؛ لأن المعلومَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - قربُها، والذي لا يعلمه وقتُها. (تابعه إسرائيل) وصله الإسماعيلي. * * *

40 - باب (باب: طلوع الشمس من مغربها)

40 - باب (باب: طلوع الشمس من مغربها) لا يلتفت مع قول الصادق - صلى الله عليه وسلم - إلى قول أهل الهيئة: إن الفلكيات بسيطة لا تختلف مقتضياتها، ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه، ولو سلم؛ فلا امتناع في انطباق منطقة البروج على مُعدل النهار؛ بحيث يصير المشرقُ مغربًا، وبالعكس، ومرّ الحديث في أول (كتاب بدء الخلق)، آخر (سورة الأنعام). * * * 6506 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نفسًا إِيمَانُهَا، لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلتقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَينَهُمَا، فَلَا يَتبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلتقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلتقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ، وَلتقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا". (لِقْحَته) بكسر اللام: الناقة الحلوب.

41 - باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

(يُليط) من لاط الرجلُ حوضَه، وألاطَهُ: أصلحه وطَيَّنَهُ، والقصد: أن قيام الساعة بغتة. * * * 41 - باب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحبَّ اللهُ لِقَاءَهُ (باب: من أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ الله عز وجل لقاءه) 6507 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ"، قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ وَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ". اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَمْرٌو، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قتادةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (مَنْ أحبَّ) الجزاء في هذا الشرط على معنى: أخبره الله تعالى

بأنه يحب لقاءه، لا أن محبتَه لقاءَ الله سببٌ في محبةِ اللهِ لقاءه، وكذا يؤوّل في جانب الكراهة. (أمامه) متناول للموت أيضًا، فإن قيل: قد نفاه - صلى الله عليه وسلم - خصوصًا، وأثبته عمومًا، قيل: وجهُه: أنه نفى الكراهة التي في حال الصحة، وقيل: الاطلاع على حاله، وأثبت التي في حال النزع، وبعد الاطلاع، فلا منافاة. قال (ن): المعتبر هو الذي يكون عند النزع في حالة لا تقبل التوبة، فحينئذ يكشف لكل إنسان ما هو صائر إليه، فأهلُ السعادة يحبون الموتَ، ولقاءَ الله؛ لينتقلوا إلى ما أعد لهم، ويحب الله لقاءهم؛ ليجزلَ لهم العطاءَ والكرامة، وأهلُ الشقاوة يكرهونه؛ لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم؛ أي: يبعدهم عن رحمته، ولا يريد لهم الخير. وقال (خ): محبةُ اللقاء إيثارُ العبدِ الآخرةَ على الدنيا، فلا يحبُّ طولَ القيام فيها؛ لكن يستعدُّ للارتحال عنها، والكراهةُ بِضِدّ ذلك، ثم اللقاءُ على وجوه، منها: البعث؛ كما في قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} [الأنعام:31]، ومنها: الموت؛ كما في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ} [العنكبوت: 5]. (اختصره أبو داود)؛ أي: سليمان الطيالسي، وهذه في "مسنده" وصلها الترمذي.

(وعمرو)؛ أي: ابن مرزوق، وصله الطبراني في "الكبير". (وقال سعيد)؛ أي: ابن أبي عَروبة، وصله مسلم، والترمذي، والنسائي. قال (ك): أي: رواها سعيد بدون الاختصار. * * * 6508 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ". الثاني: في معنى الذي قبله. * * * 6509 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْم: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ

ثُمَّ يُخَيَّرُ"، فَلَمَّا نزَلَ بِهِ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أفاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى"، قُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". الثالث: (في رجال)؛ أي: في جملة رجال أُخر رووا ذلك. (يخير)، أي: بين حياة الدنيا وموتها. (نزل) بلفظ المجهول. (فأشخص)، أي: رفع بصره. (الرفيقَ) نصب بمقدر؛ نحو: أَختار، أو أُريد، وهو إشارة إلى الملائكة، أو الذين أنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. (يختارنا) بالنصب؛ أي: حين اختار مرافقةَ أهلِ السماء. (كان يحدثنا)؛ أي: في حال الصحة؛ أي: حديث: "لَنْ يُقْبَضَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ". * * *

42 - باب سكرات الموت

42 - باب سَكَرَاتِ الْمَوْتِ (باب: سَكَرات الموت) جمع سَكْرة، وهي شدته، وهمُّه، وغَشْيَتُه. 6510 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهَ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ بَيْنَ يَدَيهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، يَشُكُّ عُمَرُ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ"، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى"، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. الحديث الأول: سبق في آخر (المغازي). (عُلَيّة) بضم المهملة. * * * 6511 - حَدَّثَنِي صَدَقَةُ، أخبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَعْرَابِ جُفَاةً يَأْتُونَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَسْأَلُونَهُ:

مَتَى السَّاعَةُ؟ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ، فَئقُولُ: "إِنْ يَعِشْ هَذَا لَا يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ"، قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِي مَوْتَهُمْ. الثاني: (لا يدركْه) بالجزم. (قال هشام)؛ أي: راوي الحديث. (يعني: موتهم)؛ أي: يريد: يساعدهم موتهم، وانقراض عصرهم؛ إذ من مات فقد قامت قيامته، وأما القيامة الكبرى فلا يعلمها إلا الله تعالى، وكون الجواب بالصغرى، والسؤال عن الكبرى من أسلوب الحكيم، وسبق الحديث آخر (الأدب)، والأجوبة فيه. * * * 6512 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي قتادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عَلَيْهِ بِجنَازَةٍ، فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: "الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ".

الثالث: (ومستراح) الواو فيه بمعنى أو. * * * 6513 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ كعْبٍ، عَنْ أَبِي قتادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ". الرابع: (عبد ربه بن سعيد) كذا في أكثر النسخ. قال الغساني: وهو وهم، والصواب المحفوظُ: عبدُ الله بنُ سعيد؛ وكذا أخرجه مسلم، والنسائي عنه. * * * 6514 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهُ - صلى الله عليه وسلم -: "يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثةٌ، فيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ". الخامس: (حدثنا عبد الله) قيل: ليس له في الصحيح غير هذا الحديث. (يتبع) بعض التبعيات حقيقة، وبعضها مجاز؛ فإطلاقُ اللفظ

عليها جمعٌ بين الحقيقة والمجاز على رأي الشافعية، ومن منعه يجعلُ ذلك من عموم المجاز، ومرّ تحقيقه. * * * 6515 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ غُدْوَةً وَعَشِيًّا، إِمَّا النَّارُ وَإِمَّا الْجَنَّةُ، فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى تُبْعَثَ". السادس: (عرض على مقعده) في بعضها: (عُرض عليه مقعدُه)، وهو الأصل، والأولُ من باب القلب؛ نحو: عرضتُ الناقةَ على الحوض. والمؤمنُ العاصي يعرض عليه المقعدان، يراهما جميعًا، ولا يعارض ذلك بأن (إما) التفصيلية تمنع الجمْعَ بينهما؛ لأنها قد تكون لمنع الخلو عنهما. وفائدةُ العرض: أنه للمؤمن نوع من الفرح، وللكافر نوع من الحزن. وفيه: إثبات عذاب القبر، والأصحُّ أنه للجسد؛ لكن بإعادة الروح؛ لأن الألم لا يكون إلا للحي. وأما معنى الغاية في: (حتى تبعث)، فإنه يرى بعد البعث من

43 - باب نفخ الصور

عند الله كرامة ينسى بها هذا المقعد. وسبق في (الجنائز) في (باب الميت يعرض عليه مقعده). * * * 6516 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا". السابع: (أَفْضَوْا)؛ أي: وصلوا إلى جزاء أعمالهم، ومرّ آخر (الجنائز). * * * 43 - باب نَفْخِ الصُّورِ قَالَ مُجَاهِدٌ: الصُّورُ كهَيْئَةِ الْبُوقِ، {زَجْرَةٌ}: صَيْحَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّاقُورُ الصُّورُ، {الرَّاجِفَةُ}: النَّفْخَةُ الأُولَى، {الرَّادِفَةُ}: النَّفْخَةُ الثَّانِيةُ. (باب: نفخ الصور) قوله: (البوق) بضم الموحدة؛ أي: الذي ينفخ فيه للصوت العظيم.

(زجرة)؛ أي: من قوله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [النازعات: 13]؛ أي: صيحة. (الناقور)؛ أي: من قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8]؛ أي: نفخ في الصور. (النفخة)؛ أي: على القول بأنهما نفختان؛ قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ} الآية [الزمر: 68]، وقيل: النفخ ثلاث: نفخةُ الفزع، فيفزع أهلُ السماء والأرض بحيث تذهل كلُّ مرضعة عما أرضعت، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، فأُجيب عن ذلك؛ بأن الأولتين واحدة؛ فإنهم فزعوا إلى أن صعقوا. * * * 6517 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبدِ الرَّحمنِ الأَعْرَج، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ، رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَغَضِبَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ فِي أَوَّلِ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ

الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ مُوسَى فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ". الحديث الأول: (لا تخيروني)؛ أي: تفضِّلوني، والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان أفضل الخلق؛ لكن قصد بهذا النهي عن تفضيلٍ يلزم منه نقصٌ أو غضاضةٌ، أو يلزم منه خصومةٌ، أو قاله تواضعًا، أو قبل إعلامه بأنه سيدُ ولدِ آدمَ. قال (ط): أو: لا تفضلوني عليه في العمل، فلعله أكثرُ عملًا مني، والثوابُ بفضل الله تعالى، لا بالعمل، أو: لا تفضلوني في البلوى والامتحان؛ فإنه أعظمُ محنةً مني، وأكثرُ إيذاءً وبلاء. (يصعَقون) بفتح العين: من صعق: إذا غُشِيَ عليه. (استثنى الله)؛ أي: في قوله تعالى: {إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68]، وسبق في (باب الخصومات). * * * 6518 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَصْعَقُ النَّاسُ حِينَ يَصْعَقُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ قَامَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَمَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ"، رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

44 - باب يقبض الله الأرض

الثاني: (فإذ موسى) لا يلزم منه تفضيله بهذا أفضليته على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لا يلزم من أفضليته من جهةٍ أفضليته على الإطلاق. (ورواه أبو سعيد) وصله في (التفسير). * * * 44 - باب يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ رَوَاهُ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: يقبض الله الأرض) قوله: (رواه نافع) وصله في (التوحيد). * * * 6519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ ". الحديث الأول: (ويطوي السماء) المراد بالطي: الذهاب والفناء، كما نقول:

انطوى عنا ما كنا فيه؛ لا أن المراد: الطيُّ بالعلاج على الوجه المعروف. (بيمينه)؛ أي: بقدرته، والحديث من المتشابه. * * * 6520 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ، كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلًا لأَهْلِ الْجَنَّةِ" فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِم، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "بَلَى"، قَالَ تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا، ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالاَمٌ وَنُونٌ، قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا. الثاني: (يتكفؤها) بالهمز؛ أي: يقلبها ويُميلها من هنا إلى هنا بقدرته، وقيل: يضمّها. (خبزته في السَّفَر) بفتح السين والفاء، يريد: المَلَّة التي يصنعها المسافرون، فإنها لا تُبسط كالرقاقة، وإنما تقلَّب على الأيدي، حتى تستوي على الرماد الحار، ومعناه: أن الله تعالى يجعل الأرض

كالرغيف العظيم الذي هو عادة المسافرين فيه؛ ليأكل المؤمن من تحت قدمه، حتى يفرغ من الحساب، وفي بعضها: (السُّفَر) جمع سُفْرة، وهي التي يؤكل عليها الطعام، والمراد من أهل الجنة: المؤمنون، ولا يلزم أن يكون ذلك في الجنة؛ بل يجوز أن يكون في الجنة. (نُزلًا) بضم النون والزاي، وبسكونها أيضًا؛ أي: ما يُعد (¬1) للضيف عند نزوله، وهو مصدر، ويجوز أن يكون في موضع الحال. (نواجذه) سبق في (باب الأدب) الجمعُ بين هذا وبين كونه لا يزيد في الضحك على التبسم. (بإدامهم) بكسر الهمزة. (بَالام) بالموحدة المفتوحة وتخفيف اللام وميم، تروى موقوفة، ومرفوعة منونة وغير منونة، وفيه أقوال؛ والصحيح أنها كلمة عبرانية معناها: الثور كما فسر به، ولهذا سألوا اليهودي عن تفسيرها، ولو كانت عربية، لعرفتها الصحابة. وقال (خ): لعل اليهودي أراد التعمية عليهم، فقطَّع الحروف، وقدم أحدَ الحرفين على الآخر، وهي لام ألف وياء؛ أي: على وزن لعى، وهو الثور الوحشي، والجمع آلاء، فصحف الراوي الياء، فجعلها موحدة، انتهى. ¬

_ (¬1) في الأصل: "فعل"، والمثبت من "ت".

ثم إنهم كثيرًا ما يقلبون الحروف، فإن العبراني قيل: إنه عرباني، فقدموا الباء، وأخروا الراء تبعًا. (ونونٌ) هو الحوت، والزائدة: هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد، وهي أطيبها، وألذُّها. (سبعون ألف) يحتمل أنهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأن يراد بالسبعين: العددُ الكثير، لا الحصر، وأن لا حصر، أما كلام اليهودي، فإنما اعتبر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقره، فالمدار على عدم إنكاره عليه. * * * 6521 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كقُرْصَةِ نَقِيٍّ"، قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَدٍ. الثالث: (عفراء) بمهملة وفاء وراء ومد: هي البيضاء ليس بالناصع تضرب إلى حمرة، وأرض بيضاء: لم توطأ، وعفرةُ الأرض: وجهها. (كقرصة النقي) يعني: الخبز الحُوَّارَى، أي: دقيقُه منقًّى من القشرِ والنخالةِ، وفي بعضها: (نقي) بدون اللام.

45 - باب كيف الحشر

(مَعْلَم) بفتح الميم واللام؛ أي: علامة يستدل بها؛ أي: هذه الأرض مستوية ليس فيها حدب يرد البصر، ولا بناء يستر ما وراءه، ولا علامة غيره. ووجه مناسبة الحديث للترجمة: مناسبة القرصة للخبزة المذكورة في الحديث السابق، وجعلها كالقُرصة نوع من القبض. * * * 45 - باب كَيْفَ الْحَشْرُ (باب: كيف الحشر؟) 6522 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ، رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا". الحديث الأول: (طرائق)؛ أي: فرق.

قال (خ) (¬1): هذا الحشر هو الذي يكون قبل قيام الساعة، يحشر الناس أحياء إلى الشام في آخر الدنيا قبل القيامة؛ لما يجيء في الحديث الذي بعده من اللقاء مشاة حفاة عراةً، ولما فيه من ذكر المساء والصباح، وانتقال النار معهم، وهي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. (راغبين)؛ أي: راجين. (راهبين) وفي بعضها: (وراهبين)؛ أي: خائفين، والفِرَقُ الثلاث: الراغبون، وهم السابقون، والراهبون، وهم عامة المؤمنين، والثالثة: الكفار أهل النار. (وعشرة على بعير)؛ أي: يعتقبون البعيرَ الواحد، ويتناوبون في ركوبه، والأبعرة إنما هي للراهبين، وأما المخلصون فحالهم أعلى وأجلُّ، أو هي للراغبين، وأما الراهبون فيكونون مشاة على أقدامهم، أو هي لهما؛ بأن يكون اثنان من الراغبين -مثلًا- على بعير، وعشرة من الراهبين على بعير، والكفار يمشون على وجوههم، أو الفرق الثلاث هم: الذين في النار؛ أي: الكفار، والذين هم راكبون هم السابقون المخلصون، والذين هم بين الخوف من دخول النار، والرجاء بالخلاص منهم راغبين راهبين. * * * ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل.

6523 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نبِيَّ اللهِ! كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قَالَ: "أليْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنَّ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ "، قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا. الثاني: (يحشر الكافر على وجهه)؛ أي: كيف يحشر، وهو إشارة إلى قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [الإسراء:97]. * * * 6524 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّكُمْ مُلاَقُو اللهِ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلًا". قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِمَّا نَعُدُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (علي)؛ أي: ابن المديني. (حفاة) بمهملة. (غُرْلًا) بمعجمة وراء: جمع أغرل؛ أي: أقْلَف لم يختتن، وبقي معه غُرلته، أي: ما يقطعه الخاتن من ذَكَر الصبي، والقصدُ: أنهم

يحشرون كما خُلقوا أول مرة، يعادون كما كانوا في الابتداء حتى الغُرلة تعاد إليهم. (سمعه)؛ أي: بلا واسطة. * * * 6525 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: "إِنَّكمْ مُلاَقُو اللهِ حُفَاة عُرَاةً غُرْلًا". الرابع: كالذي قبله. * * * 6526 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقَالَ: "إِنَّكمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} الآيَةَ، وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأقولُ: يَا رَبِّ! أُصَيْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ {الْحَكِيمُ}، قَالَ: فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ".

الخامس: (أول الخلائق يُكسى) قيل: لأنه أول من وضع سنة الختان، وفيه كشف عورة؛ فَجُوزي بالستر أولًا كما جُوزي الصائم لعطشه بالريّان، وليس في خصوصيته بذلك أن يكون أفضل من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لا يلزم من الاختصاص بفضيلة الفضلُ مُطلقًا. (ذات الشمال)؛ أي: طريق جهنم. (أصحابي) خبر مبتدأ محذوف. (مرتدين) قال (خ): لم يُرِد الردة عن الإسلام؛ بل التخلف عن الحقوق الواجبة، ولم يرتد أحد بحمد الله تعالى من الصحابة، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب. وقال (ع): هؤلاء صنفان: إما العُصاة، وإما المرتدون إلى الكفر، وسبق الحديث. * * * 6527 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاة غُرْلًا"، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: "الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ".

السادس: (يهمهم) إما بضم ثم كسر؛ من أهمني الأمر: أحزنني، وأقلقني، أو بفتح أوله وضم ثانيه؛ من همني المرض: أذابني. * * * 6528 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: "أتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ "، قُلْنَا: نعمْ، قَالَ: "أتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ "، قُلْنَا: نعمْ، قَالَ: "أتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ "، قُلْنَا: نعمْ، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نفسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْداءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ". السابع: (أو كالشعرة) تنويع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو شكٌّ من الراوي. وحاصله: أنتم -مع قلتكم بالنسبة إلى الكفار- نصفُ أهل الجنة. * * *

46 - باب قوله عز وجل: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم}

6529 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ، فترَاءَى ذُرِّيَّتُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَتقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كَمْ أُخْرِجُ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَة وَتِسْعُونَ، فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا؟ قَالَ: "إِنَّ أُمَّتِي فِي الأُمَم كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ". الثامن: (فتَرَاءَى) بالياء أو بالهمز؛ أي: ظهر وتصدّى لأن يرى. (بعث جهنم)؛ أي: الذي يستحق أن يبعث إليها؛ أي: أخرجْ من جملة الناس الذين هم أهلُ النار، وميزهم، وابعثهم إليها، سبق في (كتاب الأنبياء). * * * 46 - باب قَوْلُهُ عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ}، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} (باب: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]) 6530 - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ،

عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ: يَا آدَمُ! فَيقولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ ألفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ"، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولُ اللهِ! أَيُّنَا ذلك الرَّجُلُ، قَالَ: "أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألفٌ وَمِنْكُمْ رَجُلٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ، إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، قَالَ: فَحَمِدْنَا اللهَ وَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نفسِي فِي يَدِهِ إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ". (والخير في يديك) وجهُ التخصيص، وإن كان الشرُّ بيد الله تعالى أيضًا: رعايةُ الأدب كما قال تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26]، وأن المراد بالنسبة إلى العباد؛ فإن فِعْلَه تعالى كُلَّه حسنٌ لا قبيحَ فيه، وإنما الحُسنُ والقبحُ بالإضافة للعباد. (من كلِّ ألف) قد سبق: (من كل مئة)، والتفاوتُ بينهما كثير؛ فإما لأن العدد لا ينفي به الزائد، أو أن المراد: تقليل عدد المؤمن، وتكثير الكافر. (يشيب) ذِكرُه، وذكرُ وضعِ الحملِ من باب التهويل، فإن القيامة

47 - باب قول الله تعالى: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون (4) ليوم عظيم (5) يوم يقوم الناس لرب العالمين}

لا شيبَ فيها، ولا حملَ. (فإن من يأجوج ومأجوج ألفًا، ومنكم رجلًا) مفعول لـ (أخرج) المذكورِ أولَ الحديث، وروي بالرفع خبر (إن)، واسمها مضمر قبل (منكم) المجرور؛ أي: فإن المخرجَ منكم رجلٌ. وعند الأصيلي بالرفع في (ألف) وحدَه على خبر مبتدأ محذوف، أو على مبتدأ مؤخر مقدر؛ أي: المخرجُ منهم ألفٌ، أو ألفٌ منهم مخرَجٌ. (شطر)؛ أي: نصف. (كالرقمة) بفتح القاف وسكونها: الخط، والرقمتان في الحمار هما الأثران في باطن عضديه، وقيل: الدائرة في ذراعه، والتفاوتُ بين التشبيهين الأول والثاني كثير؛ لكن الغرض منهما واحد، وهو قلةُ عددِ المؤمنين بالنسبة إلى الكافرين غايةَ القلة. * * * 47 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}، قَالَ: الْوُصُلاَتُ فِي الدُّنْيَا.

(باب: قول الله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين: 4]) قوله: (الوُصلات) بضم الواو، ويجوز في الصاد الضم والفتح والإسكان: جمع وُصْلة، وهي الاتصال، وكل ما اتصل بشيء فما بينهما وصلة. * * * 6531 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ: "يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ". الحديث الأول: (رشحه)؛ أي: عَرَقه. (أنصاف) هو مثل: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، ولكن الفرق بأن للشخص أُذنين، وأقل الجمع على رأي اثنان، وسبق في (سورة التطفيف). * * * 6532 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

48 - باب القصاص يوم القيامة

قَالَ: "يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانهُمْ". الثاني: (يَعْرَق) بفتح الراء. (ويُلْجِمُهم) من الإلجام، أي: يبلغ أفواهَهم، وسببُ كثرة العرق: تراكمُ الأهوال، ودنوُّ الشمس من رؤوسهم، والازدحامُ، ووجهُ وصوله إلى آذانهم، مع اختلافهم طولًا وقصرًا، واعتدالِ الأرضِ الواقفين فيها، إما لأن الأمر يومئذ على خلاف المعتاد، أو أنه لا اختلاف بينهم يومئذ في القامة، أو الاختلاف بقدر أعمالهم؛ فمنهم إلى الذقن، ومنهم إلى الصدر، ومنهم إلى الركبة، ومنهم إلى الساق، ونحو ذلك. * * * 48 - باب الْقِصَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهْيَ الْحَاقَّةُ؛ لأَنَّ فِيهَا الثَّوَابَ وَحَوَاقَّ الأُمُورِ، الْحَقَّةُ وَالْحَاقَّةُ وَاحِدٌ، وَالْقَارِعَةُ وَالْغَاشِيَةُ وَالصَّاخَّةُ، وَالتَّغَابُنُ: غَبْنُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ.

(باب: القصاص يوم القيامة) قوله: (وَحَوَاقّ)؛ أي: النوائب يتحقق فيها الجزاء من الثواب والعقاب، وسائر الأمور الثابتة الحق الصادقة. (والقارعة) عطف على أول الكلام؛ أي: هي الحاقة، والقارعة. (والتغابن)؛ أي: يغبن بعضٌ بعضًا، فيغبن أهلُ الجنة غيرَهم من الأشقياء بنزولهم منازلهم التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، فالتغابنُ من طرف واحد للمبالغة. * * * 6533 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ - رضي الله عنه -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ". الحديث الأول: (بالدماء)؛ أي: القضاء بالدماء التي جرت بين الناس في الدنيا. * * * 6534 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ

مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ". (مظلمة) بفتح اللام وكسرها، وهو أشهر؛ أي: أخذتني بغير حق. (فليتحلله)؛ أي: يسأله أن يجعله حلالًا له، ويطلب منه براءة ذمته قبل القيامة. (من حسناته)؛ أي: من ثوابها، فيزاد على حسنات المظلوم، وإنما وقع ثواب الحسنة، وهو غير متناهٍ موقعَ جزاء السيئة؛ والظلم، وهو متناهٍ؛ باعتبار أنه يعطي خصمه من أصل ثواب الحسنة ما يوازي عقوبة سيئة؛ إذ الزائدُ عليه فضلٌ من الله تعالى عليه خاصة، فإن لم تفِ حسناتُه بذلك، أخذ من عقوبة خصمه، فيحط عليه، فيزاد في عقابه. والجمعُ بين هذا وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]: أنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه، أو معناه: لا تزر وازرة باختياره، وقد سبق في (كتاب المظالم). * * * 6535 - حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

49 - باب من نوقش الحساب عذب

"يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا". الثالث: (ونزعنا) وجهُ توسُّطِه بين رجال الإسناد: أنّ الحديث كالتفسير له. (قنطرة) يقتضي وجود جسرين: هذا، والصراط، ولا امتناع في ذلك، أو أن هذا من تتمة الصراط. (فيقص) في بعضها: (فيقتص). (أهدى)؛ أي: لأن منازلهم تعرض عليهم غدوًا وعشيًّا، مرّ في (المظالم). * * * 49 - باب مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ (باب: من نوقش الحسابَ عُذِّب) 6536 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ

ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ"، قَالَتْ: قُلْتُ: أليْسَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}، قَالَ: "ذَلِكِ الْعَرْضُ". الحديث الأول: (نوقش) المناقشة: الاستقصاء والتفتيش. (الحساب) منصوب بنزع الخافض، مرّ في (كتاب العلم). * * * 6536 / -م - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ، وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَأَيُّوبُ، وَصَالِحُ بْنُ رُسْتُم، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: مثله. (تابعه ابن جريج، ومحمد بن سُليم) بضم السين: أبو عثمان المكي، وليس بابن سُليم البصري أبي هلال، وصلهما أبو عَوانة في "صحيحه". (وأيوب) موصول في (التفسير). (وصالح بن رُسْتُم) بضم الراء وسكون المهملة وضمّ المثناة،

وقيل بفتحها، وصله إسحاق بن رَاهوَيْه في "مسنده". * * * 6537 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ ابْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ". الثالث: (عذب) يحتمل أن التعذيب هو المناقشةُ، والتوقيفُ على الذنوب، وأن يكون هو إفضاؤه إلى العذاب بالنار. * تنبيه: استدراكُ الدارقطني بأن الحديث مضطرب؛ لأن ابن أبي مُليكة روى مرة عن عائشة، وأُخرى عن القاسم عنها؛ مردودٌ باحتمال أنه بواسطة مرة، وبدونها مرة أُخرى. * * * 6538 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ

بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا، كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ". الرابع: (أيسر)؛ أي: أهون، وهو التوحيد، مرّ في (الأنبياء) في (باب آدم). * * * 6539 - حَدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى شَيئًا قُدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَينَ يَدَيْهِ فتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ". 6540 - قَالَ الأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا النَّارَ"، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ"، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".

50 - باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب

الخامس: (ترجمان) بضم المثناة وفتحها، وفتح الجيم وضمها. (فمن استطاع) جوابه محذوف؛ أي: فليفعل، مرّ في (الزكاة). (وأشاح) بمعجمة ثم مهملة بعد الألف؛ أي: صرف وجهه. (فبكلمة طيبة) هي ما تطيب القلب، أو تدل على الحق، ونحو ذلك. * * * 50 - باب يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ (باب: يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب) في بعضها: (يدخلون)، فهو على لغة: أكلوني البراغيث. قلت: أو خبر مقدم، و (سبعون) مبتدأ. 6541 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، وَحَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثيِرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! هَؤُلاَءِ أُمَّتِي؟ قَالَ:

لَا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاَءِ سَبْعُونَ ألْفًا قُدَّامَهُمْ، لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانُوا لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ"، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ، قَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ". الحديث الأول: (عُرِضَت) مبني للمفعول. (الأُمم) جمع أُمة، وهي الجماعة. (النفر) رجال دون العشرة. (لا يكتوون)؛ أي: بدون ضرورة، أو باعتقاد أن الشفاء من الكي. (ولا يسترقون)؛ أي: بعزائم الجاهلية، لا القرآنِ. (ولا يتطيرون)؛ أي: التشاؤم بالطيور، وهذا العدد لقصد الكثرة، ونحو ذلك، وإلا فهم كثير. (عُكّاشة) بتخفيف الكاف وتشديدها، وهو الأكثر. (رجل آخر) قيل: هو سعد بن عُبادة؛ حكاه الخطيب. (سبقك) مر في أوائل (كتاب الطب)، وفيه: الردُّ على قول أنه إنما ترك الدعاء له؛ لأنه كان من المنافقين.

قال (ش): ويظهر أن تركه للتنبيه على فضيلة السبق إلى القُربات، ولو أجابه، لم يكن للسابق مزيّة. * * * 6542 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ ألْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ"، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ"، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: "سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ". الثاني: (نَمِرَة) كساء فيه خطوط بيضٌ وسود، كأنها أُخذت من جلد النمر. * * * 6543 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفًا أَوْ سَبْعُمِائَةِ ألفٍ، شَكَّ فِي أَحَدِهِمَا، مُتَمَاسِكِينَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ،

وَوُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ". الثالث: (شك في أحدهما) قالوا: الشاكُّ هو أبو حازم، وعُلِمَ من سائر الروايات: أنّ أولهم وآخرهم يدخلون معًا، وذلك إنما يتصور إذا كانوا صفًّا واحدًا، مرّ في (صفة الجنة). * * * 6544 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ: يَا أَهْلَ النَّارِ! لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! لَا مَوْتَ، خُلُودٌ". 6545 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: خُلُودٌ لَا مَوْتَ، وَلأَهْلِ النَّارِ: يَا أَهْلَ النَّارِ! خُلُودٌ لَا مَوْتَ". الرابع، والخامس: (خلود) إما مصدر، أو جمع خالد، فالتقدير: الشأنُ، أو هذا الحالُ خلودٌ، أو: أنتم خالدون. * * *

51 - باب صفة الجنة والنار

51 - باب صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ"، عَدْنٌ: خُلْدٌ، عَدَنْتُ بِأَرْضٍ: أَقَمْتُ، وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ، فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ، فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ. (باب: صفة أهل الجنة) قوله: (وقال أبو سعيد) موصول في (التوحيد). (زيادة) هي قطعة من اللحم متعلقة بالكبد، وهي ألذُّ الأطعمة وأهنؤها. (المعدِن) منبت الجوهر؛ لإقامة أهله فيه دائمًا، أو لإنبات الله تعالى إياها فيه. (منبت صدق) في بعضها: (في مقعد صدق)؛ كما في القرآن. * * * 6546 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَم، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ". 6547 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ،

عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قُمْتُ عَلَى باب الْجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى باب النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ". الحديث الأول، والثاني: (الفقراء)، وفي الآخر: (المساكين)، وفيه: بأن كلًّا منهما يُطلق على الآخر. (الجَد) بفتح الجيم: الغنى، فأصحاب الجد أصحاب الثروة، أو الحظوظ الدنيوية بمال أو جاه، ويحتمل أنه يريد الملوكَ المعظمين. (محبوسون)؛ أي: للحساب ونحوه، وسبق الحديث. * * * 6548 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! لَا مَوْتَ، يَا أَهْلَ النَّارِ! لَا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ".

الثالث: (بالموت) هو وإن كان عَرَضًا، والعَرَض لا يوصف بمجيء وذبح؛ لكن الله تعالى يجسّده ويجسّمه، أو أن ذلك على سبيل التمثيل؛ للإشعار بالخلود، ثم قيل: الذابحُ له يحيى بنُ زكريا، وقيل: جبريل عليهم الصلاة والسلام. * * * 6549 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ! وَأَيُّ شَيْءَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا". الرابع: (أُحل) من الإحلال بمعنى الإنزال، أو بمعنى الإيجاب؛ كحَلَّ أمرُ الله عليه؛ أي: وجب، وهذا كما قال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8]. * * *

6550 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا يَقُولُ أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنعُ، فَقَالَ: "وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ؟ أَوَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إنَّها جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ لَفِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ". الخامس: (تر) في بعضها: (ترى)، وهو مثل: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78] بالرفع. (أَوَهَبِلْتِ) بفتح الهمزة والواو والهاء وكسر الموحدة، وقد استعاره هنا لفقد العقل مما أصابها من الثكل بولدها، كأنه قال: فقدتِ عقلَكِ لفقدِ ابنك، حتى جعلتِ الجنانَ جنةً واحدة، فالهمزةُ للاستفهام، والواو للعطف على مقدرٍ بعدها، وكذا (أَوَجنة) بفتح الهمزة والواو أيضًا. (الفردوس) هو أعلى الجنة، ومر الحديث في (غزوة بدر). * * * 6551 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرعِ".

السادس: (مسيرة ثلاثة أيام) إنما وسع ذلك؛ لأنه أبلغ في الإيلام. * * * 6552 - وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ، لَا يَقْطَعُهَا". 6553 - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ، مَا يَقْطَعُهَا". (وقال إسحاق) وصله أبو نُعيم في "المستخرج على مسلم". (الجوادَ) بالنصب مفعول (الراكب)، وهو الفرسُ البَيِّنُ الجودة. (المُضمر) -بالنصب أيضًا- من ضمرتُ الخيل تضميرًا، وضبطه الأصيلي بالرفع فيهما صفة للراكب، وعلى هذا تكسر ميم المضمر الثانية. والتضميرُ: أن تُعلف الخيل حتى تسمن، ثم لا يعلفها إلا قوتًا؛ لتخفَّ، وقيل: يشد عليها سروجها، ويجللها بالأجلة حتى تعرق، فيذهب لحمها ووهلها وتشتد.

6554 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ -لَا يَدْرِي أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ- مُتَمَاسِكُونَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ". السابع: (لا يدخل أولهم) إلى آخره، لا يقال: يستلزم الدورُ لتوقف الأول على الآخر، وبالعكس، لأنا نقول: يدخلون معًا صفًّا واحدًا، وهو دور معيّ لا استحالة فيه، وفي بعضها: (يدخل)، بدون كلمة (لا)، لكنها مقدرة، يدل عليها المعنى، أو (حتى) بمعنى (حين)، أو (مع)، أو معناه: استمرارُ دخول أولهم إلى دخول من هو آخر الكل. * * * 6555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ فِي الْجَنَّةِ كمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ". 6556 - قَالَ أَبِي: فَحَدَّثْتُ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ وَيَزِيدُ فِيهِ: "كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَارِبَ فِي الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ وَالْغَرْبِيِّ".

الثامن: (عن أبيه)؛ أي: أبي حازم. (ليتراءون)؛ أي: ينظرون. (الغابر) بالمعجمة والموحدة، أي: الذاهب، وفي بعضها: بالياء؛ أي: الغائر، وفي بعضها: (الغارب) براء ثم موحدة. (الشرقي) الكوكب في الشرق لا يكون غاربًا، فالمراد لازمُه، وهو البعدُ ونحوُه. * * * 6557 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نعمْ، فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ، أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي". التاسع: (لأهونُ)؛ أي: أسهلُ، وسبق الحديث مرارًا. * * *

6558 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ"، قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: الضَّغَابِيسُ، وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ، فَقُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَبَا مُحَمَّدٍ! سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ مِنَ النَّارِ"، قَالَ نعمْ. العاشر: (الثَعَارِير) جمع ثُعْرُور -بالمثلثة والمهملة وضم الراء الأولى-، ويقال بالسين بدل الثاء أيضًا: القثاء الصغار، ونباتٌ كالهليون، وثمر الطراثيث. (الضغابيس) جمع ضِغْبُوس -بمعجمتين وضم الموحدة وإهمال السين- هو أيضًا القثاءُ الصغار، والرجل الضعيف، والشوك الذي يؤكل، والغرض من التشبيه: بيان حالهم، وطراوة صورتهم، وتجرد خلقتهم. (وكان)؛ أي: عمرو. (قد سقط فمه)؛ أي: فلا يعطي الحروفَ حقَّها، ولهذا لُقب بالأثرم؛ إذ الثرم هو انكسار الأسنان، وهذا مقول حماد. وفي الحديث: إبطالُ مذهب المعتزلة في نفي الشفاعة للعصاة. * * *

6559 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ". الحادي عشر: (سفع) بمهملتين وفاء: حرارة النار، والسوافع: لوائح السموم. * * * 6560 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، يَقُولُ اللهُ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيَخْرُجُونَ قَدِ امْتُحِشُوا وَعَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقَوْنَ فِي نهرِ الْحَيَاةِ، فَينْبُتُونَ كمَا تنبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، أَوْ قَالَ: حَمِيَّةِ السَّيْلِ"، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ألمْ تَرَوْا أَنَّهَا تنبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟ ". الثاني عشر: (امتحشوا) من الامتحاش -بمهملة قبل الألف، ومعجمة بعدها-، وهو الاحتراق. (حُمَمًا) بضم المهملة وفتح الميم: الفحم. (الحِبّة) بكسر المهملة: بزر البقل والرياحين.

(حَميل السميل) غُثاؤه، وهو محموله، والحَمْأة -بفتح الحاء وسكون الميم وبكسرها والهمز-: الطين الأسود، وسبق الحديث في (الإيمان) في (باب تفضيل أهل الإيمان). (صفراء) قال (ن): لسرعة نباته يكون ضعيفًا، ولضعفه يكون أصفر ملتويًا، ثم بعد ذلك تشتد قوتهم. * * * 6561 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ". 6562 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاء، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ". الثالث عشر، والرابع عشر: (جمرة) وفي الحديث الذي بعده: (جمرتان) المراد بهما واحد؛ بقرينة القدمين؛ كما لو قلت: ضربت ظهر تُرْسَيْهِما، لا بد من إرادة ظهري تُرْسَيْهِما.

(المِرجل) بكسر الميم وفتح الجيم: القِدْر من الحجارة أو النحاس، وقال (ش) نقلًا عن ابن سيده في "شرح المتنبي": إنه قِدْر النحاس خاصة، وإنه مذكر من بين أسماء القِدر. (بالقُمْقُم) بضم القافين: آنية معروفة من زجاج، والباء للتعدية، ووجه التشبيه هو: كما أن النار تغلي المرجل الذي في رأسه قمقمه؛ بحيث تسري الحرارة إليها، وتؤثر فيها، كذلك النارُ تغلي بدنَ الإنسان؛ بحيث يؤدي أثره إلى الدماغ؛ وقيل: هو الماء الكثير، والقِمْقَام هو الرجل العظيم. قال ابن قُرْقُول في "المطالع": كذا في جميع الروايات، وذكر ابن الصابوني: والقُمْقُم، وهذا أبينُ إن ساعدته الرواية. قال (ع): قيل: هو الصواب. قال (ش): روي كذلك، ورواه مسلم مقتصرًا على المرجل. قال ابن الصابوني: والقُمْقُم فارسي معرَّب، وقال ابن عديس القضاعي في "الباهر": القمقم -بالكسر في القافين-: البُسْر المطبوخ، وأهل الحديث يروونه بالضم، وكذا حكاه (ش) عن المطرز، قال: قاله ابن السِّيد، وهذا أجودُ ما قيل فيه، ولم يقع صاحب "النهاية" على ذلك. * * * 6563 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ

بِوَجْهِهِ، فتعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، فتعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". الخامس عشر: (فأشاح)؛ أي: أعرضَ وصرفَ وجهَه. * * * 6564 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَباب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: "لَعَلَّهُ تنفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ". السادس عشر: (ضَحْضاح) بإعجام الضادين وإهمال الحاءين: ما رقّ من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، فاستعير في النار، وعملُ الكافر وإن كان يوم القيامة هباءً، فانتفاع أبي طالب ليس بعمله؛ بل ذلك من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -. (أُمّ دماغه)؛ أي: أصلُه، وما به قوامه، وقيل: الهامة، وقيل: جُليدة رقيقة تحيط بالدماغ. * * *

6565 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، فَاشْفَعْ لنا عِنْدَ رَبِّنَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئتَهُ وَيَقُولُ: ائْتُوا نُوحًا، أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ، فَيَأْتُونَهُ فَيقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئتَهُ، ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي اتَّخَذَهُ اللهُ خَلِيلًا، فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئتَهُ، ائْتُوا مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئتَهُ، ائْتُوا عِيسَى، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُم، ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَإذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، ثُمَّ أُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَقَعُ سَاجِدًا مِثْلَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، حَتَّى مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ"، وَكَانَ قتادَةُ يَقُولُ عِنْدَ هَذَا: أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ. السابع عشر: (جمع الله)؛ أي: في العَرَصات.

(لو) جوابها محذوف، أو هي للتمني. (يريحنا) من الإراحة؛ أي: من الموقف وأهواله، ويفصل بين العباد. (لسْتُ هُنَاكُمْ)؛ أي: ليس لي هذه المرتبة. (خطيئته) هي في آدم: أكلُه من الشجرة، ولنوح: دعوتُه على قومه، ولإبراهيم: معاريضُه الثلاث، ولموسى: قتلُه القبطي، وإنما قالوه تواضعًا وهضمًا للنفس، وإلا فالحقيقة هم معصومون مُطلقًا. (أول رسول)؛ لأن آدم، وإن قلنا: إنه أول رسول، إلا أن نوحًا أولُ رسول أنذرَ قومه بالعذاب، أو أول رسول له قوم. (غضب) نسبتُه إلى الله تعالى مجاز عن إظهار إيصال العقاب، وإلا فحقيقته فيه محال. (فيدعني)؛ أي: يتركني في السجود. (تُشَفَّع) من التشفيع؛ أي: تقبل شفاعتك. (حبسه القرآنُ)؛ أي: أخبر بخلوده؛ نحو: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، وقد سبق الحديث في (سورة بني إسرائيل). * * * 6566 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

"يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ". الثامن عشر: عُلِمَ شرحه مما سبق. * * * 6567 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ لَهَا: "هَبِلْتِ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَان كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى". 6568 - وَقَالَ: "غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ، لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا -يَعْنِي الْخِمَارَ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". التاسع عشر: (سهم غرب) بالإضافة والوصف؛ أي: غريبٌ لا يُدرى

من الرامي به. قال (ش): إنه روي هنا: (غرب سهم) بالتنوين على البدل من غرب، والمحفوظ: (سهمٌ غربٌ) بالتنوين على النعت، وبفتح الراء وسكونها. قال أبو زيد: بالفتح: إذا رمى شيئًا، فأصاب غيره، وبالسكون: إذا أتى السهم من حيث لا يدري، وقال الكسائي، والأصمعي: إنما هو: (سهم غرب) بفتح الراء مضاف: الذي لا يعرف راميه. (قِدّه) بكسر القاف وشدة المهملة: السوط؛ لأنه يُقَدّ، أي: يُقطع طولًا، وقيل: موضع قِدِّه؛ أي: شِراكه، ويروى: (قدمه) بالميم والإضافة، ويروى: (قدم) بلا إضافة. (ولنَصِيفُها) بفتح النون وكسر المهملة، وسبق الحديث أول (الجهاد). * * * 6569 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، لَوْ أَسَاءَ، لِيَزْدَادَ شُكْرًا، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، لَوْ أَحْسَنَ، لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً". العشرون: (لو أساء)؛ أي: لو عَمِلَ عَمَلَ السوء، وصار من أهل جهنم،

والجنةُ وإن كانت دار جزاء لا دار شكر، فالمراد هنا: تلذُّذهم، أو لازم الشكر، وهو الرضا والفرح. * * * 6570 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ". الحادي والعشرون: (مِنْ قِبَل نَفْسِه) بكسر القاف وفتح الموحدة؛ أي: من جهتها طوعًا ورغبة، ومرّ في (العلم) في (باب الحرص على الحديث). * * * 6571 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا، فَيَقُولُ اللهُ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلِ

الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ تَسْخَرُ مِنِّي، أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي وَأَنْتَ الْمَلِكُ"، فَلَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يُقَالُ: ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً. الثاني والعشرون: (حَبْوًا) بفتح المهملة وسكون الموحدة: المشي على اليدين، أو على الإست، ويروى: (كبوًا). (عشرة أمثال الدنيا) وجهُ الجمع بينه وبين {عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 21]: أن ذلك مذكور تمثيلًا للسَّعَة على قدر فهمنا، وإلا فعرضُها حقيقة لا يحيط به إلا اللهُ تعالى. (تسخر مِنِّي) إطلاق نسبة مثل هذه المعاني إلى الله تعالى المرادُ به: لوازمُها من الإهانة ونحوها. (وكان يقال) إلى آخره، ليس من تتمة كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بل من كلام الراوي نقلًا عن الصحابة أو أمثالهم من أهل العلم. * * * 6572 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نوفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ

52 - باب الصراط جسر جهنم

نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ. الثالث والعشرون: (هل نفعت) تمامه: "لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ في ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ"، وسبق آنفًا. * * * 52 - باب الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ (باب: الصراط جسر جهنم) جسر: بكسر الجيم وفتحها. 6573 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونها سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ

يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا ربُّنَا، فَإِذَا أتانَا ربُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ ربُّنَا؟ فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللهُ، فتخْطَفُ الناسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ الْمُوبِقُ، بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلنِي غَيْرَه؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ

يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ قَرِّبْني إِلَى باب الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلْنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَلَا يَزَالُ يَدْعُو، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلنِي غَيْرَه؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيُعْطِي اللهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى باب الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَوَ لَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلنِي غَيْرَه؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى حَتَّى تنقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ، فَيَقُولُ لَهُ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا. 6574 - قَالَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثهِ حَتَّى انتهَى إِلَى قَوْلِهِ: "هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَفِظْتُ: "مِثْلُهُ مَعَهُ". (سعيد) هو ابن المُسَيَّب. (تُضَارُّون) بالتشديد مبني للفاعل أو المفعول؛ أي: هل تضرون

أحدًا، وهل يضركم أحد بمنازعة أو بمضايقة، وبالتخفيف: من الضير بمعنى الضر. (كذلك)؛ أي: واضحًا جليًّا بلا مضارة، ولا يلزم منه المشابهةُ في الجهة، والمقابلةُ، وخروجُ الشعاع ونحوها؛ لأنها أمور لازمة للرؤية عادة لا عقلًا. (الطواغيت) الشياطين، والأصنام، ورؤوس الضلال، ولفظ الشمس، والقمر، والطواغيت مكرر، وفي بعضها بلا تكرر، فيقدر: ويومئذ، وإن لم يكن شمس ولا قمر؛ أي: على هيئتهما؛ بل الشمس مكورة، والقمرُ منخسفٌ، أو أن ذكرهما على سبيل التمثيل. (منافقوها) ظنوا أن تسترهم باختلاطهم بالمؤمنين ينفعهم حينئذ! {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13]. (فيأتيهم الله) هو من المتشابه، وفيه الطريقان: التفويض، والتأويل؛ فمن يُؤوّل قال: المراد: التجلي، وكشفُ الحجاب، وإن المراد بالصورة: الصفة، أو أن الكلام أُخرج على سبيل المطابقة. وقال بعض الأئمة: يتجلى لكلٍّ، فيراه بحسب عقيدته، فالمراد بقوله: (غير الصورة التي يعرفونها): أن ذلك للمنافقين، ومن كان يعتقده على خلاف ما هو به، وأما تجليه على ما هو به من نعوت الجلال، فهو في حق المؤمنين؛ فالاختلاف إنما هو في الرائين بحسب أحوالهم، وأما ربنا تعالى، فلا يلحقه تحوّل، ولا زوال، ولا تبدّل، ولا انتقال،

ولا تضرب له الأمثال. وقيل: إن المراد: أن الله تعالى سيظهر لهم صورة هائلة امتحانًا لهم؛ كما قال مسلم: إن قوله: في صورة معناه: بصورة، فـ (في) بمعنى الباء؛ كما في: {يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ} [البقرة:210]؛ أي: بظُلَل. (فيقولون: أنت ربنا) فيعرّفهم الله تعالى بخلق علم فيهم، أو بما عرفوا من وصف الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-. قلت: وكان شيخنا شيخ الإسلام البُلْقِيني - رحمه الله - يقرر لنا في مثله عقيدة لطيفة عظيمة: وهو أنه تعالى استأثر بصفات لم يكلف بها عباده؛ فإذا تجلى لهم في تلك الصفات، أنكروه، وإذا تجلى لهم في الصفة التي تعبّدهم بها في دار التكليف، عرفوه بذلك؛ فاعلمه! (جسر)؛ أي: ممدود على متن جهنم، أدقُّ من الشعر، وأحدُّ من السيف. (يُجيز) من أَجَزْت الواديَ، وجُزْتُه: قطعتُه، وقيل: معناه: لا يجوز أحد على الصراط حتى يجيزه هو - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: فهو يجيز الناس، أو الضمير في (يجيز) عائد إلى الله تعالى؛ أي: فأكون أولَ من يُجيزه الله تعالى. (كلاليب) جمع كَلُّوب؛ كتنّور، ويقال فيه: كُلَّاب، كزُنَّار، وهو المنشال. (السَّعْدَان): نبت من أفضل مراعي الإبل، له شوك عظيم من الجوانب مثل الحَسَك.

(فتخطف) بفتح الطاء وكسرها. (الموبَق): المهلَك. (المُخَرْدَل)؛ أي: المقطَّع بقدرِ الخردل، وقال الأصيلي: بالجيم: من الجردلة، وهي الإشراف على السقوط. (فرغ)؛ أي: أتم الحكم بين العباد. (أثر السجود)؛ أي: الجبهة، ويحتمل أن المراد: الأَعْظُمُ السبعةُ. (امتحشوا) بمهملة ثم معجمة: احترقوا، وفي بعضها بالبناء للمفعول. (الحِبّة) بكسر الحاء: بزر الرياحين. (قشبني) بقاف ومعجمة وموحدة: آذاني، والقشب: الإصابة بكل ما يُكره ويُستقذر. (ذَكاها) بفتح المعجمة والقصر: شدة الحر، واللهيب، والاشتعال، وقيل: بالمد أيضًا لغة. (أَغْدَرَكَ) فعلُ تعجب من الغدر، وهو نقضُ العهد، وتركُ الوفاء. (أشقى)؛ أي: شقيًّا، وإلا فمَنْ في جهنَم أشقى منه، أو المراد: أشقى الخلق الخارجين من النار بالإيمان. (ضحك) مجاز عن الرضا به، وإلا فهو محال على الله تعالى.

53 - باب في الحوض

(من كذا)؛ أي: من الجنس الفلاني، وهذا الرجل قيل اسمه: هنّاد -بالنون والمهملة-، وقيل: جُهينة، يقول أهلُ الجنة: سلوه: هل بقي في النار من المؤمنين أحد؟ فعند جُهينة الخبر اليقين. (وعشرة أمثاله) وجهُ الجمع بين هذا وبين رواية: (ومثله معه): أنه أخبر أولًا بالمثل، ثم أخبره بتفصيله بالعشرة. وفيه: وقوعُ الرؤية يوم القيامة، والعبور على الصراط، وفضل السجود، وخروج العاصي من النار، وتأنيس الله ولطفُه بعبده المؤمن، حتى صدر منه هذا الإدلال، وبيانُ كرم أكرم الأكرمين، وجوازُ نقض العهد بما هو أفضلُ كأنه من باب: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا"، وسبق الحديث في (الصلاة) في (فضل السجود). * * * 53 - باب فِي الْحَوْضِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ". (كتاب الحوض) أي: الذي لنبينا - صلى الله عليه وسلم - على باب الجنة، يُسقى المؤمنون منه، وهو

مخلوق اليوم، وأحاديثُه متواترة في المعنى، والإيمانُ به واجبٌ، وهو الكوثر. (وقال عبد الله) موصول في (المناقب). * * * 6575 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ". الحديث الأول: (فَرَطكمْ) بفتح الراء؛ أي: سابقكم، والفَرَط: هو المتقدم على الواردين ليصلحَ لهم الحِياض والدلاءَ، وتهيئة الماء. ففيه: بشارةٌ لهذه الأُمة، فهنيئًا لمن كان - صلى الله عليه وسلم - فَرَطَه. * * * 6576 - وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَيُرْفَعَنَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ، ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ". تَابَعَهُ عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، وَقَالَ حُصَيْنٌ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

الثاني: (لَيُخْتَلَجُنّ) بالبناء للمفعول؛ أي: يُعْدَلُ بهم عن الحوض، ويُجْذَبون من عنده، وهم إما المرتدون، أو العصاة. (تابعه عاصم) وصله الحارثُ بنُ أبي أُسامةَ في "مسنده". (وقال حُصين) وصله مسلم. * * * 6577 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَمَامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ". الثالث: (جَرْبا) بفتح الجيم وسكون الراء وبالموحدة، مقصور عند الجمهور: البكريِّ، وغيره، وفي بعضها ممدود. (وأَذْرُح) بهمزة مفتوحة ومعجمة ساكنة وراء مضمومة وحاء مهملة. في "مسلم": قال عُبيد الله: فسألتهُ؟ فقال: قريتان بالشام بينهما مسيرةُ ثلاثة ليال، انتهى. واستشكل بأمرين: أحدهما: أن هذين موضعان بقرب بيت المقدس بينهما مسيرة ساعة تقريبًا، والتشبيه في البعد بساعة مباينٌ لمقام المبالغة في البعد. والثاني: ورد رواية: (كَمَا بَيْنَ المَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ).

وأُجيب عن الأول: بأن فيه اختصارًا، وأصلُه: كما بين المدينة، وجربا وأذرح؛ أي: لأنهما في حكم موضع واحد، ولهذا يستعملان مقارنين كماه، وجور والقدس، والخليل، وصرح بذلك في رواية الدراقطني، وهي: (ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وجربا وأذرح). قال (ك): أو أن المبالغة حاصلةٌ في مسير ساعة؛ لأن السَّعة أمرٌ إضافي يختلف باختلاف المقامات، أو كان في الأول هذا المقدار، ثم زاد الله من فضله عليه. ويحتمل أن لا يكون وجه التشبيه بيانَ طولِ الحوض، وعرضِه؛ بل المشابهةُ في الأمامية؛ أي: كما أن ما بينهما يعني المسجد الأقصى أمامي مقارنًا لما بينهما، وفي بعض النسخ لفظة: (بين) مفقودة. وعن الثاني: أن هذا التشبيه في البعد لمَّا كان على جهة التمثيل، وبعد أقطار الحوض، خاطب - صلى الله عليه وسلم - أهلَ كلِّ جهة بما يعرفون من المواضع، وما يعدُّونه بعيدًا. * * * 6578 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بن محَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، وَعَطَاءُ بن السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَال: الْكَوْثَرُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ الله إِيَّاهُ، قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدٍ: إِنَّ أُنَاَسًا يَزْعُمُونَ أنَّه نهرٌ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ الله إِيَّاهُ.

الرابع: عرف مما سبق. * * * 6579 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا". الخامس: (أبيض)؛ أي: أشد بياضًا، ففيه: مجيء أَفْعَلِ التفضيلِ من اللون، وهو قولُ الكوفيين، وربما نُقل عنهم تخصيصُه بالسواد؛ لأنهما الأصل، وسائرُ الألوان مركبةٌ منهما، والبصريون يوجبون التوصل بأشدّ ونحوه، فيقولون: أشدّ بياضًا من كذا، ويشهد للكوفيين قوله: جارية في دِرْعِهَا الفَضْفَاضِ ... أَبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَنِي أَبَاضِ وجعله ابنُ مالك من المحكوم بشذوذه، وقال غيره: ليس من التفضيل؛ بل بمعنى: مبيضّ. * * * 6580 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

قَالَ: "إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ". السادس: (أَيْلَة) بفتح الهمزة وسكون الياء وفتح اللام: مدينة آخر الحجاز وأول الشام. (وَصنْعَاء) بفتح المهملة الأولى: بلدة باليمن. والجمعُ بين هذه الأحاديث ما سبق قريبًا، وقيل: ليس في القليل منعه للكثير، فلا تعارض. * * * 6581 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثنا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسُ ابْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَينَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِباب الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ، أَوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ"، شَكَّ هُدْبَةُ. السابع: (شهر) لا ينافي كونَهُ حوضًا؛ لإمكان اجتماعهما.

(حافتاه) بتخفيف الفاء: جانباه. (أذفر) بمعجمة وفاء وراء: الشديد الرائحة، الجيد في الغاية. (شكَّ هُدْبة)؛ أي: في أنه بموحدة، أو بنون. * * * 6582 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ ناَسٌ مِنْ أَصحَابِي الْحَوْضَ، حَتَّى عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُوني، فَأقولُ: أَصحَابِي، فَيقولُ: لَا تَدرِي مَا أَحْدَثُوا بَعدَكَ". الثامن: سبق شرحه. 6583 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي فَرَطُكُم عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهمْ ويعرِفُوني، ثُمَّ يُحَالُ بَيني وَبَيْنَهُم". 6584 - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: هكَذَا سَمِعتَ مِنْ سَهْلٍ؟ فَقُلْتُ: نعم، فَقَالَ: أَشْهدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ لَسَمِعتُهُ وَهْوَ يَزِيدُ فِيها: "فَأقولُ إِنَّهم مِنِّي، فَيُقَالُ:

إِنَّكَ لَا تدرِي مَا أَحدَثُوا بَعْدَكَ، فَأقولُ: سُحْقًا سُحقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعدِي"، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُحقًا بُعدًا، يُقَالُ: سَحِيقٌ بَعِيدٌ، وَأَسْحَقَهُ أَبْعَدَهُ. التاسع: (لم يظمأ)؛ أي: لم يعطش. وفيه: أن الشرب منه يكون بعد الحساب والنجاة من النار، وأن المارين عليه كلهم يشربون، وإنما يمنع من يذاد عنه، فلا يصر عليه. (سحقًا)؛ أي: بعدًا، وكرر للتأكد، وهو نصب على المصدر، وهذا مشعر بأنهم مرتدون عن الدّين؛ لأنه يشفع للعصاة، ويهتم بأمرهم، ولا يقول لهم مثل ذلك. * * * 6585 - وَقَالَ أَحمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَرِدُ عَلَيَّ يَومَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصحَابِي، فَيُحَلَّؤُنَ عَنِ الْحَوْضِ، فَالولُ: يَا رَبِّ! أَصحَابِي، فَيقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحدَثُوا بَعدَكَ، إِنَّهُمُ ارتَدُّوا عَلَى أَدبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى". (وقال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وبموحدة مكررة، وصله

أبو عَوانة في "صحيحه"، والإسماعيلي. (فَيُحَلَّؤُون) بمهملة وهمز: من التَّحْلِئَة، وهو المنع، يقال: حَلَّأهَ عن الماء: طرده. قال (ك): وفي بعضها بالمعجمة. * * * 6586 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ صَالحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَني يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِنْ أَصحَابِي، فَيُحَلَّؤُنَ عَنْهُ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ! أصحَابِي، فيقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحدَثُوا بَعدَكَ، إِنَّهُمُ ارتَدُّوا عَلَى أَدبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى"، وَقَالَ شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: فَيُجْلَونَ، وَقَالَ عُقَيلٌ: فَيُحَلَّؤُنَ، وَقَالَ الزُّبَيدِيُّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافع، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وقال شعيب) وصله الذُّهْلِي في "الزُّهْرِيات". (عن الزهريّ: كان أبو هريرة) سيأتي أنه روى ذلك عنه بواسطتين؛ فالظاهر أن هذا فيه انقطاع؛ لأن الزُّهْري عند وفاة أبي هريرة كان عمره ست سنين، أو سبع.

(فيجْلون)؛ أي -بالجيم الساكنة- من جلا القومُ عن منازلهم؛ أي: خرجوا، وأجلَى لغةٌ. (وقال عُقَيل) وصله الذُّهْلي أيضًا في "الزُّهْريات". (فيحلؤون)؛ أي: -بحاء مهملة-. (وقال الزُّبَيدي) وصله الذُّهْلِي أيضًا، والدارقطني في "الأفراد". (عن عبيد بن أبي رافع) هذا هو الصواب كما قال الغساني، وما في بعض النسخ من كونه مُكبرًا وَهْمٌ. العاشر: (عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) لا يضر إبهامُهم؛ لأن الكلَّ عدول. * * * 6587 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْح، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُم خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْني وَبَينهِم، فَقَالَ: هلُمَّ، فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأنهم؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارتَدُّوا بعدَكَ عَلَى أَدبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، ثُمَّ إِذَا زُمرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهم خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْني وَبَيْنهم، فَقَالَ: هلُمَّ، قُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللهِ، قُلْتُ: مَا شَأْنهم؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارتَدُّوا بَعدَكَ عَلَى أَدبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُم إِلَّا مِثْلُ همَلِ النَّعَم".

الحادي عشر: (هَلُمَّ)؛ أي: تعالَوْا، وهو خطاب للزمرة، وهو على لغة من لا يقول: هلمَّا، وهلمُّوا، والظاهر أن هذا الرجل مَلَكٌ على صورة إنسان. (هَمَل) بفتحتين؛ أي: لا يزال هملًا، لا يتعهد، ولا يرعى حتى يضيع ويهلك؛ أي: لا يخلص منهم من النار إلا قليلًا، وهو مشعر بأنهم صنفان: كفار، وعصاة، وواحدُ الهملِ هاملٌ. * * * 6588 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي". الثاني عشر: (روضة)؛ أي: ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة، فهو حقيقة، أو أن العبادة [فيه] تؤدي إلى روضة الجنة، فهو مجاز باعتبار المآل، أو تشبيه؛ أي: هو كروضة، وسميت تلك البقعة المباركة روضة؛ لأن زوار قبره - صلى الله عليه وسلم - من الملائكة، والجن، والإنس لا يزالون مُكِبِّين فيها على ذكر الله - عز وجل -. (ومنبري) قيل: منبره الذي كان في الدنيا بعينه، وقيل: له منبر

هناك على حوضه يدعو الناس عليه إلى الحوض. قال (خ): فيه: تفضيل المدينة، والترغيبُ في المقام فيها، والاستكثار من ذكر الله تعالى في مسجدها، وأن من لزم الطاعة فيه، آلت به إلى روضة الجنة، ومن لزم الطاعة عند المنبر، سُقي في القيامة من الحوض. * * * 6589 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعبةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكَ قَالَ: سَمعتُ جُنْدَبًا قَالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكم عَلَى الْحَوْضِ". 6590 - حَدَّثَنَا عمرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقبةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنِّي فَرَطٌ لَكُم، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكم، وَإنِّي وَاللهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وإنِّي أُعطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَزضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الأرضِ، وَإنِّي وَاللهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكم أَنْ تُشْرِكُوا بعدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكم أَنْ تنافَسُوا فِيها". الثالث عشر، والرابع عشر: (فصلى)؛ أي: دعا لهم بدعاء صلاة الميت. (أن تشركوا بعدي) لا يعارض ذلك بمن ارتد بعد موته - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن

ذلك وقع لبعض الأعراب، أو يقال: المراد: عدمُ ارتداد الكل، فلا ينافيه ردةُ البعض. (تنافسوا) من التنافس، وهو التراغب والتنازع. وفيه: معجزة الإخبار بأن أُمته تملك خزائن الأرض، وأنها لا ترتد جملة، وأنها تتنافس في الدنيا، ووقع ذلك كله. * * * 6591 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَرَميُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شعبةُ، عَنْ معبَدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّهُ سَمعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَذَكَرَ الْحَوْضَ، فَقَالَ: "كمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ". 6592 - وَزَادَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعبةَ، عَنْ معبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَارِثَةَ، سَمعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَولَهُ: حَوضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: ألم تَسْمعهُ قَالَ: الأَوَانِي؟ قَالَ: لَا قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ: تُرَى فِيهِ الآنيةُ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ. الخامس عشر: (مثل الكواكب)؛ أي: في الكثرة، والضياء، وهذا، وإن كان ظاهره أنه موقوف؛ لأنه لم يرفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - صريحًا؛ لكنه مرفوعٌ بدلالة السياق. * * *

6593 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مريَمَ، عَنْ ناَفِعِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ، حَتَّى أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُم، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُوني، فَأقولُ: يَا رَبِّ! مِني وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هلْ شَعَرتَ مَا عَمِلُوا بَعدَك؟ وَاللهِ مَا بَرِحُوا يَرجِعُونَ عَلَى أَعقَابِهم"، فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نعوذُ بِكَ أَنْ نرجِعَ عَلَى أعقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِيننَا، {أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ}: تَرجِعُونَ عَلَى الْعَقِبِ. السادس عشر: (وسيؤخذ أُناس) بالخاء المعجمة؛ من الأخذ. (ما برحوا)؛ أي: ما زالوا.

82 - كتاب القدر

82 - كتاب القدر

1 - باب في القدر

82 - كتاب القدر 1 - باب فِي الْقَدَرِ (كتاب القَدَر) القضاء: هو حكم الله تعالى الكلِّيُّ الإجماليُّ في الأزل، والقَدَر: هو جزئياتُ ذلك الحكم وتفاصيلُه؛ قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21]، ومذهب أهل الحق: أن الكلَّ من الله، خيرًا وشرًّا، نفعًا وضرًّا، إيمانًا وكفرًا؛ لا يجري شيء في ملكه إلا بقدره وإرادته. 6594 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، أَنْبَأنِي سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ زيدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصدُوقُ قَالَ: "إِنَّ أَحَدكُم يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيؤْمَرُ بِأَربَعٍ بِرِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ

سَعِيدٌ، فَوَاللهِ إِنَّ أَحَدكم، أَوِ الرَّجُلَ يَعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنها غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدخُلُها، وَإِن الرَّجُلَ لَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها غَيْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيدخُلُها"، قَالَ آدَمُ: إِلَّا ذِرَاعٌ. الحديث الأول: (المصدوق)؛ أي: الذي أخبره جبريل -عليه الصلاة والسلام- بالخبر الصادق، ويحتمل أن المراد: المصدوقُ من جهة الناس، كونُه صادقًا مصدوقًا معلومٌ يقينًا؛ ولكن ذكر لأن المخبر به هنا مخالف للطِّبّ؛ فإن عندَهم يصور الجنين فيما بين ثلاثين يومًا إلى أربعين، فأشير بذلك إلى أن ما يقوله حق، وأن قول الأطباء باطل، وذكر للتلذذ والتبرك والافتخار. (ثم يبعث)؛ أي: يأمره بالتصرف، وهو معنى قوله في الرواية الآتية: (وكل). (برزقه) هو الغذاء، حلالًا أو حرامًا، وقيل: كلُّ مما متع به، ولو علمًا ونحوه. (وأجله) يطلق على مدة العمر، وعلى الجزء الأخير منه؛ كما في: {فإذا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 34]، والمراد بما ذكر هنا: إعلامُ المَلَك بما هو مقضيٌّ في الأزل، إلا أن الحكم بذلك الان، ولم يذكر الرابع في هذا الحديث، وذكر في الحديث بعده، وهو: (أذكرًا أو

أُنثى)؟ أو العمل؛ كما في الحديث السابق أول (كتاب بدء الخلق)، فهو إما اختصار؛ لشهرته، أو لأن المذكور يستلزمه؛ نعم يجتمع بالذكورة والأنوثة، وبالعمل خمسةٌ، وهو قد قال: أربعة؛ لأن العدد لا ينفي أكثر منه، أو العلمُ بالذكورة والأنوثة يستلزم العلمَ بالعمل؛ لأن عملَ الرجل يخالف عملَ المرأة. (غير ذراع أو ذراعين) في بعضها: (غير ذراع أو ذراع) بالرفع والإفراد؛ أي: ما يكون بينهما إلا ذراعٌ أو أقلُّ من ذراع، والقصدُ: قربه، لا التحديد بذلك. (الكتاب)؛ أي: مكتوب الله تعالى عليه في الأزل؛ أي: قضاؤه. (وقال آدم)؛ أي: ابنُ أبي إياسٍ، وهو موصول في (التوحيد). * * * 6595 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادة، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَكَّلَ اللهُ بِالرَّحِم مَلَكًا، فَيقولُ: أَيْ رَبِّ! نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ! عَلَقَة، أَيْ رَبِّ! مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَها قَالَ: أَيْ رَبِّ! ذَكرٌ أمْ أُنْثَى؟ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ". الثاني: (يقضي خلقها)؛ أي: يتمُّه.

2 - باب جف القلم على علم الله

(في بطن أمه)؛ أي: الكتابة وهو في بطن أُمه؛ أما المكتوب فيه، فهو الجبهة، أو الرأسُ مثلًا، وسبق الحديث في (الحيض). * * * 2 - باب جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللهِ {وَأَضَلَّهُ اللهُ على عِلْمٍ}، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ"، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَهَا سَابِقُونَ}: سَبقَتْ لَهُمُ السَّعَادة. (باب: جفَّ القلمُ على علم الله) أي: حكمِه؛ لأن معلومه لا بدَّ أن يقع بعلمه بمعلوم يستلزم الحكم بوقوعه. (وقال أبو هريرة) موصول في أوائل (النكاح). (جف) معناه: لم يتغير حكمُه؛ لأن الكاتب لما أن يجف قلمه من المداد لا يبقى له كتابة. (بما أنت لاقٍ)؛ أي: بما تلقاه، وتصل إليه؛ قال تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]، بمعنى أنهم سبقوا الناس للسعادة، لا أنهم سبقوا السعادة، حتى يكون مخالفًا لتفسير ابن عباس الدال على أن السعادة سابقة.

6596 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرِّشْكُ قَالَ: سَمعتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ، عَن عمرَانَ بْنِ حُصَين قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللهِ! أيَعرَفُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّار؟ قَالَ: "نعم"، قَالَ: فَلِمَ يعمَلُ الْعَامِلُون؟ قَالَ: "كُل يَعمَلُ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَوْ لِمَا يُسِّرَ لَه". (الرِّشْك)؛ أي: بكسر الراء وسكون المعجمة وبالكاف: صفة لـ (يزيدَ)، وهو ابنُ سنان. قال الكلاباذي: معنى الرشك: القسام، وقال الغساني: هو بالفارسية الغيور، وقيل: كبير اللحية، قيل: بلغ طولُ لحيته إلى أنها دخلت فيها عقرب، ومكثت ثلاثة أيام، ولا يدري بها!. قال (ك): الرِّشْك بالفارسية: القمل الصغير يلتصق بأصول الشعر، فعلى هذا الإضافة إليه أولى من الصفة. (فَلِمَ) بكسر اللام، فإن قيل: المعرفة إنما هي بالعمل؛ لأنه أمارة، فما وجه سؤاله؟ قيل: معرفتنا بالعمل، أما معرفة الملائكة -مثلًا-، فسابقة؛ فإن الغرض من لفظ (أتعرف): أتميز، ويفرق بينهما بحسب قضاء الله وقدره. * * *

3 - باب الله أعلم بما كانوا عاملين

3 - باب اللهُ أعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ (باب: الله أعلمُ بما كانوا عاملين) 6597 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَار، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "اللهُ أعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِين". 6598 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَير، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَني عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "اللهُ أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِين". الحديث الأول، والثاني: (ذَرَارِيّ) بتشديد الياء وتخفيفها. قال (ن) (¬1): في أطفال المشركين ثلاثة مذاهب؛ الأكثر: أنهم في النار، وتوقَّفَ طائفةٌ، والثالث، وهو الأصح: أنهم من أهل الجنة. قال البيضاوي: الثوابُ والعقاب ليس بالأعمال، وإلا لزم أن ¬

_ (¬1) (ن) ليس في الأصل.

تكون الذراري لا في الجنة، ولا في النار؛ بل الموجب لهما هو اللطف الرباني، والخذلانُ الإلهيُّ المقدرُ لهم في الأزل، فالأولى فيهم التوقف. * * * 6599 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا معْمَرٌ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهوِّدانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيمَةَ، هلْ تَجدُونَ فِيها مِنْ جَدعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنتم تَجْدَعُونها؟ ". 6600 - قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! أفرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهْوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِين". (إسحاق) يحتمل ابن إبراهيم السّعدي، وابن إبراهيم الحنظلي، وابن منصور الكوسج؛ فالبخاري يروي عن الثلاثة كما قال الكلاباذي. (الفطرة)؛ أي: قابلية دين الحق، فلو تركوا وطبائعهم، لما اختاروا دينًا آخر. (تُنْتِجُونَ) بالبناء للفاعل. (جَدْعاء)؛ أي: مقطوعة الطرف؛ أي: فأبواه يغيرانه عن الحق كتغيير البهيمة السليمة.

4 - باب وكان أمر الله قدرا مقدورا

والحاصل: أن الضلالة بسبب خارج، لا من ذاتِ المولود وطبعِه، فإذا خلا من شياطين الإنس والجن، لم يخرج عن فطرته، ومر آخر (الجنائز). * * * 4 - باب وَكَانَ أَمرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (باب: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38]) 6601 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَسْأَلِ الْمَرْأةُ طَلاَقَ أُخْتِها لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتها، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَها مَا قُدَرَ لَها". الحديث الأول: (أُختها)؛ أي: نسبًا، أو إيمانًا، فنهيت أن تسأل طلاقها لينكحها، وتخلفها في نفقة وعشرة، وغير ذلك. مر في (النكاح). * * * 6602 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ

جَاءَهُ رَسُولُ إحدَى بَنَاتِهِ، وَعِنْدَهُ سَعدٌ وَأُبَيُّ بْنُ كعْبٍ وَمُعَاذٌ: أَن ابْنَها يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْها: "لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَللهِ مَا أَعْطَى، كُلٌّ بِأَجَلٍ، فَلْتَصبرْ وَلْتَحْتَسِبْ". الثاني: سبق في (الجنائز) كما هنا. (ابنها) وفي (كتاب المرضى): (بنتها). قال (ط): لم يضبطه رواية؛ فمرة روى: (صبيًّا)، وأخرى: (صبية). * * * 6603 - حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيُّ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدرِيَّ أَخْبَرَهُ: أنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ رَجُلٌ مِنِ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّا نُصِيبُ سَبْيًا وَنُحِبُّ الْمَالَ، كَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَ إِنَّكم تَفْعَلُونَ ذَلِكَ، لَا عَلَيْكُم أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كتَبَ اللهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا هِيَ كَائِنةٌ". الثالث: (رجل) هو أبو صرمة بن قيس.

(سبايا)؛ أي: جواري مَسْبِيات. (العَزْل) هو نزعُ الذَّكَر من الفرج وقتَ الإنزال. (نَسَمة) بفتحيتن: نفس. (كتب)؛ أي: قدر، وسبق آخِرَ (البيع). * * * 6604 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَقَد خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خُطْبةً، مَا تَرَكَ فِيها شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، إِنْ كنْتُ لأَرَى الشَّيْءَ قَدْ نَسِيتُ، فَأَعْرِفُ مَا يعرِفُ الرَّجُلُ إِذَا غَابَ عَنْهُ، فَرآهُ فَعَرَفَهُ. الرابع: (إنْ كنت) مخففة من الثقيلة، يعني: أنسى شيئًا، ثم أتذكره، فأعرف أنه ذلك بعينه. * * * 6605 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ عُود يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ وَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّار أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ

5 - باب العمل بالخواتيم

الْقَوْمِ: أَلاَ نتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لَا، اعمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيَةَ. الخامس: (ينكت)؛ أي: يضرب برأسه. (نتكل)؛ أي: نعتمد على مقدر الأزل، ونترك العمل. (اعملوا)؛ أي: فكلُّ أحدٍ يُجريه القضاء لما خُلق له قهرًا. وحاصله: أن الوأجب عليكم متابعةُ الشريعة، لا تحقيقُ الحقيقة، فلا نترك الظاهرَ للباطن، وسبق بيانه في (الجنائز) في (باب موعظة المحدث). * * * 5 - باب الْعَمَلُ بِالْخَوَاتِيمِ (باب: العمل بالخواتيم) 6606 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: شَهِدنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإسْلاَمَ: "هذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ

مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، وَكثُرَتْ بِهِ الْجرَاحُ فَأَثْبَتَتْهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ الَّذِي تَحَدَّثْتَ أنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَدْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، فَكَثُرَتْ بِهِ الْجرَاحُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّار"، فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَرْتَابُ، فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إذْ وَجَدَ الرَّجُلُ ألمَ الْجرَاح، فَأهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانتَهِ، فَانتزَعَ مِنْها سَهْمًا فَانتحَرَ بِها، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ، قَدِ انتحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نفسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بِلاَل! قُم فَأَذِّنْ، لَا يَدخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وإنَّ الله لَيُؤَيِّدُ هذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ". الحديث الأول: (حِبَّان) بكسر المهملة وفتح الموحدة. (خيبر) بالمعجمة والراء. (القتال) بالرفع والنصب. (قاتل الرجل) هو قُزْمَان. (الجراح) جمع جراحة. (فأثبتته)؛ أي: أثخنته، وجعلته ساكنًا لا متحركًا. (يرتاب)؛ أي: يشكّ في الدِّين؛ لأنهم رأوا الوعدَ شديدًا. * * *

6607 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَعْظَم الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاها مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُر إِلَى هذَا"، فَاتَّبَعَهُ رجلٌ مِنَ الْقَوْمِ، وَهْوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعجَلَ الْمَوْتَ، فَجَعَلَ ذُبابةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَديَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْرِعًا، فَقَالَ: أَشْهدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟، قَالَ: قُلْتَ لِفُلاَنٍ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ"، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعجَلَ الْمَوْتَ فَقتلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، وإنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَعمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأعْمَالُ بِالْخَوَاتِيم". الثاني: (غَناء) بفتح ومد: بمعنى الإجزاء. (ذُبابه): طرفـ[ـه]، ولا ينافي ما في الرواية الأولى: (نحر نفسه)؛ لاحتمال أنه فعلهما معًا. (الأعمال)؛ أي: اعتبارُ الأعمال لا يثبت إلا بالنظر إلى الخاتمة؛ أي: عاقبةُ حال الشخص هي المعتبرة عند الله تعالى، ولهذا لو كان

6 - باب إلقاء النذر العبد إلى القدر

كافرًا، فأسلمَ عند الموت، كان من أهل الجنة، وعكسه بالعكس. وفي الحديث معجزةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 6 - باب إِلْقَاء النَّذْرِ الْعَبْدَ إِلَى الْقَدَرِ (باب: إِلْقَاءِ النَّذْرِ الْعَبْدَ إِلَى الْقَدَرِ) قال (ش): هو بنصب (العبد)، وقد بينه قولُه: (ولكن يلقيه القدر)، وقال: ويروى: (باب: إلقاء العبد النذرُ) برفع (النذر)، انتهى. لا يقال: الترجمةُ مقلوبةٌ؛ إذ القدرُ هو الملقي؛ بدليل: (يلقيه القدر)؛ لأن (ك) قال: هما صادقان؛ إذ بالحقيقة القدرُ هو الموصل، وبالظاهر هو النذر؛ لكن كان الأولى في الترجمة ما يوافق الحديث، إلا أن يقال: إنهما متلازمان، والنذرُ التزامُ قربة، فالقربةُ نفسُها ليست منهيةً؛ بل المنهيُّ التزامها؛ إذ ربما لا يقدر على الوفاء. فإن قيل: الصدقة تردُّ البلاء، وهذا التزامُ الصدقة. قيل: لا يلزم من رد الصدقة التزامُها. قال (خ): هذا باب غريبٌ من العلم أن ينهى عن الشيء أن يفعل، حتى إذا فعل كان واجبًا. * * *

7 - باب لا حول ولا قوة الا بالله

6608 - حَدَّثَنَا أَبُو نعيم، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّذْرِ، قَالَ: "إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ". 6609 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَأتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ، وَقَد قَدرْتُهُ لَهُ، أَستَخْرِجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ". الحديث الأول، والثاني: (وإنما يستخرج به من البخيل) دليل لوجوب الوفاء بالنذر. * * * 7 - باب لَا حَوْلَ وَلَا قُوة اِلا بِاللهِ (باب: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله) فيه خمسةُ أوجه مشهورة، وفي (بالله) نوعُ تنازع عاطفين. 6610 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا خَالدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ، فَجَعَلْنَا لَا نَصْعَدُ شَرَفًا، وَلَا نعلُو

8 - باب المعصوم من عصم الله

شَرَفًا، وَلَا نَهْبِطُ فِي وَادٍ، إِلَّا رَفَعْنَا أَصوَاتنا بِالتَّكْبِيرِ، قَالَ: فَدَناَ مِنَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَا أيها النَّاسُ! ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم، فإنَّكم لَا تَدعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا"، ثُمَّ قَالَ: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً هِيَ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِالله". (في غَزاة)؛ أي: خيبر. (شَرَفًا) بفتح المعجمة، والفاء والراء؛ أي: مكانًا عاليًا. (اربَعُوا) بفتح الموحدة؛ أي: ارفُقوا بأنفسكم، واخفِضوا أصواتكم. (أصمَّ) في بعضها: (أصمًّا)، وكأنه للتناسب. (من كنوز الجنة)؛ أي: لها ثواب مُدَّخرٌ نفيسٌ كالكنز. * * * 8 - باب الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ عَاصِمٌ: مَانِعٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ: سُدًا عَنِ الْحَقِّ، {يَتَرَدَّدُونَ} فِي الضَّلاَلَةِ، {دسَّاها}: أَغْوَاها. (باب: المعصوم من عصمه الله) قوله: (عاصم)؛ أي: من قوله تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ

9 - باب {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}، {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}، {ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا}

إلا مَنْ رَحِمَ} [هود؛ 43]. (سُدًى) هو من قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]؛ أي: مهملًا مترددًا في الضلالة. (دَسَّاها)؛ أي: من قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10]؛ أي: أغواها، ومناسبة هاتين الآيتين للترجمة: بيانُ أن مَنْ لم يعصمه الله تعالى، كان سُدًى، وكان مُغْوًى. * * * 6611 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلَّا لَهُ بِطَانتَانِ: بِطَانةٌ تأمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانة تأمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعصُومُ مَنْ عَصَمَ الله". (بطانة) بكسر الموحدة: هو الصاحب، الوليجة: المشاور. (تأمره) دليل على أنه لا يشترط في الأمر علوٌّ ولا استعلاء. * * * 9 - باب {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}، {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلا مَنْ قَدْ آمَنَ}، {وَلَا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا} وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ النُّعمَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحِرْمٌ

-بِالْحَبَشِيَّةِ-: وَجَبَ. (باب: قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95]) الغرض من ذكرها، وذكرِ الآيتين بعدها: أن الإيمان والكفر بتقدير الله تعالى. (منصور بن النعمان) قيل: صوابه: منصور بن المُعتمر السلمي الكوفي، وقيل بالعكس. * * * 6612 - حَدَّثَنِي مَحمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أشْبَهَ بِاللَّمَم مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ، وَيُكَذِّبُهُ". (باللَّمَم)؛ أي: صغار الذنوب، وأصلُهْ ما يُلِمُّ به الشخصُ من شهوات النفس، والمفهوم من كلام ابن عباس: أنه النظر، والمنطق، والتمني.

10 - باب {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}

قال (ح): يريد به: المعفوَّ عنه، المستثنى في كتاب الله تعالى في قوله: {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32]. (لا مَحالة) بفتح الميم؛ أي: لا بد له من ذلك، ولا محوّل له عنه. (فزنى) سمي ذلك زِنًا؛ لأنه من مقدماته. (تَمَنَّى) مضارع حذفت منه إحدى التاءين. (يصدِّق ذلك ويكذِّبه) إطلاقهما من التشبيه، وإنما هما من صفات الأخبار، وسبق أول (كتاب بدء السلام). * * * 6612 / -م - وَقَالَ شَبابةُ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وقال شبابة) وصله الطبراني في "الأوسط". * * * 10 - باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (باب: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]) 6613 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمرٌو، عَنْ

11 - باب تحاج آدم وموسى عند الله

عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}، قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِيَ به إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}، قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. (رؤيا عين)؛ أي: في اليقظة، لا رؤيا منام. (الزقوم) شجرة بجهنم طعامُ أهل النار. * * * 11 - باب تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسى عِنْدَ اللهِ (باب: تحاجّ آدمَ وموسى عليهما الصلاة والسلام) أي: تناظرا. 6614 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمرٍو، عَنْ طَاوُس، سَمِعتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ! أَنْتَ أَبُونَا، خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى! اصطَفَاكَ اللهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أتلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى" ثَلاَثًا.

6614 / -م - قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. (خَيَّبتنا)؛ أي: أوقعتنا في الخيبة، وهي الحرمان؛ أي: كنتَ سببًا، فنسب الشيء إلى سببه. (الجنة) هي دار الجزاء في الآخرة، خلقت قبل آدم. (بيده) من المتشابه، وفيه: التفويضُ، والتأويلُ بالقدرة، والغرضُ منه: كتابةُ ألواح التوراة. (بأربعين سنة) تقديره بذلك باعتبار كتابته في اللوح المحفوظ، أو في صحف التوراة، وإلا فتقدير الله تعالى أزلي. (فحجَّ آدمُ) بالرفع بلا خلاف؛ أي: غلبه بالحجة. (ثلاثًا)؛ أي: قال: فحج آدمُ موسى ثلاثَ مرات، ولا ينافي ما سبق في (كتاب الأنبياء) أنه قاله مرتين، وأما التقاؤهما، فقيل: بالأرواح، وقيل: بالأبدان، ولا يبعد أن الله تعالى أحياهما كما جاء في ليلة الإسراء، أو أحيا آدم في حياة موسى -عليهما السلام-. وقال (خ): إنما حجه آدم في رفع اللوم، إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحدًا به، وأما الحكم الذي تنازعاه، فإنما هما فيه سواء؛ إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القَدَر، ولا أن يبطل الكسب الذي هو السبب ظاهرًا، ومن فعل واحدًا منهما، خرج عن القصد إلى أحد الطرفين: مذهبِ القدر، أو الجبر.

12 - باب لا مانع لما أعطى الله

قال (ن): معناه: إنك تعلم أنه مقدَّر، فلا تلمني، وأيضًا: فاللوم شرعي لا عقلي، واذا قال: كانت معصية بتقدير الله تعالى، لم تسقط عنه الملامة؛ لأنه في دار التكليف، وفي لومه زجرٌ له ولغيره، وأما آدم عليه السلام، فخارج عن هذه الدار، فلم يبق في اللوم فائدة سوى التخجيل ونحوه. * * * 12 - باب لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللهُ (باب: لا مانعَ لما أعطى الله) 6615 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبابةَ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ خَلْفَ الصَّلاَةِ، فأملَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ خَلْفَ الصَّلاَةِ: "لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ". وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَني عَبْدَةُ: أَنَّ وَرَّادًا أَخْبَرَهُ بِهذَا، ثُمَّ وَفَدتُ بَعْدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَسَمِعتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ. (الجَدّ) هو ما جعل الله تعالى للإنسان من الحظ الدنيويّ.

13 - باب من تعوذ بالله من درك الشقاء، وسوء القضاء، وقوله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق (1) من شر ما خلق}

(منك)، (من) هنا للبدل؛ نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة: 38]؛ أي: المحظوظُ لا ينفعه حظُّه بدلَ طاعته، وقال الراغب: المراد بالجد: أبو الأب؛ أي: لا ينفع أحدًا نسبه. قال (ن): ويروى بالكسر بمعنى الاجتهاد؛ أي: لا ينفعه اجتهاده، إنما ينفعه رحمتك. (وقال ابن جريج) وصله أحمد، وأبو نُعيم في "المستخرج". (ثم وفدت) قائل ذلك عبدةُ، مرّ في آخر (كتاب الصلاة). * * * 13 - باب مَنْ تعَوَّذَ بِاللهِ مِنْ دَرك الشَّقَاء، وَسُوءِ الْقَضَاء، وَقولِهِ تعالَى: {قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1) مِن شَرِ مَا خَلَقَ} (باب: مَنْ تعوَّذ من دَرَك الشقاء) بفتح الدال والراء؛ أي: اللحاق والتبعة، والشقاء -بالفتح والمد-: الشدة والعسر، وهو يتناول الدينية والدنياوية. 6616 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ".

14 - باب يحول بين المرء وقلبه

(جَهد) بالفتح أشهر، وهو الحالة التي يختار عليها الموت، وقيل: قلة المال، وكثرة العيال. (وسوء القضاء)، أي: المقضيّ، وإلا فحكمُ الله كلُّه حسن. (وشماتة) هي الحزنُ بفرح العدو، والفرحُ بحزنه، وإنما دَعَا - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ تعليمًا لأُمته، وهي دعوة جامعة شرحها في (كتاب الدعوات)؛ إذ قال سفيان هذه الأربعة، ثلاثة منها في الحديث. * * * 14 - باب يَحولُ بَيْنَ الْمَرءِ وَقَلْبِهِ (باب: يَحُول بين المرء وقلبه) 6617 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَثِيرًا مِمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخلِفُ: "لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلوبِ". الحديث الأول: (ومقلِّب القلوب)؛ أي: مقلب أعراضها وأحوالها، من الإرادة ونحوها، إذ حقيقة القلب لا تنقلب. وفيه: أن أفعال القلوب بخلق الله تعالى كأفعال الجوارح.

6618 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، وَبِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا معمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِي، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاِبْنِ صيَّادٍ: "خَبَأتُ لَكَ خَبِيئًا"، قَالَ: الدُّخُّ، قَالَ: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعدُوَ قَدرَكَ"، قَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: "دعْهُ، إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَا تُطِيقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". الثاني: (لابن صياد) اسمه: صاف. (الدُّخّ) بضم المهملة وشدة المعجمة: الدخان، وقيل: أراد أن يقول: الدخان، فلم يتمها هيبةً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أنه زجره، وقيل: هو بيت بين النخيل، والمشهور: أنه أضمر له آية الدخان، وهي: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، وهو لم يهتد منها إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهنة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (اخسأ) -بالهمزة- من معنى البعد، يقال للإهانة والزجر. (فلن تعدوَ قَدرَك)؛ أي: لن تجاوز قدرك؛ أي: وقدَر أمثالك من الكهان الذين يحفظون من الشيطان كلمة من الجمل الكثيرة المختلطة صدقًا وكذبًا. وفي بعضها: (فلن تعد) بحذف الواو تخفيفًا، أو بتأويل لن بمعنى لم، والجزمُ بـ (لن) لغةٌ حكاها الكسائي. (إن لم يكنه) فيه حجة على الاتصال في مثله، وإن كان المختار

15 - باب {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}، قضى

في النحو الانفصال؛ لكن قال (ش): إن في بعض الروايات: (إن [لم] يكن هو). (فلا تطيقهُ)؛ أي: لأنه لا بد أن يخرج آخر الزمان، فيفسد، ويقتله عيسى - عليه السلام -، وإنما لم يقتله مع ادعائه النبوة؛ لأنه غير بالغ، أو كان في مُهادنة اليهود وحلفائهم، وأما امتحانه - صلى الله عليه وسلم - بالخباء، فلإظهار بطلان حاله عند الصحابة، وأن مرتبته لا تتجاوز عن الكهانة، وسبق في أواخر (الجنائز). * * * 15 - باب {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}، قضى قَالَ مُجَاهِدٌ: {بفاتنين}: بِمُضِلِّينَ، إِلَّا مَنْ كتَبَ اللهُ أنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ. {قدَّر فهدى}: قَدَّرَ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادة، وَهدَى الأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِها. (باب: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]) قوله: (بفاتنين)؛ أي: في قوله تعالى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 162 - 163]؛ أي: إلا من كتب الله تعالى عليه أنه يصلى الجحيم. (وهدى الأنعام) تفسير لـ (هدى) من قوله تعالى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]، لا لقوله: {قدَّرَ فَهدَى [الأعلى: 3]؛ أي:

16 - باب {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}، {لو أن الله هداني لكنت من المتقين}

لا يناسب السعادة والشقاوة. إسنادُ الحديث مروزيّون، وهو من الغرائب. * * * 6619 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا داوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحيَى بْنِ يَعْمَرَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَخْبَرتهُ أَنَّها سَألتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: "كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ رحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ، وَيَمْكُثُ فِيهِ، لَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ، صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كتَبَ اللهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ". (الطاعون) الوباء، وقيل غير ذلك، وسبق بيانه في (كتاب الطب). * * * 16 - باب {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (باب: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]) 6620 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعمَانِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ حَازِمٍ، عَنْ

أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ، وَهْوَ يَقُولُ: "وَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا صُمنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا" (أَبَينا) من الإباء، وفي بعضها من الإتيان، وسبق الحديث آخر (الجهاد). * * *

83 - كتاب الأيمان والنذور

83 - كتاب الأيمان والنُّذور

1 - قول الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 83 - كتاب الأيمان والنُّذور 1 - قولُ اللهِ تعالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (كتاب الأيمان والنذور) اليمين: تحقيقُ ما لم يجب وجودُه بذكر اسم الله، والنذر: التزامُ المكلفِ قربةً أو صفتَها. 6621 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْر - رضي الله عنه - لَمْ يَكُنْ يحنَثُ فِي يَمِينٍ قَطُّ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتُ غَيْرها خَيْرًا مِنْها، إِلَّا أتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني.

الحديث الأول: (لم يكن يحنث)؛ أي: ليس من شأنه ذلك، فلهذا ذكر الكون، ولم يقل: لم يحنث؛ لقصد المبالغة في امتناعه من ذلك. (أنزل الله)؛ أي: قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الآية. (وقال: لا أحلف) قيل: قال ذلك لما حلف لا يَبَرُّ مِسْطحًا في قضية الإفك. (على يمين) ليس المراد: لا أحلف على حلف؛ بل إما على بمعنى الباء؛ أي: بيمين، وإما أن المراد باليمين: المحلوفُ عليه، أو بتقدير مضاف؛ أي: على محلوف يمين، ولهذا قال بعده: (منها)، فالضمير للخصلة المحلوف عليها فعلًا أو تركًا، أو تأنيثه مراعاة للفظ يمين. * * * 6622 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ سَمُرَةَ! قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ ئنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فَإنَّكَ إِنْ أُوتيتَها عَنْ مَسْئَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيها، وَإِنْ أُوتيتَها مِنْ غَيْرِ مَسْئَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْها، وإذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِيِنكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ".

الثاني: (الإمارة) بكسر الهمزة: الولاية. (وكلت) بالتشديد والتخفيف. فيه: كراهة سؤال ما يتعلق بحكم؛ من قضاءٍ وحِسْبةٍ ونحوِهما، وأن من سألها لا يعينه الله، فينبغي أن لا يُولى، وأن من حلف على فعل أو ترك، وكان الحنث خيرًا من التمادي عليه، استُحبَّ له الحنثُ؛ بل قد يجب، وأما تقديم الكفارة، فالسياق يرشد إلى جوازه، وبه قال مالك، والشافعي. قال: إلا في الصوم؛ فإن البدني لا يقدم على وقته؛ كالصلاة؛ بخلاف المالي؛ كتعجيل الزكاة. * * * 6623 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحمِلُهُ، فَقَالَ: "وَاللهِ لَا أحمِلُكُم، وَمَا عِنْدِي مَا أَحمِلُكُم عَلَيْهِ"، قَالَ: ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ نلبَثَ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَلاَثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُرَى، فَحَمَلَنَا عَلَيْها، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا أَوْ قَالَ بَعضُنَا: وَاللهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا، أتيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنُذَكِّرُهُ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ: "مَا أَنَا حَمَلْتكم، بَلِ اللهُ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأرَى غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني، وَأتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"،

أَوْ: "أتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِيني". الثالث: (أستحمله)؛ أي: أطلبُ منه ما يحملُنا، ويحملُ أثقالنا من الإبل، وذلك في غزوة تبوك، وفيه قال تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 92]. (ثلاث ذَوْد) الذود: ثلاثة إلى عشرة من الإبل، ولا ينافي قوله هنا: (ثلاث) ما في (الجهاد) في (باب الخُمس): (خمس ذود)، وفي (غزوة تبوك): (ستة أبعرة)؛ لأن ذكر عدد لا ينفي غيره. (غُرّ)؛ أي: بيض. (الذُّرى) بضم الذال وكسرها: جمع ذُروة -بالكسر والضم-، وذروةُ كل شيء: أعلاه، والمراد هنا: الأسنمة. (بلِ اللهُ حملكم) ترجم له البخاري: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]؛ بناء على مذهب أهل السُّنَّة أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وقال المازَري: معناه: إن الله تعالى أعطاني ما أحملكم عليه، ولولا ذلك، لم يكن عندي ما أحملكم. وقال (ع): ويجوز أن يكون الله تعالى أوحى إليه أن يحملهم. (أو أتيت) إما شكٌّ من الراوي في تقديم (أتيت) على (كَفَّرْت)، والعكس، وإما تنويع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إشارةً إلى جواز الأمرين. * * *

6624 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أبو هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 6625 - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ لأَنْ يَلِجَّ أَحَدكم بِيَمِينهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهو عِنْدَ اللهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارتهُ الَّتي افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ". الرابع: (السابقون)؛ أي: المتأخرون في الدنيا، المتقدمون في القيامة، ووجهُ ذكر هذا هنا: أنه أولُ حديث في صحيفة همَّامٍ عن أبي هريرةَ، وكان همامٌ إذا روى هذا الصحيفةَ، استفتحَ بذكره، ثم يسردُ الأحاديث، فذكره الراوي أيضًا كذلك، ومر مثله في آخر (الوضوء)، وأول (الجمعة)، وغيرهما، وهذا معنى قول (ط): إن وجه إدخاله: أن يكون سمع من أبي هريرة أحاديث في أوائلها ذلك، فذكرها على الترتيب الذي سمعه. (لأن) بفتح اللام، لأنها للقسم. (يَلَجّ) بفتح الياء واللام وكسرها وتشديد الجيم؛ أي: يصبر ويقيم عليه، ولا يتحلل منه بالكفارة. (آثم) بهمزة ممدودة وثاء مثلثة؛ أي: أكثر إثمًا؛ لكن أفعلَ التفضيلِ تقتضي المشاركةَ، فيمشعر بأن إعطاء الكفارة فيه آثَمُ، فيؤؤل بالحنث؛ لما فيه من عدم تعظيم اسم الله تعالى، وبينه وبين التكفير

ملازمة عادة. وقال (ن): بني الكلام على توهم الحالف بأنه يتوهم أن عليه إثمًا في الحنث، ولهذا يلجُّ في التحلل بالكفارة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: [الإثم] في اللجاج أكثر لو ثبت الإثم. ومعنى الحديث: أنه إذا حلف يمينًا تتعلق بأهله، ويتضررون بعدم حنثه فيه، وليس في الحنث معصية، ينبغي له أن يحنث، ويكفِّر، فإن قال: لا أحنثُ، وأخاف الإثمَ فيه، فهو مخطئ؛ بل استمرارُه في إدامة الضرر على أهله أكثر إثمًا من الحنث، ولا بد من تنزيله على ما لم يكن الحنثُ فيه معصيةً؛ إذ لا يجوز الحنث في المعاصي. * * * 6626 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ يَعْنِي بْنَ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ صَالحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ استَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهْوَ أَعْظَمُ إِثْمًا، لِيَبَرَّ". يَعْنِي الْكَفَّارَةَ. الخامس: (إسحاق) قال الغساني: يشبه أن يكون ابنَ منصور. (استلج) بالجيم: استفعل من اللجاج، ومعناه: أنه يحلف على شيء، ويرى أن غيره خير منه، فيتم على يمينه، ولا يحنث، ويكفِّر، فذلك آثم له.

وقيل: هو أن يرى أنه صادق فيها، فيلجُّ، ولا يكفِّرها. ويروى: (استلجج) بفك الإدغام، وهي لغة قريش يظهرون مع الجزم. (ليس تعني الكفارة) قال القرطبي: ضبط في بعض الأُمهات بتاء مضمومة وغين معجمة، وليس بشيء، ووجدناه في الأصل المعتمد عليه بمثناة مفتوحة وعين مهملة، وعليه علامة الأصيلي، وفيه بُعد، ووجدناه في أصل بياء؛ أي: مفتوحة، وهي أقرب، وعند ابن السكن: يعني ليس الكفارة، بتقديم يعني، وهذا عندي أشبهها، على أن ليس استثناء بمعنى إلا؛ أي إذا ألَجَّ في يمينه، كان أعظم، إلا أن يكفّر. وقال أبو الفرج: قوله: (ليس يعني الكفارة)، كأنه إشارة إلى أن إثمه في قصده أن لا يبر، ولا يفعل الخير، فلو كَفّر، لم ترفع الكفارةُ سبقَ ذلك القصد، وبعضهم بفتح نون (يعني)، والمعنى: يترك؛ كما قال عثمان: أعنها عنا؛ أي: اصرفْها واتركْها، فيكون المعنى: لا ينبغي أن يترك. وقال (ك): وفي بعضها: (ليبر)، بلفظ أمر الغائب، قال: والأولى؛ أي: رواية فتح الياء وسكون المهملة، وكسر النون أَولى؛ إذ هو تفسير لاستلجّ؛ يعني الاستلجاج هو عدم عناية الكفارة وإرادتها، وأما المفضل عليه، فهو محذوف؛ أي: أعظمُ من الحنث. قال: وصَحَّفه بعضُهم، فقال: هو بإعجام العين، والجملة استئناف، أو صفة

2 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وايم الله"

للإثم؛ يعني: إنما لا يغني عنه كفارة. * * * 2 - باب قَوْلِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَايْمُ اللهِ" (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: وايْمُ الله) 6627 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعضُ الناسِ فِي إِمرتهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنْ كُنتم تَطْعَنُونَ فِي إِمرَتهِ فَقد كُنتم تَطْعَنُونَ فِي إِمرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وإنَّ هذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعدَه". (بعثًا)؛ أي: سرية. (فطعن) إما لصغر سنه، أو لكونه من الموالي؛ لعدم تجربته بأحوال الرياسة، أو غير ذلك. (وايْمُ) بهمزة وصل تكسر وتفتح والميم مضمومة، وحكى الأخفشُ كسر الميم مع كسر الهمزة، ولغاتها نحو العشرين؛ لكثرة استعمالهم لها في القسم، وهو اسم وضع للقسم، أو هو جمع يمين حذف منه النون.

3 - باب كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

(تطعنون) المشهورُ فيه الفتحُ؛ أي: إنهم طعنوا في إمارة أبيه زيد، وظهر لهم في آخر الأمر أنه كان جديرًا لائقًا بها، فكذلك حالُ أُسامة. (حِبّ) بمعنى محبوب، وسبق في (المناقب). * * * 3 - باب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ وَقَالَ سَعدٌ: قَالَ النَّبِي: - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدِه"، وَقَالَ أبو قتادَةَ: قَالَ أبو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لاَها اللهِ إِذًا. يُقَالُ: وَاللهِ وَبِاللهِ وَتَاللهِ. (باب: كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -) قوله: (وقال سعد) موصول في (كتاب الإيمان) بكسر الهمزة. (وقال أبو قتادة) موصول في (الجهاد) في (باب من لم يخمس الأسلاب). (هاء الله) قيل: هاء حرفُ قَسَم كالواو، والباء، والتاء، وقيل: الهاء بدل عن الواو. (إذن) جوابٌ وجزاء؛ أي: لا والله! إذا صدق لا يكون كذبًا، وفي بعضها: (ذا) اسم إشارة؛ أي: والله! لا يكون هذا. * * *

6628 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ". الحديث الأول: سبق شرحه قريبًا. * * * 6629 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أبو عَوَانة، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا هلَكَ قَيصَرْ فَلَا قَيصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لتنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ الله". الثاني: (قيصر)؛ أي: ملك الروم. (فلا قيصر بعده)؛ أي: بالشام. (كسرى) بفتح الكاف وكسرها: ملك الفرس. (فلا كسرى بعده)؛ أي: بالعراق؛ قاله الشافعي في "المختصر"، وإنما لم يكرر، مع أنه علمٌ، واسمُ (لا) إذا كان معرفة يجبُ تكريره؛ لأنه قد نُكِّر أولًا بمعنى ليس، أو مؤوّل؛ نحو: قضيةٌ ولا أبا حَسَنٍ لها، وهو مكرر، وتقديره: لا قيصر ولا كسرى.

وفيه معجزة؛ إذ وقع كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، وسبق الحديث في (الجهاد). * * * 6630 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا هلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ". الثالث: كالذي قبله. * * * 6631 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللهِ لَوْ تعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتمْ كثِيرًا، وَلَضَحِكْتُم قَلِيلًا". الرابع: سبق شرحه. * * * 6632 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ:

أَخْبَرَني حَيْوَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيل زُهْرَةُ بْنُ مَعبدٍ: أَنَّهُ سَمعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ"، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نفسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الآنَ يَا عُمَرُ". الخامس: (حتى أكون)؛ أي: لا يكمل إيمانك حتى أكون. (الآن)؛ أي: كَمُلَ إيمانُك. قال (خ): حبُّ الإنسانِ نفسه طبعٌ، وحبُّ غيرِه اختيار، والمراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: حبُّ الاختيار؛ إذ لا سبيل إلى قلب الطباع؛ أي: لا تصدقُ في حُبِّي، حتى تفدي في طاعتي نفسك. * * * 6633 - و 6634 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبة بْنِ مَسْعُود، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزيدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَقَالَ الآخَرُ وَهْوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ! فَاقْضِ بَيْننَا بِكِتَابِ اللهِ، وَائْذَنْ لِي أَنْ أتكَلَّمَ، قَالَ:

"تَكَلَّمْ"، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هذَا -قَالَ مالك: وَالْعَسِيفُ: الأَجِيرُ- زَنىَ بِامرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُوني أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إِنِّي سَألْتُ أَهْلَ الْعِلم، فَأَخْبَرُوني أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وإنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ"، وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأُمِرَ أُنيسٌ الأَسْلَمِيُّ أَنْ يَأتِيَ امرَأة الآخَرِ، فَإنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَها، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمها. السادس: (عَسيفًا)؛ أي: أجيرًا. (وجلد ابنه)؛ لأنه كان غيرَ محصَن. (عامًا) فيه حُجَّةٌ على الحنفية في منع التغريب. (فرجمها)؛ أي: لأنها كان محصَنة، وسبق الحديث في (الصلح)، و (الشروط)، وغيرهما. * * * 6635 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعقُوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَرَأَيْتُم إِنْ كَانَ أَسلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَينَةُ وَجُهيْنَةُ

خَيْرًا مِنْ تَمِيمٍ وَعَامِرِ بْنِ صعصَعَةَ وَغَطَفَانَ وَأَسَدٍ، خَابُوا وَخَسِرُوا"، قَالُوا: نعم، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم خَيْرٌ مِنْهُم". السابع: (أرأيتم إن كان أسلَم وغِفَار) إلى آخر القبائل الثمانية: يحتمل التوزيع؛ بأن تكون أسلمُ خيرًا من تميم، وغِفَارٌ خيرًا من عامر، وهكذا، ويحتمل أن يكون أسلمُ خيرًا من الأربعة، وكذا غفار، وغيره، ويحتمل أن تكون الأربعة من حيث الجملة خيرًا من الأربعة بجملتها، مع قطع النظر عن كل واحد منها. (خابوا) الضمير راجع إلى الأربعة الأقرب، وتقدم صريحًا في (مناقب قريش): أن الأربعة الأولى خير، وأن الأربعة خائبون. (قالوا) مقولُه محذوف؛ أي: قالوا: نعم؛ كما صرح به في (المناقب). * * * 6636 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعمَلَ عَامِلًا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! هذَا لَكُم، وَهذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَالَ لَهُ: "أفلاَ قَعدتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أيُهْدَى لَكَ أَمْ لَا؟ "، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشِيَّة بَعْدَ

الصَّلاَةِ، فتَشَهَّدَ وَأثنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نستعمِلُهُ، فَيَأتِينَا فَيقولُ: هذَا مِنْ عَمَلِكُمْ، وَهذَا أُهْدِيَ لِي؟ أفلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحمَدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدكم مِنْها شَيْئًا، إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وإنْ كَانَتْ بقرَةً جَاءَ بِها لَها خُوَارٌ، وإنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِها تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْت"، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لننْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: وَقَد سَمِعَ ذَلِكَ مَعِي زيدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلُوهُ. الثامن: (عاملًا) هو عبد الله بن اللُّتْبِيّة -بضم [اللام وسكون] المثناة وكسر الموحدة وشدة الياء-. (يغل)؛ أي: يخون. (رغاء)؛ أي: صوت. (تَيْعِر) بكسر المهملة، وقيل بالفتح، واليُعَار: صوت الشاة. (بَلَّغت)؛ أي: حكم الله إليكم. (عُفْرة) بضم المهملة وسكون الفاء؛ أي: بياض فيه شيء كلون الأرض. وفيه: أن هديّة العامل مردودة إلى بيت المال، وسبق في (الهبة)

في (باب من لم يقبل الهدية لعلةٍ)، وفي (الزكاة). * * * 6637 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، هُوَ ابْنُ يُوسُفَ، عَنْ معْمَرٍ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أبو الْقَاسم - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتم كثِيرًا، وَلَضَحِكْتُم قَلِيلًا". 6638 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنِ الْمَعرُورِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: انتهيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ فِي ظِلِّ الْكَعبةِ: "هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعبةِ، هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعبةِ"، قُلْتُ: مَا شَأنِي أيُرَى فِي شَيءٌ؟ مَا شَأنِي؟ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْكُتَ، وَتَغَشَّانِي مَا شَاءَ اللهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ بأبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الأكثَرُونَ أَموَالًا، إِلَّا مَنْ قَالَ: هكَذَا وهكَذَا وَهكَذَا". التاسع، والعاشر: (انتهيت إليه)؛ أي: إلى رسول - صلى الله عليه وسلم -. (ما شأني)؛ أي: ما حالي، وما أمري. (أتُرى) بضم المثناة؛ أي: أتظن في نفسي شيئًا يوجب الأخسرية، وفي بعضها بفتحها، وفي بعضها (أنزل)؛ أي: في حقي

شيء من القرآن. (هكذا وهكذا)؛ أي: صرف يمينًا وشمالًا على المستحقين. * * * 6639 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ سُلَيْمَانُ؛ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تأتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا، فَلمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امرَأةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ لَجَاهدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ". الحادي عشر: (تسعين) بتاء ثم سين، سبق في رواية في (كتاب الأنبياء): (سبعين) بسين ثم باء موحدة، وفي "مسلم": (ستون)، وفي بعضها: (مئة)، ولا منافاة؛ إذ هو مفهوم العدد. (صاحبه)؛ أي: الملَك أو القرين. (فطاف) كناية عن جماعهن. (بشق رجل)؛ أي: نصف ولد، فقيل: هو الذي في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [ص: 34].

(لو قال) قاله - صلى الله عليه وسلم - وحيًا؛ لأنه من علم الغيب. وفيه: استحباب قول: إن شاء الله؛ كما قال تعالى {وَلَا تَقُولَنَّ} الآية [الكهف: 23]. * * * 6640 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يتَدَاوَلُونها بَيْنَهُم، وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِها وَلينها، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أتعْجَبُونَ مِنْها؟ "، قَالُوا: نعم يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْها"، لَمْ يَقُلْ شعْبَةُ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ". الثاني عشر: (سَرَقَة) بفتح المهملة والراء، والقاف: القطعة. (سعد)؛ أي: ابن معاذ - رضي الله عنه -، ووجهُ التخصيص به: إما لكون مناديل سعد من جنسه، أو كان الوقت يقتضي استمالة قلبه، أو كان اللامسون المتعجبون من الأنصار، فقال: منديلُ سيدِكم خيرٌ منه، أو كان يحب ذلك الجنسَ أو اللونَ، وفيه منقبةٌ لسعد، وأن أدنى ثيابه فيها كذلك؛ لأن المنديل أدنى الثياب المعد للوسخ والامتهان، وسبق في (باب قبول الهدية من المشركين). * * *

6641 - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ، أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ، أَوْ خِبَائِكَ، شَكَّ يَحيَى، ثُمَّ مَا أَصبَحَ الْيَوْمَ أَهْلُ أَخْبَاءٍ، أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ أَوْ خِبَائِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا بِالْمَعرُوفِ". الثالث عشر: (هند) بالصرف والمنع. (عُتبة) بضم المهملة وسكون المثناة ثم موحدة: هي أُم معاوية، أسلمت يوم الفتح. (أَخْبَائِكَ أو خِبَائِكَ) الشكُّ من يحيى بن بُكيرٍ الراوي بين الإفراد والجمع، وجمعَ خِبَاء، وهي الخيمة من وَبَرٍ أو صوف على أخباء على غير قياس، أو الشكُّ بين أخباء وأحياء -بالياء- جمع حَيّ. (وأيضًا)؛ أي: ستزيدين من ذلك؛ إذ يتمكن الإيمان في قلبك، فيزيد حبك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقيل: معناه: وأنا أيضًا بالنسبة إليك مثلُ ذلك، والأولُ أَولى.

(مسيك) بفتح الميم وخفة المهملة، وبكسرها والتشديد. (لا)؛ أي: حرج، وسبق الحديث في (المناقب). * * * 6642 - حَدَّثَنِي أَحمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَمرَو بْنَ مَيْمُون قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُضِيفٌ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ يَمَانٍ، إِذْ قَالَ لأَصْحَابِهِ: "أترضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "أفلَمْ ترْضَوْا أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَوَالَّذِي نفسُ مُحَمّدٍ بِيَدهِ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ". الرابع عشر: (مضيف)؛ أي: مسند مميل. (يماني) أصله يمني، قدمت إحدى الياءين على النون، فقلبت ألفًا، فصار مثل قاض. (ربع) بسكون وسطه وضمه، وكذا ثلث. * * * 6643 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا

سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُرَدِّدُها، فَلَمَّا أصبَحَ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يتَقَالُّها، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ إِنَّها لتعدِلُ ثُلُثَ الْقُرآن". الخامس عشر: (رَجُلًا يَقْرَأُ) قيل: هو قتادةُ بنُ النعمانِ؛ لكن قال (ش): إن السامع هو قتادة، بَيّنه البخاري في (كتاب فضائل القرآن). (يُرَدِّدُها)؛ أي: يكررها. (وكأنَّ) بتشديد النون. (يتَقَالُّها) بالتشديد؛ أي: يعدها قليلة، وسبق في (فضائل القرآن). * * * 6644 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَاكُم مِنْ بَعدِ ظَهْرِي إِذَا مَا ركعتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدتُمْ". السادس عشر: (إسحاق) قال الغساني: لعله ابن منصور.

(حَبّان) بفتح المهملة وشدة الموحدة. (لأراكم) سبق في (كتاب الصلاة) معناه، وأن ذلك يخلقه الله، ولا يشترط عقلًا مواجهة ولا مقابلة، حتى جوز الأشعري رؤية أعمى الصين قبة أندلس. * * * 6645 - حَدَّثَنَا إسْحَاقُ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعبةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ امرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ أتتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَها أَوْلَادٌ لَها، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّكم لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَي"، قَالها ثَلاَثَ مِرَارٍ. السابع عشر: (إسحاق) كأنه ابنُ إبراهيمَ الحنظلي، فقد قال الكلاباذي: إن وهب بن جرير يروي عنه. (إنكم) الخطاب لجنس المرأة وأولادها؛ أي: الأنصار، ولا يقال: يلزم أن الأنصار أفضل من المهاجرين، وخصوصًا أبا بكر، وعُمر؛ لأن العموم فيه مخصوص بغيرهم بالدلائل الخارجة؛ إذ ما من عامٍّ إلا وخُصِّص، إلا {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]. * * *

4 - باب لا تحلفوا بآبائكم

4 - باب لَا تَحْلِفُوا بآبائِكُمْ (باب: لا تحلفوا بآبائكم) 6646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهْوَ يَسِيرُ فِي ركبٍ يَحْلِفُ بأبِيهِ، فَقَالَ: "أَلاَ إِنَّ الله يَنْهاكُم أَنْ تَحْلِفُوا بآبائِكُم، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ". الحديث الأول: (رَكْب)؛ أي: ركبان الإبل، العشرةُ فصاعدًا. * * * 6647 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله يَنْهاكُم أَنْ تَحْلِفُوا بآبائِكُم"، قَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ مَا حَلَفْتُ بِها مُنْذُ سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا، قَالَ مُجَاهِدٌ: {أو أثَارَةٍ من عِلْمٍ}: يَأْثُرُ عِلْمًا. تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، وَالزُّبَيْدِيّ، وإسْحَاقُ الْكَلْبِيّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ.

الثاني: (ذاكرًا)؛ أي: قائلًا لها من قبل نفسي. قال أبو عُبيد: وليس من الذكر بعد النسيان. (ولا آثرًا) بالمد؛ أي: مخبرًا عن غيري أنه حلف به، يقال: أثرتُ الحديثَ: رويته؛ أي: لم أحلف به من قِبَل نفسي، ولا حدثت به عن غيري، والحكمة في النهي عن الحلف بالآباء: أنه يقتضي تعظيمَ المحلوف به، وحقيقةُ العظمة مختصةٌ بالله تعالى، فلا يضاهى به غيرُه، وحكمُ الحلف بغير الآباء كذلك، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ"، فليس حقيقة حلف؛ بل أُجري على اللسان عمودًا للكلام، أو زينة له، لا بقصد اليمين، وأما إقسامُ الله تعالى بمخلوقاته، فذلك له تعالى، يقسم بما شاء من خلقه؛ نحو: {وَالصَّافَّات} [الصافات: 41]؛ {وَاَلطُّورِ} [الطور: 1]؛ تنبيهًا على شرفه. (تابعه عُقيل) وصله أبو نُعيم في "المستخرج على مسلم". (والزُّبَيْدي) وصله النسائي. (وإسحاق) قيل: وقع موصولًا من رواية يحيى بنِ إسحاقَ الوحاظيِّ عنه من طريق أبي بكرِ بنِ شاذانَ. (وقال ابن عُيَيْنَة) وصله الحُميدي في "مسنده" عنه. (ومَعمَر) وصله أحمد. * * *

6648 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلمٍ، حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَر - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَحْلِفُوا بآبائِكُم". الثالث: بمعنى ما قبله. * * * 6649 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أيوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، وَالْقَاسِم التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وإخَاءٌ؛ فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رجلٌ مِنْ بَنِي تَيْم اللهِ أَحمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي، فَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يأَكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لَا آكلَهُ، فَقَالَ: قُمْ فَلأُحَدِّثنَكَ عَنْ ذَاكَ، إِنِّي أتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نستَحْمِلُهُ، فَقَالَ: "وَاللهِ لَا أَحْمِلُكم، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُم". فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَسَأَلَ عَنَّا، فَقَالَ: "أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟ "، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا، حَلَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَحْمِلُنَا، وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، وَاللهِ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا أتيْنَاكَ لِتَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا، وَمَا عِنْدَكَ مَا تحْمِلُنَا، فَقَالَ: "إِنِّي لَسْتُ أَنَا

حَمَلْتُكُم، وَلَكِنَّ الله حَمَلَكُم، وَاللهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرها خَيْرًا مِنْها، إِلَّا أتيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُها". الرابع: (الأشعريين) في بعضها: (الأشعرين) بحذف ياء النسب. (تَيْم الله) بفتح المثناة وإسكان الياء: حيّ من بكر. (أحمر) صفة لـ (رجل). (فقَذرته) بكسر الذال وفتحها. (لأحدثُك)؛ أي: فواللهِ لأحدثُك. (نستحمله)؛ أي: نطلب منه إبلًا تحملنا وأثقالَنا. (بنهب)؛ أي: غنيمة، وسبق في (غزوة تبوك): أنه - صلى الله عليه وسلم - ابتاعهن من سعد، ولا منافاة؛ فلعله اشتراها منه من سهمانه من ذلك النهب، ومر تحقيقه. (تَغَفلْنَا)؛ أي: طلبنا غفلته. (وَتَحَلَّلْتُها)؛ أي: كَفّرتها، والمراد: الخروج من حرمتها إلى ما يحل له منها؛ أما دخول هذا الحديث في الترجمة، فإما أنه كان على الحاشية في الباب السابق، فنقله الناسخ إلى هنا سهوًا، وإما أنه أدخله البخاري؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - حلف مرتين: عند الغضب، وعند الرضا، ولم يحلف إلا بالله، لا بأبيه؛ فدل على أنه لا يحلف بغير الله. * * *

5 - باب لا يحلف باللات والعزى، ولا بالطواغيت

5 - باب لَا يُحْلَفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَلَا بِالطوَاغِيتِ (باب: لا يَحْلِفُ باللّاتِ والعُزّى ولا بالطّوَاغيت) جمع طاغوت، وهو الصنم والشيطان، وكل رأس ضلال، وفي "مسلم": (الطواغي) جمع طاغية، وهي الصنم أيضًا. 6650 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمرٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيقلْ: لَا إلَه إِلَّا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ. فَلْيتصَدَّقْ". (فليقل: لا إله إلا الله)؛ أي: لكونه تعاطى صورةَ تعظيم الأصنام بالحلف بها، ففيه: أن كفارته هو هذا القول لا غير. (فليتصدَّقْ)؛ أي: تكفيرًا للخطيئة في الأمر بهذه المعصية، وسبق في (الأدب) في (باب من لم ير الإكفار). * * * 6 - باب مَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّيْء، وإنْ لَمْ يُحَلَّفْ (باب: من حلف على الشيء وإن لم يحلف) 6651 - حدثنا قتيبة، حدَّثنا اللَّيْثُ، عَنْ نافعٍ، عنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -:

7 - باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام

أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اصطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهبٍ، وَكَانَ يَلْبَسُهُ، فَيَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ، فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ، ثُمَّ إِنَّه جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي كُنْتُ ألبَسُ هذَا الْخَاتِمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ داخِلٍ"، فَرَمَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَاللهِ لَا ألبَسُهُ أَبَدًا"، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهم. (فصّه) بفتح الفاء وكسرها، وجعلُه الفصَّ من داخل؛ لبيان أنه لم يكن للزينة؛ بل للختم، ومصالحَ أُخرى، وسبق في (اللباس). * * * 7 - باب مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةِ الإِسلاَمِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيقُلْ لَا إِلَه إِلَّا الله"، وَلَم يَنْسُبْهُ إِلَى الْكُفْرِ. (باب: من حلف بملَّةٍ سوى الإسلام) قوله: (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) إلى آخره؛ أي: السابق في الباب قبله. * * * 6652 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى ابْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الإسْلاَمِ فَهْوَ كَمَا قَالَ، قَالَ: وَمَنْ قتلَ نفسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي

8 - باب لا يقول ما شاء الله وشئت، وهل يقول أنا بالله ثم بك؟

نَارِ جَهنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ". (فهو كما قال) قال البيضاوي: ظاهرُه: أنه بذلك يختلُّ إسلامُه، ويصير كما قال، ويحتمل أن يراد التهديد والوعيد؛ كأنه قال: فهو مستحق لمثل عذابه. (عذب به) إشارة إلى أن عذابه من جنس عمله. (كقتله)؛ أي: في التحريم، أو في الإبعاد؛ فإن اللعن تبعيدٌ من رحمة الله، والقتل تبعيد من الحياة الحسية. (فهو)؛ أي: الرمي كقتله؛ لأن النسبة إلى الكفر الموجب لقتله كقتله، ومر في (الأدب). * * * 8 - باب لَا يَقولُ مَا شَاء الله وَشِئْتَ، وَهل يَقُولُ أَنَا بِاللهِ ثمَّ بِك؟ (باب: لا يقول: ما شاء الله وشئت) أي: لا يجمع بينهما؛ بل يجوز أن يقول كلًّا منهما مفردًا، وليس فيما ورد في الباب ما يدل على ذلك؛ بل قال: 6653 - وَقَالَ عَمرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْن عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبد الرَّحمَنِ بْنُ أَبِي عَمرَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَه أنَّهُ

9 - باب قول الله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم}

سَمعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بني إِسْرَائِيلَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُم، فَبَعَثَ مَلَكًا فَأتى الأَبْرَصَ، فَقَالَ تَقَطَّعَتْ بِي الْحِبَالُ، فَلَا بَلاَغَ لِي إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ"، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (وقال عمرو بن عاصم) إلى آخره، وقد وصله في (باب ذكر بني إسرائيل)، فيكون هذا كما قال أبو إسحاق المستملي: إنه مما أراد أن يضع فيه حديثًا، فلم يتفق له؛ كما أن في الكتاب أحاديث لم يترجم عليها. (الحبال) جمع حبل، وهو الوصال؛ أي: ما طال من الرمل وضخم، ويقال: الحبال دون الحبال، على أنه روي أيضًا بالجيم. (بلاغ)؛ أي: كفاية. * * * 9 - باب قولِ اللهِ تعالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لتحَدِّثنِّي بِالَّذِي أَخْطَأتُ فِي الرُّؤْيَا، قَالَ: "لَا تُقْسمْ". (باب: قول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [النور: 53]) قوله: (وقال ابن عباس) سيأتي موصولًا في (باب التعبير).

(في الرؤيا)؛ أي: في تعبيرها، ولا منافاة بين هذا وبين أمره - صلى الله عليه وسلم - بإبرار القسم؛ فإن محله عند عدم المانع، وهذا كان له - صلى الله عليه وسلم - فيه مانع، وقيل: كان في بيانه مفاسد، وسيأتي إيضاحه. * * * 6654 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سويدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سويدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاء - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بإبرَارِ الْمُقْسِم. الحديث الأول: سبق مرات. 6655 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحوَلُ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أُسَامَةَ: أَنَّ ابْنَةً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسعدٌ وَأُبَيٌّ: أَنَّ ابْنِي قَدِ احْتُضِرَ فَاشْهدنَا، فَأرسَلَ يَقْرَأُ السلاَمَ وَيَقُولُ: "إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أعطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَصبر وَتَحتَسِبْ"، فَأرسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ، فَقَامَ وَقُمنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَعَدَ رُفع إِلَيْهِ، فأَقْعَدَهُ فِي حَجْرِه وَنَفْسُ الصَّبِيِّ تَقَعْقَعُ، فَفَاضَتْ عَينَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ

سَعد: مَا هذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "هذَا رَحْمَةٌ يَضَعها اللهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ". الثاني: (وأُبَيّ)؛ أي: بضم الهمزة وفتح الموحدة: ابن كعب. (أو أَبِي)؛ أي: بفتح الهمزة بإضافة أبي إلى ياء المتكلم، أو أنه بلفظ: أبي مكررًا -يعني: مع أُسامة- سعد وأُبَيّ كلاهما، أو أحدهما، شك الراوي في قول أُسامة، وسبق في (الجنائز)، وفي (القدر) في (باب {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] بلفظ: (أُبَي بن كعب) جزمًا بلا شك، فهو الصواب. (احْتُضِر) بالبناء للمفعول؛ أي: حضره الموت. (حِجْرِه) بفتح الحاء وكسرها. (تقعقع) حكايةُ صوتِ صدرِه من شدة النزع. * * * 6656 - حَدًّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثةٌ مِنَ الْوَلَدِ، تَمَسُّهُ النَّارُ، إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَم". الثالث: (تحلة القسم)؛ أي: تحليلها، والمرادُ من القسم: ما هو مقدرٌ

في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلا وَارِدُهَا} [مريم: 71]؛ أي: واللهِ ما منكم، والمستثنى منه قوله: (تمسه النار)؛ لأنه في حكم البدل من (لا يموت)، أي: لا تمس النارُ من مات له ثلاثةٌ إلا بقدر الورود، ومر الحديث في (الجنائز). * * * 6657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ مَعبَدِ بْنِ خَالِدٍ، سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَلاَ أَدُلُّكُم عَلَى أَهْلِ الْجَنَّة؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، وَأَهْلِ النَّارِ كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلِّ مُسْتكْبِرٍ". الرابع: (يتضعف) بفتح العين؛ أي: يستضعفه الناس، ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا، وبكسرها؛ أي: متواضع خامل مذلل؛ نعم، غلّط أبو الفرج مَنْ يكسرها، وفي "علوم الحديث" للحاكم أن خزيمة سُئل عن الضعيف؟ فقال: الذي يُبرّئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى خمسين مرة، وسبق في (سورة {ن وَاَلقَلم} [القلم: 1]).

10 - باب إذا قال: أشهد بالله، أو شهدت بالله

10 - باب إِذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ، أَوْ شَهِدتُ بِاللهِ (باب: إذا قال: أشهد بالله) 6658 - حَدَّثَنَا سَعدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "قرني، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم، ثُمَّ يَجيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهادةُ أَحَدِهم يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهادَتَهُ"، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانَ أصحَابُنَا ينهوْنَا وَنَحنُ غِلْمَانٌ أَنْ نَحْلِفَ بِالشَّهادة وَالْعَهْدِ. (تسبق) لا يقال: فيه دورٌ؛ لأن المراد: أن من حرصهم على الشهادة أن يحلفون على ما يشهدون به تارة قبل الشهادة، وتارة بعدها، أو هو شكٌّ في سرعة الشهادة واليمين، وحرص الرجل عليهما، حتى لا يدري بأيهما يبتدئ، فكأنهما يتسابقان؛ لقلة مبالاته. (وقال إبراهيم) سبق أول (مناقب الصحابة) بيانُه، وأنه لا يقال: أشهد بالله ما كان كذا، ولا عهد الله كذا. * * *

11 - باب عهد الله - عز وجل -

11 - باب عَهْدِ اللهِ - عز وجل - (باب: عهد الله تعالى) 6659 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعبة، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لِيَقْتَطِعَ بِها مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، أَوْ قَالَ: أَخِيهِ، لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللهُ تَصدِيقَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ}. 6660 - قَالَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثهِ: فَمَرَّ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْس، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُم عَبْدُ اللهِ؟ قَالُوا لَهُ، فَقَالَ الأَشْعَثُ نزَلَتْ فِيَّ، وَفِي صَاحِبٍ لِي، فِي بِئْرٍ كَانَتْ بَيْنَنَا. سبق الحديث فيه في (كتاب الشرب). * * * 12 - باب الْحلِفِ بِعِزَّة اللهِ وَصِفَاتِهِ وكَلِمَاتِهِ وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَعُوذُ بِعِزَّتك"، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيقُولُ:

يَا رَبِّ! اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لَا وَعِزَّتكَ لَا أَسْألكَ غَيْرَها"، وَقَالَ أبو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمثَالِهِ"، وَقَالَ أيوبُ: وَعِزَّتِكَ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ. (باب: الحلف بعزة الله) قوله: (وقال ابن عباس) موصول في (التوحيد). (أعوذ بعزتك) وجهُ دخوله في الترجمة، مع أنه دعاء لا قسم: أنه لا يستعاذ إلا بصفة قديمة؛ فاليمين كذلك. (وقال أبو هريرة) موصول في (الرقاق)، وسبق قريبًا بطوله قبيل (كتاب الحوض). (وقال أيوب - عليه السلام -) سبقت قصته في (الوضوء) حين كان يغتسل عريانًا، فخر عليه جرادٌ من ذهب، وفي (كتاب الأنبياء). * * * 6661 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَزَالُ جهنَّمُ تَقُولُ: هلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيها قَدَمَهُ، فتقُولُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتكَ، ويُزْوَى بَعضُها إِلَى بَعْضٍ"، رَوَاهُ شعبة، عَنْ قتادَةَ. (قَدَمه) من المتشابه، وسبق بيانُه في (سورة {ق}).

13 - باب قول الرجل: لعمر الله

(رواه شعبة) موصول في (التفسير). * * * 13 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَعمرُ اللهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لعَمُركَ}: لَعَيْشُكَ. (باب: قول الرجل: لعَمْرُ الله) أي: حياته وبقاؤه. * * * 6662 - حَدَّثَنَا الأوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ، عَنْ صَالح، عَنِ ابْنِ شِهابٍ (ح)، وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونس قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَها أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأها اللهُ، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، فَقَامَ النَّبِيُّ - رضي الله عنه -، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: لَعَمرُ اللهِ لنقْتُلَنَّهُ. (فاسْتَعْذَر)؛ أي: طلب من يعذره منه؛ أي: ينصفه.

14 - باب {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم}

(لنقتلنه)؛ أي: ابن سَلُول، ومر في (كتاب الشهادات). * * * 14 - باب {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (باب: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} [البقرة: 225]) 6663 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ}، قَالَ: قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي قَوْلهِ: لَا وَاللهِ، بَلَى وَاللهِ. هو ما يصل به الرجل كلامه، لا يعقد عليه القلب؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها: أن يقول: لا والله، وبلى والله؛ أي: من غير قصد يمين. * * * 15 - باب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِي الأَيْمَانِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِه}، وَقَالَ: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}.

(باب: إذا حنث ناسيًا في الأيمان) بفتح الهمزة. * * * 6664 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحيَى، حَدَّثَنَا مِسْعرٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يرْفَعُهُ قَالَ: "إِنَّ الله تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَها، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ". الحديث الأول: (يرفعه) قال (ك): أَعَمُّ من أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من صحابي آخرَ منه. (أو تتكلم) بالجزم؛ أي: فالاعتبارُ بالوجود الخارجي قولًا أو فعلًا، لا الوجود الذهني، فإن قيل: لو أصر العبد على العزم على معصية، يعاتَب عليه، لا عليها، حتى لو نوى تركَ الصلاة بعد عشرين سنة، وجزم عليه، عصى في الحال، قيل: ذلك لا يسمى وسوسةً، ولا حديثَ نفس؛ بل عمل من أعمال القلب، وسبق في (كتاب العتق). * * * 6665 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهيْثَم، أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمرِو بنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَينَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ

النَّحْرِ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رجلٌ، فَقَالَ: كُنْتُ أَحسِبُ يَا رَسُولَ اللهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كُنْتُ أَحسِبُ كَذَا وَكَذَا لِهؤُلاَءِ الثَّلاَثِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ"، لَهُنَّ كُلِّهِنَّ يَوْمَئِذٍ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ". الثاني: (محمد) قال الغساني: هو ابنُ يحيى الذُّهْلِيّ. (كذا وكذا قبل كذا) الثلاثة هي: الطواف، والذبح، والحلق. (لهن)؛ أي: قال لأجلهن تقديمًا وتأخيرًا: (افعلْ ولا حَرَج). * * * 6666 - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: "لَا حَرَجَ"، قَالَ آخَرُ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: "لَا حَرَجَ"، قَالَ آخَرُ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أرْمِيَ، قَالَ: "لَا حَرَجَ". الثالث: كالذي قبله. فمعنى: (زرت)؛ أي: طفت طواف الزيارة، وهو طواف الرُّكن، ومناسبةُ الحديث، وإن لم يكن فيه يمين: بيانُ رفعِ القلم عن الناسي،

والمخطئ، ونحوهما، وعدم الجناح، والمؤاخذة فيه، وكذا الأحاديث الآتية. * * * 6667 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أسُامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجدَ يُصَلِّي، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجدِ، فَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: "ارجع فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ: "وَعَلَيْكَ، ارجِع فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: فَأَعلِمنِي، قَالَ: "إِذَا قمتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأسْبغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرآنِ، ثُمَّ اركَع حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارفَع رَأْسَكَ حَتَّى تَعتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارفَع حَتَّى تَسْتَوِيَ وَتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارفَع حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّها". الرابع: (أن رجلًا) سبق حديه في (الصلاة) في (باب وجوب القراءة). * * * 6668 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ،

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هزِيمَةً تُعْرَفُ فِيهِمْ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاَهُم فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُم، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فَإِذَا هُوَ بأبِيهِ، فَقَالَ: أَبِي أَبِي، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا انْحَجَزُوا حَتَّى قتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللهُ لَكُم، قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْها بقِيَّة حَتَّى لَقِيَ الله. الخامس: (هُزِمَ) مبني للمفعول. (أُخراكم) نصب على الإغراء؛ أي: أدركوا أُخراكم؛ يعني: آخر الجيش. وقال (ك): على التحذير؛ أي: عبادَ الله! احذروا الذين من ورائكم واقتلوهم، والخطاب للمسلمين، أراد إبليسُ اللعين تغليطهم؛ ليقتل المسلمون بعضُهم بعضًا، فرجعت الطائفة المتقدمة قاصدين قتالَ الأُخرى ظنًّا أنهم المشركون، ويحتمل أن الخطاب للكافرين، ومرَّ في (صفة إبليس). (فاجتلدت)؛ أي: اقتتلت. (فقال: أبي أبي)؛ أي: ظنوا أن اليمانَ والدَ حُذيفة من عسكر الكفار، واشتبه عليهم، فقصدوه بالقتل، فكان حُذيفة يصيح ويقول: هو أبي، هو أبي، لا تقتلوه.

(انحجزوا) بالنون؛ أي: انكفُّوا؛ أي: ما زالوا حتى قتلوه، وقال حُذيفة: غفر الله لكم، وعفا عنكم. (بقية)؛ أي: من حزن وتحسر من قتل أبيه بذلك الوجه. * * * 6669 - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَوفٌ، عَنْ خِلاَسٍ، وَمُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهْو صائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاه". السادس: قد سبق شرحه في (كتاب الصيام). * * * 6670 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ فِي الرَّكعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ انتظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، فَكَبَّرَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَلَّمَ. 6671 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ

الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهم صَلاَةَ الظُّهْرِ، فَزَادَ أَوْ نَقَصَ مِنْها، قَالَ مَنْصُورٌ: لَا أَدرِي: إِبْراهِيمُ وَهِمَ أَم عَلْقَمَةُ؟ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أقصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَسَجَدَ بِهِم سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "هاتَانِ السَّجْدَتَانِ لِمَنْ لَا يدرِي: زَادَ فِي صَلاَتِهِ أَم نَقَصَ؟ فَيتحَرَّى الصَّوَابَ، فَيُتِمُّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ". السابع، والثامن: (لا أدري إبراهيم وَهِمَ أم علقمة)؛ أي: في الزيادة أو النقصان؛ نعم، لفظُ: (أَقُصرت) صريحٌ في أنه نقص، فلذلك قيل: إن هذا خلطٌ من الراوي، وجمع بين الحديثين، وقد فرق بينهما على الصواب في (الصلاة)، فقال في (باب استقبال القبلة): (قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص، فلما سلم، قيل له: أحدث في الصلاة شيء؟)، وقال في (باب سجود السهو): (انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقُصرَت الصلاة؟) الحديث، ويحتمل أن يجاب عما هنا بأن المراد من القصر: لازمُه وهو التغير، فكأنه قال: أغُيّرت الصلاة عن وضعها؟ (فيتحرى)؛ أي: يجتهد في تحقيق الحق؛ بأن يأخذ بالأقل مثلًا. * * *

6672 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ دِينَارٍ، أَخْبَرَني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أُبَيُّ بنُ كعبٍ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}، قَالَ: "كَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا". التاسع: (قلت لابن عباس، فقال)؛ أي: قلت له: حَدِّثْنا عن معنى هذه الآية، أو حدثنا مطلقًا. * * * 6673 - قَالَ أبو عَبْدِ اللهِ: كتبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: وَكَانَ عِنْدَهُم ضَيْفٌ لَهُم، فَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ أَنْ يَرجِعَ، لِيأَكلَ ضَيْفُهُم، فَذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الذَّبْحَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! عِنْدِي عَنَاقٌ جَذعٌ، عَنَاقُ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَكَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَقِفُ فِي هذَا الْمَكَانِ عَنْ حَدِيثِ الشَّعبِيِّ، وَيُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِمِثْلِ هذَا الْحَدِيثِ، وَيَقِفُ فِي هذَا الْمَكَانِ وَيَقُولُ: لَا أَدرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ غَيْرَهُ أَمْ لَا؟ رَوَاهُ أيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

العاشر: (كتب إليّ محمدُ بنُ بَشّار) قال المحدثون: الكتابة: أن يكتب إليه بشيء من حديثه، قيل: هي كالمناولة المقرونة بالإجازة؛ فإنها كالسماع عند الكثير، وجوز بعضُهم فيها أن يقول: أخبرنا، وحدثنا مُطلقًا، والأحسن تقييدهُ بالكتابة. (عَناق) بفتح المهملة: الأُنثى من أولاد المعز، وإنما يجزئ من المعز ما طعن في السَّنة الثالثة، لا الجَذَعَة التي لها سنةٌ وطعنت في الثانية. واعلم أنه سبق في (كتاب العيد): أن الآمِرَ بالذبح هو أبو بُرْدَةَ بنُ نيار، لا البراءُ، فقيل: الصواب: أن البراء هو الراوي عن أبي بُرْدة ذلك. وقال (ك): أبو بردة خاله، وكانوا أهلَ بيت واحد؛ فتارة نسب إلى نفسه، وأُخرى إلى خاله، وسبق الحديث في (العيد)، ومناسبته للترجمة: أن جاهل الوقت كالناسي له. (رواه أيوب) موصول في (الأضاحي). * * * 6674 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعتُ جُنْدَبًا قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ عِيدٍ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ ذَبَحَ فَلْيُبَدِّلْ مَكَانها، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ بِاسْم اللهِ".

16 - باب اليمين الغموس

الحادي عشر: سبق في (باب العيد) وغيره بشرحه. * * * 16 - باب الْيَمِينِ الْغَمُوسِ {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} دَخَلًا: مَكْرًا وَخِيَانةً. (باب: اليمين الغموس) هي التي تغمس صاحبها في الإثم، أو في النار، وهي الكاذبة التي يعتمدها صاحبها عالمًا أن الأمر بخلافه، وزعم الحنفية أنها لا كفارة لها؛ فإنها أعظم من ذلك. * * * 6675 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعبةُ، حَدَّثَنَا فِرَاسٌ قَالَ: سَمِعتُ الشَّعبِيَّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرٍو، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْكَبَائِرُ الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَينِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ". (وخيانة) يعلم منه: أن الكبيرة ما توعّد عليها، لا ما يجب فيه

17 - باب قول الله تعالى {ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم}

حدّ، والخلاف فيه شهير. * * * 17 - باب قول الله تعالى {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وَقوِله جل ذكره {ولَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقوله جل ذكره {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون} {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (باب: قول الله - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآيات [آل عمران: 77]) 6676 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِها مَالَ امرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللهُ تَصدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

18 - باب اليمين فيما لا يملك، وفي المعصية، وفي الغضب

6677 - فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُم أبو عَبْدِ الرَّحمَن؟ فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "بيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ"، قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْها يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، وَهْوَ فِيها فَاجِرٌ، يَقْتَطِعُ بِها مَالَ امرِئٍ مُسْلم، لَقِيَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ". (يمين صبرٍ) بالإضافة؛ أي: التي يصبر؛ أي: يُلْزَمُ بها، ويُحبس عليها، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، أي: يجبر عليها. (بينتك) بالنصب: أي: أحضِرْ، أو اطلبُ، وبالرفع؛ أي: المطلوب بينتُك، أو يمينهُ إن لم يكن لك بينة، وسبق في (كتاب الشرب). * * * 18 - باب الْيَمِينِ فِيمَا لَا يملِكُ، وَفِي الْمَعصِيَةِ، وَفِي الْغَضَبِ (باب: اليمين فيما لا يملك) 6678 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَء، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي برْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصحَابِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْألهُ الْحُمْلاَنَ، فَقَالَ: "وَاللهِ لَا أحمِلُكُم عَلَى شَيْء"، وَوَافَقْتُهُ وَهْوَ

غَضْبَانُ فَلَمَّا أتيْتُهُ قَالَ: "انْطَلِقْ إِلَى أصحَابِكَ فَقُلْ: إِنَّ الله، أَوْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحمِلُكُمْ". الحديث الأول: (الحُملان) بضم المهملة وتسكين الميم: ما يحمله عليه من الدواب. (فلما أتيته)؛ أي: مرة أُخرى. * * * 6679 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ. (ح)، وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونس بنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ قَالَ: سَمِعتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبةَ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَها أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَها اللهُ مِمَّا قَالُوا، كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، فَأنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّها فِي بَرَاءَتِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابتهِ مِنْهُ-: وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} الآيَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللهِ، إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُها عَنْهُ أَبَدًا.

الثاني: (مِسْطَح) -بكسر الميم وإسكان المهملة الأولى وفتح الثانية-: ابن أُثَاثة -بضم الهمزة وخفة المثلثة الأولى- القرشيُّ، واسم أُمّه سلمى، كانت بنتَ خالة أبي بكر الصديق، حلفَ بسبب إفك مِسْطَح، وهو معصية، وكذا كلُّ ما لا يملك الشخصُ ما يحلفُ عليه موجب للتصرف فيما لا يملكُ فعلَ ذلك؛ أي: ليس له أن يفعله شرعًا، وهذا، والظاهر أنه من تصرفات النقلَة عن البخاري؛ فإن فيه مبيّضات كثيرة، وتراجم بلا حديث، وأحاديث بلا ترجمة. قال بعضهم: فأضفنا البعض إلى البعض. أما حكم انعقاد اليمين ووجوب الكفار [ة]؛ ففيه خلف، وميلُ البخاري إلى الانعقادِ والوجوبِ؛ حيث سلكهما في مسلك الغضب. * * * 6680 - حَدَّثَنَا أَبو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: أتيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، فَاسْتحْمَلْنَاهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ قَالَ: "وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرها خَيْرًا مِنْها، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُها".

19 - باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم، فصلى أو قرأ أو سبح أو كبر أو حمد أو هلل فهو على نيته

الثالث: تقدم بيانه قريبًا. * * * 19 - باب إِذَا قَالَ: وَاللهِ لَا أَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ، فَصَلَّى أَوْ قَرَأَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ حَمِدَ أَوْ هلَّلَ فَهْوَ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الْكَلاَمِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمدُ لِلهِ، وَلَا إِله إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أكبَرُ"، قَالَ أَبو سُفْيَانَ: كتبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى هِرَقْلَ: "تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم"، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَلِمَةُ التَّقْوَى: لَا إِلَه إِلَّا اللهُ. (باب: إذا قال: واللهِ لا أتكلم اليومَ) قوله: (فهو على نيته)، أي: إن قصد بالكلام ما يكون كلامًا عرفًا، فلا يحنث بهذه الأذكار، والقراءة والصلاة، كان قصد الأعم، حنث. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) رواه ابن حِبّان من حديث سَمُرة، وأخرج أصلَه مسلمٌ، والنسائي، ورواه ابن حِبان، والنسائي أيضًا عن أبي هريرة، وأحمد عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

(أفضل) وجهُ الأفضلية: الاشتمال على جميع صفات الله تعالى؛ التسبيح: تنزيهُ الله تعالى عن النقائص، والتحميد: وصفه بالكمالات، والتهليل: بيان التوحيد الذي هو أصل الدِّين، وأساس الإيمان، والرابع: أنه أكبر مما عرفناه، سبحانك ما عرفناكَ حقَّ معرفتك، والقصد بإيراد ذلك: أن هذه الأذكار كلام يحنث به؛ وكذا إطلاق الكلمة فيه. (وقال أبو سفيان) موصول في أول "الجامع". * * * 6681 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "قُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِها عِنْدَ اللهِ". الحديث الأول: (ابن المُسَيَّب عن أبيه) سبق أن هذا مما يبطل أن شرط البخاري رواية اثنين عن كل واحد؛ فإن المُسَيَّب لم يرو عنه إلا ابنُه، وسبق الحديث في آخر (فضائل الصحابة). * * * 6682 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ،

حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، سبْحَانَ اللهِ الْعَظِيم". الثاني: (كلمتان خفيفتان) سبق بشرحه في (كتاب الدعوات). * * * 6683 - حَدَّثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَةً، وَقُلْتُ أُخْرَى: "مَنْ مَاتَ يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدخِلَ النَّار"، وَقُلْتُ أُخْرَى: مَنْ مَاتَ لَا يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ. الثالث: (أو دخل الجنة) هذا هو الظاهر في المقابلة، لا أن من لا يجعل لله ندًّا لا يدخل النار؛ فإن المعاصي قد تُدخِل النار، أما دخول الجنة، فمحقَّق. * * *

20 - باب من حلف أن لا يدخل على أهله شهرا، وكان الشهر تسعا وعشرين

20 - باب مَنْ حَلَف أَنْ لَا يَدخُلَ عَلَى أَهْلِهِ شَهْرًا، وَكَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ (باب: من حلف لا يدخل على أهله شهرًا) 6684 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: آلَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ". (آلى)؛ أي: حلف، وذلك أنه أسرّ إلى بعض أزواجه حديثًا، فأفشته، لا الإيلاء المذكور في الفقه. (مَشْرُبَة) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الراء وفتحها: الغرْفة. * * * 21 - باب إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ نَبِيذًا فَشَرِبَ طِلاءً أَوْ سَكَرًا أَو عصيِرًا، لم يَحنَثْ فِي قوْلِ بَعْضِ النَّاسِ، وَلَيْسَتْ هذِهِ بِأَنبِذَةِ عِنْدَهُ (باب: إن حلف لا يشرب نبيذًا، فشرب طِلاءً) بكسر المهملة

والمد: أن يطبخ العصير حتى يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه، ويصير ثخينًا، ويمسى بالمثلث. (أو سَكَرًا) بفتحتين: نبيذ يتخذ من التمر. (بعض الناس) غالب ما يقصد البخاري بذلك: الحنفية. * * * 6685 - حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، سَمِعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي حَازِمٍ، أَخْبَرني أَبِي، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعدٍ: أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ صَاحِبَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَغرَسَ فَدَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُرسِهِ، فَكَانَتِ الْعَرُوسُ خَادِمَهُم؟ فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: هلْ تَدرُونَ مَا سَقَتْهُ؟ قَالَ: أَنْقَعَتْ لَهُ تَمرًا فِي تَوْرٍ مِنَ اللَّيْلِ، حَتَّى أَصبَحَ عَلَيْهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ. الحديث الأول: (صاحب) ذكر الصحبة؛ إما للاستلذاذ، أو الافتخار، أو التعظيم، أو تفهيم من لا يعرفه. (العروس) هي أُمُّ أُسَيد. (خادمهم) لم يقل: خادمتهم؛ مراعاةً للفظ العروس، وهو يطلق على الذكر والأُنثى، ومر في (كتاب الأشربة). * * *

22 - باب وإذا حلف أن لا يأتدم، فأكل تمرا بخبز، وما يكون من الأدم

6686 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعبِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: مَاتَتْ لنا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَها، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَتْ شَنًّا. الثاني: (مَسْكَها) بفتح الميم: الجلد. (شَنًّا) هي القِربَة الخَلَقُ، ومناسبةُ الحديث للباب: مفهوم نبيذ؛ إذ المتبادَر للذهن أنها سَمَّت المتخذَ من التمر به، فهو ردٌّ على بعض الناس. * * * 22 - باب وإذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْتَدِمَ، فَأَكَلَ تَمرًا بِخُبْزِ، وَمَا يَكونُ مِنَ الأدمِ (باب: إذا حلف أن لا يأتَدِم، فأكل تمرًا بخبز) أي: متلبسًا به، مقارنًا له؛ أي: هل يكون أُدمًا حتى يحنث؟ (وما يكون) عطف على جملة الشرط والجزاء؛ أي: وباب الذي يحصل منه الأُدْم.

6687 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأدُومٍ ثَلاَثَةَ أيامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ. 6687 / -م - وَقَالَ ابْنُ كثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ أنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ بِهذَا. الحديث الأول: (مأدُوم) هو عُلقة الترجمة من حيث إن الغالب في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - التمر، وكانوا شباعًا منه، فعلم أنه ليس أكل الخبز به ائْتِدَامًا، وأنه ذكر الحديث في الباب لأدنى ملابسة، وهو لفظ: (مأدُوم)، ولم يذكر غيره؛ لأنه لم يجد حديثًا فيه بشرطه، أو هو أيضًا من تصرفات النقلة. (وقال ابن كثير) وصله البيهقي. (لعائشة)؛ أي: روي عنها، أو قال لها مستفهمًا عن ذلك، فقالت: نعم. * * * 6688 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْم: لَقَد سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَعِيفًا أَعرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهلْ

عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نعم، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَها، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثمَّ أَرسَلَتْنِي إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَهبْتُ فَوَجَدتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيهِم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ " فَقُلْتُ: نعم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا"، فَانْطَلَقُوا، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهم حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ! قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتِ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو طَلْحَةَ حَتَّى دَخَلاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ"، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَها فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَة"، فَأَذِنَ لَهُم فأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُم، فَأكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُم وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا. الثاني: سبق شرحه في (باب علامات النبوة). * * *

23 - باب النية في الأيمان

23 - باب النِّيَّةِ فِي الأَيْمَانِ (باب: النية في الأيمان) 6689 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعتُ يَحيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَني مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ سَمعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرتهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُها أَوِ امرَأَةٍ يتَزَوَّجُها، فَهِجْرتهُ إِلَى مَا هاجَرَ إلَيهِ". سبق حديث النية في أول "الجامع"، ووجهُ دخوله في الترجمة هنا: أن اليمين أيضًا عمل. فإن قيل: ففي بعضها ضبطه: (الإيمان) بكسر الهمزة؟. قيل: مذهب البخاري أن الأعمال داخلة في الإيمان. * * *

24 - باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة

24 - باب إِذَا أَهْدَى مَالَهُ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ وَالتَّوْبَةِ (باب: إذا أهدى ماله) أي: جعله هدية للمسلمين، أو تصدق به. 6690 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، فَقَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِيَ أنِّي أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ". هناك. (في حديثه)، أي: حديث تخلُّفه في تبوك، وسبق شرحه هناك. * * * 25 - باب إِذَا حَرَّمَ طَعَامَه وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ

وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}، وَقَوْلُهُ {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}. (باب: إذا حَرَّمَ طعامًا) 6691 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فتَوَاصيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ"، فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}، {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}: لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لِقَوْلِهِ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا". (تزعم)؛ أي: تقول. (أيتنا) هو لغة، والأفصح: أيُّنا؛ قال تعالى: {بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34]. (مغافير) جمع مُغفور -بضم الميم وبالمعجمة والفاء والراء-: نوع من الصمغ يتحلل عن بعض الشجر، حلو كالعسل، وله رائحة كريهة، ويقال له أيضًا: مغاثير -بالمثلثة-، وكان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يكره أن

26 - باب الوفاء بالنذر وقوله: {يوفون بالنذر}

يكون منه الرائحة، لأجل مناجاة الملائكة، فحرَّم على نفسه بظن صدقِهما، وأكثرُ أهل التفسير أن الآية نزلت في تحريم مارية، وإنما فعل أزواجُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك من أجل الغيرة الطبيعية للنساء، أو في حال الصغر؛ نعم، سبق في (كتاب الطّلاق): أنه - صلى الله عليه وسلم - شرب في بيت حفصة، والمتظاهرات هن: عائشة، وسودة، وزينب، وهو مخالف ما هنا؛ فلعلّ الشرب كان مرتين، وسبق بسط الكلام فيه. * * * 6691 / -م - وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: عَنْ هِشَامٍ: "وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ، فَلَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا". (وقال إبراهيم) موصول في (التفسير). * * * 26 - باب الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَقَولُهُ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (باب: الوفاء بالنذر) 6692 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّهُ سَمعَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ؟ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا، وَلَا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا

يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْبَخِيلِ". الحديث الأوّل: (ينهوا) بالبناء للفاعل والمفعول، والدلالةُ على كونهم منهيين من السياق، أو كان مشهورًا عندهم؛ نعم، جاء النّهي صريحًا في الحديث الثّاني. * * * 6693 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بِنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: "إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ". 6694 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَأْتِي ابنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ اللهُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ، فَيُؤتي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤتي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ". الثّالث: (يلقيه النَّذْر إلى القدر) إن قيل: إن (¬1) كان الظّاهر: يلقيه القدر ¬

_ (¬1) "إن" ليس في الأصل.

27 - باب إثم من لا يفي بالنذر

إلى النَّذْر، قيل: القدر يُلجِئُه إلى النَّذْر، والنذر يوصله إلى الإيتاء والإخراج. (فيستخرج) إن قيل: القياس: فأَستخرجُ -بلفظ المتكلم-؛ ليوافق السابق واللاحق، قيل: هو التفاتٌ، وبعدَه التفاتٌ آخَرُ. (فيؤتيني)؛ أي: يعطيني على ذلك الأمر الّذي بسببه نذر كالشفاء ما لم يكن يؤتيني عليه قبل النَّذْر، ومن لفظ يستخرج يطابق التّرجمة. * * * 27 - باب إِثْمِ مَنْ لَا يَفِي بِالنَّذْرِ (باب: إثم من لا يفي بالنذر) 6695 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ، حَدَّثَنَا زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُكُمْ قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي، ذَكَرَ ثِنتيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ- ثُمَّ يَجيءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". الحديث سبق في (مناقب الصّحابة). * * *

28 - باب النذر في الطاعة

28 - باب النَّذْرِ فِي الطاعَةِ {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}. (باب: النَّذْر في الطّاعة) 6696 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ". (فلا يعصه)؛ أي: لأن شرط النَّذْر أن يكون قُربة. وحكي عن سعيد بن المُسَيِّب: أنه أفتى من نذر في معصية بوفاء نذره، فأتى عِكْرِمةَ، فأفتاه بعدم الوفاء، وبالتكفير، فأتى سعيدًا، فقالَ: لينتهينَّ عِكْرِمةُ أو ليوجعنَّ الأمراءُ ظهره، فرجع لِعِكْرمةَ، فقال: سله عن نذرك: أطاعة هو أم معصية؟ فإن قال: طاعة، فقد كذب؛ لأن معصية الله لا تكون طاعة، وإن قال: معصية، فقد أمرك بمعصية الله تعالى. * * *

29 - باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا في الجاهلية ثم أسلم

29 - باب إِذَا نَذَرَ أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ إِنْسَانًا فِي الجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ (باب: إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانًا في الجاهلية) ظرف لنَذَرَ، وهي زمان فترة النبوات قبل بعثة نبيّنا محمّد - صلى الله عليه وسلم -. 6697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُوْ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجدِ الْحَرَامِ، قَالَ: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ". والحديث فيه النَّذْر دون الحلف، فهو بالقياس عليه، وليس فيه إسلامُ الناذر بعد النَّذْر، فلذلك قيل: إن نذر عُمر - رضي الله عنه - كان بعد إسلامه في جاهلية مكّة؛ أي: قبل أن تفتح. وفيه: أن الصوم ليس شرطًا في الاعتكاف؛ لأن اللّيل لا صومَ فيه. قيل: وصحّةُ نذر الكافر، وأُجيب: بأن الأمر بالوفاء للندب، أو بأنه كان مسلمًا -كما سبق-. * * *

30 - باب من مات وعليه نذر

30 - باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةٌ جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلَاةً بِقُبَاءٍ، فَقَالَ: صَلِّي عَنْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. (باب: من مات وعليه النَّذْر) قوله: (بِقُبَاء) بضم القاف والمد، وقد يُذَكَّر ويصرَفُ. (عنها) في بعضها: (عليها)؛ فإما أن (على) بمعنى (عن) إن قيل بالتقارض، أو أن الضمير في (عليها) (لقباء). وفي الصّلاة عن الميِّت خلافٌ بين الفقهاء. * * * 6698 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاس أَخْبَرَهُ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ اسْتَفْتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، فتوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ. الحديث الأوّل: (على أُمه) سبق أنها عَمْرَةُ بنتُ مسعود. (سُنَّة)؛ أي: طريقة شرعية أن الوارث يقضي حقَّ المورّث،

وربما وجب؛ كما إذا كان ماليًّا، وله تَرِكَة. * * * 6699 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ " قَالَ: نعمْ، قَالَ: "فَاقْضِ الله، فَهْوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ". الثّاني: (أتى رجل) هو عُقبةُ بنُ عامرِ. (أختي) هي أُمّ حبال -كما سبق-، ولا ينافي هذا ما سبق في (باب الحجِّ عن الميِّت): (أن امرأة سألت؛ إن أُمِّي نذرت)؛ لاحتمال سؤالهما. (أحقُّ) ليس المراد أنه يقدَّم على دَيْن الآدمي؛ فإن دين الآدمي مقدَّم؛ بل معناه: إذا كنتَ تراعي حق النَّاس، كانت مراعاة حق الله تعالى أولى، ولا دخل فيه لتقدم ولا تأخر، وفيه نوع من القياس الجلي. * * *

31 - باب النذر فيما لا يملك وفي معصية

31 - باب النَّذْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَفِي مَعْصِيَة (باب: النَّذْر فيما لا يملك) 6700 - حَدَّثَنَا أبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ". الحديث الأوّل: سبق بيانه. * * * 6701 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نفسَهُ"، وَرَآهُ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ. 6701 / -م - وَقَالَ الْفَزَارِيُّ: عَنْ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي ثَابِتٌ، عَنْ أَنسٍ. الثّاني: (نفسَه) مفعول (تعذيب)، وسبق أنه أبو إسرائيل، وسيأتي في الحديث الخامس.

(بين ابنيه)؛ أي: رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي متمايلًا بين ولديه، متكئًا عليهما. (وقال الفَزَارِي) بفتح الفاء والزاي: مروان، موصول في (الحجِّ). * * * 6702 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِزِمَامٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَقَطَعَهُ. 6703 - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ: أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ -وَهْوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ- بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا بِخِزَامَةٍ فِي أَنْفِهِ، فَقَطَعَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ. الثالث، والرابع: (بِخِزَامة) بخاء معجمة مكسورة وزاي: حلقة من شعر تُجعل في أنف البعير يُقاد به مثل الخطام، سبق في (الحجِّ): أن بشرًا والدَ خليفةَ له قصة يمكن أن تكون هذه؛ لكن قال (ك) هنا: إنّه قيل: إن اسم هذا الرَّجل ثواب، ووجهُ دلالة هذا على التّرجمة: أن الشخص لا يملك

تعذيبَ نفسِه، ولا التزامَ مشقةٍ لا تلزمُه؛ نعم، فسروا (ما لا يملك) بمثل نذرِ إعتاقِ عبدِ فُلان؛ نعم، اتفقوا على جواز النَّذْر في الذِّمَّة بما لا يملك؛ كإعتاق عبدٍ، ولا يملك شيئًا، وسبق الحديث في (باب الكلام في الطّواف). * * * 6704 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْتقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ". 6704 / -م - قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (أبو إسرائيل) اسمه: يُسَيْر -بضم الياء وفتح السين المهملة-. (وليتمَّ صومَه)؛ أي: لأنه قُربة؛ بخلاف الباقي. (قال عبد الوهّاب) هو مرسَل؛ لأن عِكْرِمَة تابعي. * * *

32 - باب من نذر أن يصوم أياما، فوافق النحر أو الفطر

32 - باب مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامًا، فَوَافَقَ النَّحْرَ أَوِ الْفِطْرَ (باب: من نذر أن يصوم أيامًا؛ فوافق النَّحر أو الفطر) 6705 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ أَبِي حُرَّةَ الأَسْلَمِيُّ: أَنَّهُ سَمعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيْهِ يَوْمٌ إلا صَامَ، فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، لَمْ يَكُنْ يَصُومُ يَوْمَ الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، وَلَا يَرَى صِيَامَهُمَا. الحديث الأوّل: (ولا يرى) بلفظ المتكلم، فيكون من جملة مقول عبد الله، وفي بعضها: الغائب، وفاعله عبد الله، وقائله حكيم. * * * 6707 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنْ يُونس، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلَاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أَمَرَ اللهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَهُ، لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ.

33 - باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع والأمتعة؟

الثّاني: (أمر الله)؛ أي: بقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]. (وَنُهِينا)؛ أي: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (لا يزيده عليه)؛ أي: لا يجزم بلا، ولا بنعم؛ لتعارض الدّليلين، هذا من كمال علمه وورعه، ولا ينافي هذا ما سبق من قوله: (لا يرى صيامهما)؛ لجواز أنهما قضيتان تغير اجتهادُه عند الثانية، ومثله قول عُثمان - رضي الله عنه -: (أحلتهما آية، وحرمتهما آية)، فتوقف عن الجواب لذلك. وقيل: إذا تعارض أمر ونهي، قُدِّم النهيُ، مر في (كتاب الصِّيام)؛ لكن هناك: نذر يوم الاثنين، وهنا: يوم الثلاثاء، أو الأربعاء. * * * 33 - باب هَلْ يَدْخُلُ فِي الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ الأَرْضُ وَالْغَنَمُ وَالزُّرُوعُ وَالأَمْتِعَةُ؟ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، قَالَ: "إِنْ شئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا". وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَحَبُّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ. لِحَائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجدِ.

(باب: هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض) أي: هل يصح النَّذْر واليمين على الأعيان؛ مثل: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ"، أو يقول: هذه الأرضُ لله، نذرًا ونحوه. (وقال ابن عُمر) سبق بتمامه في (كتاب الوصايا)، وفي (البيوع). (وقال أبو طلحة) موصول في (الوكالة)، والوجوه في: (بيرحاء)، وأن المشهور فتحُ الموحدة والراء. (لحائط) اللام فيه للتبيين؛ مثل: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]؛ أي: هذا الاسم لحائط. (مستقبلة)؛ أي: مقابلة، وتأنيثه باعتبار البقعة، سبق في (باب الزَّكاة على الأقارب). * * * 6707 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زيدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إلا الأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، فَأهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ، يُقَالُ لَهُ: رِفَاعَةُ بِنُ زيدٍ، لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غُلَامًا، يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى وَادِي الْقُرَى، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ:

هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِم، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لتشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا"، فَلَمَّا سَمعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكانِ مِنْ نَارٍ". الحديث الأوّل: (إلا الأموال) الاستثناء منقطع؛ إذ المراد: فالمال هنا العقارُ من الأرض، والنخيل، ونحوه. (الضُّبَيْب) -بمعجمة وموحدة-: تصغير ضَبّ، وسبق الحديث في (غزوة خيبر)، وفيه: الضِّباب. (رِفاعة) بكسر الراء وبالفاء وبالمهملة. (مِدْعَم) بكسر الميم وسكون المهملة الأولى وفتح الثّانية. (وادي القرى) بلفظ جمع قرية بقرب المدينة. (عائر) بمهملة وهمز بعد الألف وبالراء: الحائر عن قصده. (الشملة): الكساء. (لم تُصبها المقاسم)؛ أي: أخذَها قبل القسمة، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]. (شِراك) بكسر المعجمة: سير النعل الّتي تكون على وجهها. * * *

84 - كتاب الكفارات

84 - كِتَابُ الكَفَّاراتِ

1 - باب كفارات الأيمان والنذور

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 84 - كِتَابُ الكَفَّاراتِ (كتاب الكفارات) الكفارة: فَعَّالَة من الكَفْر، وهو الستر؛ أي: تستر إثم الحنث؛ من عتق، أو صدقة، أو صيام. 1 - بابُ كفَّاراتِ الأَيمانِ والنُّذور وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَىِ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} وَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ نزَلَتْ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ أَوْ، فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، وَقَدْ خَيَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَعْبًا فِي الْفِدْيَةِ. (باب: كَفَّارت الأيمان والنذور) قوله: (وما أُمر)، (ما) موصولة. (أو فصاحبه بالخِيَار)؛ أي: فهو الواجب المخير.

2 - باب قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم}، متى تجب الكفارة على الغني والفقير

6708 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُهُ -يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "ادْنُ"، فَدَنَوْتُ، فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ " قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ". وَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالنُّسُكُ شَاةٌ، وَالْمَسَاكِينُ سِتَّةٌ. (هَوامُّك) جمع هامَّة. (قال: فدية من صيام) إلى آخره، سبق حديثه في (الحجِّ). (وأخبرني) عطف على مقدر؛ أي: قال ابن شهاب: أخبرني فلان بكذا، وأخبرني ابن عَوْن. * * * 2 - باب قَوْلِه تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، متى تَجبُ الكفارة على الغني والفقيرِ (باب: متى تجب الكفارة؟) قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]؛ أي: أن

تحليلها بالكفارة، وكان المناسب أن تُذكر هذه الآية أول الباب. * * * 6709 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ " قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن؟ " قَالَ لَا، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ ستِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "اجْلِسْ"، فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ -وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ- قَالَ: "خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ"، قَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ " فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: "أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ". (من فيه)؛ أي: قال سفيان: سمعته من في الزُّهْري، وغرضُه: أنه ليس معنعنًا موهمًا للتدليس. (رجل) قيل: هو سَلَمَةُ بنُ صَخْرٍ البياضيُّ، وقيل: سليمانُ، وسبق الحديث في (الصِّيام). * * *

3 - باب من أعان المعسر في الكفارة

3 - باب مَنْ أَعَانَ الْمُعْسِرَ فِي الْكَفارَةِ (باب: من أعان المُعْسِرَ في الكفارة) 6710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: هَلَكْتُ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ " قَالَ: وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "تَجدُ رَقَبةً؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ -وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ-، فَقَالَ: "اذْهَبْ بِهَذَا، فتصَدَّقْ بِهِ"، قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". (لابَتَيْها)؛ أي: حَرَّتَي المدينة؛ أي: طَرَفَيها. * * *

4 - باب يعطي في الكفارة عشرة مساكين، قريبا كان أو بعيدا

4 - باب يُعْطِي فِي الْكَفَّارَةِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا (باب: يعطي في الكفارة عشرة مساكين) 6711 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: "وَمَا شَأْنُكَ؟ "، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "هَلْ تَجدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ: لَا أَجِدُ، فَأُتِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: "خُذْ هَذَا فتصَدَّقْ بِهِ"، فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَفْقَرُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: "خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". أورد فيه حديث المجامع، وفيه إطعام ستين مسكينًا؛ لأن غرضه: أن المساكين العشرة في كفارة اليمين يجوز أن تكون قريبة وبعيدة؛ كما في كفارة الوِقاع، فتقاس الكفارة المخيرة على المرتبة، وقيل: لعلّ أهله كانوا عشرة، والأولُ أقربُ. * * *

5 - باب صاع المدينة، ومد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبركته، وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن

5 - باب صَاعِ الْمَدِينَةِ، وَمُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَبَرَكَتِهِ، وَمَا تَوَارَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ (باب: صاع المدينة) قوله: (وبركته)؛ أي: بركة المد؛ أي: بركة كلٍّ منهما. 6712 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. الحديث الأوّل: (فزهد فيه)؛ أي: في المد. * * * 6713 - حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قتيْبَةَ -وَهْوَ سَلْمٌ-، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُدِّ الأَوَّلِ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ أَبُو قتيْبَةَ: قَالَ لنا مَالِكٌ: مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ مُدِّكُمْ، وَلَا نَرَى الْفَضْلَ إلا فِي مُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَوْ جَاءَكُم أَمِيرٌ فَضَرَبَ

مُدًّا أَصْغَرَ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِأَيِّ شَيْء كُنتمْ تُعْطُونَ؟ قُلْتُ: كُنَّا نُعْطِي بِمُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ الأَمْرَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى مُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثّاني: (المد الأوّل) صفةٌ لازمة لمدِّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ هو الأوّل، وأمّا الثّاني، فهو الّذي زِيدَ فيه في زمن عُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، وقال (ط): لا نعلم قدرَ ما زيد فيه، إنّما قال ذلك؛ للفرق بينه وبين مُدِّ هشامٍ الحادث الّذي أحدثه أهل المدينة في كفارة الظهار لتغليظها على المظاهر، ومدُّ هشام كان أكثر من مد النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بثلثي مدٍّ. (مُدّنا)؛ أي: مد المدينة الّذي زاد فيه عُمر. (مُدّكم)؛ أي: مد العراق، وهو مد عهده - صلى الله عليه وسلم -. (أفلا ترى) إلى آخره؛ أي: وإن كان المد العُمَري أكبر بحسب الوزن. * * * 6714 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ وَصَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ". الثّالث: سبق شرحه مرات. * * *

6 - باب قول الله تعالى: {أو تحرير رقبة}، وأي الرقاب أزكى؟

6 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، وَأيُّ الرِّقَابِ أَزْكَى؟ (باب: قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]) 6715 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدٍ بنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً، أَعْتَقَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ". (مسلمة) أشار إلى بيان أزكى الرقاب، وجوز الحنفية عتق الكافر في الكفارة، والشّافعيّ حمل المطلق على المقيد بمؤمنة؛ كما في كفارة القتل. (فرجه بفرجه) حاصله: من أعتق عبدًا، أعتقه الله من النّار. * * * 7 - باب عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فِي الْكَفارَةِ، وَعِتْقِ وَلَدِ الزِّنَا وَقَالَ طَاوُسٌ: يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَأُمٌّ لِوَلَدٍ.

(باب: عتق المُدَبَّر) 6716 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ دَبَّرَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ " فَاشْتَرَاهُ نُعيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ. (رجلًا) تقدّم أن اسمه: مَذْكُور -بالمعجمة-، وأن اسم مملوكه يعقوبُ القبطيُّ. (فاشتراه ابن النَّحَّام) صوّبوا إسقاط (ابن)؛ لأن نُعيمًا هو النّحّام؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - سمع نحمته -بالنون والمهملة-؛ أي: سعلته ليلةَ الإسراءِ في الجنَّة. ووجهُ مطابقة التّرجمة: أنه إذا جاز بيع المدبر، جاز إعتاقه؛ وكذا الباقي قياسًا، وقال أبو ثور: يجزئ عتقُ المكاتب عن الكفارة، وإن أدى بعضَ النجوم، وقال إبراهيم، والشعبي: لا يجزئ عتقُ ولدِ الزِّنا عنها، وفي هذه الإعتاقات للفقهاء اختلاف. * * *

8 - باب إذا أعتق في الكفارة، لمن يكون ولاؤه؟

(باب: إذا أعتق عبدًا بينه وبين آخر) (¬1) أي: مشترَكًا، وهذه التّرجمة ممّا لم يذكر فيه البخاريّ حديثًا؛ إمّا لأنه لم يجد فيه ما هو على شرطه، أو إشارة إلى أن ما نقل فيه من الأحاديث ليس من شرطه. * * * 8 - باب إِذَا أَعْتَقَ فِي الْكَفَّارَةِ، لِمَنْ يَكُونُ وَلَاؤُهُ؟ (باب: إذا أعتق في الكفارة، لمن يكون ولاؤه؟) 6717 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطُوا عَلَيَهَا الْوَلَاءَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا، إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". (فاشترطوا)؛ أي: قالوا: نبيعها بشرط أن الولاء لنا. * * * ¬

_ (¬1) جاء هذا الباب على هامش اليونينية.

9 - باب الاستثناء في الأيمان

9 - باب الاِسْتِثْنَاءِ فِي الأَيْمَانِ (باب: الاستثناء في اليمين) 6718 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِييِّنَ أَستَحْمِلُهُ، فَقَالَ: "وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ"، ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ، فَأُتِيَ بابِلٍ فَأَمَرَ لنا بِثَلَاثَةِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَا يُبَارِكُ اللهُ لَنَا، أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا فَحَمَلَنَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللهُ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". الحديث الأوّل: (بِشَائِل) بالمعجمة والمد والهمز بعد الألف؛ أي: قطيع من الإبل. قال (خ): جاء بلفظ الواحد، والمرادُ الجمعُ؛ كالسامر، يقال: ناقة شائل: إذا قل لبنها، وأصلُه من شالَ الشيءُ: إذا ارتفع؛ أي: ارتفعت ألبانها، وفي بعض الروايات: (شوائل)، جمع شائل، وفي

بعضها: (بإبل)، وسبق الحديث مرات، ووجهُ كونه من الاستثناء: أنّ (إن شاء) الله ينطلق عليه استثناء؛ لأن مآلهما واحد. * * * 6719 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَقَالَ: "إلا كَفَّرْتُ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ"، أَوْ: "أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكفَّرْتُ". (حدَّثنا أبو النعمان) فائدةُ ذكرِ هذه الطريق: التخيير بين تقديم الكفارة على الحنث، وتأخيرها، أو هو شكٌّ من الراوي. * * * 6720 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ -قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي: الْمَلَكَ-: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَنَسِيَ، فَطَافَ بِهِنَّ، فَلَمْ تأْتِ امْرَأةٌ مِنْهُن بِوَلَدٍ، إلا وَاحِدَةٌ بِشِقِّ غُلَامٍ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ، قَالَ: "لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا فِي حَاجَتِهِ"، وَقَالَ مَرَّةً: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوِ اسْتَثْنَى". وَحَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

10 - باب الكفارة قبل الحنث وبعده

الثاني: (بتسعين) قيل: ليس في "الصّحيح" حديث أكثر اختلافًا في العدد من حديث سليمان -عليه الصّلاة والسلام- فيه مئة، وفيه تسعة وتسعون، وفيه تسعون، وفيه ستون، ولا منافاة؛ إذ لا اعتبار لمفهوم العدد، والحديث موقوف على أبي هريرة. (فأطاف)؛ أي: ألمّ به، وقاربه. (بشِقّ)؛ أي: نصف. (يرويه)؛ أي: عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (لم يحنث) بالمثلثة، وفي بعضها: (لم يخب) بمعجمة وموحدة. (دَرْكًا) بسكون الراء وفتحها؛ أي: إدراكًا ولحاقًا. (لو استثنى)؛ أي: قال: إن شاء الله تعالى، ففيه: أن الحالف إذا قال: إن شاء الله، لا يحنث؛ أي: إلا إن أراد التبرك. * * * 10 - باب الْكَفَّارَةِ قبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ (باب: الكفارة قبل الحِنْث وبعدَه) 6721 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِم التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي

مُوسَى، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ وَمَعْرُوفٌ، قَالَ: فَقُدِّمَ طَعَامٌ، قَالَ: وَقُدِّمَ فِي طَعَامِهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، قَالَ: وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بنِي تيْم اللهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مَوْلًى، قَالَ: فَلَمْ يَدْنُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى ادْنُ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ مِنْهُ، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا قَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَطْعَمَهُ أَبَدًا، فَقَالَ: ادْنُ أُخْبِرْكَ عَنْ ذَلِكَ، أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ، وَهْوَ يُقْسِمُ نعمًا مِنْ نعم الصَّدَقَةِ، قَالَ أَيُّوبُ: أَحْسِبُهُ قَالَ وَهْوَ غَضْبَانُ، قَالَ: "وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ"، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَقِيلَ: أَيْنَ هَؤُلَاءِ الأَشْعَرِيُّونَ؟ فَأَتَيْنَا، فَأَمَرَ لنا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، قَالَ: فَانْدَفَعْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا فَحَمَلَنَا، نسَيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، وَاللهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا، ارْجِعُوا بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلْنُذَكِّرْهُ يَمِينَهُ، فَرَجَعْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أتيْنَاكَ نستَحْمِلُكَ، فَحَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا، ثُمَّ حَمَلْتَنَا، فَظَننَّا -أَوْ: فَعَرَفْنَا- أنَّكَ نسَيتَ يَمِينَكَ، قَالَ: "انْطَلِقُوا، فَإِنَّمَا حَمَلَكُمُ اللهُ، إنِّي وَاللهِ إنْ شَاءَ اللهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِيني، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا". تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَالْقَاسِم بْنِ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِيِّ. 6721 / -م - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَالْقَاسِم التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا.

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا. الحديث الأوّل: (بيننا) مقتضى الظّاهر أن يقال: بينه؛ أي: بين أبي موسى، كما سبق في (باب لا تحلفوا بآبائكم)، فإما أنه هنا جعل نفسه من أتباع أبي موسى؛ كأنه أراد بقوله: بيننا أبا موسى وأتباعه الحقيقية والادعائية. (مولى)، أي: كأنه ليس من العرب الخالص. (بخمس) سبق أنه لا منافاة بينه وبين ما سبق: (بثلاث)، وفي (المغازي): (ستة)، لأن القليل لا ينفي الكثير. (تابعه حماد) موصول في (التّوحيد). قال (ك): وإنّما قال هنا: (تابعه)، وفيما بعده: (حدَّثنا)؛ إشارة إلى أن الأخيرين حدثاه استقلالًا، والأول تبع غيره بأن قال: هو كذلك، أو صدق، أو نحوه، والأولُ يحتمل التعليق، والأخيران لا يحتملانه. قلت: فتصير المتابعة على ما قال خلافَ عرفِ المحدثين، فإنّه أعمُّ من ذلك. * * * 6722 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ

مَسْئَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْئَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ". تَابَعَهُ أَشْهَلُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَسِمَاكُ بْنُ عَطِيَّةَ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَحُمَيْدٌ، وَقتادَةُ، وَمَنْصُورٌ، وَهِشَامٌ، وَالرَّبِيعُ. الثاني: (وكلت) بالتخفيف، سبق أول (الأيمان). (تابعة أشْهل) بسكون المعجمة: ابن حاتم، وصله أبو عَوانة، والحاكم. (وتابعه يونس) موصول في (كتاب الأحكام). (وسِمَاك) وصله الطَّبرانيُّ في "الكبير". (وحُميد) وصله البزار، والطبراني. (وقَتادة) وصله مسلم، والنَّسائيّ. (ومنصور) إن كان ابنَ وردان، فوصله الطَّبرانيُّ، وإن كان ابنَ المعتمر، فوصله النَّسائيُّ. (وهشام) وصله أبو عَوانة. (والربيع) إن كان ابنَ صُبيح؛ فوصله أبو عَوانة والطبراني، وإن كان ابنَ مسلم كما جزم به الدمياطي، فقد ساقه من طريق وكيع عن الربيع غيرَ منسوب، عن الحسن، وهو محتمل؛ لكن يرجح أنه ابنُ صُبيح، لأن الربيعَ بنَ مسلم لم يروِ عن الحسن شيئًا، والله أعلم. * * *

85 - كتاب الفرائض

85 - كِتَابُ الفَرَائِضِ

1 - وقول الله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم ...}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 85 - كِتَابُ الفَرَائِض 1 - وقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ}.

(كتاب الفرائض) فريضة: من الفَرْض، وهو التقدير، والترجمة لكل أحكام المواريث؛ خلافًا لقول (ك): إنّه الأنصباء المقدرة في كتاب الله. * * * 6723 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: مَرِضْتُ فَعَادَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَأَتَانِي وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فتوَضَّأ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَبَّ عَلَيَّ وَضُوأَهُ فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! كيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟ فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ. (أُغْمِيَ) بالبناء للمفعول. (وَضوءه) بفتح الواو على المشهور. (فلم يجبني) لا يدلُّ على منع اجتهاده بانتظاره الوحيَ؛ إذ لا يلزم من عدم اجتهاده في تلك المسألةُ عدمُه مُطلقًا، أو كان يجتهد بعد اليأس من الوحي، أو حيث كان ثَمَّ ما يقيس عليه، أو لم تكن من المسائل التعبدية. (آية الميراث)؛ أي: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]، ويروى: أنها نزلت في حق سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ، ولا منافاة؛ لجواز أنَّ بعضها نزل في هذا، وبعضها نزل في الآخر، وكانا في وقت واحد.

2 - باب تعليم الفرائض

وفيه: عيادة المرضى، والمشي فيها، والتبرك بآثار الصالحين، وطهارة الماء المستعمل، وظهور بركة أثره - صلى الله عليه وسلم -. * * * 2 - باب تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّيَنَ، يَعْنِي الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ. (باب: تعليم الفرائض) قوله: (الظَّانِّينَ) يريد: قبل اندراس العلم والعلماء، وحدوثِ الذين لا يعلمون ويتكلمون بالظنون الفاسدة. * * * 6724 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا". (إياكم والظنَّ) ليس المرادُ التحذيرَ من ظنون المجتهدين، والناس في المشتبهات والظاهرات، ونحو ذلك؛ فإنا مأمورون بالعمل

3 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا نورث ما تركنا صدقة

بها، بل فيما تُعُبّد فيه بالقطع من الاعتقادات، أو أن المراد: ظنُّ السوء بالمسلمين، لا ما تتعلقُ به الأحكام، وهذا هو الظّاهر. (أكذبُ) الكذب، وإن لم يقبل التفاوت؛ لكن المراد: أن الظن أكثرُ كذبًا من غيره، وقال (خ): الظنُّ منشأُ أكثرِ الكذب. (ولا تجسسوا) بالجيم: ما تطلبه لغيرك، وبالحاء: ما تطلبه لنفسك. (تدابروا)؛ أي: تقاطعوا وتتهاجروا، سبق في (النِّكاح) في (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)، قيل: وجهُ دلالته على التّرجمة: أن الغالب في الفرائض التعبدُ، وحسمُ موادِّ الرأي في أصولها، فالمراد: التحريضُ على تعلمها المخلص من مجال الظنون، وقال مُغُلْطاي في "شرحه": إن المناسبة: الحثُّ على تعلم العلم، ومنه الفرائضُ. قال (ك): ويحتمل أنه لما كان عبادُ الله كلُّهم إخوانًا، فلا بد من تعلم الفرائض؛ ليعلم الأخ الوارث من غيره. قلت: ما أبردَ ذلك!. * * * 3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ (باب: قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لا نُورَثُ) 6725 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ،

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَيْهِمَا مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُمَا مِنْ خَيْبَرَ. 6726 - فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لَا أَدعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُهُ فِيهِ إلا صَنَعْتُهُ، قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ. 6727 - حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". الحديث الأوّل: (فَدَك) بفتح الفاء والمهملة: على مرحلتين من المدينة، وكان - صلى الله عليه وسلم - صالحَ أهلَه على نصف أرضه، وكان خالصًا له. (من خَيْبَر) افتتحها - صلى الله عليه وسلم - عَنْوةً، وكان خُمسها له؛ لكن كان ينفق حاصلَها على أهله، وعلى المصالح العامة. (لا نُورَثُ) بفتح الراء، ويصح بالكسر؛ أي: مع التشديد، ولا يعارض هذا قوله: {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6]؛ وكذا {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]؛ فإن المرادَ غيرُ وراثة المال.

(إنما يأكل آل محمّد) الظّاهر أن المرادَ حصرُ أنه ليس لهم من هذا المال إلا أكلُهم، والباقي بعد ذلك للمصالح، لا أنهم لا يأكلون إلا من هذا المال، وجوابه: أن الأكل إمّا حقيقة، وإما بمعنى الأخذ والتصرف، فـ (من) للتبعيض؛ أي: لا يأخذون إلا بعضَ هذا المال، وهو مقدار النفقة، أو لا يأكلون إلا بعضَه، وأمّا الحكمةُ في أن متروكاتِ الأنبياء -عليهم الصّلاة والسلام- صدقاتٌ؛ فلعلّه أنه لا يُؤْمنُ أن يكونَ في الوَرَثَة من يتمنى موتَه، فيهلِك، أو أنهم كالآباء للأُمة، فمالُهم لكلِّ أولادهم -يعني: المصالح العامة-، وهو معنى الصَّدقة. (فَهَجَرَتْهُ)؛ أي: انقبضت عن لقائه، لا الهجران المحرَّم من تركِ السّلام ونحوِه. (حتّى ماتت) كانت وفاتُها بعد ذلك بنحو ستة أشهر، أو أقلَّ. * * * 6728 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم ذَكَرَ لِي مِنْ حَدِيِثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ؟ قَالَ: نعمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ

السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسَهُ؟ فَقَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ عُمَرُ: فإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللهَ قَدْ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} إِلَى قَوْلهِ: {قَدِيرٌ}، فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهُ وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَىَّ بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ بِذَاكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُم بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُم بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالَا: نعمْ، فَتَوَفَّى اللهُ نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبَضَهَا، فَعَمِلَ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ وَلِيِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبَضْتُهَا سَنتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا مَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئتمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأَتَانِي هَذَا يَسْأَلنِي نصَيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.

الثّاني: (يَرْفأ) بفتح الياء؛ أي: وسكون الراء، وبالفاء، والهمزِ وتركه: عَلَمٌ لحاجبِ عُمرَ. (في عثمان) إلى آخره؛ أي: هل لك رغبةٌ في دخولهم عليك؟ (أنْشُدكم) بضم الشين؛ أي: أسألكم بالله. (نفسه)؛ أي: مع نفس سائر الأنبياء، أو هو جمع التعظيم. (ولم يعطه أحدًا غيره)؛ أي: خَصَّصَ الفيءَ كلَّه أو جُلَّه برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: أي: حيث حلل الغنيمة له، ولم تحل لسائر الأنبياء. (وخاصة) في بعضها: (خالصة). (ما احتازها) بالمهملة والزاي؛ أي: ما جمعها لنفسه دونكم. (واستأثر)؛ أي: استبدَّ وتفرَّدَ. (وبَثَّها)؛ أي: نشرها، وفرقها عليكم. (هذا المال)؛ أي: هذا المقدار الّذي تطلبان حصتكما منه. (مَجْعَلَ مَالِ اللهِ)؛ أي: هو في جهة المصالح للمسلمين. (فقلت: أنا وليّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) في بعضها: (وليُّ وليِّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -)، وسبق الحديث في (الجهاد) في (باب الخُمْس). (وكلمتُكُما واحدةٌ)؛ أي: تتفقان، لا نزاعَ بينكما. (بذلك)؛ أي: قد يعملان فيه كما عمل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر

فيها. قال (خ) (¬1): هذه القضية مُشْكِلة؛ لأنهما إن كانا أخذا هذه الصَّدقة من عُمر - رضي الله عنه - على هذه الشريطة، فما الّذي بدا لهما بعدُ حتّى يختصما؟ فالجواب: أنه كان يشقُّ عليهما الشركةُ، فطلبا أن يقسم بينهما؛ ليستقل كلٌّ منهما بالتّدبير والتصرُّف فيما يصير إليه، فمنعَهُما عُمر من ذلك لئلا يجري عليهما اسم المُلك؛ لأن القسمة إنّما تقع في الأملاك، وبتطاول الزّمان يظن به الملكية. * * * 6729 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا ترَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهْوَ صَدَقَةٌ". 6730 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيسَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ ". الثالث، والرابع: علم شرحهما ممّا سبق. * * * ¬

_ (¬1) "خ" ليس في الأصل.

4 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ترك مالا فلأهله"

4 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلأَهْلِهِ" (باب: قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: من تركَ مالًا فلأهلِه) 6731 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ ديْنٌ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ". (وَفاء)؛ أي: ما يفي بِدَيْنه، وكان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - قضاءُ دَيْن الميِّت المعسِر؛ أي: المسلِم من خالصِ ماله، وقيل: من بيت المال. وفيه: أنه كان قائمًا بمصالح الأمة حياةً وموتًا، وَوَليَّ أمرِهم في الحالين - صلى الله عليه وسلم -. * * * 5 - باب مِيرَاثِ الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِذَا تَرَكَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأةٌ بِنْتًا فَلَهَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانتَا اثْنتَيْنِ أَوْ أَكثَرَ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ بُدِئَ بِمَنْ شَرِكَهُمْ، فَيُؤْتَى فَرِيضَتَهُ، فَمَا بَقِيَ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن.

(باب: ميراث الولد من أبيه وأُمّه) 6732 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهْوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ". قوله: (شركهم) الضمير للبنات والذكر، فغلب التذكير على التأنيث؛ يعني: إن كان من البنات أخ لهن، وكان معهم غيرهم ممّن له فرضٌ مسمًّى؛ كالأمّ مثلًا؛ كما لو مات عن بناتٍ وابنٍ وأُمٍّ، يبدأ بالأُمّ، فتعطى فريضة، وما بقي فهو بين البنات والابن؛ لأن العَصَبَة يأخذون ما فَضَل عن الفروض، وهو معنى قوله في الحديث: (ألحقوا الفرائض) إلى آخره، وأهلُ الفرائض: ذوو الأنصِباء المقَّدرةِ المعينةِ. (لأَوْلى رجلٍ ذَكَرٍ)؛ أي: لأقرب رجل من العَصَبَة، فالمراد بالأَولى: الأقربُ، لا الأحقُّ. قال: وإلا لخلا عن الفائدةُ؛ فإنا لا ندري من الأحقُّ، وإنّما أُكّد بـ (ذَكَرٍ)؛ لينبه على أنه لا يعصّب نحو ابنِ الأخ، والعمُّ، وابنُ العمِّ أُختَه؛ كما يجري في ذلك الأولادُ والإخوةُ؛ فإن كُلًّا يعصِّب أُختَه؛ هذا معنى كلام (خ). وقال (ن): إنّه للتنبيه على سبب استحقاقه، وهي الذكورة الّتي هي سبب العُصوبة، وسبب الترجيح في الإرث، فلهذا جعل للذكر

مثل حظ الأُنثيين. قال السهيلي: (أَولى) بمعنى: أَقرب، و (ذَكَرٍ) صفةٌ له، و (رجلٍ) هو الواسطة بين هذا الأقرب الذكر الّذي هو أقربُ للميت، وبين الميِّت؛ أي: تكون القرابة من جهة رجلٍ وصُلْبٍ، لا من جهة بطنٍ ورَحِمٍ؛ كالخال ونحوه؛ فإنّه وإن كان أقربَ، وَذَكَرًا؛ لكن لا بواسطة رجل، ولو جُعل (ذَكَر) صفةً لرجل، لكان لغوًا، ولم يبق معه حكمُ الطفل الرضيع؛ لأنه لا يقال في العرف رجلٌ إلا للبالغ، وقد علم أنه يرث، ولو ابنَ لحظة، أيضًا، فلا يحصل تفرقةٌ بين قرابة الأب، وقرابة الأُم. وقال (ش) عن السهيلي: إن (ذَكَر) توكيدٌ لمتعلّق الحكم؛ لأن متعلّق الحكم الذكورةُ، والرجلُ قد يراد به معنى النجدة والقوة في الأمور، وحكى سيبويهِ: مررتُ برجلٍ رجل أبوه، فلهذا احتاج الكلام إلى زيادة توكيد. قال (ك): ويحتمل أن يكون (ذَكَر) توكيدًا؛ لئلا يتوهَّم أن الرَّجل هو البالغُ؛ كما هو العرف، أو الشخصُ، ذكرًا كان أو أُنثى؛ كما عليه بعضُ الاستعمالات، وأن يكون لإخراج الخنثى، وأن يراد بالرجل: الميِّتُ؛ لأن الغالبَ في الأحكام أن يذكر الرجال، ويدخل النِّساء تبعًا. قلت: لا يخفى ركةُ هذه الأجوبة، وإن أَسَدَّها ما نُقل أوّلًا عن السهيلي. * * *

6 - باب ميراث البنات

6 - باب مِيرَاثِ الْبَنَاتِ (باب: ميراث البنات) 6733 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضْتُ بِمَكَّةَ مَرَضًا، فَأَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَأَتَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي مَالًا كثِيرًا، وَلَيْسَ يَرِثُنِي إلا ابْنَتي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لَا"، قَالَ: قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ كبِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تترُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! آأَخُلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي؟ فَقَالَ: "لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فتعْمَلَ عَمَلًا تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ، إلا ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً، وَلَعَلَّ أَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ"، قَالَ سُفْيَانُ: وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. الحديث الأوّل: (أشفيت)؛ أي: أشرقت.

(فالشطر) بالجر والرفع. (كثير) بالمثلثة والموحدة. (أن تركت) بفتح الهمزة وبكسرها، وعليه، فالجوابُ مقدر؛ اْي: فهو خير. (عالة) جمع عائل، وهو الفقير. (يتكففون) يمدون أَكُفَّهم للسؤال. (أُجِرْت) مبني للمفعول؛ من الأجر. (أخلف)؛ أي: أبقى بمكة متخلفًا عن الهجرة. (لعلّ) استعملت كـ (عسى). (البائس): شديد الحاجة. (خَوْلة) بفتح المعجمة وسكون الواو. (يَرْثِي) بكسر المثلثة؛ أي: يرقُّ ويترحَّم؛ لأنه كان يكره أن يموت بمكة الّتي هاجر منها، ويتمنى أن يموت بغيرها، فلم يُعْطَ ما تمنى، وهذا من كلام سعدٍ، وقيل: من كلام الزُّهْري، وسبقت فيه مباحثُ في (الجنائز) في (باب رثاء النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -). * * * 6734 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ شَيْبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَتَانَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ

7 - باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن

بِالْيَمَنِ مُعَلِّمًا وَأَمِيرًا، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِي وَتَرَكَ ابْنتَهُ وَأُخْتَهُ، فَأَعْطَى الاِبْنَةَ النِّصْفَ وَالأُخْتَ النِّصْفَ. الثّاني: (والأُخت النّصف)؛ أي: بطريق العصوبة مع البنت؛ لأن ذاك هو الباقي بعد فرض البنت، وهو النّصف، ولو كانتا ثنتين أو أكثر، لكان الباقي للأُخت، وهو الثلث، وهكذا. * * * 7 - باب مِيراثِ ابْنِ الاِبْنِ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنٌ وَقَالَ زَيْدٌ وَلَدُ الأَبْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ وَلَدٌ، ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ، يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ، وَيَحْجُبُونَ كَمَا يَحْجُبُونَ، وَلَا يَرِثُ وَلَدُ الاِبْنِ مَعَ الاِبْنِ. (باب: ميراث ابن الابن) قوله: (زيد)، أي: ابن ثابت؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْرَضُكُم زَيْدٌ"؛ أي: أعلَمُكم بالفرائض. * * *

8 - باب ميراث ابنة ابن مع ابنة

6735 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ألْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهْوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ". (ذكر) سبق بيانه. قال (ك): فإن قلت: العَصَبَة لا تنحصر في الذكورة، قلت: هم الأصلُ فيه، انتهى. وكأنه يريد: أن المعنى: من يكون عَصَبَةً بنفسه، وعليه يُحمل الحديث. * * * 8 - باب مِيراثِ ابْنَةِ ابْن مَعَ ابْنَةٍ (باب: ميراث بنتِ ابنٍ مع بنتٍ) 6736 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو قَيْسٍ، سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ، قَالَ سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلأُخْتِ"، فَأَتَيْنَا

9 - باب ميراث الجد مع الأب والإخوة

أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ. (لقد ضللت) غرضُه بقراءة الآية: لو حَرَّمْتُ بنتَ الابنِ، كنت ضالًّا. (الحبر): العالم. وفيه: ما كانت الصحابةُ عليه من الاعتراف بالحقِّ لأهله، وشهادة بعضهم لبعض بالفضل. * * * 9 - باب مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الأَبِ وَالإخْوَةِ وَقَالَ أبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ: الْجَدُّ أَبٌ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَابَنِي آدَمَ}، {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي زَمَانِهِ، وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَافِرُونَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِي ابْنُ ابَنِي دوُنَ إخْوَتِي، وَلَا أَرِثُ أَنَا ابْنَ ابْنِي. ويُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزيدٍ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ. (باب: ميراث الجدِّ مع الأب والإخوة) القصد: وإن كان ميراثُ الجدِّ مع الإخوة؛ لكنَّ ذكرَ الأبِ تنبيهٌ على مسألة أُخرى، وهي: أن الجدَّ محجوب بالأب؛ بدليل حديث:

"فَلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ". (خالف)، أي: في قوله: إن حكم الجد كالأب. (متوافرون) من الوَفْر بمعنى الكثرة؛ أي: صار ذلك لكثرتهم كالإجماع؛ لسكوت مَنْ سواهم على قولهم. (ولا إرث) في مقام الإنكار؛ أي: لم يرث الجد، فيكون ردًّا على مَنْ حجَب الجدَّ بالإخوة، أو أن المعنى: فَلِمَ لا يرث الجد وحدَه دونَ الإخوة؛ كما في العكس، فيكون ردًّا على من قال بالشركة بينهما، وفي المسألة أقاويلُ ومذاهبُ مبسوطة في الفقه. * * * 6737 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثنا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ألْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ". الحديث الأوّل: سبق شرحه. * * * 6738 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإسْلَامِ

10 - باب ميراث الزوج مع الولد وغيره.

أَفْضَلُ"، أَوْ قَالَ: "خَيْرٌ"، فَإنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا، أَوْ قَالَ: قَضَاهُ أَبًا. الثّاني: (أو قال: خير)، أي: بدل أفضل، وغرضُه: أن أبا بكر أنزل الجد أبًا؛ أي: جَعَلَهُ مثلَه في الإرث والحَجْب؛ وذكره بلفظ هذه المنقبة العظيمة؛ لتأكيد الحكم وتقريره، والمعنى: لو كنت منقطعًا إلى غير الله تعالى، لانقطعت إلى أبي بكر؛ لكن هذا ممتنع؛ لامتناع ذلك؛ ولكن خلة الإسلام معه أفضلُ من الخلة مع غيره، وسبق في (الصّلاة) في (باب الخوخة في المسجد). (وإنه) بالواو، وكان قاعدة النحو الإتيان بالفاء؛ لأنه جواب (أما)، فهو عطف على الجواب المحذوف، وهو: (فورثه) -مثلًا-، وسبق في (المناقب): (أنزله) بلا فاء ولا واو. * * * 10 - باب مِيرَاثِ الزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ وَغَيْرِه. (باب: ميراث الزوج مع الولد وغيره) 6739 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ

11 - باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره

الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلإبَوينِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ، وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْج الشَطْرَ وَالرُّبُعَ. (ما أحَبّ)، أي: ما أراده (الثّمن) إلى آخره، هو في الحقيقة أن: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. * * * 11 - باب مِيراثِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ (باب: ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره) 6740 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأة الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا". (لِحْيَان) بكسر اللام: قبيلة. (بُغرَّة) اسم لدية الجنين، وهي رقيق يساوي خمسة إبل. (عبد) بيان لغرة، ويروى بالإضافة أيضًا.

12 - باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة

(ثمّ إن المرأة) روى البيهقي من حديث أبي المليح عن أبيه: أنها من بني معاوية. (العقل)؛ أي: الدية، يعني: الغرة على عصبتها؛ لأن الإجهاض كان منها خطأً، أو شبهَ عمدٍ، والديةُ فيه على العاقلة، وقيل: ديةُ أُمّه. * * * 12 - باب مِيرَاثِ الأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً (باب: ميراث الأخوات مع البنات عَصَبَة) بالنصب حالًا، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي عصبة. 6741 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: النِّصْفُ لِلاِبْنَةِ، وَالنِّصْفُ لِلأُخْتِ، ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ قَضَى فِينَا، وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. 6742 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ الاِبْنِ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلأُخْتِ.

13 - باب ميراث الأخوات والأخوة

الحديث الأول، والثّاني: عُلِمَ شرحهما ممّا سبق. * * * 13 - باب مِيرَاثِ الأَخَوَاتِ وَالأَخْوَةِ (باب: ميراث الأخوات والأخوة) 6743 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مَرِيضٌ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ فتوَضأَ، ثُمَّ نَضَحَ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أنَّمَا لِي أَخَوَاتٌ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. (نضح) بإهمال الحاء وإعجامها؛ أي: رش، والحديث وإن لم يكن فيه ذكر الإخوة؛ لكنهم في الآية. * * * 14 - باب {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ

15 - باب ابني عم، أحدهما أخ للأم، والآخر زوج

مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (باب: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]) 6744 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}. هو الميِّت الّذي لا ولدَ له، ولا والدَ، وقيل: الوارثُ الّذي ليس له والدٌ أو ولدٌ، وقيل: الكلالةُ اسمٌ للمال المورَّث، وقيل: للورثة، ولا ينافي ما سبق في (البقرة): أن آخر آية نزلت آيةُ الرِّبَا؛ لأن كُلًّا من الصحابِيَّيْن قال ذلك بظنه، ابنُ عبّاس هناك، والبراء هنا. * * * 15 - باب ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا أَخٌ لِلأُمِّ، وَالآخَرُ زَوْجٌ وَقَالَ عَلِيٌّ: لِلزَّوْج النِّصْفُ، وَلِلأَخِ مِنَ الأُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. (باب: ابني عم أحدهما أخ الأُم، والآخر زوج) 6745 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ

أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبةِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ ضَيَاعًا، فَأَنَا وَلِيُّهُ فَلأُدْعَى لَهُ". الحديث الأوّل: (موالي العصبة) الإضافةُ للبيان؛ نحو: شجر الأراك؛ أي: الموالي الذين هم العصبة، ويؤخذ من كونه للعصبة: أنه لأصحاب الفروض أيضًا؛ لأنهم أَوْلى، ولأنهم مقدَّمون عليهم. (ضَياعًا) بفتح الضاد: مصدر بمعنى الضائع؛ كالطفل الّذي لا شيء له. (وليّه)، أي: ناصره. (فلأدعى له) اللام للأمر مكسورة، وتسكن، وأدعى مضارع مبني للمفعول، والهمزة للمتكلم، والأصل أن تحذف الألف للجزم، فيقال: لأدع؛ لكن أُشبعت الفتحة؛ فهو كقوله: أَلمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي ... بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ * * * 6746 - حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

16 - باب ذوي الأرحام

"أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ". الثّاني: تقدّم بيانه. * * * 16 - باب ذَوِي الأَرْحَامِ (باب: ذوي الأرحام) 6747 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ إِدْرِيسُ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}، {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُون حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الأَنْصَارِيُّ الْمُهَاجِرِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ؛ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نزَلَتْ: {جَعَلْنَا مَوَالِيَ}، قَالَ: نَسَخَتْهَا {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}. (المهاجريّ) زيادةُ ياء النسب فيه للمبالغة؛ كأحمريّ في الأحمر؛ إذ لا تفاوت بينهما إلا بالمبالغة، أو زيدت للمشاكلة، وإنما لم يذكر عائد على اسم (كان)؛ لأن المهاجري يقوم مقامه؛ إذ القصدُ الربطُ بضمير، أو بغيره، وسبق في (سورة النِّساء) على العكس: (يرث

17 - باب ميراث الملاعنة

المهاجريُّ الأنصاريَّ)؛ لأن القصدَ إثباتُ الوراثة بينهما في الجملة، ووقع هناك أيضًا: أن الناسخ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا}، والمنسوخ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ}، والمفهوم من هنا عكسه، وجوابه: أن فاعل نسخها آية {جَعَلْنَا}، {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ} نُصب بـ (أعني). * * * 17 - باب مِيرَاثِ الْمُلَاعَنَةِ (باب: ميراث الملاعنة) 6748 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمَا، وَألحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأةِ. (وألحق الولد بالمرأة)؛ أي: حتّى يجريَ التوارثُ بينهما. * * * 18 - باب الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (باب: الولدُ للفراش) 6749 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ

شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ: أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْح أَخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ! فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ! فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ أَخِي، قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ! فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: "احْتَجبِي مِنْهُ"؛ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ. الحديث الأوّل: (عهد)؛ أي: أوصى. (ابن وليدة) هي الأمة، واسم ابنها عبدُ الرّحمن، وسبق الحديث في (باب العتق) وغيره. * * * 6750 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ: أَنَّهُ سَمِعَ؛ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ". الثّاني: كالذي قبله. * * *

19 - باب الولاء لمن أعتق، وميراث اللقيط

19 - باب الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَمِيراثُ اللَّقِيطِ وَقَالَ عُمَرُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ. (باب: الولاء لمن أعتق) 6751 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرِيهَا، فَإنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَأُهْدِيَ لَهَا شَاةٌ فَقَالَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلنا هَدِيَّةٌ". قَالَ الْحَكَمُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، وَقَوْلُ الْحَكَم مُرْسَلٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا. الحديث الأوّل: (وأُهْدِيَ) مبني للمفعول. * * * 6752 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". الثّاني: يفهم معناه ممّا قبله؛ لكن ليس فيهما ذكر ما ترجم له من ميراث

20 - باب ميراث السائبة

اللقيط، فيحتمل أنه ممّا لم يجد فيه حديثًا بشرطه. * * * 20 - باب مِيراثِ السَّائِبَةِ (باب: ميراث السائبة) أي: المهملة؛ كالعبد يعتق على أن لا ولاءَ لأحدٍ عليه، وكالبعير يُترك لا يُركب، ولا يُحمل عليه، ولا يُمنع من الماء والكلأ. 6753 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الإِسلَامِ لا يُسَيِّبُونَ، وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ. الحديث الأوّل: (عبد الله)؛ أي: ابن مسعود، واختصر البخاريّ قصته، وهي أنه جاء إليه رجل، فقال: إنِّي أعتقت عبدًا لي، وجعلته سائبة، فمات وترك مالًا، ولم يَدَع وارثًا، فقال عبد الله: (إن أهل الإسلام) إلى آخره، ثمّ قال: وأنت ولي نعمته، فلك ميراثه. * * * 6754 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ

إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ لأُعْتِقَهَا، وَإِنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ وَلَاءَهَا، فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، أَوْ قَالَ: "أَعْطَى الثَّمَنَ"، قَالَ: فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا، قَالَ: وَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَقَالَتْ: لَوْ أُعْطِيتُ كَذَا وَكَذَا مَا كُنْتُ مَعَهُ. قَالَ الأَسْوَدُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، قَوْلُ الأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا، أَصَحُّ. الثّاني: (وَخُيِّرَتْ) بالبناء للمفعول؛ أي: بعد العتق بين فسخ نكاحها، واختيار نفسها، وبين إمضاء النِّكاح واختيار الزوج، واسمُه مُغيث، وسبق الحديث كثيرًا، ووجهُ مطابقته للترجمة: أن الولاء للمعتِق، سواء السائبة وغيرها. (منقطع)؛ أي: وهو ما سقط من سنده واحد فأكثر، وفيه مبهم؛ أما المرسَل، فقول غير الصحابي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: هما بمعنى؛ لكن أكثر ما يطلق المرسَل على ما رواه التابعي عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيل غير ذلك، فقال البخاريّ: إن كونَهُ عبدًا أصح، ووصله في (كتاب الطّلاق)، وقال هنا: وكونه حرًّا منقطع. * * *

21 - باب إثم من تبرأ من مواليه

21 - باب إِثْمِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ (باب: إثم من تبرّأ من مواليه) 6755 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: ما عِنْدَنا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إلا كِتَابُ اللهِ، غَيْرَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: فَأَخْرَجَهَا، فَإِذَا فِيهَا أَشيَاءُ مِنَ الْجرَاحَاتِ وَأَسْنَانِ الإبِلِ، قَالَ: وَفِيهَا: الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ. الحديث الأوّل: (غير) حال، أو استثناء آخر، وحرف العطف مقدر؛ كما في: (التحيات المباركات الصلوات)، قال الشّافعي - رضي الله عنه -: تقديره؛ والصلوات. (من الجراحات)؛ أي: أحكامها.

(الإبل)؛ أي: إبل. (عَيْر) بفتح المهملة وسكون الياء: جبل بالمدينة. (ثور) قيل: خطأٌ، فليس بالمدينة موضع يسمى ثورًا، ولهذا ترك بعضهم مكانه بياضًا، وكنى بعضهم عنه بكذا، وإنّما هو أُحُد؛ أي: من عَيْر إلى أُحُد، وقيل: بل كان لفظ ثور اسمًا لجبل هناك، أُحُد أو غيره؛ لكن خفي. (آوى) الأكثر في المتعدي المد، وفي اللازم القصر. (مُحْدَثًا) بفتح الدال؛ أي: الرأي المُحْدَث في أمر الدِّين، وبالكسر؛ أي: صاحبه الّذي يُحْدِثه ويبتدعه. (لعنة) هي البعدُ عن الجنَّة دارِ الرّحمة في أول الأمر، لا مطلقًا، وسبق شرح الحديث في (الحجِّ) في (حرم المدينة). * * * 6756 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ. الثّاني: (الوَلاء) بفتح الواو: حق إرثِ المعتِق من العتيق؛ لأنه غيرُ مقدور على تسليمه. * * *

22 - باب إذا أسلم على يديه

22 - باب إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَرَى لَهُ وِلَايَةً. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وَيُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: "هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ"، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ. (باب: إذا أسلم على يديه رجل) قوله: (ولاية)، أي: ولاء. (ويذكر عن إبراهيم) وصله أحمد، والترمذي، والنَّسائيّ، وابن ماجه، والطبراني، وابن أبي عاصم، والدارمي، وغيرهم، وفيه: سألت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: ما السُّنَّةُ في الرَّجل يُسلم على يديه رجل؟ قال: "هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ"، وهو المراد بقوله: (رفعه)، فهو عائد لما ذكر بعده، وإنّما ذكره بصيغة التّمريض؛ للاختلاف في صحته، ومَنْ صححه أَوَّلهُ بأنه أولى به في حياته بالنصرة، وفي مماته بالغسل والصلاة عليه، والدفن، لا في ميراثه؛ لأن الولاء لمن أعتق خصصه بالمعتق، ووجهُ تعلّقِ حديث بَريرَة بالترجمة: أن اللامَ للاختصاص، بمعنى: الولاءُ مختصٌّ بمن أعتقه، وبذلَ المالَ في إعتاقه. * * *

6757 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نبَيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا، فَذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". الحديث الأوّل: (الولاء لمن أعتق) وصله المؤلِّف في (الشروط) من حديث عائشة. * * * 6758 - حَدَّثنا مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ"، قَالَتْ: فَأَعْتَقْتُهَا، قَالَتْ: فَدَعَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا بِتُّ عِنْدَهُ، فَاخْتَارَتْ نفسَهَا. الثّاني: (محمّد) قال الغساني: هو ابن سلام -إن شاء الله-. (الوَرِق) بكسر الراء: الدراهم المضروبة؛ أي: أعتقه بعد إعطاء ذلك.

23 - باب ما يرث النساء من الولاء

(قال: وكان زوجها حرًّا)؛ أي: قال الأسود، وهو مرسل، وسبق بيانه، وبيان المنقطع قريبًا. * * * 23 - باب مَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ (باب: ما يرث النِّساء من الولاء) 6759 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، فَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْوَلَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". 6760 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا وَكيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ، وَوَلِيَ النِّعْمَةَ". سبق شرح الحديثين فيه. * * *

24 - باب مولى القوم من أنفسهم، وابن الأخت منهم

24 - باب مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَابْنُ الأُخْتِ مِنْهُمْ (باب: مولى القوم من أنفسهم) أي: عتيقُهم منهم في النسبة إليهم، وميراثهم منه. 6761 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَقتادَةُ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ"، أَوْ كَمَا قَالَ. 6762 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ"، أَوْ: "مِنْ أَنْفُسِهِمْ". الحديث الأول، والثّاني: (ابْن أُخت القوم منهم)؛ أي: في ميراثه إرث ذوي الأرحام. * * * 25 - باب مِيرَاثِ الأَسِيرِ قَالَ: وَكَانَ شُرَيْحٌ يُوَرِّثُ الأَسِيرَ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ، وَيَقُولُ: هُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ.

26 - باب لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَجِزْ وَصِيَّةَ الأَسِيرِ، وَعَتَاقَهُ، وَمَا صَنَعَ فِي مَالِهِ، مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ دِينِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ مَالُهُ، يَصْنَعُ فِيهِ مَا يَشَاءُ. (باب: ميراث الأسير) 6763 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا". سبق شرح الحديث فيه قريبًا. * * * 26 - باب لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَإِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الْمِيرَاثُ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ (باب: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم؛ وإذا أسلم)؛ أي: ولا إذا أسلم بعد ذلك، ولو كان قبل قسمة التركة؛ لأن العبرة بحال الموت، رُدَّ به على طائفة قالوا بذلك؛ كأحمد. 6764 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ

27 - باب ميراث العبد النصراني، ومكاتب النصراني، وإثم من انتفى من ولده

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ". (عمرو بن عثمان)؛ أي: ابن عفان - رضي الله عنه -، وكلهم قالوا: عمرو، إلا مالكًا، فقال: عمر -بلا واو-، وعثمان وإن كان له ابنان: عمرو، وعُمر؛ لكن هذا الحديث من رواية عمرٍو، لا عُمرَ. قال الكلاباذي: فهو وَهْمٌ من مالك، فإن قيل: في عدم توريث المسلم من الكافر تنفير للمستحق عن الإسلام رجاء الإرث من الكافر؟ قيل: قطع الله الولاء بين المسلم والكافر، ووعد المسلم ما هو خير منه من ثواب الآخرَة، ومن غلبة المسلمين على الكفار في الدنيا؛ بحيث لو غلب الأخ المسلم -مثلًا- في دار الحرب على أخيه الوارث، مَلَكَ رقبته وماله، ونحو ذلك، وعلى كلّ حال، فالآخرة خير وأبقى. * * * 27 - باب ميرَاثِ الْعَبْدِ النَّصْرَانِيِّ، وَمُكَاتَبِ النَّصْرَانِيِّ، وَإِثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ (باب: ميراث العبد النصراني) عقبه بقوله: * * *

28 - باب من ادعى أخا أو ابن أخ

(باب: إثم من انتفى من ولده) وبقوله: * * * 28 - باب مَنِ ادَّعَى أَخًا أَوِ ابْنَ أَخٍ (باب: من ادَّعَى أخًا أو ابن أخ) 6765 - حَدَّثَنَا قتيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي، يَا رَسُولَ اللهِ! وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ! الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ! " قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ. ثمّ أورد حديثَ الاختصام في ابن زَمْعَة، وهو يناسب الترجمةَ الأخيرة كما قاله (ك)، والأولتان كأنه لم يظفر بحديث على شرطه فيهما، والظاهر: أنه خَلَّى بين الترجمتين بياضًا، والنقلة ضموا البعض

29 - باب من ادعى إلى غير أبيه

إلى بعض، وسبق شرحُ الحديث مرات. * * * 29 - باب مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ (باب: من ادَّعَى إلى غير أبيه) 6766 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ-، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهْوَ يَعْلَمُ أنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ". 6767 - فَذَكَرْتُهُ لأَبِي بَكرَةَ، فَقَالَ: وَأَنَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأوّل: (خالد) هو أولًا: ابن عبد الله، وثانيًا: ابن مهران الحذّاء. (ادَّعَى)؛ أي: انتسب. (وهو يعلم)؛ أي: لأن الإثم يتبع العلم. (حرام) هذا والذي في الحديث بعدَه محمول على المستحلِّ، أو المراد: كفرانُ النعمة، أو التغليظ.

30 - باب إذا ادعت المرأة ابنا

(فذكرته)؛ أي: قال أبو عثمان: فذكرت الحديث. (لأبي بَكْرَة)؛ أي: نُفَيْع بن الحارث. * * * 6768 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَج، حَدَّثنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ". الثّاني: سبق بيانه في (مناقب قريش). * * * 30 - باب إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ ابْنًا (باب: إذا ادعت المرأة ابنًا) 6769 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَتِ امْرَأتانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بابنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بابنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بابنِكِ، فتحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا

عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ ائْتُؤنِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ، يَرْحَمُكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ، إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إلا يَوْمَئِذٍ، وَمَا كنَّا نقُولُ إلا: الْمُدْيَةَ. (فتحاكما)؛ أي: الشخصان، وفي بعضها: (فتحاكمتا)، وهو الأصل، وحكمهما - عليهما الصّلاة والسلام - معًا كان بالوحي، والثّاني ناسخ للأول، لا أن سليمان نقض حكم داود، أو أنهما حكما بالاجتهاد، وجاز النقض لدليل أقوى، على أن الضمير في (فقضى) يحتمل أن يكون راجعًا إلى داود، فإن قيل: لما اعترف الخصم بأن الحق لصاحبه، كيف حكم بخلافه؟ قيل: لعلّه علم بالقرينة أنه لا يريد حقيقة الإقرار. قال (ن): استدل سليمان -عليه السّلام- بشفقة الصغرى على أنها أُمه، ولعلّ الكبرى بعد ذلك أقرت به للصغرى. (المُدْيَة) بتثليث الميم والدال ساكنة، سميت بذلك؛ لأنها تقطع مَدَى الحياة، والسكين؛ لأنها تسكن الحركة، وسبق الحديث في (كتاب الأنبياء). * * *

31 - باب القائف

31 - باب الْقَائِفِ (باب: القائف) من القِيافة، وهي: معرفةُ الآثار، وشرطُه عند الفقهاء: أن يكون أهلًا للشهادة، مجربًا بعرض ولد في أصناف، في الرّابع أحدُ أبويه، وأصابَ في الإلحاق به. 6770 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: "أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نظًرَ آنِفًا إِلَى زيدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْض". الحديث الأوّل: (تَبْرُق) بضم الراء. (أسارير): خطوط. (ألم تري) في بعضها: (ترين) بثبوت النون، قيل: هي لغة. (مُجَزِّزًا) (¬1) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الزاي مكسورة؛ لأنه ¬

_ (¬1) "مجززًا" ليس في الأصل.

كان إذا أخذ أسيرًا، جز لحيته، ومنهم من فتح الزاي الأولى، وتقدم في (باب صفة النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -)، وفي (مناقب قريش). * * * 6771 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجيَّ دَخَلَ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزيدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ، قَدْ غَطَّيَا رُؤُسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ". الثّاني: (ذات يوم)؛ أي: يومًا، فـ (ذات) مقحمة، أو من إضافة المسمى إلى اسمه. * * *

86 - كتاب الحدود

86 - كِتَابُ الحُدُودِ

1 - باب لا يشرب الخمر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 86 - كِتَابُ الحُدُودِ ومَا يُحْذَر مِنَ الحُدُودِ 1 - باب لا يُشْرَبُ الخَمْرُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الإِيمَانِ فِي الزِّنًا. (كتاب الحدود) (باب: ما يحذر من الحدود) (باب: لا يشرب الخَمْرِ) 6772 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ".

6772 / -م - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِهِ، إلا النُّهْبَةَ. (ولا يشرب الخَمْرِ) قال ابن مالك: هو ممّا حذف فاعله. (نَهْبة) بفتح النون: مصدر، وبضمها: المال المنهوب؛ أي: لا ياخذ الرَّجل مال غيره قهرًا وظلمًا، وهم ينظرون إليه، ولا يقدرون على دفعه. (يرفع النَّاس)؛ أي: لأن العادة أن رفعهم إنّما هو في نحو الغارات، والظلم الصريح، أنها لفظ: (حين)، فيحتمل أن يتعلّق بما قبله وما بعده؛ أي: لا يشرب في أي حين كان، أو وهو مؤمن حين يشرب، وفي الحديث التنبيهُ على سائر أنواع المعاصي؛ لأنها إمّا بدنية؛ كالزنا، أو مالية سرًّا؛ كالسّرقة، أو جهرًا؛ كالنُّهْبة، أو عقلية؛ كالخمر، فإنها مزيلة له. (وهو مؤمن) تعلّق به المعتزلة على نفي الإيمان عن صاحب الكبيرة، وجوابُه: أنه من باب التغليظ؛ لقيام الدّليل على أنه لا يخرج بالمعصية عن الإيمان، أو نفي الكمال في الإيمان، أو يحمل على المستحل، أو المراد: ينزع منه نور الإيمان؛ كما قال ابن عبّاس، أو الإنذار بزوال الإيمان إذا اعتاده، فمن حام حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، وسبق الحديث في (كتاب المظالم). (إلا النُّهْبة)؛ أي: فإنّه لم يذكرها في حديثه. * * *

2 - باب ما جاء في ضرب شارب الخمر

2 - باب مَا جَاءَ فِي ضَرْبِ شَارِبِ الْخَمْرِ (باب: ما جاء في شارب الخَمْرِ) 6773 - حَدَّثَنَا حَفْصُ ابْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (ح)، حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ بنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. (بالجريد) يشمل الرطبَ واليابس. * * * 3 - باب مَنْ أَمَرَ بِضَرْبِ الْحَدِّ فِي الْبَيْتِ (باب: من أمر بضرب الحدّ في البيت) 6774 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جِيءَ بِالنُّعَيْمَانِ، أَوْ بابنِ النُّعَيْمَانِ، شَارِبًا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ كَانَ بِالْبَيتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، قَالَ: فَضَرَبُوهُ، فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ. (بالنُّعَيْمَان) تصغيرُ نُعمان -بضم النون-.

4 - باب الضرب بالجريد والنعال

(أو) الشكُّ من الراوي، وهو نُعيمان بن عمرو بن رِفاعة، شهد العقبةَ، والمشاهدَ، وكان صاحبَ مزاح، توفي في خلافة معاوية، وليس له عَقِبٌ، وكان يُضحك النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فروي أن أعرابيًّا جاء، وأناخ ناقته، فقيل لنُعيمان: لو نحرتَها فأكلناها، ويغرم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثمنها، فنحرها؛ فخرج الأعرابي فصاح: واعقراه! فقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ فَعَلَهُ؟ "، قالوا: النُّعيمان؛ فضحك، وغرم ثمنها، وله حكايات كثيرة. وقال في "الاستيعاب": إنّه كان رجلًا صالحًا، وإن له ابنًا انهمك في شرب الخَمْرِ، فجلده النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وقال في موضع آخر: أظن النُّعيمان هو الّذي حُدَّ في الخَمْرِ اكثر من خمس مرات. ومر الحديث في (الوكالة). * * * 4 - باب الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ (باب: الضرب بالجريد والنعال) 6775 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِنُعَيْمَانَ، أَوْ بابنِ نُعَيْمَانَ، وَهْوَ سَكْرَانُ، فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ مَنْ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَكنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ.

الحديث الأوّل: سبق شرحه. * * * 6776 - حَدَّثنا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. الثّاني: (أربعين) به قال الشّافعيّ في حَدِّ الحُرِّ في الخَمْرِ، قال: وللإمام أن يبلغ ثمانين على سبيل التعزير لتعرضه للقذف، وأنواع الإيذاء، وقال آخرون: الحدُّ ثمانون. * * * 6777 - حَدَّثنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبو ضَمْرَةَ أَنسٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: "اضْرِبُوهُ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ، قَالَ: "لَا تَقُوُلوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ". الثّالث: (قال بعض القوم) هو عُمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - رواه البيهقي،

ويفسر به أيضًا في الحديث الآتي في الملقب حمارًا. (لا تعينوا)؛ أي: لأنه يريد خزيَهُ، وأنتم إذا دعوتم عليه بالخزي، فقد عاونتم الشيطان، أو: فإنّه إذا دعي عليه بحضرة النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينه عنه، ينفر عنه. أو: لأنه يتوهم أنه مستحق لذلك، فيوقع الشيطان في قلبه وساوسًا. * * * 6778 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا كُنْتُ لأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ، فَأَجِدَ فِي نفسِي، إلا صَاحِبَ الْخَمْرِ، فإنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسُنَّهُ. الرابع: (فيموتَ) بالنصب. (فأجدُ) بالرفع. (إلا صاحبَ) بالنصب على الأفصح. (وَدَيْتُهُ) بخفة الدال؛ أي: أعطيت ديته. (لم يَسُنَّهُ) بفتح أوله؛ أي: الضربَ بالسياط، أو فوقَ الأربعين. قال (ن): أي: لم يقدر فيه حدًّا مضبوطًا، وأجمعوا على أن من

5 - باب ما يكره من لعن شارب الخمر، وإنه ليس بخارج من الملة

وجب عليه حدّ، فجلد فمات، فلا ديةَ فيه، ولا كفارةَ، لا على الإمام، ولا على الجلاد، ولا في بيت المال. * * * 6779 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُعَيْدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ. الخامس: (وإمْرَة) بكسر الهمزة؛ أي: إمارة؛ أي: خلافة. (عَتَوْا) بمثناة؛ أي: جاوزوا الحدِّ. * * * 5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْرِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنَ الْمِلَّةِ (باب: ما يكره من لعن الشارب) 6780 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي

خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، ما أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ". الحديث الأول: (وكان يلقب حمارًا) سبق في الباب قبله أن اسمه: النُّعيمان، وكان يهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - العُكَّة من السمن، ومن العسل، فإذا جاء صاحبها يتقاضاه، جاء به، وقال: يا رسول الله! أعط هذا ثمن متاعه، فما يزيد - صلى الله عليه وسلم - على التبسم، ويأمر به، فيعطى ثمنه. (ما أكثر) دليل على تكرره منه. (لا تلعنوه) لا ينافي هذا أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعن شاربَ الخَمْرِ، وعاصِرَها، ومعتَصِرَها؛ لأن ذاك لعنةُ غيرِ معيَّن؛ كما قال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، وهذا في المعين، أو: أن ذاك قبل التكفير بالحد، هذا بعده، أو: هذا للتائبين، وذاك لغيرهم. وفيه: جوازُ الإضحاك. (فوالله! ما علمت أنه) في إعرابه أوجه: أحدها: أن تكون (ما) موصولة، وهمزة أن مفتوحة هو خبر عن

الموصول؛ أي: الّذي علمتُه -بضم التاء- أنه يحب الله ورسوله، والجملةُ جوابُ القسم. الثّاني: أن: (إنّه يحب الله) هو جواب القسم، و (ما علمته) موصول خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو ما علمته منه، والجملة معترضة بين القسم وجوابه. الثّالث: قاله أبو البقاء: أن تكون (ما) زائدة؛ أي: فوالله! علمتُ، والهمزة على هذا مفتوحة أيضًا. الرّابع: ذكره أبو البقاء أيضًا: أن تكون (ما) نافية، ومفعول (علمتُ) محذوف؛ أي: ما علمت عليه، أو به سواء، ثمّ استأنف فقال: إنّه يحب الله ورسوله، فهو بكسر الهمزة. أما جعلُها نافية، وتكون أن وما بعده في موضع المفعول بـ (علمت)، ففاسد عكس المعنى؛ وكذا إذا كسرت الهمزة من (أن) إذا لم يلاحظ ما سبق في التّرجمة؛ نعم، عند ابن السكن: (علمتَ) بتاء المخاطب على طريق التقرير له، فصح بكسر أن وفتحها. * * * 6781 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: مَا لَهُ؟ أَخْزَاهُ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَكُونُوا

6 - باب السارق حين يسرق

عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ". الثّاني: عُلِمَ شرحه ممّا سبق. * * * 6 - باب السَّارِقِ حِينَ يَسْرِق (باب: السارق حين يسرق) 6782 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ". سبق شرح الحديث فيه آنفًا. * * * 7 - باب لَعْنِ السَّارِقِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ (باب: لعن السارق إذا لم يسم) 6783 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا

الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، ويَسْرِقُ الْحَبْلَ فتُقْطَعُ يَدُهُ". قَالَ الأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ، وَالْحَبْلُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْهَا مَا يَسْوَى دَرَاهِمَ. (يرون) بفتح أوله وضمه. (بيض الحديد)؛ أي: الّتي تكون على رأس المقاتل. (دراهم)؛ أي: ثلاثة كما في حبل السفينة، وغرضه: أنه لا قطعَ إلا في نصاب، وهو ربعُ دينار، قيل: ليس هذا السياق موضع ذلك؛ بل البلاغة تأباه؛ لأنه لا يذم في العادة مَنْ خاطرَ بيده فيما له قدرٌ، إنّما يذم من خاطر فيما لا قدرَ له، فهو موضع تقليلٍ لا تكثير، وليس المرادُ بيانَ نصاب السّرقة؛ بل التنبيهُ على عِظَم ما خسر فيه، وهو التعرض لإتلاف يده في مقابلة حقير من المال، أو: أنه إذا سرق البيضة، فلم يقطع، جرَّه إلى ما هو أكثرُ منه، فكانت سرقتُها سببَ قطعه. أو: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك عند نزول الآية مجملة قبل بيان النصاب فيها. * * *

8 - باب الحدود كفارة

8 - باب الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ (باب: الحدود كفارة) 6784 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: كنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ: "بَايِعُوني عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا"، وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ كُلَّهَا، "فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَعُوقبَ بِهِ، فَهْوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ". (وقرأ هذه الآية)؛ أي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] إلى آخرها، وسبق الحديث في (الإيمان) في (باب حُبّ الأنصار). * * * 9 - باب ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى، إلَّا فِي حَدٍّ أَوْ حَقٍّ (باب: ظهر المؤمن حِمًى)؛ أي: محمِيٌّ، معصومٌ من الإيذاء.

6785 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبِي: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَلَا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلَا شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: "أَلَا أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلَا بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: "أَلَا أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلَا يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ: "فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ حَرَّمَ دِمَاءِكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، إلا بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يُجيبُونَهُ: أَلَا نَعَمْ، قَالَ: "وَيْحَكُمْ"، أَوْ "وَيْلَكُمْ، لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". (ألا) بالفتح والتخفيف: حرف استفتاح. (يومنا)؛ أي: يوم النَّحر، ولا ينافي هذا ما صح أن أفضل الأيَّام يومُ عرفة؛ لأن المراد باليوم: وقتُ أداء المناسك، وهما في حكم شيء واحد، وسبقَ الحديث في (كتاب الحجِّ). (ثلاثًا)، أي: قاله ثلاثًا. (وَيْحَكُمْ) كلمة رحمة. (أو وَيْلَكُمْ) كلمة عذاب. * * *

10 - باب إقامة الحدود، والانتقام لحرمات الله

10 - باب إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالاِنْتِقَامِ لِحُرُمَاتِ اللهِ (باب: إقامة الحدود) 6786 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَأْثَم، فَإِذَا كَانَ الإثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللهِ مَا انتُقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ، فَينْتَقِمُ لِلَّهِ. (ما لم يأثم) يقال: كيف يخير بين ما فيه إثم وغيره؟ فيجاب: بأنه إن كان من الكفار، فظاهر، أو: التخييرُ من الله والمسلمين، فمعناه: ما لم يؤدِّ إلى إثم؛ كالمجاهدة في العبادة الّتي قد تجر إلى الهلاك. (تنتهك) الانتهاك: ارتكابُ ما حرمه الله. وفي الحديث: الأخذُ بالأسهل، والحثُّ على العفو، والانتصارُ للدِّين، واستحباب تخلّق الحكام بمثل ذلك، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله. وسبق الحديث في (مناقب قريش) وغيره. * * *

11 - باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع

11 - باب إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ (باب: إقامة الحدود على الشريف والوضيع) 6787 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُسَامَةَ كَلَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي امْرَأَةٍ، فَقَالَ: "إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الْوَضِيعِ، وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ فَاطِمَةُ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا". ذكر البخاريّ في هذا الباب، وفيما بعده، وهو: * * * 12 - بابُ كَرَاهِيةِ الشَّفاعَةِ في الحَدِّ (باب: كراهية الشَّفاعة في الحدِّ) 6788 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أتشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟ " ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: "يَا أَيُّهَا

13 - باب قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}، وفي كم يقطع؟

النَّاسُ! إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أقامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّد يَدَهَا". حديثَ المَخْزُومِيَّة الّتي قطعها - صلى الله عليه وسلم - في السِّرقة، وسبق شرحُه مرات، وذكر في * * * 13 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، وَفِي كَمْ يُقْطَعُ؟ وَقَطَعَ عَلِيٌّ مِنَ الْكَفِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي امْرَأةٍ سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا: لَيْسَ إلا ذَلِكَ. (باب: قول الله تعالى: ({وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]) 6789 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

6790 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُعِ دِينَارٍ". 6791 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حَدَّثتهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُقْطَعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ". 6792 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا فِي ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ. 6792 / -م - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: مِثْلَهُ. 6793 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي أَدْنىَ مِنْ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو ثَمَنٍ. رَوَاهُ وَكِيعٌ، وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا. 6794 - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ تُقْطَعْ

يَدُ سَارِقٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَدْنىَ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، تُرْسٍ أَوْ حَجَفَةٍ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَا ثَمَنٍ. 6795 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. 6796 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَطَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. 6797 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَطَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. 6798 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَطَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَ سَارِقٍ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: "قِيمَتُهُ". 6799 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ".

أحدَ عشرَ حديثًا، عُلِمَ شرحها مما سبق، إلا مواضعَ نذكرها. (تابعه)؛ أي: تابع إبراهيم. (عبد الرحمن) وصله الذُّهْلِي في "الزُّهْرِيات". (وابن أخي الزبيري) وصله أَبو عَوانة في "صحيحه". (ومَعْمَر) وصلها أحمد عن عبد الرزاق عنه، وأخرجها أَبو عَوانة في "صحيحه" من طريق سعيد بن أبي عَرُوبة عنه، وقال: قال سعيد: نَبَّأنا مَعمرٌ، فرويناه عنه، وهو شابّ. (في أدنى)؛ أي: أقل. (ذو ثمن) هو على إضمار الشأن في (كان). (رواه وكيع) وصله البيهقي، وابن أبي شيبة. (وابن إدريس) هو عبد الله الأودي، وصله البيهقي. (مرسلًا) قال (ك): لأنه لم يرفع إسناده، ولعله خلاف الاصطلاح المشهور في المُرْسَل. (ثلاثة دراهم) لا ينافي رواية: (ربع دينار)؛ لأن الدينار حينئذ كان اثني عشر، وهو يناسب ما في الزكاة تقريبًا؛ لأن نصاب الذهب عشرون مثقالًا، والفضة مئتا درهم، فربعُ الدينار درهمان ونصف، فلم يعتبر الكسر، فكمل ثلاثة دراهم. (تابعه محمد بن إسحاق) وصله الإسماعيلي. (وقال الليث) وصله مسلم.

14 - باب توبة السارق

(لعن) سبق بيانه قريبًا. * * * 14 - بابٌ تَوْبَةِ السَّارِقِ (باب: توبة السارق) 6800 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ يَدَ امْرَأَةٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَتْ تَأَتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَابَتْ، وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا. 6801 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ ابْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ، فَقَالَ: "أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لَا ثُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَه بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللهُ فَذَلِكَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ".

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِذَا تَابَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا قُطِعَ يَدُهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَكُلُّ مَحْدُودٍ كَذَلِكَ؛ إِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. سبق الحديثان فيه بما فيهما من المباحث الثاني في أول (كتاب الإيمان) وغيره. (فأُخذ) بالبناء للمفعول؛ أي: حُدَّ. (وطهور)؛ أي: مطهِّر. * * *

87 - كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة

87 - كتاب المحاربين من أهل الكفر والرِّدَة

15 - قول الله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 87 - كتاب المحاربين مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ والرِّدَةِ 15 - قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}. (كتاب: المحاربين) ظاهر لفظ البخاري: أن الذين يحاربون الله ورسوله في الآية: الكفارُ؛ ولكن الجمهور على أنها في قطاع الطريق. قال مُغُلْطاي في "شرحه": قال أَبو حنيفة، ومالك: الإمام على التخيير فيهما، وقال الشافعي: هو على التقسيم؛ إن قَتَلَوا قتلهم، وأن أخذوا المال معه صلبهم، وإن أخذوه بلا قتل قطعهم، وإن أخافوا السبيل فقط نفاهم، والنفيُ عنده: التعزير بالإخراج من البلد ونحوه، وعند مالك: الحبسُ في بلد آخر، وعند أبي حنيفة: الحبس في بلده، قيل: ولكنه ضد النفي. * * *

16 - باب لم يحسم النبي - صلى الله عليه وسلم - المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا

6802 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ الْجَرْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ، فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا، فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا، وَقتلُوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. الحديث: سبق مرات، أولها في آخر (الوضوء). * * * 16 - باب لَمْ يَحْسِمِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ حَتَّى هَلَكُوا (باب: لم يحسِمْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المحاربين من أهل الردَّة) 6803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ الْعُرَنِيِّينَ، وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. سبق بيان الحديث فيه مرات أيضًا. * * *

17 - باب لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا

17 - بابٌ لَمْ يُسْقَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُحَارِبُونَ حَتَّى مَاتُوا (باب: لم يُسْقَ المُرْتَدُّون) 6804 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا فِي الصُّفَّةِ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَبْغِنَا رِسْلًا، فَقَالَ: "مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بابِلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّرِيخُ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ، فَكَحَلَهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ. (من عُكْل) الجمعُ بين هذا، وبين رواته أنهم من عرينة، ورواية: (عُكْل، أو عُرَيْنة) -بأو-: أنهم كانوا منهما. (بإبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هو مثل قول: الخليفةُ أميرُ المؤمنين يرسم بكذا، وهو التفات؛ نعم، سبق أنها كانت إبل الصدقة، فالجمعُ بين الروايتين أن الإبل كانت منهما.

18 - باب سمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أعين المحاربين

(ترجل) براء وجيم؛ أي: ارتفع. * * * 18 - باب سَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْيُنَ الْمُحَارِبِينَ (باب سَمْرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أعينَ المحاربين) 6805 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ -أَوْ قَالَ: عُرَيْنَةَ، وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: مِنْ عُكْلٍ -قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فشَرِبُوا حَتَّى إِذَا بَرِئُوا قَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غُدْوَةً، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي إِثْرِهِمْ، فَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، فَأُلْقُوا بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: هَؤُلاَءِ قَوْمٌ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ. (وسمر) بالتشديد والتخفيف، وكانت قصتُهم قبل نزولِ الحدود، والنهيِ عن المثلَة، وقيل: ليس منسوخًا؛ بل فعل - صلى الله عليه وسلم - بهم ذلك مقاصصة لما فعلوا بالراعي، وقيل: النهي عن المثلة نهيُ تنزيه. * * *

19 - باب فضل من ترك الفواحش

19 - باب فَضْلِ مَنْ تَرَكَ الْفَوَاحِشَ (باب: فضل من ترك الفواحش) 6806 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ فِي خَلاَءٍ فَفَاضَتْ عَينَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ". الحديث الأول: (محمد) قال الغساني: قال الأصيلي: هو ابن مقاتل، وقال القابسي: إنه ابن سلام؛ أي: كما يقع في بعض النسخ، والأول هو الصواب. (ظله) إضافة تشريف، وإلا فهو تعالى منزه عن الظل الحقيقي اللائق بالأجسام. أو: على تقدير محذوف؛ أي: ظل عرشه، وقيل: المراد به: الكَنَف من المكاره في ذلك الموقف الذي تدنو فيه الشمس

منهم، ويشتد عليهم الحر، ويأخذهم العرق؛ كما يقال: هو في ظل فلان؛ أي: في كنفه وحمايته. (عادل)؛ أي: الذي يضع كلَّ شيء في موضعه. (وشابٌّ) إنما لم يقل: رجل؛ لأن العبادة في الشباب أشقُّ؛ لغلبة شهواتهم. (في خلاء)؛ لأنه حينئذ أبعدُ من الرياء. (ففاضت عيناه)؛ أي: دمعُهما، أو مبالغة؛ كما قال تعالى: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: 83]. (بالمسجد)؛ أي: شديد الملازمة للجماعة فيه. (تحابَّا) هو مثل تباعدا، لا مثل تجاهلا. (في الله)؛ أي: بسببه؛ كما جاء: "في النَّفْسِ المُؤْمِنَةِ مِئةٌ مِنَ الإِبلِ"؛ أي: بسببها، لا أن تكون المحبة لغرض دنيوي. (مَنْصِب)؛ أي: حَسَب ونَسَب، وخصَّها بالذكر؛ لكثرة الرغبة فيها. (لا تعلم) بالرفع والنصب. (شماله) هو من المبالغة في الإخفاء؛ أي: لو قدّرت الشمال رجلًا متيقظًا، لما عَلِمَ صدقةَ اليمين، وهذا في صدقة التطوع، وسبق مباحث في الحديث في (الصلاة) في (باب من جلس في المسجد). * * *

20 - باب إثم الزناة

6807 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ. وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ". الثاني: (توكل)؛ أي: تكفل. (ما بين رجليه)؛ أي: فرجه. (وما بين لحييه)؛ أي: لسانه؛ فإن أكثر البلاء من الأمرين، سبق في (الرقائق). * * * 20 - باب إِثْمِ الزُّنَاةِ قوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا يَزْنُونَ}، {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}. (باب: إثم الزنا) وجهُ دخوله في (كتاب المحاربين): أن المرتكب لما حرم الله داخلٌ في محاربة الله ورسوله.

6808 - أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا هَمَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَنَسٌ قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ"، وَإِمَّا قَالَ: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِلْخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ". الحديث الأول: (بعدي)؛ أي: لأنه آخر من بقي من الصحابة بالبصرة. (أشراط): علامات. (ويشرب الخمر)؛ أي: شربًا فاشيًا بلا مبالاة. (لخمسين) لا ينافيه ما في رواية: (أربعين)؛ لأن ذكر القليل لا ينفي الكثير، لأنه مفهوم العدد. * * * 6809 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَزْنِي الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ".

قَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الإِيمَانُ مِنْهُ؟ قَالَ: هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا، فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ، هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. الثاني: سبق شرحه قريبًا وبعيدًا. * * * 6810 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ". الثالث: (والتوبة معروضة بعدُ)؛ أي: على فاعلها بعدَ ذلك؛ أي: باب التوبة مفتوحٌ بعدَ فعلِها. * * * 6811 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، وَسُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ

أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ". الرابع: (أجل) بفتح اللام؛ أي: من أجل، وهذا المفهوم لا يُعمل به؛ لأنه خرج مخرج الغالب، فلا فرق في كون القتل أعظم بين أن يكون من أجل ذلك، أو لا. * * * 6811 / -م - قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي وَاصِلٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مِثْلَهُ، قَالَ عَمْرُو: فَذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ حَدَّثَنَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ، وَوَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: دَعْهُ، دَعْهُ. الخامس: (دَعْه دَعْه)؛ أي: اترك هذا الإسنادَ الذي ليس فيه ذكرُ أبي ميسرة بين أبي وائل وعبدِ الله، وأبو وائل وإن روى كثيرًا عن عبد الله؛ لكن هذا الحديث لم يروه عنه، وليس المراد بذلك الطعنَ عليه؛ بل ترجيحَ طريقِ الواسطة لموافقة الأكثرين. * * *

21 - باب رجم المحصن

21 - باب رَجْمِ الْمُحْصَنِ وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ زَنىَ بِأُخْتِهِ حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي. (باب: رجم المحصن) بفتح الصاد وكسرها: المتزوج؛ أي: مَنْ جامعَ في نكاحٍ صحيح. * * * 6812 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: قَدْ رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (رجم المرأة)؛ أي: شُرَاحة -بضم المعجمة وبالراء والمهملة- الهمدانية؛ أي: جلدَها يوم الخميس، ورجَمَها يومَ الجمعة، فقيل له: أجمعتَ بينَ حدين عليها؟ فقال: جلدتُها بكتاب الله، ورجمتُها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يُجْمَع بين الجلد والرجم إذا كان الزاني شيخًا ثيبًا، لا شابًّا ثيبًا، وقال الظاهرية: الجمع بينهما مطلقًا. قال الحازمي: لم يثبت الأئمة سماع الشّعْبِي من علي، وقيل للدارقطني: أسمع منه؟ فقال: سمع منه حرفًا، ما سمع غيرَه. * * *

6814 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدْ زَنىَ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَ، وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ. الثاني: (أن رجلًا) هو ماعز -بمهملة وراء- ابنُ مالك. (فشهد)؛ أي: أقر. (أربع) ذهب أَبو حنيفة، وأحمد لاشتراط تكرار الإقرار أربع مرات؛ لظاهر هذا، وقال مالك، والشافعي: يكفي مرة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَاغْدُ يَا أُنَيْسِ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ"، ولم يقل: أربعًا، وأيضًا: فإنما أقرت الغامديةُ مرة، وأجابا عن التكرار هنا: أنه حسبه مجنونًا؛ لأنه أقر بما يقتضي قتلَه، وله طريقٌ إلى سقوط الإثم بالتوبة، فأراد - صلى الله عليه وسلم - تحقيقَ الأمر، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - له بعد الرابعة: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ "، ونحو ذلك. (قد أُحْصِنَ) بالبناء للفاعل والمفعول. * * * 6813 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: هَلْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ:

22 - باب لا يرجم المجنون والمجنونة

قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ أَمْ بَعْدُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. الثالث: (إسحاق) قال الكلاباذي: هو ابنُ شاهين. (سورة النور)؛ أي: قوله تعالى فيها: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]؛ أي: هل هو ناسخ لحكم الآية، أو لا؟ * * * 22 - باب لَا يُرْجَمُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةَ وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ؟ (باب: لا يرجم المجنون ولا المجنونة) قوله: (وقال علي لعُمر) سبق بيانه في (كتاب الطلاق)، والقصة: أنه مر بمجنونة زنت، وقد أمر عُمر - رضي الله عنه - برجمها، فردَّها، وقال له ذلك، فخلَّى عنها. (حتى يدرك)؛ أي: يبلغ. * * *

6815 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّات، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نفسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ". 6816 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْركْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. (فأخبرني من سمع) هو أَبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرحمنِ. (بالمصلَّى)؛ أي: مصلى الجنائز، وهو بقيع الغرقد. (أذلقته) بالمعجمة والقاف؛ أي: أقلقته، وأصابته بحدها. وفيه: أن الإمام يسأل عن شرط الرجم، والتعريضُ للمقر بالدفع عن نفسه، وجوازُ استنابة الإمام في إقامة الحدود، وأن مصلى الأعياد والجنائز ليس له حكمُ المسجد، وأن مجردَ الهربِ لا يُسقط الحدَّ؛ أي: إلا أن يرجع عن إقراره، فقال الشافعي، وأحمد، والكوفيون: يُترك فلا يُحد. * * *

23 - باب للعاهر الحجر

23 - باب لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (باب: للعاهر الحجر) 6817 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدٌ وَابْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ، يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ! ". زَادَ لنا قُتَيْبَةُ، عَنِ اللَّيْثِ: "وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ". الحديث الأول: فيه الاختصام في ابن زَمْعة، وسبق مرات، وأن: (للعاهر الحجر)؛ أي: وللزاني الخيبةُ والحرمان، وقيل: الرجمُ بالحجر؛ ولكن هذا في المحصَن، واللفظ عام. * * * 6818 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ".

24 - باب الرجم في البلاط

الثاني: سبق شرحه. * * * 24 - باب الرَّجْمِ فِي الْبَلاَطِ (باب: الرجم في البَلاط) بفتح الموحدة، وقيل بكسرها: موضعٌ مبلَّط بين مسجده - صلى الله عليه وسلم - والسوق، ويقال أيضًا للأرض المستوية، ولنفس الحجارة، ويروى: (بالبَلاط). قال (ش): والباء بمعنى عند، أو بمعنى في. 6819 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ أَحْدَثَا جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُمْ: "مَا تَجدُونَ فِي كِتَابِكُمْ؟ " قَالُوا: إِنَّ أَحْبَارَنَا أَحْدَثُوا تَحْمِيمَ الْوَجْهِ وَالتَّجْبِيَةَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: ادْعُهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ بِالتَّوْرَاةِ، فَأُتِيَ بِهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْم، وَجَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَإذَا آيَةُ الرَّجْم تَحْتَ يَدِهِ، فَأَمَرَ

بِهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرُجِمَا عِنْدَ الْبَلاَطِ، فَرَأَيْتُ الْيَهُودِيَّ أَجْنَأَ عَلَيْهَا. الحديث: (أحدثا)؛ أي: زنيا، ويطلق الإحداث أيضًا على الإيذاء. (والتجنية) بمثناة ثم جيم ثم نون ثم ياء، وهي: أن يحمم وجوه الزانيين، ويحملا على بعير أو حمار، ويخالف بين وجوههما، وقيل: التجبية؛ أي: بالموحدة عوض النون؛ أي: يقوم مقام الراكع، وقيل: هو السجود. (عند البَلاط) فائدة ذكره: أن الرجم لا يختص بالمصلَّى؛ بل يجوز في الأبنية، وبلا حفرة؛ لأن المواضع المبلطة لم تحفر غالبًا. (أحنا) بالمهملة، يقال: حنت على ولدها حنوًا: عطفت؛ كأحنت، وبالجيم والهمز، يقال: جَنَأَ عليه، وأجنى: أَكَبَّ؛ أي: أَكَبَّ عليها يقيها الحجارةَ. وفيه: وجوبُ الحد على الكافر، وخطابهُ بالفروع، وأما سؤالُه - صلى الله عليه وسلم -، فلإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، لا لتقليدهم، ولا لمعرفة الحكم منهم، وقيل: لم يكونا محصنين، وإنما رُجما تنفيذًا لحكم النبي السابق عليه؛ لأنه يعمل به ما لم ينسخ، وقد سبق في (فضائل الصحابة)، وأما اليهودية المرجومة، فهي بسرة؛ ذكره ابن العراقي في "أحكام القرآن". * * *

25 - باب الرجم بالمصلى

25 - باب الرَّجْمِ بِالْمُصَلَّى (باب: الرّجْم بالمُصَلَّى) 6820 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّات، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "احْصَنْتَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ. لَمْ يَقُلْ يُونس، وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: فَصَلَّى عَلَيْهِ. (أَسْلَم) بفتح الهمزة واللام: قبيلة. واعلم أنه إنما عدل عن التوبة، واختار الرجم في سقوط الإثم بالإصرار على الإقرار؛ لأن سقوطه بالحد متيقن، لا سيما بأمره - صلى الله عليه وسلم -، وأما التوبة، فيخاف أن لا تكون نصوحًا، فاختار حصولَ البراءة يقينًا. وفيه: أنه يُصلَّى على المقتول حَدًّا. (لم يقل يونس)؛ أي: في روايته التي وصلها قبل ثلاثة أبواب. (وابن جُرَيج) وصل روايته مسلمٌ. * * *

26 - باب من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه بعد التوبة إذا جاء مستفتيا

26 - باب مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا دُونَ الْحَدِّ فَأَخْبَرَ الإمَامَ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِذَا جَاءَ مُستَفْتِيًا قَالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَلَمْ يُعَاقِبِ الَّذِي جَامَعَ فِي رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَاقِبْ عُمَرُ صَاحِبَ الظَّبْيِ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: من أصاب ذنبًا دون الحدّ، فأخبر الإمام) أي: ارتكبَ صغيرةً؛ كالقبلة، والغمزة، وغرضُه من ذلك: أنها تسقط عنه بالتوبة، أو بالتعزير، ولا يعترضه الإمام؛ بخلاف الكبيرة. قال ابن المنذر: قال الشافعي: إذا تاب قبل أن يُقام عليه الحدّ، سقط عنه، انتهى. لكن المشهور عدمُ السقوط. (مستفتيًا) في بعضها: (مستعتبًا)، وهو طلب الرضا، وطلب إزالة العَتْب. (لم يعاقبه)؛ أي: من أصاب ذنبًا لا حدَّ فيه، وتاب، وقيل: يعني المحترقَ المجامعَ في نهار رمضان. (صاحب الضبي) اسمه: قَبيصَةُ بنُ جابر، ذكره الثعالبي، وابنُ عطية.

قال (ش): وقيل: إنه أوجبَ عليه شاةً. قال (ك): ورواه البيهقي. وقال غيرهما: ذكره عبدُ الرزاقِ في "مصنفه". (وفيه عن أبي عُثمان) موصول في (الصلاة) في (المواقيت): أن رجلًا أصاب من امرأة قُبلة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل: {أَقِمِ الصَّلَاةَ} الآية [الإسراء: 78]. * * * 6821 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ، فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "هَلْ تَجدُ رَقَبَةً؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: "هَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟ "لا قَالَ: لَا، قَالَ: "فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا". 6822 - وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ: أتى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ، قَالَ: احْتَرَقْتُ، قَالَ: "مِمَّ ذَاكَ؟ "، قَالَ: وَقَعْتُ بِامْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ لَهُ: "تَصَدَّقْ"، قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَجَلَسَ، وَأتاهُ إِنْسَانٌ يَسُوقُ حِمَارًا وَمَعَهُ طَعَامٌ -قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا أَدْرِي مَا هُوَ- إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ؟ "، فَقَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: "خُذْ هَذَا فتصَدَّقْ بِهِ"، قَالَ: عَلَى

27 - باب إذا أقر بالحد ولم يبين، هل للإمام أن يستر عليه؟

أَحْوَجَ مِنِّي؟ مَا لأَهْلِي طَعَامٌ! قَالَ: "فَكُلُوهُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الْحَدِيثُ الأَوَّلُ أَبْيَنُ، قَوْلُهُ: "أَطْعِمْ أَهْلَكَ". (وقال الليث) وصله البخاري في "التاريخ"، والإسماعيلي، والطبراني في "الأوسط". (تصدق) فيه اختصار؛ فإن الكفارة مرتبة: الإعتاق، ثم الصيام، ثم الإطعام، وسبق مرارًا. * * * 27 - باب إِذَا أَقَرَّ بالْحَدِّ وَلَمْ يُبَيِّنْ، هَلْ لِلإِمَامِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ؟ (باب: إذا أقر بالحدّ، ولم يبين) 6823 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ " قَالَ: نَعَم،

28 - باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت؟

قَالَ: "فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ"، أَوْ قَالَ: "حَدَّكَ". (رجل) سبق أنه أَبو اليَسَر -بفتح الياء والمهملة- كعب بن عُمر. (أصَبْتُ حدًّا)؛ أي: فعلًا يوجبُ الحدّ؛ كأنه فعل صغيرة ظن أنها توجب الحدّ، فلم يرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكشفه عليه، فلم يستفسره؛ بل أعرض عنه، وستر عليه. قال (ك): وإنما ستر؛ لأن الكشف ضربٌ من التجسس، وهو حرام، لعله صرح بما فعل، أو فهمه عنه بالقرينة، أو كما قال في الخبر الآخر: "لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، لَعَلَّكَ لَمَسْتَ"، فلما صلى، زال ذلك، قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. (أو قال: حَدَّك) هو شكٌّ من الراوي. * * * 28 - باب هَلْ يَقُولُ الإمَامُ لِلْمُقِرِّ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ أَوْ غَمَزْتَ؟ (باب: هل يقول الإمام للمقرِّ: لعلك لمستَ؟) 6824 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "لَعَلَّكَ

29 - باب سؤال الإمام المقر: هل أحصنت؟

قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ؟ " قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "أَنِكْتَهَا؟ " لَا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. (لا يُكَنِّي) الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: صرح بلفظ النيك، ولم يُكَنِّ، لأن الحدود لا تثبت بالكنايات. وفيه: جوازُ تلقين المقرِّ في الحدود، إذ لفظُ الزنا يقع على نظرِ العين، ونحوِه. * * * 29 - باب سُؤَالِ الإِمَامِ الْمُقِرَّ: هَلْ أَحْصَنْتَ؟ (باب: سؤال الإمام المقرَّ: هل أحصنتَ؟) 6825 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ، فَنَادَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي زَنَيْتُ، يُرِيدُ نَفْسَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فتنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: "أَحْصَنْتَ؟ " قَالَ:

30 - باب الاعتراف بالزنا

نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ "قَالَ: "اذْهَبُوا فَارْجُمُوهُ". 6826 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أَدْركْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. (من الناس) فائدتُه: بيان أنه ما كان من الأكابر والمشهورين. (يريد نفسه) لعله لبيان أنه لم يكن مستفتيًا من جهة الغير، مسندًا لنفسه على جهة التعريض. (فتنحَّى)، أي: بَعُدَ للجانب الذي أعرض مقابلًا له. (قِبَلَهُ) بكسر القاف؛ أي: مقابله، ومعاينًا له. (من سمع) قيل: إنه أَبو سلمة. (جَمَزَ) بفتح الجيم والميم والزاي؛ أي: أسرع. * * * 30 - باب الاِعْتِرَافِ بِالزِّنَا (باب: الاعتراف بالزنا) 6827 - و 6828 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَا: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ إِلَّا

قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ، وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَقَالَ: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ وَأْذَنْ لِي، قَالَ: "قُلْ"، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنىَ بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَعَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْخَادِمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: لَمْ يَقُلْ: فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَقَالَ: أَشُكُّ فِيهَا مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَرُبَّمَا قُلْتُهَا، وَرُبَّمَا سَكَتُّ. الحديث الأول: (أنْشُدك) بضم الشين. (إلا قضيت) بلفظ الاستثناء؛ أي: ما أطلبُ منكَ إلا القضاءَ بحكم الله. قال سيبويه: معنى أنْشُدك إلا فعلتَ: ما أطلبُ منكَ إلا فِعْلَكَ. (وائذن لي)؛ أي: في التكلم، وهو من جملة كلام الرجل الخصم. (عَسِيفًا) بفتح العين المهملة؛ أي: أَجيرًا.

(وخادم) لا ينافي ما سبق في (الصلح) بلفظ: (وليدة)؛ لأن الخادم يطلق على الذكر والأُنثى. (المئة شاة) هو على قول الكوفيين. (وعلى ابنك) هو جواب استفتاء الأب، لا حكمٌ؛ لأن إقرار الأب على الابن لا يُقبل. (أُنيس) -بالتصغير- هو ابن الضحاك الأسلمي على الأصح. (أشك فيها)؛ أي: في سماعها من الزُّهْري؛ فتارة أذكرها، وتارة أسكت عنها. وفيه: فسخُ كلِّ صلح وقع غير شرعي، وأن ما يؤخذ بالفاسد لا يُملك، ويجب ردُّه. وفيه: أن العالم يفتي، وفي المِصْرِ مَنْ هو أعلمُ منه؛ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - أفتوا في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وجوازُ قولِ الخصم للقاضي: اقضِ بيننا بالحقّ، واستماعُ الواقعةِ، وأحدُ الخصمين غائبٌ، وتأخيرُ الحدود عند ضيق الوقت؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بالغدوّ إلى المرأة، وإرسالُ واحد في تنفيذ الحكم، وإقامةُ الحد على من اعترف مرة، والتغريبُ؛ خلافًا للحنفية فيهما، وإرسالُه ليس لاستكشاف الزنا والتجسس؛ لأنه مما يستر؛ بل لإعلامها بأنه قذفها، ولها عليه حدُّ القذف؛ فإما أن تطالب، أو تعفو، أو تعترف بالزنا. * * *

31 - باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت

6829 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، أَلا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنىَ، وَقَدْ أَحْصَنَ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَمْلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ -قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا حَفِظْتُ- أَلاَ وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. الثاني: (فيضلوا) من الضلال. (أنزلها الله)؛ أي: باعتبار ما كان، وهو: (الشيخُ والشيخةُ)، الذي نُسخ تلاوته، أو باعتبار أنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]. (كان الحَبَلُ)، أي: ثبت الحبل، فيُحَدُّ بذلك؛ لكن قال الشافعي، وأبو حنيفة: لا حدّ عليها بمجرد الحمل؛ لأن الحدود تسقط بالشبهات. * * * 31 - باب رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إِذَا أَحْصَنَتْ (باب: رجم الحُبلى من الزنا إذا أحصنت) 6830 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ،

عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: لَوْ رَأَيتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! هَلْ لَكَ فِي فُلاَنٍ؟ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَوَاللهِ، مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً، فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لَا يَعُوهَا، وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحَجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْنَا الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ

أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: لَيقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فَأَنْكَرَ عَلَيَّ، وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ؟ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ آيَةُ الرَّجْم، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا؛ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَان أَنْ يَقُولَ قَائِل: وَاللهِ، مَا نَجدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنىَ إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءَ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ، ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللهِ: (أَنْ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ)، أَوْ: (إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ)، أَلاَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ"، ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: وَاللهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلاَ وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا،

وَلَيسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللهُ نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، إِلَّا أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ! انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ، فَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالاَ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانيهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ وَكَتِيبَةُ الإسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي

وَأَوْقَرَ، وَاللهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِه مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا، حَتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنتمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللهِ أَنْ أقُدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الآنَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاِخْتِلاَفِ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ! فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأَنْصَارُ، وَنزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: قَتَلَ اللهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا وَاللهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَناَ، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ.

(أُقْرِئُ)؛ أي: القرآن. وفيه: أن العلم يأخذه الكبير من الصغير. (منزله)؛ أي: منزل عبد الرحمن. (حجها)؛ أي: عُمر - رضي الله عنه -. (لو رأيت) جوابه محذوف؛ أي: لرأيتَ عجبًا، أو (لو) للتمني. (لو قد مات عُمر) دخول (لو) على (قد)؛ إما لأنها مقحَمة، فما دخلت إلا على الفعل، أو أنها قائمة مقام فعل؛ أي: لو تحقق موته. (بايعت فُلانًا) في "مسند البزار"، و"الجَعْدِيات": أن المراد: طلحة بن عُبيد الله الأنصاري، ولهذا قال (ك) في تفسير فُلانًا: إنه رجل من الأنصار؛ لكن في "الأنساب" للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشامِ بنِ يوسفَ عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ بالسند المذكور في "البخاري": قال عُمر: بلغني أن الزُّبَير قال: لو قد مات عُمر، بايعنا عليًّا، الحديث، فهذا أصح. (فَلْتة) بفتح الفاء وتسكين اللام ثم مثناة على المشهور، وروى سُحنون عن أشهب: ضم الفاء، وهو انفلات الشيء من الشيء. قال: ولا يجوز الفتح؛ لأن معناه: ما يندم عليه، وعلى الرواية المشهورة، فالمراد به: فجأة من غير تدبر؛ أي: وتمت المبايعة بذلك، وكذلك أنا لو بايعت فُلانًا، لتمَّ أيضًا. (أن يعصبوهم) في بعضها: (يعصبونهم)، وهي لغة كقراءة:

{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237]-بالرفع-؛ حملًا لأن المصدرية على ما في الإهمال؛ أي: الذين يقصدون أمورًا ليس ذلك وظيفتهم، ولا لهم مرتبة ذلك، فيريدون يباشرونها بالظلم والغصب. وفيه: رفع مثل هذا الكلام إلى الإمام، وغضبه على قائله إذا قال باطلًا. (رَعاع) بفتح الراء وتخفيف المهملة الأولى؛ أي: جُهّال، أو أَحداث، أو أراذل. (وَغَوْغَائِهِم) بفتح المعجمتين والمد: الكثير المختلط من الناس، أو اللفظ، واحده غوغاة. (يغلبون)؛ أي: فيكونون قريبًا منكَ عند قيامك للخطبة، ولا يتركون قربك لأولي النهى. (مطير) اسم فاعل من الطارة؛ أي: ينقلها عنك كلُّ ناقل بالسرعة والانتشار، لا بالتأني والضبط. (ولا يعوها)؛ أي: يحفظوها. (وأن لا يضعوها) في بعضها: (يضعونها)؛ على إهمال (أن) كما سبق آنفًا. وفيه: جواز الاعتراض على الإمام عند خوف الفتنة، وأن لا توضع دقائق العلم إلا عند أهل الفهم. (عقب ذي الحجة)؛ أي: آخره، أو ما يليه، وهو أول المحرَّم.

(أجدُ) بالرفع. (سعيد بن زيد) أحد العشرة. (فلم أنْشَب) بفتح المعجمة؛ أي: لم أمكث، ولم أتعلق بشيء. (ليقولن) إنما ذكر ذلك لسعيد لإحضار فهمه. (فأنكر)، أي: استبعادًا لذلك، لتقرر الفرائض والسُّنن. (ما عسيت) كان القياس: ما عسى أن يقول؛ كما هو في بعض النسخ؛ لكنه في معنى رَجَوت، وتوقعت. (ووعاها)، أي: حفظها. وفيه: الحضُّ لأهل العلم والضبط على التبليغ والنشر في الإسفار. (لأحد) كان الأصل أن يقول: له؛ ليرجع الضمير إلى الموصول؛ لكن لما كان القصد الربط، قام عمود أحد مقام الضمير. (آية الرجم)؛ أي: (الشيخ والشيخة). ففيه: أنه كان قرآنًا، فنسخت تلاوته دون حكمه. (إن طال) بكسر (إن). (أن يقول) بفتح (أن). (الحبل) سبق الخلاف فيه، وقال ابن جرير: يعني: حبل المحصن التي لا زوج لها، ولا يذكر الزاني أنه من زِنا، ويروى: (الحمل) -بالميم-.

(أو أن يكفرا بكم) يعني: أنه شاكٌّ فيما كان في القرآن، أهو كذا، أو: (لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفرٌ بكم)، فيكون من المنسوخ التلاوةِ دون الحكم، وقد مر في (مناقب قريش): أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبيِه وَهُوَ يَعْلَمُ إِلَّا كَفَرَ)، وهو إما للتغليظ، أو محمولٌ على المستحِلِّ. (لا تُطروني) من الإطراء وهو المبالغة في المدح بالباطل، أو بما لا يليق بالممدوح؛ كما ضلت النصارى بالمسيح، واليهود بالعزير. (الأعناق) أعناق الإبل تقطع من كثرة السير؛ أي: ليس فيكم مثلُ أبي بكر في الفضل والتقدم؛ لأنه سبقَ كلَّ سابق؛ فلذلك مضت بيعتُه على حال فجأة، ووقى الله تعالى شرّها، فلا يطعن أحد في مثل ذلك، وقيل: كانت فلتة؛ لأنه لم يكن في أول الأمر جميع خواص الصحابة، ولا عوامّهم، وقيل: لأنهم يغلبون (¬1) إلى ذهابهم إلى الأنصار. (مَشْورَة) بسكون الشين وفتح الواو، وبضمها وسكون الواو. وبالجملة: فقد ابتدرها الصحابة من المهاجرين، وعامة الأنصار؛ لعلمهم أنه ليس لأبي بكر منازع، ولا يحتاج في أمره إلى نظر، ولا مشاورة، وإنما عوجل بها؛ مخافة انتشار الأمر والشقاق، فيطمع بها من ليس بموضع لها؛ فإن مثل هذه البيعة جدير بأن تكون مُهيِّجة للشر والفتنة، فعصم الله تعالى من ذلك؛ كذا ذكره أحمد ابن ¬

_ (¬1) في الأصل: "يعلنون"، والمثبت من "الكواكب الدراري" (23/ 215).

خالد في "مسنده"؛ كما حكاه عيسى بن سهل في كتاب "غريب ألفاظ البخاري". (يبايع) من المبايعة -بالموحدة-، ومن المتابعة -بالمثناة-؛ أي: لا يبايع المبايع؛ ولا المبايع له؛ أي: لا الناصب، ولا المنصوب، قيل: معناه: لا يؤمَّر واحد منهما؛ لئلا يطمع في ذلك. (تَغِرَّة) تَفْعِلَة من الغرور -بالمعجمة-، يقال: غَرَّرَ بنفسه تغريرًا، وتَغِرَّةً: إذا عَرَّضها للهَلَكَة؛ أي: لأن ذلك تغرير لأنفسهما، غرر بنفسه وبصاحبه بالقتل، وفي الكلام حذف؛ أي: خوف وقوعهما في القتل، فحذف المضاف، وأُقيم المضاف إليه مقامه، وهو تغرة، ويحتمل النصب على أنه مفعول له، ويجوز أن يكون قوله: (أن يقتلا) بدلًا من (تغرة)، ويكون المضاف محذوفًا كالأول، ومن أضاف (تغرة) إلى (أن يقتلا)، فمعناه: خوف تغرته قتلهما؛ قاله صاحب "النهاية". (بأسرهم)؛ أي: بأجمعهم. (سقيفة)؛ أي: صُفَّة، كان لهم طاق يجتمعون فيه لفصل القضايا، وتدبيرِ الأمور. (سَاعِدة) بكسر العين المهملة. (وخالف عنا)، أي: معرضًا عنا. قال المهلَّب: أي: في الحضور والاجتماع، لا بالرأي والقلب. (لقينا) بتحريك الياء قبل النون.

(رجلان) فاعل (لقي)، وهما مَعْن -بفتح الميم وسكون العين وبالنون- ابن عدي أخو عاصم، والآخر: عُوَيْم -بضم المهملة وفتح الواو وإسكان الياء- ابن ساعدة، سماهما البخاري في (غزوة بدر)، وكذا رواه البزار في "مسند عُمر". وفيه: ردٌّ على من زعم أن عُوَيمًا مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. (تمالًا) -بالهمز- من التفاعُل؛ أي: اجتمع. (مزمل) من التزمُّل، وهو الالتفاف في الثوب والاحتباء. (بين ظهرانَيْهم)؛ أي: بينهم، وأصلُه: بين ظهريهم، فزيد فيه ألف ونون للتأكيد. (يوعَك) بفتح المهملة؛ أي: يُحَمُّ ويوجَع بدنه برعدة، وكأن ذلك -والله أعلم- لهولِ ذلك المقام. (تشهَّدَ خطيبُهم) قيل: هو ثابت بن قيسِ بنِ شَمَّاسٍ؛ أي: قال: كلمة الشهادة. (رهط أنصار الله)؛ أي: أنصار دينه، أو رسوله. (وكَتيبة) بفتح الكاف: الجيش. قال (خ): أي: نفر يسير؛ فالرهطُ في الأصل من الثلاثة إلى العشرة؛ أي: عددكم بالنسبة إلى الأنصار قليل. (دَفّتْ) بتشديد الفاء؛ أي: سارت. (دَافَّة)؛ أي: رفقة يسيرون من البادية سيرًا ليّنًا من الفقر، مأخوذ

من الدَّفيف وهو السير الضعيف؛ أي: أنتم قومٌ طُراةٌ غرباء، وأقبلتم من مكة إلينا، أو نفر يسير. (يَخْتَزِلونا) من الاختزال -بالمعجمة والزاي-، وهو الاقتطاع والحذف؛ أي: يقتلعونا من أصلنا. (وأن يَحْضُنُوننَا) بالحاء المهملة والضاد المعجمة والنون؛ أي: يخرجوننا، يقال: حضنته من الأمر: إذا نَحَّيته عنه، وانفردت به، وكأنه من المقلوب؛ أي: يحضنون الأمر دوننا. وقال أَبو عبيد: معناه: يخرجوننا إلى ناحية منه، والمعنى: يخرجوننا من الإمارة والحكومة، ويستأثرون بها علينا. (زَوَّرْتُ) هيأتُ وأصلحت؛ من التزوير -بالزاي والواو والراء- وهو التهيئة والتحسين. قال الزُّهْري: أراد عمر - رضي الله عنه - بالمقالة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمت. (أُداري)؛ أي: أدفعُ عنه بعضَ ما يعتريه من الغضب ونحوه. (الحَد) بفتح الحاء؛ أي: الحدة. (رِسْلك) بكسر الراء؛ أي: اتَّئِدْ، واستعمل الرفق والتؤدة. (أغضبه) من الإغضاب، وفي بعضها: (أعصيه)؛ من العصيان. (أحلم) من الحلم، وهو الطمأنينة عند الغَضب. (وأوقر) من الوقار، وهو التأني في الأمور والرزانة عند التوجه إلى المطالب.

(ما ذكرت)؛ أي: من النصرة، وكونكم كتيبةَ الإسلام. (هذا الأمر)؛ أي: الخلافة. (قد رضيت) إنما جاز لأبي بكر - رضي الله عنه - أن يقول ذلك، وقد جعله - صلى الله عليه وسلم - إمامًا في الصلاة، وهي عمدة الإسلام؛ لأنه قاله تواضعًا وأدبًا، وعلمًا منه أن كلًّا منهما لا يرى نفسَه أهلًا لذلك مع وجوده، وأنه لا يكون للمسلمين إلا إمام واحد. (لا يقرِّبني ذلك من إثم)؛ أي: لا يقربني الضربُ من الإثم؛ أي: ضربًا لا أعصي به. (تسول) من سوَّلَت له نفسُه كذا؛ أي: زَيَّنَت، ويقال: سَوّل له الشيطان؛ أي: زين له وأغواه. (قائل من الأنصار) هو حُباب -بضم المهملة وخفة الموحدة الأولى- ابنُ المنذِرِ، رواه مالِكٌ وغيره؛ بل وفي "البخاري" التصريحُ به في غير هذا الموضع من حديث عائشة رضي الله عنها رضي الله عنها، وقيل: هو سعدُ بنُ عُبادةَ. (جُذَيْلُهَا) مُصغر الجِذْل -بفتح الجيم وكسرها وسكون المعجمة-: أصلُ الشجر، والمراد به هنا: الجذع الذي تربط إليه الإبل الجرباء، وتنضم إليه تَحْتَكُّ به؛ أراد: أني يُستشفى برأي كما تستشفي الإبلُ بالاحتكاكِ به، والتصغيرُ للتعظيم. (المُحَكّك) وصفه بذلك؛ لأنه أملسُ؛ لكثرة ذلك، وهو بضم

الميم وتشديد الكاف بالبناء للمفعول. (وَعُذَيْقُها) تصغير عَذْق -بفتح المهملة وسكون المعجمة-، وهو النخلة، وبكسرها، وهو العرجون. (المُرَجَّب) بالجيم: المدلل المحسَّن ليجتنى، والرجبة: أن تُعْمَدَ النخلةُ الكريمةُ ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع، وقيل: هو ضمُّ أعذاقها إلى سعافها، وشَدُّها بالخوص؛ لئلا يَنْفُضها الريح، أو وضعُ الشوك حولها؛ لئلا تصل إليها الأيدي المتفرقةُ. (منا أمير ومنكم أمير) إنما قال ذلك؛ لأن أكثر العرب لم تكن تعرف الإمارة، إنما كانت تعرف السيادة، لكل قبيلة سيد، فلا تطيع إلا سيّدَ قومها، فجرى هذا القول منه على العادة المألوفة، فلما بلغه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "الخِلاَفَةُ في قُرَيْشٍ"، أمسك عن ذلك؛ وأقبلوا على البيعَة. (اللَّغَط) بفتح اللام والمعجمة: الصوت والجَلَبَة. (فَرِقْتُ) بكسر الراء؛ أي: خِفْتُ. (ونزَوْنا)؛ أي: وَثَبْنا، وغَلَبْنا، ووطِئْنا عليه. (قتلتم)؛ أي: صُيِّرَ بالخذلان كالمقتول؛ لسلب قوته. (قتله الله) إما إخبارٌ عما قَدّر الله تعالى من إهماله، ومنعِه من الخلافة، وإما دعاءٌ عليه صَدَرَ منه حين لم ينصر الحق، قيل: إنه لما تخلف عن البيعة وخرج إلى الشام، وُجِد ميْتًا في مغتسله، وقد اخضرَّ

32 - باب البكران يجلدان وينفيان

جسدهُ، ولم يشعروا بموته، حتى سمعوا قائلًا يقول، ولا يرون شخصَه: قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةْ ... فَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَه (فيما حضرنا)؛ أي: من دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحوه؛ لأن إهمال أمرِ المبايعة كان يؤدي إلى الفساد الكلي، وأما دفنهُ - صلى الله عليه وسلم -، فكان العباسُ، وعليٌّ، وطائفةٌ مباشرين له، وما كان يلزمنا من اشتغالنا بالمبايعة محذورٌ في ذلك. (فمن بايع) إلى آخره؛ أي: فلا يطمعنّ أحد أن يبايعَ ويتمّ له كما بويع لأبي بكر - رضي الله عنه -. * * * 32 - باب الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ ويُنْفَيَانِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {رَأْفَةٌ}: في إِقَامَةِ الْحُدُودِ.

(باب: البِكْرَان يُجْلَدَان ويُنْفَيَان) المراد بالبِكْر: من لم يجامِعْ في نكاحٍ صحيحٍ، والتثنيةُ للرجل والمرأة، مفهومُه: أنه لو زنى بكرٌ بثيب؛ أي: محصن، لا يجلدان، وينفيان، وهو صحيح؛ لأن أحدهما يرجم، ومعنى النفي: تغريب عام عن البلد. (رأفة)؛ أي: رحمة في إقامة الحدود؛ أي: لا تعطَّل الحدودُ شفقةً عليهما؛ ففي كلام البخاري اختصار. * * * 6831 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ. 6832 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَرَّبَ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّنَّةَ. الحديث الأول: (ثم لم تزَل) بفتح الزاي. (تلك السُّنَّة) برفع (السنة) ونصبه.

33 - باب نفي أهل المعاصي والمخنثين

قال (ط): التغريبُ إجماعُ الصحابة. * * * 6833 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِيمَنْ زَنىَ وَلَمْ يُحْصَنْ بِنَفْيِ عَامٍ بإقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. الثاني: (وبإقامة الحدِّ)، أي: متلبسًا بهما، جامعًا بينهما، وفي بعضها: و (إقامة). * * * 33 - باب نَفْيِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْمُخَنَّثِينَ (باب: نفي أهل المعاصي والمخنثين) بفتح النون على الأشهر، وبكسرها، وهو القياس، ووجهُ هذا الباب هنا: أن النفي إذا كان على الذنب الذي لا حدَّ فيه ثابتًا، فعلى مَنْ عليه الحدُّ أولى. 6834 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،

34 - باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه

عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ"، وَأَخْرَجَ فُلاَنًا، وَأَخْرَجَ فلاَنًا. (والمترجلات)؛ أي: المتشبِّهات بالرجال، المتكلِّفات في الرجولية، فهو ضد المخنثين؛ لأنه تشبّه بالنساء. (فلانًا وفلانًا) قيل: هما مَاتع -بالمثناة والمهملة-، وهِيْت -بكسر الهاء وسكون الياء ثم مثناة-، وسبق في (اللباس). * * * 34 - باب مَنْ أَمَرَ غَيْرَ الإِمَامِ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ غَائِبًا عَنْهُ (باب: من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبًا عنه) الأَولى أن يقال: مَن أمره الإمامُ؛ و (غائبًا) حالٌ من فاعل الإقامة، وهو الغير، ويحتمل أن يكون حالًا من المحدود المقام عليه. قال (ك): وفي عبارته تعجرف. قلت: لا عجرفةَ، فعادةُ البخاريِّ التعميمُ في المعنى، فيقول: باب من فعل كذا، ويكون الفاعل لذلك معينًا؛ إشارةَ إلى أن الحكم

عامٌّ، فقوله: من أمر هو الإمام، وقوله: غير الإمام؛ أي: غيره، فأقامَ الظاهرَ مقامَ المضمرَ؛ لأنه لم يكن قد صرح به؛ ولكن التركيب واضح. * * * 6835 - و 6836 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ جَالِسٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْضِ بِكِتَابِ اللهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ لَهُ، يَا رَسُولَ اللهِ! بِكِتَابِ اللهِ، إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنىَ بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْم، فَزَعَمُوا أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا الْغَنَمُ وَالْوَلِيدَةُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ، يَا أُنيسُ! فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا"، فَغَدَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا. (إن ابني) هو من كلام الأعرابي، لا خصمِه، ومر في (كتاب الصلح) هكذا: (جاء الأعرابي، فقال: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله، فقام خصمُه، فقال: صدقَ، فقال الأعرابي: إن ابني ...) إلى

35 - باب إذا زنت الأمة

آخره، وذكره هنا مختصرًا؛ أي: فإن اعترفت بالزنا، فارجمها. * * * 35 - باب إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ (باب: إذا زنت الأَمَة) 6837 - و 6838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ، قَالَ: "إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ"، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ. (ولم تحصن) ذكر هذا القيد، وإن كانت الأمةُ دائمًا هذا حكمها؛ قال تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} الآية [النساء: 25]، فلم يوجب عليها مع الإحصان إلا ذلك؛ إما لأن الحديث خرج مخرج الغالب، أو أن الأمة المسؤول عنها كانت كذلك، على أن هذا القيد ليس في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل أطلق الحكم، وقيل: الإحصان هنا بمعنى: العفة عن الزنا، وقال (خ): هو بمعنى العتق، سبق الحديث في (البيع) أربع مرات.

36 - باب لا يثرب على الأمة إذا زنت، ولا تنفى

(بَضَفِير) بفتح المعجمة وكسر الفاء: الشعر المنسوج، والحبل المفتول. * * * 36 - باب لَا يُثَرَّبُ عَلَى الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ، وَلَا تُنْفَى (باب: لا يُثَرَّبُ على الأمة إذا زنت) 6839 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِناَهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ". تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (فتبين)؛ أي: تحقَّقَ زِناها وثَبَتَ. (يثرب) بالمثلثة؛ من التثريب، وهو التوبيخ والملامة. (فليبعْها)، وإنما كان كذلك، مع أنه لم يرتضه لنفسه، لعله تستعفُّ عند المشتري. (شعر) بسكون المهملة وفتحها. (تابعه إسماعيل) وصله النسائي. * * *

37 - باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام

37 - باب أحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِحْصَانِهِمْ إِذَا زَنَوْا وَرُفِعُوا إِلَى الإِمَامِ (باب: أحكام أهل الذمَّة) جمعُ حُكْم. (ورُفعوا) بالبناء للمفعول. 6840 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى عَنِ الرَّجْم، فَقَالَ: رَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: أَقَبْلَ النُّورِ أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَالْمُحَارِبِيُّ، وَعَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَائِدَةُ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. الحديث الأول: (أَقَبْلَ النُّورِ)؛ أي: نزولِ آية: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]، ووجهُ دلالته على الترجمة: إطلاقُ قوله: رجم. قلت: فيه نظر؛ لأن الفعل لا عموم له. (تابع عليّ) وصله مسلم. (وخالد) موصول في (باب رجم المحصن). (وعَبِيْدَة) وصله الإسماعيلي. (قال لبعضهم) هي رواية أحمد بن منيع في "مسنده" عن عَبيدة،

عن أبي إسحاق. (المائدة)؛ أي: نزول سورة المائدة، ووجهُ تعلقه بالزنا: أن فيها قولَه تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ} [المائدة: 43]، نزلت عند زنا اليهوديين، ورفع قصتهما إليه - صلى الله عليه وسلم -، فرجمهما، فغرضُه: أنه رجم بعد نزول هذه الآية، أو قبلها. * * * 6841 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَجدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ " فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ، إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ، فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْم، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْم، قَالُوا: صَدَقَ، يَا مُحَمَّدُ! فِيهَا آيَةُ الرَّجْم، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَا، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. الثاني: (وَيُجْلَدُون) بالبناء للمفعول، وسبق أن طَلَبَه التوراةَ؛ لأنه متعبد بشرع مَنْ قبلَه، أو لإقامة الحجة عليهم بما بأيديهم ويعتقدونه، وأن

38 - باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس، هل على الحاكم أن يبعث إليها فيسألها عما رميت به؟

(يحني) من أحنى: إذا عطف، أو من جنأ -بالجيم والهمز-: إذا أكبّ عليه، وغرضُ البخاري من هذا الباب: أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان، وإلا، لم يرجم اليهودي. * * * 38 - باب إِذَا رَمَى امْرَأَتَهُ أَوِ امْرَأَةَ غَيْرِهِ بالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّاسِ، هَلْ عَلَى الحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهَا فَيَسْأَلَهَا عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ؟ (باب: إذا رمى امرأتَه أو امرأةَ غيره بالزنا عند الحاكم والناس) 6842 - و 6843 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزيدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَقَالَ الآخَرُ -وَهْوَ أَفْقَهُهُمَا-: أَجَلْ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ: "تَكَلَّمْ"، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا -قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ: الأَجِيرُ- فَزَنىَ بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْم فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإنَّمَا الرَّجْمُ

39 - باب من أدب أهله أو غيره دون السلطان

عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ"، وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأَمَرَ أُنيسًا الأَسلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأةَ الآخَرِ، "فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. (وائذنْ لي) هو كلامُ الأعرابي، لا الأفقهُ؛ كما تقدم قريبًا أنه مر في (الصلح) صريحًا. قال (ن): هو الأفقه، وفي استئذانه دليلٌ على أفقهيته. (وجلد ابنه) دليل على أنه كان بِكرًا، وأنه اعترف، وإلا فالأبُ لا يُقبل إقرارُه عليه. * * * 39 - باب مَنْ أَدَّبَ أَهْلَهُ أَوْ غَيْرَهُ دُونَ السُّلْطَانِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ"، وَفَعَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ. (باب: من أَدَّب أهلَه أو غيره دون السلطان) قال (ك): يحتمل أن يكون (دون) بمعنى: (عند) وغيره. (وقال أَبو سعيد) موصول في (الصلاة) قبل (المواقيت)،

وتفسير فليقاتله بالضرب الشديد. (وفعله)؛ أي: الدفع قبل الإباء. * * * 6844 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ أَبُو بَكْرِ - رضي الله عنه - وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاضعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَعَاتَبَنِي، وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرتِي، وَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّم. 6845 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِم حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلاَدَةٍ، فَبِي الْمَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ أَوْجَعَنِي، نَحْوَهُ. الحديث الأول، والثاني: (فلكزني) بالزاي؛ أي: وَكَزَني. (فَبِي الموت)؛ أي: فالموتُ متلبسٌ بي لمكانه - صلى الله عليه وسلم - أخاف انتباهَه من نومه، وسبق الحديث في (التيمم). * * *

40 - باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله

40 - بابٌ مَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ (باب: من رأى مع امرأته رجلًا فقتلَه) 6846 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ كاتِبِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لأَناَ أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي". (غير مصفح) بفتح الفاء وكسرها؛ أي: ضربته بحدِّ السيف للإهلاك، لا بصَفْحِه، وهو عرضُه للإرهاب. (غيرة) بفتح الغين المعجمة: المنع؛ أي: يمنع من التعلق بأجنبي بنظر أو غيره، وغيرةُ الله تعالى: منعُه عن المعاصي، وعدمُ إنكاره - صلى الله عليه وسلم - ذلك، مع أن مثلَ هذا الفعل لا يجوز؛ لأنه قد تقرر في الشرع: لا قتلَ إلا بعدَ ثبوتِ موجبِه، وقيل: لأنه يسعُه ذلك فيما بينه وبين الله تعالى. * * *

41 - باب ما جاء في التعريض

41 - باب مَا جَاءَ فِي التَّعْرِيضِ (باب: ما جاء في التعريض) هو نوع من الكناية، ضدَّ التصريح. 6847 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ، فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "مَا أَلْوَانُهَا؟ " قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: "فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟ " قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نزَعَهُ، قَالَ: "فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نزَعَهُ عِرْقٌ". سبق بيانه في (اللعان). قال (خ): فيه: أن التعريضَ بالقذف لا يوجب الحدِّ، وفيه: إثبات الشبه، وإثباتُ القياسِ به، وإنما سأله عن ألوان الإبل؛ لأن الحيوانات يجري طباعُ بعضها على مشاكلة بعض في اللون والخلقة، ثم قد يندر منها الشيء لعارض، فكذلك الآدميُّ يختلف بحسب نوادر الطباع، ونوازع العروق. وفيه: الزجرُ عن تحقيق ظنِّ السوء، وتقديمُ حكم الفِراش على اعتبار المشابهة.

42 - باب كم التعزير والأدب؟

ومحلُّ التعريض الذي في الترجمة: أنه قال: أسود؛ أي: وأنا أبيض، فليس مني، وأمُّه زانية. * * * 42 - باب كَمِ التَّعْزِيرُ وَالأَدَبُ؟ (باب: كم التعزير والأدب؟) 6848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ". 6849 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْرِ ضَرَبَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ". الحديث الأول، والثاني: (عمن سمع) لا يضر الإبهام؛ لأن الصحابة عُدول، ولعله أَبو

بُرْدة المذكور في الروايات الثلاث. * * * 6850 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إِذْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ، فَحَدَّثَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا بُرْدَةَ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ". (أن أباه حدثه) فيما سبق لم يذكر بين عبد الرحمن وأبي بُرْدة جابرًا؛ لأن أبا بُرْدة سمع منه عبد الرحمن وأبوه. ومباحثُ التعزير في الفقه. * * * 6851 - حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْوِصَالِ، فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّكَ، يَا رَسُولَ اللهِ! تُوَاصِلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ"، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا

الْهِلاَلَ، فَقَالَ: "لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ"، كَالْمُنَكِّلِ بِهِمْ حِينَ أَبَوْا، تَابَعَهُ شُعَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ويُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: (الوصال)؛ أي: بين الصومين. (أَبِيتُ)، وسبق في (الصوم): (أَظَلُّ)، والمرادُ منهما: مطلق الوقت، ليلًا كان أو نهارًا، وسبق أن إطعام الله تعالى له وسقيه يحتمل الحقيقة بأن يرزقه من الجنة، ويحتمل أنه القوة، وهو الوجه؛ لأنه لو أكل حقيقة نهارًا لَمَا كان صائمًا، أو ليلًا لَمَا كان مواصلًا. (تابعه شُعيب) موصول في (الصيام). (ويحيى) وصله الذُّهْلي في "الزُّهْريات". (ويونس) وصله مسلم. (وقال عبد الرحمن) سيأتي في (كتاب الأحكام). * * * 6852 - حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جِزَافًا -أَنْ يَبِيعُوهُ

43 - باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة

فِي مَكَانِهِمْ، حَتَّى يُؤْوُهُ إِلَى رِحَالِهِمْ. الخامس: سبق شرحه في (البيع). * * * 6853 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ مِنْ حُرُمَاتِ اللهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ. السادس: (تنتهك) من الانتهاك؛ أي: يرتكب معصية؛ أي: فحينئذ ينتقم منه لله تعالى، وذلك إما بضرب، أو حبس، أو شيء آخر يكرهه. * * * 43 - باب مَنْ أَظْهَرَ الْفَاحِشَةَ وَاللَّطْخَ وَالتُّهَمَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ (باب: من أظهر الفاحشة، واللطخ والتهمة) المشهور فيه تسكينُ الهاء، لكن قالوا: الصوابُ فتحُها.

6854 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ زَوْجُهَا: كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا، قَالَ: فَحَفِظْتُ ذَاكَ مِنَ الزُّهْرِيِّ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهْوَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَهُوَ"، وَسَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: جَاءَتْ بِهِ لِلَّذِي يُكْرَهُ. الحديث الأول: (فحفظت)؛ أي: المذكور بعده، وهو: (إن جاءت به كذا وكذا)؛ أي: إن جاءت به أسودَ أعينَ ذا أليَتَيْن، فلا أراه إلا قد صدق عليها، أو أحمرَ قصيرًا كأنه وحَرة، فلا أراها إلا قد صدقت، وسبق في (اللعان). * * * 6855 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً عَنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ"؟ قَالَ: لا، تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ. الثاني: (أعلنت)؛ أي: السوء والفجور. * * *

6856 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمَ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: ذُكِرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبِطَ الشَّعَرِ، وَكانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ، خَدْلًا كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ بيِّنْ"، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ"؟ فَقَالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإسْلاَمِ السُّوءَ. الثالث: (رجل) هو عُوَيْمِرٌ العَجْلانيُّ. (فأخبر)؛ أي: عُوَيْمِر. (سبط) ضد الجعد. (جَدْلًا) بفتح الجيم وسكون المهملة: الممتلئ الساق غليظًا، وفي بعضها بفتحها وشدة اللام، وفي بعضها بكسرها والتخفيف،

44 - باب رمي المحصنات

وسبق الحديث مرارًا في (النكاح) وغيره. * * * 44 - باب رَمْيِ الْمُحْصَنَاتِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. (باب: رمي المحصنات) 6857 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْد، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ". (الموبِقات): المهلِكات.

45 - باب قذف العبيد

(والتولِّي يومَ الزحف)؛ أي: الإعراضُ والفرارُ يومَ القتال. (المحصَنات): العفائف. (الغافِلات)؛ أي: عما نُسب إليهن. * * * 45 - باب قَذْفِ الْعَبِيدِ (باب: قذف العبد) 6858 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ قَذفَ مَمْلُوكَهُ، وَهْوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ، جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ". (يوم القيامة) فيه إشعارٌ بأنه لا حدَّ عليه في الدنيا. * * * 46 - باب هَلْ يَأْمُرُ الإِمَامُ رَجُلًا فَيَضْرِبُ الْحَدَّ غَائِبًا عَنْهُ؟ وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ.

(باب: هل يأمر الإمامُ رجلًا فيضرب الحدَّ) 6859 - و 6860 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَا: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ، وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَأْذَنْ لِي، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ"، فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا فِي أَهْلِ هَذَا، فَزَنىَ بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، الْمِائَةُ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَيَا أُنَيْسُ! اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَسَلْهَا، فَإنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. (ويا أُنَيْس)؛ أي: لأنه أسلميّ، وهي أسلمية، فهو أعرفُ بحال قومه، وسبق في (الصلح)، وقريبًا. * * *

88 - كتاب الديات

88 - كتاب الدِّيات

1 - باب قول الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 88 - كتاب الدِّيات 1 - باب قَوْل اللهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (كتاب: الدِّيَات) جمع دِيَة، وهي مصدر وَدَيْتُ القتيلَ؛ أي، أَعطيتُ دِيَتَه. 6861 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهْوَ خَلَقَكَ"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ، أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ"، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل تَصْدِيقَهَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ

إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} الآيَةَ. الحديث الأول: (خشية) خرج مخرجَ الغالب، فلا يعتبر مفهومُه، أو لأن فيه القتل، وضعف الاعتقاد في أن الله تعالى هو الرزاق، ومر في (سورة الفرقان). * * * 6862 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِيِنهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا". الثاني: (علي) لم ينسبه الكلاباذي، ولا الغساني، وجَوَّزَ صاحبُ "الأطراف" أن يكون عليَّ بن الجعد؛ لكن ليس فيما جمعه البغوي من حديث عليِّ بن الجعد رواية عن إسحاق بن سعيد. (فسحة)؛ أي: سَعَة، وانشراحُ صدر. (ما لم يصب)؛ أي: فإذا قتل نفسًا بغير حق، صار منحصرًا ضيقًا؛ لما أوعدَ الله عليه ما لم يوعِد على غيره؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} الآية [النساء: 93]. * * *

6864 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ". الثالث: (في الدماء)؛ أي: القضاء فيها؛ لأنها أعظمُ المظالم. * * * 6863 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرْطَات الأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا: سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ. الرابع: (ورطات) جمعُ وَرْطَة: ما يقع فيه الشخص، ويعسُر عليه نجاته، وقيل: بسكون الراء. قال ابن مالك: وصوابُه التحريك؛ كَتَمَرات. (بغير حِلِّه)؛ أي: بغير حق من الحقوق المحلَّة للسفك، والوصفُ بالحرام، وإن كان به غنى عن هذا القيد، لكن الحرام يراد به: ما شأنُه أن يكون حرامَ السفك، أو هو تأكيد. * * *

6865 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَدِيٍّ حَدَّثَهُ: أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ حَدَّثَهُ -وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ لَقِيتُ كَافِرًا فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لاَذَ بِشَجَرَةٍ، وَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، آقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالهاَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقْتُلْهُ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّهُ طَرَحَ إِحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا، آقْتُلُهُ؟ قَالَ: "لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ". الخامس: (المقداد بن عمرو) هذا هو الحقيقة، وإن كان يقال له: المقدادُ بنُ الأسود، وسبق الحديث في (المغازي) في (غزوة بدر). * * * 6866 - وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمِقْدَادِ: "إِذَا كَانَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفِي إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ، فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ، فَقَتَلْتَهُ، فَكَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تُخْفِي إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ". (وقال حبيب) وصله البزار، والطبراني، والدارقطني في "الأفراد".

2 - باب قول الله تعالى: {ومن أحياها}

فإن قيل: كيف يقطع يده، وهو ممن يكتم إيمانه؟ قيل: دفعًا للصائل، أو السؤالُ كان على سبيل الفرض والتمثيل، لا سيما وفي بعضها: (إن لقيت) بحرف الشرط. * * * 2 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلَّا بِحَقٍّ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا. (باب: ومَنْ أحياها) 6867 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا". الحديث الأول: (ابن آدم الأول) هو قابيلُ قتلَ هابيلَ، "وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِها إِلَى يَوْمِ القيامة". (كِفْل)، أي: نصيب. * * *

6868 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: وَاقِد بْنُ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي، عَنْ أَبِيهِ، سَمعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". 6869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ: عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"، رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني، والثالث: (استنصت) بلفظ الماضي: جملة حالية (¬1)، وفي بعضها بلفظ الأمر؛ فلا بدَّ من تقدير القول؛ إصلاحًا للمعنى. (رواه أَبو بكرة) موصول في (الحج) وغيره. (وابن عباس) موصول في (الحج) و (الفتن). * * * 6870 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ¬

_ (¬1) من هنا في نسخة الأصل خطأ في الترقيم؛ فقد حصل تقديم وتأخير في أوراق المخطوط؛ حيث أدخل في (كتاب الديات) أبوابًا من (كتاب الفتن)؛ لذا وجب التنبيه.

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، أَوْ قَالَ: "الْيَمِينُ الْغَمُوسُ"، شَكَّ شُعْبَةُ، وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: "الْكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، أَوْ قَالَ: "وَقَتْلُ النَّفْسِ". الرابع: (الكبائر) قيل: الكبيرة: الموجب للحَدّ، وقيل: ما أوعدَ الشرعُ عليه بخصوصه. (الغَموس)؛ أي: تغمس صاحبها في الإثم، أو النار، وهي الكاذبة التي تعمدها صاحبها عالمًا أن الأمر بخلافه. (وقال معاذ) إما تعليق، وإما من مقول ابن بشار. * * * 6871 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، سَمعَ أَنَسًا - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْكَبَائِرُ". وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ"، أَوْ قَالَ: "وَشَهَادَةُ الزُّورِ".

الخامس: (أكبر الكبائر الإشراك)؛ أي: وما بعده مختلف المراتب إذا فسرنا الكبيرة بما توعد عليه بخصوصه؛ باختلاف ما أوعد عليه شدة وضعفًا. * * * 6872 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ - رضي الله عنهما - يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، قَالَ: وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَقَالَ لِي: "يَا أُسَامَةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: "أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. السادس: سبق بإسناده في (المغازي) قبيل (الفتح)، إلا أن هناك: (عمرو بن محمد) بدل: (ابن زُرَارَة).

(الحُرَقة) بضم المهملة وفتح الراء وبالقاف: قبيلة من جهينة. (فصبحنا القوم)؛ أي: أتيناهم صباحًا. (رجلًا منهم) هو مِرْدَاس -بكسر الميم- ابن نَهِيك -بفتح النون وكسر الهاء وبالكاف-. (غَشِينَاهُ) بكسر الشين. (مُتَعَوِّذًا)، أي: لم يكن قاصدًا بذلك الإيمان؛ بل التعوذَ من القتل. قال (خ): يشبه أن أُسامة تأوّل قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]، وهو معنى متعوذًا، ولذلك لم يلزمه ديته. (تمنيت أني لم أكن مسلمًا قبل ذاك اليوم) وجه التمني: أنه تمنى إسلامًا لا ذنب فيه، أو ابتداء الإسلام ليجُبَّ ما قبله. * * * 6873 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بالله شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ، وَلَا ننتَهِبَ، وَلَا نَعْصِيَ؛ بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللهِ.

السابع: (بايعوا)؛ أي: ليلة العقبة. (ولا نعصي)؛ أي: في المعروف. (بالمعروف) متعلق بـ (بايعناه). (إن فعلنا ذلك) إشارة إلى التروك. (من ذلك) إشارة إلى أفعال تلك المعاصي. (قضاء ذلك)؛ أي: حكمه، إن شاء عاقب، وإن شاء عفا، ومر الحديث في (باب وفود الأنصار) من (كتاب المناقب). * * * 6874 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا". رَوَاهُ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثامن: (حَمَل)، أي: قاتلنا؛ أي: من جهة مخالفة الدِّين، أو مستحلًّا؛ فإن الله تعالى قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]، فسماهم مؤمنين. (رواه أَبو موسى) موصول في (الفتن). * * *

6875 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، وَيُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: "إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ". التاسع: (هذا الرجل)؛ أي: عليًّا - رضي الله عنه -. (فالقاتل) في بعضها بدون فاء؛ كما في قوله: مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا ويحتمل أن يقال: إذا ظن فيه. قال (ك): هذا في المقاتلة بلا تأويل، بل على عداوة، أو غيرها من الأمور الدنيوية؛ أما من قاتل أهلَ البغي، أو دفَع الصائلَ، فقتل، فإنه لا يدخل في هذا الوعيد؛ لأنه مأمور بالقتال للذبِّ عن نفسه غير قاصدٍ قتلَ صاحبه، وسبق أول "الجامع" في (كتاب الإيمان). * * *

3 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}

3 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (باب: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178]) ليس فيه حديث. * * * 4 - باب سُؤَالِ الْقَاتِلِ حَتَّى يُقِرَّ، وَالإِقْرَارِ فِي الْحُدُودِ (باب: سؤال القاتل حتى يُقِرَّ) 6876 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ أَفُلاَنٌ أَوْ فُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ، فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ.

5 - باب إذا قتل بحجر أو بعصا

(رضّ) بالمعجمة: هو الدق. * * * 5 - باب إِذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا (باب: إذا قتل بحجر أو بعصًا) 6877 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ، قَالَ: فَجيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فُلاَنٌ قتلَكِ؟ " فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَأَعَادَ عَلَيْهَا قَالَ: "فُلاَنٌ قَتَلَكِ؟ " فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فَقَالَ لَهَا فِي الثَّالِثَةِ: "فُلاَنٌ قَتَلَكِ؟ " فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا، فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ. (حدثنا محمد)، قال الغساني: قال الكلاباذي: هو ابن عبد الله ابن نمير، وقال ابن السكن: هو ابن سلام. (أوضاح) واحده وضح -بمعجمة ثم مهملة-: نوعٌ من الحلي من الفضة، وقيل: من الحجارة؛ سمي به لبياضه، ومر الحديث في (الطلاق) في (باب الإشارة).

6 - باب قول الله تعالى: {أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}

(رمق)؛ أي: بقية حياة، وهو معنى الحديث السابق. * * * 6 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (باب: قول الله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]) 6878 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ". (التارك للجماعة) فائدته بعد قوله: (المفارقُ لدينه): الإشعارُ بأن الدِّين المعتبر هو ما عليه الجماعة، والقتل بترك الصلاة؛ كما يقوله الشافعي، إنما هو لأن تارك الصلاة تارك للدِّين الذي هو الإسلام؛ أي: الأعمال، أما الزكاة فلا يُقتل مانعُها؛ بل يأخذُها الإمامُ قهرًا، والممتنعُ من الصيام يُحبس، ويُمنع الطعامَ والشراب؛ لأن الظاهر من حاله أنه ينويه حينئذ؛ لاعتقاده الوجوب. * * *

7 - باب من أقاد بالحجر

7 - باب مَنْ أَقَادَ بِالْحَجَرِ (باب: من أقاد بالحجر)؛ أي: اقتصَّ، والقَوَد: القصاص. 6879 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ يَهُودِيًّا قتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا، فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ، فَجيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ: "أَقَتَلَكِ فُلاَنٌ؟ "، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ: لَا، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ: لَا، ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ: نَعَمْ، فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَجَرَيْنِ. والحديث فيه سبق مرات. * * * 8 - باب مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ (باب: من قُتل له قتيل) إن قيل: القتيل الذي يقتل إنما هو الحيّ لئلا يكون تحصيل الحاصل؛ وكذا حديث: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ"، قيل: المراد: قتيلٌ بهذا القتل، لا بقتل سابق، ونحوه في علم الكلام تغلطه أن يقال:

إيجاد الموجود محال؛ لأنه إما أن يوجده في حال وجوده، فتحصيل الحاصل، أو حال عدمه، فجمع نقيضين؛ فيجاب: بأن المراد: إيجادُ الموجود بذلك الإيجاد، لا بإيجاد سابق، قيل: ونحو ذلك: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]. (فهو)؛ أي: ولي القتيل. (بخير النظرين)؛ أي: الدية، والقصاص. * * * 6880 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا حَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قتلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيل لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نهارٍ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ"، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو شَاهٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ"، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلَّا

الإذْخِرَ، فَإِنَّمَا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتنَا وَقُبُورِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَّا الإِذْخِرَ". وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ شَيْبَانَ فِي الْفِيلِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ: الْقَتْلَ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: "إِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ". الحديث الأول: (وقال عبد الله) وصله البيهقي. (بني ليث) بفتح اللام والمثلثة: قبيلة. (الفِيل) بكسر الفاء وبالياء. (يختلى): يجز. (يُعضد): يُقطع. (منشِد): مُعَرِّف؛ أي: لا تجوز لقطتها إلا للتعريف فقط. (أَبو شاه) هو معنى ما سبق في (العلم): (أبي فلان)، وهو بالهاء على المشهور. قال (ع): هو مصروف، وضبطه غيره معرفة ونكرة، وخَطَّأَ الحافظُ السِّلَفِيُّ من قال: أَبو شاة -بتاء-، وقال: هذا فارس من فرسان الفرس المرسلين من قبل كسرى إلى اليمن. (اكتب لي)؛ أي: هذه الخطبة. (رجل) هو العباس. (إلا الإذْخِر) استدل به لانفصال الاستثناء عن المستثنى منه،

وجواز تفويض الحكم إلى رأيه - صلى الله عليه وسلم -؛ بل على وقوعه. (تابعه عُبيد الله) بصيغة التصغير؛ أي: ابن موسى، وصله مسلم. (في الفِيل)؛ أي: في روايته بالفاء. (وقال بعضهم) هو الإمام محمد بن يحيى الذُّهْلي النيسابوري، فقد أخرجه الجَوْزَقِي من طريقه، وسبق الحديث، وجواب ما استشكل فيه في (العلم). (القتل)؛ أي: بالقاف والمثناة على هذه الرواية. * * * 6881 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ابْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قِصَاصٌ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَالْعَفْوُ: أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ، قَالَ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}: أَنْ يَطْلُبَ بِمَعْرُوفٍ وَيُؤَدِّيَ بِإِحْسَانٍ. الثاني: (ولم تكن فيهم الدية) قالوا: ولم يكن في دين عيسى -عليه الصلاة والسلام- القصاص، فكل واحد منهما واقع في الطرف، وهذا الدِّين الإسلامي هو الواقع وسطًا، وهكذا جميع الأحكام يُعلم ذلك

9 - باب من طلب دم امرئ بغير حق

من استقرائها، ففي العلميات: صفاتُه ليست إثباتًا بحيث يؤدي للتجسيم، ولا نفيًا بحيث يؤدي للتعطيل، وفي أفعال العباد: لا جبرَ، ولا قدَر، وفي أمور الآخرة: لا محضَ خوف، ولا محضَ رجاء؛ بل بينهما، وفي الإمامة: لا خروج ولا رفض، وفي الماليات: لا إسرافَ ولا تقتير، وفي العمليات: لا جهرَ ولا مخافتة، وفي البدنيات، وهلمَّ جَرًّا. قال (ك): وقد يستنبط منه: أنه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين؛ إذ الذي يفرض بعده إما أن يأمر بالإفراط، أو بالتفريط، وكلاهما منافٍ للتكميل. قلت: ما أسمجَ استدلالَه على المقطوعِ به المعلومِ من الدِّين بالضرورة بمثل هذا الاستدلال الذي قد يقول كافر: إن الذي بعده يأتي بمثله في التوسط. * * * 9 - باب مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ (باب: من طلب دم امرئ بغير حق) 6882 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

"أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ". (أبغض) هو بمعنى المفعول، أو المراد في نسبته إلى الله تعالى: إيصالُ المكروه. (الناس)؛ أي: المسلمين. (ملحِد) هو المائل عن الحق، العادلُ عن القصد؛ أي: الظالم. (الحرم) هو حَرَم مكة؛ فإن قيل: فاعلُ الصغيرة فيها مائلٌ عن الحق، فيكون أبغضَ من صاحب الكبيرة المفعولةِ في غيره؛ قيل: نعم، مقتضاه ذلك؛ بل مريدُها كذلك، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، ويحتمل أن يقال: هو خبر مبتدأ، فالجملة اسمية، فالمقصود: ثبوتُ الإلحاد ودوامُه، والتنوينُ للتكثير والتعظيم؛ أي: صاحبُ الإلحاد الكثير أو العظيم، أو معناه: الظلم في أرض الحرم بتغييرها عن وضعها، أو تبديل أحكامها ونحوِه. (سنة الجاهلين)؛ أي: طريق أهلها؛ كنياحةٍ ونحوِها، وهي، وإن كانت صغيرة؛ لكن المقصود: إرادة بقاء تلك القاعدة وإشاعتها، وتنفيذها، لا مجرد فعلها؛ لأن اسم الجنس يعم بالإضافة. (ومطلب)؛ أي: متكلف للطلب. (ليهريق) بفتح الهاء وسكونها، والإهراق، وإن كان هو المحظور؛

10 - باب العفو في الخطأ بعد الموت

لكن المراد: الطلبُ المترتب عليه المطلوب، لا مجرد الطلب. * * * 10 - باب الْعَفْوِ فِي الْخَطَأ بَعْدَ الْمَوْتِ (باب: العفو في الخطأ بعد الموت) 6883 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: صَرَخَ إِبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي النَّاسِ: يَا عِبَادَ اللهِ! أُخْرَاكُمْ! فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوا الْيَمَانَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ! أَبِي، أَبِي، فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللهُ لَكُمْ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ انْهَزَمَ مِنْهُمْ قَوْمٌ حَتَّى لَحِقُوا بِالطَّائِفِ. سبق الحديث فيه في (كتاب بدء الخلق) وغيره. قال (خ): وفيه أن المسلم إذا قتل صاحبه خطأ عند اشتباك الحرب لا شيء عليه، إلا إن قصده بالإهلاك. (منهم)؛ أي: من المشركينَ بالطائف. * * *

11 - باب قول الله تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما}

11 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (باب: قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلا خَطَأً} [النساء: 92]) لم يذكر فيه حديثًا. * * * 12 - باب إِذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ مَرَّةً قُتِلَ بِهِ (باب: إذا أقر بالقتل مرة) 6884 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ ابْنُ مَالِكٍ: أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ أَفُلاَنٌ؟ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ

13 - باب قتل الرجل بالمرأة

الْيَهُودِيُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ، وَقَدْ قَالَ هَمَّامٌ: بِحَجَرَيْنِ. (إسحاق) قال الغساني: لعله ابن منصور. (من فعل بكِ) قولُها، وإن لم يثبتْ به شيء؛ لكن سُئِلت ليُعْرف المتهم فيطالب، فإن أقرَّ، ثبت عليه الحقُّ. وفيه: القصاصُ في المثقَّل، ومراعاةُ المِثْل في القِصاص، وقتلُ الرجل بالمرأة. * * * 13 - باب قَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ (باب: قتل الرجل بالمرأة) 6885 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَتَلَ يَهُودِيًّا بِجَارِيَةٍ قَتَلَهَا عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا. فيه الحديثُ في الباب قبله. * * *

14 - باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات

14 - باب الْقِصَاصِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْجِرَاحَاتِ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ: تُقَادُ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فِي كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْجرَاحِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَأَبُو الزِّنَادِ، عَنْ أَصْحَابِهِ. وَجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ إِنْسَانًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْقِصَاصُ". (باب: القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات) قوله: (تقاد)، أي: يقتص، سواء في النفس ودونها. وقال الحنفية: لا قصاص بينهما فيما دون النفس. (وجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّع) رواه مسلم عن أنس: (أن أُخت الرُّبَيِّع أُمّ حارثة جرحت إنسانًا)، وأصلُه عند البخاري: (لطمت إنسانًا، أو كسرت ثَنِيَّةَ جارية)، ويشبه أن يكونا واقعتين. قال (ك): قيل: صوابُه حذف لفظ: (أُخت)، وهو الموافق لما في (سورة البقرة): (أن الرُّبَيِّع نفسَها كسرت ثنيةَ جارية)، إلا أن يقال: هذه امرأة أُخرى؛ لكنه لم ينقل عن أحد، ونقل (ش) عن أبي ذر: أنه قال: كذا وقع هنا، وإن الصواب الرُّبَيِّع بنتُ النَّضْر. (القصاص) بالنصب؛ أي: أَدُّوه والزموه، وهو محمول على ما إذا

15 - باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان

انضبطت الجراحة، وقيل: يجوز القصاص في الجرح مطلقًا بالتحري. * * * 6886 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَدَدْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: "لَا تَلُدُّونِي"، فَقُلْنَا: كَرَاهِيةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: "لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا لُدَّ، غَيْرَ الْعَبَّاسِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ". (لددنا) من اللدود، وهو ما يُصَبُّ بالمسعط من الدواء في أحد شِقَّي الفم. (إلَّا لُدَّ) بالبناء للمفعول؛ أي: قصاصًا ومكافأة. قال (ك): ويحتمل أن ذلك عقوبة لهم؛ لمخالفة نهيه؛ لكن قال (خ): فيه حجةٌ للقصاص بالتحري فيما لا يوقَف على حده؛ لتعذر ضبط اللدود، وسبق آخر (المغازي). * * * 15 - باب مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ أَوِ اقْتَصَّ دُونَ السُلْطَانِ (باب: من أخذ حقَّه، أو اقتصَّ دون السلطان) 6887 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ: أَنَّ

الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ". الحديث الأول: (نحن الآخِرون)؛ أي: المتأخرون في الدنيا، وسبق الحديث مرات، أولها آخر (الوضوء)، ووجه دخوله هنا: أن الراوي عن أبي هريرة سمع منه أحاديث، فذكرها على الترتيب الذي سمعه منه، أو كان أول صحيفته ذلك، فاستفتح بذكره. * * * 6888 - وَبِإِسْنَادِهِ: "لَوِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أَحَدٌ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ، خَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ". (وبإسناده)؛ أي: إسناد الحديث السابق. (فخذفته) بمعجمتين؛ أي: رميته بأصبعيك؛ كذا لأكثرهم، وعند أبي ذر بالمهملة. (جناح)؛ أي: إثم. * * * 6889 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيدٍ: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَدَّدَ إِلَيْهِ مِشْقَصًا، فَقُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ.

16 - باب إذا مات في الزحام أو قتل

الثاني: هو مرسل أولًا، مسند آخرًا. (أن رجلًا اطلع) تقدم أنه الحَكَمُ بنُ أبي العاص. (فسدد) بإهمال السين؛ أي: قومه، وفاعله النبي صلى الله عليه وسلم، هذا على رواية الأصيلي، وأبي ذرّ، وهو الصواب، وإنْ رواه الأكثر بالمعجمة. (مِشْقَصًا) بكسر الميم وبالقاف والمهملة: النصل العريض، أو السهم الذي فيه ذلك، وإنما طابق الحديث الترجمة، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم الإمام الأعظم، فآحادُ الناس ليس مثله؛ لأن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - عامة للأُمة، حتى يأتي دليل يخصه. * * * 16 - باب إِذَا مَاتَ فِي الزِّحَامِ أَوْ قُتِلَ (باب: إذا مات في الزحام، أو قُتل) 6890 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ: قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أُخْرَاكُمْ! فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ، فَإِذَا هُوَ بأبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أَبِي، أَبِي، قَالَتْ: فَوَاللهِ، مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، قَالَ

17 - باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له

حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللهُ لَكُمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ. (إسحاق) قال الغساني: إما ابنُ منصور، أو ابنُ نصر، أو ابنُ إبراهيمَ الحنظلي. (هزم) مبني للمفعول، وسبق الحديث في (الفضائل). قلت: وفي مطابقته للترجمة نظر! فإنهم تعمدوا قتله؛ لكن يظن أنه من المشركين. * * * 17 - باب إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلَا دِيَةَ لَهُ (باب: إذا قتل نفسه خطأً، فلا دية له) قال الإسماعيلي: ليس في الحديث الذي أورده عن مكي -وهو قتل عامر- مطابقةٌ لترجمة قتل نفسه؛ نعم، في (الدعوات) في (باب من خص أخاه بالدعاء): أن عامرًا أُصيب بقائمة سيف نفسه، فقطع أكحله، فمات؛ لأن سيفه كان قصيرًا، فرجع إلى ركبته من ضربته؛ أي: فكان المناسبة إيراده هنا، والحديثُ من ثلاثيات البخاري. قال (ك): ووجهُ مطابقته للترجمة: أنه لم يحكم بالدية لورثته على عاقلته، ولا على بيت المال؛ لكن الظاهر: أنّ: فلا دية له في

الترجمة لا وجَه له، وإنما يناسب الترجمةَ السابقة؛ أي: إنه إذا مات في الزحام، فلا دية على المزاحمين؛ لظهور أن قاتلَ نفسِه لا ديةَ له، ولعلَّه من تصرفات النقلَة عن نسخة الأصل. وقالت الظاهرية: ديتُه على عاقلته، فربما أراد البخاري التعريضَ بردِّه. * * * 6891 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَسْمِعْنَا، يَا عَامِرُ! مِنْ هُنَيْهَاتِكَ، فَحَدَا بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ السَّائِقُ؟ " قَالُوا: عَامِرٌ، فَقَالَ: "رَحِمَهُ اللهُ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلَّا أَمْتَعْتَنَا بِهِ، فَأُصِيبَ صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: حَبِطَ عَمَلُهُ، قتلَ نَفْسَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَجئْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا نبَيَّ اللهِ! فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَقَالَ: "كَذَبَ مَنْ قَالهَا، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، وَأَيُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ". (خَيْبَر) قرية لليهود على أربع مراحل من المدينة من ناحية الشام. (فقال رجل منهم) هو عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

18 - باب إذا عض رجلا فوقعت ثناياه

(يزيد عليه)؛ أي: يزيد الأجر على أجره، وسبق الحديث في (المغازي). * * * 18 - باب إِذَا عَضَّ رَجُلًا فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ (باب: إذا عَضَّ رجلًا، فوقعت ثناياه) 6892 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى، عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ: أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَال: "يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لَا دِيَةَ لَكَ". الحديث الأول: (أن رجلًا عَضَّ يدَ رجل) العاضُّ: يعلى بنُ أُمية، والمعضوض: أجيره، وهو مصرَّح به عند النسائي من رواية يعلى نفسه؛ بخلاف ما قاله (ن) في "شرح مسلم". (ثنيتاه) الثنايا: هي الأضراس التي في مقدَّم الفم. (الفَحْل): الذكَر من الحيوان. * * *

19 - باب السن بالسن

6893 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ فِي غزْوَةٍ، فَعَضَّ رَجُلٌ، فَانتزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَبْطَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (ثَنِيَّتَهُ) هنا بالإفراد، وفيما سبق بالتثنية؛ إما لأن القليل لا ينافي الكثير، أو المراد: الجنس. (فأبطلها)؛ أي: حَكَمَ بأنه لا ضمانَ. * * * 19 - باب السِّنِّ بِالسِّنِّ (باب: السِّنِّ بِالسِّنِّ) 6894 - حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ ابْنَةَ النَّضْرِ لَطَمَتْ جَارِيَةً، فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا، فَأتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ. (فكسرت) الكسرُ وإن لم ينضبط غالبًا، وشرطُ القصاص الضبط؛ لكن هذا محمول على أنه انضبط، وقد جوز كثيرٌ الضبطَ بالتحري. قال مالك: جميعُ العظام فيها القَوَد عند الكسر، وقال أبو حنيفة: لا قصاصَ في عظم إلا السِّنَّ.

20 - باب دية الأصابع

قال ابن حزم: ورد في الرُّبيِّع حديثان مختلفان: أحدهما: جراحةٌ جرَحَتْها، والثاني: ثنيَّةٌ كَسَرَتْها. قلت: قد يجاب عن هذا الاختلاف: بأن الأمرين وقعا؛ والحديثُ من ثلاثيات البخاري. * * * 20 - باب دِيَةِ الأَصَابِع (باب: دية الأصابع) 6895 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ"، يَعْنِي: الْخِنْصَرَ وَالإبْهَامَ. الحديث الأول: (سواء)؛ أي: في الدية. * * * 6895 / -م - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبة، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: نَحْوَهُ.

21 - باب إذا أصاب قوم من رجل، هل يعاقب أو يقتص منهم كلهم؟

الثاني: نزل في طريقه البخاريُّ عن طريق الذي قبله بدرجة، كأنه لينصَّ على سماع ابن عباس - رضي الله عنهما - من النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال (خ): هذا أصل في كل جناية لا تُضبط، فإنه إذا لم يكن اعتباره من طريق المعنى، يعتبر من طريق الاسم؛ كالأصابع، والأسنان؛ إذ معلوم أن للإبهام من القوة، والمنفعة، والجمال ما ليس للخنصر، وديتُهما سواء نظرًا إلى الاسم فقط. * * * 21 - باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ مِنْ رَجُلٍ، هَلْ يُعَاقِبُ أَوْ يَقْتَصُّ مِنْهُمْ كلِّهِمْ؟ وَقَالَ مُطَرِّفٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ عَلِيٌّ، ثُمَّ جَاآ بِآخَرَ وَقَالاَ أَخْطَأْنَا: فَأَبْطَلَ شَهَادَتَهُمَا وَأُخِذَا بِدِيَةِ الأَوَّلِ، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا. (باب: إذا أصاب قوم من رجل)؛ أي: فجعوه. (يُعَاقَب) بالبناء للمفعول. (كلهم) تنازعه فعلان، وفائدةُ الجمع بين المعاقبة والاقتصاص، وهما واحد: أن القصاص يستعمل في الدم، والمعاقبة: المكافأة والمجازاة، فيتناول مثل مجازاة اللّدّ ونحوه، فلعل غرضه التعميم،

ولهذا فسرنا الإصابة بالتفجيع؛ ليتناول الكل، وإنما خص الاقتصاص بالذكر ردًّا لمثل ما نقل عن ابن سيرين في رجل يقتله رجلان: يُقتل أحدُهما، وتؤخَذُ الديةُ من الآخر، وعن الشّعْبِي: يدفعان إلى وليّه، فيقتل من شاء منهما، أو منهم إن كثروا، أو يعفو، وعن الظاهرية: لا بل الديةُ. (جاءا) بلفظ التثنية. (بآخر)؛ أي: برجل آخر. (أخطأنا)؛ أي: أن هذا هو السارق، لا ذاك. (فأبطل شهادتهما)؛ أي: باعترافهما أولًا، وفي الثاني صاروا متهمين. (بدية الأول)؛ أي: بدية يدِ الرجل الأول. * * * 6896 - وَقَالَ لِي ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ غُلاَمًا قُتِلَ غِيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: لَوِ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ، وَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمِ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ أَرْبَعَةً قَتَلُوا صَبِيًّا، فَقَالَ عُمَرُ: مِثْلَهُ. وَأَقَادَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلِيٌّ، وَسُويدُ بْنُ مُقَرِّنٍ مِنْ لَطْمَةٍ، وَأَقَادَ عُمَرُ مِنْ ضَرْبَةٍ بِالدِّرَّةِ، وَأَقَادَ عَلِيٌّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَسْوَاطٍ، وَاقْتَصَّ شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ وَخُمُوشٍ.

(غلامًا) اسمه: أصيل، رواه البيهقي. (غيلة)؛ أي: غفلة وخديعة. (صنعاء) بالمد: بلد باليمن، وذلك الغلام قُتل بها، وقَتَل عُمر - رضي الله عنه - بقصاصه سبعة نفر، وقال: (لو اشترك)، وفي بعض الروايات: (لو تمالأ). (مثله)؛ أي: مثل لو اشترك. (بالدِّرة) بالكسر: التي يضرب بها. (وأقادَ عليٌّ)؛ أي: حين جاءه رجل، فسارَّهُ، فقال: عليّ يا قَنْبَر -أي: بفتح القاف والموحدة وسكون النون بينهما وبالراء-: أخرجْه فاجلدْه، ثم جاء المجلود، فقال: إنه زاد ثلاثة أسواط، فقال عليّ: ما تقول؟ قال: صدق يا أمير المؤمنين، قال: خذ السوط واجلده ثلاثة؛ وللعلماء فيما لا يُضبط من لطمةٍ ونحوِها خلافٌ سبق. وحديثُ اللَّدِّ ليس صريحًا في أنه قصاص؛ لجواز أنه عقوبة على مخالفته؛ نعم، هذه الأمور قيل: لا تناسب الترجمة، وقد يجاب: بأنه إذا أخذ القود في مثل هذه المحقِّرات، فكيف لا يقتص من الجمع في الأمور العظام؛ كالقتل والقطع. * * * 6897 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَا

22 - باب القسامة

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ، وَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: "لَا تَلُدُّونِي"، قَالَ: فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ بِالدَّوَاءِ، فَلَمَّا أفاقَ قَالَ: "أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي؟ " قَالَ: قُلْنَا: كَرَاهِيَةٌ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ، وَأَنَا أَنْظُرُ، إِلَّا الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ". (وأنا أنظر) جملة حالية، وسبق حديث اللدود في (كتاب الطب). * * * 22 - باب الْقَسَامَةِ وَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ"، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: لَمْ يُقِدْ بِهَا مُعَاوِيَةُ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ، وَكَانَ أَمَّرَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ عِنْدَ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ السَّمَّانِينَ: إِنْ وَجَدَ أَصْحَابُهُ بَيِّنَةً، وَإِلَّا فَلَا تَظْلِم النَّاسَ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُقْضَى فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (باب: القسامة) مشتقة من القَسَم؛ أي: الحَلِف؛ لأنها حلف، وقيل: من القِسْمة؛ لقَسْم الأيمان على الورثة، واليمين فيها في جانب المدَّعي؛

لأن الظاهر هنا بسبب اللوث المقتضي لظن صدقه، وفي غير ذلك الظاهر مع المدعى عليه، فلذلك خرج هذا عن الأصل، وإنما كانت خمسين؛ لعظم أمر الدم، ثم قال الشافعي وأبو حنيفة - رضي الله عنه -: موجبُها الدية؛ لعدم العلم بشرط القصاص، وقال مالكٌ وأحمدُ: موجبُها القصاص، وأنكر البخاريُّ حكمَها بالكلية، وكذا طائفةٌ أُخرى؛ كأبي قِلابة ونحوه، قالوا: لا حكمَ لها، ولا عملَ بها. (وقال الأشعث) موصول في (كتاب الأحكام)، وقال (ك): في (كتاب الشرب). (البصرة) مثلث الأول. (السَّمَّانِينَ) بيَّاعي السمن. * * * 6898 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ: زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ فتفَرَّقُوا فِيهَا، وَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا، وَقَالُوا لِلَّذِي وُجِدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا؟ قَالُوا: مَا قتلْنَا وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَانْطَلَقُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! انْطَلَقْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْناَ أَحَدَنَا قَتِيلًا، فَقَالَ: "الْكُبْرَ الْكُبْرَ"، فَقَالَ لَهُمْ: "تأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؟ " قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: "فَيَحْلِفُونَ"، قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ،

فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ. الحديث الأول: (للذي وجد فيهم) هو نحو: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]، وفي بعضها: (الذين)، بلفظ الجمع. (الكُبْرَ الكُبْر) بضم الكاف: مصدر، أو جمع أكبر، أو مفرد بمعنى الأكبر، يقال: كُبرُهُمْ بمعنى: أكبرهم، وفي بعضها بكسر الكاف وفتح الموحدة؛ أي: كبر السن، ونصبه بمقدر؛ أي: قَدِّموا؛ إشارة إلى الأدب في تقديم الأسنِّ، والدعوى وإن كانت للوارث -وهو أخو المقتول عبد الرحمن، لا لحُوَيِّصَة ومُحَيِّصَة، وهما ابنا عمه- لكن المراد: يتكلم في تفهيم القضية الأكبرُ، وعند الدعوى يدعي المستحق، أو المعنى: ليكن الكبيرُ وكيلًا له. (يُبْطِل) في بعضها: (يُطَلّ)؛ أي: يُهْدَر. قال المهلب: في حديث سعيد بن عبيد أوهام حيث قال: يأتون بالبينة على من قتله؛ لأنه لم يتابع عليه الأئمة الأثبات. (من إبل الصدقة) وإنما جاز ذلك؛ لأنه من المصالح العامة، وجوز بعضُهم صرفَ الزكاة إليها، والأكثرون على أنه اشتراها من أهلها، ثم دفعها إليهم، قالوا: بدأ بالمدعين، فلما نكلوا، ردها على المدَّعَى عليهم، فلما لم يرضوا بأيمانهم عقله من عنده إصلاحًا وجبرًا لخاطرهم، ومر الحديث في (الجزية)، و (الأدب)، وغيرهما.

قال بعضهم: لا يعلم في شيء من الأحكام من الاضطراب ما في هذه القصة؛ فإن الآثار فيها متضادة، مع أنها واحدة. * * * 6899 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ أَبِي قِلاَبَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ: أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ قَالَ: نَقُولُ: الْقَسَامَةُ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ، وَقَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ، قَالَ لِي: مَا تَقُولُ -يَا أَبَا قِلاَبَةَ! - وَنَصَبَنِي لِلنَّاسِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! عِنْدَكَ رُؤُسُ الأَجْنَادِ وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَدْ زَنَى، لَمْ يَرَوْهُ، أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحِمْصَ أَنَّهُ سَرَقَ، كُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَوَاللهِ مَا قتلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحدًا قَطُّ، إلا فِي إِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ: رَجُلٌ قتلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ، أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَارْتَدَّ عَنِ الإسْلاَمِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: أَوَلَيْسَ قَدْ حَدَّثَ أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي السَّرَقِ، وَسَمَرَ الأَعْيُنَ، ثُمَّ نبًذَهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَقُلْتُ: أَنَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَ أَنسٍ،

حَدَّثَنِي أَنسٌ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعُوهُ عَلَى الإسْلاَمِ، فَاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ، فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَفَلاَ تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إِبِلِهِ، فَتُصِيبُونَ مِنْ ألْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا؟ " قَالُوا: بَلَى، فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ ألْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُدْرِكُوا، فَجيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا، قُلْتُ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ؟ ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ، وَقتلُوا، وَسَرَقُوا، فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: وَاللهِ إِنْ سَمِعْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، فَقُلْتُ: أَتَرُدُّ عَلَيَّ حَدِيثِي يَا عَنْبَسَةُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ جِئْتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ، وَاللهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْجُنْدُ بِخَيْرٍ مَا عَاشَ هَذَا الشَّيْخُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ فِي هَذَا سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فتحَدَّثُوا عِنْدَهُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقُتِلَ، فَخَرَجُوا بَعْدَهُ، فَإِذَا هُمْ بِصَاحِبِهِمْ يتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! صَاحِبُنَا كَانَ تَحَدَّثَ مَعَنَا، فَخَرَجَ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "بِمَنْ تَظُنُّونَ أَوْ تَرَوْنَ قتلَهُ؟ " قَالُوا: نَرَى أَنَّ الْيَهُودَ قتلَتْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِ فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ: "آنْتُمْ قَتَلْتُمْ هَذَا؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ: "أَتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنَ الْيَهُودِ

مَا قتلُوه؟ " فَقَالُوا: مَا يُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُوناَ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ يَنْتَفِلُونَ. قَالَ: "أَفتسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ؟ " قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ، فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَتْ هُذيْلٌ خَلَعُوا خَلِيعًا لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَطَرَقَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْيَمَنِ بِالْبَطْحَاءِ، فَانْتَبَهَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَتْ هُذَيْلٌ، فَأَخَذُوا الْيَمَانِيَ فَرَفَعُوهُ إِلَى عُمَرَ بِالْمَوْسِمِ، وَقَالُوا: قَتَلَ صَاحِبَنَا، فَقَالَ: إِنَّهُمْ قَدْ خَلَعُوهُ، فَقَالَ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ: مَا خَلَعُوهُ، قَالَ: فَأَقْسَمَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنَ الشَّأْمِ، فَسَأَلْوهُ أَنْ يُقْسِمَ، فَافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ رَجُلًا آخَرَ، فَدَفَعَهُ إِلَى أَخِي الْمَقْتُولِ، فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ، قَالُوا: فَانْطَلَقَا وَالْخَمْسُونَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِنَخْلَةَ، أَخَذَتْهُمُ السَّمَاءُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَانْهَجم الْغَارُ عَلَى الْخَمْسِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا فَمَاتُوا جَمِيعًا، وَأَفْلَتَ الْقَرِينَانِ، وَاتَّبَعَهُمَا حَجَرٌ فَكَسَرَ رِجْلَ أَخِي الْمَقْتُولِ، فَعَاشَ حَوْلًا ثُمَّ مَاتَ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَقَادَ رَجُلًا بِالْقَسَامَةِ، ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ مَا صَنَعَ، فَأَمَرَ بِالْخَمْسِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا فَمُحُوا مِنَ الدِّيوَانِ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّأْمِ. الثاني: (ونصبني)، أي: أجلسني خلف سريره للإفتاء، ولإسماع العلم.

(بِدِمَشْق) بكسر المهملة وفتح الميم وتسكين المعجمة. (بِحِمْص) بالكسر وسكون الميم. (رَجُل قُتِلَ) بالبناء للمفعول. (بِجَرِيرَة) بفتح الجيم: الذنب والجنابة؛ أي: متلبسًا بما يجر إلى نفسه ذلك، أي: قتل ظلمًا. (فقُتل) قصاصًا، وهو بالبناء للمفعول، ويحتمل أن يكون بالبناء للفاعل؛ أي: فقتله رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن قيل: هذا حجة على أبي قِلابة، لا له؛ لأنه إذا أثبت القسامة، يقتل قصاصًا أيضًا، قيل: قد يجيب بأنه بعد ثبوتها لا يستلزم القصاص؛ لانتفاء الشرط. (أوليس) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدّر لائق بالمقام. (السَّرَق) بفتح السين والراء، جمع سارق، أو مصدر، أو بكسر الراء؛ بمعنى: السرقة. (وَسَمَّر) بالتشديد والتخفيف: كحل بالمسامير. (ثمانية) بدل من (نفر). (فاسْتَوْخَمُوا)، أي: لم توافقهم، وكرهوها، شربُ الأبوال جائزٌ للتداوي، وتقدم أن اسم الراعي: يَسار النوبي، وفي "النسائي": (أنهم سمروا عينه).

قال ابن عبد البر: غرزوا الشوك في لسانه وعينه، حتى مات، وسبق الحديث كثيرًا. (يا عَنْبَسَة) بفتح المهملة والموحدة وسكون النون بينهما وبالمهملة؛ أي: سعيد بن العاص. (هذا الشيخ)، أي: أبو قِلابة. (وقد كان) هو قول أبي قِلابة. (في هذا)، أي: في مثله. (سُنَّةً)، وهي أنه لم يحلف المدعي للدم أولًا؛ بل حلف المدعى عليه أولًا. (يتشحَّط) بالمعجمة والمهملتين: يتخَبَّط ويضطرب. (تُرون) بالضم: تظنون، والشك من الراوي. (نَفَل خمسين)، أي: أيمان خمسين، وهو بسكون الفاء وفتحها: الحلف، وأصله النفي، ويسمى اليمين في القسامة نفلًا؛ لأن القصاص ينفى بها؛ قاله (ع). (ثم يَنْفِلُونَ)، أي: يحلفون. (أيمان خمسين) بالإضافة، أو الوصف. (هُذَيْل) قبيلة. (خَلِيعًا) هو الرجل يقول له قومه: ما لنا منك ولا علينا، وبالعكس، كانت العرب يتعاهدون على النصرة، وأن يؤخذ كل

منهم بالآخر، فإذا أرادوا أن يتبرؤوا من الذي حالفوه، أظهروا ذلك للناس، وسموا ذلك الفعل: خَلْعًا، والمتبرّأ منه: خَلِيعًا؛ أي: مخلوعًا، فلا يؤخَذون بجنايته، ولا يؤخَذ بجنايتهم، فكأنهم قد خلعوا اليمين التي كانوا قد لبسوها معه؛ فسموه خَلِيعًا؛ مجازًا واتساعًا. (اليماني) بتخفيف الياء. (فدُفِعوا) مبني للمفعول، وفي بعضها: (فدفعه)؛ أي: عُمر. (والخمسون) أطلقها على التسعة والأربعين مجازًا من إطلاق الكل على البعض، أو المراد: خمسون تقريبًا أو تغليبًا. (بنخلة) بنون ومعجمة غير منصرف: اسم موضع. (السماء) المطر. (فانهجم)؛ أي: سقط. (وأفلت)؛ أي: تخلَّص، وفي معناه: تفلَّت وانفلَت. (القرينان) هما: أخو المقتول، والرجل الذي جعلوه عوضَ الرجل الشامي، وسبق مثل هذا في (كتاب الفضائل)، في (باب القسامة في الجاهلية)، وقال هناك: (وما حال الحول وفي الثمانية والأربعين عينٌ تطرِف) وغرضهُ من هذه القصة: أن الحلف توجه أولًا على المدعى عليه، لا على المدعي؛ كقصة النفر من الأنصار. (الديوان) بفتح الدال وكسرها: مجتمع الصحف.

23 - باب من اطلع في بيت قوم ففقؤا عينه فلا دية له

قال القابسي: عجبًا لعُمر كيف أبطل حكمَ القسامة الثابتَ بحكمِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعملِ الخلفاء الراشدين بقولِ أبي قِلابة، وهو من بُلْهِ التابعين، وسمع منهُ في ذلك قولًا مرسلًا غيرَ مسند، مع أنه انقلبت عليه قصة الأنصاري إلى قصة خيبر، فركّب إحداهما مع الأُخرى؛ لقلة حفظه، وكذا سمع حكايةً مرسلة، مع أنها لا تعلُّقَ لها بالقَسامة؛ إذ الخلعُ ليس قسامةً؛ وكذا محو عبد الملك لا حجة فيه. * * * 23 - باب مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ فَفَقَؤا عَيْنَهُ فَلَا دِيَةَ لَهُ (باب: من اطَّلَع في بيت قوم، ففقؤوا عينه، فلا ديةَ له) 6900 - حَدَّثَنَا أَبُو اليمان، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ وَجَعَلَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعُنَهُ. الحديث الأول: (جُحْر) بضم الجيم بعدها مهملة؛ أي: ثقب. (حُجَر النبي - صلى الله عليه وسلم -) بضم المهملة، وفتح الجيم: جمع حُجرة. (يختِلُه) بالمعجمة؛ أي: يستغفله، ويأتيه من حيث لا يراه.

(لِيَطْعُنَهُ) بالضم، والفتح. * * * 6901 - حَدَّثَنَا قُتُيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جحْرٍ فِي باب رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ أَعْلَمُ أَنْ تَنْتَظِرَنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنَيْكَ"، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا جُعِلَ الإذْنُ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ". الثاني: (مِدْرًى) بكسر الميم وإسكان الدال المهملة، وبالراء، مقصورًا منونًا: حديدة يسوَّى بها شعرُ الرأس، وقيل: هو شبيهٌ بالمشط. (تنتظرني)، أي: تنظرني؛ يعني: ما طعنت؛ لأني كنت مترددًا في نظرك، وبين وقوفك غيرَ ناظر. * * * 6902 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ".

24 - باب العاقلة

الثالث: (فحذفته) بمعجتمين سبق في (كتاب بدء السلام)، وغيره. * * * 24 - باب الْعَاقِلَةِ (باب: العاقلة) 6903 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: سَألتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه -: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاس؟ فَقَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ، وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. (وَبَرَأ)، أي: خلق. (إلا فَهْمًا) بسكون الهاء والفتح، والاستثناء منقطع؛ أي: لكن الفهم عندنا، أو حرف العطف مقدر، وسبق في (باب كتابة العلم) بلفظ: (إلا كتاب الله، أو فهم أُعطيه رجلٌ مسلم). قال (خ): الفَهْم: هو ما يُفهم من فحوى كلامه، ويستدرك من

باطن معانيه التي هي غير الظاهر من نصه، ويدخل فيه جميعُ وجوه القياس. (كتابه)، أي: كتاب الله تعالى. (العقل)، أي: أحكام الدية التي تتحملها العاقلة، وكل ما يتحمله من ذلك، وإن لم يكن في القرآن؛ بل فيه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، إلا أنه قصد به المعونةَ والمصلحةَ؛ إذ لو غرم المخطئ، والخطأ يقع كثيرًا، للزم استئصال أمواله، ولو ترك الدم بلا عوض لهدر، والدمُ لا يُهدر، فأُمروا بالتعاون، ولم يكلَّفوا إلا بقدرٍ لا يُجحِف بهم، وهو نصفُ، أو ربعُ دينار، وأيضًا: فهم يرثونه، فعليهم الغُرْمُ كما لهم الغُنْمُ. (وفكاك) بفتح الفاء وكسرها، فإن فيه معونةً كالعقل؛ فإنه إنقاذ نفسٍ مشرفةٍ على الهلاك، وسبق في (باب حرم المدينة): أن فيها أيضًا: "المَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا ... إلى آخره"، ولا منافاة. (وأن لا يُقتل)، أي: وظاهر القرآن في قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، وإن كان عامًّا في قتل المسلم بالكافر؛ لكن خص بالسنة، فلذلك قال في هذه الخلال الثلاث: إنها خارجة عن القرآن؛ أي: عن ظاهره، وإن كانت في الحقيقة داخلةً فيه، وعلى وَفْق حكمِه ومعناه. * * *

25 - باب جنين المرأة

25 - باب جَنِينِ الْمَرْأَةِ (باب: جنين المرأة) 6904 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. الحديث الأول: (أن امرأتين) سبق أنهما: أم عفيف (¬1)، ومُلَيْكَةُ. (بغرة عبد) بالإضافة، أو بالإتباع. * * * 6905 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْغُرَّةِ، عَبْدٍ أَوْ ¬

_ (¬1) في الأصل: "غطيف"، والمثبت من "فتح الباري" (12/ 248)، "وعمدة القاري" (23/ 243).

أَمَةٍ، فشهد محمد بن مسلمة أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى به. الثاني: (إمْلاص) بالمهملة: هو إلقاء الولد ميتًا، وهو في اللغة: الإزلاق. * * * 6906 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنْ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ: مَنْ سَمِعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي السِّقْطِ؟ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ، قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ، عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. 6907 - قَالَ: ائْتِ مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ عَلَى هَذَا. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنا أشَهِدُ على النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ هَذَا. الثالث: (نَشَدَ)؛ أي: استحلف. (السقط) بتثليث السين المهملة: ما سقط من الأجنة، وإنما طلب من يشهد، مع أن خبر الواحد كافٍ في الحجة؛ للتثبت والتأكيد، ومع ذلك لم يخرج عن خبر الآحاد. * * * 6908 / -م - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ

26 - باب جنين المرأة، وأن العقل على الوالد وعصبة الوالد لا على الولد

شُعْبة يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ: مِثْلَهُ. الرابع: (محمد بن عبد الله) يقال: هو الذُّهْلِي -بضم المعجمة وسكون الهاء-. * * * 26 - باب جَنِينِ الْمَرْأَة، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى الْوَالِدِ وَعَصَبَةِ الْوَالِدِ لَا عَلَى الْوَلَدِ (باب: جنين المرأة، وأن العقل على الوالد وعَصَبَة الوالد) المشهور: أن الأب يتحمل العقل كما لا يتحمله الولد. 6909 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ بِغُرَّةٍ، عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. الحديث الأول: (لِحْيان) بكسر اللام: بطن من هُذَيْل، فلا ينافي حينئذ رواية:

(من هُذَيْل). (عَصَبَتها)؛ أي: عصبة المقضي عليها. * * * 6910 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، قَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ، عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. الثاني: (دية المرأة)؛ أي: المقتولة. (على عاقلتها)؛ أي: عاقلة القاتلة؛ أي: وهي المقضيُّ عليها بالغُرَّة التي ماتت حتف أنفها، وسبق الحديث في (كتاب الطب)، ودلالةُ الحديث الأول على الترجمة ظاهرة؛ لأنه قال: (ميراثها لبنيها، والعقل على عَصَبَتها)، فعُلم منه أن العقل ليس على الولد بحكم المقابلة، وأما الحديث الثاني، فدل على أكثرها. * * *

27 - باب من استعان عبدا أو صبيا

27 - باب مَنِ اسْتَعَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا وَيُذْكَرُ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ بَعَثَتْ إِلَى مُعَلِّم الْكُتَّابِ: ابْعَثْ إِلَيَّ غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ صُوفًا، وَلَا تَبْعَثْ إِلَيَّ حُرًّا. (باب: من استعان عبدًا أو صبيًّا) قال (ك): في بعضها: (استعار) بالراء مكان النون. (ولا تبعث إليّ حرًّا) لعل غرضها بذلك التزامُ الخير، وإيصال العوض؛ لأنه على تقدير هلاكه في ذلك العمل لا تضمنه؛ بخلاف العبد؛ فإن الضمان عليها لو هلك به. * * * 6911 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَر، فَوَاللهِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟ (فواللهِ! ما قال لي) إلى آخره، فيه: حسنُ خلقه - صلى الله عليه وسلم -؛ قال

28 - باب المعدن جبار والبئر جبار

تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ووجه دلالة الحديث على الترجمة: أن الخدمة مستلزمة للاستعانة، أو اعتمد على ما في سائر الروايات؛ فإن فيها: الْتَمِسْ لي غلامًا يخدمني؛ أما تعلق الباب بالكتاب؛ فلأن العبد إذا هلك في الاستعمال، تجب الدية، واختلف في دية الصبي. * * * 28 - باب الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ (باب: المَعْدِن جُبَار) بالضم وخفة الموحدة؛ أي: هدرٌ لا ديةَ فيه ولا قَوَدَ. 6912 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ". (العجماء): البهيمة؛ أي: ليس على صاحبها بسبب جرحها؛ أي: إتلافها، وإن لم يكن جرحًا، ضمانٌ، وفيه تفاصيلُ في الفقه. (والبئر) يحتمل أنها حيث جاز حفرُها، وسقط فيها أحدٌ، أو

29 - باب العجماء جبار

استأجر رجلًا على أن يحفر بئرًا، فانهدمت عليه؛ وكذا المَعْدِن فيه الاحتمالات. (الرِّكَاز) هو دفين الجاهلية، وسبق في (الزكاة). * * * 29 - باب الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا لَا يُضَمِّنُونَ مِنَ النَّفْحَةِ، وَيُضَمِّنُونَ مِنْ رَدِّ الْعِنَانِ. وَقَالَ حَمَّادٌ: لَا تُضْمَنُ النَّفْحَةُ إِلَّا أَنْ يَنْخُسَ إِنْسَانٌ الدَّابَّةَ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا تُضْمَنُ مَا عَاقَبَتْ أَنْ يَضْرِبَهَا فتُضْرِبَ بِرِجْلِهَا. وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ: إِذَا سَاقَ الْمُكَارِي حِمَارًا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فتخِرُّ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا سَاقَ دَابَّةً فَأَتْعَبَهَا فَهْوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ، وَإنْ كَانَ خَلْفَهَا مُتَرَسِّلًا لَمْ يَضْمَنْ. (باب: العَجْمَاء جُبَار) سبق أن المراد: إتلافُها. (النفحَة) بالمهملة؛ أي: الضرب بالرِّجْل؛ أي: رَفْسُها، والفرق

بينها وبين الردِّ بالعِنان: أنه لا يمكنه التحفُّظُ من النفح. (يَنْخُسَ) بضم المعجمة على الأفصح، وفتحها وكسرها: من النخس، وهو غرز مؤخر الدابة أو جنبها بعود ونحوه. (شُرَيْح) بضم المعجمة وبالراء وآخره مهملة: هو القاضي. (عاقبت) بلفظ الغيبة؛ أي: لا يضمن ما كان على سبيل المكافأة منها. (أن يضربها) إلى آخره: هو كالتفسير للمعاقبة، وهو إما مجرور بجارٍّ مقدَّر؛ أي: بأن يضربها، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وهو أن يضربها. (فأتعبها) من الإتعاب، وفي بعضها من الاتِّباع. (خلفها)؛ أي: ورائها، وفي بعضها: (خَلَّفها): فعل ماض من التفعيل. (مترسلًا)؛ أي: متسهلًا في السير، لا يسوقها ولا يُتعبها. * * * 6913 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعَجْمَاءُ عَقْلُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ". (عقلها)؛ أي: ديتها، وإنما أسند الجبار للدية؛ لاستلزام هدرِ

30 - باب إثم من قتل ذميا بغير جرم

الجرحِ هدرَ الدية. * * * 30 - باب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْم (باب: إثمُ مَنْ قتلَ ذمِّيًّا بغير جُرْم) 6914 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قتلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا". (معاهدة) صفة لنفس، وفي بعضها: (معاهدًا)؛ باعتبار الشخص، وهو بفتح الهاء وكسرها. (لم يَرَح) بفتح الراء وكسرها؛ أي: لم يجد رائحة الجنة، ولم يشمّها، والمؤمنُ وإن لم يُخَلّد في النار؛ لكن المعنى هنا: أنه لا يجدها أولَ ما يجدُها سائرُ المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر، أو الوعيدُ للتغليظ. (أربعين عامًا) الجمعُ بين هذا وبين ما في حديث: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ" من قدر سبعين عامًا، وحديث "الموطأ" في الكاسيات العاريات من خمس مئة عام؛ كما قال (ط): أنه يحتمل أن الأربعين

31 - باب لا يقتل المسلم بالكافر

أشد العمر، فإذا بلغها، زاد عقله ودينه، فكأنه وجد ريح الجنة على الطاعة، والسبعون فيها زيادةُ الطاعة، وأعلى منزلة من الأربعين في الاستبصار، والخمسُ مئة فترةُ ما بين نبي ونبي؛ فمن جاء في آخر الفترة، واهتدى باتباع النبي الذي كان قبل الفترة، وجد ريحها من خمس مئة عام. قال (ك): ويحتمل أن لا يكون العددُ بخصوصه مقصودًا؛ بل المبالغة والتكثير، ولهذا خصص بهذين العددين؛ إذ الأربع مشتمل على جميع أنواع العدد فيه الآحاد، وآحاده عشرة، والمئة عشرات، والألف مئات، والسبع عدد فوق العدد الكامل، وهو ستة؛ إذ أجزاؤه بقدره، وهي النصف والثلث والسدس، لا زائد ولا ناقص، والخمس مئة بُعْدُ ما بين السماء والأرض. ووجهُ دلالة الحديث على الترجمة: أن الذمي أيضًا معاهد؛ فالمعاهد أعمُّ، وقال (ك): إن الذمي أعم، وفيه نظر!. * * * 31 - باب لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ (باب: لا يُقتل المسلم بكافر) 6915 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ:

32 - باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب، رواه أبو هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ. وَحَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه -: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَة، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. سبق شرح الحديث فيه آنفًا، وهو حجة على الحنفية في قولهم: يُقتل المسلم بالذمي. * * * 32 - باب إِذَا لَطَمَ الْمُسْلِمُ يَهُودِيًّا عِنْدَ الْغَضَبِ، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب: إذا لطم المسلمُ يهوديًّا عند الغضب) قوله: (رواه أبو هريرة) موصول في (فضائل الأنبياء) في (قصة موسى - عليه السلام -). 6916 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى،

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ". الحديث الأول: (لا تخيروا) سبق أن قوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك -وإن كان أفضلَهم، وأفضلَ الخلق- إما تواضعًا، أو كان قبل علمه بأنه أفضل - صلى الله عليه وسلم -، أو المراد: لا تخيروا بحيث يلزم نقص على الآخر، أو بحيث يؤدي إلى الخصومة، ووجهُ دلالته على الترجمة: أن تتمته ما في الحديث. * * * 6917 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ فِي وَجْهِي، قَالَ: "ادْعُوهُ"، فَدَعَوْهُ، قَالَ: "لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي مَرَرْتُ بِالْيَهُودِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، قَالَ: قُلْتُ: وَعَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ، قَالَ: "لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ؟ "

الثاني: (جُوزِيَ) في بعضها: (جُزي)، من جزى الشيء: إذا كفى. (بصعقة)، أي: التي في قوله تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]، والجمع بين هذا وبين ما سبق في (كتاب الخصومات): "لَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى الله"؛ أي: في قوله: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]: أن المستثنى قد يكون نفس موسى - عليه السلام -، ونحوه أو معناه: لا أدري أيّ هذه الثلاثة الإفاقة، أو الاستثناء، أو المجازاة. * * *

89 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم وإثم من أشرك بالله، وعقوبته في الدنيا والآخرة

89 - كِتَابُ استِتَابَةِ المُرتَدِّينَ وَالمعَانِدينَ وَقتَالِهمْ وَإِثْم مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ، وَعُقُوَبِتِه في الدُّنَيا وَالآخِرَةِ

1 - قال الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}، {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 89 - كَتِابُ استِتَابَةِ المُرتَدِّينَ وَالمعَانِدينَ وَقتَالِهمْ وَإِثْم مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ، وَعُقُوَبِتِه في الدُّنَيا وَالآخِرَةِ 1 - قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (كتاب استتابة المرتدين) (باب: إثم من أشرك بالله) 6918 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ هَذ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}؟ ". الحديث الأول: (ليس بذلك)، أي: بالظلم مطلقًا؛ بل المراد به: ظلمٌ عظيمٌ،

يدل عليه التنوين، وهو الشرك، ووجهُ اجتماع الإيمان والشرك: أنه كما في الذين قالوا: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، وسبق في (الإيمان) أول "الجامع". * * * 6919 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، وَحَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الإشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ -ثَلاَثًا- أَوْ قَوْلُ الزُّورِ"، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. الثاني: (الكبائر) سبق أن من أكبر الكبائر: القتل؛ وكذا الزّنا، ولا منافاة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في كل مكان بمقتضى المقام، وبما يناسب المخاطَب، فمن يجترئ على شيء، يخاطبه بأنه أكْبَرُ؛ زجرًا له. (ليته) إنما تمنّوا سكوته، مع أن حديثه لا يمل؛ لإرادة استراحته، سبق في (الأدب). * * * 6920 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله،

أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللهِ"، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، قَالَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْيَمِينُ الْغَمُوسُ"، قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: "الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ". الثالث: (الإشراك) وجهُ الجواب به، وهو مفرد عن السؤال عن الجمع: أن السائل فهم أنه يجيبه بمتعدد؛ لكن بمعرفة الترتيب فيه، فلذلك قال: ثم ماذا؟ أو يقدر في السؤال كلمة: أكبر، فيكون على حذف مضاف، وذكرُه العقوقَ بعد الإشراك، وفي أول (كتاب الديات) ذكرَ بعده قتلَ الولد؛ جوابُه: ما تقدم أنه بحسب المقام. (الغَمُوس)، لأنها تغمس صاحبها في الإثم، أو في النار. (يقتطع)، أي: يأخذ قطعة من ماله، وهو على سبيل المثال، وأما حقيقته، فهو اليمين الكاذبة التي يتعمدها صاحبها عالمًا. (قلت) إما من مقول عبد الله، أو بعضِ الرواة عنه. * * * 6921 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ:

يَا رَسُولَ اللهِ! أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: "مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ". الرابع: (بالأول والآخر) قال (خ): ظاهره خلافُ ما اجتمع عليه الأُمة من أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله؛ أي: كما في أول هذا الحديث، وقال تعالى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، فتأويلُه: أنه يُعَيّر بما كان منه في الكفر، ويبكّت به، يقال له: أليس قد فعلتَ كيتَ وكيتَ، وأنت كافر، فهلَّا منعك إسلامُك من معاودة مثله إذْ أسلمتَ؟! ثم يعاقَب على المعصية التي اكتسبها في الإسلام، لا الذي كان في الكفر. وقيل: المراد بالإشارة في هذا الحديث: الردة. وقال القرطبي: يعني بالإحسان: الإخلاصَ في الإسلام حين دخوله، والدوامَ على ذلك إلى حين وفاته، والإساءة فيه ضد ذلك؛ فإنه إذا لم يخلص بباطنه في إسلامه، كان منافقًا، ولا ينهدم عليه ما عمل به في الجاهلية؛ إنما ينهدم بالإسلام الخالص، فينضاف نفاقُه المتأخِّر إلى كفره المتأخر، فيكون مع المنافقين في الدَّرْكِ الأسفلِ من النار. * * *

2 - باب حكم المرتد والمرتدة وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم: تقتل المرتدة، واستتابتهم

2 - باب حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ: تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، وَاسْتِتَابَتِهِمْ وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ}، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}، وَقَالَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ}: يَقُولُ: حَقًّا {أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ

عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. (باب: حكم المرتدِّ والمرتدَّة) قوله: (واستتابتهم) عطف على حكم؛ والآيات تشمل المرتد والمرتدة؛ لعموم (مَن) لهما. * * * 6922 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ - رضي الله عنه - بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ؛ لِنَهْيِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَقتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوه". الحديث الأول: (بزنادقة) جمع زنديق، قيل: هو من يُبطِن الكفر ويُظهر الإسلام؛ كالمنافق، وقيل: هم قوم من الثنوية القائلين بالخالِقَيْن، وقيل: مَنْ لا دينَ له، وقيل: يتبع كتاب زَرَادَشْت المسمى بالزَنْد، وقيل: الذين أحرقهم علي - رضي الله عنه -، كانوا عبدة الأوثان. وقال أبو المظفر الإسفراييني في كتاب "التبصرة": هم طائفة من الروافض تُدْعَى السَّبَئِيّة، ادعوا أن عليًّا إلهٌ، وكان رئيسهم عبد الله بن سَبَأ -بالمهملة والموحدة الخفيفة-، وكان أصلُه يهوديًّا.

ثم ظاهرُ الحديث: أن المرتد والمرتدة لا يجب استتابتهما، فقيل: تجِبُ، وقيل: لا تجب، وقيل: تُستحب، وفي قدرها خلاف؛ وكذا في المرأة هل هي كالرجل؟ وفي أنه إذا تاب، هل تُسقِط توبته القتلَ، أو لا؛ بل تنفعه عند الله تعالى فقط؟ مرّ الحديث في (الجهاد). * * * 6923 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي، وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِي، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَاكُ، فَكِلاَهُمَا سَأَلَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا مُوسَى! "، أَوْ: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ! "، قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا، وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتِ شَفَتِهِ قَلَصَتْ، فَقَالَ: "لَنْ"، أَوْ: "لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ، يَا أَبَا مُوسَى! "، أَوْ: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ! إِلَى الْيَمَنِ"، ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ ألقَى لَهُ وِسَادَةً، قَالَ: انْزِلْ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ، قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: اجْلِسْ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ تَذَاكَرْناَ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَّا أَنَا

فَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو فِي قَوْمَتِي. الثاني: (سأل)، أي: في العمل والولاية. (ما في أنفسهما)، أي: داعية الاستعمال. (قَلَصَتْ)، أي: انزوت، ويقال أيضًا: قلص: ارتفع. (لن أو لا) هو شَكٌّ من الراوي. (قدم)، أي: مُعاذٌ على أبي موسى. (قضاء الله) خبر مبتدأ؛ أي: هذا حكم الله، قالها (ثلاث مرات)، أي: تأكيدًا أو تقريرًا. (أحدهما) هو مُعاذ كما سبق في (باب بعث مُعاذ، وأبي موسى إلى اليمن)، وغير ذلك من المباحث. (وأَرجو) إلى آخره؛ أي: أرجو أنّ في نومي نيةَ إجمامِ النفسِ للعبادة، وتنشيطها للطاعة الأجرَ. (قومتي) بالقاف؛ أي: صلاتي. وفيه: إكرامُ الضيف، وتركُ سؤال الولاية؛ لأن فيه تهمة، وحرصًا، ويوكَل إليها، ولا يُعان عليها، فينجرُّ إلى تضييع الحقوق؛ لعجزه عنها. * * *

3 - باب قتل من أبى قبول الفرائض، وما نسبوا إلى الردة

3 - باب قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ، وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ (باب: قتل من أبى قَبُولَ الفرائض، وما نُسبوا إلى الردَّة)، (ما): نافية. 6924 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَكفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ؟ " 6925 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا، قَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. (عَناقًا) بفتح العين: الأُنثى من ولد المعز، سبق شرحه أول (الزكاة)، وما أبداه (خ) من إشكال الحديث؛ لأن أوّلَ القصة دلَّ على كفرهم، والتفريق بين الصلاة والزكاة دليل على صلاتهم، وأنهم

4 - باب إذا عرض الذمي أو وغيره بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصرح، نحو قوله: السام عليك

مؤوّلون في الزكاة بأن المأمور بإعطائها له مَنْ كان صلاتُه سكنًا لهم، ومثل هذه الشبهة تقتضي التوقف في قتالهم، وأن الجواب: أن الذين قاتلهم صنفان: مرتدون؛ كأصحاب مُسيلمة، وصنف منعوا الزكاة، فهم أهلُ بغي، وفيهم قال عمرُ ما قال، فأجابه أبو بكر بما رجع به عن ذلك، فهذه الرواية مختصرة من الروايات المصرحة بالزكاة فيها. (فعرفت)، أي: بالدليل الذي أتى به الصديق وغيره؛ إذ لا يجوز للمجتهد تقليدُ المجتهد. وفيه: مناظرة أهل العلم، ووجوب الزكاة في السخال، والفِصال، وإجزائها إذا كان المخرَج عنه صِغارًا. * * * 4 - باب إِذَا عَرَّضَ الذّمِّيُّ أو وَغَيْرُهُ بسَبِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُصَرِّحْ، نحْوَ قَوْلِهِ: السَّامُ عَلَيْكَ (باب: إذا عَرَّضَ الذِّمِّيُّ) التعريضُ: خلافُ التصريح، والاتفاق على أن من سبَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، كفر، فيُقتل به المسلمُ والذميُّ. 6926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ

ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَعَلَيْكَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ نَقْتُلُهُ؟ قَالَ: "لَا، إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ". الحديث الأول: (قال: لا)، أي: لأنه كان أولَ الإسلام، وهو - صلى الله عليه وسلم - يؤلِّف القلوب كما لم يقبل المنافقين، أو لأنه كان يلوي لسانه فيه؛ كما هو عادتهم، أو لأنه دعا بما لا بدَّ منه، وهو الموت، مع أنه ليس من المبحث؛ إذ هو تعريضٌ لا تصريح. قال (ش): قال بعضهم: ليس هذا بتعريض، وأجاب (ع): بأن الإيذاء والسبَّ في حقه - صلى الله عليه وسلم - واحد؛ نعم، ليس في الحديث تعريضٌ؛ لأن ذلك اليهوديَّ يتخرج تركه مخرج الائتلاف، وسبق في (الأدب) في (باب الرفق). * * * 6927 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"، قُلْتُ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: "قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ".

5 - باب

6928 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ: سَامٌ عَلَيْكَ، فَقُلْ: عَلَيْكَ". الثاني، والثالث: (سام) بالتنكير، وفيه: (عليكم) بلا واو، وفي بعضها: (سامٌ عليك) بلفظ المفرد في الخطاب والجواب. (فقل) كان الظاهر أن يقول: فليقل؛ بأمر الغائب؛ ولكن أتى به بصيغة الخطاب مراعاةً لعموم الخطاب في (أحدكم) لكلِّ أحد. * * * 5 - باب (باب) 6929 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نبَيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، فَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: رَبِّ! اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

6 - باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم

(فأَدْمَوْه)، أي: جرحوه بحيث جرى الدم. قال القرطبي: سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الحاكي، وهو المحكي عنه، وكأنه أوحى إليه بذلك مثل قصة يوم أحد، ولم يعين له ذلك، فلما وقع، تعين أنه المعني بذلك. * * * 6 - باب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللهِ، وَقَالَ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. (باب: قتل الخوارج) قال الشهرستاني في "الملل والنحل": كل من خرج على الإمام الحق، فهو خارجي. وقال الفقهاء: الباغية: هم الذين خالفوا الإمام بتأويل باطل ظنًّا، والخوارج خالفوا لا بتأويل، أو بتأويل باطل قطعًا.

وقيل: هم طائفة من المبتدعة لهم مقالات؛ كالتكفير بالكبيرة، وجواز كون الإمام من غير قريش؛ سموا بذلك؛ لخروجهم بمقالاتهم عن الناس. (والملحِدين) الملحد: هو العادلُ عن الحق، المائلُ إلى الباطل. (وقال: إنهم انطلقوا) دليل على أن المراد بشرار الخلق: شرار المسلمين؛ لأن الكافرين لا يؤوّلون كتاب الله. (فجعلوها)، أي: أَوّلوها، وكان ابن عُمر يوصي بأن لا يُسَلَّم على القدرية حياةً، ولا يُصلَّى عليهم مماتًا. * * * 6930 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ: قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا، فَوَاللهِ لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أكذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، حُدَّاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قتلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

الحديث الأول: (خَرّ)، أي: سقط. (خدعة) بتثليث الخاء؛ يعني: جاز فيها التعريض والتورية. (حُدّاث) بتشديد الدال؛ أي: شبّان. (الأسنان) السن، يطلق ويراد به: مدةُ العمر. (الأحلام): العقول. (خير قول البرية)، أي: خير أقوال الناس، أو خير من قول البرية، يعني: القرآن. (الرمِيَّة) فعيلة من الرمي، يعني: المرمية؛ أي: الصيد مثلًا، وإنما دخلته التاء، مع أن فعيلًا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لنقل الوصفية إلى الاسمية، أو لكون الموصوف غير مذكور، وقيل: دخول التاء غالبًا لما لم يقع بعد، يقال: خذ ذبيحتك للشاة التي لم تذبح، وإذا ذبحت، فهي ذبيح. * * * 6931 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَسَأَلاَهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ: أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْحَرُورِيَّةُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ"، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا "قَوْمٌ

تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، يَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ"، أَوْ: "حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْم مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ، إِلَى نَصْلِهِ، إِلَى رِصَافِهِ، فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ، هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ؟ ". الثاني: (الحرورية) بفتح المهملة، وضم الراء الأولى: نسبة إلى حَروراء: قرية بالكوفة، نسبة بغير قياس؛ خرج منها نَجْدَةُ -بفتح النون وسكون الجيم والمهملة- وأصحابه على عليّ كرم الله وجهه، وخالفوه في مقالات عمليّة، وعصَوه وحاربوه. (ولم يقل: منها) فيه إشعارٌ بأنهم ليسوا من هذه الأُمة؛ لكنه معارض برواية: (يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي). (حناجرهم)، أي: حلاقيمهم، يريد: أنه لا يصعد في جملة الكلم الطيب إلى الله -عز وجل-، أو لا ينتفعون به كما لا ينتفع الرامي من رميه. (رِصَافه) بكسر الراء وإهمال الصاد: جمع رصفة، وهي العصب الذي يُلوى فوق مدخل النصل، قيل: فيه حجة في دخول بدل الغلط في كلام البليغ. (فَيَتَمَارى)، أي: يشك. (الفُوقة) بضم الفاء: موضع الوتر من السهم، يريد: أنهم لما

7 - باب من ترك قتال الخوارج للتألف وأن لا ينفر الناس عنه

تأوّلوه على غير الحق، لم يحصل لهم بذلك أجر، ولم يتعلقوا بسببه بالثواب، لا أولًا، ولا وسطًا، ولا آخرًا. * * * 6932 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَذَكَرَ الْحَرُورِيَّةَ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ". الثالث: (عُمر)، أي: ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عُمر بن الخطاب. قال الغساني: في بعضها: عمرو -بالواو-، وهو وهم. * * * 7 - باب مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الْخَوَارِج لِلتَّأَلُّفِ وأنْ لا يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ (باب: من ترك قتال الخوارج للتّألُّف) 6933 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -

يَقْسِمُ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ: اعْدِلْ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: "وَيْلَكَ! مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ " قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: "دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتهِ، وصِيَامَهُ مَعِ صِيَامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ فِي قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَضيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ -أَوْ قَالَ-: ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ قَالَ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا قتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نعَتَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}. الحديث الأول: (يقسم)، أي: مالًا. (ابن ذي الخويصرة) كذا في أكثر النسخ، أو في كلها، والصواب إسقاط: (ابن)؛ فإنه ذو الخويصرة نفسه، واسمه: حُرْقُوص -بضم المهملة وسكون الراء وبالقاف بعدها مهملة أيضًا-، وكذا رواه في (باب علامات النبوة). (قال عُمر) سبق في (المغازي) في (باب بعث علي): (فقال

خالد)، ولا تعارض؛ لجواز أَنَّ كُلًّا منهما قال ذلك. (من الدِّين)، أي: الطاعة، وقيل: طاعة الأئمة. (قُذَذِهِ) جمع قُذَّة -بضم القاف وشدة المعجمة-: ريش السهم. (نَضِيّه) بفتح النون وكسر المعجمة وشدة التحتانية: عود السهم من غير ملاحظة نصل وريش. (شيء)؛ أي: من الصيد؛ من دمه وغيره. (الفَرْث) هو السرجين ما دام في الكرش، ومعنى سبقه: أنه لم يتعلق به أثر منهما، فكذلك أصحابه لا يكون لهم من طاعتهم ثواب. (آيتهم)، أي: علامتهم. (البَضعة) بفتح الموحدة: القطعة من اللحم. (تدردر) هو مضارع التفعلل؛ أي: تضطرب تجيء وتذهب، وحذفت منه إحدى التاءين. (حين فُرقة)، أي: زمان افتراق الناس، وفي بعضها: (خير فرقة)؛ أي: أفضل طائفة في عصره. قال (ع): هم عليٌّ - رضي الله عنه - وأصحابه، أو خير القرون، وهم الصدر الأول. (بالرجل) هو ذو الثَّديين -بفتح المثلثة مكبرًا، أو بضمها مصغرًا-. (النعت)، أي: الوصف، وفي بعضها: (ذو اليُدَيّة) بالياء تصغير

اليد، وسبق في (باب علامات النبوة): (إحدى عضديه). فإن قيل: كيف صح تعليل ترك قتله بأن له أصحابًا بهذا الوصف؟ قيل: لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان حينئذ يتألف القلوب، فلا يقتل من تلبس بالإسلام في الجملة؛ لئلا يقال: إنه يقتل أصحابه، والفاء للتفريع لا للتعليل. * * * 6934 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي الْخَوَارِجِ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ -وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ الْعِرَاقِ-: "يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْم مِنَ الرَّمِيَّةِ". الثاني: (يُسَير) مصغر: ضد العسر، وفي بعضها: (أُسير) -بالهمز- كذلك. (وأهوى بيده)، أي: مدها جهة العراق، وهؤلاء القوم خرجوا من نجد موضع التميميين. * * *

8 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعوتهما واحدة

8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة) 6935 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ". أي: كل واحد منهما يدَّعي أنه على الحق، وصاحبه على الباطل؛ بحسب اجتهادهما، ويحتمل أن يراد بهما: فرقة عليّ، وفرقة مُعاوية - رضي الله عنهما -، فهو معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 9 - باب مَا جَاءَ فِي الْمُتأَوِّلِينَ (باب: ما جاء في المُتَأوِّلين) 6936 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ

ابْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ أَخْبَرَاهُ: أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَانتظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ -أَوْ:- بِرِدَائِي، فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ؟ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ لَهُ كَذَبْتَ فَوَاللهِ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا، فَانْطَلَقْتُ أقودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الْفُرْقَانِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ! اقْرَأْ يَا هِشَامُ! " فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَؤُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ يَا عُمَرُ! " فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ". قوله: (وقال الليث) وصله الإسماعيلي. (أُسَاوِرُهُ) بالمهملة: أُواثِبُه وأحملُ عليه. (لبّبْتُهُ) من التلبيب -بموحدتين-: جمعُ الثياب عند الصدر، والجرُّ بها في الخصومة. (سبعة أحرف)، أي: لغات هي أفصح اللغات، وقيل: الحرف: الإعراب، يقال: فلان يقرأ بحرف عاصم؛ أي: بالوجه

الذي اختاره من الإعراب، قيل: توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، وليس المراد هذه القراءات السبع المشهورة؛ بل قد تكون كلها واحدًا من اللغات السبع، وسبق الحديث في (كتاب الخصومات). * * * 6937 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ (ح) حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ هَذ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ". الحديث الأول: (بظُلْمٍ) استفيدت عظمتُه من تنكيره وتنوينه، ومرّ في (كتاب الإيمان). * * * 6938 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

"أَلاَ تَقُولُوهُ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ؟ " قَالَ: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّهُ لَا يُوَافَى عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ إلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ". الثاني: (لا تقولوه)، أي: تظنونه يقولها، والقولُ بمعنى الظن كثيرٌ، أنشد سيبويه: أَمَّا الرَّحِيلُ فَدُونَ بَعْدَ غَدٍ. . .فَمَتَى تَقُولُ الدَّارُ تَجْمَعُنَا أما حذف النون في الحديث من (تقولونه) فتخفيف، وهي لغة فصيحة، ويحتمل أن الخطاب لواحد؛ ولكن أُشبعت الضمة فصارت واوًا. (لا يوافي) في بعضها: (لن يوافي)؛ أي: لن يأتي أحد بمثل هذا القول، ومر الحديث في (باب المساجد في البيوت). * * * 6939 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ فُلاَنٍ قَالَ: تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِحِبَّانَ: لَقَدْ عَلِمْتُ الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ، يَعْنِي عَلِيًّا، قَالَ: مَا هُوَ، لَا أَبَا لَكَ؟ قَالَ: شَيْءٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ"، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: هَكَذَا قَالَ أَبُو

عَوَانة: حَاجٍ، "فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكينَ فَأْتُونِي بِهَا". فَانْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْركْنَاهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، وَكَانَ كتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ، فَقُلْنَا: أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِي مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا بَعِيرَهَا، فَابْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْناَ شَيْئًا، فَقَالَ صَاحِبِي: مَا نَرَى مَعَهَا كِتَابًا، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَلَفَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْيَ مُحْتَجزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ الصَّحِيفَةَ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا حَاطِبُ! مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ، يُدْفَعُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إلا لَهُ هُنَالِكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، قَالَ: "صَدَقَ، لَا تَقُولُوا لَهُ إلا خَيْرًا"، قَالَ: فَعَادَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ! قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: "أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الْجَنَّةَ؟ " فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قال أبو عبد الله: خاخ أصحُّ، ولكن كَذَا قالَ أبو عوانة: حَاج،

وحاج تصحيفٌ وهو موضعٌ، وهُشَيم يقول: خاخ. الثالث: (فُلان) هو سعد بن عُبيدة -بضم المهملة مصغرًا- ختنُ أبي عبد الرحمن عبد الله السلمي كما تقدم. (حِبّان) بكسر المهملة وشدة الموحدة وبالنون. قال الغساني: وفي بعضها: (حَيّان) -بالياء-، وهو وهم، وسبق الحديث في (الجهاد) في (باب: إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة). (لقد علمت الذي) في بعضها: (من الذي)، وسبق هناك: (ما الذي)، ولعله أقام (ما) مقام (من). (جَرَّأ صَاحِبك) إطلاقه نسبة الجرأة على القتل لعليّ - رضي الله عنه - لجزمه بأن عليًّا من أهل الجنة، فإن وقع منه خطأ في اجتهاده، فيعفى عنه يوم القيامة قطعًا. (لا أبا لك) جوزوا هذا التركيب تشبيهًا بالمضاف، وإلا فالقياس: لا أبَ لك، وهذا مما يستعمل دعامةً للكلام، ولا يراد به الدعاءُ عليه حقيقةً. (سمعته)، أي: عليًّا. (قال: بعثني)، أي: قال عليّ. (وأبا مَرْثَد) بالمثلثة؛ أي: كَنّاز -بفتح الكاف وشدة النون

وبالزاي- الغَنَوي، وروايته في (الجهاد): (بعثني والزُّبَير)، وفي (باب الجاسوس): (بعثني أنا، والزُّبَير، والمِقْدَاد)، ولا تنافي بين ذلك. (صاحباي) في بعضها: (صاحبي) بالإفراد، أو بالتثنية على مذهب من يقلب الألف ياء. (والذي يحلف به)، أي: الله تعالى. (فأهوت)، أي: مالت. (حُجْزَتها) بضم المهملة وسكون الجيم وبالزاي: معقد الإزار. (محتجزة) من احتجز بإزاره؛ أي: شده على وسطه؛ نعم، سبق في (باب الجاسوس): أنها أخرجته من عِقاصها؛ أي: من شعرها؛ فيحتمل أنها أخرجته من الحجزة أولًا، وأخفته في الشعر، ثم اضطرت إلى الإخراج منها، أو بالعكس. (يد)؛ أي: مِنّة ونعمة، وذلك لأن أهله وماله كانوا بمكة. (فلأضرب) -بالنصب- في تأويل مصدر مجرور، وهو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: اتْرُكني، فتركك للضرب، وبالجزم، فتكون الفاء زائدةً على مذهب الأخفش، واللام للأمر، ويجوز فتحها على لغة سُليم، وتسكينها مع الفاء عند قريش، وأمرُ المتكلم نفسَه باللام فصيحٌ قليلُ الاستعمال؛ ذكره ابن مالك: (قوموا فلأصلِّ لكم)، وبالرفع؛ أي: فوالله لأضربُ. (من أهل بدر)، أي: فيما يتعلق بالآخرة؛ أما الحدود في الدنيا،

فلا، فقد جَلَدَ مِسْطَحًا في قصة الإفك. (فاغرورقَتْ) بمعجمة وراء مكررة وقاف، من الاغريراق، وهو كثرة الدمع؛ كأن العين غرقت في دمعها. قالوا: لا خلاف أن كل متأوّل معذور بتأوّله، غير مأثوم فيه إذا كان تأويله شائعًا في لسان العرب، ولهذا لم يعنّف - صلى الله عليه وسلم - عُمر - رضي الله عنه - في تلبيبه لهشام، وعَذَرَهُ في ذلك؛ لصحة اجتهاده، وكذلك عذر أصحابه في تأويلهم الظلمَ في الآية بغير الشرك، وكذلك لما استدلوا على نفاق ابن الدُّخْشُن بصحبة المنافقين بيّن لهم - صلى الله عليه وسلم - صدقه، ولم يعنفهم في تأويلهم، وهلم جَرًّا. (قال أبو عَوانه: حاج)، أي: بمهملة ثم جيم. قال البخاري: إنه تصحيف، وأن الأصح: (وَهُشَيم)، أي: يرويه عن أبي حَصِين: (خاخ) بمعجمتين على الأصح أيضًا، وهوَ موصول في (الجهاد). * * *

90 - كتاب الإكراه

90 - كِتَابُ الإكْرَاه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 90 - كِتَابُ الإكْرَاه قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وَقَالَ: {إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}،وَهْيَ تَقِيَّةٌ، وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهَ: {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}، فَعَذرَ اللهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَالْمُكْرَهُ لَا يَكُونُ إلا مُسْتَضْعَفًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ". (كتاب الإكراه) هو الإلزام على خلاف المراد، ويختلف باعتبار المكرَه،

والمكرَه عليه، والمكرَه به؛ قال تعالى: {إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]؛ أي: تَقِيّةً، وهي الحذر من إظهار ما في الضمير من العقيدة ونحوها عند الناس. (المستضعفين)، أي: فإذا كانَ المستضعَف لا يقدر على الامتناع من الترك، فهو تارك لأمر الله تعالى لمكان عذره؛ فالمكره مثلُه؛ لأنه لا يقدر على الامتناع من الفعل، فهو فاعل لأمر المكره، فكلاهما عاجزان. (التَّقِيّة إلى يوم القيامة)، أي: هي ثابتة إلى يوم القيامة، لا مختصةٌ بعهده - صلى الله عليه وسلم -. (فيطلق)، أي: زوجته. (ليس بشيء)، أي: لا يقع طلاقُه. * * * 6940 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أُسَامَةَ: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: "اللَّهُمَّ! أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ! أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ! اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". (المستضعفين) ذكرُه بعد ما سبق من ذكر العام بعد الخاص.

1 - باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر

(وطأتك) أصله: الدوسَةُ بالقدم، والمراد به هنا: الأخذُ بالقهر والشدة. (مُضَر) لا ينصرف، وسبق الحديث في (الاستسقاء)، ووجهُ تعلقه بكتاب المكرهين: أنهم كانوا مكرهين في الإقامة بمكة، أو باعتبار أن المكره مستضعَف، وقيل: غرضُ البخاري: أنه لو كان الإكراه على الكفر كفرًا، لما دعا لهم، وسماهم مؤمنين. * * * 1 - باب مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالْقَتْلَ وَالْهَوَانَ عَلَى الْكُفْرِ (باب: من اختار الضرب، والقتل، والهوان على الكفر) 6941 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ". الحديث الأول: (ثلاث)، أي: ثلاث خصال، والجملة بعده إما صفة، أو خبر له، وسبق في (كتاب الإيمان) أول "الجامع"، وأن الجمع بين قوله

هنا: (مما سواهما)، مع ذَمِّ الخطيب الذي قال: (ومن يعصهما): أن الخطبة ليست محل اختصار، أو غير ذلك. * * * 6942 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعْتُ قَيْسًا: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زيدٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وإِنَّ عُمَرَ مُوثِقِي عَلَى الإِسْلاَمِ، وَلَوِ انْقَضَّ أُحُدٌ مِمَّا فَعَلْتُمْ بِعُثْمَانَ كَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ. الثاني: (رأيتُني) بتاء المتكلم، وهذا من خصائص أفعال القلوب. (موثقي)؛ أي: يثبتني على الإسلام، ويحملني عليه، وكان ذلك قبل إسلام عُمر - رضي الله عنه -، وكان سعيدٌ ابنَ عمِّ عُمر. (انقَضَّ) بفتح القاف، من الانقضاض، وهو الانصداع والانشقاق، وفي بعضها بالفاء. (محقوقًا)؛ أي: جديرًا، ومناسبته للترجمة: أن عثمان - رضي الله عنه - اختار القتل على الإتيان بما يرضي القتلة، فاختيارُ القتل على الكفر أولى. * * * 6943 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ،

عَنْ خَباب بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: "قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِيِنهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إلا اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجلُونَ". الثالث: (بالمنشار) بالنون: آلة النجار، وفي بعضها: (مِيشار)؛ من وشر الخشبة -غير مهموز-، ومن أنشرها -بالهمز-؛ أي: نشرها. (من دون لحمه)؛ أي: من تحته، أو من عنده، وفي بعضها: (ما دون). (هذا الأمر)؛ أي: الإسلام. (صنعاء) بالمد: قاعدة اليمن ومدينتُها العظمى. (حضر موت) بلد بها أيضًا، وهو كبعلبكَّ في الإعراب. (والذئب) -بالنصب- عطفًا على الاسم الكريم. (ولكنكم تستعجلون)، مر في (باب علامات النبوة). * * *

2 - باب في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره

2 - باب فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ فِي الْحَقِّ وَغَيْرِهِ (باب: في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره) 6944 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجدِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ"، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَادَاهُمْ: "يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا"، فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَقَالَ: "ذَلِكَ أُرِيدُ"، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ، فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "اعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ". (يهود) غير منصرف. (بَيْتَ المِدْرَاسِ) هو موضع قراءتهم التوراة، وإضافة البيت إليه من إضافة العام إلى الخاص؛ كشجر الأراك. (يَسْلَموا) من السلامة. (بماله) الباء فيه للمقابلة، وبيع اليهود فيه إكراه بحق، فقوله في الترجمة: (وغيره)، لا دخل له، إلا أن يقال: المراد بالحق: الجلاء،

3 - باب لا يجوز نكاح المكره

وبغيره: مثل الجنايات، أو الحقُّ هو الماليات، وغيرُه الجلاء. قال (خ): استدل به البخاري على جواز بيع المكره؛ وهذا ببيع المضطر أشبهُ، وإنما المكره على البيع هو الذي يحمَل على البيع، شاء أو أبى، واليهود لم يبيعوا أرضهم، ولم يحمَلوا عليه، وإنما شَحُّوا على أموالهم، فاختاروا بيعَها، فصاروا كأنهم اضطُروا إلى بيعها، فيكون جائزًا، ولو أُكره عليه، لم يجز. قال (ك): المقدمة الأخيرة ممنوعة؛ إذ لو كان الإلزام من جهة الشرع، لجاز. * * * 3 - باب لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَه {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (باب: لا يجوز نكاح المكْرَه) 6945 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ نِكَاحَهَا.

4 - باب إذا أكره حتى وهب عبدا أو باعه لم يجز

الحديث الأول: (فردَّ نكاحها) فيه: أنه لا بد من إذن الثيب في صحة النكاح، فعلة الإجبار البكارةُ. * * * 6946 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو -هُوَ ذَكْوَانُ-، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ: "نعمْ"، قُلْتُ: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فتسْتَحِي فتسْكُتُ؟ قَالَ: "سُكَاتُهَا إِذْنُهَا". الثاني: (أَبْضَاعِهِنّ) جمع بُضْع. (تُسْتَأمَر)؛ أي: تستشار، ففيه: أن الولي هو الذي يزوج، ومر الحديثان في (النكاح). * * * 4 - باب إِذَا أُكْرِه حَتَّى وَهَبَ عَبْدًا أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَإِنْ نَذَرَ الْمُشْتَرِي فِيهِ نَذْرًا، فَهْوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ،

وَكَذَلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ. 6947 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ دبَّرَ مَمْلُوكًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ " فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ فَسَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ. * * * (باب: إذا أُكره حتى وهب عبدًا أو باعه، لم يجز)؛ أي: لم يصح. (بعض الناس) قيل: يريد بهم دائمًا: الحنفيةَ. (فهو جائز)؛ أي: صحيح على قول ذلك البعض، وغرضُه: أن كلامهم متناقض؛ لأنه يقال: بيعُ الإكراه ناقلٌ للملك إلى المشتري، أم لا؟ فإن قالوا: نعم، فيصح منه جميعُ التصرفات، لا يختص بالنذر والتدبير، وإن قالوا: لا، فلا يصحان هما أيضًا، وحاصله أنهم يقولون: لا يملك المشتري، ويصح تدبيرهُ، ونذرُه فيه، وهو مستلزم لأنه يملك، وأيضًا: ففيه تحكم، وتخصيص بلا مخصِّص، ووجهُ استدلاله بحديث جابر: أن الذي دبره لما لم يكن له مال غيره، وكان تدبيره سَفَهًا من فعله؛ رده - صلى الله عليه وسلم - وإن كان ملكه للعبد صحيحًا، فمن لم يصح له ملكه إذا دبره أولى أن يرد فعله، وسبق مرات: أن العبد

5 - باب من الإكراه كره وكره واحد

يعقوب، وأن المدبر: أبو مذكور، وأن نُعيم النّحّام على الصواب؛ خلافًا لما في بعض النسخ. (ابن النّحّام) بزيادة: (ابن). (قبطيًّا)؛ أي: مصريًّا. (أول) منصرف، وغير منصرف. * * * 5 - باب مِنَ الإِكْرَاهِ كَرْهٌ وَكُرْهٌ وَاحِدٌ (باب: من الإِكْرَاهِ {كَرْهًا} و {كَرْهًا} واحد)؛ أي: بالفتح والضم معناهما واحد، وقيل بالضم: ما أكرهت نفسَك عليه، وبالفتح: ما أكرهك عليه غيرُك. 6948 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَطَاءٌ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ، وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الآيَةَ، قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاؤُا زَوَّجَهَا، وإِنْ شَاؤُا لَمْ يُزَوِّجْهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِذَلِكَ.

6 - باب إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها

(وهم أحقُّ بها)؛ أي: أهل الرجل أحقُّ بالمرأة من أهلها. * * * 6 - باب إِذَا اسْتُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. 6949 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: أَنَّ صَفِيَّةَ بْنَةَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الإمَارَةِ وَقَعَ عَلَى وَلِيدَةٍ مِنَ الْخُمُسِ، فَاسْتكْرَهَهَا حَتَّى افْتَضَّهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ الْوَلِيدَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتكْرَهَهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأَمَةِ الْبِكْرِ، يَفْتَرِعُهَا الْحُرُّ: يُقِيمُ ذَلِكَ الْحَكَمُ مِنَ الأَمَةِ الْعَذْرَاءَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا، وَيُجْلَدُ، وَلَيْسَ فِي الأَمَةِ الثَّيِّبِ فِي قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ. (باب: إذا استُكْرِهَت المرأة على الزّنا، فلا حدَّ عليها) قوله: (اقتضها) بالقاف والمعجمة؛ أي: أزال بكارتها، والقِضة بكسر القاف: عذرة الجارية، وقَضَّ اللؤلؤةَ: ثقبها، والافتضاض -بالفاء- بمعناه أيضًا.

(ونفاه)؛ أي: من البلد؛ أي: غَرَّبه نصف سنة؛ لأن حده نصفُ حدِّ الحر في الجلد، والتغريب. (يفترعها) بالفاء والراء والمهلمة؛ أي: يقتضُّها. (يقيم)؛ أي: يقوم، أو من: قامت الأَمَةُ مئة دينار: إذا بلغت قيمتها. (ذلك)؛ أي: الافتراع؛ أي: موجبه ومقتضاه. (الحكم) بفتحتين؛ أي: الحاكم القاضي بموجب الافتراع. (العذراء): البِكْر. (بقدر قيمتها)؟ أي: بقسط قيمتها؛ يعني: يأخذ الحاكم من الرجل المفترِع من أجل الأمة البكر دية الافتراع بنسبة قيمتها؛ أي: أرش النقص، وهو التفاوت بين كونها بكرًا وثيبًا. (ويُجْلَد) ذكره وإن كان معلومًا؛ إذ لا أقلَّ من الجلد إذا لم يكن رجمٌ؛ لأن العقل لا يمنع العفوَ. * * * 6950 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، دَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبابِرَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بِهَا، فَأَرْسَلَ بِهَا، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ! إِنْ كنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ فَلَا تُسَلِّطْ

7 - باب يمين الرجل لصاحبه: إنه أخوه، إذا خاف عليه القتل أو نحوه

عَلَيَّ الْكَافِرَ، فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ". (هاجر)؛ أي: من العراق إلى الشام. (بشارة) بالمهملة، وتخفيف الراء. (قرية) هي حَرَّان بفتح المهملة وشدة الراء وبالنون. (فأرسل بها)؛ لأنه أكرهه عليه. (إن كنت آمنت) ليس شكًّا منها أنها مؤمنة؛ بل المراد: إن كنت مقبولة الإيمان. (فغُطَّ) بمعجمة ثم مهملة مبنيًّا للمفعول؛ أي: خُنق وصرع. (ركض)؛ أي: حرك ونقض، سبق الحديث آخر (البيوع)، ومناسبةُ ذكره في هذا الباب، مع عصمتها من كل سوء: الإشارةُ إلى أنه لا ملامة عليها في الخلوة معه إكراهًا، فكذا المستكره على الزّنا لا حَدَّ عليه. * * * 7 - باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: إِنَّهُ أَخُوهُ، إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتلَ أَوْ نَحْوَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ، فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الْمَظَالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الْمَظْلُومِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ

قِيلَ لَهُ: لتشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ، أَوْ تَهَبُ هِبَةً وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِي الإِسْلاَمِ، وَسِعَهُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ: لتشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، لَمْ يَسَعْهُ؛ لأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ. ثُمَّ نَاقَضَ، فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ: لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوِ ابْنَكَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ، يَلْزَمُهُ فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنَّا نستَحْسِنُ وَنقُولُ: الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَكُلُّ عُقْدَةٍ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاِمْرَأَتِهِ: هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي اللهِ". وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِذَا كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا، فَنِيَّةُ الْحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا، فَنِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ. (باب: يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه) قوله: (يَذُبُّ)؛ أي: يدفع، وفي بعضها: (يدرأ). (دونه)؛ أي: عنده. (ولا يخذله)؛ أي: لا يهمله.

(فلا قَوَدَ عليه ولا قصاصَ) هو تأكيد؛ لأنهما بمعنى، أو القصاصُ أعمُّ من النفس، ودونها، والقودُ في النفس غالبًا. (وكل) مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: كذا؛ لكن بأن يقول: لتقرضن، أو لتؤجرن، ونحوهما، وفي بعضها: (أو تحل عقده)؛ أي: تفسخينها. (في الإسلام)، أي: فهو أعمُّ من الأخ النسبي. (وسعه ذلك)، أي: جاز له ذلك كله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -. (المسلم أخو المسلم) وهو موصول في الباب. (محرم) من لا يحل نكاحُها أبدًا لحرمتها. قال المهلب: موضعُ التناقض الذي ألزمَ به أبا حنيفة هو: أن ظالمًا لو أراد قتلَ رجل، وقال لابنه: لتشربنَّ الخمر، أو لتأكلنَّ الميتة، أو لأقتلنَّ أباك أو ابنَك، أو ذا رحم، لم يَسَعْه؛ لأنه ليس بمضطر عند أبي حنيفة؛ لأن الإكراه عنده إنما يكون فيما يتوجه للإنسان في خاصة نفسه، لا في غيره، وليس له أن يدفع بها معاصي غيره، وليصبر على قتل أبيه، فإنه لا إثم عليه؛ لأنه لم يقدر على رفعه إلا بمعصية يرتكبها، ولا يحل له ذلك، ألا ترى إلى قوله: إن قيل له: لأقتلنَّ أباك، أو نَحوه من المحارم، أو لتبيعنَّ هذا العبد، أو تقرّ، أو تهب: أن البيعَ والإقرارَ والهبَة يلزمه في القياس؛ لما تقدم أنه يصبر على قتل أبيه، وعلى هذا ينبغي أن يلزمه كلّ ما عقد على نفسه في عقد، ثم ناقض هذا المعنى بقوله: ولكنا نستحسن ونقول: البيع وكل

ما عقد في ذلك باطل، فاستحسن بطلان البيع ونحوه بعد أن قال: يلزمه في القياس، ولا يجوز له القياس فيها. قال: وقول البخاري: (فرقوا)؛ يريد: أن مذهب أبا حنيفة في ذي الرحم يخالف مذهبه في الأجنبي، فلو قيل لرجل: لتقتلنَّ هذا الرجلَ الأجنبيَّ، أو لتبيعنَّ، أو تقر، أو تهب، ففعل ذلك لينجيه من القتل، لزمه جميعُ ما عقد على نفسه من ذلك، ولو قيل له في المحارم: لم يلزمه ما عقده في استحسانه، وعند البخاري: ذو المحرم والأجنبي سواء في أنه لا يلزمه ما عقده على نفسه لتخليص الأجنبي؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ"، والمراد: أخوّةُ الإسلام، لا أخوةُ النسب؛ وكذا قولُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (هي أختي)، فهذه الأخوة توجب أن يحمي أخاه المسلم، ويدفع عنه، فلا يلزمه ما عقده من البيع ونحوه، ووسعه الشربُ والأكلُ، فلا إثمَ عليه في ذلك؛ كما لو قيل له: لتفعلنّ هذه الأشياء، أو لنقتلنك، وسعه في نفسه إتيانُها، ولا يلزمه حكمُها. قال (ك): في تقريره بحثان: الأول: أنه إنما يستقيم لو كانت الرواية: لأقتُلنّ؛ لكن جميع النسخ والروايات: (لتقتلن) بالخطاب على طريقة أخواته؛ اللهم إلا أن يقرأ لنَقْتلَنّ بصيغة المتكلم. الثاني: أنه مشعِرٌ بعدم لزومه في القياس، لا بلزومه فيه؛ لأنه علل الصبر على قتل أبيه بأنه لا يقدر على دفعه إلا بمعصية يرتكبها،

وليس كذلك في صورة البيع؛ لكن يحتمل أن يقرر على وفق ما في النسخ بأن يقال: إنه ليس مضطرًا؛ لأنه مخيرٌ في أمور متعددة، والتخييرُ ينافي الإكراه، فكما لا إكراه في الصورة الأولى؛ أي: الأكل، والشرب، والقتل؛ كذلك لا إكراه في الثانية؛ أي: البيع، والهبة، والقتل، فحيث قالوا ببطلان البيع استحسانًا، فقد ناقضوا؛ إذ يلزم القول بالإكراه، وقد قالوا بعدم الإكراه، ثم فرقُهم بين ذي المحرم وغيره ليس له دليلٌ من كتاب ولا سنَّة، وليس فيهما ما يدل على الفرق في باب الإكراه، وهذا أيضًا كلام استحساني، وما ذكره البخاري من أمثال هذه المباحث غيرُ مناسب لوضع هذا الكتاب؛ إذ هو خارج عن فنّه. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقال إبراهيم - عليه السلام -) موصول في (المظالم) وغيرها. (وذلك في الله) قد يخالف هذا ما في (كتاب الأنبياء)؛ حيث قال: (ثِنْتَانِ مِنْهُمَا في ذَاتِ اللهِ، وَهُمَا: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]، {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} فاقتضى أن هذه الثالثة ليست في ذات الله، ولكن جوابه: أن المراد: إنها أختي في دين الله، فصدق أن قوله ذلك في الله، أو أن الإشارة بالأولتين إلى أنهما لمحض الأمر الإلهي بخلاف الثالثة؛ فإن فيها شائبةَ نفعٍ، وحَظٍّ لهُ. (وإن كان مظلومًا) يتصور أن يكون المستحلَف مظلومًا بأن لا يكون للمدعي بينةٌ، ويستحلفه المدعى عليه، وعند المالكية: النيةُ

نيةُ المظلوم أبدًا، وعند الكوفيين: نية الحالف أبدًا، وعند الشافعي: نية القاضي، وهو راجع إلى نية المستحلف. * * * 6951 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ". الحديث الأول: (ولا يُسْلِمه) من الإسلام، وهو الخذلان. (في حاجته)، أي: في قضاء حاجته. * * * 6952 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا، كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: "تَحْجُزُهُ -أَوْ- تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْم، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ". الثاني: (أفرأيت)، أي: أخبرني، والفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة،

وفيه نوعان من المجاز: إطلاقُ الرؤية وإرادةُ الإخبار؛ وإطلاقُ الاستفهام وإرادةُ الأمر، والعلاقتان ظاهرتان؛ وكذا القرينة. (تحجزه) بالزاي: تمنعه، والشكُّ من الراوي، ومر في (المظالم) بلفظ: (أَنْ تَأْخُذَ فَوْقَ يَدَيْهِ). * * *

91 - كتاب الحيل

91 - كِتابُ الحِيَلِ

1 - باب في ترك الحيل، وأن لكل امرئ ما نوي في الأيمان وغيرها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 91 - كِتابُ الحِيَلِ 1 - باب فِي تَرْكِ الْحِيَلِ، وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَي فِي الأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا (كتاب الحيل) (باب: في ترك الحيل، وأن لكلٍّ ما نوى) قال (ش): قيل: أدخل الترك في الترجمة، حذرًا من إفهام إجازة الحيل، وهو شديد على من أجازها، فجرى في الترجمة على خلاف إطلاقه في قوله: (باب بيعة الصغير، وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبايعه) ما تقدم؛ ولكن لا تدخل بيعته في الإنكار كالحيل، ولهذا عوضه عن البيعة أن دعا له، ومسح رأسه. * * * 6953 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ

2 - باب في الصلاة

سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَخْطُبُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ". (يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية) سبق شرحه مبسوطًا أول "الجامع"، قيل: وجه مطابقة الحديث لترك الحيل: أن مهاجرَ أُمِّ قيسِ جعل الهجرةَ حيلةً في تزويج أُمّ قيس. * * * 2 - باب فِي الصَّلاَةِ (باب: في الصلاة) 6954 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ". قيل: أراد البخاري بإيراد الحديث فيه هنا: الردَّ على الحنفية؛ حيث صححوا صلاةَ مَنْ أحدثَ في الجلسة الأخيرة؛ لأن التحلل

3 - باب في الزكاة، وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة

عندهم يحصل بكل ما ينافي الصلاة، فهم يتحيلون في صحة الصلاة مع وجود الحديث، ووجهُ الردِّ عليهم: أن التحلل ركنٌ كالتحريم؛ لحديث: "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"، وتحيلوا أيضًا في قولهم: المحدِثُ في الصلاة يتوضأ ويبني، وقالوا: تصح الصلاة بلا نية في الوضوء؛ لأنه ليس بعبادة. * * * 3 - باب فِي الزَّكَاةِ، وَأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ ولا يُجْمَع بَيْنَ متُفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ (باب: في الزكاة) 6955 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنسٍ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ". الحديث الأول: (ولا يجمع) عطف على فريضة؛ كأن يكون لكلٍّ أربعون، فعليهما شاتان؛ فإذا جمع، تحيل بتنقيص الزكاة؛ إذ يصير على كلٍّ نصفُ شاة.

(ولا يفرق)، كأربعين مجموعة، لكل عشرون، فيفرق، حتى لا يجب على أحد منهما زكاتها. * * * 6956 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: "الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا"، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: "شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا"، قَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، قَالَ: وَالَّذِي أَكرَمَكَ، لَا أتطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أنقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ"، أَوْ: "دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ، فَإِنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّدًا، أَوْ وَهَبَهَا، أَوِ احْتَالَ فِيهَا، فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الثاني: (بشرائع)، أي: واجبات. (أُدخِل) مبني للمفعول، وفي بعضها: (وأدخل) بواو. (إن صدق) مفهومه من مفهوم الموافقة: أنه إذا تطوع، أفلحَ من

باب أولى، فيمتنع حينئذ أن يعمل بمفهوم المخالفة فيه، وهو أن لا يفلح إن تطوع؛ لأن شرطه أن لا يكون ثَمَّ مفهوم موافقة، وسبق شرح الحديث في (كتاب الإيمان) أول "الجامع". (وقال بعض الناس) يقتضي -على اصطلاحه بإيراده الحنفية- اختصاصَه بهم؛ ولكن الشافعي وغيره يقولون بذلك أيضًا، إلا أن يريد بقوله: (عنهم): أنه لا شيء عليه [على] الإطلاق، فيقال: غيرهم، وإن قال: لا زكاة؛ لكن يقول بلوم من يفعل ذلك. قلت: إنما يلامُ إذا كان حرامًا، ولكن هو مكروه. * * * 6957 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ، فَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ"، قَالَ: "وَاللهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ". 6958 - وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا، تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ، فَخَافَ أَنْ تَجبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، فَبَاعَهَا بإبِلٍ مِثْلِهَا، أَوْ بِغَنَمٍ، أَوْ بِبَقَرٍ، أَوْ بِدَرَاهِمَ، فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ، بِيَوْمٍ، احْتِيَالًا: فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ، وَهْوَ يَقُولُ: إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسَنَةٍ، جَازَتْ عَنْهُ.

الثالث: (إسحاق)، أي: إما ابنُ منصور، أو ابنُ إبراهيم، أو ابنُ نصر؛ فإن البخاريَّ يروي عن كلٍّ منهم كما قال الكلاباذي. (شجاعًا)، أي: حيّة. (أقرع)، أي: لا شعرَ في رأسه؛ بل انتثر عنه لكثرة سُمِّه. (فيلقمها)، أي: يده. (إذا ما) (ما) زائدة. (النَّعم) بفتح النون. (بأخفافها) الخفُّ للبعير كالظلفِ للشاة. (وهو يقول) جملة حالية؛ لأنه إذا جاز عنده التزكيةُ قبل الحول بيوم، فكيف يسقطه في ذلك اليوم؟! قال مُغُلْطاي: لا تناقض؛ لأن أبا حنيفة إنما يوجب الزكاةَ بتمام الحول، ويجعل من قدَّمها كمن قدم دينًا مؤجَّلًا. * * * 6959 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْضِهِ عَنْهَا".

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عِشْرِينَ، فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ وَهَبَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَاعَهَا، فِرَارًا وَاحْتِيَالًا لإسْقَاطِ الزَّكَاةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَ، فَلَا شَيْءَ فِي مَالِهِ. الرابع: سبق شرحه، والغرضُ من إيراده -كما قال المهلب-: أنه إذا أمره بقضاء نذرِ أُمه، فالفرائضُ المهروبُ عنها آكَدُ من النذر وألزَمُ. قال: وكأن البخاري أراد أن يعرف أن كل حيلة يتحيل بها أحدٌ في إسقاط الزكاة؛ فإنّ إثم ذلك عليه، ويفهم ذلك من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الجمع أو التفريق خشيةَ الصدقة، وكذا في "أَفْلَح إِنْ صَدَقَ" أن من رام أن ينقص شيئًا من الفرائض بحيلة يحتالها، لا يفلح. قال: وتجويزُ الفقهاء تصرفَ المالك قُبيل الحول مرادُهم: إذا لم يكن منه فرار من وجوب الزكاة، انتهى. فإن قيل: حاصلُ هذه الفروع الثلاثةِ -المذكور كلُّ واحدٍ منها بعد حديث- حكمٌ واحد، وهو أنه أزال عن ملكه قبل الحول، فلا شيء عليه، فلم كررها، ولم فرقها؟ قيل: لإرادة زيادة التشنيع، وبيان مخالفتهم ثلاثةَ أحاديث. * * *

4 - باب

4 - باب (باب) 6960 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ، قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ، فَهْوَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَقَالَ فِي الْمُتْعَةِ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. الحديث الأول: (وينكحه) المراد: أن يكون ذلك شرطًا، وأن يضع كلٌّ منهما صداقَ الأخرى، وسبق في (النكاح). (المتعة): أن يتزوج المرأة بشرط أن يتمتع بها أيامًا، ثم يخلِّي سبيلَها. (النكاح فاسد، والشرط باطل) إنما غاير بينهما؛ لأن عندهم ما لم يشرع بأصله ووصفه باطل، وما شرع بأصله دون وصفه فاسد. قال (ط): قال أبو حنيفة: نكاحُ الشغار منعقدٌ، ويصلُح بصداق

المثل، وكلُّ نكاحٍ فسادُهُ من أجل صداقِه لا يفسخُ عنده، وينصلح بمهرِ المِثْل. * * * 6961 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. الثاني: (لا يرى)، أي: لا يُصَحِّحُ نكاحَ المتعة. (خيبر) بالراء لا بالنون. والعجبُ من الشيعة أنهم يجوِّزون نكاحَ المتعة، وراوي النهي عنها عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -. (حتى تمتع)، أي: عقد نكاح المتعة؛ لكن إذا قال بفساده، فأين الاحتيال؟ فيقال: لأن الفساد عنده لا يوجب الفسخ؛ لاحتمال إصلاحه بحذف الشرط منه؛ كما قال في بيع الربا: لو حذف منه الزيادة، صح

5 - باب ما يكره من الاحتيال في البيوع، ولا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ

البيع، أو يكون المقصود منه: القول الأخير، وهو القول بجوازه. * * * 5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ فِي الْبُيُوعِ، وَلَا يُمْنَعَ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلأ (باب: ما يُكره من الاحتيال في البيوع، ولا يمنع فضل الماء)؛ أي: الزائد على قدر الحاجة. (الكلأ) بوزن الجبل: هو العشب رطبًا ويابسًا. 6962 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يُمْنعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلإِ". (لِيُمْنَع) بالبناء للمفعول. قال (خ): هذا في الرجل يحفر البئر في المَوَات، فيملكها بالإحياء، وبقرب البئر مواتٌ فيه كلأ ترعاه الماشية، فأمر صاحب البئر أن لا يمنع الماشية فضلَ الماء؛ لئلا يكون مانعًا للكلأ؛ لأنهم إذا منعوا من الماء، لا يبقى لهم مُقام.

6 - باب ما يكره من التناجش

ووجهُ تعلقه بكتاب الحيل: أنه أراد صيانة الكلأ المباح المشترك للكلِّ، فتحيل بصيانة الماء ليلزمَ صيانته؛ نعم، لم يذكر فيه البيع، لكون المنع أعمَّ من أن يكون بطريق عدم البيع وغيره، أو هو مما ترجم له، ولم يورد فيه حديثًا. قال المهلب: ظاهرُ الحديث: أنه إن لم يرد به منع الكلأ، لا ينهى عن منع الماء؛ لكن المقصود: أنه لا يمنع فضل الماء بوجه من الوجوه، وذلك لأنه إذا لم يمنع بسبب غيره، فأحرى أن لا يمنع بسبب نفسه. * * * 6 - باب مَا يُكْرَه مِنَ التَّنَاجُشِ (باب: ما يكره من التناجُش) 6963 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ النَّجْشِ. وهو أن يزيد في الثمن بلا رغبة؛ ليوقع الغيرَ فيه، فهو تحيُّل في تكثير الثمن. * * *

7 - باب ما ينهى من الخداع في البيوع

7 - باب مَا ينْهَى مِنَ الْخِدَاعِ فِي الْبُيُوعِ وَقَالَ أَيُّوبُ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ}: كَمَا يُخَادِعُونَ آدَمِيًّا، لَوْ أَتَوُا الأَمْرَ عِيَانًا كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ. (باب: ما ينهى من الخداع في البيع) قوله: (عيانًا)، أي: لو علموا هذه الأمور؛ بأن أخذ الزائد على الثمن معاينة بلا تدليس، لكان أسهلَ؛ لأنه ما جعل الدِّين آلة له. * * * 6964 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُخْدَعْ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خلابَةَ". (خِلابة) بكسر المعجمة وتخفيف اللام والموحدة: خديعة؛ أي: لا يلزمني خديعتُك، أو بشرطٍ لا يكون فيه خديعةٌ، وسبق أن هذا الرجل حَبّان -بفتح المهملة وشدة الموحدة- ابن منقِذ، فجعل - صلى الله عليه وسلم - هذا القولَ منه بمنزلة شرط الخيار؛ ليكون له الردُّ إذا تبين الخديعةَ، وقيل: عامٌ في كلِّ أحد، وسبق بيانه في (البيع). * * *

8 - باب ما ينهى من الاحتيال للولي في اليتيمة المرغوبة، وأن لا يكمل صداقها

8 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الاِحْتِيَالِ لِلْوَلِيِّ فِي الْيَتِيمَةِ الْمَرْغُوبَةِ، وَأَنْ لَا يُكَمِّلَ صَدَاقَهَا (باب: ما ينهى من الاحتيال للولي في اليتيمة) 6965 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}؟ قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ}، فَذَكَر الْحَدِيثَ. (من سنة نسائها)، أي: أقلّ من مهرِ مثلِ أقاربها. (فذكر الحديث)، أي: باقي الحديث السابق بتمامه في (كتاب النكاح).

9 - باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت، فقضي بقيمة الجارية الميتة، ثم وجدها صاحبها، فهي له، ويرد القيمة، ولا تكون القيمة ثمنا

9 - باب إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ، فَقُضِيَ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ، ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا، فَهْيَ لَهُ، وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ، وَلَا تَكُونُ الْقِيمَةُ ثَمَنًا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ لأَخْذِهِ الْقِيمَةَ، وَفِي هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لَا يَبِيعُهَا، فَغَصَبَهَا، وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ، حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا، فَيَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيْرِهِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ"، "وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (باب: إذا غصب جاريةً، فزعم أنها ماتت، فقضى)؛ أي: الحاكم. (فهي له)، أي: لصاحبها المغصوبة منه. (ولا تكون القيمة ثمنًا)، إذ ليس ذلك بيعًا؛ بل أخذ القيمة لزعم هلاكها؛ فإذا زال ذلك، وجب الرجوع إلى الأصل. (اعتل)، أي: تعلل واعتذر. (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -) الحديث سبق وصله في (الإيمان)، و (الحج)، وأن: (أموالكم عليكم حرام) كقولهم: بنو تميم قتلوا أنفسهم؛ أي: قتل بعضهم بعضًا، لا أن المراد التوزيع، حتى يلزم منه أن مال كل شخص حرام عليه؛ دل على هذا المجاز القرينة.

10 - باب

(لواء)، أي: عَلَم، وهو علامةُ غدرِه، ولا شكَّ أن الاعتلال بأنها ماتت غدرٌ وخيانة في حق أخيه المسلم. * * * 6966 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ". 10 - باب (باب) 6967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُم أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأَخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ". (إنما أنا بشر)، أي: فلا أعلم الغيبَ، وبواطَن الأمور؛ كما هو مقتضى الحالة البشرية، فأنا أحكُمُ بالظاهر. (ألْحَن) أفعل التفصيل من لحن -بالكسر-: إذا فطن لحجته،

11 - باب في النكاح

وانتبه لها، ومرّ في (كتاب المظالم) بلفظ: (أَبْلَغ). (على نحو ما سمع)، أي: فالقاضي يجب عليه أن يحكم بالظاهر، وحكمُه لا يحلل ولا يحرم. (أخيه)، أي: من حق أخيه. (من النار)، أي: حرام عليه موجبة للنار. 11 - باب فِي النِّكَاحِ (باب: في النكاح) 6968 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كيْفَ إِذْنُها؟ قَالَ: "إِذَا سَكَتَتْ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ الْبِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ، فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نِكَاحَهَا، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهْوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ.

الحديث الأول: (لا تُنْكَحْ) بلفظ النهي. (تُسْتَأْمَر)؛ أي: تُستشار، وسبق الحديث في (كتاب النكاح). (ولم تُزَوَّجْ) مبني للمفعول. (فلا بأس)؛ أي: لأن مذهب أبي حنيفة أن حكم القاضي ينفذ ظاهرًا وباطنًا. * * * 6969 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِم أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهْيَ كَارِهَةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ جَارِيَةَ، قَالَا: فَلَا تَخْشَيْنَ، فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهْيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ خَنْسَاءَ. الثاني: (عن القاسم) هو ابنُ محمدِ بنِ أبي بكر الصديقِ - رضي الله عنه -. (جعفر) هو الصادقُ، وكانت أُمُّ جعفر بنتَ القاسم، فهو جد أبي المرأة من جهة الأُم؛ كذا قال (ك)، وقال غيره: إن جعفرًا هو ابن أبي طالب، وإن المرأة أُم كُلْثُوم بنتُ عبدِ الله بنِ جعفر، وإن (وليها) هو

أبوها، وكان الخاطبُ لها يزيدَ بنَ معاويةَ، فتزوجت ابنَ عمها القاسمَ بنَ محمدِ بنِ جعفرٍ، انتهى. (ابني جَارية) بالجيم، وذكر الحديث في (النكاح)، وإن مجمعًا هو ابنُ يزيدَ بن جاريةَ، فنسبه هنا لجده. (فلا تخشين) -بلفظ الجمع- خطابًا للمرأة المتخوفة وأصحابها. (خَنْسَاء) بفتح المعجمة وسكون النون. (بنت خِذَام) بكسر المعجمة الأولى وخفة الثانية. (فسمعته)؛ أي: سمعت يحيى يقول في روايته عن القاسم: إن عبدَ الرحمن روى عن أبيه عن خنساء، ولم يقل في (النكاح): عن أبيه؛ لكن ذاك من رواية مالك، لا سفيان، ولا محذور؛ لاحتمال رواية عبد الرحمن بواسطة ودونها. 6970 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ"، قَالُوا: كَيْفَ إِذْنُها؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيج امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَمْرِهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نِكَاحَهَا إِيَّاهُ، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هَذَا النّكَاحُ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُقَامِ لَهُ مَعَهَا.

الثالث: (الأَيِّم) المراد به هنا: الثيب، وإن كانت في الأصل مَنْ لا زوج لها؛ بقرينة مقابلة البِكْر. (يسعه)؛ أي: يجوزُ له ويحلُّ، وهذا تشنيع عظيم؛ لأنه أقدمَ على الحرامِ البيِّنِ عالمًا بالتحريم، متعمدًا لركوب الإثم. * * * 6971 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ"، قُلْتُ: إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِي؟ قَالَ: "إِذْنُها صُمَاتُهَا". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا، فَأَبَتْ، فَاحْتَالَ، فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَدْرَكَتْ، فَرَضِيَتِ الْيَتِيمَةُ، فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلاَنِ ذَلِكَ، حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ. (جارية) هي الفَتِيَّة من النساء. (يتيمة) في بعضها: (بُنَيّة). (فأدركت) ظاهرُه: أنه بعد الشهادة بلغتْ ورضيتْ، ويحتمل أنه جاء بشاهدين على أنها أدركت ورضيت، فتزوجها، فيكون داخلًا تحت الشهادة، والفاء للتشبيه، وفائدة التكرير، وذكر الفروع الثلاثة، وهي

12 - باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر، وما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك

ترجع إلى حكم واحد، وهو أن قضاء القاضي ينفذ ظاهرًا وباطنًا: التشنيع، مع أن الأول صورة في البكر، والثاني في الثيب، والثالث في الصغيرة؛ إذ لا يُتْمَ بعد البلوغ، أو في الأولين: ثبت الرضا بالشهادة، أو أنه قبل العقد، وفي الثالث: بالاعتراف، أو أنه بعده. * * * 12 - باب مَا يُكْرَهُ مِنِ احْتِيَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ، وَمَا نزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ (باب: ما يُكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر) 6972 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ، ويُحِبُّ الْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ أَجَازَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَاحْتَبسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَألتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: أَهْدَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ لنحْتَالَنَّ لَهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، قُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: لَا، فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ تُوجَدُ مِنْهُ الرِّيحُ، فَإِنَّهُ

سَيَقُولُ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَل، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأقولُ ذَلِكَ، وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ! فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ، قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ كدْتُ أَنْ أُبَادِرَهُ بِالَّذِي قُلْتِ لِي، وَإِنَّهُ لَعَلَى الْباب فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ"، قُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي بِهِ"، قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللهِ! لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي. (أجاز)؛ أي: تمم النهار أو أنفذه. (عُكَّة) بالضم: الآنية. (أناديه) بالنون، وفي بعضها بالموحدة. (فَرَقًا)؛ أي: خوفًا. (حرمناه)؛ أي: منعناه من العسل، وسبق في (الطلاق): أنه شرب في بيت زينب، والمتظاهرات على هذا القول: عائشةُ، وحفصةُ، ولعلهما قضيتان، وإقدامُ النسوة على ذلك لكونه من مقتضيات الطبيعة لهن، وشدةِ الغيرة، وقد عُفي عنهما، وسبق مباحث الحديث. * * *

13 - باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون

13 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ فِي الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ (باب: ما يُكْره من الاحتيال في الفرار من الطاعون) هو نَبْر مؤلم جدًّا، يخرج غالبًا من الآباط مع لَهَبٍ، وخفقانِ، وقيءٍ، ونحوه. 6973 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا جَاءَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالشَّأْمِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنتمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ"، فَرَجَعَ عُمَرُ مِنْ سَرْغَ، وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. الحديث الأول: (سَرْغ) بفتح المهملة وإسكان الراء ثم معجمة، ينصرف، ولا ينصرف: قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز. (الوباء) مقصور أو ممدود: المرض العام. (تقدموا) بفتح المثناة والدال، وبضمها وكسر الدال، والأجلُ،

وإن كان لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يصيبه إلا ما كتب الله عليه، إلا أن حكمة النهي أن لا يفتتن، فيظن أن هلاكه كان من أجل قدومه، وأن سلامته من أجل خروجه، وسبق في (كتاب الطب). (سالم بن عبد الله) في بعضها: (عن عبد الله)، والصواب الأول. * * * 6974 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ سَمعَ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ الْوَجَعَ، فَقَالَ: "رِجْزٌ، أَوْ عَذَابٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ، ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الأُخْرَى، فَمَنْ سَمعَ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ بِأَرْضٍ وَقَعَ بِهَا فَلَا يَخْرُجْ فِرَارًا مِنْهُ". الثاني: (الوجع)؛ أي: الطاعون. (رِجز) بكسر الراء وضمها: العذاب، ويطلق أيضًا على القذر -بالمعجمة-. (فيذهب المرة)؛ أي: لا يكون دائمًا؛ بل في بعض الأوقات. * * *

14 - باب في الهبة والشفعة

14 - باب فِي الْهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَ هِبَةً ألفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكثَرَ، حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ، وَاحْتَالَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا، فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَخَالَفَ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْهِبَةِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ. (باب: في الهبة والشُّفْعَة) الهبة: تمليكٌ بلا عوض، والشفعةُ: تمليكٌ قهريّ في العقار بعوَضٍ يثبت على الشريك القديم للحادث. (فخالف)؛ أي: خالف حديث: "العَائِدُ في هِبَتِهِ كَالعَائِدِ في قَيْئِهِ"، ولهذا كان مذهب الشافعي أن لا يعود فيما وهبه لأجنبي، ويعود فيما وهب لولده؛ لأنه وماله لأبيه، وتجب عنده الزكاة على المتهب مدةَ مكثِه عنده. * * * 6975 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، لَيْسَ لنا مَثَلُ السَّوْءِ".

الحديث الأول: (مثل السوء)؛ أي: الصفةُ الرديئة له إذا رجع؛ أي: المذمومة. * * * 6976 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ لِلْجوَارِ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ، وَقَالَ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارُ بِالشُّفْعَةِ، فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ، وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأَوَّلِ، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي بَاقِي الدَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي ذَلِكَ. الثاني: (ما لم يقسم)؛ أي: ملك مشترك مشاع بين الشركاء، ففيه: أن الشفعة للشريك، لا للجار. (وصرفت) بالتخفيف والتشديد؛ أي: منعت، وقال ابن مالك: خلصت وثبتت من الصرف، وهو الخالص. (فلا شفعة)؛ لأنه بالقسمة صار في حكم الجوار.

(الجُوَار) بالضم والكسر: المجاورة، يعني: أثبت الشفعة للجار، والحديث نفاه. (شدده) بالشين المعجمة؛ أي: من إثبات الشفعة للجار. (فأبطله)؛ أي: حيث قال في هذه الصورة: لا شفعةَ للجار في باقي الدار، وناقض كلامه. (إن اشترى)؛ أي: أراد الشراء. * * * 6977 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ قَالَ: جَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلاَ تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَارِي؟ فَقَالَ: لَا أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ، قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسَمِائَةٍ نَقْدًا، فَمَنَعْتُهُ، وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ"، مَا بِعْتُكَهُ، أَوْ قَالَ: مَا أَعْطَيْتُكَهُ، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ مَعْمَرًا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا، قَالَ: لَكِنَّهُ قَالَ لِي هَكَذَا. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ، وَيَحُدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، ويُعَوِّضُهُ الْمُشْتَرِي ألفَ دِرْهَمٍ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ.

الثالث: (فأمر هذا)، أي: سعدًا، وفيه: أن الأمر لا يشترط فيه علوّ ولا استعلاء. (وإما منجَّمَة) شكٌّ من الراوي، أي: موظفة مؤقتة، والنجم: الوقت. (بسَقَبه) بالسين أو الصاد المفتوحة، وفتح القاف وسكونها والموحدة: القريب والقرب، ولا دليل في هذا على شفعة الجوار؛ لأنه لم يقل: أحقّ بشفعته؛ بل قال: أحقّ بقربه، أو بقريبه؛ أي: بأن يتعهده، ويتصدق عليه -مثلًا-، مع أن الحديث متروك الظاهر، لأنه يستلزم أن يكون الجار أحق من الشريك، وهو خلاف مذهب الحنفية، ومر الحديث في (كتاب الشفعة). (قلت لسفيان) هو من قول ابن المديني؛ أي: لم يقل هكذا؛ أي: بأن قال: (الجار أحق)؛ بل قال: (الشفعة)، بزيادة لفظ: (الشفعة)، فهو من الناسخ، أو المراد: لازمُ البيع، وهو الإزالة. (يبطل) في بعضها: (يقطع). (ويحدها) في بعضها: (ونحوها)، وهذا هو الأظهر، قيل: وجهُهُ: أن الهبة إذا انعقدت للثواب، فهي بيع من البيوع عند أبي حنيفة؛ فلهذا قال: الشفعة قطعت عنها، وأما عند الشافعي، فليس محلًا للشفعة أصلًا حتى يصح الانقطاع، والأحكام على الظواهر.

15 - باب احتيال العامل ليهدى له

6978 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ سَعْدًا سَاوَمَهُ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ"، لَمَا أَعْطَيْتُكَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى نصَيبَ دَارٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، وَهَبَ لاِبْنِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ. الرابع: قيل: ذكره البخاري في هذه المسألة؛ ليعرفك أنما جعله - صلى الله عليه وسلم - حقًّا للشفيع بقوله: (الجَارُ أَحَقُّ)، لا يحلُّ إبطالُه. (وهب لابنه الصغير) إنما صور به؛ دفعًا لليمين مطلقًا؛ إذ لو كان كبيرًا، توجَّهَ عليه اليمين. * * * 15 - باب احْتِيَالِ الْعَامِلِ لِيُهْدَى لَهُ (باب: احتيال العامل ليُهدى له) 6979 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا

عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتَبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟ " ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أفلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ؟ وَاللهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلَّا لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ: أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ"، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُؤِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ! هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، بَصْرَ عَيْنِي، وَسَمْعَ أُذُنِي. الحديث الأول: (اللُّتْبِيَّة) بضم اللام وسكون المثناة، وقيل: بالهمزة المضمومة. (فلا أعْرِفَنَّ) نهيٌ للمتكلم صورة، وفي المعنى للأحد؛ نحو: لا أَرينَّكَ هاهنا؛ فإنه نهي للمخاطب عن القراءة، لا للمتكلم، وفي بعضها: (لأعرفنّ)؛ أي: والله لأعرفنّ. (رغاء): هو صوتُ ذواتِ الخُفِّ. (تيْعر) بالكسر، وقيل: بالفتح؛ من اليُعَار، وهو صوتُ الشاة، ومر الحديث في (الزكاة). (بصر عيني وسمع) -بلفظ الماضي- هو قولُ أبي حُميد الراوي،

وقال (ع): ضبطه أكثرُهم بسكون الصاد والميم وفتح الراء والعين مصدرين مضافين، فهو مفعول (بلّغت)، وهو مقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: احتيالُ العامل هو بأن ما أُهدي له في عمالته يستأثر به، ولا يَضَعُهُ في بيت المال، وهدايا العمال والأُمراء هي من جملة حقوق المسلمين. * * * 6980 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا بِعِشْرِينَ ألفَ دِرْهَمٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ ألفَ دِرْهَمٍ، وَيَنْقُدَهُ تِسْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَتسْعَمِائَةَ دِرْهَمِ وَتسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَيَنْقُدَهُ دِينَارًا بِمَا بَقِيَ مِنَ الْعِشْرِينَ الأَلْفَ، فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَخَذَهَا بِعِشْرِينَ ألفَ دِرْهَمِ، وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ، فَإِنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ، وَهْوَ تِسْعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَتسْعُمِائَةٍ وَتسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ؛ لأَنَّ الْبَيع حِينَ اسْتُحِقَّ انتقَضَ الصَّرْفُ فِي الدِّينَارِ، فَإِنْ وَجَدَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَيْبًا وَلَمْ تُسْتَحَقَّ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، قَالَ: فَأَجَازَ هَذَا الْخِدَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ".

الثاني: سبق شرحه. (إن اشترى)؛ أي: أراد الاشتراء. (بعشرين ألف درهم أخذَها) بلفظ الماضي. (استُحِقَّت) مبني للمفعول. (لأن البيع)؛ أي: المبيع حين بطل استحقَّ بيع الصرف؛ أي: بيع الدراهم الباقية بالدينار؛ لأن ذلك البيع كان مبنيًّا على شراء الدار، فيفسخ بفسخ المبني عليه، لا سيما ويلزم عدم التقابض في المجلس، فليس له أن يأخذ إلا ما أعطاه، ودفع إليه، وهو الدرهم والدينار؛ بخلاف الرد بالعيب؛ فإن البيع صحيح، وهو يفسخ باختيار، وقد وقع بيع الصرف أيضًا صحيحًا، ولا يلزم من فسخ ذلك بطلانُ هذا. (هذا الخداع)؛ أي: الحيلة في إيقاع الشريك في الغبن أن أخذ الشفعة، وإبطال حقه بسبب الزيادة في الثمن باعتبار العقد لو تركها، وذكر مسألة الاستحقاق لبيان أنه كان قاصدًا للحيلة، ومسألة العيب لبيان أنه -مع ذلك- يحكم فيه أيضًا؛ إذ مقتضاها: أنه لا يرد إلا ما قبضه؛ لا زائدًا عليه كما في صورة الاستحقاق، فإن قيل: الغرضُ في جعل الدينار في مقابلة عشرة آلاف ودرهم، ولم يجعل في مقابلة عشرة فقط، قيل: رعاية لنكتة، وهي أن الثمن بالحقيقة عشرة آلاف؛ بقرينة نقده هذا المقدار، فلو جعل العشرة والدينار في مقابلة الثمن الحقيقي، لزم الربا؛ بخلاف ما إذا نقص درهم؛ فإن الدينار في مقابلة ذلك الواحد، والألف إلا واحد في مقابلة الألف إلا واحد،

ولا مفاضلة، فإن قيل: هذا الفرع مع ما بعده إلى آخر الباب، ومع الحديث الذي قبله موضعُه المناسب قبل (باب: احتيال العامل)؛ لأنه من بقية مسائل الشفعة، وتوسطُ ذلك الباب بينهما أجنبي، قيل: لعله من جملة تصرفات النقلَة عن الأصل، ولعله كان في الحاشية، ونحوها، فنقلوه إلى غير محله، أو باعتبار أنه لما جعل الترجمة مشتركة بينهما، وهي: باب الهبة والشفعة، لم يفرق بين مسائلها. (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -) موصول في (البيع)، وسبق الكلام عليه. * * * 6981 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ سَاوَمَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ"، مَا أَعْطَيْتُكَ. الثالث: سبق الكلام عليه في الباب قبله. (ساوم)؛ أي: عين الثمن، ووجهُ ذكرِ الحديثِ هنا: أن الجار لما كان أحقَّ بالمبيع، وجب أن يكون أحقَّ بأن يرفُق به في الثمن، ولذا لم يأخذ أبو رافع من سعد ما أعطاه غيره من الثمن بحق الجوار الذي أمره الله تعالى بمراعاته. * * *

92 - كتاب التعبير

92 - كِتابُ التَّعْبير

1 - باب التعبير، وأول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة

بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحْيمِ 92 - كِتابُ التَّعْبِيرِ 1 - باب التعبير، وأَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِ الرُؤْيَا الصَّالِحةُ (كتاب التعبير) قيل: الفصيح: العبارة، لا التعبير، وهي: التفسير والإخبار بآخر ما يؤُول إليه أمرُ الرؤيا. (الرؤيا) بالهمز مقصور: لما في المنام؛ بخلاف الرؤية؛ فإنها في البصر، والرأي في العلم. 6982 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: الزُّهْرِيُّ فَأْخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْح، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً

فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهْوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، حَتَّى بَلَغَ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ}، فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ: "زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي"، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: "يَا خَدِيجَةُ! مَا لِي؟ "، وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، وَقَالَ: "قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، فَقَالَتْ لَهُ: كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نوفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّة مِنَ الإِنْجيلِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمٍّ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي! مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا

جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا، حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ " فَقَالَ وَرَقَةُ: نعمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نصرًا مُؤَزَرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِي، وَفترَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - -فِيمَا بَلَغَنَا- حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤُسِ شَوَاهِقِ الْجبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقِرُّ نفسُهُ فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}: ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ. (فأخبرني) أتى بالفاء؛ إشعارًا بأنه روى له حديثًا، ثم عَقَّبه بهذا الحديث، فهو عطف على مقدَّر. (الصادقة)؛ أي: المطابقة للواقع. (رؤيا) بلا تنوين. (وهو التعبد) إدراجٌ من الراوي. (جَذَعًا): شابًّا قويًّا، ونصبه؛ إما على تقدير: أكون جذعًا، وإما على نصب الجزأين بـ (ليت)، أو حال، وسبق شرحُ الحديث مبسوطًا، لا حاجة إلى إعادته.

2 - باب رؤيا الصالحين

(حَزِن) بكسر الزاي. (فيما بلغنا)؛ أي: في جملة ما بلغنا من أمره - صلى الله عليه وسلم -. ومن هنا إلى آخر الحديث الظاهرُ من السياق أنه ثابتٌ بغير هذا الإسناد. (يتردَّى): يسقط. (شواهق) الشاهق: المرتفع العالي من جبلٍ أو غيرِه. (جأشه) بهمز وغيره؛ أي: قلبه. واعلم أن عائشة - رضي الله عنها - لم تدرك ذلك الوقت؛ فإما أنها سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من صحابي آخر. * * * 2 - باب رُؤْيَا الصَّالِحِينَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا}. (باب: رؤيا الصالحين) 6983 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

3 - باب الرؤيا من الله

"الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْأً مِنَ النُّبُوَّةِ". (الحسنة) إما باعتبار حسنِ ظاهرِها، أو حسنِ تأويلها، وقسموا الرؤيا إلى: حسن الظاهر، والباطن؛ كالتكلم مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحسن الظاهر فقط؛ كسماع الملاهي، ورديء الظاهر والباطن؛ كلدغ الحيّة، وردي الظاهر لا الباطن؛ كذبح الولد. (من النبوة)؛ أي: في حق الأنبياء دون غيرهم، وكان الأنبياء يوحى إليهم في منامهم كما يوحى في اليقظة، وقيل: معناه: أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة، لا أنها جزءٌ باقٍ من النبوة. * * * 3 - باب الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ (باب: الرؤيا من الله) 6984 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى -هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ- قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قتادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ". الحديث الأول: (هو ابن سعيد)؛ أي: ذلك من تعريفه، لا من لفظ شيخه.

(والحلم) بضمتين وبسكون اللام: الرؤيا، لكن خصصوا الرؤيا بالمحبوب، والحلم بالمكروه، قالوا: يخلق الله تعالى في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، وإنما جعلها علمًا على أمور أُخرى يخلقها في ثاني الحال؛ كالغيم علامة للمطر، والكلُّ من خلق الله تعالى؛ لكن جعل ما هو علم على ما يصير بحضور الشيطان، فنسب إليه مجازًا؛ لحضوره عندها، وإن كان لا فعل له حقيقةً. * * * 6985 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَباب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ". الثاني: (من الشيطان) إما بحضوره -كما سبق-، وإما لأنها على شاكلته وطبعه. (ولا يذكرها لأحد)؛ أي: لأنه ربما فسرها بما يحزنه في الحال أو في المآل. * * *

4 - باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوة

4 - باب الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْأً مِنَ النُّبُوَّةِ (باب: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) 6986 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ -وَأثنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، لَقِيتُهُ بِالْيَمَامَةِ- عَنْ أَبِيهِ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قتادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَعَوَّذْ مِنْهُ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ"، وَعَنْ أَبِيهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مِثْلَهُ. الحديث الأول: (وأثنى عليه)؛ أي: وأثنى مُسَدَّدٌ على عبد الله. (اليمامة) بتخفيف الميم: بلاد بين مكة واليمن. (فإذا حلَم) بفتح اللام. (فليبصُقْ)؛ أي: طردًا للشيطان، وتحقيرًا، واستقذارًا له. (عن شماله)؛ لأنها محل الأقذار والمكروهات. (مثله) اختلف في أنه هل يجوز روايةُ الحديث الأول بهذا

الإسناد الذي قال فيه: مثله؟ فقال شعبة: لا، وقال الثوري: نعم، وقال ابن مَعين: يجوز إذا قال: مثله، ولا يجوز إذا قال: نحوه. قيل: إدخالُ حديثِ أبي قَتادة هذا في هذه الترجمة لا وجهَ له، إنما يناسب الباب الذي قبله. * * * 6987 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْأً مِنَ النُّبُوَّةِ". الثاني: (من ستة وأربعين) قال (خ): قيل: لأن مدةَ الوحي ثلاثة وعشرون سنة، منها ستة أشهر أولًا في منامه، ونسبتُها جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا. قال: ويلزمهم أن يلحقوا بها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه في منامه في تضاعيف أيام حياته - صلى الله عليه وسلم -. قال (ك): لا يلزم؛ لأن تلك الأوقات منغمرةٌ في الوحي يقظةً، والعبرةُ بالأغلب؛ بخلاف الستة الأشهر؛ فإنها منحصرةٌ مختصةٌ بالوحي المنامي، انتهى. وقيل: إن الوحي كان يأتيه - صلى الله عليه وسلم - على ستة وأربعين نوعًا، الرؤيا نوعٌ منها، وقد حاول الحَلِيمِيُّ تعدادَ تلك الأنواع.

وقال (خ): معنى الحديث تحقيقُ أمر الرؤيا، وأنها مما كان الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يثبتونه، وكانت جزءًا من أجزاء العلم الذي يأتيهم. قال (ع): روي: (تسعة وأربعين)، (وسبعين)، و (خمسين)، فقيل: هذا الاختلاف باختلاف حال الرائي، فللصالح -مثلًا- جزءٌ من ستة وأربعين، وللفاسق جزءٌ من سبعين، وما بينهما لمن بينهما. وقال (ط): الرؤيا قسمان: جلية ظاهرة؛ كمن رأى أنه يسافر، فسافر في اليقظة، وخفية بعيدةُ التأويل؛ والنبوةُ من الإنباء كما سيأتي، فإذا قلت: الأجزاء كانت أقربَ إلى النبأ الصادق وأجلى، وإذا كثرت، خفي تأويلُها؛ كما أن الوحي تارة كان كلامًا صريحًا، وأُخرى مثل صلصلة الجرس، فاضْبِطِ التوجيهات التي لمعنى الترجمة، وَوَجِّهِ الاختلافَ بين الروايات، واخترْ منها ما شئت. * * * 6988 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْأً مِنَ النُّبُوَّةِ". رَوَاهُ ثَابِتٌ، وَحُمَيْدٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَشُعَيْبٌ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

الثالث: قال بعضهم: معنى الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - قد خُصَّ بطريق إلى العلم لم تحصُل لغيره؛ فالمرادُ: أن الرؤيا نسبتُها مما حصل له جزء من ستة وأربعين. قال (ط): فإن قيل: ما معنى الرؤيا جزء من النبوة؟ قلنا: إن لفظ النبوة مأخوذ من الإنباء؛ أي: الرؤيا إنباءُ صدقٍ من الله تعالى لا كذبَ فيه؛ كالنبوة. (ورواه ثابت)؛ أي: البُنَاني؛ وصله مسلم. (وحُميد) وصله أحمد. (وإسحاق) سيأتي وصله. (وشعيب) وصله ابن مَنْدَهْ في كتاب "الروح" له. * * * 6989 - حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَباب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ ستَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْأً مِنَ النُّبُوَّةِ". الرابع: نحو الذي قبله. * * *

5 - باب المبشرات

5 - باب الْمُبَشِّرَاتِ (باب: مبشرات) 6990 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ"، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ". (لم يبق) هو، وإن كان للمضي؛ لكن المراد منه: المستقبل؛ إذ قبل كمال زمانه - صلى الله عليه وسلم - كان غيرها باقيًا منها، فيؤولُ بأنه في زمانه لم يبق لأحد غيره نبوة؛ نعم، لا يقال لصاحب الرؤيا الصالحة: إن له شيئًا من النبوة؛ لأن جزء الشيء غيره، أو لا هو ولا غيره، فلا نبوة له. (إلا المبشرات) إن قيل: الرؤيا الصالحة قد تكون من المنذرات؛ لأن الصلاح قد يكون باعتبار تأويلها، قيل: فيعود حينئذ لكونها مبشرة إنما يخرج ما لا صلاح له، لا صورة، ولا تأويلًا. * * *

6 - باب رؤيا يوسف

6 - باب رُؤْيَا يُوسُفَ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. وَقَوْلهِ تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}. فَاطِرٌ وَالْبَدِيعُ وَالْمُبْتَدِع وَالْبَارِئُ وَالْخَالِقُ: وَاحِدٌ، مِنَ الْبَدْءِ بَادِئَةٍ. (باب: رؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام) قوله: (من البدو)؛ أي: كما قال تعالى: {السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف: 100]؛ أي: من البادية، ويحتمل أن قصده بذلك: أن فاطر السموات والأرض معناه: البديع، والخالق، والبادئ: من

7 - باب رؤيا إبراهيم عليه السلام

البدء، وهو الخلق، ففاطره بمعنى: بادئه. * * * 7 - باب رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}. قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَسْلَمَا}: سَلَّمَا مَا أُمِرَا بِهِ، {وَتَلَّهُ}: وَضَعَ وَجْهَهُ بِالأَرْضِ. (باب: رؤيا إبراهيم - عليه السلام -) قوله: (سلما ما أُمرا به)؛ أي: من الذبح، ووضع جبهته ملتصقًا بالأرض، وهذان البابان لم يذكر البخاري فيهما حديثًا. * * * 8 - باب التَّوَاطُؤُ عَلَى الرُؤْيَا (باب: التواطُؤ على الرؤيا)؛ أي: التوافق عليها.

9 - باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك

6991 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّ أُناَسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبع الأَوَاخِرِ، وَأَنَّ أُنَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْتَمِسُوهَا فِي السَّبع الأَوَاخِرِ". (أُروا)؛ أي: في المنام. (السبع الأواخر) مقتضى الظاهر: الآخر؛ لأن السبع مفرد؛ لكنه روعي فيه كل جزء من السبع، فوصف بالجمع لذلك. قيل: وكان الأليق للبخاري أن يخرج في الباب حديث: "أَرَى رُؤْياكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ"، قاله الإسماعيلي. * * * 9 - باب رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالْفَسَادِ وَالشِّرْكِ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ

أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ}، وَقَالَ الْفُضَيْلُ لِبَعْضِ الأتبَاعِ: يَا عَبْدَ اللهِ: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إلا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إلا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}. {وَادَّكَرَ}: افْتَعَلَ، مِنْ ذَكَرَ، {أُمَّةٍ}: قَرْنٍ، وَتُقْرَأُ: أَمَهٍ: نِسْيَانٍ،

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَعْصِرُونَ}: الأَعْنَابَ وَالدُّهْنَ، {تُحْصِنُونَ}: تَحْرُسُونَ. (باب: رؤيا أهل السجون، والفساد، والشرك) قوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف:36]. استدل به من قال: الرؤيا الصادقة تكون للكافر أيضًا، على معنى: أنَّ ما يبشر به يكون غرورًا من الشيطان، فنقص لذلك حظه من رؤياه؛ أما أنَّ رؤياه جزء من النبوة، فلا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قال: "رُؤْيَا المُؤْمِنِ". (تعصِرون)؛ أي: الأعنابَ، والدُّهْنَ، والسمسمَ، ونحوه. (وادَّكر) افتعلَ من الذِّكر -بالمعجمة-، فقُلب وأُدغِمَ. (أُمّة)؛ أي: قرن من الناس. (ويقرأ)؛ أي: وقرئ شاذًّا. (أَمَه) بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهاء؛ أي: (نسيان). * * * 6992 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، ثُمَّ أتانِي الدَّاعِي لأَجَبْتُهُ".

10 - باب من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام

(ما لبث يوسفُ)، أي: وهو بضع سنين. (الداعي)؛ أي: الذي دعاه إلى الخروج. (لأجبته)؛ أي: ولم أقل: ارجعْ إلى ربك فسله: ما بالُ النسوةِ اللاتي قطعنَ أيديهنَّ، وليس فيه أن يوسفَ أكملُ حالًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لكونه يوصف بالصبر والتثبّت في عدم إجابته الداعي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال ذلك تواضعًا، أو لعل في الخروج مصالحَ الإسراعُ بها أولى، وسبق في (كتاب الأنبياء). * * * 10 - باب مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَنَامِ (باب: من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام) 6993 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي"، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ. الحديث الأول: (فسيراني) هو، وإن كان الكلُّ يرونه في الآخرة، الرائي وغيره؛ ولكن المراد هنا: أهلُ عصره؛ أي: من رآه في المنام، وفقه الله تعالى

للهجرة إليه، فيراه؛ أي: يرى تصديق رؤيته ذلك في الدار الآخرة، أو يراه فيها رؤية خاصة في القرب منه والشفاعة. (ولا يتمثل)؛ أي: لا يحصل له مثالُ صورتي، ولا يُشبه بي، كما منع الله الشيطان أن يتصور بصورتي في اليقظة؛ كذا في المنام؛ لئلا يشتبه الحقُّ بالباطل. * * * 6994 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإنَّ الشَّيْطَانَ لَا يتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْأً مِنَ النُّبُوَّةِ". الثاني: (فقد رآني) المغايرة بين الشرط والجزاء بأن يقدر: فأخبره بأن رؤيته حقٌّ لا أضغاثُ أحلام، ولا تخييلٌ من الشيطان، وإنما كان كذلك، وهو - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، والرائي في المشرق أو المغرب؛ لأن الرؤية أمر يخلقه الله تعالى، ولا يشترط عقلًا مواجهة، ولا مقابلة، ولا خروج شعاع ولا غيره، ولهذا جاز أن يرى أعمى الصين قبة أندلس، فإن قيل: كثيرًا [ما] يُرى على خلاف صفته المعروفة، ويرى شخصان في حالة واحدة في مكانين، والجسم الواحد لا يكون إلا في مكان واحد! قيل: قال (ن) عن بعضهم: ذلك ظنُّ الرائي أنه رآه

كذلك، وقد يظن الظانُّ بعض الخيالات مرئيًّا؛ لكونه مرتبطًا بما يراه عادة، فذاتُه الشريفة مرئية قطعًا، لا خيالٌ، ولا ظن فيه؛ لكن هذه الأمور العارضة قد تكون متخيلة للرائي، وسبق فيه تحقيقات في (كتاب العلم). (باب: رؤيا المؤمن) أي: الصالحة من المؤمن الصالح، دل على هذا التقييد الأحاديثُ السالفة. قال (ك): رأيته - صلى الله عليه وسلم - بأصبهان، فقلت له: يا رسول الله! حديث: (مَنْ رَآنِي في المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي) حديثٌ صحيح؟ فقال: حديثٌ صحيح. * * * 6995 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قتادَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلاَثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَزَايَا بِي". الحديث الأول: (فلينفُث) بالضم والكسر، والنفثُ شبيهٌ بالنفخ، وهو أقلُّ من التفل؛ لأن التفل معه ريق؛ نعم، ستأتي رواية: (فليبصُقْ)، ورواية:

(فليتفل)، وبينهما تفاوت؛ فينبغي فعلُ الجميع؛ لأنه دحرٌ للشيطان؛ لأنه من باب رمي الجمار. (لا تَضُرُّهُ)؛ أي: جعل الله ذلك سببًا لسلامته من ذلك المكروه، كما جعلَ الصدقةَ وقايةً للمال، وسبق آنفًا. (لا يَتَزَايا بي)؛ أي: لا يتصدَّى لأن يصير مرئيًّا بصورتي، وروي: (يتراءى) بالراء. * * * 6996 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قتَادَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ". تَابَعَهُ يُونُسُ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيَّ. الثاني: (رأى الحق)؛ أي: الرؤيا الصحيحة الثابتة، لا أضغاث أحلام، ولا خيالات الشيطان. (تابعه يونس، وابن أخي الزهري)، واسمه محمد، وصلهما مسلم. * * * 6997 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ

11 - باب رؤيا الليل

الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَباب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ سَمعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّننُي". الثالث: (لَا يَتَكَوَّنُنِي)؛ أي: لا يتكلف كونًا مثل كوني، ولا يتخذ كوني؛ أي: لا يتشكل بشكلي، وتعديةُ التكون -وهو لازم- إما لأن لزومه غيرُ مُطَّرد، وإما أن يكون على حذف مصدر؛ أي: لا يتكون كوني، فلما حذف، اتصل المضاف إليه بالفعل. * * * 11 - باب رُؤْيَا اللَّيْلِ رَوَاهُ سَمُرَةُ. (باب: رؤيا الليل) قوله: (رواه سَمُرَة) سيأتي موصولًا بطوله آخر (كتاب التعبير). * * * 6998 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِم، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ، إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيح خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنتُمْ تَنْتَقِلُونها. الحديث الأول: (مفاتيح الكلم)؛ أي: لفظٌ قليل مفيد لمعانٍ كثيرة، وهو غايةُ البلاغة، شبه بمفتاح الخزائن؛ لأنه آلة للوصول إلى مخزونات كثيرة، وفي رواية تأتي قريبًا: (بُعِثْتُ بِجَوَامعِ الكَلِمِ)، وفسره البخاري: بأن الله تعالى يجمع له الأمورَ الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله، في الأمر الواحد، والأمرين، ونحو ذلك. (بالرُّعْب) بضم العين وسكونها: الفزع؛ أي: ينهزمون من عسكر الإسلام بمجرد الصيت، ويخافون منهم، أو ينقادون من غير إيجافِ خيلٍ، ولا رِكابٍ. (البارحة) اسم لليلة الماضية، وإن كان قبل الزوال. (حتى وضعت في يدي) إما حقيقة، أو مجاز باعتبار الاستيلاء عليها. (تنتثلونها) بالمثلثة: تستخرجونها، وذلك كاستخراجهم خزائنَ كسرى، ودفائن قيصر، وفي بعضها: (تنتفلونها) بالفاء؛ أي: تغتنمونها، وفي بعضها: بالقاف؛ من انتقل من مكان إلى مكان. * * *

6999 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَن مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رَجَّلَهَا تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ، أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ ابْنُ مَريَمَ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ". الثاني: (عواتق رجلين) أُضيف وهو جمعٌ لمثنَّى على حدِّ: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4]؛ لعدم الالتباس. (الدّجّال) لا ينافي هذا؛ وكذا ما سبق في (الأنبياء) في (باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]) أنه كان يطوف ما ورد أن الدجال لا يدخل مكة؛ لأن المراد: لا يدخل وقت خروجه، وظهور شوكته، وسبق بيانه هناك. * * * 7000 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كثِيرٍ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ شُعَيْبٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ مَعْمَرٌ لَا يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ. الثالث: (رأيت) في بعضها: (أُرِيت). (وساق الحديث)؛ أي: وهو: "إِنِّي رَأَيْتُ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالعَسَلَ"، وسيأتي قريبًا. (تابعه سليمان) وصله مسلم، وهو أيضًا في "مسند الدارمي". (وابن أخي الزُّهْري) وصله الذُهْلي في "الزُّهْريات". (وسفيان) وصله أحمد. (وقال الزُّبَيْدي) وصله مسلم. (وقال شعيب، وإسحاق) وصلهما الذُّهْلي في "الزُّهْرِيات"، والفرق بين هذه الطرق: أن الأول عن ابن عباس، والثالث عن أبي هريرة، والثاني عن أحدهما على الشك، وفي بعضها: (وأبا هريرة)، فيكون عنهما معًا، وفي الثالث نوع انقطاع.

12 - باب الرؤيا بالنهار

(وكان مَعْمَر) وصله مسلم، وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" مبينًا. (حتى كان بعد)؛ أي: ثم أسنده بعد ذلك، كأنه تذكر، أو غير ذلك، وقيل: كان تارة يسنده إلى ابن عباس، وأُخرى إلى أبي هريرة. * * * 12 - باب الرُّؤْيَا بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: رُؤْيَا النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيْلِ. (باب: الرؤيا بالنهار) 7001 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ. 7002 - قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ، غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ"، أَوْ: "مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، شَكَّ إِسْحَاقُ،

13 - باب رؤيا النساء

قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ، غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ"، كَمَا قَالَ فِي الأُولَى، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ"، فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَهَلَكَتْ. (يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ)؛ لأنها خالته من الرضاع. (تَفْلِي)؛ أي: تفتش عن القمل، وفيه معجزة، وسبق في (الجهاد) في (باب غزو المرأة في البحر). * * * 13 - باب رُؤْيَا النِّسَاءِ (باب: رؤيا النساء) 7003 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ، امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْمُهَاجِرِينَ قُرْعَةً، قَالَتْ: فَطَارَ لنا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَنْزَلْنَاهُ فِي

أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِي فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِي غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! فَشَهَادتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟ " فَقُلْتُ: بأَبِي أَنْتَ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا هُوَ فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِي؟ " فَقَالَتْ: وَاللهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. الحديث الأول: (أُمّ العلاء) بالمد، قال الترمذي: هي أُمّ خارجة، ولعله كان له غرض في عدم تعيينه لها. (فَطَارَ لنا)؛ أي: وقع في سهمنا. (فشهادتي) مبتدأ، (عليك) يتعلق به، والخبر الجملةُ القَسَميّة بتقدير القول؛ أي: شهادتي عليك قولي هذا، وإنما قالت: عليك، وهي شهادة له؛ لأن القصد محضُ الاستعلاء. (بأبي)؛ أي: أنت مفدى بأبي. (اليقين): الموت. (أما هو) قسيم (أما) إما أن يكون قوله: (والله ما أدري)، وإما مقدر نحو: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، إن لم يكن عطفًا على الله، والنفي في الدراية باعتبار الأمور التفصيلية، وإلا، فمن المعلوم

14 - باب الحلم من الشيطان، فإذا حلم فليبصق عن يساره، وليستعذ بالله عز وجل

أن الله تعالى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطاه من المقامات ما لم يؤتَ غيره، وسبق الحديث في (الجنائز). * * * 7004 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا، وَقَالَ: "مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ"، قَالَتْ: وَأَحْزَننَي فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ذَلِكَ عَمَلُهُ". الثاني: (به)؛ أي: لعثمان. (ذلك)؛ أي: العين، كما أن الماء الجاري غير منقطع، كذلك لا ينقطع ثواب عمله. * * * 14 - باب الْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَسْتَعِذ بِاللهِ عَزَّ وجَلَّ (باب: الحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَان) 7005 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا قتادَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ

15 - باب اللبن

أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفُرْسَانِهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدَكُمُ الْحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْهُ، فَلَنْ يَضُرَّهُ". (وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) فائدة ذكره مع أنه معلوم: التعظيم، والافتخار، وتعليم الجاهل به، سبق بيانه قريبًا. * * * 15 - باب اللَّبَنِ (باب: اللّبَنِ) 7006 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحٍ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي"، يَعْنِي: عُمَرَ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ". (أظافيري) جمع أظفار، وإنما عُدِّيَ يخرج بـ (في)، وهو مُعَدّى بـ (من)؛ بتأويل: يخرج من البدن حاصلًا أو ظاهرًا في الأظافير، أو من باب مقارضة حروف الجر؛ نعم، الرِّيُّ بمعنى

16 - باب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره

الخروج من عوارض الأجسام، فيؤوّل على معنى ما يروى به، أو على تقدير: أثر الري، أو نحو ذلك. (العلم) هو بالنصب، ووجه تأويل اللّبن به: أن اللّبن أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا، وبه تقوم حياته، كذلك حياةُ القلوب تقوم بالعلم؛ أي: وهو أول كل عبادة. * * * 16 - باب إِذَا جَرَى اللَّبَنُ فِي أَطْرَافِهِ أَوْ أَظَافِيرِهِ (باب: إذا جرى اللّبنُ في أطرافه وأظافيره) 7007 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَطْرَافِي، فَأَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ". أورد فيه الحديث السابق بلفظ: (من أطرافي)؛ لأن الأظفار أطراف أيضًا. * * *

17 - باب القميص في المنام

17 - باب الْقَمِيصِ فِي الْمَنَامِ (باب: القميص في المنام) 7008 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ"، قَالُوا: مَا أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ". (قُمُصٌ) جمع قميص. (الثُّدِيّ) بضم المثلثة وكسر الدال: جمع ثَدْي -بفتحها وسكون الدال-. (الدِّين) مناسبته: أن القميص يستر العورة؛ كما يستر الدِّينُ الأعمالَ السيئة. * * * 18 - باب جَرِّ الْقَمِيصِ فِي الْمَنَامِ (باب: جَرِّ القميصِ في المنام) 7009 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ،

19 - باب الخضر في المنام، والروضة الخضراء

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَني أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُيصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجْتَرُّهُ"، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ". لا يعارض بالنهي عن جَرِّ القميص؛ لأن المنهيَّ عنه القميصُ الذي يُجَرُّ للخُيَلاء، لا القميصُ الأخروي الذي هو لباسُ التقوى. * * * 19 - باب الْخُضَرِ فِي الْمَنَامِ، وَالرَّوْضَةِ الْخَضْرَاءِ (باب: الخُضَرِ في المنَام) 7010 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: كنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّمَا رَأَيْتُ كأَنَّمَا عَمُودٌ وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فَنُصِبَ فِيهَا وَفِي رَأْسِهَا عُرْوَةٌ، وَفِي أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ، وَالْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ، فَقِيلَ:

ارْقَهْ، فَرَقِيتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَمُوتُ عَبْدُ اللهِ وَهْوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى". (سعد بن مالك) هو ابنُ أبي وَقَّاص. (من أهل الجنة)؛ لأنهم سمعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في ابن سلام: "لَا يَزَالُ مُسْتَمْسِكًا بِالإِسْلاَمِ حَتَّى يَمُوتَ". (ما كان ينبغي) إنكارُه عليهم ذلك تواضعًا، وكراهةَ أن يدخله العُجْب، أو أنهم لم يسمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحًا؛ بل قالوه استدلالًا واجتهادًا، والحملُ على الأول أولى، فقد جاء صريحًا أنه من أهل الجنة. (فَنُصِبَ) مبني للمفعول، وهو من النصب ضد الخفض، وفي بعضها: (قبضت)؛ من القبض -بالقاف، وإعجام الضاد بالبناء للمجهول أيضًا-، وفي بعضها: (فنضب) -بفاء العطف، وإعجام الضاد، والبناء للفاعل- من ناضَ بالمكان؛ أي: أقام به. (رأسها)؛ أي: رأس العمود كما صرح به في الحديث الآتي، فقال: في أعلى العمود عروة، وتأنيثُ ضميره؛ إما لكونه مؤنثًا سماعيًّا، أو لتأويله بعمده، أو عموده. (مِنْصَف) بكسر الميم. (الوصيف) بالمهملة: الخادم. (رَقِيتهُ) بكسر القاف.

20 - باب كشف المرأة في المنام

(العروة الوثقى)؛ أي: في قوله تعالى: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256]. * * * 20 - باب كَشْفِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَنَامِ (باب: كشْف المرأة في المنَام) 7011 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُل يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ". (أُريتُك) بالبناء للمفعول. (سَرَقَة) بفتح المهملة والراء وبالقاف: القطعة من الحرير. (فكأشفُها) بلفظ المتكلم. (يُمضيه)؛ أي: يُنْفِذُه ويُتِمُّه، وهذه الرؤيا يحتمل أن تكون قبل النبوة، أو بعدها، وبعد العلم بأن رؤياه وحي، فعبر عما علم بلفظ الشك وهو يقين؛ للإشارة إلى أنه ليس له فيه اختيار ولا قدرة. * * *

21 - باب ثياب الحرير في المنام

21 - باب ثِيَابِ الْحَرِيرِ فِي الْمَنَامِ (باب: الحرير في المنام) 7012 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ: اكشِفْ، فَكَشَفَ، فَإذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ". (حدثنا محمد) يحتمل ابن سلام، وابن المثنى. قال الكلاباذي: كلاهما يروي عن أبي معاوية محمد بن خَازِم -بالمعجمة والزاي-. (المَلَك) قد سبق بلفظ: (رجل)، ولا تنافي؛ فإن المَلَك يتشكل بشكل الرجل، وهنا قال: إن المَلَك كشف عنها، وهناك قال: فأكشفها؛ فيحتمل أن المراد به: أُمرت بكشفها، وأن كُلًّا منهما كشف شيئًا. * * *

22 - باب المفاتيح في اليد

22 - باب الْمَفَاتِيحِ فِي الْيَدِ (باب: المفاتيح في اليد) 7013 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِم، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيح خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي"، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِم: أَنَّ اللهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالأَمْرَيْنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. سبق الحديث فيه قريبًا. * * * 23 - باب التَّعْلِيقِ بِالْعُرْوَةِ وَالْحَلْقَةِ (باب: التعلق بالعروة والحلقة) 7014 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ (ح) وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاذ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا

24 - باب عمود الفسطاط تحت وسادته

قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ، وَسَطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ فِي أَعْلَى الْعَمُودِ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ، قُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ، فَأَتَانِي وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي فَرَقِيتُ، فَاسْتَمْسَكْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَانْبَهْتُ وَأَنَا مُسْتَمْسِكٌ بِهَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "تِلْكَ الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الإِسْلاَمِ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ، وَتلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، لَا تَزَالُ مُسْتَمْسِكًا بِالإسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ". سبق تفسير غالب الحديث فيه. (فانتبهت وأنا مستمسك)؛ أي: حالةَ استمساكي، وإلا، فكيف يستمسك بعد الانتباه؟ ويحتمل الحقيقةَ، فالقدرةُ صالحة. (روضة الإسلام) يحتمل أن يراد بها: جميع ما يتعلق بالدِّين، وأما عمود الإسلام؛ فالأركان الخمسة، أو كلمة الشهادة، والعروة الإيمان، ومر الحديث في (كتاب الفضائل). * * * 24 - باب عَمُودِ الْفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ (باب: عمود الفُسْطاط) ويقال: فُستات، وفُستاط، وفُساط -بضم الفاء فيهن وكسرها- هو: السُّرادق.

25 - باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام

قال (ط): سألت المهلبَ: كيف لم يذكر البخاري في هذه الترجمة حديثًا؟ فقال: لعله رأى حديثَ ابنِ عُمر أكملَ؛ إذ فيه أن السَّرَقَةَ قد كانت مضروبة في الأرض على عمود كالخباء، وابن عُمر اقتلعها، فوضعها تحت وسادته، وقام هو بالسَّرَقَة يمسكها، وهي كالهودج من إستبرق، فلا يرى موضعًا من الجنة إلا طار إليه، ولما لم يكن هذا بسنده، لم يذكرهُ، لكنه ترجم به؛ ليدل أن ذلك مروي من فعلهم، أو ليبين سنده، فيلحقه به، فأعجلتهُ المنيةُ عن تهذيب كتابه. * * * 25 - باب الإِسْتَبْرَقِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ فِي الْمَنَامِ (باب: الإستبرق) هو الغليظُ من الديباج، فارسيٌّ معرَّبٌ بزيادة القاف. 7015 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَاَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ، لَا أَهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ. 7016 - فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ" وقَالَ: "إنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ".

26 - باب القيد في المنام

(أَهْوِي) من الإهواء، أو الهُوِيِّ، وهو السقوط والامتداد، والارتفاع، ويُعَبّر الحرير بالشرف؛ لأنه من أشرف الملابس، وطيرانُ السَّرَقَة قوة يرزقه الله تعالى على التمكن من الجنة حيث شاء. * * * 26 - باب الْقَيْدِ فِي الْمَنَامِ (باب: القيد في المنام) 7017 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ عَوْفًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سيرِينَ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - رضي الله عنه -: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْأً مِنَ النُّبُوَّةِ"، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أقولُ هَذِهِ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، قَالَ: وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ يُعْجبُهُمُ الْقَيْدُ، وَيُقَالُ: الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ، وَرَوَى قتادَةُ، ويُونسٌ، وَهشَامٌ، وَأَبُو هِلاَلٍ، عَنِ ابْنِ سيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّهُ فِي الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ، وَقَالَ يُونُسُ: لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقَيْدِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لَا تَكُونُ الأَغْلاَلُ إِلَّا فِي الأَعْنَاقِ.

(لم تكد تكذب) في بعضها: (لم تكن تكذب)، برفع (تكذب) وجزمه بدلًا. قال (خ): يعني: إذا تقارب الزمان؛ بأن يعتدل ليلُه، ونهارُه، وقيل: المرادُ: قرب القيامة. (وقال محمد)؛ أي ابنُ سيرين، وهو من كبار التابعين. (هذه)؛ أي: المقالة؛ يعني: (وكان يقال) إلى آخره. (حديث النفس) هو ما كان في اليقظة في خيال الشخص، فيرى ما يتعلق به عند المنام. (وتخويف الشيطان) هو الحلم؛ أي: المكروهات منه. (وبشرى) غير منصرف؛ أي: المبشرات، وهي المحبوبات، وقد اختلف في ذلك، فقيل: من لفظ: (وكان يقال) إلى لفظ: (في الدِّين) كله كلامُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: كلُّه كلامُ ابنِ سيرين. (وكان يكره) الضمير لأبي هريرة، وقال بعضهم: لا أدري، أهو في الحديث، أم كلام ابن سيرين؟ (القَيْد: ثبات في الدِّين) هو كلام رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: فاعل (وكان يكرهُ)، لعل محمدًا خشي أن يؤوّل معنى التقارب بأن المراد منه: رؤيا المؤمن كلُّها، والكلُّ جزء من النبوة، فقال: الرؤيا ثلاث، وأن المراد به: إنما هو القسم الأخير. (ورواه قتادة) وصله مسلم.

27 - باب العين الجارية في المنام

(ويونس) وصله البزار. (وهشام) وصله أحمد، وإسحاق في "مسنده"، ومسلم. (وأبو هِلال) هو محمد بن سُليم -بالضم- الرّاسِبِيّ. (كله)؛ أي: المذكور من لفظ: (الرؤيا ثلاث) إلى: (في الدِّين). (أبين)؛ أي: في أن لا يكون ذلك من الحديث، ولفظ: (يُعجبهم) يُشعر بذلك. (في القَيْد)؛ أي: ما ذكر في القَيْد: ثباتٌ في الدِّين. (إلا في الأعناق)؛ أي: غالبًا، فقد قال تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 64]، قال في "المُحْكَم": الغلّ: جامعةٌ توضع في العنق، أو اليد، والجمعُ أغلال، لا تُكَسَّر على غير ذلك، وفي "جامع القزاز": واليد مجعولة في الغلّ. 27 - باب الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ فِي الْمَنَامِ (باب: العين الجارية في المنام) 7018 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلاَءِ، وَهْيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: طَارَ لنا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، فَاشْتكَى،

28 - باب نزع الماء من البئر حتى يروي الناس

فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِي، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ كرَمَكَ اللهُ، قَالَ: "وَمَا يُدْرِيِكِ؟ " قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللهِ، قَالَ: "أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنَ اللهِ، وَاللهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللهِ، مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ"، قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: فَوَاللهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَجئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ". (من نسائهم)؛ أي: نساء الأنصار، وهي أُمّ خارجة كما بيناه قريبًا. (في السُّكنى)؛ أي: في الإقامة والتوطُّن في بيوتنا. (تجري)؛ أي: الثواب المستمر، وسبق قريبًا. * * * 28 - باب نَزْعِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ حَتَّى يَرْوَي النَّاسُ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: نزع الماء من البئر حتى يروى الناس) قوله: (رواه أبو هريرة) موصول في الباب بعده. * * *

29 - باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف

7019 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُويرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، فَغَفَرَ اللهُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ". الحديث سبق في (المناقب)؛ وكذا الحديث الأول، والثاني (¬1). * * * 29 - باب نَزْعِ الذَّنُوبِ وَالذَّنُوبَيْنِ مِنَ الْبِئْرِ بِضَعْفٍ (باب: نزع الذَّنوب والذَّنوبَيْن) 7020 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رُؤْيَا النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ قَامَ ابْنُ الْخَطَّابِ، فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَمَا ¬

_ (¬1) أي من الباب التالي، وهو (باب نزع الذنوب والذنوبين).

30 - باب الاستراحة في المنام

رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ". 7021 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ وَعَلَيْها دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ". وفي: * * * 30 - باب الاِسْتِرَاحَةِ فِي الْمَنَامِ (باب: الاستراحة في المنام) 7022 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنِّي عَلَى حَوْضٍ أَسْقِي النَّاسَ، فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرِيحَنِي، فَنَزَعَ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ

31 - باب القصر في المنام

لَهُ، فَأَتَى ابْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ مِنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ، حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ". أنه: (على حوض)، ولا ينافي ما سبق: (على بئر)، أو (قَلِيب). (يتفجر) إشارة إلى زيادة مادة الإسلام، وسبق الحديث في (الفضائل)، وغيرِه. * * * 31 - باب الْقَصْرِ فِي الْمَنَامِ (باب: القصر في المنام) 7023 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تتوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غِيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ -بأبِي أَنْتَ وَأُمِّي- يَا رَسُولَ اللهِ! أَغَارُ؟ الحديث الأول: (رَأيْتُني) بضمير المتكلم.

32 - باب الوضوء في المنام

(غَيْرَته) فيه ذكرُ الرجل بما يعلم من حاله. * * * 7024 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَدْخُلَهُ، يَا ابْنَ الْخَطَابِ! إِلَّا مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ"، قَالَ: وَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ! الثاني: (عمرو) بالواو. (لرجل من قريش)؛ أي: عمر بن الخطاب، وعرف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنه المراد إما بالوحي، وإما بالقرائن، ومرّ في (الفضائل) أيضًا. * * * 32 - باب الْوُضُوءِ فِي الْمَنَامِ (باب: الوضوء في المنام) 7025 - حَدَّئَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ

33 - باب الطواف بالكعبة في المنام

جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تتوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا"، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: عَلَيْكَ -بأبِي أَنْتَ وَأُمِّي- يَا رَسُولَ اللهِ! أَغَارُ؟ عُرِفَ شرحه مما سبق؛ لكن قال (خ): إنما هو امرأة شَوْهَاء، وإنما أسقط الكاتب منه بعض حروفه؛ فصار: (تتوضأ)؛ إذ لا عملَ في الجنة، وقال القرطبي: الرواية الصحيحة: (تتوضأ)، ولكن ابن قتيبة قال: إنه شَوْهاء. قال ابن الأعرابي: وهي الحسنة، وضدُّها القبيحة. ووضوءها لتزداد حسنًا ونورًا؛ لأن الجنة منزَّهة عن الأوساخ. * * * 33 - باب الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ (باب: الطواف بالكعبة في المنام) 7026 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبة، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنٍ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ

مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ"، وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ. (سَبْط) -بسكون الموحدة وكسرها-؛ لكن سبق في (الأنبياء) في (باب مريم): (وأَمَّا عِيسَى، فَأَحْمَرُ جَعْدٌ)، فيكون ذلك في غير الطواف؛ بل في وقت آخر، أو أن المراد: جعودةُ الجسم؛ أي: اكتنازُه. (يَنْطف) بضم الطاء وكسرها. قال المهلب: النطف: الصَّبُّ؛ وذلك لأن تلك الليلة كانت ماطرة. قال (ك): ويحتمل أن يكون أثر غسله من زمزم ونحوه، أو الغرضُ منه: بيان لطافته، لا حقيقة النطف. (ابن قَطَن) -بفتح القاف والمهملة وبالنون- اسمه: عبدُ العُزَّى، وسبق أن هذا لا ينافي منعَ دخول الدّجّال مكة؛ فإن المرادَ حالَ ظهورِه وشوكتِه، وأيضًا: يدخل مستقبل، ولعل هذه كان بعد دخوله. * * *

34 - باب إذا أعطى فضله غيره في النوم

34 - باب إِذَا أَعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِي النَّوْمِ (باب: إذا أعطى فضلَه غيرَه في المنام) 7027 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ"، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْعِلْمُ". (الرِّيَّ)؛ أي: ما يروى به؛ يعني: اللّبن، أو إطلاق على سبيل الاستعارة، وإسناد الخروج قرينة، وقيل: الرِّيُّ اسم من أسماء اللّبن، مر به مرارًا. * * * 35 - باب الأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ فِي الْمَنَامِ (باب: الأمن، وذهاب الرَّوع في المنام) هو بفتح الراء: الفزع. 7028 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ،

حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُويرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ، فَيَقُصُّونها عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللهُ، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وَبَيْتِي الْمَسْجدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً قُلْتُ: اللَّهُمَّ! إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِي خَيْرًا فَأَرِني رُؤْيَا، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلَا بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللهَ: اللَّهُمَّ! أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَة مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ، لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ! فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كطَيِّ الْبِئْرِ، لَهُ قُرُونٌ كقَرْنِ الْبِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنينِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالًا مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ، رُؤُسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ. 7029 - فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ"، فَقَالَ نَافِعٌ: لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ. (وبيتي المسجد)؛ أي: كنت أسكن في المسجد.

36 - باب الأخذ على اليمين في النوم

(رؤيا) غير منصرف. (مِقْمَعَة) بكسر الميم وسكون القاف وبإهمال العين: العمود، أو شيء كالمِحْجن يُضرب به رأسُ الفيل، يُعمل من حديد، ورأسها معوَجٌّ. (يُقبلان) من الإقبال ضد الإدبار، أو من أقبلتُهَ الشيءَ: جعلته يلى قبالته. (لم تُرعَ) في بعضها: (لن تُرَع). قال ابن مالك: سكن العين للوقف، ثم شبهه بسكون الجزم، فحذف الألف قبله، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، ويجوز أن يكون جزم بـ (لن) على لغة حكاها الكسائي. (قُرُون) جمع قرْن: وهو الميل على فم البئر إذا كان من حجارة. (ذات اليمين)؛ أي: جهة اليمين. * * * 36 - باب الأَخْذِ عَلَى الْيَمِينِ فِي النَّوْمِ (باب: الأخذ باليمين)، في بعضها: (على اليمين). 7030 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا

37 - باب القدح في النوم

شَابًّا عَزَبًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجدِ، وَكَانَ مَنْ رَأَى مَنَامًا قَصَّهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ! إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ فَأَرِنِي مَنَامًا يُعَبِّرُهُ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِي فَانْطَلَقَا بِي، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَانْطَلَقَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ، فَأَخَذَا بِي ذَاتَ الْيَمِينِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ. (عَزَبًا) بفتح الزاي: من لا أهلَ له، ويقال له: أعزب بقلَّة. (أبيتُ) ضد أَظَلُّ. (يعبره) من العبارة. (أخذاني) بالنون، وفي بعضها بالموحدة، مر في (المناقب). * * * 37 - باب الْقَدَحِ فِي النَّوْمِ (باب: القَدَحِ في النوم) 7032 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ:

38 - باب إذا طار الشيء في المنام

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ"، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ". سبق الحديث فيه في (المناقب). * * * 38 - باب إِذَا طَارَ الشَّيْءُ فِي الْمَنَامِ (باب: إذا طار الشيء في المنام) 7033 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نشَيطٍ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي ذَكَرَ. 7034 - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ"، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قتلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ.

(ذكر لي) لا يضر جهالةُ الذاكر، فإن الصحابة كلَّهم عُدول. (سوارين) في بعضها: (أسوارين)، وهو خلاف الأكثر في اللغة، وحكى قُطْرُب: أسوار، وقال: إن أساور جمع أسوار. (فَفَظِعْتُهما) (¬1) بكسر الظاء المعجمة؛ أي: استعظمتُ أمرهما. قال بعضهم: كذا روي متعديًّا حملًا على المعنى، لأنه بمعنى: أكبرتُهما، وخِفْتهما، والمعروف: فظعت به، أو منه. (العَنْسِيّ) -بفتح المهملة وسكون النون وبمهملة- اسمه الأسودُ الصنعاني، كان يقال له: ذو الحمار؛ لأنه علم حمارًا إذا قال له: اسجد، يخفض رأسه؛ كذا قال (ك). قال (ش): اسمه: عَبْهَلَة بن كعب، وكان يزعم أن الذي يأتيه ذو حمار، فقيل له: ذو الحمار. (فيروز)؛ أي: الدَّيْلَمي. (مُسَيْلِمَة) تصغير مَسْلَمة بن حَبِيب الحَنَفِي اليَمَامِي. قال (ش): اسمه: ثُمَامة بنُ ميسرة، كان صاحبَ نيرنجيات، وهو أول من أدخلَ البيضةَ في القارورة؛ قتله وَحْشِيّ قاتلُ حمزة، سبق في (علامات النبوة). قال المهلب: أَوَّلَهما بالكذابَيْنِ؛ لأن الكذب إخبار عن الشيء ¬

_ (¬1) "ففظعتهما" ليس في الأصل.

39 - باب إذا رأى بقرا تنحر

بخلاف ما هو به، ووضعه في غير موضعه، والسوار في يده ليس في موضعه؛ لأنه ليس من حلي الرجال، وكونه من الذهب مشعرٌ بأنه شيء يذهب عنه، ولا بقاء له، والطيرانُ عبارة عن عدم ثبات أمرهما، والنفخُ عن كون زوالهما بلا كلفة؛ لسهولة النفخ على النافخ. * * * 39 - باب إِذَا رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ (باب: إذا رأى بقرًا تُنْحَر) 7035 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرٌ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي أَتَانَا اللهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ". (وَهلي) بفتح الواو، وسكون الهاء وفتحها، وعليه اقتصر (ش). (اليَمَامَة) بخفة الميم: بلاد الجوّ بين مكة والمدينة، وقيل: بلد

باليمن، سميت باسم جارية فيها زرقاء كانت تُبصر الراكبَ من مسيرة ثلاثة أيام. (هَجَر) بالهاء والجيم المفتوحتين: قاعدة أرض البحرين. (يَثْرِب) هو اسم لمدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية. (فيها)؛ أي: في الرؤيا، وفي بعض الروايات: (بقر تنحر)، وبه يتم تأويل الرؤيا، إذ نحرُ البقر هو قتل المؤمنين بأُحُد. (واللهُ خيرٌ) مبتدأ وخبره، أي: وثوابُ الله للمقتولين خيرٌ لهم من بقائهم في الدنيا، أو صنعُ الله خيرٌ لكم، قيل: والأولى أن يقال: إنه من جملة الرؤيا، وإنها كلمة سمعها عند رؤياه البقر، بدليل تأويلها بقوله: (وإذا الخير) إلى آخره. (بعد يوم بدر)، أي: من فتح مكة ونحوه، وفي بعضها: (بَعْدُ) بالضم، أي: بعد أُحُد، ونصب (يوم)؛ ونسبها (ش) لرواية الجمهور، ونقل الأول عن (ع) إذا جعلنا ذكر خير فيه على التفاؤل؛ أي: وإذا الذي رأيت كرهته، وتفاءلت فيه الخير، والصواب في الآخرة فيه هو ما أصاب المسلمين بعد بدر بأُحُد. وقال (ع) في موضع آخر: روي: (خيرًا)، بالنصب، وعلى الرواية الثانية، قال (ك): فقيل: معناه: ما جاء الله به بعد يوم بدر، والثانية من تثبيت قلوب المؤمنين، لأن الناس جمعوا لهم، فزادهم ذلك إيمانًا، وقالوا: حسبُنا الله ونعم الوكيل، وتفرق العدوُّ عنهم هيبةً لهم، ويحتمل أن يراد بالخير: الغنيمة، وبعد، أي: بعد الخير الثواب والخير حصلا في يوم بدر، مر في (علامات النبوة)، قيل: شبه

40 - باب النفخ في المنام

الحرب بالبقر؛ لأجل ما لها من السلاح، ولما كان طبع البقر المناطحة، والدفاع عن نفسها، والقتل بالنحر. * * * 40 - باب النَّفْخِ فِي الْمَنَامِ (باب: النفخ في المنام) 7036 - حَدَّثَنِي إِسحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ". 7037 - وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ، فَوُضعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صاحِبَ صَنْعَاءَ وَصاحِبَ الْيَمَامَةِ". (نحن الآخِرون) ذكره هنا؛ لأنه أولُ كتاب هَمّام بنِ مُنَبِّهٍ؛ فكلما روى البخاري منه حديثًا رواه أولًا، ثم أتبعه بالمقصود؛ كذا قيل، ومرّ مثلُه في آخر (الوضوء) بما فيه فتأمله! (فَكَبُرا)؛ أي: عَظُمَ أمرُهما وشَقَّ عليَّ.

41 - باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة فأسكنه موضعا آخر

(صَاحِب صَنْعَاء)؛ أي: العَنْسِيّ. (وصاحب اليَمَامَة)؛ أي: مُسَيْلِمَة. * * * 41 - باب إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كَورَةٍ فأَسْكَنَهُ مَوْضِعًا آخَرَ (باب: إذا رأى أنه أخرج شيئًا من كُورة)؛ بضم الكاف: الناحية والمدينة. 7038 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيْتُ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ، خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، وَهْيَ الْجُحْفَةُ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا". (بِمَهْيَعَةٍ) بفتح الميم والياء وسكون الهاء بينهما، وبمهملة، أو بكسر الهاء وسكون الياء بعدها بوزن صحيفة. (الجُحْفَة) بضم الجيم وسكون المهملة: ميقات مصر. (وباء) بالمد والقصر. * * *

42 - باب المرأة السوداء

42 - باب الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ (باب: المرأة السوداء) 7039 - حَدَّثَنَا أَبو بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَدِينَةِ: "رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ، خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى نزَلَتْ بِمَهْيَعَةَ، فتأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ، وَهْيَ الْجُحْفَةُ". (في المدينة)؛ أي: في شأنها. (رأيت)؛ أي: قال: رأيتُ، وإلا لم يكن مرفوعًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والسياقُ دلَّ على ذلك. * * * 43 - باب الْمَرْأَةِ الثَّائِرَةَ الرَّأْسِ (باب: المرأةِ الثائرةِ الرأسِ) 7040 - حَدَّثَنَي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُويسٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ

44 - باب إذا هز سيفا في المنام

النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيتُ امْرَأَةً سَودَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ، خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ، وَهْيَ الْجُحْفَةُ". (إليها)، أي: إلى الجُحْفَة، كان أهلُها يهودُ كثيري الأذى للمسلمين؛ وثورانُ الرأس مؤوّلٌ بالحمى، لكونها مثيرةً للبدن بالاقشعرار، وارتفاعِ الشعر، لا سيما من السواد، فإنها أكثر استيحاشًا. * * * 44 - باب إِذَا هَزَّ سَيْفًا فِي الْمَنَامِ (باب: إذا هز سيفًا في المنام)؛ أي: حرك. 7041 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيْتُ فِي رُؤْيَا أنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى، فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْح، وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ". (من الفتح)؛ أي: فتح مكة. قال المهلب: هذه الرؤيا ليست على وجهها؛ بل على ضرب

45 - باب من كذب في حلمه

المثل؛ لأن السيف ليس هو الصحابة؛ لكنهم لما كانوا ممن يُصَال بهم كما يُصَال بالسيف، عبر عنهم بالسيف. * * * 45 - باب مَنْ كَذَبَ فِي حُلُمِهِ (باب: مَنْ كَذبَ في حُلْمِهِ) بضم اللام وسكونها. 7042 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ"، أَوْ: "يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً، عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ قَالَ سُفْيَانُ: وَصَلَهُ لَنَا أَيُّوبُ. الحديث الأول: (من تَحَلّم)؛ أي: تكلَّفَ الحُلْمَ. (كُلّف)؛ أي: يوم القيامة. (أن يعقد)؛ أي: يُعَذَّبُ بذلك، وذلك التكليفُ نوعٌ من التعذيب، ولا يستدل به على تكليف ما لا يطاق؛ لأنه ليس في دار التكاليف.

(كارهون)؛ أي: استماعه. (يفرون)؛ أي: يهربون من ذلك. (الآنُك) بالمد وضم النون وبالكاف: الرصاص المذاب، وقيل: الأسود، وقيل: الخالص منه؛ قيل: ولم يجئ على أَفْعُل واحدٌ غيرُه، وقيل: إنما هو فاعل، لا أَفْعُل. (وَكُلِّفَ) يحتمل أن يكون عطفًا تفسيريًّا لقوله: (عُذِّبَ)، وأن يكون نوعًا آخر، وسبق آخر (البيع). (وصله لنا أيوب) إنما قال ذلك؛ لأنه في الطريق الآخر الذي بعده موقوفٌ غيرُ مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 7042 / -م (1) - وَقَالَ قتيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: "مَنْ كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ"، وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: "مَنْ صَوَّرَ، وَمَنْ تَحَلَّمَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ". (وقال قتيبة) وصله النسائي. (وقال شعبة) وصله الإسماعيلي. * * * 7042 / -م (2) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ

عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَنِ اسْتَمَعَ، وَمَنْ تَحَلَّمَ، وَمَنْ صَوَّرَ"، نَحْوَهُ، تَابَعَهُ هِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ. الثاني: (ومن صور)، أي: جزاء الشروط الثلاثة محذوف، دل عليه الحديث السابق؛ أي: كُلِّفَ، وَصُبَّ، وعُذِّبَ، فهو هنا مختصر. * * * 7043 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِم، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ". الثالث: (من أفرى الفِرَى)؛ أي: أكْذَب الكذبات، فالفِرَى جمع فِرْيَة -كلِحْيَة ولِحًى- وهي الكذبة العظيمة التي يُتعجَّب منها. (يُري عينيه)؛ أي: ينسب إليهما أنهما رأيا، ويخبر عنهما بذلك. (ما لم تر)؛ أي: العينين، وفي بعضها: (تريا)، باعتبار العينين معًا، وإنما كان ذلك أعظمَ في الكذب، مع كون الكذب في اليقظة أكثرَ ضررًا؛ لتَعَدّيه إلى غيره، وتَضَمُّنهُ المفاسدَ؛ لأن كذب المنام كذب على الله، فهو أولى بأن يكون أشدَّ عقوبة.

46 - باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها

46 - باب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلَا يُخْبِرْ بِهَا وَلَا يَذْكُرْهَا (باب: إذا رأى ما يكره) 7044 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فتمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدَكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ". الحديث الأول: (وَلْيَتْفُل) بالمثناة وضم الفاء وكسرها؛ أي: ليبصقْ؛ لطردِ الشيطان واستقذارِه. * * * 7045 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَباب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا رَأَى أَحَدَكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّهَا مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا

47 - باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب

يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ، فإنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ". الثاني: (وليحدِّثْ بها)؛ أي: من يُحِبُّ، وإلَّا، فربما حملها المبغِض على مكروه، فيحصل له في الحال حُزن، وإن لم يقع ما قال. (من الشيطان) سبق بيانه قريبًا. * * * 47 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأوَّلِ عَابِرِ إِذَا لَمْ يُصِبْ (باب: من لم ير الرؤيا لأول عابر) وذلك؛ لأن المعتبر في أقوال العابرين قولُ العابر الأولِ؛ أي: إذا كان مُصيبًا في وجه العبارة، أما إذا لم يُصب، فلا؛ إذ المدارُ على إصابة الصواب، فمعنى الترجمة: باب: من لم يعتقد أن تفسير الرؤيا هو للعابر الأول إذا كان مخطئًا، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - للصديق - رضي الله عنه -: "أَخْطَأْتَ بَعْضًا". 7046 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَجُلًا أتى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي

الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمِّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! بابِي أَنْتَ، وَاللهِ لتدَعَنِّني فَأَعْبُرَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اعْبُرْ"، قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلاَوَتُهُ تنطُفُ، فَالْمُسْتكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ، فَأَخْبِرْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ! بابِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَبْتَ بَعْضًا، وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا"، قَالَ: فَوَاللهِ لتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ، قَالَ: "لَا تُقْسِمْ". (ظُلَّة) بالضم؛ أي: السحابة. (تَنطف) بالضم والكسر: تقطر. (يتكففون) يأخذون بالأَكُفِّ، ويبسطونها للأخذ. (فالمستكثر)؛ أي: فمنهم المستكثرُ في الأخذ، ومنهم المستقلُّ. (سبب)؛ أي: حبل. (واصل) من الوصول، قيل: إنه بمعنى موصول؛ كـ:

{فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21]. (بأبي)؛ أي: مُفَدًّى بأبي أنت. (لتدعني)؛ أي: تتركني. (فينقطع) مبني للفاعل، وفي بعضها للمفعول، يقال: انقطع به -بالبناء للمجهول-: إذا عجز عن سفره، والذي انقطع به، ووصل له هو عُمر؛ لأنه لما قتل، وصل له بأهل الشورى، وبعثمان. (وأخطأت بعضًا) قيل: فيه تعيين الخطأ في تعبيره عن الشيئين -السمن والعسل- بالشيء الواحد وهو القرآن، وكان حقُّهُ أن يعبرهما بالكتاب والسُّنَّة؛ لأنها بيانُ الكتاب الذي أُنزل عليه، وبهما تتم الأحكام كتمام اللذة بهما، وقيل: الخطأ هو التعبير بحضرته - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: هو ذكر ثم يوصل له؛ إذ ليس في الرؤيا إلا الوصل، وقد يكون لغيره، فكان ينبغي أن يقف حيث وقفت الرؤيا، ويقول: ثم يوصل، ولا يقول له (¬1). وقيل: الخطأ سؤالُه لتعبيرها، وإنما ساغ التبيينُ لهذه الأقوال، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يبين جهة الخطأ؛ لأنها احتمالات لا جزمَ فيها، أو لو بين، لكان يلزم مفاسد للناس. (لا تُقْسِمْ) إن قيل: قد أمر - صلى الله عليه وسلم - بإبرار القسم! قيل: مخصوص بما إذا لم يكن ثَمَّ مفسدةٌ، وهنا لو أبَرَّهُ، لزم مفاسد، منها: بيانُ مقتل عُثمان ونحوه، أو بما يجوز الاطلاع عليه؛ بأن لا يكون من أمر الغيب ¬

_ (¬1) "له" ليس في الأصل.

48 - باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح

ونحوه، أو بما لا يستلزم توبيخًا على أحد من الناس بالإنكار -مثلًا- على مبادرته، أو على ترك تعبير الرجال الذين يأخذون السبب، وكان في بيانه - صلى الله عليه وسلم - أعيانهم مفاسدُ، وفي الحديث جاز تعبير الرؤيا، وأن عابرها قد يخطئ وقد يصيب، وأن العالم يسكت عن التعبير إذا خشي منه فتنة على الناس. * * * 48 - باب تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ (باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح) 7047 - حَدَّثَنِي مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ " قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: "إِنَّهُ أتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أتيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَاْخُذُهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ

الأُولَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللهِ! مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ، فَيُشَرْشرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: فَيَشُقُّ، قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى، قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقنا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأَتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أتاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأتيْنَا عَلَى نهرٍ، حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ، كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا

وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءَ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أكثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَانتهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ، قَالَ: قَالَا لِي: ارْقَ فِيهَا، قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانتهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا باب الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا، فتلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كأَقْبَح مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَ: قَالَا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نهرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَ: قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبابةِ الْبَيْضَاءِ، قَالَ: قَالَا لي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللهُ فِيكُمَا، ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قَالَا: أَمَّا الآنَ فَلَا، وَأَنْتَ دَاخِلُهُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالَا لِي: أَمَا إنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أتيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ،

وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِين فِي مِثْلِ بِنَاءَ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ، فإنَّهُ آكِلُ الرِّبَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ"، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطَرٌ قَبِيحًا، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ". الحديث سبق في (الجنائز)، إلا أن في قصة الكَلُّوب مقدمة على قصة الصخر، وفيه -أيضًا- في قصة الكلوب: (فإذا رجلٌ مضطجع على قفاه)، وفي قصة الصخر: (فإذا رجلٌ جالس)، وهنا في قصة الصخر: (مضطجعٌ)، وفي قصة الكلوب: (مستلقٍ لقفاه)، ولا منافاة بين ذلك؛ لأن الواو ليست للترتيب، ولعل الرجلين كانا مضطربين، واختلفت أحوالهما، فتارة يستلقي على قفاه، وتارة يقوم، وتارة يجلس، وتارة يضطجع، ونحو ذلك؛ كما هو عادة من به قلق وألم. (قَطُّ) استعملت في الإثبات، وإن كان أصلُ استعمالها في

النفي؛ لأن ذلك جائز كما قال ابن مالك. قال: والنحاةُ غفلوا عن ذلك. قال (ك): واكتفى بالنفي الذي يلزم من التركيب؛ إذ معناه: ما رأيتهم أكثر من ذلك، والنفي مقدر، ومضى تحقيقه في (باب صلاة الخسوف). (كان شطر منهم حسنًا) في بعضها: (كانوا شطر منهم حسن)، على أنّ (كان) تامة، والجملة حال، وإن كانت بلا واو؛ كما في قوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]، ولا يؤخذ من قوله: (لم أر روضة أحسنَ منها ولا أعظمَ)؛ أي: منزلُهم أحسنُ من منزلِ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لم يقل: إن ذلك منزلهم، وذلك منزله؛ بل فيه إشارة إلى أنه الأصل في الملة، وهو أولهم، ومَنْ بعدَه تابعٌ له، وبممره يدخلون الجنة، وأيضًا ذلك لسيدنا رسول الله، فلا محذورَ في أن يكون أحسنَ، وأُمته فيها بالتبعية، لا بالاستقلال. (تجاوز) في بعضها: (فتجاوز). * * *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللامِعُ الصَّبيحْ بِشَرْحِ الْجَامِع الصَّحِيح [17]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظة الطَّبْعةُ الأُولَى 1433 - هـ - 2012 م ردمك: 7 - 69 - 459 - 9933 - 978 ISBN الرقيم للِبُحُوثِ وَالدِّراساتِ قطر - الدوحة فاكس: 0097444441870 E-mail: [email protected] دَارُ النَّوادِرِ سورية - لبنان - الكويت مؤسسة دَارُ النَّوادِرِ م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) [email protected] www.daralnawader.com أسسها سنة: 1426 هـ - 2006 م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي

93 - كتاب الفتن

93 - كِتَابُ الفِتَنِ

1 - باب ما جاء في قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال: 25]، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحذر من الفتن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 93 - كتاب الفِتَن جمع فتنة، وهي المحنة، والفضيحة، والعذاب. 1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، وَمَا كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحذِّرُ مِنَ الْفِتَنِ (باب: ما جاء في قول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} [الأنفال: 25]) 7048 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَنَا عَلَى حَوْضِي أَنتظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُوني، فَأقولُ: أُمَّتِي! فَيقُولُ لَا تَدْرِي، مَشَوْا عَلَى الْقَهْقَرَى"، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: اللَّهُمَّ! إِنَّا نعوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ.

الحديث الأول: (أنا على حوضي)؛ أي: يوم القيامة. (من دوني) أي: من عندي. (نُفْتَنَ) مبني للمفعول. * * * 7049 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثنا أبو عَوَانة، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا فَرَطُكُم عَلَى الْحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيتُ لأُنَاوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُوني، فَأقولُ: أَيْ رَبِّ! أَصْحَابِي يَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ". 7050 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُوني، ثُمَّ يُحَالُ بَيْني وَبَيْنَهُمْ". 7051 - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُم هَذَا، فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلًا؟ فَقُلْتُ: نعمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: "إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأقولُ: سُحْقًا سُخقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي".

2 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "سترون بعدي أمورا تنكرونها"

الثاني، والثالث: سبق بيانهما في (كتاب الحوض). * * * 2 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "سَتَرَونَ بَعْدِيَ أُمُوَرًا تُنْكِرُونَهَا" وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني عَلَى الْحَوْضِ". (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: سترون بعدي أمورًا تنكرونها) قوله: (وقال عبد الله) موصول في (المغازي). * * * 7052 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ وَهْب، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونها"، قَالُوا: فَمَا تأمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ".

الحديث الأول: (أثَرَة) بفتح الهمزة والمثلثة؛ أي: استئثارًا في الحظوظ الدنيوية. * * * 7053 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنِ الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً". الثاني: (من السلطان)؛ أي: من طاعته. (مِيْتَةً) بكسر الميم. (جاهلية)؛ أي: كموت الجاهلية؛ بحيث لم يعرفوا إمامًا مطاعًا؛ أي: فيموت عاصيًا؛ لا أن المراد يموت كافرًا. * * * 7054 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".

الثالث: (فليصبر) فيه دليل على أن السلطان لا ينعزل بالفسق، والظلم، فلا ينازع. (إلا مات) وجه الاستثناء: أن (من) للاستفهام الإنكاري، أي: ما فارق أحد الجماعة، أو يقدَّر في الكلام (ما) النافية. قال ابن مالك: وجاز ذلك، كقوله: فَوَاللهِ مَا نِلْتُمْ وَمَا نِيلَ مِنْكُمُ ... بِمُعْتَدِلٍ وَقْفٍ وَلَا مُتَقَارِبِ وسيجيء أول (كتاب الأحكام) صريحًا، أو (لا) زائدة، قال الأصمعي منه: حَرَاجِيجُ لَا تَنْفَكُّ إِلَّا مُناخةً ... عَلَى الخَسْفِ أَوْ يرى بها بَلَدًا قَفْرًا والحراجيج: جمع حرجوج -بالمهملة والراء وضم الجيم الأولى- وهي الناقة، والقفر -بتقديم القاف-: الخالي، والكوفيون يقولون في مثله: إلا حرف عطف. * * * 7055 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيد، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى

عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهْوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ الله حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ. 7056 - فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، وَيُسْرِنَا، وَأثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا ننازع الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كفْرًا بَوَاحًا، عِنْدكمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. الرابع: (مَنْشَطنا)، أي: فرحنا ومحبوبنا. (ومَكْرَهنا)؛ أي: حُزننا ومكروهنا. (وأثَرَة)؛ أي: استيثار الأمراء بحظوظهم، واختصاصهم إياها بأنفسهم. (الأمر)؛ أي: الإمارة. (إلا أن تروا)؛ أي: بايعنا قائلًا ذلك، وإلا، فالمناسبُ: (أن نرى) بنون المتكلم. (بَوَاحًا) بفتح الموحدة وخفة الواو وبالمهملة: الظاهر المكشوف الصُّراح، وباح بالشيء: إذا صرح به، ويروى: (بَرَاحًا) بالراء؛ أي: فيحلُّ قتالهم، وهو معنى قوله: (عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَان). قال (ن): المراد بالكفر هنا: المعاصي؛ أي: إلا أن تروا منكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام؛ إذ عند ذلك تجوز المنازعة

بالإنكار عليهم. قال (ك): الظاهرُ أن الكفرَ على ظاهره، والمراد من النزاع: القتال. (بُرْهان) هو الدليل القطعي؛ كالنصِّ، ونحوِه. * * * 7057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! استَعْمَلْتَ فلانًا وَلَم تَستَعْمِلْنِي؟ قَالَ: "إِنَّكم سَتَرَونَ بَعْدِي أثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني". الخامس: (أن رجلًا) هو أُسيدٌ راوي الحديث؛ لكنه لم يُرد نسبةَ ذلك لنفسه. (فُلانًا) هو عمرو بنُ العاصي. (وإنكم سترون) وجهُ كونه جوابًا للسؤال: أن المراد: أن استعمال فُلان ليس بمصلحة خاصة؛ بل لك ولجميع المسلمين؛ نعم، يصير بعدي الاستعمالات خاصة، فيصدق أنه لفلان، وليس لي؛ فظهرت المطابقة. * * *

3 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: هلاك أمتي على يد أغيلمة سفهاء

3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: هلاك أمتي على يدي أُغَيْلِمَة سُفَهاءَ) تصغير غلام على غير قياس. 7058 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيد قَالَ: أَخْبَرني جَدِّي قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسْجدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ وَمَعَنَا مَروَانُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: "هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ"، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً، فَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: لَو شِئْتُ أَنْ أقولَ: بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي فُلاَنٍ لَفَعَلْتُ، فَكُنْتُ أَخْرجُ مَعَ جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مَلَكُوا بِالشَّأْمِ، فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قالَ لَنَا: عَسَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ؟ قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ. (مروان) هو ابنُ الحكم الأمويُّ. (المصدوق)؛ أي: من عند الله، أو: من المصدق من عند الناس. (هَلَكة) بفتحتين؛ أي: هلاك. (غلْمَة) في قول مروان نُصب على الاختصاص، ويروى:

4 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ويل للعرب، من شر قد اقترب

(أُغَيْلِمَة) على طبق ما في الترجمة. (أحداثًا)؛ أي: شباب، وليس في الحديث ما في الترجمة من ذكر سفهاء؛ إما لأنه لم يجد فيه حديثًا على شرطه، وإن ثبت عنده غيره، أو بَوَّبَ له ليوردَ فيه حديثًا؛ ولكن ما اتفق، والموجبُ لهلاك الناس: أنهم أُمراء متغلبون. * * * 4 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ، مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ويلٌ للعربِ من شَرٍّ قَدِ اقتربَ) 7059 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبة، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُن أنَّهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ويلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ"، وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً، قِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نعمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ". الحديث الأول: (عن أُمّ حَبِيبة) قيل: سقط قبلها راوٍ، فالإسنادُ منقطع، وصوابُه

كما في مسلم: (زينب عن حبيبة، عن أُمّ حبيبة، عن زينب)، وهو من الغرائب اجتمع فيه أربع صحابيات: زوجتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وربيبتان له. قال (ك): ويحتمل أن زينب سمعت من حَبيبة، ومن أُمها، وكلاهما صواب. (للعرب) خصهم؛ لأن معظم شرهم راجعٌ إليهم، ويقال: إن يأجوجَ هم التركُ، وقد أهلكوا الخليفَة المستعصم بالله، وجرى ما جرى ببغداد منهم. (ردم) هو السدُّ الذي بيننا وبينهم. (أَنَهْلِكُ) بكسر اللام. (الخَبَث) بفتحتين؛ إما الفسوق، أو الزِّنَا خاصة، أو أولاد الزِّنَا، أقوال؛ فإذا كثر ذلك، حصل الهلاك العام؛ لكنه طهارةٌ للمطيعين، وتمحيص من الذنوب، ونقمةٌ على الفاسقين، ويبعث الله الكلَّ على حسب نياتهم، وفيه: حرمةُ الركون إلى الظَّلَمة، والاحتراز عن مجالستهم. (وعقد)؛ أي: بما هو مشهور عند أهل الحساب. * * * 7060 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

5 - باب ظهور الفتن

عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُطُم مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَإِنِّي لأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ بُيُوتكُم كوَقْعِ الْقَطْرِ". الثاني: (أشرف)؛ أي: علا وارتفع. (أُطُم) بضم الهمزة والمهملة: القصر والحصن. (خلال)؛ أي: أوساط. (القطر) في بعضها: (المطر)، فشبه بمواقعه في الكثرة، والعموم؛ أي: ليس مخصوصًا بطائفة، وفيه: إشارة إلى الحروب الجارية بينهم؛ كقتل عثمان، ويوم الحَرَّةِ، ونحوه، وفيه: معجزةٌ ظاهرة للنبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 5 - باب ظُهُورِ الْفِتَنِ (باب: ظهور الفتن) 7061 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَليدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يتقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ

الْهَرْجُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيُّمَ هُوَ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ الْقَتْلُ". 7062 - وَقَالَ شُعَيْبٌ، وَيُونسٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (يتقارب الزمان) قال (خ): أي: حتى تكون السنة كالشهر، وهو كالجمعة، وهي كاليوم، وهو كالساعة، وذلك من استلذاذ العيش؛ كأنه -والله أعلم- يريد: خروجَ المهدي، وبسطَ العدل والأمن في الأرض، وأيام الخير قصار. قال (ك): وهذا لا يناسب أخواته من ظهور وكثرة الهرج. قال (ش): المراد: يتقارب الزمان بالشر والفساد، حتى لا يبقى من يقول: الله الله. وقال الطحاوي: المراد: تقارُب أحوال أهله في ترك طلب العلم، والرضا بالجهل؛ وذلك لأن الناس لا يَتَسَاوَون في العلم، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، وإنما يتساوون إذا كانوا جهالًا. (ويلقى) قال الحُميدي: لم يضبط الرواة هذا الحرف، ويحتمل أن يكون بتشديد القاف؛ بمعنى: يُتلقى، ويُتعلم، ويتُواصى به، ويُدعى إليه؛ من قوله تعالى: {وَلَا يُلَقَّاهَا إلا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]، أي: ما يُعَلّمها ويُنبه عليها؛ أما بتخفيف القاف، فأبعد؛ إذ لو

لقي، لتُرك، ويكون مدحًا، والمساق للذم، وبالفاء لا يصح، لأن (الشُّحَّ) -بتثليث الشين-، أي: البُخْل والحرص ما زال موجودًا؛ نعم، إن أُريد غلبتُه وكثرتُه، بحيث يراه جميع الناس، استقام. واعلم أنه سبق في (كتاب الأنبياء) في (نزول عيسى - عليه السلام -: (أن يفيض المال، حتى لا يقبله أحد)، وفي (كتاب الزكاة): (حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها)، ولا تنافي، بل الكلُّ من أشراط الساعة؛ لكن كل واحد في زمان غير الأول. (أيُّمَ) أصله: أيّما، فحذفت ألف (ما)، أيُّ شيءٍ الهرجُ، فهو بفتح الهمزة وتشديد الياء المضمومة، وقد تخفف، كأيش في موضع: أيُّ شيء. (وقال شُعَيْب) وصله البخاري في (الأدب). (ويونس) وصله مسلم. (والليث، وابن أخي الزُّهْرِي) وصلهما الطبراني في "الأوسط". * * * 7063 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَا: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ".

الثاني: (عُبيد الله) قال الغساني: يقع في بعض النسخ: (ثنا مُسَدَّد)؛ وهو وَهْمٌ. * * * 7064 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ: جَلَسَ عَبْدُ اللهِ وَأَبُو مُوسَى، فتحَدَّثَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، ويَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ". 7065 - حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي مُوسَى - رضي الله عنهما -، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: مِثْلَهُ، وَالْهَرْجُ -بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ- الْقَتْلُ. الثالث، والرابع: فُهِمَ معناهما مما سبق. (مثله)؛ أي: مثل ما ذكره آنفًا؛ أي: إن بين يدي الساعة أيامًا. (والهَرْج بلسان الحبشة) هو مدرج من قول أبي موسى. قال (ع): وهو وَهْمٌ من بعض الرواة؛ فإنها عربية صحيحة. * * *

6 - باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه

7066 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَأَحْسِبُهُ رَفَعَهُ قَالَ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أيَّامُ الْهَرْجِ، يَزُولُ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ"، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. الخامس: (محمد) يحتمل: ابن بشار، وابن المثنى، وابن الوليد؛ فإنهم رووا عن غُنْدَر في "الجامع" كما قاله الكلاباذي. (وأحسبه رفعه)؛ أي: قال أبو وائل: أحسب عبدَ الله رفعَ الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 6 - باب لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلا الذي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ (باب: لا يأتي زمانٌ إلَّا والذي بعدَه شرٌّ منه) 7068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِي قَالَ: أتيْنَا أَنس بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: "اصبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرُّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ"، سَمِعْتُهُ مِنْ نبَيِّكُمْ".

الحديث الأول: (أَشَرُّ) فيه شاهد على استعمال أشرّ وأخير بالألف، وفي بعضها: (شر) بدون ألف، وأما زمن نزول عيسى - عليه السلام - الذي تمتلئ الأرض فيه عَدْلًا، فليس مقصودًا هنا، لأن المراد الذي وجد بعده، وعيسى - عليه السلام - وجد قبله، أو المراد بالنسبة إلى الأُمراء، فخروج زمنه من المعلوم بالضرورة. * * * 7069 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ الْفِرَاسيَّةِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتِ: استَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: "سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ -يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ- لِكَيْ يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا، عَارِيةٍ فِي الآخِرَةِ". الثاني: (فَزِعًا)، أي: خائفًا، وسبق في (كتاب العلم)، وفيه: أن الفتن مقرونة بالخزائن؛ قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6 - 7]، ومن جملة فتنته الإسراف؛ فلذا قال: (رُبَّ كَاسِيَةٍ). * * *

7 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حمل علينا السلاح فليس منا"

7 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَمل عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا" (باب: من حملَ السلاحَ علينا، فليسَ مِنَّا) أي: ليس تابعًا سُنَّتَنا، ولا سالكًا طريقتنا، لا أن المراد: ليس على ديننا؛ فالطائفةُ الباغيةُ على العادلة ليست حالَ البغي متبعةً سنتَهُ - صلى الله عليه وسلم -. 7070 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا". 7071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْد، عَنْ أَبِي بُردَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا". الحديث الأول، والثاني: معناهما ظاهر. * * * 7072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى

أَخِيهِ بِالسِّلَاح، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ". الثالث: (لا يشير) بلفظ النفي والنهي. (ينزع في يده) (في) بمعنى (من) على أن الحروف تتقارض، أو معناه: ينزع القوس -مثلًا-، وفي بعضها: (ينزغ) -بزاي مفتوحة ومعجمة-: يَطعن، أو يُغوي. * * * 7073 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرو: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ بِسِهَامٍ فِي الْمَسْجدِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا"؟ قَالَ: نعمْ. الرابع: (يا أبا محمد! سمعتَ) بتاء الخطاب. (بنصالها) جمع نَصْل، وهو حديدةُ السهم. * * * 7074 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا مَرَّ فِي الْمَسْجدِ بِأسهمٍ قَدْ أبْدَى نُصُولَهَا،

8 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"

فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولهَا، لَا يَخْدِشُ مُسْلِمًا. الخامس: (أبدى)؛ أي: أظهر. * * * 7075 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا مَرَّ أَحَدكمْ فِي مَسْجدِنَا، أَوْ فِي سُوقِنَا، وَمَعَهُ نبلٌ، فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا"، أَوْ قَالَ: "فَلْيَقْبِض بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ". السادس: (نبل) بفتح النون: السهام. (أن يصيب)؛ أي: كراهةَ الإصابة، أو (لا) مقدرة؛ كما في: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]، سبق في (الصلاة في المساجد). * * * 8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تَرْجِعوا بعدي كفارًا) 7076 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،

حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "سِبابُ الْمُسْلِم فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ". الحديث الأول: (وقتاله كفر)؛ أي: إذا كان من جهة أنه مسلم، أو كان مستحلًّا، أو أطلق الكفر للتغليظ، والمراد: معصية؛ نعم، قتال البُغاة ونحوهم ليس كفرًا ولا معصية، سبق في (كتاب الإيمان). * * * 7077 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، أَخْبَرَني وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض". الثاني: (يضرب) بالجزم جوابًا للأمر، وبالرفع استئنافًا، أو حالًا، وقال بعضهم: من جَزَمَ، أَوَّلَه على الكفر، ومن رفعَ، لا يعلقه بما قبله؛ بل يجعلُه حالًا، أو استئنافًا كما بيناه. * * * 7078 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ،

وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: "أَلاَ تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: "أليْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ أليْسَتْ بِالْبَلْدَةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءكمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، وَأَبْشَاركمْ، عَلَيْكُمْ حَرَام، كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكمْ هَذَا، فِي بَلَدِكمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قُلْنَا: نعمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ! اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ"، فَكَانَ كَذَلِكَ، قَالَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ، حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: أَشْرِفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَحَدَّثتنِي أُمِّي، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ. الثالث: (وعن رجل آخر) هو حُميد بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ، صرح به في (كتاب الحج) في (باب الخطبة أيام منى) كذا رواه مسلم. (وأعْرَاضكُم) جمع عِرْض، وهو الحسب، وموضعُ المدحِ والذمِّ من الإنسان. (وأبْشَاركُم) جمع بشرة، وهي ظاهر الجلد، ولم يذكر في هذه

الرواية أي شهر، مع أنه قال بعد: (في شَهْرِكُمْ هَذَا)، كأنه لتقرر ذلك في أذهانهم، وحرمة البلد، وإن كانت متقررة أيضًا؛ لكن الخطبة كانت بمنى، فربما قصد به دفع وهم من يتوهم أنها خارجة من الحرم، أو من يتوهم أن البلدة لم تبق حرامًا؛ لقتاله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فيها، أو اختصره الراوي اعتمادًا على سائر الروايات، مع أنه لا يلزم ذكره في صحة التشبيه. (مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ) بكسر اللام فيهما، والضمير الراجع إلى الحديث المذكور مفعول أولُ له. (من هو أوعى) مفعولُه الثاني. (فكان كذلك)؛ أي: وقع التبليغ كثيرًا من الحافظ إلى الأحفظ، وهو مدرَجٌ من كلام ابن سيرين كما قال البخاري في (كتاب العلم): (قال محمد: صدق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك). (ابن الحَضْرَمِيّ) بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الراء: هو عبد الله. قال المهلب: هو رجل امتنع من الطاعة، فأخرج إليه جاريةُ -أي: بالجيم- ابنُ قُدامةَ جيشًا، فظفروا به في ناحية من العراق كان أبو بكرة يسكنها، فأمر جاريةُ بصلبه، فصُلب، ثم أُلقي في النار في الجذع الذي صُلب فيه، ثم أمر جاريةُ جيشَه أن يُشرفوا على أبي بكرةَ، هل هو على الاستسلام، والانقياد؟ فقالوا له: إنه يراك وما صنعتَ بابن الحَضْرَمِيّ، وما أنكر عليك بكلام ولا سلاح، فلما سمع أبو بكرة

ذلك، وهو في غرفة له، قال: لو دخلوا عليّ، ما بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ؛ فكيف أقاتلهم؛ لأني ما أرى الفتنة في الإسلام، ولا التحركَ فيها مع إحدى الطائفتين. (حَرَّقه) قال (ش): كذا وقع، والوجهُ: أَحرقَهُ. قلت: إذا كان بالتشديد، فهو بمعناه. (بَهَشْتُ) بفتح الموحدة والهاء وشين معجمة؛ أي: مددت يدي إليها، وتناولتها لأدافع، وقيل: المعنى: ما قاتلت بها مدافعة عن نفسي؛ من بهش القومُ بعضُهم بعضًا: إذا توافَوْا للقتال، وقال ابن عبد البر: أرسلَ معاويةُ بنَ الحَضْرَمِيّ إلى البصرة ليأخذَها من زياد؛ وكان أميرًا بها لعلي - رضي الله عنه -، فبعث زياد إلى عليّ؛ فبعث جَارية، فأحرق على ابن الحَضْرَمِي الدار التي يسكنها. * * * 7079 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَرْتَدُّوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". 7080 - حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَداعِ: "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ"، ثُمَّ قَالَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".

9 - باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم

الرابع، والخامس: سبقا في (كتاب العلم). * * * 9 - باب تَكونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ (باب: تكون فتنةٌ القاعدُ فيها خيرٌ من القائم) 7081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَحَدَّثَنِي صَالح بْنُ كيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَتكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِم، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّايِر، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ". 7082 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني أبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَتكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ".

10 - باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما

الحديث الأول، والثاني: (من تشرف) بلفظ الماضي؛ من الشرف، وفي بعضها بالمضارع؛ من الإشراف؛ أي: مَنْ خاطرَ بنفسه فيها، أهلكَتْه. * * * 10 - باب إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا (باب: إذا التقى المسلمان بسيفيهما) 7083 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاَحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّار"، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: "إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِه"، قَالَ حَمَّادُ بْنُ زيدٍ: فَذَكرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لأيُّوبَ، وَيُونسُ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَانِي بِهِ، فَقَالَا: إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَسَنُ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بِهَذَا. الحديث الأول: (ابن عبد الوهاب) هو الحُجَبيّ.

(حَمّاد) هو ابن زيد. (عن رجل لم يُسمِّه) قال (ك): قالوا: هو هشامُ بنُ حسانَ القُرْدُوسِيُّ -بضم القاف والمهملة وسكون الراء، ثم واو ومهملة-، وقال غيره: هو عمرُو بنُ عُبيد رأسُ الاعتزال، وإنما ساق الحديث من طريقه؛ ليبين غلطه فيه. (ابن عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)؛ يعني: عَلِيًّا - رضي الله عنه -. (تواجه المسلمان)؛ أي: ضرب كلٌّ منهما وجهَ الآخر؛ أي: ذاته. (من أهل النار)؛ أي: مستحقٌّ لها، وقد يعفو الله عنه، والمراد في الحديث: المتواجهان بلا اجتهاد، ولا تأويل؛ أما عليّ ومعاوية - رضي الله عنهما -، فمجتهدان؛ لكن معاوية مخطئ، فله أجر واحد، وعليٌّ مصيبٌ، فله أجران، وأما امتناعُ أبي بكرة من مساعدة عليّ، وهو الإمام الحقّ، والمقاتل له بُغاة، والعادلُ تجب مساعدتُه؛ فلعل الأمر لم يكن بعدُ ظهرَ لهُ، وكل قضية صدرت من الصحابة في ذلك ناشئةٌ عن اجتهاد، وكلّ طائفة تظن أنها المحقَّةُ، ومن امتنع من القتال؛ فإنما هو لكون الأمر مُشْكلًا عندهُ لم يتضح، وسبق الحديث في (كتاب الإيمان). (أراد)؛ أي: بتصميم وجزم، فيكون بذلك عاصيًا، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23]. * * * 7083 / -م (1) - وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، ويونسُ، وَهِشَامٌ، وَمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ، عَنْ

11 - باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟

أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أيوب. وَرَوَاهُ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. الثاني: (وقال مُؤمَّل) بفتح الميم الثانية؛ أي: ابنُ إسماعيل، وصله أحمد. (وروى مَعْمَر) وصله مسلم، والنسائي، والإسماعيلي. (ورواه بَكّار) وصله الطبراني في "الكبير". * * * 7083 / -م (2) - وَقَالَ غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِي بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُور. (وقال غُنْدَر) وصله أحمد، ومسلم. (ولم يرفعه سفيان) روايته الموقوفة وصلها النسائي. * * * 11 - باب كيْفَ الأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكنْ جَمَاعَةٌ؟ (باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟) 7084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى، حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِم،

حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيَّ: أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْألونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْألُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرِّ؟ قَالَ: "نعمْ"، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ"، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْم يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِر"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نعمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لنا، قَالَ: "هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيتكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا"، قُلْتُ: فَمَا تمأمُرُني إِنْ أَدْركنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ"، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ". (بعد ذلك الشر من خير) قال (ع): هو أيام عمرَ بنِ عبدِ العزيز، والذين تعرفُ منهم وتُنكر هُم الأُمراء بعدَه، ومنهم من يدعو إلى بدعة وضلالة؛ كالخوارج. قال (ك): ويحتمل أن يُرَادَ بالشر: زمانُ قتل عثمان، وبالخير بعدَه: زمانُ خلافة عليّ - رضي الله عنهما -، والدَّخَن: الخوارج ونحوهم، والشرُّ بعده: زمان الذين يلعنونه على المنابر.

12 - باب من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم

(دَخَنٌ) بمهملة ثُمَّ معجمة مفتوحتين: دخان؛ أي: ليس خيرًا خالصًا؛ بل فيه كُدورة بمنزلة الدخان من النار. قال (ن): المراد من الدخن: أن لا تصفو القلوب بعضُها لبعض كما كانت عليه من الصفاء. (هُدًى) هو السيرة والطريقة. (من جِلْدَتنا)؛ أي: من العرب. (بألسنتنا)، أي: بالعربية، وقيل: إنهم من بني آدم، خلقوا كما خلقنا، ويتكلمون كما نتكلم. (ولو أن تَعَضَّ)؛ أي: ولو كان الاعتزال بأن تعضَّ، وفيه: الإشارةُ إلى مساعدة الإمام بالقتال ونحوه إذا كان إمام، ولو كان ظالمًا عاصيًا، والاعتزال إذا لم يكن، وسبق الحديث في (علامات النبوة). * * * 12 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكثِّرَ سَوَادَ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ (باب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم) 7085 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي أَشَدَّ النهْيِ

ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى، فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ، فَيقْتُلُهُ، أَوْ يَضْرِبُهُ فَيقْتُلُهُ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}. (حَيْوَة) هو ابن شُرَيْح. (وغيره) هو ابن لَهِيعَة كما رواه الطبراني، وفي بعضها: (وعَبْدَة)، والأولُ أصحُّ. (وقال الليث) سبقت روايته في (سورة النساء). (بَعْث)؛ أي: جيش. (فاكتتبت) مبني للمفعول، أو للفاعل، على معنى: كتبتُ نفسي في ديوان السلطان. (فيأتي السهم فيرمى) هو من القلب؛ أي: يرمى السهم فيأتي، وسبق الحديث في (سورة النساء). (أو يضربه) عطف على: (فيأتي)، لا على: (فيصيب)، والمعنى: يقتل إمّا بالسهم، وإما بضرب السيف ظالمًا نفسه بسبب تكثيره سوادَ الكفار، وعدمِ هجرته عنهم، وهذا إذا كان راضيًا مختارًا. قال مُغُلْطاي: هو حديث مرفوع؛ لأن تفسير الصحابي إذا كان مستندًا إلى نزول آية، فهو مرفوع اصطلاحًا. * * *

13 - باب إذا بقي في حثالة من الناس

13 - باب إِذَا بَقِيَ فِي حُثَالةٍ من النَّاسِ (باب: إذا بقِيَ في حُثَالةٍ مِن النّاس) حُثَالَة -بضم المهملة وخفة المثلثة-: هو رديء كل شيء، وما لا خير فيه. 7086 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَيْنِ؛ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنتظِرُ الآخَرَ؛ حَدَّثَنَا: "أَنَّ الأَمَاتة نزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ"، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا، قَالَ: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فتقْبَضُ الأَمَانة مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثْلَ أثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فتُقْبَضُ، فَيَبْقَى فِيهَا أثَرُهَا مِثْلَ أثَرِ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فترَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبحُ النَّاسُ يتبَايَعُونَ فَلَا يَكَادُ أَحَد يُؤَدِّي الأَمَانة، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدلٍ مِنْ إِيمَانٍ"، وَلَقَدْ أتى عَلَيَّ زَمَانٌ، وَلَا أُبَالِي أيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نصرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلاَنًا وَفُلاَنًا.

14 - باب التعرب في الفتنة

(حديثين)؛ أي: في باب الأمانة، وإلا فله أحاديثُ كثيرةٌ، أحدهما في نزولها، والثاني في رفعها. (جَذْر) بفتح الجيم وسكون المعجمة: الأصل؛ أي: كانت لهم بحسب الفطرة، وحصلت لهم بالكسب من الشريعة استفادة من الكتاب والسُّنَّة. (الوَكْت) بفتح الواو وإسكان الكاف وبالمثناة: الأثر اليسير، وقيل: السواد، وقيل: اللون المخالف للون الذي كان قبله، وسبق الحديث في (كتاب الرقاق). * * * 14 - باب التَّعَرُّبِ فِي الْفِتْنَةِ (باب: التعرُّب في الفتنة) -بالعين المهملة-؛ أي: الإقامة بالبادية، والتكلُّف في صيرورته أعرابيًّا. 7087 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكوَعِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الأكوَعِ! ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ تَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ

سَلَمَةُ بْنُ الأكوَعِ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً، وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ، فَنَزَلَ الْمَدِينَةَ. الحديث الأول: (ارتددت على عقبيك) يريد الحجاجُ بذلك: أنك رجعتَ في الهجرة التي فعلتها لوجه الله بخروجك من المدينة؛ أي: فتستحق القتل، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه بغير عذر يجعلونه كالمرتد، فأجابه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص له. وقال بعضهم: إن سَلمة مات في آخر خلافة معاوية سنة ستين، ولم يدرك زمان وإمارة الحجاج، فالله أعلم. (وتعربت) بالمهملة، ويروى بالمعجمة، ويروى بمهملة وزاي؛ أي: بعدت عن الجماعات والجمعات. (في البدو)، أي: في الإقامة فيه. (الرَّبَذَة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة: موضع بقرب المدينة. * * * 7088 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِم غَنَمٌ، يتبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينهِ مِنَ الْفِتَنِ".

15 - باب التعوذ من الفتن

الثاني: (ومواقع القَطْر)؛ أي: التلال، والبوادي، والأودية، سبق الحديث في (الإيمان)، وسبق السؤال فيه؛ لأن قواعد الشرع تقتضي الاختلاط للجماعات والجمعات، وغير ذلك من وقوف عرفات، ونقل اللقيط من القرية للبلد، وهذا الحديث يقتضي فضل الاعتزال، وأن جوابه: بأن ذلك بحسب الأحوال؛ فالجليسُ الصالح خيرٌ من الوَحْدَة، وهي خير من الطالح. * * * 15 - باب التَّعَوُّذ مِنَ الْفِتَنِ (باب: التعوّذ من الفتن) 7089 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه - قَالَ: سَألوا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَحْفَوهُ بِالْمَسْئَلَةِ، فَصَعِدَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْم الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: "لَا تَسْألوني عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُ لَكُمْ"، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ رَأْسُهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَأنْشَأ رَجلٌ كَانَ إِذَا لاَحَى يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ"، ثُمَّ أَنْشَأ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّد رَسُولًا، نعوذُ بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

"مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الْحَائِطِ"، قَالَ قتادَةُ: يُذْكَرُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ هَذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}. (أَحْفَوْه)؛ أي: ألحُّوا عليه، وبالغوا، ورَدَّدوا. (لاحَى)؛ أي: خاصم. (يُدْعَى)؛ أي: ينسب، وكان اسمه: عبد الله -على الأصح- ابن حُذَافة -بضم المهملة وخفة المعجمة-. * * * 7090 - وَقَالَ عَبَّاس النَّرْسِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قتادَةُ: أَنَّ أَنسًا حَدَّثَهُمْ: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا، وَقَالَ: كُلُّ رَجُلٍ لاَفًّا رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، وَقَالَ: عَائِذًا بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ، أَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ. 7091 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيد، وَمُعْتَمِر، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قتادَةَ: أَنَّ أَنسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا، وَقَالَ: عَائِذًا بِاللهِ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ. (وقال عباس) وصله أبو نُعيم في "المستخرج". وقال (ك): لم يقل: حَدَّثنا؛ لأنه أخذه بطريق المذاكرة، لا تحديثًا

16 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الفتنة من قبل المشرق"

وتحميلًا، وأراد بذكره هنا: التصريحَ بسماع سعيد من قتادة، وسماعِ قتادةَ من أنس، ولما ألحّوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كَرِه مسائِلَهم، وعزّ على المسلمين الإلحاحُ والتعنيتُ، وتوقعوا نزولَ عقوبة الله عليهم، فبكوا خوفًا من ذلك، فَمَثّل الله تعالى الجنةَ والنارَ له، وأراه كلَّ ما يسأل عنه، وفيه: فقهُ عُمر - رضي الله عنه -، والظاهر أن الأقوال في كيفية الاستعاذة كقوله، وقال بعض الشارحين: إن استعاذته - صلى الله عليه وسلم - من الفتن تعليم لأمته، وفي رواية خليفة: (من شر الفتن)، وفي غيرها: (سوء). (لافّ) في بعضها: (لافًّا) بالنصب على الحال. (عائذًا بالله) نصب على الحال؛ أي: يقول ذلك عائذًا، أو على المصدر؛ أي: عياذًا، وبالرفع على جعل الفاعل موضعَ المفعول؛ كقولهم: سِرٌّ كاتم؛ أي: أنا عائذ. * * * 16 - باب قولِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ" باب: قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الفتنة من قِبَلِ الْمَشْرِقِ". 7092 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ

يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ"، أَوْ قَالَ: "قَرْنُ الشَّمْسِ". 7093 - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ يَقولُ: "أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". الحديث الأول، والثاني: (قَرْن) هو الشروق، وموضعُه، وناحيةُ الشمس، وأعلاها، وقيل: الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها؛ ليقع سجودُ عبدتِها له، وقيل: القَرْن في الحيوان يُضرب به المثلُ فيما لا يَجْمُل من الأمور. * * * 7094 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا"، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَفِي نَجْدِنَا؛ فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةَ: "هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". الثالث: (في شامنا)؛ أي: إقليم الشام.

(في يمننا) إقليم اليمن، والشام هو من شمال الحجاز، واليمن من يمينه، وسبق الحديثُ قُبيل (مناقب قريش). (نجدنا) النجد: هو ما ارتفع من الأرض، والغور: هو انخفض منها، ومن كان بالمدينة الطيبة، كان نجدُه باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهلها. (الزلازل) لعله المراد به: الاضطراباتُ التي بين الناس، والبلايا؛ لتناسب الفتن مع احتمال إرادة حقيقتها، قيل: إن أهل المشرق كانوا حينئذ أهلَ كفر، فأَخبر أن الفتنة تكون من ناحيتهم؛ كما أن وقعة الجمل وصِفِّين وظهور الخوارج في أرض نجد، والعراق، وما والاها كانت من المشرق، وكذلك خروجُ الدجال، ويأجوج ومأجوج منها. * * * 7095 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خلفٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا، قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! حَدِّثْنَا عَنِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَاللهُ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَة؟ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - يُقَاتِلُ المُشْرِكينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ.

17 - باب الفتنة التي تموج كموج البحر

الرابع: (حديثًا حسنًا) التقييدُ بالحسن، مع أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كلَّه حسن؛ باعتبار إرادة أن يكون ذكر الرحمة، لا ذكر الفتنة، أو هو من باب الصفة اللازمة. (فبادرنا إليه رجل) هو يَزِيد بنُ بِشْرٍ السَّكْسَكِيّ. (ثكلتك أُمك)؛ أي: فقدتْك، ولم يقصِدْ به حقيقةَ الدعاء، ومرتْ قصتُه في (سورة البقرة)، وغيرها. * * * 17 - باب الْفِتْنَةِ التِي تَمُوجُ كمَوْجِ الْبَحرِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يتمَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ... تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ حَتَّى إِذَا اشتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ... وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيل شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنها وَتَغَيَّرَتْ ... مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ

(باب: الفتنة التي تموج كموج البحر) قوله: (بهذه الأبيات) قيل: هي لاِمْرِئِ القَيْس. (أول) فيه، وفي (فتية) مصغَّرة ومكبرة؛ أي: شابة: أربعةُ أوجه: رفع أول، ونصب فتية؛ أي: أولُ أحوالها إذا كانت فتية؛ فالحربُ مبتدأ، وأولُ مبتدأ ثان، وفتيةً حالٌ سدَّت مسدَّ الخبر، والجملةُ خبر الحرب. ونصب أول، ورفع فتية؛ أي: الحرب في أول أحوالها فتية؛ فالحربُ مبتدأ، وأولَ ظرف، وفتية الخبر. ورفعُهما مبتدأ وخبر، والجملة خبر عن الحرب، أو أولُ بدل من الحرب. ونصبها على أن أولَ ظرف، وفتيةً حال، وتسعى خبر عن الحرب، والمراد: أنها تَغُرُّ من لم يجرّبها، حتى يدخل فيها فتهلِكَه. (بزينتها) رواه سيبويه: (ببزتها)، والبزة: اللباس، وأصلُه من بززتُ الرجل أبزُّه: إذا سلبته؛ فسمي اللباس بما يؤول إليه من السلب. (إذا اشتعلت) إما شرطية، وجوابها: (ولت)، وإما ظرفية. (ضِرَامُها) بكسر المعجمة: ما اشتعل من الحطب، والشبُّ: الإيقادُ والارتفاعُ. (حَلِيل) بمهملة مفتوحة؛ أي: زوج، ويروى بمعجمة.

(شَمْطَاء) هي البيضاء تخالط السواد. * * * 7096 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ، إذْ قَالَ: أيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِه، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ"، قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْألكَ، وَلَكِنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأسٌ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بابًا مُغْلَقًا، قَالَ عُمَرُ: أَيُكْسَرُ الْباب أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ عُمَرُ: إِذا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا، قُلْتُ: أَجَلْ، قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: كًانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْباب؟ قَالَ: نعمْ، كَمَا أَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَد لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نسألهُ: مَنِ الْباب؟ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَألهُ، فَقَالَ: مَنِ الْباب؟ قَالَ: "عُمَرُ". الحديث الأول: (يعلق) بالنصب. (دون غد)؛ أي: علمًا ضروريًّا. (الأغاليط) جمع أُغلوطة، وهي الكلام الذي يُغلط به، ويُغالط فيه؛ أي: لا شبه فيه من معدن الصدق.

(فأمرنا)؛ أي: قلنا، أو طلبنا، ففيه: أن الأمر لا يُشترط فيه علوّ ولا استعلاء. قال (ط): أشار بالكسر إلى قتل عُمر - رضي الله عنه -، وبالفتح إلى موته، وقال عُمر: إذا كان بالقتل، فلا تسكن الفتنة أبدًا، وكان حُذيفة مهيبًا، وكان مَسْرُوق أجرأ على سؤاله؛ لكثرة علمه، وعلوّ منزلته، وسبق أول (كتاب مواقيت الصلاة)، وإنما قال: بينك وبينها بابًا مُغْلقًا، ثم أنجره أنه الباب؛ لأن المراد: بين زمانك، أو حياتك، وبينها، أو الباب بدنُ عُمر، وهو بين الفتنة وبين نفسه. * * * 7097 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِه، فَلَمَّا دَخَلَ الْحَائِطَ جَلَسْتُ عَلَى بابِهِ، وَقُلْتُ: لأكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَم يَأْمُرني، فَذَهَبَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَقَضَى حَاجَتَهُ، وَجَلَسَ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ، فَقُلْتُ: كمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأذِنَ لَكَ، فَوَقَفَ، فَجئْتُ إِلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا نبِي اللهِ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأذِنُ عَلَيْكَ، قَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَدَخَلَ، فَجَاءَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَجَاءَ

عُمَرُ، فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَجَاءَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، فَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَامْتَلأَ الْقُفُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجْلِسٌ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، مَعَهَا بَلاَءٌ يُصِيبُهُ"، فَدَخَلَ فَلَمْ يَجدْ مَعَهُمْ مَجْلِسًا، فتحَوَّلَ حَتَّى جَاءَ مُقَابِلَهُمْ عَلَى شَفَةِ الْبِئْرِ، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ دَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَجَعَلْتُ أتمَنَّى أَخًا لِي، وَأَدْعُو اللهَ أَنْ يَأتِيَ. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فتأوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ، اجْتَمَعَتْ هَا هُنَا، وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ. الثاني: (قُفّ) بضم القاف: هو بناء حول البئر كالدكَّة، وأصلُ القُفّ: ما غَلُظ من الأرض وارتفعَ، أو هو من القُفّ اليابس؛ لأن ما ارتفعَ حولَ البئر يكون بالبناء في الغالب. (فدلَّاهما)؛ أي: أرسلهما فيها. (كما أنت)؛ أي: قفْ واثبُتْ كما أنت عليه. (بلاء)؛ أي: بلية صار بها شهيدَ الدار، وإنما خُصَّ عثمانُ بالبلاء، وإن عُمر -أيضًا- قتل؛ لأنه لم يمتحَنْ كعثمانَ من التسلط عليه، ومطالبة خلعِ الإمامة، والدخول على محرمه، ونسبة القبائح إليه.

(مقابلهم) إن فتحت الموحدة، فهو المكان، أو كسرت، فاسم فاعل، فنصبه على الظرفية، أو الحالية. (فتأولت)؛ أي: فسّرت. (قبورهم)؛ أي: من جهة اجتماع قبور الثلاثة، لا أن أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وأما عثمان، فهو بالبقيع مقابلًا لهم، وسبق الحديث في (مناقب أبي بكر - رضي الله عنه -). * * * 7098 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبة، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ: أَلاَ تُكَلِّمُ هَذَا؟ قَالَ: قَدْ كلَّمْتُهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بابًا، أكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ، وَمَا أَنَا بِالَّذِي أقولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى رَجُلَيْنِ: أَنْتَ خَيْرٌ، بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ، فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ، فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ! ألسْتَ كُنْتَ تأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتنهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيقُولُ: إِنِّي كنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ". الثالث: (ألا تكلم هذا)؛ أي: عثمان فيما وقع من الفتنة بين الناس، والسعي في إطفائها، وقيل: في شان الوليد بن عُقبة، وما ظهر منه في شرب الخمر.

18 - باب

(ما دون)؛ أي: شيئًا دون أن أفتح بابًا من أبواب الفتن؛ أي: كلمته على سبيل المصلحة، والأدب، والسر، بدون أن يكون فيه تهييج للفتنة ونحوِها، وكلمة (ما) موصوفة، أو موصولة. (فَيَطْحَنُ) بالبناء للفاعل. (فَيُطيفُ)؛ أي: يطوف، وسبق في (باب صفة النار) من (كتاب بدء الخلق). * * * 18 - باب (باب) 7099 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَم، حَدَّثَنَا عَوْف، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ أيامَ الْجَمَلِ، لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْئم وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأةً". الحديث الأول: (أيام الجمل) بالجيم: زمان مقاتلة علي وعائشة - رضي الله عنها - بالبصرة، وسُمي به؛ لأنها كانت على جمل حينئذ. (أن فارسًا) كذا في النسخ مصروفًا، وقال ابن مالك: الصوابُ عدمُ الصرف.

قال (ك): إذا أريد به الفرسُ، كان مصروفًا، إلا أن يراد به القبيلة، وإن أرلد به بلادُهم؛ فالوجهان جائزان. (بنت كسرى) اسمها: بُوْرَان -بضم الموحدة وإسكان الواو وبالراء والنون-، وكانت مدةُ ملكها سنة وستة أشهر، وكسرى- بفتح الكاف وكسرها- ابن قَبَاذ -بفتح القاف وخفة الموحدة-. قال المهلب: المعروف أن أبا بكرة كان على رأي عائشة، فتفاءل ببنت كسرى أنهم سيغلبون؛ لأن الفلاح هو البقاء، لا أنه وَهَّنَ رأيها. * * * 7100 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زِيادٍ الأَسَدِيُّ قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ، بَعَثَ عَلِي عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ، فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ، فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِي فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِي أَعْلاَهُ، وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَوَاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نبَيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاَكُمْ، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ؟ الثاني: (ليعلم)؛ أي: ليقع ما علمه، أو المراد: معلوم علمه، أو

إطلاقه على سبيل المجاز عن التمييز؛ أي: ليميز؛ لأن التمييز لازم للفعل؛ فالله تعالى عالم أزلًا وأبدًا بما كان، وما يكون، وما هو كائن. (إياه)؛ أي: عليًّا - رضي الله عنه -. (هي) كان القياس: إياها، إلا أن الضمائر يقوم بعضُها مقامَ بعض. * * * 7101 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَيم، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: قَامَ عَمَّار عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ عَائِشَةَ، وَذَكَرَ مَسِيرَهَا، وَقَالَ: إِنَّهَا زَوْجَةُ نبَيِّكُم - صلى الله عليه وسلم - فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ. الثالث: (ابْتُلِيتُم) مبني للمفعول؛ أي: امتُحنتم به. * * * 7102 - و 7103 و 7104 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، أَخْبَرَني عَمْرٌو، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: دَخَلَ أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ حَيْثُ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ، فَقَالَا: مَا رَأَيْنَاكَ أتيْتَ أَمْرًا أكرَهَ عِنْدَنَا مِنْ إِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الأَمْرِ مُنْذُ أَسْلَمْتَ،

فَقَالَ عَمَّارٌ: مَا رَأَيْتُ مِنْكُمَا مُنْذُ أَسْلَمْتُمَا أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا عَنْ هَذَا الأَمْرِ، وَكسَاهُمَا حُلَّةً حُلَّةً، ثُمَّ رَاحُوا إِلَى الْمَسْجدِ. الرابع: (يستنفرهم)؛ أي: يطلب منهم الخروج لعليّ على عائشة. (وكساهما) الكاسي هو أبو مسعود، وإن كان ذلك خلافَ الظاهر؛ لكن يجب الحملُ عليه؛ للقرينة في الحديث بعده، وهو: * * * 7105 - و 7106 و 7107 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَمَّارٍ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَد إِلَّا لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْيَبَ عِنْدِي مِنِ اسْتِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الأَمْرِ، قَالَ عَمَّار: يَا أَبَا مَسْعُودٍ! وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلَا مِنْ صَاحِبِكَ هَذَا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْيَبَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا فِي هَذَا الأَمْرِ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ وَكَانَ مُوسِرًا: يَا غلاَمُ! هَاتِ حُلَّتَيْنِ، فَأعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَى وَالأُخْرَى عَمَّارًا، وَقَالَ: رُوحَا فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ. الخامس: (لقلت)؛ أي: لقدَحْتُ فيه بوجه من الوجوه.

19 - باب إذا أنزل الله بقوم عذابا

(أعيب) أفعل تفضيل. (هذا الأمر)؛ أي: ترغيب الناس في الخروج للقتال، ووجهُ كون الإبطاء فيه عيبًا: أنه تأخر عن امتثال مقتضى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]. (صاحبك) هو أبو موسى. (حُلّتَيْن) الحلة: إزار ورداء، فلا يكون إلا ثوبين. (عمارًا)؛ أي: ألبسه الحُلّة ليخلعَ ثياب السفر، وأما كسوةُ أبي موسى؛ لئلا يكسو عمارًا دونه بحضرته، وفيه: أنه كان يوم جمعة. * * * 19 - باب إِذَا أَنْزَلَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا (باب: إذا أنزل الله بقوم عذابًا) أي: يصيب الصالحين منهم أيضًا؛ قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} [الأنفال: 25]. 7108 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَني حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أنهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَنْزَلَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ".

20 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي: "إن ابني هذا لسيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"

(على أعمالهم)؛ أي: فيثاب الصالح بذلك؛ لأنه مات تمحيصًا له، ويعاقب غيره. * * * 20 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحسَنِ بن عَلِيٍّ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا لَسَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن ابني هذا سيد) 7109 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ أَبُو مُوسَى، وَلَقِيتُهُ بِالْكُوفَةِ جَاءَ إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ: أَدْخِلْنِي عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ، فَكَأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: لَمَّا سَارَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِي - رضي الله عنهما - إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالْكَتَائِبِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: أَرَى كَتِيبةً لَا تُوَلِّي حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ لِذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ: الصُّلْحَ، قَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ جَاءَ الْحَسَنُ، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "ابنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".

الحديث الأول: فيه: أن من خاف على نفسه، لا يلزمه الأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر. (عيسى)؛ أي: ابنُ موسى بنِ محمدِ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ، وكان أميرَ الكوفة يومئذ. (قال)؛ أي: إسرائيل. (حدثنا الحسن)؛ أي: البصري. (بالكتائب) جمع كتيبة، وهي الجيشُ، وجماعةُ الخيل. (تولى)؛ أي: تدبر. (أخراها)؛ أي: الكتيبة التي لخصومهم، أو الكتيبة الأخيرة التي لأنفسهم، ومن ورائهم؛ أي: لا ينهزمون؛ إذ عند الانهزام يرجع الآخر أولًا. (بذراري) بالتخفيف والتشديد؛ أي: من يكفل لهم حينئذ. (تلقاه)؛ أي: تجتمع به، وتقول له: نحن نطلب الصلح. (ابني) أطلق الابن على ابن البنت. (فئتين) هما: الحسن وطائفة معاوية رضي الله عنهما، دعاه ورعهُ إلى ترك المُلْك رغبةً فيما عندَ الله، ولم يكن ذلك لقلَّةٍ، ولا لعلَّةٍ، ولا لذلَّةٍ؛ بل صالَحَه رعايةً لدينه، ومصلحةً للأُمة، وفيه معجزةٌ ظاهرةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسبق الحديث في (الصلح). * * *

21 - باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه

7110 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عمرو: أَخْبَرَني مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ حَرْمَلَةَ مَوْلَى أُسَامَةَ أَخْبَرَهُ، قَالَ عمرو: قَدْ رَأَيْتُ حَرْمَلَةَ قَالَ: أَرْسَلَنِي أُسَامَةُ إِلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَسْألكَ الآنَ فَيَقُولُ: مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ: لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الأَسَدِ لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْر لَمْ أَرَهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي شَيْئًا، فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ فَأَوْقَرُوا لِي رَاحِلَتِي. الثاني: (محمد بن علي)؛ أي: ابن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر. (حَرْمَلَة) هو مولى أُسامة. (ما خلف)؛ أي: ما السببُ في تخلّفه عن مساعدتي. (شِدْق) هو جانب الفم، وكان سببه: أنه لما قَتل مِرْدَاسًا، وعَتَبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، قرّر على نفسه أن لا يقاتل مسلمًا أبدًا. * * * 21 - باب إِذَا قَالَ عِنْدَ قَوْم شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلاَفِهِ (باب: إذا قال عند قوم شيئًا) 7111 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ

أيوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيع اللهِ وَرَسُولهِ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجلٌ عَلَى بَيع اللهِ وَرَسُولهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِلَّا كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْني وَبَيْنَهُ. الحديث الأول: (حشمه)؛ أي: خاصته الذين يغضبون له. (غادر) الغدرُ: ترك الوفاء بالعهد. (لواء) هو الراية. (على بيع رسول الله)؛ أي: على شرط أمرَ الله به من البيعة، ومن بايع سُلطانًا، فقد أعطاه الطاعة، وأخذ منه العطية، فقد أشبهت البيع. (خلعه)؛ أي: يزيد عن الخلافة. (لا تابع) بالمثناة. (كان الفَيْصَل) بفتح الصاد: الحاجز، والفارق، والقاطع، وقيل: هو بمعنى القطع، وفي بعضها: (كانت) بتاء التأنيث باعتبار الخلعة والمبايعة. * * *

7112 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: لَمَّا كَانَ ابْنُ زِيَادٍ وَمَرْوَانُ بِالشَّأْمِ، وَوَثَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، وَوَثَبَ الْقُرَّاءُ بِالْبَصْرَةِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ فِي داره وَهْوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ عُلِّيِّةٍ لَهُ مِنْ قَصَبٍ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَأَنْشَأَ أَبِي يَسْتَطْعِمُهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ أَلاَ تَرَى مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ؟ فَأَوَّلُ شَيْء سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ: إِنِّي احْتَسَبْتُ عِنْدَ اللهِ أَنِّي أَصْبَحْتُ سَاخِطًا عَلَى أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ، إِنكمْ، يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ! كُنتمْ عَلَى الْحَالِ الَّذِي عَلِمْتُمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْقِلَّةِ وَالضَّلاَلَةِ، وإنَّ اللهَ أَنْقَذَكمْ بِالإسلاَمِ وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ، وَهَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ، إِنَّ ذَاكَ الَّذِي بِالشَّأْمِ وَاللهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلَّا عَلَى الدُّنْيَا. الثاني: (ابن زياد)؛ أي: عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان. (ومروان)؛ أي: ابن الحكم بن أبي العاص ابن عم عثمان. (ووثب ابن الزُّبَيْر)؛ أي: على الخلافة. (القُرّاء) جمع قارئ، هم طائفة سموا أنفسهم توّابين؛ لتوبتهم وندامتهم على ترك مساعدتهم الحسين، وكان أميرهم سليمان بن صُرَد -بضم المهملة وفتح الراء- الخزاعي، كان فاضلًا قارئًا عابدًا، وكان دعواهم: إنا نطلب دمَ الحسين، ولا نريد الإثارة، وغلبوا على البصرة

ونواحيها، وهذا كله كان عند موت معاوية بن يزيد بن معاوية. (عُلِّيَّة) بضم المهملة وكسرها وشدة اللام والياء: الغرفة. (يستطعمه بالحديث)؛ أي: يستفتحه، ويطلب منه التحديث. (احتسبت)؛ أي: تقربت إلى الله. (أحياء)؛ أي: قبائل. (ما ترون)؛ أي: من العزة والكثرة. (إن ذاك)؛ أي: مروان. (أن يقاتل)؛ أي: ما يقاتل، قيل: ووجهُ مطابقته للترجمة: أن هذا الذي قال لسلامة، وأبي المنهال لم يقله عند مروان حين بايعه، ولعله سخطه؛ لأنه أراد منهم أن يتركوا ما ينازع فيه، ولا يقاتلوا عليه كما فعل عثمان والحسن، فسخط على قتالهم بتمسك الخلافة، واحتسب بذلك عند الله ذخرًا؛ لأنه لم يقدر من التغير إلا عليه، وعلى عدم الرضا به. * * * 7113 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ. الثالث: (على عهد) متعلق بمقدَّر؛ أي: تائبين؛ إذ لا يجوز أن يقال: متعلق

22 - باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور

بالضمير القائم مقام المنافقين، وإنما كان هذا شرًّا؛ لأن شرهم لا يتعدى إلى غيرهم، ووجهُ مناسبته للترجمة: أن المنافقين بالجهر والخروج عن الجماعة قائلون بخلاف ما قالوه حين دخلوا في بيعة الأئمة. * * * 7114 - حَدَّثَنَا خَلَّاد، حَدَّثَنَا مِسْعَر، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَّا الْيَومَ فَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الإيمَانِ. الرابع: (الكفر)؛ لأن المسلم إذا أبطن الكفر، صار مرتدًّا، هذا ظاهره، لكن غرضه: أن التخلف عن بيعة الإمام جاهلية، ولا جاهلية في الإسلام، أو هو تفرق، وقد قال تعالى: {وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، أو هو غير مستور اليوم، فهو كالكفر بعد الإيمان. * * * 22 - باب لَا تَقُوم السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ الْقُبُورِ (باب: لا تقوم الساعة حتى يُغْبَطَ أهلُ القبور) الغِبْطَة: تمني مثلِ نعمةِ صاحبِه من غيرِ زوالٍ.

23 - باب تغيير الزمان حتى يعبدوا الأوثان

7115 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانه". (يا ليتني مكانه)؛ أي: يا ليتني كنت ميتًا، وذلك لكثرة الفتن، وخوف ذهاب الدِّين لغلبة الباطل، وظهور المعاصي والمنكرات؛ كما قال الشاعر: وَهَذَا العَيْشُ لَا خَيْرَ فِيهِ ... أَلَا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأَشْتَرِيهِ * * * 23 - باب تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى يَعْبُدُوا الأَوْثَانَ (باب: تغيرِ الزمان حتى تُعبدَ الأوثان) 7116 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَخْبَرَني أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أليَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ"، وَذُو الْخَلَصَةَ: طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. الحديث الأول: (أَلَيات) بالهمزة واللام المفتوحتين: جمع ألية، وهي العَجيزة.

(دَوْس) بفتح المهملة وسكون الواو: قبيلة أبي هريرة. (الخَلَصَة) بفتح المعجمة واللام والمهملة، وقيل بسكون اللام، وقيل بضمها: موضع ببلاد دَوْس، كان فيه صنمٌ يعبدونه اسمه الخَلَصَة. (طاغية) هو الصنم، وكلامُ البخاري يُشعر بأن الخَلَصَة هو الطاغيةُ نفسها، إلا أن يقال: كلمة: فيها، أو كلمة: هي محذوفة؛ لكن سبق في (الجهاد) في (باب حرق الدور) بأنه بيت في خَثْعَم يسمى: كعبة اليمانية، والمعنى: لا تقوم الساعة حتى تضطرب؛ أي: تتحرك أعجاز نسائهم من الطواف حول ذي الخلصة؛ أي: حتى يكفرْنَ، ويرجعْنَ إلى عبادة الأصنام. * * * 7117 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاه". الثاني: (قَحْطَان) -بفتح القاف وسكون المهملة ثم مهملة-: قبيلة باليمن. (يسوق) يحتمل أن يكون حقيقة، وأن يكون مجازًا عن القهر، والمعنى: أن الناس ينقادون له كما ينقاد من يُساق بالعصا، وسبق في

24 - باب خروج النار

(مناقب قريش)، وإنكار معاوية على راويه، وأما مطابقته للترجمة، فلكونه (¬1) ليس من قريش، ولكثرة التغييرات مثله يدعي الخلافة، ويطاع في الإسلام. * * * 24 - باب خُرُوج النَّارِ وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ". (باب: خروج النار) قوله: (وقال أنس) موصول في الهجرة. * * * 7118 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَخْبَرَني أبو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإبِلِ بِبُصْرَى". ¬

_ (¬1) "فلكونه" ليس في الأصل.

الحديث الأول: (أعناقَ) منصوب بِـ (تُضيء)، فإنه لازم ومتعدٍّ؛ أي: تجعل على أعناق الإبل ضوءًا؛ قال الشاعر: أَضَاءَتْ لَنَا النَّارُ وَجْهًا أغَـ ... ـرَّ مُلْتَبِسًا بِالفُؤَادِ الْتِبَاسَا قال أبو البقاء: ولو رُوي بالرفع لكان له وجهٌ؛ أي: تُضِيء أعناق الإبل به كما في الحديث الآخر: "أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ". (بُصْرَى) بضم الموحدة وإسكان المهملة، مقصورًا: مدينة معروفة بالشام هي مدينة حَوْرَان. قال (ن): خرج في زماننا سنة كذا وخمسين وست مئة نار بالمدينة -وكانت نارًا عظيمة- خرجت من جنب المدينة الشرقي ورَاءَ الحَرَّة، وتواترَ العلمُ بها عند جميع أهل الشام. * * * 7119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُقْبةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأخُذْ مِنْهُ شَيْئًا". 7119 / -م - قَالَ عُقْبةُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "يَحْسِرُ

25 - باب

عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ". الثاني: (عن جدِّه) الضمير راجع إلى عُبيد الله؛ أي: تصغير عبد، وهو ابنُ عُمرَ بنِ حفصِ بنِ عاصمِ بنِ عُمرَ بنِ الخطابِ. (الفُرَات)؛ أي: النهر الذي يجري بالعراق. (يَحْسِر) بكسر المهملة الثانية وفتحها؛ أي: ينكشف عن الكنز؛ لذهاب مائه، وهو لازمٌ ومتعدٍّ. (فلا يأخذ)؛ لأنه مستعقب للبليات، وهو آية من الآيات. * * 25 - باب (باب) 7120 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعبةَ، حَدَّثَنَا مَعْبَدٌ، سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تَصَدَّقُوا، فَسَيَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ، فَلَا يَجدُ مَنْ يَقْبَلُهَا". قَالَ مُسَدَّدة حَارِثَةُ أَخُو عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ لأُمِّهِ. الحديث الأول: (فلا يجد)؛ أي: الكنز؛ لكثرة الأموال، وقلة الرغبات؛ للعلم

بقرب قيام الساعة، وقصر الآمال. * * * 7121 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْب، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَة عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيب مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيتقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهْوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيض، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي بِهِ، وَحَتَّى يتطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانه، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ يَعْنِي آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلتقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلَا يتبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيانِهِ، وَلتقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ، فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلتقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ، فَلَا يَسْقِي فِيهِ، وَلتقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أكلَتَهُ إِلَى فِيهِ، فَلَا يَطْعَمُهَا".

الثاني: (فئتان) هم طائفتا علي ومعاوية - رضي الله عنهما -، وكان دعوى كل منهما أنها على الحق. (يبعث)؛ أي: يظهر ويخرج. (دَجَّالُون)؛ أي: خلاطون بين الحق والباطل، مُمَوِّهون، والفرقُ بينهم وبين الدجّال الأكبر: أنهم يدعون النبوة، وهو يدَّعي الإلهية، مع اشتراك الكل في التمويه، وادعاء الباطل العظيم، وقد وجد كثيرٌ منهم، وفضحَهم الله تعالى وأهلَكَهم. (قريبٌ) بالرفع؛ أي: عددهم قريب، ويحتمل نصبه؛ ولكن كُتب بلا ألف على لغة ربيعة. (ويتقارب الزمان)؛ أي: أهله؛ بأن يكونوا كلهم جهالًا، ويحتمل الحقيقة؛ بأن يعتدل الليل والنهار دائمًا؛ بأن تنطبق منطقة البروج على معدل النهار. (فيفيض)؛ أي: يكثر حتى يسيل كالوادي. (يُهِم) بضم الياء وكسر الهاء. (رب) مفعول (يهم). (من يقبل) هو الفاعل؛ أي: يحزنُه ذلك؛ قاله (ط)، وحكى (ن): يهم -بفتح الياء وضم الهاء أيضًا-، وحينئذ يكون (رب) فاعلًا؛ أي: يقصده، وسبق فيه مزيدُ بيان في) الزكاة)؛ نعم، كان الظاهر أن

26 - باب ذكر الدجال

يقال: من لا يقبل؛ لكن المراد به: مَنْ شأنه أن يكون قابلًا لها. (أرب)؛ أي: حاجة. (نشر)؛ أي: للمبايعة. (لِقْحَته) بكسر اللام: قريبة العهد من الولادة، والناقة الحلوب. (يطعمه)؛ أي: يشربه. (يَلِيط) ويلوط، من لاطَ الحوضَ: طَيَّنه، وأصلَحه، وألصَقَه. (أُكْلَتَهُ) بضم الهمزة: نحو اللقمة، مرّ في (الرقاق). * * * 26 - باب ذِكرِ الدَّجَّالِ (باب: ذكر الدّجّال) هو رجل ابتلى الله به عباده، وأقدَرَه على أشياءَ؛ من إحياء الموتى، واتِّباع كنوزِ الأرض، وإمطارِ السماء، وإنباتِ الأرضِ بأمره، ثم يُعجزه الله تعالى بعد ذلك، يدَّعي الإلهية، وصورةُ حالِه تُكَذِّبه؛ من نقصه بالعَوَر، وعجزِه عن إزالته، وعن إزالةِ الشاهد بكفره المكتوبِ بين عينيه، وظهورُ الخوارق على يديه جائزٌ للابتلاء، وامتحانِ العباد؛ لأنه يدَّعي الإلهية، واستحالةُ دعواه ظاهرةٌ، فلا محذورَ؛ بخلاف الكاذب في دعوى النبوة، فإنه لو وقعت الخارقة منه، لالتبس بالنبي.

7122 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: قَالَ لِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبةَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الدَّجَّالِ مَا سَألتُهُ، وَإِنَّهُ قَالَ لِي: "مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ؟ " قُلْتُ: لأَنهمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنهرَ مَاءٍ، قَالَ: "هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ". الحديث الأول: (أنهم)؛ أي: الناس، وفي بعضها: (لأنهم)، وهو متعلق بمقدّر يناسب المقام. (وَنَهر) بسكون الهاء وفتحها. (أهون) قال (ع): معناه: أهونُ على الله من أن يجعل ذلك سببًا لضلال المؤمنين؛ بل هو: ليزداد الذين آمنوا إيمانا، وليس معناه: أنه ليس معه شيء من ذلك. * * * 7123 - حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، حَدَّثَنَا أيوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّهَا عِنَبةٌ طَافِيَةٌ". الثاني: (عين اليمنى)؛ أي: عين الجهة اليمنى. * * *

7124 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِك قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "يَجيءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَرجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ". 7125 - حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيح الدَّجَّالِ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ باب مَلَكَانِ". الثالث الرابع: (إبراهيم بن سعد)؛ أي: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. (رُعْب) بضم الراء وسكون العين أو ضمها: هو الفزع. * * * 7126 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثنا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيح، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ باب مَلَكَانِ". قَالَ: وَقَالَ ابْنُ إِسحَاقَ: عَنْ صَالح بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: بِهَذَا.

الخامس: (وقال ابن إسحاق) وصله الطبراني في "الأوسط". * * * 7127 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالح، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَأثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: "إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سأقولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإنَّ اللهَ لَيْسَ بِأعْوَرَ". السادس: (إنه أَعْوَر) أدلَّةُ كذبه في الإلهية ظاهرةٌ كثيرة من سمات الحدوث، وإنما ذكر العَوَر؛ لأنه أمرٌ محسوس، والعوامُّ تدرِكُه، وقد لا تهتدي إلى الدلائل العقلية، وسبق في (ذكر الأنبياء) في (باب نوح) شرحُ الحديث. * * * 7128 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ"، أَوْ:

"يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ ألتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبةٌ طَافِيَةٌ، قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ"، رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ. 7129 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يسْتَعِيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. السابع والثامن: (يستعيذ) هو تعليم للأُمة؛ وإلا، فهو - صلى الله عليه وسلم - آمِنٌ من فتنته. * * * 7130 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قال فِي الدَّجَّالِ: "إِنَّ مَعَهُ مَاءُ وَنَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ"، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. التاسع: (في الدّجّال)؛ أي: في شأنه، وحكايته. (فنارُه ماءٌ) ليس المراد أن حقيقتهما واحدة؛ بل معناه: ما صورته

27 - باب لا يدخل الدجال المدينة

نعمةٌ ورحمةٌ، فهو بالحقيقة لمن مال إليها نقمةٌ ومحنة، وبالعكس. * * * 7131 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ"، فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. العاشر: (فيه أبو هريرة) موصول في (بدء الخلق). (وابن عباس) موصول فيه، وفي (أحاديث الأنبياء). * * * 27 - باب لَا يَدْخُلُ الدَّجَّال الْمَدِينَةَ (باب: لا يدخل الدّجّالُ المدينةَ) 7132 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا سَعِيد قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أنه قَالَ: "يَأْتِي الدَّجَّالُ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، فَينْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ

الَّتي تَلِي الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، وَهْوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ- مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قتلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ، فَيَقُولُونَ: لَا، فَيقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيقُولُ: وَاللهِ مَا كنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ". الحديث الأول: سبق آخر (الحج) في (باب حَرَم المدينة). * * * 7133 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ". الثاني: (أنقاب) هو جمع نَقْب؛ أي: جمع قلَّة، ونِقاب جمعُ كثرة. * * * 7134 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجِدُ الْمَلاَئِكَةَ يَحْرُسُونها، فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ -قَالَ- وَلَا الطَّاعُونُ، إِنْ شَاءَ اللهُ".

28 - باب يأجوج ومأجوج

الثالث: (يأتيها)، أي: يقصد إتيانها. (إن شاء الله) متعلق بالأخير عند الشافعية، وهو محتمل للتعليق وللتبرك. * * * 28 - باب يَأْجوج ومأجوج (باب: يأجوج ومأجوج) بالهمز فيهما، وتركه: طائفتان من ولد يافثِ بنِ نوحٍ، قيل: هما صنفان من الترك. 7135 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زينَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثتهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ جَحْش: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ويلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَر قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ"، وَحَلَّقَ بإصْبَعَيْهِ الإبْهَامِ وَالَّتي تَلِيهَا، قَالَتْ زينَبُ ابنَةُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أفنَهْلِكُ وَفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: "نعمْ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ".

الحديث الأول: (دخل عليها يومًا) سبق في (الفتن) أنه استيقظ من النوم يقول ذلك، ولا منافاة؛ لجواز وقوع الأمرين، وخصص العرب؛ لأن شرهم بالنسبة إليهم أكثرُ؛ كما وقع ببغداد من قبل الخليفة ونحوه. (الخَبَث) بفتح المعجمة والموحدة: الفسوق، وقيل: الزنا خاصة؛ أي: إذا كثر يحصل الهلاك العام؛ لكن يُبعثون على حسب أعمالهم، والفرقُ بين هذا وبين ما ورد: "هُمُ القَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ"؛ حيث غلبت بركةُ الخير على شؤم الشر: أن ذلك في القليل، وهذا فيما كثر الخبثُ فيه؛ فإن الأكثر يغلب الأقل، ففي الصورتين غلب الأكثر. * * * 7136 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْب، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُفْتَحُ الرَّدْمُ رَدْمُ يَأجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذ"، وَعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ. الثاني: (وَعَقَدَ وُهَيْب) في أول (الفتن): (عقد سفيان)، وفي (ذكر الأنبياء) في (باب ذي القرنين): (عقد النبي - صلى الله عليه وسلم -)، ولا منافاةَ؛ فالكلُّ عقدوا؛ أما العقُد، فهو تحليقُ الإبهامِ والمسبِّحَةِ بوضعٍ خاصٍّ يعرفُه الحُسَّاب. * * *

94 - كتاب الأحكام

94 - كتاب الأحكام

1 - باب قول الله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 94 - كتاب الأحكام (كتاب الأحكام) الحكم: إسنادُ أمرٍ إلى آخر إثباتًا ونفيًا، وفي اصطلاح الأصول: خطابُ الله تعالى المتعلِّقُ بأفعال المكلَّفين بالاقتضاء، أو التخيير. 1 - باب قولِ اللهِ تَعَالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (باب: قول الله تعالى عز وجل: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]) أُولي الأمر: هم الأمراء، وقيل: العلماء؛ والطاعة: الإتيانُ بالمأمور به، والانتهاءُ عن المنهيّ عنه، والمعصيةُ خلافُ ذلك، فوجوبُ طاعةِ السلطان، وطاعةِ العبد لسيده هو بحكم الله تعالى، فهو طاعة الله ورسوله. 7137 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ:

أَخْبَرَني أبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي". الحديث الأول: (فقد أطاع الله) يحتمل أن [يكون] ذلك؛ لأن الله تعالى أمر بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ وكذا الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أمر بطاعة أميرِه، ويحتمل: أن ذلك هو نفسُ طاعة الله؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره إلا بما أمره الله تعالى به. * * * 7138 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلاَ كلُّكُمْ رَاعٍ، وَكلُّكُمْ مَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، فَالإمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهْوَ مَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيتهِ، وَالْمَرْأة رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُلَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهْوَ مَسْؤُلٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُلٌ عَنْ رَعِيته". الثاني: سبق في (الجمعة). * * *

2 - باب الأمراء من قريش

2 - باب الأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ (باب: الأمراء من قُريش) 7139 - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبيرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ: أنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ -وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أقامُوا الدِّينَ"، تَابَعَهُ نُعَيْمٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ. لازمٌ. الحديث الأول: (تؤثر)؛ أي: تروى. (والأماني) بالتخفيف والتشديد. (هذا الأمر)، أي: الخلافة. (كبَّهُ)، أي: ألقاه، ومن الغرائب: أنه ثلاثي متعدٍّ، وأكبَّ رباعيٌّ لازمٌ.

3 - باب أجر من قضى بالحكمة

واعلم أن ما رواه معاوية لا ينافي مقالةَ عبدِ الله - رضي الله عنهما -، وإن لم يرفعها للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه عند عدم إقامتهم الدين يُسلط عليهم، وذاك على وجه الاستحقاق، وقد سبق قريبًا في (باب تغيير الزمان): "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ"، وكأنها لم تبلغ معاويةَ، والخلافةُ في قريش إلى زماننا، وإن كان الخليفة مغلوبًا على أمره في الأقاليم بسبب الشوكة؛ لكن لم تنقطع بالكلية. (تابعهُ نُعَيْم) وصله الطبراني. * * * 7140 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَزَالُ هذا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ". الثاني: في معنى ما قبله. * * * 3 - باب أَجْرِ مَنْ قَضَى بِالْحكمَةِ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

4 - باب السمع والطاعة للإمام، ما لم تكن معصية

(باب: أجر من قضى بالحكمة) 7141 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْد، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا". سبق الحديث فيه في (العلم)، وأن المراد بالحسد: الغِبْطَة، أو أنه لا حسدَ إلا في هذا، وهذا لا حسدَ فيه، فلا حسدَ؛ نحو: {إلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]. * * * 4 - باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَام، مَا لَمْ تَكنْ مَعْصِيَةً (باب: السمع والطاعة للإمام) 7142 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاح، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - فإنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبةٌ". الحديث الأول: (زَبِيبة) أراد بها: صغرَ رأسه؛ لأن الحبشةَ توصف بصغر

الرأس، والمراد بذلك: بيانُ حقارة صورته مبالغة، وذلك في الأُمراء، والعمال، وأما الخلفاء، فلا يكونون إلا من قريش. قال (خ): العرب لا تعرف الإمارة، فَحَضَّهُم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على طاعتهم، والانقياد لهم في المعروف إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلدان؛ لئلا تتفرق الكلمة. * * * 7143 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَد يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيةً". الثاني: (يرويه) فائدة ذكر ذلك: الإشعارُ بأن الرفعَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعمُّ من أن يكون بواسطة، أو بدونها. (فيموتَ) بالنصب والرفع؛ نحو: ما تأتينا فتحدثنا. (مِيتة) بكسر الميم؛ أي: كالميتة الجاهلية من حيث لا إمامَ لهم، لا أنه يكون كافرًا، وسبق قريبًا. * * * 7144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ،

حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِم، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِية، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمعَ وَلَا طَاعَةَ". الثالث: (على المرء)؛ أي: ثابتٌ، أو واجبٌ عليه. * * * 7145 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غياثٍ، حَدَّثنَا أَبِي، حَدَّثنا الأَعْمَشُ، حَدَّثنا سَعْدُ بْنُ عُبيدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِي - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَريَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيهِم رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أليْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُوني؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ ناَرًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ ينظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فرارًا مِنَ النَّارِ؟ أفنَدْخُلُهَا؟ فَبينَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". الرابع: سبق في (المغازي). * * *

5 - باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله

5 - باب مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الإِمَارة أَعَانَهُ اللهُ (باب: من لم يسألِ الإمارةَ، أعانه الله) 7146 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبدِ الرحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا تَسْألِ الإمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْئَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْئَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ يَمِينَكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". الحديث فيه، وفي: * * * 6 - باب مَنْ سَأَلَ الإِمَارة وُكِلَ إِلَيْهَا (باب: من سأل الإمارة، وُكِلَ إليها) 7147 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فَإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْئَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْئَلَةٍ أُعِنْتَ

7 - باب ما يكره من الحرص على الإمارة

عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفّرْ عَنْ يَمِينكَ". سبق أول (كتاب الأيمان). 7 - باب مَا يُكرَهُ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الإِمَارَةِ 7148 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونس، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّكمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإمَارَةِ، وَسَتكُونُ ندامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ". لكن (ستحْرصون) بكسر الراء وفتحها. (المرضعة)؛ أي: أولُها. (الفاطمة)، أي: آخرُها، فهو من ضرب المثل لما تُوصل إليه الإمارةُ، وذلك لأن فيها أولًا المال، والجاه، واللذات الحسيّة، والوهمية، وآخرها القتل والعزل، ومطالبة التبعات في الآخرة. * * * 7148 / -م - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَم، عَنْ

8 - باب من استرعي رعية فلم ينصح

أَبِي هُرَيْرَةَ: قَوْلَهُ. (وقال محمد)؛ أي: من باب المذاكرة، لا التحميل. * * * 7149 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَرَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَمِّرْنَا، يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: "إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سألهُ، وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ". الثاني: (ورجلان من قومي) في "الأوسط" للطبراني: أن أحدهما ابنُ عُمر بن موسى راوي الحديث، وسبق شرحه قريبًا. * * * 8 - باب مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ (باب: من اسْتُرْعِيَ رَعِيّةً) هو بالبناء للمفعول؛ أي: اسْتُحْفِظَ. (فلم ينصح)؛ أي: إما بتضييعه تعريفَهم ما يلزمُهم من دينهم،

أو بإهمال حدودِهم وحقوقِهم، أو بترك حمايةِ حَوْزَتهم، أو العدل فيهم. * * * 7150 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ رَعِيةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ". الحديث الأول: (فلم يَحُطْها) من الحياطة، وهي الحفظ والتعهد. (لم يَجدْ) إما تغليظًا، أو للمستحلِّ، أو لم يجدْ رائحتَها مع الفائزين الأولين؛ لأنه ليس عامًّا في جميع الأزمان، ولا بد من تقدير شيء لصحة المعنى، وهو: إلا؛ أي: إلا لم يجد؛ بل في بعضها التصريح بذلك، وإلا فظاهرُ التركيب أنه يجد عكسَ المقصود، أو الخبر محذوف؛ أي: ما من عبد كذا إلا حَرَّمه اللهُ على الجنة، و (لم يجدْ) استئنافٌ؛ كالمفسر له، أو (ما) ليست للنفي، وجاز زيادة (من) لتأكيد في الإثبات عند بعض النحاة. * * *

9 - باب من شاق شق الله عليه

7151 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِي، قَالَ زَائِدَةُ: ذَكَرَهُ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أتيْنَا مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ نعودُهُ، فَدَخَلَ عُبيد اللهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: أحُدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا مِنْ وَالٍ يلي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهْوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". الثاني: (غاشّ) ضدُّ الناصح. (حرم الله عليه الجنةَ) فيه ما سبق من الأجوبة. * * * 9 - باب مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ (باب: من شاقَّ، شَقَّ اللهُ عليه) مِنْ شَقَقْتُ عليه: أدخلتُ عليه المشقةَ؛ أي: ثَقَّلَ اللهُ عليه. 7152 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِد، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنِ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ: شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهْوَ يُوصِيهِمْ، فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللهُ

عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، فَقَالُوا: أَوْصِنَا، فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأكلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءَ كفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَنْ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جُنْدَب؟ قَالَ: نعمْ، جُنْدَب. (صَفْوان) هو ابن مُحْرِز -براء ثم زاي-. (وَجُنْدَبًا)؛ أي: ابن عبد الله البَجَلي، وفي بعضِها: (جُنْدُب) -بلا ألف- كأنه مكتوب على لغة ربيعة في الوقف. (وهو)؛ أي: جُنْدُب. (يوصيهم)؛ أي: يوصي أصحابه. قال الفِرَبْرِي: قلت لأبي عبد الله: من يقول: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، جُنْدُبٌ؛ قال: نعم جُنْدُبٌ. (سَمَّعَ)؛ أي: عمل للمعصية. (سَمَّعَ اللهُ به)؛ أي: أظهر الله للناس سريرتَه، وملأ أسماعهم بما ينطوي عليه من حيث السرائر جزاء لفعله. وقيل: المراد: يُريه ثوابَه من غير أن يُعطيه، وقيل: المرادُ: من أراد بعمله الناسَ، أسمعَه الله الناسَ، وذلك ثوابُه فقط، وفيه: أن الجزاءَ من جنس الذنب. وقال (خ): من راءى بعمله، وسمَّع به الناسَ ليعظموهُ بذلك، شهَّره الله تعالى يوم القيامة، وفضحه الله حتى يرى الناس، ويسمعوا ما يحل به من الفضيحة؛ عقوبةً على ما كان منه في الدنيا من الشهرة والسمعة.

10 - باب القضاء والفتيا في الطريق

(ومن يشاقق)؛ أي: بأن يضرَّ الناسَ، ويحملَهم على ما يشقُّ من الأمر، وإما أن يكون ذلك من شقاق الخلاف، وهو بأن يكون في شِقٍّ منهم، وفي ناحيةٍ من جماعتهم. (يُنْتِن) بضم أوله وكسر ثالثه. (كفه) وفي بعضها: (كف)، وهو عبارة عن دم إنسان واحد. (أهْرَاقَهُ)؛ أي: صَبَّه؛ أي: من قَدَرَ أن لا يحصل له القتلُ بغير الحق حائلًا بينه وبين الجنة فليفعلْ، وفيه: تغليظُ عقوبة القتل. * * * 10 - باب الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فِي الطرِيق وَقَضَى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي الطَّرِيقِ، وَقَضَى الشَّعْبِيُّ عَلَى باب داره. (باب: القضاء والفُتيا في الطريق) 7153 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَارِجَانِ مِنَ الْمَسْجدِ، فَلَقِينا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتكَانَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ

11 - باب ما ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له بواب

مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صيامٍ وَلَا صَلاَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". (سُدَّة المسجد)؛ أي: عتبته، ورحبته. (استكان)؛ أي: خشع، وذَلَّ، وهو افتعلَ من السكون، فالمدُّ شاذٌّ، وقيل: استفعل من السكون، فالمد قياس. (كثير) بموحدة ومثلثة. * * * 11 - باب مَا ذُكِرَ أَنَّ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكنْ لَهُ بَوَّابٌ (باب: ما ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له بَوَّابٌ) أي: راتبٌ دائمًا، وإلا فقد كان له بواب في المَشْرُبة، وفي البستان في حديث: "بَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ"، أو المراد: لم يكن له بوابٌ في حجرته التي كانت مَسْكَنًا له، أو لم يكن ذلك بتعيينه؛ بل باشرا ذلك بأنفسهما. 7154 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، يَقُولُ لاِمْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلاَنَةَ؟ قَالَتْ: نعم، قَالَ: فَإِنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهَا وَهْيَ تَبْكِي

12 - باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه

عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: "اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي"، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنّي، فَإِنَّكَ خِلْو مِنْ مُصِيبَتِي، قَالَ: فَجَاوَزَهَا وَمَضَى فَمَرَّ بِهَا رَجُل، فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ، قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَجَاءَتْ إِلَى بابِهِ، فَلَمْ تَجدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا عَرَفْتُكَ، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الصَّبرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ". (فُلانة) هي كناية عن عَلَم أُنثى الإنسان، فلا ينصرف. (خِلْو) بكسر المعجمة، وسبق في (الجنائز). * * * 12 - باب الْحاكمِ يَحكُمُ بالْقَتْلِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُونَ الإِمَامِ الذي فَوْقَهُ (باب: الحاكم يحكم بالقتل) قوله: (دون) إما بمعنى عند، أو بمعنى غير؛ لكن الحديث الثاني يدل على أنه بمعنى غير ليس إلا، وإن كان الأول محتملًا. 7155 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ مُحَمدٌ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ.

الحديث الأول: (كان يكون) إحداهما وإن كانت كافية؛ لكن قُصد بهما الاستمرارُ والدوامُ. (الشُّرَط) بضم المعجمة وفتح الراء: جمع شُرَطة، وهم أول الجيش، سموا بذلك؛ لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات، والأَشْراط: الأعلام، فصاحبُ الشُّرَط معناه: صاحب العلامات، ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، كان قيسٌ في مقدمته، وينفّذ في أموره، وقد اختُلف في ذلك، فقالت الحنفية: لا يقيم الحدَّ إلا أُمرَاءُ الأمصار، لا عاملُ السواد. قال بعض المالكية: لا يَقتل إلا والي الفُسْطاط. * * * 7156 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثنَا أبو بُردَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ وَأتبَعَهُ بِمُعَاذٍ. الثاني: (بعثه)؛ أي: أرسله إلى اليمن قاضيًا. * * * 7157 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا خَالِد، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأتى معَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَهْوَ عِنْدَ أَبِى مُوسَى،

13 - باب هل يقضي الحاكم أو يفتي وهو غضبان؟

فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُوله - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (وهو)؛ أي: المتهوّد. (قضاء) بالرفع؛ أي: هذا حكمُ الله ورسوله، سبق في (المغازي) في (باب بعث أبي موسى ومعاذ)، ووجه مطابقته الترجمة: أنهما قتلاه، ولم يرفعا الأمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 13 - باب هَلْ يَقْضِي الْحاكمُ أَوْ يُفْتِي وَهْوَ غَضْبَانُ؟ (باب: هل يقضي القاضي، أو يُفتي وهو غضبان؟) 7158 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كتَبَ أبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ وَكَانَ بِسِجسْتَانَ، بِأَنْ: لَا تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهْوَ غضْبَانُ". الحديث الأول: (بِسِجسْتَان) بكسر المهملة الأولى والجيم وسكون الثانية وبالمثناة:

بلاد كرمان والهند، لهم سلطان مستقل، وأسلحة كثيرة. (حكَم) بفتح الكاف؛ أي: قاض. (غضبان)؛ أي: لأن الغضب يُغير الطباعَ، ويُفسد الرأي، ويُطير العقل، ولذلك يقال: الغضبُ غُولُ العقل، فلا يؤمَنُ معه الخطأ، وفي معناه كلُّ ما غَيَّرَ طبعَ الإنسان وأدهشَه؛ من جوع، أو مرض، ونحوه، فلا يقضي حتى تزولَ عنه هذه الأعراض. * * * 7159 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي وَاللهِ لأَتأخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَن، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيهَا، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أيها النَّاسُ! إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ". الثاني: (جاء الرجل) تقدم في (صلاة الجماعة): أنه سُليمُ بنُ الحارث. (فلان) هو أُبَيُّ بنُ كعبٍ؛ كما في "مسند أبي يعلى"، وقيل: هو معاذُ بنُ جبلٍ.

14 - باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة

(ما صلى)، (ما) زائدة، سبق في (العلم) في (باب الغضب والموعظة). * * * 7160 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونس: قَالَ مُحَمَّد: أَخْبَرني سَالِم: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فتغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيض فتطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا". الثالث: (فتغيَّظَ)؛ أي: غضب، وفائدةُ التأخير إلى الطُّهر الثاني: أن لا تكون الرجعةُ لغرض الطلاق فقط، وأن تكون كالتوبة من معصية، وأن يطول مقامُه معها، فلعله يجامعها، ويذهبُ ما في نفسه من سبب الطلاق، فيمسكها؛ سبق في (الطلاق). * * * 14 - باب مَنْ رَأَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحكُمَ بعِلْمِهِ فِي أَمْرِ النَّاسِ إِذَا لَمْ يَخَفِ الظُّنُونَ وَالتُّهَمَةَ كمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِهِنْدَ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ"،

وَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَمْرٌ مَشْهُورٌ. (باب: من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه)، في بعضها: (للحاكم). (والتُّهَمَة) بفتح الهاء؛ أي: بحكم شرطين: عدم التهمة، ووجود شهرة القضية؛ كقضية هند مع أبي سفيان؛ فإن وجوب النفقة عليه كان معلومًا مشهورًا. وقال مالك، وأحمد: لا يقضي بعلمه، لا في حق الله تعالى، ولا في حق الناس. * * * 7161 - حَدَّثَنَا أَبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا أَصبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أُطْعِمَ الَّذِي لَهُ عِيَالنا؟ قَالَ لَهَا: "لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ مِنْ مَعْرُوفٍ". (من معروف)؛ أي: الإطعام الذي هو المعروف بأن لا يكون فيه إسراف ونحوه، وفيه فوائد تقدمت في (النفقات). * * *

15 - باب الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك وما يضيق عليهم، وكتاب الحاكم إلى عامله، والقاضي إلى القاضي

15 - باب الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ الْمَخْتُوم، وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَضِيقُ عَلَيْهِمْ، وَكِتَابِ الْحاكمِ إِلَى عَامِلهِ، وَالْقَاضي إِلَى الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتَابُ الْحَاكِم جَائِزٌ إِلَّا فِي الْحُدُودِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَهْوَ جَائِزٌ؛ لأَنَّ هَذَا مَال بِزَعْمِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَالًا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ، فَالْخَطَأُ وَالْعَمْدُ وَاحِدٌ، وَقَدْ كتبَ عُمَرُ إِلَى عَامِلِهِ فِي الحُدُودِ، وَكتبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سِنٍّ كُسِرَتْ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي جَائِزٌ، إِذَا عَرَفَ الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجيزُ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَاضِي، ويُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيم الثَّقَفِي: شَهِدْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَعْلَى قَاضِيَ الْبَصْرَةِ، وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنَ، وَثُمَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنسٍ، وَبِلاَلَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيَّ، وَعَامِرَ بْنَ عَبِيدَةَ، وَعَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ، يُجيزُونَ كتبَ الْقُضَاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، فَإِنْ قَالَ الَّذِي جِيءَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ: إِنَّهُ زُورٌ، قِيلَ لَهُ: اذْهَبْ فَالْتَمِسِ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ سَألَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ.

وَقَالَ لنا أبو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحْرِزٍ: جِئْتُ بِكِتَابٍ مِنْ مُوسَى بْنِ أَنسٍ قَاضِي الْبَصْرَةِ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ الْبينَةَ: أَنَّ لِي عِنْدَ فُلاَنٍ كَذَا وَكَذَا، وَهْوَ بِالْكُوفَةِ، وَجِئْتُ بِهِ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأجَازَهُ. وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَأَبُو قِلاَبَةَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيهَا؛ لأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ فِيهَا جَوْرًا. وَقَدْ كتبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ: "إِمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ، وإِمَّا أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ". وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي شَهَادَةٍ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَرَاءَ السِّتْرِ: إِنْ عَرَفْتَهَا فَاشْهَدْ، وَإِلَّا فَلَا تَشْهَدْ. (باب: الشهادة على الخط) قوله: (يضيق عليه)؛ أي: ما لا يجوز، أو ما يشترط فيه. (بعض الناس) قيل: أراد به الحَنَفِية. (وإنما صار) هذا من كلام البخاري ردًّا عليهم؛ أي: هو حدٌّ لا مال، وإنما يصير مالًا بعد الثبوت عند الحاكم، فالخطأ والعمدُ في أول الأمر حكمُهما واحد، لا تفاوتَ في كونهما حدًّا؛ وكذا في العمد ربما يكون مآله للمال. (في الحدود)؛ أي: في شأنها وأحكامِها، وفي بعضها: (في الجَارُود) -بالجيم وضم الراء وبالواو والمهملة- العبدي.

قال ابن قُرْقُول في "المطالع": أي: في شهادة الجارود؛ حيث شهدَ على قُدَامةَ بنِ مَظْعُونٍ بشرب الخمر، فكتب عُمرُ إلى عامله بالبحرين أن يسأل امرأة قُدَامة في ذلك. (إذا عرف)؛ أي: إذا كان الكتاب والختم مشهورين بحيث لا يلتبس بغيره. (وكان الشَّعْبِي) هو ما عليه مالك أيضًا، وأما أكثرُ الفقهاء، فعلى أنه ليس للقاضي المكتوبِ إليه أن يحكم بما لا يعرف الشاهدُ ما فيه، ويشهدُ به. (وقد كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل خَيْبَر)؛ أي: في حديث مُحَيِّصَة، وهو موصول في (كتاب الحاكم إلى عماله). (إمّا أن تَدُوا صاحِبَكم)؛ أي: عبدَ الله بنَ سهل، وأطلق ذلك عليه؛ لأنه وُجد قتيلًا بينهم؛ أي: بين اليهود، والإضافة تكون بأدنى ملابسة، هذا إن كان (تَدُوا) بتاء الخطاب، ومعنى (تَدُوا): تعطوا الدية، وسبقت القصةُ آخر (الجهاد). (من وراء الستر)؛ أي: بتنقُّبٍ ونحوِه. * * * 7162 - حَدَّثَنِي مُحَمدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غنْدَرٌ، حَدثَنَا شُعْبةُ قَالَ: سَمِعْتُ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَما أَرَادَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قَالُوا: إِنهم لَا يَقْرَؤُنَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا مِنْ

16 - باب متى يستوجب الرجل القضاء؟

فِضَّة، كَأنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. (وَبِيصُه) بفتح الواو وكسر الموحدة وبمهملة: اللمعان، والبراقة، وفيه: دليلٌ على أن كتاب القاضي، وإن لم يكن مختومًا، حُجَّةٌ. * * * 16 - باب مَتَى يَسْتوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاء؟ وَقَالَ الْحَسَنُ: أَخَذَ اللهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ لَا يتبعُوا الْهَوَى، وَلَا يَخْشَوُا النَّاس {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}، ثُم قَرَأَ: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}، وَقَرَأَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا} -استودِعُوا- {مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، وَقَرَأَ: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}، فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَلُمْ داوُدَ، وَلَوْلاَ مَا ذَكَرَ اللهُ مِنْ أَمْرِ

هَذَيْنِ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْقُضَاةَ هَلَكُوا، فَإِنَّهُ أثنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ، وَعَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَاده. وَقَالَ مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ: قَالَ لنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: خَمس إِذَا أَخْطَأ الْقَاضِي مِنْهُنَّ خَصْلَةً كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: أَنْ يَكُونَ فَهِمًا، حَلِيمًا، عَفِيفًا، صَلِيبًا، عَالِمًا سَؤُلًا عَنِ الْعِلْم. (باب: متى يستوجبُ الرجلُ القضاء؟) أي: يصير أهلًا له، أو متى يجب عليه القضاء؟ (من أمر هذين)؛ أي: داود، وسليمان عليهما السلام. (لرُؤيت) بالبناء للمفعول، وبتاء التأنيث الغائبة. (خُطة) بالضم؛ أي: خصلة. (أخطأ)؛ أي: تجاوزَ الحدَّ وفاتَ. (منهن) في بعضها: (منهم)، ولعل ذلك باعتبار العفيف، لا العفة، والحليم، لا الحلم ونحوه، أو الضمير راجع إلى القضاة. (وَصْمة) هي العيبُ والعارُ. (فهمًا)؛ أي: لدقائق القضايا، متفرسًا للحق من كلام الخصوم. (حليمًا)؛ أي: من الحلم، وهو الطمأنينة؛ أي: يكون متحملًا لسماع كلام المتحاكمين، واسعَ الخلق، غيرَ متضجر، ولا غضوبٍ. (عفيفًا) العفةُ: النزاهة عن القبائح؛ أي: لا يأخذ الرشوة بصورة

17 - باب رزق الحكام والعاملين عليها

الهدية، ولا يميل إلى ذي جاه ونحوه. (صُلبًا) الصلابةُ: القوةُ النفسانية على استيفاء الحدود؛ من القتل، والقطع، والجلد. (عالمًا سؤولًا) إن قيل: هذه ستة، لا خمسة! قيل: الأخيرُ من تتمة الخامس؛ لأن كمال العلم لا يحصل إلا بالسؤال. * * * 17 - باب رِزْقِ الْحُكَّامِ وَالْعَامِلِينِ عَلَيْهَا وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءَ أَجْرًا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَأْكُلُ الْوَصِيُّ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ، وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. (باب: رزق الحاكم والعاملين عليها) قوله: (وكان شُرَيْحٌ) بالمعجمة المضمومة وفتح الراء وآخره مهملة: القاضي. قال (ك): نقلًا عن مُغُلْطَاي: إن هذا التعليق ضعيف، وهو يردُّ على من قال: التعليقُ المجزومُ به عند البخاري صحيحٌ. (عُمَالته) بالضم وخفة الميم؛ أي: أُجرة العمل. * * *

7163 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ بْنُ أُخْتِ نَمِرٍ: أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فِي خِلاَفَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالًا، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا، وَأَنَا بِخَيْرٍ، وَأَرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، قَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي كنْتُ أَرَدْتُ الَّذِي أَرَدْتَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أفقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْهُ فتمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَإِلَّا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ". الحديث الأول: في سنده أربعةٌ من الصحابة، وهو من الغرائب. (أفقر إليه مني) إنما فَصَلَ بين التفصيل بذلك؛ لأنه ليس أجنبيًّا؛ بل هو ألصقُ به من الصلة؛ لأن ذلك محتاجٌ إليه بحسب جوهر اللفظ، والصلةُ محتاجٌ إليها بحسب الصيغة. (مشرف)؛ أي: طامعٌ وناظرٌ إليه. (وإلا)؛ أي: وإن لم يجيء إليك، (فلا تُتبعْه نفسَك) في طلبه، واتركْه، وإنما منعه - صلى الله عليه وسلم - من الإيثار؛ لأنه أرادَ له الأعلى والأفضلَ من

18 - باب من قضى ولاعن في المسجد

الأجر؛ لأن أخذَه ومباشرته الصدقةَ بنفسه أعظمُ لأجره، وذلك؛ لأن الصدقة بعد التموُّل إنما هو بعد دفع الشُّحّ الذي هو مستولٍ على النفوس. وفيه: أن من استُعمل على شيء من عمل المسلمين، له أخذُ الرزق عليه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى عُمرَ العمالة على عمله الذي استعمله عليه. وفيه: أن ما جاء من غير سؤال أفضلُ من تركه؛ لأن فيه نوعًا من إضاعة المال. * * * 7164 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِيِني الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْهُ فتمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تتبِعه نَفْسَك". الثاني: كالذي قبله. * * * 18 - باب مَنْ قَضَى وَلاَعَنَ فِي الْمَسْجِدِ وَلاَعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَضَى شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ

وَيَحْيَىَ بْنُ يَعْمَرَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَكَانَ الْحَسَنُ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى يَقْضِيَانِ فِي الرَّحَبَةِ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجدِ. (باب: من قضى وَلاَعَنَ في المسجد) من تنازع الفعلين، ومعنى لاعَنَ: أمر باللعان؛ نحو: كسا الخليفةُ الكعبةَ. (الرَّحْبة) بسكون المهملة وفتحها: الساحة، والمكان المتسع. * * * 7165 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. 7166 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ؟ فَتَلاَعَنَا فِي الْمَسْجدِ وَأَنَا شَاهِدٌ. الحديث الأول، والثاني: (أخي بني ساعدة)؛ أي: واحد منهم.

19 - باب من حكم في المسجد حتى إذا أتى على حد أمر أن يخرج من المسجد فيقام

(أن رجلًا) هو عُوَيْمِرٌ العَجْلانِيُّ، سبق الحديث في (اللعان) مطوّلًا. * * * 19 - باب مَنْ حَكَمَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حَدِّ أَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيُقَامَ وَقَالَ عُمَرُ: أَخْرِجَاهُ مِنَ الْمَسْجدِ، وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ. (باب: من حكمَ في المسجد، حتى إذا أتى على حَدّ) 7167 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أتى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي زَنيتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعًا قَالَ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ". 7168 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ بِالْمُصَلَّى، رَوَاهُ يُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الرَّجْمِ. (أتى رجل) هو مَاعِزٌ الأَسْلَمِيُّ.

20 - باب موعظة الإمام للخصوم

(من سمع) قيل: يشبه أن يكون هو أبو سلمةَ؛ فقد صرح به في الرواية الأُخرى. (بالمُصَلّى)؛ أي: مُصَلّى الجنائز، هو البقيع. (رواهُ يُونُسُ، ومَعْمَرٌ) سبقا في (الحدود). (وابن جُرَيج) هو موصولٌ هناك. (في الرَّجْم) إشعارٌ بعدم روايتهم الإقرارَ أربعًا، سبق في (الزّنا). * * * 20 - باب مَوْعِظَةِ الإِمَامِ لِلْخُصُومِ (باب: موعظة الإمام للخصوم) 7169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ ألحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي نَحْوَ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ". (أَلْحَنَ)؛ أي: أبلغَ وأفطنَ.

21 - باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذلك للخصم

(من النار)؛ أي: لأن مآله إليها؛ فيه: أن البشر لا يعلم الغيب إلا أن يُعَلِّمَهُ الله تعالى، وأنه يحكم بالظاهر، وحكمُه - صلى الله عليه وسلم - لا يكون إلا صحيحًا؛ لأنه بالبينة، وإن وقع خطأً؛ فإنما هو من الشاهد؛ وكذا كلُّ حاكم، وفيه: أن حكم الحاكم لا ينفُذُ باطنًا، ولا يُحِلُّ حرامًا؛ خلافًا للحنفيّة، وسبق في (المظالم). * * * 21 - باب الشَّهَادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي وِلاَيَتِهِ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ لِلْخَصْمِ وَقَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَسَأَلَهُ إِنْسَانٌ الشَّهَادَةَ، فَقَالَ: ائْتِ الأَمِيرَ حَتَّى أَشْهَدَ لَكَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ زنًا أَوْ سَرِقَةٍ وَأَنْتَ أَمِيرٌ، فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ عُمَرُ: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللهِ لَكَتَبْتُ آيَةَ الرَّجْمِ بِيَدِي. وَأَقَرَّ مَاعِزٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالزِّناَ أَرْبَعًا، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَشْهَدَ مَنْ حَضَرَهُ، وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذَا أَقَرَّ مَرَّةً عِنْدَ الْحَاكِم رُجِمَ، وَقَالَ الْحَكَمُ: أَرْبَعًا.

(باب: الشهادة تكون عند الحاكم) قوله: (للخصم) يتعلق بالشهادة؛ أي: إذا كان الحاكم شاهدًا للخصم الذي هو أحد المتحاكمين عنده، سواء تحملها قبل تولية القضاء، أو في زمان ولايته، فاختلفوا: هل له أن يحكم بها، أم لا؟ (الأمير)؛ أي: السلطان، أو مَنْ دونَه. (فقال: شهادتك) هو قولُ عبدِ الرحمنِ جوابًا لعُمرَ؛ وأما جوابُ (لو) فمحذوف؛ أي: فما قولك فيه؟ أو نحو ذلك. (قال عُمر) موصول في (حديث السقيفة). (آية الرَّجْم)؛ أي: الشيخ والشيخة إلى آخرها، والغرض: أنه لم يُلحقها بالمصحف بمجرد علمه وحدَه. (وأقرَّ مَاعِزٌ) موصول في (الحدود). (ولم يذكر) أراد به الردَّ على من قال: لا يقضي بإقرار الخصم، حتى يدعوَ شاهدين يُحضرهما إقرارَه. * * * 7170 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قتادَةَ: أَنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ: "مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَتِيلٍ قتلَهُ، فَلَهُ سَلَبُهُ"، فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ، ثُمَّ

بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلَاحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي، قَالَ: فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلَّا، لَا يُعْطِهِ أُصَيْبغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَدَّاهُ إِلَيَّ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ. قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ: عَنِ اللَّيْثِ: فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَدَّاهُ إِلَيَّ. وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ: الْحَاكِمُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، شَهِدَ بِذَلِكَ فِي وِلاَيَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا، وَلَوْ أَقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ حَتَّى يَدْعُوَ بِشَاهِدَيْنِ فَيُحْضِرَهُمَا إقْرَارَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَضَى بِهِ، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ يَقْضِي بِهِ، لأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنَّمَا يُرَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ، فَعِلْمُهُ أَكْثَرُ مِنَ الشَّهَادَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ، وَلَا يَقْضِي فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ الْقَاسِمُ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِم أَنْ يُمْضِيَ قَضَاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكثَرُ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ فِيهِ تَعَرُّضًا لِتُهَمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِيقَاعًا لَهُمْ فِي الظُّنُونِ، وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظَّنَّ، فَقَالَ: "إِنَّمَا هَذِهِ صَفِيَّة".

الحديث الأول: (حُنين) بنونين. (سَلَبَهُ) بفتحتين: ما معه من المال من ثياب وأسلحة ونحوِ ذلك. (أُصَيْبغ) بإهمال الصاد وإعجام الغين، وبالعكس؛ فعلى الأول: هو تصغير وتحقير له بوصفه باللون الرديء، وعلى الثاني: تصغير ضَبُع على غير قياس، كأنه لما عَظَّمَ أبا قَتادة بأنه أسد، صَغَّرَ هذا، وشبهه بالضَّبُع، لضعف افتراسه. وقال (خ): الأصبغ -بالصاد المهملة-: نوع من الطير، ونبات ضعيف. (ويدع) بالرفع، والنصب، والجزم. (أسدًا)؛ أي: أبا قَتادة. (فقام) في بعضها: (فعلم)؛ أي: علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أبا قَتادةَ هو القاتلُ للقتيل. (خِرَافًا) بكسر المعجمة وخفة الراء: البستان. (تأثلته)؛ أي: اتخذْتُه أصلَ المال، واقتنيتُه، وإنما حكم له بذلك، مع طلبه أولًا البينةَ؛ لأن الخصم اعترف، مع أن المال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيه لمن شاء. (قال عبد الله) وقع في رواية أبي ذَرٍّ عن الكُشْميْهَنِيّ: (قال لي

عبد الله)، وهو ابنُ صالح؛ أي: كاتبُ الليث. (فقام) فيه دليل على أن ما في الرواية السابقة إنما هو (فعلم)، وسبق الحديث في (غزوة حُنَيْن). (فَيُحْضِرْهُمَا) من الإحضار. (مؤتَمَن) اسم مفعول. (وقال بعضهم)؛ أي: بعض العلماء، أو بعضُ أهل الحجاز؛ كالشافعي - رضي الله عنه -. (وقال القاسم) هو حيث أُطْلِق المراد به: ابنُ محمدِ بنِ أبي بكرٍ الصديقِ غالبًا. (يمضي) في بعضها: (يقضي). (دون علم غيره)؛ أي: يكون وحده عالمًا به، لا غيره. (وإيقاعًا) مفعول معه، والعامل هو ما يلزم الظرف. * * * 7171 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَلَمَّا رَجَعَتِ انْطَلَقَ مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ: "إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ"، قَالَا: سُبْحَانَ اللهِ، قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ"، رَوَاهُ شُعَيْبٌ، وَابْنُ مُسَافِرٍ، وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ يَعْنِي ابْنَ حُسَيْنٍ، عَنْ

22 - باب أمر الوالي إذا وجه أميرين إلى موضع أن يتطاوعا ولا يتعاصيا

صَفِيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: هو مُرْسَل؛ لأن عليَّ بنَ الحسينِ بنِ زينِ العابدين تابعيٌّ. (سبحان الله!) هو تعجُّبٌ من قوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَيْكُمَا مِنْ قَذْفِ الشَّيْطَانِ وَوسْوَسَتِهِ". (رَوَاهُ شُعَيْبٌ) موصول في (الأدب). (وابن مُسَافِر)؛ أي: عبدُ الرحمنِ بنُ خالدِ بنِ مسافر، موصول في (الخُمْس). (وابن أبي عتيق) هو محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي عتيقٍ، موصول في (الاعتكاف). (وإسحاق) وصله الذُّهْلِي في "الزُّهْرِيَّات". * * * 22 - باب أَمْرِ الْوَالِي إِذَا وَجَّهَ أَمِيرَيْنِ إِلَى مَوْضِع أَنْ يَتَطَاوَعَا وَلَا يَتَعَاصَيَا (باب: أمر الوالي إذا وَجَّهَ أميرينِ إلى موضعٍ) 7172 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،

23 - باب إجابة الحاكم الدعوة

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَبِي وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا"، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا الْبِتْعُ، فَقَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، وَقَالَ النَّضْرُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَوَكيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (البِتْع) بكسر الموحدة وإسكان المثناة وبالمهملة: نبيذُ العسل، يُتخذ منه المسكر، والحديث بهذا الطريق مُرْسَلٌ؛ لأن أبا بردةَ بنَ أبي موسى الأشْعَرِيّ تابعيٌّ، ولم يرو ذلك عن صحابي. (وقال النَّضْر) سبق بيانُ وصله في "البخاري". (وأبو داود)؛ أي: الطيالسي، وصله في "مسنده". (ويزيد بن أبي هارون) وصله أبو عَوانة، والبيهقي. (ووكيع) سبق بيانُ وصله في (المغازي). * * * 23 - باب إِجَابَةِ الْحَاكِمِ الدَّعْوَةَ وَقَدْ أَجَابَ عُثْمَانُ عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.

24 - باب هدايا العمال

(باب: إجابة الحاكمِ الدعوةَ) 7173 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فُكُّوا الْعَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ". (فُكُّوا العاني)؛ أي: خَلِّصوا الأسيرَ في يد الكفار منهم. (الدَّاعي)؛ أي: إلى الطعام؛ لكن للإجابة شروطٌ مذكورة في الفقه. * * * 24 - باب هَدَايَا الْعُمَّالِ (باب: هدايا العمال) 7174 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ الْعَامِلِ نبْعَثُهُ، فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ، وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أيَهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلًّا جَاءَ بِهِ

25 - باب استقضاء الموالي واستعمالهم

يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، ثَلاَثًا، قَالَ سُفْيَانُ: قَصَّهُ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ، وَزَادَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعَ أُذُنَايَ، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي، وَسَلوا زيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَإِنَّهُ سَمِعَهُ مَعِي، وَلَمْ يَقُلِ الزُّهْرِيُّ: سَمعَ أُذُنِي. "خُوَارٌ": صَوْتٌ، وَالْجُؤَارُ: مِنْ تَجْأَرُونَ، كَصَوْتِ الْبَقَرَةِ. (اللُّتْبِيَّة) بضم اللام وإسكان التاء المثناة، وبفتحها وبالموحدة وياء النسب، ويقال أيضًا: الأُتْبيّة -بالهمزة بدل اللام-، وهي اسم أُمّه. (تَيْعر) -بكسر العين وفتحها، من اليُعَار: صوت الغنم. (عُفْرَتي) بضم المهملة وتسكين الفاء؛ أي: بياض مختلط بحمرة ونحوها. (أذني) بالإفراد، وفي بعضها: بالتثنية على مذهب من يجعله في حالاته الثلاث بالياء. * * * 25 - باب اسْتِقْضَاءِ الْمَوَالِي وَاسْتِعْمَالِهِمْ (باب: استقضاء الموالي) من استقضى فُلانًا؛ أي: طلب أن يقضيه، والموالي: العُتَقاء.

26 - باب العرفاء للناس

7175 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ ناَفِعًا أَخْبَرَهُ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجدِ قُبَاءٍ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ. (المهاجرين الأَوَّلين) هم الذي صَلَّوا إلى القبلتين، وفي "الكشاف": هم الذين شهدوا بدرًا. (قُباء) بالمد، وتركه، والصرف، ومنعه. (وأبو سلمة) هو ابنُ عبدِ الأسدِ المخزوميُّ. (وزيد)، وقال (ك): هو ابن الخطابِ العدويُّ، من المهاجرين الأولين، وقال غيره: هو ابن حارثةَ. * * * 26 - باب الْعُرَفَاءِ لِلنَّاسِ (باب: العُرَفاء للنّاس) 7176 - و 7177 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:

27 - باب ما يكره من ثناء السلطان، وإذا خرج قال غير ذلك

حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ حِينَ أَذِنَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي عِتْقِ سَبْيِ هَوازِنَ: "إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ"، فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. (أذن له)؛ أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي بعضها: (لهم)؛ أي: له ولمن كان مساعدًا في عتقهم، ويحتمل أن الضمير لهوازن؛ مثل: مساجد قبيلة. (عُرَفَاؤكُم) جمع عريف، وهو الذي يعرف أصحابَهُ، فهو كالنقيب للقوم. (طيبوا)؛ أي: اتركوا السبايا بطيب قلوبكم، وأْذنوا في إعتاقهم وإطلاقهم. * * * 27 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ثَنَاءِ السُّلْطَانِ، وَإذَا خَرَجَ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ (باب: ما يكره من ثناء السلطان) 7178 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ

عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ أُناسٌ لاِبْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا، فَنَقُولُ لَهُمْ خِلاَفَ مَا نتكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهمْ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا. الحديث الأول: (نفاقًا)؛ أي: لأنه إبطان أمر وإظهارُ أمرٍ آخر، ولا يراد أنه كفر؛ بل كالكفر. * * * 7179 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيب، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنْ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ". الثاني: (ذو الوجهين) مجاز عن الجهتين؛ مثل: المدحة والمذمَّة؛ نحو: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [البقرة: 14]؛ أي: شرُّ الناس المنافقون، ولا معارضةَ بين هذا وبين حديث: "بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ"؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل خلافَ ما قالَ أولًا؛ إذ لم يقل بحضوره: نعم أخو العشيرة؛ بل تفضل عليه بحسن اللقاء ائتلافًا، أو كف بذلك أذاه عن المسلمين، ومنه أخذ العلماءُ جوازَ التجريحِ بما يعلم من سوء حاله إذا خُشي منه فساد. * * *

28 - باب القضاء على الغائب

28 - باب الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (باب: القضاء على الغائب) 7185 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ هِنْدَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". تقدم الحديث فيه مرارًا. * * * 29 - باب مَنْ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ لا يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّم حَلاَلًا (باب: من قضي له بحق أخيه) 7181 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْيدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زينَبَ ابنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِباب حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ،

فَقَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا". الحديث الأول: (فلعل بعضكم أن يكون أبلغَ)؛ أي: أفصحَ في كلامه، وأقدرَ على إظهار حجته، واستعمل (لعل) استعمال (عسى). (فأقضي)؛ أي: لأنه لا بد من الحكم بالظاهر. (أو ليتركها) ليس للتخيير؛ بل للتهديد؛ لأن العاقل لا يختار النار. سبق مرات. * * * 7182 - حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ ابْنَ وَليدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْح أَخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فتسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ سَعدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْنُ أَخِي، كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، وَقَالَ: عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ،

30 - باب الحكم في البئر ونحوها

يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ! " ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: "احْتَجبِي مِنْهُ"، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ تَعَالَى. الثاني: سبق أول (البيع) وغيره غيرَ مرةٍ. * * * 30 - باب الْحُكْمِ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا (باب: الحكم في البئر ونحوها) 7183 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ مَالًا وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ، إِلَّا لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآيَةَ. 7184 - فَجَاءَ الأَشْعَثُ، وَعَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: فِيَّ نزَلَتْ وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ألكَ بَيِّنَةٌ؟ " قُلْتُ: لَا، قَالَ: "فَلْيَحْلِفْ"، قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآيَةَ.

31 - باب القضاء في كثير المال وقليله

(وفي رجل) هو الجَفَشَيْش: بالجيم والحاء المهملة، والمعجمة المفتوحة في الكل، وسكون الفاء وكسر المعجمة الأولى. وسبق في (كتاب الشرب). * * * 31 - باب الْقَضَاءِ فِي كَثِيرِ الْمَالِ وَقَلِيلِهِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ: الْقَضَاءُ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكثِيرِهِ سَوَاءٌ. (باب: القضاء في قليلِ المالِ وكثيرِهِ) 7185 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبيْرِ: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَلبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بابِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، أَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ، وَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا". (جَلَبَة) بفتح الجيم واللام: اختلاط الأصوات.

32 - باب بيع الإمام على الناس أموالهم وضياعهم، وقد باع النبي - صلى الله عليه وسلم - من نعيم بن النحام

(خصام) يحتمل المصدر، أو جمع خَصْم، وهو الظاهر من السياق. وسبق مرات. * * * 32 - باب بَيْعِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَضِيَاعَهُمْ، وَقَدْ بَاعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ (باب: بيع الإمام على الناس أموالَهم وضياعَهم) جمع ضَيْعَة، وهي العقار، من عطف الخاص على العام. (وقد باع النبي - صلى الله عليه وسلم -) سبق في (البيع)، وغيره، وفي الباب، وسبق: أن البائع أبو مذكور، والغلام يعقوب، والمشتري نُعيمٌ النّحّام، وفيه: جواز بيع المدبَّر. 7186 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاَمًا عَنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، فَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِ. * * *

33 - باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا

33 - باب مَنْ لَمْ يَكْتَرِثْ بِطَعْنِ مَنْ لَا يَعْلَمُ فِي الأُمَرَاءِ حَدِيثًا (باب: من لم يكترث بطعنِ مَنْ لا يعلم في الأمراء) أي: لم يبال به، ولم يعتد به. 7187 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ، فَطُعِنَ فِي إِمَارَتِهِ، وَقَالَ: "إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنتمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ". (بعثًا)؛ أي: جيشًا. (فَطُعِنَ) بالبناء للمفعول. (فقد كنتم) الجواب محذوف؛ أي: فأخبركم بأنكم طعنتم في أبيه، وأثمتم بذلك؛ لأنه لم يكن حقًّا، وإلا فهذا لا يصلح أن يكون هو الجواب، والغرض: أنه كان خليقًا بالإمارة؛ لما ظهر من كفايته؛ فكذا هذا، فلا اعتبارَ بطعنكم، ولا اكتراثَ به.

34 - باب الألد الخصم، وهو الدائم في الخصومة

(وايم) الهمزة للوصل. (لخليقًا) في بعضها: (خليقًا) بلا لام، وهو من جملة أدلة ابنِ مالك على الحذف. * * * 34 - باب الأَلَدِّ الْخَصِمِ، وَهْوَ الدَّائِمُ فِي الْخُصُومَةِ {لُدًّا}: عُوجًا. (باب: الألَدُّ الخَصِم) بكسر الصاد المهملة، ومعنى كون الألد: (الدائم في الخصومة)؛ أي: الذي لا يرجع إلى الحق؛ قال تعالى: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97]؛ أي: عوجًا، جمع أَعْوَج. * * * 7188 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ". (أبغض الرجال) المراد: أبغضُ الكفارِ الكافرُ المعاند، أو أبغضُ الرجال المخاصمين؛ إذ الأبغضُ على الإطلاق هو الكافر. * * *

35 - باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد

35 - باب إِذَا قَضَى الْحَاكِمُ بجَوْرٍ أَوْ خِلاَفِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهْوَ رَدٌّ (باب: إذا قَضَى الحَاكِمُ بِجَوْرٍ)؛ أي: بظلم. (رَدٌّ)؛ أي: مردودٌ؛ أي: يُنقض حكمُه. 7189 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَالِدًا (ح) وَحَدَّثَنِي نُعَيْمٌ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ، أخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَقَالُوا: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُل مِنَّا أَسِيرَهُ، فَأَمَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ"، مَرَّتَيْنِ. (جَذِيمة) بفتح الجيم وكسر المعجمة: قبيلة من عبد قيس. سبق في (المغازي). * * *

36 - باب الإمام يأتي قوما فيصلح بينهم

36 - باب الإِمَامِ يَأْتِي قَوْمًا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُمْ (باب: الإمام يأتي قومًا، فيصلح بينهم) 7190 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أتاهُمْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، فَأَذَّنَ بِلاَلٌ وَأَقَامَ، وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فتقَدَّمَ، وَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلاَةِ، فَشَقَّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فتقَدَّمَ فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ، قَالَ: وَصَفَّحَ الْقَوْمُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ لَمْ يَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْرُغَ، فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لَا يُمْسَكُ عَلَيْهِ، الْتَفَتَ فَرَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَلْفَهُ، فَأَوْمأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنِ امْضِهْ، وَأَوْمأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيَّةً يَحْمَدُ اللهَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ تَقَدَّمَ، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاسِ، فَلَمَّا قَضَى صلاَتَهُ قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَكُونَ مَضَيْتَ؟ " قَالَ: لَمْ يَكُنْ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ لِلْقَوْمِ: "إِذَا نَابَكُمْ أَمْرٌ، فَلْيُسَبِّح الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ". (بني عمرو) بالواو: قبيلة، وتقدمت فوائدُه في (باب من دخل

37 - باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا

ليؤم الناس في الصلاة). * * * 37 - باب يُسْتَحَبُّ لِلْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَاقِلًا (باب: ما يستحب للكاتب أن يكون أمينًا عاقلًا) 7191 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ أَبُو ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أتانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، قَالَ زيْدٌ: فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كلَّفَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ

مُرَاجَعَتِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَيَا، فتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ -أَوْ- أَبِي خُزَيْمَةَ، فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عز وجل، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: اللِّخَافُ يَعْنِي الْخَزَفَ. الحديث فيه سبق في (سورة براءة). (مقتل أهل اليمامة) بتخفيف الميم الأولى: اسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وبلاد الجو منسوبة إليها، وهم من اليمن، وفيها قُتل مُسَيْلِمَة الكذاب، وقتل من القُرّاء سبعون، أو سبع مئة. (واللخاف) بالمعجمة: جمع اللخفة، وهي الحجر الأبيض، وقيل: الخزف. (خُزيمة)؛ أي: ابن ثابت. (أو أبي خزيمة)؛ أي: ابن أوس، والشكُّ من الراوي، ولا ينافي هذا ما سبق في (باب جمع القرآن) أن الآية التي مع خُزيمة: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} من (سورة الأحزاب) [الأحزاب: 23]؛ لأن آية التوبة كانت عند النقل من العُسب إلى الصُّحف، وآية

38 - باب كتاب الحاكم إلى عماله، والقاضي إلى أمنائه

الأحزاب عند النقل من الصحيفة إلى المصحف. واعلم أن المعنى: أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وإلا فشرط القرآن التواتر، وهذا التتبع إنما كان للاستظهار، لا سيما وقد كتبت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليعلم هل فيها قراءة أُخرى؟ وأما ما اشتهر أن عُثمان جامع القرآن؛ فإما لأن الصحف كانت مشتملة على جميع أحرفه ووجوهِه التي نزل بها، فجرد عثمانُ اللغةَ القرشيةَ منها، أو كانت صُحفًا، فجعلها مصحفًا واحدًا جمعَ الناسَ عليه، وأما الجامعُ الحقيقيُّ سورًا وآياتٍ، فهو النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالوحي، وتقدم تحقيقه في (براءة). * * * 38 - باب كِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ، وَالْقَاضِي إِلىَ أُمَنَائِهِ (باب: كتاب الحاكم إلى عماله) 7192 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي لَيْلَى (ح) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ أَوْ عَيْنٍ،

فَأَتَى يَهُودَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللهِ قتلْتُمُوهُ، قَالُوا: مَا قتلْنَاهُ وَاللهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذكَرَ لَهُمْ، وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ -وَهْوَ أَكْبَرُ مِنْهُ- وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ وَهْوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِمُحَيِّصَةَ: "كَبِّرْ كَبِّرْ"، يُرِيدُ السِّنَّ، فتكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ"، فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ بِهِ، فَكُتِبَ: مَا قتلْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: "أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ: "أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟ " قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ ناَقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتِ الدَّارَ، قَالَ سَهْلٌ: فَرَكضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ. (عن أبي ليلى) اسمه عبدُ الله بنُ سهل، قيل: لم يروِ عنه إلا مالكٌ؛ فَيُشْكِل على القول بأن شرطَ البخاري أن يرويَ عن كلّ راوٍ ممن روى عنه راويان فأكثر. (كُبَراء)؛ أي: عظماء. (فكتبوا) في بعضها: (فكتب)؛ أي: حي اليهود، وفيه تكلُّف، وسبق شرحُ الحديث مع أحكام القَسامة في آخر (الجهاد)، وغيره. * * *

39 - باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور؟

39 - باب هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا وَحْدَهُ لِلنَّظَرِ فِي الأُمُورِ؟ (باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلًا وحدَهُ) 7193 - و 7194 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبَي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَا: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنىَ بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْم، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ، يَا أُنيسُ! -لِرَجُلٍ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا"، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا. الحديث سبق فيه مرارًا. * * *

40 - باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد؟

40 - باب تَرْجَمَةِ الْحُكَّامِ، وَهَلْ يَجُوزُ تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ؟ (باب: ترجمة الحكام) 7195 - وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: عَنْ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ، حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُتُبَهُ، وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتبوا إِلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ -وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانُ-: مَاذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ: فَقُلْتُ: تُخْبِرُكَ بِصَاحِبِهِمَا الَّذِي صَنَعَ بِهِمَا. وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا بُدَّ لِلْحَاكِمِ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ. قوله: (وقال خارجة) وصله البخاري في "التاريخ". (كتاب اليهود)، أي: كتابتهم؛ أي: خطهم. (كتبتُ) بتاء المتكلم. (هذه) إشارة إلى امرأة كانت حاضرة عندهم، فترجم ابن حَاطِب -بالمهملتين وكسر الثانية؛ أي: ابن أَبي بَلْتَعَةَ- لِعُمَرَ - رضي الله عنه - بإخبارها عن فعل صاحبها بها، وهي كانت نوبِيَّة -بالنون والواو والموحدة وياء النسب- أعجمية من جملة عتقاء حَاطِب، وقد زنت، وحملت،

وأقرت أن ذلك من عبدٍ اسمُه: مرغوش -بالراء والمعجمة والواو- بدرهمين. (وقال بعض الناس: لا بدَّ للحاكم من مترجمين) قال ابن قُرْقُول في "المطالع": لأنه لا بد له ممن يترجم له عمن يتكلم بغير لسانه، وذلك يتكرر، فيتكرر المترجمون. قال: وعند بعضهم: مترجِمَيْنِ -بالتثنية-، واختلفوا: هل هو من باب الخبر، فيكفي واحد، أو الشهادة، فلا بد من اثنين؟ قال مُغَلْطاي: إنه أراد هنا ببعض الناس: الشافعيَّ، وهو ردٌّ على من يقول: (حيث يقول: بعض الناس، فإنما يريد به أبا حنيفة). قال (ك): إنما ذلك من البخاري في الغالب، أو في موضع فيه تشنيع، أو أنه هنا أيضًا أراد بعضَ الحنفيّة؛ لأن محمدَ بنَ الحسن يقول أيضًا: إنه لا بد من اثنين؛ فليس الشافعيُّ مقصودًا بالذات. قال: والحقُّ أن البخاري ما حرر المسألة؛ إذ لا نزاع في الاكتفاء بواحد في الإخبار أو الشهادة، فمن يقول: إخبار، لا ينازع في الاكتفاء بواحد فيه، ومن يقول: شهادة، لا ينازع في أنه لا بدّ من اثنين؛ نعم، الصور المذكورة كلُّها إخبارات؛ أما المكتوبات، فظاهر، وأما قصة المرأة، وقول أبي جمرة، فأظهر؛ فقوله: (قال بعضُ الناس) لا معنى له؛ بل ينتقد عليه؛ بأنه نصب الأدلة في غير ما ترجم عليه، وهو ترجمة الحاكم؛ إذ لا حكم فيها، وحديث هِرَقْلَ سبق أولَ "الجامع"،

41 - باب محاسبة الإمام عماله

وليس المراد الاستدلالَ بفعله، مع كونه كافرًا؛ بل أن الترجمان كان يجرى عند الأُمم مجرى الخبر. قال (ك): أو أن شرع مَنْ قبلَنا شرعٌ لنا ما لم يردْ ناسخ؛ أما إذا قلنا بأنه أسلمَ، فظاهر. * * * 7196 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ. * * * 41 - باب مُحَاسَبَةِ الإِمَامِ عُمَّالَهُ (باب: محاسبة الإمامِ عمالَهُ) 7197 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ ابْنَ

الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَحَاسَبَهُ، قَالَ هَذَا الَّذِي لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ، إِنْ كنْتَ صَادِقًا؟ " ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلَّانِي اللهُ، فَيَأْتِي أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا؟ فَوَاللهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا -قَالَ هِشَامٌ- بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا جَاءَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلاَ فَلأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللهَ رَجُلٌ بِبَعِيْرِ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٍ تَيْعَرُ"، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ: "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". (محمد) قالوا: هو ابن سلام. (بني سُلَيْم) بالضم: قبيلة. (قال هشام) سبق وصلُه في (باب الجمعة). (فلأعرفنَّ) بلام: جواب القسم، وفي بعضها: (فلا أعرفن)، بلفظ النهي. (مما جاء الله)؛ أي: محبة ربه، و (ما) مصدرية، أو موصوفة؛ أي: رجلًا جاء الله. (رجل) فاعل لنحو يجيء، أو خبر مبتدأ. وسبق الحديث في

42 - باب بطانة الإمام وأهل مشورته

(الهبة)، وغيرها. * * * 42 - باب بِطَانَةِ الإِمَامِ وَأَهْلِ مَشُورَتِهِ الْبِطَانة: الدُّخَلاَءُ. (باب: بِطَانَةُ الإمَامِ) بكسر الموحدة: الصاحب، الوليجة، الدخيلُ المطَّلِع على السريرة، وفسره البخاري بجمع فقال: (الدُّخَلاء)، أو باعتبار الجنس. * * * 7198 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نبَيٍّ، وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانتَانِ: بِطَانةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ تَعَالَى". وَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنِي ابْنُ شهَابٍ بِهَذَا، وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، وَمُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: مِثْلَهُ، وَقَالَ شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: قَوْلَهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي

أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: قَوْلَهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (وَتَحُضُّهُ) بضم المهملة ثم المعجمة؛ أي: لكل نبيّ وخليفة جلساء صالحة، وجلساء طالحة، والمعصومُ مَنْ عصمه الله من الطالحة، أو لكل منهما نفسٌ أمارةٌ بالسوء، ونفسٌ لَوَّامَةٌ، المعصومُ مَنْ أعطاه الله تعالى نفسًا مطمئنة، أو لكُلٍّ قوتان: مَلَكِيَّة، وحيوانية؛ فالمعصومُ مَنْ رجح الله له المَلَكِيَّة. قال المهلب: غرضه: إثبات الأمور لله تعالى، فهو الذي يعصم من نزغات الشيطان؛ فالمعصومُ مَنْ عصمَه الله، لا من عصمته نفسُه. (قال سليمان عن يحيى) وصله الإسماعلي. (وعن ابن أبي عتيق، وموسى)؛ أي: ابنِ عقبةَ؛ أي: رواية سليمان عنهما وصلها البيهقي. (وقال شُعَيْبٌ) قال العَصْري (¬1): إنها وقعت له من رواية علي بن محمد الجِكَّاني، عن أبي اليمان، عنه. ¬

_ (¬1) يعني: الحافظ ابن حجر.

43 - باب كيف يبايع الإمام الناس

(وقال الأوزاعي) وصله أحمد، وابن حِبّان، والحاكم. (ومعاوية) وصله النسائي. (وقال عبيد الله بن أبي جعفر) وصله النسائي، والإسماعيلي، وحاصلُه: أن الحديث موصول من ثلاثة من الصحابة. * * * 43 - باب كَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاسَ (باب: كيف يبايع الإمامُ الناسَ؟) 7199 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَني عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. 7200 - "وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ، أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ". 7201 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَليٍّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ

فَأجَابُوا: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا 7202 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا: "فِيمَا اسْتَطَعْتَ". الحديث الأول، والثاني، والثالث: (فيما استطعتَ) بتاء الخطاب، وفي بعضها: (استطعتُمْ). * * * 7203 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: كتَبَ إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ الله عبد الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولهِ مَا اسْتَطَعْتُ، وَإنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ. الرابع: (عبد الملك)؛ أي: ابن مروان. * * *

7204 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَالنُّصْح لِكُلِّ مُسْلِمٍ. الخامس: (على السَّمْع)؛ أي: على أن نسمع أوامرَه ونواهيَه، ونطيعَه في ذلك امتثالًا وانتهاءً. (فَلقَّنني)؛ أي: زادني على سبيل التلقين أن أقول. (فيما استطعت)، وهذا من كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على الأُمة، وزاد أيضًا: (والنصح لكلِّ مسلم)، فهو عطف على السمع. يحكى أن جريرًا أمر مولاه بشراء فرس، فاشتراه بثلاث مئة، وجاء بصاحبه لينقدَه الثمنَ، فقال جريرٌ لصاحب الفرس: فرسُك خير من ثلاث مئة؛ أتبيعنيهِ بأربعِ مئة؟ قال: ذلك إليك، قال: هو خيرٌ من ذلك، ولم يزل يزيده إلى ثمان مئة، فاشتراه بها، وكان إذا قَوَّمَ السلعةَ، بَصَّرَ المشتريَ عيوبَها، فقيل له: إذا فعلتَ ذلك، لم ينعقد ذلك البيع، فقال: إنا بايعنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على النصحِ لكلِّ مسلمٍ. * * * 7205 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَبْدَ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَيْهِ

عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: إِلَى عَبْدِ اللهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ. السادس: (إلى عبد الله) ليس تكرارًا، مع قوله أولًا: (إليه)؛ حتى تكون الأولى الإتيان بالضمير مؤخرًا عن الظاهر؛ بل الثاني هو المكتوب، لا المكتوب إليه؛ أي: كتب هذا، وهو: (إلى عبد الله ...) إلى آخره، وتقديره: من ابن عُمر إلى عبدِ الله عبدِ الملكِ. (وإنَّ بَنِيَّ قد أقَرُّوا بذلك) هو إخبار عن إقرارهم، لا إقرار عنهم وهم كبار. * * * 7206 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ عَلَى أَيِّ شَيءٍ بَايَعْتُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَؤمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. السابع: (على الموت)؛ أي: نقاتل بين يديه، ونصبر، ولا نفر حتى نموت، ولا تنافيَ بين هذا وبين ما ورد أنهم بايعوا على السمع والطاعة، وعلى الهجرة، وعلى الجهاد، وعلى عدم الفرار، وسيأتي

أنهم بايعوا على بيعة النساء، وعلى الإسلام، ونحوه؛ لأن هذه مقامات مختلفة؛ فإذا جاء الأعرابي ليُسلم، بايعه على الإسلام، وفي الحُديبية كانوا مستعدِّين للقتال، فبايعوا على الصبر، وعلى الموت، وفي العقبة أوائلَ الإسلام بايعوا على السمع والطاعة في كل شيء، وعلى ما في بيعة النساء، وهلم جَرًّا. * * * 7207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فتشَاوَرُوا، قَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئتمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ، فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا، فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْباب حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: أَرَاكَ ناَئِمًا، فَوَاللهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِي، فَقَالَ: ادْعُ لِي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ، وَهْوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ

الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا عَلِيُّ! إِنّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نفسِكَ سَبِيلًا، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ. الثامن: (الرَّهْط)؛ أي: الستة، وهم: عثمانُ، وعليٌّ، وطلحةُ، والزُّبَيْرُ، وسعدٌ، وعبدُ الرحمنِ. (فتشاوروا)، وذلك آخرَ ذي الحجة، سنة ثلاثٍ وعشرين، حين حَضَرَ عُمَرَ - رضي الله عنه - الموتُ. (أُنافسكم)؛ أي: أرغب على وجه المباراة. (عن هذا الأمر)؛ أي: من جهته، ولأجله. (ولا يطأ عقبه)؛ أي: عقب أحد من أولئك الخمسة؛ أي: لا يمشي أحد خلفه. (هَجَع) بفتح الهاء؛ أي: طائفة من الليل، أو نومة.

44 - باب من بايع مرتين

(ما اكتحلتُ)؛ أي: ما نمتُ، فهو مجاز. (كثير) بالمثلثة. (ابهارَّ) بموحدة: من الابهرار، وهو الانتصافُ، وتراكمُ الظُّلمة، وبهرُ الشيءِ: وسطُه. (على طمع)؛ أي: بالخلافة، وتقدير الأمر عليه. (شيئًا)؛ أي: من المخالفة الموجبة للفتنة. (وافوا) من قولهم: وافيتُ العامَ؛ أي: حججتُ، ومِنْ وافيتُ القوم؛ أي: أتيتُهم. (يعدلون) من عدل فُلانًا بِفُلان: إذا سَوَّاه به. (فلا تجعلن)؛ أي: من اختياري لعثمان. (سبيلًا)؛ أي: من الثقل، والمخالفة، أو الملالةِ ونحوِها. (فقال: أُبايعك)؛ أي: قال عبد الرحمن لعثمان. (على سنة الله) إلى آخره، فيه عطفُ خاصٍّ على عامٍّ، وعكسُه. * * * 44 - باب مَنْ بَايَعَ مَرَّتَيْنِ (باب: من بايعَ مرتين) 7208 - حَدَّثَنَا أَبو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ

45 - باب بيعة الأعراب

قَالَ: بَايَعْنَا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ لِي: "يَا سَلَمَةُ! أَلاَ تُبَايعُ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ بَايَعْتُ فِي الأَوَّلِ قَالَ: "وَفِي الثَّانِي". (الشجرة)؛ أي: بالحُديبية، وفيها نزل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 18]، وتسمى هذه: بيعةَ الرضوان. (في الأول)؛ أي: في الزمان الأول، وفي بعضها: في الأولى؛ أي: في جملة الطائفة الأولى، أو في الساعة الأولى، وسبق في (الجهاد): (بايعتُ، ثم عدلتُ إلى ظلِّ شجرة، فلما خف الناس، قال: يا بْنَ الأَكْوَعِ؟ أَلاَ تُبَايعُ؟، فقلتُ: قد بايعتُ، فقال: وَأَيْضًا)، وهذا من ثلاثيات البخاري. * * * 45 - باب بَيْعَةِ الأَعْرَابِ (باب: بيعة الأعراب) هم سكانُ البادية من جيل العرب. 7209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَصَابَهُ وَعْكٌ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ،

46 - باب بيعة الصغير

فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، فَخَرَجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا". وسبق الحديثُ آخر (الحج). * * * 46 - باب بَيْعَةِ الصَّغِيرِ (باب: بيعة الصغير) 7210 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ -هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَايِعْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ صَغِيرٌ"، فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ. الحديث فيه سبق في (باب الشركة)، ومراده به: أن بيعة الصغير لا تصحُّ، ولهذا لم يبايعه. (تُضَحّي)؛ أي: عبد الله، وجاز شاة عن أهل البيت؛ لأنها سنة على الكفاية. * * *

47 - باب من بايع ثم استقال البيعة

47 - باب مَنْ بَايَعَ ثُمَّ اسْتَقَالَ الْبَيْعَةَ (باب: من بايع، ثم استقالَ البيعةَ) 7211 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى الأَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا". سبق شرح الحديث فيه قريبًا. * * * 48 - باب مَنْ بَايَعَ رَجُلًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنيَا (باب: من بايع رجلًا لا يبايعه إلا للدنيا) 7212 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي

صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَاهُ، إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ، فَأَخَذَهَا، وَلَمْ يُعْطَ بِهَا". (بعد العصر)؛ أي: تغليظًا؛ لأنه أشرفُ الأوقات في النهار؛ لرفعِ الأعمال، واجتماعِ ملائكة النهار والليل فيه، ولهذا تُغَلَّظُ الأيمانُ فيه. (أُعْطِيَ) بالبناء للمفعول. (بها)؛ أي: في مقابلها، فالباء للمقابلة؛ نحو: بعتُ هذا بهذا. (فأخذها)؛ أي: المشتري بالقيمة التي ذكر البائع أنه أُعطي فيها كاذبًا؛ اعتمادًا على كلامه. (ولم يُعْطَ بها)؛ أي: والحالُ أنه لم يُعْطَ ذلك المقدارَ مقابلَ سلعته، سبق في (كتاب الشرب)؛ لكن هناك بلفظ: (مَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ)، وهنا: (مَنَعَ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ)، وهما وإن تغايرا من حيث المفهوم؛ لكن كون الماء ممنوعًا، والرجل ممنوعًا منه، أو بالعكس، أمرانِ متلازمانِ من حيث المقصود، وسبق الحديث هناك أيضًا: (ثَلاَثةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ)، وفيه بدل المبايع للإمام: (الحالِفُ يَمِينًا يَقْتَطِعُ

49 - باب بيعة النساء

بِهَا مَالَ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ)، فهم أربعة؛ لكن لا تنافيَ بين ذلك؛ لأن التخصيص بالعدد لا ينفي الزائدَ عليه. * * * 49 - باب بَيْعَةِ النِّسَاءِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: بيعةِ النساء) إنما سميت بذلك؛ لأنها وردت في القرآن في بيعتهنّ، فنُسبت إليهنّ، وإن بويع بها الرجالُ. (رواه ابن عباس) موصول في (تفسير سورة الممتحنة). * * * 7213 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ فِي مَجْلِسٍ: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ،

وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقبَ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ"، فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. الحديث الأول: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا)؛ أي: الموافق بذلك بيعةَ النساء في القرآن. * * * 7214 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُبَايعُ النِّسَاءَ بِالْكَلاَمِ بِهَذِهِ الآيَةِ: {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امْرَأَةٍ، إلا امْرَأَة يَمْلِكُهَا. الثاني: (بالكلام) فيه إشارة إلى أنّ بيعة الرجال كانت باليد أيضًا. (يملكها)؛ أي: إما بنكاح، أو بملك يمين، وسبق شرح الحديث في (الإيمان) مبسوطًا. * * * 7215 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ

حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّة قَالَتْ: بَايَعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَ عَلَيَّ: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، وَنهانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا، فَقَالَتْ: فُلاَنة أَسْعَدَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَمَا وَفَتِ امْرَأَةٌ إِلَّا أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلاَءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ أوِ ابْنَةُ أبِي سَبْرَة، وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ. الثالث: (فقبضت امرأةٌ منا يدَها) لا يؤخذ من هذا: أن المبايعة لهن كانت باليد؛ لأن المراد: أنهنّ يُشِرْنَ باليد عند المبايعة بلا مُمَاسّةٍ. (فُلانة) غير منصرف. قال (ك): والمفهوم من "صحيح مسلم": أنه كناية عن أُمّ عطية راويةِ الحديث. (أسعدتني)؛ أي: في النياحة وأنا أريد أن أكافئها بالنياحة. (فلم يقل شيئًا) إنما سكت - صلى الله عليه وسلم -، ولم يزجرها؛ لأنه عرف أنه ليس من جنس النياحة المحرمة، أو ما التفتَ إلى كلامها؛ حيث بيَّنَ الحكمَ لهن، أو كان جوازُها من خصائصها. (أُمُّ سُلَيْم)؛ أي: أُمُّ أنس، سبق في (الجنائز)؛ لكن بلفظ: (فما وفتْ منا امرأةٌ غير خمسِ نسوةٍ: أُمّ سليم، وأُمّ العلاء، وابنة أبي سَبُرَة امرأة معاذ، وامرأتان، أو امرأة أبي سَبُرَة، وامرأة معاذ، وامرأة أُخرى).

50 - باب من نكث بيعة وقوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما}

قال (ع): لم يفِ ممن بايع مع أُمّ عطية في الوقت الذي بايعتْ فيه من النسوة إلا خمسٌ، لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غيرُ خمس. * * * 50 - باب مَنْ نَكَثَ بَيْعَةً وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (باب: مَنْ نكثَ بيعةً) 7216 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: بَايِعْنِي عَلَى الإِسْلاَمِ، فَبَايَعَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ، ثُمَّ جَاءَ الْغَدَ مَحْمُومًا، فَقَالَ: أَقِلْنِي، فَأَبَى، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: "الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تنفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا". (أَقِلْني) الإقالة: فسخُ البيع. * * *

51 - باب الاستخلاف

51 - باب الاِسْتِخْلاَفِ (باب: الاستخلاف) 7217 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: وَارَأْسَاهْ!، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ! وَاللهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ! لَقَدْ هَمَمْتُ، أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ", أَوْ: "يَدْفَعُ اللهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ". الحديث الأول: (واثكلاه!) في بعضها: (واثكلتاه) بزيادة التاء المثناة في آخره، وفي بعضها: (واثكلياه) بزيادة الياء في آخره وكسر اللام، وفي بعضها: (واثكليا) بلفظ الصفة وفتح اللام. (وابنه) في بعضها: وأتته؛ من الإتيان. قال في "المطالع": قيل: إنه الصواب.

(يأبى الله) إلى آخره؛ أي: غير أبي بكر، ويدفع المؤمنون غيره، أو بالعكس، وفيه عَلَمٌ من أعلام النبوة، تقدمت في (كتاب المرضى) فوائدُه. * * * 7218 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ: أَلاَ تَسْتَخْلِفُ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أترُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: رَاغِبٌ رَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ، لَا أتحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا. الثاني: (فقد ترك)؛ أي: التصريحَ بالشخص المعين، وعقدَ الأمر له، وإلا، فقد نصّت الأدلة على خلافة الصديق - رضي الله عنه -. (راغب وراهب) يحتمل معنيين؛ أي: راغب في الثناء في حسن رأي، وراهب من إظهار ما بنفسه من الكرامة، أو راغبٌ في الخلافة، راهبٌ منها؛ فإن ولَّيتُ الراغبَ، خشيت أن لا يُعان عليها، وإنْ ولَّيتُ الراهبَ، خشيت أن لا يقوم بها، ولهذا توسط حالةً بين الحالتين؛ حيث جعلها لأحد من الطائفة الستة، ولم يجعلها لواحد معين منهم، ويحتمل أن يراد: إني راغب فيما عند الله، راهبٌ من عذابه، ولا

أُعَوِّلُ على نِيَّاتكم، وفيه دليل: على أن الخلافة تحصل بنص الإمام السابق. (كَفافًا)؛ أي: تكفُّ عني، وأكفُّ عنها؛ أي: رأسًا برأس، لا عَلَيَّ، ولا لي. قال الشاعر: عَلَى أَنَّنَي رَاضٍ بِأَنْ أَحْمِلَ الهَوَى ... وأَخْلُصَ مِنْهُ لَا عَلَيَّ وَلَا لِيَا (حيًّا ولا ميتًا)؛ أي: لا أجمع في تحمُّلها بينَهما، فلا أُعَيِّن شخصًا بعيِنه. * * * 7219 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدُ مِنْ يَوْمٍ تُوُفِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَشَهَّدَ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَدْبُرَنَا -يُرِيدُ بِذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ- فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ، هَدَى اللهُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَانِي اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ

بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لأَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ الْمِنْبَرَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً. الثالث: (الآخرة) أما الأولى، فهي التي خطب بها يوم الوفاة، وقال فيها: إن محمدًا لم يمت، وإنه سيرجع، وهي الاعتذار من الأولى. (يَدْبُرَنا)؛ أي: يموت بعدنا، ويَخْلُفنا، يقال: دَبرني فُلان: خَلَفَني. (نورًا) هو القرآن. (هدى الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم -) جملة فعلية. (سقيفة) بفتح المهملة؛ أي: الساباطُ والطاقُ، كأنه مكان اجتماعهم للحكومات. * * * 7220 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ!

أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ، كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ، قَالَ: "إِنْ لَمْ تَجدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ". الرابع: (أرأيت)؛ أي: أخبرني، قال بعضهم: هذا من أبينِ الدلائلِ على خلافته - رضي الله عنه -. * * * 7221 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ لِوَفْدِ بُزَاخَةَ: تتبَعُونَ أَذْنَابَ الإبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللهُ خَلِيفَةَ نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونكُمْ بِهِ. الخامس: (بُزَاخة) بضم الموحدة وتخفيف الزاي وبالمعجمة: موضع بالبحرين، أو ماء لبني أَسَد، وغَطَفان، كان فيها حربٌ أيام الصديق، وذكر البخاري مختصرًا من قصتها، وهي أن وفدها جاؤوا إلى أبي بكر - رضي الله عنه - بعدَها يسألونه الصلحَ؛ فخيرهم بين الحرب المجلية، والسلم المخزية؛ فقالوا: عرفنا المجلية، فما المخزية؟ فقال: تُنزع منكم الحلقةُ والكُراع، ونغنمُ ما أصبنا منكم، وتردُّون ما أصبتم منا،

51 / م- باب

وتتركون أقوامًا يتبعون أذناب الإبل؛ حتى يُري اللهُ خليفَةَ رسولهِ والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به. * * * 51 / -م - باب (باب) 7222 - و 7223 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا"، فَقَالَ كلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ". (اثنا عشر أميرًا) قال بعض العلماء: أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن؛ حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميرًا، ولو أراد غير هذا، لقال: يكون اثنا عشر أميرًا يفعلون كذا؛ فلما أعراهم عن الخير، علمنا أنه أراد: أنهم يكونون في زمن واحد، ويحتمل أن يكون المراد: يكون من الأمراء اثنا عشر مستحقين للإمارة؛ بحيث يعزّ الإسلام بهم، والله أعلم. (فقال أبي)؛ أي: سَمُرَة؛ فالوالد والولد صحابيان. (إنه)؛ أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * *

52 - باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة

52 - باب إِخْرَاجِ الْخُصُومِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أبي بَكرٍ حِينَ نَاحَتْ. (باب: إخراج الخصومِ وأهلِ الرِّيَبِ من البيوت) هو جمع رِيبَة، وهي التُّهَمَةُ، والمعصيةُ. (بعد المعرفة)؛ أي: بعد شهرتهم؛ أي: فلا يتجسس عليهم، وذلك الإخراج لأجل تأذِّي الجيران، ولمجاهرتهم بالمعاصي. (أُخت أبي بكر) هي أُمّ فروةَ بنتُ أبي قُحافة؛ أي: حين نهاها عن النياحة، فلم تنتهِ، فأبعدها عن نفسِه، وقيل: أبعدَها عن البيت، ثم بعد ذلك رجعتْ. سبق في (كتاب الخصومات). * * * 7224 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ

53 - باب هل للإمام أن يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه؟

بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مَرْمَاتَيْنِ حَسَنتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ". (يحطب) في بعضها: (يحتطب)، وفي بعضها: (يحطّب) بالتشديد؛ أي: يجمع الحطب. وسبق في (باب صلاة الجماعة). * * * 53 - باب هَلْ لِلإمَامِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُجْرِمينَ وَأَهْلَ الْمَعْصِيَةِ مِنَ الْكَلَامِ مَعَهُ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِ؟ (باب: هل للإمام أن يمنعَ المجرمين؟) في بعضها: (المحبوس)، والحديث فيه تقدم بطوله في (غزوة تبوك). 7225 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تبوكَ، فَذَكَرَ حَدِيثَهُ، وَنهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ

كَلاَمِنَا، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيلَةً، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا. (وآذَنَ)؛ أي: أعْلَمَ، وذلك قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} الآية [التوبة: 118]. * * *

95 - كتاب التمني

95 - كتاب التمني

1 - باب ما جاء في التمني، ومن تمنى الشهادة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 95 - كتاب التَّمَنِّي 1 - باب مَا جَاءَ فِي التَّمَنِّي، وَمَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ (كتاب: التمني) قيل: الطلبُ فيه بالذات، فهو نوعٌ منه، وقيل: بالعرض، والذي بالذات إنما هو الأمر والنهي، قالوا: وهو أعمُّ من الترجي؛ لأنه في الممكنِ وغيرِه، والترجِّي في الممكنِ فقط. 7226 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ مَا تَخَلَّفْتُ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ".

الحديث الأول: (بيده) هو من المتشابه، ففيه طريقتا التفويض والتأويل. (لوددت) ختمه بقوله: (ثم أُقتل)؛ لأن القصدَ الشهادةُ، فجعلَها آخرًا وأولًا؛ فالحياةُ بعد ذلك في الآخرة هي القرار، ولأن الحياة للجزاء معلوم، فلا حاجة إلى تمنّيه؛ لأنه ضروريُّ الوقوع، والتمني مستفادٌ من: (وددت)، أو من: (لولا). * * * 7227 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَدِدْتُ أَنِّي لأُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا"، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلاَثًا: أَشْهَدُ بِاللهِ. الثاني: (يَقُولُهُنَّ)؛ أي: كلمة: (أُقتل). (ثلاثًا) في الحديث الذي قبله التلفظُ به أربعًا، ولا منافاة؛ لأن العدد لا ينفي غيره، ويحتمل أَنَّ (أُشهد الله) بدلٌ من الضمير، فمعناه: كان يقول ثلاث مرات: أُشهد الله أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك، وفائدتُه التأكيد، وظاهرُه: أنه كلام الراوي عن أبي هريرة، أي: أشهد الله أن أبا هريرة كان يقول ذلك، وإن صحت الرواية في (أشهد) بالبناء للمفعول، فهو

2 - باب تمني الخير، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان لي أحد ذهبا"

من تتمة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: أقتل شهيدًا، وتكون جملةُ: (وكان أبو هريرة يقولهن) معترضةً. وسبق الحديث في (الإيمان). * * * 2 - باب تَمَنِّي الْخَيْرِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ لِي أُحُدٌ ذَهَبًا" (باب: تمني الخير) 7228 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزِّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ كَانَ عِنْدِي أُحُدٌ ذَهَبًا، لأَحْبَبْتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ ثَلاَثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، لَيْسَ شَيْءٌ أُرْصِدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ". (شيئًا) كذا للأصيلي -بالنصب-، ولغيره بالرفع، وفي الكلام تقديمٌ وتأخير اختلَّ به الفهمُ، وأصلُه: وعندي منه دينارٌ أجدُ مَنْ يقبله، ليس شيئًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، ففصل بين الموصوف وهو (دينار)، وصفتِه وهو قوله: (أجدُ) بالمستثنى. (أُرْصِدُهُ) من الرصد، أو من الإرصاد، ثلاثيًّا ورباعيًّا. (يَقْبَلُهُ) الضمير للدينار، أو للدَّيْن، والجملةُ حالٌ، وسبق الحديث في (الزكاة)، ووجهُ دلالة الحديث على التمني، مع أن (لو)

3 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت"

إنما هي امتناعٌ لامتناع: أن (لو) هنا شرطية بمعنى إن؛ فمجيئه كون غير الواقع واقعًا نوعٌ من التمني غايتُه أنه تمنٍّ بالتقدير. قال السكاكي: الجملةُ الجزائيةُ خبريةٌ مقيدةٌ بالشرط؛ فعلى هذا هو تمنّ بالشرط. * * * 3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ" (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو استقبلْتُ من أمري ما استدبرْتُ) أي: لو علمتُ في أول الحال ما علمتُ آخرًا من جواز العُمْرَة في أشهر الحج. 7229 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا". الحديث الأول: سبق في (الحج). * * *

7230 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَبَّيْنَا بِالْحَجِّ، وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَلْنَحِلَّ، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنَّا هَدْيٌ غَيرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَلْحَةَ، وَجَاءَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: ننطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبرْتُ مَا أَهْديْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَحَلَلْتُ"، قَالَ: وَلَقِيَهُ سُرَاقَةُ وَهْوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَنَا هَذِهِ خَاصَّةً؟ قَالَ: "لَا، بَلْ لأَبَدٍ". قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدِمَتْ مَكَّةَ وَهْيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَنْسُكَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ وَلَا تُصَلِّي حَتَّى تَطْهُرَ، فَلَمَّا نزَلُوا الْبَطْحَاءَ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ عُمْرَةً فِي ذِي الْحَجَّةِ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَجِّ. الثاني: (وأَنطلقُ بحجَّة) دليلٌ أنها كانت مُفْرِدَةً. قلت: سبق أن المراد: بلا عُمْرَة مفردة؛ بل في ضمن حجة،

4 - باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليت كذا وكذا"

وذلك في (باب الحج)، وسبق شرحُهُ هناك. * * * 4 - باب قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْتَ كَذَا وَكَذَا" (باب: قوله: ليت كذا وكذا) 7231 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ أَرِقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيلَةٍ، فَقَالَ: "لَيتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ"، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاَح؟ قَالَ: "مَنْ هَذَا"، قِيلَ: سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ، فَنَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ بِلاَلٌ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً .... بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ؟ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (أَرِقَ)؛ أي: سَهِرَ. (ذاتَ ليلة) لفظ (ذات) مقحم. (يحرسني) إنما قال ذلك، والله تعالى يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] إما لأن ذلك قبل نزول الآية، أو المعنى: يعصمك من إضلال الناس لك في الدِّين؛ فان قيل: فهو - صلى الله عليه وسلم - سيد

5 - باب تمني القرآن والعلم

المتوكلين! قيل: التوكلُ: ترتيبُ الأسباب بتفويض الأمر إلى مُسبب الأسباب؛ أي: يسند وجود المسبب إلى الله تعالى، لا إلى السبب؛ كما قال: قيدْها وتوكَّلْ، فهذا نفسُ التوكل. (غطيطه) هو صوت النائم في نفخه. (قال أبو عبد الله)؛ أي: البخاري. (وقالت عائشة) موصول في (الهجرة) وغيرها. (إذخر)؛ أي: حشيش طيب الرائحة. (وَجَليل) بفتح الجيم: هو الثُّمام. * * * 5 - باب تَمَنِّي الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ (باب: تمني القرآن والعلم) 7232 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ، فَهْوَ يَتْلُوهُ آناَءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ". حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ: بِهَذَا.

6 - باب ما يكره من التمني

الحديث سبق في (العلم) وغيره. * * * 6 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّي {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}. (باب: ما يكره من التمني) أي: لأنه نوعان: محبوب محمود؛ كتمني القرآن، ومكروه مذموم؛ كتمني الموت. * * * 7233 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أنسٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ - رضي الله عنه -: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تتمَنَّوُا الْمَوْتَ" لَتَمَنَّيْتُ. الحديث الأول: (لا تتمنوا) في بعضها: (تمنوا) بحذف إحدى التاءين. * * *

7234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: أتيْنَا خَباب بْنَ الأَرَتِّ نعودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا، فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ. الثاني: (اكتوى)؛ أي: في بطنه، والجمع بينه وبين النهي عن الكي: أن النهي عند عدم الضرورة، أو اعتقاد أن الشفاء به. * * * 7235 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ". الثالث: (مُحْسِنًا) انتصب على أنه خبر (كان) محذوفة؛ أي: إما أن يكون مُحْسِنًا، وإما أن يكون مُسِيئًا، فحذفت (كان) مع اسمها، ولكن أكثر ما تُحذف كذلك مع (أن)، و (لو). (فلعله) فيه شاهد على مجيء (لعل) للرجاء مجردًا من تعليل؛

7 - باب قول الرجل: "لولا الله ما اهتدينا"

لأن أكثر مجيئها للرجاء إذا كان معه تعليل؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]، {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 46]. (يستعتب)؛ أي: يطلب أن يزيل عنه عتبه، ويرضى عنه بالتوبة، وهو مشتق من الاستعتاب الذي هو طلب الإعتاب؛ فالهمزة للإزالة؛ أي: يطلب العتاب، وهو على غير قياس؛ إذ الاستفعال قياسًا إنما يبنى من الثلاثي المزيد. * * * 7 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: "لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا" (باب: قول الرجل: لولا الله ما اهتدينا) 7236 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ يَقُولُ: "لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا نحنُ، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَة عَلَيْنَا، إِنَّ الأُلَى" وَرُبَّمَا قَالَ: "الْمَلَا قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَة أَبَيْنَا"، أَبَيْنَا يَرْفَعُ بِهَا صوْتَهُ. (يوم الأحزاب)؛ أي: يوم اجتماع قبائل العرب على قتاله - صلى الله عليه وسلم -،

8 - باب كراهية التمني لقاء العدو

وهو يوم الخندق؛ لأن فيه جعل الخندق. (بطنه) في بعضها: (إبطيه). (الأُلى)؛ أي: الذين، وربما قال: الملأ، وفي (الجهاد) في (باب الرجز): (إن العِدَا)، وسبق شرح الحديث هناك. * * * 8 - باب كَرَاهِيَةِ التَّمَنِّي لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَرَوَاهُ الأَعْرَجُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: كراهية تمني لقاء العدوّ) قوله: (رواه الأعرج) موصول في (الجهاد). * * * 7237 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ سَالِمِ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ، قَالَ كتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تتمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ". (كتب إليه) فيه دليل على جواز الكتابة بالرواية دون السماع.

9 - باب ما يجوز من اللو، وقوله تعالى: {لو أن لي بكم قوة}

(العافية)؛ أي: السلامة من المكروهات، والبليات، في الدنيا والآخرة، والقتال في سبيل الله، وإن لم يكن مكروهًا في ذاته؛ لكنه يكره من جهة الوثوق على قوته، والإعجاب بنفسه، ونحوِ ذلك. * * * 9 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} (باب: ما يجوز من اللَّوّ) ظاهر كلام (ك): أن الأكثر: (من لو)، وفي بعضها: (اللوّ) بالتشديد. قال: لما أرادوا إعرابها، جعلوها اسمًا بالتعريف؛ ليكون علامة لذلك، وبالتشديد؛ ليصير متمكنًا. قال الشاعر: أُلاَمُ عَلَى لَوٍّ وَلَوْ كُنْتُ عَالِمًا ... بِأَذْنَابِ لَوٍّ لَمْ تَفُتْنِي أَوَائِلُهْ قال (ش): إنه يريد -أي: البخاري- قولَ الراضي بما أراده الله: لو كان كذا، فأدخل الألف واللام التي للعهد. قال (ع): ولا يجوز ذلك في العربية؛ لأن (لو) حرف، وردَّ بأنها قد أُجريت هنا مجرى الأسماء في الإخبار عنها، وقبول علامات الاسم، ثم قال (ع): الذي يُفهم من ترجمة البخاري، وما أورده في الباب من الأدلة: أن استعمال (لو) و (لولا) فيما يكون للاستقبال

فيما امتنع فعلُه لوجود غيره، وذلك في الحقيقة معنى (لولا)، ولم يدخل في الباب سوى ماض هو للاستقبال أو ما هو حق صحيح متيقن، دون الماضي والمنقضي، أو ما فيه اعتراضٌ على الغيب والقدر السابق. وأجاب (ك) برجوع الحديث الذي فيه (لولا) إلى معنى (لو)؛ إذ معناه: لو لم تكن المشقة، لأمرتهم. قال: ويحتمل أن أصله: (لو)، ولكن زيد (لا) عليه. * * * 7238 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ " قَالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ. الحديث الأول: (لو كنت راجمًا) جوابُه محذوف؛ أي: لرجمتها، وهي الملاعنة التي جاءت بالولد مشابهًا للرجل المتهم بالزِّنا بها. (أعلنت)؛ أي: السوء في الإسلام، مر في (اللعان). * * * 7239 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ

قَالَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ، فَقَالَ: الصَّلاَةَ، يَا رَسُولَ اللهِ! رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي"، أَوْ: "عَلَى النَّاسِ"، وَقَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: "عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلاَةِ هَذِهِ السَّاعَةَ". قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ الصَّلاَةَ، فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَقَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ يَقُولُ: "إِنَّهُ لَلْوَقْتُ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي". وَقَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ: رَأْسُهُ يَقْطُرُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ، وَقَالَ عَمْرٌو: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي"، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "إِنَّهُ لَلْوَقْتُ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي". الثاني: (عطاء قال: أعتم) هو مرسل؛ لأن عطاءَ بنَ أبي رَبَاحٍ تابعي، ومعنى أعتم: أبطأ، أو احتبس، أو دخل في ظلمة الليل. (الصلاة) منصوب على الإغراء، أو مرفوع. (أشق)؛ أي: أثقل؛ أي: أدخلهم في المشقة؛ كما روي: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ العِشَاءِ إِلَى الثُّلُثِ".

(إنه لَلوقت) بفتح اللام؛ أي: لولا أن أشقَّ على أُمتي، لحكمتُ بأن هذه الساعةَ هي وقتُ صلاة العشاء. * * * 7239 / -م - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 7240 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ". الثالث، والرابع: في معنى ما سبق. * * * 7241 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: وَاصَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - آخِرَ الشَّهْرِ، وَوَاصَلَ أُنَاسٌ، مِنَ النَّاسِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ، إِنِّي لَسْستُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ"، تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ

أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (أُنَاسٌ)؛ أي: ناس، والتنوين فيه للتبعيض كما قال الزمخشري في: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1]، أو هو للتقليل كما في: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72]، ومواصلُهم حملَ النهيَ على التنزيه، فقال: لولا أن الشهر كمل، لزدتُ على الوصال؛ بحيث تعجزون عنه، وتتركون تَعَمُّقَكُم. (مُدَّ بي) بضم الميم وتشديد الدال، وبعدَهُ الجار والمجرور، ويروى: (مَدَّني) بفتح الميم والدال وبعده نون. (يدع) بالرفع والنصب. (تعمُّقَهم) من قولهم: عمّق النظرَ في الأمور تعميقًا، وانعمقَ في كلامه؛ أي: تَنَطَّعَ. (أظلُّ) سبق الجواب عن أنه إذا أكل نهارًا على مقتضى هذه الرواية، لا صوم، وعلى رواية: (أبيتُ) لا وصال بأن الغرض من الإطعام: لازمُه وهو التقويةُ. (تابعه سليمان) وصله مسلم. * * * 7242 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ

اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْوِصَالِ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: "أَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ"، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ، فَقَالَ: "لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ"، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ. السادس: (كَالْمُنَكِّلِ)؛ أي: كالمعذِّب، سبق في (الصوم). * * * 7243 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْجَدْرِ، أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: "إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ"، قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بابهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: "فَعَلَ ذَاكِ قَوْمُكِ، لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُا، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بابهُ فِي الأَرْضِ". السابع: (الجَدْرَ) بفتح الجيم؛ يعني: الحِجْر -بكسر الحاء- ويقال له: الحَطِيمُ أيضًا.

(أمِنَ البيت)؛ أي: هو من الكعبة؟ وهو مطلق، ليس مخصوصًا بستة أذرع ونحوِها. (فما لهم) في بعضها: (فما بالهم). (قومك) في بعضها: (قومي). (أن) بفتح الهمزة. (أدخل) يحتمل أنه فعل ماض مبني للمفعول، أو مضارع مبني للفاعل، وجواب) (لولا) محذوف؛ أي: لفعلت، وسبق مبسوطًا في (الحج). * * * 7244 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ". الثامن: (لولا الهجرة) قال البغوي: ليس المرادُ الانتقالَ عن النسب الولاديّ؛ لأنه حرام، مع أنه أفضل الأنساب؛ بل المراد: النسبُ البلادي؛ أي: لولا أن الهجرة أمرٌ ديني، وعبادةٌ مأمور بها، لانتسبتُ إلى داركم، والغرضُ: التعريضُ بأن لا فضيلة أعلى من النصرة بعد

الهجرة، ويقال: إنهم بلغوا من الكرامة مبلغًا لولا أنه - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين، لعَدَّ نفسه من الأنصار، وسبق الحديث في (مناقب الأنصار). * * * 7245 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا"، تَابَعَهُ ابُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي الشِّعْبِ. التاسع: كالذي قبله. (تابعهُ أبو التَّيَّاح) موصول في (المغازي). (في الشِّعْبِ)؛ أي: لم يذكر الوادي، والله أعلم. * * *

96 - كتاب خبر الواحد

96 - كتاب خبر الواحد

1 - باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 96 - كتاب خبر الواحد 1 - باب مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِي الأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، ويُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}، فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلاَنِ دَخَلَ فِي مَعْنَى الآيَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، وَكَيْفَ بَعَثَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ. (كتاب خبر الواحد) (باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد) الإجازة: الإنفاذ، والعملُ به، والقولُ به، والقولُ بحجيته، وخبرُ الواحد: ما لم يكن متواترًا، وهو من بلغت رواتُه مبلغًا أحالت

العادةُ تواطُؤَهُم على الكذب، وآيةُ اجتماع شروطه إفادتُه العلم، وسواء في الآحاد رواية فرد فأكثر، إلا أنّ ما زاد نَقَلَتُهُ على ثلاثة يسمى مستفيضًا، فتصير الأقسام ثلاثة. (الصدوق) بناءُ مبالغة، والمرادُ به: العدل، فهو من إطلاقِ اللازم وإرادةِ الملزوم. (في الأذان) إلى آخره، إشارة إلى أن ذلك في العمليات، لا الاعتقاديات. (والأحكام) جمع حكم. {فَلَوْلَا نَفَرَ} وجهُ الاستدلال به: أنه تعالى أوجبَ الحذرَ بإنذار طائفة من الفرقة، والفرقة ثلاثة؛ فالطائفةُ واحدٌ أو اثنان. قال الراغب: الطائفةُ إذا أُريد بها الجمع، فجمع طائف، أو الواحد، فيصح أن يكون جمعًا، وكنى به عن الواحد، ويصح أن يجعل كراوية، وعَلَّامة. ({إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6]) وجهُ الاستدلال به: أنه أوجبَ التثبتَ عند الفسق، فحيثُ لا فسقَ، لا تَثبُّتَ، فيجب العملُ به، أو أنه علل التثبّت بالفسق، ولو لم يقبل، لما عَلّل به؛ لأن ما بالذات لا يكون بالغير. (وبعث) إلى آخره، فائدةُ بعثِ الآخر بعد الأول: ردُّه إلى الحق عندَ سهوِه، والاستدلالُ به من وجهين؛ لأن المخبر واحد، والرادَّ

أيضًا واحد. (السُّنَّة) الطريقة المحمدية، واجبًا كان أو مندوبًا، أو غيرهما. * * * 7246 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، حَدَّثنا مَالِكٌ قَالَ: أتيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أنَا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا، أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا، سَألنا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ"، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا، "وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيؤذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ". الحديث الأول: (شَبَبَة) جمعُ شابّ. (متقاربون)؛ أي: في السِّنِّ. (أحفظها، أو لا أحفظها) هو تنويعٌ لا شَكٌّ. (أكبركم)؛ أي: أفضلكم، أو أسنُّكم عند التساوي في الفضيلة، وسبق أوائل (الأذان). * * *

7247 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ"، أَوْ قَالَ: "يُنَادِي لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، ويُنَبِّهَ ناَئِمَكُمْ، وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا"، وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّيْهِ، "حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا"، وَمَدَّ يَحْيَى إصْبَعَيْهِ السَّبابتَيْنِ. الثاني: (السُّحُور) بالضم: التسحر، وبالفتح: ما يُتَسَحَّر به. (ليرجع) من الرَّجْع متعدٍّ، ومن الرجوعِ لازمٌ. (هكذا)؛ أي: مستطيلًا غير منتشر، وهو الصبح الكاذب. (حتى يقول هكذا)؛ أي: مستطيلًا منتشرًا في الأفق، ممدودًا من الطرفين اليمين والشمال، وهو الصبح الصادق. * * * 7248 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ بِلاَلًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ". الثالث: (ابن أُمّ مَكْتُوم) عبدُ الله، وقيل: عمرُو بنُ قيس، وكان بلالٌ يؤذن

قبل الصبح، وابنُ أُمّ مكتوم بعده. * * * 7249 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ، قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ. 7250 - حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنِ اثْنتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ! أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " فَقَالَ النَّاسُ: نعمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، ثمَّ رَفَعَ. الرابع، والخامس: (ذو اليدين) اسمه: الخِرْبَاق -بكسر المعجمة-، وهذا الكلام منه - صلى الله عليه وسلم - ومنهم؛ لظنهم أن الصلاة كملت, وأنهم خارجها , فهو كالناسي، وهم جوزوا وقوعَ النسخ. (ثم سَلَّم، ثم كَبَّر) سبق أنه قبل السلام، وبه أخذ الشافعي رحمه الله، والأمران جائزان، وإنما النزاع في الأفضل، وربما ترك - صلى الله عليه وسلم -

الأفضل لبيانِ الجواز، وهو حينئذ بالنسبة إليه أفضل؛ فإن قيل: بتصديق الناس خرج خبرُ ذي اليدين عن الآحاد؟ قيل: لم يخرج؛ نعم، أفاد اليقين بقرائن خارجة. * * * 7251 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ. السادس: (بِقُبَاء) بالمد وتركه، والصرف ومنعه. (فاستَقْبِلوها) بلفظ الأمر. * * * 7252 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ

فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}، فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ في صَلاَةِ الْعَصْرِ. السابع: (وهم ركوع) جمعُ راكِع. (العصر) لا ينافي ما سبقَ من صلاة الصبح؛ لأن التحويل كان عند صلاة العصر، وبلوغ الخبر إلى قُباء في اليوم الثاني في الصبح، أما صلاة أهل قُباء المغربَ والعشاءَ قبل وصولِ الخبر إليهم، فصحيحة؛ لأن النسخ لا يؤثر إلا بعدَ العلمِ به. * * * 7253 - حَدَّثَنِي يَحْيَىَ بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاح وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ، وَهْوَ تَمْرٌ، فَجَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنسُ! قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لنا فَضَرَبْتُهَا بأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ.

الثامن: سبق في (كتاب الأشربة). * * * 7254 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَهْلِ نَجْرَانَ: "لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ"، فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ أَبَا عُبيدَةَ. 7255 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ". التاسع، والعاشر: (أمينًا) الأمانة وإن كانت في الكل؛ لكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخصَّ بعضَهم بوصفٍ يغلب عليه؛ كما سبق في وصفِه عثمانَ بالحياء، مرّ في (المناقب). * * * 7256 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنهم -

قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَشَهِدْتُهُ، أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَشَهِدَ، أتانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحادي عشر: (بما يكون)؛ أي: من أقواله، وأفعاله، وأحواله. * * * 7257 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا، فَأَوْقَدَ ناَرًا، وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: "لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، وَقَالَ لِلآخَرِينَ: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". 7258 - و 7259 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزيدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

7260 - وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْضِ لِي بِكِتَابِ اللهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ، فَقَالَ صَدَقَ، يَا رَسُولَ اللهِ! اقْضِ لَهُ بِكِتَابِ اللهِ، وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ"، فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا -وَالْعَسِيفُ: الأَجِيرُ- فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُوني أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْم، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ، وَأَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرُدُّوهَا، وَأَمَّا ابْنُكَ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنيسُ! -لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ، فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا. الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر: (أرادوا)؛ أي: بعضهم، وسبق بيانه في (المغازي). (وائذن) عطفٌ على قول الأعرابي. وسبق الحديث مرات. * * *

2 - باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير طليعة وحده

2 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الزُّبَيْرَ طَلِيعَةً وَحْدَهُ (باب: بَعْثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الزُّبَيْرَ وَحْدَهُ طَلِيعَةً)؛ بفتح الطاء: مَنْ يُبعث ليطلعَ على أحوال العدو. 7261 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَدَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الناسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فَانتدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فَانتدَبَ الزُّبَيْرُ، فَقَالَ: "لِكُلِّ نبَيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيِّ الزُّبَيْرُ"، قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَقَالَ لَهُ أَيُّوبُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! حَدِّثْهُمْ عَنْ جَابِرٍ، فَإِنَّ الْقَوْمَ يُعْجبُهُمْ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ عَنْ جَابِرٍ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ: سَمِعْتُ جَابِرًا، فَتَابَعَ بَيْنَ أَحَادِيثَ: سَمِعْتُ جِابِرًا، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: كَذَا حَفِظْتُهُ، كَمَا أَنَّكَ جَالِسٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ. (ندب) من الندب، وهو الطلبُ، والحثُّ على الشيء. (فانتدب)؛ أي: أجابه، وأسرع إليه. (حَوَارِيّ) بفتح المهملة وخفة الواو وكسر الراء وشدة الياء: الناصر، وهو لفظ مفرد منصرف، وإذا أُضيف إلى ياء المتكلم جاز

3 - باب قول الله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} , فإذا أذن له واحد جاز

حذفُه، والاكتفاء بالكسرة وتبديلها فتحة للتخفيف. سبق في (المناقب)، والصحابة صوان كانوا كلُّهم أنصارًا له - صلى الله عليه وسلم -؛ لكن للزُّبَيْر زيادةً وخصوصيةً فيها على أقرانه، لا سيما في ذلك اليوم. (وقال له أيوب) الضميرُ لابن المُنْكَدِر، وكنيته أبو بكر. (يوم أُحُد)؛ أي: يوم الخَنْدَقِ، ويوم قُرَيْظَةَ هو يوم واحد. قال (ك): وهو أيضًا يومُ الأحزاب؛ إذ الثلاث في زمن واحد. * * * 3 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} , فَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ (باب: قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53]) 7262 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ، عَنْ أَبي مُوسَى: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ حَائِطًا، وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ الْباب، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، فَإذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ".

4 - باب ما كان يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأمراء والرسل واحدا بعد واحد

الحديث الأول: (حائطًا) هو بستان أَرِيس -بفتح الهمزة وكسر الراء وبمهملة-. (وأمرني بحفظ الباب) كان هذا آخرًا، وإلا، فقد سبق في (باب الفتنة التي تموجُ كموج البحر) أنه لم يأمره. * * * 7263 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاس، عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَ: جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، وَغُلاَمٌ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ، فَقُلْتُ: قُلْ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَذِنَ لِي. الثاني: سبق في (المظالم). * * * 4 - باب مَا كَانَ يَبْعَثُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأُمَرَاءِ وَالرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - دحية الْكَلْبِيَّ بِكِتَابِهِ إِلَى عَظِيم بُصْرَى أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ.

(باب: ما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يبعث من الأُمراء) 7264 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيم الْبَحْرَيْنِ، يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. قال (ش): كذا وقع الحديث في الأُمهات، ولم يذكر فيه دِحْيَة بعد قوله: (بعث)، والصوابُ إثباتُه، وقد ذكره البخاري فيما رواه الكُشْمِيهَنِيُّ مُعلقًا: (وقال ابنُ عباس: بعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دِحْيَةَ بكتابه إلى عظيم بُصْرَى، وأن يدفعه إلى قيصرَ)، وهو الصواب. (دحْيَة) بفتح الدال وكسرها. (كِسْرَى) بفتح الكاف وكسرها: ملك الفرس. (قَيْصَر) هو هِرَقْلُ ملكُ الروم. (أن ابنَ المُسَيَّب) هذا مرسل، ونقل في كتب التواريخ: أن الممزِّقَ للكتاب كان بَرْويْز -بفتح الموحدة وسكون الراء، وكسر الواو وسكون الياء وبالزاي-، ومزق ابنه شِيْرُويهُ -بكسر المعجمة وسكون الياء وضم الراء وإسكان الواو- بطنه؛ فأهلكه، ثم لم يلبث بعده إلا ستة أشهر، ولم يقم لهم بعد ذلك أمرٌ نافذ، وأقبلت عليهم النحوسُ،

5 - باب وصاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم

حتى انقرضوا عن آخرهم في خلافة عُمر - رضي الله عنه - حين توجيهه سعدَ بنَ أبي وقاص إلى العراق. * * * 7265 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ: "أَذِّنْ فِي قَوْمِكَ، أَوْ فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّهَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ". الثاني: (لرجل من أسْلَم) هو أسماءُ بنُ جَاريةَ، رواه أحمدُ في "مسنده" في ترجمة هندِ بنِ أسماءَ. (فليتمَّ بقيةَ يومِه)؛ أي: صومَ بقيتِه. سبق في آخر (الصوم). * * * 5 - بابٌ وَصَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وُفُودَ الْعَرَبِ أَنْ يُبَلِّغُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ قَالَهُ مَالِكُ بْنُ الْحُويرِثِ. (باب: وصَاةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وفودَ العرب) وصاة -بالقصر-: هو وصية، وكذا وصاية، بزيادة ياء في آخره.

(قاله مالكُ بنُ الحُوَيْرِثِ)، سبق قريبًا في (باب خبر الواحد). * * * 7266 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي جَمْرَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقْعِدُنِي عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ الْوَفْدُ؟ " قَالُوا: رَبيعَةُ، قَالَ: "مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ وَالْقَوْمِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَنُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَسَأَلُوا عَنِ الأَشْرِبَةَ، فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإيمَانِ بِاللهِ قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ -وَأَظُنُّ فِيهِ- صِيَامُ رَمَضَانَ، وَتُؤْتُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ"، وَنَهَاهُمْ عَنِ "الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالنَّقِيرِ"، وَرُبَّمَا قَالَ: "الْمُقَيَّرِ" قَالَ: "احْفَظُوهُنَّ، وَأَبْلِغُوهُنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ". (عبد القَيْس) أَبو قبيلة كانوا ينزلون بالبحرين، وحوالي القَطِيف -بفتح القاف وكسر المهملة-. (رَبِيعَة) بفتح الراء، وعبدُ القَيْس من أولاده، فهو فخذٌ منهم.

(خَزَايا) جمع خزيان، وهو المُفْتَضَح المُسْتَحِي. (نَدَامى) جمع ندمان بمعنى النادم؛ أي: لم يكن منكم تأخرٌ عن الإسلام، ولا أصابكم قتالٌ ولا سَبْيٌ ولا أَسْرٌ مِمّا تفضحون به، أو تستحيون منه، ويحتمل أنه دعاءٌ لهم. (مُضَر) بضم الميم وفتح المعجمة: قبيلة، ويقال: ربيعةُ ومُضرُ أخوانِ، يقال لهذا: مضرُ الحمراء، ولأخيه: ربيعةُ الخيل؛ لأنهما لما اقتسما إرثَ أبيهما، أخذ مُضَرُ الذهبَ، وربيعةُ الفرسَ، ولم يكن لهم وصول إلى المدينة إلا بالمرور عليهم، ويخافون منهم، إلا في شهر الحرام. (مَنْ وراءَنا) هو بحسب المكان: من البلاد البعيدة، وبحسب الزمان: من الأولادِ ونحوِهم، وفي بعضها: (مِن ورائنا) بكسر الميم. (وتؤتوا) إنما عدل به عن أسلوب أخواته؛ للإشعار بمعنى التجدد؛ لأن سائر الأركان كانت ثابتة قبل ذلك؛ بخلاف إعطاء الخُمْس؛ فإن فرضه متجددٌ، وفيه: أن الإسلامَ والإيمانَ واحدٌ، ولم يذكر الحج؛ لأنه لم يكن قد فُرض، أو ما كانوا يستطيعونه بسبب لقاء مُضَرَ، وسبق الجواب عن عدها أربعًا، وهي خمسٌ آخرَ (كتاب الإيمان)، وتفسير بقية الحديث، وسبب وفادتهم، وغير ذلك من الفوائد. * * *

6 - باب خبر المرأة الواحدة

6 - باب خَبَرِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ (باب: خبر المرأة الواحدة) 7267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا مِنْ سَنتَيْنِ، أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيهِمْ سَعْدٌ، فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ، فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ، فَأَمْسَكُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا -أَوِ:- اطْعَمُوا، فَإِنَّهُ حَلاَلٌ أَوْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ -شَكَّ فِيهِ- وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي". (غير هذا)؛ أي: الحديث الآتي من بعد، وغرضُه: أن الحسنَ -مع كونه تابعيًّا- يكثر الحديثَ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: جريء على الإقدام عليه، وابن عُمر -مع أنه صحابي- مُقَلّلٌ فيه، محتاطٌ محرِّرٌ مهما أمكن. (وأطعموا) من الإطعام. (ليس من طعامي)؛ أي: مما ألفته، فأعافه لذلك. * * *

97 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة

97 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 97 - كتاب الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (كتاب الاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) الكتاب: الكلامُ المنزلُ على محمد - صلى الله عليه وسلم - للإعجاز بسورة منه، وقيل: ما نُقل بين دُفَّتي المصحفِ تواترًا، والسُّنَّة: قولُ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفعلُه، وتقريرُه؛ واقتباسُ الترجمة من قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمران: 103] فإن الحبلَ: (الكتابُ، والسُّنَّة): استعارة مصرحة، والقرينةُ: [الإضافة] إلى (الله)، والجامعُ: كونُهما سببًا موصِلًا للمقصود، وهو الثواب؛ كالحبل يوصل للسقيِ ونحوه. 7268 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نزَلَتْ هَذ الآيَةُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، نزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، فِي يَوْمِ

جُمُعَةٍ، سَمعَ سُفْيَانُ مِنْ مِسْعَرٍ، وَمِسْعَرٌ قَيْسًا، وَقَيْسٌ طَارِقًا. الحديث الأول: (عرفة) منصرفًا؛ لأن الأولَ علمٌ لزمانٍ معين، والثاني: اسمُ جنس، ووجهُ الموافقة بين كلام أمير المؤمنين، وقولِ اليهودي: أن مقصودَه أن ذلك اليوم عيدٌ أيضًا. وسبق في (الإيمان). * * * 7269 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمعَ عُمَرَ الْغَدَ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَاخْتَارَ اللهُ لِرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي عِنْدَهُ عَلَى الَّذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي هَدَى اللهُ بِهِ رَسُولَكُمْ، فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا، وَإِنَّمَا هَدَى اللهُ بِهِ رَسُولَهُ. الثاني: (الغد)؛ أي: اليوم الثاني من يوم المبايعة الأولى الخاصة ببعض الصحابة. (الذي عنده)؛ أي: في الآخرة. (على الذي عندكم)؛ أي: في الدنيا. * * * 7270 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ،

عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ". الثالث: سبق في (العلم). * * * 7271 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفًا: أَنَّ أَبَا الْمِنْهَالِ حَدَّثَهُ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ: إِنَّ اللهَ يُغْنِيكُمْ -أَوْ- نَعَشَكُمْ بِالإِسْلاَمِ، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: (يُغنيكم) من الإغناء -بالمعجمة والنون-، ويروى: (نَعَشَكُم) -بنون مفتوحة ثم مهملة ثم معجمة مفتوحتين-؛ أي: رفعَكم، وجبرَكم عن الكسر، وأقامَكم عن العثر، وفي بعض النسح: (قال أَبو عبد الله: كذا وقع هنا: يُغنيكم، وانما هو: نعَشَكُم). * * * 7272 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ، وَأُقِرُّ بِذلك بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فِيمَا اسْتَطَعْتُ.

1 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت بجوامع الكلم"

الخامس: (وأقَرّ) بواو عطف على متقدم عليه: كان في مكتوب ابن عُمر. * * * 1 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ" (باب: قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: بُعِثْتُ بجوامعِ الكَلِم) أي: الكلماتِ القليلةِ الجامعةِ للمعاني الكثيرة. 7273 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا، أَوْ: تَرْغَثُونَهَا، أَوْ: كَلِمَةً تُشْبِهُهَا. الحديث الأول: (الرُّعْب)؛ أي: بمجرد الخبر الواصل إلى العدو يفزعون مني، ويؤمنون. (تَلغَثونها) بفتح المعجمة وبمثلثة: من اللغث، وهو طعام؛ أي:

تأكلونها؛ أي: الدنيا، أو تجمعونها. (أو تَرْغَثُونها)؛ أي: بالراء بدل اللام؛ أي: تستخرجون منها، وترتضعونها؛ من رَغَثَ الجَدْيُ أُمَّه: إذا رَضَعَها، والشكُّ من الراوي، وقيل: هما بمعنى؛ نحو سَمَلَ وسَمَرَ؛ لما بين الحرفين من المقاربة، وروي فيها أيضًا: (تنتثلونها)، وروايات أُخرى. * * * 7274 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ -أَوْ آمَنَ- عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". الثاني: (أُوْمِنَ) بالبناء للمفعول. (أو آمَنَ)؛ أي: بالبناء للفاعل، والشك من الراوي. (عليه)؛ أي: مغلوبًا عليه بمعنى فيه تضمين معناها، وإلا، فالأصلُ استعماله بالباء، أو باللام، واختلف في معناه على أقوال: أحدهما: أن كل نبي أُعطي من المعجزات ما كان مثلُه لمن كان قبلَه من الأنبياء، فآمن به البشر، وأما معجزتي العظمى، فهي القرآنُ

2 - باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الذي لم يُعط أحدٌ مثلَه، فلهذا أنا أكثرُهم تَبَعًا. ثانيها: أن الذي أُوتيته لا يتطرق إليه تخييل بسحرٍ وشبهِه؛ بخلاف معجزة غيري؛ فإنه قد يخيل الساحر بشيء مما يقارب صورتها؛ كما خَيّلت السحرة في صورة عصا موسى، والخيال قد يروى على بعض العوام. والفرقُ بين المعجزة والسحر قد يحتاج إلى فكر، وقد يخطئ الناظر، فيعتقدهما سواء، وبقيةُ الأقوال مذكورة في (فضائل القرآن). فإن قيل: (إنما) للحصر، ومعجزته - صلى الله عليه وسلم - ما كانت منحصرة في القرآن؟ قيل: لكنه النوع الذي اختص به، أو هو أعظمُها، وأفيدُها؛ فإنه يشتمل على الدعوة والحجة، وينتفع به الحاضر والغائب إلى يوم القيامة، ولهذا رتب عليه بقوله: (فأنا أرجو). * * * 2 - باب الاِقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، قَالَ: أَيِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلإِخْوَانِي: هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ، وَيَدَعُوا

النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ. (باب: الاقتداء بسُنَن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) قوله: (قال: أئِمّةً)؛ أي: استعمل الإمام هنا بمعنى: الجمع؛ بدليل: (اجعلْنا)، فإن قيل: الإمام هو المقتدَى به، فمن أين استفاد المأمومية؛ حتى ذكر المقدمة الأولى أيضًا؟ قيل: هي لازمة؛ إذ لا يكون متبوعًا لهم إلا إذا كان تابعًا لهم؛ أي: ما لم يتبع الأنبياء، لا يتبعه الأولياء، ولهذا لم يذكر الواوين المقدمتين، وقال في (كتاب التفسير): (قال مجاهد: أي: اجعلنا مِمّن نقتدي بمن قبلنا؛ حتى يقتدي بنا مَن بَعْدَنا). (هذه السُّنَّة)؛ أي: سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهي إشارة إلى نَوْعِيّة، لا شَخْصِيّة. (أن يتفهموه) عبر في القرآن بالتفهم، وفي السُّنَّة بالتعلم؛ لأن الغالب على المسلم: أن يتعلم القرآن في أول أمره، فلا يحتاج إلى الوصية بتعلمه؛ بل لفهم معناه، وإدراك منطوقه وفحواه. (فيدَعُوا)؛ أي: يتركوا الناس؛ أي: لا يتعرضوا لهم، رحمَ اللهُ امرأً شغله خُويصةُ نفسِه عن غيره؛ نعم، إن قدر على إيصال خير، فبها ونِعْمَت، وإلا، فتركُ الشَرِّ خيرٌ كثير.

7275 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا، فَقَالَ: هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، قَالَ: لِمَ، قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ، قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ يُقْتَدَى بِهِمَا. الحديث الأول: (شَيْبَة) بفتح المعجمة وسكون الياء وبموحدة؛ أي: ابن عثمان الحَجَبِيّ العَبْدَرِي، أسلم بعدَ الفتح، وبقي إلى زمان يزيدَ بنِ معاويةَ. (البيت)؛ أي: الحرام. (إليَّ) بالتشديد. (هممت)؛ أي: قصدت. (صفرًا)؛ أي: لا أترك في الكعبة ذهبًا ولا فضةً. (يُقْتَدَى) مبني للمفعول، سبق في (الحج) في (باب كسوة الكعبة). * * * 7276 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَأَلْتُ الأَعْمَشَ، فَقَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ الأَمَانَةَ نزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، فَقَرَؤُا الْقُرْآنَ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ". 7277 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَ {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}. الثاني، والثالث: مرّا في (كتاب الرقائق). * * * 7278 - و 7279 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ". الرابع: (بينكما) الخطابُ للأعرابي وخصمه فيما زنى ابنه العسيف. وسبق مرات. * * * 7280 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ

عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ أَبَى"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى". الخامس: (أَبى)؛ أي: امتنع من قبولِ الدعوة، أو امتثالِ الأوامر، والمؤمنُ العاصي، وإن كان يدخلُ الجنة ولا يخلد في النار؛ لكن المراد: أنه لا يدخلها في أول الحال، أو المراد بالإباء: الامتناعُ عن الإسلام. * * * 7281 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَلِيمُانُ بْنُ حَيَّانَ -وَأَثْنَى عَلَيْهِ-، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ: حَدَّثَنَا -أَوْ- سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: "إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ ناَئِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا، فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ ناَئِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ ناَئِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: فَالدَّارُ

الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ". تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ جَابِرٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. السادس: (وأثنى عليه)؛ أي: أثنى يزيدُ على سُليمٍ. (لصاحبكم) هو سيدُنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -. (مَثَلُهُ) بفتح الميم؛ أي: صفته، ويمكن أن يراد به: ما عليه أهلُ البيان، وهو ما نشأ من الاستعارات التمثيلية. (مَأْدُبَةً) بفتح الدال وضمها: طعامٌ يُدعى إليه الناسُ كالوليمة. (أَوَّلوها)؛ أي: فَسَّروها؛ كما في تعبير الرؤيا؛ حتى يفهم المقصود؛ وهذا التشبيه ليس من تشبيه مفرد بمفرد؛ فإنه قال: مثله كمثل رجل بنى، فيكون تشبيهًا له بالباني، وهو إنما شبه بالداعي؛ بل هو من تشبيه مركَّبٍ بمركَّب، من غير ملاحظة مطابقة المفردات بين الطرفين؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية [يونس: 24]. (فَرّق) بالتشديد: فعل ماض، وفي بعضها بسكون الراء مصدرًا؛ أي: فارق بين المطيع والعاصي. (تابعه قتيبة) وصله الترمذي، والإسماعيلي، أما هنا، فقال

(ك): إنه -مع كونه معلقًا- منقطعٌ؛ لأن سعدًا لم يدرك جابرًا. (خرج)؛ أي: أولُ الحديث: خرج علينا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إِنِّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي، وَمِيكائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا". * * * 7282 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفةَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ! اسْتَقِيمُوا، فَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلاَلًا بَعِيدًا. السابع: (القُرّاء) كان في الصدر الأول إذا أُطلقوا يراد بهم: العلماء. (استقيموا)؛ أي: اثبتوا على الصراط المستقيم؛ أي: الكتاب والسُّنَّة، ولازموه فإنكم مسبوقون، فربما تلحقون بهم بعضَ اللحوق؛ قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} الآية [الأنعام: 153]. * * * 7283 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَن أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، كمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا، فَقَالَ: يَا قَوْمِ! إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ

بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ، فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُواْ مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي، فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ". الثامن: تقدم في (الرقائق) في (باب الانتهاء عن المعاصي). * * * 7284 - و 7285 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: كيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ"؟ فَقَالَ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَه إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللهَ قَدْ شَرحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أنَّهُ الْحَقُّ. قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَعَبْدُ اللهِ: عَنِ اللَّيْثِ: عَنَاقًا، وَهْوَ أَصَحُّ.

التاسع: سبق في (الزكاة). (قال لي يحيى بنُ بُكَيْر) موصول في (باب استتابة المرتدين). (وعبد الله)؛ أي: ابن صالح؛ أخرجه أَبو عُبيد في "كتاب الأموال" عنه، ووقع هنا من رواية أبي ذَرٍّ الهَرَوِي: (قال لي عبدُ الله). * * * 7286 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْةٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! وَاللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، فَوَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كتَابِ اللهِ.

العاشر: (ومشاورته) بلفظ المصدر، ويجمع مشاور اسم فاعل. (الجزل): العطاء الكثير. (بأن يقع به)؛ أي: يبالغ في ضربه، وسبق الحديث في (سورة الأعراف). * * * 7287 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ ابنةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ، وَهْيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءَ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ قَالَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ نَعَمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْ شَيءٍ لَمْ أَرَهُ إِلَّا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ -أَوِ- الْمُسْلِمُ"، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ، "فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ، فأَجَبْنَا وَآمَنَّا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، عَلِمْنَا أَنَّكَ مُوقِنٌ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ -أَوِ- الْمُرْتَابُ"، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ، "فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ".

3 - باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه

الحادي عشر: سبق في (العلم) في (باب من أجاب الفُتيا بالإشارة). * * * 7288 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ". الثاني عشر: (سؤالُهم) فاعلُ أهلك، وفي بعضها: (هلكَ بسؤالهم)، وإنما كان السؤالُ مهلِكًا؛ لأنه فُضولٌ، وإيذاءٌ للأنبياء عليهم الصلاة والسلام. * * * 3 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لَا يَعْنِيهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}. (باب: ما يُكْرَه من كثرةِ السؤالِ) قوله: (يَعْنِيهِ)؛ أي: يهمُّه.

7289 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلتِهِ". الحديث الأول: (أعظمُ المسلمين جرمًا)؛ أي: إثمًا، والسؤالُ -وإن لم يكن في نفسه جريمةً، فضلًا عن كونه كبيرةً، فضلًا عن كونه أكبرَ الكبائر- إلا أنه لما كان سببًا لتحريم شيء مباحٍ، صار أعظمَ الجرائم؛ لأنه سببٌ في التضييق على جميع المسلمين؛ فإن القتل -مثلًا- مضرَّتُه راجعةٌ للمقتول، وهذا عامٌّ للكل. (من أجل) إنما علل، مع أن أفعال الله تعالى لا تُعَلَّل؛ لأن المنكر عند الأشاعرة كونُ التعليل واجبًا، ويحتمل أن المقدر أن الشيء الفلاني تتعلق الحرمة به إذا سُئل عنه، فسبق القضاء بذلك، لا أن السؤالَ علةُ التحريم، والجمعُ بين قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43]، وبين {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101]؛ لأن المأمورَ به: ما تقرر حكمُه من وجوبٍ ونحوِه، والمنهيَّ: ما لم يتعبد الله تعالى به عباده، ولم يتكلم بحكم فيه. * * * 7290 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا

مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ يُحَدِّثُ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجدِ مِنْ حَصِيرٍ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا لَيَالِيَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ، ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً، فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: "مَا زَالَ بِكُمُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ، فَصَلّوا، أَيُّهَا النَّاسُ! فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ". الثاني: (إسحاق) قال الغساني: لعله ابنُ منصورِ، أو ابنُ راهويه، وسبق الحديث في (باب صلاة الليل). * * * 7291 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ الْمَسْئَلَةَ غَضِبَ، وَقَالَ: "سَلُونِي"، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ"، ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ"، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْغَضَبِ قَالَ: إِنَّا نَتُوبُ إلَى اللهِ عز وجل.

الثالث: سبق شرحه في (كتاب العلم). * * * 7292 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: كتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"، وَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَمَنْعٍ، وَهَاتِ. الرابع: سبق شرحه في (باب الذكر بعد الصلاة)، وأن اقتصاره على الأُمهات؛ لأن حرمتهنّ آكَدُ، ولأن أكثرَ العقوقِ يقع للأُمهات. سبق أيضًا في (كتاب الأدب). * * * 7293 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ.

الخامس: (التكلف)؛ أي: في المعاشرة مع الناس، وفي الأطعمة، واللباس، وغيرِ ذلك. * * * 7294 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَن بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا" قَالَ أَنَسٌ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي"، فَقَالَ أَنَسٌ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "النَّارُ"، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ، فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ"، قَالَ: ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي سَلُونِي"، فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولًا، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ".

السادس: (أكثرَ الناسُ البكاءَ)؛ أي: لِما سمعوا من الأمور العظيمة التي بين أيديهم، وأما استكثارُه - صلى الله عليه وسلم - من طلب السؤال، فذلك على سبيل الغضب منه. (فقال: النار) بالرفع، وذلك إمّا لأنه كان منافقًا، أو عرف رداءة خاتمته؛ كما عرف حسن خاتمة العشرة المبشرة بالجنة. (فبرك) أصلُه للبعير، واستُعمل في الإنسان؛ كما استعمل الشفرُ للشفة مجازًا. (أوَلا)؛ أي: أوَلا ترضون؛ أي: سواءٌ رضيتُم أو لا. (والذي نفسي بيده) إلى آخره، وقد تُمال (لا)، وقد تُكتب بالياء؛ بل هو ما في أكثر النسخ. قال في "المطالع": (أولى له أولى) مكررًا، وبالجار والمجرور، قيل: هو من الوَيْل، فقُلب، وقيل: من الوَلاء، وهو القُرب؛ أي: قارب الهلاك، وقيل: كلمة تستعملها العرب لمن رام أمرًا ففاته بعد أن كاد يُصيبه، وقيل: كلمة تقال عند المعتبة بمعنى: كيف لا؟ وقيل: معناهُ التهديد، وقال المبرد: يقال للرجل إذا أفلت من عظيمة: أولى لك؛ أي: كدتَ تهلك، ثم أفلتَّ. (عُرْض) بالضم: الحائط، والجانب، والناحية. (كاليوم) صفة لمحذوف؛ أي: يومًا مثل هذا اليوم. * * *

7295 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا نَبِيَّ اللهِ! مَن أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ فُلاَنٌ"، وَنزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} الآيَةَ. السابع: سبق شرحه قريبًا. * * * 7296 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا شَبابةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ". الثامن: (لن يبرح)؛ أي: لن يزال، وإنما ذم السؤال، مع أنه سؤالٌ عن معرفة الله تعالى بالدليل، وهو إما فرضُ عينٍ، أو كفاية؛ لأن علمَ كونِ الله تعالى غيرَ مخلوق ضروريًّا، أو كالضروري، فالسؤال عنه تعنُّت، أو هو مذمّةٌ للسؤال الذي يكون على سبيل التعنُّت، وإلا، فهو صريحُ الإيمان؛ إذ لا بُدَّ من الانقطاع إلى من لا يكون له خالقٌ؛ دفعًا للتسلسل، أو ضرورة. * * *

4 - باب الاقتداء بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -

7297 - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ لَا يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ، فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ، ثُمَّ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}. التاسع: (حرث) في بعضها: (حرب). (لا يسمعكم) بالرفع والجزم. (صَعِدَ الوحيُ)؛ أي: حامله، وقد نسبَ اللهُ تعالى اليهودَ في سؤالهم عما لا ينبغي لهم السؤالُ عنه إلى قلة العلم. وسبق الحديث في (العلم). * * * 4 - باب الاِقْتِدَاءِ بأَفْعَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب: الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم) 7298 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،

5 - باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم، والغلو في الدين، والبدع؛ لقوله تعالى: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق}

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ"، فَنَبَذَهُ وَقَالَ: "إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا"، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. (خواتيم)؛ أي: اتخذ كل واحد خاتمًا، فهو من مقابلة الجمع بالجمع على سبيل التوزيع. (اتخذت) في بعضها: (أخذت). مرّ في (كتاب اللباس). * * * 5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ في العِلْمِ، وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، وَالْبِدَعِ؛ لقَوْلِه تَعَالَى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ} (باب: ما يُكره من التعمُّقِ والغُلُوِّ) هو مجاوزةُ الحدِّ. (والبدع) وهي ما ليس له أصلٌ من كتاب ولا سُنَّة. 7299 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُوَاصِلُوا"، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي

أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِيِني"، فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ، قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ"، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ. الحديث الأول: سبق في (الصيام) وغيره. * * * 7300 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ - رضي الله عنه - عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ، وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلَّا كِتَابُ اللهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ، وَإِذَا فِيهَا: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنة اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا"، وَإِذَا فِيهِ: "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا"، وَإِذَا فِيهَا: "مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا". الثاني: (مِنْ آجُرٍّ) بالمد وضم الجيم وتشديد الراء، مُعرّب.

(وأسنان الإبل)؛ أي: إبل الديات؛ لاختلافها في الخطأ، وشبهِ العمد، والعمدِ. (عَيْر) بفتح المهملة وسكون الياء: موضع، أو جبل. سبق شرحه آخر (الحج)، وفي (باب حرم المدينة). (حَدَثًا)؛ أي: بدعة أو ظلمًا. (لعنة) هي هنا: البعدُ عن الجنة أولَ الأمر؛ بخلاف لعنةِ الكفار؛ فإنها مطلقًا. (صَرْفًا): فريضة. (عَدْلًا): نافلة، وقيل بالعكس. (ذِمَّة)؛ أي: أمان؛ أي: تأمين المسلمِ الكافرَ. (أدناهم)؛ أي: من عبدٍ أو امرأةٍ. (أخفرَ)؛ أي: نقضَ. (والى)؛ أي: نسبَ نفسَه؛ كانتمائه إلى غير أبيه، أو لغيرِ مُعْتِقِه، وذلك لِما فيه من كفرِ النعمة، وتضييع حقِّ الإرث، والولاء، والعقل، وقطع الرحم ونحوه. (بغير إذن) ليس بقيد؛ بل خرج مخرجَ الغالب، وأما مناسبته للترجمة، فلعله استناد من قول علي - رضي الله عنه - تبكيت من تنطع في الكلام، وجاء: (بغيرِ ما في الكتاب والسُّنَّة). * * *

7301 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا تَرَخَّصَ وَتنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَام يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءَ أَصْنَعُهُ؟ فَوَاللهِ إِنِّي أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً". الثالث: (مسلم) يحتمل أنه ابنُ صُبيح، أو البطين؛ فكلاهما يروي عن مَسْرُوق، وعنهما الأعمشُ. (تَرَخَّص)؛ أي: تسهَّل فيه؛ كالإفطار في بعض الأيام، والصوم في بعضها في غير رمضان، والتزوج، ونحو ذلك. (وتنزَّهَ عنه قومٌ) بأن سردوا الصومَ، واختاروا العزوبةَ. (إني لأعلمُهم) إشارة للقوة العلمية. (وأشدُّهم له خشيةً)؛ أي: أتقاهم، إشارة للقوة العملية؛ أي: يتوهمون أن رغبتهم عما فعلتُه أفضلُ لهم عند الله تعالى، وليس كذلك؛ إذ أنا أعلمُهم بالأصل، وأولاهم بالعمل، وسبق في (الأدب) في (باب من لم يواجه الناس بالعتاب). * * * 7302 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ

عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفْدُ بَنِي تَمِيم، أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلاَفِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إلى قَوْلِهِ {عَظِيمٌ}، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ -وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ، لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. الرابع: (أحدهما)؛ أي: عُمر. (بالأقْرَع بنِ حَابِس)؛ أي: بأن يكون أميرًا. (وأشار الآخر)؛ أي: أَبو بكر. (بغيره)؛ أي: بالقَعْقَاع -بقافين مفتوحتين وسكون المهملة الأولى- ابن مَعْبَدِ بنِ زُرَارَة، وهما كانا يطلبان الإمارة؛ والحديثُ مُرْسَل؛ لأن ابنَ أبي مُليكةَ تابعي. ومرّ في (سورة الحجرات). (عن أبيه) يريد: جدَّه أبا بكر الصديق - رضي الله عنه -، فسماه أبًا؛ والجملةُ اعتراضية؛ لأن قوله له: (إذا حدث ...) إلى آخره متعلق بقوله: (فكان عُمر). (كأخي السِّرار) أي: صاحب المُسَارَرَة.

قال (ك): وقال أَبو العباس النحويُّ: أي: كالسرار، و (أخي) صِلَة، والمراد: يخفض صوته كالمسارِرِ، وفي "الفائق": لو أريد بأخي السرار المساررُ، كان له وجهٌ، والكاف على هذا في محل نصب على الحال، وعلى الأول صفةٌ لمصدرٍ محذوف. (حتى يستفهمه) قال الزمخشري: الضمير في (يسمعه) راجع للكاف إذا جُعلت صفةً للمصدر، و (لا يسمعه) منصوب المحل بمنزلة الكاف على الوصفية، وإذا جُعلت حالًا، كان الضمير لها أيضًا، إلا إن قدر مضاف محذوف؛ كقولك: سمع صوته؛ حذف الصوت، وأُقيم الضميرُ مقامه، ولا يجوز أن يجعل لا يسمعه حالًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المعنى: يصير خلْفًا؛ أي: ركيكًا، انتهى. * * * 7303 - حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي مَرَضِهِ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ"، فقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ

لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. الخامس: (مروا)؛ أي: قولوا، فأطلق الخاصُّ على العامِّ، وفي الأصولِ خلافٌ في أن الأمر بالأمر بالشيء أمرٌ به أم لا؟. (ففعلت)؛ أي: قالت. (صواحب يوسف)؛ أي: أَنْتُنَّ تُشَوِّشْنَ عليَّ كما يُشَوِّشْنَ على يوسفَ. (كنت) بتاء الخطاب أو التكلم، سبق في (الصلاة). * * * 7304 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْب، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ إِلَى عَاصِم بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَيَقْتُلُهُ، أَتَقْتُلُونَهُ بِهِ؟ سَلْ لِي، يَا عَاصِمُ! رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلهُ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسَائِلَ وَعَابَ، فَرَجَعَ عَاصِمٌ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَرِهَ الْمَسَائِلَ، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ لآتِيَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ خَلْفَ عَاصِمٍ، فَقَالَ لَهُ: "قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيكُمْ قُرْآنًا"، فَدَعَا بِهِمَا، فتقَدَّمَا، فَتَلاَعَنَا، ثُمَّ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا، يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِفِرَاقِهَا، فَجَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ،

وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا مِثْلَ وَحَرَةٍ فَلَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ كَذَبَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَحْسِبُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا"، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الأَمْرِ الْمَكْرُوهِ. السادس: (خلف عاصم)؛ أي: بعد رجوعه. وسبق في (اللعان). * * * 7305 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ النَّصْرِيُّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ ذَلِكَ فَدَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ فَأَذِنَ لَهُمَا، قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ الظَّالِمِ، اسْتَبَّا، فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ: اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاس، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ،

هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي مُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْمَالِ بِشَيء لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} الآيَةَ، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا اللهَ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ نبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ -وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ- تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأبي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأَتَانِي هَذَا يَسْألُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ تَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، وَإلَّا فَلَا تُكَلِّمَانِي فِيهَا، فَقُلْتُمَا:

ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا. السابع: (الظالم) إنما جاز للعباس مثلُ هذا القول؛ لأن عليًّا كولده، وللوالدِ ما ليس لغيره، أو هي كلمة لا يراد بها حقيقتُها، أو الظلمُ هو وضعُ الشيء في غير موضعه، أعمُّ من الصغيرةِ، والمباحةِ التي لا تليق بمثله عُرفًا، وقيل: يؤوّل بتقدير محذوف؛ أي: الظالم، أو كالظالم إن لم ينصفْ. قال المَازَرِيّ: هذا اللفظ لا يليق بالعباس، وحاشا عليًّا من الظلم، فهو سهو من الرواة، وإن كان لا بُدَّ من صحته، فيؤوّل بأن العباس تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغةً في الزجر، وَرَدْعًا لما يعتقد أنه مخطئ فيه، ولذا لم ينكره أحدٌ من الصحابة، لا الخليفةُ، ولا غيرُه، مع تشدّدهم في إنكار المنكَر، وما ذاك إلا أنهم فهموا بقرينة الحال أنه لا يريدُ الحقيقة. وسبقَ مبسوطًا في (الجهاد) في (قصة فَدَك). * * *

6 - باب إثم من آوى محدثا

6 - باب إِثْمِ مَنْ آوَى مُحْدِثًا رَوَاهُ عَلِيٌّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: إثْمِ مَنْ آوَى مُحْدِثًا)؛ أي: مُبْتَدِعًا، أو ظالمًا. (رواه علي) موصول في (الحج)، وقال (ك): في (الجزية). * * * 7306 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. قَالَ عَاصِمٌ: فَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوْ آوَى مُحْدِثًا. (حَدَثًا)؛ أي: بدعةً، أو ظلمًا. (موسى بن أنس) قال الدّارَقُطْنيّ في كتاب "العلل": هو وَهْمٌ من البخاري، أو من شيخِه موسى، والصوابُ: النّضْر -بسكون المعجمة- ابن أنس؛ كما في "صحيح مسلم". * * *

7 - باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس، {ولا تقف} -لا تقل- {ما ليس لك به علم}

7 - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْي وَتَكَلُّفِ الْقيَاسِ، {وَلَا تَقْفُ} -لَا تَقُلْ- {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (باب: ما يكره من ذَمِّ الرأي، وتكلُّفِ القياسِ)، في بعضها: (يذكر). 7307 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ". فَحَدَّثْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو حَجَّ بَعْدُ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي! انْطَلِقْ إِلَى عَبْدِ اللهِ فَاسْتَثْبِتْ لِي مِنْهُ الَّذِي حَدَّثْتَنِي عَنْهُ، فَجِئْتُهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَحَدَّثَنِي بِهِ كنَحْوِ مَا حَدَّثَنِي، فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا فَعَجِبَتْ، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ حَفِظَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو. الحديث الأول: (تَلِيد) بفتح المثناة وكسر اللام وبمهملة. (حج علينا)؛ أي: مارًّا علينا.

(بعد أن أَعْطَاكُمُوهُ) في بعضها: (أعْطَاهُمُوهُ). (قبض العلماء بعلمهم)؛ أي: مع علمهم، ففيه نوع قلبٍ في الحرفين، ويراد من لفظ (بعلمهم): بكتبهم؛ بأن يجيء العلم من الدفاتر، وتبقى مع المصاحبة، أو (مع) بمعنى: عندَ. ومرَّ الحديثُ في (كتاب العلم). (بعد)؛ أي: بعد تلك السَّنة أو الحجة. (يا بنَ أُختي!) هو عُروةُ بنُ أسماءَ أُختِ عائشةَ. (فعجبت)؛ أي: من جهة أنه ما غَيَّر حرفًا منه، رُوي أنها قالت له: القَهْ ففاتِحْه؛ حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك. قال: فلقيتُه، فسألتُه، فذكره لي نحوَ المرة الأولى، فلما أخبرتها، قالت: ما أحسبُه إلا قد صدق، لم يزد فيه شيئًا، ولم ينقص منه. * * * 7308 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ: هَلْ شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ (ح) وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنَّ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَرَدَدْتُهُ، وَمَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرَ هَذَا الأَمْرِ، قَالَ: وَقَالَ أَبُو

وَائِلٍ: شَهِدْتُ صِفِّينَ، وَبِئْسَتْ صِفُّونَ! الثاني: (حمزة) بمهملة وزاي. (صِفِّين) بكسر المهملة وشدة الفاء المكسورة وسكون الياء وبالنون: موضع بين الشام والعراق بشاطئ الفرات، وقعت فيه المقاتَلَة بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما -. (اتّهِمُوا)؛ أي: لا تظنوا أني مقصّرٌ في وقت القتال؛ فإني في وقت الحاجة لا أُقَصّر. (يوم أبي جَنْدَل) يريد: يوم الحُديبية، وإنما عدل إلى تسميته بذلك؛ لأن ردَّ أبي جَنْدَل إلى المشركين كان شاقًّا على المسلمين، وكان ذلك أعظمَ ما جرى عليهم من سائر الأمور، وأرادوا القتالَ بسببه، وأن لا يردوه، ولا يرضوا بالصلح. (ولو أستطيع)؛ أي: لو قدرْتُ على مخالفة حكمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلت قتالًا لا مزيدَ عليه؛ لكنِ التوقفُ اليومَ لمصالح المسلمين. (يَفْظِعنا) بإعجام الظاء المكسورة؛ أي: يخوفنا ويهولنا. (أسْهَلْنَ)؛ أي: السيوفُ؛ أي: أَفْضَيْنَ بنا إلى أمرٍ سهلٍ نعرفُه غيرِ هذا الأمرِ الذي نحن فيه، وهو المقاتلةُ بِصِفِّين؛ فإنه لا يسهل بنا. وسبق مبسوطًا في آخر (الجهاد). (وَبِئْسَتْ صِفُّونَ)؛ أي: بئستِ المقاتلةُ بها، وأعرب كإعرابِ

8 - باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: "لا أدري"، أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا بقياس

الجمعِ؛ نحو: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين: 19]، وإن كان المشهورُ أن يُعرب على النون مع الياء في الأحوال الثلاثة؛ وكذا ما سمي به من الجموع؛ كَفِلَسْطِينَ، وَقِنِّسْرِينَ، ونحوِ ذلك. * * * 8 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَيَقُولُ: "لَا أَدْرِي"، أَوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيٍ وَلَا بِقِيَاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرُّوح فَسَكَتَ حَتَّى نزَلَتِ. (باب: ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ مِمَّا لم يُنْزلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ) (يُسْأَلُ): مبني للمفعول. (فيقول: لا أدري)، قال (ك): في هذا حزازة، وليس في الحديث ما يدل عليه، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ذلك. قلت: بل ثبت في حديث في "الحاكم". (بقياس، ولا برأي) من عطف المرادف، وقيل: الرأي: التفكر؛ أي: لم يقل بمقتضى العقل ولا بالقياس، وقيل: الرأيُ أعمُّ؛

لشموله الاستحسانَ. (لقوله: بما أراك الله) إشارة إلى ما في الآية؛ لكن الحكم بالقياس أيضًا حكمٌ بما أراه الله. (وقال ابن مسعود) موصول في (التفسير). * * * 7309 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَال: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: مَرِضْتُ فَجَاءَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَأَتَانِي وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ! - كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ قَالَ: فَمَا أَجَابَنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. (أي رسول الله!)؛ أي: ناداه بـ (أَيْ)، وهي لنداء القريب، و (يا) للأعم، وسبق الحديث في (سورة النساء)، وتوقفُه - صلى الله عليه وسلم - عند من قال: يجوز له الاجتهاد؛ لقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2]، وهو سيد المعتبرين؛ إما لكونه لم يجد أصلًا يقيس عليه، أو لنحوِ ذلك. * * *

9 - باب تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من الرجال والنساء، مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل

9 - باب تَعْلِيمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلَا تَمْثِيلٍ (باب: تعليمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّتَهُ) 7310 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ أبي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ، تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ، فَقَالَ: "اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا"، فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلاَثَةً، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ"، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللهِ! اثْنَيْنِ؟ قَالَ: فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ، وَاثْنَيْنِ". (جاءت امرأةٌ) هي أسماءُ بنتُ يزيدَ بنِ السَّكَنِ. (من نفسِك)؛ أي: من قِبَلِ نفسِك، وسبق الحديث في (العلم)، ووجهُ مناسبته للترجمة: أن قوله: (كان لها حجابًا من النار) إنما هو أمرٌ توقيفي تعليمٌ من الله تعالى، ليس قولًا برأي، ولا تمثيل. * * *

10 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون"، وهم أهل العلم

10 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ يُقاتِلُونَ"، وَهُمْ أَهْل الْعِلْمِ (باب: قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزالُ طائفةٌ من أُمَّتي ظاهرينَ على الحَقِّ،؛ وهم: أهلُ العلم) هذا التفسير من كلام البخاري، وهو ظاهرٌ، وذلك لأن من جهة الاستقامة أن يكون فيهم فقيهٌ ومتفقهٌ، ويحتمل أن يكون قولُه: (على الحق) خبرًا ثانيًا لـ (يزال). 7311 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". الحديث الأول: (ظاهرين)؛ أي: معلِنين، وقيل: عالِين غالِبين. (أمر الله)؛ أي: القيامة، مر قبيل (فضائل الصحابة)، قيل: فيه حجية الإجماع، وامتناع خلوِّ العصر عن مجتهد. * * * 7312 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ

11 - باب قول الله تعالى: {أو يلبسكم شيعا}

ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وُيُعْطِي اللهُ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ -أَوْ- حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ". الثاني: (خيرًا) عامٌّ؛ لأنه نكرةٌ في سياق النفي؛ أي: جميع الخيرات، ويحتمل أن التنوينَ للتعظيم. (قاسم)؛ أي: أَقسم بينكم، فأُلقي إلى كلِّ واحدٍ ما يليق به من أحكامِ الدِّين، والله تعالى يوفق من يشاء لفقههِ، والتفهُّمِ فيه، والتفكرِ في معانيه. (أو) هو شكٌّ من الراوي، وفيه: أن أُمته آخرُ الأُمم، ولا يعارض هذا حديث: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الخَلْقِ)؛ لأن الشرارَ هم الأغلبُ. وسبق في (كتاب العلم). * * * 11 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} (باب: قول الله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: 65]) 7313 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو:

12 - باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما ليفهم السائل

سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: لَمَّا نزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قَالَ: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ"، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، قَالَ: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ"، فَلَمَّا نزَلَتْ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}، قَالَ: "هَاتَانِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ". (هاتان)؛ أي: المحنتان، أو البليتان، أو الخصلتان؛ أي: اللَّبْسُ والإذاقةُ، وسبق في (سورة الأنعام) بلفظ: (وهذا)؛ أي: الأخيرُ من أقسام الترديد، وهو الجمع بينهما. * * * 12 - باب مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللهُ حُكْمَهُمَا لِيُفْهِمَ السَّائِلَ (باب: من شَبَّه أصلًا معلومًا) لو قال: أمرًا، لوافق اصطلاحَ أهل القياس. 7314 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَج، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ، وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:

"فَمَا أَلْوَانُهَا؟ " قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ "، قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قَالَ: "فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا؟ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عِرْقٌ نزَعَهَا، قَالَ: "وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نزَعَهُ"، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الاِنْتِفَاءِ مِنْهُ. الحديث الأول: سبق في (اللعان). * * * 7315 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: "فَاقْضُوا الَّذِي لَهُ، فَإنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ". الثاني: (قاضيتُه) في بعضها: (قاضية) بغير الضمير. (اقضي) في أكثر النسح: (اقضوا)؛ أي: أيها المسلمون الحق الذي لله ودخلت المرأة في هذا الخطاب (¬1) كما في الأصول؛ من ¬

_ (¬1) "في هذا الخطاب" من "الكواكب الدراري" (25/ 60).

13 - باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى لقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}.

ترجيحِ دخولِ النساء في خطاب الرجال، لا سيما عندَ القرينة؛ أما قولُ الفقهاء بتقديمِ حقِّ الآدمي، فلا ينافي الأحقيةَ بالوفاء واللزوم؛ لأن تقديمَ حقِّ العبدِ بسبب احتياجه. واعلمْ أن عقدَه هذا الباب وما فيه يدلُّ على صحة القياس، والباب المتقدم مشعِرٌ بذم القياس والكراهة؛ وجوابُه: أن القياس نوعان: محمودٌ، ومذمومٌ؛ فالمحمودُ: هو المأمورُ به، وهو الصحيحُ المستوفي الشرائطَ، والمذمومُ: الفاسدُ. وفيه: وقوعُ القياسِ منه - صلى الله عليه وسلم -. * * * 13 - باب مَا جَاءَ فِي اجْتِهَادِ الْقُضَاةِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى لِقَوْلهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. وَمَدَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَاحِبَ الْحِكْمَةِ حِينَ يَقْضِي بِهَا ويُعَلِّمُهَا، لَا يَتَكَلَّفُ مِنْ قِبَلِهِ، وَمُشَاوَرَةِ الْخُلَفَاءِ وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ الْعِلْم. (باب: ما جاء في اجتهادِ القَضاء)، وفي بعضها: (القُضاة)، والاجتهادُ لغةً: المبالغة، واصطلاحًا: استفراغُ الوُسْعِ والجهدِ في دَرْك الأحكام. (الظالمون) ذكر آية الظالمين دون آيتي الكافرين والفاسقين؛ لأن

الظلمَ يشمل الكفرَ والفسقَ؛ لأنه وضعُ الشيء في غير موضعه. (الحكمة) هي العلمُ الوافي المتقن. (يقضي بها) إشارة إلى الكمال. (ويُعَلِّمها) إشارة إلى التكميل. (قِبَلَه) بكسر القاف؛ أي: من جهة نفسه. (ومشاورة) عطف على اجتهاد. (أهل) تنازعه عاملان: المشاورة والسؤال. * * * 7316 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بِهَا ويُعَلِّمُهَا". الحديث الأول: (اثنين) في بعضها: (اثنتين)؛ أي: خَصْلَتين. (رجل)؛ أي: خصلةُ رجلٍ. * * * 7317 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ إليهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ إِمْلاَصِ

الْمَرْأَةِ -هِيَ الَّتِي يُضْرَبُ بَطْنُهَا فَتُلْقِي جَنِينًا- فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ"، فَقَالَ: لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَجيئَنِي بِالْمَخْرَجِ فِيمَا قُلْتَ. 7318 - فَخَرَجْتُ، فَوَجَدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَجئْتُ بِهِ، فَشَهِدَ مَعِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "فِيهِ غُرّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ"، تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ. الثاني: (محمد) قال الكلاباذي: ابنُ سلام، وابنُ المثنى يرويان عن أبي معاويةَ. (إمْلاص) هو إلقاءُ الجنين مَيْتًا. (وهي) إلى آخره: جملة معترضة. (غُرّة) بضم المعجمة. (عَبْدٌ أو أمَةٌ) قال الشافعي - رضي الله عنه -: تساوي خمس إبل. (لا تبرحْ)؛ أي: لا تفارقْ مكانَكَ حتى تجيءَ بشاهدٍ على قولك، وطلبُه ذلك للتأكيد، وإلا فخبرُ الواحد يجبُ العمل به، ثم إنه بإخبارِ آخرَ لا يخرجُ عن خبرِ الواحد. (تابعه ابنُ أبي الزِّنَاد) وصله الطبراني. * * *

14 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"

14 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ" (باب: قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ) بفتح المهملة والنون؛ أي: سيرتهم وطريقتهم. 7319 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: "وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ"؟. الحديث الأول: (كفارس) الجيلُ المعروف، أو بلادُهم. (ومَنِ الناسُ) استفهامُ إنكارٍ، والناسُ، وإن لم ينحصروا فيهم؛ لكن المراد: حصرُ الناس المعهودينَ المتبوعينَ المتقدمينَ. * * * 7320 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الصَّنْعَانِيُّ -مِنَ الْيَمَنِ-، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا

15 - باب إثم من دعا إلى ضلالة، أو سن سنة سيئة لقول الله تعالى: {ومن أوزار الذين يضلونهم} الآية.

شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ؟ ". الثاني: (اليهود) بالرفع: الذين قبلَنا هم اليهود، ولا ينافي هذا ما سبقَ من أنهم كفارس والروم؛ لأن الروم نصارى، وفي الفرس كان يهود، مع أن ذلك كلَّه على سبيل المثال إذ قال: (كفارس). وسبق الحديث في (كتاب الأنبياء) في (ذكر بني إسرائيل). * * * 15 - باب إِثْمِ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، أَوْ سَنَّ سنَّةً سَيِّئَةً لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} الآيَةَ. (باب: إثم من دعا إلى ضلالة) 7321 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا"، وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: "مِنْ دَمِهَا؛ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ أَوَّلًا". (ابن آدم الأول) هو قابيلُ، سَنَّ القتلَ؛ إذ قتل أخاه هابيلَ، وهو

16 - باب ما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحض على اتفاق أهل العلم وما أجمع عليه الحرمان مكة والمدينة، وما كان بها من مشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين والأنصار ومصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والمنبر والقبر

أولُ قتيلٍ في العالم. (كِفْلٌ)، أي: حظٌّ ونصيبٌ. * * * 16 - باب مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَحَضَّ عَلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْحَرَمَانِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، وَمَا كَانَ بِهَا مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمُصَلَّى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ (باب: ما ذكرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وحَضَّ على اتفاقِ أهلِ العلم) في بعضها: (عليهِ من اتفاق)، وهو تنازع فعلين، وهما: (ذكر)، (حضّ)، والإجماعُ: اتفاقُ المجتهدينَ من أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - على أمر من الأمورِ الدينية. قلت: يُشترط أن يكون بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فخرج بالمجتهدين: العوامُّ، وبعضُ المجتهدين، ولو كانوا في بلد كمكةَ، والمدينة، أو البصرة، أو الكوفة، أو نحو ذلك؛ خلافًا لمالكٍ - رضي الله عنه - في إجماع أهل المدينة، والخلافُ في ذلك مبسوط في محله من أصول الفقه. (بها)، أي: بالمدينة؛ لأن ما ذكره في الباب كله متعلق بالمدينة وحدها. * * *

7322 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السَّلَمِيِّ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَجَاءَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تنفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا". الحديث الأول: (السَّلَمي) بفتحتين، وقيل: بكسر اللام. (وَعْك) بفتحتين وسكون العين: شدة حرارة الحمى. (فَأَبَى) لِما يتضمن ذلك من الردَّة من الأعرابي. (كالكير)؛ أي: مِنْفَخ الحداد. (خُبْثها)؛ أي: الرديء. (وَيْنَصَعُ) بفتح المهملة الأولى، وفي بعضها: (يُنَصَّع)؛ من التنصيع. (طِيبُهَا) بالتخفيف والتشديد. والحديثُ سبقَ مراتٍ. * * * 7323 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا

مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَلَمَّا كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمِنًى: لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ فُلاَنًا يَقُولُ: لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَبَايَعْنَا فُلاَنًا، فَقَالَ عُمَرُ: لأَقُومَنَّ الْعَشِيَّةَ فَأُحَذِّرَ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ، قُلْتُ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ، يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ، فَأَخَافُ أَنْ لَا يُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَيُطِيرُ بِهَا كُلُّ مُطِيرٍ، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ، فَتَخْلُصُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ، وَيُنَزِّلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَقَالَ: وَاللهِ لأَقُومَنَّ بِهِ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ آيَةُ الرَّجْمِ. الثاني: (أُقرئ) من الإقراء، وجواب (لما) محذوف؛ أي: رجع عبد الرحمن من عند عُمر، صرح به في (كتاب المحاربين) في (باب الربا). (بمنًى) يحتمل أن يتعلق أيضًا بقوله: (كنتُ أُقرئ). (لو شهدت) إما محذوف الجواب، أو للتمني. (الذين يريدون)؛ أي: يقصدون أُمورًا ليس ذلك وظيفتهم.

وسبق شرح الحديث مبسوطًا في (كتاب المحاربين) وغيره. * * * 7324 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَتَمَخَّطَ، فَقَالَ: بَخْ بَخْ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ فِي الْكَتَّانِ! لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَىَّ، فَيَجيءُ الْجَائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي، وَيُرَى أَنِّي مَجْنُونٌ، وَمَا بِي مِنْ جُنُونٍ، مَا بِي إِلَّا الْجُوعُ. الثالث: (مُمَشّقَان) بالقاف؛ أي: مصبوغان بالمِشَق، وهو الطينُ الأحمر. (وتمخط)؛ أي: استنثر. (بَخٍ بَخٍ) بإسكان المعجمة والتنوين فيهما، مخففًا ومشددًا: كلمة تقال عند الرضا والإعجاب. (رأيتُني) بضميري المتكلم، وهو من خصائص أفعال القلوب. (أَخِرُّ)؛ أي: أَسْقُط. (مَغْشِيًّا)؛ أي: مغمىً عليه من الجوع. * * *

7325 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلَا مَنْزِلَتِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ مِنَ الصِّغَرِ، فَأَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلَا إِقَامَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَ النِّسَاءُ يُشِرْنَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقهِنَّ، فَأَمَرَ بِلاَلًا فَأَتَاهُنَّ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الرابع: (ولولا منزلتي)؛ أي: لولا أني كنتُ عندَه عزيزًا، لما حضرتُه؛ لأني كنتُ صغيرًا جدًّا. (العَلَم) بفتحتين، وغرضُه: أن صغيرَ أهل المدينة وكبيرَها ضبطوا العلمَ معاينةً منهم لشارعِه - صلى الله عليه وسلم -. * * * 7326 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْتِي قُبَاءً مَاشِيًا وَرَاكِبًا. الخامس: (قُباء) بالمد والقصر، والصرف وتركه. سبق مرات. * * *

7327 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَتْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي، وَلَا تَدْفِنِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْبَيْتِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُزَكَّى. 7328 - وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ: ائْذَنِي لِي أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ، فَقَالَتْ: إِي وَاللهِ، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَتْ: لَا وَاللهِ، لَا أُوثِرُهُمْ بِأَحَدٍ أَبَدًا. السادس: (مع صواحبي)؛ أي: أُمهات المؤمنين، أي: في مقبرة البقيع. (أُزَكَّى) مبني للمفعول؛ أي: كرهت أن يُظنَّ أنها أفضلُ الصحابة بعدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه - رضي الله عنهما -؛ حيث جَعَلَتْ نفسَها ثالثةَ الضجيعين له - صلى الله عليه وسلم -؛ كما قال مالكٌ -حين سأله الرشيد عن الشيخين-: منزلتُهما في حياته كمنزلتهما بعدَ وفاته. سبق في (الجنائز). (صاحبيَّ) بلفظ التثنية. (لا أُوثِرُهُمْ)؛ أي: لا أتبعهم بدفن آخرَ عندَهم. قال في "المطالع": هو من باب القلب؛ أي: لا أُوثرُ بهم أحدًا، ويحتمل أن يكون: لا أُثيرهم بأحد؛ أي: لا أُنبشُهم لدفن أحد، والباء بمعنى اللام. * * *

7329 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ صَالِحٍ بْنِ كَيْسَانَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَيَأْتِي الْعَوَالِيَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَزَادَ اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ، وَبُعْدُ الْعَوَالِي أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاَثَةٌ. السابع: (العوالي) جمع عالية؛ أي: المرتفع من قُرى المدينة من جهة نجد، وبُعْدُها من المدينة أربعةُ أميال، أو ثلاثة، وأبعدُها ثمانية. (زاد الليث) وصله البيهقي في (الصلاة). * * * 7330 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ الْجُعَيْدِ، سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ، وَقَدْ زِيدَ فِيهِ. الثامن: (مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ اليَوْمَ) كان الصاعُ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أربعةَ أمداد، والمدُّ رطلٌ وثلثُ رطلٍ عراقي، فزاد عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ في المدِّ؛ بحيث صارَ صاع مُدًّا وثلثَ مُدّ من الأمداد العُمَرَية، وفي بعضها: (مدّ وثلث)، وكأنه كُتب على لغة ربيعةَ في الوقف، أو أنّ في (كان) ضمير الشأن.

سبق الحديث مع تحقيق المدِّ في (كتاب الكفارات). (وقد زيد فيه) الجملةُ حالية. * * * 7331 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللَّهُمَّ! بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ"، يَعْنِي: أَهْلَ الْمَدِينَةِ. التاسع: سبق مرات. * * * 7332 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤُا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ عِنْدَ الْمَسْجدِ. العاشر: (حيث توضع الجنائز)؛ أي: للصلاة عليها، وفي بعضها: (موضع الجنائز). * * *

7333 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ، فَقَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ! إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا"، تَابَعَهُ سَهْلٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُحُدٍ. الحادي عشر: (يُحِبُّنَا)؛ أي: يحبنا أهلُه، ويحتمل الحقيقةَ بخلقِ اللهِ تعالى فيه حياةً؛ إدراكًا ومحبةً. (تابعه سهل) سبق في (الزكاة). (في أُحُد)؛ أي: ولم يتابعه في التحريم. * * * 7334 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أبو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ: أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ جِدَارِ الْمَسْجدِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَبَيْنَ الْمِنْبَرِ مَمَرُّ الشَّاةِ. الثاني عشر: سبق في (الصلاة). * * * 7335 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ،

حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي". الثالث عشر: سبق أيضًا في (باب فضل الصلاة في مسجد مكة، والمدينة). * * * 7336 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَابَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْخَيْلِ، فَأُرْسِلَتِ الَّتِي ضُمِّرَتْ مِنْهَا وَأَمَدُهَا إِلَى الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَالَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ أَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ إِلَى مَسْجدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ. الرابع عشر: (سابق) هو المراهنة في الخيل؛ أي: في إعدائها. (منها)؛ أي: من الخيول. (وأَمَدها) هو الغاية. (الحَفْيَاء) بالمهملة وإسكان الفاء ثم ياء: موضع بينه وبين ثنية الوداع خمسةُ أميال، أو ستة. (ثنية الوداع)؛ لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودِّعون إليها.

(زُرَيْق) بالتصغير، وكل ذلك إعدادٌ للقوة في الجهاد، ومر الحديثُ في (الصلاة) في (باب هل يقال: مسجد بني فُلان). * * * 7337 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (ح) وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، وَابْنُ إِدْرِيسَ، وَابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس عشر: (إسحاق) قال الكلاباذي: هو ابنُ إبراهيمَ الحنظليُّ. (سمعت عُمر) هي خطبته التي تقدمت في (الأشربة): (نزل تحريمُ الخمر، وهي من خمسة). * * * 7338 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ خَطَبَنَا عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. السادس عشر: (خطيبًا) في بعضها: (خطبنا) بلفظ الماضي، قيل: كانت خطبته في الزكاة؛ حيث قال: (هذا شهرُ زَكاتكم). * * *

7339 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يُوضَعُ لِي وَلِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْمِرْكَنُ فَنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعًا. السابع عشر: (المِرْكَنُ) بكسر الميم وبالراء: الإجَّانَةُ. (فنشرع)؛ أي: نردُ الماءَ، ونُدخل اليدَ فيه، أو نأخذُ منه، أو نخوض، وحاصله: أنا نغتسل من ماء واحد. * * * 7340 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَالَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ فِي دَارِي الَّتِي بِالْمَدِينَةِ. 7341 - وَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. الثامن عشَر: (حالف) بالمهملة. (يدعو على أحياءٍ من بني سُليمٍ)؛ لأنهم غدروا، وقتلوا القُرّاء. * * * 7342 - حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ، عَنْ

أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ، فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَسْقِيَكَ فِي قَدَحٍ شَرِبَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُصَلِّي فِي مَسْجدٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَسَقَانِي سَوِيقًا، وَأَطْعَمَنِي تَمْرًا، وَصَلَّيْتُ فِي مَسْجدِهِ. التاسع عشر: (فسقاني) في بعضها: (فأَسقاني). * * * 7343 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، وَهْوَ بِالْعَقِيقِ: أَنْ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ". وَقَالَ هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ. العشرون: (آتٍ)؛ أي: مَلَكٌ، والظاهر: أنه جبريل - عليه السلام -. (العَقِيق) بفتح المهملة وكسر القاف: وَادٍ بظاهر المدينة، ولعلَّ المرادَ بالصلاة: سُنَّةُ الإحرام، وفيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قَارِنًا. (وقال هارون) وصله عبدُ بنُ حُميد في "مسنده". (في حجته)؛ إما أن تكون (في) بمعنى (مع)، وإما أن تكون

عُمْرَةً مدرَجَة في حجة، يعني: القِرَانَ. * * * 7344 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: وَقَّتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَرْنًا لَأَهْلِ نَجْدٍ، وَالْجُحْفَةَ لأَهْلِ الشَّأْمِ، وَذَا الْحُلَيْفَةِ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ"، وَذُكِرَ الْعِرَاقُ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ. الحادي والعشرون: (وَقَّتَ)؛ أي: عَيَّنَ للميقاتِ. (قَرْن) بسكون الراء، وقال الجوهري: بفتحها، وهو على مرحلتين من مكة، وكتب بدون الألف؛ إما لأنه غيرُ منصرف، وإما باعتبار لغةِ ربيعةَ. (نَجْد) هو ما ارتفع من تِهامَةَ إلى أرض العراق. (والجُحْفَة) بضم الجيم وسكون المهملة. (وبلغني) لا يضر جهالةُ الواسطة؛ فإن الصحابةَ كُلَّهُم عُدولٌ. (يَلَمْلَم) بفتح الياء واللامين وسكون الميم الأولى. (وَذُكِرَ) مبني للمفعول. (لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ)؛ أي: لم يكن أهلُ العراقِ يومئذ مسلمين؛

17 - باب قول الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء}

حتى يوقِّتَ لهم ميقات. * * * 7345 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ أُرِيَ وَهْوَ فِي مُعَرَّسِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. الثاني والعشرون: (أُرِيَ) مبني للمفعول. (مُعَرَّسه) هو اسم مكان من التعريس، وهو المنزلُ الذي كان في آخر الليل. وسبق الحديثان في (الحج). قال (ك): وليس في هذا الباب ما يدل على إجماع أهل مكة، ولعله اكتفى فيه بذكر المهاجرين. * * * 17 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (باب: قول الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]) 7346 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنَّهُ سَمعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي

18 - باب قوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}، وقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}

صَلاَةِ الْفَجْرِ، رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ! رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فِي الأَخِيرَةِ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ! الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا"، فَأَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. (يقول) ليس في الحديث ذكرُ مفعوله؛ فإما أنه جُعل كالفعل اللازم؛ أي: يفعل القول ويحققه، أو هو محذوف. (رفع رأسه) الجملة حالية. (في الآخرة) ذكرها، وإن كان له الحمدُ في الدنيا أيضًا؛ لأن نعيمَ الآخرة أشرفُ؛ فالحمد عليه أعظمُ، أو أن المراد بالآخرة: العاقبةُ؛ أي: مآلُ كلِّ المحامدِ إليك. (فُلانًا، وفُلانًا)؛ أي: رِعْلًا وذَكْوانَ. وسبق في (آل عمران). * * * 18 - باب قوله تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}، وَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (باب: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]) قوله تعالى: ({وَلَا تُجَادِلُوا} [العنكبوت: 46]) الجدال: المخاصمة، فما كان لبيان الحق من الفرائض، فهو أحسنُ، ومن غير الفرائض، فهو

حسنٌ، أو لغير ذلك، فهو قبيحٌ. * * * 7347 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُمْ: "أَلاَ تُصَلُّونَ؟ " فَقَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعَهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهْوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}، مَا أتَاكَ لَيْلًا فَهْوَ طَارِقٌ، ويُقَالُ: الطَّارِقُ النَّجْمُ، وَالثَّاقِبُ الْمُضِيءُ، يُقَالُ: أَثْقِبْ نَارَكَ لِلْمُوقِدِ. الحديث الأول: (لهم)؛ أي: عليٌّ وفاطمة، ومَنْ عندَهما، أو أقلُّ الجمعِ اثنانِ. (بَعَثَنَا)؛ أي: من النوم إلى الصلاة. (مُدْبِر) أي: مولٍّ ظهرَه، وفي بعضها: (منصرفٌ)، وتحريضُهم على الصلاة باعتبار الكسبِ والقدرةِ، فإجابةُ عليٍّ - رضي الله عنه - بالقضاء والقدر ليس عُذْرًا؛ فَضرْبُهُ - صلى الله عليه وسلم - على فخذه تَعَجُّبٌ من سرعةِ جوابه، والاعتذار بذلك، أو تسليمٌ لقوله.

قال المهلَّب: لا حجةَ لأحدٍ في ترك المأمور بمثل ما احتجَّ به. وسبقَ الحديثُ في (التهجُّد). * * * 7348 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجدِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ"، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا"، فَقَالُوا: بَلَّغْتَ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ! قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَلِكَ أُرِيدُ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا"، فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَلِك أُرِيدُ"، ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ للهِ وَرَسُولِهِ، وَإنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَّا فاعلموا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ". الثاني: (المِدْرَاس) الذي يقرأ التوراة، وقيل: الموضع الذي كانوا يقرؤون فيه؛ وإضافةُ البيت إليهم إضافةُ عامٍّ لخاصٍّ، وفي بعضها: (المُدْرَاس) بضم الميم. (فَتَسْلَمُوا) من السلامة.

19 - باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}، وما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم

(ذلك أُريد)؛ أي: التبليغُ هو مقصودي؛ {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلا الْبَلَاغُ} [النور: 54]. قال المهلب: موضعُ الترجمة: أن اليهود لما بلَغَهم ما لزمَهم الاعتصامُ به، قالوا: قد بلَّغت رادِّينَ لأمره، فبالغَ في تبليغه، وكَرَّرَه، وهي مجادلةٌ حسنة، مر في (الإكراه). (بما له) الباء للمقابلة؛ نحو: بعتُ هذا بهذا. * * * 19 - باب قَوِلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، وَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ (باب: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، وما أَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بلزوم الجماعة) أي: بلزومِ قولِ الجماعةِ، وهم أهلُ العلم؛ أي: يجب متابعةُ الإجماع، والاعتصام به، فهذه الآية من أدلة حجية الإجماع من حيث إنه عَدّلهم بقوله: {وَسَطًا} [البقرة: 143]؛ أي: عُدُولًا، فوجب أن يكونوا معصومين قولًا وفعلًا. 7349 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ

20 - باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم، فحكمه مردود، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد"

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ! فَتُسْئَلُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ، فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ"، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، قَالَ: عَدْلًا، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: بِهَذَا. (فتشهدون) دليلُه ما في الآية من قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ} [البقرة: 143]، وسبق في (سورة البقرة). (وعن جعفرٍ) قال (ك): روى عنه إسحاقُ بنُ منصورٍ، وجزَم أَبو نُعيمٍ بأنه تعليقٌ، ووصله عبدُ بنُ حُميدٍ في "مسنده". * * * 20 - باب إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ أَوِ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ خِلاَفَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ" (باب: إذا اجتهد الحاكمُ أو العاملُ) أي: عاملُ الزكاة -مثلًا-.

(خلاف الرسول)؛ أي: شرع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسُنَّتهُ. (من غير علم)؛ أي: جهلًا، فمن حكم بغير السنَّة، ثم تبين له أن الحقَّ خلاف حكمه، وجب عليه الرجوعُ، والاعتصامُ بالسنة. قال (ك): وفي الترجمة نوعُ تعجْرُفٍ. (لقول النبي صلى الله عليه وسلم) وصله بهذا اللفظ مسلمٌ. * * * 7350 - و 7351 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأَنْصَارِيَّ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ"، أَوْ: "بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ". (إسماعيل) هو ابنُ عبدِ الله بنِ أبي أُوَيْسٍ. (عن أخيه)؛ أي: عبد الحميد، يعرف بالأعشى، وكنيته أَبو بكر، وإسماعيلُ تارة يروي عن سليمان بدون توسُّط أخيه، وأُخرى بواسطته.

21 - باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ

قال الغساني: وسقط من كتاب الفِرَبْرِي من هذا الإسناد: سليمانُ ابنُ بلالٍ، وذكر أَبو زيد المَرْوَزِيُّ أنه لم يكن في أصل الفِرَبْرِي، والصوابُ روايةُ النَّسَفِي؛ فإنه ذكره، ولا يتصل السند إلا به. (أخا بني عَدِيّ) بفتح المهملة الأولى. قال في "الكشاف" في {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28]: إنه كما يقال: يا أخا هَمْدَانَ؟ أي: يا واحدًا منهم. وسبق أن اسمه: سَوَادُ بنُ غَزِيَّةَ البَكْرِيُّ حليفُ بني عَدِيِّ بنِ النَّجَّار، استُعمل على خَيْبَر. (جَنِيب) بفتح الجيم وكسر النون: أجودُ تُمورهم. (الجمع) نوع رديء. (وكذلك الميزان) هذه الجملة، وإن لم يذكرها في روايته في (باب البيع)؛ فمعناها: أن الموزونات كالمكيلاتِ في منعِ التفاضُل، وأنه لا بدَّ إذا أُريدَ ذلك من بيع الرديء، وشراء الجيد بثمنه. * * * 21 - باب أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ (باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصابَ، أو أخطأ) 7352 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ

عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ"، قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 7352 / -م - وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مِثْلَهُ. (إذا حكم)؛ أي: أراد الحكمَ، وإلا فالاجتهادُ سابق، فكأن الظاهرَ أن يقول: إذا اجتهدَ فحكم؛ لأن الحكم متأخرٌ عن الاجتهاد. (أجران) زيادتُه على مَنْ أخطأ، وإن كانا مستويين في العمل، فإن الأجر للمخطئ ليس هو على خطئه، إنما هو على عمله واجتهاده في طلب الصواب؛ لأنه لما فاز بالصواب، فاز بتضعيف الأجر، وذلك فضلُ الله يؤتيه مَنْ يشاء، ولعل المصيبَ له زيادةٌ في العمل، إما كمية، أو كيفية، وفي الحديث: أن الحقَّ عند الله تعالى واحدٌ، وله في كل واقعةٍ حكمٌ، فمن وجدَه أصاب، ومن فقدَهُ أخطأ، والمسألةُ مشهورة في أصولِ الفقه. (قال: فحدثت)؛ أي: قال يزيدُ.

22 - باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم من مشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمور الإسلام

(قال عبد العزيز) إلى آخره تعليقٌ مُرْسَلٌ؛ لأن أبا سَلَمَةَ تابعيٌّ. * * * 22 - باب الْحُجَّةِ على مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ ظَاهِرَةً، وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمُورِ الإِسْلاَمِ (باب: الحجة على من قال: إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم - كانت ظاهرة)، إلى آخره، قَصَدَ بالترجمة ردَّ قولِ مَنْ زعم أن التواترَ شرطٌ في قبولِ الخبر كما زعمه الرافضةُ، وأن أحكامَه - صلى الله عليه وسلم - كلَّها بالتواتر، وحقق بما ذكره قبولَ أخبار الآحاد، وأنه لا يشترط عدم الواسطة في الحديث، وإن كان يمكنه المشافهة. (وما كان) عطفٌ على مقول القول، فتكون (ما) نافية، أو على الحجة، فتكون موصولة. 7353 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولًا فَرَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، ائْذَنُوا لَهُ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّا كنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، قَالَ: فَأْتِنِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَانْطَلَقَ إِلَى

مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ إِلَّا أَصَاغِرُنَا، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: خَفِي عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. الحديث الأول: (على ما صنعت)؛ أي: من الرجوع، وعدم التوقف. (كنا نؤمر) قال الأصوليون: مثلُه يكون الآمرُ به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ". (فقالوا)؛ أي: قاله أولًا أُبِيُّ بن كعبٍ، ثم تبعه الأنصارُ في ذلك. (ألهاني)؛ أي: شغلني. (الصَّفْقُ) يريد: ضربَ اليدِ على اليد في البيع، وليس في توقفه دليل على منع خبر الواحد؛ بل هو للاستظهار؛ فإنه لما انضم إليه، لم يخرج عن كونه خبرًا لواحد؛ كما قاله البخاري في (كتاب بدء السلام)، وسبقت فوائد في الحديث في أوائل (كتاب البيع). * * * 7354 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأَعْرَجِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاللهُ الْمَوْعِدُ، إِنِّي كُنْتُ

امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ وَقَالَ: "مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَقْبِضْهُ، فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي"، فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ. الثاني: (والله الموعد) جملة معترضة؛ أي: يوم القيامة يظهرُ أنَّكم على الحق في الإنكار، أو أني أعلمُ في الإكثار، ولا بدَّ في التركيب من تأويل؛ لأن مَفْعَل للمكان، أو الزمان، أو المصدر، ولا يصح هنا إطلاقُ شيء منها، فلا بدَّ من إضمارٍ أو تجوزٍ لما يدلُّ عليه المقامُ. (أموالهم)؛ أي: مزارعهم، والمراد بالعموم: نوعٌ منه. (يقبضه) بالرفع. (فليس ينسى) في بعضها: (فلم ينس)، والأولُ أفصحُ. (يسمعه) في بعضها: (سمعه)، والأولُ أولى من جهة المعنى. وسبق في (كتاب العلم). * * *

23 - باب من رأى ترك النكير من النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة، لا من غير الرسول

23 - باب مَنْ رَأَى تَرْكَ النَّكِيرِ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حُجَّةً، لَا مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ (باب: من رأى تركَ النكير من النبي - صلى الله عليه وسلم - حجةً) قصدُه: أن تقريره - صلى الله عليه وسلم - حجة؛ لأنه نوعٌ من فعله، ولأنه لو كان منكرًا، لزمه تغييرُه؛ بل من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - ذلك مطلقًا. (لا من غير الرسول - صلى الله عليه وسلم -)؛ لجواز أنه لم يتبين له حينئذ وجهُ الصواب، أو غير ذلك. 7355 - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ، قُلْتُ: تَحْلِفُ بِاللهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (ابن الصائد) في بعضها: (الصياد)، واسمُه: صاف، وحلف عُمر - رضي الله عنه - لغلبةِ الظن؛ إما بعلاماتٍ وقرائنَ، أو بغير ذلك. * * *

24 - باب الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها

24 - باب الأَحْكَامِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالدَّلاَئِلِ، وَكَيْفَ مَعْنَى الدِّلاَلَةِ وَتَفْسِيرِهَا وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ سُئِلَ عَنِ الْحُمُرِ، فَدَلَّهُمْ عَلَى قَوْلهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ: "لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ"، وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الضَّبُّ، فَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ. (باب: الأحكام التي تُعرف بالدلائل) أي: بالملازمات الشرعية أو العقلية، والأدلة المتفق عليها؛ كما قال ابن الحاجب وغيره: الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والقياس، والاستدلال، وذلك كما إذا عُلِمَ ثبوتُ الملزوم شرعًا أو عقلًا، عُلِمَ ثبوتُ لازمه كذلك. قال (ش): أدخل هذه الترجمة في (كتاب الاعتصام) تحذيرًا من الاستبداد بالرأي، وتنبيهًا على الرأي المحمود فيها، وهو المستند إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو إشارته، أو سكوته، أو فعله، ويندرج فيه الاستنباطُ، والتعلقُ بما وراء الظاهر. (الدلالة) بفتح الدال أو بكسرها، وقيل: بضمها أيضًا. (ثم سئل)؛ أي: أن ذلك كإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى دخول الخاص،

وهو الحميرُ، تحت حكمِ العامِّ في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية [الزلزلة: 7]؛ فإن من ربَطَها في سبيل الله، فهو عاملٌ للخير، يرى جزاءه خيرًا، ومن ربطها فخرًا ورياءً، بالعكس، وأما تفسيرُها، فكتعليمِ عائشةَ - رضي الله عنها - للمرأة التوضُّؤَ بالفرصة. (فاستدل ابنُ عباس)؛ أي: من أكلِهم إياه بحضوره - صلى الله عليه وسلم - على الإباحة؛ إذ لو كان حرامًا، لمنعهم من الأكل. * * * 7356 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا، فَهْيَ لَهُ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ"، وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحُمُرِ قَالَ: "مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ فِيهَا إِلَّا هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ". الحديث الأول: (وِزْر)؛ أي: إثمٌ وثقل. وسبق شرحه في (كتاب الشرب). * * * 7357 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً سَألتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ-، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحَيْضِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ قَالَ: "تَأْخُذِينَ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِينَ بِهَا"، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّئِي"، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّئِينَ بِهَا! ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَرَفْتُ الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَذَبْتُهَا إِلَيَّ فَعَلَّمْتُهَا. الثاني: (يحيى) قال الكلاباذي: هو البِيكَنْدِيّ. (عن أُمِّه)؛ أي: صفيةَ، وهي بنتُ شيبةَ الحَجَبِيَّة، وأما أبوه، فهو عبدُ الرحمن.

(منصورُ بنُ عبدِ الرحمن بنُ شَيْبَةَ)، (ابنُ) الأخير صفةٌ لـ (منصور)، فيكتب بالألف؛ لأن شيبةَ هو اسم لأبي صفيةَ أُمّه، فهو نسبةٌ إلى أبي الأمّ. (فتتوضئين بها) أي: تتنظفين وتتطهرين؛ أي: المرادُ: المعنى اللغويُّ، واسمُ المرأة: أسماءُ بنتُ شَكَلٍ كما في "مسلم"، ومر في (كتاب الحيض). * * * 7358 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، فَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَلَا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ. الثالث: (أُمّ حُفَيْد) -بمهملتينِ وفاءٍ مُصَغَّرًا -اسمها: هُزَيْلَةُ -بالتصغير- بنتُ الحارثِ بنِ حَزْنٍ -بفتح المهملة وإسكان الزاي وبالنون- الهلاليةُ خالةُ ابنِ عباسٍ. (وضَبًّا) في بعضها: (وأَضُبًّا) بالجمع. سبق في (الهبة). * * *

7359 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ:- لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ"، وَإِنَّهُ أُتِيَ بِبَدْرٍ -قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي طَبَقًا- فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ عَنْهَا -أُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ- فَقَالَ: قَرِّبُوهَا، فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصَحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: "كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي"، وَقَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ، فَلَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ؟ الرابع: (ببدرٍ) يسمى الطبقُ بذلك؛ لاستدارته؛ تشبيهًا بالقمر. (خُضَرَات) بضم المعجمة الأولى، وفتح الثانية: جمع خضرة، وفي مثله يجوز ضمُّ الضاد وفتحُها وسكونُها، وفي بعضها: (خَضِرَات) بفتح الخاء وكسر الضاد. (بعض أصحابه) هو راويه بالمعنى؛ لأنه إنما قال: قرّبوها إلى فُلان -مثلًا-، أو مشيرًا إليه. (مَنْ لا تُناجي)؛ أي: الملائكة، وقيل: النهيُ خاصٌّ بمسجدِه - صلى الله عليه وسلم -، والجمهورُ على أنه عامٌّ، ويُلحق به مجامعُ العبادات؛ كمصلى العيد،

ويلحق بالثوم كلَّ ما له رائحةٌ كريهةٌ. (قال ابن عُفَيْرٍ) سبق بيانه في (الصلاة) أواخر (كتاب الجماعة)، ومعنى كونه من قول الزُّهْرِي: أن يكون مُرْسَلًا، ولهذا لم يروه يونسُ لليثٍ، وأبي صَفْوان، أو مسندًا كباقي الحديث. (بِقِدْرٍ) بالقاف. (ولم يذكر الليث) هذا، ولفظ: (فلا أدري) الظاهر: أنه من قول أحمدَ بنِ صالحٍ، ويحتمل أن يكون من كلامِ ابنِ وَهْبٍ، ويحتمل أنه من كلامِ ابنِ عُفَيْرٍ، ويحتمل أنه من كلامِ البخاريِّ تعليقًا، وقد سبق بيانُه هناك -أيضًا-. (وأبو صَفْوان) موصولٌ في (الأطعمة). * * * 7360 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي قَالَا: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَّ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ، يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ لَمْ أَجِدْكَ، قَالَ: "إِنْ لَمْ تَجدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ"، زَادَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ. الخامس: (فأتي أبا بكر) فيه دليل على خلافته - رضي الله عنه -، فهو من الأحكام التي

25 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء"

عرفت بالدلائل؛ كما هو الترجمة؛ وكذا الحديثُ الذي قبلَه، ففيه دلالة: على أن المَلَك يتأذَّى مما يتأذى منه بنو آدم، فهو من الترجمة أيضًا. * * * 25 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ" (باب: قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لا تسألوا أهلَ الكتابِ)؛ أي: اليهودَ والنصارى. (عن شيء)؛ أي: مما يتعلق بالشرائع؛ بخلاف الأشياءِ المصدِّقَة لشريعتنا؛ وكذا القصص ونحوها، فهو عامٌّ مخصوص. 7361 - وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلاَءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ. الحديث الأول: (كَعْب الأحبار) هو كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ -بالمثناة المكسورة-، والأحْبارُ جمع حَبر -بفتح الحاء وكسرها-: العالم؛ أي: كعب

العلماء، وكان من علماء أهل الكتاب، وأسلمَ في خلافة أبي بكر، أو عُمر - رضي الله عنهما -، وكان من فضلاء التابعين. (إن كان)، (إن) مخففة من الثقيلة، وجازَ حذفُ اللام. (الكتاب)؛ أي: التوراة والإنجيل. (لنبلو عليه الكذبَ)؛ أي: لنمتحن؛ أي: قد يخطئ في بعض أخباره، لا أنه كان كاذبًا، وقد ذكره ابن حِبّانَ في "صحيحه"، وقيل: الهاء في (عليه) عائدة على الكتاب؛ لأن كتبهم قد غُيرت، لا على كعب. وقال (ع): وعندي: أنه يصحُّ أن يعود على كعبٍ، أو حديثِه، وإن لم يقصد كعبٌ الكذبَ، ولا تعمَّدَه؛ إذ لا يشترط في الكذب عند أهل السُّنَّة التعمدُ؛ بل الإخبارُ بالشيء على خلافِ ما هو عليه، وليس فيه تجريحٌ لكعبٍ بالكذب. وقال أَبو الفرج: يعني أن الكذب فيما يخبر به عن أهل الكتاب، لا منه؛ فالأخبارُ التي يحكيها عن القوم، ويكون بعضُها كذبًا، وأما كعبُ الأحبار، فمن خيارِ الأحبار. * * * 7362 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُنَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا

بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} " الآيَةَ. الثاني: (بالعبرانية)؛ أي: لغة اليهود، والآية هي قولُه تعالى: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية [البقرة: 136]، وسبق في (البقرة). * * * 7363 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْدَثُ؟ تَقْرَؤُنَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللهِ وَغَيَّرُوهُ، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ، وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا؟ أَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْم عَنْ مَسْئَلَتِهِمْ؟ لَا وَاللهِ، مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْألُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيكُمْ. الثالث: (أَحْدَثُ)؛ أي: نزولًا، وإلا، فالقرآن بالمعنى القائم بذاته تعالى قديمٌ. (مَحْضًا)؛ أي: صِرْفًا خالصًا.

27 - باب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التحريم، إلا ما تعرف إباحته، وكذلك أمره، نحو قوله حين أحلوا: "أصيبوا من النساء"

(لم يُشَب)؛ أي: لم يخلَط؛ لأنه لن يتطرق إليه تحريف ولا تبديل؛ بخلاف التوراة. (حُدِّثْتُم) ماض مبني للمفعول، وفي بعضها: (حَدَّثكم). (ما جاءكم) فاعلُ (ينهاكم)، والإسنادُ مجازي. (من العلم)؛ أي: الكتاب والسُّنَّة. (لا والله)، (لا) تأكيدٌ للنفي، وفي بعضها: (ألا) بحرف التنبيه، وغرضُه: أنهم -مع أن كتابهم محرَّفٌ- لا يسألونكم، فأنتم بطريق الأولى؛ بل لا يجوز لكم أن تسألوا منهم. * * * 27 - باب نَهْي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عنِ التَّحْرِيمِ، إِلّا مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ، نَحْوَ قَوْلِهِ حِينَ أَحَلُّوا: "أَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ" وَقَالَ جَابِرٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ. وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَازة، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. (باب: نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم) أي: محمولٌ على التحريم حقيقةً فيه، لا ينصرفُ عنه للإباحة أو

غيرها إلا بقرينة؛ كما في حديث أُمِّ عَطيةَ. (وكذلك أمرُه)؛ أي: محمولٌ على الوجوب حتى يقومَ صارفٌ يصرِفُه عن حقيقته إلى غير ذلك من المعاني المجازية، وذلك موضَّحٌ في موضعه من أصول الفقه. (أحلُّوا)؛ أي: من الإحرام. (أَصيبوا)؛ أي: جامعوهن، فهذا الأمر عُلم أنه للإباحة، فلا يُحمل على الايجاب. (ولم يعزم)؛ أي: لم يوجبْ عليهمُ الجِماعَ، فالأمرُ للإحلال، أو الإباحة، وسبق شرحُ الحديث مبسوطًا في (الحج). (وقالت أُمُّ عطية) موصولٌ في (الجنائز). (نُهِينَا) مبني للمفعول، والناهي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كما رواه ابنُ شاهين بإسناد صحيح عن أُمّ عطيةَ، قالت: نهانا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وليسَ نهيَ تحريم. * * * 7367 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ قَالَ: أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَجِّ خَالِصًا لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ،

فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ: "أَحِلُّوا وَأَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ"، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّا نَقُولُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ: أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِي عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَذْيَ، قَالَ: وَيَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَحَرَّكَهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ للهِ، وَأَصْدَقُكُمْ، وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، فَحِلُّوا، فَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ"، فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. الحديث الأول: (وقال محمدُ بنُ بكرٍ) هو تعليقٌ؛ لأنه مات سنة اثنتين ومئتين. وسبق بيان وصلِه في (الحج) في (حجة الوداع). * * * 7368 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْمُزَنِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ صلاَةِ الْمَغْرِبِ، قَالَ: فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ"، كَرَاهِيةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. الثاني: (سُنَّة)؛ أي: طريقة شرعية، أعَمُّ من الفرضِ، والنفلِ. وسبق

26 - باب كراهية الخلاف

في (الصلاة). قال (ك): هذا آخرُ ما قصد البخاري إيرادَه من مسائل أصول الفقه. 26 - باب كَرَاهِيَةِ الْخِلاَفِ (باب: كراهية الاختلاف) 7364 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَؤُا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوُبكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ". الحديث الأول: (إسحاق) قال الكلاباذي: هو الحَنْظَلِيُّ. (ائتلفت قلوبُكم)؛ أي: توافقت على القراءة وغيرِها، مرّ في (فضائل القرآن). * * * 7365 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

قَالَ: "اقْرَؤُا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ". وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هَارُونَ الأَعْوَرِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدَبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (إسحاق) إما ابنُ منصور، أو الحَنْظَلِيُّ. (وقال يزيدُ بنُ هارونَ) قال (ك): الظاهرُ أنه تعليقٌ، ويحتمل أن البخاريَّ سمع منه، وقال غيره: قال الدارمي في "مسنده": حدثنا أَبو النعمان، ثنا هارون الأعور، وحدثنا يزيدُ بنُ هارونَ، ثنا همامٌ، جميعًا عن أبي عمرانَ؛ فليحرَّرْ هذا. انتهى. * * * 7366 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -قَالَ: "هَلُمَّ، أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ"، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالاِخْتِلاَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قُومُوا عَنِّي"، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَكَانَ

28 - باب قول الله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}، {وشاورهم في الأمر}

ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَينَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. الثالث: (من اختلافهم) بيانٌ لـ (ما حال)، وفيه: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكتب، والأميُّ مَنْ لا يُحسن الكتابة، لا مَنْ يقدر عليها؛ اللهمَّ إلا أن يُقال: يكتب على سبيل الإعجاز، أو المراد: المجاز؛ أي: أمر بالكتابة. قال (ط): عُمرُ أفقهُ من ابنِ عباسٍ حين اكتفى بالقرآن، ولم يكتفِ ابنُ عباسٍ به، وإنما ساغَ لهم مخالفةُ أمرِه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهم فهموا بالقرائن: أن ذلك غيرُ واجبٍ عليهم، وقال: واقرؤوا القرآن، وهلمَّ أكتبْ لكم هو من تتمة مباحثِ الأمرِ الذي لغير الإيجاب. قال (ك): ولعل ترجمةَ هذا الباب لم تكن عنده؛ أي: عند (ط). قال (ن): كان - صلى الله عليه وسلم - همَّ بكتاب حين أوحي إليه بذلك، أو كان مصلحةً، ثم تركه حين جاء الوحيُ بخلافه، أو بغير مصلحة، وفيه مباحثُ سبقت في (كتاب العلم). * * * 28 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} وَأَنَّ الْمُشَاوَرَةَ قَبْلَ الْعَزْمِ وَالتَّبَيُّنِ، لِقَوْلِهِ: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى

اللَّهِ}، فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَشَاوَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ، فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ، فَلَمَّا لَبِسَ لأْمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا: أَقِمْ، فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ، وَقَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ"، وَشَاوَرَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ فِيمَا رَمَى أَهْلُ الإِفْكِ عَائِشَةَ فَسَمِعَ مِنْهُمَا، حَتَّى نزَلَ الْقُرْآنُ فَجَلَدَ الرَّامِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَكَانَتِ الأَئِمَّةُ بَعْدَ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ، لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا، فَإِذَا وَضَحَ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ، اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ قِتَالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا"؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ تَابَعَهُ بَعْدُ عُمَرُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَشُورَةٍ، إِذْ كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقتُلُوهُ"، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَشُورَةِ عُمَرَ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ. (باب: قول الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى} [الشورى: 38]) في بعض النسخ هذا الباب قبلَ باب: (نَهْيُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على التحريم).

(وأن المشاورة) عطفٌ على (قول الله تعالى). (والتبيين)؛ أي: وضوح المقصود، ووجهُ دلالة الآية: أنه أمرَ أولًا بالمشاورة، ثم رتَّبَ التوكُّلَ على العزم إذ قال: {فَتَوَكَّلْ} [آل عمران: 159]. (لِبَشَرٍ)؛ أي: لأحد من الناس. (وشاورَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم) وصله أحمد، والحاكمُ، والطبراني بتمامه، والنسائي، وابنُ ماجه مختصرًا من حديث ابن عباس، ووصله أحمدُ أيضًا، والدارمي، والنسائي من طريق جابر. (في المُقام)؛ أي: الإقامة بالمدينة. (والخروج)؛ أي: للقتال. (لأْمَتَهُ) بتخفيف الميم والهمز: الدرع. (أقمْ)؛ أي: لا تخرج إليهم. (فلم يمل)؛ أي: إلى كلامهم بعد العزم. (لا ينبغي)؛ أي: إذا عزمَ أن ينصرفَ، كأنه نقض التوكلَ الذي أمر الله تعالى به، ولبسُ اللأمةِ دليلُ العزيمة. (وشاور عليًّا وأُسامة - رضي الله عنهما -) هو طرف من حديث الإفك، وسيأتي في الباب، وسبق مرارًا. (فجلد الرامين) وصله أحمد، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عَمْرَةَ، عن عائشةَ.

(تنازعهم) القياس: تنازعُهما، إلا أن يقال: أقلُّ الجمعِ اثنان، أو المراد: هما ومَنْ معهما ووافَقهما في ذلك. (ليأخذوا بأسهلها)؛ أي: عند تأدية اجتهادهم إلى الأسهل، وعند عدم وضوح الكتاب والسُّنَّة فيه. (ورأى أَبو بكر - رضي الله عنه -) موصول في (الزكاة) وغيرها. (بَعْدُ)؛ أي: بعد أن كان مخالفة؛ وهو مبني على الضم. (عُمر) فاعلُ وافقَ، وحكمُه - صلى الله عليه وسلم - في المارقين المبدِّلين القتلُ؛ لحديث: "مَنْ بَدَّلَ"، و"إِلَّا بِحَقِّهَا" دليل عليه -أيضًا-، وقتالهُم ليس قتالَ كفار، إلا أن يجحدوا، لكنهم كانوا متأَوِّلين بأن الله تعالى قال: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]، وصلاةُ أبي بكر - رضي الله عنه - ليستْ سكنًا. (قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَّلَ دينَه، فاقتُلوه) موصول في (الجهاد) من حديث ابن عباس. (القُرّاء) كان اصطلاحُ الصدر الأول أنهم العلماءُ. (شبابًا) بموحدتين، وفي بعضها بموحدة ونون، والمراد: أنه كان يعتبر العلم، لا السِّنّ، وهو موصول في (تفسير سورة الأعراف). * * * 7369 - حَدَّثَنَا الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ،

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ: قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زيدٍ، حِينَ استَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا، وَهْوَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، فَقَالَ: "هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ "، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَمْرًا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فتَأْكُلُهُ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُني مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا"، فَذَكَرَ بَرَاءَةَ عَائِشَةَ، وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ هِشَامٍ. الحديث الأول: (ودعا) عطفٌ على مقدَّر؛ أي: قالت: عملَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، ودعا. (يسألهما)؛ أي: عن المصلحة في القضية. (أهله)؛ أي: عائشة رضي الله عنها. (كثير) لم يقل: كثيرة، ولا كثيرات؛ لأن فضلًا يستوي فيه المذكَّر، والمؤنث، والمفردُ وغيرُه. (الجارية)؛ أي: جارية عائشة رضي الله عنها، وهي بَرِيرَةُ. (يريبك) بفتح أوله وضمه؛ أي: يوقعك في التهمة. (الداجن)، أي: الشاة التي ألفتِ البيتَ، ولا يقال: داجنةٌ؛ أي:

لا عيبَ فيها إلا نومُها عن العجينِ حتى يتلفَ. (من يعذرني)؛ أي: يقومُ بعذري، والعذيرُ: الناصر. (من رجل) هو ابنُ سَلُولَ. (وقال أبو أُسامة) موصولٌ في (التفسير). * * * 7370 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: "مَا تُشِيرُونَ عَلَيَّ فِي قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِي؟ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءٍ قَطُّ"، وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِالأَمْرِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْطَلِقَ إِلَى أَهْلِي، فَأَذِنَ لَهَا وَأَرْسَلَ مَعَهَا الْغُلاَمَ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نتَكَلَّمَ بِهَذَا، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. الثاني: هو حديثُ الإفك -أيضًا-. (بالأمر)؛ أي بكلام أهل الإفك وشأنهم. (رجل من الأنصار) هو أبو أيوبَ خالدٌ الأنصاريُّ، رواه الحاكمُ في "الإكليل"، وغيره من طريق الواقدي، والطبراني في "مسند الشاميين"، والآجريُّ في طريق حديث أهل الإفك عن الزُّهْرِي، عن

عروةَ، عن عائشةَ، وروي -أيضًا- عن أُبَيِّ بنِ كعب: أنه قالَ ذلكَ لامرأته، رواه الحاكم -أيضًا-، وعن ابن بَشْكُوال. * * *

98 - كتاب التوحيد

98 - كِتابُ التَّوْحِيدِ

1 - باب ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 98 - كِتابُ التَّوْحِيدِ (كِتابُ التَّوْحِيدِ، والرَّدِّ عَلى الجَهْمِيَّة وغَيْرِهِم) في بعضها: (وردّ الجهميّة) بالإضافة إلى المفعول، والجَهْمِيَّةُ نسبةٌ إلى جَهْم -بفتح الجيم وسكون الهاء- بنِ صفوانَ، وقد قتل بِمَرْوَ في زمان هشامِ بنِ عبدِ الملكِ، وهو مقدَّمُ الطائفةِ القائلةِ بأن لا قدرةَ للعبد أصلًا، وهم الجبريّةُ. 1 - باب مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (باب: ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أُمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى) التوحيد: هو توحيدُ الله - عزّ وجلّ -، وهو تعالى وإن كان واحدًا أزلًا وأبدًا قبل وجود الموحدين وبعدَهم؛ لكن المرادَ بتوحيده: إثباتُ أنه واحدٌ بالدليل، أو نسبتُه إلى أنه واحد؛ نحو: فَسّقتُ زيدًا؛ أي: نسبتُه إلى الفسق، وهذا من البخاري؛ أي: شروعه في مسائل أصول

الكلام، وما يتعلق به، وختم كتابه به بعد فراغه من مسائل أصول الفقه، وإن كان المناسب في الوضع تقديمه على سائر ما في "الجامع"، ثم مسائل أصول الفقه، ثم الأحكام العمليات؛ إما أن ذلك للترقي إرادةً لختم الكتاب بالأشرف، وختامُه مسكٌ، وقدّم في هذا التوحيد، وهو أصلُ الأصول، وهو معنى كلمة الشهادة التي هي شعار الإسلام. قال (ك): قالوا: صفاتُ الله تعالى إما عدميةٌ؛ أي: نفي النقائص، أو وجوديةٌ؛ أي: إثباتُ الكمالات، وتسمى الأولى: صفات الجلال، والثانية: صفات الإكرام {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 78]، وقدّم العدمية؛ لأن مقتضى العقل أن ينفي النقصان، ثم يثبت الكمال؛ كما يقال: تقدَّم التخليةُ على التحلية، فأشرفُ الجلاليات، وهي التنزيهات: نفي الشريك، وهو التوحيد، فلذلك قدَّمه، فهو أولُ الواجبات، وآخرُ ما تنحل إليه المقاصدُ. والوجوديات سبعة: الحياة، والإرادة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، وما سواها من صفات الرحمة، والخلق، وغيرِها كلُّها راجعة إليها. وختم البخاريُّ بصفة الكلام؛ لأنه مدارُ الوحي، وبه تثبتُ الشرائع، ولهذا افتتح الكتابَ ببدء الوحي، فالانتهاءُ إلى ما منه الابتداء، وختمُه بباب الميزان ليس مقصودًا لذاته؛ بل لإرادة أن يكون آخرُ كلامه تسبيحًا وتحميدًا؛ كما أنه بدأ بالنية؛ لبيان إخلاصِه فيه،

ففيه ما كان البخاري - رحمه الله - عليه في حالتيه أولًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا. * * * 7371 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِي، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ. الحديث الأول: (نحو)؛ أي: جهة. (تقدَّم) بفتح الدال. (أن يوحِّدوا) اسمُ (كان)، و (أول) خبره، وفي بعضها: (إلى أن يوحدوا)، ووجهُه: أن يكون (أولُ) مبنيًّا على الضم، و (ما) مصدرية؛ أي: ليكن أول الأشياء دعوتهم إلى التوحيد. (أقَرُّوا)؛ أي: صدّقوا وآمنوا به، وسبق الحديث أول (الزكاة). * * * 7372 - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِي: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى

قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلُّوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ". 7373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، وَالأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلاَلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ " قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟ " قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ". الثاني: سبق مرارًا، وأن المراد بحق العباد على الله، مع أنه تعالى لا يجب عليه شيء؛ إما لأنّ الحق بمعنى الثابت، أو الوجوب الشرعي بإخباره، أو كالواجب في تحقيق وقوعه، أو للمشاكلة لمقابله. * * * 7374 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ

الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لتعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ". 7374 / -م - زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (فكان الرجل) بتشديد النون، أو أنه فعلٌ ماضٍ من الكون. (زاد إسماعيل) سبق بيانُه في (باب فضائل القرآن). * * * 7375 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِ فَيَخْتِمُ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "سَلُوهُ: لأَيِّ شَيءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ "، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ".

2 - باب قول الله تبارك وتعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}

الرابع: (محمد) قال الكلاباذي: أحسبه ابنَ يحيى الذُّهْلي. قال الغساني: لفظُ: (محمدٍ) ساقطٌ من بعض النسخ. قال (ك): وهو صحيح؛ لأن أحمدَ بنَ صالحٍ شيخَ البخاري يروي عنه كثيرًا بلا واسطة، ويحتمل ثبوتُ محمدٍ أن يكون من كلام الفِرَبْرِي يريد بمحمد: البخاريَّ نفسَه. (حَجْر) بفتح الحاء وكسرها. (على سَرِيَّة)؛ أي: أميرًا عليهم؛ سبق الحديث في (الصلاة) في (باب الجمع بين السورتين). * * * 2 - باب قَوْل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (باب: قول الله - عزّ وجلّ -: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ} [الإسراء: 110]) 7376 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زيْدِ بْنِ وَهْبٍ، وَأَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ".

الحديث الأول: (محمد) إما ابنُ سلام، أو ابنُ المثنى، ومعنى الحديث ظاهرٌ. * * * 7377 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ: - صلى الله عليه وسلم -: "ارْجِعْ فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ"، فَأَعَادَتِ الرَّسُولَ: أَنَّهَا أَقْسَمَتْ لتأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَيْهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ، جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ". الثاني: (إلى ابنها) سبق في (كتاب المرضى): أنها قالت: إن ابنتي، وأن (ط) قال: إن هذا الحديث لم يضبطه الراوي، وإنه يجاب عما قاله باحتمال أنهما قصتان، وسبق شرحُ الحديث أيضًا. (ما هذا)؛ أي: مخالفة ما عهد منك من الصبر، فأجاب - صلى الله عليه وسلم - بأنه

3 - باب قول الله تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}

أثرُ رحمةٍ جعلَها الله تعالى في قلوبِ عبادِه الرحماء، لا جزعٌ، وقلةُ صبر، وربما لم يوجد في بعض النسخ: (ما هذا)، فيكون مقدَّرًا، والرحمةُ من الله تعالى: إرادةُ إيصالِ الخير، ومن العبد: رقةُ القلب المستلزمة لإرادته، والغرضُ من الباب: إثباتُ صفة الرحمة، وعُلم من تعريف الرحمة بأنها راجعة إلى صفة الإرادة. * * * 3 - باب قَوْلِ اللهِ تعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (باب: قول الله - عزّ وجلّ -: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات: 58]) في بعضها: (إني أنا الرزاق)؛ قال بعضهم: هي قراءةُ ابنِ مسعود. 7378 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيرْزُقُهُمْ". (عن أبي حمزة) بمهملة وزاي؛ أي: محمد. (أصبر) معنى الصبر في الأصل، وهو حبسُ النفس على المكروه،

محالٌ على الله تعالى؛ فالمراد: لازمُه، وهو تركُ المعاجلة بالعقوبة، وهو تعالى، وإن كان منزهًا عن لحوق الأذى به؛ فالمرادُ: لحوقُ الأذى بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو في إثبات ولدٍ له تعالى تكذيبٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنكارٌ لمقالته. (من الله) صلة لقوله: (أصبر)، ووقوعُ الفصل بينهما بغير أجنبي جائزٌ. (يدعون)؛ أي: ينسبون. (ثم يعافيهم، ويرزقهم)؛ أي: ثم هو -بعد ذلك - يدفعُ عنهم المكروهاتِ والبلياتِ، ويرزقُهم الأقواتَ وغيرَها مقابلةً للسيئاتِ بالحسنات، والجمهورُ على أن تفسير الرزق بما ينتفع العبدُ به غذاءً أو غيرَه حلالًا أو حرامًا، وقيل: هو الغذاء، وقيل: الحلال، وغرضُه: إثبات الرازقية له تعالى، وهي راجعةٌ للقدرة؛ لأن المعنى: أنه خالقٌ للرزق، منعمٌ على العبد به، والقدرةُ، وإن كانت قديمة، فالمرادُ بالرزق الحادث: تعلُّقها به، فلا يلزم من ذلك تغيرٌ لما كان في القدم، ولا أنه تعالى محلٌّ للحوادث؛ لأن التغير في التعلق والمعنى: أنه لم تكن القدرةُ متعلقةً لإعطاء الرزق، ثم تعلقت، وهذا منشأ الاختلاف في أنه صفة ذاتية، أو صفة فعلية، فمن نظر إلى نفس القدرة؛ قال: ذاتية، وهي قديمة، ومن نظر إلى تعلقها؛ قال: فعليّة، فهي حادثة، واستحالة الحدوث إنما هو في الصفات الذاتية، لا في الفعليات والإضافيات. * * *

4 - باب قول الله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا} , و {إن الله عنده علم الساعة}، و {أنزله بعلمه}، و {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه}، {إليه يرد علم الساعة}

4 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} , وَ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، وَ {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}، وَ {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ}، {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} قَالَ يَحْيَى: الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْء عِلْمًا، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. (باب: قول الله -عزَّ وجلَّ-: {عَالِمُ الْغَيْبِ} [الجن: 26]) قوله: (قال يحيى) قيل: هو ابنُ زيادِ بنِ عبدِ الله بنِ منصورٍ الذُّهْلي، وهو الذي نقل عنه البخاريُّ في كتابه "معاني القرآن". (على كل شيء) في بعضها: (بكل شيء)؛ أي: العالم بظواهرِ الأشياء وبواطنِها، وقيل: المرادُ: الظاهرُ بدلائله، الباطنُ بذاته عن الحواس؛ أي: الظاهر عند العقل، الباطن عند الحسّ، وهو تفسير لقوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3]. * * * 7379 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ: لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلَّا اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا

اللهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللهُ". (مفاتيح) استعارةٌ إما بالكناية، أو بالتصريح. وسبق شرحُه في أواخر (الاستسقاء). (تغيض) من غاض الماء: إذا نقص، وهو لازمٌ ومتعدٍّ، والغيضُ: السقط الذي لم يتم خَلْقُهُ. (تدري) فسرت الدراية بأنها علمٌ بتكلُّف، فكيف يوصَف به الله تعالى، ويُجعل مستثنىً في ذلك؟ وجوابُه: أن المراد بها هنا: العلمُ المطلَقُ. * * * 7380 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، وَهْوَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ، وَهْوَ يَقُولُ: {لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا الله}. الثاني: (رأى ربه)، أي: ليلة المعراج، وإنكارُ عائشة له باجتهادها، ومباحثُ ذلك كثيرة.

5 - باب قول الله تعالى: {السلام المؤمن}

(وهو يقول: لا يعلم الغيبَ إلا الله) التلاوة إنما هي: {لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إلا اللَّهُ} [النمل: 65]، فإما الضمير في: (وهو) عائد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإما أن المراد: ذكرُ المقصود من الآية، لا نقلُها، ولا قراءتها، والغرضُ من الباب: إثباتُ صفة العلم؛ ردًّا على المعتزلة في قولهم: عالمٌ بلا علم، على أن العبريّ قال: إن كتبهم شاهدةٌ بتعليل عالمية الله تعالى بالعلم كما يقول أهلُ السُنّة؛ لكن ذلك العلم المعلل به هو عينُ الذات كما تقوله المعتزلة، أو لا، كما يقوله أهل السُنّة. * * * 5 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} (باب: قول الله تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر: 23]) السلام: هو المنزَّهُ عن النقائص، المبرَّأُ عن العيوب، فهو صفة عدمية، أو المسلِّمُ على عباده؛ كما في: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]، فهو صفة كلامية. وقال (خ): الذي سلمَ الخلقُ من ظلمه، وقيل: أي: منه السلامةُ لعباده، فهو صفة فعلية. سبقت مباحث الحديث في (الصلاة). 7381 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ،

6 - باب قول الله تعالى: {ملك الناس}

حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ، أَيُّهَا النَّبِيُّ! وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". * * * 6 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ} فِيهِ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس: 2]) قوله: (فيه ابنُ عُمر) سيأتي موصولًا قريبًا. * * * 7382 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ ".

7 - باب قول الله تعالى: {وهو العزيز الحكيم}، {سبحان ربك رب العزة}، {ولله العزة ولرسوله} , ومن حلف بعزة الله وصفاته

وَقَالَ شُعَيْبٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ مُسَافِرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أبي سَلَمَةَ. (بيمينه) من المتشابه، فيه طريقتا التفويض والتأويل؛ أي: بقدرته، أو نحو ذلك، وصفة الملك راجعةٌ إلى القدرة، فهو صفة ذاتية؛ لكن باعتبار التعلُّق تصير فعلية. (وقال شعبة) يأتي قريبًا. (والزُّبَيْدِي) وصله ابنُ خزيمةَ. (وابن مُسَافِرٍ) موصول في (التفسير). * * * 7 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ}، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} , وَمَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وَقَالَ أَنسٌ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَقُولُ جَهَنَّمُ: قَطْ، قَطْ، وَعِزَّتِكَ". وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ! اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لَا وَعِزَّتِكَ، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

قَالَ: "قَالَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: لَكَ ذَلِكَ، وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". وَقَالَ أَيُّوبُ: وَعِزَّتِكَ، لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكتِكَ. (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4]) قوله: (بعزة الله) سبق في (كتاب اليمين). (وسلطانه) في بعضها: (وصفاته). (وقال أنس) موصولٌ في (كتاب اليمين). (قط) بفتح القاف وكسرها وسكون الطاء بالتنوين؛ أي: حسبُ، سبق في (سورة ق). (رجل) يروى أن اسمه جُهينة -بالجيم والنون-، وهذا وإن لم يكن قولُه حجةً؛ لكن حكايته - صلى الله عليه وسلم - وتقريرَه هو الحجة. (قال أبو سعيد) هو من تتمة حديث أبي هريرة؛ أي: إنه تعالى يعطيه أمانيه، ويقول له: ولك عشرةُ أمثاله. وسبق الحديثُ قريبًا قُبيل (كتاب القدر). (وقال أيوب) موصولٌ في (كتاب الغسل) بطوله. * * * 7383 - حَدَّثَنَا أبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِعِزَّتك الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ،

الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ". الحديث الأول: (الذي لا يموت) بلفظ الغائب، وفي بعضها بالخِطاب، واستغنى عن ذكر عائد الموصول؛ لأن نفسَ المخاطب هو المرجوعُ إليه، فالارتباطُ حاصلٌ، وكذا في المتكلم؛ نحو: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ولم يذكر في الحديثِ الملائكةَ، فيفهم منه: أنهم لا يموتون؛ لكنه مفهومُ لقبٍ لا يُعتبر. * * * 7384 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُلْقَى فِي النَّارِ". وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ مُعْتَمِرٍ، سَمِعْتُ أَبي، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا، وَتَقُولُ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا اِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ، قَدْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا تَزَالُ الْجَنَّةُ تَفْضُلُ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ".

الثاني: الفرقُ بين طرقه التي أوردها فيه: أن الأول بالتحديث، والثاني بالقول، والثالث بالتعليق عن غير شيخه. (تقول)؛ أي: إما حقيقة بأن يخلق الله تعالى فيها القول، وإما مجازًا عن حالها. (قَدَمه) من المتشابه، فمن تأوَّلَ قال: المراد به: المتقدم؛ أي: يضع الله تعالى فيها مَنْ قَدَّمَهُ لها من أهل العذاب، أو ثم مخلوقٌ يقال له: القدم، أو أريد بالقدم: الزجرُ عليها، والتسكين لها؛ كما تقول لشيء تريد محوَه، وإبطالَه: جعلتُ هذا تحت قدمي. (قد) هو اسمٌ مرادف لقَطْ؛ أي: حَسْب، ورُوي بسكون الدال، وبكسرها. (تفضُل) بضم الضاد؛ أي: عن الداخلين، ويروى: (بفضل)، بالموحدة والتنوين. (ينشئ)؛ أي: يخلُق خلقًا، فيُسكنهم الموضعَ الذي فضل منها. (فضل الجنة) في بعضها: (أفضل) بصيغة أفعل التفضيل، قيل: هو وهمٌ، وقيل: مثل: الناقص والأشجُّ أعدلا بني مروان، أي: عادلاهم، وكذا: لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأَوْجَلُ

8 - باب قول الله تعالى: {وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق}

وفيه: أن دخول الجنة ليس بالعمل، وسبق في (سورة ق)، والغرض من الباب: إثباتُ صفة العزة. قال (خ): هي الغَلَبة؛ أي: المنيعُ الذي لا يصير مغلوبًا، وقد يكون بمعنى نفاسة القَدْر، وبمعنى القوة. وقال المهلب: هي صفةُ ذاتٍ بمعنى: القدرة، وصفةُ فعلٍ بمعنى: القهر لمخلوقاته. قال (ك): وهي -أيضًا- راجعةٌ إليها، وقيل: بمعنى المعزّ، فهو صفةٌ فعليةٌ، وقيل: هي العلم المحيط، والقدرةُ العامةُ، والإرادةُ، فهي صفةٌ مركبةٌ، لا بسيطةٌ. * * * 8 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 73]) أي: مُتَلَبِّسًا بالحق، لا بالباطلِ والعبث، وقيل: بحقِّ الخلقِ كما ينبغي، وقيل: أن يقول: كن فيكون. 7385 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ

سُلَيْمَانَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: "اللَّهُمَّ! لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَبقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ! لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي، لَا إِلَهَ لِي غَيْرُكَ"، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا، وَقَالَ: "أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ". الحديث الأول: (من الليل)؛ أي: في الليل، ومن قيام الليل، وسبق في (التهجد)، ولفظُه هناك: (وإذا قامَ من الليل). (رَبُّ) بمعنى: السيد، والمصلِح، والملِك. (قَيِّمُ)؛ أي: مدبِّرُ، ومقوِّمُ. (نُورُ) أي: المُنَوِّر؛ أي: خالقُه، وهي صفةٌ فعلية. (وَوَعْدُك) عطفٌ على (قولُك) من عطف الخاصِّ على العامِّ. (الحَقُّ)؛ أي: الثابتُ، أو الصدقُ. (ولقاؤك)؛ أي: البعثُ. (أَنَبْتُ)؛ أي: رجعتُ إلى عبادتك، أو فَوَّضْتُ إليك.

9 - باب قول الله تعالى: {وكان الله سميعا بصيرا}

(وبك)؛ أي: ببراهينك التي أعطيتني. (خاصمتْ)؛ أي: جادلتُ الأعداءَ. (حاكمتُ)؛ أي: مَنْ جحدَ الحقَّ، حاكمتُه إليك؛ أي: جعلتُك الحاكمَ بيني وبينه، لا غيرك مما يتحاكم إليه الجاهلية من صنمٍ ونحوِه. (فاغفر لي) تعليمٌ للأُمة، وسبق فيه فوائدُ كثيرة هناك. الثاني: تفاوت مع ما قبله في قوله: فأنتَ الحقَّ، قبل (وقولُك الحق)؛ أي: الثابتُ المتحقق الوجود على الإطلاق أزلًا وأبدًا. * * * 9 - باب قَولُ اللهِ تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (باب: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]) 7385 / -م - وَقَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ تَمِيمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}. قوله: (وقال الأعمش) وصله أحمدُ في "مسنده"، وابن مندَهْ في "التوحيد".

(وَسِعَ)؛ أي: أدرك؛ لأن السعةَ والضيقَ من صفات الأجسام، وهو منزَّهٌ عنها، وفيه: ردٌّ على المعتزلة في قولهم: سميعٌ بلا سمع، وعلى من قال: معنى السميع أيضًا: العالم بالمسموعات، وإثبات السمع له تعالى على معنى علمه بذلك؛ لأن السمع الذي هو وصولُ الهواء المتموِّجِ إلى العَصَب المفروش في مقعر الصماخ محالٌ عليه تعالى، على أن تعريفَه بذلك مردودٌ؛ لأنه إنما هو حالةٌ يخلقها الله تعالى في الحيِّ، وجرت عادتُه تعالى بأنه لا يخلُقها إلا بواسطة ما ذكر، وأما في العقل، فلا ملازمة بينهما، فلا يحتاج في سماع المخلوق إلى ما ذُكر؛ كما سبق نظيره في البصر: أنه يرى بدون مواجهة، ومقابلة، وخروجِ شعاعٍ ونحوِه مما جرت به العادةُ. (فأنزل الله) كذا وقع ناقصًا، وتمامه في "مسند البزار" وغيره: قالت عائشة: الحمدُ لله الذي وسع سمعهُ الأصوات، جاءت خَوْلَةُ تشتكي زوجَها إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فخفيَ عليَّ أحيانًا بعضُ ما تقول؛ فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -، وذكر الآية. * * * 7386 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ: "ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا"، ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا

أقولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَقَالَ لِي: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ! قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ"، أَوْ قَالَ: "أَلاَ أَدُلُّكَ بِهِ". الحديث الأول: (ارْبَعُوا) بفتح الموحدة، وإهمال العين: ارفقوا، ولا تبالغوا في الجهر. (أصم) في بعضها: (أصمًّا)، ولعله لمناسبة (غائبًا)، وإنما لم يقل: ولا أعمى؛ حتى يناسب (أصم)؛ لأن الغائب أعم؛ لأن الأعمى غائب عن الإحساس بالبصر، فنفى لازمه ليكون أبلغ وأعم. (قريبًا) ذكره بعدَ سميع بصير؛ إذ رُبَّ سامع ومبصرٍ؛ لكن لبعدِه عن المحسوس لم يسمع ولم يبصر، فأثبت القربَ لوجود المقتضي وعدم المانع، ولم يرد بالقربِ قربَ المسافة؛ لأنه تعالى منزه عن الحلول في المكان؛ بل القربُ بمعنى العلم، أو هو مذكور على سبيل الاستعارة. (كنز)؛ أي: كالكنز في نفاسته. (أو) شكٌّ من الراوي. وسبق الحديث في (غزوة خيبر). * * * 7387 - و 7388 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ،

أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، سَمعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ! إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". الثاني: (مغفرة)؛ أي: عظيمة. (من عندِك) للتعظيم -أيضًا-؛ لأن عظمةَ المعطي تستلزمُ عظمةَ العطاء. سبق في (الصلاة)، ووجهُ تعلقه بالترجمة: أن بعض الذنوب مسموعٌ، وبعضها مبصَرٌ، فلا يمكن مغفرتُه إلا بعد السماعِ والإبصار، وقيل: موضع الترجمة: عَلِّمْني دعاء؛ لأنه يقتضي اعتقادَ كونِه سميعًا لدعائه. قال (ش): وما أحسن جمعَه في هذا بينَ قولِ عائشةَ وقولِ أبيها - رضي الله عنهما -! * * * 7389 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حَدَّثَتْهُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَادَانِي قَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ".

10 - باب قول الله تعالى: {قل هو القادر}

الثالث: (وما ردوا)؛ أي: جوابهم لك، وردهم الدِّين عليك، وعدم قبولهم الإسلام، وإنما ناداه بعد رجوعه من الطائف، ويأسه من أهله، ومقصودُ الباب: إثباتُ صفتي السمع والبصر، وهما من الصفات الذاتية من الصفات السبع الوجودية، وهما: صفة غير العلم، وعند حدوث المسموع والمبصَر يحصل التعلق. * * * 10 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} (باب: قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} [الأنعام: 65]) 7390 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّلَمِيُّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ،

وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ، ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ، خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ فِي عَاجلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ". (الاستخارة)؛ أي: صلاة (¬1) الاستخارة ودعاءها، وهو طلبُ الخِيَرَة -بوزن عِنَبَة- اسمٌ من قولك: اختاره الله. (وأستقدِرُك)؛ أي: أطلبُ منك أن تجعلَ لي قدرةً عليه. (بعلمك) الباء فيه، وفي: (بقدرتك) يحتمل أن تكون للاستعانة، وأن تكون للاستعطاف؛ نحو: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص: 17]؛ أي: بحق علمك. (ثم يسميه بعينه)؛ أي: يذكر حاجته مُعَيّنَةً باسمها. (فَاقْدُرْهُ) بضم الدال وكسرها؛ أي: اجعله مقدورًا لي. (ثم رَضِّني به)؛ أي: اجعلْني راضيًا به. ¬

_ (¬1) "صلاة" ليس في الأصل.

11 - باب مقلب القلوب، وقول الله تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم}

11 - باب مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} (باب: مقلِّب القلوب) 7391 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْلِفُ: "لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ". (يحلف)؛ أي: به، فيقول: (ومقلِّب القلوب)؛ أي: مقلِّبِ الخواطر، وناقضِ العزائم؛ فإن قلوبَ العباد تحت قدرته، يقلِّبها كيف يشاء؛ فإن قيل: لِمَ لا يجعل على حقيقته؛ بأن يكون معناه: يا جاعلَ القلبِ قلبًا؟ قيل: لأن استعماله يَنْبُو عنه، وفيه: أن أغراضَ القلب؛ كالإرادة، ونحوها، بخلق الله تعالى، وهذا من الصفات الفعلية، ومرجعُه إلى القدرة، وقيل: سمي القلبُ به؛ لكثرة تقلُّبه من حال إلى حال: وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلَّا لِنَسيِهِ ... وَلَا القَلْبُ إِلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّب * * *

12 - باب إن لله مائة اسم إلا واحدا

12 - باب إِنَّ للهِ مِائَةَ اسْمٍ إلَّا وَاحِدًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ذُو الْجَلَالِ}: العَظَمَةِ، {الْبَرُّ}: اللَّطِيفُ. (باب: إن لله تعالى مئةَ اسمٍ إلا واحدًا) في بعضها: (إلا واحدةً)، وكأنه باعتبار الكلمة، أو التاء للمبالغة في الوحدة؛ كرجل عَلَّامةٍ، وراويَةٍ. * * * 7392 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ". {أَحْصَيْنَاهُ}: حَفِظْنَاهُ. (تسعة وتسعين)؛ لأن الوترَ أفضلُ من الشفع "إن اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ"، ومنتهى الإفراد من غير تكرار تسعةٌ وتسعون؛ لأن مئة وواحدًا يتكرر فيه الواحد، وقوله: (مئة إلا واحدة) إما للتوكيد، ودفع التصحيف، أو الوصف بالعدد الكامل في أول الأمر، وقيل: الكمالُ من العدد في المئة؛ لأن الألوفَ ابتداءُ آحادٍ أُخرى، يدلُّ عليه عشرات الألوف ومئاتُها، وقد استأثر الله تعالى بواحدٍ من المئة، وهو الاسمُ

الأعظم، لم يُطلع عليه عبادَه، كأنه قال: مئة اسم؛ لكن واحدٌ منها يكون عند الله، ويحتمل أن يقال: إن الله هو المستثنى -يعني: له مئة-، فبعد الاسمِ الأعظمِ الذي هو اللهُ له مئةٌ إلا واحدًا. واعلمْ أن هذا العدد إن اعتبرتَ فيه الأسماء بالنسبة إلى الذات، والصفات الحقيقية، فلا تنتهي إلى ذلك، أو إلى غير ذلك، فلا حصرَ له؛ لكن المراد: أن هذه أسماءٌ معينةٌ رُتِّبَ عليها ثوابٌ معين؛ لا أنها كلُّ أسمائه الحسنى، أو يقال: إن معاني الكلِّ راجعة إليها. (أحصاها)؛ أي: حفظَها، وعرفَها؛ لأن العارفَ بها لا يكون إلا مؤمنًا، والمؤمنُ يدخل الجنة لا محالةَ، أو عَدّدها معتقدًا، أو أطاقَ القيامَ بحقها، والعملَ بمقتضاها، والأُولى أَولى للرواية التي ذكرت في (كتاب الدعوات)، وهي: (مَنْ حَفِظَهَا). (دخل الجنة) دخولُها، وإن كان عامًّا لكلِّ من قال: لا إله إلا الله، إلا أن المراد هنا: أن هذا عامةُ ما ينتهي إليه علمُ العلماء من معرفته تعالى؛ أي: فمن أحصاها بلغَ الغاية، فلم يبقَ في علمه مطلبٌ يحول بينه وبين الجنة؛ مر في (كتاب الشروط)، والغرضُ من الباب: إثباتُ الأسماء لله تعالى، وقد اختُلف في أن الاسمَ نفسُ المسمى، أو غيرُه؛ والأصحُّ: لا هو، ولا غيره. * * *

13 - باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها

13 - باب السُّؤَالِ بأَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَالاِسْتِعَاذَةِ بِهَا (باب: السؤال بأسماء الله تعالى، والاستعاذة بها) 7393 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ، فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ، رَبِّ! وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ". تَابَعَهُ يَحْيَى، وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أبي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَزَادَ زُهَيْرٌ، وَأَبَو ضَمْرَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، والدَّرَاوَرْدِيُّ، وأُسامَةُ بنُ حَفْصٍ. الحديث الأول: (بِصَنِفَة) بفتح المهملة وكسر النون وبالفاء. قال الجوهري: وهو جانبُه الذي لا هُدْبَ فيه؛ أي: ينفض فِراشَه قبل أن يدخُل فيه؛ حذرًا من دخول حيةٍ أو عقرب وهو لا يشعر، ويدُه مستورةٌ بحاشية الثوب؛ لئلا يحصُل في يده مكروه إن

كان هناك شيء. (إن أمسكت) إلى آخره، وجهُ تخصيص الرحمة بالإمساك: أنه كنايةٌ عن الموت، فالرحمةُ تناسبه، والحفظ بالإرسال: أنه كناية عن البقاء؛ فالحفظُ مناسبٌ له. (تابعه يحيى) هذا، وما ذكره بعده، تقدَّمَ وصلُه في (الدعوات)، وحاصله: أن سعيدًا روى في الطريقة الأولى، والثالثة، والرابعة عن أبي هريرة بدون واسطة، وفي طريقة عن أبيه أبي كَيْسان بواسطة الأب. * * * 7394 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: "اللَّهُمَّ! بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ"، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". 7395 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "بِاسْمِكَ نَمُوتُ وَنَحْيَا"، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإلَيْهِ النُّشُورُ".

الثاني، والثالث: سبقا في (الدعوات). * * * 7396 - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ! جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا". الرابع: (أن يقدر)؛ أي: أن يتعلق التقدير الأزلي به، وإلا فالقدرُ قديمٌ. (لم يضره)؛ أي: يكون من المخلِصين. وسبق في (باب الوضوء). * * * 7397 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: أُرْسِلُ كلاَبِي الْمُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَأَمْسَكْنَ فَكُلْ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ".

الخامس: (المُعَلَّمَة) الكلبُ المُعَلَّمُ: هو الذي ينزجر بالزجر، وَيَسترسِلُ بالإرسال، ولا يأكلُ منه، ويكون ذلك مرارًا. (فخزق) بالزاي؛ أي: خرج، ونفذ، وطعن فيه، ولو صحت الرواية بالراء، كان المعنى: مرق. وسبق في (كتاب الصيد)، وفيه: وجوبُ ذكرِ اسمِ الله؛ لكن يعارضُه الحديثُ الذي بعده، وهو: * * * 7398 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثًا عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: "اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللهِ وَكُلُوا"، تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ. السادس: (حديث) بالتنوين. (يأتُونَّا) بالإدغام، والفَكِّ. (بِلُحْمَان) بضم اللام: جمع لحم، وفيه: جوازُ أكلِ متروكِ التسمية عندَ الذبح.

(تابعه)؛ أي: تابعَ أبا خالد. (محمدُ بنُ عبدِ الرحمن، والدَّراوَرْدِيُّ، وأُسامةُ) سبق وصلُها في (باب الصيد والذبائح). * * * 7399 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ. السابع: (يُسَمِّي ويُكَبِّرُ)؛ أي: يذكر اسمَ الله، ويقول: الله أكبر. سبق الحديث في (باب العيد). * * * 7400 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبٍ: أنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ صَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْم اللهِ". الثامن: سبق -أيضًا-. * * * 7401 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،

14 - باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَحْلِفُوا بآبائِكُمْ، وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ". التاسع: (بآبائكم) سبقَ أنه لا يعارضه نحو: "أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ"؛ لأنه ليس حلفًا، بل جرى على اللسان عَمودًا للكلام، وحكمةُ النهي عن الحلف بغير الله تعالى: أنه يقتضي تعظيمَ المحلوفِ به، وحقيقة العظمة مختصةٌ بالله تعالى، سبق في (باب اليمين). قال (ط): غرضُه من هذا الباب: أن يُثبت أن الاسمَ هو المسمَّى، وموضعُ الدلالة عليه: أنه قال: باسمكَ وضعتُ، وبكَ أرفعُه، ذكر الاسمَ مرة، ولم يذكره أُخرى، فدلَّ أن معناهما واحد، وأيضًا: لو كان اسمه غيره، لكان معناه: بغيرك وضعتُ، وبغيركَ أحيا وأموتُ، وهلم جَرًّا؛ فإن قيل: فإذا كان اسم الله هو هو، فما معنى: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا"، ونحو ذلك، إذ لا تكون الذات تسعة وتسعين شيئًا؟ قلنا: المراد: التسمية. قال (ك): الحقُّ أنه لا هو، ولا غيره، وقد تقدم. * * * 14 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللهِ وَقَالَ خُبَيْبٌ: وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ، فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى.

(باب: ما يذكر في الذات والنعوت) أي: الأوصاف. (باسمه)؛ أي: ذكر حقيقة الله تعالى بلفظ الذات، أو ذكر الذات متلبسًا باسم الله - عزَّ وجلَّ -. * * * 7402 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أبي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِي -حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ-: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَةً، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضٍ: أَنَّ ابْنَةَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِتَقْتُلُوهُ قَالَ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ: وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا. (حليف)؛ أي: مُعاهد. (ابنة الحارث)؛ أي: ابنِ عامرِ بنِ نوفلِ بنِ عبدِ منافٍ، فَخُبَيْبٌ - رضي الله عنه - كان قتل أباها الحارثَ.

15 - باب قول الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} , وقوله جل ذكره: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}

(اجتمعوا)؛ أي: إخوتُها لقتلِه قصاصًا. (فاستعار) الفاء زائدة، فقد أجاز زيادتها بعضُ النحاة، أو تقديره: استعار، فاستعار، والمذكور مفسِّرٌ للمحذوف، وسبق بطوله في (الجهاد) في (باب هل يستأسر الرجل؟)، وهناك: (استعار) بلا فاء. (ولَسْتُ أُبَالِي) في بعضها: (ما أُبالي)، وليسَ موزونًا إلا بإضافة شيء إليه؛ نحو: أنا. (ذات الإله)؛ أي: في طاعة الله، وسبيل الله، قيل: وليس فيه دليل على الترجمة؛ إذ لم يُرد بالذات الحقيقة التي قصدَها البخاريُّ، بقرينة ضمِّ الصفة إليها، وقد يجاب: بأن غرضَه: جوازُ إطلاق الذات بالجملة. * * * 15 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} , وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28]) 7403 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ

أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ". الحديث الأول: (أَغْيَر) غَيْرَةُ الله تعالى هي كراهيةُ الإتيانِ بالفواحش؛ أي: عدمُ رضاه به، لا عدمُ الإرادة، وقيل: الغضبُ لازمُ الغيرة؛ أي: غضبُه عليها، ثم لازمُ الغضبِ: إيصالُ العقوبة عليها. (أحَبَّ) بالنصب. (المدح) فاعل به، وهو مثل (¬1) مسألة الكحل، وفي بعضها: (أحَبُّ) بالرفع بمعنى: محبوب، لا بمعنى مُحِبّ. وسبق آخر (النكاح). * * * 7404 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، هُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهْوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي". الثاني: (حمزة) بمهملة وزاي. ¬

_ (¬1) في الأصل: "من"، والمثبت من "الكواكب الدراري" (25/ 117).

(يكتب على نفسه)؛ أي: يثبته على نفسه، ويخبر عنه، والمكتوب هو: إن رحمتي تغلبُ غضبي، فقد تنازع الفعلان: كتبَ، ويكتب، في: (على نفسه). (وَضْع) مصدَرٌ بمعنى: موضوع، وفي بعضها بتحريك الضاد، فعلًا ماضيًا. (عنده)؛ أي: في علمه، ولا يصح حملُه على الحقيقة؛ لتنزهه تعالى عن صفات الأجسام. (تغلب) معنى الغَلَبة: الكثرةُ، وساغ ذلك في الرحمة والغضب؛ لأنهما من صفات الأفعال، لا قديمتان؛ أي: تعلُّقُ إرادتي بإيصال الرحمة أكثرُ من تعلُّقها بإيصالِ العقوبة؛ وذلك لأن الرحمةَ من مقتضى صفته، والغضب باعتبار معصيةِ العبد. وسبق الحديثُ أولَ (كتاب بدء الخلق). * * * 7405 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكرَنِي، فَإِنْ ذَكرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".

الثالث: (أنا عند ظَنِّ عبدي بي)؛ أي: إن ظَنَّ أني أعفو عنه، وأغفرُ له، فله ذلك، وإن ظنَّ العقوبةَ والمؤاخذةَ، فكذلك، وفيه: الإشارةُ إلى ترجيحِ جانبِ الرجاءِ على الخوف. (معه)؛ أي: بالعلم؛ إذ هو تعالى منزهٌ عن المكان. (ملأ) بالهمز بوزن جَبَلٍ؛ أي: جماعة، ولا عُلْقة فيه لتفضيل الملائكة على البشر؛ لاحتمال أن يراد بملأ: خيرُ الأنبياء، وأهلُ الفراديس. (شبرًا) (¬1) في بعضها: (بشبر). (هرولةً) (¬2)؛ أي: إسراعًا، وإطلاقُ مثلِ هذه الأمور؛ مجازٌ؛ لاستحالة حقائقها؛ كما دلت عليه البراهينُ العقليةُ والشرعية، فالمرادُ: لوازمها؛ فمعناه: من تقرَّبَ إليّ بطاعة قليلةٍ، أُجازيه بثواب كثير، وكلما زاد في الطاعة، أزيدُ في الثواب، وإن كان كيفية إتيانه بالطاعة على التأنيّ، فإتياني بالثواب على السرعة، فالقصدُ: أن الثوابَ راجحٌ على العمل كَمًّا وكَيْفًا، وهذه الألفاظ مجازٌ على سبيل المشاكلة، وطريق الاستعارة، أو لوازمها؛ كما قررناه أولًا، وهذا من ¬

_ (¬1) "شبرًا" ليس في الأصل. (¬2) "هرولة" ليس في الأصل.

16 - باب قول الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}

الأحاديث القدسية الدالة على كرم [أكرمِ] الأكرمين، فقصدُ البخاري: إطلاقُ النفس بمعنى الذات؛ نعم، الحديثُ الأولُ ليس فيه ذكرُ النفس، فلعله اعتبر استعمال لفظ أحدٍ مقامَ النفس، وهما متلازمان في صحة الاستعمال، لكلٍّ منهما مكان الآخر، والظاهر: أنه كان قبل الباب، فنقله الناسخ إلى هذا الباب؛ لأنه أنسبُ بذلك. قال المهلَّب: أسماءُ الله تعالى ثلاثةُ أنواع: ما يرجع إلى الذات فقط؛ ككونه ذاتًا وموجودًا، وما يرجع إلى إثباب معنى هو صفةٌ قائمة به؛ كالحياة، وما يرجع إلى الفعل؛ كالخلق، والصفاتُ الذاتية بعضُها مع بعض، فهي لا هو، ولا غيره؛ بخلاف الفعلية؛ فإنها متغايرة؛ أي: كالرحمة والغضب. * * * 16 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88]) 7406 - حَدَّثنا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ"، فَقَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ"، قَالَ:

17 - باب قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني}: تغذى، وقوله جل ذكره: {تجري بأعيننا}

{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا أَيْسَرُ". (بوجهك)؛ أي: بذاتك، أو بالوجه الذي لا كالوُجُوه، أو بوجودك، وقيل: الوجهُ زائدٌ، وبالجملة: البرهانُ قائمٌ على استحالةِ مثلِ ذلك فيه تعالى؛ فلا بدَّ من التأويل، أو التفويض. (أيْسَر) هو رواية الأصيليِّ؛ أما ابنُ السكن، فرواه: (هذه أيْسر)، وعند غيره: (هذا أيْسر)، وهو الصحيح، وبه يستقيم الكلام. * * * 17 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}: تُغَذَّى، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (باب: قول الله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]) قوله: (تُغذى) مبني للمفعول بتاء الخطاب، وهو بإعجام الغين والذال تفسيرًا لتصنع، وأما العَيْن، فالمراد منها: المرأى، أو الحفظ؛ لاستحالة إرادة الحقيقة. (بأعيننا) جُمع للتعظيم. 7407 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى

عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ- وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ". الحديث الأول: (ليس بأعورَ) قيل: إشارة إلى نفي العَوَر، وإثباتِ العين؛ لكن لما كان ذلك مستحيلًا حقيقة، وجبَ التفويضُ أو التأويلُ. (عين اليمين) من إضافة الموصوف إلى صفته. (طافيه) شاخصة ناتئة، ضِدّ راسبة. * * * 7408 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، أَخْبَرَنَا قتادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نبَيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ". الثاني: (الأعور الكذاب)؛ أي: الدجال، وكذبه ودعواه الباطلة، وإن كان معلومًا بدلائل لا حصر لها ظاهرة؛ لكن أُريد بالعور: الإشارةُ إلى أمرٍ محسوس يدركه العوامُّ، ومر مباحثُه في (كتاب الأنبياء). * * *

18 - باب {هو الله الخالق البارئ المصور}

18 - باب {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]) 7409 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى -هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ-، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ: أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ وَلَا يَحْمِلْنَ، فَسَألوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ: "مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ قَزَعَةَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خَالِقُهَا". (إسحاق) قال الغساني: هو ابنُ منصور، أو ابنُ راهويه. (المُصْطَلِق) بكسر اللام بعد مهملتين. (سَبايا)؛ أي: إِماء. (ما عليكم)؛ أي: ليس عليكم ضررٌ في ترك العزل، أو: ليس عدمُ الفعل واجبًا عليكم، وقال المبرد: (لا) زائدة. ومرّ تحقيقُه آخر (البيع). (وقال مجاهد) وصله مسلمٌ، وأبو داودَ، والترمذيُّ، والنسائيُّ.

19 - باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي}

(مخلوقة)؛ أي: مقدرة الخلق، أو معلومة الخلق عند الله؛ أي: لا بدَّ من خروجها من العدم إلى الوجود، والخلقُ من صفات الفعل، وهو راجعٌ إلى صفة القدرة. * * * 19 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (باب: قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]) 7410 - حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَجْمَعُ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ! أَمَا تَرَى النَّاسَ؟ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، شَفِّعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكَ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَتقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى، عَبْدًا أَتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ

وَكلَّمَهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى، عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ، فَأَستَاْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ! وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ! وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ! قُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إلا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ"، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الْخَيْرِ ذَرَّةً".

الحديث الأول: (كذلك)؛ أي: مثل الجمع الذي نحن عليه. (لو) جوابها محذوف، أو هي للتمني. (اشفَعْ) في أكثر النسخ: (تُشَفَّعْ)؛ من التشفيع، وهو قبول الشفاعة؛ لكنه لا يناسبُ المقام إلا أن يقال: هو تفعيلٌ للتكثير والمبالغة. (من مكاننا)؛ أي: من الموقف؛ بأن يحاسَبوا ويخلصوا من حرِّ الشمسِ، والغمومِ، والكروبِ، وسائرِ الأهوال. (لست هناكم)؛ أي: ليست لي هذه المرتبةُ والمنزلةُ. (خطيئة) أكلُه من الشجرة. (أول رسول) لا يؤخذ منه أن آدمَ ليس برسول؛ لأنه لم يكن للأرض أهلٌ وقتَ آدمَ، والخطيئةُ دعوتهُ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]. (خطاياه)؛ أي: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء:63]، وقوله: (إنها أختي). (وكلمتُه) لوجوده بمجرد قول: (كن). (وروحُه) لنفخ الروحِ في مريمَ. (محمد)؛ أي: يا محمد. (تُسمع) بالخطاب، وبالغيبَة. (تُشَفّع)؛ أي: تُقبل شفاعتُك.

(فيحدّ لي)؛ أي: يعيِّنُ قومًا مخصوصين للتخليص، وذلك إما بتعيين ذواتهم، وإما ببيان صفاتهم. (حبسَهُ القرآنُ)؛ أي: حكم في القرآن بخلوده، وهم الكفار؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، ونحوه؛ فالإسنادُ فيه مجازيٌّ، وهذا يدلُّ على شفاعته للتخليص من النار، وأولُ الحديث يُشعر بأن الشفاعة في العَرَصات بخلاص جميعِ أهل الموقفِ من أهواله، والجوابُ: أن له شفاعاتٍ متعددةً. وسبق في (سورة بني إسرائيل). (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -) هو داخلٌ في الإسناد السابق، لا تعليقٌ، ولا إرسالٌ، فقد أخرجه في (كتاب الإيمان) عن هشامٍ، عن قتادةَ، عن أنسٍ. (من الخير)؛ أي: الإيمان. (يزن)؛ أي: يَعْدِل. (ذَرّة) بفتح الذال، وفيه: أنه لا بدَّ من التصديق بالقلب، والإقرار باللسانِ للنجاةِ من النار، وبيانُ أفضلية النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على الكل؛ حيث أتى بما خاف منه غيره، وقُبلت شفاعتُه، وهذا هو الحكمة في الترتيب، وعدم الافتتاح بالاستشفاع عنده، وهي الشفاعة الكبرى العامة للخلائق كلهم، وهو المقام المحمود، وأما ما نُسب إلى الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من الخطايا؛ فإما قبل النبوة، أو هي صغائرُ صادرةٌ بالسهو، أو قالوها تواضُعًا، وإن حسناتِ الأبرارِ سيئاتُ المقربين، ونحو ذلك.

قلت: لا معدل عن هذا الجواب؛ فإنهم معصومون مطلقًا، ولو صغيرة سهوًا، وفي الحديث ردٌّ على المعتزلة في نفيهم الشفاعةَ لأصحاب الكبائر. * * * 7411 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَدُ اللهِ مَلأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَقَالَ: عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْمِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ". الثاني: (يد الله) فيه التفويضُ أو التأويلُ؛ إما بكونه كنايةً عن محل عطائه، أو بنحو ذلك. (ملأى)؛ أي: هو غاية في الغِنى، وتحت قدرته ما لا نهاية له من الأرزاق. (لا تغيضُها)؛ أي: لا ينقصُها، فوصفها بالامتلاء؛ لكثرة منافِعها، فهي كالعين التي لا يغيضُها الاستسقاءُ. (سَحَّاء) بمهملتين والمد؛ من السح، وهو الصبُّ والسيلان؛ كأنها لامتلائها بالعطاء تسيلُ أبدًا في الليل والنهار، وفي بعضها:

(سَحًّا) بلفظ المصدر، وعليه اقتصر (ش). (الليلَ والنهارَ) بالنصب فيهما على الظرفية. (ما أنفق)؛ أي: في زمان خلقِ السماوات والأرض حين كان عرشُه على الماء إلى يومنا، ولم ينقص من ذلك شيء، وفي بعضها: (وقال: عرشه على الماء). (الميزان) قال (خ): هو هنا مَثَلٌ لقسمتِه بين الخلائق، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقتر على من يشاء؛ كما يصنعه الوزان عند الوزن. وسبق في (سورة هود). * * * 7412 - حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ"، رَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ عُمَرُ ابْنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سَالِمًا، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا. 7413 - وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ". الثالث: (مقدَّم) بفتح المهملة مشددة.

(الأرض) في بعضها: (الأرضين)، وهو معنى قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67]. * * * 7414 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، وَسُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِن اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ. 7415 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ جَاءَ: رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا

قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. الرابع، والخامس: (رجل) في بعضها: (حبر). (نواجذه) بإعجام الذال: آخر الأضراس، فإما أن ضحكه - صلى الله عليه وسلم - كذا في النادر، وإنما الغالب التبسُّم، فلا يضحكُ قهقهةً، أو المراد بالنواجذ: مطلَقُ الأضراس. وسبقَ الحديثُ والذي قبلَه في (سورة الزمر)، والقصد من الباب: بيانُ ما ورد في اليد مضافة إلى الله تعالى، ونحو هذا من العين والوجه وغيرهما من المتشابه، فيه طريقتا التفويض والتأويل، وهو بناء على الوقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]، أو عدم الوقف، فتؤوّل بما يليق؛ لقيام البرهان على امتناع حقائقها، فتؤوّل اليدُ بالقدرة، يقال: هو في قبضتي؛ أي: في قدرتي، وأحملُ مثلَه بأصبعي: إذا استحقر المحمول جدًّا، وأمّا تثنية (بيدي)، مع أن القدرة واحدة، فمن التمثيل؛ إذ من اعتنى بشيء واهتمَّ بإكماله، باشره بيديه، وبه اندفعَ ما يُقال: إن إبليس -أيضًا- مخلوق بقدرة الله تعالى؛ إذ ليس فيه دلالةٌ على العناية بخلقه، فلآدمَ - عليه الصلاة والسلام - اختصاصٌ ليس لغيره من المخلوقات. * * *

20 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا شخص أغير من الله"

20 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ" وقال عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عن عَبْدِ المَلِكِ: "لا شَخْصَ أغْيَرُ مِنَ الله". (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ) 7416 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ كاتِبِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَاللهِ لأَناَ أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الْجَنَّةَ". (مصفح) من صَفَحَهُ بالسيف: إذا ضربَه بعرضه دونَ حَدِّه، فهو مصفح، والسيفُ مصفَح، ويرويان معًا. (غَيْرَة سعيد) الغيرة -بفتح الغين-: الحميةُ، والأَنَفَة، وكراهةُ المشاركة في محبوبه، فالله تعالى لا يرضى بالمشاركة في عبادته،

فلهذا منعَ عن الشركة، وعن الفواحش، وأرادَ إيصالَ العقاب إلى مرتكبها. قال الإسماعيلي: ليس فيما أورده إطلاقُ هذا اللفظ على الله تعالى، وهذا كما يقول في مدح امرأة: ما في الناس رجلٌ يُشبهها. (أحبّ) بالرفع والنصب. (العذرُ) بالرفع فاعل (أحبَّ)، من مسألة الكحل، والمراد بالعذر: الحجة؛ قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]. (المِدْحَة)؛ أي: من غيره له. (وعد)؛ أي: ليحمد ويمدح على إنعامه لهم بها. وسبق الحديث في (النكاح). (وقال عُبيدُ الله بنُ عمرٍو) وصله الدارميُّ في "مسنده"، ففيه: إطلاقُ الشخص على الله تعالى، وهو بالحقيقة مستحيل. قال (خ): الشخصُ لا يكون إلا جسمًا، ويسمى شخصًا ما كان له شُخوصٌ وارتفاعٌ، ومثلُه يُنفى عن الله تعالى. قال: فخليقٌ أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة، أو هي تصحيف من الراوي؛ لأن في غير هذه من الروايات: (لا شيء)، فهما متقاربان لفظًا، فمن لم يُنعم الاستماع، لم يأمن الوهم، وكثيرٌ منهم يحدِّث بالمعنى، وفي كلام آحادِ الرواةِ منهم خفاءٌ وتعجرُفٌ، وربما أرسل الكلام على بديهة الطبع من غير تأمّل، وتنزيل له على المعنى الأخصّ به، ثم إن عبيد الله

21 - باب {قل أي شيء أكبر شهادة}، وسمى الله تعالى نفسه شيئا، {قل الله}، وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن شيئا، وهو صفة من صفات الله، وقال: {كل شيء هالك إلا وجهه}

منفرد به، لم يتابَعْ عليه. قال (ك): لا حاجةَ إلى تخطئة الرواةِ الثقات؛ بل حكمُه حكمُ سائر المتشابهات، ففيه: التفويضُ أو التأويل، فيؤوَّلُ بلازمه، وهو العالي؛ لأن الشاخص عالٍ مرتفعٌ، أو هو من إطلاق الخاصِّ وإرادةِ العامِّ؛ كالشيء الذي هو في باقي الروايات، وقيل: معناه: لا ينبغي للشخص [أن يكون] أغير من الله تعالى. * * * 21 - باب {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً}، وَسَمَّى اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا، {قُلِ اللَّهُ}، وَسَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ شَيْئًا، وَهْوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ، وَقَالَ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} (باب: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} [الأنعام: 19]) وقوله: (وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآنَ شيئًا)؛ أي: في الحديث الآتي، والقرآن صفة الله تعالى. (إلا وجهه)؛ أي: فالمستثنى المتصلُ داخلٌ تحتَ المستثنى منه، فلولا أنه يُطلق عليه، ما استثني منه، فالشيءُ يساوقُ الموجودَ لغةً وعرفًا، ومرَّ الحديثُ في (النكاح).

22 - باب {وكان عرشه على الماء}، {وهو رب العرش العظيم}

7417 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ: "أَمَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ " قَالَ: نعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا. * * * 22 - باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}، {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}: ارْتَفَعَ، {فَسَوَّاهُنَّ}: خَلَقَهُنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اسْتَوَى}: عَلاَ عَلَى الْعَرْشِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْمَجِيدِ} الْكَرِيمُ، {الْوَدُودُ} الْحَبِيبُ، يُقَالُ: {حَمِيدٌ مَجِيدٌ} كَأَنَّهُ فَعِيل مِنْ مَاجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ. (باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}] هود: 7]) ترجم على ذكر العرش؛ تنبيهًا على أنه مخلوقٌ حادثٌ، واقتفى بابن أبي شيبةَ في إفراده (كتاب العرش). (أبو العالية) بمهملة وياء: هو كنية لتابعيين بصريين يرويان عن ابن عباس، أحدهما: رفيعٌ، والآخر: زيادٌ، وقيل: كلثومٌ.

(المجيد)؛ أي: في قوله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15]. (حميد مجيد) غرضُه: أن مجيدًا فَعيلٌ بمعنى فاعِل، وحَميدًا فعيلٌ بمعنى مفعول؛ فلذا قال: إن مجيدًا من ماجد، وحميدًا من محمود، وفي بعض النسخ: (محمود من حميد)، وفي بعضها: (حميد من حمد)؛ أي: المبني للمفعول، أو الفاعل، وإنما قال: كأنه لاحتمال أن يكون حميد بمعنى حامد، والمجيد بمعنى الممجَّد. قال (ك): وبالجملة: ففي عبارة البخاري تعقيد. * * * 7418 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى، يَا بَنِي تَمِيمٍ! " قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى، يَا أَهْلَ الْيَمَنِ! إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ"، قَالُوا: قَبِلْنَا، جِئْنَاكَ لِنتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ: "كَانَ اللهُ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ"، ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ! أَدْرِكْ نَاقتكَ، فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونها، وَايْمُ اللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.

الحديث الأول: (عن أبي حمزة) بمهملة وزاي. (بشرتنا)؛ أي: بالجنة ونعيمها. (فأعطِنا)؛ أي: شيئًا من الدنيا. (إذ لم يقبلها بنو تميم)؛ أي: فإن قولهم: (بشرتنا) وإن أشعر بالقبول ظاهرًا؛ لكن لما طلبُوا الدنيا، ولم يهتموا بالسؤال عما بشرهم به، ولا عن المبدأ أو المعاد، ولم يعتنوا بضبطها وحفظها، دل على أنهم لم يقبلوا في الحقيقة. (أول هذا الأمر)؛ أي: ابتداء خلق العالم. (ما كان)، (ما) للاستفهام. (وكان عرشه) عطف على (كان الله)، ولا يلزم منه المعية، ولا الترتيب. (الذكر)؛ أي: اللوح المحفوظ. (دونها)؛ أي: كانت الناقة من وراء الشراب. وسبق الحديث أول (بدء الخلق). * * * 7419 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا

مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ يَمِينَ اللهِ مَلأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْفَيْضُ -أَوِ: - الْقَبْضُ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ". الثاني: (يمين الله) خص اليمين؛ لأنها في الأكثر مظنةُ العطاء على طريقة المجازِ والاتساعِ. (سَحَّاء) سبق قريبًا. (لم ينقص) في بعضها: (لم يغض). (وعرشه على الماء) جملة حالية من الفاعل. (الفيض) بالفاء: الإعطاء. (أو القبض)؛ أي: بالقاف؛ أي: الإمساك؛ فالأولُ الخفضُ، والثاني: الرفعُ، و (أو) فيه للتنويع، لا للترديد، ويحتمل على بُعد أن يكون شَكًّا من الراوي. وسبق الحديثُ آنفًا. * * * 7420 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: جَاءَ زيدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشكُو، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اتَّقِ اللهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ"، قَالَتْ: عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ، قَالَ: فَكَانَتْ زينَبُ

تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَعَنْ ثَابِتٍ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ}: نزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وَزيدِ بْنِ حَارِثَةَ. الثالث: (أحمد) قال الكلاباذي: هو ابنُ سَيّار، وقال الحاكم: ابنُ النّضر النيسابوري. (يشكو)؛ أي: من أخلاق زوجته زينبَ بنتِ جحشٍ. (نزلت)؛ أي: هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37]. (وكانت)؛ أي: زينب. * * * 7421 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: نزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ فِي زينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ. الرابع: (آية الحجاب)؛ أي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 53].

(عليها)؛ أي: وليمتها. (خبزًا ولحما)؛ أي: كثيرينِ. (أنكحني)؛ أي: حيث قال تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]. (في السماء) إشارة إلى جهة العلو والشرف في الذات والصفات؛ لأن الله تعالى منزَّهٌ عن أن يكون في جهة أو مكان. * * * 7422 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي". الخامس: (قضى الخلقَ)؛ أي: أَتَمَّهُ وأنفذَه. (كتب)؛ أي: في اللوح المحفوظِ ونحوِه. (سبقت) تقدَّم أن السبقَ فيه باعتبار التعلُّق، وهو حادثٌ، وأن سرَّ كثرةِ الرحمة: أن الغضب بصدور المعصية من العبد؛ بخلاف تعلُّق الرحمة؛ فإنها فائقةٌ على الكل دائمًا أبدًا. * * * 7423 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، حَدَّثَنِي هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ جَلَسَ فِيِ أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أفلاَ نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذلِكَ، قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ". الخامس: (وفوقه عرشُ الرحمن) برفع (فوق) كما قيده الأصيلي، وعند غيره بالنصب على الظرفية؛ قاله (ع): وأنكره ابن قُرْقُول، وقال: إنما قيده الأصيلي بالنصب. * * * 7424 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ -هُوَ التَّيْمِيُّ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجدَ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا"، ثُمَّ قَرَأَ:

{ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا}، فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ. السابع: (هذه)؛ أي: الشمس. (فتطلع)؛ أي: في الزمان المستقبل، وذلك عند قيام الساعة، وهو حديث مختصر مما سبق في (كتاب بدء الخلق)، ومن تتمة الحديث تظهر مناسبتُه للترجمة، وأن الاستئذان إنما هو بالطلوع من المشرق لكي يحصل، وذلك في حال السجود. (ثم قرأ: ذلك مستقر لها) القراءة المتواترة المشهورة: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38]، وقراءة ابن مسعود: (وذلك مستقر لها). * * * 7425 - حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ، فتتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}، حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٌ. الثامن: (وقال الليث) تقدَّم في (تفسير براءة).

(وجدت)؛ أي: ذلك مكتوبًا لم أجدها مكتوبةً مع غيره، وإلا، فالقرآن متواتر، ووجهُ الترجمة: تمامُ الآية، {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]. * * * 7425 / -م - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس: بِهَذَا، وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ. التاسع: في معنى ما قبله. * * * 7426 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ". العاشر: (الحليم) من الحِلم، وهي هنا بمعنى لازمِه، وهو تأخير العقوبة؟ لتعذّر معناه الأصلي، وهو الطمأنينة عند الغضب، ووصف العرش بالعظمة من جهة الكم، وبالكرم -أي: الحسن- من جهة

الكيف، فهو ممدوح ذاتًا وصفة، وهذا الذكرُ من جوامع الكلم. سبق بيانُه في (باب الدعاء عند الكرب) من (كتاب الدعوات). * * * 7427 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِم الْعَرْشِ". الحادي عشر: تقدم شرحُه في (كتاب الخصومات)، وأنه لا يلزم من هذه الفضيلة الأفضليةُ مطلقًا. * * * 7428 - وَقَالَ الْمَاجِشُونُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ". (وقال الماجشون) -مثلث الجيم، معرَّب- أصلُه: ماهكون؛ أي: شبيهُ القمر، أو شبيهُ الورد، وهو عبدُ العزيز بنُ عبدِ الله، ووصله أبو داودَ الطيالسيُّ في "مسنده"، وفيه: ردٌّ على أبي مسعودٍ الدمشقيِّ في توهيمِ البخاري فيه. * * *

23 - باب قول الله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه}، وقوله جل ذكره: {إليه يصعد الكلم الطيب}

23 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لأَخِيهِ: اعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَيِّبَ، يُقَالُ: {ذِي الْمَعَارِجِ} الْمَلاَئِكَةُ تَعْرُجُ إِلَى اللهِ. (باب: قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ} [المعارج: 4]) قوله: (إليه يصعد الكلم الطيب)؛ أي: الملائكة بذلك؛ لأن الكلام عرض. (وقال أبو جمرة) بالجيم والراء، موصول في (إسلام أبي ذر) في (الفضائل). (أعلم) من العلم. (لي)؛ أي: لأجلي، ومن الإعلام؛ أي (¬1): أخبرني. (ذي المعارج)؛ أي: ذي الملائكة العارجات إليه. ¬

_ (¬1) "أي" ليس في الأصل.

7429 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صلاَةِ الْعَصْرِ وَصلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِكُمْ، فَيقُولُ: كيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". 7430 - وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْب طَيِّبٍ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ"، وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلَّا الطَّيِّبُ". الحديث الأول: (يتعاقبون)، أي: يتناوبون، وهو على لغة أكلوني البراغيث، أو مؤوّل. (وأتيناهم وهم يصلُّون) هو زيادةٌ على جواب السؤال؛ إظهارًا لبيان قصدهم، واستدراكًا لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30]، وأما تعاقبُهم في هذين الوقتين؛ فلأنهما وقتا الفراغ من وظيفتي

الليل والنهار، ووقتُ رفعِ الأعمال واجتماعهم؛ ليكون تمام اللطف بالمؤمنين؛ ليكون لهم الشهداء، والسؤالُ لطلبِ اعترافِ الملائكة بذلك، وأما التخصيصُ بالذين باتوا، وترك الذين ظَلُّوا؛ فاكتفاء بذكر إحداهما عن الأُخرى، أو لأن الليل مظنةُ المعصية، ومظنةُ الاستراحة، فلما لم يعصوا، أو اشتغلوا بالطاعة، فالنهار أولى بذلك، وإما لأن حكم طرفَي النهار يُعلم منه حكمُ طرفَي الليل، فذكره كالتكرار. (قال خالد) تقدم وصلُه في (الزكاة)؛ لكن ليس فيه: يصعد، إنما هو بلفظ: (لا يقبل)؛ نعم، هو بعينه في "مسلم". (بعِدل) بالكسر: هو نصفُ الحِمل. قال (خ): عدلُ التمرة: ما يعادِلُها قيمةً، يقال: عدل الشيء: مثلُه في القيامة، وعدلُه: مثله في المنظر. (يمينه) في حسن القبول؛ فإن العادة جارية بأن تُصان اليمين عن الأشياء الدنية الدَّنِسة، وليس فيما يضاف له تعالى يد شمال؛ لأنها محلُّ النقص والضَّعْف، وقد روي: (كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ)، وليس معنى اليدِ الجارحة، إنما هي صفة جاء بها التوقيف، فنُطلقها ولا نُكَيِّفُها، وننتهي حيث ينتهي التوقيف. (فَلُوّه) بفتح الفاء وضمها وشدة الواو: الجحشُ والمُهْرُ إذا فُطما.

7431 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ". الثاني: (يدعو) سماه دعاءً، وهو ذكرٌ وتهليل؛ باعتبار أنه مقدمةُ الدعاء، وأن الدعاء ذكرٌ، لكنه خاصٌّ، فأطلقَه، وأراد العامَّ. وهذا الحديثُ، والحديثان بعدَه لا تعلُّقَ لهن بالترجمة، والأليقُ أن يكنَّ في الباب قبلَه، فَلَعَلَّ الناسخَ نقلها عن محلها؛ بل الباب كلُّه كأنه من تتمة الباب قبلَه؛ لأنهما متقاربان؛ بل متحدان، ويحتمل أن يقال: أراد بهذا وبالثالث: بيان العرج، وبالثاني: لازم لا يجاوز حناجرهم؛ أي: لا يصعد إلى الله تعالى. * * * 7432 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ -أَوْ: أَبِي نُعْمٍ- شَكَّ قَبِيصَةُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ،

عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهْوَ بِالْيَمَنِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، وَبَيْنَ زيدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فتغَضَّبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَالَ: "إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ"، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! اتَّقِ اللهَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ يُطِيعُ اللهَ إِذَا عَصَيْتُهُ؟ فَيَأْمَنِّي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَلَا تَأْمَنُونِي؟ "، فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ، أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْم مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ". الثالث، والرابع: (في تربتها)؛ أي: مستقرة فيها، والتأنيثُ باعتبار إرادةِ قطعةٍ من الذهب، وقد يؤنَّثُ الذهبُ في بعض اللغات. (مُجَاشِع) بضم الميم وبجيم وشين معجمة ثم مهملة. (عُلاثة) بضم المهملة وخفة اللام، وبالمثلثة. (زيد الخيل) أُضيف إليه؛ لشجاعته، وفروسيته، وقيل: لأن

كعبَ بنَ زهير اتهمه بأخذِ فرسِه، وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم -: زيد الخير، وهو ابن مُهَلْهِل -بالضم-. (نَبْهَان) بفتح النون وسكون الموحدة وبنون. (صناديد)، أي: رؤساء، والأربعة من نجدٍ ساداتُ قومهم. (رجل) هو عبد الله ذو الخُوَيْصِرة التميمي. (غائر العينين)؛ أي: عيناه داخلتان في رأسه، لاصقتانِ بقعرِ الحدقة. (ناتئ) بالمثناة، أي: مرتفع. (مشرف الوجنتين)؛ أي: عاليهما. (فيأمنني)؛ أي: يجعلني أمينًا؛ من أمِنَهُ -بكسر الميم- بمعنى: أمّنه -بالتشديد-. (أُراهُ) بالضم؛ أي: أظنه خالدًا، وسبق في (استتابة المرتدين) أنه عُمر، ولا تنافيَ؛ لاحتمال وقوع ذلك من كلٍّ منهما. (ولَّى)، أي: أدبرَ. (ضِئْضِئ) بكسر المعجمتين وسكون الهمزة الأولى: الأصلُ، والنسلُ. (قومًا) في بعضها: (قومٌ)، بإضمار الشأن في (إن)، أو كتب على المنصوب بلا ألف على لغة ربيعةَ في الوقف. (حناجرهم) الحنجرةُ: الحلقوم؛ أي: لا يرتفع في جملة الأعمال الصالحة.

(قتل عاد) وسبق في (المغازي) رواية: (قتل ثمود)، والمراد: الاستئصال بالكلية؛ فإن عادًا استؤصِلَتْ بالريح الصرصر، وثمود أُهلكوا بالطاغية، فذلك، وإن لم يكن فيه قتل؛ لكن المرادَ لازمُه، وهو الهلاك، ويحتمل أن تكون الإضافةُ إلى الفاعل، والمراد: القتل الشديد؛ لأنهم كانوا مشهورين بالشدة والقوة. * * * 7433 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}، قَالَ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ". الخامس: سبق معناه، والقصدُ من الباب: ذكرُ الظواهر المشعِرة بأن الله تعالى في جهة العلوّ؛ لكن حقيقة ذلك محالٌ؛ لتنزُّهه تعالى عن الجهة والمكان؛ ففيه طريقتا التفويض والتأويل؛ لأنه من المتشابه، فتأويلُه بأن المراد: علوُّ ذاته وصفاته، لا الجهةُ والمكان.

24 - باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة}

24 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23]) مقصودُ الباب: ذكرُ الظواهر المشعِرة بأن العبد يرى ربه يوم القيامة، وسبق أنه لا يُشترط في الرؤية عقلًا مواجهةٌ، ولا مقابلةٌ، وخروجُ شعاعٍ من الحدقةِ إليه، وانطباعُ صورة المرئيِّ في حدقة الرائي؛ لأن ذلك أمرٌ عاديٌّ، ومثلُه محالٌ في رؤية الله - عزَّ وجلَّ -؛ فالرؤية حالةٌ يخلقها الله تعالى في الحي بدون ذلك كلِّه. 7434 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، وَهُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ: "إِنَّكمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَمْسِ، فَافْعَلُوا". الحديث الأول: (تضامون) بخفة الميم: من الضيم، وهو الذلُّ والتعبُ والظلمُ؛ أي: لا يضيم بعضُكم بعضًا في الرؤية؛ بأن يدفعه عنه، ونحوه، وبفتح المثناة وضمها وشدة الميم: من الضَّمِّ؛ أي: لا يتزاحمون،

ولا يتنازعون فيها، ولا يختلفون عندها. (تغْلَبوا) بالبناء للمفعول، وتعقيبُ هذه الجملة بالفاء يدلُّ على رجاء الرؤية بالمحافظة على صلاتي الصبح والعصر؛ أي: لتعاقب الملائكة فيهما، أو لأن وقتَ الصبح وقتُ لذة النوم، وصلاة العصر وقتُ الفراغ من الصناعات، وإتمام الوظائف، فهما أشقُّ على النفس، فالمحافظةُ تكون على غيرهما من باب أولى. * * * 7435 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا". الثاني: (عيانًا) نصب على المصدر. * * * 7436 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْن الْجُعْفِي، عَنْ زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ: خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ".

الثالث: (كما ترون هذا)؛ أي: ترونه رؤية محققةً لا شكَّ فيها، ولا تعبَ، ولا خفاءَ كما ترونَ القمرَ؛ فالتشبيهُ للرؤية بالرؤية (¬1)، لا المرئي بالمرئي، ولا الكيفية بالكيفية. * * * 7437 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ " قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونها سَحَابٌ" قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنَّكمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا -أَوْ:- مُنَافِقُوهَا -شَكَّ إِبْرَاهِيمُ- فَيَأْتِيهِمُ اللهُ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي صُورِتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ ¬

_ (¬1) "بالرؤية" ليس في الأصل.

الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجيزُهَا، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُوبِقُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، أَوِ الْمُوثَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ -أَوِ- الْمُجَازَى -أَوْ نَحْوُهُ- ثُمَّ يَتَجَلَّى، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أثَرَ السّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، فَيقُولُ: أَيْ رَبِّ! اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ فَيقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا

سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ! قَدِّمْنِي إِلَى باب الْجَنَّةِ، فَيقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ أَبَدًا؟ وَيْلَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ! مَا أَغْدَرَكَ! فَيقُولُ: أَيْ رَبِّ! وَيَدْعُو اللهَ حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، ويُعْطِي مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى باب الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى باب الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيقُولُ اللهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: ويلَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ! مَا أَغْدَرَكَ، فَيقُولُ: أَيْ رَبِّ! لَا أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللهُ لَهُ تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ، يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ اللهُ: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". 7438 - قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: "ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: "وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ"، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ: "ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَهُ: "ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ"، قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: فَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ. الرابع: (تضارون) بضم المثناة وتشديد الراء: هل تضارون غيركم في حال الرؤية بزحمةٍ أو مخالفة؟ وبتخفيفها؛ أي: هل يلحقُكم في رؤيته ضَيْرٌ، وهو الضرر. (كذلك)؛ أي: واضحًا جليًّا بلا شَكٍّ، ومشقةٍ واختلافٍ. (الطواغيت) جمع طاغوت، وهو الشيطان، أو الصنم. (مُنافِقوها) بَقُوا في زمرة المؤمنين يستترون بهم كما كانوا مستترين بهم في الدنيا؛ حتى ضُرب بينهم بسور له باب. (فيأتيهم)، وهو مجازٌ عن التجلِّي لهم، وقيل: عن رؤيتهم إياه؛ لأن الإتيانَ إلى الشخص مستلزمٌ لرؤيته له. قال (خ): هذه الرؤيةُ غيرُ التي تكون في الجنة ثوابًا للأولياء؛ لأن هذه امتحانٌ للتمييز بين مَنْ عبدَ الله ومَنْ عبدَ غيره، ولا بُعْد أن يكون الامتحانُ باقيًا حتى يُفرغ من الحساب، ويُشبه أن يكون حجبُهم عن تحقيق الرؤية في الكَرَّة الأولى من أجل أن معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية. وقال (ع): أي: يأتيهم بعضُ ملائكته، وهو آخرُ امتحان المؤمنين، فإذا قال لهم المَلَكُ مثلًا: أنا ربكم، رأوا عليه من علامات

الحدوث ما يعلمون أنه ليس ربهم؛ فإن قيل: كيف يقولُ الملكُ: أنا ربكم، وهو كذب؟ قيل: قال (ك): لا نسلِّم أنه معصومٌ من الصغيرة. قلت: وليس هذا الجوابُ بسديدٍ. (في صورته)؛ أي: صفته؛ أي: يتجلى لهم على الصفة التي عرفوه بها. (فيتبعونه)؛ أي: يتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة، أو ملائكته التي تذهب بهم إليها. (ظهري) هو مقحَم للتأكيد. (الصراط) جسرٌ ممدودٌ على مَتْن جهنَّم، أَحَدُّ من السيف، وأَرَقُّ من الشَّعَرِ، يمرّ عليه الناسُ كلُّهم. (وعشرةُ أمثاله) وجهُ الجمع بينه وبينَ ما سبق: أن الله تعالى أعلمَ أولًا بما في حديث أبي هريرة، ثم تكرَّمَ فزادَ بما في رواية أبي سعيدٍ، ولم يسمعه أبو هريرةَ. وفيه مباحثُ تقدَّمت في (الصلاة) في (باب فضل السجود). * * * 7439 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ زيدٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ

صَحْوًا؟ " قُلْنَا: لَا، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْتَيِهِمَا، ثُمَّ قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيقولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ فَيقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ

جَهَنَّمَ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الْجَسْرُ؟ قَالَ: "مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةُ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ، لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيح، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}، "فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافتيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا اِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ إِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ،

فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". 7440 - وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ، فَيقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ، أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، -قَالَ-: فَيقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، -قَالَ-: وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا، أَوَّلَ نبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئتَهُ الَّتِي أَصَابَ، سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلمٍ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ -قَالَ-: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فيقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ثَلاَثَ كلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى، عَبْدًا آتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ وَكلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا -قَالَ-: فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، قَتْلَهُ النَّفْسَ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ،

وَرُوحَ اللهِ وَكَلِمَتَهُ، -قَالَ-: فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، عَبْدًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُؤنِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، فَيَقُولُ: ارْفَعْ، مُحَمَّد! وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، -قَالَ-: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ"، قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ: "فَأَخْرُجُ، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ، مُحَمَّدُ! وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، -قَالَ-: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلّمُنِيهِ، -قَالَ-: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ"، قَالَ قتادَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "فَأَخْرُجُ، فَأُخرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ، مُحَمَّدُ! وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، -قَالَ-: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، -قَالَ-: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ"، قَالَ قَتَادَةُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "فَأَخْرُجُ، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، حَتَّى مَا يَبْقَى

فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، أَيْ: وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ"، قَالَ: ثُمَّ تَلاَ هَذِهَ الآيَةَ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} , قَالَ: وَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نبَيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (إلا كما تضارون) وأنتم لا تضارون في ذلك، فلا تضارون أصلًا. (أصحاب الصليب)؛ أي: النصارى. (وغُبَّرات) بالضم وتشديد الموحدة: جمع الغابر التفاتًا؛ أي: الموجودين من اليهود والنصارى، وهو بالرفع والجر. (السراب) هو الذي يتراءى للناس في القاع المستوي وسطَ النهار في الحرِّ الشديد لامعًا، يحسبه الظمآن ماء. (كذبتم)؛ أي: في جعلِ عُزَيْرٍ ابنَ الله، وإلا، فهم صادقون في عبادتهم له، فالتكذيبُ، وإن لم يكن في نفس إخبارهم بعبادته، فهو فيما تضمَّنَه من نسبة النبوة، أو أنهم ادعوا عبادةً مقيدة، فكذبوا بنفيها بقيدِ أنها مقيدة. (فارقناهم)، أي: الناسَ في الدنيا، وكنا في ذلك الوقت أحوجَ إليهم منا في هذا اليوم، فكلُّ واحد هو المفضل، والمفضل عليه؛ لكن باعتبار زمانين؛ أي: نحن فارقنا أقاربنا وأصحابنا ممن كانوا يحتاج إليهم في المعاش؛ لزومًا لطاعتك، ومقاطعةً لأعداء الدِّين،

وغرضُهم: التضرعُ إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة؛ خوفًا من المصاحبة معهم في النار؛ أي: كما لم نكن مصاحبين لهم في الدنيا، لا نكون مصاحبين لهم في الآخرة. (صورة)؛ أي: صفة، وإطلاقُ الصور للمشاكلة. (الساق) فُسِّر بالشِّدَّة؛ أي: يكشف عن شدةِ ذلك اليوم، وعن الأمرِ المهولِ فيه، وهو مثلٌ تضربُه العربُ لشدة الأمر؛ كما يقال: قامتِ الحربُ على ساق، وقيل: المرادُ به: النور العظيم، وقيل: جمع من الملائكة؛ كما يقال: ساقٌ من الناس، ورِجْل من جَراد، وقيل: ساقٌ يخلقها الله تعالى خارجة عن السوق المعتادة، وقيل: الساقُ بمعنى النفس؛ أي: تتجلى لهم ذاته. (فيكشف) بالبناء للفاعل، والبناء للمفعول. (رياء)، أي: ليراه الناس. (طبقًا)، أي: يصير فَقارُ الظهر فقارةً واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود، وقيل: الطبق: عَظْمٌ رقيق يفصل بين كل فَقارين، واستدلَّ بعضُهم بالحديث على أن المنافقين يرون الله، ولا دليلَ فيه، لأن الكُلَّ يرون الصورة، ثم بعد ذلك يراه المؤمنون دونهم، أو أن بعدَ تمييزهم منهم يراه المؤمنون فقط. (مَدْحَضة) محلُّ ميل الشخص. (مَزلَّة) بكسر الزاي وفتحها: المزلقة؛ أي: تزلق فيه الأقدام،

وهما معًا بفتح الميم، ومعناهما متقارب؛ كالخطاطيف والكلاليب. (وحَسَك) بفتح المهملتين: شوك صلبٌ من حديد، أو كالحديد. (مُفَلْطَحَة)؛ أي: عريضة؛ من فلطح -بالفاء ومهملتين-: إذا عرض، وقال الأصمعي: واسعةُ الأعلى، دقيقةُ الأسفل، وفي بعضها: (مطلفحة)، من طلفحه: إذا أرقه، والطلافح: العراض. (عقيقة) بمهملة وبقاف قبل الفاء؛ أي: معوجة. (المؤمنُ عليها)؛ أي: يمر عليها. (كالطِّرْف) بالكسر: الكريم من الخيل، وبالفتح: البصر، بمعنى: كلمحِ البصر، وهذا أولى؛ لئلا يلزم التكرار. (وكأجاويد) جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو فرس بَيّنُ الجودِ رائعٌ. (والركاب): الإبل، واحدُها راحلة. (سَلَّم) بفتح اللام المشددة. (مخدوش)؛ أي: مخموش ممزَّق. (ومكدوس) بمهملتين؛ أي: مصروع، وفي بعضها بإعجام الشين؛ أي: مدفوعٌ مطرودٌ، وفي بعض الروايات: (مُكَرْدَس) بمهملات؛ من تكردسَتِ الدوابُّ: ركب بعضُها بعضًا؛ أي: إنهم ثلاثة أقسام: قسمٌ مسلَّمٌ لا يناله شيء أصلًا، وقسمٌ يُخدش، ثم يخلص، وقسمٌ يسقط في جهنم.

(مناشدة)؛ أي: مطالبة. (قد تبين) جملة حالية. (من المؤمن) صلةُ (أشدّ). (للجبار) متعلِّق بـ (مناشدة)؛ وكذا: (في إخوانهم)؛ أي: متعلق بـ (مناشدة) -أيضًا- مقدَّرَة؛ أي: ليس طلبكم مني في الدنيا في شأن حق يكون ظاهرًا لكم أشدَّ من طلب المؤمنين من الله تعالى في الآخرة في شأن نجاة إخوانهم من النار، والغرضُ: شدة اعتناء المؤمنين بالشفاعة لإخوانهم. (كانوا) جمع الضمير، وهو عائدٌ للمؤمن المفرد باعتبار إرادة الجنس، والسياق يقتضي أن يقال: إذا رأوا -بلا واو-؛ لكن: (في إخوانهم) مقدَّم عليه حكمًا، وقوله: (إذا رأوا): هو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وذلك إذا رأوا نجاة أنفسهم، و (يقولون) استئنافٌ. قال (ك): هذا غاية الجهد في تحليل هذا التركيب. (نصف دينار) فيه إشارةٌ إلى أن الإيمان يزيد وينقص. (نَهر) بسكون الهاء وفتحها. (بأفواه) جمعُ فُوَّهَة -بالضم وشدة الواو المفتوحة على غير قياس-، وأفواهُ الأزقةِ والأنهارِ: أوائلُها، والمراد: يفتتح مسالك قصور الجنة. (حافَتَيْه) الحافةَ -بتخفيف الفاء-: الجانب.

(الحِبَّة) بكسر الحاء. (الخواتيم) المراد: أشياءُ من الذَّهب تعلَّق في أعناقهم كالخواتيم، علامة يعرفون بها. (كأنهم اللؤلؤ)؛ أي: في صفائهم. (بغير عمل)؛ أي: بمجرد الإيمان دونَ أمرٍ زائدٍ عليه من الأعمال والخيرات، وعُلم منه: أن شفاعة الملائكة، والنبيين، والمؤمنين، فيمن كانت له طاعة غير الإيمان الذي لا يطلع عليه إلا الله. (وقال حجاج) لم يقل فيه: حدثني، ونحوه؛ إما لأنه سمعه منه مذاكرةً لا تحميلًا، وإما أنه كان عَرْضًا ومُناولَةً، كذا قاله (ك)، وهو ظاهر، وجعله بعضُهم تعليقًا، وقال: وصله الإسماعيلي، وأبو نُعيم في "المستخرج". (يَهِموا) من الوَهْم، وفي بعضِها من الهَمِّ؛ بمعنى: القصد، والحزن -بالبناء للفاعل أو المفعول-، وفي "مسلم": (يهتموا)؛ أي: يعتنون بسؤال الشفاعة، وإزالةِ الكربِ عنهم. (لو) جوابها محذوفٌ، أو هي للتمني. (يُريحنا) من الإراحة -بالراء-. (لست هناكم)؛ أي: لست أهلًا لذلكَ، ولا في هذه المنزلة. (أصاب)؛ أي: أصابها.

(أكلَه) منصوب: بدلٌ، أو بيانٌ للخطيئة، أو بفعلٍ مقدرٍ؛ نحو: يعني، وفي بعضها: (ويذكر أكلَه)، بحذف لفظ الخطيئة التي أصاب. (أول نبي) لا يؤخذ منه أن آدمَ ليس نبيًّا، بل كان نبيًّا؛ لكنه لم يكن للأرض أهلٌ يُبعث إليهم، وله أجوبة أُخرى تقدمت. (سؤاله)؛ أي: دعاؤه بقوله: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، والتي لإبراهيم هي: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]، و {فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء: 63]، وهذه أُختي. قال (ع): هذا يقولونه تواضُعًا وتعظيمًا لما يسألونه، وإشارةً إلى أن المقام لغيرهم، ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، ويكون إحالة كُلٍّ على الآخر للوصول بالتدريج إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهم إذا سُئلوا، فامتنعوا واحدٌ بعد واحد، حصل غرضُهم من بيان مرتبته - صلى الله عليه وسلم -، وأن هذا الأمر العظيم ليس لأحدٍ إلا له، وهي الشفاعة العظمى. انتهى. وهذه الخطايا للأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - إما لكونها سهوًا، أو قبلَ نبوتهم، وإمّا تَرْكُ الأولى؛ لوجوب عصمتهم بعد النبوة عن الصغائر العمديّة، وعن الكبائر مطلقًا. قلت: كذا قال (ك)، وتركَ أحسنَ الأجوبة، وهو أنه نزولٌ من مرتبته لمرتبةٍ أخرى أن ذلك سيئة، وإن لم يكن ثَمَّ معصية أصلًا. (وأشفع لهم) فيه اختصار؛ أي: فيشفِّعني، ويفصلُ بينهم، وهذا هو المقامُ المحمودُ، والشفاعةُ العظمى العامةُ، ثم بعدَها شفاعاتٌ خاصة لأُمته، لا تعلُّق لها بما لجأ الناسُ إليه فيه، ولا بدَّ من الحمل

عليه؛ ليتم صدرُ الحديث وعَجُزُه. (حبسه القرآن)؛ أي: نحو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء: 48]، وفيه: أن المؤمن لا يخلد في النار، وأن الشفاعة تنفعُ أصحابَ الكبائر. (وهذا) الإشارةُ للشفاعة الأولى التي لم يصرح بها في الحديث؛ لكن السياق وسائرَ الروايات تدلُّ عليه، وسبق مرات. * * * 7441 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي عَمِّي، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ، وَقَالَ لَهُمُ: "اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ". السادس: (حتى تَلْقَوُا الله) هو المقصودُ من إيراد الحديث في الباب. (على الحوض) راجعٌ على المعطوف، على حدّ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72]؛ لأن الله تعالى منزهٌ عن المكان، فلا يكون على الحوض، أو (على الحوض) ظرفٌ للفاعل، لا للمفعول، وفي أكثر النسخ؛ بل في كلها: (فإني على الحوض)، فسقط السؤال بالكلية.

7442 - حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "اللَّهُمَّ! رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ! لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكلْتُ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ، وَبِكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ"، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ: "قَيَّامٌ"، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقَيُّومُ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَقَرَأَ عُمَرُ: الْقَيَّامُ، وَكِلاَهُمَا مَدْحٌ. السابع: (ولقاؤك)؛ أي: رؤيتُك. (وقال قيس) وصله مسلم، والأربعة. (وأبو الزُّبَير) وصله مسلم، ومالك. (وكلاهما مدح)؛ أي: قَيُّوم وقَيَّام، وكأنه أراد: أنهما صفتا مدح، لا يستعملان في غيره؛ بخلاف قيم؛ فإنه قد تستعمل في الذم، وقال محمد بن فَرْح -بالفاء وسكون الراء ثم مهملة- القرطبيُّ في كتابه

"الأسنى في الأسماء الحسنى": يجوز وصفُ العبد بالقَيّم، ولا يجوزُ بالقَيُّوم، وقال الغزالي في "المقصد الأسنى": القيوم هو: القائمُ بذاته، المقيمُ لغيره، وليس ذلك إلا لله - عزَّ وجلَّ -. قال (ك): وعلى هذا التفسير هو صفة مركبة من صفةِ ذاتٍ، وصفةِ فعلٍ. وسبق الحديث في (التهجد). * * * 7443 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَان، وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ". الثامن: (منكم) الخطابُ للمؤمنين، وقيل: عامٌّ. (تُرْجُمَان) فيه لغات: ضم التاء المثناة والجيم، وفتحُهما، وفتحُ الأولى وضم الثانية. * * * 7444 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ

مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ". التاسع: (جنتان)؛ أي: في قوله تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: 62]، فهو تفسير له، وهو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هما جنتان. (من فضة) هو خبر. (آنيتُهما) ويحتمل أن يكون فاعل فضة كما قال ابنُ مالك في: مررتُ بِوَادٍ أثل كله: أن (كلُّه) فاعل (الأثل) -بالمثلثة-؛ أي: جنتان مفضضٌ آنيتُهما. (على وجهه) من المتشابه، ففيه التفويضُ أو التأويل، فيؤوّل الوجهُ بالذات، والرداءُ بشيء كالرداء من صفاته اللازمة لذاته المقدسةِ عما يُشبه المخلوقاتِ. (وجنة عدن) ظرفٌ للقوم، وليس هذا مخالفًا للترجمة؛ لإشعاره بأن رؤية الله تعالى غيرُ واقعة؛ لأنا نقول: غرضه حاصل؛ لأن المعنى: ما بين القوم وبين النظر إلا هذا، فمفهومُه: بيانُ قربِ النظر، أو: رداءُ الكبرياء لا يكون مانعًا من الرؤية؛ قيل: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاطبُ العرب بما يفهمونه، فيستعمل الاستعاراتِ ليقرب تناولها، فعبر عن زوال المانع عن الإبصار بإزالة الرداء، مرّ في (سورة الرحمن). * * *

7445 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكُ بْنُ أَعْيَنَ، وَجَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، قَالَ عَبْدُ اللهِ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} الآيَةَ. العاشر: (اقتطع)، أي: أخذَ قطعةً لنفسه. * * * 7446 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ثَلاَثةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِم، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءً، فَيقُولُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي، كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ". الحادي عشر: (منع فضل ماء)؛ أي: يمنع الناس من الماء الفاضل عن حاجته.

(ما لم تعمل يداك)؛ أي: ليس حصوله وطلوعه من المنبع بقدرتك؛ بل هو بإنعامِ الله تعالى وفضلِه على العباد، أو المراد: مثلُ الماء الذي لا يكون ظهوره بسعي الشخص؛ كالعيون، والسيول، ولا كماء الآبار، والقنوات، وقد مر الحديثان في (كتاب الشرب). * * * 7447 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعَدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ ذَا الْحَجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ"، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: "وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ

25 - باب ما جاء في قول الله تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين}

رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ"، فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". الثاني عشر: (كهيئته)؛ أي: استدار استدارةً مثلَ حالته يومَ خلق السماوات والأرض، وأراد بالزمان: السَّنة. وسبق الحديث في (العلم) وغيره. * * * 25 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (باب: ما جاء في قول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]) إنما لم يقل: قريبة؛ لأن فَعيلًا بمعنى فاعل قد يُحمل على الذي بمعنى مفعول، والرحمةُ بمعنى الترحُّم، أو صفة لمحذوف؛ أي: شيء قريب، أو لما [كان] وزنه وزنَ المصدر؛ نحو شهيقٍ، وزفيرٍ؛ أُعطي حكمَه في استواء المذكر والمؤنث. * * *

7448 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْضِي، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا، فَأَرْسَلَ: "إِنَّ لِلهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ"، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، فَأَقْسَمَتْ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقُمْتُ مَعَهُ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا ناَوَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّبِيَّ وَنفسُهُ تَقَلْقَلُ فِي صَدْرِهِ، حَسِبْتُهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنَّةٌ، فَبَكَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: أتبْكِي؟ فَقَالَ: "إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ". الحديث الأول: (ابن) سبق في (كتاب اليمين): (بنت)، وسبق بيانه. (يقضي)؛ أي: يموت؛ أي: كان في النزع. (تقلقل)؛ أي: تضطرب بتصويت. * * * 7449 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كيْسَانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبِّهِمَا، فَقَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ! مَا لَهَا لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟ وَقَالَتِ

النَّارُ: -يَعْنِي- أُوثِرْتُ بِالْمُتكَبِّرِينَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي، أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، قَالَ: فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فتقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثَلاَثًا، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فتمْتَلِئُ ويُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ، قَطْ، قَطْ". الثاني: (اختصمت الجنةُ والنار) إما مجازٌ عن حالهما المشابِه للخصومة، وإما حقيقة؛ بأن يخلقَ اللهُ تعالى فيهما الحياةَ والنطقَ ونحوَهما. (ما لها) التفات، وإلا فمقتضى الظاهر: ما لي. (وَسَقَطُهم) بفتحتين؛ أي: ضعفاؤهم الساقطون عن أعين الناس، وهذا باعتبار الأغلب؛ فإنها يدخلها الأنبياءُ، والعلماءُ، والملوكُ العادلة، ولكن الأكثرَ الفقراء والبُلْه وأمثالهم، وقيل: الضعفُ والسقوطُ باعتبار الخضوعِ والتذللِ، والتواضعُ ضدُّ التكبر. (قالت النار) مقولها مقدّر دلَّ عليه ما في سائر الروايات: (يَدْخُلُنِي الجَبَّارُونَ، وَالمُتَكَبِّرُونَ)، وفي بعضها: (أُوثِرْتُ بِالجَبَّارِينَ وَالمُتَكَبِّرِينَ). (ينشئ للنار) سبق في (سورة {ق}) عكسُ هذه الرواية: أن

النار تمتلئ، وأن الجنة ينشئ الله تعالى لها خَلْقًا؛ وكذا هو في "مسلم"، فقال بعضُ الحفاظ: إنما هنا وَهْمٌ، أو غلطٌ انقلبَ على بعض الرواة من الجنة إلى النار، وذلك لأن تعذيبَ غيرِ العاصي لا يليقُ بكرم الله تعالى؛ بخلاف الإنعامِ على غير المطيع. قال (ع): لا ينكر هذا، ففي أحد تأويلات القدم: أنهم قوم تقدَّم في علم الله؛ لكنه يخلقهم لها، وهذا مطابق لمعنى الإنشاء. وقال (ك): لا محذورَ في تعذيب الله تعالى مَنْ لا ذنبَ له؛ إذ القاعدةُ القائلةُ بالحسنِ والقُبْحِ العقليين باطلةٌ، فلو عذبه، لكان عدلًا، والإنشاءُ للجنة لا ينافي الإنشاءَ للنار، والله تعالى يفعل ما يشاءُ. * * * 7450 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، يُقَالُ لَهُمُ: الْجَهَنَّمِيُّونَ"، وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قتادَةٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (سَفع) بفتح المهملة الأولى: لَفْحٌ وَلَهبٌ حصلَ به أثرٌ؛ أي: علامةٌ تغير ألوانهَم، يقالُ: سفعتُ الشيء: إذا جعلتُ له علامةً، وفيه: العفوُ، والرحمةُ، وأن صاحب الكبيرة يخلُص من النار.

26 - باب قول الله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا}

(وقال همام) موصول في (صفة الجنة)، وفي بعضها: (وقال هشام). قال (ك): فقيل: هو الصحيح، وبالجملة: فالفرق بين الطريقين: أن الأولى بلفظ العنعنة، والثانية بلفظ التحديث. * * * 26 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} (باب: قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: 41]) 7451 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالأَنْهَارَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: " {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ". (أُصبع) من المتشابه، وسبق مرات. قال المهلَّب: فإن قيل: الآيةُ مقتضيةٌ أن السماءَ والأرضَ ممسكان

27 - باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق

بغير آلة يُعتمد عليها، والحديث فيه: أنهما ممسكان بالأصبع؟ قلت: لا يلزم منه الإمساكُ بالأصبع، وكيف، ولو كان بالأصبع لتسلسل؛ إذ لا بد للأصبع من ممسك أيضًا، وهلُمَّ جَرًّا. (فضحك) قال (ش): ظن المهلَّب أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وضحكه، ردٌّ على الحبر، وليس كذلك، فقد سبق في رواية: أنه ضحكَ تصديقًا للحبر، والظاهرُ أن الحديثَ تفسيرٌ للآية، والأصابعُ، واليدُ، والقبضةُ في حقه تعالى إما صفاتٌ، وإما راجعةٌ للقدرة؛ على الخلاف، ويحتمل أنه أنكر عليه فهمَه من الأصابع: الجوارح، ولهذا تلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} إلى آخر الآية [الزمر: 67]. * * * 27 - باب مَا جَاءَ فِيِ تَخْلِيقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِها مِنَ الْخَلاَئِقِ وَهْوَ فِعْلُ الرَّبِّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، وَهْوَ الْخَالِقُ، هُوَ الْمُكَوِّنُ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَهْوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ. (باب: ما جاء في تخليق السموات وغيرها من الخلائق) قوله: (وهو)؛ أي: التخليق.

(وأمره)؛ أي: قول: كن، وجاء الأمرُ أيضًا بمعنى الصفةِ والشأنِ. (بصفاته)؛ أي: كالقدرة. (وفعله)؛ أي: كالخلق. (وكلامه) هو من عطف العامِّ على الخاص، وفي بعضِها إسقاطُ لفظ: (وفعله)، وهو الأَوْلى؛ ليصحّ قوله: (غير مخلوق). (مفعول مخلوق مكوّن) إشارة إلى اتحادِ معانيها، وجوازِ الإطلاق عليه. * * * 7452 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونة لَيْلَةً وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا؛ لأَنْظُرَ كَيْفَ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ؟ فتحَدَّثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَرَأَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إِلَى قَوْلهِ {لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، ثُمَّ قَامَ فتوَضَّأَ، وَاسْتَنَّ، ثُمَّ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ. (واسْتَنَّ)؛ أي: استاكَ. وسبق شرحُ الحديث. * * *

28 - باب {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين}

28 - باب {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} (باب: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171]) 7453 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي". الحديث الأول: (كتب)؛ أي: أثبتَ في اللوح المحفوظ. (سبقت) السبقُ بالوصف؛ لأنهما من صفات الأفعال؛ كما تقدم بيانُه قريبًا، وأن حكمةَ سبق الرحمة: أنها من مقتضيات صفته، وَغَضَبُهُ بسبب معصيةِ العبد. * * * 7454 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "أنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ،

حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا". الثاني: (أَن خلق) بفتح الهمزة. قال أبو البقاء: لا يجوز فيه غيرُ ذلك؛ لأن قبلَه: حدثنا، فأنّ وما عملت فيه معمولُ (حدّث)، ولو كُسرت لصار مستأنفًا، وجوز غيرُه الكسرةَ، وقيل: إن الأعمال من الحسنات والسيئات أماراتٌ لا موجبات، وإن مصير العبد إلى ما سبق به القضاء، وجرى به التقدير. ومر الحديث في (الحيض). * * * 7455 - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَا جِبْرِيلُ! مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أكثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ " فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا}، إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: هَذَا كَانَ الْجَوَابَ لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: (بأمر ربك)؛ أي: بكلامه، فبذلك يطابق الترجمة، وقيل: هي

من التنزل؛ لأنه إنما يكون بكلمات الله؛ أي: بوحيه. * * * 7456 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهْوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَسَأَلوهُ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَسِيبِ وَأَنَا خَلْفَهُ، فَظَننتُ أنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا}، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ قُلْنَا لَكُمْ: لَا تَسْأَلوهُ. الرابع: (يحيى) إما ابنُ موسى الخَتّي، وإما ابنُ جعفر البَلْخي. (من أمر ربي)؛ أي: من وحيه وكلامه. قال (ط): علمُ الروح مما لم يشأ الله تعالى أن يُطلعَ عليه أحدًا. وسبق في (العلم). * * * 7457 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ

جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، مَعَ مَا ناَلَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ". (تَكَفّل)؛ أي: أوجب على نفسه تفضُّلًا منه، فهو شبيه بالكفيل الذي يلتزم بالشيء؛ أي: ألزم بملابسة الشهادة إدخال الجنة، وبملابسة الرجع بالأجر والغنيمة، فبالشهادة يدخل الجنة حالًا، وبالرجع يرجع بالأجر وحده، أو به مع الغنيمة، فهي قضية مانعة الخلو، لا مانعة الجمع، والمؤمنون كلهم يدخلون الجنة؛ ولكن المراد بدخوله هنا: عند موته، أو عند دخول السابقين بغير حساب. وسبق في (كتاب الإيمان) مبسوطًا. * * * 7458 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللهِ". السادس: (حميّة)؛ أي: أَنَفَةً ومحافظةً على ناموسه.

29 - باب قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء}

(كلمة الله)؛ أي: كلمة التوحيد، أو حكم الله تعالى بالجهاد، وسبق في (الجهاد). * * * 29 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: إنما أمرنا لشيء إذا أردناه) التلاوة: {إِنَّمَا قَوْلُنَا} [النحل: 40] 7459 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ". (ظاهرين)؛ أي: على الناس، غالبين بالبرهان، أو به وبالسنان. (أمر الله)؛ أي: القيامة أو علاماتها. * * * 7460 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ: أنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ، مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ،

وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ"، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: "وَهُمْ بِالشَّأْمِ"، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: "وَهُمْ بِالشَّأْمِ". الثاني: (أُمَّة)؛ أي: طائفة. (بأمر الله)؛ أي: بحكمه، وهو الحق. (حتى يأتي أمر الله)؛ أي: القيامة، ولا يقال: المعرفة المعادة يكون الثاني منها غير الأول، فكيف تغاير، لأن محله إذا لم يكن قرينة موجبة للمغايرة، أو ذاك في المعرف باللام فقط. (يُخَامِر) بضم الياء وبمعجمة وكسر الميم. وقد سبق الحديثان قبيل (فضائل الصحابة). * * * 7461 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ". الثالث: (في أصحابه) يحتمل عَوْدُ الضمير لمسيلمة، وعودُه للنبي - صلى الله عليه وسلم -،

وسبق في (باب علامات النبوة) ما يشعر بالأول، ولكن الظاهر الثاني. (ولن تعدو)؛ أي: لم تتجاوز، ورواية "مسلم": (لن أتعدى)، ورجح الوَقْشي الأول، وقال (ع): الوجهان جائزان. * * * 7462 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَتَّهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِم! مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا}، قَالَ الأَعْمَشُ: هَكَذا فِي قِرِاءَتِنَا. الرابع: (حرث) بالمثلثة. (أو خرب المدينة) بمعجمة وموحدة، الشكُّ من الراوي. (أن يجيءَ) مفعولٌ له؛ أي: خوفًا منه. (هكذا)؛ أي: بلفظ: (أُوتوا)؛ إذ القراءةُ المشهورةُ: (أُوتيتُم). سبق في (كتاب العلم).

30 - باب قول الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}

قال المهلب: غرضُ البخاري من هذا الباب: الردُّ على المعتزلة في قولهم: أمرُ الله تعالى الذي هو كلامُه مخلوقٌ؛ بأن أمرَه هو قولُه: كُنْ، وهو قديم، وأن الأمرَ غيرُ الخلق. قال (ك): واعلم أن البخاريَّ سها في الترجمة؛ إذ أكثرُ أحاديث الباب لا تدلُّ على الأمر، أو القولِ الذي في الترجمة؛ إذ هو غيرُ ذلك الأمر، فسبحانَ مَنْ لا يجوز عليه السهو. قلت: قد فسر هو الأوامر بقوله: كن، فيكون مرادُ البخاري معنى ذلك، لا عَيْنَهُ؛ فتأمله! * * * 30 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}. {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

31 - باب قول الله تعالى: {تؤتي الملك من تشاء}

(باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} [الكهف: 109]) قوله: (سخر)؛ أي: ذَلَّلَ، وجعلَه مُنقادًا، وهو ما في الآية: {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]؛ أي: كلامه. * * * 7463 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ بِمَا ناَلَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ". (وتصديق كلماته) في بعض: (كلمته)، مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} الآية [التوبة: 111]، والقصد من هذه الأبواب: أن الله تعالى متكلمٌ بالكلام. * * * 31 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}.

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ: نزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ. {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. (باب: في المشيئة والإرادة) الأصحُّ في تعريفها: أنها صفةٌ مخصصةٌ لأحدِ طرفَي المقدورِ بالوقوع، والمشيئةُ ترادفُها، وقيل: هي الإرادة المتعلقة بأحد الطرفين. ({وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]) قد يقال: هنا مغالطة، وهي: إنه يجبُ وقوع جميع ما يريده العبد؛ لأن ما يشاؤه العبدُ مُشاءٌ لله تعالى بالآية، وكلُّ ما شاء اللهُ يجب وقوعُه إجماعًا، فما شاءه العبد يجبُ وقوعه؛ وحَلُّه: أن مفعول يشاء هو المشيئةُ، لا الشيءُ؛ أي: ما تشاؤون شيئًا إلا أن يشاء الله مشيئتَكُم له. (وقال سعيدُ بنُ المُسَيَّب) موصول في (المغازي). (نزلت في أبي طالب)؛ أي: الآية السابقة، وهي: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]. ({وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]) لا يقال: إن فيه إشعار أن بعضَ ما يقع في العالم بغير إرادته تعالى؛ لأن المراد: إنما هو يريد بكم التخيير بين الصوم والإفطار في السفر، ولا يريد بكم العسر في

إلزامكم الصوم، والإلزام غير واقع. * * * 7464 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَعَوْتُمُ اللهَ فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّ اللهَ لَا مُسْتكْرِهَ لَهُ". الحديث الأول: (فاعزموا)؛ أي: اجزِموا، أو اقْطَعوا بذلك، وصَمِّمُوا عليه، ولا تعلِّقوها بمشيئة، وقيل: عزمُ المسألة: الجزمُ بها من غير ضعف في الطلب، وقيل: حسنُ الظنِّ بالله في الإجابة، وقيل: في التعليق صورةُ الاستغناء عن المطلوب منه والمطلوب. (لا مستكرِهَ له)؛ أي: فإن قوله: (إن شئت) يوهمُ إمكانَ إعطائه على غير المشيئة، وليس بعد المشيئة إلا الإكراه، واللهُ تعالى لا مُكْرِهَ له. سبق في (كتاب الدعوات). * * * 7465 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ:

أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُمْ: "أَلاَ تُصَلُّونَ؟ " قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: " {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} ". الثاني: (لهم) باعتبار أن أقلَّ الجمع اثنان، أو هما ومَنْ معهما. (يبعثنا)؛ أي: من النوم إلى الصلاة. (مُدْبِرٌ)، أي: مُوَلٍّ ظهرَه. وفي ضربه فخذَه، وقراءةِ الآية إشارةٌ إلى أن الشخص يجب عليه متابعةُ أحكام الشريعة، لا ملاحظة الحقيقة، ولهذا جعل جوابه من باب الجدل، ومر في (كتاب التهجد)، وأما حديث: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى"، فإنما ذاك لأن آدمَ وموسى حينَ المحاجَجَة لم يكونا في دار التكليف، وأما هنا، ففي دار التكليف. * * * 7466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ، يَفِيءُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أتَتْهَا

الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا، فَإِذَا سَكَنَتِ اعْتَدَلَتْ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُكَفَّأُ بِالْبَلاَءِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَة حَتَّى يَقْصِمَهَا اللهُ إِذَا شَاءَ". الثالث: (انتهى) في بعضها: (ائتها)؛ من الإتيان. (تُكفِّئها) بضم أوله وتشديد الفاء المكسورة مع الهمز: من الإكفاء، وقال (ك): من الإكفاء، ومن الكفو؛ أو: فيكون ثلاثيًّا أيضًا، أي يُحَوِّلُها، أو يُميلُها. (الأَرْزَة) بفتح الهمزة وسكون الراء ثم زاي؛ أي: شجر الصنوبر، وقيل بفتح الراء، وهو الشجر الصلب. ومر أول (كتاب المرضى). * * * 7467 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَم، كمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْلُ الإنْجيلِ الإنْجيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالَ أَهْلُ

التَّوْرَاةِ: رَبَّنَا هَؤُلاَءِ أَقَلُّ عَمَلًا وَأَكْثَرُ أَجْرًا، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ". الرابع: (فيما سلف)؛ أي: في جملة ما سلف؛ أي: نسبة زمانكم إلى زمانهم كنسبة وقت العصر إلى تمام النهار. (قيراطًا قيراطًا) القيراطُ مختلِفٌ؛ ففي مكة: ربعُ سدس دينار، وفي موضع آخر: نصفُ عُشره، والمراد هنا: النصيب، وكُرر؛ ليدل على تقسيم القراريط على جميعهم. (أجركم)؛ أي: من فضل الله، فسمي أجرًا؛ لشبهه بالأجر، لا أن لهم استحقاقًا كما تقوله المعتزلة: الذي بقدر العمل مستحق عليه، والزائدُ فضلٌ. * * * 7468 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ الْمُسْنَدِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ، فَقَالَ: "أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلاَدكُمْ، وَلَا تأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونه بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا

فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللهُ فَذَلِكَ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ". الخامس: (في رهط)؛ أي: النقباء الذين بايعوا في العقبة بمنى قبل الهجرة. (فأُخذ به)؛ أي: عوقب به، فهو مبني للمفعول. (وطَهور)؛ أي: مطهر لذنوبه. سبق في (الإيمان) مبسوطًا. * * * 7469 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ نبَيَّ اللهِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً، فَقَالَ: "لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي، فَلْتَحْمِلْنَ كُلُّ امْرَأَةٍ، وَلْتَلِدْنَ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ"، فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ، فَمَا وَلَدَتْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ، وَلَدَتْ شِقَّ غُلاَمٍ، قَالَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ سُلَيْمَانُ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ، فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ". السادس: (ستون) لا ينافي رواية: (تسعين)، و (سبعين)، ونحوه؛ إذ مفهومُ العدد لا اعتبارَ به. (استثنى)؛ أي: قال: إن شاء الله، فهو استثناء لغوي، أو

كالاستثناء العرفي؛ إذ معنى: تلد إن شاء الله: لا تلد إلا إن شاء الله، فهما متلازمان. وسبق الحديث في (كتاب الأنبياء). * * * 7470 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِي، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، فَقَالَ: "لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ"، قَالَ: قَالَ الأَعْرَابِيُّ: طَهُورٌ؟ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَعَمْ إِذًا". السابع: (محمد) هو ابن سلام، وقال الكلاباذي: البخاري يروي عنه، وعن ابنِ بشارٍ، وابنِ المثنى، وابنِ حَوْشبٍ عن عبدِ الوهاب. (طهور)؛ أي: هذا المرض مطهرٌ لك من الذنوب. (تُزيرهُ) من أزاره: إذ حمله على الزيارة، وهو كناية عن الموت؛ سبق في (علامات النبوة)، يريد: أنه - صلى الله عليه وسلم - يُرَجِّي حياته بقوله: (إن شاء الله)، فلما لم يوافق الأعرابيُّ على ذلك؛ قال: (فَنَعَمْ إِذَنْ)، ودل على أن ذلك قاله - صلى الله عليه وسلم - على طريق الترجي، لا الإخبارِ بالغيب. * * * 7471 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ

بْنِ أَبِي قتادَةَ، عَنْ أَبِيهِ حِينَ ناَمُوا عَنِ الصَّلاَةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ"، فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَتَوَضَّؤُا إِلَى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ، فَقَامَ، فَصَلَّى. الثامن: (الصلاة)؛ أي: الصبح. (وتوضؤوا) بلفظ الماضي. (ابيضَّتْ)، أي: ارتفعت. (فصلَّى)، أي: الفائتةَ قضاءً. * * * 7472 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَالأَعْرَجِ. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، فِي قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِم، فَقَالَ

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ؟ ". التاسع: (استبَّ) افتعل بمعنى التفاعُل. وسبق مباحثُه في (باب الخصومات). * * * 7473 - حَدَّثَنَا إِسحَاقُ بْنُ أَبِي عِيسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجدُ الْمَلاَئِكَةَ يَحْرُسُونها، فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللهُ". العاشر: (يأتيها) يقصد إتيانها. وسبق آخر (الحج). * * * 7474 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ، فَأُرِيدُ -إِنْ شَاءَ اللهُ- أَنْ أَخْتَبِيَ دَعْوتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

الحادي عشر: (دعوة)؛ أي: متحققة الإجابة. سبق أول (الدعوات). * * * 7475 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ، فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَنْزِعَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَنٍ". الثاني عشر: سبق في (الفضائل). * * * 7476 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ -وَرُبَّمَا قَالَ: جَاءَهُ السَّائِلُ - أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: "اشْفَعُوا، فَلْتُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ".

الثالث عشر: (فلتؤجَروا) كأن الظاهرَ تركُ الفاء واللام، ففيه حذف؛ أي: تؤجروا، فلتؤجروا؛ أي: اشفَعُوا، واسعَوْا في قضاء حاجة الناس، يحصلْ لكم الأجرُ، ثم أمر بعد ذلك بتحصيل الأجر، وفيه وجوه أُخرى سبقت في (كتاب الأدب)، وغرضه: أنه - صلى الله عليه وسلم - يحكم بما حكم الله تعالى به من موجبات قضائها، وعدمه، وعليكم أن تشفعوا بما يكون سببَ قضاءِ الحاجة، أو بالتخفيف فيما جاز فيه الشفاعة. * * * 7477 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ: سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، وَلْيَعْزِمْ مَسْئَلَتَهُ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا مُكْرِهَ لَهُ". الرابع عشر: (يحيى) إما ابنُ موسى الخَتّي، وإما ابنُ جعفرٍ البَلْخي. (ولْيَعْزِمْ)؛ أي: ليقطعْ به، ولينجزْه، ولا يعلِّقْه، مرَّ قريبًا وبعيدًا. * * * 7478 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرٌو، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ

ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى: أَهُوَ خَضِرٌ؟ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ الأَنْصَارِيُّ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاس، فَقَالَ: إِنِّي تَمَاريتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ شَأْنهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَا مُوسَى فِي مَلإ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ مُوسَى: لَا، فَأُوحِيَ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}، قَالَ مُوسَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} فَوَجَدَا خَضِرًا، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللهُ". 7479 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ننزِلُ غَدًا -إِنْ شَاءَ اللهُ- بِخَيفِ بَنِي كنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ"، يُرِيدُ الْمُحَصَّبَ.

الخامس عشر: (بَخَيْفِ بني كِنَانةَ)؛ أي: بكسر الكاف، وهو المُحَصّب -بفتح المهملة الثانية-: بين مكةَ ومنى، الخَيْف: ما انحدرَ من غِلَظِ الجبل، وارتفعَ عن مسيلِ الماء. (تقاسَموا)؛ أي: تحالفوا على الكفر؛ أي: على أنهم لا يناكحوا بني هاشم، وبني عبد المطلب، ولا يبايعوهم، ولا يساكنوهم بمكة؛ حتى يسلِّموا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وكتبوا بها صحيفةً، وعلَّقوها على باب الكعبة، وتمامُ القصة مر في (الحج) في (باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - المُحَصّب). * * * 7480 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَاصَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَفْتَحْهَا، فَقَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ الله"، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نقفُلُ وَلَمْ نَفْتَحْ؟ قَالَ: "فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ"، فَغَدَوْا فَأَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ"، فَكَأَنَّ ذَلِكَ أَعْجَبَهُمْ، فتبسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. السابع عشر: (ابن عُمر)؛ أي: ابن الخطاب، وفي بعضها: عمرو -بالواو-؛ أي: ابن العاص، والصوابُ الأول. وسبق الحديث في (غزوة الطائف). * * *

32 - باب قول الله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}، ولم يقل: ماذا خلق ربكم؟

32 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، وَلَمْ يَقُلْ: مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ؟ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ}. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شَيْئًا، فَإِذَا {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}، وَسَكَنَ الصَّوْتُ، عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، وَناَدَوْا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ}. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَحْشُرُ اللهُ الْعِبَادَ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ". (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]) غرضه من الآية؛ بل من الباب كله: إثباتُ كلام الله تعالى القائم بذاته تعالى، وفى ليلُه: أنه قال: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23]، ولم يقل: ماذا خلقَ ربُّكم، وفيه: ردٌّ لقول المعتزلة: إنه متكلم بمعنى: خالقُ الكلامِ في اللوح المحفوظ -مثلًا-؛ وكذا الآية الثانية، ففيها: {إلا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 225]؛ أي: بقولِه وكلامِه.

(وقال مَسْرُوق) موصول في (خلق أفعال العباد). (فُزِّع)؛ أي: أُزيل الخوفُ، فالتفعيلُ للإزالةِ والسَّلْب. (وسكن الصوت)؛ أي: المخلوقُ لإسماع أهلِ السماوات؛ إذ الدلائلُ القاطعةُ قائمةٌ على تنزيهه تعالى عن الصوت؛ لاستلزامه الحدوثَ؛ لأنه من الموجودات السيّالة غير القارّة، وفائدة السؤال بعدَ سماعهم: أنهم سمعوا قولًا، ولم يفهموا معناه كما ينبغي لأجل فزعِهم. (ويذكر عن جابر) علَّقه في (باب الرحلة في العلم) بصيغة الجزم، ووصله أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، وهو في "الأدب المفرد" للبخاري مطولًا. قال (ك): جابرٌ أحدُ المكْثِرين، ومع كثرة روايته، وعلوّ مرتبته، رحل إلى الشام لحديثٍ واحدٍ يسمعه من عبدِ الله بنِ أُنيسٍ الجُهَنيِّ. قال: وأما الحديثُ المرحولُ لأجله، فقيل: هو: "يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ"، إلى آخره، وقيل: ومن تتمته بيانُ المقاصد، وهو ما معناه: أنه لا يدخل أحدٌ الجنةَ، وأحدٌ من أهلِ النارِ يطلبُه بمظلمةٍ، ولا يدخل أحدٌ النارَ، وأحدٌ من أهل الجنة يطلبه بمظلمة؛ حتى اللطمة. ومرَّ شيء منها في (كتاب المظالم). وقال (ط): هو حديثُ الستر على المسلِم، مرّ في (كتاب العلم) في (باب الخروج في طلب العلم). (فيناديهم)؛ أي: يقول، وبه يطابق الترجمة.

(بصوت)؛ أي: مخلوقٍ غيرِ قائمٍ به. قال (ع): المعنى: يجعل مَلَكًا ينادي، أو بخلقِ صوتٍ يسمعُه الناس، فالله تعالى منزهٌ كلامُه عن أن يكون بحرفٍ أو صوتٍ. وقال أبو العباس القرطبي: هذا الحديث والذي قبله غيرُ صحيحين، فكلاهما معلَّق مقطوع، والأولُ موقوفٌ، فلا يُعتمد عليهما في كونه تعالى متكلمًا بصوتٍ، فقد قامت الأدلةُ القاطعةُ على تنزيهِ كلامِه تعالى عن الحروف، والصوتِ. انتهى. وفيما قاله من عدم الصحة نظر! فقد تقدم أن حديث مَسْرُوق موصولٌ في (أفعال العباد)، فتعين ما قاله (ع) من التأويل. (يسمعه مَنْ بَعُد) السرُّ في كونه خارقًا للعادة، وإن كان في سائر الأصوات التفاوتُ بين القريب والبعيد ظاهرٌ؛ ليعلم أنّ المسموع من كلام الله تعالى؛ كما أن موسى - عليه الصلاة والسلام - كان يسمع من جميع الجهات بذلك. (أنا الملك)؛ أي: لا مَلِكَ إلا أنا. (أنا الديَّان)؛ أي: لا مجازيَ إلا أنا، واستفادةُ الحصر من تقريب الخبر، وفي هذا اللفظ الإشارةُ إلى الصفات السبعة: الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام؛ ليمكن المجازاة على الكليات والجزئيات قولًا وفعلًا. * * *

7481 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ" قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: "صَفَوَانٍ، يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ، فَـ {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}. قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ عَلِيٌّ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: نعمْ، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَرَأَ: {فُزِّعَ}؟. قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو، فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لَا، قَالَ سُفْيَانُ: وَهْيَ قِرَاءَتُنَا. الحديث الأول: (عليّ)؛ أي: ابنُ المدينيِّ. (عمرٌو)؛ أي: ابنُ دينار. (ضربت الملائكة)؛ أي: تحركوا متواضعين خاضعين. (خُضْعانًا) جمع خاضع، وقال (خ): مصدرٌ كغُفران، ويروى بالكسر كوِجْدان، وكأن الصوتَ الحاصلَ من ضرب أجنحتهم صوتُ السلسلةِ الحديدِ المضروبةِ على الحجرِ الأملسِ.

(غيره)؛ أي: غير سفيان. (ينفذُهم)؛ أي: زاد لفظ الإنفاذ؛ أي: ينفذ الله تعالى ذلكَ الأمر والقول إلى الملائكة، وفي بعضها من النفوذ؛ أي: ينفذ ذلك إليهم، أو عليهم، ويحتمل أن يريد: أن غيرَ سفيانَ قال: صفَوان -بفتح الفاء-، فيكون اختلاف الطريقين في الفتح والسكون، ويكون لفظ: (ينفذهم) مشتركًا فيه الطريقان. (قال علي) إلى آخره؛ أي: إنه بلفظ التحديث، لا بالعنعنة كما في الطريق الأولى. (قال عمرو: سمعت) يُشعر بأن كلامه كان على وجه الاستفهامِ من سفيان. (نعم)؛ أي: قال سفيان: نعم. (يرفعه)؛ أي: إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ: (فرغ) بالراء والمعجمة؛ أي: لم يبق منه شيء، وقراءته ولم يكن مسموعًا قطعًا لعله يروي جوازَ القراءة بدون السماع إذا كان المعنى صحيحًا. وسبق في (سورة الحجر). * * * 7482 - حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -

يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ"، وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: يُرِيدُ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ. الثاني: (أَذِنَ) بكسر المعجمة؛ أي: استمع، واستماعُ الله مجازٌ عن تقريبِه القارئَ، وإجزالِ ثوابه، وقبولِ قراءته. (لشيء) في بعضها: (لنبيٍّ). (وقال صحابٌ له) لعل المراد: صاحبٌ لأبي هريرة. (يجهر به)؛ أي: المراد بالتغني: الجهرُ به بتحسينِ الصوت، وقال ابنُ عُيَيْنة: المرادُ: الاستغناء عن الناس، وقيل: المراد بالنبي: الجنس، وبالقرآن: القراءة، ومر في (فضائل القرآن)، وكأن البخاري فهم من الأذن: القول، لا الاستماع؛ بدليل أنه أدخله في هذا الباب. * * * 7483 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللهُ: يَا آدَمُ! فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ". الثالث: (فَيُنَادَى) مبني للمفعول. (بعثًا)؛ أي: طائفةً شأنُهم أن يُبعثوا إلى النار، وتمامُه: قال:

33 - باب كلام الرب مع جبريل، ونداء الله الملائكة

وما بعثُ النار؟ قال: "مِنْ كُلِّ ألفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتسْعَةَ (¬1)، وتِسْعِينَ"، قالوا: وأينا ذلك الواحدُ يا رسول الله؟ قال: "فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ألفٌ". ومر في (كتاب الأنبياء) في (باب ذي القرنين). * * * 7484 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ. الرابع: (قَصَب) الدرُّ المجوَّفُ. سبق في وسط (كتاب الفضائل). * * * 33 - باب كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ، وَنِدَاءِ اللهِ الْمَلاَئِكَةَ وَقَالَ مَعْمَرٌ: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ}؛ أَيْ: يُلْقَى عَلَيْكَ، وَتَلَقَّاهُ أَنْتَ؛ أَيْ: تَأْخُذُهُ عَنْهُمْ، وَمِثْلُهُ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}. ¬

_ (¬1) "وتسعة" ليس في الأصل.

(باب: كلام الربِّ - عزَّ وجلَّ - مع جبريل) قوله: (مَعْمَر) قيل: ابنُ المثنى. (إنك لتلقى)؛ أي: في الآية، فسره بقوله: (يلقى عليك) فجبريل - عليه السلام - يتلقى؛ أي: يأخذ من الله تعالى تَلَقِّيًا روحانيًّا، ويلقى محمد - صلى الله عليه وسلم - إلقاءً جسمانيًّا. * * * 7485 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ-، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ويُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ". الحديث الأول: (إسحاق) إما الحنظليُّ، أو الكَوْسَجُ. (إن الله قد أحبَّ) محبةُ الله تعالى: إيصالُ الخير إليه بالتقريب. (أهل السماء) محبةُ الملائكةِ: بالاستغفار والدعاء. (في أهل الأرض)؛ أي: في قلوبهم، ويعلم منه: أن مَنْ كان مقبولَ القلوب، فهو محبوب الله - عزَّ وجلَّ -. * * *

7486 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ-: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". الثاني: سبق في (مواقيت الصلاة)، وقريبًا. * * * 7487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي: أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ، وإِنْ زَنَى؟ قَالَ: "وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى". الثالث: (دخل الجنة) فيه: أن عُصاة الأُمة لا يخلَّدون في النار إن دخلوا فيها، وذكر السرقة والزّنا فيه إشارةٌ إلى معصيتي المالِ والنفسِ، ووجهُ مطابقة الترجمة: أنَّ تبشيرَ جبريل - عليه السلام - لا يكون إلا بإخبار الله - عزَّ وجلَّ - له بذلك، وأمرِه. * * *

34 - باب قول الله تعالى: {أنزله بعلمه والملائكة يشهدون}

34 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: {يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ}: بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَرْضِ السَّابِعَةِ. (باب: قوله تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166]) 7488 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا فُلاَنُ! إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ! أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا". الحديث الأول: (أَوَيْتَ) بالقصر. (فراشِك): مضجَعِك. (أنزلت) الإنزالُ، وإن كان في الأصل تحريكَ الجسمِ من عُلْو إلى سُفل؛ لكن المراد به هنا على إضمار شيء؛ أي: أنزلت حامله، أو أنه استعارة مصرحة في الإنزال، والكتابُ قرينة، أو استعارة مكنية

في الكتاب، وإضافة الإنزال إليه من خواص الأجسام قرينة، وغرض البخاري: جوازُ إسناد الإنزال إلى الله تعالى، وإطلاق المنزل عليه. (الفطرة)؛ أي: فطرة الإسلام، والطريقة الحقّ المستقيمة. (أجرًا)؛ أي: عظيمًا، بدليل التنكير، وفي بعضها: (خيرًا) بدل (أجرًا). وسبق آخر (الوضوء) بفوائده. * * * 7489 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ: "اللَّهُمَّ! مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ وَزَلْزِلْ بِهِمْ"، زَادَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: (الأحزاب)؛ أي: قبائل العرب المجتمعة لمقاتلته - صلى الله عليه وسلم -. (سريع الحساب)، أي: سريع زمان الحساب، أو سريع في الحساب، وعُلم من هذا: أن ذمّه - صلى الله عليه وسلم - السجعَ إنما هو الذي كسجع الكُهَّان في تضمُّنِه باطلًا، وما يحصُلُ بتكلُّفٍ. (وزلزلهم) في بعضها: (وزلزل بهم). (زاد الحميدي) وصله في "مسنده"، ومعنى زيادته: التصريحُ

بالتحديث والسماع. * * * 7490 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ، فَسَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: لَا تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ حَتَّى يَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}: أَسْمِعْهُمْ وَلَا تَجْهَرْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرآنَ. الثالث: (حتى يسمع) مقتضى القياس: حتى لا يسمع؛ لكنه غايةٌ للمنهيِّ، لا للنهي، والقصدُ: أن يكونَ بتوسُّط، لا إفراطٍ ولا تفريطٍ، وكذلك في أحكام الشريعة، فلا يكون في صفاته تعالى مشبِّهًا، ولا معطِّلًا، وفي أفعاله: لا جبريًّا، ولا قدريًّا، وفي المعادِ: لا مُرْجِئًا، ولا وَعيديًّا؛ بل بينَ الخوفِ والرجاءِ، وفي الإمامةِ: لا خارجِيًّا ولا رافضيًّا؛ بل سُنِّيًّا، وفي المال: لا مسرِفًا ولا مُقَتِّرًا، وهكذا. (حتى تأخذوا) قال أبو ذر: فيه تقديمٌ وتأخير؛ أي: أسمعهم حتى يأخذوا عنكَ القرآن، ولا تجهر به. * * *

35 - باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله}، {لقول فصل}: حق، {وما هو بالهزل}: باللعب

35 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}، {لَقَوْلٌ فَصْلٌ}: حَق، {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}: بِاللَّعِبِ (باب: قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15]) قوله: (فصل)؛ أي: من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13]؛ أي: لحقٌّ، وما هو باللعب. * * * 7491 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ". الحديث الأول: (يؤذيني) هو من المتشابِه؛ وكذا اليدُ، والدهرُ؛ فإما أن تفوّض، وإما أن تؤوّلَ بأن المراد من الإيذاء: النسبةُ إليه ما لا يليق به، وباليد: القدرة، وبالدهر: المُدَهّر مقلِّب الدهور، والقرينةُ -بعد الدلائل العقلية على تنزيهه من كونه نفس الزمان-: لفظ: أُقلِّب الليلَ والنهارَ؛ إذ هو كالمبيِّنِ للمقصودِ منه، وفي بعض الروايات بالنصب،

أي: أنا ثابت في الدهر باق فيه، ومثل هذا الحديث يسمى القُدْسِيّ، والقصدُ منه: إسنادُ القولِ إليه. وسبقَ في (سورة الجاثية)، وفي (كتاب الأدب). قال (خ): كانوا يضيفون المصائبَ إلى الدهر، وهم فرقتان: دهريةٌ، ويعترفون بالله تعالى؛ لكن ينزهونه عن نسبة المكارِه إليه، وكلاهما يسبُّ الدهر، ويقولون: تَبًّا له، ونحوَه، فقال تعالى: لا تَسُبُّوه على أنه هو الفاعل؛ فإن الله تعالى هو الفاعل؛ فإذا سببتم الذي أنزلَ بكم المكارَه، رجع إلى الله تعالى، ومعناه: أنا مُصَرِّفُه. * * * 7492 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقُولُ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِم فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخَلُوفُ فَم الصَّائِم أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيح الْمِسْكِ". الثاني: (حدثنا الأعمش) في نسخة: (عن سفيان عن الأعمش)، وهو صحيح؛ لأن أبا نُعيم سمع منه، ومن السفيانَيْنِ عنه. (الصومُ لي) الطاعاتُ، وإن كانت كلُّها لله تعالى، إلا أن الصومَ لم يُعبد به غيرُ الله تعالى؛ بخلاف عبادةِ الكفار بالسجودِ والصدقةِ

ونحوهما تقرُّبًا لآلهتهم، وله أجوبةٌ أُخرى سبقت في (الصوم)، وسبق شرحُه هناك. * * * 7493 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَى رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ! أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَبِّ! وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ". الثالث: (فنادى ربه)؛ أي: قال له، وبه يوافق الترجمة. وسبق مبسوطًا في (الغسل) في (باب من اغتسل عريانًا). * * * 7494 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَتَنَزَّلُ رَبُنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ".

الرابع: (ينزل) في بعضها: (يتنزل)، وهذا من المتشابه؛ لأنه تعالى منزهٌ عن الحركة، والجهة، والمكان؛ فإما التفويضُ، وإما التأويلُ بنزول مَلَكِ الرحمةِ ونحوِه. سبق في (كتاب الدعوات) في (باب الدعاء نصف الليل). * * * 7495 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ: أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". 7496 - وَبِهَذَا الإسْنَادِ: "قَالَ اللهُ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ". الخامس: (نحن الآخِرون)؛ أي: في الدنيا. (السابِقون)؛ أي: في الآخرة، ووجهُ ذكره هنا: ما سبق مراتٍ أن أبا هريرة سمعَه مع الذي بعدَه، فنقله كما سمعه، أو أنه كان في أول صحيفة بعضِ الرواة عن أبي هريرة بالإسناد، فرووه كذلك؛ ولهذا قال بعده: (وبهذا الإسناد)، ثم ذكر المقصود. (أنفقْ)؛ أي: على عباد الله. (أُنفقْ عليك)؛ أي: أُعطيك خَلَفَهُ؛ بل أكثرَ منه أضعافًا مضاعفة.

يحكى عن بعض الصوفية: أنه تصدق برغيفين محتاجًا إليهما، فبعث إليه بعضُ أصحابه بسفرة، وفيها إدامٌ، وثمانيةَ عشرَ رغيفًا، فقال لحاملها: أين الرغيفانِ الآخران؟ قال: كنتُ محتاجًا، فأخذتهما في الطريق منها، فقيل له: بم عرفتَ أنها كانت عشرين؟ قال: من قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]. * * * 7497 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: "هَذِهِ خَدِيجَةُ، أَتَتْكَ بِإِناءٍ فِيه طَعَامٌ -أَوْ- إِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَأَقْرِئْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ". السادس: (عن أبي هريرة، فقال) فيه اختصارٌ من الحديث السابق في (مناقب الصحابة)؛ قال: (أتى جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسولَ الله! هذه خديجةُ قد أتت معها إناءٌ فيه إدامٌ، أو طعام، أو شراب ...) إلى آخره، وعلى كل حال، فالحديثُ موقوف. قلت: بل مُرْسَلُ صحابي؛ لأن مثلَه لا يقولهُ أبو هريرة من قِبَلِ نفسِه، أما قولُه في هذه الرواية: (أو إناء)، فالمراد به: أنه أطلق الإناء، ولم يذكر ما فيه؛ بخلاف الذي قبله، فإن فيه التقييد بأن فيه طعامًا، ولم يوجد في بعض النسخ الثاني، وفي بعضها بدله: (أو

إدام)، وبالجملة فالشكُّ من الراوي. (أو شراب) بالرفع والجر. (قَصَب) هو قصبُ الدُّرِّ المُجَوَّف، وقيل: اصطلاحُ الجوهريين أن يقولوا: قصبٌ من الدُّرِّ، وقصبٌ من الجوهر؛ لخيطٍ منه، وفيه -أيضًا- إشارةٌ إلى قصب سبقِها في الإسلام. (صَخَب) بمهملة ثم معجمة مفتوحتين: صياحٌ ولغط. (نَصَب) هو التعبُ. ووجهُ مطابقته للترجمة: الإقراء؛ إذ معناه: التسليمُ عليها. * * * 7498 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ". (لعبادي) الإضافةُ للتشريف؛ أي: المخلِصين، وفي بعضها: (لِعبَادي الصالحين). مرَّ في (سورة تنزيل السجدة). * * * 7499 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ: أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمعَ ابْنَ عَبَّاسٍ

يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "اللَّهُمَّ! لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَبقَاؤُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ! لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ". الثامن: سبق في (باب التهجد)، وأنه من جوامع الكلم. * * * 7500 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونس بنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَنِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ يُنْزِلُ فِي بَرَاءَتِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نفسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ

يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ}، الْعَشْرَ الآيَاتَ. التاسع: (سَمِعْتُ عُرْوَةَ) إلى آخره؛ قال الزهري: وكلٌّ من الأئمةِ المذكورينَ حدَّثني بعضًا من حديث الإفك عن عائشةَ. (يتكلم) هو محلُّ الترجمة، وسبق بطوله في (الشهادات). * * * 7501 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقُولُ اللهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتبوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةٍ". العاشر: (فلا تكتبوها) المراد: ما لم يصرّ عليه؛ مثل: الخطرات، والوساوس التي لا ثباتَ لها؛ فإن من عزمَ على معصية، ولو بعدَ عشرين سنة، وأصرَّ على فعلها، عصى في الحال؛ كما قاله بعضُ العلماء، وفي الحقيقة لا ينافي هذا ما في الحديث؛ لأنه لم يكتب عليه

السيئة التي أرادها؛ بل المكتوبُ شيء آخرُ، وهو التصميمُ والإصرارُ، لا نفسُ السيئة. (من أجلي)؛ أي: امتثالًا لحكمي، وخالصًا لي، وتكتب له حسنة؛ لأن تركَ المعصية طاعةٌ، وتركَ الشرِّ خيرٌ. (فكتبوها له حسنةً)؛ أي: لأنّ القصدَ إلى الحسنةِ حسنةٌ، وهو عملٌ من الأعمال القلبية. (إلى سبع مئة)؛ أي: منتهيًا إليها، والله تعالى يضاعف لمن يشاء. مرّ في (الرقائق) في (باب مَنْ هَمَّ بحسنة). * * * 7502 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَ: مَهْ؟ قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، يَا رَبِّ! قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ"، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}؟ الحادي عشر: (مَهْ) كلمةُ رَدْعٍ وزَجْرٍ أو استفهامٍ، فقُلبت ألفُها هاء. سبق أولَ (الأدب).

قال مُغُلْطاي: فإن قيل: الفاءُ في (فقال) تقتضي كونَ قولِ الله تعالى عقيبَ الرحم، فيكون حادثًا، قلنا: لما دلَّ الدليل على قدمه، وجب حملُه على معنى إفهامه إياها، أو قاله مَلَكٌ لها بأمره تعالى؛ قال: وقول الرحم: مَهْ، توجُّهه إلى الله تعالى محالٌ؛ فوجب توجُّهه إلى من عاذت الرحمُ بالله تعالى من قطعه. قال (ك): منشأُ الكلامِ الأول قلةُ عقلِه، ومنشأُ الثاني: فسادُ نقله. * * * 7503 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: مُطِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "قَالَ اللهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِي". الثاني عشر: (كافرٌ بي)؛ أي: من قال: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذَا. (ومؤمنٌ بي)؛ أي: من قال: مُطِرْنا بفضلِ الله ورحمتِه. * * * 7504 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ".

الثالث عشر: (لقائي)؛ أي: الموت، تقدم في (الرقائق)، وتمامه: فقالت عائشة، أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموتَ؛ فقال: "لَيْسَ ذَلِكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إذَا حَضَرَهُ المَوْتُ، بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ؛ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، وَالكافِرُ إِذَا حَضَرَهُ، بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ؛ فَكَرِهَ لِقَاءَ اللهِ". * * * 7505 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي". الرابع عشر: (أنا عندَ ظنِّ عبدي بي)؛ أي: إن كان مستظهِرًا برحمتي وفضلي؛ فأرحَمُه بالفضل. * * * 7506 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَأَمَرَ

اللهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ". الخامس عشر: (فَحَرِّقُوهُ) من باب الالتفات، والأصلُ: فحرقوني. سبق في (كتاب الأنبياء) أربع مرات. * * * 7507 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ: أَذْنَبَ ذَنْبًا-، فَقَالَ: رَبِّ! أَذْنبتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ-، فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا -أَوْ: أَذْنَبَ ذَنْبًا-، فَقَالَ: رَبِّ! أَذْنبتُ -أَوْ: أَصَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا- قَالَ: قَالَ: رَبِّ! أَصَبْتُ -أَوْ: أَذْنبتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي -ثَلاَثًا-، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ".

السادس عشر: (فأغفره)؛ أي: الذنب. (أَعَلِمَ) (¬1) بهمزة استفهام، وفعلٍ ماضٍ. (ويأخذ به)؛ أي: يعاقبه، وفيه: قبولُ التوبة، وإن تكررت الذنوب. * * * 7508 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ -أَوْ: فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ-، قَالَ كَلِمَةً -يَعْنِي: أَعْطَاهُ اللهُ مَالًا وَوَلَدًا-، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ -أَوْ: لَمْ يَبْتَئِزْ- عِنْدَ اللهِ خَيْرًا، وَإِنْ يَقْدِرِ اللهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي -أَوْ قَالَ: فَاسْحَكُونِي-، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا"، فَقَالَ نبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ: وَرَبِّي، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَقَالَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: كُنْ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ، قَالَ اللهُ: أَيْ عَبْدِي! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافتكَ -أَوْ: فَرَقٌ مِنْكَ- قَالَ: فَمَا تَلاَفَاهُ أَنْ ¬

_ (¬1) "أعلم" ليس في الأصل.

رَحِمَهُ عِنْدَهَا"، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: "فَمَا تَلاَفَاهُ غَيْرُهَا". فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ، غَيْرَ أنَّهُ زَادَ فِيهِ: "أَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ"، أَوْ كَمَا حَدَّثَ. حَدَّثَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: "لَمْ يَبْتَئِرْ"، وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: "لَمْ يَبْتَئِزْ"، فَسَّرَهُ قتادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ. السابع عشر: (فِيمَنْ سَلَفَ)؛ أي: في جملتهم. (أعطاه الله)؛ أي: هو تفسير لكلمة، وهو تفسير لقوله: (رجلًا). (أَيَّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟) قال أبو البقاء: الصوابُ نصب (أيّ) على أنه خبر (كنت)، وقُدّم لكونه استفهامًا. (خَيْرَ أبٍ) الجيدُ نصبُه على تقدير: كنتَ؛ ليوافقَ الجواب، ويجوزُ الرفعُ على معنى: أنت خيرُ. (يَبْتَئِرْ) يفتعل، من بَأَرَ -بالموحدة-؛ أي: لم يخبأ، وقيل: لم يحم، ولم يعد. قال في "المطالع": وقع للبخاري في (التوحيد): لم يبتئر، أو يبتئز -في الراء والزاي-، وفي بعضها: (لم يأتبر)؛ أي: لم يقدّم، وعندَ الأصيلي: (ينتبر) بالنون؛ أي: لم يقدم لنفسه ذخيرة، ويروى: (ينتهر) بالهاء.

36 - باب كلام الرب - عز وجل- يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم

(فاسحقوني، أو قال: فاسحكوني) هو بمعناه؛ وكذا فاسهكوني. (فاذْروني) من ذرتِ الريحُ الشيءَ، وأذرَتْه: أطارتْه، وأذهبتْهُ. (وربي) قسمٌ من المخبِرِ بذلكَ عنهم؛ تأكيدًا لصدقه، وإن كان محقق الصدق صادقًا قطعًا. وسبق فيه وجوهٌ أُخرى في (الرقائق). (مخافتك) إن نصبَ؛ فعلى إسقاط الخافض. (أو فَرَق)؛ أي: خوفٌ شديد من الراوي فيه. (فَمَا تَلاَفَاهُ) بالفاء: تداركه، و (ما) موصولة؛ أي: الذي تلافاه؛ لئلا ينقلبَ المعنى، أو هي نافية، ولكن (إلا) الاستثنائية محذوفة عند من جَوَّزَ ذلك، أو المراد: ما تلافى عدمَ الابتئار لأجل أن رحمَهُ، أو بأن رحمه. (حدثنا مُعْتَمِرٌ، وقال: لم يَبْتَئِرْ) الأولى بالراء في (يبتئر)، والثانية بالزاي جَزمًا، وفسره قتادةُ بأنه لم يدَّخِر. * * * 36 - باب كَلاَمِ الرَّبِّ - عزَّ وجلَّ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ (باب: كلام الربِّ - عزَّ وجلَّ- يومَ القيامةِ مع الأنبياءِ وغيرِهم) 7509 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا - رضي الله عنه - قَالَ:

سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شُفِّعْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ، فَيَدْخُلُونَ، ثُمَّ أَقُولُ: أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ"، فَقَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَصابعِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الحديث الأول: (شُفِّعْتُ) مبني للمفعول من التشفيع، وهو تفويضُ الشفاعة إليه، والقبول منه - صلى الله عليه وسلم -. (خَرْدلَةٌ)؛ أي: من الإيمان. (أدخلْ) أمرٌ من الإدخال. (كأني أنظرُ)؛ أي: حيث يُقَلِّله، ويشيرُ إلى رأسِ أصبعه بالقلَّة، ومطابقتُه للترجمة: سياق التشفيع، وقوله: (يا ربّ!) والإجابة، مع أن الحديث مختصر. * * * 7510 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلاَلٍ الْعَنَزِيُّ قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنس بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ إِلَيْهِ، يَسْألهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى، فَاستَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا وَهْوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لَا تَسْأَلْهُ

عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ: هَؤُلاَءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، جَاءُوكَ يَسْألونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بإبرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَستَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ، فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ -أَوْ: خَرْدَلَةٍ- مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ

تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنىَ أَدْنَى أَدْنىَ مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ"، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنسٍ، قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ، وَهْوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ، بِمَا حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهِ؟ فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ، فَانتهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضعِ، فَقَالَ: هِيهِ؟ فَقُلْنَا: لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهْوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ، سَنَةً فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تتَّكِلُوا؟ قُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ! فَحَدِّثْنَا، فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الإنْسَانُ عَجُولًا مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ: حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ، قَالَ: "ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُا ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي، لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ". الثاني: (ناس)؛ أي: نحن ناسٌ.

(البصرة) مثلَّثُ الباء. (قصره)؛ أي: بالزاوية على فرسخين من البصرة. (أول)؛ أي: أسبق، وفيه إشعارٌ بأنه أفعل، لا فوعل، وفيه خلافٌ في علم التصريف. (يا أبا حمزة) بمهملة وزاي. (ماج)؛ أي: اضطرب واختلط. (لستُ لها)؛ أي: ليس لي هذه المرتبةُ، وسبق في رواية: أنهم يأتون آدمَ أولًا، ثم نوحًا، ثم إبراهيمَ، فلعل هذا بعدَ أن قال لهم آدم، ثم نوح ذلك، فهو مختصر. (أُمتي)؛ أي: فإنهم إذا خلصوا، خلص الكل، وإلا فالطالبُ ذلك منه عامةُ الخلق. وقال (ع): إن فيه اختصارًا؛ فإنه يسأل أولًا الإراحة من هول الموقف للكلِّ، وذلك المقامُ المحمود الذي له لا لغيره، ثم يُلهمه الله تعالى ابتداءَ كلامٍ وشفاعاتٍ أُخرى خاصةٍ بأُمّتهِ، وهو ما اقتصر عليه هنا. قلت: وقد جاء التصريح في "مسند البزار": أنه يقول: "يَا رَبِّ عجِّلْ عَلَى الخَلْقِ الحِسَابَ"، أفادناه شيخُنا شيخُ الإسلام البُلْقِيني - رحمه الله -. قال المهلب: لفظُ: (فأقولُ: يا رَبِّ أُمّتي) مما زاد سيلمانُ بنُ

حربٍ على سائرِ الرواة. (ذَرَّة) بالفتح والتشديد وصحف شعبةُ فرواها بالضَّم والتخفيف. (أدنى أدنى أدنى)؛ أي: أقل، والتكرارُ للتأكيد، ويحتمل التوزيعَ على الحبة، والخردلة، والإيمان؛ أي: أقل حبة؛ أي: أقل خَرْدَلَة من أقل الإيمان، وفيه دليلٌ على تجزيء الإيمان، والزيادة، والنقصان. (من النّار) كرر -أيضًا- للتأكيدِ والمبالغة، أو للنظرِ للأمور الثلاثة: الحبة، والخَرْدَلة، والإيمان، أو جعل للنار أيضًا مراتب. (الحسن)؛ أي: البصري. (مُتَوَارٍ)؛ أي: مختفيًا من الحجاج. (أبي خَلِيفَة) -بفتح المعجمة وبالفاء- الطائي البصري. (بما) متعلق بـ (مررنا)؛ أي: متلبسين به، وفي بعضها: (فحدَّثنا بما حدثنا). (أخيك)؛ أي: في الدِّين. (هِيْهِ) بكسر الهاءين: كلمةُ استزادةٍ في الحديث، وقد ينوَّنُ في الوصل. (وهو جميع)؛ أي: مجتمع القوى صحيحٌ؛ أي: كان شابًّا. (أن تتكلوا)؛ أي: يعتمدوا على الشفاعة، فيتركون العمل. (وعزتي) هو والثلاثة بعدُ مترادفة ذُكرت للتأكيد، وقيل: الكبير

نقيضُ الصغير، ونقيضُ العظيم الحقيرُ، ونقيضُ الجليل الدقيقُ؛ وبضدِّها تتبينُ الأشياء، والمراد بها: ما يليق به تعالى من لوازمها، وقيل: الكبرياء ترجع إلى كمالِ الذات، والعظمةُ إلى كمالِ الصفات، والجلالُ إلى كمالهما. (من قال: لا إله إلا الله)؛ أي: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن صارت الأولى متضمنةً للثانية كما تطلق: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، والمرادُ: السورةُ بتمامِها، وعُلم من هذا: أن الحبة، والخردلة، ونحوَ ذلك من الإيمان يكون زائدًا على هذا، وإلا، فالنقصُ من ذلك لا يصير به مؤمنًا؛ كالمنافق لا يخلص من النار أبدًا، وقد ذكر هذا الحديث في "الجامع" [في] أكثر من اثني عشر موضعًا: في (باب فضل السجود)، وفي (الزكاة) في (باب من سأل الناس تكثرًا)، وفي (الأنبياء) في (باب نوح)، و (باب إبراهيم)، وفي (التفسير) في (باب: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40])، وفي (باب: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3])، وفي (باب: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79])، وفي (باب الصراط)، وفي (باب صفة الجنة والنار)، وفي (التوحيد) في (باب: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75])، وفي (باب: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22])، وفي هذا الموضعِ وغيرِه، وفي بعضِها مطولًا، وفي بعضِها مختصرًا. * * *

7511 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْوًا، فَيَقُولُ لَهُ ربُهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ! الْجَنَّةُ مَلأَى، فَيقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ: الْجَنَّةُ مَلأَى، فَيقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ". الثالث: (حَبْوًا) هو المشيُ على اليدين. وسبقَ الحديثُ مطوَّلًا. * * * 7512 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونس، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَينَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ". قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ: مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: "وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".

الرابع: (منكم) الخطابُ للمؤمنين. (أيمن) هو الميمنة، والأشأم المشأمة. ومر الحديثُ في (الزكاة). * * * 7513 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَعَلَ اللهُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، إِلَى قَوْلهِ: {يُشْرِكُونَ}. الخامس: (الثرى): الترابُ النَّدِيُّ، وفي (سورة الزمر) زيادة خامس، وهو الشجرُ على أُصبع؛ فهنا اختصارُ، والقصدُ: حقارةُ العالم في قدرته تعالى، وسبق أن الحديثَ من المتشابه؛ فإما التفويضُ أو التأويل. * * * 7514 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ

ابْنِ مُحْرِزٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: كيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: "يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيقُولُ: نَعَمْ، وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيقُولُ: نعمْ، فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ"، وَقَالَ آدَمُ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. السادس: (النجوى)؛ أي: التناجي الذي بين الله تعالى وبين عبده؛ المعنى: يوم القيامة. (بدنو) المرادُ بالدنوِّ: القربُ المعنويُّ، وهو قربُ المرتبة، لا المكانيُّ. (كَنَفَهُ) بفتحتين؛ أي: الساتر؛ أي: حتى تحيط به عنايته التامّة، وهو -أيضًا- من المتشابه، وفيه: فضلٌ عظيم من الله تعالى على عباده المؤمنين. (فيقرِّرهُ)؛ أي: يجعله مُقِرًّا بذلك، أو مستقرًا عليه ثابتًا. (وقال آدم) في هذه الطريقة زيادةُ لفظ: (سمعت). * * *

37 - باب قوله: {وكلم الله موسى تكليما}

37 - باب قَوْلِهِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (باب: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]) 7515 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالاَتِهِ وَكَلاَمِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْر قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". الحديث الأول: (بم)؛ أي: بما، فحذفت الألفُ، وفي بعضها: (ثم) بمثلثة. (فَحَجّ)؛ أي: غلبه في الحُجَّة، وسبق الفرقُ بين هذا وبينَ قصةِ عليٍّ - رضي الله عنه - لما قال: أنفسُنا بيدِ الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] "؛ أن مناظرةَ آدمَ موسى - عليهما السلام - كانت في غيرِ دارِ التكليف، فليس فيها إلا تخجيلُ آدم، والجدل في قصةِ عليّ - رضي الله عنه - في دار التكليف، فصار عليٌّ محجوجًا. * * *

7516 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ الْمَلاَئِكَةَ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْء، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئتَهُ الَّتِي أَصَابَ". الثاني: (خطيئته)؛ أي: قربان الشجرة؛ ومطابقتُه للترجمة: في تمام الحديث، وهو قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (عليكُم بموسى)، وسبقَ بطوله. * * * 7517 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَن شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَسْجدِ الْكَعْبَةِ: "إِنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهْوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتنامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تنامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ

حَتَّى احْتَمَلُوهُ، فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فتوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءَ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ -يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ- ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي مُحَمَّد، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللهُ بِهِ فِي الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ، وَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بابنِي، نِعْمَ الاِبْنُ أَنْتَ! فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ، فَقَالَ: مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا، ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ، قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ، ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الأُولَى: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا

لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ، فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ: إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلاَمِ اللهِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ، ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، حَتَّى جَاءَ سدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَدَناَ الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ (فتدَلَّى)، حَتَّى كَانَ مِنْهُ {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}، فَأَوْحَى اللهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نعمْ، إِنْ شِئْتَ، فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ، فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ: يَا رَبِّ! خَفِّفْ عَنَّا، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! وَاللهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنىَ مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا، فترَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا

وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ ربُكَ، كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيهِ، وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ! إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، فَخَفِّفْ عَنَّا، فَقَالَ الْجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ! قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهْيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهْيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: كيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، قَالَ مُوسَى: قَدْ وَاللهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنىَ مِنْ ذَلِكَ فترَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا مُوسَى! قَدْ وَاللهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللهِ، قَالَ: وَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ". الثالث: (عن شَريْكٍ) في روايته أوهامٌ أنكرها العلماءُ، وقالوا: خلطَ فيها بأشياء من تقديمٍ وتأخيرٍ، ووضعٍ للأنبياء في غيرِ مواضِعهم في السموات، وقد خالفَه الحفاظِ الثقاتِ عن أنس؛ كرواية قتادةَ عنه، وروايةِ ثابتٍ في "مسلم" عنه، فليتمسكْ براوية هذين الإمامين؛ فمنها: قوله: (قبل أن يوحي إليه)، وهو باطل؛ إذ لا خلاف أن الإسراءَ بعدَ النبوة، وأن فرضَ الصلوات حينئذ؛ كذا قاله ابنُ حزم،

وأوله غيرُه بأن المراد: قبل أن يوحي إليه في شأن الصلاة، أو الإسراء، أو نحو ذلك، والتزمَ الشيخُ شهابُ الدين أبو شامةَ أنه قبلَ الوحي على ظاهره؛ لأن الإسراء كان مرتين: قبل النبوة، وبعدها، ومنها: قوله: (ودنا الجبار)، وعائشةُ تروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن الذي دنا فتدلى جبريلُ، وأجابَ ابنُ الجوزيِّ: بأن هذا كان منامًا، وحكمُه حكم غير حكم اليقظة، وهو عجيب؛ فإن رؤيا الأنبياء وحي. قال (ك): وقولُ جبريلَ في جواب بوّاب السماء إذ قال: (أبعث؟: نعم)، صريحٌ في أنه كان بعدَه. (أيهم هو) كان عندَه - صلى الله عليه وسلم - رجلان. قال (ك): قيل: إنهما حمزة، وجعفر - رضي الله عنهما -. (هو خَيْرُهُمْ)؛ أي: مطلوبُك هو خَيْرُ هؤلاء. (خُذُوا خَيْرَهُمْ)؛ أي: المعروجَ به إلى السماء. (وكانت)؛ أي: هذه الرؤيا، أو هذه القصة في: (تلك الليلة) لم يقع شيء آخر فيها؛ فإن قيل: ثبت في الروايات الأُخرى أن الإسراء كان في اليقظة؛ قيل: إن قلنا بالتعدد، فظاهر، أو باتحاده، فيمكن أن يقال: كان أول الأمر وآخره في النوم؛ إذ ليس فيه ما يدلُّ على كونه نائمًا في القصة كلها. (فرغ) بالتشديد. (محشوًا إيمانًا وحكمة) المرادُ بالحشو بهما، مع أنهما مَعْنيان

لا يوصفان بذلك: أن الطستَ كان فيه شيءٌ يحصل به كمالُهما، فالمرادُ: سببهما مجازًا، ونصب محشوًا على الحال من طست، وهو وإن كان نكرة؛ لكن تخصص بالوصف، وهو: من ذهب، أو حال من الضمير في الجار والمجرور؛ لأن التقدير: كائنٌ (من ذهب)، أو مصنوعٌ من ذهب، فنقل الضمير من الوصف لمتعلّقه، وهو الجار والمجرور، ورواه البخاري في (باب الإسراء) بالجر على الصفة، ونصب إيمانًا وحكمةً على التمييز. (لَغاديده) جمع لغدود، أو لغديد -بمعجمة ومهملتين-، وهي لحمةٌ عند اللَّهوات، ويقال لها أيضًا: لغد، والجمعُ لغاد. (يَطَّرِدان): يجريان. (عنصُرُهما) بضم الصاد وفتحها: أصلهما، وهو مرفوع البدلية. (أذْفَر) بمعجمة وفاء وراء؛ أي: جيدٌ إلى الغاية، شديد ذكاء الريحِ، والذَّفَرُ -بالتحريك - يقع على الطَّيِّب، والكريهِ، ويفرَّق بينَهما بما يضاف إليه، ويوصَف به. (وإبراهيم في السادسة) هو من الأوهام؛ فالذي مرّ في أواخر (كتاب الفضائل): أن موسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة. قال (ن): إن كان الإسراء مرتين، فلا إشكالَ، أو مرة واحدة، فلعله وجدَه في السادسة، ثم ارتقى هو أيضًا إلى السابعة. (بتفضيل)؛ أي: بسبب؛ أي: له فضلُ كلام الله تعالى.

(دنا) قيل: مجازٌ عن قربه المعنويِّ، وظهورِ عظيمِ منزلته عند الله تعالى. (فتدلَّى)؛ أي: طلب زيادة القرب. (قابَ قوسينِ) هو منه - صلى الله عليه وسلم -: عبارةٌ عن لطف المحلِّ، وإيضاحِ المعرفة، ومن الله تعالى: إجابتُه، وترفيعُ درجته إليه؛ والقابُ: ما بينَ القوس والسِّيَةِ -بكسر المهملة وخفة الياء-، وهي ما عطف من طرفها، ولكل قوسٍ قابانِ، فقيل: أصلُه: قابي قوس. قال (خ): ليس في هذا الكتاب أبشعُ منه مذاقًا؛ لقوله: (ودنا فتدلَّى)؛ فإن الدنوَّ يوجب تحديدَ المسافة، والتدلِّي يوجب التشبيهَ بالمخلوق الذي تعلق من فوق إلى أسفل، ولقوله: (وهو مكانه)؛ لكن إذا اعتبر الناظر [أول الحديث بآخره] (¬1)، لا يُشكل عليه؛ فإنه كان في الرؤيا، فبعضها مثل ضرب؛ ليتأوّل على الوجه الذي يجب أن يُصرف إليه معنى التعبير في مثله، ثم إن القصة إنما حكاها أنسٌ - رضي الله عنه - بعبارته من تلقاءِ نفسه، لم يعزُها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم إن شُريكًا كثيرُ التفرد بمناكير، لا يتابعه عليها سائر الرواة، ثم إنهم أَوَّلوا التدلِّيَ بتدلِّي جبريلَ بعدَ الارتفاع، حتى رآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - متدلِّيًا كما رآه مرتفعًا، أو تدلَّى محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - شاكرًا لربه - عزَّ وجلَّ - على كرامته، ولم يثبتْ في ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين من "أعلام الحديث" (4/ 1254)، و"الكواكب الدراري" (25/ 207).

شيء صريحًا أن التدلَّيَ مضافٌ إلى الله تعالى، ثم أَوَّلُوا مكانَه بمكانِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (عهد إليك)، أي: أمرك، أو أوصى إليك. (راودت)، أي: طلبت، وأرادت. (وأبدانًا) ذكره بعدَ الأجساد يدلُّ على تغايرهما؛ فالبدنُ من الجسد ما سوى الرأسِ، والأطرافِ. (يلتفت) في بعضها: (يتلفَّتُ). (عند الخامسة)؛ أي: المرة الخامسة؛ فإن قيل: إذا خفف كلَّ مرةٍ عشرةً، وفي الآخرةِ خمسٌ، تكون هذه سادسةً؛ قيل: ليس فيه حصرٌ، وربما خفف بمرة واحدة خمسَ عشرةَ، أو أراد به: عند تمام الخامسة. (لا يبدَّل) لا يعترض بهذا على النسخ؛ فإنه ليس بتبدُّلٍ، بل بيانًا لانتهاء الحكم. (أُمّ الكتاب) هو اللوح المحفوظ. (قد والله راودت) لم تدخل (قد) إلا على الفعل، لكن فُصل بالقسم لتأكيده، وجوابُ القسم محذوف؛ أي: واللهِ لقدْ راودتُ. (أختلف) مضارع، وفي بعضها بلفظ الماضي؛ أي: ترددت، وذهبت، ورجعت. (فاستيقظَ) بلفظ الغائب، وفي بعضها بالمتكلم، وفيه التفاتٌ.

38 - باب كلام الرب مع أهل الجنة

واعلمْ أن وجه تخصيصه بموسى من بين سائر الأنبياء: أنه في السماء السابعة، فهو أولُ من وصل إليه، أو لأن أُمّتَهُ أكثرُ من غيرها، وإيذاؤهم له أكثرُ من غيره، أو لأن دِينَهُ فيه الأحكامُ الكثيرة، والتشريعاتُ الوافرة؛ إذ الإنجيل -مثلًا- أكثرُه مواعظ. وفي الحديث: أن للسماء أبوابًا، وحفظةً، وإثباتُ الاستئذان، ودقُّ الباب، والتصريحُ باسم الداقّ، وترحيبُ أهل الفضلِ عند الملاقاة، وعلوُّ مرتبة نبينا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فوقَ الجميع، وأن الكوثرَ مخلوقٌ اليوم، وشرفُ ماءِ النيل والفرات. والحديثُ مكررٌ أكثر من عشر مرات مختصرًا ومطولًا، أولها في (كتاب الصلاة). * * * 38 - باب كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ (باب: كلام الرب - عزَّ وجلَّ - مع أهل الجنة) 7518 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ:

هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لنا لَا نَرْضَى، يَا رَبِّ! وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ! وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا". الحديث الأول: (والخير في يديك) الشرُّ أيضًا وإن كان بتقديرِه وإرادته؛ لكن ذكر الخير فقط؛ تأدبًا، ومثلُه قوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26]. (أفضل من ذلك)؛ أي: من الإعطاء، ولم يقل: أفضل من كل شيء، فلا يلزم أن يكون أفضل من اللقاء، فجاز أن يكون اللقاء أفضلَ من الرضا، وهو من الإعطاء أو اللقاء مستلزم للرضا، فهو من إطلاق اللازم وإرادةِ الملزوم، فالله تعالى متفضّلٌ على عباده، لا يجب عليه شيء، وثوابُ أعمالهم يقتضي التناهيَ؛ لتناهي الأعمال، فتأبيدُ نعيمِهم فضلٌ من الله تعالى. * * * 7519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ له: أَوَ لَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ،

فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فتبادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجبَالِ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: دُونَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ! فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ"، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَا تَجدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ. الثاني: (أن رجلًا) هو مفعولُ (يحدث). (أوَلَسْتُ) الهمزة للاستفهام، والواو للعطف؛ أي: ما رضيت بما أنت فيه من النعم. (الطرف) بالنصب؛ يعني: نبت قبل طرفة عين، واستوى واستحصد. (وتكويره) التكويرُ: الزيادة والإرادة. (دونك)؛ أي: خُذْه. (لا يشبعُك شيء) لا ينافي قولَه تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: 118]؛ لأن نفي الشبع لا يوجب الجوعَ؛ لأن بينهما واسطةَ الكفاية، قيل: وينبغي أن لا يشبع؛ لأن الشبع يمنع طولَ الأكلِ المستلذ منه مدةَ الشبع، أو المقصودُ منه: بيانُ حرصه، وتركُ القناعة؛ كأنه قال: لا يُشبع عينَك شيء. (الأعرابي) مفردُ الأعراب، وهم جيل من العرب يسكنون

39 - باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والإبلاغ

البوادي، لا زرع لهم ولا استنبات. * * * 39 - باب ذِكْرِ اللهِ بالأَمْرِ وَذِكْرِ الْعِبَادِ بالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالإِبْلاَغِ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، غُمَّةٌ: هَمٌّ وَضِيقٌ، قَالَ مُجَاهِدٌ {اقْضُوا إِلَيَّ}: مَا فِي أنفُسِكُمْ، يُقَالُ: افْرُقِ: اقْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}: إِنْسَانٌ يَأْتِيهِ، فَيَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَهْوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ، وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَهُ. النَّبَأُ الْعَظِيمُ: الْقُرْآنُ، {صَوَابًا}: حَقًّا فِي الدُّنْيَا وَعَمَلٌ بِهِ. (باب: ذكر الله تعالى بالأمر) أي: ذكر الله تعالى عبادَه بأن يأمرَهم بالطاعات.

(وذكر العباد بالدعاء)؛ أي: بأن يدعوا، ويتضرعوا إليه، ويبلغوا رسالاته إلى الخلائق، يعني: أن المراد بذكرهم: الكمالُ لأنفسهم، والتكميلُ للغير، وقيل: الباء في (بالأمر) بمعنى: (مع). (غُمَّةً)؛ أي: المذكور في الآية، وهي قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} الآية [يونس: 71]. (اقضوا)؛ أي: في قوله تعالى: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71]، ففسره مجاهد: باعملُوا؛ أي: ما في أنفسكم من إهلاكي ونحوِه من سائر الشرور، وقال: معنى الآية: فافرق: فاقض؛ يعني: أظهرِ الأمرَ وافصلْه، وميِّزْه بحيثُ لا يبقى غمّةً؛ أي: لا يبقى شبهة وسترة وكتمان، ثم اقض بالقتل ظاهرًا مكشوفًا، ولا تمهلوني بعدَ ذلك، وفي بعضها: (يقال: افرقْ: فاقض)، فلا يكون مسندًا إلى مجاهد، والقصدُ من ذكر هذه الآية في الباب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مذكورٌ بأنه أمر بالتلاوة على الأُمة، والتبليغ إليهم، وأن نوحًا كان يذكِّرُهم بآيات الله وأحكامِه، كما أن المقصود بالآية في هذا الباب: بيانُ كونه تعالى ذاكرًا ومذكورًا بمعنى: الأمر بالدعاء. (إنسان)؛ أي: مشرِك؛ أي: إن أراد مشرك سماعَ كلام الله تعالى، فاعرضْ عليه القرآنَ، وبلِّغْه إليه، وأَمِّنْه عندَ السماع؛ فإن أسلمَ فذاك، وإلا فردَّه إلى مأمنِه من حيثُ أتاك. (النبأ العظيم)؛ أي: في قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ: 1 - 2]؛ أي: فأجبْ عن سؤالهم، وبلِّغ القرآنَ إليهم.

40 - باب قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا}

(صوابًا)؛ أي: في قوله تعالى: {لَا يَتَكَلَّمُونَ} الآية [النبأ: 38]؛ أي: قال حَقًّا في الدنيا، وعملَ به، فإنه يؤذَنُ له يوم القيامة بالتكلُّم، ووجه ذكرِ البخاري ذلك: أن عادته أنه إذا ذكر آيةً مناسبة للمقصود، يذكر معها بعضَ ما يتعلَّق بتلك السورة التي فيها الآية من تفسيرٍ ونحوِه على سبيل التبعية. * * * 40 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} وَقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. وَقَوْلهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}. {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} وَلَئِنْ سَألتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ وَمَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ. فَذَلِكَ إِيمَانُهُمْ وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ. وَمَا ذُكِرَ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأكْسَابِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَّا بِالْحَقِّ: بِالرِّسَالَةِ وَالْعَذَابِ،

{لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ}: الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ، وَإِنَّا لَهُ حَافِظُونَ: عِنْدَنَا، {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ}: الْقُرْآنُ، {وَصَدَّقَ بِهِ}: الْمُؤْمِنُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ. (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} الآية [البقرة: 22]) قوله: {إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106])؛ أي: ما يذكر شيئًا يريد به إيمانًا إلَّا ومعه ما يقتضي أن يكون مشركًا، فلا يكون مؤمنًا، وهذا أحسن من قول (ك): إن الإيمانَ الممتنعَ اجتماعُه مع الكفر الإيمانُ بجميع ما يجبُ الإيمان به؛ أما الإيمانُ بالله تعالى، فيجتمعُ بأنواعٍ من الكفر، وقال عِكْرِمَةُ المفسرُ: إيمانُهم قولُهم: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، وكفرُهم عبادتُهم غيرَهُ. (وما ذكر في خلق أفعال العباد) عطفٌ على ما أُضيف إليه باب، وهو: قول الله تعالى: والكسبُ للعبد، قيل: إن كان مرادُ البخاري بالترجمة ذكرَ نفي الشريك عن الله تعالى، فكان المناسبُ ذكره في (كتاب التوحيد)؛ وجوابه: أن قصدَه: بيانُ أن أفعال العباد بخلقِ الله تعالى؛ إذ لو كانت أفعالهم بخلقهم، لكانوا شركاء لله تعالى، وأندادًا له في الخلق، ولهذا عطف وما ذكر عليه. وفيه: الردُّ على الجهمية؛ حيث قالوا: لا قدرةَ للعبد أصلًا، وعلى المعتزلة؛ حيث قالوا: لا دخلَ لقدرة الله تعالى فيها، إذ المذهبُ الحقُّ: أنْ لا جبرَ، ولا قدر، ولكن أمر الله تعالى بين

الأمرين؛ أي: بخلق الله تعالى، وكسب العبد، وهو قول الأشعرية. لا يقال: فعلُ العبد إن كان بقدرته، فهو القدرُ الذي يقوله المعتزلة، أو لا، فهو الجبر، ولا واسطةَ بين النفي والإثبات؛ لأنا نقول: للعبد قدرة، فلا جبر، وبها يفرق بين النازل من المنارة، والساقط منها، ولكنْ لا تأثير لها؛ بل الفعلُ واقعٌ بقدرة الله تعالى، وتأثير قدرته فيه بعد تأثير إقداره العبدَ عليه، وهو المسمى بالكسب. فإن قيل: القدرةُ صفةٌ تؤثر على وفق الإرادة، فإذا نفيتَ التأثيرَ عنها، فقد نفيتَ القدرةَ؛ لانتفاء الملزومِ بانتفاء اللازم؛ قيل: التعريفُ غيرُ جامعٍ؛ لخروج القدرة الحادثةِ عنه؛ بل التعريفُ الجامعُ صفةٌ يترتَّب عليها الفعلُ أو التركُ عادةً. (ننزل الملائكة) بالنون، ونصب (الملائكة)، فهو استشهاد لكون نزول الملائكة بخلق الله تعالى، وبالمثناة المفتوحة والرفع، فهو لكونِ نزولهم بكسبِهم. (الصادقين)؛ أي: الأنبياء المبلغين للرسالة، وقرينةُ تفسيرهم به: قوله تعالى قبلَه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81]، والقصدُ: أنه لبيان الكسب؛ حيث أسند الفعل إليهم، والميثاق ونحوه. (وصدق به) هو الكسبُ -أيضًا-؛ حيث أُضيف التصديقُ للمؤمن، لا سيما وقد أضاف العمل إلى نفسه؛ حيث قال: عملت. واعلم أن للكسب جهتين أثبتهما بالآيات، وقد اجتمع في كثير

من الآيات؛ نحو: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15]. * * * 7520 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ"، قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ". (مخافة أن يَطْعَمَ معك) جرى على الغالب، فلا أثر لمفهومه؛ إذ شرطُ العمل بالمفهوم: أن لا يكون خرج مخرج الغالب، ولا بيانًا للواقع؛ نحو: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130]، ثم لا شكَّ أنه إذا انضمَّ إليه قلةُ الوثوق بأن الله تعالى هو الرزاق، كان أعظم؛ وكذا الزنا بزوجة الجار؛ فإنه زِنًا، وإبطالٌ لما أوصى الله تعالى به من حفظِ حقوق الجيران، فبدأ بالشرك؛ لأنه أعظمُ الذنوب، ثم ثَنَّى بالقتل؛ لأنه محوٌ للتوحيد، ولم يكتفِ بكونه قتلًا؛ حتى جمعَ بينَه وبينَ وصفِ الولادة، وظلمِ مَنْ لا يعقل، وعلَّتهُ البخلُ؛ فلذلك خصَّه بالذكر من بين أنواع القتل. (حَلِيلَة) بفتح المهملة؛ أي: الزوجة. * * *

41 - باب قول الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}

41 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} [فصلت: 22]) أي: تخافون، وقيل: تحسبون. 7521 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أتَرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ مَا نقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا، وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الآيَةَ. (عبد الله) هو ابنُ مسعودِ. (البيت)؛ أي: الكعبة -شرفها الله تعالى-؛ إذ هو المتبادَرُ إلى الذهن، ويحتملُ الجنسَ. (ثَقَفِيَّان) بمثلثة وقاف مفتوحتين وبفاء، وسبق بيانُها في (فُصِّلَت). (بطونهم) مبتدأ، خبرُه (كثيرةٌ)، إن كان (البطونُ) مرفوعًا،

42 - باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن}

و (كثيرةٌ) مضافةٌ إلى (شحم)، أو (شحم) مبتدأ، و (كثيرةٌ) خبرُه، واكتسب الشحمُ ثانيًا من المضاف إليه إن كانت الكثرة غيرَ مضافة، وقد يكون تأنيث كثيرة وقليلة لتأوّلِ الشحمِ بالشحوم، والفقهِ بالفُهوم. (أترون) بالضم: تظنون. (إن كان يسمع) وجهُ الملازمة: أن جميع المسموعات إلى الله تعالى نسبتُها على السواء، والقصدُ من الباب: إثباتُ علمِ الله تعالى، والسمع، وإبطالُ القياسِ الفاسد في تشبيهه بالخلق في سماع الجهر، وعدمِ سماعِ السرِّ، وإثبات القياس الصحيح؛ حيث شبه السر بالجهر بعلَّةِ مساواةِ الكلِّ إليه، وإنما جعل قائله من جملة قليلي الفقه؛ من حيث إنه لم يقطع بذلك؛ بل شكَّ فيه. * * * 42 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وَ {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}، وَقَوْلهِ تَعَالَى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، وَأَنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاَةِ".

(باب: قول الله - عزَّ وجلَّ-: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]) يخفِضُ ويرفَعُ، ويُعِزُّ ويُذِلُّ. (وأَن حدثه)؛ أي: إحداثه، وسبق بيانُ أن صفاتِ الله تعالى إما سلبيات، وهي التنزيهات، وإما وجودية حقيقية؛ كالعلم، والقدرة، وهي قديمة، وإما إضافية؛ كالخلق، والرزق، وهي حادثة، ولا يلزم من حدوثها تَغَيُّرٌ في ذاته تعالى وصفاته، كما أن تعلُّقَ العلم والقدرة بالمعلومات والمقدورات حادثةٌ؛ وكذا كلُّ صفة فعلية، فعُلم من هذه القاعدة: أن الإنزالَ حادثٌ، والمنزَل قديمٌ باعتبار مدلوله، لا اللفظ الدالّ عليه؛ كما أن القدرة قديمةٌ، وتعلُّقَها حادثٌ. قال المهلب: غرضُ البخاري من الباب: الفرقُ بين وصفِ كلامِه بأنه مخلوق، ووصفِه بأنه حادث بمعنى: لا يجوزُ إطلاقُ المخلوقِ عليه، ويجوزُ إطلاقُ الحادث عليه؛ أي: كما يقوله داودُ الظاهريُّ على أنه ليس المرادُ بالإحداث ضدَّ القديم؛ بل إنزال علمه. قال (ك): الغالبُ أن البخاريَّ لا يقصد ذلك، ولا يرضى به؛ إذ لا فرقَ بينهما عقلًا ونقلًا وعرفًا، وقيل: قصدُه: أن حدوثَ القرآن وإنزالَه هو بالنسبة إلينا؛ وكذا ما أحدث من أمر الصلاة؛ فإنه بالنسبة إلى علمنا، وقيل: يحتمل أن يريد البخاري: حملَ لفظِ المُحْدَث على معنى الحديث، فمعنى: {مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]؛ أي: متحدَّثٍ به.

(وقال ابن مسعود) موصول في (هجرة الحبشة). * * * 7522 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ، وَعِنْدَكُمْ كتَابُ اللهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللهِ، تَقْرَؤُنَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ؟ الحديث الأول: (لم يُشَب)؛ أي: لم يخلَطْ بالغير كما خلطَ اليهودُ في التوراة وحَرَّفوها. * * * 7523 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاس قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! كَيْفَ تَسْألونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، وَكتَابُكُمُ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - أَحْدَثُ الأَخْبَارِ باللهِ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللهِ وَغَيَّرُوا، فَكَتبوا بِأَيْدِيهِمْ قَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلًا؟ أَوَ لَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْئَلَتِهِمْ؟ فَلَا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.

43 - باب قول الله تعالى: {لا تحرك به لسانك}، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ينزل عليه الوحي

الثاني: (أحدث الأخبار)؛ أي: لفظًا؛ إذ القديمُ هو المعنى القائمُ به تعالى، أو نزولًا، أو إخبارًا من الله تعالى، وقد حذركم الله تعالى حيث قال: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} الآية [البقرة: 79]. (أوَ لا ينهاكم) إسنادُه وإسنادُ المجيء إلى العلم مجازي. (فلا والله) إلى آخره؛ أي: ما يسألكم أحدٌ منهم، مع أن كتابهم محرَّف؛ فَلِمَ تسألونَ أنتم منهم؟ وسبق آخر (كتاب الاعتصام) في (باب لا تسألوا أهل الكتاب). * * * 43 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}، وَفِعْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي حَيْثُمَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ". (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16]) قوله: (وقال أبو هريرة) وصله أحمدُ، وابنُ ماجه، وابن حِبّان.

(أنا مع عبدي ما ذكرني)؛ أي: ما دام ذاكرًا لي، وفي بعضها: (إذا ذكرني)، وفي بعضها: (ما إذا ذكرني)، وهذه المعيةُ معيةُ الرحمة واللطف، وأما المعية في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، فمعية العلم. * * * 7524 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شدَّةً، وَكَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أُحَرِّكُهُمَا لَكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَرِّكُهُمَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}، قَالَ: جَمْعُهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَؤُهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}: قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أتاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اسْتَمَعَ، فَإذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا أَقْرَأَهُ. (يعالج)؛ أي: يحاول ويزاول؛ كان - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه القرآن، يعجَلُ به؛ ليحفظه، فيحرك لسانه وشفتيه، ويتوجَّه عليه وعلى ضبطه بمعالجة شديدة، فوعدَه الله تعالى بضمان حفظِه وفهمِه.

44 - باب قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور (13) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}

وسبق شرحُه أولَ "الجامع"، ومقصودُ الباب: بيانُ كيفية تَلَقِّيه - صلى الله عليه وسلم - كلامَ الله تعالى من جبريل - عليه السلام -. * * * 44 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} يَتَخَافَتُونَ: يَتَسَارُّونَ. (باب: قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} [الملك: 13]) قوله تعالى: ({يَتَخَافَتُونَ} [طه: 103])؛ أي: يتشاورن بكلام خفي فيما بينهم. قال (ط): قصدُه بالترجمة: إثباتُ صفة العلم، ورُدَّ بأنه لو كان كذلك، لكان أجنبيًّا من هذه التراجم، وإنما قصد الإشارة إلى النكتة التي كانت سبب محنته؛ حيث قيل عنه: إنه قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فأنكر محمدُ بنُ يحيى الذُّهْلِيُّ ذلك بأنَّ مَنْ قال: القرآنُ مخلوقٌ كفرٌ، ومن قال: لفظي به مخلوقٌ ابتداع، ونقل عن البخاري: أنه لما سئل عن ذلك، قال: أعمالُ العباد كلُّها مخلوقة، وكان لا يزيد على ذلك. قال (ك): والحقُّ مع البخاري؛ لأن القراءة غيرُ المقروء، والذكرَ

غير المذكور، والكتاب غير المكتوب، فأشار بالترجمة إلى أن تلاواتِ الخلق تتصف بالسرِّ والجهر، وذلك يستدعي كونَها مخلوقةً، وهذا، وإن كان بحسب الحقيقة العقلية، لكنه لا يسوغ شرعًا إطلاقُه لفظًا. * * * 7525 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، قَالَ: نزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}، أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. الحديث الأول: (فسمع) بالنصب والرفع، فإن قيل: إذا كان مختفيًا عن الكفار، فكيف يرفع صوته، وهو ينافي الاختفاء! قيل: لعله أراد الإتيان بشبه الجهر، أو أنه عند الصلاة ومناجاة الرب لا يبقى له اختيار؛ لاستغراقه في ذلك، وقد سبق قريبا وبعيدًا تقرير أنّ الملَّة الإسلامية مبناها على الأعدل، وهو التوسُّط. * * *

7526 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: فِي الدُّعَاءِ. الثاني: (في الدعاء)؛ أي: إن المراد بالصلاة هنا: معناها اللغوي، وهو الدعاء، لا الشرعيُّ. * * * 7527 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنًا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ"، وَزَادَ غَيرُهُ: "يَجْهَرُ بِهِ". الثالث: (إسحاق) قال الحاكم: هو ابنُ نَصْر، وقال الغساني: هو بابنِ منصورٍ أشبهُ. (ليس منا)؛ أي: من أهل سُنَّتِنا؛ لا أن المراد: ليس من أهل ديننا. (لم يتغن) لم يجهرْ بقراءة القرآن، وقيل: أي: لم يستغنِ به. (وزاد غيره) هو سُفيانُ بنُ عُيَيْنَة؛ رواه المصنِّفُ من طريقه أيضًا؛

45 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا فعلت كما يفعل"

وكذا رواه بعدُ من طريق أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرة، قيل: في الحديث: أن الجهر مطلوب، وأشار البخاريُّ بهذه الأحاديث إلى ما قررناه أولَ الباب؛ مرّ في (فضائل القرآن). * * * 45 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَقُومُ بهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَرَجُلٌ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ" فَبَيَّنَ اللهُ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْكِتَابِ هُوَ فِعْلُهُ، وَقَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}، وَقَالَ جَلَّ ذَكْرُهُ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: رجل آتاه الله القرآنَ) قوله: (فبين)؛ أي: النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (أن قيامه)؛ أي: قيام الرجل. (ألسنتكم)؛ أي: لغاتكم، وغرضُه من هذا الباب: أن قولَ العبادِ وفعلَهم منسوبان إليهم، وهو كالتعميم بعد التخصيص بالنسبة إلى الباب قبله. * * *

7528 - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ، فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآناَءَ النَّهَارِ، فَهْوَ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أوتِيَ هَذَا، لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَهْوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيكولُ: لَوْ أوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ، عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ". 7529 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ، فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَهْوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ،، سَمِعْتُ سُفْيَانَ مِرَارًا، لَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ الْخَبَرَ، وَهْوَ مِنْ صَحِيح حَدِيثهِ. الحديث الأول، والثاني: (فهو يقول)؛ أي: الحاسد. (لو أُوتيت)؛ أي: من القرآن. (فعلت)؛ أي: قراءته؛ وكذا الإنفاق، والأُولى فضيلةٌ دينية، والثانيةُ دنيوية، وإن كان مآلُها أيضًا إلى الدِّين. واعلم أن الحديث مخروم، ترك منه النصف من صاحب القرآن حال المحسود، ومن صاحب المال حال الحاسد. وسبق الحديث في (كتاب العلم)، وفي (كتاب التمني).

46 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}

(سمعت) هو من قولِ ابنِ المدينيِّ؛ أي: سمعت هذا الحديث من سفيانَ مرارًا، ولم أسمعه يذكره بلفظ: أخبرنا الزُّهْرِي، أو حدثنا؛ بل بلفظ: قال، ومع هذا، فهو من صحيح حديثه، لا قدحَ فيه، فقد عُلِمَ من الطرق الأُخرى. * * * 46 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَلاَغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. وَقَالَ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ}، وَقَالَ: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي}. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِئٍ فَقُلِ: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} , وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}: هَذَا الْقُرْآنُ، {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}: بَيَانٌ وَدِلاَلَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ}: هَذَا حُكْمُ اللهِ، {لَا رَيْبَ}: لَا شَكَّ, {تِلْكَ آيَاتُ}: يَعْنِي: هَذِهِ أَعْلاَمُ الْقُرْآنِ، وَمِثْلُهُ:

{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}، يَعْنِي: بِكُمْ. وَقَالَ أَنسٌ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَالَهُ حَرَامًا إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ. (باب: قول الله تعالى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]) وجه مغايرة الجزاء للشرط فيه: أن المرادَ من الجزاء لازمُه؛ نحو: "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ"، وقد سبق أول "الجامع" تقريرُه، والمراد بالرسالة: الإرسال. (قال الزُّهْري) معناه: أنه لا بدَّ من ثلاثة أمورٍ في ذلك: مرسلٌ، ورسولٌ، وعليه التبليغ، ومرسَلٌ إليه، وعليه القبولُ والتسليم. (مَعْمَر) قيل: هو أبو عُبيدة اللغويُّ، وقيل: مَعْمَرُ بنُ راشدٍ البصريُّ. (هذا)؛ أي: فسر ذلك بقوله: هذا؛ لكن هو خلافُ المشهور، وهو أن ذلك للبعيد، وهذا للقريب، لكنه من تنزيل ما للبعيد للقريب؛ كما أورده من الآيات بعدَه. ({هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2])؛ أي: بيان ودلالة، ووجهُ تعلقه بالترجمة: أن الهدايةَ نوعٌ من التبليغ، سواء كانت بمعنى البيان، أو الدلالة. (ومثله)؛ أي: في استعمال البعيد وإرادة القريب.

({وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22]) من استعمالِ الغائب، وإرادةِ الحاضرِ. (وقال أنس) موصولٌ في (الجهاد). (حَرَامًا)؛ أي: ابنَ مِلْحَان -بكسر الميم وبمهملة-. (إلى قوم)؛ أي: إلى بني عامر، فقال لهم: (أتؤمّنوني)؛ أي: تجعلوا إلي أمنًا، فبينما هو يحدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ أَوْمَؤوا إلى رجل منهم، فطعنه، فقال: اللهُ أكبرُ، فزتُ وربِّ الكعبةِ؛ سبق في (قصة بئر معونة). * * * 7530 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَدِ اللهِ الثَّقَفِي، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ: قَالَ الْمُغِيرَةُ: أَخْبَرَنَا نبَيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا: "أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إلَى الْجَنَّةِ". الحديث الأول: (المُعْتَمِر) قال الغساني: في بعضها: (مُعَمَّر)؛ من التعمير، وفي بعضها في والد سعيد (عبد الله) بالتكبير، والصوابُ فيهما (مُعْتَمِر) بالتاء، و (عُبيد الله) بالتصغير. وقال (ش): قيل: المعتمرُ وَهْمٌ؛ لأن عبدَ الله بنَ جعفرٍ لا يروي

عنه، فالصوابُ: المُعَمّر -بتشديد الميم- بن سليمان. (أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم -) إلى آخره، هذا قاله المغيرة عندَ مقاتلتِه عسكرَ كسرى في أرض العراق لعاملهم، وسبق الحديثُ بطوله في (الجزية). * * * 7531 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - كتَمَ شَيْئًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ، فَلَا تُصَدِّقْهُ، إِنَّ اللهِ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}. الثاني: وجهُ استدلالِ عائشة - رضي الله عنها - بالآية: أن ما أُنزل عامٌّ، والأمر للوجوب، فيجب - صلى الله عليه وسلم - تبليغُ كلِّ ما أنزل عليه. * * * 7532 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهْوَ

47 - باب قول الله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها}

خَلَقَكَ"، قَالَ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ؛ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قَالَ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ"، فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَهَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} الآيَةَ. الثالث: سبق شرحُه قريبًا. (تصديقًا) في بعضها: (تصديقها)، ووجهُ التصديق: إعظامُ هذه الثلاثة؛ حيث ضاعف لها العذاب، وأثبت لها الخلود. واعلم أن القصدَ من الباب: بيانُ أحد طرفَي القرآن، وهما تلقُّنُه من جبريل، وإلقاؤه للأول؛ فالأولُ سبق في الباب قبلَه، والثاني هو التبليغُ ذكر في هذا الباب، وأما وجهُ ارتباطِ هذا الحديث بالباب، فهو أن التبليغ للأُمة ضربان: تبليغُ ما أُنزلَ بعينه، وتبليغُ ما استخرجه من القواعد المنزلة عليه، ثم ينزل على وَفْقه مصرحًا بذلك، مصدقًا له، والحديث من القسم الثاني. * * * 47 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أْعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا، وَأُعْطِيَ

أَهْلُ الأنْجيلِ الأنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ، وَأُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ، فَعَمِلْتُمْ بِهِ". وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ: {يَتْلُونَهُ}: يَتَّبِعُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ، يُقَالُ: يُتْلَى: يُقْرَأُ، حَسَنُ التِّلاَوَةِ، حَسَنُ الْقِرَاءَةِ لِلْقُرْآنِ، {لَا يَمَسُّهُ}: لَا يَجدُ طَعْمَهُ وَنفعَهُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ، وَلَا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إِلَّا الْمُوقِنُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. وَسَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الإِسْلاَمَ وَالإِيمَانَ عَمَلًا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِبِلاَلٍ: "أَخْبِرْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ"، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ إِلَّا صَلَّيْتُ. وَسُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَان بِاللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ الْجهَادُ، ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ". ({قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} [آل عمران: 93]) قوله: (إلا الموقن)؛ أي: بكونه من عندِ الله، فهو مبرأ من الجهل والشك ونحوه، لا الغافل؛ فإنه كالحمار، وذكر الأحاديث الدالة عليه. (وسمى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الإسلامَ والإيمانَ عملًا) يشير إلى حديث عبدِ الله بنِ مسعود: سئل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أي العملِ أفضل؟ قال: "إِيمَانٌ

بِاللهِ"، وقد علَّقه البخاريُّ، ووصلَه في الباب الّذي بعدَه، وستأتي الإشارة إليه من حديث أبي ذَرٍّ، وأبي هريرة - أيضًا - رضي الله عنهما -، وأشار -أيضًا- إلى حديث ابن عُمر - رضي الله عنهما -: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ"؛ فإن فيه تسميةَ الإسلام عملًا. (قال أبو هريرة) موصولٌ في (كتاب صلاة اللّيل). (لم أتطَهَّرْ)؛ أي: لم أتوضأ إلا صلّيتُ ركعتين، سبق في (فضائل الصّحابة). (حج مبرور) هو ما لم يخالطه إثمٌ، وقيل: ما كان من الحلال. * * * 7533 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنَ الأُمَم كمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انتصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإنْجيلِ الإنْجيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيتُمُ الْقُرْآنَ، فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: هَؤُلَاءِ أَقَلُّ مِنَّا عَمَلًا وَأَكثَرُ أَجْرًا؟ قَالَ اللهُ: هَلْ ظَلَمْتكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ".

48 - باب وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عملا، وقال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب

(فيمن سلفَ)؛ أي: الأمم السالفة، وأحد طرفي التشبيه محذوفٌ؛ وهو باقي النهار. (قيراطًا)؛ أي: نصيبًا، وكرر؛ ليعلم أن لكلِّ واحدٍ قيراطًا. (صُلِّيت) مبني للمفعول؛ أي: صلاة العصر. (أهل الكتاب) قال (ك): أي: أهل التوراة؛ لأن فيه: وعمل أهل الإنجيل، وليس هو أكثر من عمل الإسلاميين؛ قال: وسبق أول (كتاب التّوحيد) في (باب المشيئة والإرادة): (قال أهل التوراة: رَبَّنَا هؤلاء أقلُّ عملًا). قلت: فيما قاله نظر ظاهر! وسبق مباحثُه في الحديث آخر (مواقيت الصّلاة) في (باب من أدرك ركعة من العصر)، والمقصود من الباب: ذكرُ أنواعٍ من التسليم الّذي هو الغرضُ من الإرسال والإنزال، وهو التلاوةُ، والإيمانُ به، والعملُ به. * * * 48 - باب وَسَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاةَ عَمَلًا، وَقَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (باب: وسمى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ عملًا) هو ما ذكر معناه في الباب.

(وقال: لا صلاةَ) هو موصولٌ في (كتاب الصّلاة) في (باب وجوب القراءة) من حديث عبادةَ بنِ الصامِتِ، وأن معناه: لا صلاةَ صحيحة؛ لأنها أقربُ إلى نفي الحقيقة؛ بخلاف الكمالِ ونحوه. * * * 7534 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْوَلِيدِ. وَحَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الْجهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". (لوقتها)؛ أي: في وقتها، ومستقبلًا لوقتها؛ كما قاله الزمخشري في: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]؛ أي: مستقبلاتٍ لعدتهنَّ، سبق الجمعُ بين هذا وبين ما تقدَّم: أن الأفضلَ الإيمانُ، ثمّ الجهادُ، وغير ذلك؛ بأنه بحسب اختلاف المقامات والسامعين، فبالنسبةِ للمتهاونِ في الصّلاةِ الصلاةُ، وللعاقِّ بِرُّ الوالدين، وهكذا. * * *

49 - باب قول الله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا}

49 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} هَلُوعًا: ضَجُورًا. (باب: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19]) قوله: (ضجورًا، تفسيرٌ لـ (هلوعًا). قال بعضهم: فسره الله تعالى: {إِذَا مَسَّهُ} [المعارج: 20] الآية. * * * 7535 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَالٌ، فَأَعْطَى قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا، فَقَالَ: "إِنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكَلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ"، فَقَالَ عَمْرٌو: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَم. (عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ) بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام وبموحدة.

50 - باب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وروايته عن ربه

قال الحاكم أبو عبدِ الله: من شرط البخاريِّ أن لا يرويَ إلا عن صحابيٍّ مشهورٍ له راويان، ولا عن تابعيٍّ إلا وله راويان، وهكذا في كلّ طبقة؛ فردَّه (ن) بإخراجه حديثَ ابنِ تَغْلبَ: (إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ)، ولم يروه عنه غيرُ الحسن. (وأدع)، أي: أترك. (الجزع) ضِدُّ الصبر. (والهلع) الضَّجَر. (بكلمة) الباءُ فيه للبدليةِ والمقابلة، وذلك لأن الآخرَة خيرٌ وأبقى. (حُمْر النَّعَمِ)؛ لأن ذلك أشرفُ أنواعها، والغرضُ من الباب: إثباتُ أن أخلاق الإنسان من هذه الأشياء بخلق الله تعالى، وفيه: أن الأرزاق ليست على قدر الاستحقاق، والفضائل، وأن المنع قد لا يكون مذمومًا، أو يكون أفضلَ للممنوع. وسبق في (الجمعة). * * * 50 - باب ذِكْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ (باب: ذكر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وروايته عن ربه -عَزَّ وَجَلَّ-) قال (ك): أي: بدون واسطة جبريل -عليه السّلام-، ويسمَّى بالحديث القدسي، وفيه ونظر! فلا مانعَ أن يكون ذلكَ بواسطة جبريلَ -عليه السّلام- أيضًا. * * *

7536 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ: "إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". الحديث الأوّل: (هرولة)؛ أي: بسرعة، وسبق مرات: أن هذا كلَّه مجازٌ؛ لقيامِ البراهينِ القاطعةِ على استحالتها على الله تعالى، فعلى طريقه التّأويل في المتشابه المعنى: من تقرَّبَ إليّ بطاعةٍ قليلة، أجازيه بثواب كثير، وكلما زادَ في الطّاعة، أزيد في الثّواب، وإن كان العبد متأنيًا في طاعته، فأنا آتيه بالثواب بسرعة، فالثوابُ دائمًا راجحٌ على العمل، مضاعَفٌ عليه كَمًّا وكَيْفًا، ولفظُ التقرُّبِ والهرولةِ مجازٌ على سبيل المشاكلة، أو استعارة، أو على قصدِ إرادةِ لوازمِها. * * * 7537 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: رُبَّمَا ذَكَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا -أَوْ-: بُوعًا". وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ أَنسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،

يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. الثّاني: (تقرَّب مني) تعديتُه بـ (من) هو الأصل، وأمّا في الرِّواية الأولى، فإنّما أُتي بـ (إلى) لقصدِ معنى الانتهاء، والصِّلاتُ تختلف بحسب المقصود. (بَاعًا) بموحدة ومهملة: قدرُ مَدِّ اليدين، ومثلُه: البَوْع -بفتح أوله وضمه-. قال (خ): البَوْع مصدرُ باع: إذا مدِّ باعه، ويحتمل رواية الضم أن يكون جمع باعٍ. (وقال مُعْتَمِرٌ) وصله مسلمٌ، وابنُ حِبّان، وزادَ في آخر الحديث: (واللهُ أوسعُ بالمغفرة). * * * 7538 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ قَالَ: "لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ، وَالصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِم أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحٍ الْمِسْكِ". الثّالث: (لكلِّ عملٍ)؛ أي: من المعاصي.

(كفارةٌ)؛ أي: ما يوجب سترها وغُفرانَها. (والصومُ لي) العبادات، وإن كانت كلُّها لله تعالى، إلا أن الصَّومَ لم يُعبدْ به غيرُ الله؛ بخلاف نحو السجود والصدقة. (وأنا أَجزي به)؛ أي: لا أفوِّضُ المجازاةَ لأحدٍ غيري، وإن كان جزاءُ الكلِّ من الله تعالى، إلا أنه قد يفوض جزاءَ البعضِ للملائكة. (وَلخُلوف) بضم الخاء: الرائحة المتغيرة، وليس فيه أَرجحيةُ ذلك على الشّهادة الّتي فيها اللونُ لونُ دم، والريحُ ريحُ المسك؛ لأنه، مع كونه أفضل، ينافي الأطيبية من جهة أنه ناشيء عن دم، وهو نجس، وإنما حرمت إزالةُ دمِ الشهيد، وكُرهت إزالةُ خُلوف الصومِ، مع وصفه بالأطيبية؛ إمّا لأن تحصيل مثلِ ذلك محالٌ؛ بخلاف الخلوف، أو أن تحريمه مستلزمٌ للحرج، أو ربما يؤدِّي إلى ضرر؛ كأدائه إلى البخر، أو أن الدِّم لكونه نجسًا واجبُ الإزالة شرعًا تنفرُ عنه الطباع، فلا بد من المبالغة في خلافه. وسبق في (الصوم) بفوائد كثيرة. * * * 7539 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونس بْنِ مَتَّى"، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ.

الرابع: (مَتَّى) -بفتح الميم وتشديد المثناة والقصر- أبو يونسَ عليه الصّلاة والسلام، فلذلك عقبه بقوله: (ونسبه إلى أبيه)، وهي جملة حالية، وقيل: إنها أُمه، فمعنى: (ونسبه إلى أبيه): أنه ذكر مع ذلك اسم أبيه، والأولُ أصحُّ عند الجمهور، وإنّما خص من بين الأنبياء بذلك؛ لئلا يتوهم فيه غضاضة بسبب نزول: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48]، وأمّا قولُه أوَّلًا: (أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونس بْنِ مَتَّى)، فلفظةُ (أنا) ساقطةٌ في بعض النسخ، وعلى ثبوتها، فيحتمل أنها كنايةٌ عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أو عن كلّ متكلم، وعلى الأوّل، فيحتمل أنه قاله قبل أن يعلم بأنه سيدُ الخلق وخيرُهم، أو قاله تواضعًا، وهضمًا لنفسه - صلى الله عليه وسلم -، أو غير ذلك، وله أجوبةٌ أخرى سبقت مرارًا، وروايةُ: (هو خير)، تقوّي أَنَّ (أنا) لمطلق المتكلم. * * * 7540 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا شَبابةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمِ الْفَتْح عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ -أَوْ: مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ-، قَالَ: فرَجَّعَ فِيهَا، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ، وَقَالَ: "لَوْلَا أَنْ يَجْتَمعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ"، يَحْكِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: آآآ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

51 - باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها؛ لقول الله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}

الخامس: (فَرَجَّعَ) من الترجيع، وهو ترديدُ الصوتِ في الحلق، وتكرارُ الكلام جهرًا بعد خفائه. (يحكي)؛ أي: يأتي به على الوجه الّذي أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفسر كيفية الترجيع بقوله: (آآآ ثلاث مرّات)؛ أي: كلّ منها همزة ثمّ ألف، وفي بعضها بهمزة، ثمّ ألفين، فيمدّ، وقد سبق في (سورة الفتح)، ووجهُ دخولِه في التّرجمة: أن ما يرويه عن الربّ تعالى أعمُّ من أن يكون قرآنًا، أو غيرَه، بواسطة، أو بدونها؛ لكن المتبادرَ للذهن، المتداولَ على الألسنة: ما كان بلا واسطة؛ كذا قال (ك)، وسبق انتقاده. قال المهلَّب: معنى هذا الباب: أنه - صلى الله عليه وسلم - روى عنه السُّنَّةَ كما روى عنه القرآنَ، ودخولُ حديث ابنِ مُغَفّلٍ فيه؛ للتنبيه على أن القرآن أيضًا روايةٌ له عن ربه -عَزَّ وَجَلَّ-، وقيل: قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: قال الله، وروى عن ربه، سواءٌ. * * * 51 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرِ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ اللهِ بالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرهَا؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها وكتب الله بالعربيّة وغيرها) هو عطف خاصٍّ على عامٍّ، وفي بعضها سقوط: (وغيرها)،

فيكون عطفَ عامٍّ على خاصٍّ. *. * * 7541 - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا تَرْجُمَانَهُ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَهُ: "بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ، و {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} " الآيَةَ. (وقال ابن عبّاس) سبق موصولًا أولَ "الجامع"، وفي غيرِه أيضًا. (ترجمانه)؛ أي: المفسِّرُ لغةً بلغةٍ، وفيه لغاتٌ سبقت، ووجهُ دلالة الحديث على جواز التفسير: أنه - صلى الله عليه وسلم - إنّما أرسلَه ليترجمَ عما أرسلَه به لمن لا يعرفُه؛ ليفهم مضمونه. *. * * 7542 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُنَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ} الآيَةَ". الحديث الأوّل: (بالعبرانية) لغة اليهود.

(لا تُصَدِّقوا أهلَ الكتاب، ولا تُكَذِّبوهم)؛ لأنه محتمل للصدقِ، والكذبِ. * * * 7543 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ لِلْيَهُود: "مَا تَصْنَعُونَ بِهِمَا؟ " قَالُوا: نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهِمَا، قَالَ: " {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} "، فَجَاؤُا، فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ: يَا أَعْوَرُ! اقْرَأْ، فَقَرَأَ حَتَّى انتهَى إلَى مَوْضعٍ مِنْهَا، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، قَالَ: "ارْفَعْ يَدَكَ"، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهِ آيَةُ الرَّجْم تَلُوحُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ، وَلَكِنَّا نُكَاتِمُهُ بَيْنَنَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، فَرَأَيْتُهُ يُجَانِئُ عَلَيْهَا الْحِجَارَةِ. الثّاني: (ونُخزيهما)؛ أي: نفضحمها؛ بأن نُركبهما على الحمار مقلوبين، وندوّرهما في الأسواق. (لرَّجل) هو عبدُ الله بنُ صوريا. (قال: ارفع) القاتلُ له عبدُ الله بنُ سلام، صرح به البخاريُّ في (باب الرَّجْم في البلاط). (بينهما)؛ أي: بين الزاني والزانية حكم الرَّجْم، أو بين الآيتين آية الرَّجْم، أو بين الأصبعين، وفي بعضها: (فيهما).

52 - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الماهر بالقرآن مع الكرام البررة"، و"زينوا القرآن بأصواتكم"

(يُجَانئ) بالجيم والنون بعد الألف وبهمز، يقال: جَنَأ، وأَجْنَأ، وجَانَأَ: إذا أَكَبَّ. (للحجارة) في أكثر النسخ: (الحجارة)، فاللام أو مِنْ مقدرة، أو يقدر مضاف؛ أي: اتقاء الحجارة، أو فعل؛ أي: يقيها الحجارةَ. وسبق آخر (علامات النبوة). * * * 52 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَاهِرُ بالْقُرْآنِ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ"، وَ"زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بأَصْوَاتِكُمْ" (باب: قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "الماهِرُ بالقرآنِ)؛ أي: الحاذقُ. (سفرة الكرام) من إضافة الموصوف إلى الصِّفَة، والسفرةُ هم: الكَتَبَةُ الذين يكتبون من اللوح المحفوظ، والكرام؛ أي: المكَرَّمون عند الله. (البررة)؛ أي: المطيعون المطَهَّرون من الذنوب، وهذا الحديث موصولٌ في (التفسير) من حديث عائشة رضي الله عنها؛ لكن بغيرِ هذا اللّفظ، ووصله مسلمٌ بهذا اللّفظ، وفي التّرمذيّ: "الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ، وَهُوَ بِهِ مَاهِرٌ، مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ"، وقال: حسن صحيح، وقال بعضُهم: المهارةُ: جَوْدَةُ التلاوة بحسن الحفظ، فلا يتلعثم، ولا يتعثر لسانُه، وتكون قراءتُه سمحةً، يَسَّرَه اللهُ تعالى له كما يسره على

الملائكة، فهو معها في مثل حالها؛ من الحفظ، وتسهيلِ التلاوة، وفي درجة الأجر، فيكون بالمهارة عندَ الله كريمًا. (وزينوا) الحديثُ وصله البخاريُّ في كتاب "خلق أفعال العباد" خارج "الجامع" من حديث البراء من طرق، وأسنده الدارميُّ، وأبو داودَ، والنَّسائيّ، وابنُ ماجه، وابن حِبّان عن أبي هريرة، وغيرُهم عن ابنِ عبّاس. * * * 7544 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءً مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ". 7545 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا -وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ- قَالَتْ: فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللهَ يُبَرِّئُنِي، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ}، الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا.

الحديث الأوّل، والثّاني: (وكلٌّ حَدَّثني)؛ أي: قال الزُّهْرِيُّ: وكلُّ هؤلاء الأئمةِ حدثني قطعةً من حديث الإفك. (يبرئني)؛ أي: برؤيا يراها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. (يُتلى)؛ أي: بالأصوات في المحاريب والمحافل، ومنه تستفاد التّرجمة. * * * 7546 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمِ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ، أُرَاهُ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ. الثّالث: (العشاء)؛ أي: صلاة العشاء، وكان ذلك في السَّفر. مرّ في (كتاب الصّلاة). * * * 7547 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ مُتَوَارِيًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِنَبِيّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}.

الرابع: (متواريًا)؛ أي: مختفيًا من الكفار. (يرفع صوته)؛ أي: إمّا إقامةً للسنة، وإما ظنًّا أنهم لا يسمعونه، وإما استغراقًا في مناجاة الله تعالى. سبق قريبًا وبعيدًا. * * * 7548 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ لَهُ: "إِنِّي أَرَاكَ تُحبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: (نداء) في بعضها: (مدى)؛ أي: غاية. سبق في (باب الأذان)، ووجه تعلّقه بالترجمة: أن رفعَ الصوت بالقرآن أحقُّ بالشهادة له، وأولى. * * * 7549 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أُّمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي، وَأَنَا حَائِضٌ.

53 - باب قول الله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}

السادس: (حجري) -بفتح الحاء وكسرها-، سبق في (الحيض). قال مُغُلْطاي: كأنّ البخاريَّ أشار بهذه الأحاديث إلى أن الماهرَ بالقرآن هو الحافظُ له مع حسنِ الصوتِ به، وأمّا حديثُ الإفك، فلسماعِها حُسنَ صوته بقراءته. انتهى. وقيل (¬1): مقصودُه بذلك كلِّه: تحقيقُ ما تقدَّم أن التلاوة فعلُ العبد؛ بدليل وصفِها بالتحسين والجهر، وكذلك مقارنته للأحوال المحدثة اللازمة. * * * 53 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (باب: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]) قال المهلب: يريد: ما تيسر من حفظه على اللسان من لغةٍ وإعراب. 7550 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْل، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ الْمِسْوَرَ ابْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ حَدَّثَاهُ: أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ت": "عبارة الكرماني: قال شارح التراجم".

هِشَامَ بْنَ حَكِيم يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أقودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ: "أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ، يَا هِشَامُ! " فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ، يَا عُمَرُ! " فَقَرَأْتُ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ". (فتصَبَّرْت) في بعضها: (فتربَّصْتُ). (فَلَبَّبْتُه) بموحدتين: هو جمعُ الثِّياب عند النَّحر، والجرُّ عندَ الخصومة، وظنَّ عُمرُ - رضي الله عنه - جوازَ ذلك اجتهادًا. (سبعة أحرف)؛ أي: لغات، وقيل: الحرفُ: الإعراب، يقال: حرفُ عاصم؛ أي: الوجهُ الّذي اختاره من الإعراب، وقال الأكثرون: هو حصرٌ في السبعة، فقيل: هي في صورة التلاوة؛ من إدغام وإظهار، ونحوها، ليقرأ كلٌّ بما يوافق لغتَه، فلا يكلَّفُ القرشيُّ الهمزَ؛ والأسديُّ فتحَ حرفِ المضارعة، وقيل: بل السبعةُ كلُّها لمضرَ وحدَها.

54 - باب قول الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}

وقال (ع): هي سَعَة وتسهيلٌ، لم يقصد به الحصر. وقال الداودي: هذه القراءاتُ السبع ليس كلُّ حرف منها هو أحدَ تلك السبعة؛ بل قد تكون مفرقةً فيها، وقيل: هذه السبعةُ إنّما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث. مر في (كتاب الخصومات). * * * 54 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} وَقَالَ النَّبِيُّ: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"، يُقَالُ: مُيَسَّرٌ: مُهَيَّأٌ. وَقَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}: قَالَ: هَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ فَيُعَانَ عَلَيْهِ؟. (باب: قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: 17]) أي: هَوَّنَّاه للحفظ. (وقال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -) موصولٌ في (القدر)، و (التفسير) من حديث عليّ - رضي الله عنه -. (كُلٌّ ميسَّر)؛ أي: إن الله تعالى قَدَّرَ لكلِّ أحدٍ سعادتَه أو شقاوَته، فسهّل عليه ما قدّر له، وهيأه له. * * *

7551 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ: قَالَ يَزِيدُ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ". الحديث الأوّل: (فيمَ) أصلُه: (في) و (ما) الاستفهامية، وقال ذلك حينَ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ إلا كُتِبَ مَكَانَهُ في الجَنَّةِ أَوْ في النَّارِ"، فقال كلُّ واحدٍ منهما ذلك، فقال: يسهل عليه ما كتب عليه من عملهما. وفيه: أن التلاوة عملُ العبد، وقد يسره الله تعالى له. * * * 7552 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ: سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةٍ، فَأَخَذ عُودًا، فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ"، قَالُوا: أَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: "اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيَةَ. الثاني: (ينكت)؛ أي: يضرب في الأرض، فيؤثر فيها. وسبق في (الجنائز). * * *

55 - باب قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد (21) في لوح محفوظ} {والطور (1) وكتاب مسطور}

55 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} قَالَ قتادَةُ: مَكْتُوبٌ، {يَسْطُرُونَ} يَخُطُّونَ، {أُمُّ الْكِتَابِ}: فِي جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ، {مَا يَلْفِظُ}: مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إلا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، {يُحَرِّفُونَهُ} ": يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كتبِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، دِرَاسَتُهُمْ: تِلَاوَتُهُمْ، {وَاعِيَةٌ}: حَافِظَةٌ: {وَتَعِيَهَا}: تَحْفَظُهَا، {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ}: يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ بَلَغَ هَذَا الْقُرْآنُ، فَهْوَ لَهُ نَذِيرٌ. (باب: قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [البروج: 21]) قوله: (يسطرون)؛ أي: في قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]. (في أُمّ الكتاب) (¬1)؛ أي: في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزخرف: 4]. (ما يلفظ)؛ أي: في قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ت": "قول البخاريّ: في أم الكتاب: جملة الكتاب وأصلُه؛ أي: الشامل للناسخ والمنسوخ، وما يكتب وما يبدل".

عَتِيدٌ} [ق: 18]؛ أي: ما يتكلَّم من خيرٍ أو شَرٍّ. (يحرِّفون)؛ أي: في قوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]. (يُزيلون)؛ أي: يزيلونه من جهة المعنى فقط؛ يتأولونه بغير الحقِّ المرادِ. (وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله) اغترَّ بعضُهم بهذا، فزعم في تحريف التوراة والإنجيل خلافًا في أنه في اللّفظ والمعنى، أو في المعنى فقط، ومال إلى الثّاني، وجَوَّزَ مطالعَتَهما، وهذا قولٌ باطل؛ فلا خلاف أنهم حَرَّفوا وبَدَّلوا، فالاشتغالُ بكتابيهما، ونظرُهما ممتنعٌ إجماعًا، وقد غضب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حين رأى مع عُمر صحيفةً فيها شيءٌ من التوراة، وقال: "لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا، ما وَسِعَهُ إلا اتِّبَاعِي"، فلولا أنه معصيةٌ، ما غضبَ منه. قلت: قد سبق في (باب: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]) بسنده عن ابن عبّاس: أنه قال: كيف تسألون أهلَ الكتابِ عن كتبهم، وعندَكم كتاب الله أقربُ عهدًا بالله، تقرؤونه مَحْضًا لم يُشَبْ، وهو كالصَّريحِ في أن غيرَ هذا الكتاب من كتبهم قد شِيبَ، وأن النظرَ فيه منكَرٌ؛ فلو كان التحريفُ في المعنى فقط، لم ينكر ذلك، ولا قال: إنّه لم يُشب، فيجبُ تأويلُ ما نُقل عن ابن عبّاس هنا بلا سند. * * *

7553 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ: غَلَبَتْ -أَوْ قَال:- سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ". الحديث الأوّل: (قضى)؛ أي: أتمَّ. (كتب) إمّا حقيقة؛ بخلقِ صورةِ المكتوبِ في اللوح المحفوظ، أو الأمر بالكتابة فيه، وإما مجاز عن تعلّق الحكم، والإخبار به. (عنده) من المتشابه؛ لاستحالة العندية المكانية في حقه تعالى، فإما التفويضُ، أو التأويلُ بما يليق، أو هو تمثيلٌ واستعارةٌ. (سبقت)؛ أي: سبق تعلُّق الرّحمة، وإلًّا فصفاته القديمة مستحيلٌ فيها السبقُ، وسبقُ الرّحمة؛ لأنها من مقتضيات صفاته، وأمّا تعلُّقُ العقوبة، فمن عصيان العبد. وقال المهلب: سبقُ رحمتِه ظاهر؛ لأن مَنْ غضبَ عليه من خلقه، لم يُخيبه في الدنيا من رحمته، وقيل: المراد: أن رحمته لا تنقطع عن أهل النّار المخلَّدين من الكفار؛ إذ في قدرته أن يخلق لهم عذابًا يكون عذابُ النّار يومئذ لأهلِها رحمةً وتخفيفًا، بالإضافة إلى ذلك العذاب. وسبق مرات. * * *

56 - باب قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} {إنا كل شيء خلقناه بقدر}

7554 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا قتادَةُ: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ كتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ". الثّاني: (قبل أن يخلق الخلق) وجهُ الجمع بينه وبين ما في الحديث قبلَه: أنه لما قضى الخلق، كتب أن المرادَ هناك: التعلُّق، وهو حادثٌ بعد خلق الخلق، وهنا المراد: الحكمُ القديمُ، وهو بالضرورة قبل خلق الخلق، أو يقال: إن المراد بـ (قضى): أرادَ القضاءَ. * * * 56 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: "أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ

بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: بيَنَ اللهُ الْخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}. وَسَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الإيمَانَ عَمَلًا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ: سُئلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، وَقَالَ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ". وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِالإيمَانِ وَالشَّهَادَةِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلًا. (باب: قول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]) (¬1) نسبةُ العمل إليهم على جهة أنه كسبُهم، واللهُ هو الخالق له، فما يكون مُسْنَدًا للعبد، فمن حيث إن له قدرةً، وهو مسنَدٌ لله تعالى من حيثُ الخلقُ والتأثير، فله جهتان، بإحداهما ينفى الجَبْر، وبالأُخرى ينفى القَدَر، فإسنادُه لله تعالى حقيقة، وإلى العبدِ على وجهِ العادة؛ فإن قيل: القدرةُ صفةٌ تؤثر على وفق الإرادة، فإذا انتفى التأثير، فلا ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ت": "نقل "ط" عن المهلب: أن غرض البخاريّ بهذه التّرجمة: إثباتُ أن أفعال العباد وأقوالهم مخلوقة لله تعالى، والفرق بين الأمر والخلق".

قدرة، قيل: التعريفُ بهذا غيرُ جامع؛ لخروج القدرة الحادثة، وإنما القدرةُ صفةٌ يترتب عليها الفعلُ والتركُ عادة، وقد يعبر عن إسناد الفعل لله تعالى أنه باعتبار الفاعلية، وإلى العبد أنه باعتبار المحلّية (¬1)، وحينئذ فوجهُ المدحِ والذمِّ كما يُمْدَح الجميلُ، ويُذَمُّ المبروصُ، والكلُّ بخلق الله تعالى، والثوابُ والعقابُ باعتبار أنه علامة؛ ولا قُبْحَ لو عَذَّبَ الطائعَ، وأثابَ العاصي؛ لأنه تصرُّفٌ في ملكه، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. (أَحْيُوا ما خلَقْتُم) إسناد الخلقِ إليهم على جهة الاستزراء والتعجيز (¬2). (بَيَّنَ اللهُ الخلقَ من الأمر)؛ أي: فَرَّق بينهما، حيث عطفَ أحدَهما على الآخر، وكيف لا، والأمرُ قديم، والخلقُ حادث؟ وفيه: أَنْ لا خلقَ لغير الله تعالى، حيث حُصر على ذاته تعالى بتقديم الخبر على المبتدأ. (قال أبو ذر) موصولٌ في (العتق). (وأبو هريرة) موصولٌ في (الإيمان)، و (الحج). ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ت": "وعبارة الكرماني: وقد يعبر عنه بعضهم بأن الإضافة إلى الله باعتبار الفاعلية، وإلى العبد باعتبار المحلية". (¬2) جاء على هامش "ت": "الأقعدُ أن يقال: الأمرُ بالإحياء للتعجيز، وإسناد الخلق إليهم على وجه الاستهزاء، فليتأمل! ".

(يعملون)؛ أي: من الإيمان، وسائر الطاعات، فسمى الإيمان عملًا؛ حيث أدخله في جملة الأعمال. (وقال وفدُ عبدِ القيس) هو موصولٌ في الباب، وهم من ربيعةَ. (بِجُمَلٍ)؛ أي: أمور كلية مجمَلَة. (بالإيمان)؛ أي: تصديق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما علم مجيئه ضرورة. (والشهادة) (¬1)؛ أي: كلمة التّوحيد. (فجعل)؛ أي: النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. (كله)؛ أي: ومن جملته الإيمانُ. * * * 7555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَالْقَاسِم التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كانَ بَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جُرْمٍ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ، اللهِ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي، فَدَعَاهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يأكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ: لَا آكُلُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكَ عَنْ ذَاكَ: إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نستَحْمِلُهُ، قَالَ: "وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، ¬

_ (¬1) جاء على هامش "ت": "فدل الحديث من جهة كون الشهادة عملًا: أن الأقوال مخلوقة لله كالأعمال".

وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ"، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَسَأَلَ عَنَّا، فَقَالَ: "أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَريُّونَ؟ " فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، ثُمَّ انْطَلَقْنَا، قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ حَلَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَحْمِلُنَا، وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، وَاللهِ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَقُلْنَا لَهُ، فَقَالَ: "لَسْتُ أَنَا أَحْمِلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَتَحَلَّلْتُهَا". الحديث الأوّل: (عن زَهْدَمٍ) هو الجَرْميُّ. (الأشعريين)؛ أي: قبيلة من اليمن، وتقول العرب: جاءني الأشعرون -بحذف ياء النسب-. (مِنْ بَنِي تَيْم اللهِ) بفتح المثناة وسكون الياء: قبيلة. (يأكل شيئًا) أي: من النّجاسة. (فَقَذِرْتُهُ) بكسر المعجمة. (فلأحدثك)؛ أي: فواللهِ لأحدثك؛ أي: لأحدِّثنَّكَ. (نستحمله)؛ أي: نسأله أن يحملنا. (بنَهْب)؛ أي: غنيمة. (ذَوْد) بفتح المعجمة: من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر.

(الذرا) جمع ذروة، وهي أعلى كلّ شيء؛ أي: ذوو الأسنمة البيض؛ أي: من سمنِهِنَّ وكثرةِ شحومهنَّ. (حملكم) نسبة إلى الله تعالى باعتبار الحقيقة؛ لأن الله تعالى خالقُ الأفعال، ويحتمل أنه أرادَ به: إزالةَ المنةِ عنهم، وإضافةَ النعمة إلى الله تعالى، أو أنه لما نسي، وفعله قد يضاف إلى الله تعالى؛ كما جاء في الصائم إذا أكل ناسيًا، فإن الله أطعمه، أو أن الله تعالى لما ساق الغنيمةَ إليهم، فهو أعطاهم. (تَغَفَّلْنا)؛ أي: طلبنا غفلَتَه، وكنا سببَ ذُهوله عمَّا وقع. (وتحللنا)، من التحلل، وهو الخروجُ عن عُهدةِ اليمين بالكفارة، ويحتملُ أن يكون هذا جوابًا آخر غيرَ الأوّل، وهو أن الله تعالى حملهم؛ أي: وأيضًا فإني أتحلَّلُ يميني؛ أي: فلا غفلة في الأمرين. * * * 7556 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَينَكَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ، وإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إلا فِي أَشْهُرٍ حُرُمٍ، فَمُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ، إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالإيمَانِ بِاللهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإيمَانُ بِاللهِ؟

شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَم الْخُمُسَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: لَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالظُّرُوفِ الْمُزَفَّتَةِ، وَالْحَنْتَمَةِ". الثّاني: (قلت لابن عبّاس)؛ أي: حدِّثنا؛ إمّا مطلقًا، وإما عن قصة وفدِ عبدِ القيس. (وتعطوا) إنّما لم يقل: وإعطاء بلفظ المصدر؛ للإشعار بمعنى التجدد؛ لأن فرضيته كانت متجددة؛ نعم، في الرِّواية الّتي في (كتاب الإيمان)، وصوم رمضان، فيحتمل أن إسقاطه هنا باعتبار الواجبات في الحال، ولم يكن ذلك زمن رمضان، ولهذا لم يذكر الحجِّ أيضًا، أو في الحديث اختصار، وقد سبق مبسوطًا في (الإيمان)، ووجهُ دخول هذا الحديث في التّرجمة: أن الله تعالى هو الفاعل؛ وكذا الحديث السابق، وهذا يقتضي نسبةَ الفعلِ للعبد، فهو باعتبار جهة الخلق من الله تعالى، والكسب من العبد، ولعلّ غرضَ البخاريّ من تكثير هذا النوع في هذا الباب وغيرِه: جوازُ ما نُقل عنه أنه قال: لفظي بالقرآن مخلوق، إن صحَّ عنه. * * * 7557 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

"إِنَّ أَصْحَابَ هَذ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". 7558 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ - رضي الله عنهما -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". الثّالث، والرّابع: معناهما ظاهر. 7559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ: سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً". الخامس: (ذهب) من الذهاب، الّذي هو القصدُ والإقبال إليه، وهو استهزاء بهم؛ فإنّه لا يقدر أحد على خلق مثل خلقه، أو باعتبار تشبيهه صورةً، أو باعتبار زعمِهم -كما سبق-، وأمّا جعلُه أظلمَ مع كون الكافر أظلمَ قطعًا، فجوابُه ما سبقَ مراتٍ: أنه إذا صور الصنم للعبادة، كان كافرًا، فهو هو. (ذَرَّة) بفتح المعجمة: النملة الصغيرة. (حبة، أو شعيرة) عطف خاصٍّ على عامٍّ، أو هو شكٌّ من الراوي، والغرضُ: تعذيبُهم وتعجيزُهم، تارةً بخلق الحيوان، وأُخرى

57 - باب قراءة الفاجر والمنافق، وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم

بخلقِ الجماد، وفيه نوعٌ من الترقِّي في الخساسة، ونوع من التنزُّلِ في الإلزام. * * * 57 - باب قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ، وَأَصْوَاتُهُمْ وَتِلَاوَتُهُمْ لَا تُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ (باب: قراءة الفاجر والمنافق) عطف المنافق على الفاجر، مع أن المراد به المنافق؛ بقرينة جعله قسيمًا للمؤمن في الحديث، ومقابلًا له من العطف التفسيري. (لا يجاوز) خبر المبتدأ، وهو: (تلاوتُهم)، وأمّا جمعُ الضمير، فهو حكايةٌ عن لفظ الحديث، وفي بعضها زيادة: (وأصواتهم)، والحنجرةُ: الحلقوم، وهو مجرى النّفَس؛ كما أن المري مجرى الطّعام والشراب. 7560 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا".

الحديث الأوّل: (كَالأُتْرُجَّةِ) قيل: [بنون قبل الجيم] (¬1)، وتدغَمُ فتشدَّدُ الجيمُ، وتُرُنْجَة لغةٌ ثالثة، قالوا: هي أفضلُ الثمار لخواصَّ فيها: كبرُ جرمِها، وحسنُ منظرِها، وطيبُ طعمِها، ولينُ ملمسِها، ولونُها يَسُرُّ الناظرين، وأكلُها يفيدُ بعد الالتذاذ طيبَ النكهة، ودباغَ المعدة، وقوةَ الهضم، واشتراكَ الحواس الأربعة: البصر، والذوق، والشم، واللمس في الاحتظاء بها، ثمّ إن أجزاءها تنقسم على طبائع، فقشرُها حارٌّ يابس، وجرمُها حارٌّ رطبٌ، وحماضُها باردٌ يابسٌ، وبزرُها حارٌّ مجفّفٌ. (الحنظلة) معروفة. وحاصله: أن المؤمن إمّا مخلص، أو منافق، وعلى التقديرين، إمّا أن يقرأ، أو لا، والطعم هو بالنسبة إلى نفسه، والريح بالنسبة إلى السامع؛ نعم، وقع في آخر (فضائل القرآن): (كالحنظلة، طعمُها مر، وريحُها مر)، وهنا قال: (لا ريحَ لها)، ووجهُ الجمع: أن القصدَ: لا ريحَ لها نافعٌ، ولو كان لها ريحٌ مضرٌّ، وما لا نفعَ له كالعَدَمِ. * * * 7561 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين بياضٌ في الأصل، والمثبت من "ت".

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا الْجنِّيُّ، فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ". الثّاني: (عن الكُهَّان)؛ أي: عن حالهم. (فيقرها) في أكثر النسخ: (فيقرقرها)، وقَرَّهُ: إذا صبَّ فيه الماء، وقرّ: إذا صوّت، وقرّت الدجاجة: قطعت صوتها، وقرّ الكلام في أُذنه، وأقره: إذا سارّه، وصَبَّه؛ وأورده (ش): (يقرقرها)، وقال: كذا هنا يقرقر بالتكرير، وأصل القر: ترديد الكلام في أُذن المخاطب، حتّى يفهم، فإن رددته قلت: قرقرت، وقيل: القرقرة: الوضع في الأُذنَ بالصوت، والقَرُّ: الوضعُ بلا صوت؛ فالروايتان مشعرتان بأن الوضع في أذن الكُهان تارة بلا صوت، وأُخرى بصوت. (الدجاجة) بتثليث الدال، ورواه الإسماعيلي: الزجاجة -بالزاي-؛ أي: كصوتها إذا صب فيها الماء، وكأنه اعتبره برواية القارورة، وقد سبقت في (بدء الخلق)؛ وكذا صوَّبه (خ)، وقال غيره: يكون إضافتُه إلى الدجاجة إضافةً إلى الفاعل، وإلى الزجاجة إضافة للمفعول؛ نحو: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} [سبأ: 33]؛ لكن قال الدارقطني: صَحَّفَ الإسماعيلي في

هذا، والصوابُ: الدجاجة. قال (خ): وقصدُه - صلى الله عليه وسلم -: نفيُ ما يتعاطونه من علم الغيب؛ أي: ليس قولهم بشيء صحيح يعتمد عليه؛ كما يعتمد على أخبار الأنبياء -عليهم الصّلاة والسلام-، وإصابة الكُهان في بعض الأحيان إنّما هو لأن الجنيَّ يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استِراقًا، فيزيدُها بالأكاذيب يقيسها عليه، والكُهانُ: قومٌ لهم أذهانٌ حادَّة، ونفوسٌ شريرة، وطبائعُ ناريَّة، فالجنُّ تُلقي إليهم؛ لما بينهم من المناسبة، وسبق الحديثُ آخر (كتاب الأدب)، ووجهُ مطابقته للترجمة: مشابهةُ الكاهنِ بالمنافقِ من حيث إنّه لا ينتفع بالكلمة الصادقة؛ لغلبة الكذب عليه، ولفسادِ حاله؛ كما لا ينتفع المنافقُ بقراءته؛ لفساد عقيدته، وانضمامِ خبثه إليها. * * * 7562 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقهِ"، قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ، قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ"، أَوْ قَالَ: "التَّسْبِيدُ". الثّالث: (قِبَل) بكسر القاف؛ أي: جهة.

(المشرق)؛ أي: مشرق مدينة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ كنجدٍ وما بعدَه. (فُوقِهِ) بضم الفاء: هو موضعُ الوترِ من السهم، والطريقُ الأوّل: ما عاد على فوقه؛ أي: مضى، ولم يرجع. (سيماهم) بكسر المهملة مقصورًا وممدودًا؛ أي: علامتهم. (التحليق)؛ أي: إزالةُ الشعر، وإنّما كان هذا علامتَهم، وإن كان غيرُهم يحلق رأسَه أيضًا: أن هؤلاء جعلوا الحلقَ علامةً لهم دائمًا، وزمن الصّحابة إنّما كانوا يحلقون في نسك، أو حاجة، ويحتمل أن المراد بالتحليق: حلق الرّأس واللحية، وجميع الشعور، أو أن المراد: الإفراط في القتل، أو في مخالفة الدين. (أو قال: التسبيد) بمهملة وموحدة، وهو استئصالُ الشعر، وقيل: تركُ التدهين، وغسل الرّأس، ويروى: (التسبيت) بالتاء المثناة آخره بدل الدال. قال جعفر الطيالسيُّ: قلت لأحمدَ: ما التسبيتُ؟ قال: الحلقُ الشديد؛ نسبة إلى النعالِ السبتية. واعلم أن هذا لا ينافي ما سبقَ في (باب علامات النبوة): أن علامتهم رجل أسودُ، إحدى عضديه مثلُ ثدي المرأة؛ لإمكان أَنَّ كُلًّا منهم علامة، أو هؤلاء طائفة أُخرى، وتقدم في (باب استتابة المرتدين) في حقهم، ويتمارى: يشكُّ في الفُوقِةِ، هل علّق بها شيءٌ من الدم؟ فإيمانُهم مشكوك، وهنا قال: يمرقون من الدِّين، ثمّ لا يعودون إليه أبدًا؛ لأن السهم لا يعود إلى فُوقِهِ بنفسه قط، فيحتمل أن المراد بهم: الخوارجُ

58 - باب قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط}، وأن أعمال بني آدم وقولهم يوزن

على الإمام، وهؤلاء الخوارج من الإيمان، وعلى الأوّل: الدين هو طاعة الإمام، وعلى الثّاني: الدين هو الإسلام. قال المهلب: يمكن أن يكون هذا الحديث في قوم قد عرفهم - صلى الله عليه وسلم - بالوحي أنهم يموتون قبل التوبة، وقد خرجوا ببدعتهم وسوء تأويلهم إلى الكشف، وأمّا الذين قتلهم عليّ - رضي الله عنه -؛ يعني: الخوارج، فربما يؤدِّي تأويلهم إلى الكفر، وربما لا يؤدِّي إليه. * * * 58 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ}، وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقُسْطَاسُ: الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ، وَيُقَالُ: الْقِسْطُ: مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ، وَهْوَ الْعَادِلُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُ: فَهْوَ الْجَائِرُ. (باب: قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]) الموازين: جمع ميزان، ووصفُها بالقسط، وهو العدل؛ لأن المصدر يوصف به المفرد، والمثنى، والجمع بلفظ واحد؛ أي: العادلات، أو ذوات القسط؛ كما قاله الزجَّاج، وهي، وإن كانت ميزانًا واحدة؛ لكن جُمعت باعتبار العباد، وأنواع الموزونات. (ليوم)؛ أي: في يوم؛ قال أهل السُّنَّة: الميزانُ جسمٌ محسوسٌ

ذو لسانٍ وكِفَّتين، والله تعالى يجعلُ الأعمالَ والأقوالَ كالأعيانِ موزونةً، أو توزن صحفُها، وقيل: هي ميزانٌ كميزان الشِّعْر، وفائدتُها: إظهارُ العدل، والمبالغةُ في الإنصاف؛ قطعًا لأعذار العباد. (مجاهد)؛ أي: ابن جَبْر -بفتح الجيم وسكون الموحدة- المكيُّ المفسِّرُ. (القِسطاس)؛ أي: في قوله تعالى: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء: 182]. (بالرومية)؛ أي: بلغة الروم، ففيه: وقوعُ المُعرّب في القرآن، وأمّا قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]، فلا ينافيه ألفاظٌ نادرةٌ، أو أن وضعَ العرب وافقَ وضعَهم، والمسألة مشهورة في الأصول، وقد حررتها في "شرح ألفيتي في الأصول". (ويقال: القسط: مصدر المقسط) انتقد بأن مصدر المقسط الإقساط؛ لأنه رباعي، وأُجيب: بأن ذلك في الجاري على فعله، والمراد هنا: إنّما هو المصدر المحذوف الزوائد؛ كالقدر مصدر قدّرت، فما حذف زوائده من مصدر المزيد، رُدَّ إلى أصله، وذلك كثير في كلامهم، والمقسط هو العادل؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]، والقاسط: الظالم؛ قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15]. قال (ك): فإن قلت: المزيدُ لا بدَّ أن يكون من جنس المزيد.

قلت: إمّا أن يكون المقسِط من القِسْط -بالكسر-، وإما يكون [من] القَسْط -بالفتح- الّذي هو بمعنى الجَور، والهمزةُ للسلبِ والإزالةِ. * * * 7563 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ". (كلمتان) من إطلاق الكلمةِ على الكلام، وهو مجاز شائُع؛ كقولك: كلمة الشّهادة. (حبيبتان)؛ أي: محبوبتان؛ فَعيل بمعنى مفعول، لا بمعنى فاعل، والمرادُ: محبوبٌ قائلُها، ومحبةُ الله تعالى للعبد: إرادةُ إيصالِ الخيرِ له؛ لكن قياسَ فَعيل بمعنى مفعول: أن لا تدخل فيه تاء التأنيث، وجوابه: إمّا بأن ذلك كثير لازم، أو أن وجوب ذلك حالَ الإفراد، لا حال التثنية، أو التأنيثُ لمناسبة (خفيفتان) و (ثقيلتان)، وهما فَعيل بمعنى فاعل، أو التاء لنقل اللّفظ من الوصفية إلى الاسمية، وقد يقال: هي فيما لم يقع بعد نحو: خذ ذبيحتك للشاةِ

الّتي لم تُذْبَح؛ فإذا وقع عليها الفعلُ، فهي ذَبيحٌ. (إلى الرّحمن) خصص به دون سائر الأسماء؛ لأن المقصود من الحديث: بيانُ سَعَةِ رحمةِ الله تعالى على عباده؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الكثير، وفيه: فضيلةٌ عظيمةٌ للكلمتين؛ سبقت آخر (كتاب الدعوات)، وهي أن من قال: "سبحانَ اللهِ وبحمدِه في يومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاه، وِإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". (خفيفتان) الإشارةُ بالخفة والثقل إلى قلةِ العمل، وكثرةِ الثّواب، وفي الحديثِ من البديع: السجعُ، والمنهيُّ عنه في السجع: ما يُراد به إبطالُ حق، ونحوه؛ كسجع الكهان، والمقابلةُ بين الخفيفة والثقيلة، ويسمى: الطباق، وختم به كما افتتح "الجامع" بالنية، الأوّل للإخلاص، والثّاني أن كتابه الّذي صنَّفه يرجو أنه من العمل الّذي يوزن له يوم القيامة، ويجازى به، وأنه وضعه قسطًا، وميزانًا يرجع إليه، وذلك سهلٌ على من سَهَّلَه الله تعالى عليه. (سبحان الله وبحمده، سبحان اللهِ العظيم) هما المخبر عنهما بأنهما كلمتان خفيفتان، فهما مبتدأ، و (كلمتان) خبر مقدَّم، وما بينهما صفةٌ للخبر، وإنما قدم الخبر؛ لقصد تشويق السامع إلى المبتدأ؛ كما قال: ثَلَاثَةٌ تُشْرِقُ الدُّنْيَا بِبَهْجَتِهَا ... شَمْسُ الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالقَمَرُ

قال السَّكَّاكي: فكونُ التقديم يفيدُ التشويق حقُّه تطويلُ الكلام في الخبر، وإلا لم يحسن ذلك، وذلك لأنه كلما كثر التشويق بالتطويل؛ بذكر أوصافه الجارية، ازدَادَ شوقُ السامع إلى المبتدأ، و (سبحان): مصدرٌ لازم النصب بإضمار الفعل، وهو عَلَمٌ على التسبيح، علم جنس للمعنى، وإنّما أُضيف، مع كونه علمًا، بتقدير تنكيره، ثمّ إضافته، ومعنى التسبيح: التنزيه؛ أي: أنزِّهُ اللهَ تعالى عما لا يليق به، وقوله: (وبحمده): الواو فيه للحال، والتقديرُ: وأُسبحه متلبِّسًا بحمدي له؛ من أجل توفيقه لي للتسبيح ونحوه، أو قوله: (وبحمده): وبحمده عطفُ جملة على جملة؛ أي: أُسبحه، وأتلبس بحمدِه. والمختارُ في تعريف الحمد: أنه الثناءُ على الجميل الاختياري على وجه التعظيم، وسبقَ أن الإشارةَ بسبحانَ اللهِ: إلى جميع صفاته تعالى السلبية، المسماة بصفات الجلال، وبالحمد: إلى صفاته الوجودية، وهي الكمالات المسماة بصفات الإكرام؛ كما قال تعالى: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ورتبا على النظم الطبيعي، وهو إثبات التخلية عن النقصان، ثمّ التحلية بالكمال. وفيه نكتةٌ أُخرى، وهي: أنه ذكر أولًا اسمَ الله الّذي هو اسمُ الذات المقدسةِ الجامعةِ لجميع الصفات العُلْيا، والأسماء الحسنى، ثمّ وصفه بالعظيم الشاملِ لسلبِ ما لا يليق به، وإثباتِ ما يليق؛ إذ هذا

بمعنى العظمة المطلقة، وأمّا تكرارُ التسبيح، فللإشعار بتنزيهه على الإطلاق، وبأن التسبيح ليس إلا متلبسًا بالحمد؛ ليعلم أن الكمال له، نفيًا وإثباتًا معًا جميعًا، أو لأن الاعتناء بشأن التنزيه أكثر من الاعتناء بالتحميد لكثرة المخالفين فيه قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، ولهذا ورد في القرآن بعبارات مختلفة: بالمصدر: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [الإسراء: 1]، وبالماضي: {سَبَّحَ لِلَّهِ} [الحديد: 1]، وبالمضارع: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} [الجمعة: 1]، وبالأمر: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، أو لأن التنزيهات ممّا تُدركه عقولنا؛ بخلاف كمالاته؛ فإن العقول قاصرة عن إدراك حقيقتها؛ كما قاله بعضُ المتكلمين. وبالجملة: فهذا من جوامع الكلم، وفيه امتثالٌ لقوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98]، وتأويلٌ له، وما كان مندوبًا إليه في أواخر المجالس ختم البخاريّ به؛ كمجلس عِلمٍ خُتم، ولا ينافي قولنا هذا ما ذكرناه أوَّلًا في المناسبة: أنه افتتح ببدء الوحي، وأنه انتهى إلى ما به الابتداء؛ فإن الختم بهذا الباب ليس مقصودًا بالذات؛ بل هو لإرادة أن يكون آخر كلامه تسبيحًا وتحميدًا؛ كما أنه ذكر حديث النية أوَّلًا إرادةً لبيان إخلاصه فيه، وفيه الإشعارُ بما كان عليه البخاريُّ في أول أمره وآخره، رحمه الله تعالى، ورضي الله عنه، وعن علماء المسلمين.

والحمدُ لله وحدَه، وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين (¬1). * * * ¬

_ (¬1) جاء في آخر النسخة الخطية لمكتبة فيض الله والمشار إليها بـ (الأصل) ما نصه: "آخر كتاب "اللامع الصبيح في شرح الجامع الصّحيح" كتبه لنفسِه، ولمن شاء الله تعالى من بعده، فقيرُ عفوِ مولاه الكريم الغني، العبدُ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ أحمدَ المقدسيُّ الشَّافعيُّ المقرئُ، خادمُ السنة الشريفة النبوية -على صاحبها أفضلُ الصّلاة والسلام-، غفر الله تعالى له، ولوالديه، ولجميع المسلمين، ولمن دعا لهم بالمغفرة والرّحمة، آمين، في يوم الإثنين المبارك، الرّابع والعشرين من شهر رمضان العظيم قدرُه من شهور سنة سبعٍ وسبعين وثمان مئة. والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمّد، وآله وأصحابه أجمعين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا إلى يوم الدِّين، وحسبُنا الله تعالى ونعم الوكيلُ". وجاء في آخر النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا بتركيا، والمشار إليها بـ (ت) ما نصه: "وافق الفراغ من تكملة هذا الجزء المبارك يوم الجمعة المبارك الموافق لثامن عشر من شهر رجب الفرد المحرم سنة (889 هـ) على يد الفقير إلى الله تعالى، الراجي منه العفو والغفران، والفضل والكرم والإحسان، مترحمًا على مؤلفه شيخ الاسلام، وراجيًا للاجتماع به في دار السّلام، في زمرة الأنبياء والمرسلين عليهم السّلام، علي بن حسن بن علي بن أحمد بن نعيم [...] الأزهري الشّافعيّ، غفر الله له ولوالديه، ولمن كان السبب فيه، ولكل المسلمين، آمين".

§1/1